فرع في ذكر الأئمّة عليهم السّلام
وهم مِن نسل سيّدنا ومولانا ( زين العابدين ومنار القانتين ) أبي محمّد عليّ بن الحسين بن عليّ عليهم السّلام.
كان عابداً وفيّاً، وجواداً حفيّاً، وأمّه شاه زنان بنت يَزْدُجرد بن شهريار بن كسرى، ومولده بالمدينة سنة 38 من الهجرة.
عن سفيان بن عُيينة، عن الزهريّ، قال: كنّا عند جابر فدخل عليه عليّ بن الحسين عليه السّلام، فقال: كنتُ عند رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فدخل عليه الحسين بن عليّ عليه السّلام فضمّه إلى صدره وقبلّه وأقعده إلى جنبه، ثمّ قال: يُولَد لابني هذا ابنٌ يقال له « عليّ »، إذا كان يومُ القيامة نادى منادٍ من بطنان العرش: لِيَقُم سيّدُ العابدين. فيقوم هو(39).
قلت: هذا حديث ذكره محدّث الشام في مناقبه ـ كما أخرجناه ـ وسنده معروف عند أهل النقل.
وعن ابن شهاب الزهريّ قال: شهدتُ عليَّ بن الحسين عليه السّلام يوم حَمَله عبدالملك بن مروان من المدينة إلى الشام، فأثقله حديداً، ووكّل به حُفّاظاً في عدّة وجمع، فاستأذنتُهم في التسليم عليه والتوديع له، فأذِنُوا لي، فدخلت عليه وهو في قبّة، والأقياد في رِجلَيه والغلّ في يديه(40)، فبكيتُ وقلت له: وددتُ أنّي مكانَك وأنت سالم، فقال: يا زهريّ، أتظن أنّ هذا ممّا ترى علَيّ وفي عنقّي يكربني؟ أما لو شئتُ ما كان، فإنّه ـ وإن بلغ بك وبأمثالكِ ـ لَيُذكّرني عذابَ الله. ثمّ أخرج يديه من الغلّ ورِجلَية من القيد، ثمّ قال: يا زهريّ، لا جزت معهم على ذا منزلتَينِ من المدينة.
قال: فما لبثنا إلاّ أربع ليال حتّى قدم الموكَّلون به يطلبونه بالمدينة فما وجدوه، فكنت فيمَن سألهتم عنه، فقال لي بعضهم: إنّا لنراه متبوعاً أنه لنازلٌ ونحن حوله لا ننام نرصده، إذ أصبحنا فما وجدنا بين محمله إلاّ حديدة. قال الزهريّ: فقدمت بعد ذلك على عبدالملك بن مروان فسألني عن عليّ بن الحسين فأخبرته، فقال لي: إنّه قد جاءني يومَ فَقَده الأعوان فدخل علَيّ فقال: ما أنا وأنت ؟! فقلت: أقِمْ عندي، فقال: لا أحب. ثم خرج، فواللهِ لقد امتلأ ثوبي منه خِيفة. قال الزهريّ: فقلت: يا أمير المؤمنين، ليس عليّ بن الحسين حيث تظنّ؛ إنّه مشغول بنفسه، فقال: حبّذا شغلُ مِثْله! فنِعم ما شُغِل به.
قال: وكان الزهريّ إذا ذكر عليَّ بن الحسين يبكي ويقول: زين العابدين!
قلت: هكذا أخرجه صاحب حلية الأولياء(41)، وتابعه محدّث الشام سواء.
وعن عبدالرحمان بن حفص القرشيّ قال: كان عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليه السّلام إذا توضأ اصفرّ، فيقول له أهله: ما هذا الذي يعتادك عند الوضوء ؟! فيقول: أتدرون بين يدَي مَن أُريد أن أقوم!(42)
وسفيان بن عُيَينة، قال: حجّ عليّ بن الحسين، فلمّا أحرم واستوت به راحلته اصفرّ لونه وانتفض، ووقع عليه الرِّعدة، ولم يستطع أن يُلبّي، فقيل له: ما لك ؟! فقال: أخشى أن أقول: لبّيك، فيُقال: لا لبّيك!
فقيل له: لابدّ مِن هذا. قال: فلمّا لبّى غُشي عليه وسقط من راحلته، فلم يزل يعتريه ذلك حتّى قضى حَجَّه(43).
قلت: رواه ابن عساكر في تاريخه.
وعن عمرو بن خالد، عن أبي حمزة الثمالي قال: أتيتُ بابَ عليّ بن الحسين فكرهتُ أن أصوّت، فقعدت حتّى خرج.. فسلّمت عليه ودعوت له، فردّ علَيَّ السلام ودعا لي، ثمّ انتهى إلى حائط له ( أي بستان ) فقال: يا أبا حمزة، تَرى هذا الحائط ؟ قلت: بلى يا ابن رسول الله، قال: فإنّي اتّكأتُ عليه يوماً وأنا حزين، فإذا رجل حسَن الوجه والثياب ينظر في اتّجاه وجهي، ثمّ قال: يا عليّ بن الحسين، ما لي أراك كئيباً حزينا ؟ أعلى الدنيا، فهو رزق حاضر يأكل منه البَرّ والفاجر! فقلت: ما عليها أحزن كما تقول، فقال: على الآخرة ؟ فهو وعد صادق يحكم فيها ملك قاهر، فقلت: ما على هذا أحزن؛ لأنّه كما تقول. قال: فما حزنك يا عليّ بن الحسين ؟ قلت: مِن فتنة ابن الزبير، فقال: يا عليّ بن الحسين، هل رأيتَ أحداً سأل اللهَ فلم يُعطِه ؟ قلت: لا، قال: فخَفِ اللهَ يكفيك أمره. قال: ثمّ غاب عنّي، فقيل لي: يا علي، هذا الخِضرُ ناجاك.
قلت: رواه أبو نعيم في حلية الأولياء(44)، وأخرجه ابن عساكر في تاريخه عنه.
وعن عبيدالله بن محمّد العامريّ: حدّثني أبي عن جدّي ـ وكان رفيقَ طاووس اليمانيّ ـ قال: سمعتُ طاووساً يقول: إنّي لَفي الحِجْر، إذ دخل الحِجرَ عليُّ بن الحسين عليه السّلام، فقلت: رجل صالح من أهل بيت النبوة، لأستمعنّ إلى دعائه الليلة. قال: ثمّ قام يصلّي من السَّحَر، ثمّ سجد سجدة، فجعل يقول في سجوده: عبدُك يا ربّ.. نزل بفِنائك، مسكينُك يا ربّ.. نزل بفِنائك، فقيرك يا ربّ.. نزل بفِنائك. قال طاووس: فحفظتهُنّ، فما دعوتُ بهنّ في كرب إلاّ فَرّج الله عنّي(45).
وذكر قصّة حجّ هشام بن عبدالملك، وإجلال الحجيج لزين العابدين عليه السّلام دونه.. وجاء فيها قول الفرزدق:

هذا الـذي تعرف البطـحـاءُ وطْأتَــه

والبـيـتُ يـعرفـه والحِـلُّ والحـرِمُ

هـذا ابـنُ خـيـرِ عـبـادِ الله كـلِّهمُ

هـذا التـقـيُّ النـقـيّ الطـاهر العلَمُ

إذا رأتْـه قـريـشٌ قـال قـائـلـُهـا:

إلى مـكـارم هذا يـنـتـهي الكــرمُ

يَنمى إلـى ذُروة الـعـزّ إلتـي قصرت

عـن نَـيـلـهـا عَرَبُ الإسلام والعَجَمُ

مـشتـقّةٌ مـن رسـول الله نبـعـتُـه

طـابـت عناصـرُها والخـيم والـشيمُ

يـنجاب نورُ الهدى عن نـور غـُرّتـه

كالشـمس ينجاب عـن إشـراقها القَتَمُ

حـمّـال أثـقـال اقـوامٍ إذا فُـدِحـوا

حُلْـو الشمائل تــحـلو عـنـده النِّعَمُ

هـذا ابـن فاطـمـةٍ إن كنـتَ جاهلَه

بـجَـدِّه أنـبــيـاءُ الله قـد خُتِمـوا

وليس قولُك: مَــن هـذا ؟ بـضائـرهِ

الـعُـرْبُ تَـعـرف مَن أنكرتَ والعَجمُ

الله فـضّـله قــِدْمــاً وشـرّفــه

جـرى بـذاك لـه فـي لوحـهِ القلـَمُ

مَـن جَـدُّه دان فـضـلُ الانـبياء له

وفــضــل أمّـته دانـت لـه الأممُ

كـلتا يديه غـيـاثٌ عـمَّ نـفعُـهـما

يـستـوكـفـانِ ولا يَـعـروهما العدمُ

سهـلُ الخـليـــقـة لا تُخشى بوادره

يزينه اثنـان: حُـسنُ الـخُـلْق والكرمُ

مِـن مـعـشر حـبُّـهم دِينٌ، وبغضُهمُ

كـفـرٌ، وقـربُـهـمُ مَـنجى ومعتصَمُ

يـُستـدفـع السـوءُ والبـلـوى بحبِّهمُ

ويُـستـزاد بـه الإحـسـانُ والـنـعمُ

مُـقَـدَّم بـعـد ذِكـر الله ذِكـرُهــمُ

فـي كـلّ ذِكـرٍ، ومخـتـومٌ بـه الكَلِمُ

إن عُـدَّ أهـلُ التـقـى كـانـوا أئمّتَهم

أو قيل: مَن خيرُ أهل الارض ؟ قيل: همُ

لا يـسـتطيـع جـوادٌ بـعـد غـايتهم

ولا يُـدانـيـهـمُ قـومٌ وإن كـرمـوا

هـم الـغـيـوث إذا مـا أزمـةٌ أزِمتْ

والأسْـد أسـدُ الـشـرى والبأسُ مُحتدِمُ

أيّ الخـلائـق لـيـست فـي رقـابهمُ

لأوّلـيّـةِ هــذا أو لــه الـنـِّعــمُ

مَـن يـعـرفِ اللهَ يـعرفْ أوّلـيّـةَ ذا

فالدين مِن بـيـت هـذا نـالـه الأمـمُ

قال: فغضب هشام، وأمر بحبس الفرزدق بعسفان بين مكّة والمدينة، فبلغ ذلك عليَّ بن الحسين عليه السّلام، فبعث إليه باثني عشر ألف درهم، وقال: اعذرْ أبا فراس، لو كان أكثر منها لوصلناك بها. فردَّها وقال: يا ابن رسول الله، ما قلتُ الذي قلتُ إلاّ غضباً لله ولرسوله. وفي رواية: إنّ الفرزدق جعل يهجو هشاماً.
قلت: ذكره غير واحد من أهل السِّير والتواريخ، وذكره الحافظ أبو نعيم في « حلية الأولياء »، هذا لفظ محدّث الشام في ترجمة زين العابدين عليه السّلام من كتابه.
ورواه أبو القاسم الطبرانيّ ـ مع جلالة قدره ـ في معجمه الكبير في ترجمة الحسين عليه السّلام.
وسمعت الحافظ فقيه الحرم محمّد بن أحمد بن عليّ القسطلانيّ يقول: سمعت شيخَ الحرمين أبا عبدالله القرطبيّ يقول: لو لم يكن لأبي فراس عند الله عملٌ إلاّ هذا، لدخل الجنة به؛ لأنّها كلمة حقّ عند سلطانٍ جائر.
وتُوفّي عليه السّلام بالمدينة سنة خمس وتسعين، وله يومئذ سبع وخمسون سنة، ودُفن بالبقيع مع الحسن عليه السّلام.. فانظروا إلى بركة العدل بأن جعل الله تبارك وتعالى الأئمّة المهديّين من نسل الحسين عليه السّلام من بنت كسرى دون سائر زوجاته وكان له خمسة عشر ولداً، والإمام بعده وَلَدُه:

الباقر محمّد بن عليّ بن الحسين عليه السّلام
وُلد بالمدينة سنة سبع وخمسين من الهجرة، وقُبض بها سنة أربع عشرة ومائة وله يومئذٍ سبع وخمسون سنة، وقبره بالبقيع مع أبيه وجدّته، وكان له من الولد سبعة أولاد، والإمام بعده وَلَده(46):

أبو عبدالله جعفر بن محمّد الصادق عليه السّلام
مولده بالمدينة سنة ثلاث وثمانين.
عن الفضل بن الربيع قال: حجّ أبو جعفر المنصور سنة سبعٍ وأربعين ومئة، فقدم المدينة فقال لي: ابعثْ إلى جعفر بن محمّد مَن يأتيني به، قتلني الله إن لم اقتله. فأمسكتُ عنه رجاءَ أن ينساه، فأغلظ لي في التالية فجئته به، فقلت له. جعفر بن محمّد بالباب يا أمير المؤمنين، قال إئذن له، فأذنت له، فدخل فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، فقال: لا سلّم الله عليك يا عدوَّ الله، تُلحد في سلطاني وتبتغيني الغوائل في مُلكي، قتلني الله إن لم أقتلك. قال جعفر: يا أمير المؤمنين، إنّ سليمان عليه السّلام أُعطيَ فشكر، وإنّ أيوب ابتُلي فصبر، وإنّ يوسُف ظُلم فغفر، وأنت السنخ من ذلك. فنكّس طويلاً ثمّ رفع رأسه فقال: إليّ وعندي يا أبا عبدالله البريَّ الساحة، السليمَ الناحية، القليل الغائلة.. جزاك الله مِن ذِي رَحِمٍ أفضل ما يُجزي ذوي الأرحام عن أرحامهم. ثمّ تناول بيده فأجلسه معه على مفرشه، ثمّ قال: يا غلام علَيّ بالمنجفة ـ والمنجفة مدهن كبير فيه غالية ـ فأُتي به فغلفه بيده حتّى غدت لحيته قاطرة، ثم قال: في حفظ الله وكلائته، يا ربيع، ألحِق أبا عبدالله جائزته وكسوته. فانصرف، فلحقتُه فقلت: إنّي رأيتُ، ما لم تر، ورأيتُ بعد ذلك ما قد رأيت وقد رأيتك تحرّك شفتيك، فما الذي قلت ؟ قال: نعم، إنّك رجل منّا أهل البيت، ولك محبّة و ود، قلت: اللهم احرسني بمينك التي لا تنام، واكنُفْني بركنك الذي لا يُضام، واغفر لي بقدرتك علَيّ، لا أهلَك وأنت رجائي. ربِّ كم مِن نعمةِ أنعمتَ بها علَيّ قلّ لها شُكري، وكم من بليّة ابتليتَني بها قلّ عندها صبري، فيا مَن قلّ عند نعمته شكري فلم يحرمني، ويا مَن قلّ عند بليّته صبري فلم يخذلني، ويا مَن رآني على الخطايا فلم يفضحني، ياذا المعروف الذي لا ينقضي أبداً، ويا ذا النِّعم التي لا تُحصى أبداً، أسألك أن تصلّيَ على محمّدٍ وعلى آل محمّد، وبك أدرأُ في نحره، وأعوذ بك من شرّه.
اللهمّ فأعنّي على دِيني بدنياي، وأعنّي على آخرتي بتقواي، واحفظني فيما غِبتُ عنه، ولا تكِلْني إلى نفسي فيما حضرتُه، يا مَن لا تضرّه الذنوب، ولا تُنقصه المغفرة، اغفرْ لي ما لا يضرّك، وأعطِني ما لا ينقصك، إنّك أنت الوهّاب. أسألك فَرَجاً قريباً، وصبراً جميلاً، ورزقاً واسعاً، والعافيةَ من جميع البلاء، وشكرَ العافية )(47).
ومضى لسبيل الله في شوّال من سنة ثمانٍ وأربعين ومائة، وسنّه يومئذ خمسٌ وستّون سنة. وقبره بالبقيع مع آبائه صلوات الله عليهم. كان له عشر من الأولاد، والإمام بعده وَلَدُه:

أبو الحسن موسى الكاظم عليه السّلام
مولده بالأبواء سنة ثمانٍ وعشرين ومائة.
عن عبدالرحمان بن صالح الأزديّ، قال: حجّ هارون الرشيد فأتى قبرَ النبيّ صلّى الله عليه وآله زائراً له، وحوله قريش وأفياء القبائل ومعه الإمام موسى بن جعفر عليه السّلام، فلمّا انتهى إلى القبر قال: السلام عليك يا رسول الله، يا ابنَ عمّ. افتخاراً على مَن حوله، فدنا موسى فقال: السلام عليك يا أبه. فتغير وجه هارون وقال: هذا الفخر يا أبا الحسن حقّاً!
قلت: رواه الخطيب في ترجمته من التاريخ(48) وقال: تُوفّي لخمس بقين من رجب، سنة ثلاثٍ وثمانين ومائة ببغداد في حبس السنديّ بن شاهك، وله يومئذ خمس وخمسون سنة، ودُفن في مقابر قريش بباب التين. وكان له سبعة وثلاثون ولداً ذكراً وأنثى رضي الله عنهم أجمعين، والإمام بعده:

أبو الحسن عليّ بن موسى الرضا عليه السّلام
مولده بالمدينة سنة ثمان وأربعين ومائة، وقُبض بطوس من أرض خراسان في صفر سنة ثلاث ومائتين وله خمس وخمسون سنة، ولم يُذكَر له ولد سوى الإمام بعده:

الجواد محمّد المرتضى عليه السّلام
كان مولده في شهر رمضان سنة خمس وتسعين ومائة، وقُبض ببغداد في ذي القعدة سنة عشرين ومائتين وله يومئذ خمس وعشرون سنة، ودُفن مع جده موسى عليه السّلام، وخلّف مِن الولْد:

الهادي عليّاً عليه السّلام
وهو الإمام بعده، مولده بصريا من المدينة للنصف من ذي الحجّة سنة اثنتي عشرة ومائتين، وتُوفّي بسُرّ مَن رأى في رجب سنة أربع وخمسين ومائتين وله يومئذ إحدى وأربعون سنة، ودُفن في داره بسرّ من رأى، وخلّف من الولْد:

أبا محمّد الحسنَ ( العسكريّ ) ابنه عليه السّلام
وهو الإمام بعده، مولده بالمدينة في شهر ربيع الآخر من سنة اثنتين وثلاثين ومائتين، وقُبض يوم الجمعة لثمانٍ خلون من شهر ربيع الأوّل سنة ستّين ومائتين وله يومئذ ثمانٍ وعشرون سنة، ودفن في داره بسرّ من رأى في البيت الذي دُفن فيه أبوه، وخلّف ابنَه وهو:

الإمام المنتظر صلوات الله عليه
ونختم الكتاب ونذكره مفرداً.. ).
وهنا يُحيلنا الشيخ الگنجيّ الشافعيّ إلى كتابه الآخر والذي طُبع ـ مُلْحقاً ـ مع كتابه هذا، وهو: « البيان في أخبار صاحب الزمان » عجّل الله فرَجَه الشريف، وقد عرض فيه خمساً وعشرين باباً في شؤون الإمام المهديّ عليه السّلام، بدأها من خروجه عليه السّلام في آخر الزمان؛ لقول رسول الله صلّى الله عليه وآله: لو لم يبقَ من الدنيا إلاّ يوم، لطول الله ذلك اليوم.. حتّى يبعث الله رجلاً منّي ( أو من أهل بيتي )، يواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم ابني ( أي الحسن عليه السّلام )، يملأ الأرضَ قسطاً وعدلاً، كما مُلئت جوراً وظلماً(49).
وفي تشخيص الإمام المنتظر عليه السّلام.. روى سعيد بن المسيّب عن أمّ سلمة قالت: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول: المهديّ من عترتي مِن ولْد فاطمة(50). قلت: هذا حديث حسن صحيح.
وعن أبي سعيد الخدريّ، أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله ضرب على مَنكِب الحسين عليه السّلام وقال: مِن هذا مهديُّ الأمّة(51).
وضمن عناوينه.. يذكر الگنجيّ الشافعي: في ذكْر المهديّ من سادات أهل الجنّة، وأمر النبيّ صلّى الله عليه وآله بمتابعة المهديّ عجّل الله فرَجَه، ومقدار مُلكه بعد ظهوره عليه السّلام، وأنّه يُصلّي بعيسى عليه السّلام..
عن رِبعيّ بن حذيفة: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله:.. فيلتفت المهديّ ـ وقد نزل عيسى عليه السّلام ـ كأنّما يقطر من شعره الماء، فيقول المهديّ: تقدّم صلِّ بالناس، فيقول عيسى: إنّما أُقيمت الصلاة لك. فيصلّي عيسى خلف رجلٍ من ولدي... فيبايعه.
وتحت عنوان: ذكْر الغمامة التي تُظلّ المهديَّ عليه السّلام عند خروجه، أورد الگنجيّ سنداً طويلاً انتهى إلى عبدالله بن عمر، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: يخرج المهديّ على رأسه غمامة، فيها منادٍ ينادي: هذا المهديّ خليفة الله؛ فاتّبِعوه(52).
وتحت عنوان: في ذكْر تنعّم الأمّة زمنَ المهديّ عليه السّلام، عن أبي سعيد الخُدْريّ، عن النبيّ صلّى الله عليه وآله قال: تتنعّم أمّتي في زمن المهديّ نعمةً لم يتنعّموا مثلَها قطّ.. تُرسَل السماء عليهم مدراراً، ولا تَدَع الأرض شيئاً مِن نباتها إلاّ أخرجته، والمال كدوس، يقوم الرجل فيقول: يا مهديّ إعطني، فيقول: خذ.
قلت: هذا حديث صحيح المتن، رواه الحافظ الطبرانيّ(53).
وكتب عنوان: الباب الرابع والعشرين: في إخبار رسول الله صلّى الله عليه وآله أنّ المهديّ عليه السّلام خليفة الله..
عن ثوبان: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله:... ثمّ يجيء خليفة الله المهديّ، فإذا سمعتُم به فأْتُوه فبايِعوه؛ فإنّه خليفة الله المهديّ(54).
أمّا الباب الخامس والعشرون، فقد عنونه هكذا: في الدلالة على كون المهديّ عليه السّلام حيّاً باقياً منذ غيبته إلى الآن.
وهذا العنوان ـ أيّها الإخوة ـ يُوحي إلينا بوضوح، أنّ المؤلّف الشيخ الگنجيّ الشافعيّ يؤمن بالإمام المهديّ المنتظر أنّه خُلق ووُلد، وأنّه الآنَ في غيبته يعيش معنا؛ إذْ هو حيٌّ يُرزَق. ولا يكتفي بالعنوان الذي وضعه، حتّى يأخذ في عرض دلائل وجوده الشريف عليه السّلام، حيث يقول:
ولا امتناع في بقائه؛ بدليل بقاء عيسى وإلياس والخضر من أولياء الله تعالى، وبقاء الدجّال وإبليس الملعونَين أعداءِ الله تعالى. وهؤلاء قد ثبت بقاؤهم بالكتاب والسنّة، وقد اتّفقوا عليه ثمّ أنكروا جواز بقاء المهديّ، وها أنا أُبيّن بقاءَ كلّ واحدٍ منهم، فلا يُسمَع ـ بعد هذا ـ لعاقل إنكارُ جواز بقاء المهديّ عليه السّلام..
وهنا يصول الگنجيّ الشافعيّ ويجول في بيان دلائل بقاء مَن ذكرهم، طاوياً صفحاتٍ في ذلك، إلى أن يقول:
وأمّا بقاء المهديّ عليه السّلام فقد جاء في الكتاب والسنّة:
أمّا الكتاب ـ فقد قال سعيد بن جُبَير في تفسير قوله عزّوجلّ: « لِيُظهرَه على الدِّينِ كلِّه ولو كَرِه المشركون »(55): هو المهديّ مِن عترة فاطمة عليها السّلام.
وقال مقاتل ومَن شايعه من المفسّرين في تفسير قوله تعالى: « وإنّه لَعلمٌ لِلساعة.. »(56)، قال: هو المهديّ عليه السّلام، يكون في آخر الزمان، وبعد خروجه يكون قيام الساعة وأماراتها.
وأمّا السنّة، فما تقدّم في كتابنا من الأحاديث الصحيحة.

* * *

وإلى هنا، يُودّعُنا الشيخ الگنجيّ الشافعيّ في كتابيه: كفاية الطالب في مناقب عليّ بن أبي طالب عليه السّلام، والبيان في أخبار صاحب الزمان عجّل الله تعالى فرجه الشريف.. حيث رأينا فيهما الأنصافَ الكثير من المؤلّف، والإقرار الواضح بكثيرٍ من عقائد الشيعة الإماميّة، والإعجابَ العالي بفضائل أهل البيت عليهم السّلام ومناقبهم وخصائصهم، مستخرجاً إيّاها من عيون كتب أهل السنّة ومصادرهم، ومُسنِداً كلَّ حديث برجاله على وجه الدقّة، ومعلّقاً على الأحاديث بحُسنها وصحّتها وثاقة رجالها ووثاقة أسانيدها.

والحمد لله ربّ العالمين، وأزكى الصلاة والسلام
على المصطفى الصادق الأمين، وعلى آله الهداة الميامين.


1 ـ تذكرة الحفّاظ، للذهبي 1441:4.

2 ـ وهو المرويّ في عشرات الكتب، منها: مسند أحمد بن حنبل 368:4. خصائص النسائيّ. المستدرك على الصحيحين، للحاكم النيسابوريّ 109:3. الرياض النضرة، لمحبّ الدين الطبريّ 169:2. الفصول المهمّة، لابن الصبّاغ المالكيّ 23.. وغيرها بطرق عديد نجدها في موسوعة الغدير، للشيخ الأمينيّ 29:1 ـ 37.

3 ـ عن عمّار بن ياسر قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول لعليّ: يا عليّ، طوبى لمَن أحبّك وصدّق فيك، وويلٌ لمَن أبغضك وكذّب فيك. ورد هذا الحديث الشريف في: مستدرك الصحيحين 135:3. وتاريخ بغداد، للخطيب البغدادي 71:9. ومجمع الزوائد ومنبع الفوائد، للهيتميّ 132:9. الرياض النضرة 215:2. ذخائر العقبى 92.

4 ـ مسند أحمد 84:1. مطالب السؤول، لمحمّد بن طلحة الشافعيّ 17. الاستيعاب، لابن عبدالبرّ 37:3. فتح الباري، لابن حجر 57:7..

5 ـ صحيح الترمذيّ 301:2. تاريخ بغداد 217:8. كنز العمّال، للمتّقي الهنديّ 394:6. حلية الأولياء، لأبي نعيم 294:6..

6 ـ حلية الأولياء 66:1.

7 ـ كنز العمّال 154:6. مجمع الزوائد 108:9. الرياض النضرة 166:2.

8 ـ تاريخ بغداد 216:1. الرياض النضرة 168:2. الصواعق المحرقة، لابن حجر 93. مجمع الزوائد 172:9. كنز العمال 152:6. فيض القدير، للمناوي 223:2.

9 ـ صحيح الترمذيّ 301:2. مسند أحمد 77:1.

10 ـ لأن فيه: عليّ بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر الكاظم، عن أبيه جعفر الصادق، عن محمّد بن عليّ الباقر، عن أبيه السجّاد عن جدّه الحسين عليهم السّلام.

11 ـ سورة آل عمران:31.

12 ـ حلية الأولياء 86:1. تاريخ بغداد 410:4. مستدرك الصحيحين 128:3. ذخائر العقبى 92. الإصابة في تمييز الصحابة، لابن حجر العسقلانيّ 20:3. مجمع الزوائد 108:9.

13 ـ آل عمران:61.

14 ـ صحيح مسلم ـ باب فضائل الصحابة. سنن ابن ماجة 30:1. مستدرك الصحيحين 116:3. صحيح الترمذيّ 300:2. مسند أحمد 185:1. خصائص النسائيّ 48. حلية الأولياء 356:4.

15 ـ حلية الأولياء 201:3.

16 ـ سورة الشورى:23.

17 ـ الكشّاف، للزمخشريّ 339:2. ذخائر العقبى 25. مجمع الزوائد 103:7 ، 168:9. نور الأبصار، للشبلنجيّ 101.

18 ـ سورة الحاقّة:12.

19 ـ تفسير الطبريّ 35:29 بأسانيد عديدة. مجمع الزوائد 131:1. حلية الأولياء 67:1. أسباب النزول، للواحديّ 329. كنز العمّال 408:6..

20 ـ مسند أحمد 437:4. مستدرك الصحيحين 110:3. مسند أبي داود الطيالسيّ 111:3. خصائص النسائيّ 87..

21 ـ كنز العمّال 226:1. الرياض النضرة 218:2. ميزان الاعتدال، للذهبيّ 99:3.

22 ـ كنز العمّال 152:6. فيض القدير 135:4. الصواعق المحرقة 72. ذخائر العقبى 58. الرياض النضرة 158:2. تاريخ بغداد 155:14.

23 ـ مجمع الزوائد 184:9. ورواه الطبراني والمتّقي الهنديّ.

24 ـ الرياض النضرة 164:2. ميزان الاعتدال 235:1..

25 ـ كنز العمّال 399:6، 395.

26 ـ ينابيع المودة 126. المناقب، للخوارزميّ 35.

27 ـ كنز العمّال 84:6. الرياض النضرة 161:2.

28 ـ صحيح الترمذيّ 300:2. كنز العمّال 159:6. تاريخ بغداد 402:7. أُسد الغابة، لابن الأثير 27:4..

29 ـ صحيح الترمذيّ 319:2. صحيح ابن ماجة 14. أسد الغابة 523:5. كنز العمّال 216:6. مسند أحمد 442:2. الصواعق المحرقة 112..

30 ـ كنز العمّال 153:6. كنوز الحقائق، للمناويّ 18..

31 ـ حلية الأولياء 68:1.

32 ـ تاريخ بغداد 140:1 ، 185:2 ، 4:2.

33 ـ الاستيعاب، لابن عبدالبَرّ 720:2 ، 750. مستدرك الصحيحين 497:2. ذخائر العقبى 44. تفسير الطبريّ 180:3. صحيح الترمذيّ 301:2. تاريخ بغداد 184:7..

34 ـ صحيح البخاري 189:2. صحيح مسلم 248:2. كنز العمّال 220:6. فيض القدير 421:4. مسند أحمد 328:4. سنن البيهقيّ 64:7.. وقال أبو نعيم في ( حلية الأولياء 40:2 ): هذا حديث متّفقٌ عليه.

35 ـ سورة الأحزاب:33.

36 ـ صحيح الترمذيّ 209:2. مشكل الآثار، للطحاويّ 335:1. الدرّ المنثور، للسيوطيّ 199:5. صحيح مسلم 331:2. الصواعق المحرقة 85. الإصابة 207:4..

37 ـ نور الأبصار، للشبلنجيّ 104. الجواهر المضيئة، لمحيي الدين القرشيّ 342:1. تذكرة خواصّ الأمّة، لسبط ابن الجوزيّ 53. الغدير، للشيخ الأمينيّ 130:3..

38 ـ ديوان الصاحب بن عبّاد 114 ـ 119، والقصيدة في 78 بيتاً.

39 ـ الصواعق المحرقة 120. مناقب آل أبي طالب 167:4.

40 ـ في رواية: والغل في عنقه.

41 ـ حلية الأولياء 135:4. مناقب آل أبي طالب 132:4.

42 ـ مناقب آل أبي طالب 148:4. ينابيع المودّة 453.

43 ـ ينابيع المودّة 453.

44 ـ حلية الاولياء 134:3. الفصول المهمة 189.

45 ـ ينابيع المودّة 454. تذكرة خواصّ الأمّة 331. مناقب آل أبي طالب 148:4.

46 ـ حلية الأولياء 80:3. مناقب آل أبي طالب 178:4. الفصول المهمّة 196. ينابيع المودّة 433.

47 ـ الفصول المهمّة 211. تذكرة خواصّ الأمّة 344. وذكر له عليه السّلام أبو نعيم في حلية الاولياء 192:3 حِكماً وأحاديثَ كثيرة.

48 ـ الصواعق المحرقة 123، وفيه: إنّ القصّة هذه كانت سبباً لإمساكه وحمله معه إلى بغداد وحبسه، فلم يخرج منه إلاّ مقيّداً. مناقب آل أبي طالب 283:4 ـ 329.

49 ـ كنز العمّال 188:7. ينابيع المودّة 519. ذخائر العقبى..

50 ـ سنن أبي داود 207:2. سنن ابن ماجة 369:2. مستدرك الصحيحين 557:4. أُسد الغابة 259:1. الاستيعاب 85:1. الصواعق المحرقة 98. مسند أحمد 84:1 ، 36:3..

51 ـ ذخائر العقبى 44. مجمع الزوائد 166:9. مرقاة المفاتيح، للقاري 602:5..

52 ـ مستدرك الصحيحين 463:4 ، 502. ينابيع المودّة 522.. وفيه: إنّه المهديّ؛ فأجيبوه.

53 ـ مجمع الزوائد 317:7. مستدرك الصحيحين 558:4. ينابيع المودّة 521.

54 ـ مستدرك الصحيحين 463:4، 502. ينابيع المودّة 522.

55 ـ سورة التوبة: 33.

56 ـ سورة الزخرف:61.