١٥٧ - المجلد الأوّل / القسم الثانى : الإمام علىّ مع النبىّ / الفصل الثالث : الإيثار الرائع ليلة المبيت
قال الله تعالي : ³ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَآءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ ² (١) . انتشر دين الله فى شبه الجزيرة العربيّة شيئاً فشيئاً ، وعلا الأذان المحمّدى ، وانعكس صداه فى أرجاء منها ، وكانت "يثرب" من المدن التى سمعت نداء الحقّ ، وقد التقي عدد من أهلها برسول الله ½ فى موسم الحجّ ، وعاهدوه سرّاً(٢) . ومن جهة اُخري زاد المشركون ظلمهم وجورهم ، وبلغوا ما بلغوا فى تعذيبهم واضطهادهم وإرهابهم للناس ، واشتدّ أذاهم للمسلمين ، فأمر النبىّ ½ بالهجرة إلي يثرب . (١) البقرة : ٢٠٧ . ١٥٨ - المجلد الأوّل / القسم الثانى : الإمام علىّ مع النبىّ / الفصل الثالث : الإيثار الرائع ليلة المبيت
من هنا ، هاجر المسلمون إلي يثرب تخلّصاً من جور المشركين واضطهادهم ، وقد بذل المشركون قصاري جهدهم للحؤول دون الهجرة ، بيد أنّ رجالاً كثيراً تركوا ما عندهم فى مكّة وغادروها علي عجل ، ففزع المشركون لذلك ; لأنّهم كانوا يعتقدون أنّه إذا اجتمع خلق غفير من أهل يثرب ، وحصل المسلمون علي دعم من بعضهم ، وخرج النبيّ ½ من مكّة والتحق بهم ، فسيشكّلون قوّة عظيمة تهدّد أمنهم وخاصّه قوافلهم التجاريّة . ولذا عزموا علي تدبير مكيدة لإنهاء أمر رسول الله ½ الذى كان لا يزال بمكّة . فاجتمعوا وتشاوروا ، فتصافقوا علي قتله ½ ; إذ لم يكن إخراجه أو حبسه مجدياً . واطّلع ½ علي مؤامرتهم المشؤومة عن طريق الوحى ، فكُلِّف بالخروج من مكّة(١) ³ وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ² (٢) . وقد قام المشركون بتطويق داره ½ ، بعد تداولهم فى خطّة قتله وكيفيّة التنفيذ ، فإذا قَصَد الخروج فستتلقّاه سيوفهم وينتهى أمره إلي الأبد . فاقترح ½ علي عليّ ¼ أن يبيت فى فراشه تلك الليلة ، فسأله : أ وَتسلم يا رسول الله ؟ قال : نعم . فرحّب الإمام ¼ بهذا الاقتراح موطّناً نفسه للقتل عند مواجهة المشركين صباحاً(٣) ، وسجد سجدة الشكر علي هذه الموهبة العظيمة(٤) . (١) الطبقات الكبري : ١ / ٢٢٧ ; الأمالى للطوسى : ٤٦٥ / ١٠٣١ . ١٥٩ - المجلد الأوّل / القسم الثانى : الإمام علىّ مع النبىّ / الفصل الثالث : الإيثار الرائع ليلة المبيت
والتحف بالبرد اليمانىّ الأخضر الذى كان يلتحف به النبيّ ½ عند نومه ، ونام مطمئنّاً فى فراشه ½ (١) . لقد عبّر الإمام ¼ بهذا الموقف عن غاية شجاعته ، وجسّدها وصدع بها عمليّاً ; إذ عرّض بدنه الأعزل للسيوف المسلولة ، وهذا اللون من الشجاعة امتاز به دون غيره . وقد دفع هذا الإيثار الرائع الملائكة الكروبيّين إلي الاستحسان والإعجاب به . وباهي الله سبحانه ملائكته بهذا المشهد العجيب لنكران الذات(٢) ، فأنزل الآية الكريمة : ³ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَآءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ . . . ² لتخليد هذه المنقبة ، وتكريم هذا الإيثار وهذه الفضيلة الرفيعة فى أروقة التاريخ . وبعد تلك الليلة كان ¼ يذهب إلي غار "ثور" ليُوصل ما يحتاج إليه النبىّ ½ ورفيقه(٣) . فأوصاه رسول الله ½ بردّ الأمانات ، واللحاق به فى المدينة(٤) . (١) تاريخ دمشق : ٤٢ / ٦٧ و٦٨ ، المستدرك علي الصحيحين : ٣ / ٥ / ٤٢٦٣ ، الطبقات الكبري : ٢٢٨١ ; الأمالى للطوسى : ٤٤٥ / ٩٩٥ . ١٦٠ - المجلد الأوّل / القسم الثانى : الإمام علىّ مع النبىّ / الفصل الثالث : الإيثار الرائع ليلة المبيت
وبعد مدّة ترك ¼ مكّة قاصداً يثرب ومعه الفواطم ; اُمّه فاطمة بنت أسد ، والسيّدة فاطمة الزهراء ، وفاطمة بنت الزبير بن عبد المطّلب . فعلمت قريش بذلك ، وعزمت علي منعه فبعثت ببعض فرسانها خلفه ، بيد أنّهم اصطدموا بموقفه الشجاع الجرىء ورجعوا خائبين(١) . وكان النبىّ ½ ينتظره فى "قبا" ، حتي إذا لحق به ، توجّهوا نحو يثرب(٢) . ١١٦ ـ الأمالى للطوسى عن أنس : لمّا توجّه رسول الله ½ إلي الغار ومعه أبو بكر أمر النبىّ ½ عليّاً ¼ أن ينام علي فراشه ويتوشّح ببردته ، فبات علىّ ¼ موطّناً نفسه علي القتل ، وجاءت رجال قريش من بطونها يُريدون قتل رسول الله ½ ، فلمّا أرادوا أن يضعوا عليه أسيافهم لا يشكّون أنّه محمّد ½ ، فقالوا : أيقظوه ليجد ألم القتل ويري السيوف تأخذه ، فلمّا أيقظوه ورأوه عليّاً ¼ تركوه وتفرّقوا فى طلب رسول الله ½ ، فأنزل الله عزّ وجلّ : ³ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَآءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ ² (٣) . ١١٧ ـ تاريخ اليعقوبى : أجمعت قريش علي قتل رسول الله ، وقالوا : ليس له اليوم أحد ينصره وقد مات أبو طالب ، فأجمعوا جميعاً علي أن يأتوا من كلّ قبيلة بغلام نَهْد(٤) ، فيجتمعوا عليه ، فيضربوه بأسيافهم ضربة رجل واحد ، فلا يكون لبنى هاشم قوّة بمعاداة جميع قريش . (١) الأمالى للطوسى : ٤٧٠ / ١٠٣١ . ١٦١ - المجلد الأوّل / القسم الثانى : الإمام علىّ مع النبىّ / الفصل الثالث : الإيثار الرائع ليلة المبيت
فلمّا بلغ رسول الله أنّهم أجمعوا علي أن يأتوه فى الليلة التى اتّعدوا فيها خرج رسول الله لمّا اختلط الظلام ومعه أبو بكر ، وإنّ الله عزّ وجلّ أوحي فى تلك الليلة إلي جبريل وميكائيل أنّى قضيت علي أحدكما بالموت فأيّكما يواسى صاحبه ؟ فاختار الحياة كلاهما ، فأوحي الله إليهما : هلاّ كنتما كعلىّ بن طالب ، آخيت بينه وبين محمّد ، وجعلت عمر أحدهما أكثر من الآخر ، فاختار علىٌّ الموت ، وآثر محمّداً بالبقاء ، وقام فى مضجعه ؟! اهبطا فاحفظاه من عدوّه . فهبط جبريل وميكائيل ، فقعد أحدهما عند رأسه ، والآخر عند رجليه يحرسانه من عدوّه ويصرفان عنه الحجارة ، وجبريل يقول : بخ بخ لك يا بن أبى طالب ، من مثلك يباهى الله بك ملائكة سبع سماوات ؟ ! وخلّف عليّاً علي فراشه لردّ الودائع التى كانت عنده ، وصار إلي الغار فكمن فيه ، وأتت قريش فراشه فوجدوا عليّاً ، فقالوا : أين ابن عمّك ؟ قال : قلتم له : اخرج عنّا ، فخرج عنكم . فطلبوا الأثر فلم يقعوا عليه(١) . ١١٨ ـ مجمع البيان ـ فى ذكر مبيت علىّ ¼ علي فراش النبىّ ½ : روى أنّه لمّا نام علي فراشه قام جبرائيل عند رأسه وميكائيل عند رجليه ، وجبرائيل ينادى : بخ بخ من مثلك يابن أبى طالب يباهى الله بك الملائكة!(٢) (١) تاريخ اليعقوبى : ٢ / ٣٩ وراجع العمدة : ٢٤٠ / ٣٦٧ وتنبيه الخواطر : ١ / ١٧٣ والفضائل لابن شاذان : ٨١ والمناقب لابن شهر آشوب : ٢ / ٦٥ واُسد الغابة : ٤ / ٩٨ / ٣٧٨٩ وإحياء علوم الدين : ٣٧٩٣ . ١٦٢ - المجلد الأوّل / القسم الثانى : الإمام علىّ مع النبىّ / الفصل الثالث : الإيثار الرائع ليلة المبيت
١١٩ ـ الأمالى للطوسى عن ابن عبّاس : اجتمع المشركون فى دار الندوة ; ليتشاوروا فى أمر رسول الله ½ ، فأتي جبرئيل ¼ رسول الله ½ وأخبره الخبر ، وأمره أن لا ينام فى مضجعه تلك الليلة ، فلمّا أراد رسول الله ½ المبيت أمر عليّاً ¼ أن يبيت فى مضجعه تلك الليلة ، فبات علىّ ¼ وتغشّي ببرد أخضر حضرمى كان رسول الله ½ ينام فيه ، وجعل السيف إلي جنبه فلمّا اجتمع اُولئك النفر من قريش يطوفون ويرصدونه ويريدون قتله ، فخرج رسول الله ½ وهم جلوس علي الباب ، عددهم خمسة وعشرون رجلا ، فأخذ حفنة من البطحاء(١) ، ثمّ جعل يذرّها علي رؤوسهم [و](٢) هو يقرأ ³ يس ± وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ ² حتي بلغ ³ فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ ² (٣) . فقال لهم قائل : ما تنظرون قد والله خبتم وخسرتم ، والله لقد مرّ بكم وما منكم رجل إلاّ وقد جعل علي رأسه تراباً . فقالوا : والله ما أبصرناه ! قال : فأنزل الله عزّ وجلّ ³ وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ² (٤) (٥) . ١٢٠ ـ مسند ابن حنبل عن ابن عبّاس ـ فى قوله تعالي : ³ وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ ² : تشاورت قريش ليلة بمكّة فقال بعضهم : إذا أصبح فأثبتوه بالوثاق ـ يريدون النبىّ ½ ـ وقال بعضهم : بل اقتلوه ، وقال بعضهم : بل أخرجوه . فأطلع (١) هو الحصي الصغار (لسان العرب : ٢ / ٤١٣) . ١٦٣ - المجلد الأوّل / القسم الثانى : الإمام علىّ مع النبىّ / الفصل الثالث : الإيثار الرائع ليلة المبيت
الله عزّ وجلّ نبيّه علي ذلك ، فبات علىّ علي فراش النبىّ ½ تلك الليلة ، وخرج النبىّ ½ حتي لحق بالغار ، وبات المشركون يحرسون عليّاً يحسبونه النبىّ ½ ، فلمّا أصبحوا ثابوا إليه ، فلمّا رأوه عليّاً ردّ الله مكرهم ، فقالوا : أين صاحبك هذا ؟ قال : لا أدرى ! فاقتصّوا أثره ، فلمّا بلغوا الجبل خلط عليهم فصعدوا فى الجبل ، فمرّوا بالغار ، فرأوا علي بابه نسج العنكبوت فقالوا : لو دخل هاهنا لم يكن نسج العنكبوت علي بابه ، فمكث فيه ثلاث ليال(١) . ١٢١ ـ الإمام علىّ ¼ : إنّ قريشاً لم تزل تخيّل الآراء وتعمل الحيل فى قتل النبىّ ½ حتي كان آخر ما اجتمعت فى ذلك يوم الدار ـ دار الندوة ـ وإبليس الملعون حاضر فى صورة أعور ثقيف ، فلم تزل تضرب أمرها ظهراً لبطن حتي اجتمعت آراؤها علي أن ينتدب من كلّ فخذ من قريش رجل ، ثمّ يأخذ كلّ رجل منهم سيفه ثمّ يأتى النبىّ ½ وهو نائم علي فراشه فيضربونه جميعاً بأسيافهم ضربة رجل واحد فيقتلوه ، وإذا قتلوه منعت قريش رجالها ولم تسلّمها ، فيمضى دمه هدراً . فهبط جبرئيل ¼ علي النبىّ ½ فأنبأه بذلك وأخبره بالليلة التى يجتمعون فيها والساعة التى يأتون فراشه فيها ، وأمره بالخروج فى الوقت الذى خرج فيه إلي الغار ، فأخبرنى رسول الله ½ بالخبر ، وأمرنى أن أضطجع فى مضجعه وأقيه بنفسى ، فأسرعت إلي ذلك مطيعاً له مسروراً لنفسى بأن اُقتل دونه ، فمضي ¼ لوجهه ، واضطجعت فى مضجعه ، وأقبلت رجالات قريش موقنة فى أنفسها أن ١٦٤ - المجلد الأوّل / القسم الثانى : الإمام علىّ مع النبىّ / الفصل الثالث : الإيثار الرائع ليلة المبيت
تقتل النبىّ ½ ، فلمّا استوي بى وبهم البيت الذى أنا فيه ناهضتهم بسيفى ، فدفعتهم عن نفسى بما قد علمه الله والناس(١) . ١٢٢ ـ الطبقات الكبري عن عائشة وابن عبّاس وعائشة بنت قدامة وعلىّ ¼ وسراقة بن جعشم ـ دخل حديث بعضهم فى حديث بعض ـ : أتي جبريل رسول الله ½ ، فأخبره الخبر [أى اجتماع قريش علي قتل رسول الله ½ ] وأمره أن لا ينام فى مضجعه تلك الليلة . . . وأمر عليّاً أن يبيت فى مضجعه تلك الليلة ، فبات فيه علىّ وتغشّي بُرداً أحمر حضرميّاً كان رسول الله ½ ينام فيه ، واجتمع اُولئك النفر من قريش يتطلّعون من صِيْر(٢) الباب ويرصدونه يريدون ثيابه ويأتمرون أيّهم يحمل علي المضطجِع صاحب الفراش ، فخرج رسول الله ½ وهم جلوس علي الباب ، فأخذ حفنة من البَطحْاء فجعل يذرّها علي رؤوسهم ويتلو : ³ يس ± وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ ² (٣) حتي بلغ : ³ وَسَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَ أَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ² (٤) ومضي رسول الله ½ . فقال قائل لهم : ما تنتظرون ؟ قالوا : محمّداً ، قال : خبتم وخسرتم ، قد والله مرّ بكم وذرّ علي رؤوسكم التراب ، قالوا : والله ما أبصرناه ! وقاموا ينفضون التراب عن رؤوسهم ، وهم : أبو جهل والحكم بن أبى العاص وعقبة بن أبى مُعَيط والنضر ابن الحارث واُميّة بن خلف وابن الغيطلة وزمعة بن الأسود ، وطعيمة بن عدىّ ، وأبو لهب واُبىّ بن خلف ونبيه ومُنبه ابنا الحجّاج ، فلمّا أصبحوا قام علىّ عن (١) الخصال : ٣٦٦ / ٥٨ عن جابر الجعفى عن الإمام الباقر ¼ . ١٦٥ - المجلد الأوّل / القسم الثانى : الإمام علىّ مع النبىّ / الفصل الثالث : الإيثار الرائع ليلة المبيت
الفراش ، فسألوه عن رسول الله ½ فقال : لا علم لى به(١) . ١٢٣ ـ المستدرك علي الصحيحين عن ابن عبّاس : شري علىّ نفسه ولبس ثوب النبىّ ½ ثمّ نام مكانه . قال : وكان المشركون يرمون رسول الله ½ وقد كان رسول الله ½ ألبسه بردة ، وكانت قريش تريد أن تقتل النبىّ ½ ، فجعلوا يرمون عليّاً ويرونه النبىّ ½ وقد لبس بردة ، وجعل علىّ ¢ يتضَوّر(٢) ، فإذا هو علىّ فقالوا : إنّك للئيم ; إنّك لتتضوّر وكان صاحبك لا يتضوّر ، ولقد استنكرناه منك(٣) . ١٢٤ ـ مسند ابن حنبل عن ابن عبّاس : شري علىّ نفسه ; لبس ثوب النبىّ ½ ثمّ نام مكانه ، قال : وكان المشركون يرمون رسول الله ½ ، فجاء أبو بكر وعلىّ نائم ، قال : وأبو بكر يحسب أنّه نبىّ الله ، فقال : يا نبىّ الله ، قال : فقال له علىّ : إنّ نبىّ الله ½ قد انطلق نحو بئر ميمون فأدرِكه ، قال : فانطلق أبو بكر فدخل معه الغار ، قال : وجعل علىّ يُرمي بالحجارة ـ كما كان يُرمي نبىّ الله ـ وهو يتضوّر ، قد لفّ رأسه فى الثوب لا يخرجه ، حتي أصبح ، ثمّ كشف عن رأسه ، فقالوا : إنّك للئيم ; كان صاحبك نرميه فلا يتضوّر وأنت تتضوّر ، وقد استنكرنا ذلك(٤) . ١٢٥ ـ تاريخ الطبرى: أصبح الرهط الذين كانوا يرصدون رسول الله ½ ، فدخلوا الدار ، وقام علىّ ¼ عن فراشه ، فلمّا دنوا منه عرفوه ، فقالوا له : أين صاحبك ؟ (١) الطبقات الكبري : ١ / ٢٢٧ و٢٢٨ . ١٦٦ - المجلد الأوّل / القسم الثانى : الإمام علىّ مع النبىّ / الفصل الثالث : الإيثار الرائع ليلة المبيت
قال : لا أدرى ، أ وَرقيباً كنتُ عليه ؟ ! أمرتموه بالخروج فخرج . فانتهروه وضربوه وأخرجوه إلي المسجد ، فحبسوه ساعة ثمّ تركوه(١) . ١٢٦ ـ الأمالى للطوسى عن هند بن هالة وأبى رافع وعمّار بن ياسر ـ فى ذكر اجتماع قريش علي قتل رسول الله ½ وعزمه علي الهجرة إلي المدينة : دعا رسول الله ½ عليّاً ¼ وقال له : يا علىّ ، إنّ الروح هبط علىَّ بهذه الآية آنفاً ، يخبرنى أنّ قريشاً اجتمعوا علي المكر بى وقتلى ، وأنّه أوحي إلىّ ربّى عزّ وجلّ أن أهجر دار قومى ، وأن أنطلق إلي غار ثور تحت ليلتى ، وأنّه أمرنى أن آمرك بالمبيت علي ضجاعى ـ أو قال : مضجعى ـ ليخفي بمبيتك عليه أثرى ، فما أنت قائل وما صانع ؟ فقال علىّ ¼ : أ وَتسلم بمبيتى هناك يا نبىّ الله ؟ قال : نعم ، فتبسّم علىّ ¼ ضاحكاً ، وأهوي إلي الأرض ساجداً شكراً بما أنبأه رسول الله ½ من سلامته ، وكان علىّ صلوات الله عليه أوّل من سجد لله شكراً ، وأوّل من وضع وجهه علي الأرض بعد سجدته من هذه الاُمّة بعد رسول الله ½ ، فلمّا رفع رأسه قال له : امضِ لما اُمرت فداك سمعى وبصرى وسويداء قلبى ، ومُرنى بما شئت أكن فيه كمسرّتك ، وأقع منه بحيث مرادك ، وإن توفيقى إلاّ بالله . . . . فلمّا غلق الليل أبوابه وأسدل أستاره وانقطع الأثر ، أقبل القوم علي علىّ صلوات الله عليه يقذفونه بالحجارة والحَلَم(٢) ، ولا يشكّون أنّه رسول الله ½ حتي إذا برق الفجر وأشفقوا أن يفضحهم الصبح ، هجموا علي علىّ صلوات الله عليه ، (١) تاريخ الطبرى : ٢ / ٣٧٤ ، الكامل فى التاريخ : ١ / ٥١٦ نحوه . ١٦٧ - المجلد الأوّل / القسم الثانى : الإمام علىّ مع النبىّ / الفصل الثالث : الإيثار الرائع ليلة المبيت
وكانت دور مكّة يومئذ سوائب لا أبواب لها ، فلمّا بصر بهم علىّ ¼ قد انتضوا السيوف وأقبلوا عليه بها ، وكان يقدمهم خالد بن الوليد بن المغيرة ، وثب له علىّ ¼ فختله وهَمَز يده(١) ، فجعل خالد يقمِص(٢) قِماص البَكْر(٣) ، ويرغو رغاء الجمل ، ويذعر ويصيح ، وهم فى عرج الدار من خلفه ، وشدّ عليهم علىّ ¼ بسيفه ـ يعنى سيف خالد ـ فأجفلوا(٤) أمامه إجفال النَّعم إلي ظاهر الدار ، فتبصّروه فإذا هو علىّ ¼ ، فقالوا : إنّك لعلىّ ؟ قال : أنا علىّ ، قالوا : فإنّا لم نردك ، فما فعل صاحبك ؟ قال : لا علم لى به وقد كان علم ـ يعنى عليّاً ¼ ـ أنّ الله تعالي قد أنجي نبيّه ½ بما كان أخبره من مُضيّه إلي الغار واختبائه فيه ، فأذكت قريش عليه العيون ، وركبت فى طلبه الصعب والذلول ، وأمهل علىّ صلوات الله عليه حتي إذا أعْتَم(٥) من الليلة القابلة انطلق هو وهند بن أبى هالة حتي دخلا علي رسول الله ½ فى الغار ، فأمر رسول الله ½ هنداً أن يبتاع له ولصاحبه بعيرين ، فقال أبو بكر : قد كنت أعددت لى ولك يا نبىّ الله راحلتين نرتحلهما إلي يثرب . فقال : إنّى لا آخذهما ولا أحدهما إلاّ بالثمن . قال : فهى لك بذلك ، فأمر ½ عليّاً ¼ فأقبضه الثمن ، ثمّ أوصاه بحفظ ذمّته وأداء أمانته . وكانت قريش تدعو محمّداً ½ فى الجاهليّة الأمين ، وكانت تستودعه وتستحفظه أموالها وأمتعتها ، وكذلك من يقدم مكّة من العرب فى الموسم ، وجاءته النبوّة والرسالة والأمر كذلك ، فأمر عليّاً ¼ أن يقيم صارخاً يهتف (١) خَتَلَهُ : أى داورَه وطلبه من حيث لا يشعر (النهاية : ٢ / ١٠) ، والهَمْز : العصر (لسان العرب : ٥ / ٤٢٦) . ١٦٨ - المجلد الأوّل / القسم الثانى : الإمام علىّ مع النبىّ / الفصل الثالث : الإيثار الرائع ليلة المبيت
بالأبطح غدوةً وعشيّاً : ألا من كان له قِبَل محمّد أمانة أو وديعة فليأت فلتؤدَّ إليه أمانته . قال : وقال النبىّ ½ : إنّهم لن يصلوا من الآن إليك يا علىّ بأمر تكرهه حتي تقدم علىَّ ، فأدّ أمانتى علي أعين الناس ظاهراً ، ثمّ إنّى مستخلفك علي فاطمة ابنتى ومستخلف ربّى عليكما ومستحفظه فيكما ، وأمره أن يبتاع رواحل له وللفواطم ، ومن أزمع(١) للهجرة معه من بنى هاشم . . . . وقال رسول الله ½ لعلىّ وهو يوصيه : وإذا أبرمت ما أمرتك فكن علي اُهبة الهجرة إلي الله ورسوله ، وسر إلىّ لقدوم كتابى إليك ، ولا تلبث بعده . . . . ولمّا ورد رسول الله ½ المدينة نزل فى بنى عمرو بن عوف بقُباء ، فأراده أبو بكر علي دخوله المدينة وألاصَهُ(٢) فى ذلك ، فقال ½ : ما أنا بداخلها حتي يقدم ابن عمّى وابنتى ; يعنى عليّاً وفاطمة ¤ . . . ثمّ كتب رسول الله ½ إلي علىّ بن أبى طالب ¼ كتاباً يأمره فيه بالمسير إليه وقلّة التلوّم(٣) ، وكان الرسول إليه أبا واقد الليثى ، فلمّا أتاه كتاب رسول الله ½ تهيّأ للخروج والهجرة ، فآذن من كان معه من ضعفاء المؤمنين ، فأمرهم أن يتسلّلوا ويتخفّفوا إذا ملأ الليل بطن كلّ واد إلي ذى طوي ، وخرج علىّ ¼ بفاطمة بنت رسول الله ½ واُمّه فاطمة بنت أسد بن هاشم ، وفاطمة بنت الزبير بن عبد المطّلب ـ وقد قيل هى ضُباعة ـ وتبعهم أيمن ابن اُمّ أيمن مولي رسول الله ½ ، وأبو واقد رسول رسول الله ½ ، فجعل يسوق بالرواحل فأعنف بهم . (١) أى أجمعَ الرأى وعزمَ عليه (مجمع البحرين : ٢ / ٧٨١) . ١٦٩ - المجلد الأوّل / القسم الثانى : الإمام علىّ مع النبىّ / الفصل الثالث : الإيثار الرائع ليلة المبيت
فقال علىّ صلوات الله عليه : ارفق بالنسوة يا أبا واقد ; إنّهنّ من الضعائف . قال : إنّى أخاف أن يدركنا الطالب ـ أو قال : الطلب ـ فقال علىّ ¼ : ارْبَعْ(١) عليك ; فإنّ رسول الله ½ قال لى : يا علىّ ، إنّهم لن يصلوا من الآن إليك بما تكرهه ، ثمّ جعل ـ يعنى عليّاً ¼ ـ يسوق بهنّ سوقاً رفيقاً وهو يرتجز ويقول :
وسار فلمّا شارف ضَجَنان(٢) أدركه الطلب ، وعددهم سبعة فوارس من قريش مستلئمين(٣) ، وثامنهم مولي لحرب بن اُميّة يدعي جناحاً ، فأقبل علىّ ¼ علي أيمن وأبى واقد ، وقد تراءي القوم ، فقال لهما : أنيخا الإبل واعقلاها ، وتقدّم حتي أنزل النسوة ، ودنا القوم فاستقبلهم ¼ منتضياً سيفه ، فأقبلوا عليه فقالوا : أظننت أنّك يا غُدَرُ(٤) ناج بالنسوة ؟ ! ارجع لا أبا لك . قال : فإن لم أفعل ؟ قالوا : لترجعنّ راغماً ، أو لنرجعنّ بأكثرك شعراً وأهون بك من هالك ، ودنا الفوارس من النسوة والمطايا ليثوّروها ، فحال علىّ ¼ بينهم وبينها ، فأهوي له جناح بسيفه ، فراغ(٥) علىّ ¼ عن ضربته وتختّله علىّ ¼ فضربه علي عاتقه ، فأسرع السيف مضيّاً فيه حتي مسّ كاثبة(٦) فرسه ، فكان ¼ يشدّ علي قدمه شدّ الفرس ، أو الفارس علي فرسه ، فشدّ عليهم بسيفه وهو يقول : (١) أى ارفق بنفسك وكُفّ (الصحاح : ٣ / ١٢١٢) . ١٧٠ - المجلد الأوّل / القسم الثانى : الإمام علىّ مع النبىّ / الفصل الثالث : الإيثار الرائع ليلة المبيت
فتصدّع عنه القوم وقالوا له : اغن عنّا نفسك يابن أبى طالب . قال : فإنّى منطلق إلي ابن عمّى رسول الله ½ بيثرب ، فمن سرّه أن اُفرى لحمه واُريق دمه فَليَتعقّبنى أو فَليَدنُ منّى . ثمّ أقبل علي صاحبيه أيمن وأبى واقد فقال لهما : أطلقا مطاياكما . ثمّ سار ظاهراً قاهراً حتي نزل ضَجْنان ، فتلوّم بها قدر يومه وليلته ، ولحق به نفر من المستضعفين من المؤمنين وفيهم اُمّ أيمن مولاة رسول الله ½ ، فظلّ ليلته تلك هو والفواطم ـ اُمّه فاطمة بنت أسد ، وفاطمة بنت رسول الله ½ ، وفاطمة بنت الزبير ـ طوراً يصلّون وطوراً يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلي جنوبهم ، فلم يزالوا كذلك حتي طلع الفجر فصلّي ¼ بهم صلاة الفجر ، ثمّ سار لوجهه يجوب منزلاً بعد منزل لا يفتر عن ذكر الله ، والفواطم كذلك وغيرهم ممّن صحبه حتي قدموا المدينة(١) . ١٢٧ ـ تاريخ دمشق عن أبى رافع : إنّ عليّاً كان يجهّز النبىّ ½ حين كان بالغار ويأتيه بالطعام ، واستأجر له ثلاث رواحل ; للنبىّ ½ ولأبى بكر ودليلهم ابن اُريقط ، وخلّفه النبىّ ½ ، فخرج إليه أهله ، فخرج ، وأمره أن يؤدّى عنه أمانته ووصايا من كان يوصى إليه ، وما كان يؤتمن عليه من مال ، فأدّي أمانته كلّها . وأمره أن يضطجع علي فراشه ليلة خرج ، وقال : إنّ قريشاً لن يفقدونى ما رأوك ، فاضطجع علىّ علي فراشه ، فكانت قريش تنظر إلي فراش النبىّ ½ ١٧١ - المجلد الأوّل / القسم الثانى : الإمام علىّ مع النبىّ / الفصل الثالث : الإيثار الرائع ليلة المبيت
فيرون عليه رجلاً يظنّونه النبىّ ½ ، حتي إذا أصبحوا رأوا عليه عليّاً ، فقالوا : لو خرج محمّد خرج بعلىّ معه ، فحبسهم الله عزّ وجلّ بذلك عن طلب النبىّ ½ حين رأوا عليّاً ولم يفقدوا النبىّ ½ . وأمر النبىّ ½ عليّاً أن يلحقه بالمدينة ، فخرج علىّ فى طلبه بعدما أخرج إليه أهله ، يمشى من الليل ويكمن من النهار حتي قدم المدينة ، فلمّا بلغ النبىّ ½ قدومه قال : ادعوا لى عليّاً . قيل : يا رسول الله ، لا يقدر أن يمشى ، فأتاه النبىّ ½ ، فلمّا رآه النبىّ ½ اعتنقه وبكي رحمة لما بقدميه من الورم ، وكانتا تقطران دماً ، فتفل النبىّ ½ فى يديه ثمّ مسح بهما رجليه ، ودعا له بالعافية ، فلم يشتكهما علىّ حتي استشهد(١) . ١٢٨ ـ الإمام علىّ ¼ : لمّا خرج رسول الله ½ إلي المدينة فى الهجرة أمرنى أن اُقيم بعده حتي اُؤدّى ودائع كانت عنده للناس ، ولذا كان يسمّي الأمين ، فأقمت ثلاثاً فكنت أظهر ، ما تغيّبت يوماً واحداً ، ثمّ خرجت فجعلت أتّبع طريق رسول الله ½ حتي قدمت بنى عمرو بن عوف ورسول الله ½ مقيم ، فنزلت علي كلثوم بن الهدم وهنالك منزل رسول الله ½ (٢) . ١٢٩ ـ الأمالى للطوسى عن مجاهد : فخرت عائشة بأبيها ومكانه مع رسول الله ½ فى الغار ، فقال عبد الله بن شدّاد بن الهاد : وأين أنتِ من علىّ بن (١) تاريخ دمشق : ٤٢ / ٦٨ / ٨٤١٦ ، اُسد الغابة : ٤ / ٩٢ / ٣٧٨٩ نحوه وفيه من "و خلّفه النبىّ ½ " ; المناقب للكوفى : ١ / ٣٦٤ / ٢٩٢ ، إعلام الوري : ١ / ٣٧٤ . ١٧٢ - المجلد الأوّل / القسم الثانى : الإمام علىّ مع النبىّ / الفصل الثالث : الإيثار الرائع ليلة المبيت
أبى طالب حيث نام فى مكانه وهو يري أنّه يُقتل ؟ ! فسكتت ولم تُحِرْ جواباً(١) . ١٣٠ ـ الطبقات الكبري عن محمّد بن عمارة بن خزيمة بن ثابت : قدم علىّ للنصف من شهر ربيع الأوّل ورسول الله ½ بقُباء لم يَرِمْ(٢) بعدُ(٣) . ١٣١ ـ الأمالى للطوسى عن اُمّ هانئ بنت أبى طالب : لمّا أمر الله تعالي نبيّه ½ بالهجرة وأنام عليّاً ¼ فى فراشه ووشّحه ببرد له حضرمى ، ثمّ خرج فإذا وجوه قريش علي بابه ، فأخذ حفنة من تراب فذرّها علي رؤوسهم ، فلم يشعر به أحد منهم ، ودخل علىَّ بيتى ، فلمّا أصبح أقبل علىَّ وقال : أبشرى يا اُمّ هانئ ; فهذا جبرئيل ¼ يخبرنى أنّ الله عزّ وجلّ قد أنجي عليّاً من عدوّه . قالت : وخرج رسول الله ½ مع جناح الصبح إلي غار ثور ، وكان فيه ثلاثاً ، حتي سكن عنه الطلب ، ثمّ أرسل إلي علىّ ¼ وأمره بأمره وأداء أمانته(٤) . (١) الأمالى للطوسى : ٤٤٧ / ٩٩٩ ، المناقب لابن شهر آشوب : ٢ / ٥٧ . إرجاعات ١٥٧ - المجلد التاسع / القسم العاشر : خصائص الإمام عليّ / الفصل الثاني : الخصائص الأخلاقيّة / كمال الإيثار
١٧٣ - المجلد الأوّل / القسم الثانى : الإمام علىّ مع النبىّ / الفصل الثالث : الإيثار الرائع ليلة المبيت / نقل ونقد
ذكرنا مراراً عند نقلنا للأحاديث المرتبطة بالفضائل العلويّة أنّ إنكار فضائل الإمام ¼ والسعى لمحوها من صفحات التاريخ وأذهان الناس ـ لبواعث مختلفة وأسباب متنوّعة ـ دأب أعداء الحقّ علي مرّ التاريخ . وقد كان عمرو بن بحر الجاحظ (م ٢٥٥ هـ ) ممّن عزف علي وتر هذه النغمة اللاموزونة ـ بشأن هذه الفضيلة العظيمة ـ وحاول أن يُنكر فضيلة المبيت علي فراش النبىّ ½ ، ويسعي إلي تقليل وهجها الباهر المتألّق بزعمه وظنّه الباطل ; فقد قال فى رسالته الصغيرة المسمّاة بالعثمانيّة : لم يكن له فى ذلك كبير طاعة ; لأنّ الناقلين نقلوا أنّه ½ قال له : "نَم ; فلن يخلص إليك شىء تكرهه"(١) . ومنهم ابن تيميّة الذى لم يألُ جهداً ، ولم يدّخر وسعاً فى تقليل شأن فضائل الإمام ¼ وآل الله ، فعطف علي ما سبق قوله : وأيضاً فإنّ النبىّ ½ قد قال : "اتّشحْ ببردى هذا الأخضر ، فنم فيه ; فإنّه لن يخلص إليك منهم رجل بشىء تكرهه" فوعده ـ وهو الصادق ـ أنّه لا يخلص إليه ١٧٤ - المجلد الأوّل / القسم الثانى : الإمام علىّ مع النبىّ / الفصل الثالث : الإيثار الرائع ليلة المبيت / نقل ونقد
مكروه ; وكان طمأنينته بوعد الرسول ½ (١) . ولنا عليهما : ١ ـ إنّ الآية الكريمة : ³ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي . . . ² كما ذكرنا مصادرها الكثيرة فى تضاعيف كتابنا نزلت فى علىّ ¼ (٢) ، لتدلّ علي عظمة هذه الحادثة ، وهذا ما لا يدع مجالاً للشكّ والترديد . وهكذا أطلق الله تعالي علي عمل الإمام ¼ تعبير "شراء النفس" ، ودعا الملائكة لملاحظة هذا الإيثار الرائع ، بَيْد أنّ الجاحظ ، وابن تيميّة اجتهدا فى مقابل النصّ ، ولم يعدّا ذلك "شراء نفس" ، وأنكرا كونه فضيلةً ، بذريعة واهية تتلخّص فى أنّه ¼ كان يعلم أنّه لا يصل إليه مكروه . ٢ ـ إنّ الكلام الذى تشبّث به هذان الشخصان وهو قوله : "إنّهم لن يصلوا إليك بشىء تكرهه" لم يرد فى معظم المصادر التاريخيّة المهمّة التى يشار إليها بالبنان ، كما لم يرد فى المصادر الشيعيّة . وسنذكر أنّ النبىّ ½ قال له هذا القول بعد المبيت ، وبعدما أوصاه بأداء الأمانات فى الغار . وهكذا يستقيم كلام الإسكافى المعتزلى ويصمد شامخاً ، إذ قال فى نقد كلام الجاحظ : "هذا هو الكذب الصراح ، والتحريف والإدخال فى الرواية ما ليس منها . . ."(٣) . ٣ ـ ذكرنا سابقاً أنّ رسول الله ½ قال هذا الكلام وأمر عليّاً ¼ بأداء الأمانات فى إحدي ليالى إقامته فى الغار ، بعد حادثة المبيت ، ونقل الشيخ الطوسى (١) منهاج السنّة : ٧ / ١١٦ . إرجاعات ٣٧ - المجلد الثامن / القسم التاسع : الآراء حول شخصيّة الإمام عليّ / الفصل الأوّل : عليّ عن لسان القرآن / الذي يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله
١٧٥ - المجلد الأوّل / القسم الثانى : الإمام علىّ مع النبىّ / الفصل الثالث : الإيثار الرائع ليلة المبيت / نقل ونقد
رضوان الله عليه هذا القسم من الحادثة بالشكل الآتى : فأمر ½ عليّاً ¼ ، فأقبضه الثمن ، ثمّ أوصاه بحفظ ذمّته وأداء أمانته . . . وقال : " . . . إنّهم لن يصلوا من الآن إليك يا علىّ بأمر تكرهه . . ."(١) . ٤ ـ فى ضوء بعض المعلومات التاريخيّة : لمّا هجم المشركون علي الدار صباحاً ، ورأوا عليّاً ¼ فى الفراش ، وأيِسوا من مؤامرتهم المشؤومة ، اصطدموا بالإمام ¼ ، وقبل ذلك رموه بالحجارة غير مرّة . قال الإسكافى : ولو كان هذا صحيحاً لم يصل إليه منهم مكروه ، وقد وقع الاتّفاق علي أنّه ضُرب ورُمىَ بالحجارة قبل أن يعلموا من هو حتي تضوّر ، وأنّهم قالوا له : رأينا تضوّرك ; فإنّا كنّا نرمى محمّداً ولا يتضوّر(٢) . وقال الطبرى : فانتهروه وضربوه وأخرجوه إلي المسجد فحبسوه ساعةً ثمّ تركوه(٣) . فإذا كان عدم وصول المكروه إليه بوعد من رسول الله ½ قبل مبيته فى فراش النبىّ ½ لكان ينبغى عدم وصول شىء من الضرر والأذي إليه أصلا! وأشار الإمام ¼ فى كلام له إلي هذا الاصطدام وقال : "و أمرنى أن أضطجع فى مضجعه وأقيه بنفسى ، فأسرعتُ إلي ذلك مطيعاً له مسروراً لنفسى بأن اُقتل دونه"(٤). (١) الأمالى للطوسى : ٤٦٧ و٤٦٨ / ١٠٣١ . ١٧٦ - المجلد الأوّل / القسم الثانى : الإمام علىّ مع النبىّ / الفصل الثالث : الإيثار الرائع ليلة المبيت / نقل ونقد
وأوضح من ذلك كلّه شعر لطيف للإمام ¼ نفسه فى وصف هذه الفضيلة الرفيعة :
نلحظ الإمام ¼ فى هذه الأبيات يصرّح بمبيته فى فراش النبىّ ½ ، واستعداده للقتل ، والأسر ، وتفانيه فى سبيل المحافظة علي حياته ½ . (١) المستدرك علي الصحيحين : ٣ / ٥ / ٤٢٦٤ ، تذكرة الخواصّ : ٣٥ ; الغدير : ٢ / ٤٨ . |
||||||||||||