٣٠٠ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / مِخْنَفُ بنُ سُلَيْم
٨٨ مخنف بن سليم بن الحارث الأزْدى الغامدى ، كان من صحابة النبىّ ½ (١) ، وعلىّ ¼ (٢) . وكان يحمل راية قبيلته ـ الأزد ـ يوم الجمل(٣) ، وقد جرح فى هذه الحرب(٤) . وقبل صفّين طلب منه الإمام ¼ أن يأتى إلي الكوفة ، ويرافقه فى مسيره إلي صفّين . وتولّي قيادة قبيلته(٥) وبعض القبائل الاُخري فى حرب صفّين(٦) . ولاّه الإمام ¼ علي أصفهان(٧) وهَمَدان(٨) . وكلّفه ¼ مرّةً بجمع الضرائب فى أرض الفرات حتي منطقة بكر بن وائل ، وظلّ مسؤولاً عليها برهةً . وكتب إليه فى هذه المهمّة تعليمات رفيعة هى فى غاية الروعة والقيمة والوعظ والتذكير(٩) . ومخنف هذا هو الجدّ الأعلي للمؤرّخ الشيعى الجليل أبى مخنف(١٠) . ونُقلت (١) التاريخ الكبير : ٨ / ٥٢ / ٢١٢٢ ، الطبقات الكبري : ٦ / ٣٥ ، المعجم الكبير : ٢٠ / ٣١٠ / ٧٣٨ ، تاريخ أصبهان : ١ / ١٠٠ / ١٦ ، اُسد الغابة : ٥ / ١٢٣ / ٤٨٠٤ . ٣٠١ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / مُسْلِمٌ المَجاشِعِيّ
عن الامام ¼ كلمات فى مدحه وذمّه(١) . ٦٧٠٦ ـ اُسد الغابة : مخنف بن سليم ، له صحبة . واستعمله علىّ بن أبى طالب كرّم الله وجهه علي مدينة أصفهان ، وشهد معه صفّين ، وكان معه راية الأزد(٢) . ٨٩ كان يعيش فى المدائن أيّام واليها حُذيفة بن اليمان ، وبعد قتل عثمان وبقاء حذيفة والياً عليها بأمر الإمام علىّ ¼ ، قرأ حذيفة علي الناس رسالة الإمام ¼ ، ودعاهم إلي بيعته متحدّثاً عن عظمته . ولمّا بايع الناس ، طلب مسلم من حذيفة أن يحدّثه بحقيقة ما كان قد جري ، ففعل فأصبح مسلم من الموالين للإمام ¼ (٣) . ورسخ حبّ الإمام فى قلبه حتي قال ¼ فيه يوم الجمل : إنّ الفتي ممّن حشي الله قلبه نوراً وإيماناً ، وهو مقتول . . .(٤) . وكان أوّل من استُشهد يومئذ بعد قَطْع يدَيه(٥) . ٦٧٠٧ ـ المناقب للخوارزمى عن مجزأة السدوسى ـ فى ذكر أحداث حرب الجمل ـ : لمّا تقابل العسكران : عسكر أمير المؤمنين علىّ ¼ وعسكر أصحاب الجمل ، جعل أهل البصرة يرمون أصحاب علىّ بالنَّبل حتي عقروا منهم جماعة ، فقال الناس : يا أمير المؤمنين ، إنّه قد عقرنا نبلهم فما انتظارك بالقوم ؟ ! (١) وقعة صفّين : ١١ . ٣٠٢ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / مُسْلِمٌ المَجاشِعِيّ
فقال علىّ : اللهمّ إنّى اُشهدك أنّى قد أعذرت وأنذرت ، فكن لى عليهم من الشاهدين . ثمّ دعا علىّ بالدرع ، فأفرغها عليه ، وتقلّد بسيفه واعتجر(١) بعمامته واستوي علي بغلة النبىّ ½ ، ثمّ دعا بالمصحف فأخذه بيده ، وقال : يا أيّها الناس ، من يأخذ هذا المصحف فيدعو هؤلاء القوم إلي ما فيه ؟ قال : فوثب غلام من مجاشع يقال له : مسلم ، عليه قباء أبيض ، فقال له : أنا آخذه يا أمير المؤمنين . فقال له علىّ : يا فتي إنّ يدك اليمني تقطع ، فتأخذه باليسري فتقطع ، ثمّ تضرب عليه بالسيف حتي تقتل . فقال الفتي : لا صبر لى علي ذلك يا أمير المؤمنين . قال : فنادي علىّ ثانية ، والمصحف فى يده ، فقام إليه ذلك الفتي وقال : أنا آخذه يا أمير المؤمنين . قال : فأعاد عليه علي مقالته الاُولي ، فقال الفتي : لا عليك يا أمير المؤمنين ، فهذا قليل فى ذات الله ، ثمّ أخذ الفتي المصحف وانطلق به إليهم ، فقال : يا هؤلاء ، هذا كتاب الله بيننا وبينكم . قال : فضرب رجل من أصحاب الجمل يده اليمني فقطعها ، فأخذ المصحف بشماله فقطعت شماله ، فاحتضن المصحف بصدره فضرب عليه حتي قتل ـ رحمة الله عليه ـ (٢) . (١) الاعتِجارُ بالعَمامة : هو أن يَلُفَّها علي رَأسِه ويَرُدّ طَرَفَها علي وجْهِه ، ولا يَعْمل منها شيئاً تحت ذَقَنِه (النهاية : ٣ / ١٨٥) . ٣٠٣ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / مَصْقَلَةُ بنُ هُبَيْرَة
٦٧٠٨ ـ الجمل : كانت اُمّه [أى مسلم] حاضرة فصاحت وطرحت نفسها عليه وجرّته من موضعه ، ولَحِقَها جماعة من عسكر أمير المؤمنين ¼ أعانوها علي حمله حتي طرحوه بين يدى أمير المؤمنين ¼ واُمّه تبكى وتندبه وتقول :
تأمرهم بالقتل لا تنهاهُم(١) ٩٠ كان أحد أصحاب الإمام ¼ (٢) ، ونائب ابن عبّاس ، ووالى أردشير خرّه(٣) (٤) ، فكان عاملاً غير مباشر للإمام ¼ . وفى سنة ٣٨ هـ(٥) لمّا ظَهَر معقل بن قيس علي الثوّار المرتدّين من بنى ناجية وأسرهم ، اشتراهم مصقلةُ وأطلق سراحهم ، ثمّ لم يتمكّن من أداء قيمتهم إلي (١) الجمل : ٣٣٩ وراجع مروج الذهب : ٢ / ٣٧٠ والكامل فى التاريخ : ٢ / ٣٥٠ . إرجاعات
٢٢٠ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام عليّ في أيّام الإمارة / الحرب الاُولى : وقعة الجمل / الفصل الثامن : جهود الإمام لمنع القتال / فشل آخر الجهود
٣٠٤ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / مَصْقَلَةُ بنُ هُبَيْرَة
بيت المال(١) . مضافاً إلي تصرّفه فى أموال بيت المال بالبذل لأقربائه والعفو عمّا عليهم . ولهذا استدعاه الإمام وعاتبه علي تصرّفه غير المشروع فى بيت مال المسلمين وإتلافه للأموال ، وطلب منه ردّ ما أخذه من بيت المال لفكّ الأسري . فعظم ذلك علي مصقلة حيث لم يكن يتصوّر أنّ الإمام يعامله بهذه الشدّة بعد أن رأي عطاء عثمان وهباته من بيت المال ، بل كان يأمل عفو الإمام . فلمّا لم يصل الي أمله فرّ والتحق بمعاوية(٢) . ولهذا قال الإمام ¼ فى حقّه : "فَعلَ فِعل السادة ، وفرّ فِرار العبيد"(٣) . لقد شغل مصقلة بعض المناصب فى حكومة معاوية(٤) . وشهد علي حجر بن عدىّ حين أراد معاوية قتله.(٥) . ٦٧٠٩ ـ مروج الذهب : مضي الحارث بن راشد الناجى فى ثلاثمائة من الناس (١) تهذيب الأحكام : ١٠ / ١٤٠ / ٥٥١ ، نهج البلاغة : الخطبة ٤٤ ; أنساب الأشراف : ٣ / ١٨١ ، مروج الذهب : ٢ / ٤١٩ ، تاريخ الطبرى : ٥ / ١٢٨ ، تاريخ دمشق : ٥٨ / ٢٧٠ / ٧٤٥٠ . ٣٠٥ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / مَصْقَلَةُ بنُ هُبَيْرَة
فارتدّوا إلي دين النصرانيّة . . . فسرّح إليهم علىّ معقل بن قيس الرياحى ، فقتل الحارث ومن معه من المرتدّين بسيف البحر ، وسبي عيالهم وذراريهم ، وذلك بساحل البحرين ، فنزل معقل بن قيس بعض كُوَر الأهواز بسبى القوم ، وكان هنالك مصقلة بن هبيرة الشيبانى عاملاً لعلىّ ، فصاح به النسوة : امنُن علينا ، فاشتراهم بثلاثمائة ألف درهم وأعتقهم ، وأدّي من المال مائتى ألف وهرب إلي معاوية . فقال علىّ : قبّح الله مصقلة ! فَعَلَ فِعْلَ السيّد ، وفرّ فرار العبد ، لو أقام أخذنا ما قدرنا علي أخذه ; فإن أعسر أنظرناه ، وإن عجز لم نأخذه بشىء ، وأنفذ العتق . وفى ذلك يقول مصقلة بن هبيرة ، من أبيات :
٦٧١٠ ـ الغارات عن عبد الله بن قعين ـ بعدما اشتري مصقلة اُساري بنى ناجية ـ : انتظر علىّ ¼ مصقلة أن يبعث إليه بالمال ، فأبطأ به ، فبلغ عليّاً ¼ أنّ مصقلة خلّي سبيل الاُساري ، ولم يسألهم أن يُعينوه فى فكاك أنفسهم بشىء . فقال : ما أري مصقلة إلاّ قد حمل حَمالة(٢) ، لا أراكم إلاّ سترونه عن قريب مُبَلدَحاً(٣) . ثمّ كتب إليه : أمّا بعدُ ; فإنّ من أعظم الخيانة خيانة الاُمّة ، وأعظم الغشّ علي (١) مروج الذهب : ٢ / ٤١٨ و٤١٩ وراجع تاريخ الطبرى :٥ / ١٣٠ والكامل فى التاريخ : ٢ / ٤٢٢ ونهج البلاغة : الخطبة ٤٤ . ٣٠٦ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / مَصْقَلَةُ بنُ هُبَيْرَة
أهل المصر غشّ الإمام ، وعندك من حقّ المسلمين خمسمائة ألف درهم ، فابعث إلىّ بها حين يأتيك رسولى ، وإلاّ فأقبل إلىّ حين تنظر فى كتابى ; فإنّى قد تقدّمت إلي رسولى أن لا يدعك ساعة واحدة تُقيم بعد قدومه عليك إلاّ أن تبعث بالمال ، والسلام . قال : وكان الرسول أبا حرّة الحنفى ، فقال له أبو حرّة : إن تبعث بهذا المال وإلاّ فاشخَص معى إلي أمير المؤمنين ، فلمّا قرأ كتابه أقبل حتي نزل البصرة ، وكان العمّال يحملون المال من كور البصرة إلي ابن عبّاس فيكون ابن عبّاس هو الذى يبعث به إلي أمير المؤمنين ¼ فقال له : نعم أنظرنى أيّاماً ، ثمّ أقبل من البصرة حتي أتي عليّاً ¼ بالكوفة ، فأقرّه علىّ ¼ أيّاماً لم يذكر له شيئاً ثمّ سأله المال ، فأدّي إليه مائتى ألف درهم ، وعجز عن الباقى فلم يقدر عليه(١) . ٦٧١١ ـ تاريخ اليعقوبى : كتب [علىّ ¼ ] إلي مصقلة بن هبيرة ; وبلغه أنّه يُفرِّق ويهب أموال أردشيرخُرّة وكان عليها : أمّا بعد ; فقد بلغنى عنك أمر أكبرتُ أن اُصدّقه : أنّك تقسم فىء المسلمين فى قومك ، ومن اعتراك من السَّأَلة والأحزاب ، وأهل الكذب من الشعراء ، كما تقسم الجوز ! فو الذى فلق الحبّة وبرأ النسمة ، لاُفتّش عن ذلك تفتيشاً شافياً ; فإن وجدته حقّاً لتجدنّ بنفسك علىَّ هواناً ، فلا تكوننّ من الخاسرين أعمالاً ، الذين ضلّ سعيُهم فى الحياة الدنيا ، وهم يحسبون أنّهم يُحسنون صنعاً(٢) . (١) الغارات : ١ / ٣٦٤ ; تاريخ الطبرى : ٥ / ١٢٩ ، تاريخ دمشق : ٥٨ / ٢٧١ / ٧٤٥٠ كلاهما عن عبد الله بن فقيم وفيهما "مُلبّداً" بدل "مُبَلدَحاً" ، شرح نهج البلاغة : ٣ / ١٤٤ وراجع أنساب الأشراف : ٣ / ١٨١ والكامل فى التاريخ : ٢ / ٤٢١ والفتوح : ٤ / ٢٤٤ والبداية والنهاية : ٧ / ٣١٠ . ٣٠٧ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / مَصْقَلَةُ بنُ هُبَيْرَة
٦٧١٢ ـ الإمام علىّ ¼ ـ من كتابه إلي مصقلة بن هبيرة الشيبانى ، وهو عامله علي أردشيرخُرّة ـ : بلغنى عنك أمرٌ إن كنت فعلته فقد أسخطت إلهك ، وعصيت إمامك : أنّك تقسم فىء المسلمين الذى حازته رماحهم وخيولهم ، واُريقت عليه دماؤهم ، فيمن اعتامك من أعراب قومك ! فو الذى فلق الحبّة وبرأ النسمة ، لئن كان ذلك حقّاً لتجدنّ لك علىَّ هواناً ، ولتخفّنّ عندى ميزاناً ، فلا تستهِن بحقّ ربّك ، ولا تُصلح دنياك بمحق دينك ، فتكون من الأخسرين أعمالاً . ألا وإنّ حقّ من قِبَلَك وقِبلَنا من المسلمين فى قِسمة هذا الفىء سواء ; يرِدُون عندى عليه ، ويصدرون عنه(١) . ٦٧١٣ ـ الغارات عن ذهل بن الحارث : دعانى مصقلة إلي رحله ، فقدّم عشاءً فطعمنا منه ، ثمّ قال : والله إنّ أمير المؤمنين يسألنى هذا المال ، وو الله لا أقدر عليه ، فقلت له : لو شئت لا يمضى عليك جمعة حتي تجمع هذا المال ، فقال : والله ما كنت لاُحمّلها قومى ، ولا أطلب فيها إلي أحد . ثمّ قال : أما والله لو أنّ ابن هند يطالبنى بها ، أو ابن عفّان لتركها لى ، أ لم تر إلي ابن عفّان حيث أطعم الأشعث بن قيس مائة ألف درهم من خراج أذربيجان فى كلّ سنة ، فقلت : إنّ هذا لا يري ذلك الرأى وما هو بتارك لك شيئاً ، فسكت ساعة وسكتّ عنه ، فما مكث ليلة واحدة بعد هذا الكلام حتي لحق بمعاوية ، فبلغ ذلك عليّاً ¼ فقال : ما له ؟ ! ترّحه(٢) الله ! فعل فعل السيّد ، وفرّ فرار العبد ، وخان خيانة الفاجر ، أما (١) نهج البلاغة : الكتاب ٤٣ ; أنساب الأشراف : ٢ / ٣٨٩ نحوه إلي "أعمالاً" . ٣٠٨ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / مَعْقِلُ بنُ قَيْس الرِّياحِيّ
إنّه لو أقام فعجز ما زدنا علي حبسه ; فإن وجدنا له شيئاً أخذناه ، وإن لم نقدر له علي مال تركناه ، ثمّ سار إلي داره فهدّمها(١) . ٩١ مَعْقِلُ بنُ قَيْس الرِّياحِىّ معقل بن قيس الرياحى ، شجاع من مقاتلى الكوفة ، وخطيب بليغ من خطبائها . وكان من اُمراء الجيش فى زمن الإمام أمير المؤمنين والإمام الحسن المجتبي ¤ . وكان رسول عمّار إلي المدينة فى فتح "تُسْتَر"(٢) وقدِم إليها مع الهُرْمُزان(٣) . تولّي قيادة رجّالة الكوفة فى معركة الجمل(٤) ، وغدا أميراً علي بعض قبائلها فى معركة صفّين(٥) . ووَلى قيادة الجيش حيناً فى معارك ذى الحجّة يوم صفّين(٦) . كان قائد الميسرة يوم النهروان(٧) . ثمّ أمره الإمام ¼ بقمع تمرّد "بنى ناجية" (١) الغارات : ١ / ٣٦٥ ; تاريخ الطبرى : ٥ / ١٣٠ ، تاريخ دمشق : ٥٨ / ٢٧٢ / ٧٤٥٠ كلاهما عن عبد الله بن فقيم نحوه وراجع أنساب الأشراف : ٣ / ١٨١ و١٨٢ والكامل فى التاريخ : ٢ / ٤٢١ والفتوح : ٤ / ٢٤٤ والبداية والنهاية : ٧ / ٣١٠ . ٣٠٩ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / مَعْقِلُ بنُ قَيْس الرِّياحِيّ
فهزم خرّيت بن راشد(١) . عندما أغار يزيد بن شجرة علي مكّة والمدينة ، هَبَّ معقل إلي مواجهته ، فأسَر عدداً من أصحابه ولاذ الباقون بالفرار(٢) . لمّا عزم الإمام ¼ علي معاودة قتال معاوية بعد إخماد فتنة النهروان ، واستبان الاستعداد النسبى الذى أبداه أهل الكوفة للقتال ، ذهب معقل إلي أطراف الكوفة لجمع المقاتلين ، لكنّه تلقّي ـ وهو فى مهمّته ـ الخبر المفجِع لاستشهاد الإمام علىّ ¼ (٣) . فى سنة ٤٣ هـ خرج المُسْتَورد ـ أحد أقطاب الخوارج ـ فى أيّام حكومة معاوية الغاصبة(٤) وهو يريد الشيعة ، فنهض معقل إلي قتاله . واستشهد بعد أن دَحَر جيشه وقتَله فى مبارزة بينهما(٥) . وصفه سعيد بن قيس بأنّه ناصح ، أريب صليب شجاع(٦) . ٦٧١٤ ـ شرح نهج البلاغة : معقل بن قيس كان من رجال الكوفة وأبطالها ، وله رياسة وقدم ، أوفده عمّار بن ياسر إلي عمر بن الخطّاب مع الهُرمُزان لفتح تُستَر . وكان من شيعة علىّ ¼ ، وجّهه إلي بنى ساقة فقتل منهم وسبي . وحارب (١) تهذيب الأحكام : ١٠ / ١٣٩ / ٥٥١ ، الغارات : ١ / ٣٤٨ ـ ٣٦٤ ، تاريخ اليعقوبى : ٢ / ١٩٥ ; تاريخ الطبرى : ٥ / ١٢١ ـ ١٢٨ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٤١٩ ـ ٤٢١ . ٣١٠ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / مَعْقِلُ بنُ قَيْس الرِّياحِيّ
المستَورد بن عُلفة الخارجى من تميم الرباب ، فقتل كلّ واحد منهما صاحبه بدجلة(١) . ٦٧١٥ ـ الغارات عن عبد الله بن قعين ـ فى ذكر حرب بنى ناجية ـ : سار فينا معقل ، يحرّضنا ويقول لنا : يا عباد الله ، لا تبدؤوا القوم وغضّوا الأبصار ، وأقلّوا الكلام ، ووطّنوا أنفسكم علي الطعن والضرب ، وأبشروا فى قتالهم بالأجر العظيم ، إنّما تقاتلون مارقةً مرقت من الدين وعلوجاً(٢) منعوا الخراج ، ولصوصاً وأكراداً ، انظرونى فإذا حملت فشدّوا شدّة رجل واحد . قال : فمرّ فى الصفّ كلّه يقول لهم هذه المقالة حتي إذا مرّ بالناس كلّهم ، أقبل فوقف وسط الصفّ فى القلب ، ونظرنا إليه ما يصنع ، فحرّك رايته تحريكتين ، ثمّ حمل فى الثالثة وحملنا معه جميعاً ، فو الله ما صبروا لنا ساعةً واحدةً حتي ولّوا وانهزموا ، وقتلنا سبعين عربيّاً من بنى ناجية ومن بعض من اتّبعه من العرب ، وقتلنا نحو ثلاثمائة من العلوج والأكراد(٣) . ٦٧١٦ ـ الغارات عن كعب بن قعين : أقام معقل بن قيس بأرض الأهواز وكتب إلي علىّ ¼ معى بالفتح وكنت أنا الذى قدم بالكتاب عليه ، وكان فى الكتاب : بسم الله الرحمن الرحيم ، لعبد الله علىّ أمير المؤمنين من معقل بن قيس ، سلام عليك فإنّى أحمد إليك الله الذى لا إله إلاّ هو ، أمّا بعد ، فإنّا لقينا المارقين وقد استظهروا علينا بالمشركين ، فقتلنا منهم ناساً كثيراً ، ولم نتعدّ فيهم سيرتك ، فلم نقتل منهم (١) شرح نهج البلاغة : ١٥ / ٩٢ . ٣١١ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / المِقْدادُ بنُ عَمْرو
مدبراً ولا أسيراً ، ولم نُذفّف(١) منهم علي جريح ، وقد نصرك الله والمسلمين ، والحمد لله ربّ العالمين ، والسلام(٢) . ٦٧١٧ ـ الغارات عن أبى عبد الرحمن السلمى ـ فى ذكر عزم الإمام ¼ علي حرب معاوية ثانياً وقوله لأصحابه ـ : أشيروا علىَّ برجل يحشر الناس من السواد ومن القري ومن محشرهم . فقال سعيد بن قيس : أما والله أشير عليك بفارس العرب الناصح ، الشديد علي عدوّك . قال له : من ؟ قال : معقل بن قيس الرياحى . قال : أجل ، فدعاه فسرّحه فى حشر الناس من السواد إلي الكوفة ، فلم يقدم حتي اُصيب أمير المؤمنين صلوات الله عليه وسلامه(٣) . ٩٢ المقداد بن عمرو بن ثعلبة البَهْرَاوِىُّ الكندى ، المعروف بالمقداد بن الأسود . طويل القامة ، أسمر الوجه(٤) . كان من شجعان الصحابة وأبطالهم ونُجَبائهم(٥) . (١) تَذْفِيف الجريح : الإجهازُ عليه وتحرِيرُ قَتله (النهاية : ٢ / ١٦٢) . ٣١٢ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / المِقْدادُ بنُ عَمْرو
شهد المشاهد كلّها مع رسول الله ½ (١) . وصَفُوه بأنّه مجمع الفضائل والمناقب ، وكان أحد الأركان الأربعة(٢) . وعَدّه رسول الله ½ أحد الأربعة الذين تشتاق إليهم الجنّة(٣) . ثبت علي الصراط المستقيم بعد رسول الله ½ ، وحفظ حقّ الولاية العلويّة ، وأعلن مخالفته للذين بدّلوا ، فى مسجد النبىّ ½ (٤) . وعُدَّ المقداد فى بعض الروايات أطوع أصحاب الإمام ¼ (٥) . وكان من الصفوة الذين صلّوا علي الجثمان الطاهر لسيّدة النساء فاطمة صلوات الله عليها(٦) . عارض المقداد حكومة عثمان ، وأعلن عن معارضته لها من خلال خطبة ألقاها فى مسجد المدينة(٧) . وقال : إنّى لأعجب من قريش أنّهم تركوا رجلاً ما أقول إنّ أحداً أعلم ولا أقضي منه بالعدل . . أما والله لو أجد عليه أعواناً . . . . توفّى المقداد سنة ٣٣ هـ وهو فى السبعين من عمره(٨) . (١) المستدرك علي الصحيحين : ٣ / ٣٩٢ / ٥٤٨٤ ، الطبقات الكبري : ٣ / ١٦٢ ، تهذيب الكمال : ٢٨ / ٤٥٣ / ٦١٦٢ . ٣١٣ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / المِقْدادُ بنُ عَمْرو
وكان له نصيب من مال الدنيا منذ البداية فأوصي للحسن والحسين ¤ بستّة وثلاثين ألف درهم منه(١) . وهذه الوصيّة دليل علي حبّه لأهل البيت (ع) وتكريمه واحترامه لهم ¼ . ٦٧١٨ ـ الأمالى للطوسى عن عبد الرحمن بن جندب عن أبيه : لمّا بويع عثمان سمعت المقداد بن الأسود الكندى يقول لعبد الرحمن بن عوف : والله يا عبد الرحمن ، ما رأيت مثل ما اُتى إلي أهل هذا البيت بعد نبيّهم . فقال له عبد الرحمن : وما أنت وذاك يا مقداد ؟ قال : إنّى والله اُحبّهم لحبّ رسول الله ½ ويعترينى والله وَجدٌ لا أبثّه بثّة ، لتشرّف قريش علي الناس بشرفهم ، واجتماعهم علي نزع سلطان رسول الله ½ من أيديهم . فقال له عبد الرحمن : ويحك ! والله لقد اجتهدت نفسى لكم . فقال له المقداد : والله لقد تركت رجلاً من الذين يأمرون بالحقّ وبه يعدلون ، أما والله لو أنّ لى علي قريش أعواناً لقاتلتهم قتالى إيّاهم يوم بدر واُحد . فقال له عبد الرحمن : ثكلتك اُمّك يا مقداد ! لا يسمعنّ هذا الكلام منك الناس ، أما والله إنّى لخائف أن تكون صاحب فرقة وفتنة . قال جندب : فأتيته بعدما انصرف من مقامه ، فقلت له : يا مقداد أنا من أعوانك . فقال : رحمك الله ، إنّ الذى نريد لا يغنى فيه الرجلان والثلاثة ، فخرجت من ٣١٤ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / المِقْدادُ بنُ عَمْرو
عنده وأتيت علىّ بن أبى طالب ¼ ، فذكرت له ما قال وقلت ، قال : فدعا لنا بخير(١) . ٦٧١٩ ـ تاريخ اليعقوبى ـ فى ذكر أحداث ما بعد استخلاف عثمان ـ : مال قوم مع علىّ بن أبى طالب ، وتحاملوا فى القول علي عثمان . فروي بعضهم قال : دخلت مسجد رسول الله ، فرأيت رجلاً جاثياً علي ركبتيه يتلهّف تلهّف من كأنّ الدنيا كانت له فسُلبها ، وهو يقول : وا عجباً لقريش ! ودفعهم هذا الأمر عن أهل بيت نبيّهم ، وفيهم أوّل المؤمنين ، وابن عمّ رسول الله أعلم الناس وأفقههم فى دين الله ، وأعظمهم غناءً فى الإسلام ، وأبصرهم بالطريق ، وأهداهم للصراط المستقيم . والله لقد زووها عن الهادى المهتدى الطاهر النقىّ ، وما أرادوا إصلاحاً للاُمّة ولا صواباً فى المذهب ، ولكنّهم آثروا الدنيا علي الآخرة ، فبُعداً وسحقاً للقوم الظالمين . فدنوت منه فقلت : من أنت يرحمك الله ؟ ومن هذا الرجل ؟ فقال : أنا المقداد بن عمرو ، وهذا الرجل علىّ بن أبى طالب . قال : فقلت : ألا تقوم بهذا الأمر فاُعينك عليه ؟ فقال : يابن أخى ! إنّ هذا الأمر لا يجرى فيه الرجل ولا الرجلان . ثمّ خرجت فلقيت أبا ذرّ ، فذكرت له ذلك ، فقال : صدق أخى المقداد . ثمّ أتيت عبد الله بن مسعود ، فذكرت ذلك له ، فقال : لقد اُخبرنا فلم نألُ(٢) . (١) الأمالى للطوسى : ١٩١ / ٣٢٣ . ٣١٥ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / المُنْذِرُ بنُ الجارُودِ العَبدِيّ
٩٣ المُنْذِرُ بنُ الجارُودِ العَبدِي ّ المنذر بن الجارود العبدى ، واسم الجارود بشر بن عمرو بن حبيش ، من صحابة الإمام علىّ ¼ (١) ، وكان علي قسم صغير من جيشه فى معركة الجمل(٢) . ولاّه الإمام ¼ علي إصْطَخر(٣) (٤) ، وكان حسن الظاهر لكنّه مضطرب الباطن ، وليس له ثبات . خان المنذرُ الامامَ ¼ فى بيت المال ، واستأثر بقسم منه لنفسه ، فكتب إليه الإمام ¼ كتاباً عنّفه فيه . وبعد استلامه كتابَ الإمام جاء إلي الكوفة ، فعزله الإمام ¼ ، وحكم عليه بدفع ثلاثين ألف درهم ، وحبسه ، ثمّ أطلقه بشفاعة صَعصَعة بن صُوحان(٥) . ولى بعض المناطق فى أيّام عبيد الله بن زياد(٦) الذى كان صهره(٧) . وعندما عزم الإمام الحسين ¼ علي نهضته العظمي كاتب كثيراً من (١) تاريخ دمشق : ٦٠ / ٢٨١ . ٣١٦ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / المُنْذِرُ بنُ الجارُودِ العَبدِيّ
الشخصيّات المعروفة ودعاهم إلي نصرته والدفاع عن الحقّ . وكان المنذر أحد الذين راسلهم الإمام ¼ ، لكنّه سلّم الرسالة والرسول إلي عبيد الله بن زياد ، فيا عجباً من فعلته هذه(١) ! مات المنذر سنة ٦١ هـ (٢) . ٦٧٢٠ ـ الغارات عن الأعمش : كان علىّ ¼ ولّي المنذر بن الجارود فارساً فاحتاز مالاً من الخراج ، قال : كان المال أربعمائة ألف درهم ، فحبسه علىّ ¼ ، فشفع فيه صعصعة بن صوحان إلي علىّ ¼ وقام بأمره وخلّصه(٣) . ٦٧٢١ ـ تاريخ اليعقوبى عن غياث : [إنّ عليّاً ¼ ] كتب إلي المنذر بن الجارود ، وهو علي إصطخر : أمّا بعد ، فإنّ صلاح أبيك غرّنى منك ، فإذا أنت لا تدع انقياداً لهواك أزري ذلك بك . بلغنى أنّك تدع عملك كثيراً ، وتخرج لاهياً بمنبرها ، تطلب الصيد وتلعب بالكلاب ، واُقسم لئن كان حقّاً لنثيبنّك فعلك ، وجاهل أهلك خير منك ، فأقبل إلىَّ حين تنظر فى كتابى ، والسلام . فأقبل فعزله وأغرمه ثلاثين ألفاً ، ثمّ تركها لصعصعة بن صوحان بعد أن أحلفه عليها ، فحلف(٤) . ٦٧٢٢ ـ الأخبار الطوال : قد كان الحسين بن علىّ (ع) كتب كتاباً إلي شيعته من أهل (١) تاريخ الطبرى : ٥ / ٣٥٧ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٥٣٥ و٥٣٦ ، الأخبار الطوال : ٢٣١ ، الفتوح : ٥ / ٣٧ . ٣١٧ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / مَيْثَمٌ التَّمّار
البصرة مع مولي له يسمّي "سلمان" نسخته : بسم الله الرحمن الرحيم ، من الحسين بن علىّ إلي مالك بن مسمع والأحنف ابن قيس ، والمنذر بن الجارود ومسعود بن عمرو وقيس بن الهيثم ، سلام عليكم ، أمّا بعد ، فإنّى أدعوكم إلي إحياء معالم الحقّ وإماتة البدع ، فإن تجيبوا تهتدوا سبل الرشاد ، والسلام . فلمّا أتاهم هذا الكتاب كتموه جميعاً إلاّ المنذر بن الجارود ، فإنّه أفشاه ، لتزويجه ابنته هنداً من عبيد الله بن زياد ، فأقبل حتي دخل عليه ، فأخبره بالكتاب ، وحكي له ما فيه ، فأمر عبيد الله بن زياد بطلب الرسول ، فطلبوه ، فأتوه به ، فضربت عنقه(١) . ٩٤ هو ميثم بن يحيي التمّار الأسدى أبو سالم ، جليل من أصحاب أمير المؤمنين(٢) ، والحسن(٣) ، والحسين(٤) (ع) . كان عبداً لامرأة فاشتراه علىّ ¼ وأعتقه ، نال منزلةً رفيعةً من العلم بفضل باب العلم النبوى حتي وُصف بأنّه اُوتى علم المنايا والبلايا . كان الإمام ¼ قد أخبره بكيفيّة استشهاده وما يلاقيه فى سبيل الله . وقد نطق (١) الأخبار الطوال : ٢٣١ ، تاريخ الطبرى : ٥ / ٣٥٧ عن أبى عثمان النهدى نحوه وراجع الكامل فى التاريخ : ٢ / ٥٣٥ والفتوح : ٥ / ٣٧ . إرجاعات
١٥٠ - المجلد الرابع / القسم الخامس : سياسة الإمام علي / الفصل الثالث : السياسة الإداريّة / الموقف الحازم مع العمّال / المنذر بن الجارود
٣١٨ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / مَيْثَمٌ التَّمّار
ميثم بهذه الحقيقة العظيمة الواعِظة أمام قاتله الجلاّد الجائر ، وأكّد حتميّة تحقّق تلك النبوءة الإعجازيّة بصلابة تامّة(١) . إنّ رسوخه علي طريق الحقّ ، وثباته فى الدفاع عن الولاية ، ومنطقه البليغ فى تجلية الحقائق . كلّ ذلك قد استبان مراراً فى كلمات الأئمّة (ع) وذكرته أقلام العلماء ممّا سنقف عليه لاحقاً . قتله عبيد الله بن زياد قبل استشهاد الإمام الحسين ¼ بأيّام(٢) . ٦٧٢٣ ـ الإرشاد : إنّ ميثم التمّار كان عبداً لامرأة من بنى أسد ، فاشتراه أمير المؤمنين ¼ منها وأعتقه ، وقال له : ما اسمك ؟ قال : سالم . قال : أخبرنى رسول الله ½ أنّ اسمك الذى سمّاك به أبَوَاك فى العجم ميثم . قال : صدق الله ورسوله وصدقت يا أمير المؤمنين ، والله إنّه لاسمى . قال : فارجع إلي اسمك الذى سمّاك به رسول الله ½ ودع سالماً . فرجع إلي ميثم واكتني بأبى سالم . فقال له علىّ ¼ ذات يوم : إنّك تؤخذ بعدى فتُصلب وتُطعن بحربة ، فإذا كان اليوم الثالث ابتدر منخراك وفمك دماً فيخضب لحيتك ، فانتظر ذلك الخضاب ، وتُصلب علي باب دار عمرو بن حُريث عاشر عشرة أنت أقصرهم خشبةً وأقربهم من المطهرة ، وامضِ حتي اُريك النخلة التى تصلب علي جذعها . فأراه إيّاها . فكان ميثم يأتيها فيصلّى عندها ويقول : بوركتِ من نخلة ، لكِ خُلقتُ ولى غُذّيتِ . ولم يزل يتعاهدها حتي قُطِعت وحتي عرف الموضع الذى يُصلب عليها بالكوفة . قال : وكان يلقي عمرو بن حريث فيقول له : إنّى مجاورك فأحسن جوارى . فيقول له عمرو : أ تريد أن تشترى دار ابن مسعود أو دار ابن حكيم ؟ (١) الإرشاد : ١/٣٢٣ ، إعلام الوري : ١/٣٤٢ ; الإصابة : ٦/٢٤٩/٨٤٣٩ ، شرح نهج البلاغة : ٢/٢٩١ . ٣١٩ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / مَيْثَمٌ التَّمّار
وهو لا يعلم ما يريد . وحجّ فى السنة التى قُتل فيها ، فدخل علي اُمّ سلمة رضى الله عنها ، فقالت : من أنت ؟ قال : أنا ميثم . قالت : والله لربّما سمعتُ رسول الله ½ يوصى بك عليّاً فى جوف الليل . فسألها عن الحسين ، قالت : هو فى حائط(١) له . قال : أخبريه أنّى قد أحببت السلام عليه ، ونحن مُلتقون عند ربّ العالمين إن شاء الله . فدعت له بطيب فطيّبت لحيته ، وقالت له : أما إنّها ستُخضَبُ بدم . فقدم الكوفة فأخذه عبيد الله بن زياد فاُدخل عليه فقيل : هذا كان من آثر الناس عند علىّ . قال : ويحكم هذا الأعجمى ؟ ! قيل له : نعم . قال له عبيد الله : أين ربّك ؟ قال : بالمرصاد لكلّ ظالم وأنت أحد الظلمة . قال : إنّك علي عُجمتك لتبلغ الذى تريد ، ما أخبرك صاحبك أنّى فاعل بك ؟ قال : أخبرنى أنّك تصلبنى عاشر عشرة ، أنا أقصرهم خشبةً وأقربهم من المطهرة . قال : لنخالفنّه . قال : كيف تُخالفه ؟ ! فو الله ما أخبرنى إلاّ عن النبىّ ½ عن جبرئيل عن الله تعالي ، فكيف تخالف هؤلاء ! ؟ ولقد عرفت الموضع الذى اُصلب عليه أين هو من الكوفة ، وأنا أوّل خلق الله اُلجم فى الإسلام . فحبسه وحبس معه المختار بن أبى عبيد ، فقال ميثم التمّار للمختار : إنّك تفلت وتخرج ثائراً بدم الحسين فتقتل هذا الذى يقتلنا . فلمّا دعا عبيد الله بالمختار ليقتله طلع بريد بكتاب يزيد إلي عبيد الله يأمره بتخلية سبيله فخلاّه ، وأمر بميثم أن يصلب ، فاُخرج فقال له رجل لَقِيَه : ما كان أغناك عن هذا يا ميثم ! فتبسّم وقال وهو يومئ إلي النخلة : لها خُلقت ولى غُذّيت ، فلمّا رُفِعَ علي الخشبة اجتمع الناس حوله علي باب عمرو بن حريث . قال عمرو : قد كان والله يقول : إنّى مجاورك . فلمّا صُلب أمر جاريته (١) الحائط هاهنا البُسْتان من النخيل إذا كان عليه حائط وهُو الجِدار (النهاية : ١ / ٤٦٢) . ٣٢٠ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / مَيْثَمٌ التَّمّار
بكنس تحت خشبته ورشّه وتجميره(١) ، فجعل ميثم يحدّث بفضائل بنى هاشم ، فقيل لابن زياد : قد فضحكم هذا العبد . فقال : ألجموه . فكان أوّل خلق الله اُلجم فى الإسلام . وكان مقتل ميثم رحمة الله عليه قبل قدوم الحسين بن علىّ ¼ العراق بعشرة أيّام ، فلمّا كان يوم الثالث من صلبه ، طُعن ميثم بالحربة ، فكبّر ثمّ انبعث فى آخر النهار فمه وأنفه دماً(٢) . ٦٧٢٤ ـ رجال الكشّى عن حمزة بن ميثم : خرج أبى إلي العمرة ، فحدّثنى قال : استأذنت علي اُمّ سلمة رحمة الله عليها ، فضربت بينى وبينها خدراً ، فقالت لى : أنت ميثم ؟ فقلت : أنا ميثم . فقالت : كثيراً ما رأيت الحسين بن علىّ ، ابن فاطمة صلوات الله عليهم يذكرك . قلت : فأين هو ؟ قالت : خرج فى غنم له آنفاً . قلت : أنا والله اُكثر ذكره فاقرئيه السلام فإنّى مبادر . فقالت : يا جارية اخرجى فادهنيه ، فخرجت فدهنت لحيتى ببان . فقلت : أما والله لئن دهنتها لتخضبنّ فيكم بالدماء . فخرجنا فإذا ابن عبّاس رحمة الله عليهما جالس ، فقلت : يا ابن عبّاس سلنى ما شئت من تفسير القرآن ، فإنّى قرأت تنزيله علي أمير المؤمنين ¼ وعلّمنى تأويله . فقال : يا جارية الدواة وقرطاساً ، فأقبل يكتب . فقلت : يا بن عبّاس ، كيف بك إذا رأيتنى مصلوباً تاسع تسعة أقصرهم خشبةً وأقربهم بالمطهرة . فقال لى : وتكهن أيضاً خرق الكتاب . فقلت : مه احتفظ بما سمعت منّى فإن يك ما أقول لك حقّاً أمسكته ، وإن يك باطلا خرقته . قال : هو ذاك . فقدم أبى علينا فما لبث يومين حتي أرسل عبيد الله بن زياد ، فصلبه تاسع (١) أجْمَرت الثوبَ وجَمَّرته إذا بَخَّرْته بالطيب (النهاية : ١ / ٢٩٣) . ٣٢١ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / مَيْثَمٌ التَّمّار
تسعة أقصرهم خشبة وأقربهم إلي المطهرة ، فرأيت الرجل الذى جاء إليه ليقتله وقد أشار إليه بالحربة ، وهو يقول : أ ما والله لقد كنت ما علمتك إلاّ قوّاماً ، ثمّ طعنه فى خاصرته فأجافه فاحتقن الدم فمكث يومين ، ثمّ إنّه فى اليوم الثالث بعد العصر قبل المغرب انبعث منخراه دماً ، فخضبت لحيته بالدماء(١) . ٦٧٢٥ ـ خصائص الأئمّة (ع) عن ابن ميثم التمّار : سمعت أبى يقول : دعانى أمير المؤمنين ¼ يوماً فقال لى : يا ميثم كيف أنت إذا دعاك دعىّ بنى اُميّة عبيد الله بن زياد إلي البراءة منّى ؟ قلت : إذاً والله أصبر ، وذاك فى الله قليل . قال : يا ميثم ، إذاً تكون معى فى درجتى . وكان ميثم يمرّ بعريف قومه فيقول : يا فلان ، كأنّى بك قد دعاك دعىّ بنى اُميّة وابن دعيّها فيطلبنى منك ، فتقول هو بمكّة ، فيقول : لا أدرى ما تقول ، ولا بدّ لك أن تأتى به ، فتخرج إلي القادسيّة فتقيم بها أيّاماً ، فإذا قدمتُ عليك ذهبتَ بى إليه حتي يقتلنى علي باب دار عمرو بن حريث ، فإذا كان اليوم الثالث ابتدر من منخرى دم عبيط . قال : وكان ميثم يمرّ فى السبخة بنخلة فيضرب بيده عليها ، ويقول : يا نخلة ما غذّيتِ إلاّ لى ، وكان يقول لعمرو بن حريث : إذا جاورتك فأحسن جوارى ، فكان عمرو يري أنّه يشترى عنده داراً أو ضيعةً له بجنب ضيعته ، فكان عمرو يقول : سأفعل . فأرسل الطاغية عبيد الله بن زياد إلي عريف ميثم يطلبه منه ، فأخبره أنّه بمكّة ، فقال له : إن لم تأتنى به لأقتلنّك فأجّله أجلاً ، وخرج العريف إلي القادسيّة ينتظر ميثماً ، فلمّا قدم ميثم أخذ بيده فأتي به عبيد الله بن زياد ، فلمّا أدخله عليه ، قال له : ميثم ؟ قال : نعم . قال : اِبرأ من أبى تراب . قال : لا أعرف أبا تراب . قال : اِبرأ من علىّ بن أبى طالب . قال : فإن لم (١) رجال الكشّى : ١ / ٢٩٤ / ١٣٦ ، بحار الأنوار : ٤٢ / ١٢٨ / ١١ . ٣٢٢ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / النُعمانُ بنُ العَجلان
أفعل ؟ قال : إذاً والله أقتلك . قال : أما إنّه قد كان يقال لى إنّك ستقتلنى ، وتصلبنى علي باب عمرو بن حريث ، فإذا كان اليوم الثالث ابتدر من منخرى دم عبيط . قال : فأمر بصلبه علي باب عمرو بن حريث . فقال للناس : سلونى ، سلونى ـ وهو مصلوب ـ قبل أن أموت ، فو الله لاُحدّثنّكم ببعض ما يكون من الفتن ، فلمّا سأله الناس وحدّثهم ، أتاه رسول من ابن زياد ـ لعنه الله ـ فألجمه بلجام من شريط ، فهو أوّل من اُلجم بلجام وهو مصلوب ، ثمّ أنفذ إليه من وَجأ جوفه حتي مات ، فكانت هذه من دلائل أمير المؤمنين ¼ (١) . ٦٧٢٦ ـ رجال الكشّى عن سدير عن أبيه أبى حكيم : اجتمعنا سبعة من التمّارين فاتّعدنا لحمله فجئنا إليه ليلا والحرّاس يحرسونه ، وقد أوقدوا النار فحالت بيننا وبينهم ، فاحتملناه بخشبته حتي انتهينا به إلي فيض من ماء فى مراد فدفناه فيه ، ورمينا بخشبته فى مراد فى الخراب ، وأصبح فبعث الخيل فلم يجد شيئاً(٢) . ٩٥ ٦٧٢٧ ـ الإصابة عن المبرّد : أنّ علىّ بن أبى طالب استعمل النعمان هذا علي البَحرَين ، فجعل يعطى كلّ من جاءه من بنى زريق ، فقال فيه الشاعر :
(١) خصائص الأئمّة
(ع) : ٥٤ ، رجال الكشّى : ١ / ٢٩٥ / ١٣٩ نحوه وفى صدره "يوسف بن عمران الميثمى قال : سمعت ميثم النهروانى يقول : دعانى أمير المؤمنين ¼ وقال : كيف أنت يا ميثم إذا . . ." . إرجاعات
٤٣ - المجلد السابع / القسم السابع : أيّام المحنة / الفصل الرابع : هرب عدّة من أصحاب الإمام إلى معاوية / النعمان بن العجلان
٣٢٣ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / نُعَيْمُ بنُ دُجاجَةَ الأسَدِيّ
٩٦ نُعَيْمُ بنُ دُجاجَةَ الأسَدِي ّ ٦٧٢٨ ـ الإمام الصادق ¼ : بعث أمير المؤمنين ¼ إلي بشر بن عطارد التميمى فى كلام بلغه ، فمرّ به رسول أمير المؤمنين ¼ فى بنى أسد وأخذه ، فقام إليه نعيم بن دجاجة الأسدى فأفلته ، فبعث إليه أمير المؤمنين ¼ فأتوه به وأمر به أن يضرب ، فقال له نعيم : أما والله إنّ المقام معك لذلّ وإنّ فراقك لكفر . قال : فلمّا سمع ذلك منه قال له : يا نعيم ، قد عفونا عنك ، إنّ الله عزّ وجلّ يقول : ³ ادْفَعْ بِالَّتى هىَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ ² (١) . أمّا قولك : إنّ المقام معك لذلّ ، فسيّئة اكتسبتها ، وأمّا قولك : إنّ فراقك لكفر ، فحسنة اكتسبتها ، فهذه بهذه ، ثمّ أمر أن يخلّي عنه(٢) . ٩٧ هاشم بن عتبة بن أبى وقّاص المِرْقَالُ ، يكني أبا عمرو ، وهو ابن أخى سعد بن أبى وقّاص العارف السليم القلب ، وأسد الحروب الباسل . كان من الفضلاء الخيار وكان من الأبطال البُهم(٣) (٤) . من صحابة رسول الله ½ الكبار(٥) ، وكان (١) المؤمنون : ٩٦ . ٣٢٤ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / هَاشِمُ بنُ عُتْبَةَ
نصيراً وفيّاً للإمام أمير المؤمنين ¼ (١) ، ومن الشجعان الأبطال(٢) . أسلم يوم الفتح . وذهبت إحدي عينيه فى معركة اليرموك(٣) . ثمّ سارع إلي نصرة عمّه سعد بن أبى وقّاص(٤) . وتولّي قيادة الجيش فى فتح جَلَوْلاء(٥) . لُقِّب بالمِرقال لطريقته الخاصّة فى القتال وفى هجومه علي العدوّ(٦) . شهد معركة الجمل(٧) وصفّين(٨) . وإنّ ملاحمه ، وخطبه فى بيان عظمة الإمام علىّ ¼ ، وكشفه ضلال الأمويّين وسيرتهم القبيحة ، كلّها كانت دليلاً علي عمق تفكيره ، ومعرفته الحقّ . وثباته عليه . دفع الإمام علىّ ¼ رايته العظمي إليه يوم (١) رجال الطوسى : ٨٤ / ٨٥٢ وفيه "هشام بن عتبة بن أبى وقّاص المِرقال" ; مروج الذهب : ٢ / ٣٨٧ ، اُسد الغابة : ٥ / ٣٥٣ / ٥٣٢٨ . ٣٢٥ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / هَاشِمُ بنُ عُتْبَةَ
صفّين(١) . وتولّي قيادة رجّالة البصرة يومئذ(٢) . استُشهد فى صفّين عند مقاتلته كتيبة أمويّة بقيادة "ذو الكلاع"(٣) . وأثني الإمام أمير المؤمنين ¼ علي شجاعته وشهامته وثباته وكياسته(٤) . ٦٧٢٩ ـ الاستيعاب عن أبى عمر : أسلم هاشم بن عتبة يوم الفتح ، يعرف بالمرقال ، وكان من الفضلاء الخيار ، وكان من الأبطال البُهَم ، فُقِئت عينه يوم اليرموك ، ثمّ أرسله عمر من اليرموك مع خيل العراق إلي سعد ، كتب إليه بذلك ، فشهد القادسيّة ، وأبلي بها بلاءً حسناً وقام منه فى ذلك ما لم يقم من أحد ، وكان سبب الفتح علي المسلمين . وكان بُهْمَة من البُهَم فاضلاً خيّراً . وهو الذى افتتح جلولاء ، فعقد له سعد لواءً ووجّهه ، وفتح الله عليه جلولاء ولم يشهدها سعد(٥) . ٦٧٣٠ ـ المستدرك علي الصحيحين عن محمّد بن عمر : كان [هاشم بن عتبة ] أعور ، فقئت عينه يوم اليرموك(٦) . (١) الأخبار الطوال : ١٨٣ ، المستدرك علي الصحيحين : ٣ / ٤٤٧ / ٥٦٩١ ، تاريخ الطبرى : ٥ / ١١ وص ٤٠ ، تاريخ الإسلام للذهبى : ٣ / ٥٨٤ ، الاستيعاب : ٤ / ١٠٨ / ٢٧٢٩ ; رجال الطوسى : ٨٥ / ٨٥٢ وفيه "كان صاحب رايته ليلة الهرير" ، وقعة صفّين : ٢٠٥ . ٣٢٦ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / هَاشِمُ بنُ عُتْبَةَ
٦٧٣١ ـ الإصابة عن المرزبانى : لمّا جاء قتل عثمان إلي أهل الكوفة ، قال هاشم لأبى موسي الأشعرى : تعال يا أبا موسي بايع لخير هذه الاُمّة علىّ . فقال : لا تعجل . فوضع هاشم يده علي الاُخري ، فقال : هذه لعلىّ وهذه لى ، وقد بايعت عليّاً ، وأنشد :
٦٧٣٢ ـ الإمام علىّ ¼ : وقد أردتُ تولية مصرَ هاشمَ بن عُتبة ، ولو ولّيته إيّاها لما خَلّي لهم العرصة ، ولا أنهزهم الفرصة ، بلا ذمّ لمحمّد بن أبى بكر ، ولقد كان إلىَّ حبيباً ، وكان لى ربيباً(٢) . ٦٧٣٣ ـ عنه ¼ : رحم الله محمّداً ، كان غلاماً حدثاً ، أما والله لقد كنت أردت أن اُولّى المرقال هاشم بن عتبة بن أبى وقّاص مصر ، والله لو أنّه وليها لما خلّي لعمرو بن العاص وأعوانه العرصة ، ولما قُتل إلاّ وسيفه فى يده(٣) . ٦٧٣٤ ـ وقعة صفّين عن عبد الرحمن بن عبيد بن أبى الكنود : لمّا أراد علىّ المسير إلي أهل الشام دعا إليه من كان معه من المهاجرين والأنصار ، فحمد الله وأثني عليه وقال : أمّا بعد ، فإنّكم ميامين الرأى ، مراجيح الحلم ، مقاويل بالحقّ ، مباركو الفعل والأمر ، وقد أردنا المسير إلي عدوّنا وعدوّكم ، فأشيروا علينا برأيكم . فقام هاشم بن عتبة بن أبى وقّاص ، فحمد الله وأثني عليه بما هو أهله ، ثمّ قال : أمّا بعد ، يا أمير المؤمنين فأنا بالقوم جِدُّ خبير ، هم لك ولأشياعك أعداء ، (١) الإصابة : ٦ / ٤٠٥ / ٨٩٣٤ . ٣٢٧ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / هَاشِمُ بنُ عُتْبَةَ
وهم لمن يطلب حرث الدنيا أولياء ، وهم مقاتلوك ومجاهدوك لا يُبقون جهداً ، مشاحّة علي الدنيا ، وضنّاً بما فى أيديهم منها ، وليس لهم إربة(١) غيرها إلاّ ما يخدعون به الجهّال من الطلب بدم عثمان بن عفّان . كذبوا ليسوا بدمه يثأرون ، ولكن الدنيا يطلبون ، فسر بنا إليهم ، فإن أجابوا إلي الحقّ فليس بعد الحقّ إلاّ الضلال ، وإن أبوا إلاّ الشقاق فذلك الظنّ بهم . والله ما أراهم يبايعون وفيهم أحد ممّن يطاع إذا نهي ، ولا يُسمع إذا أمر(٢) . ٦٧٣٥ ـ وقعة صفّين عن هاشم بن عتبة ـ فى جواب استنفار علىّ ¼ قبل حرب صفّين ـ : سر بنا يا أمير المؤمنين إلي هؤلاء القوم القاسية قلوبهم ، الذين نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم ، وعملوا فى عباد الله بغير رضا الله ، فأحلّوا حرامه وحرّموا حلاله ، واستولاهم الشيطان ووعدهم الأباطيل ومنّاهم الأمانى ، حتي أزاغهم عن الهدي وقصد بهم قصد الردي ، وحبّب إليهم الدنيا ، فهم يقاتلون علي دنياهم رغبةً فيها كرغبتنا فى الآخرة إنجاز موعود ربّنا . وأنت يا أمير المؤمنين ، أقرب الناس من رسول الله ½ رحِماً ، وأفضل الناس سابقة وقدماً . وهم يا أمير المؤمنين منك مثل الذى علمنا . ولكن كُتب عليهم الشقاء ، ومالت بهم الأهواء وكانوا ظالمين . فأيدينا مبسوطة لك بالسمع والطاعة ، وقلوبنا منشرحة لك ببذل النصيحة ، وأنفسنا تنصرك جَذِلة(٣) علي من خالفك وتولّي الأمر دونك . والله ما أحبّ أنّ لى ما فى الأرض ممّا أقلّت ، وما تحت السماء ممّا أظلّت ، وأنّى واليت عدوّاً لك ، أو عاديت وليّاً لك . (١) الإرْبةُ : الحاجَة (مجمع البحرين : ١ / ٣٧) . ٣٢٨ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / هانِئُ بنُ هَوْذَةَ النَّخَعِيّ
فقال علىّ : اللهمّ ارزقه الشهادة فى سبيلك ، والمرافقة لنبيّك ½ (١) . ٩٨ هانِئُ بنُ هَوْذَةَ النَّخَعِىّ ٦٧٣٦ ـ تاريخ خليفة بن خيّاط : استخلف [علىٌّ ¼ ] حين سار إلي النهروان هانئ ابن هوذة النخعى فلم يزل بالكوفة حتي قُتل علىّ(٢) . ٩٩ من أصحاب الإمام ¼ (٣) ، وشهد معه حروبه(٤) . وجعله الإمام ¼ أحد الشهود فى التحكيم(٥) . استعمله الإمام ¼ علي الرىّ(٦) ودَستبي(٧) (٨) . لكنّه انتهج الخيانة ، (١) وقعة صفّين : ١١٢ . ٣٢٩ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / يَزيْدُ بنُ قَيس الأرْحَبِيّ
إذ نقل ابن الأثير أنّه استحوذ علي ثلاثين ألف درهم من بيت المال ; وطالبه الإمام بالنقص الحاصل فى بيت المال ، فأنكر ذلك ، فجلده(١) وسجنه ، ففرّ من السجن والتحق بمعاوية(٢) . وشهد علي حجر بن عدىّ حين أراد معاوية قتله(٣) . ١٠٠ اشترك فى الثورة علي عثمان(٤) ، وشهد الجمل(٥) وصفّين مع الإمام ¼ . وكان أحد الذين بعثهم الإمام ¼ إلي معاوية فى حرب صفّين(٦) . مال إلي الخوارج فى فتنتهم التى أوقدوا نارها ، بَيْدَ أنّ الإمام ¼ فصله عنهم وولاّه علي إصفهان والرى(٧) . وكان مع الإمام ¼ فى النهروان ، واحتجّ الخوارج علي ذلك(٨) . ولى المدائن(٩) وجُوخَا(١٠) مدّةً ، (و يبدو أنّ ذلك كان فى الفترة الواقعة بين الجمل (١) الكامل فى التاريخ : ٢ / ٣٦٧ . ٣٣٠ - المجلد الثانى عشر / القسم السادس عشر : أصحاب الإمام علىّ وعمّاله / يَزيْدُ بنُ قَيس الأرْحَبِيّ
وصفّين)(١) . وبعد النهروان كان عامل الإمام ¼ علي أصفهان(٢) ، وهَمَدان(٣) . ٦٧٣٧ ـ وقعة صفّين عن يوسف وأبى روق : إنّ عليّاً حين قدم من البصرة إلي الكوفة بعث يزيد بن قيس الأرحبى علي المدائن وجوخا كلّها(٤) . ٦٧٣٨ ـ تاريخ اليعقوبى : كتب [ علىّ ¼ ] إلي يزيد بن قيس الأرحبى : أمّا بعد ، فإنّك أبطأت بحمل خراجك ، وما أدرى ما الذى حملك علي ذلك . غير أنّى اُوصيك بتقوي الله واُحذّرك أن تحبط أجرك ، وتبطل جهادك بخيانة المسلمين ، فاتّقِ الله ونزّه نفسك عن الحرام ، ولا تجعل لى عليك سبيلاً ، فلا أجد بدّاً من الإيقاع بك ، وأعزز المسلمين ولا تظلم المعاهدين ، وابتغِ فيما آتاك الله الدار الآخرة ، ولا تنسَ نصيبك من الدنيا ، وأحسن كما أحسن الله إليك : ³ وَلاَ تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الاَْرْضِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ² (٥) (٦) . (١) وقعة صفّين : ١١ ; الأخبار الطوال : ١٥٣ . |
||||||||||||||||