الصفحة الرئيسية

المكتبة المختصة

فهرس المجلد الخامس

 

 

٣٣٥ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الثالث : السياسة العلويّة

٣ / ١

عزل معاوية

ذكرنا سابقاً أنّ اُولي الأعمال التى اتّخذها الإمام علىّ  ¼ بعد مبايعة الناس له علي طريق الشروع بالإصلاحات هو عزل عمّال عثمان(١) . وكان الساسة من أصحاب الإمام لا يرون من المصلحة عزل شخصين ، هما : معاوية وأبى موسي الأشعرى .

وأخيراً وبعد الكثير من التوضيحات وفى أعقاب وساطة مالك الأشتر ، وافق أمير المؤمنين  ¼ علي إبقاء أبى موسي الأشعرى . أمّا بالنسبة الي معاوية فلم تفلح جميع الجهود التى بذلت لإقناع الإمام بإبقائه فى منصبه ، إذ كان لا يري جواز إبقائه والياً ولو لحظة واحدة .


(١) راجع : القسم الخامس / الإصلاحات العلويّة / عزل عمّال عثمان .

 ٣٣٦ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الثالث : السياسة العلويّة / عزل معاوية

أمّا بالنسبة إلي معاوية فهو لم يبايع الإمام ولم يترك أهل الشام يبايعونه . وبدأ منذ اليوم الأول لخلافة الإمام بالتآمر عليه ، ممهّداً بذلك الأجواء للصدام العسكرى .

وأوّل سؤال يُثار فى هذا المجال هو كيف يمكن تبرير عمل الإمام هذا من الوجهة السياسيّة ؟ أ لم يكن من الأفضل أن يُبقى الإمامُ معاوية فى منصبه فى بداية خلافته إلي حين استتباب الاُمور ، وإلي أن يبايع هو وأهل الشام ، ثمّ يعزله من بعد ذلك لكى لا تقع حرب صفّين ولكى تستقرّ الحكومة الإسلاميّة بقيادته ؟ أ لم يكن الحفاظ علي وحدة كلمة الاُمّة وديمومة النظام الإسلامى وهما من أوجب الواجبات ، يقضيان بإبقاء معاوية علي ولاية الشام ولو مؤقّتاً ؟

 ٣٣٧ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الثالث : السياسة العلويّة / دفاع عن سياسة عزل معاوية

استناداً إلي ما يتبنّاه الإمام فى سياسة وإدارة النظام الاسلامى التى سبق شرحها(١) يمكن الردّ علي هذه التساؤلات بكلّ سهولة . بَيدَ أنّ هذه السياسة توجد بشأنها اُمور مهمّة لابدّ من الإشارة إليها هاهنا :

دافع ابن أبى الحديد عن هذه السياسة بالتفصيل ، ونحن نورد النقاط المهمّة فيها :

استدلّ ابن أبى الحديد ابتداءً من خلال المصادر والوثائق التاريخيّة علي أنّ معاوية ما كان يبايع الإمام فى أيّة ظُروف كانت . ثمّ أشار إلي المبادئ الدينيّة التى كان يسير عليها الإمام فى تعيين وعزل الولاة والعمال . ثمّ أورد فى ختام المطاف تحليلاً رصيناً لعالم يدعي ابن سنان بيّن فيه عدم امكانيّة إبقاء معاوية فى الظروف التى بايع فيها الناس عليّاً من بعد قتل عثمان ; لأنّها ستجعل الإمام يواجه فى أوّل حكومته أوضاعاً كالتى انتهي إليها عثمان فى اُواخر حكمه .


(١) راجع : القسم الخامس / السياسة فى المدرستين / دفاع عامّ عن كفاءة الإمام السياسيّة .

 ٣٣٨ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الثالث : السياسة العلويّة / دفاع عن سياسة عزل معاوية

١ ـ إبقاء معاوية فى منصبه لا يدعوه إلي البيعة

نقل ابن أبى الحديد فيما يخصّ انتقاد سياسة الإمام بعزل معاوية : "منها قولهم : لو كان حين بويع له بالخلافة فى المدينة أقرّ معاوية علي الشام إلي أن يستقرّ الأمر له ويتوطّد ويبايعه معاوية وأهل الشام ثمّ يعزله بعد ذلك ، لكان قد كُفى ما جري بينهما من الحرب .

والجواب : إنّ قرائن الأحوال حينئذ قد كان علم أمير المؤمنين  ¼ منها أنّ معاوية لا يبايع له وإن أقرّه علي ولاية الشام ، بل كان إقراره له علي إمرة الشام أقوي لحال معاوية وآكد فى الامتناع من البيعة ; لأنّه لا يخلو صاحب السؤال إمّا أن يقول : كان ينبغى أن يطالبه بالبيعة ويقرن إلي ذلك تقليده بالشام فيكون الأمران معاً ، أو يتقدّم منه  ¼ المطالبة بالبيعة ، أو يتقدّم منه اقراره علي الشام وتتأخّر المطالبة بالبيعة إلي وقت ثان .

فإن كان الأوّل فمن الممكن أن يقرأ معاوية علي أهل الشام تقليده بالإمرة فيؤكّد حاله عندهم ، ويقرّر فى أنفسهم : لولا أنّه أهل لذلك لما اعتمده علىّ  ¼ معه ، ثمّ يماطله بالبيعة ويحاجزه عنها .

وإن كان الثانى فهو الذى فعله أمير المؤمنين  ¼ .

وإن كان الثالث فهو كالقسم الأوّل ، بل هو آكد فيما يريده معاوية من الخلاف والعصيان .

وكيف يتوهّم من يعرف السير أنّ معاوية كان يبايع له لو أقرّه علي الشام وبينه وبينه ما لا تبرك الابل عليه من التِّرات القديمة والأحقاد ، وهو الذى قتل حنظلة أخاه ، والوليد خاله ، وعتبة جدّه ، فى مقام واحد ! ! ثمّ ما جري بينهما فى أيّام

 ٣٣٩ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الثالث : السياسة العلويّة / دفاع عن سياسة عزل معاوية

عثمان حتي أغلظ كلّ واحد منهما لصاحبه ، وحتي تهدّده معاوية وقال له : إنّى شاخص إلي الشام وتارك عندك هذا الشيخ ـ يعنى عثمان ـ والله لئن انحصّت منه شعرة واحدة لأضربنّك بمائة ألف سيف ! ! . . .

وأمّا قول ابن عبّاس ـ له  ¼ : ولّه شهراً واعزله دهراً ـ ، وما أشار به المغيرة بن شعبة فإنّهما ما توهّماه وما غلب علي ظنونها وخطر بقلوبهما .

وعلىّ  ¼ كان أعلم بحاله مع معاوية ، وأنّها لا تقبل العلاج والتدبير ، وكيف يخطر ببال عارف بحال معاوية ونكره ودهائه وما كان فى نفسه من علىّ  ¼ من قتل عثمان ومن قبل قتل عثمان أنّه يقبل إقرار علىّ  ¼ له علي الشام ، وينخدع بذلك ، ويبايع ويعطى صفقة يمينه ! إنّ معاوية لأدهي من أن يُكاد بذلك ، وإنّ عليّاً  ¼ لأعرف بمعاوية ممّن ظنّ أنّه لو استماله بإقراره لبايع له . ولم يكن عند علىّ  ¼ دواء لهذا المرض إلاّ السيف ; لأنّ الحال إليه كانت تؤول لا محالة ، فجعل الآخر أوّلاً(١) .

٢ ـ إبقاء معاوية كان يزعزع الحكومة المركزيّة

لم يكن إبقاء معاوية علي ولاية الشام يقوّى ركائز حكومة الإمام ، بل إنّه كان يؤدى الي زعزعتها منذ البداية . وقد جاء تحليل ابن سنان فى هذا المضمار علي النحو التالى :

إنّا قد علمنا أنّ أحد الأحداث التى نقمت علي عثمان وأفضت بالمسلمين إلي


(١) شرح نهج البلاغة : ١٠ / ٢٣٣ . قال ابن أبى الحديد فى سياق كلامه : وأنا أذكر فى هذا الموضع خبراً رواه الزبير بن بكّار فى الموفّقيّات ; ليعلم من يقف عليه أنّ معاوية لم يكن لينجذب إلي طاعة علىّ  ¼ أبداً ، ولا يعطيه البيعة ، وأنّ مضادّته له ومباينته إيّاه كمضادّة السواد للبياض لا يجتمعان أبداً ، وكمباينة السلب للإيجاب ; فإنّها مباينة لا يمكن زوالها أصلاً .

 ٣٤٠ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الثالث : السياسة العلويّة / دفاع عن سياسة عزل معاوية

حصاره وقتله تولية معاوية الشام مع ما ظهر من جوره وعدوانه ، ومخالفة أحكام الدين فى سلطانه ، وقد خوطب عثمان فى ذلك فاعتذر بأنّ عمر ولاّه قبله ، فلم يقبل المسلمون عذره ، ولا قنعوا منه إلاّ بعزله ، حتي أفضي الأمر إلي ما أفضي .

وكان علىّ  ¼ من أكثر المسلمين لذلك كراهية ، وأعرفهم بما فيه من الفساد فى الدين ، فلو أنّه  ¼ افتتح عقد الخلافة له بتوليته معاوية الشام وإقراره فيه ، أ ليس كان يبتدئ فى أوّل أمره بما انتهي إليه عثمان فى آخره ، فأفضي إلي خلعه وقتله ؟ ! ولو كان ذلك فى حكم الشريعة سائغاً والوزر فيه مأموناً لكان غلطاً قبيحاً فى السياسة ، وسبباً قويّاً للعصيان والمخالفة ، ولم يكن يمكنه  ¼ أن يقول للمسلمين : إنّ حقيقة رأيى عزل معاوية عند استقرار الأمر وطاعة الجمهور لى ، وإنّ قصدى بإقراره علي الولاية مخادعته وتعجيل طاعته ومبايعة الأجناد الذين قِبله ، ثمّ أستأنف بعد ذلك فيه ما يستحقّه من العزل ، وأعمل فيه بموجب العدل ; لأنّ إظهاره  ¼ لهذا العزم كان يتّصل خبره بمعاوية ، فيفسد التدبير الذى شرع فيه ، وينتقض الرأى الذى عوّل عليه(١) .

٣ ـ إبقاء معاوية يتعارض مع المبانى السياسيّة للإمام

قدّم ابن سنان ردّاً آخر علي الطعن بسياسته فى عزل معاوية ، وفيه إشارة إلي مبانيه السياسيّة فى الحكم(٢) ، ويسمّيه جواباً حقيقيّاً ويقول فيه : واعلم أنّ حقيقة الجواب هو أنّ عليّاً  ¼ كان لا يري مخالفة الشرع لأجل السياسة ، سواء أ كانت تلك السياسة دينيّة أو دنيويّة ; أمّا الدنيويّة فنحو أن يتوهّم الإمام فى إنسان أنّه يروم فساد خلافته من غير أن يثبت ذلك عليه يقيناً ; فإنّ عليّاً  ¼ لم يكن يستحلّ


(١) شرح نهج البلاغة : ١٠ / ٢٤٧ .
(٢) جاء شرح المبانى السياسيّة للإمام  ¼ بالتفصيل فى مدخل القسم الخامس .

 ٣٤١ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الثالث : السياسة العلويّة / رفض سياسة المداهنة

قتله ولا حبسه ، ولا يعمل بالتوهّم وبالقول غير المحقّق . وأمّا الدينيّة فنحو ضرب المتّهم بالسرقة ; فإنّه أيضاً لم يكن يعمل به ، بل يقول : إن يثبت عليه بإقرار أو بيّنة أقمتُ عليه الحدّ ، وإلاّ لم أعترضه .

وغير علىّ  ¼ قد كان منهم من يري خلاف هذا الرأى ، ومذهب مالك بن أنس العمل علي المصالح المرسلة ، وأنّه يجوز للإمام أن يقتل ثلث الاُمّة لإصلاح الثلثين ، ومذهب أكثر الناس أنّه يجوز العمل بالرأى وبغالب الظنّ ، وإذا كان مذهبه  ¼ ما قُلناه ، وكان معاوية عنده فاسقاً ، وقد سبق عنده مقدّمة اُخري يقينيّة ، هى أنّ استعمال الفاسق لا يجوز ، ولم يكن ممّن يري تمهيد قاعدة الخلافة بمخالفة الشريعة . فقد تعيّن مجاهرته بالعزل ، وإن أفضي ذلك إلي الحرب(١) .

٣ / ٢

رفض سياسة المداهنة

٢٣٦٧ ـ مروج الذهب عن ابن عبّاس : قدمت من مكّة بعد مقتل عثمان بخمس ليال ، فجئت عليّاً أدخل عليه ، فقيل لى : عنده المغيرة بن شعبة ، فجلست بالباب ساعة ، فخرج المغيرة ، فسلّم علىَّ ، وقال : متي قدمت ؟ قلت : الساعة ، ودخلت علي علىّ وسلّمت عليه . . .

قلت : أخبرنى عن شأن المغيرة ، ولِمَ خلا بك ؟

قال : جاءنى بعد مقتل عثمان بيومين ، فقال : أخلنى ، ففعلت ، فقال : إنّ النصح رخيص ، وأنت بقيّة الناس ، وأنا لك ناصح ، وأنا اُشير عليك أن لا تردّ عمّال


(١) شرح نهج البلاغة : ١٠ / ٢٤٦ .

 ٣٤٢ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الثالث : السياسة العلويّة / رفض سياسة المداهنة

عثمان عامك هذا ، فاكتب إليهم بإثباتهم علي أعمالهم ، فإذا بايعوا لك ، واطمأنّ أمرك ، عزلتَ من أحببت ، وأقررتَ من أحببت .

فقلت له : والله ، لا اُداهن فى دينى ، ولا اُعطى الرياء فى أمرى .

قال : فإن كنت قد أبيت فانزع من شئت ، واترك معاوية ; فإنّ له جرأة وهو فى أهل الشام مسموع منه ، ولك حجّة فى إثباته ، فقد كان عمر ولاّه الشام كلّها .

فقلت له : لا والله ، لا أستعمل معاوية يومين أبداً .

فخرج من عندى علي ما أشار به ، ثمّ عاد ، فقال : إنّى أشرت عليك بما أشرت به وأبيت علىَّ ، فنظرت فى الأمر وإذا أنت مصيب لا ينبغى أن تأخذ أمرك بخدعة ، ولا يكون فيه دلسة .

قال ابن عبّاس : فقلت له : أمّا أوّل ما أشار به عليك فقد نصحك ، وأمّا الآخر فقد غشّك(١) .

٢٣٦٨ ـ مروج الذهب عن ابن عبّاس ـ لعلىّ  ¼ ـ : أنا اُشير عليك أن تثبت معاوية ، فإن بايع لك فعلىَّ أن أقلعه من منزله . قال : لا والله لا اُعطيه إلاّ السيف ، ثمّ تمثّل :

فما مِيتةٌ إن مِتّها غيرَ عاجز بعار إذا ما غالَتِ النفسُ غولها

فقلت : يا أمير المؤمنين ، أنت رجل شجاع ، أ ما سمعت رسول الله  ½ يقول : الحرب خدعة ؟ ! فقال علىّ : بلي . قلت : أما والله ، لئن أطعتنى لأصدرنّ بهم بعد


(١) مروج الذهب : ٢ / ٣٦٤ ، تاريخ الطبرى : ٤ / ٤٤٠ وفيه "بردّ عمّال" بدل "أن لا تردّ عمّال" و"الدنىّ" بدل "الرياء" ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٣٠٦ نحوه وراجع الأخبار الطوال : ١٤٢ والإمامة والسياسة : ١ / ٦٧ والبداية والنهاية : ٧ / ٢٢٩ .

 ٣٤٣ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الثالث : السياسة العلويّة / الإمام يدعو معاوية إلي البيعة

ورود ، ولأتركنّهم ينظرون فى أدبار الاُمور ، ولا يدرون ما كان وجهها ، من غير نقص لك ، ولا إثم عليك .

فقال لى : يابن عبّاس ، لست من هنياتك ولا هنيات معاوية فى شىء تشير به علىَّ برأى ، فإذا عصيتك فأطعنى .

فقلت : أنا أفعل ، فإنّ أيسر ما لك عندى الطاعة ، والله ولىّ التوفيق(١) .

راجع : القسم الخامس / الإصلاحات العلويّة / عزل عمّال عثمان .

٣ / ٣

الإمام يدعو معاوية إلي البيعة

٢٣٦٩ ـ الإمام علىّ  ¼ ـ من كتاب له إلي معاوية لمّا بويع  ¼ بالخلافة ـ : من عبد الله علىّ أمير المؤمنين إلي معاوية بن أبى سفيان : أمّا بعد ، فقد علمت إعذارى فيكم ، وإعراضى عنكم ، حتي كان ما لابدّ منه ولا دفع له ، والحديث طويل ، والكلام كثير ، وقد أدبر ما أدبر ، وأقبل ما أقبل ، فبايع من قبلك ، وأقبل إلىَّ فى وفد من أصحابك . والسلام(٢) .

٢٣٧٠ ـ شرح نهج البلاغة : لمّا بويع علىّ  ¼ كتب إلي معاوية : أمّا بعد ، فإنّ الناس قتلوا عثمان عن غير مشورة منّى ، وبايعونى عن مشورة منهم واجتماع ، فإذا أتاك كتابى فبايع لى ، وأوفد إلىَّ أشراف أهل الشام قبلك(٣) .


(١) مروج الذهب : ٢ / ٣٦٤ ، تاريخ الطبرى : ٤ / ٤٤١ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٣٠٧ نحوه وراجع البداية والنهاية : ٧ / ٢٢٩ .
(٢) نهج البلاغة : الكتاب ٧٥ ، بحار الأنوار : ٣٢ / ٣٦٥ / ٣٤٠ .
(٣) شرح نهج البلاغة : ١ / ٢٣٠ .


إرجاعات 
١١٦ - المجلد الرابع / القسم الخامس : سياسة الإمام علي / الفصل الثاني : الإصلاحات العلويّة / عزل عمّال عثمان

 ٣٤٤ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الثالث : السياسة العلويّة / سياسة معاوية فى جواب الإمام

٣ / ٤

سياسة معاوية فى جواب الإمام

٢٣٧١ ـ تاريخ الطبرى ـ فى ذكر كتاب الإمام إلي معاوية وأبى موسي ـ : وكان رسول أمير المؤمنين إلي معاوية سبرة الجهنى ، فقدم عليه فلم يكتب معاوية بشىء ، ولم يجِبه ، وردّ رسوله ، وجعل كلّما تنجّز جوابه لم يزِد علي قوله :

أدِم إدامةَ حصن أو خذا بيدىحرباً ضروساً تشبّ الجزل والضرما
فى جاركم وابنكم إذ كان مقتلهشَنعاء شَيّبتِ الاصداغَ واللَّمَما
أعيَي المَسُودُ بها والسيّدونَ فلميوجد لها غيرنا موليً ولا حَكَما

وجعل الجهنى كلّما تنجّز الكتاب لم يزِده علي هذه الأبيات ، حتي إذا كان الشهر الثالث من مقتل عثمان فى صفر دعا معاوية برجل من بنى عبس ثمّ أحد بنى رواحة يدعي قبيصة ، فدفع إليه طوماراً مختوماً عنوانه : من معاوية إلي علىّ ، فقال : إذا دخلت المدينة فاقبض علي أسفل الطومار ، ثمّ أوصاه بما يقول وسرّح رسول علىّ .

وخرجا فقدما المدينة فى ربيع الأوّل لغرّته ، فلمّا دخلا المدينة رفع العبسى الطومار كما أمره ، وخرج الناس ينظرون إليه ، فتفرّقوا إلي منازلهم وقد علموا أنّ معاوية معترض ، ومضي يدخل علي علىّ ، فدفع إليه الطومار ففضّ خاتمه فلم يجد فى جوفه كتابة ، فقال للرسول : ما وراءك ؟ قال : آمن أنا ؟ قال : نعم إنّ الرسل أمنة لا تقتل . قال : ورائى إنّى تركت قوماً لا يرضون إلاّ بالقود . قال : ممن ؟ قال : من خيط نفسك ، وتركت ستين ألف شيخ يبكى تحت قميص عثمان وهو منصوب لهم قد ألبسوه منبر دمشق . فقال : منّى يطلبون دم عثمان ! أ لست

 ٣٤٥ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الثالث : السياسة العلويّة / تعيين الوالى للشام وإرجاعه

موتوراً كتِرة عثمان ؟ ! اللهمّ إنّى أبرأ إليك من دم عثمان(١) .

٣ / ٥

تعيين الوالى للشام وإرجاعه

٢٣٧٢ ـ تاريخ الطبرى : قال [علىّ  ¼ ] لابن عبّاس : سِر إلي الشام فقد ولّيتُكَها . فقال ابن عبّاس : ما هذا برأى ; معاويةُ رجلٌ من بنى اُميّة ، وهو ابنُ عمّ عثمان وعامله علي الشام ، ولست آمن أن يضرب عُنُقى لعثمان ، أو أدْني ما هو صانعٌ أن يحبسنى فيتحكّم علىّ . فقال له علىّ : ولم ؟ قال : لقرابة ما بينى وبينك ، وإنّ كلّ ما حمِل عليك حمِل علىّ ، ولكن اكتب إلي معاوية فمنِّه وعِدهُ . فأبي عليّ وقال : والله لا كان هذا أبداً(٢) .

٢٣٧٣ ـ تاريخ الطبرى عن محمّد وطلحة : بعث علىّ عمّاله علي الأمصار فبعث . . . سهل بن حُنَيف علي الشام ، فأمَّا سهل فإنّه خرج حتي إذا كان بتَبوك(٣) لقيته خيلٌ ، فقالوا : من أنت ؟ قال : أمير . قالوا : علي أىّ شىء ؟ قال : علي الشام ، قالوا : إن كان عثمان بعثك فحيهلاً بك ، وإن كان بعثك غيرُه فارجع ! قال :أ وَما سمعتم بالذى كان ؟ قالوا : بلَي ; فرجع إلي علىّ (٤) .

٣ / ٦

إشخاص جرير بن عبد الله إلي معاوية

٢٣٧٤ ـ تاريخ الطبرى : وجّه علىّ عند منصرفه من البصرة إلي الكوفة وفراغه


(١) تاريخ الطبرى : ٤ / ٤٤٣ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٣١٠ .
(٢) تاريخ الطبرى : ٤ / ٤٤٠ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٣٠٧ ، الإمامة والسياسة : ١ / ٦٧ نحوه .
(٣) تبوك ، منطقة فى وسط الطريق الرابط بين المدينة ودمشق ، شمال غربىّ المدينة ، وجنوب دمشق .
(٤) تاريخ الطبرى : ٤ / ٤٤٢ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٣٠٩ ، البداية والنهاية : ٧ / ٢٢٩ .

 ٣٤٦ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الثالث : السياسة العلويّة / إشخاص جرير بن عبد الله إلي معاوية

من الجمل جرير بن عبد الله البجلى إلي معاوية يدعوه إلي بيعته ، وكان جرير حين خرج علىّ إلي البصرة لقتال من قاتله بها بهمذان عاملا عليها كان عثمان استعمله عليها ، وكان الأشعث بن قيس علي آذربيجان عاملا عليها كان عثمان استعمله عليها ، فلمّا قدم علىّ الكوفة منصرفاً إليها من البصرة كتب إليهما يأمرهما بأخذ البيعة له علي مَن قبلهما من الناس والانصراف إليه . ففعلا ذلك ، وانصرفا إليه . فلمّا أراد علىّ توجيه الرسول إلي معاوية ، قال جرير بن عبد الله : . . . ابعثنى إليه فإنّه لى ودّ حتي آتيه فأدعوه إلي الدخول فى طاعتك ، فقال الأشتر لعلىّ : لا تبعثه ، فو الله إنّى لأظنّ هواه معه .

فقال علىّ : دعه حتي ننظر ما الذى يرجع به إلينا .

فبعثه إليه وكتب معه كتاباً يعلمه فيه باجتماع المهاجرين والأنصار علي بيعته ، ونكث طلحة والزبير وما كان من حربه إيّاهما ، ويدعوه إلي الدخول فيما دخل فيه المهاجرون والأنصار من طاعته ، فشخَص إليه جرير ، فلمّا قدم عليه ماطله واستنظره ، ودعا عمراً فاستشاره فيما كتب به إليه ، فأشار عليه أن يرسل إلي وجوه الشام ، ويلزم عليّاً دم عثمان ، ويقاتله بهم ، ففعل ذلك معاوية(١) .

٢٣٧٥ ـ الإمام علىّ  ¼ ـ من كتاب له  ¼ إلي معاوية ـ : بسم الله الرحمن الرحيم . أمّا بعد ، فإنّ بيعتى بالمدينة لزمتك وأنت بالشام ; لأنّه بايعنى القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان علي ما بويعوا عليه ، فلم يكن للشاهد أن يختار ، ولا للغائب أن يردّ ، وإنّما الشوري للمهاجرين والأنصار ، فإذا اجتمعوا علي رجل فسمّوه إماماً ، كان ذلك لله رضاً ، فإن خرج من أمرهم خارج بطعن أو رغبة


(١) تاريخ الطبرى : ٤ / ٥٦١ ، مروج الذهب : ٢ / ٣٨١ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٣٥٩ ، البداية والنهاية : ٧ / ٢٥٤ ; وقعة صفّين : ٢٧ كلّها نحوه وراجع الإمامة والسياسة : ١ / ١١٣ والأخبار الطوال : ١٥٦ .

 ٣٤٧ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الثالث : السياسة العلويّة / معاوية يبدّد الوقت استعداداً للحرب

ردّوه إلي ما خرج منه ، فإن أبي قاتلوه علي اتّباعه غيرَ سبيل المؤمنين ، وولاّه الله ما تولّي ويُصليه جهنّم وساءت مصيراً .

وإنّ طلحة والزبير بايعانى ، ثمّ نقضا بيعتى ، وكان نقضهما كردّهما ، فجاهدتهما علي ذلك حتي جاء الحقّ وظهر أمر الله وهم كارهون .

فادخل فيما دخل فيه المسلمون ; فإنّ أحبّ الاُمور إلىَّ فيك العافية ، إلاّ أن تتعرّض للبلاء ، فإن تعرّضت له قاتلتك واستعنت الله عليك .

وقد أكثرتَ فى قتلة عثمان فادخل فيما دخل فيه المسلمون ، ثمّ حاكم القوم إلىَّ أحملك وإيّاهم علي كتاب الله . فأمّا تلك التى تريدها فخدعة الصبى عن اللبن ، ولعمرى لئن نظرت بعقلك دون هواك لتجدنّى أبرأ قريش من دم عثمان .

واعلم أنّك من الطلقاء الذين لا تحلّ لهم الخلافة ، ولا تعرض فيهم الشوري ، وقد أرسلت إليك وإلي من قبلك : جرير بن عبد الله وهو من أهل الإيمان والهجرة ، فبايع ولا قوّة إلاّ بالله(١) .

راجع : نهج البلاغة : الكتاب ٣٧ و٦ .

٣ / ٧

معاوية يبدّد الوقت استعداداً للحرب

٢٣٧٦ ـ وقعة صفّين عن الجرجانى : كان معاوية أتي جريراً فى منزله فقال : يا جرير ! إنّى قد رأيت رأياً .


(١) وقعة صفّين : ٢٩ ; تاريخ دمشق : ٥٩ / ١٢٨ كلاهما عن عامر الشعبى ، العقد الفريد : ٣ / ٣٢٩ ، الأخبار الطوال : ١٥٧ نحوه إلي "عن اللبن" ، شرح نهج البلاغة : ٣ / ٧٥ ، الفتوح : ٢ / ٥٠٦ وفيه من "و إنّما الشوري . . ." نحوه ، الإمامة والسياسة : ١ / ١١٣ .

 ٣٤٨ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الثالث : السياسة العلويّة / أصحاب الإمام يُشيرون عليه بالاستعداد للحرب

قال : هاته .

قال : أكتب إلي صاحبك يجعل لى الشام ومصر جباية ، فإذا حضرته الوفاة لم يجعل لأحد بعده بيعة فى عنقى ، واُسلّم له هذا الأمر ، واكتب إليه بالخلافة .

فقال جرير : اكتب بما أردت ، وأكتب معك .

فكتب معاوية بذلك إلي علىّ . فكتب علىّ إلي جرير :

أما بعد ، فإنّما أراد معاوية ألاّ يكون لى فى عنقه بيعة ، وأن يختار من أمره ما أحبّ ، وأراد أن يُريثك حتي يذوق أهل الشام . وإنّ المغيرة بن شعبة قد كان أشار علىَّ أن أستعمل معاوية علي الشام وأنا بالمدينة ، فأبيت ذلك عليه . ولم يكن الله ليرانى أتّخذ المضلّين عضداً ، فإن بايعك الرجل ، وإلاّ فأقبِل(١) .

٣ / ٨

أصحاب الإمام يُشيرون عليه بالاستعداد للحرب

٢٣٧٧ ـ الإمام علىّ  ¼ ـ من كلام له وقد أشار عليه أصحابه بالاستعداد للحرب بعد إرساله جرير بن عبد الله البجلى إلي معاوية ـ : إنّ استعدادى لحرب أهل الشام وجريرٌ عندهم إغلاق للشام وصرف لأهله عن خير إن أرادوه . ولكن قد وَقّتُّ لجرير وقتاً لا يُقيم بعده إلاّ مخدوعاً أو عاصياً . والرأى عندى مع الأناة ، فأروِدوا(٢) ولا أكره لكم الإعداد .

ولقد ضربت أنف هذا الأمر وعينه ، وقلّبت ظهره وبطنه ، فلم أرَ لى فيه إلاّ القتال أو الكفر بما جاء محمّد  ½ . إنّه قد كان علي الاُمّة وال أحدث أحداثاً


(١) وقعة صفّين : ٥٢ ; تاريخ دمشق : ٥٩ / ١٣١ ، الإمامة والسياسة : ١ / ١١٥ و١١٦ كلاهما نحوه .
(٢) أروِد : أمهل (مجمع البحرين : ٢ / ٧٥٣) .

 ٣٤٩ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الثالث : السياسة العلويّة / استعداد الإمام لحرب معاوية قبل حرب الجمل

وأوجد الناس مقالاً ، فقالوا ثمّ نقموا فغيّروا(١) .

٢٣٧٨ ـ تاريخ دمشق عن الكلبى : كان علىّ استشار الناس ، فأشاروا عليه بالقيام بالكوفة غير الأشتر ، وعدىّ بن حاتم ، وشُرَيح بن هانئ الحارثى ، وهانئ بن عروة المرادى ، فإنّهم قالوا لعلىّ : إنّ الذين أشاروا عليك بالمقام بالكوفة إنّما خوّفوك حرب الشام ، وليس فى حربهم شىء أخوف من الموت ، وإيّاه نريد ، فدعا علىّ الأشتر وعديّاً وشُريحاً وهانئاً فقال :

إنّ استعدادى لحرب الشام ، وجرير بن عبد الله عند القوم صرف لهم عن غىّ إن أرادوه ، ولكنّى قد أرسلتُ رسولاً ، فوقّت لرسولى وقتاً لا يقيم بعده ، والرأى مع الأناة فاتَّئدوا ولا أكره لكم الأعذار(٢) .

٣ / ٩

استعداد الإمام لحرب معاوية قبل حرب الجمل

٢٣٧٩ ـ تاريخ الطبرى عن محمّد وطلحة : استأذن طلحة والزبير عليّاً فى العمرة فأذن لهما فلحقا بمكّة وأحبّ أهل المدينة أن يعلموا ما رأي علىّ فى معاوية وانتقاضه ، ليعرفوا بذلك رأيه فى قتال أهل القبلة أ يجسر عليه أو ينكل عنه . . . . فدسّوا إليه زياد بن حنظلة التميمى ـ وكان منقطعاً إلي علىّ ـ فدخل عليه فجلس إليه ساعة ثمّ قال له علىّ : يا زياد تيسّر .

فقال : لأىّ شىء ؟

فقال : تغزو الشام .


(١) نهج البلاغة : الخطبة ٤٣ ، بحار الأنوار : ٣٢ / ٣٩٣ / ٣٦٤ .
(٢) تاريخ دمشق : ٥٩ / ١٣٠ ، الإمامة والسياسة : ١ / ١١٤ نحوه وراجع الفتوح : ٢ / ٥٠٥ .

 ٣٥٠ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الثالث : السياسة العلويّة / استعداد الإمام لحرب معاوية قبل حرب الجمل

فقال زياد : الأناة والرفق أمثل . فقال :

ومن لا يُصانع فى أمور كثيرة يُضرّس بأنياب ويوطأ بمنسم

فتمثّل علىّ وكأنّه لا يريده :

متي تجمع القلب الذكى وصارماً وأنفاً حميّاً تجتنبك المظالم

فخرج زياد علي الناس والناس ينتظرونه فقالوا : ما وراءك ؟ فقال : السيف يا قوم ، فعرفوا ما هو فاعل .

ودعا علىّ محمّد ابن الحنفيّة فدفع إليه اللواء ، وولّي عبد الله بن عبّاس ميمنته ، وعمر بن أبى سلمة ـ أو عمرو بن سفيان بن عبد الأسد ـ ولاّه ميسرته ، ودعا أبا ليلي بن عمر بن الجرّاح ابن أخى أبى عبيدة بن الجرّاح فجعله علي مقدّمته ، واستخلف علي المدينة قثم بن عبّاس ، ولم يولّ ممّن خرج علي عثمان أحداً ، وكتب إلي قيس بن سعد أن يندب الناس إلي الشام ، وإلي عثمان بن حنيف والي أبى موسي مثل ذلك ، وأقبل علي التهيّؤ والتجهّز ، وخطب أهل المدينة فدعاهم إلي النهوض فى قتال أهل الفرقة وقال :

إنّ الله عزّ وجلّ بعث رسولاً هادياً مهدياً بكتاب ناطق وأمر قائم واضح لا يهلك عنه إلا هالك ، وإنّ المبتدعات والشبهات هنّ المهلكات إلاّ من حفظ الله ، وإنّ فى سلطان الله عصمة أمركم ، فأعطوه طاعتكم غير ملويّة ولا مستكره بها ، والله لتفعلنّ أو لينقلنّ الله عنكم سلطان الإسلام ثمّ لا ينقله إليكم أبداً حتي يأرز الأمر إليها ، انهضوا إلي هؤلاء القوم الذين يريدون يفرقون جماعتكم ، لعلّ الله يصلح بكم ما أفسد أهل الآفاق وتقضون الذى عليكم .

فبينا هم كذلك إذ جاء الخبر عن أهل مكّة بنحو آخر وتمام علي خلاف ، فقام

 ٣٥١ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثانية : وقعة صفّين / الفصل الثالث : السياسة العلويّة / استعداد الإمام لحرب معاوية قبل حرب الجمل

فيهم بذلك فقال :

إنّ الله عزّ وجلّ جعل لظالم هذه الأمة العفو والمغفرة ، وجعل لمن لزم الأمر واستقام الفوز والنجاة ، فمن لم يسعه الحقّ أخذ بالباطل ، ألا وإنّ طلحة والزبير واُمّ المؤمنين وقد تمالؤوا علي سخط إمارتى ، ودعوا الناس إلي الإصلاح ، وسأصبر ما لم أخف علي جماعتكم ، وأكفّ إن كفّوا ، وأقتصر علي ما بلغنى عنهم .

ثمّ أتاه أنّهم يريدون البصرة لمشاهدة الناس والإصلاح ، فتعبّي للخروج إليهم وقال :

إن فعلوا هذا فقد انقطع نظام المسلمين ، وما كان عليهم فى المقام فينا مؤونة ولا إكراه ، فاشتدّ علي أهل المدينة الأمر فتثاقلوا(١) .


(١) تاريخ الطبرى : ٤ / ٤٤٤ .