الصفحة الرئيسية

المكتبة المختصة

فهرس المجلد الخامس

 

 

٢٥٣ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل العاشر : بعد الظفر

١٠ / ١

الكرامة

٢٢٦٤ ـ الإمام الباقر  ¼ : أمر علىّ   ¢ مناديه فنادي يوم البصرة : "لا يُتبع مدبِر ، ولا يُذفَّف(١) علي جريح ، ولا يُقتل أسير ، ومن أغلق بابه فهو آمن ، ومن ألقي سلاحه فهو آمن" ، ولم يأخذ من متاعهم شيئاً(٢) .

٢٢٦٥ ـ الأخبار الطوال : نادي علىّ   ¢ فى أصحابه : لا تتّبعوا مولّياً ، ولا تُجهزوا علي جريح ، ولا تنتهبوا مالاً ، ومن ألقي سلاحه فهو آمِن ، ومن أغلق بابه فهو آمِن(٣) .


(١) الذفّ : الإجهاز علي الجريح (الصحاح : ٤ / ١٣٦٢) .
(٢) السنن الكبري : ٨ / ٣١٤ / ١٦٧٤٧ ، المصنّف لابن أبى شيبة : ٨ / ٧١٨ / ٦٠ كلاهما عن حفص بن غياث عن الإمام الصادق  ¼ وراجع الأمالى للمفيد : ٢٥ / ٨ .
(٣) الأخبار الطوال: ١٥١ ; تاريخ اليعقوبى : ٢/١٨٣ ، شرح الأخبار : ١/٣٩٥/٣٣٤ عن أبى البخترى وكلاهما نحوه وراجع فتح البارى : ١٣ / ٥٧ والعقد الفريد : ٣ / ٣٢٧ .

 ٢٥٤ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل العاشر : بعد الظفر / الكرامة

٢٢٦٦ ـ الجمل عن معاذ بن عبيد الله التميمى : فوَ الله ، لقد رأيت أصحاب علىّ  ¼ وقد وصلوا إلي الجمل ، وصاح منهم صائح : اعقروه ، فعقروه فوَقع .

فنادي علىّ  ¼ : من طرح السلاح فهو آمن ، ومن دخل بيته فهو آمن .

فوَ الله ، ما رأيت أكرم عفواً منه(١) .

٢٢٦٧ ـ شرح الأخبار عن موسي بن طلحة بن عبيد الله ـ وكان فيمن اُسر يوم الجمل ، وحُبس مع من حُبس من الاُساري بالبصرة ـ : كنت فى سجن علىّ بالبصرة ، حتي سمعت المنادى ينادى : أين موسي بن طلحة بن عبيد الله ؟ فاسترجعت واسترجع أهل السجن ، وقالوا : يقتلك .

فأخرجنى إليه ، فلمّا وقفت بين يديه قال لى : يا موسي ! قلت : لبّيك يا أمير المؤمنين !

قال : قل : أستغفر الله وأتوب إليه ثلاث مرّات . فقلت : أستغفر الله وأتوب إليه ـ ثلاث مرّات ـ فقال : لمن كان معى من رسله : خلّوا عنه ، وقال لى : اذهب حيث شئت ، وما وجدت لك فى عسكرنا من سلاح أو كراع فخذه ، واتّقِ الله فيما تستقبله من أمرك ، واجلس فى بيتك . فشكرت له وانصرفت(٢) .

٢٢٦٨ ـ الإمام زين العابدين  ¼ : دخلت علي مروان بن الحكم ، فقال : ما رأيت أحداً أكرم غلبة من أبيك ، ما هو إلاّ أن ولينا يوم الجمل ، فنادي مناديه : لا يُقتل


(١) الجمل : ٣٦٥ وراجع الأمالى للمفيد : ٢٥ / ٨ وتاريخ اليعقوبى : ٢٠ / ١٨٣ وشرح الأخبار : ١ / ٢٩٥ / ٢٨١ ومروج الذهب : ٢ / ٣٧٨ والأخبار الطوال : ١٥١ .
(٢) شرح الأخبار : ١ / ٣٨٩ / ٣٣١ ، المناقب لابن شهر آشوب : ٢ / ١١٤ وفيه من "قل : استغفر الله ..." .

 ٢٥٥ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل العاشر : بعد الظفر / إصدار العفو العامّ

مدبر ، ولا يُذفّف علي جريح(١) .

١٠ / ٢

إصدار العفو العامّ

٢٢٦٩ ـ أنساب الأشراف : قام علىّ ـ حين ظهر وظفر ـ خطيباً فقال : يا أهل البصرة ! قد عفوت عنكم ; فإيّاكم والفتنة ; فإنّكم أوّل الرعيّة نكث البيعة ، وشقّ عصا الاُمّة .

ثمّ جلس وبايعه الناس(٢) .

٢٢٧٠ ـ الإرشاد : ومن كلامه [علىٍّ  ¼ ] بالبصرة حين ظهر علي القوم ، بعد حمد الله والثناء عليه :

أمّا بعد ; فإنّ الله ذو رحمة واسعة ، ومغفرة دائمة ، وعفو جمّ ، وعقاب أليم ، قضي أنّ رحمته ومغفرته وعفوه لأهل طاعته من خلقه ، وبرحمته اهتدي المهتدون ، وقضي أنّ نقمته وسطواته وعقابه علي أهل معصيته من خلقه ، وبعد الهدي والبيّنات ما ضلّ الضالّون . فما ظنّكم ـ يا أهل البصرة ـ وقد نكثتم بيعتى ، وظاهرتم علىَّ عدوّى ؟

فقام إليه رجل فقال : نظنّ خيراً ، ونراك قد ظفرت وقدرت ، فإن عاقبت فقد


(١) السنن الكبري : ٨ / ٣١٤ / ١٦٧٤٦ عن إبراهيم بن محمّد عن الإمام الصادق عن أبيه    ¤ ، فتح البارى : ١٣ / ٥٧ ، أنساب الأشراف : ٣ / ٥٧ عن أنس بن عياض نحوه ; المبسوط : ٧ / ٢٦٤ كلاهما عن الإمام الصادق عن أبيه    ¤ وفيه "يدنف" بدل "يذفف" وراجع الطبقات الكبري : ٥ / ٩٣ والبداية والنهاية : ٧ / ٢٤٥ والإمامة والسياسة : ١ / ٩٧ .
(٢) أنساب الأشراف : ٣ / ٥٨ .

 ٢٥٦ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل العاشر : بعد الظفر / الاعتذار من الإمام

اجترمنا ذلك ، وإن عفوت فالعفو أحبّ إلي الله .

فقال : قد عفوت عنكم ; فإيّاكم والفتنة ; فإنّكم أوّل الرعيّة نكث البيعة ، وشقّ عصا هذه الاُمّة .

قال : ثمّ جلس للناس فبايعوه(١) .

١٠ / ٣

الاعتذار من الإمام

٢٢٧١ ـ الجمل عن هاشم بن مساحق القرشى : حدّثنى أبى أنّه لمّا انهزم الناس يوم الجمل اجتمع معه طائفة من قريش فيهم مروان بن الحكم ، فقال بعضهم لبعض : والله لقد ظلمْنا هذا الرجل ـ يعنون أمير المؤمنين  ¼ ـ ونَكثنا بيعته من غير حَدَث ، والله لقد ظهر علينا ، فما رأينا قطّ أكرم سيرةً منه ، ولا أحسن عفواً بعد رسول الله  ½ ; فقوموا حتي ندخل عليه ونعتذر إليه ممّا صنعناه .

قال : فصرنا إلي بابه ، فاستأذنّاه فأذن لنا ، فلمّا مثلنا بين يديه جعل متكلّمنا يتكلّم .

فقال  ¼ : أنصتوا أكفِكم ، إنّما أنا بشر مثلكم ; فإن قلت حقّاً فصدّقونى ، وإن قلت باطلاً فردّوا علىَّ .

أنشدكم الله ! أ تعلمون أنّ رسول الله  ½ لمّا قُبض كنت أنا أولي الناس به وبالناس من بعده ؟ قلنا : اللهمّ نعم .


(١) الإرشاد : ١ / ٢٥٧ ، الجمل : ٤٠٧ عن الحارث بن سريع نحوه ، بحار الأنوار : ٣٢ / ٢٣٠ / ١٨٢ وراجع الأخبار الطوال : ١٥١ .

 ٢٥٧ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل العاشر : بعد الظفر / مناقشات بين عمّار وعائشة

قال : فعدلتم عنّى وبايعتم أبا بكر ، فأمسكتُ ولم اُحبّ أن أشقّ عصا المسلمين ، واُفرّق بين جماعتهم ; ثمّ إنّ أبا بكر جعلها لعمر من بعده فكففت ، ولم اُهِج الناس ، وقد علمت أنّى كنت أولي الناس بالله وبرسوله وبمقامه ، فصبرت حتي قُتل عمر ، وجعلنى سادس ستّة ، فكففت ولم اُحبّ أن اُفرّق بين المسلمين ، ثمّ بايعتم عثمان فطعنتم عليه فقتلتموه وأنا جالس فى بيتى ، فأتيتمونى وبايعتمونى كما بايعتم أبا بكر وعمر ; فما بالكم وفيتم لهما ولم تفوا لى ؟ ! وما الذى منعكم من نكث بيعتهما ودعاكم إلي نكث بيعتى ؟

فقلنا له : كن يا أمير المؤمنين كالعبد الصالح يوسف إذ قال : ³ لاَ تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ  ²  (١) .

فقال  ¼ : لا تثريب عليكم اليوم ، وإنّ فيكم رجلاً لو بايعنى بيده لنكث بأسته ـ يعنى مروان بن الحكم ـ (٢) .

١٠ / ٤

مناقشات بين عمّار وعائشة

٢٢٧٢ ـ تاريخ الطبرى عن أبى يزيد المدينى : قال عمّار بن ياسر لعائشة حين فرغ القوم : يا اُمّ المؤمنين ! ما أبعد هذا المسير من العهد الذى عُهد إليكِ !

قالت : أبو اليقظان ! قال : نعم .

قالت : والله ، إنّك ـ ما علمتُ ـ قوّالٌ بالحقّ . قال : الحمد لله الذى قضي لى


(١) يوسف : ٩٢ .
(٢) الجمل : ٤١٦ ، الأمالى للطوسى : ٥٠٦ / ١١٠٩ ، شرح الأخبار : ١ / ٣٩٢ / ٣٣٣ عن هشام بن مساحق وكلاهما نحوه ، بحار الأنوار : ٣٢ / ٢٦٢ / ٢٠٠ .

 ٢٥٨ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل العاشر : بعد الظفر / مناقشات بين ابن عبّاس وعائشة

علي لسانكِ(١) .

٢٢٧٣ ـ الأمالى للطوسى عن موسي بن عبد الله الأسدى : لمّا انهزم أهل البصرة أمر علىّ بن أبى طالب  ¼ أن تُنزل عائشة قصر أبى خلف ، فلمّا نزلت جاءها عمّار بن ياسر فقال لها : يا اُمّت ! كيف رأيتِ ضرب بنيك دون دينهم بالسيف ؟

فقالت : استبصرت يا عمّار من أجل أنّك غلبت .

قال : أنا أشدّ استبصاراً من ذلك ، أما والله ، لو ضربتمونا حتي تبلغونا سعفات هجر لعلمنا أنّا علي الحقّ ، وأنّكم علي الباطل .

فقالت له عائشة : هكذا يُخيّل إليك ، اتّقِ الله يا عمّار ! فإنّ سنّك قد كبر ، ودقّ عظمك ، وفنى أجلك ، وأذهبت دينك لابن أبى طالب .

فقال عمّار : إنّى والله ، اخترت لنفسى فى أصحاب رسول الله  ½ ، فرأيت عليّاً أقرأهم لكتاب الله عزّ وجلّ ، وأعلمهم بتأويله ، وأشدّهم تعظيماً لحرمته ، وأعرفهم بالسنّة ، مع قرابته من رسول الله  ½ وعظم عنائه وبلائه فى الإسلام . فسكتتْ(٢) .

١٠ / ٥

مناقشات بين ابن عبّاس وعائشة

٢٢٧٤ ـ تاريخ اليعقوبى : وجّه [علىّ  ¼ ] ابن عبّاس إلي عائشة يأمرها بالرجوع ، فلمّا دخل عليها ابن عبّاس قالت : أخطأت السنّة يابن عبّاس مرّتين : دخلت بيتى بغير إذنى ، وجلست علي متاعى بغير أمرى .


(١) تاريخ الطبرى : ٤ / ٥٤٥ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٣٤٨ ، فتح البارى : ١٣ / ٥٨ كلاهما نحوه .
(٢) الأمالى للطوسى : ١٤٣ / ٢٣٣ ، بشارة المصطفي : ٢٨١ وفيه "ابن أبى خلف" بدل "أبى خلف" .

 ٢٥٩ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل العاشر : بعد الظفر / مناقشات بين ابن عبّاس وعائشة

قال : نحن علّمنا إيّاكِ السنّة ; إنّ هذا ليس ببيتكِ ، بيتكِ الذى خلّفك رسول الله به ، وأمركِ القرآن أن تَقرّى فيه(١) .

٢٢٧٥ ـ مروج الذهب : بعث [علىّ  ¼ ] بعبد الله بن عبّاس إلي عائشة يأمرها بالخروج إلي المدينة ، فدخل عليها بغير إذنها ، واجتذب وسادة فجلس عليها .

فقالت له : يابن عبّاس ! أخطأت السنّة المأمور بها ، دخلت إلينا بغير إذننا ، وجلست علي رحلنا بغير أمرنا .

فقال لها : لو كنتِ فى البيت الذى خلّفك فيه رسول الله  ½ ما دخلنا إلاّ بإذنكِ ، وما جلسنا علي رحلكِ إلاّ بأمركِ ، وإنّ أمير المؤمنين يأمركِ بسرعة الأوبة ، والتأهّب للخروج إلي المدينة .

فقالت : أبيتُ ما قلت ، وخالفت ما وصفت .

فمضي إلي علىّ ، فخبّره بامتناعها ، فردّه إليها ، وقال : إنّ أمير المؤمنين يعزم عليكِ أن ترجعى ، فأنعمت وأجابت إلي الخروج(٢) .

٢٢٧٦ ـ رجال الكشّى عن إسماعيل بن الفضل الهاشمى : حدّثنى بعض أشياخى قال : لمّا هزم علىّ بن أبى طالب  ¼ أصحاب الجمل ، بعث أميرُ المؤمنين  ¼ عبدَ الله بن عبّاس إلي عائشة يأمرها بتعجيل الرحيل ، وقلّة العرْجة(٣) .

قال ابن عبّاس : فأتيتها وهى فى قصر بنى خلف فى جانب البصرة ، قال :


(١) تاريخ اليعقوبى : ٢ / ١٨٣ ، شرح الأخبار : ١ / ٣٩٠ / ٣٣٢ عن ابن عبّاس نحوه ، بحار الأنوار : ٣٢ / ٢٦٩ / ٢١٠ .
(٢) مروج الذهب : ٢ / ٣٧٧ ، العقد الفريد : ٣ / ٣٢٦ عن ابن عبّاس ، الفتوح : ٢ / ٤٨٦ كلاهما نحوه .
(٣) العِرْجة : المُقام (لسان العرب : ٢ / ٣٢١) .

 ٢٦٠ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل العاشر : بعد الظفر / مناقشات بين ابن عبّاس وعائشة

فطلبت الإذن عليها ، فلم تأذن ، فدخلت عليها من غير إذنها ، فإذا بيت قفار لم يعدّ لى فيه مجلس ، فإذا هى من وراء سترَين .

قال : فضربت ببصرى فإذا فى جانب البيت رحل عليه طُنْفُسة(١) ، قال : فمددت الطنفسة فجلست عليها .

فقالت من وراء الستر : يابن عبّاس ! أخطأت السنّة ; دخلت بيتنا بغير إذننا ، وجلست علي متاعنا بغير إذننا .

فقال لها ابن عبّاس : نحن أولي بالسنّة منكِ ، ونحن علّمناكِ السنّة ، وإنّما بيتك الذى خلّفك فيه رسول الله  ½ ، فخرجتِ منه ظالمةً لنفسك ، غاشية لدينك ، عاتية علي ربّك ، عاصية لرسول الله  ½ ، فإذا رجعت إلي بيتك لم ندخله إلاّ بإذنك ، ولم نجلس علي متاعك إلاّ بأمرك . إنّ أمير المؤمنين علىّ بن أبى طالب  ¼ بعث إليك يأمرك بالرحيل إلي المدينة ، وقلّة العرجة .

فقالت : رحم الله أمير المؤمنين ! ذلك عمر بن الخطّاب .

فقال ابن عبّاس : هذا والله أمير المؤمنين ، وإن تزبّدت(٢) فيه وجوه ، ورَغَمت(٣) فيه معاطس ! أما والله ، لهو أمير المؤمنين ، وأمسّ برسول الله رحماً ، وأقرب قرابة ، وأقدم سبقاً ، وأكثر علماً ، وأعلي مناراً ، وأكثر آثاراً من أبيك ومن عمر .

فقالت : أبيت ذلك . . . .


(١) هى البساط الذى له خَمْل رقيق (النهاية : ٣ / ١٤٠) .
(٢) تزبّد الإنسان : إذا غضب وظهر علي صماغية زبدتان (لسان العرب : ٣ / ١٩٣) .
(٣) يقال رَغِم وارغَم الله أنفه : أى ألصقه بالرغام ; وهو التراب . هذا هو الأصل . ثمّ استُعمل فى الذلّ والعَجْز عن الانتصاف والانقياد علي كره (النهاية : ٢ / ٢٣٨) .

 ٢٦١ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل العاشر : بعد الظفر / محادثات بين الإمام وعائشة

قال : ثمّ نهضت وأتيت أمير المؤمنين  ¼ فأخبرته بمقالتها ، وما رددتُ عليها ، فقال : أنا كنت أعلم بك حيث بعثتك(١) .

١٠ / ٦

محادثات بين الإمام وعائشة

٢٢٧٧ ـ تاريخ اليعقوبى ـ فى خبر عائشة ـ : أتاها علىٌّ ، وهى فى دار عبد الله بن خلف الخزاعى ، وابنه المعروف بطلحة الطلحات ، فقال : إيهاً يا حميراء ! أ لم تنتهى عن هذا المسير ؟ فقالت : يابن أبى طالب ! قدرت فأسجِح !

فقال : اخرُجى إلي المدينة ، وارجعى إلي بيتك الذى أمرك رسول الله أن تَقرّى فيه . قالت : أفعل(٢) .

٢٢٧٨ ـ مروج الذهب ـ فى خبر عائشة ـ : جهّزها [عائشة] علىٌّ وأتاها فى اليوم الثانى ، ودخل عليها ومعه الحسن والحسين وباقى أولاده وأولاد إخوته وفتيان أهله من بنى هاشم وغيرهم من شيعته من همْدان ، فلمّا بصرت به النسوان صحنَ فى وجهه وقلن : يا قاتل الأحبّة !

فقال : لو كنت قاتل الأحبّة لقتلت مَن فى هذا البيت ، وأشار إلي بيت من تلك البيوت قد اختفي فيه مروان بن الحكم ، وعبد الله بن الزبير ، وعبد الله بن عامر ، وغيرهم .

فضرب من كان معه بأيديهم إلي قوائم سيوفهم لمّا علموا مَن فى البيت مخافة أن يخرجوا منه فيغتالوه .


(١) رجال الكشّى : ١ / ٢٧٧ / ١٠٨ .
(٢) تاريخ اليعقوبى : ٢ / ١٨٣ .

 ٢٦٢ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل العاشر : بعد الظفر / محادثات بين الإمام وعائشة

فقالت له عائشة ـ بعد خطب طويل كان بينهما ـ : إنّى اُحبّ أن اُقيم معك ، فأسير إلي قتال عدوّك عند سيرك .

فقال : بل ارجعى إلي البيت الذى تركك فيه رسول الله  ½ .

فسألته أن يؤمّن ابن اُختها عبد الله بن الزبير ، فأمّنه ، وتكلّم الحسن والحسين فى مروان ، فأمّنه ، وأمّن الوليد بن عُقْبة ووُلد عثمان وغيرهم من بنى اُميّة ، وأمّن الناس جميعاً .

وقد كان نادي يوم الوقعة : من ألقي سلاحه فهو آمن ، ومن دخل داره فهو آمن(١) .

٢٢٧٩ ـ تاريخ الطبرى عن محمّد وطلحة : دخل علىٌّ البصرة يوم الإثنين ، فانتهي إلي المسجد ، فصلّي فيه ، ثمّ دخل البصرة ، فأتاه الناس ، ثمّ راح إلي عائشة علي بغلته ، فلمّا انتهي إلي دار عبد الله بن خلف ـ وهى أعظم دار بالبصرة ـ وجد النساء يبكين علي عبد الله وعثمان ـ ابنى خلف ـ مع عائشة ، وصفيّة ابنة الحارث مختمرة تبكى .

فلمّا رأته قالت : يا علىّ ، يا قاتل الأحبّة ، يا مفرّق الجمع ! أيتمَ الله بنيك منك كما أيتمت ولد عبد الله منه !

فلم يردّ عليها شيئاً ، ولم يزل علي حاله حتي دخل علي عائشة ، فسلّم عليها ، وقعد عندها ، وقال لها : جبهتنا صفيّة ، أما إنّى لم أرَها منذ كانت جارية حتي اليوم .

فلمّا خرج علىّ أقبلت عليه فأعادت عليه الكلام ، فكفّ بغلته وقال : أ ما


(١) مروج الذهب : ٢ / ٣٧٧ وراجع دعائم الإسلام : ١ / ٣٩٤ وتفسير فرات : ١١١ / ١١٣ .

 ٢٦٣ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل العاشر : بعد الظفر / إشخاص عائشة إلي المدينة

لَهَمَمْتُ ـ وأشار إلي الأبواب من الدار ـ أن أفتح هذا الباب وأقتل من فيه ، ثمّ هذا فأقتل من فيه ، ثمّ هذا فأقتل من فيه ـ وكان اُناس من الجرحي قد لجؤوا إلي عائشة ، فاُخبر علىّ بمكانهم عندها ، فتغافل عنهم ـ فسكتت .

فخرج علىٌّ فقال رجل من الأزد : والله ، لا تفلتنا هذه المرأة ! فغضب وقال : صه ! لا تهتكنّ ستراً ، ولا تدخلنّ داراً ، ولا تهيجنّ امرأة بأذي ، وإن شتمن أعراضكم ، وسفّهن اُمراءكم وصلحاءكم ; فإنّهنّ ضعاف ، ولقد كنّا نؤمر بالكفّ عنهنّ ، وإنّهنّ لمشركات ، وإنّ الرجل ليكافئ المرأة ويتناولها بالضرب ، فيعيَّر بها عقبه من بعده ، فلا يبلغنّى عن أحد عَرَض لامرأة ، فاُنكّل به شرار الناس(١) .

١٠ / ٧

إشخاص عائشة إلي المدينة

٢٢٨٠ ـ مسند ابن حنبل عن أبى رافع : إنّ رسول الله  ½ قال لعلىّ بن أبى طالب : إنّه سيكون بينك وبين عائشة أمر ، قال : أنا يا رسول الله ؟ قال : نعم . قال : أنا ؟ قال : نعم . قال : فأنا أشقاهم يا رسول الله ؟ قال : لا ، ولكن إذا كان ذلك فارددها إلي مأمَنِها(٢) .

٢٢٨١ ـ الأخبار الطوال ـ فى ذكر أحداث ما بعد حرب الجمل ـ : قال [علىّ  ¼ ] لمحمّد بن أبى بكر : سِر مع اُختك حتي توصلها إلي المدينة ، وعجّل اللحوق بى بالكوفة . فقال : أعفِنى من ذلك يا أمير المؤمنين .


(١) تاريخ الطبرى : ٤ / ٥٣٩ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٣٤٧ نحوه وراجع البداية والنهاية : ٧ / ٢٤٦ والفتوح : ٢ / ٤٨٣ .
(٢) مسند ابن حنبل : ١٠ / ٣٤٣ / ٢٧٢٦٨ ، المعجم الكبير : ١ / ٣٣٢ / ٩٩٥ ، فتح البارى : ١٣ / ٥٥ ; شرح الأخبار : ١ / ٣٩٥ / ٣٣٥ نحوه .

 ٢٦٤ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل العاشر : بعد الظفر / ندم عائشة

فقال علىّ : لا أعفيك منه ، وما لك بُدُّ . فسار بها حتي أوردها المدينة(١) .

٢٢٨٢ ـ الجمل : لمّا عزم أمير المؤمنين  ¼ علي المسير إلي الكوفة أنفذ إلي عائشة يأمرها بالرحيل إلي المدينة ، فتهيّأت لذلك ، وأنفذ معها أربعين امرأة ألبسهنّ العمائم والقلانس(٢) ، وقلّدهنّ السيوف ، وأمرهنّ أن يحفظنها ، ويكنَّ عن يمينها وشمالها ومن ورائها .

فجعلت عائشة تقول فى الطريق : اللهمّ افعل بعلىّ بن أبى طالب بما فعل بى ! بعث معى الرجال ولم يحفظ بى حرمة رسول الله  ½ .

فلمّا قدمنَ المدينة معها ألقين العمائم والسيوف ودخلنَ معها ، فلمّا رأتهنّ ندمت علي ما فرّطت بذمّ أمير المؤمنين  ¼ وسبّه .

وقالت : جزي الله ابن أبى طالب خيراً ، فلقد حفظ فىَّ حرمة رسول الله  ½ (٣) .

١٠ / ٨

ندم عائشة

٢٢٨٣ ـ الكامل فى التاريخ عن عائشة ـ بعد حرب الجمل ـ : والله ، لوددت أنّى متُّ قبل هذا اليوم بعشرين سنة(٤) .


(١) الأخبار الطوال : ١٥٢ .
(٢) القلنسوة : تلبس فى الرأس والجمع قلانس (تاج العروس : ٨ / ٤٢٤) .
(٣) الجمل : ٤١٥ ; الإمامة والسياسة : ١ / ٩٨ ، مروج الذهب : ٢ / ٣٧٩ وفيه "بعث معها علىّ أخاها عبد الرحمن بن أبى بكر وثلاثين رجلاً وعشرين امرأة . . ." بدل "لمّا عزم أمير المؤمنين  ¼ علي المسير . . ." ، تاريخ الطبرى : ٤ / ٥٤٤ عن محمّد وطلحة ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٣٤٧ ، البداية والنهاية : ٧ / ٢٤٦ وكلّها نحوه وراجع تاريخ اليعقوبى : ٢ / ١٨٣ والفتوح : ٢ / ٤٨٧ .
(٤) الكامل فى التاريخ : ٢ / ٣٤٥ ، شرح نهج البلاغة : ١ / ٢٦٤ عن جندب بن عبد الله ، الفتوح : ٢ / ٤٨٧ ، المعيار والموازنة : ٦١ .

 ٢٦٥ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل العاشر : بعد الظفر / ندم عائشة

٢٢٨٤ ـ نهاية الأرب : أتي وجوه الناس إلي عائشة وفيها : القعقاع بن عمرو ، فسلّم عليها فقالت : والله ، لوددت أنّى متّ قبل هذا اليوم بعشرين سنة !(١)

٢٢٨٥ ـ فتح البارى عن محمّد بن قيس : ذُكر لعائشة يوم الجمل قالت : والناس يقولون يوم الجمل ؟ قالوا : نعم ، قالت : وددت أنّى جلست كما جلس غيرى ; فكان أحبّ إلىّ من أن أكون ولدت من رسول الله  ½ عشرة كلّهم مثل عبد الرحمن بن الحارث بن هشام(٢) .

٢٢٨٦ ـ المستدرك علي الصحيحين عن عائشة : وددت أنّى كنت ثكلت عشرة مثل الحارث بن هشام ، وأنّى لم أسِر مسيرى مع ابن الزبير(٣) .

٢٢٨٧ ـ الطبقات الكبري عن عمارة بن عمير : حدّثنى من سمع عائشة إذا قرأت هذه الآية : ³ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ  ²  (٤) بكت حتي تبلّ خمارها(٥) .

٢٢٨٨ ـ تاريخ بغداد عن عروة : ما ذكرت عائشة مسيرها فى وقعة الجمل قطّ ، إلاّ بكت حتي تبلّ خمارها وتقول : يا ليتنى كنت نَسياً منسيّاً(٦) .


(١) نهاية الأرب : ٢٠ / ٧٩ .
(٢) فتح البارى : ١٣ / ٥٥ ، مجمع الزوائد : ٧ / ٤٨٠ / ١٢٠٤٠ ، اُسد الغابة : ٣ / ٤٢٩ / ٣٢٨٣ ، تاريخ دمشق : ٣٤ / ٢٧٤ وزاد فى ذيله "أو مثل عبد الله بن الزبير" .
(٣) المستدرك علي الصحيحين : ٣ / ١٢٩ / ٤٦٠٩ ، الاعتقاد والهداية : ٢٤٦ وفيه "مثل ولد الحرث بن هشام" بدل "مثل الحارث بن هشام" وراجع المصنّف لابن أبى شيبة : ٨ / ٧١٧ / ٥٥ وأنساب الأشراف : ٣ / ٦٠ .
(٤) الأحزاب : ٣٣ .
(٥) الطبقات الكبري : ٨ / ٨١ ، الزهد لابن حنبل : ٢٠٥ ، أنساب الأشراف : ٣ / ٦٠ كلاهما عن أبى الضحي عمّن سمع عائشة ، سير أعلام النبلاء : ٢ / ١٧٧ / ١٩ ، الدرّ المنثور : ٦ / ٦٠٠ عن مسروق .
(٦) تاريخ بغداد : ٩ / ١٨٥ / ٤٧٦٦ ، الاعتقاد والهداية : ٢٤٦ ، المناقب للخوارزمى : ١٨٢ / ٢٢٠ .

 ٢٦٦ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل العاشر : بعد الظفر / غنائم الحرب

٢٢٨٩ ـ المناقب للخوارزمى عن أبى عتيق : قالت عائشة : إذا مرّ ابن عمر فأرونيه ، فلمّا مرّ قيل لها : هذا ابن عمر ، قالت : يا أبا عبد الرحمن ، ما يمنعك أن تنهانى عن مسيرى ؟ قال : قد رأيت رجلاً قد غلب عليك [يعنى ابن الزبير] ، وظننت أن لا تخالفيه . قالت : أما إنّك لو نهيتنى ما خرجت(١) .

١٠ / ٩

غنائم الحرب

٢٢٩٠ ـ شرح نهج البلاغة : اتّفقت الرواة كلّها علي أنّه[عليّاً  ¼ ] قبض ما وجد فى عسكر الجمل من سلاح ودابّة ومملوك ومتاع وعروض ، فقسّمه بين أصحابه ، وأنّهم قالوا له : اقسم بيننا أهل البصرة فاجعلهم رقيقاً ، فقال : لا .

فقالوا : فكيف تُحلّ لنا دماءهم ، وتُحرّم علينا سبيهم !

فقال : كيف يحلّ لكم ذرّيّة ضعيفة فى دار هجرة وإسلام ! أمّا ما أجلب به القوم فى معسكرهم عليكم فهو لكم مغنم ، وأمّا ما وارت الدور واُغلقت عليه الأبواب فهو لأهله ، ولا نصيب لكم فى شىء منه .

فلمّا أكثروا عليه قال : فاقرعوا علي عائشة ; لأدفعها إلي من تُصيبه القرعة !

فقالوا : نستغفر الله يا أمير المؤمنين ! ثمّ انصرفوا(٢) .

٢٢٩١ ـ شرح الأخبار : كان علىّ صلوات الله عليه قد غنم أصحابُه ما أجلب به أهل البصرة إلي قتاله ـ وأجلبوا به : يعنى أتوا به فى عسكرهم ـ ولم يعرض لشىء غير ذلك من أموالهم ، وجعل ما سوي ذلك من أموال من قُتل منهم


(١) المناقب للخوارزمى : ١٨٢ / ٢١٨ ، سلسلة الأحاديث الصحيحة : ١ / ٧٧٦ عن ابن أبى عتيق .
(٢) شرح نهج البلاغة : ١ / ٢٥٠ وراجع الإمامة والسياسة : ١ / ٩٧ .

 ٢٦٧ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل العاشر : بعد الظفر / بذل الإمام سهمه من الغنيمة

لورثتهم ، وخمّس ما اُغنمه ممّا أجلبوا به عليه ، فجرت أيضاً بذلك السنّة(١) .

١٠ / ١٠

بذل الإمام سهمه من الغنيمة

٢٢٩٢ ـ مروج الذهب : قبض [علىّ  ¼ ] ما كان فى معسكرهم من سلاح ودابّة ومتاع وآلة وغير ذلك ، فباعه وقسّمه بين أصحابه ، وأخذ لنفسه ـ كما أخذ لكلّ واحد ممّن معه من أصحابه وأهله وولده ـ خمسمائة درهم .

فأتاه رجل من أصحابه فقال : يا أمير المؤمنين ! إنّى لم آخذ شيئاً ، وخلّفنى عن الحضور كذا ـ وأدلي بعذر ـ فأعطاه الخمسمائة التى كانت له(٢) .

٢٢٩٣ ـ الجمل : ثمّ نزل  ¼ [أى بعد خطبته فى أهل البصرة] واستدعي جماعة من أصحابه ، فمشوا معه حتي دخل بيت المال ، وأرسل إلي القرّاء ، فدعاهم ودعا الخزّان وأمرهم بفتح الأبواب التى داخلها المال ، فلمّا رأي كثرة المال قال : "هذا جِناى وخياره فيه"(٣) . ثمّ قسّم المال بين أصحابه فأصاب كلّ رجل منهم ستّة آلاف ألف درهم ، وكان أصحابه اثنى عشر ألفاً ، وأخذ هو  ¼ كأحدهم ، فبينا هم


(١) شرح الأخبار : ١ / ٣٨٩ / ٣٣١ .
(٢) مروج الذهب : ٢ / ٣٨٠ وراجع الأخبار الطوال : ٢١١ .
(٣) قال ابن منظور : فى الحديث : أنّ أمير المؤمنين علىّ بن أبى طالب كرّم الله وجهه دخل بيت المال فقال : يا حمراء ويا بيضاء احمرّى وابيضّى ، غرّى غيرى .
هذا جَناى وخِياره فيهْإذ كلّ جان يدُه إلي فيهْ
قال أبو عبيد : يضرب هذا مثلا للرجل يؤثر صاحبه بخيار ما عنده . وأراد علىّ رضوان الله عليه بقول ذلك أنّه لم يتلطّخ بشىء من فىء المسلمين بل وضعه مواضعه . والجَني : ما يُجْني من الشجر (لسان العرب : ١٤ / ١٥٥ وراجع مجمع الأمثال : ٣ / ٤٨٨) .

 ٢٦٨ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل العاشر : بعد الظفر / دخول الإمام بيت مال البصرة

علي تلك الحالة ، إذ أتاه آت فقال : يا أمير المؤمنين ! إنّ اسمى سقط من كتابك ، وقد رأيت من البلاء ما رأيت . فدفع سهمه إلي ذلك الرجل .

وروي الثورى عن داود بن أبى هند عن أبى حرب بن أبى الاسود قال : لقد رأيت بالبصرة عجباً ! لمّا قدم طلحة والزبير قد أرسلا إلي اُناس من أهل البصرة وأنا فيهم ، فدخلنا بيت المال معهما ، فلمّا رأيا ما فيه من الأموال قالا : هذا ما وعدنا الله ورسوله . ثمّ تلَيا هذه الآية : ³ وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَـٰذِهِ  ²  إلي آخر الآية وقالا : نحن أحقّ بهذا المال من كلّ أحد .

فلمّا كان من أمر القوم ما كان دعانا علىّ بن أبى طالب  ¼ فدخلنا معه بيت المال ، فلمّا رأي ما فيه ضرَبَ إحدي يديه علي الاُخري وقال : يا صفراء يا بيضاء ، غرّى غيرى ! وقسّمه بين أصحابه بالسويّة حتي لم يبق إلاّ خمسمائة درهم عزلها لنفسه ، فجاءه رجل فقال : إنّ اسمى سقط من كتابك . فقال  ¼ : ردّوها عليه . ثمّ قال :

الحمد لله الذى لم يصل إلىّ من هذا المال شىء ، ووفَّرَه علي المسلمين(١) .

١٠ / ١١

دخول الإمام بيت مال البصرة

٢٢٩٤ ـ الجمل : لمّا خرج عثمان بن حنيف من البصرة ، وعاد طلحة والزبير إلي بيت المال فتأمّلا ما فيه ، فلمّا رأوا ما حواه من الذهب والفضّة قالوا : هذه الغنائم التى وعدنا الله بها ، وأخبرنا أنّه يعجّلها لنا .

قال أبو الأسود : فقد سمعت هذا منهما ، ورأيت عليّاً  ¼ بعد ذلك ، وقد دخل


(١) الجمل : ٤٠٠ وراجع مروج الذهب : ٢ / ٣٨٠ وشرح نهج البلاغة : ١ / ٢٤٩ وج ٩ / ٣٢٢ .

 ٢٦٩ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل العاشر : بعد الظفر / خطبة الإمام بعد قسمة المال

بيت مال البصرة ، فلمّا رأي ما فيه قال : يا صفراء ويا بيضاء غُرّى غيرى ! المالُ يَعْسُوب(١) الظَّلمَة ، وأنا يعسوب المؤمنين .

فلا والله ما التفتَ إلي ما فيه ، ولا فكّر فيما رآه منه ، وما وجدته عنده إلاّ كالتراب هواناً ! فعجبت من القوم ومنه  ¼ ! فقلت : اُولئك ممّن يريد الدنيا ، وهذا ممّن يريد الآخرة ، وقوِيتْ بصيرتى فيه(٢) .

١٠ / ١٢

خطبة الإمام بعد قسمة المال

٢٢٩٥ ـ الجمل عن الواقدى : إنّ أمير المؤمنين  ¼ لمّا فرغ من قسمة المال قام خطيباً ، فحمد الله وأثني عليه وقال :

أيّها الناس ! إنّى أحمد الله علي نِعَمه ; قُتل طلحة والزبير ، وهُزمت عائشة . وايم الله لو كانت عائشة طلبت حقّاً وأهانت باطلاً لكان لها فى بيتها مأوي ، وما فرض الله عليها الجهاد ، وإنّ أوّل خطئها فى نفسها ، وما كانت والله علي القوم إلاّ أشأم من ناقة الحِجْر(٣) ، وما ازداد عدوّكم بما صنع الله إلاّ حقداً ، وما زادهم الشيطان إلاّ طغيانا . ولقد جاؤوا مبطلين وأدبروا ظالمين ، إنّ إخوانكم المؤمنين جاهدوا فى سبيل الله ، وآمنوا به يرجون مغفرة من الله ، وإنّنا لعلي الحقّ ، وإنّهم لعلي الباطل ، وسيجمعنا الله وإيّاهم يوم الفصل ، وأستغفر الله لى ولكم(٤) .


(١) اليعسوب : السيّد والرئيس والمقدّم (النهاية : ٣ / ٢٣٤) .
(٢) الجمل : ٢٨٥ .
(٣) يشير بهذا إلي قصّة ناقة صالح  ¼ . والحِجْر : إسم ديار ثمود بوادى القري بين المدينة والشام وفيها بئر ثمود (راجع : معجم البلدان : ٢/٢٢١) .
(٤) الجمل : ٤٠٢ .

 ٢٧٠ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل العاشر : بعد الظفر / توبيخ الإمام لأهل البصرة

١٠ / ١٣

توبيخ الإمام لأهل البصرة

٢٢٩٦ ـ الجمل : لمّا كتب أمير المؤمنين  ¼ الكتب بالفتح قام فى الناس خطيباً ، فحمد الله تعالي وأثني عليه ، وصلّي علي محمّد وآله ، ثمّ قال :

أمّا بعد ; فإنّ الله غفور رحيم عزيز ذو انتقام ، جعل عفوه ومغفرته لأهل طاعته ، وجعل عذابه وعقابه لمن عصاه وخالف أمره ، وابتدع فى دينه ما ليس منه ، وبرحمته نال الصالحون العون ، وقد أمكننى الله منكم يا أهل البصرة ، وأسلمكم بأعمالكم ; فإيّاكم أن تعودوا إلي مثلها ; فإنّكم أوّل من شرع القتال والشقاق ، وترك الحقّ والإنصاف(١) .

٢٢٩٧ ـ الجمل عن الحارث بن سريع : لمّا ظهر أمير المؤمنين  ¼ علي أهل البصرة وقسّم ما حواه العسكر ، قام فيهم خطيباً ، فحمد الله وأثني عليه ، وصلّي علي رسوله وقال :

أيّها الناس ! إنّ الله عزّ وجلّ ذو رحمة واسعة ومغفرة دائمة لأهل طاعته ، وقضي أنّ نقمته وعقابه علي أهل معصيته .

يا أهل البصرة ! يا أهل المؤتفكة ، ويا جند المرأة ، وأتباع البهيمة ! رغا فأجبتم ، وعُقر فانهزمتم ، أحلامكم دقاق ، وعهدكم شقاق ، ودينكم نفاق ، وأنتم فسقة مُرّاق .

يا أهل البصرة ! أنتم شرّ خلق الله ; أرضكم قريبة من الماء ، بعيدة من السماء . خفّت عقولكم ، وسفهت أحلامكم . شهرتم سيوفكم ، وسفكتم دماءكم ، وخالفتم


(١) الجمل : ٤٠٠ وراجع الإرشاد : ١ / ٢٥٧ وبحار الأنوار :٣٢ / ٢٣٠ / ١٨٢ .

 ٢٧١ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل العاشر : بعد الظفر / توبيخ الإمام لأهل البصرة

إمامكم ; فأنتم أكلة الآكل ، وفريسة الظافر ، فالنار لكم مدّخر ، والعار لكم مفخر ، يا أهل البصرة ! نكثتم بيعتى ، وظاهرتم علىّ ذوى عداوتى ، فما ظنّكم يا أهل البصرة الآن(١) .

٢٢٩٨ ـ الأخبار الطوال : دخل علىّ   ¢ البصرة ، فأتي مسجدها الأعظم ، واجتمع الناس إليه ، فصعد المنبر ، فحمد الله وأثني عليه ، وصلّي علي النبىّ  ½ ، ثمّ قال :

أمّا بعد ; فإنّ الله ذو رحمة واسعة وعقاب أليم ، فما ظنّكم بى يا أهل البصرة ; جُندَ المرأة ، وأتباع البهيمة ؟ رَغا فقاتلتم ، وعُقر فانهزمتم ، أخلاقكم دقاق ، وعهدكم شقاق ، وماؤكم زعاق(٢) . أرضكم قريبة من الماء ، بعيدة من السماء ، وايم الله ليأتينّ عليها زمان لا يُري منها إلاّ شرفات مسجدها فى البحر ، مثل جؤجؤ(٣) السفينة ، انصرفوا إلي منازلكم .

ثمّ نزل ، وانصرف إلي معسكره(٤) .

٢٢٩٩ ـ الإمام علىّ  ¼ ـ فى ذمّ أهل البصرة بعد وقعة الجمل ـ : كنتم جند المرأة ، وأتباع البهيمة ; رغا فأجبتم ، وعُقر فهربتم . أخلاقكم دقاقٌ ، وعهدكم شقاقٌ ، ودينكم نفاقٌ ، وماؤكم زعاقٌ ، والمقيم بين أظهركم مرتهن بذنبه ، والشاخص عنكم متدارك برحمة من ربّه . كأنّى بمسجدكم كجؤجؤ سفينة قد بعث الله عليها العذاب من فوقها ومن تحتها ، وغرق من فى ضمنها(٥) .


(١) الجمل : ٤٠٧ وراجع تفسير القمّى : ٢ / ٣٣٩ والاحتجاج : ١ / ٢٥٠ ونثر الدرّ : ١ / ٣١٥ ومروج الذهب : ٢ / ٣٧٧ .
(٢) ماءٌ زُعاق : مرٌّ غليظ لا يطاق شربه من اُجوجته (لسان العرب : ١٠ / ١٤١) .
(٣) الجؤجؤ : الصدر (النهاية : ١ / ٢٣٢) .
(٤) الأخبار الطوال : ١٥١ .
(٥) نهج البلاغة : الخطبة ١٣ ; المناقب للخوارزمى : ١٨٩ .

 ٢٧٢ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل العاشر : بعد الظفر / استخلاف ابن عبّاس علي البصرة

٢٣٠٠ ـ معجم البلدان : فى رواية أنّ عليّاً   ¢ لمّا فرغ من وقعة الجمل دخل البصرة فأتي مسجدها الجامع ، فاجتمع الناس ، فصعد المنبر ، فحمد الله وأثني عليه ، وصلّي علي النبىّ  ½ ، ثمّ قال :

أمّا بعد ; فإنّ الله ذو رحمة واسعة ، فما ظنّكم يا أهل البصرة ؟ يا أهل السبخة ، يا أهل المؤتفكة ; ائتفكت(١) بأهلها ثلاثاً وعلي الله الرابعة ، يا جند المرأة ، ثم ذكر الذى قبله ، ثمّ قال : انصرفوا إلي منازلكم وأطيعوا الله وسلطانكم .

وخرج حتي صار إلي المربد ، والتفتَ وقال : الحمد لله الذى أخرجنى من شرّ البقاع تراباً ، وأسرعها خراباً(٢) .

١٠ / ١٤

استخلاف ابن عبّاس علي البصرة

٢٣٠١ ـ الجمل عن الواقدى عن رجاله : لمّا أراد أمير المؤمنين  ¼ الخروج من البصرة استخلف عليها عبد الله بن العبّاس وأوصاه ، فكان فى وصيّته له أن قال : يا ابن عبّاس ، عليك بتقوي الله والعدل بمن وُلّيت عليه ، وأن تبسط للناس وجهك ، وتوسّع عليهم مجلسك وتسعهم بحلمك . وإيّاك والغضب ; فإنّه طيرة من الشيطان ، وإيّاك والهوي ; فإنّه يصدّك عن سبيل الله .

واعلم أنّ ما قرّبك من الله فهو مباعدك من النار ، وما باعدك من الله فهو مقرّبك من النار . واذكر الله كثيراً ولا تكن من الغافلين .

وروي أبو مخنف لوط بن يحيي قال : لمّا استعمل أمير المؤمنين  ¼ عبد الله بن


(١) أى غرقت ، فشبّه غرقها بانقلابها (النهاية : ١ / ٥٦) .
(٢) معجم البلدان : ١ / ٤٣٦ .

 ٢٧٣ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل العاشر : بعد الظفر / كتاب الإمام إلي أهل الكوفة

العبّاس علي البصرة خطب الناس ، فحمد الله وأثني عليه ، وصلّي علي رسوله ، ثمّ قال :

يا معاشر الناس ، قد استخلفت عليكم عبد الله بن العبّاس ، فاسمعوا له وأطيعوا أمره ما أطاع الله ورسوله ; فإن أحدث فيكم أو زاغ عن الحقّ فأعلمونى أعزلْه عنكم ; فإنّى أرجو أن أجده عفيفاً تقيّاً ورعاً ، وإنّى لم اُولّه عليكم إلاّ وأنا أظنّ ذلك به ، غفر الله لنا ولكم .

فأقام عبد الله بالبصرة حتي عمل أمير المؤمنين  ¼ علي التوجّه إلي الشام ، فاستخلف عليها زياد بن أبيه ، وضمّ إليه أبا الأسود الدؤلى ، ولحق بأمير المؤمنين  ¼ ، فسار معه إلي صفّين(١) .

١٠ / ١٥

كتاب الإمام إلي أهل الكوفة

٢٣٠٢ ـ الإمام علىّ  ¼ ـ فى كتابه إلي أهل الكوفة ـ : بسم الله الرحمن الرحيم ، من علىّ أمير المؤمنين إلي أهل الكوفة : سلام عليكم ، فإنّى أحمد الله إليكم الذى لا إله إلاّ هو ، أمّا بعد ; فإنّ الله حَكَم عَدْل ³ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَال  ²  (٢) .

وإنّى اُخبركم عنّا ، وعمّن سرنا إليه من جموع أهل البصرة ، ومن سار إليه من قريش وغيرهم مع طلحة والزبير بعد نكثهما صفقة أيمانهما .

فنهضتُ من المدينة حين انتهي إلىّ خبرهم ، وما صنعوه بعاملى عثمان بن


(١) الجمل : ٤٢٠ وراجع نهج البلاغة : الكتاب ٧٦ .
(٢) الرعد : ١١ .

 ٢٧٤ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل العاشر : بعد الظفر / قدوم الإمام إلي الكوفة

حنيف حتي قدمت ذا قار ، فبعثت إليكم ابنى الحسن وعمّاراً وقيساً فاستنفروكم لحقّ الله وحقّ رسوله وحقّنا ، فأجابنى إخوانكم سراعاً حتي قدموا علىَّ .

فسرتُ بهم وبالمسارعين منهم إلي طاعة الله حتي نزلت ظهر البصرة ، فأعذرت بالدعاء ، وأقمت الحجّة ، وأقلت العثرة والزلّة من أهل الردّة من قريش وغيرهم ، واستتبتهم عن نكثهم بيعتى ، وعهد الله لى عليهم ، فأبَوا إلاّ قتالى ، وقتال من معى ، والتمادى فى الغىّ ، فناهضتهم بالجهاد .

فقُتل من قُتل منهم ، وولّي من ولّي إلي مصرهم ، فسألونى ما دعوتهم إليه من كفّ القتال ، فقبلت منهم ، وغمدت السيوف عنهم ، وأخذت بالعفو فيهم ، وأجريت الحقّ والسُّنّة بينهم ، واستعملت عبد الله بن العبّاس علي البصرة ، وأنا سائر إلي الكوفة إن شاء الله تعالي .

وقد بعثت إليكم زَحْرَ بن قيس الجعفى لتسألوه فيخبركم عنّا وعنهم ، وردِّهِم الحقَّ علينا ، وردِّهِم اللهِ وهم كارهون . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . وكتب عبيد الله بن أبى رافع فى جمادي الاُولي من سنة ستّ وثلاثين من الهجرة(١) .

١٠ / ١٦

قدوم الإمام إلي الكوفة

٢٣٠٣ ـ وقعة صفّين عن عبد الرحمن بن عبيد بن أبى الكنود وغيره : لمّا قدم علىّ بن أبى طالب من البصرة إلي الكوفة يوم الإثنين لثنتى عشرة ليلة مضت من رجب سنة ستّ وثلاثين ، وقد أعزّ الله نصره ، وأظهره علي عدوّه ، ومعه أشراف


(١) الجمل : ٣٩٨ ، الإرشاد : ١ / ٢٥٨ ، الشافى : ٤ / ٣٢٩ ، معادن الحكمة : ١ / ٤٤٧ / ٨٥ كلّها نحوه ، بحار الأنوار : ٣٢ / ٢٣١ / ١٨٢ .

 ٢٧٥ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل العاشر : بعد الظفر / قدوم الإمام إلي الكوفة

الناس وأهل البصرة ، استقبله أهل الكوفة وفيهم قرّاؤهم وأشرافهم ، فدعوا له بالبركة وقالوا : يا أمير المؤمنين ، أين تنزل ؟ أ تنزل القصر ؟ فقال : لا ، ولكنّى أنزل الرحبة . فنزلها وأقبل حتي دخل المسجد الأعظم فصلّي فيه ركعتين ، ثمّ صعد المنبر فحمد الله وأثني عليه وصلّي علي رسوله وقال :

أمّا بعد ; يا أهل الكوفة ! فإنّ لكم فى الإسلام فضلاً ما لم تبدّلوا وتغيّروا . دعوتكم إلي الحقّ فأجبتم ، وبدأتم بالمنكر فغيّرتم . ألا إنّ فضلكم فيما بينكم وبين الله فى الأحكام والقسم . فأنتماُسوة من أجابكم ودخل فيما دخلتم فيه . ألا إنّ أخوف ما أخاف عليكم اتّباع الهوي ، وطول الأمل . فأمّا اتّباع الهوي فيصدّ عن الحقّ ، وأمّا طول الأمل فيُنسى الآخرة . ألا إنّ الدنيا قد ترحّلت مدبرة ، والآخرة ترحّلت مقبلة ، ولكلّ واحدة منهابنون ; فكونوا من أبناء الآخرة . اليوم عمل ولا حساب ، وغداً حساب ولا عمل . الحمد لله الذى نصر وليّه ، وخذل عدوّه ، وأعزّ الصادق المحقّ ، وأذلّ الناكث المبطل .

عليكم بتقوي الله وطاعة من أطاع الله من أهل بيت نبيّكم ، الذين هم أولي بطاعتكم فيما أطاعوا الله فيه ، من المنتحلين المدّعين المقابلين إلينا ، يتفضّلون بفضلنا ، ويجاحدونا أمرنا ، وينازعونا حقّنا ، ويدافعونا عنه . فقد ذاقوا وبال ما اجترحوا فسوف يلقَون غيّاً . ألا إنّه قد قعد عن نصرتى منكم رجال فأنا عليهم عاتب زار . فاهجروهم وأسمِعوهم ما يكرهون حتي يعتبوا ، ليُعرف بذلك حزب الله عند الفرقة .

فقام إليه مالك بن حبيب اليربوعى ـ وكان صاحب شرطته ـ فقال : والله إنّى لأري الهجر وإسماع المكروه لهم قليلاً . والله لئن أمرتنا لنقتلنّهم . فقال على : سبحان الله يا مالِ ! جزت المدي ، وعدوت الحدّ ، وأغرقت فى النزع ! فقال : يا

 ٢٧٦ - المجلد الخامس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الاُولي : وقعة الجمل / الفصل العاشر : بعد الظفر / قدوم الإمام إلي الكوفة

أمير المؤمنين ! لبعض الغَشْم(١) أبلغ فى اُمور تنوبك من مهادنة الأعادى . فقال على : ليس هكذا قضي الله يا مالِ ، قتل النفس بالنفس ; فما بال الغَشْم ؟ وقال : ³ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنصُورًا  ²  (٢) والإسراف فى القتل أن تقتل غير قاتلك ; فقد نهي الله عنه ، وذلك هو الغَشْم(٣) .

٢٣٠٤ ـ وقعة صفّين عن الأصبغ بن نباتة : إنّ عليّاً لمّا دخل الكوفة قيل له : أىُّ القصرين نُنزلك ؟ قال : قصر الخبال لا تُنزلونيه . فنزل علي جعدة بن هبيرة المخزومى(٤) .


(١) الغشم : الظلم والغصب (لسان العرب : ١٢ / ٤٣٧) .
(٢) الإسراء : ٣٣ .
(٣) وقعة صفّين : ٣ ، الأمالى للمفيد : ١٢٧ ، بحار الأنوار : ٣٢ / ٣٥٤ / ٣٣٧ ; شرح نهج البلاغة : ٣ / ١٠٢ نحوه وراجع المعيار والموازنة : ٩٧ .
(٤) وقعة صفّين : ٥ ، بحار الأنوار : ٣٢ / ٣٥٥ / ٣٣٧ .