٣٦٣ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثالثة : وقعة النهروان / الفصل السادس : إقامة الحجّة فى ساحة القتال
٦ / ١ ٢٧١٢ ـ نهج البلاغة : من كلام له ¼ قاله للخوارج ، وقد خرج إلي معسكرهم وهم مقيمون علي إنكار الحكومة فقال ¼ : أكُلّكم شهد معنا صفّين ؟ فقالوا : منّا من شهد ، ومنّا من لم يشهد . قال : فامتازوا فرقتين ; فليكن من شهد صفّين فرقة ، ومن لم يشهدها فرقة ، حتي اُكلّم كلاًّ منكم بكلامه . ونادي الناس ، فقال : أمسكوا عن الكلام ، وأنصتوا لقولى ، وأقبِلوا بأفئدتكم إلىَّ ، فمن نشدناه شهادة فليقُل بعلمه فيها . ثمّ كلّمهم ¼ بكلام طويل ، من جملته أن قال ¼ : أ لم تقولوا عند رفعهم المصاحف حيلة وغيلة ومكراً وخديعة : إخواننا وأهل دعوتنا استقالونا واستراحوا إلي كتاب الله سبحانه ، فالرأى القبول منهم ، والتنفيس عنهم ؟ ٣٦٤ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثالثة : وقعة النهروان / الفصل السادس : إقامة الحجّة فى ساحة القتال / احتجاجات الإمام عليهم
فقلت لكم : هذا أمر ظاهره إيمان ، وباطنه عدوان ، وأوّله رحمة ، وآخره ندامة ، فأقيموا علي شأنكم ، والزموا طريقتكم ، وعضّوا علي الجهاد بنواجذكم ، ولا تلتفتوا إلي ناعق نعق ; إن اُجيبَ أضلّ ، وإن تُرك ذلّ . وقد كانت هذه الفَعلة ، وقد رأيتُكم أعطيتُموها . والله لئن أبَيتُها ما وجبت علىَّ فريضتها ، ولا حمّلنى الله ذنبها . وو الله ، إن جئتُها إنّى للمحقّ الذى يُتّبع ، وإنّ الكتاب لمعى ، ما فارقته مذ صحبته ، فلقد كنّا مع رسول الله ½ وإنّ القتل ليدور علي الآباء والأبناء ، والإخوان والقرابات ، فما نزداد علي كلّ مصيبة وشدّة إلاّ إيماناً ، ومضيّاً علي الحقّ ، وتسليماً للأمر ، وصبراً علي مَضَض(١) الجراح . ولكنّا إنّما أصبحنا نقاتل إخواننا فى الإسلام علي ما دخل فيه من الزيغ والاعوجاج ، والشبهة والتأويل . فإذا طمعنا فى خصلة يلمّ الله بها شعثنا ، ونتداني بها إلي البقيّة فيما بيننا ، رغبنا فيها ، وأمسكنا عمّا سواها(٢) . ٢٧١٣ ـ الإمام علىّ ¼ ـ من كلام له يكشف للخوارج الشبهة ـ : فإن أبيتم إلاّ أن تزعموا أنّى أخطأت وضللت ، فلِمَ تُضلّلون عامّة اُمّة محمّد ½ بضلالى ، وتأخذونهم بخطئى ، وتُكفّرونهم بذنوبى ؟ سيوفكم علي عواتقكم تضعونها مواضع البُرء والسقم ، وتخلطون من أذنب بمن لم يذنب ! وقد علمتم أنّ رسول الله ½ رجم الزانى المحصن ، ثمّ صلّي عليه ، ثمّ ورّثه أهله ، وقتل القاتل ، وورّث ميراثه أهله ، وقطع السارق ، وجلد الزانى غير المحصن ، ثمّ قسم عليهما من الفىء ، ونكحا المسلمات ; فأخذهم رسول الله ½ بذنوبهم ، وأقام حقّ الله (١) مَضَّنى الجُرح : آلَمَنى وأوجعنى (لسان العرب : ٧ / ٢٣٣) . ٣٦٥ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثالثة : وقعة النهروان / الفصل السادس : إقامة الحجّة فى ساحة القتال / احتجاجات الإمام عليهم
فيهم ، ولم يمنعهم سهمهم من الإسلام ، ولم يُخرج أسماءهم من بين أهله . ثمّ أنتم شرار الناس ، ومن رمي به الشيطان مراميه ، وضرب به تِيهَه(١) ! وسيهلك فىَّ صنفان : محبّ مفرط يذهب به الحبّ إلي غير الحقّ ، ومبغض مفرط يذهب به البغض إلي غير الحقّ ، وخير الناس فىَّ حالا النمط الأوسط ، فالزموه ، والزموا السواد الأعظم ، فإنّ يد الله مع الجماعة ، وإيّاكم والفرقة ; فإنّ الشاذّ من الناس للشيطان ، كما أنّ الشاذّ من الغنم للذئب . ألا من دعا إلي هذا الشعار فاقتلوه ، ولو كان تحت عمامتى هذه ، فإنّما حكّم الحكمان ليُحييا ما أحيا القرآن ، ويُميتا ما أمات القرآن ، وإحياؤه الاجتماع عليه ، وإماتته الافتراق عنه . فإن جرّنا القرآن إليهم اتّبعناهم ، وإن جرّهم إلينا اتّبعونا . فلم آتِ ـ لا أبا لكم ـ بُجْراً(٢) ، ولا خَتَلتكم(٣) عن أمركم ، ولا لبّسته عليكم ، إنّما اجتمع رأى مِلْئكم علي اختيار رجلين ، أخذنا عليهما ألاّ يتعدّيا القرآن ، فتاها عنه ، وتركا الحقّ وهما يبصرانه ، وكان الجور هواهما فمضيا عليه . وقد سبق استثناؤنا عليهما ـ فى الحكومة بالعدل ، والصمد للحقّ ـ سوءَ رأيهما ، وجورَ حكمهما(٤) . ٢٧١٤ ـ التوحيد عن الأصبغ بن نباتة : لمّا وقف أمير المؤمنين علىّ بن (١) ضرب في الأرض : أسرع وسار وأرض تيه : مظلّة أى يتيه فيها الإنسان (لسان العرب : ١ / ٥٤٤ وج١٣ / ٤٨٢) . يعنى سلك بهم في ضلالة . ٣٦٦ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثالثة : وقعة النهروان / الفصل السادس : إقامة الحجّة فى ساحة القتال / احتجاجات الإمام عليهم
أبى طالب ¼ علي الخوارج ، ووعظهم ، وذكّرهم ، وحذّرهم القتال ، قال لهم : ما تنقمون منّى ؟ أ لا إنّى أوّل من آمن بالله ورسوله ؟ ! فقالوا : أنت كذلك ، ولكنّك حكّمت فى دين الله أبا موسي الأشعرى . فقال ¼ : والله ، ما حكّمت مخلوقاً ، وإنّما حكّمت القرآن ، ولولا أنّى غُلبت علي أمرى وخولفت فى رأيى لما رضيتُ أن تضع الحرب أوزارها بينى وبين أهل حرب الله ، حتي اُعلى كلمة الله ، وأنصر دين الله ، ولو كره الكافرون والجاهلون(١) . ٢٧١٥ ـ تاريخ الطبرى عن أبى سلمة الزهرى : إنّ عليّاً قال لأهل النهر : يا هؤلاء ! إنّ أنفسكم قد سوّلت لكم فراق هذه الحكومة التى أنتم ابتدأتموها وسألتموها وأنا لها كاره ، وأنبأتكم أنّ القوم سألوكموها مكيدة ودهناً ، فأبيتم علىَّ إباء المخالفين ، وعدلتم عنّى عدول النكداء العاصين ، حتي صرفت رأيى إلي رأيكم ، وأنتم والله معاشر أخفّاء الهام ، سفهاء الأحلام ، فلم آتِ ـ لا أبا لكم ـ حراماً . والله ، ما خَبَلَتكم(٢) عن اُموركم ، ولا أخفيت شيئاً من هذا الأمر عنكم ، ولا أوطأتكم عشوة(٣) ، ولا دنّيت لكم الضرّاء ، وإن كان أمرنا لأمر المسلمين ظاهراً ، فأجمع رأى ملئكم علي أن اختاروا رجلين ، فأخذنا عليهما أن يحكما بما فى القرآن ولا يعدواه ، فتاها ، وتركا الحقّ وهما يبصرانه ، وكان الجور هواهما . وقد (١) التوحيد : ٢٢٥ / ٦ ، بحار الأنوار : ٣٣ / ٣٨١ / ٦١٠ . ٣٦٧ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثالثة : وقعة النهروان / الفصل السادس : إقامة الحجّة فى ساحة القتال / احتجاجات الإمام عليهم
سبق استيثاقنا عليهما فى الحكم بالعدل والصدّ للحقّ سوءَ رأيهما ، وجورَ حكمهما . والثقة فى أيدينا لأنفسنا حين خالفا سبيل الحقّ ، وأتيا بما لا يعرف . فبيّنوا لنا : بماذا تستحلّون قتالنا ، والخروج من جماعتنا ؟ إن اختار الناس رجلين أن تضعوا أسيافكم علي عواتقكم ، ثمّ تستعرضوا الناس تضربون رقابهم ، وتسفكون دماءهم ! إنّ هذا لهو الخسران المبين . والله ، لو قتلتم علي هذا دجاجة لعظم عند الله قتلُها ، فكيف بالنفس التى قتلها عند الله حرام ! فتنادوا : لا تخاطبوهم ، ولا تكلّموهم ، وتهيؤوا للقاء الربّ ، الرواح الرواح إلي الجنّة(١) . ٢٧١٦ ـ تاريخ الطبرى عن زيد بن وهب : إنّ عليّاً أتي أهل النهر فوقف عليهم ، فقال : أيّتها العصابة التى أخرجتها عداوة المراء واللجاجة ، وصدّها عن الحقّ الهوي ، وطمح بها النزق(٢) ، وأصبحت فى اللَّبس والخطب العظيم ، إنّى نذير لكم أن تصبحوا تلفيكم الاُمّة غداً صرعي بأثناء هذا النهر ، وبأهضام هذا الغائط(٣) ، بغير بيّنة من ربّكم ، ولا برهان بيّن . أ لم تعلموا أنّى نهيتكم عن الحكومة ، وأخبرتكم أنّ طلب القوم إيّاها منكم (١) تاريخ الطبرى : ٥ / ٨٤ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٤٠٤ ; نهج البلاغة : الخطبة ١٧٧ وفيه من "فأجمع رأى ملئكم" إلي "و أتيا بما لا يعرف" وكلاهما نحوه . ٣٦٨ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثالثة : وقعة النهروان / الفصل السادس : إقامة الحجّة فى ساحة القتال / احتجاجات الإمام عليهم
دهن ومكيدة لكم ، ونبّأتكم أنّ القوم ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن ، وأنّى أعرف بهم منكم ، عرفتهم أطفالاً ورجالاً ، فهم أهل المكر والغدر ، وأنّكم إن فارقتم رأيى جانبتُم الحزم ! فعصيتمونى ، حتي أقررتُ بأن حكّمت . فلمّا فعلت شرطت واستوثقت ، فأخذت علي الحكمين أن يحييا ما أحيا القرآن ، وأن يميتا ما أمات القرآن ، فاختلفا ، وخالفا حكم الكتاب والسنّة ، فنبذنا أمرهما ، ونحن علي أمرنا الأوّل ، فما الذى بكم ؟ ومن أين اُتيتم ؟ قالوا : إنّا حكّمنا ،فلمّا حكّمنا أثمنا ، وكنّا بذلك كافرين ، وقد تُبنا ، فإن تبتَ كما تبنا فنحن منك ومعك ، وإن أبيت فاعتزلنا ; فإنّا منابذوك علي سواء ، إنّ الله لا يحبّ الخائنين . فقال علىّ : أصابكم حاصب ، ولا بقى منكم وابر ! أ بعدَ إيمانى برسول الله ½ وهجرتى معه وجهادى فى سبيل الله أشهدُ علي نفسى بالكفر ! لقد ضللتُ إذاً وما أنا من المهتدين . ثمّ انصرف عنهم(١) . ٢٧١٧ ـ تاريخ بغداد عن جابر : إنّى لشاهد عليّاً يوم النهروان لمّا أن عاين القوم ق ال لأصحابه : كفّوا . فناداهم أن أقيدونا(٢) بدم عبد الله بن خبّاب ـ وكان عامل علىّ علي النهروان ـ . قالوا : كلّنا قتله(٣) . (١) تاريخ الطبرى : ٥ / ٨٤ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٤٠٤ ، الأخبار الطوال : ٢٠٧ نحوه وراجع المناقب لابن شهر آشوب : ٣ / ١٨٩ . ٣٦٩ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثالثة : وقعة النهروان / الفصل السادس : إقامة الحجّة فى ساحة القتال / خطبة الإمام بين الصفّين
٦ / ٢ ٢٧١٨ ـ الأخبار الموفّقيّات عن علىّ بن صالح : لمّا استوي الصفّان بالنهروان تقدّم أمير المؤمنين علىّ بن أبى طالب ¼ بين الصفّين ، ثمّ قال : أمّا بعد ، أيّتها العصابة التى أخرجتها عادة المراء والضلالة ، وصدف بها عن الحقّ الهوي والزيغ ، إنّى نذير لكم أن تصبحوا غداً صرعي بأكناف هذا النهر ، أو بملطاط(١) من الغائط ، بلا بيّنة من ربّكم ولا سلطان مبين . أ لم أنهكم عن هذه الحكومة واُحذّركموها ، واُعلمكم أنّ طلب القوم لها دَهنٌ منهم ومكيدة ؟ ! فخالفتم أمرى وجانبتم الحزم فعصيتمونى حتي أقررت بأن حكّمت ، وأخذت علي الحكمين فاستوثقت ، وأمرتهما أن يحييا ما أحيا القرآن ، ويميتا ما أمات القرآن ، فخالفا أمرى وعملا بالهوي ، ونحن علي الأمر الأوّل ، فأين تذهبون ؟ وأين يتاه بكم ؟ فقال خطيبهم : أمّا بعد ، يا علىّ ! فإنّا حين حكّمنا كان ذلك كفراً منّا ، فإن تبتَ كما تبنا فنحن معك ومنك ، وإن أبيت فنحن منابذوك علي سواء إنّ الله لا يحبّ الخائنين . فقال علىّ : أصابكم حاصب(٢) ولا بقى منكم وابر(٣) ، أ بعد إيمانى بالله ، (١) الملطَاط : ساحل البحر (لسان العرب : ٧ / ٣٩٠) . ٣٧٠ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثالثة : وقعة النهروان / الفصل السادس : إقامة الحجّة فى ساحة القتال / رفع راية الأمان
وجهادى فى سبيل الله ، وهجرتى مع رسول الله ½ أقرّ بالكفر ؟ ! لقد ضللت إذاً وما أنا من المهتدين ، ولكن مُنيتُ بمعشر أخفّاء الهام ، سفهاء الأحلام ، والله المستعان(١) . ٦ / ٣ ٢٧١٩ ـ تاريخ الطبرى عن أبى سلمة الزهرى : رفع علىّ راية أمان مع أبى أيّوب ، فناداهم أبو أيّوب :من جاء هذه الراية منكم ممّن لم يقتل ولم يستعرض فهو آمن ، ومن انصرف منكم إلي الكوفة أو إلي المدائن وخرج من هذه الجماعة فهو آمن ، إنّه لا حاجة لنا بعد أن نصيب قتلة إخواننا منكم فى سفك دمائكم . فقال فروة بن نوفل الأشجعى : والله ، ما أدرى علي أىّ شىء نقاتل عليّاً ؟ ! لا أري إلاّ أن أنصرف حتي تنفذ لى بصيرتى فى قتاله أو اتّباعه ، وانصرف فى خمسمائة فارس حتي نزل البندنيجَيْن(٢) والدَّسْكرة ، وخرجت طائفة اُخري متفرّقين فنزلت الكوفة ، وخرج إلي علىّ منهم نحو من مائة ، وكانوا أربعة آلاف ، فكان الذين بقوا مع عبد الله بن وهب منهم ألفين وثمانمائة(٣) . ٢٧٢٠ ـ الأخبار الطوال : رفع علىّ راية ، وضمّ إليها ألفى رجل ، ونادي : (١) الأخبار الموفّقيّات : ٣٢٥ / ١٨١ . ٣٧١ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثالثة : وقعة النهروان / الفصل السادس : إقامة الحجّة فى ساحة القتال / رفع راية الأمان
من التجأ إلي هذه الراية فهو آمن . ثمّ تواقف الفريقان ، فقال فروة بن نوفل الأشجعى ـ وكان من رُؤساء الخوارج ـ لأصحابه : يا قوم ! والله ما ندرى ، علامَ نقاتل عليّاً ، وليست لنا فى قتله حجّة ولا بيان ، يا قوم ! انصرفوا بنا حتي تنفذ لنا البصيرة فى قتاله أو اتّباعه . فترك أصحابه فى مواقفهم ، ومضي فى خمسمائة رجل حتي أتي إلي البندنيجين ، وخرجت طائفة اُخري حتي لحقوا بالكوفة ، واستأمن إلي الراية منهم ألف رجل ، فلم يبق مع عبد الله بن وهب إلاّ أقلّ من أربعة آلاف رجل(١) . ٣٧٢ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثالثة : وقعة النهروان / الفصل السادس : إقامة الحجّة فى ساحة القتال / رفع راية الأمان
٣٧٣ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثالثة : وقعة النهروان / الفصل السابع : القتال
٧ / ١ ٢٧٢١ ـ الإمام الباقر ¼ : إنّ عليّاً ¼ كان يدعو علي الخوارج فيقول فى دعائه : اللهمّ ربّ البيت المعمور ، والسقف المرفوع ، والبحر المسجور ، والكتاب المسطور ، أسألك الظفر علي هؤلاء الذين نبذوا كتابك وراء ظهورهم ، وفارقوا اُمّة أحمد عتواً عليك(١) . ٧ / ٢ ٢٧٢٢ ـ مروج الذهب ـ فى ذكر قتال الخوارج ـ : لمّا أشرف [علىّ ¼ ] عليهم قال : الله أكبر ، صدق الله ورسول الله ½ . (١) قرب الإسناد : ١٢/٣٧ عن مسعدة بن صدقة عن الإمام الصادق ¼ ، بحار الأنوار: ٣٣/٣٨١/٦١١ . ٣٧٤ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثالثة : وقعة النهروان / الفصل السابع : القتال / قتال الإمام بنفسه
فتصافَّ القوم ، ووقف عليهم بنفسه ، فدعاهم إلي الرجوع والتوبة ، فأبوا ورموا أصحابه ، فقيل له : قد رمونا . فقال : كفّوا . فكرّروا القول عليه ثلاثاً وهو يأمرهم بالكفّ ، حتي اُتى برجل قتيل متشحّط بدمه . فقال علىّ : الله أكبر ، الآن حلّ قتالهم ، احملوا علي القوم(١) . ٢٧٢٣ ـ شرح نهج البلاغة عن أبى عبيدة ـ فى الخوارج ـ : استنطقهم علىٌّ ¼ بقتل عبد الله بن خبّاب ، فأقرّوا به . فقال : انفردوا كتائب لأسمع قولكم كتيبةً كتيبةً . فتكتَّبوا كتائب ، وأقرّت كلُّ كتيبة بمثل ما أقرّت به الاُخري من قتل ابن خبّاب ، وقالوا : ولنقتلنَّك كما قتلناه ! فقال علىٌّ : والله ، لو أقرّ أهل الدنيا كلُّهم بقتله هكذا وأنا أقدر علي قتلهم به لقتلتهم . ثمّ التفت إلي أصحابه فقال لهم : شدّوا عليهم ، فأنا أوّل من يشدُّ عليهم(٢) . ٧ / ٣ ٢٧٢٤ ـ الكامل للمبرّد : خرج منهم رجل بعد أن قال علىّ رضوان الله عليه : (١) مروج الذهب : ٢ / ٤١٦ . ٣٧٥ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثالثة : وقعة النهروان / الفصل السابع : القتال / قتال الإمام بنفسه
ارجعوا وادفعوا إلينا قاتل عبد الله بن خبّاب . فقالوا : كلّنا قتله وشرك فى دمه ! ثمّ حمل منهم رجل علي صفّ علىّ ـ وقد قال علىّ : لا تبدؤوهم بقتال ـ فقتل من أصحاب علىّ ثلاثة وهو يقول :
فخرج إليه علىّ صلوات الله عليه فقتله ، فلمّا خالطه السيف قال : حبّذا الروحة إلي الجنّة ! فقال عبد الله بن وهب : ما أدرى أ إلي الجنّة أم إلي النار ؟ فقال رجل من بنى سعد : إنّما حضرت اغتراراً بهذا ، وأراه قد شكّ ! ! فانخزل بجماعة من أصحابه ، ومال ألف إلي ناحية أبى أيّوب الأنصارى(١) . ٢٧٢٥ ـ مروج الذهب : حمل رجل من الخوارج علي أصحاب علىّ ، فجرح فيهم ، وجعل يغشي كلّ ناحية ، ويقول :
فخرج إليه علىّ ¢ ، وهو يقول :
وحمل عليه علىّ ، فقتله . ثمّ خرج منهم آخر ، فحمل علي الناس ، ففتك فيهم ، وجعل يكرّ عليهم ، وهو يقول : (١) الكامل للمبرّد : ٣ / ١١٠٥ ، شرح نهج البلاغة : ٢ / ٢٧٢ وراجع شرح الأخبار : ٢ / ٥٥ / ٤١٦ . ٣٧٦ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثالثة : وقعة النهروان / الفصل السابع : القتال / مقاتلة الإمام عبد الله بن وهب
فخرج إليه علىّ وهو يقول :
وحمل عليه علىّ وشكّه بالرمح ، وترك الرمح فيه ، فانصرف علىّ وهو يقول : لقد رأيتَ أبا حسن فرأيتَ ما تكره(١) . ٧ / ٤ ٢٧٢٦ ـ الفتوح : تقدّم عبد الله بن وهب الراسبى حتي وقف بين الجمعين ، ثمّ نادي بأعلي صوته : يابن أبى طالب ! حتي متي يكون هذه المطاولة بيننا وبينك ؟ ! والله ، لا نبرح هذه العرصة أبداً أو تأبي علي نفسك ، فابرز إلىَّ حتي أبرز إليك وذر الناس جانباً . فتبسّم علىّ ¢ ثمّ قال : قاتله الله من رجل ما أقلّ حياءه ! أما إنّه ليعلم أنّى حليف السيف وجديل الرمح ، ولكنّه أيس من الحياة ، أو لعلّه يطمع طمعاً كاذباً . قال : وجعل عبد الله يجول بين الصفّين وهو يرتجز ويقول :
ثمّ حمل فضربه علىّ ضربة ألحقه بأصحابه(٢) . (١) مروج الذهب : ٢ / ٤١٦ وراجع بحار الأنوار : ٣٤ / ٤٥٠ . ٣٧٧ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثالثة : وقعة النهروان / الفصل السابع : القتال / حملة ذى الثديّة علي الإمام
٧ / ٥ ٢٧٢٧ ـ كشف اليقين : حمل ذو الثُدَيّة ليقتل عليّاً ¼ ، فسبقه علىّ ¼ وضربه ففلق البيضة ورأسه ، فحمله فرسه فألقاه فى آخر المعركة فى جُرْف دالية علي شطّ النهروان(١) . ٧ / ٦ ٢٧٢٨ ـ تاريخ الطبرى عن أبى سلمة الزهرى : وبعث علىّ الأسود بن يزيد المرادى فى ألفى فارس ، حتي أتي حمزة بن سنان وهو فى ثلاثمائة فارس من خيلهم . . . وأقبلت الخوارج ، فلمّا أن دنوا من الناس نادوا يزيد بن قيس فكان يزيد بن قيس علي إصبهان فقالوا : يا يزيد بن قيس لا حكم إلاّ لله وإن كرهت إصبهان ، فناداهم عباس بن شريك وقبيصة بن ضُبيعة العبسيان يا أعداء الله ، أ ليس فيكم شُريح بن أوفي المسرف علي نفسه ؟ هل أنتم إلاّ أشباهه ؟ ! قالوا : وما حجّتكم علي رجل كانت فيه فتنة وفينا توبة ؟ ثمّ تنادوا : الرواح الرواح إلي الجنّة ! فشدّوا علي الناس والخيل أمام الرجال ، فلم تثبت خيل المسلمين لشدّتهم ، وافترقت الخيل فرقتين : فرقة نحو الميمنة ، واُخري نحو الميسرة ، وأقبلوا نحو الرجال ، فاستقبلت المرامية وجوههم بالنبل ، وعطفت عليهم الخيل من الميمنة والميسرة ، ونهض إليهم الرجال بالرماح والسيوف ، فو الله ما لبّثوهم أن أناموهم . ٣٧٨ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثالثة : وقعة النهروان / الفصل السابع : القتال / سرعة دمارهم
ثمّ إنّ حمزة بن سنان صاحب خيلهم لمّا رأي الهلاك ، نادي أصحابه أن انزلوا ، فذهبوا لينزلوا فلم يتقارّوا حتي حمل عليهم الأسود بن قيس المرادى ، وجاءتهم الخيل من نحو علىّ فأُهمِدوا فى الساعة(١) . ٢٧٢٩ ـ تاريخ الطبرى عن حكيم بن سعد ـ فى وصف حرب النهروان ـ : ما هو إلاّ أن لقينا أهل البصرة ، فما لبثناهم ، فكأنّما قيل لهم :موتوا ، فماتوا قبل أن تشتدّ شوكتهم ، وتعظم نكايتهم(٢) . ٢٧٣٠ ـ الإمامة والسياسة عن الثعلبى : لقد رأيت الخوارج حين استقبلتهم الرماح والنبل كأنّهم معز اتّقت المطر بقرونها ، ثمّ عطفت الخيل عليهم من الميمنة والميسرة ، ونهض علىّ فى القلب بالسيوف والرماح ، فلا والله ما لبثوا ف ُ واقاً(٣) ، حتي صرعهم الله ، كأنّما قيل لهم : موتوا فماتوا(٤) . ٢٧٣١ ـ الأخبار الطوال ـ فى ذكر بدء القتال ـ : قال علىّ لأصحابه : لا تبدؤوهم بالقتال حتي يبدؤوكم . فتنادت الخوارج : لا حكم إلاّ لله وإن كره المشركون ، ثمّ شدّوا علي أصحاب علىّ شدّة رجل واحد ، فلم تثبت خيل علىّ لشدّتهم ، وافترقت الخوارج فرقتين : فرقة أخذت نحو الميمنة ، وفرقة اُخري نحو الميسرة . وعطف عليهم أصحاب علىّ ، وحمل قيس بن معاوية البُرْجُمِى من أصحاب (١) تاريخ الطبرى : ٥ / ٨٦ ، الكامل فى التاريخ : ٢ / ٤٠٦ ، البداية والنهاية : ٧ / ٢٨٩ كلاهما نحوه من "ثمّ تنادوا" . ٣٧٩ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثالثة : وقعة النهروان / الفصل السابع : القتال / استبشار الناس بظهور آية من آيات النبوّة
علىّ علي شريح بن أبى أوفي ، فضربه بالسيف علي ساقه فأبانها فجعل يقاتل برجل واحدة وهو يقول : الفحل يحمى شَوْلَه معقولا . فحمل عليه قيس بن سعد فقتله وقُتلت الخوارج كلّها ربضة(١) واحدة(٢) . ٧ / ٧ استبشار الناس بظهور آية من آيات النبوّة ٢٧٣٢ ـ مسند ابن حنبل عن أبى كثير مولي الأنصار : كنت مع سيّدى مع علىّ بن أبى طالب ¢ حيث قُتل أهل النهروان ، فكأنّ الناس وجدوا فى أنفسهم من قتلهم . فقال علىّ ¢ : يا أيّها الناس ! إنّ رسول الله ½ قد حدّثنا بأقوام يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرميّة ، ثمّ لا يرجعون فيه أبداً حتي يرجع السهم علي فوقه ، وإنّ آية ذلك أنّ فيهم رجلاً أسود مُخدَج(٣) اليد ، إحدي يديه كثدى المرأة ، لها حلمة كحلمة ثدى المرأة ، حوله سبع هلبات ، فالتمسوه ، فإنّى أراه فيهم . فالتمسوه فوجدوه إلي شفير النهر تحت القتلي ، فأخرجوه . فكبّر علىّ ¢ فقال : الله أكبر ، صدق الله ورسوله ، وإنّه لمتقلّد قوساً له عربيّة ، فأخذها بيده فجعل يطعن بها فى مُخدجته ويقول : صدق الله ورسوله ، وكبّر الناس حين رأوه واستبشروا ، وذهب عنهم ما كانوا يجدون(٤) . ٢٧٣٣ ـ صحيح مسلم عن بسر بن سعيد عن عبيد الله بن أبى رافع : إنّ الحروريّة لمّا (١) الرِّبضة : مقتل قوم قتلوا فى بقعة واحدة (لسان العرب : ٧ / ١٥٣) . ٣٨٠ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثالثة : وقعة النهروان / الفصل السابع : القتال / استبشار الناس بظهور آية من آيات النبوّة
خرجت ـ وهو مع علىّ بن أبى طالب ¢ ـ قالوا : لا حكم إلاّ لله . قال علىّ : كلمة حقّ اُريد بها باطل ، إنّ رسول الله ½ وصف ناساً إنّى لأعرف صفتهم فى هؤلاء ، يقولون الحقّ بألسنتهم لا يجوز هذا منهم ـ وأشار إلي حلقه ـ من أبغض خلق الله إليه منهم أسود ، إحدي يديه طبى شاة أو حلمة ثدى . فلمّا قتلهم علىّ بن أبى طالب ¢ قال : انظروا ، فنظروا فلم يجدوا شيئاً . فقال : ارجعوا ، فو الله ! ما كذبت ولا كذبت ـ مرّتين أو ثلاثاً ـ ثمّ وجدوه فى خربة ، فأتوا به حتي وضعوه بين يديه . قال عبيد الله : وأنا حاضر ذلك من أمرهم ، وقول علىّ فيهم(١) . ٢٧٣٤ ـ مروج الذهب : كان جملة من قتل من أصحاب علىّ تسعة ، ولم يفلت من الخوارج إلاّ عشرة ، وأتي علىّ علي القوم ، وهم أربعة آلاف ، فيهم المخدج ذو الثديّة إلاّ من ذكرنا من هؤلاء العشرة . وأمر علىّ بطلب المخدج ، فطلبوه ، فلم يقدروا عليه ، فقام علىّ وعليه أثر الحزن لفقد المخدج ، فانتهي إلي قتلي بعضهم فوق بعض . فقال : أفرجوا . ففرجوا يميناً وشمالاً واستخرجوه . فقال علىّ ¢ : الله أكبر ، ما كَذبتُ علي محمّد ، وإنّه لناقص اليد ليس فيها عظم ، طرفها حلمة مثل ثدى المرأة ، عليها خمس شعرات أو سبع ، رؤوسها معقفة ، ثمّ قال : ائتونى به . فنظر إلي عضده ، فإذا لحم مجتمع علي منكبه كثدى المرأة عليه شعرات سود (١) صحيح مسلم : ٢ / ٧٤٩ / ١٥٧ ، تاريخ بغداد : ١٠ / ٣٠٥ / ٥٤٥٣ . ٣٨١ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثالثة : وقعة النهروان / الفصل السابع : القتال / استبشار الناس بظهور آية من آيات النبوّة
إذا مدت اللحمة امتدت ، حتي تحاذى بطن يده الاُخري ، ثمّ تترك فتعود إلي منكبه . فثني رجله ونزل ، وخرّ لله ساجداً(١) . ٢٧٣٥ ـ تاريخ الطبرى عن عبد الملك بن أبى حرّة : إنّ عليّاً خرج فى طلب ذى الثديّة ومعه سليمان بن ثمامة الحنفى أبو جبرة ، والريان بن صبرة بن هوذة ، فوجده الريان ابن صبرة بن هوذة فى حفرة علي شاطئ النهر فى أربعين أو خمسين قتيلاً . قال : فلمّا استخرج نظر إلي عضده ، فإذا لحم مجتمع علي منكبه كثدى المرأة ، له حلمة عليها شعرات سود ، فإذا مدّت امتدّت حتي تحاذى طول يده الاُخري ، ثمّ تترك فتعود إلي منكبه كثدى المرأة . فلمّا استخرج قال علىّ : الله أكبر ! والله ما كذبتُ ولا كُذبت ، أما والله لولا أن تنكلوا عن العمل ، لأخبرتكم بما قضي الله علي لسان نبيّه ½ لمن قاتلهم مستبصراً فى قتالهم ،عارفاً للحقّ الذى نحن عليه(٢) . ٢٧٣٦ ـ الكامل فى التاريخ : قد روي جماعة أنّ عليّاً كان يحدّث أصحابه قبل ظهور الخوارج ; أنّ قوماً يخرجون يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ، علامتهم رجل مُخدَج اليد ، سمعوا ذلك منه مراراً . فلمّا خرج أهل النهروان سار بهم إليهم علىّ وكان منه معهم ما كان ، فلمّا فرغ أمر أصحابه أن يلتمسوا المخدج ، فالتمسوه ، فقال بعضهم : ما نجده ، حتي قال (١) مروج الذهب : ٢ / ٤١٧ وراجع سنن أبى داود : ٤ / ٢٤٤ / ٤٧٦٨ وص ٢٤٥ / ٤٧٦٩ ، مسند ابن حنبل : ١ / ٢٣٠ / ٨٤٨ . ٣٨٢ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثالثة : وقعة النهروان / الفصل السابع : القتال / كلام الإمام عند المرور بقتلي الخوارج
بعضهم : ما هو فيهم ، وهو يقول : والله ، إنّه لفيهم ، والله ، ما كَذبت ولا كُذبت ! ثمّ إنّه جاءه رجل فبشّره ، فقال : يا أمير المؤمنين ، قد وجدناه(١) . ٧ / ٨ كلام الإمام عند المرور بقتلي الخوارج ٢٧٣٧ ـ الإمام علىّ ¼ ـ وقد مرّ بقتلي الخوارج يوم النهروان ـ : بؤساً لكم ، لقد ضرّكم من غرّكم ! فقيل له : من غرّهم يا أمير المؤمنين ؟ فقال ¼ : الشيطان المضلّ ، والأنفس الأمّارة بالسوء ، غرّتهم بالأمانى ، وفسحت لهم بالمعاصى ، ووعدتهم الإظهار ، فاقتحمت بهم النار(٢) . ٧ / ٩ إخبار الإمام باستمرار نهجهم فى التاريخ ٢٧٣٨ ـ الإمام علىّ ¼ ـ لمّا قتل الخوارج ، فقيل له : يا أمير المؤمنين ، هلك القوم بأجمعهم ـ : كلاّ والله ، إنّهم نُطَفٌ فى أصلاب الرجال وقرارات النساء ، كلّما نجم منهم قرن قُطع ، حتي يكون آخرهم لصوصاً سلاّبين(٣) . (١) الكامل فى التاريخ : ٢ / ٤٠٧ . ٣٨٣ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثالثة : وقعة النهروان / الفصل السابع : القتال / إخبار الإمام باستمرار نهجهم فى التاريخ
٢٧٣٩ ـ المصنّف عن قتادة : لمّا قَتلهم [الخوارج] قال رجلٌ : الحمد لله الذى أبادهم وأراحنا منهم . فقال علىٌّ : كلاّ والذى نفسى بيده ، إنَّ منهم لمن فى أصلاب الرِّجال لم تحملْه النِّساء بعد ، وليكوننَّ آخرهم لصّاصاً جرّادين(١) . ٢٧٤٠ ـ المعجم الأوسط عن أبى جعفر الفرّاء : سمع علىٌّ أحد ابنيْه ـ إمّا الحسن أو الحسين ـ يقول : الحمد لله الذى أراح اُمّة محمّد من هذه العصابة . فقال علىٌّ : لو لم يبقَ من اُمّة محمّد إلاّ ثلاثةٌ لكان أحدهم علي رأى هؤلاء ، إنَّهم لفى أصلاب الرجال وأرحام النساء(٢) . ٢٧٤١ ـ شرح نهج البلاغة ـ فى الخوارج ـ : وقد صحّ إخباره ¼ عنهم أنّهم لم يهلكوا بأجمعهم فى وقعة النهروان ، وأنّها دعوة سيدعو إليها قوم لم يخلقوا بعد ، وهكذا وقع ، وصحّ إخباره ¼ أيضاً أنّه سيكون آخرهم لصوصاً سلاّبين ، فإنّ دعوة الخوارج اضمحلّت ، ورجالها فنيت ، حتي أفضي الأمر إلي أن صار خلفهم قُطّاع طريق ، متظاهرين بالفسوق والفساد فى الأرض(٣) . ٢٧٤٢ ـ تاريخ بغداد عن حبّة العرنى : لمّا فرغنا من النهروان قال رجل : والله لا يخرج بعد اليوم حَرورى أبداً . فقال علىّ : مَه ! لا تقُلْ هذا ، فو الذى فلق الحبّة وبرأ النسمة إنّهم لفى أصلاب الرجال وأرحام النساء ، ولا يزالون يخرجون حتي تخرج طائفة منهم بين نهرين ، (١) المصنّف لعبد الرزّاق : ١٠ / ١٥٠ / ١٨٦٥٥ ، كنز العمّال : ١١ / ٢٨٧ / ٣١٥٤٢ . ٣٨٤ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثالثة : وقعة النهروان / الفصل السابع : القتال / سياسة الإمام فى الجرحي والغنائم
حتي يخرج إليهم رجل من ولدى فيقتلهم فلا يعودون أبداً(١) . ٧ / ١٠ سياسة الإمام فى الجرحي والغنائم ٢٧٤٣ ـ تاريخ الطبرى عن عبد الملك بن أبى حرّة : طلب [علىّ ¼ ] من به رمق منهم ، فوجدناهم أربعمائة رجل ، فأمر بهم علىّ فدُفعوا إلي عشائرهم ، وقال : احملوهم معكم فداووهم ، فإذا برئوا فوافوا بهم الكوفة ، وخذوا ما فى عسكرهم من شىء . قال : وأمّا السلاح والدوابّ وما شهدوا به عليه الحرب ، فقسّمه بين المسلمين ، وأمّا المتاع والعبيد والإماء فإنّه حين قدم ردّه علي أهله(٢) . ٧ / ١١ خطبة الإمام لمّا فرغ من قتال الخوارج ٢٧٤٤ ـ كنز العمال عن عبد الملك بن قريب : سمعت العلاء بن زياد الأعرابى يقول : سمعت أبى يقول : صعد أمير المؤمنين علىّ بن أبى طالب منبر الكوفة بعد الفتنة وفراغه من النهروان فحمد الله وخنقته العبرة ، فبكي حتي اخضلّت لحيته بدموعه وجرت ، ثمّ نفض لحيته فوقع رشاشها علي ناس من أناس ، فكنّا نقول : إنّ من أصابه من دموعه فقد حرمه الله علي النار ، ثمّ قال : يا أيّها الناس ! لا تكونوا ممن يرجو الآخرة بغير عمل ، ويؤخّر التوبة بطول (١) تاريخ بغداد : ٨ / ٢٧٥ / ٤٣٧٥ ، مروج الذهب : ٢ / ٤١٨ . ٣٨٥ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثالثة : وقعة النهروان / الفصل السابع : القتال / خطبة الإمام لمّا فرغ من قتال الخوارج
الأمل ، يقول فى الدنيا قول الزاهدين ، ويعمل فيها عمل الراغبين ، إن أعطى منها لم يشبع ، وإن منع منها لم يقنع ، يعجز عن شكر ما أوتى ، ويبتغى الزيادة فيما بقى ، ويأمر ولا يأتى ، وينهي ولا ينتهى ، يحبّ الصالحين ولا يعمل بأعمالهم ، ويبغض الظالمين وهو منهم ، تغلبه نفسه علي ما يظنّ ، ولا يغلبها علي ما يستيقن ، إن استغني فُتن ، وإن مرض حزن ، وإن افتقر قنط ووهن ، فهو بين الذنب والنعمة يرتع ، يُعافي فلا يشكر ، ويُبتلي فلا يصبر ، كأن المحذَّر من الموت سواه ، وكأن من وعِد وزُجر غيره . يا أغراض المنايا ! يا رهائن الموت ! يا وعاء الأسقام ! يا نهبة الأيام ! ويا ثقل الدهر ! ويا فاكهة الزمان ! ويا نور الحدثان ! ويا خرس عند الحجج ! ويا من غمرته الفتن وحيل بينه وبين معرفة العبر بحق ّ ! أقول : ما نجا من نجا إلاّ بمعرفة نفسه ، وما هلك من هلك إلاّ من تحت يده ، قال الله تعالي : ³ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا ² (١) جعلنا الله وإياكم ممن سمع الوعظ فقبل ، ودُعى إلي العمل فعمل(٢) . (١) التحريم : ٦ . ٣٨٦ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثالثة : وقعة النهروان / الفصل السابع : القتال / خطبة الإمام لمّا فرغ من قتال الخوارج
٣٨٧ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثالثة : وقعة النهروان / الفصل الثامن : خروج بقايا من الخوارج
٢٧٤٥ ـ الكامل فى التاريخ : لمّا قُتل أهل النهروان ، خرج أشرس بن عوف الشيبانى علي علىّ ـ بالدسكرة ـ فى مائتين ، ثمّ سار إلي الأنبار ، فوجّه إليه علىّ الأبرش بن حسّان فى ثلاثمائة فواقعه ، فقُتل أشرس فى ربيع الآخر سنة ثمان وثلاثين . ثمّ خرج هلال بن عُلّفة ـ من تيم الرباب ـ ومعه أخوه مجالد ، فأتي ماسَبَذان(١) ، فوجّه إليه علىّ معقل بن قيس الرياحى فقتله وقتل أصحابه ، وهم أكثر من مائتين ، وكان قتلهم فى جمادي الاُولي سنة ثمان وثلاثين . ثمّ خرج الأشهب بن بشر ، وقيل : الأشعث ـ وهو من بجيلة ـ فى مائة وثمانين رجلاً ، فأتي المعركة التى اُصيب فيها هلال وأصحابه ، فصلّي عليهم ودفن من ٣٨٨ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثالثة : وقعة النهروان / الفصل الثامن : خروج بقايا من الخوارج
قدر عليه منهم . فوجّه إليهم علىّ جارية بن قدامة السعدى ، وقيل : حجر بن عدى ، فأقبل إليهم الأشهب ، فاقتتلا بجرجرايا(١) من أرض جوخا(٢) ، فقُتل الأشهب وأصحابه فى جمادي الآخرة سنة ثمان وثلاثين . ثمّ خرج سعيد بن قفل التيمى ـ من تيم الله بن ثعلبة ـ فى رجب بالبندنيجين ومعه مائتا رجل فأتي درزنجان(٣) ـ وهى من المدائن علي فرسخين ـ فخرج إليهم سعد بن مسعود فقتلهم فى رجب سنة ثمان وثلاثين . ثمّ خرج أبو مريم السعدى التميمى ، فأتي شهرزور(٤) ، وأكثر من معه من الموالى ، وقيل : لم يكن معه من العرب غير ستّة نفر هو أحدهم ، واجتمع معه مائتا رجل ، وقيل : أربعمائة ، وعاد حتي نزل علي خمسة فراسخ من الكوفة . فأرسل إليه علىّ يدعوه إلي بيعته ودخول الكوفة ، فلم يفعل ، وقال : ليس بيننا غير الحرب . فبعث إليه علىّ شريح بن هانئ فى سبعمائة ، فحمل الخوارج علي شريح (١) جَرْجَرايا : بلدة قريبة من دجلة بين بغداد وواسط ، من توابع النهروان السفلي (راجع تقويم البلدان : ٣٠٥). ٣٨٩ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثالثة : وقعة النهروان / الفصل الثامن : خروج بقايا من الخوارج
وأصحابه فانكشفوا ، وبقى شريح فى مائتين ، فانحاز إلي قرية ، فتراجع إليه بعض أصحابه ودخل الباقون الكوفة . فخرج علىّ بنفسه وقدّم بين يديه جارية بن قدامة السعدى ، فدعاهم جارية إلي طاعة علىّ وحذّرهم القتل فلم يجيبوا ، ولحقهم علىّ أيضاً فدعاهم فأبوا عليه وعلي أصحابه ، فقتلهم أصحاب علىّ ولم يسلم منهم غير خمسين رجلاً استأمنوا فآمنهم . وكان فى الخوارج أربعون رجلاً جرحي ، فأمر علىّ بإدخالهم الكوفة ومداواتهم حتي برؤوا ، وكان قتلهم فى شهر رمضان سنة ثمان وثلاثين ; وكانوا من أشجع من قاتل من الخوارج ، ولجرأتهم قاربوا الكوفة(١) . (١) الكامل فى التاريخ : ٢ / ٤٢٣ ، أنساب الأشراف : ٣ / ٢٣٩ ـ ٢٤٨ . ٣٩٠ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثالثة : وقعة النهروان / الفصل الثامن : خروج بقايا من الخوارج
٣٩١ - المجلد السادس / القسم السادس : حروب الإمام علىّ فى أيّام الإمارة / الحرب الثالثة : وقعة النهروان / الفصل التاسع : خروج الخِرّيت بن راشد
٢٧٤٦ ـ اُسد الغابة عن الزبير : كان الخِرّيت علي مُضَر يوم الجمل مع طلحة والزبير ، وكان عبد الله بن عامر قد استعمل الخِرّيت بن راشد علي كُوْرة من كُوَر فارس ، ثمّ كان مع علىّ ، فلمّا وقعت الحكومة فارق عليّاً إلي بلاد فارس مخالفاً ، فأرسل علىّ إليه جيشاً ، واستعمل علي الجيش معقل بن قيس وزياد بن خصفة ، فاجتمع مع الخرّيت كثير من العرب ونصاري كانوا تحت الجزية ، فأمر العرب بإمساك صدقاتهم والنصاري بإمساك الجزية ، وكان هناك نصاري أسلموا ، فلمّا رأوا الاختلاف ارتدّوا وأعانوه ، فلقوا أصحاب علىّ وقاتلهم ، فنصب زياد بن خصفة راية أمان ، وأمر منادياً فنادي : من لحق بهذه الراية فله الأمان ، فانصرف إليها كثير من أصحاب الخرّيت ، فانهزم الخرّيت فقُتل(١) . ٣٩٢ - المجلد السادس / فهرس المطالب
٢٧٤٧ ـ تاريخ اليعقوبى : خرج الخرّيت بن راشد الناجى فى جماعة من أصحابه ، فجرّدوا السيوف بالكوفة ، فقتلوا جماعة ، وطلبهم الناس ، فخرج الخرّيت وأصحابه من الكوفة ، فجعلوا لا يمرّون ببلد إلاّ انتهبوا بيت ماله حتي صاروا إلي سيف عمان . وكان علىّ قد وجّه الحلو بن عوف الأزدى عاملاً علي عمان ، فوثبت به بنو ناجية فقتلوه ، وارتدّوا عن الإسلام ، فوجّه علىّ معقل بن قيس الرياحى إلي البلد [عمان] ، فقتل الخرّيت بن راشد وأصحابه ، وسبي بنى ناجية(١) . ٢٧٤٨ ـ الغارات : شهد الخرّيت بن راشد الناجى وأصحابه مع علىّ ¼ صفّين ، فجاء الخرّيت إلي علىّ ¼ فى ثلاثين راكباً من أصحابه ، يمشى بينهم حتي قام بين يدى علىّ ¼ فقال له : والله لا اُطيع أمرك ، ولا اُصلّى خلفك ، وإنّى غداً لمفارق لك . قال : وذاك بعد وقعة صفّين ، وبعد تحكيم الحكمين . فقال له علىّ ¼ : ثكلتك اُمّك ! إذنْ تنقض عهدك ، وتعصى ربّك ، ولا تضرّ إلاّ نفسك ! أخبرنى لِمَ تفعل ذلك ؟ قال : لأنّك حكّمت فى الكتاب ، وضعفت عن الحقّ إذ جدّ الجِدّ ، وركنت إلي القوم الذين ظلموا أنفسهم ، فأنا عليك رادّ ، وعليهم ناقم ، ولكم جميعاً مباين . فقال له علىّ ¼ : ويحك ! هلمّ إلىَّ اُدارسك الكتاب ، واُناظرك فى السنن ، واُفاتحك اُموراً من الحقّ أنا أعلم بها منك ، فلعلّك تعرف ما أنت له الآن منكر ، وتستبصر ما أنت به الآن عنه عم وبه جاهل . ٣٩٣ - المجلد السادس / فهرس المطالب
فقال الخرّيت : فإنّى عائد عليك غداً ، فقال له علىّ ¼ : اغدُ ولا يستهوينّك الشيطان ، ولا يتقحّمنّ بك رأى السوء ، ولا يستخفنّك الجهلاء الذين لا يعلمون ، فو الله لئن استرشدتنى واستنصحتنى وقبلت منّى لأهدينّك سبيل الرشاد ، فخرج الخرّيت من عنده منصرفاً إلي أهله . قال عبد الله بن قعين : فعجلت فى أثره مسرعاً ، وكان لى من بنى عمّه صديق ، فأردت أن ألقي ابن عمّه فى ذلك ، فاُعلمه بما كان من قوله لأمير المؤمنين ، وما ردّ عليه ، وآمر ابن عمّه ذلك أن يشتدّ بلسانه عليه ، وأن يأمره بطاعة أمير المؤمنين ومناصحته ، ويخبره أنّ ذلك خير له فى عاجل الدنيا وآجل الآخرة . قال : فخرجت حتي انتهيت إلي منزله وقد سبقنى ، فقمت عند باب داره وفى داره رجال من أصحابه لم يكونوا شهدوا معه دخوله علي علىّ ¼ ، فو الله ما رجع ولا ندم علي ما قال لأمير المؤمنين وما ردّ عليه ، ثمّ قال لهم : يا هؤلاء ! إنّى قد رأيت أن اُفارق هذا الرجل ، وقد فارقته علي أن أرجع إليه من غد ولا أرانى إلاّ مفارقه ، فقال أكثر أصحابه : لا تفعل حتي تأتيه ، فإن أتاك بأمر تعرفه قبلت منه ، وإن كانت الاُخري فما أقدرك علي فراقه ! فقال لهم : نِعْمَ ما رأيتم . قال : ثمّ استأذنت عليهم فأذنوا لى ، فأقبلت علي ابن عمّه وهو مدرك بن الريّان الناجى ، وكان من كبراء العرب ، فقلت له : إنّ لك علىَّ حقّاً لإخائك وودّك ، ولحقّ المسلم علي المسلم ; إنّ ابن عمّك كان منه ما قد ذكر لك ، فاخلُ به واردد عليه رأيه ، وعظّم عليه ما أتي ، واعلم أنّنى خائف إن فارق أمير المؤمنين أن يقتلك ونفسه وعشيرته . فقال : جزاك الله خيراً من أخ ; فقد نصحت وأشفقت ، إن أراد صاحبى فراق ٣٩٤ - المجلد السادس / فهرس المطالب
أمير المؤمنين فارقته وخالفته وكنت أشدّ الناس عليه ، وأنا بعدُ خال به ، ومشيرٌ عليه بطاعة أمير المؤمنين ، ومناصحته والإقامة معه ، وفى ذلك حظّه ورشده ، فقمت من عنده وأردت الرجوع إلي علىّ ¼ لاُعلمه الذى كان ، ثمّ اطمأننت إلي قول صاحبى ، فرجعت إلي منزلى فبتّ به ثمّ أصبحت ، فلمّا ارتفع النهار أتيت أمير المؤمنين ¼ فجلست عنده ساعة وأنا اُريد أن اُحدّثه بالذى كان من قوله لى علي خلوة ، فأطلت الجلوس فلم يزدد الناس إلاّ كثرة ، فدنوت منه فجلست وراءه فأصغي إلىَّ برأسه ، فأخبرته بما سمعت من الخرّيت ، وما قلت لابن عمّه ، وما ردّ علىَّ . فقال ¼ : دعْهُ ; فإن قبل الحقّ ورجع عرفنا ذلك له وقبلناه منه ، وإن أبي طلبناه ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، فلِمَ لا تأخذه الآن فتستوثق منه ؟ فقال : إنّا لو فعلنا هذا لكلّ من نتّهمه من الناس ملأنا السجون منهم ، ولا أرانى يسعنى الوثوب علي الناس والحبس لهم وعقوبتهم حتي يُظهروا لنا الخلاف . قال : فسكتُّ عنه وتنحّيت فجلست مع أصحابى ، ثمّ مكثت ما شاء الله معهم ، ثمّ قال لى علىّ ¼ : ادنُ منّى فدنوت منه ، ثمّ قال لى مسرّاً : اذهب إلي منزل الرجل فأعلِمْ لى ما فعل ; فإنّه قلّ يوم لم يكن يأتينى فيه إلاّ قبل هذه الساعة ، قال : فأتيت منزله فإذا ليس فى منزله منهم ديّار ، فدرت علي أبواب دور اُخري كان فيها طائفة اُخري من أصحابه فإذا ليس فيها داع ولا مجيب ، فأقبلت إلي علىّ ¼ فقال لى حين رآنى : أ أمنوا فقطنوا أم جبنوا فظعنوا ؟ قلت : بل ظعنوا ، قال : أبعدهم الله كما بعدت ثمود ، أما والله لو قد اُشرِعت لهم الأسنّة ، وصُبّت علي هامهم السيوف ، لقد ندموا ، إنّ الشيطان قد استهواهم فأضلّهم وهو غداً متبرّئ ٣٩٥ - المجلد السادس / فهرس المطالب
منهم ، ومخلٍّ عنهم(١) . ٢٧٤٩ ـ الكامل فى التاريخ ـ فى ذكر أحداث سنة (٣٨) ـ : وفى هذه السنة أظهر الخرّيت بن راشد الناجى الخلاف علي علىّ ، فجاء إلي أمير المؤمنين وكان معه ثلاثمائة من بنى ناجية ، خرجوا مع علىّ من البصرة ، فشهدوا معه الجمل وصفّين ، وأقاموا معه بالكوفة إلي هذا الوقت ، فحضر عند علىّ فى ثلاثين راكباً ، فقال له : يا علىّ ، والله لا اُطيع أمرك ، ولا اُصلّى خلفك ، وإنّى غداً مفارق لك ، وذلك بعد تحكيم الحَكَمين . فقال له : ثكلتك اُمّك ، إذنْ تعصى ربّك ، وتنكث عهدك ، ولا تضرّ إلاّ نفسك ! خبّرنى لِمَ تفعل ذلك ؟ فقال : لأنّك حكّمت وضعفت عن الحقّ ، وركنت إلي القوم الذين ظلموا ، فأنا عليك زار ، وعليهم ناقم ، ولكم جميعاً مباين . فقال له علىّ : هلمّ اُدارسك الكتاب واُناظرك فى السنن واُفاتحك اُموراً أنا أعلم بها منك ، فلعلّك تعرف ما أنت له الآن منكر ، قال : فإنّى عائد إليك . قال : لا يستهوينّك الشيطان ، ولا يستخفنّك الجهّال ، والله لئن استرشدتنى وقبلت منّى لأهدينّك سبيل الرشاد . فخرج من عنده منصرفاً إلي أهله ، وسار من ليلته هو وأصحابه ، فلمّا سمع بمسيرهم علىّ قال : بُعداً لهم كما بعدت ثمود ! إنّ الشيطان اليوم استهواهم وأضلّهم ، وهو غداً متبرّئ منهم . فقال له زياد بن خصفة البكرى : يا أمير المؤمنين ! إنّه لم يعظم علينا فقدهم ٣٩٦ - المجلد السادس / فهرس المطالب
فتأسي عليهم ، إنّهم قلّما يزيدون فى عددنا لو أقاموا ، ولقلّما يُنقِصون من عددنا بخروجهم عنّا ، ولكنّا نخاف أن يُفسِدوا علينا جماعة كثيرة ممّن يقدمون عليك من أهل طاعتك ، فأْذن لى فى اتّباعهم حتي أردّهم عليك . فقال : أ تدرى أين توجّهوا ؟ قال : لا ، ولكنّى أسأل وأتّبع الأثر . فقال له : اخرج ، رحمك الله ، وانزل دير أبى موسي ، وأقم حتي يأتيك أمرى ، فإن كانوا ظاهرين فإنّ عمّالى سيكتبون بخبرهم . فخرج زياد فأتي داره وجمع أصحابه من بكر بن وائل وأعلمهم الخبر ، فسار معه مائة وثلاثون رجلاً ، فقال : حسبى . ثمّ سار حتي أتي دير أبى موسي فنزله يوماً ينتظر أمر علىّ ، وأتي عليّاً كتاب من قرظة بن كعب الأنصارى يخبره أنّهم توجّهوا نحو نِفَّر(١) ، وأنّهم قتلوا رجلاً من الدهاقين(٢) كان أسلم . فأرسل علىّ إلي زياد يأمره باتّباعهم ويُخبره خبرهم ، وأنّهم قتلوا رجلاً مسلماً ، ويأمره بردّهم إليه ; فإن أبوا يناجزهم(٣) ، وسيّر الكتاب مع عبد الله بن وال ، فاستأذنه عبد الله فى المسير مع زياد ، فأذن له ، وقال له : إنّى لأرجو أن تكون من أعوانى علي الحقّ ، وأنصارى علي القوم الظالمين ، قال ابن وال : فو الله ما اُحبّ أنّ لى بمقالته تلك حمر النعم . . . فتبعوا آثارهم حتي أدركوهم بالمذار(٤) . . . فدعاه زياد وقال له : ما الذى نقمت علي أمير المؤمنين وعلينا حتي (١) نِفَّر : قرية علي نهر النَّرْس من بلاد الفرس (معجم البلدان : ٥/٢٩٥). ٣٩٧ - المجلد السادس / فهرس المطالب
فارقتنا ؟ فقال : لم أرضَ صاحبكم إماماً ، ولا سيرتكم سيرة ، فرأيت أن أعتزل وأكون مع من يدعو إلي الشوري ، فقال له زياد : وهل يجتمع الناس علي رجل يُدانى صاحبك الذى فارقته علماً بالله وسنّته وكتابه مع قرابته من رسول الله ½ ، وسابقته فى الإسلام ؟ فقال له : ذلك لا أقول لك . فقال له زياد : ففيمَ قتلت ذلك الرجل المسلم ؟ فقال له : ما أنا قتلته ، وإنّما قتله طائفة من أصحابى . قال : فادفعهم إلينا . قال : ما لى إلي ذلك سبيل . فدعا زياد أصحابه ودعا الخرّيت أصحابه ، فاقتتلوا قتالاً شديداً تطاعنوا بالرماح حتي لم يبقَ رمح ، وتضاربوا بالسيوف حتي انحنت ، وعُقرت عامّة خيولهم ، وكثرت الجراحة فيهم ، وقُتل من أصحاب زياد رجلان ، ومن اُولئك خمسة ، وجاء الليل فحجز بينهما ، وقد كره بعضهم بعضاً ، وجُرح زياد ، فسار الخرّيت من الليل وسار زياد إلي البصرة ، وأتاهم خبر الخرّيت أنّه أتي الأهواز فنزل بجانب منها وتلاحق به ناس من أصحابهم فصاروا نحو مائتين . . . فقدم معقل الأهواز . . . فلحقوهم قريب جبل من جبال رامهرمز . . . فقتل أصحاب معقل منهم سبعين رجلاً من بنى ناجية ومن معهم من العرب ، وقتلوا نحواً من ثلاثمائة من العلوج(١) والأكراد ، وانهزم الخرّيت بن راشد فلحق بأسياف البحر ، وبها جماعة كثيرة من قومه ، فما زال يسير فيهم ويدعوهم إلي خلاف علىّ ، ويخبرهم أنّ الهدي فى حربه حتي اتّبعه منهم ناس كثير . . . فكتب [علىّ ¼ ] إلي معقل يُثنى عليه وعلي من معه ويأمره باتّباعه وقتله أو نفيه . . . فلمّا انتهي معقل إليه نصب راية أمان وقال : من أتاها من الناس فهو آمن إلاّ الخرّيت وأصحابه الذين حاربونا أوّل مرّة . فتفرّق عن الخرّيت جُلّ من كان ٣٩٨ - المجلد السادس / فهرس المطالب
معه من غير قومه . . . ثمّ حمل معقل وجميع من معه فقاتلوا قتالاً شديداً وصبروا له ، ثمّ إنّ النعمان بن صهبان الراسبى بَصُرَ بالخرّيت ، فحمل عليه فطعنه فصُرع عن دابّته ، ثمّ اختلفا ضربتين فقتله النعمان وقُتل معه فى المعركة سبعون ومائة رجل ، وذهب الباقون يميناً وشمالاً(١) . (١) الكامل فى التاريخ : ٢ / ٤١٧ . إرجاعات
٢٧٥ - المجلد الرابع / القسم الخامس : سياسة الإمام علي / الفصل الثامن : السياسة الأمنيّة / عدم العقوبة على الظنّة والتهمة. |
||||||||||||||||