٤١٥ - المجلد الثامن / القسم التاسع : الآراء حول شخصيّة الإمام علىّ / الفصل التاسع : علىّ عن لسان الأعيان / الحسنُ البَصرِي
٩ / ١١ ٣٩٦٦ ـ شرح نهج البلاغة : روي أبان بن عيّاش : سألت الحسن البصرى عن علىّ ¼ ، فقال : ما أقول فيه ؟ ! كانت له السابقة ، والفضل ، والعلم ، والحكمة ، والفقه ، والرأى ، والصحبة ، والنجدة ، والبلاء ، والزهد ، والقضاء ، والقرابة ، إنّ عليّاً كان فى أمره عليّاً ، رحم الله عليّاً ، وصليّ عليه . فقلت : يا أبا سعيد ! أ تقول : صلّي عليه ، لغير النبىّ ؟ ! فقال : ترحَّمْ علي المسلمين إذا ذُكروا ، وصلِّ علي النبىّ وآله ، وعلىٌّ خيرُ آله . فقلت : أ هو خير من حمزة وجعفر ؟ قال : نعم ، قلت : وخير من فاطمة وابنيها ؟ قال : نعم ، والله إنّه خير آل محمّد كلّهم ، ومن يشكّ أنّه خير منهم وقد قال رسول الله ½ : "و أبوهما خير منهما" ؟ ولم يجر عليه اسم شرك ، ولا شرب خمر ، وقد قال رسول الله ½ لفاطمة (ع) : "زوّجتك خير اُمّتى" فلو كان فى اُمّته خير منه لاستثناه . ولقد آخي رسول الله ½ بين أصحابه ، فآخي بين علىّ ونفسه ، فرسول الله ½ خير الناس نفساً ، وخيرهم أخاً . فقلت : يا أبا سعيد ، فما هذا الذى يقال عنك إنّك قلته فى علىّ ؟ فقال : يابن أخى ، أحقن دمى من هؤلاء الجبابرة ، ولولا ذلك لشالت بى الخُشُب(٢) . (١) الحسن بن أبى الحسن يسار البصرى ، أبو سعيد مولي الأنصار : ولد لسنتين بقيتا من خلافة عمر ، وتوفّى سنة (١١٠ هـ ) ، روي عن كثير وروى عنه الكثير ، وهو من أشهر التابعين فى الفقه والحديث (راجع تهذيب التهذيب : ١ / ٥٤١ / ١٤٥٠ ، الطبقات الكبري : ٧ / ١٥٦) . ٤١٦ - المجلد الثامن / القسم التاسع : الآراء حول شخصيّة الإمام علىّ / الفصل التاسع : علىّ عن لسان الأعيان / الحسنُ البَصرِي
٣٩٦٧ ـ الاستيعاب : سئل الحسن بن أبى الحسن البصرى عن علىّ بن أبى طالب (ع) ، فقال : كان علىّ واللهِ سهماً صائباً من مرامى الله علي عدوّه ، وربّانى هذه الاُمّة ، وذا فضلها وذا سابقتها ، وذا قرابتها من رسول الله ½ ، لم يكن بالنومة عن أمر الله ، ولا بالملومة فى دِين الله ، ولا بالسروقة لمال الله ، أعطي القرآنِ عزائمه ففاز منه برياض مونقة ، ذلك علىّ بن أبى طالب (ع) (١) . ٣٩٦٨ ـ شرح نهج البلاغة : روي الواقدى قال : سُئل الحسن [البصري] عن علىّ ¼ وكان يظنّ به الانحراف عنه ، ولم يكن كما يظنّ فقال : ما أقول فيمن جمع الخصال الأربع : ائتمانه علي براءة ، وما قال له الرسول ½ فى غزاة تبوك ، فلو كان غير النبوّة شىء يفوته لاستثناه ، وقول النبىّ ½ : الثقلان كتاب الله وعترتى ، وإنّه لم يؤمّر عليه أمير قطّ وقد اُمّرت الاُمراء علي غيره(٢) . ٣٩٦٩ ـ الأمالى للصدوق عن سعد عن الحسن البصرى : إنّه بلغه أنّ زاعماً يزعم أنّه ينتقص عليّاً ¼ فقام فى أصحابه يوماً فقال : لقد هممت أن اُغلق بابى ، ثمّ لا أخرج من بيتى حتي يأتينى أجلى ، بلغنى أنّ زاعماً منكم يزعم أنّى أنتقص خير الناس بعد نبيّنا ½ ، وأنيسه وجليسه ، والمفرّج للكرب عنه عند الزلازل ، والقاتل للأقران يوم التنازل ، لقد فارقكم رجل قرأ القرآن فوقره ، وأخذ العلم فوفره ، وحاز البأس فاستعمله فى طاعة ربّه ، صابراً علي مضض الحرب ، شاكراً عند اللأواء والكرب ، فعمل بكتاب ربّه ، ونصح لنبيّه وابن عمّه وأخيه . (١) الاستيعاب : ٣ / ٢١٠ / ١٨٧٥ ، العقد الفريد : ٣ / ٣١٣ نحوه ، الرياض النضرة : ٣ / ١٨٧ ، شرح نهج البلاغة : ٤ / ٩٥ وراجع حلية الأولياء : ١ / ٨٤ والأخبار الموفّقيّات : ١٩٢ / ١٠٤ ومقتل أمير المؤمنين : ١٠٩ / ١٠٢ . ٤١٧ - المجلد الثامن / القسم التاسع : الآراء حول شخصيّة الإمام علىّ / الفصل التاسع : علىّ عن لسان الأعيان / الخَليلُ بن أحمد
آخاه دون أصحابه ، وجعل عنده سرّه ، وجاهد عنه صغيراً ، وقاتل معه كبيراً ، يقتل الأقران ، وينازل الفرسان دون دِين الله حتي وضعت الحرب أوزارها ، متمسّكاً بعهد نبيّه ، لا يصدّه صادّ ولا يمالى عليه مضادّ ،ثمّ مضي النبىّ ½ وهو عنه راض ، أعلم المسلمين علماً ، وأفهمهم فهماً ، وأقدمهم فى الإسلام ، لا نظير له فى مناقبه ، ولا شبيه له فى ضرائبه ،فظَلِفت(١) نفسه عن الشهوات ، وعمل لله فى الغفلات ، وأسبغ الطهور فى السبرات ، وخشع فى الصلوات ، وقطع نفسه عن اللذّات ، مشمّراً عن ساق طيب الأخلاق ، كريم الأعراق ، اتّبع سنن نبيّه ½ واقتفي آثار وليّه ، فكيف أقول فيه ما يوبقنى وما أحد أعلمه يجد فيه مقالاً ، فكفّوا عنّا الأذي وتجنّبوا طريق الردي(٢) . ٩ / ١٢ ٣٩٧٠ ـ الأمالى للطوسى عن محمّد بن سلام الجمحى : حدّثنى يونس بن حبيب النحوى ـ وكان عثمانيّاً ـ قال : قلت للخليل بن أحمد : اُريد أن أسألك عن مسألة ، فتكتمها علىَّ ؟ قال : إنّ قولك يدلّ علي أنّ الجواب أغلظ من السؤال ، فتكتمه أنت أيضاً ؟ قال : قلت : نعم ، أيّام حياتك .قال : سل . (١) ظَلِفَتْ نفسى عن كذا : أى كفّت (لسان العرب : ٩ / ٢٣١) . ٤١٨ - المجلد الثامن / القسم التاسع : الآراء حول شخصيّة الإمام علىّ / الفصل التاسع : علىّ عن لسان الأعيان / الخَليلُ بن أحمد
قال : قلت : ما بال أصحاب رسول الله صلّي الله عليه وآله ورحمهم كأنّهم كلّهم بنو اُمٍّ واحدة وعلىّ بن أبى طالب ¼ من بينهم كأنّه ابن علّة(١) ؟ قال من أين لك هذا السؤال ؟ قال : قلت : قد وعدتنى الجواب . قال : وقد ضمنت الكتمان قال : قلت : أيّام حياتك ، فقال : إنّ عليّاً ¼ تقدّمهم إسلاماً ، وفاقهم علماً ، وبذّهم(٢) شرفاً ، ورجحهم زهداً ، وطالهم جهاداً ، فحسدوه ، والناس إلي أشكالهم وأشباههم أميل منهم إلي من بان منهم ، فافهم(٣) . ٣٩٧١ ـ علل الشرائع عن أبى زيد النحوى الأنصارى : سألت الخليل بن أحمد العروضى ، فقلت له : لِمَ هجر الناس عليّاً ¼ وقرباه من رسول الله ½ قرباه ، وموضعه من المسلمين موضعه ، وعناه فى الإسلام عناه ؟ فقال : بهر واللهِ نوره أنوارهم ، وغلبهم علي صفو كلّ منهل ، ولناس إلي أشكالهم أميل ، أ ما سمعت قول الأوّل يقول :
٣٩٧٢ ـ تنقيح المقال ـ فى ترجمة الخليل بن أحمد ـ : قيل له : ما الدليل علي أنّ عليّاً ¼ إمام الكلّ فى الكلّ ؟ قال : احتياج الكلّ إليه واستغناؤه عن الكلّ(٥) . (١) العلّة : الضرّة ، وبنو العلاّت : بنو رجل واحد من اُمّهات شتّي (لسان العرب : ١١ / ٤٧٠) . ٤١٩ - المجلد الثامن / القسم التاسع : الآراء حول شخصيّة الإمام علىّ / الفصل التاسع : علىّ عن لسان الأعيان / سُفيانُ الثَّوري
٣٩٧٣ ـ تنقيح المقال ـ فى ترجمة الخليل بن أحمد ـ : قيل له : ما تقول فى علىّ بن أبى طالب ¼ ؟ : فقال : ما أقول فى حقّ امرئ كتمت مناقبه أولياؤه خوفاً ، وأعداؤه حسداً ، ثمّ ظهر من بين الكتمين ما ملأ الخافقين(١) . ٩ / ١٣ ٣٩٧٤ ـ المناقب لابن شهر آشوب عن سفيان الثورى : كان علىّ بن أبى طالب ¼ كالجبل بين المسلمين والمشركين ; أعزّ الله به المسلمين ، وأذلّ به المشركين(٣) . ٣٩٧٥ ـ حلية الأولياء عن عطاء بن مسلم : سمعت سفيان يقول : ما حاجّ علىّ أحداً إلاّ حَجّه(٤) . ٩ / ١٤ ٣٩٧٦ ـ (٦) الصواعق المحرقة : قال [الشافعي] : (١) تنقيح المقال : ١ / ٤٠٣ / ٣٧٦٩ ، الرواشح السماويّة : ٢٠٣ . ٤٢٠ - المجلد الثامن / القسم التاسع : الآراء حول شخصيّة الإمام علىّ / الفصل التاسع : علىّ عن لسان الأعيان / الشَّعبي
وقال أيضاً :
٩ / ١٥ ٣٩٧٧ ـ المناقب للخوارزمى عن الشعبى : ما ندرى ما نصنع بعلىّ إن أحببناه افتقرنا ، وإن أبغضناه كفرنا!(٣) ٣٩٧٨ ـ الإرشاد : قد شاع الخبر واستفاض عن الشعبى أنّه كان يقول : لقد كنت أسمع خطباء بنى اُميّة يسبّون أمير المؤمنين علىّ بن أبى طالب ¼ علي منابرهم فكأنّما يُشال بضبعه إلي السماء ، وكنت أسمعهم يمدحون أسلافهم علي منابرهم (١) الصواعق المحرقة : ١٣٣ . ٤٢١ - المجلد الثامن / القسم التاسع : الآراء حول شخصيّة الإمام علىّ / الفصل التاسع : علىّ عن لسان الأعيان / عامرُ بن عَبدِ اللهِ بن الزُّبَير
فكأنّما يكشفون عن جيفة(١) . ٣٩٧٩ ـ شرح نهج البلاغة : قال الشعبى ـ وقد ذكره ¼ ـ : كان أسخي الناس ، كان علي الخلق الذى يحبّه الله : السخاء والجود ، ما قال : "لا" لسائل قطّ(٢) . ٩ / ١٦ عامرُ بن عَبدِ اللهِ بن الزُّبَير (٣) ٣٩٨٠ ـ الاستيعاب عن عامر بن عبد الله بن الزبير ـ لمّا سمع ابناً له يتنقّص عليّاً ـ : إيّاك والعودة إلي ذلك ; فإنّ بنى مروان شتموه ستّين سنة فلم يزده الله بذلك إلاّ رفعة ، وإنّ الدين لم يبن شيئاً فهدمته الدنيا ، وإن الدنيا لم تبنِ شيئاً إلاّ عاودت علي ما بَنَت فهدمته(٤) . ٩ / ١٧ ٣٩٨١ ـ (٦) تفسير الفخر الرازى : من اقتدي فى دينه بعلىّ بن أبى طالب فقد اهتدي ، (١) الإرشاد : ١ / ٣٠٩ ، المناقب لابن شهر آشوب : ٢ / ٣٥١ . ٤٢٢ - المجلد الثامن / القسم التاسع : الآراء حول شخصيّة الإمام علىّ / الفصل التاسع : علىّ عن لسان الأعيان / المأمُون العَبّاسي
والدليل عليه قوله ¼ : "اللهمّ أدِر الحقّ مع علىّ حيث دار"(١) . ٩ / ١٨ ٣٩٨٢ ـ عيون أخبار الرضا عن إسحاق بن حمّاد بن زيد ـ فى مجادلة المأمون المخالفين فى إمامة علىّ ¼ وتفضيله علي سائر الناس بعد النبىّ ½ ـ : سمعنا(٣) يحيي بن أكثم القاضى قال : أمرنى المأمون بإحضار جماعة من أهل الحديث ، وجماعة من أهل الكلام والنظر ، فجمعت له من الصنفين زهاء أربعين رجلاً ، ثمّ مضيت بهم ، فأمرتهم بالكينونة فى مجلس الحاجب لاُعلمه بمكانهم ، ففعلوا فأعلمته ، فأمرنى بإدخالهم ، فدخلوا فسلّموا فحدّثهم ساعة وآنسهم ، ثمّ قال : إنّى اُريد أن أجعلكم بينى وبين الله تبارك وتعالي فى يومى هذا حجّة ; فمن كان حاقناً(٤) أو له حاجة فليقم إلي قضاء حاجته ، وانبسِطوا وسُلّوا أخفافكم وضعوا أرديتكم ، ففعلوا ما اُمروا به ، فقال : يا أيّها القوم! إنّما استحضرتكم لاحتجّ بكم عند الله تعالي ، فاتّقوا الله وانظروا لأنفسكم وإمامكم ، ولا يمنّعكم جلالتى ومكانى من قول الحقّ حيث كان ، وردّ (١) تفسير الفخر الرازى : ١ / ٢١٠ . إرجاعات
٢٣٧ - المجلد الثاني / القسم الثالث : جهود النبيّ لقيادة الإمام عليّ / الفصل التاسع : أحاديث العصمة / عليّ مع الحقّ
٤٢٣ - المجلد الثامن / القسم التاسع : الآراء حول شخصيّة الإمام علىّ / الفصل التاسع : علىّ عن لسان الأعيان / المأمُون العَبّاسي
الباطل علي من أتي به ، وأشفِقوا علي أنفسكم من النار ، وتقرّبوا إلي الله تعالي برضوانه ، وإيثار طاعته ; فما أحد تقرّب إلي مخلوق بمعصية الخالق إلاّ سلّطه الله عليه ، فناظرونى بجميع عقولكم . إنّى رجل أزعم أنّ عليّاً ¼ خير البشر بعد رسول الله ½ ; فإن كنت مصيباً فصوّبوا قولى ، وإن كنت مخطئاً فردّوا علىّ ، وهلمّوا ; فإن شئتم سألتكم ، وإن شئتم سألتمونى . فقال له الذين يقولون بالحديث : بل نسألك . فقال : هاتوا ، وقلّدوا كلامكم رجلاً واحداً منكم ، فإذا تكلّم ; فإن كان عند أحدكم زيادة فليزِد ، وإن أتي بخلل فسدّدوه . فقال قائل منهم : إنّما نحن نزعم أنّ خير الناس بعد رسول الله ½ أبو بكر من قِبَل أنّ الرواية المجمع عليها جاءت عن الرسول ½ أنّه قال : اقتدوا باللذين من بعدى أبى بكر وعمر ، فلمّا أمر نبىّ الرحمة بالاقتداء بهما ، علمنا أنّه لم يأمر بالاقتداء إلاّ بخير الناس . فقال المأمون : الروايات كثيرة ، ولابدّ من أن تكون كلّها حقّاً أو كلّها باطلاً ، أو بعضها حقّاً وبعضها باطلاً ; فلو كانت كلّها حقّاً كانت كلّها باطلاً ; من قِبَل أنّ بعضها ينقض بعضاً ، ولو كانت كلّها باطلاً كان فى بطلانها بطلان الدين ، ودروس الشريعة ; فلمّا بطل الوجهان ثبت الثالث بالاضطرار ; وهو أنّ بعضها حقّ وبعضها باطل ; فإذا كان كذلك فلابدّ من دليل علي ما يحقّ منها ; ليُعتقد ، ويُنفي خلافه ، فإذا كان دليل الخبر فى نفسه حقّاً كان أولي ما أعتقده وآخذ به . وروايتك هذه من الأخبار التى أدلّتها باطلة فى نفسها ، وذلك أنّ رسول الله ½ ٤٢٤ - المجلد الثامن / القسم التاسع : الآراء حول شخصيّة الإمام علىّ / الفصل التاسع : علىّ عن لسان الأعيان / المأمُون العَبّاسي
أحكم الحكماء ، وأولي الخلق بالصدق ، وأبعد الناس من الأمر بالمحال ، وحمل الناس علي التديّن بالخلاف ; وذلك أنّ هذين الرجلين لا يخلُوَا من أن يكونا متّفقين من كلّ جهة أو مختلفين ; فإن كانا متّفقين من كلّ جهة كانا واحداً فى العدد والصفة والصورة والجسم ، وهذا معدوم أن يكون اثنان بمعنيً واحد من كلّ جهة ، وإن كانا مختلفين ، فكيف يجوز الاقتداء بهما ؟ وهذا تكليف ما لا يطاق ; لأنّك إذا اقتديت بواحد خالفت الآخر . والدليل علي اختلافهما أنّ أبا بكر سبي أهل الردّة وردّهم عمر أحراراً ، وأشار عمر إلي أبى بكر بعزل خالد وبقتله بمالك بن نويرة ، فأبي أبو بكر عليه ، وحرّم عمر المتعتين ولم يفعل ذلك أبو بكر ، ووضع عمر ديوان العطيّة ولم يفعله أبو بكر ، واستخلف أبو بكر ولم يفعل ذلك عمر ، ولهذا نظائر كثيرة . قال مصنّف هذا الكتاب : فى هذا فصل ولم يذكر[ه](١) المأمون لخصمه ; وهو أنّهم لم يرووا أنّ النبىّ ½ قال : اقتدوا باللذين من بعدى أبى بكر وعمر ، وإنّما رووا أبو بكر وعمر ، ومنهم من روي أبا بكر وعمر ، فلو كانت الرواية صحيحة لكان معني قوله بالنصب : اقتدوا باللذين من بعدى : كتاب الله والعترة يا أبا بكر وعمر ، ومعني قوله بالرفع : اقتدوا أيّها الناس وأبو بكر وعمر باللذين من بعدى كتاب الله والعترة . رجعنا إلي حديث المأمون : فقال آخر من أصحاب الحديث : فإنّ النبىّ ½ قال : لو كنت متّخذاً خليلاً لاتّخذت أبا بكر خليلاً . فقال المأمون : هذا مستحيل ; من قِبَل أنّ رواياتكم أنّه ½ آخي بين أصحابه ٤٢٥ - المجلد الثامن / القسم التاسع : الآراء حول شخصيّة الإمام علىّ / الفصل التاسع : علىّ عن لسان الأعيان / المأمُون العَبّاسي
وأخّر علياً ¼ فقال له فى ذلك فقال : ما أخّرتك إلاّ لنفسى . فأىّ الروايتين ثبتت بطلت الاُخري . قال الآخر : إنّ عليّاً ¼ قال علي المنبر : خير هذه الاُمّة بعد نبيّها أبو بكر وعمر . قال المأمون : هذا مستحيل ; من قِبَل أنّ النبىّ ½ لو علم أنّهما أفضل ما ولّي عليهما مرّة عمرو بن العاص ، ومرّة اُسامة بن زيد . وممّا يكذّب هذه الرواية قول علىّ ¼ لمّا قبض النبىّ ½ وأنا أولي بمجلسه منّى بقميصى ، ولكنّى أشفقت أن يرجع الناس كفّاراً ، وقوله ¼ : أنّي يكونان خيراً منّى وقد عبدت الله تعالي قبلهما ، وعبدته بعدهما ؟ قال آخر : فإنّ أبا بكر أغلق بابه ، وقال : هل من مستقيل فاُقيله ، فقال علىّ ¼ : قدّمك رسول الله ½ فمن ذا يؤخّرك ؟ فقال المأمون : هذا باطل من قِبَل أنّ عليّاً ¼ قعد عن بيعة أبى بكر ، ورويتم أنّه قعد عنها حتي قبضت فاطمة (ع) ، وأنّها أوصت أن تدفن ليلاً لئلاّ يشهدا جنازتها . ووجه آخر : وهو أنّه إن كان النبىّ ½ استخلفه ، فكيف كان له أن يستقيل وهو يقول للأنصار : قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين أبا عبيدة وعمر ؟ قال آخر : إنّ عمرو بن العاص قال : يا نبىّ الله من أحبّ الناس إليك من النساء ؟ قال : عائشة . فقال : من الرجال ؟ فقال : أبوها . فقال المأمون : هذا باطل من قِبَل أنّكم رويتم أنّ النبىّ ½ وُضع بين يديه طائر مشوىّ فقال : اللهمّ ائتنى بأحبّ خلقك إليك ، فكان عليّاً ¼ . فأىّ روايتكم تُقبل ؟ فقال آخر : فإنّ عليّاً ¼ قال : من فضّلنى علي أبى بكر وعمر جلدته حدّ المفترى . ٤٢٦ - المجلد الثامن / القسم التاسع : الآراء حول شخصيّة الإمام علىّ / الفصل التاسع : علىّ عن لسان الأعيان / المأمُون العَبّاسي
قال المأمون : كيف يجوز أن يقول علىّ ¼ أجلد الحدّ علي من لا يجب حدّ عليه ، فيكون متعدّياً لحدود الله عزّ وجلّ ، عاملاً بخلاف أمره ، وليس تفضيل من فضّله عليهما فرية ، وقد رويتم عن إمامكم أنّه قال : وليتكم ولست بخيركم . فأىّ الرجلين أصدق عندكم ; أبو بكر علي نفسه أو علىّ ¼ علي أبى بكر ؟ مع تناقض الحديث فى نفسه ، ولابدّ له فى قوله من أن يكون صادقاً أو كاذباً ، فإن كان صادقاً فأنّي عرف ذلك ؟ بوَحى ؟ فالوحى منقطع ، أو بالتظنّى ؟ فالمتظنّى متحيّر ، أو بالنظر ؟ فالنظر مبحث ، وإن كان غير صادق ، فمن المحال أن يلى أمر المسلمين ، ويقوم بأحكامهم ، ويقيم حدودهم كذّابٌ . قال آخر : فقد جاء أنّ النبىّ ½ قال : أبو بكر وعمر سيّدا كهول أهل الجنّة . قال المأمون : هذا الحديث محال ; لأنّه لا يكون فى الجنّة كهل ، ويروي أنّ أشجعيّة كانت عند النبىّ ½ فقال : لا يدخل الجنّة عجوز . فبكت ، فقال لها النبىّ ½ : إنّ الله تعالي يقول : ³ إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً ± فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا ± عُرُبًا أَتْرَابًا ² (١) فإن زعمتم أنّ أبا بكر ينشأ شابّاً إذا دخل الجنّة ، فقد رويتم أنّ النبىّ ½ قال للحسن والحسين ¤ : إنّهما سيّدا شباب أهل الجنّة من الأوّلين والآخرين ، وأبوهما خير منهما . قال آخر : فقد جاء أنّ النبىّ ½ قال : لو لم أكن اُبعث فيكم لبعث عمر . قال المأمون : هذا محالٌ ; لأنّ الله تعالي يقول : ³ إِنّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَىٰ نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ ² (٢) وقال تعالي : ³ وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن (١) الواقعة : ٣٥ ـ٣٧ . ٤٢٧ - المجلد الثامن / القسم التاسع : الآراء حول شخصيّة الإمام علىّ / الفصل التاسع : علىّ عن لسان الأعيان / المأمُون العَبّاسي
نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَي ابْنِ مَرْيَمَ ² (١) فهل يجوز أن يكون من لم يؤخذ ميثاقه علي النبوّة مبعوثاً ، ومن أخذ ميثاقاً علي النبوّة مؤخّراً ؟ !قال آخر : إنّ النبىّ ½ نظر إلي عمر يوم عرفة فتبسّم فقال : إنّ الله تبارك تعالي باهي بعباده عامّة ، وبعمر خاصّة . فقال المأمون : هذا مستحيل ; من قِبَل أنّ الله تبارك وتعالي لم يكن ليباهى بعمر ويدع نبيّه ½ ; فيكون عمر فى الخاصّة ، والنبىّ ½ فى العامّة ، وليست هذه الروايات بأعجب من روايتكم أنّ النبىّ ½ قال : دخلت الجنّة فسمعت خفق نعلين ; فإذا بلال مولي أبى بكر سبقنى إلي الجنّة . وإنّما قالت الشيعة : علىّ ¼ خير من أبى بكر ، فقلتم : عبد أبى بكر خير من الرسول ½ ; لأنّ السابق أفضل من المسبوق ، وكما رويتم أنّ الشيطان يفرّ من ظلّ عمر ، وألقي علي لسان نبىّ الله ½ : وأنّهنّ الغرانيق العُلي ففرّ من عمر ، وألقي علي لسان النبىّ ½ ـ بزعمكم ـ الكفّارُ ! قال آخر : قد قال النبىّ ½ : لو نزل العذاب ما نجا إلاّ عمر بن الخطّاب . قال المأمون : هذا خلاف الكتاب أيضاً ; لأنّ الله تعالي يقول لنبيّه ½ : ³ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ² (٢) فجعلتم عمر مثل الرسول ½ ! قال آخر : فقد شهد النبىّ ½ لعمر بالجنّة فى عشرة من الصحابة . فقال المأمون : لو كان هذا كما زعمتم ، لكان عمر لا يقول لحذيفة : نشدتك بالله أمِنَ المنافقين أنا ؟ فإن كان قد قال له النبىّ ½ : أنت من أهل الجنّة ولم (١) الأحزاب : ٧ . ٤٢٨ - المجلد الثامن / القسم التاسع : الآراء حول شخصيّة الإمام علىّ / الفصل التاسع : علىّ عن لسان الأعيان / المأمُون العَبّاسي
يصدّقه حتي زكّاه حذيفة ، فصدّق حذيفةَ ولم يصدّق النبىَّ ½ ، فهذا علي غير الإسلام ، وإن كان قد صدّق النبىّ ½ فلِمَ سأل حذيفة ؟ وهذان الخبران متناقضان فى أنفسهما . قال الآخر : فقد قال النبىّ ½ : وُضعتُ فى كفّة الميزان ووُضعتْ اُمّتى فى كفّة اُخري ، فرجحت بهم ، ثمّ وُضع مكانى أبو بكر فرجح بهم ، ثمّ عمر فرجح بهم ، ثمّ رُفع الميزان . فقال المأمون : هذا محال ; من قبل أنّه لا يخلو من أن يكون أجسامهما أو أعمالهما ; فإن كانت الأجسام فلا يخفي علي ذى روح أنّه محال ; لأنّه لا يرجح أجسامهما بأجسام الاُمّة ، وإن كانت أفعالهما فلم تكن بعد ، فكيف ترجح بما ليس ؟ فأخبرونى بما(١) يتفاضل الناس ؟ فقال بعضهم : بالأعمال الصالحة . قال : فأخبرونى فمن(٢) فضل صاحبه علي عهد النبىّ ½ ، ثمّ إنّ المفضول عمل بعد وفاة رسول الله ½ بأكثر من عمل الفاضل علي عهد النبىّ ½ أ يلحق به ؟ فإن قلتم : نعم ، أوجدتكم فى عصرنا هذا من هو أكثر جهاداً وحجّاً وصوماً وصلاة وصدقة من أحدهم . قالوا : صدقت ، لا يلحق فاضل دهرنا لفاضل عصر النبىّ ½ . قال المأمون : فانظروا فيما روت أئمّتكم الذين أخذتم عنهم أديانكم فى فضائل علىّ ¼ ، وقيسوا إليها ما رووا فى فضائل تمام العشرة الذين شهدوا لهم (١) كذا فى المصدر ، والصحيح : "بِمَ" . ٤٢٩ - المجلد الثامن / القسم التاسع : الآراء حول شخصيّة الإمام علىّ / الفصل التاسع : علىّ عن لسان الأعيان / المأمُون العَبّاسي
بالجنّة ; فإن كانت جزءاً من أجزاء كثيرة فالقول قولكم ، وإن كانوا قد روَوا فى فضائل علىّ ¼ أكثر ، فخذوا عن أئمّتكم ما روَوا ولا تعدُوه . قال : فأطرق القوم جميعاً . فقال المأمون : ما لكم سكتّم ؟ قالوا : قد استُقصينا . قال المأمون : فإنّى أسألكم : خبّرونى أىّ الأعمال كان أفضل يوم بعث الله نبيّه ½ ؟ قالوا : السبق إلي الإسلام ; لأنّ الله تعالي يقول : ³ السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ± أُولَـٰئـِكَ الْمُقَرَّبُونَ ² (١) . قال : فهل علمتم أحداً أسبق من علىّ ¼ إلي الإسلام؟ قالوا : إنّه سبق حدثاً لم يجرِ عليه حكم ، وأبو بكر أسلم كهلاً قد جري عليه الحكم ، وبين هاتين الحالتين فرق . قال المأمون : فخبّرونى عن إسلام علىّ ¼ ; أ بإلهام(٢) من قبل الله تعالي أم بدعاء النبىّ ½ ؟ فإن قلتم : بإلهام فقد فضّلتموه علي النبىّ ½ ; لأنّ النبىّ ½ لم يُلهَم بل أتاه جبرئيل عن الله تعالي داعياً ومعرّفاً . فإن قلتم : بدعاء النبىّ ½ ; فهل دعاه من قبل نفسه أو بأمر الله تعالى؟ فإن قلتم : من قِبَل نفسه ، فهذا خلاف ما وصف الله تعالي به نبيّه ½ فى قوله تعالي : ³ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ ² (٣) . وفى قوله تعالي : ³ وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ ± إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَىٰ ² (٤) وإن كان من قبل الله (١) الواقعة : ١٠ و١١ . ٤٣٠ - المجلد الثامن / القسم التاسع : الآراء حول شخصيّة الإمام علىّ / الفصل التاسع : علىّ عن لسان الأعيان / المأمُون العَبّاسي
تعالي فقد أمر الله تعالي نبيّه ½ بدعاء علىّ ¼ من بين صبيان الناس وإيثاره عليهم ، فدعاه ثقة به وعلماً بتأييد الله تعالي . وخلّةٌ اُخري : خبرّونى عن الحكيم هل يجوز أن يكلّف خلقه ما لا يطيقون؟ فإن قلتم : نعم ; فقد كفرتم ، وإن قلتم : لا ; فكيف يجوز أن يأمر نبيّه ½ بدعاء من لا يمكنه قبول ما يؤمر به لصغره ، وحداثة سنّه ، وضعفه عن القبول؟ وخلّةٌ اُخري : هل رأيتم النبىّ ½ دعا أحداً من صبيان أهله وغيرهم فيكونوا اُسوة علىّ ¼ ؟ فإن زعمتم أنّه لم يدعُ غيره ، فهذه فضيلة لعلىّ ¼ علي جميع صبيان الناس . ثمّ قال : أىّ الأعمال أفضل بعد السبق إلي الإيمان؟ قالوا : الجهاد فى سبيل الله . قال : فهل تجدون لأحد من العَشَرة فى الجهاد ما لعلىّ ¼ فى جميع مواقف النبىّ ½ من الأثر ؟ هذه بدر قُتل من المشركين فيها نيّف وستّون رجلاً ، قتل علىّ ¼ منهم نيّفاً وعشرين ، وأربعون لسائر الناس . فقال قائل : كان أبو بكر مع النبىّ ½ فى عَرِيشة(١) يدبّرها . فقال المأمون : لقد جئت بها عجيبة ! أ كان يدبّر دون النبىّ ½ ، أو معه فيشركه ، أو لحاجة النبىّ ½ إلي رأى أبى بكر؟ أىّ الثلاث أحبّ إليك أن تقول؟ فقال : أعوذ بالله من أن أزعم أنّه يدبّر دون النبىّ ½ أو يشركه أو بافتقار من النبىّ ½ إليه ! ٤٣١ - المجلد الثامن / القسم التاسع : الآراء حول شخصيّة الإمام علىّ / الفصل التاسع : علىّ عن لسان الأعيان / المأمُون العَبّاسي
قال : فما الفضيلة فى العريش ؟ فإن كانت فضيلة أبى بكر بتخلّفه عن الحرب ، فيجب أن يكون كلّ متخلّف فاضلاً أفضل من المجاهدين ، والله عزّ وجلّ يقول : ³ لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَي الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَىٰ وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَي الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا ² (١) . قال إسحاق بن حمّاد بن زيد : ثمّ قال لى : اقرأ ³ هَلْ أَتَىٰ عَلَي الإِْنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ ² (٢) ، فقرأت حتي بلغت : ³ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ² (٣) إلي قوله : ³ وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُورًا ² (٤) ، فقال : فيمن نزلت هذه الآيات ؟ فقلت : فى علىّ ¼ . قال : فهل بلغك أنّ عليّاً ¼ قال حين أطعم المسكين واليتيم والأسير : ³ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلاَ شُكُورًا ² (٥) علي ما وصف الله عزّ وجلّ فى كتابه؟ فقلت : لا . قال : فإنّ الله تعالي عرف سريرة علىّ ¼ ونيّته ، فأظهر ذلك فى كتابه تعريفاً لخلقه أمرَه ، فهل علمت أنّ الله تعالي وَصف فى شىء ممّا وصف فى الجنّة ما فى (١) النساء : ٩٥ . ٤٣٢ - المجلد الثامن / القسم التاسع : الآراء حول شخصيّة الإمام علىّ / الفصل التاسع : علىّ عن لسان الأعيان / المأمُون العَبّاسي
هذه السورة : ³ قَوَارِيرَ مِن فِضَّةٍ ² (١). قلت : لا . قال : فهذه فضيلة اُخري ، فكيف تكون القوارير من فضّة ؟ فقلت : لا أدرى . قال : يريد كأنّها من صفائها من فضّة يري داخلها كما يري خارجها . وهذا مثل قوله ½ : "يا أنْجَشَة(٢) ، رويداً سوقك(٣) بالقوارير" ; وعني به نساء كأنّها القوارير رقّة . وقوله ½ : "ركبت فرس أبى طلحة ، فوجدته بحراً" ; أى كأنّه بحر من كثرة جريه وعدوه . وكقول الله تعالي : ³ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِن وَرَائـِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ ² (٤) أى كأنّه [ما](٥) يأتيه الموت ، ولو أتاه من مكان واحد مات . ثمّ قال : يا إسحاق ، أ لستَ ممّن يشهد أنّ العشرة فى الجنّة؟ فقلت : بلي . قال : أ رأيت لو أنّ رجلاً قال : ما أدرى أ صحيح هذا الحديث أم لا ، أ كان عندك كافراً؟ (١) الإنسان : ١٦ . ٤٣٣ - المجلد الثامن / القسم التاسع : الآراء حول شخصيّة الإمام علىّ / الفصل التاسع : علىّ عن لسان الأعيان / المأمُون العَبّاسي
قلت : لا . قال : أ فرأيت لو قال : ما أدرى هذه السورة قرآن أم لا ، أ كان عندك كافراً؟ قلت : بلي . قال : أري فضل الرجل يتأكّد . خبّرنى(١) يا إسحاق عن حديث الطائر المشوىّ ; أ صحيح عندك ؟ قلت : بلي . قال : بانَ والله عنادك ; لا يخلو هذا من أن يكون كما دعاه النبىّ ½ ، أو يكون مردوداً ، أو عرف الله الفاضل من خلقه وكان المفضول أحبّ إليه ، أو تزعم أنّ الله لم يعرف الفاضل من المفضول ; فأىّ الثلاث أحبّ إليك أن تقول به؟ قال إسحاق : فأطرقت ساعة ثمّ قلت : يا أمير المؤمنين ، إنّ الله تعالي يقول فى أبى بكر : ³ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ² (٢) فنسبه الله عزّ وجلّ إلي صحبة نبيّه ½ . فقال المأمون : سبحان الله ! ما أقلّ علمك باللغة والكتاب ، أ ما يكون الكافر صاحباً للمؤمن ؟ ! فأىّ فضيلة فى هذه؟ أ ما سمعت قول الله تعالي : ³ قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَ كَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِنٍ نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً ² ؟(٣) فقد جعله له صاحباً ، وقال الهذلى شعراً :
(١) فى المصدر : "خبّرونى" ، والصحيح ما أثبتناه كما فى بحار الأنوار . ٤٣٤ - المجلد الثامن / القسم التاسع : الآراء حول شخصيّة الإمام علىّ / الفصل التاسع : علىّ عن لسان الأعيان / المأمُون العَبّاسي
وقال الأزدى شعراً :
فصيّر فرسه صاحبه ، وأمّا قوله : ³ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ² فإنّ الله تبارك وتعالي مع البَرّ والفاجر ، أ ما سمعت قوله تعالي : ³ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلاَ خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلاَ أَدْنَىٰ مِن ذَٰ لِكَ وَلاَ أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ² (١) . وأمّا قوله : ³ لاَ تَحْزَنْ ² (٢) فأخبرنى عن(٣) حزن أبى بكر ، أ كان طاعة أو معصية ؟ فإن زعمت أنّه طاعة فقد جعلت النبىّ ½ ينهي عن الطاعة ، وهذا خلاف صفة الحكيم ، وإن زعمت أنّه معصية ، فأىّ فضيلة للعاصى ؟ وخبّرنى عن قوله تعالي : ³ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ ² (٤) علي من ؟ قال إسحاق : فقلت : علي أبى بكر ; لأنّ النبىّ ½ كان مستغنياً عن السكينة(٥) . قال : فخبّرنى عن قوله عزّ وجلّ : ³ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئـًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَْرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ ± ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَي الْمُؤْمِنِينَ ² (٦) أ تدرى مَن المؤمنون الذين أراد الله تعالي فى هذا الموضع؟ قال : فقلت : لا . (١) المجادلة : ٧ . ٤٣٥ - المجلد الثامن / القسم التاسع : الآراء حول شخصيّة الإمام علىّ / الفصل التاسع : علىّ عن لسان الأعيان / المأمُون العَبّاسي
فقال : إنّ الناس انهزموا يوم حُنين ، فلم يبقَ مع النبىّ ½ إلاّ سبعة من بنى هاشم : علىّ ¼ يضرب بسيفه ، والعبّاس آخذ بلجام بغلة رسول الله ½ ، والخمسة يحدقون بالنبىّ ½ خوفاً من أن يناله سلاح الكفّار ، حتي أعطي الله تبارك وتعالي رسوله ½ الظفر ، عَنَي بالمؤمنين فى هذا الموضع عليّاً ¼ ومن حضر من بنى هاشم ، فمن كان أفضل ; أ مَن كان مع النبىّ ½ فنزلت السكينة علي النبىّ ½ وعليه ، أم من كان فى الغار مع النبىّ ½ ولم يكن أهلاً لنزولها عليه ؟ يا إسحاق ! من أفضل؟ من كان مع النبىّ ½ فى الغار ، أو من نام علي مهاده وفراشه ووقاه بنفسه ، حتي تمّ للنبىّ ½ ما عزم عليه من الهجرة ؟ إنّ الله تبارك وتعالي أمر نبيّه ½ أن يأمر عليّاً ¼ بالنوم علي فراشه ووقايته بنفسه ، فأمره بذلك ، فقال علىّ ¼ : أ تسلم يا نبىّ الله ؟ [قال : نعم](١) قال : سمعاً وطاعة ، ثمّ أتي مضجعه وتسجّي بثوبه ، وأحدق المشركون به ، لا يشكّون فى أنّه النبىّ ½ وقد أجمعوا علي أن يضربه من كلّ بطن من قريش رجلٌ ضربة لئلاّ يطلب الهاشميّون بدمه ، وعلىّ ¼ يسمع بأمر القوم فيه من التدبير فى تلف نفسه ، فلم يدعُه ذلك إلي الجزع كما جزع أبو بكر فى الغار ، وهو مع النبىّ ½ ، وعلىّ ¼ وحده، فلم يزل صابراً محتسباً، فبعث الله تعالي ملائكته تمنعه من مشركى قريش. فلمّا أصبح قام فنظر القوم إليه فقالوا : أين محمّد؟ قال : وما علمى به؟ قالوا : فأنت غررتنا(٢) ثمّ لحق بالنبىّ ½ ، فلم يزل علىّ ¼ أفضل لما بدا منه إلاّ ما يزيد خيراً ، حتي قبضه الله تعالي إليه وهو محمود مغفور له . يا إسحاق! أ ما تروى حديث الولاية؟ (١) سقط ما بين المعقوفين من المصدر ، وأثبتناه من بحار الأنوار . ٤٣٦ - المجلد الثامن / القسم التاسع : الآراء حول شخصيّة الإمام علىّ / الفصل التاسع : علىّ عن لسان الأعيان / المأمُون العَبّاسي
فقلت : نعم . قال : اروِه ، فرويته . فقال : أ ما تري أنّه أوجب لعلىّ ¼ علي أبى بكر وعمر من الحقّ ما لم يوجب لهما عليه؟ قلت : إنّ الناس يقولون : إنّ هذا قاله بسبب زيد بن حارثة . فقال : وأين قال النبىّ ½ هذا؟ قلت : بغدير خمّ بعد منصرفه من حجّة الوداع . قال : فمتي قُتل زيد بن حارثة؟ قلت : بمؤتة(١) . قال : أ فَليس قد كان قتل زيد بن حارثة قبل غدير خمّ؟ قلت : بلي . قال : أخبرنى لو رأيتَ ابناً لك أتت عليه خمس عشرة(٢) سنة يقول : مولاى مولي ابن عمّى أيّها الناس فاقبلوا ، أ كنت تكره له ذلك؟ فقلت : بلي . قال : أ فتنزّه ابنك عمّا لا يتنزّه النبىّ ½ عنه ؟ ! ويحكم ، أ جعلتم فقهاءكم أربابكم ؟ ! إنّ الله تعالي يقول : ³ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ ² (٣) (١) موضع بالشام ، حيث التقت جيوش المسلمين وهِرَقل ، وقُتل فيه ذو الجناحين جعفر بن أبى طالب (تاج العروس : ٣ / ١٣١) . ٤٣٧ - المجلد الثامن / القسم التاسع : الآراء حول شخصيّة الإمام علىّ / الفصل التاسع : علىّ عن لسان الأعيان / المأمُون العَبّاسي
والله ما صاموا لهم ولا صلّوا لهم ، ولكنّهم أمروا لهم فاُطيعوا . ثمّ قال : أ تروى قول النبىّ ½ لعلىّ ¼ : أنت منّى بمنزلة هارون من موسي ؟ قلت : نعم . قال : أ ما تعلم أنّ هارون أخو موسي لأبيه واُمّه؟ قلت : بلي . قال : فعلىّ ¼ كذلك؟ قلت : لا . قال : وهارون نبىّ وليس علىّ كذلك ، فما المنزلة الثالثة إلاّ الخلافة ، وهذا كما قال المنافقون : إنّه استخلفه استثقالاً له ، فأراد أن يطيّب نفسه(١) ، وهذا كما حكي الله تعالي عن موسي ¼ حيث يقول لهارون : ³ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ ² (٢) . فقلت : إنّ موسي خلّف هارون فى قومه وهو حىّ ، ثمّ مضي إلي ميقات ربّه تعالي ، وإنّ النبىّ ½ خلّف عليّاً ¼ حين خرج إلي غزاته . فقال : أخبرنى عن موسي حين خلّف هارون ، أ كان معه حيث مضي إلي ميقات ربّه عزّ وجلّ أحد من أصحابه؟ فقلت : نعم . قال : أ وَليس قد استخلفه علي جميعهم؟ (١) فى المصدر : "بنفسه" ، وما أثبتناه من بحار الأنوار . ٤٣٨ - المجلد الثامن / القسم التاسع : الآراء حول شخصيّة الإمام علىّ / الفصل التاسع : علىّ عن لسان الأعيان / المأمُون العَبّاسي
قلت : بلي . قال : فكذلك علىّ ¼ خلّفه النبىّ ½ حين خرج إلي غزاته فى الضعفاء والنساء والصبيان إذ(١) كان أكثر قومه معه ، وإن كان قد جعله خليفة علي جميعهم ، والدليل علي أنّه جعله خليفة عليهم فى حياته إذا غاب وبعد موته قوله ½ : "علىّ منّى بمنزلة هارون من موسي ، إلاّ أنّه لا نبىّ بعدى" ، وهو وزير النبىّ ½ أيضاً بهذا القول ; لأنّ موسي ¼ قد دعا الله تعالي وقال فيما دعا : ³ وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي ± هَارُونَ أَخِي ± اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي ± وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي ² (٢) فإذا كان علىّ ¼ منه ½ بمنزلة هارون من موسي فهو وزيره ، كما كان هارون وزير موسي ، وهو خليفته ، كما كان هارون خليفة موسي ¼ . ثمّ أقبل علي أصحاب النظر والكلام فقال : أسألكم أو تسألوني؟ فقالوا : بل نسألك . فقال : قولوا . فقال قائل منهم : أ ليست إمامة علىّ ¼ من قبل الله عزّ وجلّ ، نُقلَ ذلك عن رسول الله ½ من نقل الفرض مثل الظهر أربع ركعات ، وفى مائتى درهم خمسة دراهم ، والحجّ إلي مكّة؟ فقال : بلي . قال : فما بالهم لم يختلفوا فى جميع الفرض ، واختلفوا فى خلافة علىّ ¼ وحدها؟ قال المأمون : لأنّ جميع الفرض لا يقع فيه من التنافس والرغبة ما يقع فى الخلافة . (١) فى المصدر : "إذا" ، والصحيح ما أثبتناه كما فى بحار الأنوار . ٤٣٩ - المجلد الثامن / القسم التاسع : الآراء حول شخصيّة الإمام علىّ / الفصل التاسع : علىّ عن لسان الأعيان / المأمُون العَبّاسي
فقال آخر : ما أنكرت أن يكون النبىّ ½ أمرهم باختيار رجل منهم يقوم مقامه رأفة بهم ورقّة عليهم من غير أن يستخلف هو بنفسه فيُعصي خليفته ، فينزل بهم العذاب ؟ فقال : أنكرت ذلك من قِبَل أنّ الله تعالي أرأف بخلقه من النبىّ ½ ، وقد بعث نبيّه ½ إليهم وهو يعلم أنّ فيهم العاصى والمطيع(١) ، فلم يمنعه تعالي ذلك من إرساله . وعلّة اُخري : لو أمرهم باختيار رجل منهم كان لا يخلو من أن يأمرهم كلّهم أو بعضهم ; فلو أمر الكلّ من كان المختار ؟ ولو أمر بعضنا دون بعض كان لا يخلو من أن يكون علي هذا البعض علامة ; فإن قلت : الفقهاء ، فلابدّ من تحديد الفقيه وسِمته . قال آخر : فقد روى أنّ النبىّ ½ قال : ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله تعالي حسن ، وما رأوه قبيحاً فهو عند الله قبيح . فقال : هذا القول لابدّ من أن يكون يريد كلّ المؤمنين أو البعض ; فإن أراد الكلّ فهذا مفقود ; لأنّ الكلّ لا يمكن اجتماعهم ، وإن كان البعض فقد روي كلّ فى صاحبه حسناً مثل رواية الشيعة فى علىّ ، ورواية الحشويّة فى غيره ، فمتي يثبت ما تريدون من الإمامة ؟ قال آخر : فيجوز أن تزعم أنّ أصحاب محمّد ½ أخطأوا؟ قال : كيف نزعم أنّهم أخطأوا واجتمعوا علي ضلالة وهم لم يعلموا فرضاً ولا سنّة ; لأنّك تزعم أنّ الإمامة لا فرضٌ من الله تعالي ولا سنّة من الرسول ½ ، (١) فى المصدر : "عاص ومطيع" ، والصحيح ما أثبتناه كما فى بحار الأنوار . ٤٤٠ - المجلد الثامن / القسم التاسع : الآراء حول شخصيّة الإمام علىّ / الفصل التاسع : علىّ عن لسان الأعيان / المأمُون العَبّاسي
فكيف يكون فيما ليس عندك بفرض ولا سنّة خطأ . قال آخر : إن كنت تدّعى لعلىّ ¼ من الإمامة دون غيره ، فهات بيّنتك علي ما تدّعى . فقال : ما أنا بمدّع ولكنّى مقرّ ، ولا بيّنة علي مقرّ ، والمدّعى من يزعم أنّ إليه التولية والعزل ، وأنّ إليه الاختيار ، والبيّنة لا تعري من أن تكون من شركائه ; فهم خصماء ، أو تكون من غيرهم والغير معدوم ، فكيف يؤتي بالبيّنة علي هذا؟ قال آخر : فما كان الواجب علي علىّ ¼ بعد مضىّ رسول الله ½ ؟ قال : ما فَعَلَه . قال : أ فما وجب أن يُعلم الناس أنّه إمام؟ فقال : إنّ الإمامة لا تكون بفعل منه فى نفسه ، ولا بفعل من الناس فيه من اختيار أو تفضيل أو غير ذلك ، إنّما تكون(١) بفعل من الله تعالي فيه ، كما قال لإبراهيم ¼ : ³ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ² (٢) ، وكما قال عزّ وجلّ لداود ¼ : ³ يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الاَْرْضِ ² (٣) ، وكما قال عزّ وجلّ للملائكة فى آدم ¼ : ³ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الاَْرْضِ خَلِيفَةً ² (٤) ; فالإمام إنّما يكون إماماً من قبل الله تعالي ، وباختياره إيّاه فى بدء الصنيعة ، والتشريف فى النسب ، والطهارة فى المنشأ ، والعصمة فى المستقبل ، ولو كانت بفعل منه فى نفسه كان من فعل ذلك الفعل (١) فى المصدر : "و إنّها يكون" ، والصحيح ما أثبتناه كما فى بحار الأنوار . ٤٤١ - المجلد الثامن / القسم التاسع : الآراء حول شخصيّة الإمام علىّ / الفصل التاسع : علىّ عن لسان الأعيان / المأمُون العَبّاسي
مستحقّاً للإمامة ، وإذا عمل خلافها اعتزل ، فيكون خليفة قبل أفعاله . قال آخر : فلِمَ أوجب الإمامة لعلىّ ¼ بعد الرسول ½ ؟ فقال : لخروجه من الطفوليّة إلي الإيمان كخروج النبىّ ½ من الطفوليّة إلي الإيمان والبراءة من ضلالة قومه عن الحجّة واجتنابه الشرك(١) ، كبراءة النبىّ ½ من الضلالة واجتنابه للشرك ; لأنّ الشرك ظلم ، ولا يكون الظالم إماماً ، ولا من عَبَد وثناً بإجماع ، ومن شرك فقد حلّ من الله تعالي محلّ أعدائه ، فالحكم فيه الشهادة عليه بما اجتمعت عليه الاُمّة حتي يجىء إجماع آخر مثله ، ولأنّ من حكم عليه مرّة فلا يجوز أن يكون حاكماً ، فيكون الحاكم محكوماً عليه ، فلا يكون حينئذ فرق بين الحاكم والمحكوم عليه . قال آخر : فلِمَ لم يقاتل علىّ ¼ أبا بكر وعمر كما قاتل معاوية؟ فقال : المسألة محال ; لأنّ "لِمَ" اقتضاء ، و"لم يفعل" نفى ، والنفى لا يكون له علّة ، إنّما العلّة للإثبات ، وإنّما يجب أن يُنظر فى أمر علىّ ¼ أمن قبل الله أم من قبل غيره؟ فإن صحّ أنّه من قبل الله تعالي فالشكّ فى تدبيره كف ر ; لقوله تعالي : ³ فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ² (٢) . فأفعال الفاعل تبع لأصله ; فإن كان قيامه عن الله تعالي فأفعاله عنه ، وعلي الناس الرضا والتسليم ، وقد ترك رسول الله ½ القتال يوم الحديبيّة يوم صدّ المشركون هديه عن البيت ، فلمّا وجد الأعوان وقوى حارب ، كما قال تعالي فى الأوّل ; ³ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ ² (٣) ، ثمّ قال عزّ وجلّ : (١) فى المصدر : "لشرك" ، والصحيح ما أثبتناه كما فى بحار الأنوار . ٤٤٢ - المجلد الثامن / القسم التاسع : الآراء حول شخصيّة الإمام علىّ / الفصل التاسع : علىّ عن لسان الأعيان / المأمُون العَبّاسي
³ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ ² (١) . قال آخر : إذا زعمت أنّ إمامة علىّ ¼ من قبل الله تعالي ، وأنّه مفترض الطاعة ، فلِمَ لم يجز إلاّ التبليغ والدعاء للأنبياء : ، وجاز لعلىّ أن يترك ما اُمر به من دعوة الناس إلي طاعته؟ فقال : من قبل أنّا لم نزعم أنّ علياً ¼ اُمر بالتبليغ فيكون رسولاً ، ولكنّه ¼ وُضع عَلَماً بين الله تعالي وبين خلقه ; فمن تبعه كان مطيعاً ، ومن خالفه كان عاصياً ; فإن وجد أعواناً يتقوّي بهم جاهد ، وإن لم يجد أعواناً فاللّوم عليهم لا عليه ; لأنّهم اُمروا بطاعته علي كلّ حال ، ولم يؤمر هو بمجاهدتهم إلاّ بقوّة ، وهو بمنزلة البيت ; علي الناس الحجّ إليه ; فإذا حجّوا أدّوا ما عليهم ، وإذا لم يفعلوا كانت اللائمة عليهم ، لا علي البيت . وقال آخر : إذا اُوجِب أنّه لابدّ من إمام مفترض الطاعة بالاضطرار ، كيف يجب بالاضطرار أنّه علىّ ¼ دون غيره؟ فقال : من قِبَل أنّ الله تعالي لا يفرض مجهولاً ، ولا يكون المفروض ممتنعاً ; إذ المجهول ممتنع ، فلابدّ من دلالة الرسول ½ علي الفرض ; ليقطع العذر بين الله عزّ وجلّ وبين عباده ، أ رأيت لو فرض الله تعالي علي الناس صوم شهر ، ولم يعلم الناس أىّ شهر هو ، ولم يوسَم بِوسم ، وكان علي الناس استخراج ذلك بعقولهم ، حتي يصيبوا ما أراد الله تعالي ، فيكون الناس حينئذ مستغنين عن الرسول المبيّن لهم ، وعن الإمام الناقل خبر الرسول إليهم . (١) التوبة : ٥ . ٤٤٣ - المجلد الثامن / القسم التاسع : الآراء حول شخصيّة الإمام علىّ / الفصل التاسع : علىّ عن لسان الأعيان / المأمُون العَبّاسي
وقال آخر : من أين أوجبت أنّ عليّاً ¼ كان بالغاً حين دعاه النبىّ ½ ؟ فإنّ الناس يزعمون أنّه كان صبيّاً حين دُعى ، ولم يكن جاز عليه الحكم ، ولا بلغ مبلغ الرجال . فقال : من قبل أنّه لا يعري فى ذلك الوقت من أن يكون ممّن اُرسل إليه النبىّ ½ ليدعوه ; فإن كان كذلك فهو محتمل التكليف ، قوىّ علي أداء الفرائض . وإن كان ممّن لم يرسل إليه فقد لزم النبىّ ½ قول الله عزّ وجلّ : ³ وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الاَْقَاوِيلِ ± لأََخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ± ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (١) ² (٢) وكان مع ذلك فقد كلّف النبىُّ ½ عباد الله ما لا يطيقون عن الله تبارك وتعالي ، وهذا من المحال الذى يمتنع كونه ، ولا يأمر به حكيم ، ولا يدلّ عليه الرسول ، تعالي الله عن أن يأمر بالمحال ، وجلّ الرسول من أن يأمر بخلاف ما يمكن كونه فى حكمة الحكيم . فسكت القوم عند ذلك جميعاً . فقال المأمون : قد سألتمونى ونقضتم علىّ ، أ فأسألكم؟ قالوا : نعم . قال : أ ليس قد روت الاُمّة بإجماع منها أنّ النبىّ ½ قال : من كذب علىّ متعمّداً فليتبوّأ مقعده من النار؟ قالوا : بلي . قال : ورووا عنه ¼ أنّه قال : من عصي الله بمعصية صغرت أو كبرت ثمّ اتّخذها ديناً ومضي مصرّاً عليها فهو مخلّد بين أطباق الجحيم؟ قالوا : بلي . قال : فخبّرونى عن رجل تختاره الاُمّة فتنصبه خليفة ، هل يجوز أن يقال له : (١) الوتين : عرق يسقى الكَبِد ، وإذا انقطع مات صاحبه (مفردات ألفاظ القرآن : ٨٥٢) . ٤٤٤ - المجلد الثامن / القسم التاسع : الآراء حول شخصيّة الإمام علىّ / الفصل التاسع : علىّ عن لسان الأعيان / المأمُون العَبّاسي
خليفة رسول الله ½ ، ومن قِبَل الله عزّ وجلّ ولم يستخلفه الرسول؟ فإن قلتم : نعم ; فقد كابرتم ، وإن قلتم : لا ، وجب أنّ أبا بكر لم يكن خليفة رسول الله ½ ، ولا كان من قبل الله عزّ وجلّ ، وأنّكم تكذبون علي نبىّ الله ½ ; فإنّكم متعرّضون لأن تكونوا ممّن وسمه النبىّ ½ بدخول النار . وخبّرونى فى أىّ قوليكم صدقتم؟ أ فى قولكم : مضي ¼ ولم يستخلف ، أو فى قولكم لأبى بكر : يا خليفة رسول الله ½ ؟ فإن كنتم صدقتم فى القولين ، فهذا ما لا يمكن كونه ; إذ كان متناقضاً ، وإن كنتم صدقتم فى أحدهما بطل الآخر . فاتّقوا الله ، وانظروا لأنفسكم ، ودعوا التقليد ، وتجنّبوا الشبهات ، فوَ الله ما يقبل الله تعالي إلاّ من عبد لا يأتى إلاّ بما يعقل ، ولا يدخل إلاّ فيما يعلم أنّه حقّ ، والريب شكٌّ ، وإدمان الشكّ كفر بالله تعالي ، وصاحبه فى النار . وخبّرونى هل يجوز أن يبتاع أحدكم عبداً ، فإذا ابتاعه صار مولاه ، وصار المشترى عبده؟ قالوا : لا . قال : كيف جاز أن يكون من اجتمعتم عليه أنتم لهواكم واستخلفتموه صار خليفة عليكم ، وأنتم ولّيتموه؟ أ لا كنتم أنتم الخلفاء عليه؟ بل تؤتون خليفة وتقولون : إنّه خليفة رسول الله ½ ، ثمّ إذا سخطتم(١) عليه قتلتموه ، كما فعل بعثمان بن عفان ! فقال قائل منهم : لأنّ الإمام وكيل المسلمين ، إذا رضوا عنه ولّوه ، وإذا سخطوا عليه عزلوه . ٤٤٥ - المجلد الثامن / القسم التاسع : الآراء حول شخصيّة الإمام علىّ / الفصل التاسع : علىّ عن لسان الأعيان / المأمُون العَبّاسي
قال : فلمن المسلمون والعباد والبلاد؟ قالوا : لله تعالي . قال : فالله(١) أولي أن يوكّل علي عباده وبلاده من غيره ; لأنّ من إجماع الاُمّة أنّه من أحدث حدثاً فى ملك غيره فهو ضامن ، وليس له أن يُحدث ، فإن فعل فآثم غارِم(٢) . ثمّ قال : خبّرونى عن النبىّ ½ هل استخلف حين مضي أم لا ؟ فقالوا : لم يستخلف . قال : فترْكه ذلك هدي أم ضلال؟ قالوا : هدي . قال : فعلي الناس أن يتّبعوا الهدي ويتركوا الباطل ويتنكّبوا الضلال . قالوا : قد فعلوا ذلك . قال : فلِمَ استخلف الناسُ بعده وقد تركه هو؟ فترْك فعله ضلال ، ومحال أن يكون خلاف الهدي هدي ، وإذا كان ترك الاستخلاف هدي ، فلِمَ استَخلف أبو بكر ولم يفعله النبىّ ½ ؟ ولِمَ جعل عمر الأمر بعده شوري بين المسلمين خلافاً علي صاحبه ؟ لأنّكم زعمتم أنّ النبىّ ½ لم يستخلف ، وأنّ أبا بكر استخلف ، وعمر لم يترك الاستخلاف كما تركه النبىّ ½ بزعمكم ، ولم يستخلف كما فعل أبو بكر ، وجاء بمعني ثالث ، فخبّرونى أىّ ذلك ترونه صواباً؟ فإن رأيتم (١) فى المصدر : "فوَ الله" بدل "قال : فالله" ، والمناسب ما أثبتناه كما فى بحار الأنوار . ٤٤٦ - المجلد الثامن / القسم التاسع : الآراء حول شخصيّة الإمام علىّ / الفصل التاسع : علىّ عن لسان الأعيان / المأمُون العَبّاسي
فعل النبىّ ½ صواباً فقد خطّأتم(١) أبا بكر ، وكذلك القول فى بقيّة الأقاويل . وخبّرونى أيّهما أفضل ، ما فعله النبىّ ½ بزعمكم من ترك الاستخلاف ، أو ما صنعت طائفة من الاستخلاف؟ وخبّرونى هل يجوز أن يكون تركه من الرسول ½ هدي ، وفعله من غيره هدي ، فيكون هدي ضدّ هدي ، فأين الضلال حينئذ؟ وخبّرونى هل ولى أحد بعد النبىّ ½ باختيار الصحابة منذ قبض النبىّ ½ إلي اليوم؟ فإن قلتم : لا ; فقد أوجبتم أنّ الناس كلّهم عملوا ضلالة بعد النبىّ ½ ، وإن قلتم نعم ، كذّبتم الاُمّة وأبطل قولَكم الوجودُ الذى لا يُدفع . وخبّرونى عن قول الله عزّ وجلّ : ³ قُل لِّمَن مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَالاَْرْضِ قُل لِّلَّهِ ² (٢) أ صدق هذا أم كذب ؟ قالوا : صدق . قال : أ فلَيس ما سوي الله لله ; إذ كان محدثه ومالكه؟ قالوا : نعم . قال : ففى هذا بطلان ما أوجبتم من اختياركم خليفة تفترضون طاعته ، وتسمّونه خليفة رسول الله ½ وأنتم استخلفتموه وهو معزول عنكم إذا غضبتم عليه ، وعمل بخلاف محبّتكم ، ومقتول إذا أبي الاعتزال . ويلكم! لا تفتروا علي الله كذباً ، فتلقوا وبال ذلك غداً إذا قمتم بين يَدى الله (١) فى المصدر : "أخطأتم" ، والصحيح ما أثبتناه كما فى بحار الأنوار . ٤٤٧ - المجلد الثامن / القسم التاسع : الآراء حول شخصيّة الإمام علىّ / الفصل التاسع : علىّ عن لسان الأعيان / مُجاهِدُ بن جَبر
تعالي ، وإذا وردتم علي رسول الله ½ وقد كذبتم عليه متعمّدين ، وقد قال : من كذب علىّ متعمّداً فليتبوّأ مقعده من النار . ثمّ استقبل القبلة ورفع يديه وقال : اللهمّ إنّى قد أرشدتهم ، اللهمّ إنّى قد أخرجت ما وجب علىّ إخراجه من عنقى ، اللهمّ إنّى لم أدَعهم فى ريب ولا فى شكّ ، اللهمّ إنّى أدين بالتقرّب إليك بتقديم علىّ ¼ علي الخلق بعد نبيك محمّد ½ كما أمرنا به رسولك ½ . قال : ثمّ افترقنا فلم نجتمع بعد ذلك حتي قبض المأمون . قال محمّد بن أحمد بن يحيي بن عمران الأشعرى : وفى حديث آخر : قال : فسكت القوم ، فقال لهم : لِمَ سكتّم ؟ قالوا : لا ندرى ما تقول(١) . قال : تكفينى هذه الحجّة عليكم . ثمّ أمر بإخراجهم . قال : فخرجنا متحيّرين خجلين . ثمّ نظر المأمون إلي الفضل بن سهل فقال : هذا أقصي ما عند القوم ، فلا يظنّ ظانّ أنّ جلالتى منعتهم من النقض علىّ(٢) . ٩ / ١٩ ٣٩٨٣ ـ (٤) شواهد التنزيل عن مجاهد : إنّ لعلىّ ¼ سبعين منقبة ما كانت لأحد من (١) فى بحار الأنوار : "نقول" وهو أظهر . ٤٤٨ - المجلد الثامن / القسم التاسع : الآراء حول شخصيّة الإمام علىّ / الفصل التاسع : علىّ عن لسان الأعيان / المَسعودي
أصحاب النبىّ ½ مثلها ، وما من شىء من مناقبهم إلاّ وقد شركهم فيها(١) . ٩ / ٢٠ ٣٩٨٤ ـ مروج الذهب : فضائل علىّ ومقاماته ومناقبه ووصف زهده ونسكه أكثر من أن يأتى عليه كتابنا هذا أو غيره من الكتب ، أو يبلغه إسهاب مسهب ، أو إطناب مطنب ، وقد أتينا علي جمل من أخباره وزهده وسيره ، وأنواع من كلامه وخطبه فى كتابنا المترجم بكتاب "حدائق الأذهان فى أخبار آل محمّد ¼ " ، وفى كتاب "مزاهر الأخبار وطرائف الآثار للصفوة النورية والذرّيّة الزكيّة أبواب الرحمة وينابيع الحكمة" . قال المسعودى : والأشياء التى استحقّ بها أصحاب رسول الله ½ الفضل هى : السبق إلي الإيمان ، والهجرة ، والنصرة لرسول الله ½ ، والقربي منه ، والقناعة ، وبذل النفس له ، والعلم بالكتاب والتنزيل ، والجهاد فى سبيل الله ، والورع ، (١) شواهد التنزيل : ١ / ٢٤ / ٤ . ٤٤٩ - المجلد الثامن / القسم التاسع : الآراء حول شخصيّة الإمام علىّ / الفصل التاسع : علىّ عن لسان الأعيان / مُعاويَةُ بن يَزيدِ بن مُعاويَة
والزهد ، والقضاء ، والحكم ، والفقه ، والعلم ، وكلّ ذلك لعلىّ ¼ منه النصيب الأوفر ، والحظّ الأكبر ، إلي ما ينفرد به من قول رسول الله ½ حين آخي بين أصحابه : "أنت أخى" وهو ½ لا ضدّ له ، ولا ندّ ، وقوله صلوات الله عليه : "أنت منّى بمنزلة هارون من موسي ، إلاّ أنّه لا نبىّ بعدى" وقوله عليه الصلاة والسلام : "من كنت مولاه فعلىّ مولاه ، اللهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه" ثمّ دعاؤه ¼ وقد قدّم إليه أنس الطائر : "اللهمّ أدخِل إلىّ أحبّ خلقك إليك يأكلْ معى من هذا الطائر" فدخل عليه علىّ إلي آخر الحديث . فهذا وغيره من فضائله وما اجتمع فيه من الخصال ممّا تفرّق فى غيره(١) . ٩ / ٢١ مُعاويَةُ بن يَزيدِ بن مُعاويَة (٢) ٣٩٨٥ ـ حياة الحيوان الكبري ـ بعد ذكر خلافة يزيد بن معاوية بن أبى سفيان ـ : ثمّ قام بالأمر بعده ابنه معاوية ، وكان خيراً من أبيه ، فيه دين وعقل ، بويع له بالخلافة يوم موت أبيه ، فأقام فيها أربعين يوماً ، وقيل : أقام فيها خمسة أشهر وأيّاماً ، وخلع نفسه ، وذكر غير واحد أنّ معاوية بن يزيد لمّا خلع نفسه صعد المنبر فجلس طويلاً ، ثمّ حمد الله وأثني عليه بأبلغ ما يكون من الحمد والثناء ، ثمّ ذكر النبىّ ½ بأحسن ما يذكر به ، يا أيّها الناس ، ما أنا بالراغب فى الائتمار (١) مروج الذهب : ٢ / ٤٣٧ . ٤٥٠ - المجلد الثامن / القسم التاسع : الآراء حول شخصيّة الإمام علىّ / الفصل التاسع : علىّ عن لسان الأعيان / مُعاويَةُ بن يَزيدِ بن مُعاويَة
عليكم ; لعظيم ما أكرهه منكم ، وإنّى لأعلم أنّكم تكرهوننا أيضاً ; لأنّا بلينا بكم وبليتم بنا ، إلاّ أنّ جدّى معاوية قد نازع فى هذا الأمر من كان أولي به منه ومن غيره لقرابته من رسول الله ½ ، وعظم فضله وسابقته ، أعظم المهاجرين قدراً ، وأشجعهم قلباً ، وأكثرهم علماً ، وأوّلهم إيماناً ، وأشرفهم منزلةً ، وأقدمهم صحبةً ، ابن عمّ رسول الله ½ ، وصهره ، وأخوه ، زوّجه ½ ابنته فاطمة ، وجعله لها بعلاً باختياره لها ، وجعلها له زوجةً باختيارها له ، أبو سبطيه ; سيّدى شباب أهل الجنّة ، وأفضل هذه الاُمّة ، تربية الرسول ، وابنى فاطمة البتول ، من الشجرة الطيّبة الطاهرة الزكيّة ، فركب جدّى معه ما تعلمون ، وركبتم معه ما لا تجهلون ، حتي انتظمت لجدّى الاُمور ، فلمّا جاءه القدر المحتوم ، واخترمته أيدى المنون ، بقى مرتهناً بعمله ، فريداً فى قبره ، ووجد ما قدّمت يداه ، ورأي ما ارتكبه واعتداه . ثمّ انتقلت الخلافة إلي يزيد أبى ، فتقلّد أمركم لهوي كان أبوه فيه ، ولقد كان أبى يزيد بسوء فعله وإسرافه علي نفسه ، غير خليق بالخلافة علي اُمّة محمّد ½ ، فركب هواه ، واستحسن خطاه ، وأقدم علي ما أقدم من جرأته علي الله ، وبغيه علي مَن استحلّ حرمته من أولاد رسول الله ½ ، فقلت مدّته ، وانقطع أثره ، وضاجع عمله ، وصار حليف حفرته ، رهين خطيئته ، وبقيت أوزاره وتبعاته ، وحصل علي ما قدّم وندم حيث لا ينفعه الندم ، وشغلنا الحزن له عن الحزن عليه ، فليت شعرى ماذا قال وماذا قيل له ؟ هل عوقب بإساءته وجوزى بعمله ؟ وذلك ظنّى . ثمّ اختنقته العبرة ، فبكي طويلا وعلا نحيبه ، ثمّ قال : وصرت أنا ثالث القوم ، والساخط علىَّ أكثر من الراضى ، وما كنت لأتحمّل آثامكم ، ولا يرانى الله جلّت قدرته متقلّداً أوزاركم وألقاه بتبعاتكم ، فشأنكم أمركم فخذوه ، ومن رضيتم به ٤٥١ - المجلد الثامن / القسم التاسع : الآراء حول شخصيّة الإمام علىّ / الفصل التاسع : علىّ عن لسان الأعيان / مُعاويَةُ بن يَزيدِ بن مُعاويَة
عليكم فولّوه ، فلقد خلعت بيعتى من أعناقكم . . . . والله لئن كانت الخلافة مغنماً لقد نال أبى منها مغرماً ومأثماً ، ولئن كانت سوءاً فحسبه منها ما أصابه . ثمّ نزل فدخل عليه أقاربه واُمّه ، فوجدوه يبكى ، فقالت له اُمّه : ليتك كنت حيضة ولم أسمع بخبرك !! فقال : وددتُ والله ذلك ، ثمّ قال : ويلى إن لم يرحمنى ربّى . ثمّ إنّ بنى اُميّة قالوا لمؤدّبه عمر المقصوص : أنت علّمته هذا ولقّنته إيّاه ، وصددته عن الخلافة ، وزيّنت له حبّ علىّ وأولاده ، وحملته علي ما وَسَمَنا به من الظلم ، وحسّنت له البدع حتي نطق بما نطق وقال ما قال ، فقال : والله ما فعلته ! ولكنّه مجبول ومطبوع علي حبّ علىّ ، فلم يقبلوا منه ذلك ، وأخذوه ودفنوه حيّاً حتي مات(١) . ٣٩٨٦ ـ تاريخ اليعقوبى : ثمّ ملك معاوية بن يزيد بن معاوية ، واُمّه اُمّ هاشم بنت أبى هاشم بن عُتبة بن ربيعة أربعين يوماً ، وقيل : بل أربعة أشهر ، وكان له مذهب جميل ، فخطب الناس ، فقال : أمّا بعد حمد الله والثناء عليه ، أيّها الناس! فإنّا بُلينا بكم وبُليتم بنا ، فما نجهل كراهتكم لنا وطعنكم علينا ، ألا وإنّ جدّى معاوية بن أبى سفيان نازع الأمر من كان أولي به منه فى القرابة برسول الله ، وأحقّ فى الإسلام ، سابق المسلمين ، وأوّل المؤمنين ، وابن عمّ رسول ربّ العالمين ، وأبا بقيّة خاتم المرسلين ، فركب منكم ما تعلمون وركبتم منه ما لا تنكرون ، حتي أتته منيّته وصار رهناً بعمله ، ثمّ ٤٥٢ - المجلد الثامن / القسم التاسع : الآراء حول شخصيّة الإمام علىّ / الفصل التاسع : علىّ عن لسان الأعيان / النِّسائي
قُلّد أبى وكان غير خليق للخير ، فركب هواه ، واستحسن خطأه ، وعظم رجاؤه ، فأخلفه الأمل ، وقصر عنه الأجل ، فقلّت منعته ، وانقطعت مدّته ، وصار فى حفرته ، رهناً بذنبه ، وأسيراً بجرمه . ثمّ بكي ، وقال : إنّ أعظم الاُمور علينا علمنا بسوء مصرعه وقبح منقلبه ، وقد قتل عترة الرسول ، وأباح الحرمة ، وحرق الكعبة ، وما أنا المتقلّد اُموركم ، ولا المتحمّل تبعاتكم ، فشأنكم أمركم ، فوَ الله لئن كانت الدنيا مغنماً لقد نلنا منها حظّاً ، وإن تكن شرّاً فحسب آل أبى سفيان ما أصابوا منها(١) . ٩ / ٢٢ ٣٩٨٧ ـ فتح البارى : قال أحمد وإسماعيل القاضى والنسائى وأبو علىّ النيسابورى : لم يرد فى حقّ أحد من الصحابة بالأسانيد الجياد أكثر ممّا جاء فى (١) تاريخ اليعقوبى : ٢ / ٢٥٤ . ٤٥٣ - المجلد الثامن / القسم التاسع : الآراء حول شخصيّة الإمام علىّ / الفصل التاسع : علىّ عن لسان الأعيان / النَّظّام
علىّ(١) . ٩ / ٢٣ ٣٩٨٨ ـ الأمالى للطوسى عن الجاحظ عمرو بن بحر : سمعت النظّام يقول : علىّ ابن أبى طالب ¼ محنة علي المتكلّم ، إن وفاه حقّه غلا ، وإن بخسه حقّه أساء ، والمنزلة الوسطي دقيقة الوزن ، حادّة اللسان ، صعبة الترقّى ، إلاّ علي الحاذق الذكى(٣) . ٩ / ٢٤ ٣٩٨٩ ـ الفهرست ـ فى أخبار الواقدى ـ : هو الذى روي أنّ عليّاً ¼ كان من (١) فتح البارى : ٧ / ٧١ ، الصواعق المحرقة : ١٢٠ وفيه "الحسان" بدل "الجياد" وليس فيه "أحمد" . ٤٥٤ - المجلد الثامن / القسم التاسع : الآراء حول شخصيّة الإمام علىّ / الفصل التاسع : علىّ عن لسان الأعيان / يوسفُ بن عَبدِ البِرِّ
معجزات النبىّ ½ كالعصا لموسي ¼ وإحياء الموتي لعيسي بن مريم ¼ (١) . ٩ / ٢٥ ٣٩٩٠ ـ الاستيعاب : كان بنو اُميّة ينالون منه وينقصونه ، فما زاده الله بذلك إلاّ سموّاً وعلوّاً ومحبّةً عند العلماء(٣) . (١) الفهرست لابن النديم : ١١١ . |
||||||||||||||||||