http://www.imamsadeq.orgكتاب نهج البلاغة للإمام علي بن أبي طالب عليه السلام من ص 88 ـ 117 ص

( 88 )

100 ـ ومن خطبة له (عليه السلام)

عقائدية

1 . من صفات اللّه

الْحَمْدُ لِلّهِ النَّاشِرِ فِي الْخَلْقِ فَضْلَهُ، وَالْبَاسِطِ فِيهِمْ بِالْجُودِ يَدَهُ. نَحْمَدُهُ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ، وَ نَسْتَعِينُهُ عَلَى رِعَايَةِ حُقُوقِهِ، وَنَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ غَيْرُهُ.

2 . خصائص النّبىّ(صلى الله عليه وآله وسلم)

وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَرْسَلَهُ بِأَمْرِهِ صَادِعاً (ناطقاً)، وَبِذِكْرِهِ نِاطِقاً (قاطعاً). فَأَدَّى أَمِيناً، وَمَضَى رَشِيداً;  وَخَلَّفَ فِينَا رَايَةَ الْحَقِّ، مَنْ تَقَدَّمَهَا مَرَقَ، وَمَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا زَهَقَ، وَمَنْ لَزِمَهَا لَحِقَ، دَلِيلُهَا مَكِيثُ الْكَلاَمِ، بَطِيءُ الْقِيَامِ، سَرِيعٌ إِذَا قَامَ. فَإِذَا أَنْتُمْ أَلَنْتُمْ لَهُ رِقَابَكُمْ، وَأَشَرْتُمْ إِلَيْهِ بِأَصَابِعِكُمْ، جَاءَهُ الْمَوْتُ فَذَهَبَ بِهِ، فَلَبِثْتُمْ بَعْدَهُ مَا شَاءَ اللهُ حَتَّى يُطْلِعَ اللهُ لَكُمْ مَنْ يَجْمَعُكُمْ وَيَضُمُّ نَشْرَكُمْ. فَلاَ تَطْمَعُوا (تطعنوا) فِي غَيْرِ (عين) مُقْبِل، وَلاَ تَيْأَسُوا مِنْ مُدْبِر، فَإِنَّ الْمُدْبِرَ عَسَى أَنْ تَزِلَّ بِهِ إِحْدَى قَائِمَتَيْهِ، (قدميه) وَتَثْبُتَ الاُْخْرَى، فَتَرْجِعَا حَتَّى تَثْبُتَا جَمِيعاً.

3 . استمرار الامامة حتّى ظهور الحجّة (عج)

أَلاَ إِنَّ مَثَلَ آلِ مُحَمَّد(صلى الله عليه وآله وسلم)، كَمَثَلِ نُجُومِ السَّمَاءِ: إِذَا خَوَى نَجْمٌ طَلَعَ نَجْمٌ، فَكَأَنَّكُمْ قَدْ تَكَامَلَتْ مِنَ اللهِ فِيكُمُ الصَّنَائِعُ، وَأَرَاكُمْ (اتاكم) مَا كُنْتُمْ تَأْمُلُونَ.

 


( 89 )

101 ـ ومن خطبة له (عليه السلام)

عقائدية ، سياسية

(وهي من خطبة الّتى تشتمل على ذكر الملاحم)

1 . شكر و موعظة

الْحَمْدُ لِلّهِ الاَْوَّلِ قَبْلَ كُلِّ أَوَّل، وَالاْخِرِ بَعْدَ كُلِّ آخِر، وَبِأَوَّلِيَّتِهِ وَجَبَ أَنْ لاَ أَوَّلَ لَهُ، وَبِآخِرِيَّتِهِ وَجَبَ أَنْ لاَ آخِرَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ شَهَادَةً يُوَافِقُ فِيهَا السِّرُّ الاِْعْلاَنَ، وَالْقَلْبُ اللِّسَانَ. أَيُّهَا النَّاسُ، لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقي، وَلاَ يَسْتَهْوِيَنَّكُمْ عِصْيَانِي، وَلاَ تَتَرَامَوْا بِالاَْبْصَارِ عِنْدَمَا تَسْمَعُونَهُ مِنِّي.

2 . الإخبار عن حوادث عجيبة

فَوَ الَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ، وَبَرَأَ النَّسَمَةَ، إِنَّ الَّذِي أُنَبِّئُكُمْ بِهِ عَنِ النَّبِيِّ الاُْمِّيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، مَا كَذَبَ الْمُبَلِّغُ، وَلاَجَهِلَ السَّامِعُ. لَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلى ضِلِّيل قَدْ نَعَقَ بِالشَّامِ، وَفَحَصَ بِرَايَاتِهِ فِي ضَوَاحِي كُوفَانَ. فَإِذَا فَغَرَتْ فَاغِرَتُهُ، وَاشْتَدَّتْ شَكِيمَتُهُ، وَثَقُلَتْ فِي الاَْرْضِ وَطْأَتُهُ، عَضَّتِ الْفِتْنَةُ أَبْنَاءَهَا بِأَنْيَابِهَا، وَمَاجَتِ الْحَرْبُ بِأَمْوَاجِهَا، وَبَدَا مِنَ الاَْيَّامِ كُلُوحُهَا، وَمِنَ اللَّيَالِي كُدُوحُهَا. فَإِذَا أَيْنَعَ زَرْعُهُ، وَقَامَ عَلَى يَنْعِهِ (ساقه)، وَهَدَرَتْ شَقَاشِقُهُ، وَبَرَقَتْ بَوَارِقُهُ، عُقِدَتْ رَايَاتُ الْفِتَنِ الْمُعْضِلَةِ، وَأَقْبَلْنَ كَاللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، وَالْبَحْرِ الْمُلْتَطِمِ. هذَا، وَكَمْ يَخْرِقُ الْكُوفَةَ مِنْ قَاصِف وَيَمُرُّ عَلَيْهَا مِنْ عَاصِف! وَعَنْ قَلِيل تَلْتَفُّ الْقُرُونُ بِالْقُرُونِ، وَيُحْصَدُ الْقَائِمُ، وَيُحْطَمُ الَْمحْصُودُ!


( 90 )

102 ـ ومن خطبة له (عليه السلام)

عقائدية ، سياسية

(و من كلام لَهُ يَجرى مجرى الخُطبة)

1 . صفة يوم القيامة

وَذلِكَ يَوْمٌ يَجْمَعُ اللهُ فِيهِ الاَْوَّلِينَ وَالاْخِرِينَ لِنِقَاشِ الْحِسَابِ وَجَزَاءِ الاَْعْمَالِ، خُضُوعاً، قِيَاماً، قَدْ أَلْجَمَهُمُ الْعَرَقُ، وَرَجَفَتْ بِهِمُ الاَْرْضُ، فَأَحْسَنُهُمْ حَالا مَنْ وَجَدَ لِقَدَمَيْهِ مَوْضِعاً، وَلِنَفْسِهِ مُتَّسِعاً.

2 . الإخبار عن مستقبل البصرة الدّامى

و منها : فِتَنٌ كَقِطَعِ الْلَّيْلِ الْمُظْلِمِ، لاَ تَقُومُ لَهَا قَائِمَةٌ، وَلاَ تُرَدُّ لَهَا رَايَةٌ، تَأْتِيكُمْ مَزْمُومَةً مَرْحُولَةً: يَحْفِزُهَا قَائِدُهَا وَيَجْهَدُهَا رَاكِبُهَا، أَهْلُهَا قَوْمٌ شَدِيدٌ كَلَبُهُمْ، قَلِيلٌ سَلَبُهُمْ. يُجَاهِدُهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ قَوْمٌ أَذِلَّةٌ عِنْدَ الْمُتَكَبِّرِينَ، فِي الاَْرْضِ مَجْهُولُونَ، وَفِي السَّمَاءِ مَعْرُوفُونَ. فَوَيْلٌ لَكِ يَا بَصْرَةُ عِنْدَ ذلِكَ، مِنْ جَيْش مِنْ نِقَمِ اللهِ! لاَ رَهَجَ لَهُ، وَلاَ حَسَّ، وَسَيُبْتَلى أَهْلُكِ بِالْمَوْتِ الاَْحْمَرِ، وَالْجُوعِ الاَْغْبَرِ!

103 ـ ومن خطبة له (عليه السلام)

اخلاقية ، سياسية ، عقائدية

1 . كيفيّة مواجهة الدّنيا

أَيُّهَا النَّاسُ، انْظُرُوا إِلَى الدُّنْيَا نَظَرَ الزَّاهِدِينَ فِيهَا، الصَّادِفِينَ (المعرضين) عَنْهَا; فَإِنَّهَا وَاللهِ عَمَّا قَلِيل تُزِيلُ الثَّاوِيَ السَّاكِنَ، وَتَفْجَعُ الْمُتْرَفَ الاْمِنَ; لاَ يَرْجِعُ مَا تَوَلَّى مِنْهَا فَأَدْبَرَ، وَلاَ يُدْرَى مَا هُوَ آت مِنْهَا فَيُنْتَظَرَ. سُرُورُهَا مَشُوبٌ (مشرب) بِالْحُزْنِ، وَجَلَدُ الرِّجَالِ فِيهَا إِلَى الضَّعْفِ وَالْوَهْنِ، فَلاَ يَغُرَّنَّكُمْ كَثْرَةُ مَا يُعْجِبُكُمْ فِيهَا لِقِلَّةِ مَا يَصْحَبُكُمْ مِنْهَا. رَحِمَ اللهُ امْرَأً تَفَكَّرَ فَاعْتَبَرَ، وَاعْتَبَرَ فَأَبْصَرَ (أقصر)، فَكَأَنَّ مَا


( 91 )
هُوَ كَائِنٌ مِنَ الدُّنْيَا عَنْ قَلِيل لَمْ يَكُنْ، وَكَأَنَّ مَا هُوَ كَائِنٌ مِنَ الاْخِرَةِ عَمَّا قَلِيل لَمْ يَزَلْ، وَكُلُّ مَعْدُود مُنْقَض، وَكُلُّ مُتَوَقَّع آت، وَكُلُّ آت قَرِيبٌ دَان.

2 . منزلة العالِم

و منها : الْعَالِمُ مَنْ عَرَفَ قَدْرَهُ، وَكَفَى بِالْمَرْءِ جَهْلا أَلاَّ يَعْرِفُ قَدْرَهُ; وَإِنَّ مِنْ أَبْغَضِ الرِّجَالِ إِلَى اللهِ تَعَالى لَعَبْداً وَكَلَهُ اللهُ إِلَى نَفْسِهِ، جَائِراً عَنْ قَصْدِ السَّبِيلِ، سَائِراً بِغَيْرِ دَلِيل; إِنْ دُعِيَ إِلَى حَرْثِ الدُّنْيَا عَمِلَ، وَإِنْ دُعِيَ إِلَى حَرْثِ الاْخِرَةِ كَسِلَ! كَأَنَّ مَا عَمِلَ لَهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ; وَ كَأَنَّ مَا وَنَى فِيهِ سَاقِطٌ عَنْهُ!

3 . حديث عن المستقبل

ومنها : وَذلِكَ زَمَانٌ لاَ يَنْجُو فِيهِ إِلاَّ كُلُّ مُؤْمِن نُوَمَة، «إِنْ شَهِدَ لَمْ يُعْرَفْ، وَإِنْ غَابَ لَمْ يُفْتَقَدْ، أُولَئِكَ مَصَابِيحُ الْهُدَى» وَأَعْلاَمُ السُّرَى، لَيْسُوا بِالْمَسَايِيحِ، وَلاَ الْمَذَايِيعِ الْبُذُرِ، أُولَئِكَ يَفْتَحُ اللهُ لَهُمْ أَبْوَابَ رَحْمَتِهِ، وَيَكْشِفُ عَنْهُمْ ضَرَّاءَ نِقْمَتِهِ. أَيُّهَا النَّاسُ، سَيَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ يُكْفَأُ فِيهِ الاِْسْلاَمُ، كَمَا يُكْفَأُ الاِْنَاءُ بِمَا فِيهِ. أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللهَ قَدْ أَعَاذَكُمْ مِنْ أَنْ يَجُورَ عَلَيْكُمْ، وَلَمْ يُعِذْكُمْ مِنْ أَنْ يَبْتَلِيكُمْ، وَقَدْ قَالَ جَلَّ مِنْ قَائِل : (إِنَّ فِي ذلِكَ لاَيَات وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ).(1)

أما قوله(عليه السلام): «كلّ مؤمِن نُوَمَة» فإنما أراد به الخامل الذكر القليل الشر، والمساييح: جمع مسياح، وهو الذي يسيح بين الناس بالفساد والنمائم، والمذاييع: جمع مذياع، وهو الذي إذا سمع لغيره بفاحشة أذاعها، ونوّه بها، والبُذُرُ: جمع بَذُور وهو الذي يكثر سفهه ويلغو منطقه.

 

ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . المؤمنون: 30.

( 92 )

104 ـ ومن خطبة له (عليه السلام)

عقائدية

مكاسب لبعثة النّبىّ(صلى الله عليه وآله وسلم)

أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ اللهَ سُبْحانَهُ بَعَثَ مُحَمَّداً (صلى الله عليه وآله وسلم) وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الْعَرَبِ يَقْرَأُ كِتَاباً، وَلاَ يَدَّعِي نُبُوَّةً وَلاَ وَحْياً. فَقَاتَلَ بِمَنْ أَطَاعَهُ مَنْ عَصَاهُ، يَسُوقُهُمْ إِلَى مَنْجَاتِهِمْ; وَيُبَادِرُ بِهِمُ السَّاعَةَ أَنْ تَنْزِلَ بِهِمْ، يَحْسِرُ الْحَسِيرُ، وَيَقِفُ الْكَسِيرُ، فَيُقِيمُ عَلَيْهِ حَتَّى يُلْحِقَهُ غَايَتَهُ، إِلاَّ هَالِكاً لاَخَيْرَ فِيهِ، حَتَّى أَرَاهُمْ مَنْجَاتَهُمْ وَبَوَّأَهُمْ مَحَلَّتَهُمْ، فَاسْتَدَارَتْ رَحَاهُمْ (رخاهم)، وَاسْتَقَامَتْ قَنَاتُهُمْ وَايْمُ اللهِ، لَقَدْ كُنْتُ مِنْ سَاقَتِهَا حَتَّى تَوَلَّتْ بِحَذَافِيرِهَا، وَاسْتَوْسَقَتْ فِي قِيَادِهَا; مَاضَعُفْتُ، وَلاَ جَبُنْتُ، وَلاَ خُنْتُ، وَلاَ وَهَنْتُ. وَايْمُ اللهِ لاََبْقُرَنَّ الْبَاطِلَ حَتَّى أُخْرِجَ الْحَقَّ مِنْ خَاصِرَتِهِ!

وقد تقدم مختار هذه الخطبة، إلا أنني وجدتها في هذه الرواية على خلاف ما سبق من زيادة ونقصان، فأوجبت الحال إثباتها ثانية.

105 ـ ومن خطبة له (عليه السلام)

عقائدية ، سياسية ، اخلاقية

1 . خصائص النّبىّ(صلى الله عليه وآله وسلم)

حَتَّى بَعَثَ اللهُ مُحَمَّداً (صلى الله عليه وآله وسلم) ، شَهِيداً، وَبَشِيراً، وَنَذِيراً، خَيْرَ الْبَرِيَّةِ طِفْلا، وَأَنْجَبَهَا كَهْلا، وَأَطْهَرَ الْمُطَهَّرِينَ شِيمَةً، وَأَجْوَدَ الْمُسْتَمْطَرِينَ دِيمَةً.


( 93 )

2 . تحذير من المستقبل المظلم بنى اميّة

فَمَا احْلَوْلَتْ لَكُمُ الدُّنْيَا فِي لَذَّتِهَا، وَلاَ تَمَكَّنْتُمْ مِنْ رَضَاعِ أَخْلاَفِهَا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا صَادَفْتُمُوهَا جَائِلا خِطَامُهَا، قَلِقاً وَضِينُهَا، قَدْ صَارَ حَرَامُهَا عِنْدَ أَقْوَام بِمَنْزِلَةِ السِّدْرِ الَْمخْضُودِ، وَحَلاَلُهَا بَعِيداً غَيْرَ مَوْجُود، وَصَادَفْتُمُوهَا. وَاللهِ، ظِلاًّ مَمْدُوداً إِلَى أَجَل مَعْدُود. فَالاَْرْضُ لَكُمْ شَاغِرَةٌ، وَأَيْدِيكُمْ فِيهَا مَبْسُوطَةٌ; وَأَيْدِي الْقَادَةِ عَنْكُمْ مَكْفُوفَةٌ، وَسُيُوفُكُمْ عَلَيْهِمْ مُسَلَّطَةٌ، وَسُيُوفُهُمْ عَنْكُمْ مَقْبُوضَةٌ. أَلاَ وَإِنَّ لِكُلِّ دَم ثَائِراً، وَلِكُلِّ حَقٍّ طَالِباً. وَإِنَّ الثَّائِرَ فِي دِمَائِنَا كَالْحَاكِمِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ، وَهُوَ اللهُ الَّذِي لاَ يُعْجِزُهُ مَنْ طَلَبَ، وَلاَ يَفُوتُهُ مَنْ هَرَبَ. فَأُقْسِمُ بِاللهِ، يَابَنِي أُمَيَّةَ، عَمَّا قَلِيل لَتَعْرِفُنَّهَا فِي أَيْدِي غَيْرِكُمْ وَفِي دَارِ عَدُوِّكُمْ! أَلاَ إِنَّ أَبْصَرَ الاَْبْصَارِ مَا نَفَذَ فِي الْخَيْرِ طَرْفُهُ! أَلاَ إِنَّ أَسْمَعَ الاَْسْمَاعِ مَا وَعَى التَّذْكِيرَ وَقَبِلَهُ!

3 . نصائح خالدة

أَيُّهَا النَّاسُ، اسْتَصْبِحُوا مِنْ شُعْلَةِ مِصْبَاح وَاعِظ مُتَّعِظ، وَامْتَاحُوا مِنْ صَفْوِ عَيْن قَدْ رُوِّقَتْ مِنَ الْكَدَرِ. عِبَادَ اللهِ، لاَ تَرْكَنُوا إِلَى جَهَالَتِكُمْ، وَلاَ تَنْقَادُوا لاَِهْوَائِكُمْ، فَإِنَّ النَّازِلَ بَهذَا الْمَنْزِلِ نَازِلٌ بِشَفَا جُرُف هَار، يَنْقُلُ الرَّدَى عَلَى ظَهْرِهِ مِنْ مَوْضِع إِلَى مَوْضِع، لِرَأْي يُحْدِثُهُ بَعْدَ رَأْي; يُرِيدُ أَنْ يُلْصِقَ مَالاَ يَلْتَصِقُ، وَيُقَرِّبَ مَالاَ يَتَقَارَبُ! فَاللهَ اللهَ أَنْ تَشْكُوا إِلَى مَنْ لاَ يُشْكِي (لايبكى) شَجْوَكُمْ، وَلاَ يَنْقُضُ بِرَأْيِهِ مَا قَدْ أَبْرَمَ لَكُمْ. إِنَّهُ لَيْسَ عَلَى الاِْمَامِ إِلاَّ مَا حُمِّلَ مِنْ أَمْرِ رَبِّهِ: الاِْبْلاَغُ فِي الْمَوْعِظَةِ، وَالاِْجْتِهَادُ فِي النَّصِيحَةِ، وَالاِْحْيَاءُ لِلسُّنَّةِ، وَإِقَامَةُ الْحُدُودِ عَلَى مُسْتَحِقِّيهَا، وَإِصْدَارُ السُّهْمَانِ عَلَى أَهْلِهَا. فَبَادِرُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِ تَصْوِيحِ نَبْتِهِ، وَمِنْ قَبْلِ أَنْ تُشْغَلُوا بِأَنْفُسِكُمْ عَنْ مُسْتَثَارِ الْعِلْمِ مِنْ عِنْدِ أَهْلِهِ، وَانْهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَتَنَاهَوْا عَنْهُ، فَإِنَّمَا أُمِرْتُمْ بِالنَّهْي بَعْدَ التَّنَاهِي!


( 94 )

106 ـ ومن خطبة له (عليه السلام)

عقائدية ، سياسية

1 . تعريف جامع لِلإسلام

الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي شَرَعَ الاِْسْلاَمَ فَسَهَّلَ شَرَائِعَهُ لِمَنْ وَرَدَهُ، وَأَعَزَّ أَرْكَانَهُ عَلَى مَنْ غَالَبَهُ، فَجَعَلَهُ أَمْناً لِمَنْ عَلِقَهُ، وَسِلْماً لِمَنْ دَخَلَهُ (عقله)، وَبُرْهَاناً لِمَنْ تَكَلَّمَ بِهِ، وَشَاهِداً لِمَنْ خَاصَمَ عَنْهُ، وَنُوراً لِمَنِ اسْتَضَاءَ بِهِ، وَفَهْماً لِمَنْ عَقَلَ، وَلُبّاً لِمَنْ تَدَبَّرَ، وَآيَةً لِمَنْ تَوَسَّمَ، وَتَبْصِرَةً لِمَنْ عَزَمَ، وَعِبْرَةً لِمَنِ اتَّعَظَ، وَنَجَاةً لِمَنْ صَدَّقَ، وَثِقَةً لِمَنْ تَوَكَّلَ، وَرَاحَةً لِمَنْ فَوَّضَ، وَجُنَّةً لِمَنْ صَبَرَ. فَهُوَ أَبْلَجُ الْمَنَاهِجِ وَأَوْضَحُ (واضح) الْوَلاَئِجِ; مُشْرَفُ الْمَنَارِ، مُشْرِقُ الْجَوَادِّ، مُضِيءُ الْمَصَابِيحِ، كَرِيمُ الْمِضْمَارِ، رَفِيعُ الْغَايَةِ، جَامِعُ الْحَلْبَةِ، مُتَنَافِسُ السُّبْقَةِ، شَرِيفُ الْفُرْسَانِ. التَّصْدِيقُ مِنْهَاجُهُ، وَالصَّالِحَاتُ مَنَارُهُ، وَالْمَوْتُ غَايَتُهُ، وَالدُّنْيَا مِضْمَارُهُ، وَالْقِيَامَةُ حَلْبَتُهُ، وَالْجَنَّةُ سُبْقَتُهُ.

2 . الدّعاء للنّبىّ(صلى الله عليه وآله وسلم)

حَتَّى أَوْرَى قَبَساً لِقَابِس، وَأَنَارَ عَلَماً لِحَابِس. فَهُوَ أَمِينُكَ الْمَأْمُونُ، وَشَهِيدُكَ يَوْمَ الدِّينِ، وَبَعِيثُكَ نِعْمَةً وَرَسُولُكَ بِالْحَقِّ رَحْمَةً. اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَهُ مَقْسَماً مِنْ عَدْلِكَ، وَاجْزِهِ مُضَعَّفَاتِ الْخَيْرِ مِنْ فَضْلِكَ. اللَّهُمَّ أَعْلِ عَلَى بِنَاءِ الْبَانِينَ (النّاس) بِنَاءَهُ! وَأَكْرِمْ لَدَيْكَ نُزُلَهُ، وَشَرِّفْ عِنْدَكَ مَنْزِلَهُ، وَآتِهِ الْوَسِيلَةَ، وَأَعْطِهِ السَّنَاءَ وَالْفَضِيلَةَ، وَاحْشُرْنَا فِي زُمْرَتِهِ غَيْرَ خَزَايَا، وَلاَ نَادِمِينَ، وَلاَ نَاكِبِينَ، وَلاَ نَاكِثِينَ، وَلاَ ضَالِّينَ، وَلاَ مُضِلِّينَ، وَلاَ مَفْتُونِينَ.

وقد مضى هذا الكلام فيما تقدم، إلا أننا كررناه هاهنا لما في الروايتين من الاختلاف.


( 95 )

3 . ثمرات البعثة المحمدية

وَقَدْ بَلَغْتُمْ مِنْ كَرَامَةِ اللهِ تَعَالى لَكُمْ مَنْزِلَةً تُكْرَمُ بِهَا إِمَاؤُكُمْ، وَتُوصَلُ بِهَا جِيرَانُكُمْ، وَيُعَظِّمُكُمْ مَنْ لاَ فَضْلَ لَكُمْ عَلَيْهِ، وَلاَ يَدَ لَكُمْ عِنْدَهُ، وَيَهَابُكُمْ مَنْ لاَ يَخَافُ لَكُمْ سَطْوَةً، وَلاَ لَكُمْ عَلَيْهِ إِمْرَةٌ.

4 . أسباب سقوط الأمّة

وَقَدْ تَرَوْنَ عُهُودَ اللهِ مَنْقُوضَةً فَلاَ تَغْضَبُونَ! وَأَنْتُمْ لِنَقْضِ ذِمَمِ آبَائِكُمْ تَأْنَفُونَ! وَكَانَتْ أُمُورُ اللهِ عَلَيْكُمْ تَرِدُ، وَعَنْكُمْ تَصْدُرُ، وَإِلَيْكُمْ تَرْجِعُ. فَمَـكَّنْتُمُ الظَّلَمَةَ مِنْ مَنْزِلَتِكُمْ، وَأَلْقَيْتُمْ إِلَيْهِمْ أَزِمَّتَكُمْ، وَأَسْلَمْتُمْ أُمُورَ اللهِ فِي أَيْدِيهِمْ، يَعْمَلُونَ بِالشُّبُهَاتِ، وَيَسِيرُونَ فِي الشَّهَواتِ، وَايْمُ اللهِ، لَوْ فَرَّقُوكُمْ تَحْتَ كُلِّ كَوْكَب، لَجَمَعَكُمُ اللهُ لِشَرِّ يَوْم لَهُمْ !

107 ـ ومن كلام له (عليه السلام)

عسكري ، سياسي

في بعض أيام صفين

الشكوى من ضعف اصحابه في صفين

وَقَدْ رَأَيْتُ جَوْلَتَكُمْ، وَانْحِيَازَكُمْ عَنْ صُفُوفِكُمْ، تَحُوزُكُمُ الْجُفَاةُ الطَّغَامُ (الطّغاة)، وَأَعْرَابُ أَهْلِ الشَّامِ، وَأَنْتُمْ لَهَامِيمُ الْعَرَبِ، وَيَآفِيخُ الشَّرَفِ، وَالاَْنْفُ الْمُقَدَّمُ، وَالسَّنَامُ الاَْعْظَمُ. وَلَقَدْ شَفَى وَ حَاوِحَ صَدْرِي أَنْ رَأَيْتُكُمْ بِأَخَرَة تَحُوزُونَهُمْ كَمَا حَازُوكُمْ، وَتُزِيلُونَهُمْ عَنْ مَوَاقِفِهِمْ كَمَا أَزَالُوكُمْ; حَسّاً (حَشّاً) بِالنِّصَالِ، وَشَجْراً (شَجواً) بِالرِّمَاحِ; تَرْكَبُ أُولاَهُمْ أُخْرَاهُمْ كَالاِْبِلِ الْهِيمِ الْمَطْرُودَةِ; تُرْمَى عَنْ حِيَاضِهَا; وَتُذَادُ عَنْ مَوَارِدِهَا!


( 96 )

108 ـ ومن خطبة له (عليه السلام)

عقائدية ، سياسية

(وهي من خطب الملاحم)

حكومة بني اميّة

1 . معرفة الله

الْحَمْدُ لِلّهِ الْمُتَجَلِّي لِخَلْقِهِ بِخَلْقِهِ، وَالظَّاهِرِ لِقُلُوبِهِمْ بِحُجَّتِهِ. خَلَقَ الْخَلْقَ مِنْ غَيْرِ رَوِيَّة، إِذْ كَانَتِ الرَّوِيَّاتُ لاَ تَلِيقُ إِلاَّ بِذَوِي الضَّمَائِرِ وَلَيْسَ بِذِي ضَمِير فِي نَفْسِهِ. خَرَقَ عِلْمُهُ بَاطِنَ غَيْبِ السُّتُرَاتِ، وَأَحَاطَ بِغُمُوضِ عَقَائِدِ السَّرِيرَاتِ. ومنها في ذكر النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ;

2 . خصائص النَّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)

اخْتَارَهُ مِنْ شَجَرَةِ الاَْنْبِيَاءِ، وَمِشْكَاةِ الضِّيَاءِ، وَذُؤَابَةِ الْعَلْيَاءِ، وَسُرَّةِ الْبَطْحَاءِ، وَمَصَابِيحِ الظُّلْمَةِ، وَيَنَابِيعِ الْحِكْمَةِ. ومنها : طَبِيبٌ دَوَّارٌ بِطِبِّهِ، قَدْ أَحْكَمَ مَرَاهِمَهُ، وَأَحْمَى (امضى) مَوَاسِمَهُ، يَضَعُ ذلِكَ حَيْثُ الْحَاجَةُ إِلَيْهِ، مِنْ قُلُوب عُمْي، وَآذَان صُمٍّ، وَأَلْسِنَة بُكْم; مُتَتَبِّعٌ بِدَوَائِهِ مَوَاضِعَ الْغَفْلَةِ، وَمَوَاطِنَ الْحَيْرَةِ.

3 . علل انحراف بني اميّة

لَمْ يَسْتَضِيئُوا بِأَضْوَاءِ الْحِكْمَةِ; وَلَمْ يَقْدَحُوا بِزِنَادِ الْعُلُومِ الثَّاقِبَةِ; فَهُمْ فِي ذلِكَ كَالاَْنْعَامِ السَّائِمَةِ، وَالصُّخُورِ الْقَاسِيَةِ. قَدِ انْجَابَتِ السَّرَائِرُ لاَِهْلِ الْبَصَائِرِ، وَوَضَحَتْ مَحَجَّةُ الْحَقِّ لِخَابِطِهَا (لأهلها)، وَأَسْفَرَتِ السَّاعَةُ عَنْ وَجْهِهَا، وَظَهَرَتِ الْعَلاَمَةُ لِمُتَوَسِّمِهَا.

4 . توبيخ اهل الكوفة

مَا لِي أَرَاكُمْ أَشْبَاحاً بِلاَ أَرْوَاح، وَ أَرْوَاحاً بِلاَ أَشْبَاح، وَنُسَّاكاً بِلاَ صَلاَح، وَتُجَّاراً بِلاَ أَرْبَاح،


( 97 )
وَأَيْقَاظاً نُوَّماً، وَشُهُوداً غُيَّباً، وَنَاظِرَةً عَمْيَاءَ، وَسَامِعَةً صَمَّاءَ، وَنَاطِقَةً بَكْمَاءَ!  رَايَةُ ضَلاَل قَدْ قَامَتْ عَلَى قُطْبِهَا، وَتَفَرَّقَتْ بِشُعَبِهَا، تَكِيلُكُمْ بِصَاعِهَا، وَتَخْبِطُكُمْ بِبَاعِهَا. قَائِدُهَا خَارِجٌ مِنَ الْمِلَّةِ، قَائِمٌ عَلَى الضِّلَّةِ.

5 . الإخبار عن عَسف بني اميّة

فَلاَ يَبْقَى يَوْمَئِذ مِنْكُمْ إِلاَّ ثُفَالَةٌ كَثُفَالَةِ الْقِدْرِ، أَوْ نُفَاضَةٌ كَنُفَاضَةِ الْعِكْمِ، تَعْرُكُكُمْ عَرْكَ الاَْدِيمِ، وَتَدُوسُكُمْ دَوْسَ الْحَصِيدِ، وَتَسْتَخْلِصُ الْمُؤْمِنَ مِنْ بَيْنِكُمُ اسْتِخْلاَصَ الطَّيْرِ الْحَبَّةَ (الجبّة) الْبَطِينَةَ مِنْ بَيْنِ هَزِيلِ الْحَبِّ.

6 . التاكيد على طاعة اهل البيت(عليهم السلام)

أَيْنَ تَذْهَبُ بِكُمُ الْمَذَاهِبُ، وَتَتِيهُ بِكُمُ الْغَيَاهِبُ وَتَخْدَعُكُمُ الْكَوَاذِبُ؟ وَمِنْ أَيْنَ تُؤْتَوْنَ، وَ أَنَّى تُؤْفَكُونَ؟ فَلِكُلِّ أَجَل كِتَابٌ، وَلِكُلِّ غَيْبَة إيَابٌ. فَاسْتَمِعُوا مِنْ رَبَّانِيِّكُمْ، وَأَحْضِرُوهُ قُلُوبَكُمْ، وَاسْتَيْقِظُوا إِنْ هَتَفَ بِكُمْ. وَلْيَصْدُقْ رَائِدٌ أَهْلَهُ، وَلْيَجْمَعْ شَمْلَهُ، وَلْيُحْضِرْ ذِهْنَهُ (عقله)، فَلَقَدْ فَلَقَ لَكُمُ الاَْمْرَ فَلْقَ الْخَرَزَةِ (الجوزة)، وَقَرَفَهُ قَرْفَ الصَّمْغَةِ.

7 . الإخبار عن مسخ القيّم في حكومة بني اميّة

فَعِنْدَ ذلِكَ أَخَذَ الْبَاطِلُ مَآخِذَهُ، وَرَكِبَ الْجَهْلُ مَرَاكِبَهُ، وَعَظُمَتِ الطَّاغِيَةُ، وَقَلَّتِ الدَّاعِيَةُ (الرّاعية)، وَصَالَ الدَّهْرُ صِيَالَ السَّبُعِ الْعَقُورِ، وَهَدَرَ فَنِيقُ الْبَاطِلِ بَعْدَ كُظُوم، وَتَوَاخَى النَّاسُ عَلَى الْفُجُورِ، وَتَهَاجَرُوا عَلَى الدِّينِ، وَتَحَابُّوا عَلَى الْكَذِبِ، وَتَبَاغَضُوا عَلَى الصَّدْقِ. فَإِذَا كَانَ ذلِكَ كَانَ الْوَلَدُ غَيْظاً وَالْمَطَرُ قَيْظاً وَتفِيضُ اللِّئَامُ فَيْضَاً وَتَغيضُ الْكِرَامُ غَيْضاً، وَكَانَ أَهْلُ ذلِكَ الزَّمَانِ ذِئَاباً، وَسَلاَطِينُهُ سِبَاعاً، وَأَوْسَاطُهُ أُكَّالا، وَفُقَرَاؤُهُ أَمْوَاتاً;  وَغَارَ (عَارَ) الصِّدْقُ، وَفَاضَ الْكَذِبُ، وَاسْتُعْمِلَتِ الْمَوَدَّةُ بِاللِّسَانِ، وَتَشَاجَرَ النَّاسُ بِالْقُلُوبِ، وَصَارَ الْفُسُوقُ نَسَباً، وَالْعَفَافُ عَجَباً، وَلُبِسَ الاِْسْلاَمُ لُبْسَ الْفَرْوِ مَقْلُوباً.


( 98 )

109 ـ ومن خطبة له (عليه السلام)

عقائدية ، اخلاقية ، سياسية

1 . قدرة الله تعالى

كُلُّ شَيْء خَاشِعٌ لَهُ، وَكُلُّ شَيْء قَائِمٌ بِهِ: غِنى كُلِّ فَقِير، وَعِزُّ كُلِّ ذَلِيل، وَقُوَّةُ كُلِّ ضَعِيف، وَمَفْزَعُ كُلِّ مَلْهُوف. مَنْ تَكَلَّمَ سَمِعَ نُطْقَهُ، وَمَنْ سَكَتَ عَلِمَ سِرَّهُ، وَمَنْ عَاشَ فَعَلَيْهِ رِزْقُهُ، وَمَنْ مَاتَ فَإِلَيْهِ مُنْقَلَبُهُ. لَمْ تَرَكَ الْعُيُونُ فَتُخْبِرَ عَنْكَ، بَلْ كُنْتَ قَبْلَ الْوَاصِفِينَ مِنْ خَلْقِكَ. لَمْ تَخْلُقِ الْخَلْقَ لِوَحْشَة، وَلاَ اسْتَعْمَلْتَهُمْ لِمَنْفَعَة، وَلاَ يَسْبِقُكَ مَنْ طَلَبْتَ، وَلاَ يُفْلِتُكَ مَنْ أَخَذْتَ، وَلاَ يَنْقُصُ سُلْطَانَكَ مَنْ عَصَاكَ، وَلاَ يَزِيدُ فِي مُلْكِكَ مَنْ أَطَاعَكَ، وَلاَ يَرُدُّ أَمْرَكَ مَنْ سَخِطَ قَضَاءَكَ، وَلاَ يَسْتَغْنِي عَنْكَ مَنْ تَوَلَّى عَنْ أَمْرِكَ. كُلُّ سِرٍّ عِنْدَكَ عَلاَنِيَةٌ، وَكُلُ غَيْب عِنْدَكَ شَهَادَةٌ. أَنْتَ الاَْبَدُ فَلاَ أَمَدَ لَكَ، وَأَنْتَ الْمُنْتَهَى فَلاَ مَحِيصَ عَنْكَ، وَأَنْتَ الْمَوْعِدُ فَلاَ مَنْجَى مِنْكَ إِلاَّ إِلَيْكَ. بِيَدِكَ نَاصِيَةُ كُلِّ دَابَّة، وَإِلَيْكَ مَصِيرُ كُلِّ نَسَمَة. سُبْحانَكَ مَا أَعْظَمَ شَأْنَكَ! سُبْحانَكَ مَا أَعْظَمَ مَا نَرَى مِنْ خَلْقِكَ! وَمَا أَصْغَرَ كُلَّ عَظِيمَة فِي جَنْبِ قُدْرَتِكَ! وَمَا أَهْوَلَ مَا نَرَى مِنْ مَلَكُوتِكَ! وَمَا أَحْقَرَ ذلِكَ فِيَما غَابَ عَنَّا مِنْ سُلْطَانِكَ! وَمَا أَسْبَغَ نِعَمَكَ فِي الدُّنْيَا وَمَا أَصْغَرَهَا فِي نِعَمِ الاْخِرَةِ!

2 . صفات الملائكة

ومنها : مِنْ مَلاَئِكَة أَسْكَنْتَهُمْ سَمَاوَاتِكَ، وَرَفَعْتَهُمْ عَنْ أَرْضِكَ; هُمْ أَعْلَمُ خَلْقِكَ بِكَ، وَأَخْوَفُهُمْ لَكَ، وَأَقْرَبُهُمْ مِنْكَ. لَمْ يَسْكُنُوا الاَْصْلاَبَ، وَلَمْ يُضَمَّنُوا الاَْرْحَامَ، وَلَمْ يُخْلَقُوا (مِنْ مَاء مَهِين)، وَلَمْ يَتَشَعَّبْهُمْ (رَيْبُ الْمَنُونِ); وَإِنَّهُمْ عَلَى مَكَانِهِمْ مِنْكَ، وَمَنْزِلَتِهِمْ عِنْدَكَ، وَاسْتِجْمَاعِ أَهْوَائِهِمْ فِيكَ، وَكَثْرَةِ طَاعَتِهِمْ لَكَ، وَقِلَّةِ غَفْلَتِهِمْ عَنْ أَمْرِكَ. لَوْ عَايَنُوا كُنْهَ مَا خَفِيَ عَلَيْهِمْ مِنْكَ لَحَقَّرُوا أَعْمَالَهُمْ، وَلَزَرَوْا عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَلَعَرَفُوا أَنَّهُمْ لَمْ يَعْبُدُوكَ حَقَّ عِبَادَتِكَ، وَلَمْ يُطِيعُوكَ حَقَّ طَاعَتِكَ.


( 99 )

3 . النّعم الالهيّة

سُبْحانَكَ خَالِقاً وَمَعْبُوداً! بِحُسْنِ بَلاَئِكَ عِنْدَ خَلْقِكَ خَلَقْتَ دَاراً، وَجَعَلْتَ فِيهَا مَأْدُبَةً: مَشْرَباً وَمَطْعَماً، وَأَزْوَاجاً وَخَدَماً، وَقُصُوراً، وَأَنْهَاراً، وَزُرُوعاً، وَثِمَاراً. ثُمَّ أَرْسَلْتَ دَاعِياً يَدْعُو إِلَيْهَا، فَلاَ الدَّاعِيَ أَجَابُوا، وَلاَ فِيَما رَغَّبْتَ رَغِبُوا، وَلاَ إِلَى مَا شَوَّقْتَ إِلَيْهِ اشْتَاقُوا. أَقْبَلُوا عَلَى جِيفَة قَدِ افْتَضَحُوا بِأَكْلِهَا، وَاصْطَلَحُوا عَلَى حُبِّهَا.

4 . اخطار العشق المجازي

وَمَنْ عَشِقَ شَيْئاً أَعْشَى (أعمى) بَصَرَهُ، وَأَمْرَضَ قَلْبَهُ، فَهُوَ يَنْظُرُ بِعَيْن غَيْرِ صَحِيحَة، وَيَسْمَعُ بِأُذُن غَيْرِ سَمِيعَة، قَدْ خَرَقَتِ الشَّهَوَاتُ عَقْلَهُ، وَأَمَاتَتِ الدُّنْيَا قَلْبَهُ، وَوَلِهَتْ عَلَيْهَا نَفْسُهُ، فَهُوَ عَبْدٌ لَهَا، وَلِمَنْ فِي يَدَيْهِ شَيْءٌ مِنْهَا، حَيْثَُما زَالَتْ زَالَ إِلَيْهَا، وَحَيْثَُما أَقْبَلَتْ أَقْبَلَ عَلَيْهَا; لاَ يَنْزَجِرُ مِنَ اللهِ بِزَاجِر، وَلاَ يَتَّعِظُ مِنْهُ بِوَاعِظ، وَهُوَ يَرَى الْمَأْخُوذِينَ عَلَى الْغِرَّةِ، حَيْثُ لاَ إِقَالَةَ وَلاَ رَجْعَةَ.

كَيْفَ نَزَلَ بِهِمْ مَا كَانُوا يَجْهَلُونَ، وَجَاءَهُمْ مِنْ فِرَاقِ الدُّنْيَا مَا كَانُوا يَأْمَنُونَ، وَقَدِمُوا مِنَ الاْخِرَةِ عَلَى مَا كَانُوا يُوعَدُونَ. فَغَيْرُ مَوْصُوف مَا نَزَلَ بِهِمْ.

5 . احوال ما قبل الموت

اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِمْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ وَحَسْرَةُ الْفَوْتِ، فَفَتَرَتْ لَهَا أَطْرَافُهُمْ، وَتَغَيَّرَتْ لَهَا أَلْوَانُهُمْ، ثُمَّ ازْدَادَ الْمَوْتُ فِيهِمْ وُلُوجاً، فَحِيلَ بَيْنَ أَحَدِهِمْ وَبَيْنَ مَنْطِقِهِ، وَإِنَّهُ لَبَيْنَ أَهْلِهِ يَنْظُرُ بِبَصَرِهِ، وَيَسْمَعُ بِأُذُنِهِ، عَلَى صِحَّة مِنْ عَقْلِهِ، وَبَقَاء مِنْ لُبِّهِ، يُفَكِّرُ فِيمَ أَفْنَى عُمْرَهُ، وَفِيمَ أَذْهَبَ دَهْرَهُ! وَيَتَذَكَّرُ أَمْوَالا جَمَعَهَا، أَغْمَضَ فِي مَطَالِبِهَا، وَأَخَذَهَا مِنْ مُصَرَّحَاتِهَا وَمُشْتَبِهَاتِهَا، قَدْ لَزِمَتْهُ تَبِعَاتُ جَمْعِهَا، وَأَشْرَفَ عَلَى فِرَاقِهَا، تَبْقَى لِمَنْ وَرَاءَهُ يَنْعَمُونَ فِيهَا، وَيَتَمَتَّعُونَ بِهَا، فَيَكُونُ الْمَهْنَأُ لِغَيْرِهِ، وَالْعِبْءُ عَلَى ظَهْرِهِ. وَالْمَرْءُ قَدْ غَلِقَتْ (علقت) رُهُونُهُ بِهَا، فَهُوَ يَعَضُّ يَدَهُ نَدَامَةً عَلَى مَا أَصْحَرَ لَهُ عِنْدَ الْمَوْتِ مِنْ أَمْرِهِ، وَيَزْهَدُ فِيَما كَانَ يَرْغَبُ فِيهِ أَيَّامَ عُمُرِهِ. وَيَتَمَنَّى أَنَّ الَّذِي كَانَ يَغْبِطُهُ بِهَا وَيَحْسُدُهُ عَلَيْهَا قَدْ حَازَهَا دُونَهُ! فَلَمْ يَزَلِ


( 100 )
الْمَوْتُ يُبَالِغُ فِي جَسَدِهِ حَتَّى خَالَطَ لِسَانُهُ سَمْعَهُ، فَصَارَ بَيْنَ أَهْلِهِ لاَ يَنْطِقُ بِلِسَانِهِ، وَلاَ يَسْمَعُ بِسَمْعِهِ: يُرَدِّدُ طَرْفَهُ بِالنَّظَرِ فِي وُجُوهِهِمْ، يَرَى حَرَكَاتِ أَلْسِنَتِهِمْ، وَلاَ يَسْمَعُ رَجْعَ كَلاَمِهِمْ. ثُمَّ ازْدَادَ (زاد) الْمَوْتُ الْتِيَاطاً بِهِ، فَقُبِضَ بَصَرُهُ كَمَا قُبِضَ سَمْعُهُ، وَخَرَجَتِ الرُّوحُ مِنْ جَسَدِهِ، فَصَارَ جِيفَةً بَيْنَ أَهْلِهِ، قَدْ أَوْحَشُوا مِنْ جَانِبِهِ، وَتَبَاعَدُوا مِنْ قُرْبِهِ. لاَ يُسْعِدُ (يعد) بَاكِياً، وَلاَ يُجِيبُ دَاعِياً. ثُمَّ حَمَلُوهُ إِلَى مَخَطٍّ (محطّ) فِي الاَْرْضِ، فَأَسْلَمُوهُ فِيهِ إِلَى عَمَلِهِ، وَانْقَطَعُوا عَنْ زَوْرَتِهِ.

6 . صفة البعث و النشور

حَتَّى إِذَا بَلَغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ، وَالاَْمْرُ مَقَادِيرَهُ، وَأُلْحِقَ آخِرُ الْخَلْقِ بِأَوَّلِهِ، وَجَاءَ مِنْ أَمْرِ اللهِ مَا يُرِيدُهُ مِنْ تَجْدِيدِ خَلْقِهِ، أَمَادَ (أمار) السَّمَاءَ وَفَطَرَهَا، وَأَرَجَّ الاَْرْضَ وَأَرْجَفَهَا، وَقَلَعَ جِبَالَهَا وَنَسَفَهَا، وَدَكَّ بَعْضُهَا بَعْضاً مِنْ هَيْبَةِ جَلاَلَتِهِ وَمَخُوفِ سَطْوَتِهِ. وَأَخْرَجَ مَنْ فِيهَا، فَجَدَّدَهُمْ بَعْدَ إِخْلاَقِهِمْ وَجَمَعَهُمْ بَعْدَ تَفَرُّقِهِمْ، ثُمَّ مَيَّزَهُمْ لِما يُرِيدُهُ مِنْ مَسْأَلَتِهِمْ عَنْ خَفَايَا الاَْعْمَالِ وَخَبَايَا الاَْفْعَالِ، وَجَعَلَهُمْ فَرِيقَيْنِ: أَنْعَمَ عَلَى هؤُلاَءِ وَانْتَقَمَ مِنْ هؤُلاَءِ. فَأَمَّا أَهْلُ الطَّاعَةِ فَأَثَابَهُمْ بِجِوَارِهِ، وَ خَلَّدَهُمْ فِي دَارِهِ، حَيْثُ لاَ يَظْعَنُ النُّزَّالُ، وَلاَ تَتَغَيَّرُ بِهِمُ الْحَالُ، وَلاَ تَنُوبُهُمُ الاَْفْزَاعُ، وَلاَ تَنَالُهُمُ الاَْسْقَامُ، وَلاَ تَعْرِضُ لَهُمُ الاَْخْطَارُ، وَلاَ تُشْخِصُهُمُ الاَْسْفَارُ. وَأَمَّا أَهْلُ الْمَعْصِيَةِ فَأَنْزَلَهُمْ شَرَّ دَار، وَغَلَّ الاَْيْدِيَ إِلَى الاَْعْنَاقِ، وَقَرَنَ النَّوَاصِيَ بِالاَْقْدَامِ، وَأَلْبَسَهُمْ سَرَابِيلَ الْقَطِرَانِ، وَمُقَطَّعَاتِ النِّيرَانِ، فِي عَذَاب قَدِ اشْتَدَّ حَرُّهُ، وَبَاب قَدْ أُطْبِقَ عَلَى أَهْلِهِ، فِي نَار لَهَا كَلَبٌ وَلَجَبٌ (جلب)، وَلَهَبٌ سَاطِعٌ، وَقَصِيفٌ هَائِلٌ، لاَ يَظْعَنُ مُقِيمُهَا وَلاَ يُفَادَى أَسِيرُهَا، وَلاَ تُفْصَمُ (تقصم) كُبُولُهَا.

لاَ مُدَّةَ لِلدَّارِ فَتَفْنَى، وَلاَ أَجَلَ لِلْقَوْمِ فَيُقْضَى.

7 . زهد النّبىّ(صلى الله عليه وآله وسلم)

ومنها في ذكر النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم): قَدْ حَقَّرَ الدُّنْيَا وَصَغَّرَهَا، وَأَهْوَنَ بِهَا وَهَوَّنَهَا، وَعَلِمَ أَنَّ اللهَ زَوَاهَا عَنْهُ اخْتِيَاراً، وَبَسَطَهَا لِغَيْرِهِ احْتِقَاراً، فَأَعْرَضَ عَنِ الدُّنْيَا بِقَلْبِهِ، وَأَمَاتَ ذِكْرَهَا عَنْ نَفْسِهِ، وَأَحَبَّ أَنْ تَغِيبَ


( 101 )
زِينَتُهَا عَنْ عَيْنِهِ، لِكَيْلاَ يَتَّخِذَ مِنْهَا رِيَاشاً، أَوْ يَرْجُوَ فِيهَا مَقَاماً. بَلَّغَ عَنْ رَبِّهِ مُعْذِراً، وَنَصَحَ لاُِمَّتِهِ مُنْذِراً، وَدَعَا إِلَى الْجَنَّةِ مُبَشِّراً، وَخَوَّفَ مِنَ النَّارِ مُحَذِّراً.

8 . خصائص اهل البيت(عليهم السلام)

نَحْنُ شَجَرَةُ النُّبُوَّةِ، وَمَحَطُّ الرِّسَالَةِ، وَمُخْتَلَفُ الْمَلاَئِكَةِ، وَمَعَادِنُ الْعِلْمِ، وَيَنَابِيعُ الْحُكْمِ، نَاصِرُنَا وَمُحِبُّنَا يَنْتَظِرُ (ينتظم) الرَّحْمَةَ، وَعَدُوُّنَا (خاذلنا) وَمُبْغِضُنَا يَنْتَظِرُ السَّطْوَةَ (اللّعنة).

110 ـ ومن خطبة له (عليه السلام)

عقائدية ، اخلاقية

1 . ثمرات الدين

إِنَّ أَفْضَلَ مَا تَوَسَّلَ بِهِ الْمُتَوَسِّلُونَ إِلَى اللهِ سُبْحانَهُ وَتَعَالى، الاِْيمَانُ بِهِ وَبِرَسُولِهِ، وَالْجِهَادُ فِي سَبِيلِهِ، فَإِنَّهُ ذِرْوَةُ الاِْسْلاَمِ; وَكَلِمَةُ الاِْخْلاَصِ فَإِنَّهَا الْفِطْرَةُ; وَإِقَامُ الصَّلاَةِ فَإِنَّهَا الْمِلَّةُ; وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ فَإِنَّهَا فَرِيضَةٌ وَاجِبَةٌ; وَصَوْمُ شَهْرِ رَمَضَانَ فَإِنَّهُ جُنَّةٌ مِنَ الْعِقَابِ; وَحَجُّ الْبَيْتِ وَاعْتَِمارُهُ فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الْفَقْرَ وَيَرْحَضَانِ الذَّنْبَ. وَصِلَةُ الرَّحِمِ فَإِنَّهَا مَثْرَاةٌ فِي الْمَالِ، وَمَنْسَأَةٌ فِي الاَْجَلِ; وَصَدَقَةُ السِّرِّ فَإِنَّهَا تُكَفِّرُ الْخَطِيئَةَ; وَصَدَقَةُ الْعَلاَنِيَةِ فَإِنَّهَا تَدْفَعُ مِيتَةَ السُّوءِ; وَصَنَائِعُ الْمَعْرُوفِ فَإِنَّهَا تَقِي مَصَارِعَ الْهَوَانِ. أَفِيضُوا فِي ذِكْرِ اللهِ فَإِنَّهُ أَحْسَنُ الذِّكْرِ، وَارْغَبُوا فِيَما وَعَدَ الْمُتَّقِينَ فَإِنَّ وَعْدَهُ أَصْدَقُ الْوَعْدِ، وَاقْتَدُوا بِهَدْيِ نَبِيِّكُمْ فَإِنَّهُ أَفْضَلُ الْهَدْيِ. وَاسْتَنُّوا بِسُنَّتِهِ فَإِنَّهَا أَهْدَى السُّنَنِ.

2 . قيمة القرآن

وَتَعَلَّمُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ أَحْسَنُ الْحَدِيثِ، وَتَفَقَّهُوا فِيهِ فَإِنَّهُ رَبِيعُ الْقُلُوبِ، وَاسْتَشْفُوا بِنُورِهِ فَإِنَّهُ شِفَاءُ الصُّدُورِ، وَأَحْسِنُوا تِلاَوَتَهُ فَإِنَّهُ أَنْفَعُ الْقَصَصِ. وَإِنَّ الْعَالِمَ الْعَامِلَ بَغَيْرِ عِلْمِهِ كَالْجَاهِلِ الْحَائِرِ


( 102 )
(الجائر) الَّذِي لاَ يَسْتَفِيقُ مِنْ جَهْلِهِ; بَلِ الْحُجَّةُ عَلَيْهِ أَعْظَمُ، وَالْحَسْرَةُ لَهُ أَلْزَمُ، وَهُوَ عِنْدَ اللهِ أَلْوَمُ.

111 ـ ومن خطبة له (عليه السلام)

اخلاقية

1 . التحذّير عن حبّ الدنيا

أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي أُحَذِّرُكُمُ الدُّنْيَا، فَإِنَّهَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، حُفَّتْ بِالشَّهَوَاتِ، وَتَحَبَّبَتْ بَالْعَاجِلَةِ، وَ رَاقَتْ بِالْقَلِيلِ، وَتَحَلَّتْ بِالاْمَالِ، وَتَزَيَّنَتْ بِالْغُرُورِ. لاَ تَدُومُ حَبْرَتُهَا، وَلاَ تُؤْمَنُ فَجْعَتُهَا.

2 . حقيقة الدنيا

غَرَّارَةٌ ضَرَّارَةٌ، حَائِلَةٌ زَائِلَةٌ، نَافِدَةٌ بَائِدَةٌ، أَكَّالَةٌ غَوَّالَةٌ. لاَ تَعْدُو إِذَا تَنَاهَتْ إِلَى أُمْنِيَّةِ أَهْلِ الرَّغْبَةِ فِيهَا وَالرِّضَاءِ (الرّضى) بِهَا أَنْ تَكُونَ كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالى سُبْحانَهُ : (كَمَاء أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الاَْرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ، وَكَانَ اللهُ عَلَى كُلِّ شَيْء مُقْتَدِراً).(1) لَمْ يَكُنِ امْرُؤٌ مِنْهَا فِي حَبْرَة إِلاَّ أَعْقَبَتْهُ بَعْدَهَا عَبْرَةً; وَلَمْ يَلْقَ فِي سَرَّائِهَا بَطْناً، إِلاَّ مَنَحَتْهُ مِنْ ضَرَّائِهَا ظَهْراً; وَلَمْ تَطُلَّهُ فِيهَا دِيمَةُ رَخَاء، إِلاَّ هَتَنَتْ عَلَيْهِ مُزْنَةُ بَلاَء! وَحَرِيٌّ (حرّيا) إِذَا أَصْبَحَتْ لَهُ مُنْتَصِرَةً أَنْ تُمْسِيَ لَهُ مُتَنَكِّرَةً، وَإِنْ جَانِبٌ مِنْهَا اعْذَوْذَبَ وَاحْلَوْلَى، أَمَرَّ مِنْهَا جَانِبٌ فَأَوْبَى! لاَ يَنَالُ امْرُءٌ مِنْ غَضَارَتِهَا رَغَباً، إِلاَّ أَرْهَقَتْهُ مِنْ نَوَائِبِهَا تَعَباً! وَلاَ يُمْسِي مِنْهَا فِي جَنَاحِ أَمْن، إِلاَّ أَصْبَحَ عَلَى قَوَادِمِ خَوْف! غَرَّارَةٌ، غُرُورٌ مَا فِيهَا، فَانِيَةٌ، فَان مَنْ عَلَيْهَا.

ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . الكهف: 45 .

( 103 )

3 . الأسلوب الامثل في مواجهة الدّنيا

لاَ خَيْرَ فِي شَيْء مِنْ أَزْوَادِهَا إِلاَّ التَّقْوَى. مَنْ أَقَلَّ مِنْهَا اسْتَكْثَرَ مِمَّا يُؤْمِنُهُ ! وَمَنِ اسْتَكْثَرَ مِنْهَا اسْتَكْثَرَ مِمَّا يُوبِقُهُ، وَزَالَ عَمَّا قَلِيل عَنْهُ. كَمْ مِنْ وَاثِق بِهَا قَدْ فَجَعَتْهُ، وَذِي طُمَأْنِينَة إِلَيْهَا قَدْ صَرَعَتْهُ، وَذِي أُبَّهَة قَدْ جَعَلَتْهُ حَقِيراً، وَذِي نَخْوَة قَدْرَدَّتْهُ ذَلِيلا! سُلْطَانُهَا دُوَّلٌ، وَعَيْشُهَا رَنِقٌ، وَعَذْبُهَا أُجَاجٌ، وَحُلْوُهَا صَبِرٌ، وَغِذَاؤُهَا سِمَامٌ، وَأَسْبَابُهَا رِمَامٌ!  حَيُّهَا بِعَرَضِ مَوْت، وَصَحِيحُهَا بَعَرَضِ سُقْم!  مُلْكُهَا مَسْلُوبٌ، وَعَزِيزُهَا مَغْلُوبٌ، وَمَوْفُورُهَا مَنْكُوبٌ، وَجَارُهَا مَحْرُوبٌ (مجروب)!

4 . العبرة من الماضين

أَلَسْتُمْ فِي مَسَاكِنِ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ أَطْوَلَ أَعْمَاراً، وَأَبْقَى آثَاراً، وَأَبْعَدَ آمَالا، وَأَعَدَّ عَدِيداً، وَ أَكْثَفَ (اكثر) جُنُوداً! تَعَبَّدُوا لِلدُّنْيَا أَيَّ تَعَبُّد، وَآثَرُوهَا أَيَّ إِيثَار، ثُمَّ ظَعَنُوا عَنْهَا بِغَيْرِ زَاد مُبَلِّغ وَلاَ ظَهْر قَاطِع. فَهَلْ بَلَغَكُمْ أَنَّ الدُّنْيَا سَخَتْ لَهُمْ نَفْساً بِِفِدْيَة، أَوْ أَعَانَتْهُمْ بِمَعُونَة، أَوْ أَحْسَنَتْ لَهُمْ صُحْبَةً! بَلْ أَرْهَقَتْهُمْ بِالقَوَادِحِ، وَأَوْهَقَتْهُمْ (أوهنتهم) بِالْقَوَارِعِ، وَضَعْضَعَتْهُمْ بِالنَّوَائِبِ، وَ عَفَّرَتْهُمْ لِلْمَنَاخِرِ، وَوَطِئَتْهُمْ بِالْمَنَاسِمِ، وَأَعَانَتْ عَلَيْهِمْ «رَيْبَ الْمَنُونِ». فَقَدْ رَأَيْتُمْ تَنَكُّرَهَا (شكرها) لِمَنْ دَانَ لَهَا، وَآثَرَهَا وَأَخْلَدَ إِلَيْهَا، حِينَ ظَعَنُوا عَنْهَا لِفِرَاقِ الاَْبَدِ. وَهَلْ زَوَّدَتْهُمْ إِلاَّ السَّغَبَ، أَوْ أَحَلَّتْهُمْ إِلاَّ الضَّنْكَ، أَوْ نَوَّرَتْ لَهُمْ إِلاَّ الظُّلْمَةَ، أَوْ أَعْقَبَتْهُمْ إِلاَّ النَّدَامَةَ!

5 . التحذير من الإخـلاد إلى الدّنيا

أَفَهذِهِ تُؤْثِرُونَ، أَمْ إِلَيْهَا تَطْمَئِنُّونَ، أَمْ عَلَيْهَا تَحْرِصُونَ؟ فَبِئْسَتِ الدَّارُ لِمَنْ لَمْ يَتَّهِمْهَا، وَلَمْ يَكُنْ فِيهَا عَلَى وَجَل (حذر) مِنْهَا! فَاعْلَمُوا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ بِأَنَّكُمْ تَارِكُوهَا وَظَاعِنُونَ عَنْهَا، وَاتَّعِظُوا فِيهَا بِالَّذِينَ قَالُوا: (مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً) :(1) حُمِلُوا إِلَى قُبُورِهِمْ فَلاَ يُدْعَوْنَ رُكْبَاناً. وَأُنْزِلُوا الاَْجْدَاثَ فَلاَ

ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . فصّلت : 15.

( 104 )
يُدْعَوْنَ ضِيفَاناً، وَجُعِلَ لَهُمْ مِنَ الصَّفِيحِ أَجْنَانٌ، وَمِنَ التُّرَابِ أَكْفَانٌ (اكنان)، وَمِنَ الرُّفَاتِ جِيرَانٌ، فَهُمْ جِيرَةٌ لاَ يُجِيبُونَ دَاعِياً، وَلاَ يَمْنَعُونَ ضَيْماً، وَلاَ يُبَالُونَ مَنْدَبَةً. إِنْ جِيدُوا لَمْ يَفْرَحُوا، وَإِنْ قُحِطُوا لَمْ يَقْنَطُوا. جَمِيعٌ وَهُمْ آحَادٌ، وَجِيرَةٌ وَهُمْ أَبْعَادٌ. مُتَدَانُونَ لاَ يَتَزَاوَرُونَ، وَقَرِيبُونَ لاَ يَتَقَارَبُونَ. حُلَمَاءُ قَدْ ذَهَبَتْ أَضْغَانُهُمْ، وَجُهَلاَءُ قَدْ مَاتَتْ أَحْقَادُهُمْ. لاَ يُخْشَى فَجْعُهُمْ، وَلاَ يُرْجَى دَفْعُهُمْ، اسْتَبْدَلُوا بِظَهْرِ الاَْرْضِ (الأرضين)  بَطْناً، وَبِالسِّعَةِ ضِيقاً، وَبِالاَْهْلِ غُرْبَةً، وَبِالنُّورِ ظُلْمَةً، فَجَاؤُوهَا كَمَا فَارَقُوهَا، حُفَاةً عُرَاةً، قَدْ ظَعَنُوا (طعنوا) عَنْهَا بِأَعْمَالِهِمْ إِلَى الْحَيَاةِ الدَّائِمَةِ وَالدَّارِ الْبَاقِيَةِ، كَمَا قَالَ سُبْحانَهُ وَتَعَالى: (كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْق نُعِيدُهُ، وَعْداً عَلَيْنَا، إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ).(1)

112 ـ ومن خطبة له (عليه السلام)

عقائدية

(ذكر فيها ملك الموت وتوفية الأنفس)

عجز الانسان عن إدراك الملائكة

هَلْ تُحِسُّ بِهِ إِذَا دَخَلَ مَنْزِلا ؟ أَمْ هَلْ تَرَاهُ إِذَا تَوَفَّى أَحَداً؟ بَلْ كَيْفَ يَتَوَفَّى الْجَنِينَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ! أَيَلِجُ عَلَيْهِ مِنْ بَعْضِ جَوَارِحِهَا أَمِ الرُّوحُ أَجَابَتْهُ بِإِذْنِ رَبِّهَا؟ أَمْ هُوَ سَاكِنٌ مَعَهُ فِي أَحْشَائِهَا؟ كَيْفَ يَصِفُ إِلهَهُ مَنْ يَعْجَزُ عَنْ صِفَةِ مَخْلُوق مِثْلِهِ؟!

ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . الأنبياء: 104.

( 105 )

113 ـ ومن خطبة له (عليه السلام)

اخلاقية

1 . التحذير من حبّ الدنيا

وَأُحَذِّرَكُمُ الدُّنْيَا فَإِنَّهَا مَنْزِلُ قُلْعَة، وَلَيْسَتْ بِدَارِ نُجْعَة. قَدْ تَزَيَّنَتْ بِغُرُورِهَا، وَغَرَّتْ بِزِينَتِهَا، دَارُهَا هَانَتْ عَلَى رَبِّهَا، فَخَلَطَ حَلاَلَهَا بِحَرَامِهَا، وَخَيْرَهَا بِشَرِّهَا، وَحَيَاتَهَا بِمَوْتِهَا، وَحُلْوَهَا بِمُرِّهَا، لَمْ يُصْفِهَا اللهُ تَعَالى لاَِوْلِيَائِهِ، وَلَمْ يَضِنَّ بِهَا عَلَى أَعْدَائِهِ. خَيْرُهَا زَهِيدٌ وَشَرُّهَا عَتِيدٌ. وَجَمْعُهَا يَنْفَدُ، وَمُلْكُهَا يُسْلَبُ، وَعَامِرُهَا يَخْرَبُ. فَمَا خَيْرُ دَار تُنْقَضُ نَقْضَ الْبِنَاءِ، وَعُمُر يَفْنَى فِيهَا فَنَاءَ الزَّادِ، وَمُدَّة تَنْقَطِعُ انْقِطَاعَ السَّيْرِ!

2 . مواجهة الدّنيا

اجْعَلُوا مَا افْتَرَضَ اللهُ عَلَيْكُمْ مِنْ طَلَبِكُمْ، وَاسْأَلُوهُ مِنْ أَدَاءِ حَقِّهِ مَا سَأَلَكُمْ، وَأَسْمِعُوا دَعْوَةَ الْمَوْتِ آذَانَكُمْ قَبْلَ أَنْ يُدْعَى بِكُمْ. إِنَّ الزَّاهِدِينَ فِي الدُّنْيَا تَبْكِي قُلُوبُهُمْ وَإِنْ ضَحِكُوا، وَيَشْتَدُّ حُزْنُهُمْ وَإِنْ فَرِحُوا، وَيَكْثُرُ مَقْتُهُمْ أَنْفُسَهُمْ وَإِنِ اغْتَبَطُوا بِمَا رُزِقُوا.

3 . لوم الغافلين

قَدْغَابَ عَنْ قُلُوبِكُمْ ذِكْرُ الاْجَالِ، وَحَضَرَتْكُمْ كَوَاذِبُ الاْمَالِ، فَصَارَتِ الدُّنْيَا أَمْلَكَ بِكُمْ مِنَ الاْخِرَةِ، وَالْعَاجِلَةُ أَذْهَبَ بِكُمْ مِنَ الاْجِلَةِ، وَإِنَّمَا أَنْتُمْ إِخْوَانٌ عَلَى دِينِ اللهِ، مَا فَرَّقَ بَيْنَكُمْ إِلاَّ خُبْثُ السَّرَائِرِ، وَسُوءُ الضَّمَائِرِ. فَلاَ تَوَازَرُونَ (تأزرون) وَلاَ تَنَاصَحُونَ، وَلاَ تَبَاذَلُونَ وَلاَ تَوَادُّونَ.

مَا بَالُكُمْ تَفْرَحُونَ بِالْيَسِيرِ مِنَ الدُّنْيَا تُدْرِكُونَهُ، وَلاَ يَحْزُنُكُمُ الْكَثِيرُ مِنَ الاْخِرَةِ تُحْرَمُونَهُ؟! وَيُقْلِقُكُمُ الْيَسِيرُ مِنَ الدُّنْيَا يَفُوتُكُمْ، حَتَّى يَتَبَيَّنَ ذلِكَ فِي وُجُوهِكُمْ، وَقِلَّةِ صَبْرِكُمْ عَمَّا زُوِيَ مِنْهَا عَنْكُمْ!


( 106 )

كَأَنَّهَا دَارُ مُقَامِكُمْ، وَكَأَنَّ مَتَاعَهَا بَاق عَلَيْكُمْ. وَمَا يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ أَنْ يَسْتَقْبِلَ أَخَاهُ بِمَا يَخَافُ مِنْ عَيْبِهِ، إِلاَّ مَخَافَةُ أَنْ يَسْتَقْبِلَهُ بِمِثْلِهِ. قَدْ تَصَافَيْتُمْ عَلَى رَفْضِ الاْجِلِ وَحُبِّ الْعَاجِلِ، وَصَارَ دِينُ أَحَدِكُمْ لُعْقَةً عَلَى لِسَانِهِ، صَنِيعَ مَنْ قَدْ فَرَغَ مِنْ عَمَلِهِ، وَأَحْرَزَ رِضَى سَيِّدِهِ.

114 ـ ومن خطبة له (عليه السلام)

عقائدية ، اخلاقية

1 . حمد اللّه و الشهادة بالتّوحيد

الْحَمْدُ لِلّهِ الْوَاصِلِ الْحَمْدَ بِالنِّعَمِ وَالنِّعَمَ بِالشُّكْرِ. نَحْمَدُهُ عَلَى آلاَئِهِ، كَمَا نَحْمَدُهُ عَلَى بَلاَئِهِ. وَنَسْتَعِينُهُ عَلَى هذِهِ النُّفُوسِ الْبِطَاءِ عَمَّا أُمِرَتْ بِهِ، السِّرَاعِ إِلَى مَا نُهِيَتْ عَنْهُ. وَنَسْتَغْفِرُهُ مِمَّا أَحَاطَ بِهِ عِلْمُهُ، وَأَحْصَاهُ كِتَابُهُ: عِلْمٌ غَيْرُ قَاصِر، وَكِتَابٌ غَيْرُ مُغَادِر. وَنُؤْمِنُ بِهِ إِيمَانَ مَنْ عَايَنَ الْغُيُوبَ، وَوَقَفَ عَلَى الْمَوْعُودِ، إِيمَاناً نَفَى إِخْلاَصُهُ الشِّرْكَ، وَيَقِينُهُ الشَّكَّ. وَنَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً(صلى الله عليه وآله وسلم)عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، شَهَادَتَيْنِ تُصْعِدَانِ (تسعدان) الْقَوْلَ، وَتَرْفَعَانِ الْعَمَلَ. لاَ يَخِفُّ مِيزَانٌ تُوضَعَانِ فِيهِ، وَلاَ يَثْقُلُ مِيزَانٌ تُرْفَعَانِ عَنْهُ.

2 . الوصيّة بالتقوى

أُوصِيكُمْ، عِبَادَ اللهِ، بِتَقْوَى اللهِ الَّتِي هِيَ الزَّادُ وَبِهَا الْمَعَاذُ (المعاد) زَادٌ مُبَلِّغٌ، وَمَعَاذٌ مُنْجِحٌ. دَعَا إِلَيْهَا أَسْمَعُ دَاع، وَوَعَاهَا خَيْرُ وَاع. فَأَسْمَعَ دَاعِيهَا، وَفَازَ وَاعِيهَا. عِبَادَ اللهِ، إِنَّ تَقْوَى اللهِ حَمَتْ أَوْلِيَاءَ اللهِ مَحَارِمَهُ، وَأَلْزَمَتْ قُلُوبَهُمْ مَخَافَتَهُ، حَتَّى أَسْهَرَتْ لَيَالِيَهُمْ، وَأَظْمَأَتْ هَوَ اجِرَهُمْ; فَأَخَذُوا الرَّاحَةَ بِالنَّصَبِ، وَالرِّيَّ بِالظَّمَإِ، وَاسْتَقْرَبُوا الاَْجَلَ فَبَادَرُوا الْعَمَلَ، وَكَذَّبُوا الاَْمَلَ فَلاَحَظُوا الاَْجَلَ.


( 107 )

3 . معرفة الدنيا

ثُمَّ إِنَّ الدُّنْيَا دَارُ فَنَاء وَعَنَاء، وَغِيَر وَعِبَر; فَمِنَ الْفَنَاءِ أَنَّ الدَّهْرَ مُوتِرٌ قَوْسَهُ، لاَ تُخْطِىءُ سِهَامُهُ، وَلاَ تُؤسَى جِرَاحُهُ (حراجه). يَرْمِي الْحَيَّ بِالْمَوْتِ، وَالصَّحِيحَ بِالسَّقَمِ، وَالنَّاجِيَ بِالْعَطَبِ. آكِلٌ لاَ يَشْبَعُ، وَشَارِبٌ لاَ يَنْقَعُ. وَمِنَ الْعَنَاءِ أَنَّ الْمَرْءَ يَجْمَعُ مَالاَ يَأْكُلُ وَيَبْنِي مَالاَ يَسْكُنُ، ثُمَّ يَخْرُجُ إِلَى اللهِ تَعَالى لاَ مَالا حَمَلَ، وَلاَ بِنَاءً نَقَلَ! وَمِنْ غِيَرِهَا أَنَّكَ تَرَى الْمَرْحُومَ مَغْبُوطاً، وَالْمَغْبُوطَ مَرْحُوماً; لَيْسَ ذلِكَ إِلاّ نَعِيمَاً زَلَّ (زال) وَبُؤْساً نَزَلَ وَمِنْ عِبَرِهَا أَنَّ الْمَرْءَ يُشْرِفُ عَلى أَمَلِهِ فَيَقْتَطِعُهُ حُضُورُ أَجَلِهِ. فَلاَ أَمَلٌ يُدْرَكُ، وَلاَ مُؤَمَّلٌ يُتْرَكُ. فَسُبْحَانَ اللهِ مَا أَغَرَّ سُرُورَهَا! وَأَظْمَأَ رِيَّهَا! وَأَضْحَى فَيْئَهَا! لاَجَاء يُرَدُّ، وَلاَ مَاض (مؤمّل) يَرْتَدُّ. فَسُبْحَانَ اللهِ، مَا أَقْرَبَ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ لِلَحَاقِهِ بِهِ، وَ أَبْعَدَ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ لاِنْقِطَاعِهِ عَنْهُ !

4 . الموازنة الدنيا و الآخرة

إِنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ بِشَرٍّ مِنَ الشَّرِّ إِلاَّ عِقَابُهُ، وَلَيْسَ شَيْءٌ بِخَيْر مِنَ الْخَيْرِ إِلاَّ ثَوَابُهُ. وَكُلُّ شَيْء مِنَ الدُّنْيَا سَمَاعُهُ أَعْظَمُ مِنْ عِيَانِهِ، وَكُلُّ شَيْء مِنَ الاْخِرَةِ عِيَانُهُ أَعْظَمُ مِنْ سَمَاعِهِ. فَلْيَكْفِكُمْ مِنَ الْعِيَانِ السَّمَاعُ، وَمِنَ الْغَيْبِ الْخَبَرُ. وَاعْلَمُوا أَنَّ مَا نَقَصَ مِنَ الدُّنْيَا وَزَادَ فِي الاْخِرَةِ خَيْرٌ مِمَّا نَقَصَ مِنَ الاْخِرَةِ وَزَادَ فِي الدُّنْيَا : فَكَمْ مِنْ مَنْقُوص رَابِح وَمَزِيد خَاسِر! إِنَّ الَّذِي أُمِرْتُمْ بِهِ أَوْسَعُ مِنَ الَّذِي نُهِيتُمْ عَنْهُ. وَمَا أُحِلَّ لَكُمْ أَكْثَرُ مِمَّا حُرِّمَ عَلَيْكُمْ. فَذَرُوا مَا قَلَّ لِمَا كَثُرَ، وَمَا ضَاقَ لِمَا اتَّسَعَ. قَدْ تَكَفَّلَ لَكُمْ بِالرِّزْقِ وَأُمِرْتُمْ بِالْعَمَلِ; فَلاَ يَكُونَنَّ الْمَضْمُونُ لَكُمْ طَلَبُهُ أَوْلَى بِكُمْ مِنَ الْمَفْرُوضِ عَلَيْكُمْ عَمَلُهُ، مَعَ أَنَّهُ وَاللهِ لَقَدِ اعْتَرَضَ الشَّكُّ، وَدَخِلَ الْيَقِينُ، حَتَّى كَأَنَّ الَّذِي ضُمِنَ لَكُمْ قَدْ فُرِضَ عَلَيْكُمْ، وَكَأَنَّ الَّذِي قَدْ فُرِضَ عَلَيْكُمْ قَدْ وُضِعَ عَنْكُمْ. فَبَادِرُوا الْعَمَلَ، وَخَافُوا بَغْتَةَ الاَْجَلِ، فَإِنِّهُ لاَ يُرْجَى مِنْ رَجْعَةِ الْعُمُرِ مَا يُرْجَى مِنْ رَجْعَةِ الرِّزْقِ. مَا فَاتَ الْيَوْمَ مِنَ الرِّزْقِ رُجِيَ غَداً زِيَادَتُهُ، وَمَا فَاتَ أَمْسِ مِنَ الْعُمُرِ لَمْ يُرْجَ الْيَوْمَ رَجْعَتُهُ. الرَّجَاءُ مَعَ الْجَائِي، وَالْيَأْسُ مَعَ الْمَاضِي. فَـ (اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ، وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ).(1)

ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . آل عمران : 103.

( 108 )

115 ـ ومن خطبة له (عليه السلام)

عقائدية

(في الاستسقاء)

الدّعاء لنزول الغيث

اللَّهُمَّ قَدِ انْصَاحَتْ جِبَالُنَا ( حبالنا)، وَاغْبَرَّتْ أَرْضُنَا، وَهَامَتْ دَوَابُّنَا، وَتَحَيَّرَتْ فِي مَرَابِضِهَا، وَعَجَّتْ عَجِيجَ الثَّكَالَى عَلَى أَوْلاَدِهَا، وَمَلَّتِ التَّرَدُّدَ فِي مَرَاتِعِهَا، وَالْحَنِينَ إِلَى مَوَارِدِهَا (والحقن)! اللَّهُمَّ فَارْحَمْ أَنِينَ الاْنَّةِ، وَحَنِينَ الْحَانَّةِ اللَّهُمَّ فَارْحَمْ حَيْرَتَهَا فِي مَذَاهِبِهَا، وَأَنِينَهَا فِي مَوَالِجِهَا! اللَّهُمَّ خَرَجْنَا إِلَيْكَ حِينَ اعْتَكَرَتْ عَلَيْنَا حَدَابِيرُ السِّنِينَ، وَأَخْلَفَتْنَا مَخَايِلُ الْجُودِ; فَكُنْتَ الرَّجَاءَ لِلْمُبْتَئِسِ، وَالْبَلاَغَ لِلْمُلْتَمِسِ. نَدْعُوكَ حِينَ قَنَطَ الاَْنَامُ، وَمُنِعَ الْغَمَامُ، وَهَلَكَ السَّوَامُ، أَلاَّ تُؤَاخِذَنَا بِأَعْمَالِنَا، وَلاَ تَأْخُذَنَا بِذُنُوبِنَا. وَانْشُرْ عَلَيْنَا رَحْمَتَكَ بِالسَّحَابِ الْمُنْبَعِقِ، وَالرَّبِيعِ الْمُغْدِقِ، وَالنَّبَاتِ الْمُونِقِ، سَحّاً وَابِلا، تُحْيِي بِهِ مَا قَدْ مَاتَ، وَتَرُدُّ بِهِ مَا قَدْ فَاتَ. اللَّهُمَّ سُقْيَا مِنْكَ مُحْيِيَةً مُرْوِيَةً (مريّه)، تَامَّةً عَامَّةً، طَيِّبَةً مُبَارَكَةً، هَنِيئَةً مَرِيعَةً، زَاكِياً نَبْتُهَا، ثَامِراً فَرْعُهَا، نَاضِراً وَرَقَهَا (ارزاقها)، تُنْعِشُ بِهَا الضَّعِيفَ مِنْ عِبَادِكَ، وَتُحْيِي بِهَا الْمَيِّتَ مِنْ بِلاَدِكَ! اللَّهُمَّ سُقْيَا مِنْكَ تُعْشِبُ بِهَا نِجَادُنَا، وَتَجْرِي بِهَا وَهَادُنَا، وَيُخْصِبُ بِهَا جَنَابُنَا، وَتُقْبِلُ (تزكو) بِهَا ثِمَارُنَا، وَتَعِيشُ بِهَا مَوَاشِينَا، وَتَنْدَى بِهَا أَقَاصِينَا، وَتَسْتَعِينُ بِهَا ضَوَاحِينَا; مِنْ بَرَكَاتِكَ الْوَاسِعَةِ، وَعَطَايَاكَ الْجَزِيلَةِ، عَلَى بَرِيَّتِكَ الْمُرْمِلَةِ، وَوَحْشِكَ الْمُهْمَلَةِ. وَأَنْزِلْ عَلَيْنَا سَمَاءً مُخْضِلَةً، مِدْرَاراً هَاطِلَةً (باطلة)، يُدَافِعُ الْوَدْقُ مِنْهَا الْوَدْقَ، وَيَحْفِزُ الْقَطْرُ مِنْهَا الْقَطْرَ، غَيْرَ خُلَّب بَرْقُهَا، وَلاَ جَهَام عَارِضُهَا، وَلاَ قَزَع رَبَابُهَا، وَلاَ شَفَّان ذِهَابُهَا، حَتَّى يُخْصِبَ لاِِمْرَاعِهَا الُْمجْدِبُونَ، وَيَحْيَا بِبَرَكَتِهَا الْمُسْنِتُونَ، فَإِنَّكَ تُنْزِلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعدِ مَا قَنَطَوا وَتَنْشُرُ رَحْمَتَكَ وَ أَنْتَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ.

(تفسير ما في هذه الخطبة من الغريب)

قوله(عليه السلام): (انصاحت جبالنا) أي تشققت من المحول، يقال: انصاح الثوب إذا انشق. ويقال أيضاً: انصاح النبت وصاح وصوح إذا جف ويبس; كله بمعنى. وقوله: (وهامت دوابنا) أي عطشت، والهيام: العطش.


( 109 )

وقوله: (حدابير السنين) جمع حدبار، وهي الناقة التي أنضاها السير، فشبه بها السنة التي فشا فيها الجدب، قال ذو الرمة: حدابر ما تنفك إلا مناخة على الخسف أو نرمي بها بلداً قفرا وقوله: (ولا قزع ربابها)، القزع: القطع الصغار المتفرقة من السحاب. وقوله: (ولا شفان ذهابها) فإن تقديره: ولا ذات شفان ذهابها. والشفان: الريح الباردة، والذهاب: الأمطار اللينة. فحذف (ذات) لعلم السامع به.

116 ـ ومن خطبة له (عليه السلام)

عقائدية ، سياسية

1 . خصائص النّبىّ(صلى الله عليه وآله وسلم)

أَرْسَلَهُ دَاعِياً إِلَى الْحَقِّ وَشَاهِداً عَلَى الْخَلْقِ، فَبَلَّغَ رِسَالاَتِ رَبِّهِ غَيْرَ وَان وَلاَ مُقَصِّر، وَجَاهَدَ فِي اللهِ أَعْدَاءَهُ غَيْرَ وَاهِن وَلاَ مُعَذِّر. إِمَامُ مَنِ اتَّقَى، وَبَصَرُ (بصيرة) مَنِ اهْتَدَى.

2 . نصيحة الأحبّة

ومنها : وَلَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ مِمَّا طُوِيَ عَنْكُمْ غَيْبُهُ، إِذاً لَخَرَجْتُمْ إِلَى الصُّعُدَاتِ تَبْكُونَ عَلَى أَعْمَالِكُمْ، وَتَلْتَدِمُونَ عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَلَتَرَكْتُمْ أَمْوَالَكُمْ لاَ حَارِسَ (خارس) لَهَا وَلاَ خَالِفَ عَلَيْهَا، وَلَهَمَّتْ كُلَّ امْرِىء مِنْكُمْ نَفْسُهُ، لاَ يَلْتَفِتُ إِلَى غَيْرِهَا، وَلَكِنَّكُمْ نَسِيتُمْ مَا ذُكِّرْتُمْ، وَأَمِنْتُمْ مَا حُذِّرْتُمْ، فَتَاهَ عَنْكُمْ رَأْيُكُمْ، وَتَشَتَّتَ عَلَيْكُمْ أَمْرُكُمْ.

3 . صفات الشهّداء من أصحابه

وَلَوَدِدْتُ أَنَّ اللهَ فَرَّقَ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ، وَأَلْحَقَنِي بِمَنْ هُوَ أَحَقُّ بِي مِنْكُمْ. قَوْمٌ وَاللهِ مَيَامِينُ الرَّأْيِ، مَرَاجِيحُ الْحِلْمِ، مَقَاوِيلُ بِالْحَقِّ، مَتَارِيكُ لِلْبَغْيِ، مَضَوْا قُدُماً عَلَى الطَّرِيقَةِ، وَأَوْجَفُوا عَلَىْ الَْمحَجَّةِ، فَظَفِرُوا بِالْعُقْبَى الدَّائِمَةِ، وَ الْكَرَامَةِ الْبَارِدَةِ.


( 110 )

4 . الإخبار عن وحشية الحجاج بن يوسف

أَمَا وَاللهِ، لَيُسَلَّطَنَّ عَلَيْكُمْ غُلاَمُ ثَقِيف الذَّيَّالُ الْمَيَّالُ; يَأْكُلُ خَضِرَتَكُمْ، وَيُذِيبُ شَحْمَتَكُمْ، إِيه أَبَا وَذَحَةَ! الْوَذَحَةُ: الخُنْفُسَاءُ. وهذا القول يومئُ به إلى الحجاج، و له مع الوذحة حديث ليس هذا موضع ذكره.

117 ـ ومن كلام له (عليه السلام)

اخلاقي ، اقتصادي

توبيخ البخلاء

فَلاَ أَمْوَالَ بَذَلُْتمُوهَا لِلَّذِي رَزَقَهَا، وَلاَ أَنْفُسَ خَاطَرْتُمْ بِهَا لِلَّذِي خَلَقَهَا. تَكْرُمُونَ بِاللهِ عَلَى عِبَادِهِ، وَلاَ تُكْرِمُونَ اللهَ فِي عِبَادِهِ! فَاعْتَبِرُوا بِنُزُولِكُمْ مَنَازِلَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، وَانْقِطَاعِكُمْ عَنْ أَوْصَلِ (اصل ـ اهل) إِخْوَانِكُمْ!

118 ـ ومن كلام له (عليه السلام)

اخلاقي ، سياسي

الثّناء على المحسنين

أَنْتُمُ الاَْنْصَارُ عَلَى الْحَقِّ، وَالاِْخْوَانُ فِي الدِّينِ، وَالْجُنَنُ يَوْمَ الْبَأْسِ، وَالْبِطَانَةُ دُونَ (يوم) النَّاسِ، بِكُمْ أَضْرِبُ الْمُدْبِرَ، وَأَرْجُو طَاعَةَ الْمُقْبِلِ. فَأَعِينُونِي بِمُنَاصَحَة خَلِيَّة (جليّة) مِنَ الْغِشِّ، سَلِيمَة مِنَ الرَّيْبِ; فَوَاللهِ إِنِّي لاََوْلَى النَّاسِ بِالنَّاسِ!


( 111 )

119 ـ ومن كلام له (عليه السلام)

عقائدي ، سياسي

(وقد جمع الناس وحضهم على الجهاد فسكتوا ملياً)

فقال(عليه السلام): مَا بَالُكُمْ أَمُخْرَسُونَ أَنْتُمْ؟ فقال قوم منهم: يا أميرالمؤمنين، إن سرت سرنا معك.

1 . أسباب هلاكة الكوفيين

فقال(عليه السلام): مَا بَالُكُمْ! لاَ سُدِّدْتُمْ لِرُشْد! وَلاَ هُدِيتُمْ لِقَصْد! أَفِي مِثْلِ هذَا يَنْبَغِي لِي أَنْ أَخْرُجَ؟ وَإِنَّمَا يَخْرُجُ فِي مِثْلِ هذَا رَجُلٌ مِمَّنْ أَرْضَاهُ مِنْ شُجْعَانِكُمْ وَذُوِي بَأْسِكُمْ.

2 . مسئووليّات القائد

وَلاَ يَنْبَغِي لِي أَنْ أَدَعَ الْجُنْدَوَ الْمِصْرَ وَبَيْتَ الْمَالِ وَجِبَايَةَ الاَْرْضِ، وَالْقَضَاءَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَالنَّظَرَ فِي حُقُوقِ (حق) الْمُطَالِبِينَ، ثُمَّ أَخْرُجَ فِي كَتِيبَة أَتْبَعُ أُخْرَى، أَتَقَلْقَلُ تَقَلْقُلَ الْقِدْحِ فِي الْجَفِيرِ الْفَارِغِ. وَإِنَّمَا أَنَا قُطْبُ الرَّحَا، تَدُورُ عَلَيَّ وَأَنَا بِمَكَانِي، فَإِذَا فَارَقْتُهُ اسْتَحَارَ مَدَارُهَا، وَاضْطَرَبَ ثِفَالُهَا. هذَا لَعَمْرُ اللهِ الرَّأْيُ السُّوءُ. وَاللهِ لَوْلاَ رَجَائِي الشَّهَادَةَ عِنْدَ لِقَائِي الْعَدُوَّ ـ وَلَوْ قَدْ حُمَّ لِي لِقَاؤُهُ ـ لَقَرَّبْتُ رِكَابِي ثُمَّ شَخَصْتُ عَنْكُمْ فَلاَ أَطْلُبُكُمْ مَا اخْتَلَفَ جَنُوبٌ وَشَمَالٌ; طَعَّانِينَ عَيَّابِينَ، حَيَّادِينَ رَوَّاغِينَ. إِنَّهُ لاَ غَنَاءَ فِي كَثْرَةِ عَدَدِكُمْ مَعَ قِلَّةِ اجْتَِماعِ قُلُوبِكُمْ. لَقَدْ حَمَلْتُكُمْ عَلَى الطَّرِيقِ الْوَاضِحِ الَّتِي لاَ يَهْلِكُ عَلَيْهَا إِلاَّ هَالِكٌ، مَنِ اسْتَقَامَ فَإِلَى الْجَنَّةِ، وَمَنْ زَلَّ فَإِلَى النَّارِ!


( 112 )

120 ـ ومن كلام له (عليه السلام)

اخلاقي ، عقائدي

خصائص اهل البيت(عليهم السلام)

تَاللهِ لَقَدْ عُلِّمْتُ تَبْلِيغَ الرِّسَالاَتِ، وَإِتْمَامَ الْعِدَاتِ، وَتَمَامَ الْكَلِمَاتِ. وَعِنْدَنَا ـ أَهْلَ الْبَيْتِ ـ أَبْوَابُ الْحُكْمِ وَضِيَاءُ الاَْمْرِ. أَلاَ وَإِنَّ شَرَائِعَ الدِّينِ وَاحِدَةٌ، وَسُبُلَهُ قَاصِدَةٌ. مَنْ أَخَذَبِهَا لَحِقَ وَغَنِمَ، وَمَنْ وَقَفَ عَنْهَا ضَلَّ وَنَدِمَ. اعْمَلُوا لِيَوْم تُذْخَرُ لَهُ الذَّخَائِرُ، «وَتُبْلَى فِيهِ السَّرَائِرُ». وَمَنْ لاَ يَنْفَعُهُ حَاضِرُ لُبِّهِ فَعَازِبُهُ عَنْهُ أَعْجَزُ، وَغَائِبُهُ أَعْوَزُ. وَاتَّقُوا نَاراً حَرُّهَا شَدِيدٌ، وَقَعْرُهَا بَعِيدٌ، وَحِلْيَتُهَا حَدِيدٌ، وَشَرَابُهَا صَدِيدٌ. أَلاَ وَإِنَّ اللِّسَانَ الصَّالِحَ يَجْعَلُهُ اللهُ تَعَالى لِلْمَرْءِ فِي النَّاسِ، خَيْرٌ لَهُ مِنَ الْمَالِ يُورِثُهُ مَنْ لاَ يَحْمَدُهُ.

121 ـ ومن خطبة له (عليه السلام)

عقائدية ، سياسية

وقد قام إليه رجل من أصحابه فقال: نهيتنا عن الحكومة ثم أمرتنا بها، فلم ندر أي الأمرين أرشد؟ فصفق(عليه السلام) إحدى يديه على الأخرى ثم قال:

1 . أسباب القبول بالتحكيم

هذَا جَزَاءُ مَنْ تَرَكَ الْعُقْدَةَ! أَمَا وَاللهِ لَوْ أَنِّي حِينَ أَمَرْتُكُمْ بِهِ حَمَلْتُكُمْ عَلَى الْمَكْرُوهِ الَّذِي يَجْعَلُ اللهُ فِيهِ خَيْراً، فَإِنِ اسْتَقَمْتُمْ هَدَيْتُكُمْ وَإِنِ اعْوَجَجْتُمْ قَوَّمْتُكُمْ، وَإِنْ أَبَيْتُمْ تَدَارَكْتُكُمْ، لَكَانَتِ الْوُثْقَى. وَلكِنْ بِمَنْ؟ وَإِلَى مَنْ؟ أُرِيدُ أَنْ أُدَاوِيَ بِكُمْ وَأَنْتُمْ دَائِي، كَنَاقِشِ الشَّوْكَةِ بِالشَّوْكَةِ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ ضَلْعَهَا مَعَهَا! اللَّهُمَّ قَدْ مَلَّتْ أَطِبَّاءُ هذَا الدَّاءِ الدَّوِيِّ، وَكَلَّتِ النَّزْعَةُ بِأَشْطَانِ الرَّكِيِّ!


( 113 )

2 . صفات الشهّداء من أصحابه

أَيْنَ الْقَوْمُ الَّذِينَ دُعُوا إِلَى الاِْسْلاَمِ فَقَبِلُوهُ، وَقَرَؤُوا الْقُرْآنَ فَأَحْكَمُوهُ، وَهِيجُوا إِلى الْجِهَادِ فَوَلِهُوا وَلَهَ اللِّقَاحِ إِلَى أَوْلاَدِهَا، وَسَلَبُوا السُّيُوفَ أَغْمَادَهَا، وَأَخَذُوا بِأَطْرَافِ الاَْرْضِ زَحْفاً زَحْفاً، وَصَفّاً صَفّاً. بَعْضٌ هَلَكَ، وَبَعْضٌ نَجَا. لاَ يُبَشَّرُونَ بِالاَْحْيَاءِ، وَلاَ يُعَزَّوْنَ عَنِ الْمَوْتى (القتلى).

مُرْهُ الْعُيُونِ مِنَ الْبُكَاءِ، خُمْصُ الْبُطُونِ مِنَ الصِّيَامِ، ذُبُلُ الشِّفَاهِ مِنَ الدُّعَاءِ، صُفْرُ الاَْلْوَانِ مِنَ السَّهَرِ. عَلَى وُجُوهِهِمْ غَبَرَةُ الْخَاشِعِينَ. أُولئِكَ إِخْوَانِي الذَّاهِبُونَ. فَحَقَّ لَنَا أَنْ نَظْمَأَ إِلَيْهِمْ، وَ نَعَضَّ الاَْيْدِيَ عَلَى فِرَاقِهِمْ.

3 . التحذير من خدع الشيطان

إِنَّ الشَّيْطَانَ يُسَنِّي لَكُمْ طُرُقَهُ، وَ يُرِيدُ أَنْ يَحُلَّ دِينَكُمْ عُقْدَةً عُقْدَةً، وَ يُعْطِيَكُمْ بِالْجَمَاعَةِ الْفُرْقَةَ، وَبِالْفُرْقَةِ الْفِتْنَةَ. فَاصْدِفُوا عَنْ نَزَغَاتِهِ وَنَفَثَاتِهِ، وَ اقْبَلُوا النَّصِيحَةَ مِمَّنْ أَهْدَاهَا إِلَيْهِمْ، وَ اعْقِلُوهَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ .

122 ـ ومن كلام له (عليه السلام)

عقائدي ، سياسي

قاله للخوارج، وقد خرج إلى معسكرهم وهم مقيمون على إنكار الحكومة، فقال(عليه السلام):

أَكُلُّكُمْ شَهِدَمَعَنَا صِفِّينَ؟ فَقَالُوا: مِنَّا مَنْ شَهِدَ وَمِنَّا مَنْ لَمْ يَشْهَدْ. قَالَ : فَامْتَازُوا فِرْقَتَيْنِ، فَلْيَكُنْ مَنْ شَهِدَ صَفِّينَ فِرْقَةً، وَمَنْ لَمْ يَشْهَدْهَا فِرْقَةً، حَتَّى أُكَلِّمَ كُلاًّمِنْكُمْ بِكَلاَمِهِ. وَنَادَى النَّاسَ، فَقَالَ: أَمْسِكُوا عَنِ الْكَلاَمِ، وَأَنْصِتُوا لِقَوْلِي، وَأَقْبِلُوا بِأَفْئِدَتِكُمْ إِلَيَّ، فَمَنْ نَشَدْنَاهُ شَهَادَةً فَلْيَقُلْ بِعِلْمِهِ فِيهَا. ثُمَّ كَلَّمَهُمْ(عليه السلام)بِكَلاَم طَوِيل، مِنْ جُمْلَتِهِ أَنْ قَالَ(عليه السلام):


( 114 )

1 . سياسية رفع المصاحف الماكرة

أَلَمْ تَقُولُوا عِنْدَ رَفْعِهِمُ الْمَصَاحِفَ حِيلَةً وَغِيلَةً، وَمَكْراً وَخَدِيعَةً: إِخْوَانُنَا وَأَهْلُ دَعْوَتِنَا، اسْتَقَالُونَا وَاسْتَرَاحُوا إِلَى كِتَابِ اللهِ سُبْحَانَهُ، فَالرَّأْيُ الْقَبُولُ مِنْهُمْ وَالتَّنْفِيسُ عَنْهُمْ؟. فَقُلْتُ لَكُمْ: هذَا أَمْرٌ ظَاهِرُهُ إِيمَانٌ. وَبَاطِنُهُ عُدْوَانٌ، وَأَوَّلُهُ رَحْمَةٌ، وَآخِرُهُ نَدَامَةٌ. فَأَقِيمُوا عَلَى شَأْنِكُمْ، وَالْزَمُوا طَرِيقَتَكُمْ، وَعَضُّوا عَلَى الْجِهَادِ بِنَوَاجِذِكُمْ، وَلاَ تَلْتَفِتُوا إِلَى نَاعِق نَعَقَ: إِنْ أُجِيبَ أَضَلَّ، وَإِنْ تُرِكَ ذَلَّ. وَقَدْ كَانَتْ هذِهِ الْفَعْلَةُ. وَقَدْ رَأَيْتُكُمْ أَعْطَيْتُمُوهَا. وَاللهِ لَئِنْ أَبَيْتُهَامَا وَجَبَتْ عَلَيَّ فَرِيضَتُهَا، وَلاَ حَمَّلَنِي اللهُ ذَنْبَهَا. وَوَاللهِ إِنْ جِئْتُهَا إِنِّي لَلْمُحِقُّ الَّذِي يُتَّبَعُ; وَإِنَّ الْكِتَابَ لَمَعِي. مَا فَارَقْتُهُ مُذْ صَحِبْتُهُ.

2 . صفات المجاهدين من اصحاب النبىّ(صلى الله عليه وآله وسلم)

فَلَقَدْ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله وسلم)، وَإِنَّ الْقَتْلَ لَيَدُورُ عَلَى الاْبَاءِ وَالاَْبْنَاءِ وَالاِْخْوَانِ وَوَالْقَرَابَاتِ (الاقرباء)، فَمَا نَزْدَادُ عَلَى كُلِّ مُصِيبَة وَ شِدَّة إِلاَّ إِيمَاناً، وَمُضِيّاً عَلَى الْحَقِّ، وَتَسْلِيماً لِلاَْمْرِ، وَصَبْراً عَلَى مَضَضِ الْجِرَاحِ.

3 . علل مقاتلة اهل الشام

وَلكِنَّا إِنَّمَا أَصْبَحْنَا نُقَاتِلُ إِخْوَانَنَا فِي الاِْسْلاَمِ عَلَى مَا دَخَلَ فِيهِ مِنَ الزَّيْغِ وَالاِْعْوِجَاجِ، وَالشُّبْهَةِ وَالتَّأْوِيلِ. فَإِذَا طَمِعْنَا فِي خَصْلَة يَلُمُّ اللهُ بِهَا شَعَثَنَا، وَنَتَدَانَى بِهَا إِلَى الْبَقِيَّةِ فِيَما بَيْنَنَا، رَغِبْنَا فِيهَا، وَأَمْسَكْنَا عَمَّا سِوَاهَا.

 


( 115 )

123 ـ ومن كلام له (عليه السلام)

عسكري ، عقائدي

(قاله لأصحابه في ساحة الحرب بصفين)

1 . التوجيه المعنوي في الحرب

وَأَيُّ امْرِئ مِنْكُمْ أَحَسَّ مِنْ نَفْسِهِ رَبَاطَةَ جَأْش عِنْدَ اللِّقَاءِ، وَرَأَى مِنْ أَحَد مِنْ إِخْوَانِهِ فَشَلا فَلْيَذُبَّ (فليذبب) عَنْ أَخِيهِ بِفَضْلِ نَجْدَتِهِ الَّتِي فُضِّلَ بِهَا عَلَيْهِ كَمَا يَذُبُّ عَنْ نَفْسِهِ،فَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَعَلَهُ مِثْلَهُ. إِنَّ الْمَوْتَ طَالِبٌ حَثِيثٌ لاَ يَفُوتُهُ الْمُقِيمُ، وَلاَ يُعْجِزُهُ الْهَارِبُ. إِنَّ أَكْرَمَ الْمَوْتِ الْقَتْلُ! وَالَّذِي نَفْسُ ابْنِ أَبِي طَالِب بِيَدِهِ، لاََلْفُ ضَرْبَة بِالسَّيْفِ أَهْوَنُ عَلَيَّ مِنْ مِيتَة عَلَى الْفِرَاشِ فِي غَيْرِ طَاعَةِ اللهِ!

2 . تحذير من التقصير في الحرب

ومنه : وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْكُمْ تَكِشُّونَ كَشِيشَ الضِّبَابِ: لاَ تَأْخُذُونَ حَقّاً، وَلاَ تَمْنَعُونَ ضَيْماً، قَدْ خُلِّيتُمْ وَالطَّرِيقَ، فَالنَّجَاةُ لِلْمُقْتَحِمِ، وَالْهَلَكَةُ لِلْمُتَلَوِّمِ.

124 ـ ومن كلام له (عليه السلام)

عسكري

(في حث أصحابه على القتال)

1 . التوجيه العسكري

فَقَدِّمُوا الدَّارِعَ، وَأَخِّرُوا الْحَاسِرَ، وَعَضُّوا عَلَى الاَْضْرَاسِ، فَإِنَّهُ أَنْبَى لِلسُّيُوفِ عَنِ الْهَامِ; وَالْتَوُوا فِي أَطْرَافِ الرِّمَاحِ، فَإِنَّهُ أَمْوَرُ لِلاَْسِنَّةِ; وَغُضُّوا الاَْبْصَارَ فَإِنَّهُ أَرْبَطُ لِلْجَأْشِ، وَأَسْكَنُ لِلْقُلُوبِ; وَأَمِيتُوا الاَْصْوَاتَ، فَإِنَّهُ أَطْرَدُ لِلْفَشَلِ. وَرَايَتَكُمْ فَلاَ تُمِيلُوهَا وَلاَ تُخِلُّوهَا، وَلاَ تَجْعَلُوهَا إِلاَّ بِأَيْدِي شُجْعَانِكُمْ، وَالْمَانِعِينَ الذِّمَارَمِنْكُمْ، فَإِنَّ الصَّابِرِينَ عَلَى نُزُولِ الْحَقَائِقِ هُمُ الَّذِينَ يَحُفُّونَ بِرَايَاتِهِمْ،


( 116 )
وَيَكْتَنِفُونَهَا: حَفَافَيْهَا، وَوَرَاءَهَا، وَأَمَامَهَا; لاَ يَتَأَخَّرُونَ عَنْهَا فَيُسْلِمُوهَا، وَلاَ يَتَقَدَّمُونَ عَلَيْهَا فَيُفْرِدُوهَا. أَجْزَأَ امْرُؤٌ قِرْنَهُ، وَآسَى أَخَاهُ بِنَفْسِهِ، وَلَمْ يَكِلْ قِرْنَهُ إِلَى أَخِيهِ فَيَجْتَمِعَ عَلَيْهِ قِرْنُهُ وَقِرْنُ أَخِيهِ.

2 . التوجيه المعنوي للجنود

وَايْمُ اللهِ لَئِنْ فَرَرْتُمْ مِنْ سَيْفِ الْعَاجِلَةِ (الآخر)، لاَ تَسْلَمُوا مِنْ سَيْفِ الاْخِرَةِ،وَأَنْتُمْ لَهَامِيمُ الْعَرَبِ، وَالسَّنَامُ الاَْعْظَمُ. إِنَّ فِي الْفِرَارِ مَوْجِدَةَ اللهِ، وَالذُّلَّ اللاَّزِمَ، وَالْعَارَ الْبَاقِيَ.وَإِنَّ الْفَارَّ لَغَيْرُ مَزِيد فِي عُمُرِهِ، وَلاَ مَحْجُوز (محجوب) بَيْنَهُ وَبَيْنَ يَوْمِهِ. مَنِ الرَّائِحُ إِلَى اللهِ كَالظَّمْآنِ يَرِدُ الْمَاءَ؟ الْجَنَّةُ تَحْتَ أَطْرافِ الْعَوَالِي! الْيَوْمَ تُبْلَى الاَْخْبَارُ (الاخيار) ! وَاللهُ لاََنَا أَشْوَقُ إِلَى لِقَائِهِمْ مِنْهُمْ إِلَى دِيَارِهِمْ. اللَّهُمَّ فَإِنْ رَدُّوا الْحَقَّ فَافْضُضْ جَمَاعَتَهُمْ، وَشَتِّتْ كَلِمَتَهُمْ، وَأَبْسِلْهُمْ بِخَطَايَاهُمْ.

3 . ضرورة مواصلة القتال

إِنَّهُمْ لَنْ يَزُولُوا عَنْ مَوَاقِفِهِمْ دُونَ طَعْن دِرَاك: يَخْرُجُ مِنْهُمُ النَّسِيمُ; وَضَرْب يَفْلِقُ الْهامَ وَيُطِيحُ الْعِظامَ وَيُنْدِرُ السَّوَاعِدَ وَالاَْقْدَامَ. وَحَتَّى يُرْمَوْا بِالْمَنَاسِرِ تَتْبَعُهَا الْمَنَاسِرُ; وَيُرْجَمُوا بِالْكَتَائِبِ تَقْفُوهَا الْحَلاَئِبُ (الجلائب) ; وَحَتَّى يُجَرَّ بِبِلاَدِهِمُ الْخَمِيسُ يَتْلُوهُ الْخَمِيسُ; وَحَتَّى تَدْعَقَ الْخُيُولُ فِي نَوَاحِرِ أَرْضِهِمْ، وَبِأَعْنَانِ مَسَارِبِهِمْ وَمَسَارِحِهِمْ.

أقول: الدعق: الدق، أي تدق الخيول بحوافرها أرضهم. ونواحر أرضهم: متقابلاتها. ويقال: منازل بني فلان تتناحر، أي تتقابل.

 


( 117 )

125 ـ ومن كلام له (عليه السلام)

سياسي ، عقائدي

(في التحكيم)

1 . ماهيّة التّحكيم

إِنَّا لَمْ نُحَكِّمِ الرِّجَالَ، وَإِنَّمَا حَكَّمْنَا الْقُرْآنَ. هذَا الْقُرْآنُ إِنَّمَا هُوَ خَطٌّ مَسْتُورٌ بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ، لاَ يَنْطِقُ بِلِسَان، وَلاَبُدَّ لَهُ مِنْ تَرْجُمَان. وَإِنَّمَا يَنْطِقُ عَنْهُ الرِّجَالُ. وَلَمَّا دَعَانَا الْقَوْمُ إِلَى أَنْ نُحَكِّمَ بَيْنَنَا الْقُرْآنَ لَمْ نَكُنِ الْفَرِيقَ الْمُتَوَلِّيَ عَنْ كِتَابِ اللهِ سُبْحانَهُ وَتَعَالى، وَقَدْ قَالَ اللهُ سُبْحانَهُ : (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْء فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ )(1) فَرَدُّهُ إِلَى اللهِ أَنْ نَحْكُمَ بِكِتَابِهِ، وَرَدُّهُ إِلَى الرَّسُولِ أَنْ نَأْخُذَ بِسُنَّتِهِ; فَإِذَا حُكِمَ بِالصَّدْقِ فِي كِتَابِ اللهِ، فَنَحْنُ أَحَقُّ النَّاسِ بِهِ، وَإِنْ حُكِمَ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله وسلم)، فَنَحْنُ أَحَقُّ النَّاسِ وَأَوْلاَهُمْ بِهَا. وَأَمَّا قَوْلُكُمْ: لِمَ جَعَلْتَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمْ أَجَلا فِي التَّحْكِيمِ؟ فَإِنَّمَا فَعَلْتُ ذلِكَ لِيَتَبَيَّنَ الْجَاهِلُ، وَيَتَثَبَّتَ الْعَالِمُ; وَلَعَلَّ اللهَ أَنْ يُصْلِحَ فِي هذِهِ الْهُدْنَةِ أَمْرَ هذِهِ الاُْمَّةِ; وَلاَ تُؤْخَذُ بِأَكْظَامِهَا، فَتَعْجَلَ عَنْ تَبَيُّنِ الْحَقِّ، وَتَنْقَادَ لاَِوَّلِ الْغَيِّ.

2 . علل توبيخ اهل الكوفة

إِنَّ أَفْضَلَ النَّاسِ عِنْدَ اللهِ مَنْ كَانَ الْعَمَلُ بِالْحَقِّ أَحَبَّ إِلَيْهِ ـ وَإِنْ نَقَصَهُ وَكَرَثَهُ ـ مِنَ الْبَاطِلِ وَإِنْ جَرَّ إِلَيْهِ فَائِدَةً وَزَادَهُ. فَأَيْنَ يُتَاهُ بِكُمْ! وَمِنْ أَيْنَ أُتِيْتُمْ! اسْتَعِدُّوا لِلْمَسِيرِ إِلَى قَوْم حَيَارَى عَنِ الْحَقِّ لاَ يُبْصِرُونَهُ، وَمُوزَعِينَ بِالْجَوْرِ لاَ يَعْدِلُونَ بِهِ، جُفَاة عَنِ الْكِتَابِ، نُكُب عَنِ الطَّرِيقِ.

مَا أَنْتُمْ بِوَثِيقَة يُعْلَقُ بِهَا، وَلاَ زَوَافِرِ عِزٍّ يُعْتَصَمُ إِلَيْهَا. لَبِئْسَ حُشَّاشُ نَارِ الْحَرْبِ أَنْتُمْ! أُفٍّ لَكُمْ! لَقَدْ لَقِيتُ مِنْكُمْ بَرْحاً، يَوْماً أُنَادِيكُمْ وَيَوْماً أُنَاجِيكُمْ، فَلاَ أَحْرَارُ صِدْق عِنْدِ النِّدَاءِ (اللّقاء)، وَلاَ إِخْوَانُ ثِقَة عِنْدَ النَّجَاءِ!.

ــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ النساء: 59.