http://www.imamsadeq.orgكتاب نهج البلاغة للإمام علي بن أبي طالب عليه السلام من ص 118 ـ 148 ص

( 118 )

126 ـ ومن كلام له (عليه السلام)

سياسي ، عقائدي

(لما عوتب على التسوية في العطاء)

العدالة الاقتصاديّة

أَتَأْمُرُونِّي (اتأمروننى) أَنْ أَطْلُبَ النَّصْرَ بِالْجَوْرِ فِيمَنْ وُلِّيتُ عَلَيْهِ! وَاللهِ لاَ أَطُورُ بِهِ مَا سَمَرَ سَمِيرٌ، وَمَا أَمَّ نَجْمٌ فِي السَّمَاءِ نَجْماً! لَوْ كَانَ الْمَالُ لِي لَسَوَّيْتُ بَيْنَهُمْ، فَكَيْفَ وَإِنَّمَا الْمَالُ مَالُ اللهِ! أَلاَ وَإِنَّ إِعْطَاءَ الْمَالِ فِي غَيْرِ حَقِّهِ تَبْذِيرٌ وَإِسْرَافٌ، وَهُوَ يَرْفَعُ صَاحِبَهُ فِي الدُّنْيَا وَيَضَعُهُ فِي الاْخِرَةِ، وَيُكْرِمُهُ فِي النَّاسِ وَيُهِينُهُ عِنْدَ اللهِ. وَلَمْ يَضَعِ امْرُؤٌ مَالَهُ فِي غَيْرِ حَقِّهِ وَلاَ عِنْدَ غَيْرِ أَهْلِهِ إِلاَّ حَرَمَهُ اللهُ شُكْرَهُمْ، وَكَانَ لِغَيْرِهِ وُدُّهُمْ. فَإِنْ زَلَّتْ بِهِ النَّعْلُ يَوْماً فَاحْتَاجَ إِلَى مَعُونَتِهِمْ فَشَرُّ خَلِيل (خدين) وَأَلاَْمُ خَدِين!.

127 ـ ومن كلام له (عليه السلام)

سياسي ، عقائدي

(قاله للخوارج ايضاً)

1 . الكشف عن انحراف الخوارج

فَإِنْ أَبَيْتُمْ إِلاَّ أَنْ تَزْعُمُوا أَنِّي أَخْطَأْتُ وَضَلَلْتُ، فَلِمَ تُضَلِّلُونَ عَامَّةَ أُمَّةِ مُحَمَّد (صلى الله عليه وآله وسلم) ، بِضَلاَلِي، وَتَأْخُذُونَهُمْ بِخَطَئِي، وَتُكَفِّرُونَهُمْ بِذُنُوبِي! سُيُوفُكُمْ عَلَى عَوَاتِقِكُمْ تَضَعُونَهَا مَوَاضِعَ الْبُرْءِ (البراءة) وَالسُّقْمِ، وَتَخْلِطُونَ مَنْ أَذْنَبَ بِمَنْ لَمْ يُذْنِبْ. وَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ رَسُولِ اللهِ(صلى الله عليه وآله وسلم)رَجَمَ الزَّانِيَ الُْمحْصَنَ، ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهِ، ثُمَّ وَرَّثَهُ أَهْلَهُ; وَقَتَلَ الْقَاتِلَ (القائل) وَوَرَّثَ مِيرَاثَهُ أَهْلَهُ. وَقَطَعَ السَّارِقَ وَجَلَدَ الزَّانِيَ غَيْرَ الُْمحْصَنِ، ثُمَّ قَسَمَ عَلَيْهِمَا مِنَ الْفَيءِ، وَنَكَحَا الْمُسْلِمَاتِ. فَأَخَذَهُمْ رَسُولُ اللهِ(صلى الله عليه وآله وسلم)بِذُنُوبِهِمْ، وَأَقَامَ حَقَّ اللهِ فِيهِمْ، وَلَمْ يَمْنَعْهُمْ سَهْمَهُمْ مِنَ الاِْسْلاَمِ، وَلَمْ يُخْرِجْ أَسْمَاءَهُمْ مِنْ بَيْنِ أَهْلِهِ. ثُمَّ أَنْتُمْ شِرَارُ النَّاسِ، وَمَنْ رَمَى بِهِ الشَّيْطَانُ مَرَامِيَهُ، وَ ضَرَبَ بِهِ تِيهَهُ!


( 119 )

2 . اجتناب الافراط و التفريط بالنسبة إلى الامام على(عليه السلام)

وَسَيَهْلِكُ فِيَّ صِنْفَانِ: مُحِبٌّ مُفْرِطٌ يَذْهَبُ بِهِ الْحُبُّ إِلَى غَيْرِ الْحَقِّ، وَمُبْغِضٌ مُفْرِطٌ يَذْهَبُ بِهِ الْبُغْضُ إِلَى غَيْرِ الْحَقِّ، وَخَيْرُ النَّاسِ فِيَّ حَالا الَّنمَطُ الاَْوْسَطُ فَالْزَمُوهُ، وَالْزَمُوا السَّوَادَ الاَْعْظَمِ فَإِنَّ يَدَ اللهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ. وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ! فَإِنَّ الشَّاذَّ مِنَ النَّاسِ لِلشَّيْطَانِ، كَمَا أَنَّ الشَّاذَّ مِنَ الْغَنَمِ لِلذِّئْبِ. أَلاَ مَنْ دَعَا إِلَى هذَا الشِّعَارِ فَاقْتُلُوهُ، وَلَوْ كَانَ تَحْتَ عِمَامَتِي هذِهِ.

3 . أسباب قبول بالتّحكيم

فَإِنَّمَا حُكِّمَ اْلْحَكَمانِ لِيُحْيِيَا مَا أَحْيَا الْقُرْآنُ، وَيُمِيتَا مَا أَمَاتَ الْقُرْآنُ، وَإِحْيَاؤُهُ الاِْجْتَِماعُ عَلَيْهِ، وَإِمَاتَتُهُ الاِْفْتِرَاقُ عَنْهُ. فَإِنْ جَرَّنَا الْقُرْآنُ إِلَيْهِمُ اتَّبَعْنَاهُمْ، وَإِنْ جَرَّهُمْ إِلَيْنَا اتَّبَعُونَا. فَلَمْ آتِ. لاَ أَبَالَكُمْ بُجْراً، وَلاَ خَتَلْتُكُمْ عَنْ أَمْرِكُمْ، وَلاَ لَبَّسْتُهُ عَلَيْكُمْ، إِنَّمَا اجْتَمَعَ رَأْيُ مَلَئِكُمْ عَلَى اخْتِيَارِ رَجُلَيْنِ، أَخَذْنَا عَلَيْهِمَا أَلاَّ يَتَعَدَّيَا الْقُرْآنَ، فَتَاهَا عَنْهُ، وَتَرَكَا الْحَقَّ وَهُمَا يُبْصِرَانِهِ، وَكَانَ الْجَوْرُ هَوَاهُمَا فَمَضَيَا عَلَيْهِ. وَقَدْ سَبَقَ اسْتِثْنَاؤُنَا عَلَيْهِمَا ـ فِي الْحُكُومَةِ بِالْعَدْلِ، وَالصَّمْدِ لِلْحَقِّ ـ سُوءَ رَأْيِهِمَا، وَجَوْرَ حُكْمِهِمَا.

128 ـ ومن كلام له (عليه السلام)

سياسي ، تاريخي ، علمي ، عقائدي

(فيما يخبر به عن الملاحم بالبصرة)

1 . الإخبار عن حوادث المستقبلية بالبصرة

يَا أَحْنَفُ، كَأَنِّي بِهِ وَقَدْ سَارَ بِالْجَيْشِ الَّذِي لاَ يَكُونُ لَهُ غُبَارٌ وَلاَ لَجَبٌ، وَلاَ قَعْقَعَةُ لُجُم، وَلاَ حَمْحَمَةُ خَيْل. يُثِيرُونَ الاَْرْضَ بِأَقْدَامِهِمْ كَأَنَّهَا أَقْدَامُ النَّعَامِ.

قال الشريف: يومئ بذلك إلى صاحب الزّنْج.

ثمّ قال(عليه السلام) : وَيْلٌ لِسِكَكِكُمُ الْعَامِرَةِ، وَالدُّورِ الْمُزَخْرَفَةِ الَّتِي لَهَا أَجْنِحَةٌ كَأَجْنِحَةِ النُّسُورِ،


( 120 )
وَخَرَاطِيمُ كَخَرَاطِيمِ الْفِيلَةِ، مِنْ أُولئِكَ الَّذِينَ لاَ يُنْدَبُ قَتِيلُهُمْ، وَلاَ يُفْقَدُ غَائِبُهُمْ. أَنَاكَابُّ الدُّنْيَا لِوَجْهِهَا، وَقَادِرُهَا بِقَدْرِهَا، وَ نَاظِرُهَا بِعَيْنِهَا.

2 . صفات الأتراك

كَأَنِّي أَرَاهُمْ (انظر اليهم) قَوْماً « كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الَْمجَانُّ الْمُطَرَّقَةُ»، يَلْبَسُونَ السَّرَقَ وَ الدِّيبَاجَ، وَيَعْتَقِبُونَ الْخَيْلَ الْعِتَاقَ. وَيَكُونُ هُنَاكَ اسْتِحْرَارُ قَتْل حَتَّى يَمْشِيَ الَْمجْرُوحُ عَلَى الْمَقْتُولِ، وَيَكُونَ الْمُفْلِتُ أَقَلَّ مِنَ الْمَأْسُورِ!

فقال له بعض أصحابه : لقد أُعطيت يا أمير المؤمنين علم الغيب! فضحك(عليه السلام)، وقال للرجل، و كان كلبياً :

3 . العِلم بالغيب

يَا أَخَا كَلْب، لَيْسَ هُوَ بِعِلْمِ غَيْب، وَإِنَّمَا هُوَ تَعَلُّمٌ مِنْ ذِي عِلْم. وَإِنَّمَا عِلْمُ الْغَيْبِ عِلْمُ السَّاعَةِ، وَمَا عَدَّدَهُ اللهُ سُبْحانَهُ بِقَوْلِهِ: (إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ، وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ، وَيَعْلَمُ مَا فِي الاَْرْحَامِ، وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً، وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْض تَمُوتُ... )(1). فَيَعْلَمُ اللهُ سُبْحانَهُ مَا فِي الاَْرْحَامِ مِنْ ذَكَر أَوْ أُنْثَى، وَقَبِيح أَوْ جَمِيل، وَسَخِيٍّ أَوْ بَخِيل، وَشَقِيٍّ أَوْ سَعِيد، وَمَنْ يَكُونُ فِي النَّارِ حَطَباً، أَوْ فِي الْجِنَانِ لِلنَّبِيِّينَ مُرَافِقاً. فَهذَا عِلْمُ الْغَيْبِ الَّذِي لاَ يَعْلَمُهُ أَحَدٌ إِلاَّ اللهُ. وَمَا سِوَى ذلِكَ فَعِلْمٌ عَلَّمَهُ اللهُ نَبِيَّهُ فَعَلَّمَنِيهِ، وَدَعَا لِي بِأَنْ يَعِيَهُ صَدْرِي، وَتَضْطَمَّ عَلَيْهِ جَوَانِحِي (جوارحى).

 

ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . لقمان: 34.

( 121 )

129 ـ ومن خطبة له (عليه السلام)

اخلاقية ، سياسية (في ذكر الموازين و المكاييل)

1 . صفة الامّة الممسوخة

عِبَادَ اللهِ، إِنَّكُمْ ـ وَمَا تَأْمُلُونَ مِنْ هذِهِ الدُّنْيَا ـ أَثْوِيَاءُ (أسويا) مُؤَجَّلُونَ، وَمَدِينُونَ مُقْتَضُوْنَ: أَجَلٌ مَنْقُوصٌ، وَعَمَلٌ مَحْفُوظٌ. فَرُبَّ دَائِب مُضَيَّعٌ، وَرُبَّ كَادِح خَاسِرٌ. وَقَدْ أَصْبَحْتُمْ فِي زَمَن لاَ يَزْدَادُ الْخَيْرُ فِيهِ إِلاَّ إِدْبَاراً، وَلاَالشَّرُّ فِيهِ إِلاَّ إِقْبَالا، وَلاَ الشَّيْطَانُ فِي هَلاَكِ النَّاسِ إِلاَّ طَمَعاً. فَهذَا أَوَانٌ قَوِيَتْ عُدَّتُهُ، وَعَمَّتْ مَكِيدَتُهُ، وَأَمْكَنَتْ فَرِيسَتُهُ. اضْرِبْ بِطَرْفِكَ حَيْثُ شِئْتَ مِنَ النَّاسِ، فَهَلْ تُبْصِرُ (تنظر) إِلاَّ فَقِيراً يُكَابِدُ فَقْراً، أَوْ غَنِيَّاً بَدَّلَ نِعْمَةَ اللهِ كُفْراً، أَوْ بَخِيلا اتَّخَذَ الْبُخْلَ بِحَقِّ اللهِ وَفْراً، أَوْ مُتَمَرِّداً كَأَنَّ بِأُذُنِهِ عَنْ سَمْعِ الْمَوَاعِظِ وَقْراً!

2 . الاعتبار بالدنيا

أَيْنَ أَخْيَارُكُمْ وَصُلَحَاؤُكُمْ! وَأَيْنَ أَحْرَارُكُمْ وَسُمَحَاؤُكُمْ! وَأَيْنَ الْمُتَوَّرِعُونَ فِي مَكَاسِبِهِمْ، وَالْمُتَنَزِّهُونَ فِي مَذَاهِبِهِمْ! أَلَيْسَ قَدْ ظَعَنُوا جَمِيعاً عَنْ هذِهِ الدُّنْيَا الدَّنِيَّةِ، وَالْعَاجِلَةِ الْمُنَغِّصَةِ، وَهَلْ خُلِقْتُمْ إِلاَّ فِي حُثَالَة لاَ تَلْتَقِي إِلاَّ بِذَمِّهِمُ الشَّفَتَانِ، اسْتِصْغَاراً لِقَدْرِهِمْ، وَذَهَاباً عَنْ ذِكْرِهِمْ! «فَإِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ!» ظَهَرَ الْفَسَادُ، فَلاَ مُنْكِرٌ مُغَيِّرٌ، وَلاَ زَاجِرٌ مُزْدَجِرٌ. أَفَبِهذَا تُرِيدُونَ أَنْ تُجَاوِرُوا اللهَ فِي دَارِ قُدْسِهِ، وَتَكُونُوا أَعَزَّ أَوْلِيَائِهِ عِنْدَهُ؟  هَيْهَاتَ! لاَ يُخْدَعُ اللهُ عَنْ جَنَّتِهِ، وَلاَ تُنَالُ مَرْضَاتُهُ إِلاَّ بِطَاعَتِهِ. لَعَنَ اللهُ الاْمِرِينَ بِالْمَعْرُوفِ التَّارِكِينَ لَهُ، وَالنَّاهِينَ عَنِ الْمُنْكَرِ الْعَامِلِينَ بِهِ!

 


( 122 )

130 ـ ومن كلام له (عليه السلام)

سياسي ، تاريخي ، عقائدي

(لأبي ذر رحمه الله لما أخرج إلى الربذة)

التوجّه إلى اللّه في الجهاد

يَا أَبَاذَر، إِنَّكَ غَضِبْتَ لِلّهِ،فَارْجُ مَنْ غَضِبْتَ لَهُ. إِنَّ الْقَوْمَ خَافُوكَ عَلَى دُنْيَاهُمْ،وَخِفْتَهُمْ عَلَى دِينِكَ، فَاتْرُكْ فِي أَيْدِيهِمْ مَا خَافُوكَ عَلَيْهِ، وَاهْرُبْ مِنْهُمْ بِمَا خِفْتَهُمْ عَلَيْهِ; فَمَا أَحْوَجَهُمْ إِلَى مَا مَنَعْتَهُمْ، وَمَا أَغْنَاكَ عَمَّا مَنَعُوكَ!  وَسَتَعْلَمُ مَنِ الرَّابِحُ غَداً، وَالاَْكْثَرُ حُسَّداً (خسّراً). وَلَوْ أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالاَْرَضِينَ كَانَتَا عَلَى عَبْد رَتْقاً، ثُمَّ اتَّقَى اللهَ، لَجَعَلَ اللهُ لَهُ مِنْهُمَا مَخْرَجاً! لاَ يُؤْنِسَنَّكَ إِلاَّ الْحَقُّ، وَلاَ يُوحِشَنَّكَ إِلاَّ الْبَاطِلُ، فَلَوْ قَبِلْتَ دُنْيَاهُمْ لاََحَبُّوكَ، وَلَوْقَرَضْتَ مِنْهَا لاََمَّنُوكَ.

131 ـ ومن كلام له (عليه السلام)

سياسي ، تاريخي ، عقائدي

1 . توبيخ الكوفييّن

أَيَّتُهَا النُّفُوسُ الُْمخْتَلِفَةُ، وَالْقُلُوبُ الْمُتَشَتِّتَةُ، الشَّاهِدَةُ أَبْدَانُهُمْ، وَالْغَائِبَةُ عَنْهُمْ عُقُولُهُمْ، أَظْأَرُكُمْ عَلَى الْحَقِّ وَأَنْتُمْ تَنْفِرُونَ عَنْهُ نُفُورَ الْمِعْزَى مِنْ وَعْوَعَةِ الاَْسَدِ! هَيْهَاتَ أَنْ أَطْلَعَ بِكُمْ سَرَارَ الْعَدْلِ، أَوْ أُقِيمَ اعْوِجَاجَ الْحَقِّ.

2 . أهداف الحكومة الاسلاميّة

اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنِ الَّذِي كَانَ مِنَّا مُنَافَسَةً فِي سُلْطَان، وَلاَالِْتمَاسَ شَيْء مِنْ فُضُولِ الْحُطَامِ، وَلكِنْ لِنَرِدَ الْمَعَالِمَ مِنْ دِينِكَ، وَنُظْهِرَ الاِْصْلاَحَ فِي بِلاَدِكَ، فَيَأْمَنَ الْمَظْلُومُونَ مِنْ عِبَادِكَ،


( 123 )
وَتُقَامَ الْمُعَطَّلَةُ مِنْ حُدُودِكَ.

3 . صفات القائد الاسلامى

اللَّهُمَّ إِنِّي أَوَّلُ مَنْ أَنَابَ، وَسَمِعَ وَأَجَابَ، لَمْ يَسْبِقْنِي إِلاَّ رَسُولُ اللهِ(صلى الله عليه وآله وسلم) بِالصَّلاَةِ. وَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّهُ لاَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْوَالِي عَلَى الْفُرُوجِ وَالدِّمَاءِ وَالْمَغَانِمِ وَالاَْحْكَامِ وَإِمَامَةِ الْمُسْلِمِينَ الْبَخِيلُ، فَتَكُونَ فِي أَمْوَالِهِمْ نَهْمَتُهُ. وَلاَ الْجَاهِلُ فَيُضِلَّهُمْ بِجَهْلِهِ، وَلاَ الْجَافِي فَيَقْطَعَهُمْ بِجَفَائِهِ، وَلاَ الْحَائِفُ (الجائف) لِلدُّوَلِ فَيَتَّخِذَ قَوْماً دُونَ قَوْم، وَلاَ الْمُرْتَشِي فِي الْحُكْمِ فَيَذْهَبَ بِالْحُقُوقِ، وَيَقِفَ بِهَا دُونَ الْمَقَاطِعِ، وَلاَ الْمُعَطِّلُ لِلسُّنَّةِ فَيُهْلِكَ الاُْمَّةَ.

132 ـ ومن خطبة له (عليه السلام)

عقائدية ، اخلاقية

1 . حمد الله و معرفته تعالى

نَحْمَدُهُ عَلَى مَا أَخَذَ وَأَعْطَى، وَعَلَى مَا أَبْلَى وَابْتَلَى. الْبَاطِنُ لِكُلِّ خَفِيَّة، وَالْحَاضِرُ لِكُلِّ سَرِيرَة، الْعَالِمُ بِمَا تُكِنُّ الصُّدُورُ، وَمَا تَخُونُ الْعُيُونُ. وَنَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ غَيْرُهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً نَجِيبُهُ (نجيّه) وَبَعِيثُهُ، شَهَادَةً يُوَافِقُ فِيهَا السِّرُّ الاِْعْلاَنَ، وَالْقَلْبُ اللِّسَانَ.

2 . ذكر الموت

ومنها : فَإِنَّهُ وَاللهِ الْجِدُّ لاَ اللَّعِبُ، وَالْحَقُّ لاَ الْكَذِبُ. وَمَا هُوَ إِلاَّ الْمَوْتُ أَسْمَعَ دَاعِيهِ، وَأَعْجَلَ حَادِيهِ.

فَلاَ يَغُرَّنَّكَ سَوَادُ النَّاسِ مِنْ نَفْسِكَ. وَقَدْ رَأَيْتَ مَنْ كَانَ قَبْلَكَ مِمَّنْ جَمَعَ الْمَالَ وَحَذِرَ الاِْقْلاَلَ،


( 124 )
وَأَمِنَ الْعَوَاقِبَ ـ طُولَ أَمَل وَاسْتِبْعَادَ أَجَل ـ كَيْفَ نَزَلَ بِهِ الْمَوْتُ فَأَزْعَجَهُ عَنْ وَطَنِهِ، وَأَخَذَهُ مِنْ مَأْمَنِهِ، مَحْمُولا عَلَى أَعْوَادِ الْمَنَايَا يَتَعَاطَى بِهِ الرِّجَالُ الرِّجَالَ، حَمْلا عَلَى الْمَنَاكِبِ وَإِمْسَاكاً بِالاَْنَامِلِ.

أَمَا رَأَيْتُمُ الَّذِينَ يَأْمُلُونَ بَعِيداً، وَيَبْنُونَ مَشِيداً، وَيَجْمَعُونَ كَثِيراً! كَيْفَ أَصْبَحَتْ بُيُوتُهُمْ قُبُوراً، وَمَا جَمَعُوا بُوراً; وَصَارَتْ أَمْوَالُهُمْ لِلْوَارِثِينَ، وَأَزْوَاجُهُمْ لِقَوْم آخَرِينَ; لاَ فِي حَسَنَة يَزِيْدُونَ، وَلاَ مِنْ سَيِّئَة يَسْتَعْتِبُونَ!

3 . الأسلوب الامثل في مواجهة الدنيا

فَمَنْ أَشْعَرَ التَّقْوَى قَلْبَهُ بَرَّزَ مَهَلُهُ، وَفَازَ عَمَلُهُ. فَاهْتَبِلُوا هَبَلَهَا، وَاعْمَلُوا لِلْجَنَّةِ عَمَلَهَا: فَإِنَّ الدُّنْيَا لَمْ تُخْلَقْ لَكُمْ دَارَ مُقَام، بَلْ خُلِقَتْ لَكُمْ مَجَازاً لِتَزَوَّدُوا مِنْهَا الاَْعْمَالَ إِلَى دَارِ الْقَرَارِ. فَكُونُوا مِنْهَا عَلَى أَوْفَاز. وَقَرِّبُوا الظُّهُورَ لِلزِّيَالِ (للزّوال).

133 ـ ومن خطبة له (عليه السلام)

عقائدية ، اخلاقية

1 . عظمة الله تعالى

وَانْقَادَتْ لَهُ الدُّنْيَا وَالاْخِرَةُ بِأَزِمَّتِهَا، وَقَذَفَتْ إِلَيْهِ السَّماوَاتُ وَالاَْرَضُونَ مَقَالِيدَهَا، وَسَجَدَتْ لَهُ بِالْغُدُوِّ وَالاْصَالِ الاَْشْجَارُ النَّاضِرَةُ، وَقَدَحَتْ لَهُ مِنْ قُضْبَانِهَا النِّيرَانَ الْمُضِيئَةَ، وَآتَتْ أُكُلَهَا بِكَلِمَاتِهِ الِّثمَارُ الْيَانِعَةُ.

2 . خصائص القرآن

منها : وَكِتَابُ اللهِ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ نَاطِقٌ لاَ يَعْيَا لِسَانُهُ، وَبَيْتٌ لاَ تُهْدَمُ أَرْكَانُهُ، وَعِزٌّ لاَ تُهْزَمُ أَعْوَانُهُ.


( 125 )

3 . خصائص النّبىّ(صلى الله عليه وآله وسلم)

منها : أَرْسَلَهُ عَلَى حِينِ فَتْرَة مِنَ الرُّسُلِ، وَتَنَازُع مِنَ الاَْلْسُنِ، فَقَفَّى بِهِ الرُّسُلَ، وَخَتَمَ بِهِ الْوَحْيَ، فَجَاهَدَ فِي اللهِ الْمُدْبِرِينَ عَنْهُ، وَالْعَادِلِينَ بِهِ.

4 . كيفيّة التعامل مع الدنيا

منها : وَإِنَّمَا الدُّنْيَا مُنْتَهَى بَصَرِ الاَْعْمَى، لاَ يُبْصِرُ مِمَّا وَرَاءَهَا شَيْئاً، وَالْبَصِيرُ يَنْفُذُهَا بَصَرُهُ، وَيَعْلَمُ أَنَّ الدَّارَ وَرَاءَهَا. فَالْبَصِيرُ مِنْهَا شَاخِصٌ، وَالاَْعْمَى إِلَيْهَا شَاخِصٌ. وَالْبَصِيرُ مِنْهَا مُتَزَوِّدٌ، وَ الاَْعْمَى لَهَا مُتَزَوِّدٌ.

5 . نصائح خالدة

منها : وَاعْلَمُوا أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَيْء إِلاَّ وَيَكَادُ صَاحِبُهُ يَشْبَعُ مِنْهُوَيَمَلُّهُ إِلاَّ الْحَيَاةَ فَإِنَّهُ لاَيَجِدُ فِي الْمَوْتِ رَاحَةً. وَإِنَّمَا ذلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْحِكْمَةِ الَّتِي هِيَ حَيَاةٌ لِلْقَلْبِ الْمَيِّتِ، وَبَصَرٌ لِلْعَيْنِ الْعَمْيَاءِ، وَسَمْعٌ لِلاُْذُنِ الصَّمَّاءِ، وَرِيٌّ لِلظَّمْآنِ، وَفِيهَا الْغِنَى كُلُّهُ وَالسَّلاَمَةُ.

6 . هداية القرآن

كِتَابُ اللهِ تُبْصِرُونَ بِهِ، وَتَنْطِقُونَ بِهِ، وَتَسْمَعُونَ بِهِ، وَيَنْطِقُ بَعْضُهُ بِبَعْض، وَيَشْهَدُ بَعْضُهُ عَلَى بَعْض، وَلاَ يَخْتَلِفُ فِي اللهِ، وَلاَ يُخَالِفُ بِصَاحِبِهِ عَنِ اللهِ.

7 . أسباب سقوط الامّة

قَدِ اصْطَلَحْتُمْ عَلَى الْغِلِّ فِيَما بَيْنَكُمْ، وَنَبَتَ الْمَرْعَى عَلَى دِمَنِكُمْ. وَتَصَافَيْتُمْ عَلَى حُبِّ الاْمَالِ، وَتَعَادَيْتُمْ فِي كَسْبِ الاَْمْوَالِ. لَقَدِ اسْتَهَامَ بِكُمُ الْخَبِيثُ، وَتَاهَ بِكُمُ الْغُرُورُ، وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى نَفْسِي وَأَنْفُسِكُمْ.


( 126 )

134 ـ ومن كلام له (عليه السلام)

عقائدي ، سياسي

(وقد شاوره عمر بن الخطاب في الخروج إلى غزو الروم)

المشورة العسكريّة

وَقَدْ تَوَكَّلَ اللهُ لاَِهْلِ هذَا الدِّينِ بِإِعْزَازِ الْحَوْزَةِ، وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ. وَالَّذِي نَصَرَهُمْ، وَهُمْ قَلِيلٌ لاَ يَنْتَصِرُونَ، وَمَنَعَهُمْ وَهُمْ قَلِيلٌ لاَ يَمْتَنِعُونَ، حَيٌّ لاَ يَمُوتُ. إِنَّكَ مَتَى تَسِرْ (تسير) إِلَى هذَا الْعَدُوِّ بِنَفْسِكَ، فَتَلْقَهُمْ فَتُنْكَبْ، لاَ تَكُنْ لِلْمُسْلِمِينَ كَانِفَةٌ (كهفه) دُونَ أَقْصَى بِلاَدِهِمْ. لَيْسَ بَعْدَكَ مَرْجِعٌ يَرْجِعُونَ إِلَيْهِ. فَابْعَثْ إِلَيْهِمْ رَجُلا مِحْرَباً، وَ احْفِزْ مَعَهُ أَهْلَ الْبَلاَءِ وَالنَّصِيحَةِ، فَإِنْ أَظْهَرَ اللهُ فَذَاكَ مَا تُحِبُّ، وَإِنْ تَكُنِ الاُْخْرَى، كُنْتَ رِدْأً لِلنَّاسِ وَ مَثَابَةً لِلْمُسْلِمِينَ.

135 ـ ومن كلام له (عليه السلام)

سياسي

وقد وقعت مشاجرة بينه وبين عثمان فقال المغيرة بن الأخنس لعثمان : أنا أكفيكه، فقال علي (عليه السلام)للمغيرة :

اعداء الامام(عليه السلام)

يَا بْنَ اللَّعِينِ الاَْبْتَرِ، وَالشَّجَرَةِ الَّتِي لاَ أَصْلَ لَهَا وَلاَ فَرْعَ، أَنْتَ تَكْفِينِي؟ فَوَ اللهِ مَا أَعَزَّ اللهُ مَنْ أَنْتَ نَاصِرُهُ، وَلاَ قَامَ مَنْ أَنْتَ مُنْهِضُهُ. اخْرُجْ عَنَّا أَبْعَدَ اللهُ نَوَاكَ، ثُمَّ ابْلُغْ جَهْدَكَ، فَلاَ أَبْقَى اللهُ عَلَيْكَ إِنْ أَبْقَيْتَ!

 


( 127 )

136 ـ ومن كلام له (عليه السلام)

سياسي ، عقائدي

البيعة الفريدة

لَمْ تَكُنْ بَيْعَتُكُمْ إِيَّايَ فَلْتَةً، وَلَيْسَ أَمْرِي وَأَمْرُكُمْ وَاحِداً. إِنِّي أُرِيدُكُمْ لِلّهِ وَ أَنْتُمْ تُرِيدُونَنِي لاَِنْفُسِكُمْ. أَيُّهَا النَّاسُ، أَعِينُونِي عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَايْمُ اللهِ لاَُنْصِفَنَّ الْمَظْلُومَ مِنْ ظَالِمِهِ، وَلاََقُودَنَّ الظَّالِمَ بِخِزَامَتِهِ، حَتَّى أُورِدَهُ مَنْهَلَ الْحَقِّ وَإِنْ كَانَ كَارِهاً.

137 ـ ومن كلام له (عليه السلام)

سياسي ، عقائدي

(في معنى طلحة و الزّبير)

1 . معرفة طلحة والزّبير

وَاللهِ مَا أَنْكَرُوا عَلَيَّ مُنْكَراً، وَلاَ جَعَلُو بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ نِصْفاً. وَإِنَّهُمْ لَيَطْلُبُونَ حَقّاً هُمْ تَرَكُوهُ، وَدَماً هُمْ سَفَكُوهُ، فَإِنْ كُنْتُ شَرِيكَهُمْ فِيهِ، فَإِنَّ لَهُمْ نَصِيبَهُمْ مِنْهُ، وَإِنْ كَانُوا وَلُوهُ دُونِي فَمَا الطَّلِبَةُ إِلاَّ قِبَلَهُمْ. وَإِنَّ أَوَّلَ عَدْلِهِمْ لَلْحُكْمُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ. إِنَّ مَعِي لَبَصِيرَتِي مَا لَبَسْتُ وَلاَلُبِسَ عَلَيَّ.

وَإِنَّهَا لَلْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ (الناكثة) فِيهَا الْحَمَأُوَ الْحُمَّةُ، وَالشُّبْهَةُ الْمُغْدِفَةُ; وَإِنَّ الاَْمْرَ لَوَاضِحٌ; وَقَدْ زَاحَ الْبَاطِلُ عَنْ نِصَابِهِ، وَانْقَطَعَ لِسَانُهُ عَنْ شَغَبِهِ. وَايْمُ اللهِ لاَُفْرِطَنَّ لَهُمْ حَوْضاً أَنَا مَاتِحُهُ، لاَ يَصْدُرُونَ عَنْهُ بِرِيٍّ، وَلاَ يَعُبُّونَ بَعْدَهُ فِي حَسْي!

2 . البيعة العديمة النظير

و منه : فَأَقْبَلْتُمْ إِلَيَّ إِقْبَالَ الْعُوذِ الْمَطَافِيلِ عَلَى أَوْلاَدِهَا، تَقُولُونَ: الْبَيْعَةَ الْبَيْعَةَ! قَبَضْتُ كَفِّي


( 128 )
فَبَسَطْتُمُوهَا، وَنَازَعَتْكُمْ يَدِي فَجَاذَبْتُمُوهَا.

3 . الشكوى من طلحة و الزّبير

اللَّهُمَّ إِنَّهُمَا قَطَعَانِي وَظَلَمَانِي، وَنَكَثَا بَيْعَتِي، وَأَلَّبَا النَّاسَ عَلَيَّ; فَاحْلُلْ مَا عَقَدَا، وَلاَ تُحْكِمْ لَهُمَا مَا أَبْرَمَا، وَأَرِهِمَا الْمَسَاءَةَ فِيَما أَمَّلا وَعِمَلاَ. وَلَقَدِ اسْتَثَبْتُهُمَا قَبْلَ الْقِتَالِ، وَاسْتَأْنَيْتُ بِهِمَا أَمَامَ الْوِقَاعِ، فَغَمَطَا النِّعْمَةَ، وَرَدَّا الْعَافِيَةَ.

138 ـ ومن خطبة له (عليه السلام)

سياسية ، تاريخية ، عقائدية

(يؤمى فيها إلى ذكر الملاحم)

1 . الإخبار عن ظهور المهدى(عليه السلام) و نظام حكومته

يَعْطِفُ الْهَوَى عَلَى الْهُدَى، إِذَا عَطَفُوا الْهُدَى عَلَى الْهَوَى، وَيَعْطِفُ الرَّأْيَ عَلَى الْقُرْآنِ إِذَا عَطَفُوا الْقُرْآنَ عَلَى الرَّأْيِ. ومنها : حَتَّى تَقُومَ الْحَرْبُ بِكُمْ عَلَى سَاق، بَادِياً نَوَاجِذُهَا، مَمْلُوءَةً أَخْلاَفُهَا، حُلْواً رَضَاعُهَا، عَلْقَماً عَاقِبَتُهَا. أَلاَ وَفِي غَد ـ وَسَيَأْتِي غَدٌ بِمَا لاَ تَعْرِفُونَ ـ يَأْخُذُ الْوَالِي مِنْ غَيْرِهَا عُمَّالَهَا عَلَى مَسَاوِئِ أَعْمَالِهَا، وَتُخْرِجُ لَهُ الاَْرْضُ أَفَالِيذَ كَبِدِهَا، وَتُلْقِي إِلَيْهِ سِلْماً مَقَالِيدَهَا، فَيُرِيكُمْ كَيْفَ عَدْلُ السِّيرَةِ، وَيُحْيِي مَيِّتَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.

2 . الاخبار عن هجوم عبدالملك بن مروان على الكوفة

منها : كَأَنِّي بِهِ قَدْ نَعَقَ بِالشَّامِ، وَفَحَصَ بِرَايَاتِهِ فِي ضَوَاحِي كُوفَانَ، فَعَطَفَ عَلَيْهَا عَطْفَ الضَّرُوسِ، وَفَرَشَ الاَْرْضَ بِالرُّؤُوسِ. قَدْ فَغَرَتْ فَاغِرَتُهُ، وَثَقُلَتْ (نفلت) فِي الاَْرْضِ وَطْأَتُهُ، بَعِيدَ الْجَوْلَةِ، عَظِيمَ الصَّوْلَةِ. وَاللهِ لَيُشَرِّدَنَّكُمْ فِي أَطْرَافِ الاَْرْضِ حَتَّى لاَ يَبْقَى مِنْكُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ، كَالْكُحْلِ فِي الْعَيْنِ، فَلاَ تَزَالُونَ كَذلِكَ، حَتَّى تَؤُوبَ إِلَى الْعَرَبِ عَوَازِبُ أَحْلاَمِهَا! فَالْزَمُوا السُّنَنَ الْقَائِمَةَ، وَالاْثَارَ الْبَيِّنَةَ، وَالْعَهْدَ الْقَرِيبَ الَّذِي عَلَيْهِ بَاقِي النُّبُوَّةِ. وَاعْلَمُوا أَنَّ الشَّيْطَانَ إِنَّمَا يُسَنِّي لَكُمْ طُرُقَهُ لِتَتَّبِعُوا عَقِبَهُ.


( 129 )

139 ـ ومن كلام له (عليه السلام)

سياسي ، عقائدي

(في وقت الشورى)

خصائص الامام على(عليه السلام)

لَنْ يُسْرِعَ أَحَدٌ قَبْلِي إِلَى دَعْوَةِ حَقٍّ، وَصِلَةِ رَحِم، وَعَائِدَةِ كَرَم. فَاسْمَعُوا قَوْلِي، وَعُوا مَنْطِقِي; عَسَى أَنْ تَرَوْا هذَا الاَْمْرَ مِنْ بَعْدِ هذَا الْيَوْمِ تُنْتَضَى فِيهِ السُّيُوفُ، وَتُخَانُ فِيهِ الْعُهُودُ، حَتَّى يَكُونَ بَعْضُكُمْ أَئِمَّةً لاَِهْلِ الضَّلاَلَةِ، وَشِيعَةً لاَِهْلِ الْجَهَالَةِ.

140 ـ ومن كلام له (عليه السلام)

اخلاقي

(في النّهى عن عيب النّاس)

التحذير من الغيبة و الّنميمة

وَإِنَّمَا يَنْبَغِي لاَِهْلِ الْعِصْمَةِ وَالْمَصْنُوعِ إِلَيْهِمْ فِي السَّلاَمَةِ أَنْ يَرْحَمُوا أَهْلَ الذُّنُوبِ وَالْمَعْصِيَةِ، وَيَكُونَ الشُّكْرُهُوَ الْغَالِبَ عَلَيْهِمْ، وَالْحَاجِزَ لَهُمْ عَنْهُمْ، فَكَيْفَ بِالْعَائِبِ الَّذِي عَابَ أَخَاهُ وَعَيَّرَهُ بِبَلْوَاهُ! أَمَا ذَكَرَ مَوْضِعَ سَتْرِ اللهِ عَلَيْهِ مِنْ ذُنُوبِهِ مِمَّا هُوَ أَعْظَمُ مِنَ الذَّنْبِ الَّذِي عَابَهُ بِهِ! وَكَيْفَ يَذُمُّهُ بِذَنْب قَدْ رَكِبَ مِثْلَهُ! فَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَكِبَ ذلِكَ الذَّنْبَ بِعَيْنِهِ فَقَدْ عَصَى اللهَ فِيَما سِوَاهُ، مِمَّا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ. وَايْمُ اللهِ لَئِنْ لَمْ يَكُنْ عَصَاهُ فِي الْكَبِيرِ، وَعَصَاهُ فِي الصَّغِيرِ، لَجَرَاءَتُهُ عَلَى عَيْبِ النَّاسِ أَكْبَرُ! يَا عَبْدَ اللهِ، لاَ تَعْجَلْ فِي عَيْبِ أَحَد (عبد) بِذَنْبِهِ، فَلَعَلَّهُ مَغْفُورٌ لَهُ، وَلاَ تَأْمَنْ عَلَى نَفْسِكَ صَغِيرَ مَعْصِيَة، فَلَعَلَّكَ مُعَذَّبٌ عَلَيْهِ. فَلْيَكْفُفْ مَنْ عَلِمَ مِنْكُمْ عَيْبَ غَيْرِهِ لِمَا يَعْلَمُ مِنْ عَيْبِ نَفْسِهِ، وَلْيَكُنِ الشُّكْرُ شَاغِلا لَهُ عَلَى مُعَافَاتِهِ مِمَّا ابْتُلِيَ بِهِ غَيْرُهُ.


( 130 )

141 ـ ومن كلام له (عليه السلام)

اخلاقي ، عقائدي

1 . التحذير من سماع الغيبة

أَيُّهَا النَّاسُ، مَنْ عَرَفَ مِنْ أَخِيهِ وَثِيقَةَ دِين وَسَدَادَ طَرِيق، فَلاَ يَسْمَعَنَّ فِيهِ أَقَاوِيلَ الرِّجَالِ (الناس). أَمَا إِنَّهُ قَدْ يَرْمِي الرَّامِي، وَتُخْطِئُ السِّهَامُ، وَيُحِيلُ (يحيك) الْكَلاَمُ، وَبَاطِلُ ذلِكَ يَبُورُ، وَاللهُ سَمِيعٌ وَشَهِيدٌ. أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ إِلاَّ أَرْبَعُ أَصَابِعَ.

2 . معرفة الحق و الباطل

فسئل(عليه السلام): عن معنى قوله هذا، فجمع أصابعه ووضعها بين أذنه و عينه ثم قال:

الْبَاطِلُ أَنْ تَقُولَ سَمِعْتُ، وَالْحَقُّ أَنْ تَقُولَ رَأَيْتُ!

142 ـ ومن كلام له (عليه السلام)

اخلاقي ، اقتصادي

منزلة البذل و الاحسان

وَلَيْسَ لِوَاضِعِ الْمَعْرُوفِ فِي غَيْرِ حَقِّهِ، وَعِنْدَ غَيْرِ أَهْلِهِ، مِنَ الْحَظِّ فِيَما أَتَى إِلاَّ مَحْمَدَةُ اللِّئَامِ، وَثَنَاءُ الاَْشْرَارِ، وَمَقَالَةُ الْجُهَّالِ، مَا دَامَ مُنْعِماً عَلَيْهِمْ; مَا أَجْوَدَ يَدَهُ! وَهُوَ عَنْ ذَاتِ اللهِ بَخِيلٌ! فَمَنْ آتَاهُ اللهُ مَالا فَلْيَصِلْ بِهِ الْقَرَابَةَ، وَلْيُحْسِنْ مِنْهُ الضِّيَافَةَ، وَلْيَفُكَّ بِهِ الاَْسِيرَوَ الْعَانِيَ، وَلْيُعْطِ مِنْهُ الْفَقِيرَ وَالْغَارِمَ، وَلْيَصْبِرْ نَفْسَهُ عَلَى الْحُقُوقِ وَالنَّوَائِبِ، ابْتِغَاءَ الثَّوَابِ; فَإِنَّ فَوْزاً بِهذِهِ الْخِصَالِ شَرَفُ مَكَارِمِ الدُّنْيَا، وَدَرْكُ فَضَائِلِ الاْخِرَةِ; إِنْ شَاءَ اللهُ.


( 131 )

143 ـ ومن خطبة له (عليه السلام)

اخلاقية

(في الاستسقاء)

1 . الكون في خدمة الإنسان

أَلاَ وَإِنَّ الاَْرْضَ الَّتِي تُقِلُّكُمْ (تحملكم)، وَالسَّمَاءَ الَّتِي تُظِلُّكُمْ، مُطِيعَتَانِ لِرَبِّكُمْ، وَمَا أَصْبَحَتَا تَجُودَانِ لَكُمْ بِبَرَكَتِهِمَا تَوَجُّعاً لَكُمْ، وَلاَ زُلْفَةً إِلَيْكُمْ، وَلاَ لِخَيْر تَرْجُوَانِهِ مِنْكُمْ، وَلكِنْ أُمِرَتَا بِمَنَافِعِكُمْ فَأَطَاعَتَا، وَأُقِيمَتَا عَلَى حُدُودِ مَصَالِحِكُمْ فَقَامَتَا.

2 . الغاية من الامتحان

إِنَّ اللهَ يَبْتَلِي عِبَادَهُ عِنْدَ الاَْعْمَالِ السَّيِّئَةِ بِنَقْصِ الَّثمَرَاتِ، وَحَبْسِ الْبَرَكَاتِ، وَإِغْلاَقِ خَزَائِنِ الْخَيْرَاتِ، لِيَتُوبَ تَائِبٌ، وَيُقْلِعَ مُقْلِعٌ، وَيَتَذَكَّرَ مُتَذَكِّرٌ، وَيَزْدَجِرَ مُزْدَجِرٌ.وَقَدْ جَعَلَ اللهُ سُبْحانَهُ الاِْسْتِغْفَارَ سَبَباً لِدُرُورِ الرِّزْقِ وَرَحْمَةِ الْخَلْقِ، فَقَالَ سُبْحانَهُ : (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً. يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً. وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَال وَبَنِينَوَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّات وَ يَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً ).(1) فَرَحِمَ اللهُ امْرَأً اسْتَقْبَلَ تَوْبَتَهُ، وَاسْتَقَالَ خَطِيئَتَهُ، وَبَادَرَ مَنِيَّتَهُ!

3 . الدعاء لنزول الغيث

اللَّهُمَّ إِنَّا خَرَجْنَا إِلَيْكَ مِنْ تَحْتِ الاَْسْتَارِ وَالاَْكْنَانِ، وَبَعْدَ عَجِيجِ الْبَهَائِمِ وَالْوِلْدَانِ، رَاغِبِينَ فِي رَحْمَتِكَ، وَرَاجِينَ فَضْلَ نِعْمَتِكَ، وَخَائِفِينَ مِنْ عَذَابِكَ وَنِقْمَتِكَ. اللَّهُمَّ فَاسْقِنَا غَيْثَكَ وَلاَ تَجْعَلْنَا مِنَ الْقَانِطِينَ، وَلاَ تُهْلِكْنَا بِالسِّنِينَ، « وَلاَ تُؤَاخِذْنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا»; يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. اللَّهُمَّ إِنَّا خَرَجْنَا إِلَيْكَ نَشْكُو إِلَيْكَ مَالاَ يَخْفَى عَلَيْكَ، حِينَ أَلْجَأَتْنَا الْمَضَايِقُ الْوَعْرَةُ، وَأَجَاءَتْنَا الْمَقَاحِطُ الُْمجْدِبَةُ، وَأَعْيَتْنَا الْمَطَالِبُ الْمُتَعَسِّرَةُ، وَتَلاَحَمَتْ عَلَيْنَا الْفِتَنُ (المحن) الْمُسْتَصْعِبَةُ. اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَلاَّ تَرُدَّنَا

ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . نوح: 10 ـ 12.

( 132 )
خَائِبِينَ، وَلاَ تَقْلِبَنَا وَاجِمِينَ. وَلاَ تُخَاطِبَنَا بِذُنُوبِنَا، وَلاَ تُقَايِسَنَا (تناقشنا) بِأَعْمَالِنَا. اللَّهُمَّ انْشُرْ عَلَيْنَا غَيْثَكَ وَبَرَكَتَكَ، وَرِزْقَكَ وَرَحْمَتَكَ; وَاسْقِنَا سُقْيَا نَاقِعَةً مُرْوِيَةً (مرّية) مُعْشِبَةً، تُنْبِتُ بِهَا مَا قَدْ فَاتَ، وَتُحْيِي بِهَا مَا قَدْ مَاتَ، نَافِعَةَ (ناقعة) الْحَيَا، كَثِيرَةَ الُْمجْتَنَى، تُرْوِي بِهَا الْقِيعَانَ، وَتُسِيلُ الْبُطْنَانَ، وَتَسْتَوْرِقُ الاَْشْجَارَ، وَتُرْخِصُ الاَْسْعَارَ; (إِنَّكَ عَلَى مَا تَشَاءُ قَدِيرٌ).(1)

144 ـ ومن خطبة له (عليه السلام)

عقائدية ، اخلاقية

1 . الحكمة من بعثة الرُسّلُ

بَعَثَ اللهُ رُسُلَهُ بِمَا خَصَّهُمْ بِهِ مِنْ وَحْيِهِ، وَجَعَلَهُمْ حُجَّةً لَهُ عَلَى خَلْقِهِ، لِئَلاَّ تَجِبَ الْحُجَّةُ لَهُمْ بِتَرْكِ الاِْعْذَارِ اِلَيْهِمْ، فَدَعَاهُمْ بِلِسَانِ الصِّدْقِ إِلَى سَبِيلِ الْحَقِّ. أَلاَ إِنَّ اللهَ تَعَالى قَدْ كَشَفَ الْخَلْقَ كَشْفَةً; لاَ أَنَّهُ جَهِلَ مَا أَخْفَوْهُ مِنْ مَصُونِ أَسْرَارِهِمْ وَمَكْنُونِ ضَمَائِرِهِمْ; وَلكِنْ (لِيَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلا)(2) ، فَيَكُونَ الثَّوَابُ جَزَاءً، وَالْعِقَابُ بَوَاءً.

2 . خصائص الأئمة الأثني عشر

أَيْنَ الَّذِينَ زَعَمُوا أَنَّهُمُ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ دُونَنَا، كَذِباً وَبَغْياً عَلَيْنَا، أَنْ رَفَعَنَا اللهُ وَوَضَعَهُمْ، وَأَعْطَانَا وَحَرَمَهُمْ، وَأَدْخَلَنَا وَأَخْرَجَهُمْ. بِنَا يُسْتَعْطَى الْهُدَى، وَيُسْتَجْلَى الْعَمَى. إِنَّ الاَْئِمَّةَ مِنْ قُرَيْش غُرِسُوا فِي هذَا الْبَطْنِ مِنْ هَاشِم; لاَ تَصْلُحُ عَلَى سِوَاهُمْ، وَلاَ تَصْلُحُ الْوُلاَةُ مِنْ غَيْرِهِمْ.

ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . آل عمران: 26.
2 . هود: 7.

( 133 )

3 . التعريف باهل الضلال و عبدالملك

و منها : آثَرُوا عَاجِلا وَأَخَّرُوا آجِلا، وَتَرَكُوا صَافِياً، وَشَرِبُوا آجِناً، كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى فَاسِقِهِمْ وَقَدْ صَحِبَ الْمُنْكَرَ فَأَلِفَهُ، وَبَسِئَ بِهِ وَوَافَقَهُ، حَتَّى شَابَتْ عَلَيْهِ مَفَارِقُهُ، وَصُبِغَتْ بِهِ خَلاَئِقُهُ، ثُمَّ أَقْبَلَ مُزْبِداً كَالتَّيَّارِ لاَ يُبَالِي مَا غَرَّقَ، أَوْ كَوَقْعِ النَّارِ فِي الْهَشِيمِ لاَ يَحْفِلُ مَا حَرَّقَ (خرّق) !

4 . نصائح خالدة

أَيْنَ الْعُقُولُ الْمُسْتَصْبِحَةُ بِمَصَابِيحِ الْهُدَى، وَالاَْبْصَارُ الْلاَّمِحَةُ إِلَى مَنَارِ التَّقْوَى! أَيْنَ الْقُلُوبُ الَّتِي وُهِبَتْ لِلّهِ، وَعُوقِدَتْ عَلَى طَاعَةِ اللهِ! ازْدَحَمُوا عَلَى الْحُطَامِ، وَتَشَاحُّوا عَلَى الْحَرَامِ; وَرُفِعَ لَهُمْ عَلَمُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَصَرَفُوا عَنِ الْجَنَّةِ وُجُوهَهُمْ، وَأَقْبَلُوا إِلَى النَّارِ بِأَعْمَالِهِمْ; وَدَعَاهُمْ رَبُّهُمْ فَنَفَرُوا وَوَلَّوْا، وَدَعَاهُمُ الشَّيْطَانُ فَاسْتَجَابُوا وَ أَقْبَلُوا!

145 ـ ومن خطبة له (عليه السلام)

اخلاقية ، سياسية

1 . وصف الدنيا

أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا أَنْتُمْ فِي هذِهِ الدُّنْيَا غَرَضٌ تَنْتَضِلُ فِيهِ الْمَنَايَا، مَعَ كُلِّ جَرْعَة شَرَقٌ، وَفِي كُلِّ أَكْلَة غَصَصٌ! لاَ تَنَالُونَ مِنْهَا نِعْمَةً إِلاَّ بِفِرَاقِ أُخْرَى، وَلاَ يُعَمَّرُ مُعَمَّرٌ مِنْكُمْ يَوْماً مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ بِهَدْمِ آخَرَ مِنْ أَجَلِهِ، وَلاَ تُجَدَّدُ لَهُ زِيَادَةٌ فِي أَكْلِهِ إِلاَّ بِنَفَادِ مَا قَبْلَهَا مِنْ رِزْقِهِ; وَلاَ يَحْيَا لَهُ أَثَرٌ، إِلاَّ مَاتَ لَهُ أَثَرٌ; وَلاَ يَتَجَدَّدُ لَهُ جَدِيدٌ إِلاَّ بَعْدَ أَنْ يَخْلَقَ لَهُ جَدِيدٌ; وَلاَ تَقُومُ لَهُ نَابِتَةٌ إِلاَّ وَتَسْقُطُ مِنْهُ مَحْصُودَةٌ.

وَقَدْ مَضَتْ أُصُولٌ نَحْنُ فُرُوعُهَا، فَمَا بَقَاءُ فَرْع بَعْدَ ذَهَابِ أَصْلِهِ!


( 134 )

2 . نقد البدع

منها : وَمَا أُحْدِثَتْ بِدْعَةٌ إِلاَّ تُرِكَ بِهَا سُنَّةٌ. فَاتَّقُوا الْبِدَعَ، وَالْزَمُوا الْمَهْيَعَ. إِنَّ عَوَازِمَ الاُْمُورِ أَفْضَلُهَا، وَإِنَّ مُحْدِثَاتِهَا شِرَارُهَا.

146 ـ ومن كلام له (عليه السلام)

سياسي ، عسكري ، عقائدي

(وقد استشاره عمر بن الخطاب في الشخوص لقتال الفرس بنفسه)

1 . علل انتصار الاسلام

إِنَّ هذَا الاَْمْرَ لَمْ يَكُنْ نَصْرُهُ وَلاَ خِذْلاَنُهُ بِكَثْرَة وَلاَ بِقِلَّة. وَهُوَ دِينُ اللهِ الَّذِي أَظْهَرَهُ، وَجُنْدُهُ الَّذِي أَعَدَّهُ (أعزّه) وَأَمَدَّهُ (أيّده)، حَتَّى بَلَغَ مَا بَلَغَ، وَطَلَعَ حَيْثُ طَلَعَ; وَنَحْنُ عَلَى مَوْعُود مِنَ اللهِ، وَاللهُ مُنْجِزٌ وَعْدَهُ، وَنَاصِرٌ جُنْدَهُ. وَمَكَانُ الْقَيِّمِ بِالاَْمْرِ مَكَانُ النِّظَامِ مِنَ الْخَرَزِ يَجْمَعُهُ وَيَضُمُّهُ: فَإِنِ انْقَطَعَ النِّظَامُ تَفَرَّقَ الْخَرَزُ وَذَهَبَ، ثُمَّ لَمْ يَجْتَمِعْ بِحَذَافِيرِهِ أَبَداً. وَالْعَرَبُ الْيَوْمَ، وَإِنْ كَانُوا قَلِيلا، فَهُمْ كَثِيرُونَ بِالاِْسْلاَمِ، عَزِيزُونَ بِالاِْجْتَِماعِ! فَكُنْ قُطْباً، وَاسْتَدِرِ الرَّحَا بِالْعَرَبِ، وَأَصْلِهِمْ دُونَكَ نَارَ الْحَرْبِ، فَإِنَّكَ إِنْ شَخَصْتَ مِنْ هذِهِ الاَْرْضِ انْتَقَضَتْ عَلَيْكَ الْعَرَبُ مِنْ أَطْرَافِهَا وَأَقْطَارِهَا، حَتَّى يَكُونَ مَا تَدَعُ وَرَاءَكَ مِنَ الْعَوْرَاتِ أَهَمَّ إِلَيْكَ مِمَّا بَيْنَ يَدَيْكَ.

2 . المشورة العسكريّة

إِنَّ الاَْعَاجِمَ إِنْ يَنْظُرُوا إِلَيْكَ غَداً يَقُولُوا: هذَا أَصْلُ (رجل) الْعَرَبِ، فَإِذَا اقْتَطَعْتُمُوهُ اسْتَرَحْتُمْ، فَيَكُونَ ذلِكَ أَشَدَّ لِكَلَبِهِمْ عَلَيْكَ، وَطَمَعِهِمْ فِيكَ. فَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ مَسِيرِ الْقَوْمِ إِلَى قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّ اللهَ سُبْحانَهُ هُوَ أَكْرَهُ لِمَسِيرِهِمْ مِنْكَ، وَهُوَ أَقْدَرُ عَلَى تَغْيِيرِ مَا يَكْرَهُ. وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ عَدَدِهِمْ، فَإِنَّا لَمْ نَكُنْ نُقَاتِلُ فِيَما مَضَى بِالْكَثْرَةِ، وَإِنَّمَا كُنَّا نُقَاتِلُ بالنَّصْرِ وَالْمَعُونَةِ!


( 135 )

147 ـ ومن خطبة له (عليه السلام)

سياسية ، عقائدية ، اخلاقية

1 . الغاية من بعثة النّبىّ(صلى الله عليه وآله وسلم)

فَبَعَثَ اللهُ مُحَمَّداً (صلى الله عليه وآله وسلم) ، بِالْحَقِّ لِيُخْرِجَ عِبَادَهُ مِنْ عِبَادَةِ الاَْوْثَانِ إِلَى عِبَادَتِهِ، وَمِنْ طَاعَةِ الشَّيْطَانِ إِلَى طَاعَتِهِ، بِقُرْآن قَدْ بَيَّنَهُ وَأَحْكَمَهُ، لِيَعْلَمَ الْعِبَادُ رَبَّهُمْ إِذْ جَهِلُوهُ، وَلِيُقِرُّوا بِهِ بَعْدَ إِذْ جَحَدُوهُ، وَلِيُثْبِتُوهُ بَعْدَ إِذْ أَنْكَرُوهُ. فَتَجَلَّى لَهُمْ سُبْحانَهُ فِي كِتَابِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونُوا رَأَوْهُ بِمَا أَرَاهُمْ مِنْ قُدْرَتِهِ، وَخَوَّفَهُمْ مِنْ سَطْوَتِهِ، وَكَيْفَ مَحَقَ مَنْ مَحَقَ بِالْمَثُلاَتِ. وَاحْتَصَدَ مَنِ احْتَصَدَ بِالنَّقِمَاتِ!

2 . الإخبار عن المستقبل

وَإِنَّهُ سَيَأْتِي عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِي زَمَانٌ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ أَخْفَى مِنَ الْحَقِّ، وَلاَ أَظْهَرَ مِنَ الْبَاطِلِ، وَلاَ أَكْثَرَ مِنَ الْكَذِبِ عَلَى اللهِ وَرَسُولِهِ; وَلَيْسَ عِنْدَ أَهْلِ ذلِكَ الزَّمَانِ سِلْعَةٌ أَبْوَرَ مِنَ الْكِتَابِ إِذَا تُلِيَ حَقَّ تِلاَوَتِهِ، وَلاَ أَنْفَقَ مِنْهُ إِذَا حُرِّفَ عَنْ مَوَاضِعِهِ. وَلاَ فِي الْبِلاَدِ شَيْءٌ أَنْكَرَ مِنَ الْمَعْرُوفِ، وَلاَ أَعْرَفَ مِنَ الْمُنْكَرِ! فَقَدْ نَبَذَ الْكِتَابَ حَمَلَتُهُ، وَتَنَاسَاهُ حَفَظَتُهُ: فَالْكِتَابُ يَوْمَئِذ وَأَهْلُهُ طَرِيدَانِ مَنْفِيَّانِ، وَصَاحِبَانِ مُصْطَحِبَانِ فِي طَرِيق وَاحِد لاَ يُؤْوِيهِمَا مُؤْو. فَالْكِتَابُ وَأَهْلُهُ فِي ذلِكَ الزَّمَانِ فِي النَّاسِ وَلَيْسَا فِيهِمْ، وَمَعَهُمْ وَلَيْسَا مَعَهُمْ! لاَِنَّ الضَّلاَلَةَ لاَ تُوَافِقُ الْهُدَى، وَإِنِ اجْتَمَعَا. فَاجْتَمَعَ الْقَوْمُ عَلَى الْفُرْقَةِ، وَافْتَرَقُوا عَلَى الْجَمَاعَةِ، كَأَنَّهُمْ أَئِمَّةُ الْكِتَابِ وَلَيْسَ الْكِتَابُ إِمَامَهُمْ، فَلَمْ يَبْقَ عِنْدَهُمْ مِنْهُ إِلاَّ اسْمُهُ، وَلاَ يَعْرِفُونَ إِلاَّ خَطَّهُ وَزَبْرَهُ. وَمِنْ قَبْلُ مَا مَثَّلُوا بِالصَّالِحِينَ كُلَّ مُثْلَة، وَسَمَّوْا صِدْقَهُمْ عَلَى اللهِ فِرْيَةً، وَجَعَلُوا فِي الْحَسَنَةِ عُقُوبَةَ السَّيِّئَةِ. وَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِطُولِ آمَالِهِمْ وَتَغَيُّبِ آجَالِهِمْ، حَتَّى نَزَلَ بِهِمُ الْمَوْعُودُ الَّذِي تُرَدُّ عَنْهُ الْمَعْذِرَةُ، وَتُرْفَعُ عَنْهُ التَّوْبَةُ، وَتَحُلُّ مَعَهُ الْقَارِعَةُ وَالنِّقْمَةُ.


( 136 )

3 . نصائح حكيمة

أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ مَنِ اسْتَنْصَحَ اللهَ وُفِّقَ، وَمَنِ اتَّخَذَ قَوْلَهُ دَلِيلا هُدِيَ (لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ); فَإِنَّ جَارَ اللهِ آمِنٌ، وَعَدُوَّهُ خَائِفٌ; وَ إِنَّهُ لاَ يَنْبَغِي لِمَنْ عَرَفَ عَظَمَةَ اللهِ أَنْ يَتَعَظَّمَ، فَإِنَّ رِفْعَةَ الَّذِينَ يَعْلَمُونَ مَا عَظَمَتُهُ أَنْ يَتَوَاضَعُوا لَهُ، وَ سَلاَمَةَ الَّذِينَ يَعْلَمُونَ مَا قُدْرَتُهُ أَنْ يَسْتَسْلِمُوا لَهُ.

فَلاَ تَنْفِرُوا مِنَ الْحَقِّ نِفَارَ الصَّحِيحِ مِنَ الاَْجْرَبِ، وَالْبَارِي مِنْ ذِي السَّقَمِ. وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ لَنْ تَعْرِفُوا الرُّشْدَ حَتَّى تَعْرِفُوا الَّذِي تَرَكَهُ، وَلَنْ تَأْخُذُوا بِمِيثَاقِ الْكِتَابِ حَتَّى تَعْرِفُوا الَّذِي نَقَضَهُ، وَلَنْ تَمَسَّكُوا بِهِ حَتَّى تَعْرِفُوا الَّذِي نَبَذَهُ.

4 . خصوصيات اهل البيت(عليهم السلام)

فَالَْتمِسُوا ذلِكَ مِنْ عِنْدِ أَهْلِهِ، فَإِنَّهُمْ عَيْشُ الْعِلْمِ، وَمَوْتُ الْجَهْلِ. هُمُ الَّذِينَ يُخْبِرُكُمْ حُكْمُهُمْ (حلمهم) عَنْ عِلْمِهِمْ، وَصَمْتُهُمْ عَنْ مَنْطِقِهِمْ، وَظَاهِرُهُمْ عَنْ بَاطِنِهِمْ; لاَ يُخَالِفُونَ الدِّينَ وَلاَ يَخْتَلِفُونَ فِيهِ; فَهُوَ بَيْنَهُمْ شَاهِدٌ صَادِقٌ، وَصَامِتٌ نَاطِقٌ.

148 ـ ومن كلام له (عليه السلام)

سياسي

(في ذكر البصرة و أهلها)

صفات طلحة و الزبير

كُلُّ وَاحِد مِنْهُمَا يَرْجُو الاَْمْرَ لَهُ، وَيَعْطِفُهُ عَلَيْهِ دُونَ صَاحِبِهِ، لاَ يَمُتَّانِ إِلَى اللهِ بِحَبْل، وَلاَ يَمُدَّانِ إِلَيْهِ بِسَبَب. كُلُّ وَاحِد مِنْهُمَا حَامِلُ ضَبٍّ لِصَاحِبِهِ، وَعَمَّا قَلَيل يُكْشَفُ قِنَاعُهُ بِهِ! وَاللهِ لَئِنْ أَصَابُوا الَّذِي يُرِيدُونَ لَيَنْتَزِ عَنَّ هذَا نَفْسَ هذَا، وَلَيَأْتِيَنَّ هذَا عَلَى هذَا. قَدْ قَامَتِ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ، فَأَيْنَ الُْمحْتَسِبُونَ! فَقَدْ سُنَّتْ لَهُمُ السُّنَنُ، وَقُدِّمَ لَهُمُ الْخَبَرُ (الخير). وَلِكُلِّ ضَلَّة عِلَّةٌ، وَلِكُلِّ نَاكِث شُبْهَةٌ. وَاللهِ لاَ أَكُونُ كَمُسْتَمِعِ اللَّدْمِ، يَسْمَعُ النَّاعِيَ، وَيَحْضُرُ الْبَاكِيَ، ثُمَّ لاَ يَعْتَبِرُ!


( 137 )

149 ـ ومن كلام له (عليه السلام)

اخلاقي

(قبل شهادته)

1 . الموت

أَيُّهَا النَّاسُ، كُلُّ امْرِئ لاَق مَا يَفِرُّ مِنْهُ فِي فِرَارِهِ. الاَْجَلُ مَسَاقُ النَّفْسِ وَالْهَرَبُ مِنْهُ مُوَافَاتُهُ.

كَمْ أَطْرَدْتُ الاَْيَّامَ أَبْحَثُهَا عَنْ مَكْنُونِ هذَا الاَْمْرِ، فَأَبَى اللهُ إِلاَّ إِخْفَاءَهُ. هَيْهَاتَ! عِلْمٌ مَخْزُونٌ!

2 . وصايا اميرالمؤمنين(عليه السلام)

أَمَّا وَصِيَّتِي: فَاللهَ لاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً، وَمُحَمَّداً (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فَلاَ تُضَيِّعُوا سُنَّتَهُ. أَقِيمُوا هذَيْنِ الْعَمُودَيْنِ، وَأَوْقِدُوا هذَيْنِ الْمِصْبَاحَيْنِ، وَخَلاَكُمْ ذَمٌّ مَالَمْ تَشْرُدُوا. حُمِّلَ كُلُّ امْرِئ مِنْكُمْ مَجْهُودَهُ، وَخُفِّفَ عَنِ الْجَهَلَةِ. رَبٌّ رَحِيمٌ، وَدِينٌ قَوِيمٌ، وَإِمَامٌ عَلِيمٌ. أَنَا بِالاَْمْسِ صَاحِبُكُمْ، وَأَنَا الْيَوْمَ عِبْرَةٌ لَكُمْ، وَغَداً مُفَارِقُكُمْ! غَفَرَ اللهُ لِي وَلَكُمْ! إِنْ تَثْبُتِ الْوَطْأَةُ فِي هذِهِ الْمَزَلَّةِ (المنزلة) فَذَاكَ، وَإِنْ تَدْحَضِ الْقَدَمُ فَإِنَّا كُنَّافِي أَفْيَاءِ أَغْصَان، وَمَهَابِّ رِيَاح، وَتَحْتَ ظِلِّ غَمَام، اضْمَحَلَّ فِي الْجَوِّ مُتَلَفَّقُهَا، وَعَفَا فِي الاَْرْضِ مَخَطُّهَا. وَإِنَّمَا كُنْتُ جَاراً جَاوَرَكُمْ بَدَنِي أَيَّاماً، وَسَتُعْقَبُونَ مِنِّي جُثَّةً خَلاَءً: سَاكِنَةً بَعْدَ حَرَاك، وَصَامِتَةً بَعْدَ نُطْق. لِيَعِظْكُمْ هُدُوِّي، وَخُفُوتُ إِطْرَاقِي، وَسُكُونُ أَطْرَافِي، فَإِنَّهُ أَوْعَظُ لِلْمُعْتَبِرِينَ مِنَ الْمَنْطِقِ الْبَلِيغِ، وَالْقَوْلِ الْمَسْمُوعِ، وَدَاعِي لَكُمْ وَدَاعُ امْرِىء مُرْصِد لِلتَّلاَقِي! غَداً تَرَوْنَ أَيَّامِي، وَيُكْشَفُ لَكُمْ عَنْ سَرَائِرِي، وَتَعْرِفُونَنِي بَعْدَ خُلُوِّ مَكَانِي وَقِيَامِ غَيْرِي مَقَامِي (مكانى).


( 138 )

150 ـ ومن خطبة له (عليه السلام)

سياسية ، عقائدية

(يومى فيها إلى الملاحم)

1 . المستقبل و ظهور المهدى(عليه السلام)

وَأَخَذُوا يَمِيناً وَشِمَالا ظَعْناً (طعناً) فِي مَسَالِكِ الْغَيِّ، وَتَرْكاً لِمَذَاهِبِ الرُّشْدِ. فَلاَ تَسْتَعْجِلُوا مَا هُوَ كَائِنٌ مُرْصَدٌ، وَلاَ تَسْتَبْطِئُوا مَا يَجِيءُ بِهِ الْغَدُ. فَكَمْ مِنْ مُسْتَعْجِل بِمَا إِنْ أَدْرَكَهُ وَدَّأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْهُ. وَمَا أَقْرَبَ الْيَوْمَ مِنْ تَبَاشِيرِ غَد! يَا قَوْمِ، هذَا إِبَّانُ (إيّان) وُرُودِ كُلِّ مَوْعُود، وَدُنُوِّ مِنْ طَلْعَةِ مَا لاَ تَعْرِفُونَ.

2 . الغيبة الكبرى و حكومة المهدى(عليه السلام)

أَلاَ وَإِنَّ مَنْ أَدْرَكَهَا مِنَّا يَسْرِي فِيهَا بِسِرَاج مُنِير، وَيَحْذُو فِيهَا عَلَى مِثَالِ الصَّالِحِينَ، لِيَحُلَّ فِيهَا رِبْقاً، وَيُعْتِقَ فِيهَا رِقّاً، وَيَصْدَعَ شَعْباً، وَيَشْعَبَ صَدْعاً. فِي سُتْرَة عَنِ النَّاسِ لاَ يُبْصِرُ الْقَائِفُ أَثَرَهُ وَلَوْ تَابَعَ نَظَرَهُ. ثُمَّ لَيُشْحَذَنَّ فِيهَا قَوْمٌ شَحْذَ الْقَيْنِ النَّصْلَ. تُجْلَى بِالتَّنْزِيلِ أَبْصَارُهُمْ، وَ يُرْمَى بِالتَّفْسِيرِ فِي مَسَامِعِهِمْ، وَيُغْبَقُونَ كَأْسَ الْحِكْمَةِ بَعْدَ الصَّبُوحِ!

3 . المسلمون بعد رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم)

منها : وَطَالَ الاَْمَدُ بِهِمْ لِيَسْتَكْمِلُوا الْخِزْيَ، وَيَسْتَوْجِبُوا الْغِيَرَ; حَتَّى إِذَا اخْلَوْلَقَ الاَْجَلُ، وَاسْتَرَاحَ قَوْمٌ إِلَى الْفِتَنِ، وَأَشَالُوا عَنْ لَقَاحِ حَرْبِهِمْ، لَمْ يَمُنُّوا عَلَى اللهِ بِالصَّبْرِ، وَلَمْ يَسْتَعْظِمُوا بَذْلَ أَنْفُسِهِمْ فِي الْحَقِّ; حَتَّى إِذَا وَافَقَ وَارِدُ الْقَضَاءِ انْقِطَاعَ مُدَّةِ الْبَلاَءِ، حَمَلُوا بَصَائِرَهُمْ عَلَى أَسْيَافِهِمْ، وَدَانُوا لِرَبِّهِمْ بِأَمْرِ وَاعِظِهِمْ. حَتَّى إِذَا قَبَضَ اللهُ رَسُولَهُ (صلى الله عليه وآله وسلم)، رَجَعَ قَوْمٌ عَلَى الاَْعْقَابِ، وَغَالَتْهُمُ السُّبُلُ، وَاتَّكَلُوا عَلَى الْوَلاَئِجِ، وَوَصَلُوا غَيْرَ الرَّحِمِ، وَهَجَرُوا السَّبَبَ الَّذِي أُمِرُوا بِمَوَدَّتِهِ، وَنَقَلُوا الْبِنَاءَ عَنْ رَصِّ أَسَاسِهِ، فَبَنَوْهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ. مَعَادِنُ كُلِّ خَطِيئَة، وَأَبْوَابُ كُلِّ ضَارِب فِي غَمْرَة. قَدْ مَارُوا فِي الْحَيْرَةِ، وَذَهَلُوا فِي السَّكْرَةِ، عَلَى سُنَّة مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ: مِنْ مُنْقَطِع إِلَى الدُّنْيَا رَاكِن، أَوْ مُفَارِق لِلدِّينِ مُبَايِن.


( 139 )

151 ـ ومن خطبة له (عليه السلام)

عقائدية ، سياسية

1 . فضل الشهادتين

وَأَحْمَدَ اللهَ وَأَسْتَعِينُهُ عَلَى مَدَاحِرِ الشَّيْطَانِ وَمَزَاجِرِهِ (مزاحره)، وَالاِْعْتِصَامِ مِنْ حَبَائِلِهِ وَمَخَاتِلِهِ وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلْهَ إِلاَّ اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَنَجِيبُهُ وَصَفْوَتُهُ. لاَ يُؤَازَى فَضْلُهُ، وَلاَ يُجْبَرُ فَقْدُهُ. أَضَاءَتْ بِهِ الْبِلاَدُ بَعْدَ الضَّلاَلَةِ الْمُظْلِمَةِ، وَالْجَهَالَةِ الْغَالِبَةِ، وَالْجَفْوَةِ الْجَافِيَةِ; وَالنَّاسُ يَسْتَحِلُّونَ الْحَرِيمَ، وَيَسْتَذِلُّونَ الْحَكِيمَ (الحليم) ; يَحْيَوْنَ عَلَى فَتْرَة، وَيَمُوتُونَ عَلَى كَفْرَةِ!

2 . تحذير اهل الكوفة

ثُمَّ إِنَّكُمْ مَعْشَرَ الْعَرَبِ أَغْرَاضُ بَلاَيَا قَدِ اقْتَرَبَتْ. فَاتَّقُوا سَكَرَاتِ النِّعْمَةِ، وَاحْذَرُوا بَوَائِقَ النِّقْمَةِ، وَتَثَبَّتُوا فِي قَتَامِ الْعِشْوَةِ، وَاعْوِجَاجِ الْفِتْنَةِ عِنْدَ طُلُوعِ جَنِينِهَا، وَظُهُورِ كَمِينِهَا، وَانْتِصَابِ قُطْبِهَا، وَمَدَارِ رَحَاهَا. تَبْدَأُ فِي مَدَارِجَ خَفِيَّة، وَتَؤُولُ إِلَى فَظَاعَة جَلِيَّة. شِبَابُهَا كَشِبَابِ الْغُلاَمِ، وَآثَارُهَا كَآثَارِ السِّلاَمِ، يَتَوَارَثُهَا الظَّلَمَةُ بِالْعُهُودِ! أَوَّلُهُمْ قَائِدٌ لاِخِرِهِمْ، وَآخِرُهُمْ مُقْتَد بِأَوَّلِهِمْ.

يَتَنَافَسُونَ فِي دُنْيَادَنِيَّة، وَيَتَكَالَبُونَ (يتكالمون) عَلَى جِيفَة مُرِيحَة. وَعَنْ قَلِيل يَتَبَرَّأُ التَّابِعُ مِنَ الْمَتْبُوعِ، وَالْقَائِدُ مِنَ الْمَقُودِ، فَيَتَزَايَلُونَ بِالْبَغْضَاءِ، وَيَتَلاَعَنُونَ عِنْدَ اللِّقَاءِ (البقاء).

3 . الإخبار عن مستقبل العرب الدّامى

ثُمَّ يَأْتِي بَعْدَ ذلِكَ طَالِعُ الْفِتْنَةِ الرَّجُوفِ (الزجّوف)، وَالْقَاصِمَةِ الزَّحُوفِ، فَتَزِيغُ قُلُوبٌ بَعْدَ اسْتِقَامَة، وَتَضِلُّ رِجَالٌ بَعْدَ سَلاَمَة; وَتَخْتَلِفُ الاَْهْوَاءُ عِنْدَ هُجُومِهَا، وَتَلْتَبِسُ الاْرَاءُ عِنْدَ نُجُومِهَا. مَنْ أَشْرَفَ لَهَا قَصَمَتْهُ، وَمَنْ سَعَى فِيهَا حَطَمَتْهُ. يَتَكَادَمُونَ فِيهَا تَكَادُمَ الْحُمُرِ فِي الْعَانَةِ! قَدِ اضْطَرَبَ مَعْقُودُ


( 140 )
الْحَبْلِ. وَعَمِيَ وَجْهُ الاَْمْرِ. تَغِيضُ فِيهَا الْحِكْمَةُ، وَتَنْطِقُ فِيهَا الظَّلَمَةُ، وَتَدُقُّ أَهْلَ الْبَدْوِ بِمِسْحَلِهَا، وَتَرُضُّهُمْ بِكَلْكَلِهَا! يَضِيعُ فِي غُبَارِهَا الْوُحْدَانُ، وَيَهْلِكُ فِي طَرِيقِهَا الرُّكْبَانُ. تَرِدُ بِمُرِّ الْقَضَاءِ، وَتَحْلُبُ عَبِيطَ الدِّمَاءِ، وَتَثْلِمُ مَنَارَ الدِّينِ، وَتَنْقُضُ عَقْدَ الْيَقِينِ. يَهْرُبُ مِنْهَا الاَْكْيَاسُ، وَيُدَبِّرُهَا الاَْرْجَاسُ. مِرْعَادٌ مِبْرَاقٌ، كَاشِفَةٌ عَنْ سَاق! تُقْطَعُ فِيهَا الاَْرْحَامُ، وَيُفَارَقُ عَلَيْهَا الاِْسْلاَمُ! بِرِيُّهَا سَقِيمٌ، وَظَاعِنُهَا مُقِيمٌ! منها : بَيْنَ قَتِيل مَطْلُول، وَخَائِف مُسْتَجِير، يَخْتِلُونَ بِعَقْدِ الاَْيْمَانِ وَبِغُرُورِ الاِْيمَانِ.

4 . كيفية مواجهة الفتن

فَلاَ تَكُونُوا أَنْصَابَ (انصار) الْفِتَنِ، وَأَعْلاَمَ الْبِدَعِ; وَالْزَمُوا مَا عُقِدَ عَلَيْهِ حَبْلُ الْجَمَاعَةِ، وَبُنِيَتْ عَلَيْهِ أَرْكَانُ الطَّاعَةِ; وَاقْدَمُوا عَلَى اللهِ مَظْلُومِينَ، وَلاَ تَقْدِمُوا عَلَيْهِ ظَالِمِينَ; وَاتَّقُوا مَدَارِجَ الشَّيْطَانِ، وَمَهَابِطَ الْعُدْوَانِ; وَلاَ تُدْخِلُوا بُطُونَكُمْ لُعَقَ الْحَرَامِ، فَإِنَّكُمْ بِعَيْنِ مَنْ حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَعْصِيَةَ، وَسَهَّلَ لَكُمْ سُبُلَ الطَّاعَةِ.

152 ـ ومن خطبة له (عليه السلام)

عقائدية

1 . معرفة اللّه تعالى

الْحَمْدُ للهِ الدَّالِّ عَلَى وُجُودِهِ بِخَلْقِهِ، وَبِمُحْدَثِ خَلْقِهِ عَلَى أَزَلِيَّتِهِ; وَبِاشْتِبَاهِهِمْ عَلَى أَنْ لاَشَبَهَ لَهُ. لاَ تَسْتَلِمُهُ الْمَشَاعِرُ، وَلاَ تَحْجُبُهُ السَّوَاتِرُ، لاِفْتِرَاقِ الصَّانِعِ وَالْمَصْنُوعِ، وَالْحَادِّ وَالَْمحْدُودِ، وَالرَّبِّ وَالْمَرْبُوبِ. الاَْحَدِ بِلاَ تَأْوِيلِ عَدَد، وَالْخَالِقِ لاَ بِمَعْنَى حَرَكَة وَنَصَب، وَالسَّمِيعِ لاَ بِأَدَاة، وَالْبَصِيرِ لاَ بِتَفْرِيقِ آلَة، وَالشَّاهِدِ لاَ بِمُمَاسَّة، وَالْبَائِنِ لاَ بَتَرَاخِي مَسَافَة، وَالظَّاهِرِ لاَ بِرُؤْيَة، وَالْبَاطِنِ لاَ بِلَطَافَة. بَانَ مِنَ الاَْشْيَاءِ بِالْقَهْرِ لَهَا، وَالْقُدْرَةِ عَلَيْهَا، وَبَانَتِ الاَْشْيَاءُ مِنْهُ بِالْخُضُوعِ لَهُ، وَالرُّجُوعِ إِلَيْهِ. مَنْ وَصَفَهُ فَقَدْ


( 141 )
حَدَّهُ، وَمَنْ حَدَّهُ فَقَدْ عَدَّهُ، وَمَنْ عَدَّهُ فَقَدْ أَبْطَلَ أَزَلَهُ، وَمَنْ قَالَ: « كَيْفَ » فَقَدِ اسْتَوْصَفَهُ، وَمَنْ قَالَ: «أَيْنَ» فَقَدْ حَيَّزَهُ. عَالِمٌ إِذْ لاَ مَعْلُومٌ، وَرَبٌّ إِذْ لاَ مَرْبُوبٌ، وَقَادِرٌ إِذْ لاَ مَقْدُورٌ.

2 . فضل العترة في القرآن

منها : قَدْ طَلَعَ طَالِعٌ، وَلَمَعَ لاَمِعٌ، وَلاَحَ لاَئِحٌ، وَاعْتَدَلَ مَائِلٌ; وَاسْتَبْدَلَ اللهُ بِقَوْم قَوْماً، وَبِيَوْم يَوْماً; وَانْتَظَرْنَا الْغِيَرَ انْتِظَارَ الُْمجْدِبِ الْمَطَرَ. وَإِنَّمَا الاْئِمَّةُ قُوَّامُ اللهِ عَلَى خَلْقِهِ، وَعُرَفَاؤُهُ عَلَى عِبَادِهِ; وَلاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ عَرَفَهُمْ وَعَرَفُوهُ، وَلاَ يَدْخُلُ النَّارَ إِلاَّ مَنْ أَنْكَرَهُمْ وَأَنْكَرُوهُ.

إِنَّ اللهَ تَعَالى خَصَّكُمْ بِالاِْسْلاَمِ، وَاسْتَخْلَصَكُمْ لَهُ، وَذلِكَ لاَِنَّهُ اسْمُ سَلاَمَة، وَجِمَاعُ كَرَامَة اصْطَفَى اللهُ تَعَالى مَنْهَجَهُ.

3 . خصائص القرآن

وَبَيَّنَ حُجَجَهُ، مِنْ ظَاهِرِ عِلْم، وَبَاطِنِ حِكَم. لاَ تَفْنَى غَرَائِبُهُ، وَلاَ تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ. فِيهِ مَرَابِيعُ النِّعَمِ، وَمَصَابِيحُ الظُّلَمِ، لاَ تُفْتَحُ الْخَيْرَاتُ إِلاَّ بِمَفَاتِيحِهِ، وَلاَ تُكْشَفُ الظُّلُمَاتُ إِلاَّ بِمَصَابِيحِهِ.

قَدْ أَحْمَى حِمَاهُ، وَأَرْعَى مَرْعَاهُ. فِيهِ شِفَاءُ الْمُسْتَشْفِي، وَكِفَايَةُ الْمُكْتَفِي.

153 ـ ومن خطبة له (عليه السلام)

اخلاقية

1 . اهل الضلاّل

وَهُوَ فِي مُهْلَة مِنَ اللهِ يَهْوِي مَعَ الْغَافِلِينَ، وَيَغْدُو مَعَ الْمُذْنِبِينَ، بِلاَ سَبِيل قَاصِد، وَلاَإِمَام قَائِد.

منها : حَتَّى إِذَا كَشَفَ لَهُمْ عَنْ جَزَاءِ مَعْصِيَتِهِمْ، وَاسْتَخْرَجَهُمْ مِنْ جَلاَبِيبِ غَفْلَتِهِمُ اسْتَقْبَلُوا


( 142 )
مُدْبِراً، وَاسْتَدْبَرُوا مُقْبِلا، فَلَمْ يَنْتَفِعُوا بِمَا أَدْرَكُوا مِنْ طَلِبَتِهِمْ، وَلاَ بِمَا قَضَوْا مِنْ وَطَرِهِمْ. إِنِّي أُحَذِّرُكُمْ، وَنَفْسِي، هذِهِ الْمَنْزِلَةَ.

2 . علاج الغفلة

فَلْيَنْتَفِعِ امْرُؤٌ بِنَفْسِهِ، فَإِنَّمَا الْبَصِيرُ مَنْ سَمِعَ فَتَفَكَّرَ، وَنَظَرَ فَأَبْصَرَ، وَانْتَفَعَ بِالْعِبَرِ، ثُمَّ سَلَكَ جَدَداً وَاضِحاً يَتَجَنَّبُ فِيهِ الصَّرْعَةَ فِي الْمَهَاوِي، وَالضَّلاَلَ فِي الْمَغَاوِي، وَلاَ يُعِينُ عَلَى نَفْسِهِ الْغُوَاةَ بِتَعَسُّف فِي حَقٍّ، أَوْ تَحْرِيف فِي نُطْق، أَوْ تَخَوُّف مِنْ صِدْق. فَأَفِقْ أَيُّهَا السَّامِعُ مِنْ سَكْرَتِكَ. وَاسْتَيْقِظْ مِنْ غَفْلَتِكَ، وَاخْتَصِرْ مِنْ عَجَلَتِكَ، وَأَنْعِمِ الْفِكْرَ فِيَما جَاءَكَ عَلَى لِسَانِ النَّبِيِّ الاُْمِّيِّ(صلى الله عليه وآله وسلم)مِمَّا لاَبُدَّ مِنْهُ وَلاَ مَحِيصَ عَنْهُ; وَخَالِفْ مَنْ خَالَفَ ذلِكَ إِلَى غَيْرِهِ، وَدَعْهُ وَمَا رَضِيَ لِنَفْسِهِ; وَضَعْ فَخْرَكَ، وَاحْطُطْ كِبْرَكَ، وَاذْكُرْ قَبْرَكَ، فَإِنَّ عَلَيْهِ مَمَرَّكَ، وَكَمَا تَدِينُ تُدَانُ، وَكَمَا تَزْرَعُ تَحْصُدُ، وَمَا قَدَّمْتَ الْيَوْمَ تَقْدَمُ عَلَيْهِ غَداً، فَامْهَدْ لِقَدَمِكَ، وَقَدِّمْ لِيَوْمِكَ. فَالْحَذَرَ الْحَذَرَ أَيُّهَا الْمُسْتَمِعُ! وَالْجِدَّ الْجِدَّ أَيُّهَا الْغَافِلُ! (وَلاَيُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِير).(1)

3 . الصفات السلّبية

إِنَّ مِنْ عَزَائِمِ اللهِ فِي الذِّكْرِ الْحَكِيمِ، الَّتِي عَلَيْهَا يُثِيبُ وَيُعَاقِبُ، وَلَهَا يَرْضَى وَيَسْخَطُ، أَنَّهُ لاَ يَنْفَعُ عَبْداً ـ وَإِنْ أَجْهَدَ نَفْسَهُ، وَأَخْلَصَ فِعْلَهُ ـ أَنْ يَخْرُجَ مِنَ الدُّنْيَا، لاَقِياً رَبَّهُ بِخَصْلَة مِنْ هذِهِ الْخِصَالِ لَمْ يَتُبْ مِنْهَا: أَنْ يُشْرِكَ بِاللهِ فِيَما افْتَرَضَ عَلَيهِ مِنْ عِبَادَتِهِ، أَوْ يَشْفِيَ غَيْظَهُ بِهَلاَكِ نَفْس، أَوْ يَعُرَّ بِأَمْر فَعَلَهُ غَيْرُهُ، أَوْ يَسْتَنْجِحَ حَاجَةً إِلَى النَّاسِ بِإِظْهَارِ بِدْعَة فِي دِينِهِ، أَوْ يَلْقَى النَّاسَ بِوَجْهَيْنِ، أَوْ يَمْشِيَ فِيهِمْ بِلِسَانَيْنِ. اعْقِلْ ذلِكَ فَإِنَّ الْمِثْلَ دَلِيلٌ عَلَى شِبْهِهِ.

ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . فاطر: 14.

( 143 )

4 . علم النّفس

إِنَّ الْبَهَائِمَ هَمُّهَا بُطُونُهَا; وَإِنَّ السِّبَاعَ هَمُّهَا الْعُدْوَانُ عَلَى غَيْرِهَا; وَإِنَّ النِّسَاءَ هَمَّهُنَّ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْفَسَادُ فِيهَا; إِنَّ الْمُؤْمِنِينَ مُسْتَكِينُونَ. إِنَّ الْمُؤْمِنِينَ مُشْفِقُونَ. إِنَّ الْمُؤْمِنِينَ خَائِفُونَ.

154 ـ ومن خطبة له (عليه السلام)

عقائدية ، اخلاقية

1 . الطاعة عن اهل البيت(عليهم السلام)

وَنَاظِرُ قَلْبِ اللَّبِيبِ بِهِ يُبْصِرُ أَمَدَهُ، وَيَعْرِفُ غَوْرَهُ وَنَجْدَهُ. دَاع دَعَا، وَرَاع رَعَى، فَاسْتَجِيبُوا لِلدَّاعِي (الرّاعى)، وَاتَّبِعُوا الرَّاعِيَ. قَدْ خَاضُوا بِحَارَ الْفِتَنِ، وَأَخَذُوا بِالْبِدَعِ دُونَ السُّنَنِ. وَأَرَزَ الْمُؤْمِنُونَ، وَنَطَقَ الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ. نَحْنُ الشِّعَارُ وَالاَْصْحَابُ، وَالْخَزَنَةُ وَالاَْبْوَابُ; وَلاَ تُؤْتَى الْبُيُوتُ إِلاَّ مِنْ أَبْوَابِهَا; فَمَنْ أَتَاهَامِنْ غَيْرِ أَبْوَابِهَا سُمِّيَ سَارِقاً. منها: فِيهِمْ كَرَائِمُ الْقُرْآنِ (الايمان)، وَهُمْ كُنُوزُ الرَّحْمنِ. إِنْ نَطَقُوا صَدَقُوا، وَإِنْ صَمَتُوا لَمْ يُسْبَقُوا.

2 . شروط الامامة

فَلْيَصْدُقْ رَائِدٌ أَهْلَهُ، وَلْيُحْضِرْ عَقْلَهُ، وَلْيَكُنْ منْ أَبْنَاءِ الاْخِرَةِ، فَإِنَّهُ مِنْهَا قَدِمَ، وَإِلَيْهَا يَنْقَلِبُ.

فَالنَّاظِرُ بِالْقَلْبِ، الْعَامِلُ بِالْبَصَرِ، يَكُونُ مُبْتَدَأُ عَمَلِهِ أَنْ يَعْلَمَ: أَعَمَلُهُ عَلَيْهِ أَمْ لَهُ! فَإِنْ كَانَ لَهُ مَضَى فِيهِ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ وَقَفَ عَنْهُ. فَإِنَّ الْعَامِلَ بِغَيْرِ عِلْم كَالسَّائِرِ (السّابل ـ السّابك) عَلَى غَيْرِ طَرِيق. فَلاَ يَزِيدُهُ بُعْدُهُ عَنِ الطَّرِيقِ الْوَاضِحِ إِلاَّ بُعْداً مِنْ حَاجَتِهِ. وَالْعَامِلُ بِالْعِلْمِ كَالسَّائِرِ عَلَى الطَّرِيقِ الْوَاضِحِ. فَلْيَنْظُرْ نَاظِرٌ: أَسَائِرٌ هُوَ أَمْ رَاجِعٌ!


( 144 )

3 . تقابل الروح و الجسد

وَاعْلَمْ أَنَّ لِكُلِّ ظَاهِر بَاطِناً عَلَى مِثَالِهِ، فَمَا طَابَ ظَاهِرُهُ طَابَ بَاطِنُهُ، وَمَا خَبُثَ ظَاهِرُهُ خَبُثَ بَاطِنُهُ. وَقَدْ قَالَ الرَّسُولُ الصَّادِقُ (صلى الله عليه وآله وسلم): «إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْعَبْدَ، وَيُبْغِضُ عَمَلَهُ، وَيُحِبُّ الْعَمَلَ وَيُبْغِضُ بَدَنَهُ». وَاعْلَمْ أَنَّ لِكُلِّ عَمَل نَبَاتاً وَكُلُّ نَبَات لاَ غِنَى بِهِ عَنِ الْمَاءِ، وَالْمِيَاهُ مُخْتَلِفَةٌ; فَمَا طَابَ سَقْيُهُ، طَابَ غَرْسُهُ وَحَلَتْ (احلولت) ثَمَرَتُهُ، وَمَا خَبُثَ سَقْيُهُ، خَبُثَ غَرْسُهُ وَ أَمَرَّتْ ثَمَرَتُهُ.

155 ـ ومن خطبة له (عليه السلام)

عقائدية ، علمية

(يُذكر فيها بديع خلقة الخفّاش)

1 . صفات الخالق تعالى

الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي انْحَسَرَتِ الاَْوْصَافُ عَنْ كُنْهِ مَعْرِفَتِهِ، وَرَدَعَتْ عَظَمَتُهُ الْعُقُولَ، فَلَمْ تَجِدْ مَسَاغاً إِلَى بُلُوغِ غَايَةِ مَلَكُوتِهِ! هُوَ اللهُ الْحَقُّ الْمُبِينُ، أَحَقُّ وَأَبْيَنُ مِمَّا تَرَى الْعُيُونُ، لَمْ تَبْلُغْهُ الْعُقُولُ بِتَحْدِيد فَيَكُونَ مُشَبَّهاً، وَلَمْ تَقَعْ عَلَيْهِ الاَْوْهَامُ بِتَقْدِير فَيَكُونَ مُمَثَّلا. خَلَقَ الْخَلْقَ عَلَى غَيْرِ تَمْثِيل، وَ لاَ مَشُورَةِ مُشِير، وَلاَ مَعُونَةِ مُعِين، فَتَمَّ خَلْقُهُ بِأَمْرِهِ، وَأَذْعَنَ لِطَاعَتِهِ، فَأَجَابَ وَلَمْ يُدَافِعْ، وَ انْقَادَ وَلَمْ يُنَازِعْ.

2 . بديع خلقة الخفاش

وَمِنْ لَطَائِفِ صَنْعَتِهِ، وَعَجَائِبِ خِلْقَتِهِ، مَا أَرَانَا مِنْ غَوَامِضِ الْحِكْمَةِ فِي هذِهِ الْخَفَافِيشِ الَّتِي يَقْبِضُهَا الضِّيَاءُ الْبَاسِطُ لِكُلِّ شَيْء، وَيَبْسُطُهَا الظَّلاَمُ الْقَابِضُ لِكُلِّ حَيٍّ; وَكَيْفَ عَشِيَتْ أَعْيُنُهَا عَنْ أَنْ تَسْتَمِدَّ مِنَ الشَّمْسِ الْمُضِيئَةِ نُوراً تَهْتَدِي بِهِ فِي مَذَاهِبِهَا، وَتَتَّصِلُ بِعَلاَنِيَةِ بُرْهَانِ الشَّمْسِ إِلَى مَعَارِفِهَا. وَرَدَعَهَا بِتَلاَْلُؤِ ضِيَائِهَا عَنِ الْمُضِيِّ فِي سُبُحَاتِ إِشْرَاقِهَا، وَأَكَنَّهَا فِي مَكَامِنِهَا عَنِ الذَّهَابِ فِي بُلَجِ ائْتِلاَقِهَا، فَهِيَ مُسْدَلَةُ الْجُفُونِ بِالنَّهَارِ عَلَى حِدَاقِهَا، وَجاعِلَةُ اللَّيْلِ سِرَاجاً تَسْتَدِلُّ بِهِ فِي الِْتمَاسِ


( 145 )
أَرْزَاقِهَا; فَلاَ يَرُدُّ أَبْصَارَهَا إِسْدَافُ ظُلْمَتِهِ، وَلاَ تَمْتَنِعُ مِنَ الْمُضِيِّ فِيهِ لِغَسَقِ دُجُنَّتِهِ. فَإِذَا أَلْقَتِ الشَّمْسُ قِنَاعَهَا، وَبَدَتْ أَوْضَاحُ نَهَارِهَا، وَدَخَلَ مِنْ إِشْرَاقِ نُورِهَا عَلَى الضَّبَابِ (الضّلوع) فِي وِجَارِهَا، أَطْبَقَتِ الاَْجْفَانَ عَلَى مَآقِيهَا، وَتَبَلَّغَتْ بِمَا اكْتَسَبَتْهُ مِنَ الْمَعَاشِ فِي ظُلَمِ لَيَالِيهَا. فَسُبْحَانَ مَنْ جَعَلَ اللَّيْلَ لَهَا نَهَاراً وَمَعَاشاً، وَالنَّهَارَ سَكَناً وَقَرَاراً! وَجَعَلَ لَهَا أَجْنِحَةً مِنْ لَحْمِهَا تَعْرُجُ بِهَا عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَى الطَّيَرَانِ، كَأَنَّهَا شَظَايَا الاْذَانِ، غَيْرَ ذَوَاتِ رِيش وَلاَ قَصَب، إِلاَّ أَنَّكَ تَرَى مَوَاضِعَ الْعُرُوقِ بَيِّنَةً أَعْلاَماً. لَهَا جَنَاحَانِ لَمَّا يَرِقَّا فَيَنْشَقَّا، وَلَمْ يَغْلُظَا فَيَثْقُلاَ. تَطِيرُ وَوَلَدُهَا لاَصِقٌ بِهَا لاَجِئٌ إِلَيْهَا، يَقَعُ إِذَا وَقَعَتْ، وَيَرْتَفِعُ إِذَا ارْتَفَعَتْ، لاَ يُفَارِقُهَا حَتَّى تَشْتَدَّ أَرْكَانُهُ، وَيَحْمِلَهُ لِلنُّهُوضِ جَنَاحُهُ، وَيَعْرِفَ مَذَاهِبَ عَيْشِهِ، وَمَصَالِحَ نَفْسِهِ. فَسُبْحَانَ الْبَارِئِ لِكُلِّ شَيْء، عَلَى غَيْرِ مِثَال خَلاَ مِنْ غَيْرِهِ!

156 ـ ومن كلام له (عليه السلام)

عقائدي ، سياسي ، اخلاقي

(خاطب به أهل البصرة)

1 . وجوب طاعة القيادة

فَمَنِ اسْتَطَاعَ عِنْدَ ذلِكَ أَنْ يَعْتَقِلَ نَفْسَهُ عَلَى اللهِ، عَزَّوَجَلَّ، فَلْيَفْعَلْ. فَإِنْ أَطَعْتُمُونِي فَإِنِّي حَامِلُكُمْ إِنْ شَاءَ اللهُ عَلَى سَبِيلِ الْجَنَّةِ، وَإِنْ كَانَ ذَا مَشَقَّة شَدِيدَة وَمَذَاقَة مَرِيرَة. وَأَمَّا فُلاَنَةُ فَأَدْرَكَهَا رَأْيُ (رائحة) النِّسَاءِ، وَضِغْنٌ غَلاَ فِي صَدْرِهَا كَمِرْجَلِ الْقَيْنِ، وَلَوْ دُعِيَتْ لِتَنَالَ مِنْ غَيْرِي مَا أَتَتْ إِلَيَّ، لَمْ تَفْعَلْ. وَلَهَا بَعْدُ حُرْمَتُهَا الاُْولَى، وَالْحِسَابُ عَلَى اللهِ تَعَالى.

2 . ثمرات الايمان

منه : سَبِيلٌ أَبْلَجُ الْمِنْهَاجِ، أَنْوَرُ السِّرَاجِ. فَبِالاِْيمَانِ يُسْتَدَلُّ عَلَى الصَّالِحَاتِ، وَبِالصَّالِحَاتِ يُسْتَدَلُّ عَلَى الاِْيمَانِ، وَبِالاِْيمَانِ يُعْمَرُ الْعِلْمُ، وَبِالْعِلْمِ يُرْهَبُ الْمَوْتُ، وَبِالْمَوْتِ تُخْتَمُ الدُّنْيَا، وَبِالدُّنْيَا تُحْرَزُ الاْخِرَةُ، وَبِالْقِيَامَةِ تُزْلَفُ الْجَنَّةُ، (وَتُبَرَّزُ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ). وَإِنَّ الْخَلْقَ لاَ مَقْصَرَ لَهُمْ عَنِ الْقِيَامَةِ،


( 146 )
مُرْقِلِينَ فِي مِضْمَارِهَا إِلَى الْغَايَةِ الْقُصْوَى.

3 . القيّم الاخلاقيّة و خصائص القرآن

منه : قَدْ شَخَصُوا مِنْ مُسْتَقَرِّ الاَْجْدَاثِ، وَصَارُوا إِلَى مَصَائِرِ الْغَايَاتِ. لِكُلِّ دَار أَهْلُهَا لاَ يَسْتَبْدِلُونَ بِهَا وَلاَ يُنْقَلُونَ عَنْهَا. وَإِنَّ الاَْمْرَ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ، لَخُلُقَانِ مِنْ خُلُقِ اللهِ سُبْحانَهُ; وَإِنَّهُمَا لاَ يُقَرِّبَانِ مِنْ أَجَل، وَلاَ يَنْقُصَانِ مِنْ رِزْق. وَعَلَيْكُمْ بِكِتَابِ اللهِ، «فَإِنَّهُ الْحَبْلُ الْمَتِينُ، وَالنُّورُ الْمُبِينُ»، وَالشِّفَاءُ النَّافِعُ، وَالرِّيُّ النَّاقِعُ، وَالْعِصْمَةُ لِلْمُتَمَسِّكِ، وَالنَّجَاةُ لِلْمُتَعَلِّقِ. لاَ يَعْوَجُّ فَيُقَامَ، وَلاَ يَزِيغُ فَيُسْتَعْتَبَ، «وَلاَ تُخْلِقُهُ كَثْرَةُ الرَّدِّ»، وَوُلُوجُ السَّمْعِ. «مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ، وَمَنْ عَمِلَ بِهِ سَبَقَ». وقام إليه رجل فقال: يا أميرالمؤمنين، أخبرنا عن الفتنة، وهل سألت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)عنها؟ فقال(عليه السلام):

4 . الإخبار عن الفتن و عن الاستشهاد الدّامى

إِنَّهُ لَمَّا أَنْزَلَ اللهُ سُبْحانَهُ، قَوْلَهُ: (الم. أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَيُفْتَنُونَ )(1) عَلِمْتُ أَنَّ الْفِتْنَةَ لاَ تَنْزِلُ بِنَا وَرَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وآله وسلم)بَيْنَ أَظْهُرِنَا. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا هذِهِ الْفِتْنَةُ الَّتِي أَخْبَرَكَ اللهُ تَعَالى بِهَا؟ فَقَالَ: «يَاعَلِيُّ، إِنَّ أُمَّتِي سَيُفْتَنُونَ مِنْ بَعْدِي» فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَوَ لَيْسَ قَدْ قُلْتَ لِي يَوْمَ أُحُد حَيْثُ اسْتُشْهِدَ مَنِ اسْتُشْهِدَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَحِيزَتْ عَنِّي الشَّهَادَةُ، فَشَقَّ ذلِكَ عَلَيَّ، فَقُلْتَ لِي: «أَبْشِرْ، فَإِنَّ الشَّهَادَةَ مِنْ وَرَائِكَ؟» فَقَالَ لِي: «إِنَّ ذلِكَ لَكَذلِكَ، فَكَيْفَ صَبْرُكَ إِذَنْ؟» فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَيْسَ هذَا مِنْ مَوَاطِنِ الصَّبْرِ، وَلكِنْ مِنْ مَوَاطِنِ الْبُشْرَى (اليسرى) وَالشُّكْرِ. وَقَالَ : «يَا عَلِيُّ، إِنَّ الْقَوْمَ سَيُفْتَنُونَ بِأَمْوَالِهِمْ، وَيَمُنُّونَ بِدِينِهِمْ عَلَى رَبِّهِمْ، وَيَتَمَنَّوْنَ رَحْمَتَهُ، وَيَأْمَنُونَ سَطْوَتَهُ، وَيَسْتَحِلُّونَ حَرَامَهُ بِالشُّبُهَاتِ الْكَاذِبَةِ، وَالاَْهْوَاءِ السَّاهِيَةِ، فَيَسْتَحِلُّونَ الْخَمْرَ بِالنَّبِيذِ، وَالسُّحْتَ بِالْهَدِيَّةِ، وَالرِّبَا بِالْبَيْعِ» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَبِأَيِّ الْمَنَازِلِ أُنْزِلُهُمْ عِنْدَ ذلِكَ؟ أَبِمَنْزِلَةِ رِدَّة، أَمْ بِمَنْزِلَةِ فِتْنَة؟ فَقَالَ: «بِمَنْزِلَةِ فِتْنَة».

ــــــــــــــــــــــــــــ
1. العنكبوت: 2.

( 147 )

157 ـ ومن خطبة له (عليه السلام)

اخلاقية ، عقائدية

1 . الاعتبار بالماضين

الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي جَعَلَ الْحَمْدَ مِفْتَاحاً لِذِكْرِهِ، وَسَبَباً لِلْمَزِيدِ مِنْ فَضْلِهِ، وَدَلِيلا عَلَى آلاَئِهِ وَعَظَمَتِهِ. عِبَادَ اللهِ، إِنَّ الدَّهْرَ يَجْرِي بِالْبَاقِينَ كَجَرْيِهِ بِالْمَاضِينَ; لاَ يَعُودُ مَا قَدْوَلَّى مِنْهُ، وَلاَ يَبْقَى سَرْمَداً مَا فِيهِ. آخِرُ فَعَالِهِ كَأَوَّلِهِ. مُتَشَابِهَةٌ (متسابقة) أُمُورُهُ، مُتَظَاهِرَةٌ أَعْلاَمُهُ. فَكَأَنَّكُمْ بِالسَّاعَةِ تَحْدُوكُمْ حَدْوَ الزَّاجِرِ بِشَوْلِهِ: فَمَنْ شَغَلَ نَفْسَهُ بِغَيْرِ نَفْسِهِ تَحَيَّرَ فِي الظُّلُمَاتِ، وَارْتَبَكَ فِي الْهَلَكَاتِ، وَمَدَّتْ بِهِ شَيَاطِينُهُ فِي طُغْيَانِهِ، وَزَيَّنَتْ لَهُ سَيِّىءَ أَعْمَالِهِ. فَالْجَنَّةُ غَايَةُ السَّابِقِينَ، وَالنَّارُ غَايَةُ الْمُفَرِّطِينَ.

2 . ضرورة التّقوى

اعْلَمُوا، عِبَادَ اللهِ، أَنَّ التَّقْوَى دَارُ حِصْن عَزِيز، وَالْفُجُورَ دَارُ حِصْن ذَلِيل (دليل) ، لاَ يَمْنَعُ أَهْلَهُ، وَلاَ يُحْرِزُ مَنْ لَجَأَ إِلَيْهِ. أَلاَ وَبِالتَّقْوَى تُقْطَعُ حُمَةُ الْخَطَايَا، وَبالْيَقِينِ تُدْرَكُ الْغَايَةُ الْقُصْوَى. عِبَادَ اللهِ، اللهَ اللهَ فِي أَعَزِّ الاَْنْفُسِ عَلَيْكُمْ، وَأَحَبِّهَا إِلَيْكُمْ: فَإِنَّ اللهَ قَدْ أَوْضَحَ لَكُمْ سَبِيلَ الْحَقِّ وَأَنَارَ طُرُقَهُ. فَشِقْوَةٌ لاَزِمَةٌ، أَوْ سَعَادَةٌ دَائِمَةٌ! فَتَزَوَّدُوا فِي أَيَّامِ الْفَنَاءِ لاَِيَّامِ الْبَقَاءِ. قَدْ دُلِلْتُمْ عَلَى الزَّادِ، وَأُمِرْتُمْ بِالظَّعْنِ، وَحُثِثْتُمْ عَلَى الْمَسِيرِ. فَإِنَّمَا أَنْتُمْ كَرَكْب وُقُوف، لاَ يَدْرُونَ مَتَى يُؤْمَرُونَ بِالسَّيْرِ (المسير). أَلاَ فَمَا يَصْنَعُ بِالدُّنْيَا مَنْ خُلِقَ لِلاْخِرَةِ! وَمَا يَصْنَعُ بِالْمَالِ مَنْ عَمَّا قَلِيل يُسْلَبُهُ، وَتَبْقَى عَلَيْهِ تَبِعَتُهُ وَحِسَابُهُ! عِبَادَ اللهِ، إِنَّهُ لَيْسَ لِمَا وَعَدَ اللهُ مِنَ الْخَيْرِ مَتْرَكٌ، وَلاَ فِيَما نَهَى عَنْهُ مِنَ الشَّرِّ مَرْغَبٌ. عِبَادَ اللهِ، احْذَرُوا يَوْماً تُفْحَصُ فِيهِ الاَْعْمَالُ، وَيَكْثُرُ فِيهِ الزِّلْزَالُ، وَتَشِيبُ فِيهِ الاَْطْفَالُ. اعْلَمُوا، عِبَادَ اللهِ، أَنَّ عَلَيْكُمْ رَصَداً مِنْ أَنْفُسِكُمْ، وَعُيُوناً مِنْ جَوَارِحِكُمْ، وَحُفَّاظَ صِدْق يَحْفَظُونَ أَعْمَالَكُمْ، وَعَدَدَ أَنْفَاسِكُمْ، لاَ تَسْتُرُكُمْ مِنْهُمْ ظُلْمَةُ لَيْل دَاج، وَلاَ يُكِنُّكُمْ مِنْهُمْ بَابٌ ذُو رِتَاج.


( 148 )

3 . وحشة القبر

وَإِنَّ غَداً مِنَ الْيَوْمِ قَرِيبٌ. يَذْهَبُ الْيَوْمُ بِمَا فِيهِ، وَيَجِيءُ الْغَدُ لاَحِقاً بِهِ، فَكَأَنَّ كُلَّ امْرِئ مِنْكُمْ قَدْ بَلَغَ مِنَ الاَْرْضِ مَنْزِلَ وَحْدَتِهِ، وَمَخَطَّ (محطّ) حُفْرَتِهِ. فَيَالَهُ مِنْ بَيْتِ وَحْدَة، وَمَنْزِلِ وَحْشَة، وَمُفْرَدِ (مقرّ) غُرْبَة! وَكَأَنَّ الصَّيْحَةَ قَدْ أَتَتْكُمْ، وَالسَّاعَةَ قَدْ غَشِيَتْكُمْ،وَبَرَزْتُمْ لِفَصْلِ الْقَضَاءِ، قَدْ زَاحَتْ عَنْكُمُ الاَْبَاطِيلُ، وَاضْمَحَلَّتْ عَنْكُمُ الْعِلَلُ، وَاسْتَحَقَّتْ بِكُمُ الْحَقَائِقُ، وَصَدَرَتْ بِكُمُ الاُْمُورُ مَصَادِرَهَا، فَاتَّعِظُوا بِالْعِبَرِ (الغيرة)، وَاعْتَبِرُوا بِالْغِيَرِ، وَ انْتَفِعُوا بِالنُّذُرِ.

158 ـ ومن خطبة له (عليه السلام)

عقائدية ، سياسية

1 . الرسّول الأعظم في القرآن

أَرْسَلَهُ عَلَى حِينِ فَتْرَة مِنَ الرُّسُلِ، وَطُولِ هَجْعَة مِنَ الاُْمَمِ، وَانْتِقَاض مِنَ الْمُبْرَمِ; فَجَاءَهُمْ بِتَصْدِيقِ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ، وَالنُّورِ الْمُقْتَدَى بِهِ. ذلِكَ الْقُرْآنُ فَاسْتَنْطِقُوهُ، وَلَنْ يَنْطِقَ، وَلَكِنْ أُخْبِرُكُمْ عَنْهُ: أَلاَ إِنَّ فِيهِ عِلْمَ مَا يَأْتِي، وَالْحَدِيثَ عَنِ الْمَاضِي، وَدَوَاءَ دَائِكُمْ، وَنَظْمَ مَا بَيْنَكُمْ.

2 . الاخبار عن مستقبل بني أميّة المظلم

ومنها : فَعِنْدَ ذلِكَ لاَ يَبْقَى بَيْتُ مَدَر وَلاَ وَبَر إِلاَّ وَأَدْخَلَهُ الظَّلَمَةُ تَرْحَةً، وَأَوْلَجُوا فِيهِ نِقْمَةً. فَيَوْمَئِذ لاَ يَبْقَى لَهُمْ فِي السَّمَاءِ عَاذِرٌ، وَلاَ فِي الاَْرْضِ نَاصِرٌ. أَصْفَيْتُمْ بِالاَْمْرِ غَيْرَ أَهْلِهِ، وَأَوْرَدْتُمُوهُ غَيْرَ مَوْرِدِهِ. وَسَيَنْتَقِمُ اللهُ مِمَّنْ ظَلَمَ، مَأْكَلا بِمَأْكَل، وَمَشْرَباً بِمَشْرَب، مِنْ مَطَاعِمِ الْعَلْقَمِ، وَمَشَارِبِ الصَّبِرِ وَالْمَقِرِ، وَلِبَاسِ شِعَارِ الْخَوْفِ، وَدِثَارِ السَّيْفِ، وَإِنَّمَاهُمْ مَطَايَا الْخَطِيئَاتِ وَزَوَامِلُ الاْثَامِ. فَأُقْسِمُ، ثُمَّ أُقْسِمُ، لَتَنْخَمَنَّهَا أُمَيَّةُ مِنْ بَعْدِي كَمَا تُلْفَظُ النُّخَامَةُ، ثُمَّ لاَ تَذُوقُهَا وَلاَ تَطْعَمُ بِطَعْمِهَا أَبَداً مَا كَرَّ الْجَدِيدَانِ!