http://www.imamsadeq.orgكتاب نهج البلاغة للإمام علي بن أبي طالب عليه السلام من ص 149 ـ 174 ص

( 149 )

159 ـ ومن خطبة له (عليه السلام)

عقائدية ، سياسية

ادارة الدّولة

وَلَقَدْ أَحْسَنْتُ جِوَارَكُمْ، وَأَحَطْتُ بِجُهْدِي مِنْ وَرَائِكُمْ. وَأَعْتَقْتُكُمْ مِنْ رِبَقِ الذُّلِّ، وَحَلَقِ الضَّيْمِ، شُكْراً مِنِّي لِلْبِرِّ الْقَلِيلِ وَإِطْرَاقاً عَمَّا أَدْرَكَهُ الْبَصَرُ، وَشَهِدَهُ الْبَدَنُ، مِنَ الْمُنْكَرِ الْكَثِيرِ.

160 ـ ومن خطبة له (عليه السلام)

عقائدية ، تاريخية ، اخلاقية

1 . معرفة الله

أَمْرُهُ قَضَاءٌ وَحِكْمَةٌ، وَرِضَاهُ أَمَانٌ وَرَحْمَةٌ، يَقْضِي بِعِلْم، وَيَعْفُو (يغفر) بِحِلْم. اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى مَا تَأْخُذُ وَتُعْطِي، وَعَلَى مَا تُعَافِي وَتَبْتَلِي; حَمْداً يَكُونُ أَرْضَى الْحَمْدِ لَكَ، وَأَحَبَّ الْحَمْدِ إِلَيْكَ، وَأَفْضَلَ الْحَمْدِ عِنْدَكَ. حَمْداً يَمْلاَُ مَا خَلَقْتَ، وَيَبْلُغُ مَا أَرَدْتَ. حَمْداً لاَ يُحْجَبُ عَنْكَ، وَلاَ يُقْصَرُ دُونَكَ، حَمْداً لاَ يَنْقَطِعُ عَدَدُهُ، وَلاَ يَفْنَى مَدَدُهُ. فَلَسْنَا نَعْلَمُ كُنْهَ عَظَمَتِكَ، إِلاَّ أَنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ «حَيٌّ قَيُّومٌ، لاَ تَأْخُذُكَ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ». لَمْ يَنْتَهِ إِلَيْكَ نَظَرٌ، وَلَمْ يُدْرِ كْكَ بَصَرٌ. أَدْرَكْتَ الاَْبْصَارَ، وَأَحْصَيْتَ الاَْعْمَالَ (الأعمار)، وَأَخَذْتَ «بِالنَّوَاصِي وَالاَْقْدَامِ». وَمَا الَّذِي نَرَى مِنْ خَلْقِكَ، وَنَعْجَبُ لَهُ مِنْ قُدْرَتِكَ، وَنَصِفُهُ مِنْ عَظِيمِ سُلْطَانِكَ (شأنك)، وَمَا تَغَيَّبَ عَنَّا مِنْهُ، وَقَصُرَتْ أَبْصَارُنَا عَنْهُ، وَانْتَهَتْ عُقُولُنَا دُونَهُ، وَحَالَتْ سُتُورُ الْغُيُوبِ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ أَعْظَمُ.


( 150 )

2 . طُرُق معرفة اللّه

فَمَنْ فَرَّغَ قَلْبَهُ، وَأَعْمَلَ فِكْرَهُ، لِيَعْلَمَ كَيْفَ أَقَمْتَ عَرْشَكَ، وَكَيْفَ ذَرَأْتَ خَلْقَكَ، وَكَيْفَ عَلَّقْتَ فِي الْهَواءِ سَمَاوَاتِكَ، وَكَيْفَ مَدَدْتَ عَلَى مَوْرِ الْمَاءِ أَرْضَكَ، رَجَعَ طَرْفُهُ حَسِيراً، وَعَقْلُهُ مَبْهُوراً، وَسَمْعُهُ وَالِهاً، وَفِكْرُهُ حَائِراً.

3 . الرّجاء و الأمل

منها : يَدَّعِي بِزَعْمِهِ أَنَّهُ يَرْجُو اللهَ، كَذَبَ وَالْعَظِيمِ! مَا بَالُهُ لاَ يَتَبَيَّنُ رَجَاؤُهُ فِي عَمَلِهِ ؟ فَكُلُّ مَنْ رَجَا عُرِفَ رَجَاؤُهُ فِي عَمَلِهِ. وَكُلُّ رَجَاء ـ إِلاَّ رَجَاءَ اللهِ تَعَالَى ـ فَإِنَّهُ مَدْخُولٌ وَكُلُّ خَوْف مُحَقَّقٌ، إِلاَّ خَوْفَ اللهِ فَإِنَّهُ مَعْلُولٌ. يَرْجُو اللهَ فِي الْكَبِيرِ، وَيَرْجُو الْعِبَادَ فِي الصَّغِيرِ، فَيُعْطِي الْعَبْدَ مَا لاَ يُعْطِي الرَّبَّ! فَمَا بَالُ اللهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ يُقَصَّرُ بِهِ عَمَّا يُصْنَعُ بِهِ لِعِبَادِهِ؟ أَتَخَافُ أَنْ تَكُونَ فِي رَجَائِكَ لَهُ كَاذِباً؟ أَوْ تَكُونَ لاَ تَرَاهُ لِلرِّجَاءِ مَوْضِعاً؟ وَكَذلِكَ إِنْ هُوَ خَافَ عَبْداً مِنْ عَبِيدِهِ، أَعْطَاهُ مِنْ خَوْفِهِ مَالاَ يُعْطِي رَبَّهُ، فَجَعَلَ خَوْفَهُ مِنَ الْعِبَادِ نَقْداً، وَخَوْفَهُ مِنْ خَالِقِهِ ضِماراً وَوَعْداً. وَكَذلِكَ مَنْ عَظُمَتِ الدُّنْيَا فِي عَيْنِهِ، وَكَبُرَ مَوْقِعُهَا مِنْ قَلْبِهِ، آثَرَهَا عَلَى اللهِ تَعَالى، فَانْقَطَعَ إِلَيْهَا، وَصَارَ عَبْداً لَهَا.

4 . سيرة النّبىّ(صلى الله عليه وآله وسلم)و الانبياء الالهيّين

وَلَقَدْ كَانَ فِي رَسُولِ اللهِ(صلى الله عليه وآله وسلم)كَاف لَكَ فِي الاُْسْوَةِ، وَدَلِيلٌ لَكَ عَلَى ذَمِّ الدُّنْيَا وَعَيْبِهَا، وَكَثْرَةِ مَخَازِيهَا وَمَسَاوِيهَا، إِذْ قُبِضَتْ عَنْهُ أَطْرَافُهَا، وَوُطِئَتْ لِغَيْرِهِ أَكْنَافُهَا، وَفُطِمَ عَنْ رَضَاعِهَا، وَ زُوِيَ عَنْ زَخَارِفِهَا. وَ إِنْ شِئْتَ ثَنَّيْتُ بِمُوسَى كَلِيمِ اللهِ(عليه السلام)حَيْثُ يَقُولُ: (رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْر فَقِيرٌ).(1) وَاللهِ، مَا سَأَلَهُ إِلاَّ خُبْزاً يَأْكُلُهُ، لاَِنَّهُ كَانَ يَأْكُلُ بَقْلَةَ الاَْرْضِ، وَلَقَدْ كَانَتْ خُضْرَةُ الْبَقْلِ تُرَى مِنْ شَفِيفِ صِفَاقِ بَطْنِهِ، لِهُزَالِهِ وَتَشَذُّبِ لَحْمِهِ. وَإِنْ شِئْتَ ثَلَّثْتُ بِدَاوُودَ(عليه السلام)صَاحِبِ الْمَزَامِيرِ، وَقَارِئِ أَهْلِ

ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . القصص: 24.

( 151 )
الْجَنَّةِ، فَلَقَدْ كَانَ يَعْمَلُ سَفَائِفَ الْخُوصِ بِيَدِهِ، وَيَقُولُ لِجُلَسَائِهِ: أَيُّكُمْ يَكْفِينِي بَيْعَهَا! وَيَأْكُلُ قُرْصَ الشَّعِيرِ مِنْ ثَمَنِهَا. وَإِنْ شِئْتَ قُلْتُ فِي عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ (عليه السلام) ، فَلَقَدْ كَانَ يَتَوَسَّدُ الْحَجَرَ، وَيَلْبَسُ الْخَشِنَ، وَيَأْكُلُ الْجَشِبَ، وَكَانَ إِدَامُهُ الْجُوعَ، وَسِرَاجُهُ بِاللَّيْلِ الْقَمَرَ، وَظِلاَلُهُ فِي الشِّتَاءِ مَشَارِقَ الاَْرْضِ وَمَغَارِبَهَا، وَفَاكِهَتُهُ وَ رَيْحَانُهُ مَا تُنْبِتُ الاَْرْضُ لِلْبَهَائِمِ; وَلَمْ تَكُنْ لَهُ زَوْجَةٌ تَفْتِنُهُ، وَلاَ وَلَدٌ يَحْزُنُهُ (يخزنه)، وَلاَ مَالٌ يَلْفِتُهُ، وَلاَ طَمَعٌ يُذِلُّهُ، دَابَّتُهُ رِجْلاَهُ، وَخَادِمُهُ يَدَاهُ!

5 . محطّات في حياة النّبىّ(صلى الله عليه وآله وسلم)

فَتَأَسَّ بِنَبِيِّكَ الاَْطْيَبِ الاَْطْهَرِ(صلى الله عليه وآله وسلم)فَإِنَّ فِيهِ أُسْوَةً لِمَنْ تَأَسَّى، وَعَزَاءً لِمَنْ تَعَزَّى. وَأَحَبُّ الْعِبَادِ إِلَى اللهِ الْمُتَأَسِّي بِنَبِيِّهِ، وَالْمُقْتَصُّ لاَِثَرِهِ. قَضَمَ الدُّنْيَا قَضْماً، وَلَمْ يُعِرْهَا طَرْفاً أَهْضَمُ أَهْلِ الدُّنْيَا كَشْحاً، وَاَخْمَصُهُمْ مِنَ الدُّنْيَا بَطْناً، عُرِضَتْ عَلَيْهِ الدُّنْيَا فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا، وَعَلِمَ أَنَّ اللهَ سُبْحانَهُ أَبْغَضَ شَيْئاً فَأَبْغَضَهُ، وَحَقَّرَ شَيْئاً فَحَقَّرَهُ، وَصَغَّرَ شَيْئاً فَصَغَّرَهُ. وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِينَا إِلاَّ حُبُّنَا مَا أَبْغَضَ اللهُ وَرَسُولُهُ، وَتَعْظِيمُنَا مَا صَغَّرَ اللهُ وَرَسُولُهُ، لَكَفَى بِهِ شِقَاقاً لِلّهِ، وَمُحَادَّةً عَنْ أَمْرِ اللهِ. وَلَقَدْ كَانَ(صلى الله عليه وآله وسلم) يَأْكُلُ عَلَى الاَْرْضِ، وَيَجْلِسُ جِلْسَةَ الْعَبْدِ، وَيَخْصِفُ بِيَدِهِ نَعْلَهُ، وَيَرْقَعُ بِيَدِهِ ثَوْبَهُ، وَيَرْكَبُ الْحِمَارَ الْعَارِيَ، وَيُرْدِفُ خَلْفَهُ، وَيَكُونُ السِّتْرُ عَلَى بَابِ بَيْتِهِ فَتَكُونُ فِيهِ التَّصَاوِيرُ فَيَقُولُ : «يَا فُلاَنَةُ ـ لاِِحْدَى أَزْوَاجِهِ ـ غَيَّبِيهِ عَنِّي، فَإِنِّي إِذَا نَظَرْتُ إِلَيْهِ ذَكَرْتُ الدُّنْيَا وَزَخَارِفَهَا».

فَأَعْرَضَ عَنِ الدُّنْيَا بِقَلْبِهِ، وَأَمَاتَ ذِكْرَهَا مِنْ نَفْسِهِ، وَأَحَبَّ أَنْ تَغِيبَ زِينَتُهَا عَنْ عَيْنِهِ، لِكَيْلاَ يَتَّخِذَ مِنْهَا رِيَاشاً، وَلاَ يَعْتَقِدَهَا قَرَاراً، وَلاَ يَرْجُوَ فِيهَا مُقَاماً، فَأَخْرَجَهَا مِنَ النَّفْسِ، وَأَشْخَصَهَا عَنِ الْقَلْبِ، وَغَيَّبَهَا عَنِ الْبَصَرِ. وَكَذلِكَ مَنْ أَبْغَضَ شَيْئاً أَبْغَضَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهِ، وَأَنْ يُذْكَرَ عِنْدَهُ. وَلَقَدْ كَانَ فِي رَسُولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله وسلم)مَا يُدُلُّكَ عَلَى مَسَاوِئِ الدُّنْيَا وَعُيُوبِهَا: إِذْجَاعَ فِيهَا مَعَ خَاصَّتِهِ، وَزُوِيَتْ عَنْهُ زَخَارِفُهَا مَعَ عَظِيمِ زُلْفَتِهِ. فَلْيَنْظُرْ نَاظِرٌ بِعَقْلِهِ: أَكْرَمَ اللهُ مُحَمَّداً بِذلِكَ أَمْ أَهَانَهُ! فَإِنْ قَالَ: أَهَانَهُ، فَقَدْ كَذَبَ ـ وَاللهِ الْعَظِيمِ ـ بِالاِْفْكِ الْعَظِيمِ، وَإِنْ قَالَ: أَكْرَمَهُ، فَلْيَعْلَمْ أَنَّ اللهَ قَدْ أَهَانَ غَيْرَهُ حَيْثُ بَسَطَ الدُّنْيَا لَهُ، وَزَوَاهَا عَنْ أَقْرَبِ


( 152 )
النَّاسِ مِنْهُ. فَتَأَسَّى مُتَأَسٍّ بِنَبِيِّهِ، وَاقْتَصَّ أَثَرَهُ، وَوَلَجَ مَوْلِجَهُ، وَإِلاَّ فَلاَ يَأْمَنِ الْهَلَكَةَ، فَإِنَّ اللهَ جَعَلَ مُحَمَّداً (صلى الله عليه وآله وسلم)عَلَماً لِلسَّاعَةِ، وَمُبَشِّراً بِالْجَنَّةِ، وَمُنْذِراً بِالْعُقُوبَةِ. خَرَجَ مِنَ الدُّنْيَا خَمِيصاً، وَوَرَدَ الاْخِرَةَ سَلِيماً. لَمْ يَضَعْ حَجَراً عَلَى حَجَر، حَتَّى مَضَى لِسَبِيلِهِ، وَأَجَابَ دَاعِيَ رَبِّهِ. فَمَا أَعْظَمَ مِنَّةَ اللهِ عِنْدَ نَاحِينَ أَنْعَمَ عَلَيْنَا بِهِ سَلَفاً نَتَّبِعُهُ، وَقَائِداً نَطَأُ عَقِبَهُ! وَاللهِ لَقَدْ رَقَّعْتُ مِدْرَعَتِي هذِهِ حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ مِنْ رَاقِعِهَا.

وَلَقَدْ قَالَ لِي قَائِلٌ: أَلاَ تَنْبِذُهَا عَنْكَ؟ فَقُلْتُ: اغْرُبْ (اعزب) عَنِّي، فَعِنْدَ الصَّبَاحِ يَحْمَدُ الْقَوْمُ السُّرَى!

161 ـ ومن خطبة له (عليه السلام)

عقائدية ، اخلاقية

1 . خصائص النّبىّ و العترة

ابْتَعَثَهُ بِالنُّورِ الْمُضِيءِ، وَالْبُرْهَانِ الْجَلِيِّ، وَالْمِنْهَاجِ الْبَادِي، وَالْكِتَابِ الْهَادِي. أُسْرَتُهُ خَيْرُ أُسْرَة، وَشَجَرَتُهُ خَيْرُ شَجَرَة; أَغْصَانُهَا مُعْتَدِلَةٌ، وَثِمَارُهَا مُتَهَدِّلَةٌ. مَوْلِدُهُ بِمَكَّةَ، وَهِجْرَتُهُ بِطَيْبَةَ. عَلاَ بِهَا ذِكْرُهُ وَامْتَدَّ مِنْهَا صَوْتُهُ. أَرْسَلَهُ بِحُجَّة كَافِيَة، وَمَوْعِظَة شَافِيَة، وَدَعْوَة مُتَلاَفِيَة. أَظْهَرَ بِهِ الشَّرَائِعَ الَْمجْهُولَةَ، وَقَمَعَ بِهِ الْبِدَعَ الْمَدْخُولَةَ، وَبَيَّنَ بِهِ الاَْحْكَامَ الْمَفْصُولَةَ. فَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الاِْسْلاَمِ دِيناً تَتَحَقَّقْ شِقْوَتُهُ، وَتَنْفَصِمْ عُرْوَتُهُ، وَتَعْظُمْ كَبْوَتُهُ، وَيَكُنْ مَآبُهُ إِلَى الْحُزْنِ الطَّوِيلِ وَالْعَذَابِ الْوَبِيلِ (الشّديد). وَأَتَوَكَّلُ عَلَى اللهِ تَوَكُّلَ الاِْنَابَةِ إِلَيْهِ، وَأَسْتَرْشِدُهُ السَّبِيلَ الْمُؤَدِّيَةَ إِلَى جَنَّتِهِ، الْقَاصِدَةَ إِلَى مَحَلِّ رَغْبَتِهِ.

2 . الوصيّة بالتّقوى والاعتبار بالماضين

أُوصِيكُمْ، عِبَادَ اللهِ، بِتَقْوَى اللهِ وَطَاعَتِهِ، فَإِنَّهَا النَّجَاةُ غَداً، وَالْمَنْجَاةُ أَبَداً. رَهَّبَ فَأَبْلَغَ، وَرَغَّبَ فَأَسْبَغَ; وَوَصَفَ لَكُمُ الدُّنْيَا وَانْقِطَاعَهَا، وَزَوَالَهَا وَانْتِقَالَهَا. فَأَعْرِضُوا عَمَّا يُعْجِبُكُمْ فِيهَا لِقِلَّةِ مَا يَصْحَبُكُمْ


( 153 )
مِنْهَا. أَقْرَبُ دَارمِنْ سَخَطِ اللهِ، وَأَبْعَدُهَا مِنْ رِضْوَانِ اللهِ! فَغُضُّوا (ارفضوا) عَنْكُمْ ـ عِبَادَ اللهِ ـ غُمُومَهَا وَأَشْغَالَهَا، لِمَا قَدْ أَيْقَنْتُمْ بِهِ مِنْ فِرَاقِهَا وَتَصَرُّفِ حَالاَتِهَا. فَاحْذَرُوهَا حَذَرَ الشَّفِيقِ النَّاصِحِ، وَالُْمجِدِّ الْكَادِحِ. وَاعْتَبِرُوا بِمَا قَدْ رَأَيْتُمْ مِنْ مَصَارِعِ الْقُرُونِ قَبْلَكُمْ: قَدْ تَزَايَلَتْ أَوْصَالُهُمْ، وَزَالَتْ أَبْصَارُهُمْ وَأَسْمَاعُهُمْ، وَذَهَبَ شَرَفُهُمْ وَعِزُّهُمْ، وَانْقَطَعَ سُرُورُهُمْ وَنَعِيمُهُمْ; فَبُدِّلُوا بِقُرْبِ الاَْوْلاَدِ فَقْدَهَا، وَبِصُحْبَةِ الاَْزْوَاجِ مُفَارَقَتَهَا. لاَ يَتَفَاخَرُونَ، وَلاَ يَتَنَاسَلُونَ، وَلاَ يَتَزَاوَرُونَ، وَلاَ يَتَحَاوَرُونَ (يتجاورون). فَاحْذَرُوا، عِبَادَ اللهِ، حَذَرَ الْغَالِبِ لِنَفْسِهِ، الْمَانِعِ لِشَهْوَتِهِ، النَّاظِرِ بِعَقْلِهِ; فَإِنَّ الاَْمْرَ وَاضِحٌ، وَالْعَلَمَ قَائِمٌ، وَالطَّرِيقَ جَدَدٌ وَالسَّبِيلَ قَصْدٌ.

162 ـ ومن كلام له (عليه السلام)

عقائدي ، سياسي

(لبعض أصحابه وقد سأله: كيف دفعكم قومكم عن هذا المقام وأنتم أحق به؟ فقال:)

1 . أسباب غصب الخلافة

يَا أَخَا بَنِي أَسَد، إِنَّكَ لَقَلِقُ الْوَضِينِ، تُرْسِلُ فِي غَيْرِ سَدَد، وَلَكَ بَعْدُ ذِمَامَةُ الصِّهْرِ وَحَقُّ الْمَسْأَلَةِ، وَقَدِ اسْتَعْلَمْتَ فَاعْلَمْ: أَمَّا الاِْسْتِبْدَادُ عَلَيْنَا بِهذَا الْمَقَامِ وَنَحْنُ الاَْعْلَوْنَ نَسَباً، وَالاَْشَدُّونَ بِرَسُولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله وسلم)نَوْطاً، فَإِنَّهَا كَانَتْ أَثَرَةً شَحَّتْ عَلَيْهَا نُفُوسُ قَوْم، وَسَخَتْ عَنْهَا نُفُوسُ آخَرِينَ; وَالْحَكَمُ اللهُ، وَالْمَعْوَدُ إِلَيْهِ الْقِيَامَةُ.

وَدَعْ عَنْكَ نَهْباً صِيحَ فِي حَجَرَاتِهِ *** وَلكِنْ حَدِيثاً مَا حَدِيثُ الرَّوَاحِلِ

2 . الشكوى من ظلم معاوية

وَهَلُمَّ الْخَطْبَ فِي ابْنِ أَبِي سُفْيَانَ، فَلَقَدْ أَضْحَكَنِي الدَّهْرُ بَعْدَ إِبْكَائِهِ; وَلاَغَرْوَ وَاللهِ، فَيَالَهُ خَطْباً


( 154 )
يَسْتَفْرِغُ الْعَجَبَ، وَيُكْثِرُ الاَْوَدَ! حَاوَلَ الْقَوْمُ إِطْفَاءَ نُورِ اللهِ مِنْ مِصْبَاحِهِ،وَسَدَّ فَوَّارِهِ مِنْ يَنْبُوعِهِ، وَجَدَحُوا بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ شِرْباً وَبِيئاً، فَإِنْ تَرْتَفِعْ عَنَّا وَعَنْهُمْ مِحَنُ الْبَلْوَى، أَحْمِلْهُمْ مِنَ الْحَقِّ عَلَى مَحْضِهِ; وَإِنْ تَكُنِ الاُْخْرَى. (فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَات، إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ).(1)

163 ـ ومن خطبة له (عليه السلام)

عقائدية ، علمية

1 . معرفة اللّه تعالى

الْحَمْدُ لِلّهِ خَالِقِ الْعِبَادِ، وَسَاطِحِ الْمِهَادِ، وَمُسِيلِ الْوِهَادِ، وَمُخْصِبِ النَّجَادِ. لَيْسَ لاَِوَّلِيَّتِهِ ابْتِدَاءٌ، وَلاَ لاَِزَلِيَّتِهِ انْقِضَاءٌ هُوَ الاَْوَّلُ وَلَمْ يَزَلْ، وَالْبَاقِي بِلاَ أَجَل. خَرَّتْ لَهُ الْجِبَاهُ، وَوَحَّدَتْهُ الشِّفَاهُ.

حَدَّ الاَْشْيَاءَ عِنْدَ خَلْقِهِ لَهَا إِبَانَةً لَهُ مِنْ شَبَهِهَا. لاَ تُقَدِّرُهُ الاَْوْهَامُ بِالْحُدُودِ وَالْحَرَكَاتِ، وَلاَ بِالْجَوَارِحِ وَالاَْدَواتِ. لاَ يُقَالُ لَهُ : « مَتَى؟» وَلاَ يُضْرَبُ لَهُ أَمَدٌ «بِحَتَّى». الظَّاهِرُ لاَ يُقَالُ: «مِمَّ؟» وَالْبَاطِنُ لاَ يُقَالُ: «فِيمَ؟» لاَ شَبَحٌ فَيُتَقَصَّى، وَلاَ مَحْجُوبٌ فَيُحْوَى. لَمْ يَقْرُبْ مِنَ الاَْشْيَاءِ بِالْتِصَاق، وَلَمْ يَبْعُدْ عَنْهَا بِافْتِرَاق. وَلاَيَخْفَى عَلَيْهِ مِنْ عِبَادِهِ شُخُوصُ لَحْظَة، وَلاَ كُرُورُ لَفْظَة، وَلاَ ازْدِلاَفُ رَبْوَة، وَلاَ انْبِسَاطُ خُطْوَة، فِي لَيْل دَاج، وَلاَ غَسَق سَاج، يَتَفَيَّأُ عَلَيْهِ الْقَمَرُ الْمُنِيرُ، وَتَعْقُبُهُ الشَّمْسُ ذَاتُ النُّورِ فِي الاُْفُولِ وَالْكُرُورِ، وَتَقَلُّبِ الاَْزْمِنَةِ وَالدُّهُورِ، مِنْ إِقْبَالِ لَيْل مُقْبِل، وَإِدْبَارِ نَهَار مُدْبِر.

قَبْلَ كُلِّ غَايَة وَمُدَّة، وَكُلِّ إِحْصَاء وَعِدَّة، تَعَالَى عَمَّا يَنْحَلُهُ الُْمحَدِّدُونَ مِنْ صِفَاتِ الاَْقْدَارِ، وَنِهَايَاتِ الاَْقْطَارِ، وَتَأَثُّلِ الْمَسَاكِنِ، وَتَمَكُّنِ الاَْمَاكِنِ. فَالْحَدُّ لِخَلْقِهِ مَضْرُوبٌ، وَإِلَى غَيْرِهِ مَنْسُوبٌ.

ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . فاطر: 8.

( 155 )

2 . وصف الكون

لَمْ يَخْلُقِ الاَْشْيَاءَ مِنْ أُصُول أَزَلِيَّة، وَلاَ مِنْ أَوَائِلَ أَبَدِيَّة،بَلْ خَلَقَ مَاخَلَقَ فَأَقَامَ حَدَّهُ، وَصَوَّرَ مَاصَوَّرَ فَأَحْسَنَ صُورَتَهُ. لَيْسَ لِشَيْء مِنْهُ امْتِنَاعٌ، وَلاَ لَهُ بِطَاعَةِ شَيْء انْتِفَاعٌ. عِلْمُهُ بِالاَْمْوَاتِ الْمَاضِينَ كَعِلْمِهِ بِالاَْحْيَاءِ الْبَاقِينَ، وَعِلْمُهُ بِمَا فِي السَّمَاوَاتِ الْعُلَى كَعِلْمِهِ بِمَا فِي الاَْرَضِينَ السُّفْلَى.

3 . عجائب في خلق الانسان

منها : أَيُّهَا الَْمخْلُوقُ السَّوِيُّ، وَالْمُنْشَأُ الْمَرْعِيُّ، فِي ظُلُمَاتِ الاَْرْحَامِ، وَمُضَاعَفَاتِ الاَْسْتَارِ. بُدِئْتَ (مِنْ سُلاَلَة مِنْ طِين(1) وَوُضِعْتَ (فِي قَرَار مَكِين، إِلَى قَدَر مَعْلُوم)، وَأَجَل مَقْسُوم. تَمُورُ فِي بَطْنِ أُمِّكَ جَنِيناً لاَ تُحِيرُ دُعَاءً، وَلاَ تَسْمَعُ نِدَاءً؟! ثُمَّ أُخْرِجْتَ مِنْ مَقَرِّكَ إِلَى دَار لَمْ تَشْهَدْهَا، وَلَمْ تَعْرِفْ سُبُلَ مَنَافِعِهَا. فَمَنْ هَدَاكَ لاِجْتِرَارِ الْغِذَاءِ مِنْ ثَدْيِ أُمِّكَ، وَعَرَّفَكَ عِنْدَ الْحَاجَةِ مَوَاضِعَ طَلَبِكَ وَإِرَادَتِكَ؟! هَيْهَاتَ، إِنَّ مَنْ يَعْجِزُ عَنْ صِفَاتِ ذِي الْهَيْئَةِ وَالاَْدَوَاتِ فَهُوَ عَنْ صِفَاتِ خَالِقِهِ أَعْجَزُ، وَمِنْ تَنَاوُلِهِ بِحُدُودِ الَْمخْلُوقِينَ أَبْعَدُ!

164 ـ ومن كلام له (عليه السلام)

تاريخي ، سياسي

لما اجتمع الناس إليه وشكوا ما نقموه على عثمان وسألوه مخاطبته لهم واستعتابه لهم، فدخل عليه فقال:

تحذير عثمان

إِنَّ النَّاسَ وَرَائِي وَقَدِ اسْتَسْفَرُونِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمْ، وَوَاللهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لَكَ! مَا أَعْرِفُ شَيْئاً

ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . المؤمنون: 2.

( 156 )
تَجْهَلُهُ، وَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى أَمْر لاَ تَعْرِفُهُ. إِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نَعْلَمُ. مَا سَبَقْنَاكَ إِلَى شَيْء فَنُخْبِرَكَ عَنْهُ، وَلاَ خَلَوْنَا بِشَيْء فَنُبَلِّغَكَهُ. وَقَدْ رَأَيْتَ كَمَا رَأَيْنَا، وَسَمِعْتَ كَمَا سَمِعْنَا، وَصَحِبْتَ رَسُولَ اللهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) كَما صَحِبْنَا وَمَا ابْنُ أبِي قُحَافَةَ وَلاَ ابْنُ اَلْخَطَّابِ بِاَوْلى بِعَمَلِ الحَقِّ مِنْكَ وَاَنْتَ اَقْرَبُ اِلى اَبِي رَسُولِ اللّهِ(صلى الله عليه وآله وسلم)وَشِيجَةَ رَحِم مِنْهُمَا; وَقَدْ نِلْتَ مِنْ صِهْرِهِ مَالَمْ يَنَالاَ. فَاللهَ اللهَ فِي نَفْسِكَ! فَإِنَّكَ ـ وَاللهِ ـ مَا تُبَصَّرُ مِنْ عَمًى، وَلاَ تُعَلَّمُ مِنْ جَهْل، وَإِنَّ الطُّرُقَ لَوَاضِحَةٌ (لواحدة)، وَإِنَّ أَعْلاَمَ الدِّينِ (الهدى) لَقَائِمَةٌ. فَاعْلَمْ أَنَّ أَفْضَلَ عِبَادِ اللهِ عِنْدَ اللهِ إِمَامٌ عَادِلٌ، هُدِيَ وَهَدَى، فَأَقَامَ سُنَّةً مَعْلُومَةً، وَأَمَاتَ بِدْعَةً مَجْهُولَةً (منزوكه). وَإِنَّ السُّنَنَ (السير) لَنَيِّرَةٌ، لَهَا أَعْلاَمٌ، وَإِنَّ الْبِدَعَ لَظَاهِرَةٌ، لَهَا أَعْلاَمٌ. وَإِنَّ شَرَّ النَّاسِ عِنْدَ اللهِ إِمَامٌ جَائِرٌ ضَلَّ وَضُلَّ بِهِ، فَأَمَاتَ سُنَّةً مَأْخُوذَةً (معلومة)، وَأَحْيَا بِدْعَةً مَتْرُوكَةً. وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ  (صلى الله عليه وآله وسلم)  يَقُولُ: «يُؤْتَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِالاِْمَامِ الْجَائِرِ وَلَيْسَ مَعَهُ نَصِيرٌ وَلاَ عَاذِرٌ، فَيُلْقَى فِي نَارِ جَهَنَّمَ، فَيَدُورُ فِيهَا كَمَا تَدُورُ الرَّحَى، ثُمَّ يَرْتَبِطُ (يرتبك) فِي قَعْرِهَا».

وَإِنِّي أَنْشُدُكَ اللهَ أَلاَّ تَكُونَ إِمَامَ هذِهِ الاُْمَّةِ الْمَقْتُولَ، فَإِنَّهُ كَانَ يُقَالُ: يُقْتَلُ فِي هذِهِ الاُْمَّةِ إِمَامٌ يَفْتَحُ عَلَيْهَا الْقَتْلَ وَالْقِتَالَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَ يَلْبِسُ أُمُورَهَا عَلَيْهَا، وَيَبُثُّ الْفِتَنَ فِيهَا، فَلاَ يُبْصِرُونَ الْحَقَّ مِنَ الْبَاطِلِ; يَمُوجُونَ فِيهَا مَوْجاً، وَيَمْرُجُونَ فِيهَا مَرْجاً. فَلاَ تَكُونَنَّ لِمَرْوَانَ سَيِّقَةً يَسُوقُكَ حَيْثُ شَاءَ بَعْدَ جَلاَلِ السِّنِّ وَتَقَضِّي الْعُمُرِ. فَقَالَ لَهُ عُثَْمانُ: «كَلِّمِ النَّاسَ فِي أَنْ يُؤَجِّلُونِي، حَتَّى أَخْرُجَ إِلَيْهِمْ مِنْ مَظَالِمِهِمْ» فَقَالَ(عليه السلام) : مَا كَانَ بِالْمَدِينَةِ فَلاَ أَجَلَ فِيهِ، وَمَا غَابَ فَأَجَلُهُ وُصُولُ أَمْرِكَ إِلَيْهِ.

165 ـ ومن خطبة له (عليه السلام)

عقائدية ، علمية

(يذكر فيها عجيب خلقة الطاووس)

1 . عجائب في خلقة الطّيور

ابْتَدَعَهُمْ خَلْقاً عَجِيباً مِنْ حَيَوَان وَمَوَات، وَسَاكِن وَذِي حَرَكَات; وَأَقَامَ مِنْ شَوَاهِدِ الْبَيِّنَاتِ


( 157 )
عَلَى لَطِيفِ صَنْعَتِهِ، وَعَظِيمِ قُدْرَتِهِ، مَا انْقَادَتْ لَهُ الْعُقُولُ مُعْتَرِفَةً بِهِ، وَمُسَلِّمَةً لَهُ، وَنَعَقَتْ فِي أَسْمَاعِنَا دَلاَئِلُهُ عَلَى وَحْدَانِيَّتِهِ، وَمَا ذَرَأَ مِنْ مُخْتَلِفِ صُوَرِ الاَْطْيَارِ الَّتِي أَسْكَنَهَا أَخَادِيدَ الاَْرْضِ، وَخُرُوقَ فِجَاجِهَا وَرَوَاسِيَ أَعْلاَمِهَا، مِنْ ذَاتِ أَجْنِحَة مُخْتَلِفَة، وَهَيْئَات مُتَبَايِنَة، مُصَرَّفَة فِي زِمَامِ التَّسْخِيرِ، وَمُرَفْرِفَة بِأَجْنِحَتِهَا فِي مَخَارِقِ الْجَوِّ الْمُنْفَسِحِ، وَالْفَضَاءِ الْمُنْفَرِجِ. كَوَّنَهَا بَعْدَ إِذْ لَمْ تَكُنْ فِي عَجَائِبِ صُوَر ظَاهِرَة، وَرَكَّبَهَا فِي حِقَاقِ مَفَاصِلَ مُحْتَجِبَة. وَ مَنَعَ بَعْضَهَا بِعَبَالَةِ خَلْقِهِ أَنْ يَسْمُوَ فِي الْهَوَاءِ (السّماد) خُفُوفاً، وَجَعَلَهُ يَدِفُّ دَفِيفاً، وَنَسَقَهَا عَلَى اخْتِلاَفِهَا فِي الاَْصَابِيغِ بِلَطِيفِ قُدْرَتِهِ، وَدَقِيقِ صَنْعَتِهِ. فَمِنْهَا مَغْمُوسٌ فِي قَالَبِ لَوْن لاَ يَشُوبُهُ غَيْرُ لَوْنِ مَا غُمِسَ فِيهِ; وَمِنْهَا مَغْمُوسٌ فِي لَوْنِ صِبْغ قَدْ طُوِّقَ (فرّق) بِخِلاَفِ مَا صُبِغَ بِهِ.

2 . عجائب في خلقة الطاووس

وَمِنْ أَعْجَبِهَا خَلْقاً الطَّاوُوسُ الَّذِي أَقَامَهُ فِي أَحْكَمِ تَعْدِيل، وَنَضَّدَ أَلْوَانَهُ فِي أَحْسَنِ تَنْضِيد، بِجَنَاح أَشْرَجَ قَصَبَهُ، وَذَنَب أَطَالَ مَسْحَبَهُ. إِذَا دَرَجَ إِلَى الاُْنْثَى نَشَرَهُ مِنْ طَيِّهِ، وَسَمَا بِهِ مُطِلاَّ عَلَى رَأْسِهِ كَأَنَّهُ قِلْعُ دَارِيٍّ عَنَجَهُ نُوتِيُّهُ. يَخْتَالُ بِأَلْوَانِهِ، وَيَمِيسُ بِزَيَفَانِهِ. يُفْضِي كَإِفْضَاءِ الدِّيَكَةِ، وَيَؤُرُّ بِمَلاَقِحِهِ أَرَّ الْفُحُولِ الْمُغْتَلِمَةِ لِلضِّرَابِ. أُحِيلُكَ مِنْ ذلِكَ عَلَى مُعَايَنَة، لاَ كَمَنْ يُحِيلُ عَلَى ضَعِيف إِسْنَادُهُ. وَلَوْ كَانَ كَزَعْمِ مَنْ يَزْعُمُ. أَنَّهُ يُلْقِحُ بِدَمْعَة تَسْفَحُهَا (تنشحط) مَدَامِعُهُ، فَتَقِفُ فِي ضَفَّتَيْ جُفُونِهِ، وَأَنَّ أُنْثَاهُ تَطْعَمُ ذلِكَ، ثُمَّ تَبِيضُ لاَ مِنْ لِقَاحِ فَحْل سِوَى الدَّمْعِ الْمُنْبَجِسِ.

لَمَا كَانَ ذلِكَ بِأَعْجَبَ مِنْ مُطَاعَمَةِ الْغُرَابِ! تَخَالُ قَصَبَهُ مَدَارِيَ مِنْ فِضَّة، وَمَا أُنْبِتَ عَلَيْهَا مِنْ عَجِيبِ داراتِهِ وَشُمُوسِهِ خَالِصَ الْعِقْيَانِ وَفِلَذَ الزَّبَرْجَدِ. فَإِنْ شَبَّهْتَهُ بِمَا أَنْبَتَتِ الاَْرْضُ قُلْتَ: جَنًى جُنِيَ مِنْ زَهْرَةِ كُلِّ رَبِيع، وَإِنْ ضَاهَيْتَهُ بِالْمَلاَبِسِ فَهُوَ كَمَوْشِيِّ الْحُلَلِ أَوْ كَمُونِقِ عَصْبِ الَْيمَنِ. وَ إِنْ شَاكَلْتَهُ بِالْحُلِيِّ فَهُوَ كَفُصُوص ذَاتِ أَلْوَان، قَدْ نُطِّقَتْ بِاللُّجَيْنِ الْمُكَلَّلِ.


( 158 )

3 . اختيال الطّاووس

يَمْشِي مَشْيَ الْمَرِحِ الُْمخْتَالِ، وَيَتَصَفَّحُ ذَنَبَهُ وَجَنَاحَيْهِ، فَيُقَهْقِهُ ضَاحِكاً لِجَمَالِ سِرْبَالِهِ، وَأَصَابِيغِ وِشَاحِهِ; فَإِذَا رَمَى بِبَصَرِهِ إِلَى قَوَائِمِهِ زَقَا مُعْوِلا بِصَوْت يَكَادُ يُبِينُ عَنِ اسْتِغَاثَتِهِ، وَيَشْهَدُ بِصَادِقِ تَوَجُّعِهِ، لاَِنَّ قَوَائِمَهُ حُمْشٌ كَقَوَائِمِ الدِّيَكَةِ الْخِلاَسِيَّةِ. وَ قَدْ نَجَمَتْ مِنْ ظُنْبُوبِ سَاقِهِ صِيصِيَةٌ خَفِيَّةٌ.

4 . عجائب في ألوان الطاووس

وَلَهُ فِي مَوْضِعِ الْعُرْفِ قُنْزُعَةٌ خَضْرَاءُ مُوَشَّاةٌ. وَمَخْرَجُ عُنُقِهِ كَالاِْبْرِيقِ، وَمَغْرَزُهَا إِلَى حَيْثُ (جنب) بَطْنُهُ كَصِبْغِ الْوَسِمَةِ (الوشمة) الَْيمَانِيَّةِ، أَوْ كَحَرِيرَة مُلْبَسَة مِرْآةً ذَاتَ صِقَال، وَكَأَنَّهُ مُتَلَفِّحٌ بِمِعْجَر أَسْحَمَ; إِلاَّ أَنَّهُ يُخَيَّلُ لِكَثْرَةِ مَائِهِ، وَشِدَّةِ بَرِيقِهِ، أَنَّ الْخُضْرَةَ النَّاضِرَةَ مُمْتَزِجَةٌ بِهِ. وَمَعَ فَتْقِ سَمْعِهِ خَطٌّ كَمُسْتَدَقِّ الْقَلَمِ فِي لَوْنِ الاُْقْحُوَانِ، أَبْيَضُ يَقَقٌ، فَهُوَ بِبَيَاضِهِ فِي سَوَادِ مَا هُنَالِكَ يَأْتَلِقُ. وَقَلَّ صِبْغٌ إِلاَّ وَقَدْ أَخَذَ مِنْهُ بِقِسْط، وَعَلاَهُ بِكَثْرَةِ صِقَالِهِ وَبَرِيقِهِ، وَبَصِيصِ دِيبَاجِهِ وَرَوْنَقِهِ. فَهُوَ كَالاَْزَاهِيرِ الْمَبْثُوثَةِ، لَمْ تُرَبِّهَا أَمْطَارُ رَبِيع، وَلاَشُمُوسُ قَيْظ. وَقَدْ يَنْحَسِرُ  مِنْ رِيشِهِ، وَيَعْرَى مِنْ لِبَاسِهِ، فَيَسْقُطُ تَتْرَى، وَيَنْبُتُ تِبَاعاً، فَيَنْحَتُّ مِنْ قَصَبِهِ انْحِتَاتَ أَوْرَاقِ الاَْغْصَانِ، ثُمَّ يَتَلاَحَقُ نَامِياً حَتَّى يَعُودَ كَهَيْئَتِهِ قَبْلَ سُقُوطِهِ، لاَ يُخَالِفُ سَالِفَ (ساتر) أَلْوَانِهِ، وَلاَ يَقَعُ لَوْنٌ فِي غَيْرِ مَكَانِهِ! وَإِذَا تَصَفَّحْتَ شَعْرَةً مِنْ شَعَرَاتِ قَصَبِهِ أَرَتْكَ حُمْرَةً وَرْدِيَّةً، وَتَارَةً خُضْرَةً زَبَرْجَدِيَّةً، وَأَحْيَاناً صُفْرَةً عَسْجَدِيَّةً.

5 . عجز الانسان عن إدراك الحقائق

فَكَيْفَ تَصِلُ إِلَى صِفَةِ هذَا عَمَائِقُ الْفِطَنِ، أَوْ تَبْلُغُهُ قَرَائِحُ الْعُقُولِ، أَوْ تَسْتَنْظِمُ وَصْفَهُ أَقْوَالُ الْوَاصِفِينَ! وَأَقَلُّ أَجْزَائِهِ قَدْ أَعْجَزَ الاَْوْهَامَ أَنْ تُدْرِكَهُ، وَالاَْلْسِنَةَ أَنْ تَصِفَهُ! فَسُبْحَانَ الَّذِي بَهَرَ الْعُقُولَ عَنْ وَصْفِ خَلْق جَلاَّهُ لِلْعُيُونِ، فَأَدْرَكَتْهُ مَحْدُوداً مُكَوَّناً، وَمُؤَلَّفاً مُلَوَّناً; وَأَعْجَزَ الاَْلْسُنَ عَنْ تَلْخِيصِ صِفَتِهِ، وَقَعَدَ بِهَا عَنْ تَأْدِيَةِ نَعْتِهِ!


( 159 )

6 . عجائب في خلقة الحشرات

وَسُبْحَانَ مَنْ أَدْمَجَ قَوَائِمَ الذَّرَّةِ وَالْهَمَجَةِ إِلَى مَا فَوْقَهُمَا مِنْ خَلْقِ الْحِيتَانِ وَالْفَيَلَةِ! وَوَأَى عَلَى نَفْسِهِ أَلاَّ يَضْطَرِبَ شَبَحٌ مِمَّا أَوْلَجَ فِيهِ الرُّوحَ، إِلاَّ وَجَعَلَ الْحِمَامَ مَوْعِدَهُ، وَالْفَنَاءَ غَايَتَهُ.

7 . خصائص الجنّة

فَلَوْ رَمَيْتَ بِبَصَرِ (ببصرك) قَلْبِكَ نَحْوَمَا يُوصَفُ لَكَ مِنْهَا لَعَزَفَتْ نَفْسُكَ عَنْ بَدَائِعِ مَا أُخْرِجَ إِلَى الدُّنْيَا مِنْ شَهَوَاتِهَا وَلَذَّاتِهَا، وَزَخَارِفِ مَنَاظِرِهَا، وَلَذَهِلَتْ بِالْفِكْرِ فِي اصْطِفَاقِ أَشْجَار غُيِّبَتْ عُرُوقُهَا فِي كُثْبَانِ الْمِسْكِ عَلَى سَوَاحِلِ أَنْهَارِهَا، وَفِي تَعْلِيقِ (تغليق) كَبَائِسِ اللُّؤْلُؤِ الرَّطْبِ فِي عَسَالِيجِهَا وَأَفْنَانِهَا، وَطُلُوعِ تِلْكَ الِّثمَارِ مُخْتَلِفَةً فِي غُلُفِ أَكْمَامِهَا. تُجْنَى مِنْ غَيْرِ تَكَلُّف فَتَأْتِي عَلَى مُنْيَةِ مُجْتَنِيهَا، وَيُطَافُ عَلَى نُزَّالِهَا فِي أَفْنِيَةِ قُصُورِهَا بِالاَْعْسَالِ الْمُصَفَّقَةِ، وَالْخُمُورِ الْمُرَوَّقَةِ. قَوْمٌ لَمْ تَزَلِ الْكَرَامَةُ تَتََمادَى بِهِمْ حَتَّى حَلُّوا دَارَ الْقَرَارِ، وَأَمِنُوا نُقْلَةَ الاَْسْفَارِ. فَلَوْ شَغَلْتَ قَلْبَكَ أَيُّهَا الْمُسْتَمِعُ بِالْوُصُولِ إِلَى مَا يَهْجُمُ عَلَيْكَ مِنْ تِلْكَ الْمَنَاظِرِ الْمُونِقَةِ، لَزَهِقَتْ نَفْسُكَ شَوْقاً إِلَيْهَا، وَلَتَحَمَّلْتَ مِنْ مَجْلِسِي هذَا إِلَى مُجَاوَرَةِ أَهْلِ الْقُبُورِ اسْتِعْجَالا بِهَا. جَعَلَنَا اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِمَّنْ يَسْعَى (سَعى) بِقَلْبِهِ إِلَى مَنَازِلِ الاَْبْرَارِ بِرَحْمَتِهِ.

تفسير بعض ما في هذه الخطبة من الغريب

قوله(عليه السلام) : «يؤر بملاقحه»، الأر: كناية عن النكاح، يقال: أر الرجل المرأة يؤرها، إذا نكحها. و قوله(عليه السلام) : «كأنّه قلع داري عنجه نوتيه» القلع: شراع السفينة، وداري: منسوب إلى دارين، وهِي بلدة على البحر يجلب منها الطيب. وعنجه: أي عطفه. يقال: عنجت الناقة ـ كنصرت ـ أعنجها» عنجاً إذا عطفتها. والنوتي: الملاح. وقوله(عليه السلام): «ضفتي جفنه أراد جانبي جفونه. و الضفتان: الجانبان. وقوله(عليه السلام) : «وفلذ الزبرجد» الفلذ: جمع فلذة، وهي القطعة. وقوله(عليه السلام) : «كبائس اللؤلؤ الرطب» الكباسة : العذق. والعساليج: الغصون، واحدها عسلوج.


( 160 )

166 ـ ومن خطبة له (عليه السلام)

سياسية ، تاريخية

1 . الاحترام المتقابل

لِيَتَأَسَّ صَغِيرُكُمْ بِكَبِيرِكُمْ، وَلْيَرْأَفْ كَبِيرُكُمْ بِصَغِيرِكُمْ; وَلاَ تَكُونُوا كَجُفَاةِ الْجَاهِلِيَّةِ: لاَ فِي الدِّينِ يَتَفَقَّهُونَ، وَلاَ عَنِ اللهِ يَعْقِلُونَ; كَقَيْضِ بَيْض فِي أَدَاح يَكُونُ كَسْرُهَا وِزْراً، وَيُخْرِجُ حِضَانُهَا شَرّاً.

2 . مستقبل بنى اميّة

ومنها : افْتَرَقُوا بَعْدَ أُلْفَتِهِمْ، وَتَشَتَّتُوا عَنْ أَصْلِهِمْ. فَمِنْهُمْ آخِذٌ بِغُصْن أَيْنََما مَالَ مَالَ مَعَهُ. عَلَى أَنَّ اللهَ تَعَالى سَيَجْمَعُهُمْ لِشَرِّ يَوْم لِبَنِي أُمَيَّةَ، كَمَا تَجْتَمِعُ قَزَعُ الْخَرِيفِ! يُؤَلِّفُ اللهُ بَيْنَهُمْ، ثُمَّ يَجْمَعُهُمْ رُكَاماً كَرُكَامِ السَّحَابِ; ثُمَّ يَفْتَحُ لَهُمْ أَبْواباً. يَسِيلُونَ مِنْ مُسْتَثَارِهِمْ كَسَيْلِ الْجَنَّتَيْنِ، حَيْثُ لَمْ تَسْلَمْ عَلَيْهِ قَارَةٌ، وَلَمْ تَثْبُتْ (تنبت) عَلَيْهِ أَكَمَةٌ، وَلَم يَرُدَّ سَنَنَهُ رَصُّ طَوْد، وَلاَحِدَابُ أَرْض. يُذَعْذِعُهُمُ اللهُ فِي بُطُونِ أَوْدِيَتِهِ، ثُمَّ يَسْلُكُهُمْ يَنَابِيعَ فِي الاَْرْضِ، يَأْخُذُبِهِمْ مِنْ قَوْم حُقُوقَ قَوْم، وَيُمَكِّنُ لِقَوْم فِي دِيَارِ قَوْم. وَايْمُ اللهِ، لَيَذُوبَنَّ مَا فِي أَيْدِيهِمْ بَعْدَ الْعُلُوِّ وَالَّتمْكِينِ، كَمَا تَذُوبُ الاَْلْيَةُ عَلَى النَّارِ.

3 . علل انتصار وانحطاطها الشعوب

أَيُّهَا النَّاسُ، لَوْ لَمْ تَتَخَاذَلُوا عَنْ نَصْرِ الْحَقِّ، وَلَمْ تَهِنُوا عَنْ تَوْهِينِ الْبَاطِلِ، لَمْ يَطْمَعْ فِيكُمْ مَنْ لَيْسَ مِثْلَكُمْ، وَلَمْ يَقْوَ مَنْ قَوِيَ عَلَيْكُم. لكِنَّكُمْ تِهْتُمْ مَتَاهَ بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَلَعَمْرِي، لَيُضَعَّفَنَّ لَكُمُ التِّيهُ مِنْ بَعْدِي أَضْعَافاً بِمَا خَلَّفْتُمُ الْحَقَّ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ، وَقَطَعْتُمُ الاَْدْنى، وَوَصَلْتُمُ الاَْبْعَدَ.

وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِنِ اتَّبَعْتُمُ الدَّاعِيَ لَكُمْ، سَلَكَ بِكُمْ مِنْهَاجَ الرَّسُولِ، وَكُفِيتُمْ مَؤُونَةَ الاِْعْتِسَافِ، وَنَبَذْتُمُ الثِّقْلَ الْفَادِحَ عَنِ الاَْعْنَاقِ.


( 161 )

167 ـ ومن خطبة له (عليه السلام)

اخلاقية ، سياسية

(في اوّل خلافته)

1 . خصائص القرآن

إِنَّ اللهَ سُبْحانَهُ أَنْزَلَ كِتَاباً هَادِياً بَيَّنَ فِيهِ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ; فَخُذُوا نَهْجَ الْخَيْرِ تَهْتَدُوا، وَاصْدِفُوا عَنْ سَمْتِ الشَّرِّ تَقْصِدُوا. الْفَرَائِضَ الْفَرَائِضَ! أَدُّوهَا إِلَى اللهِ تُؤَدِّكُمْ إِلَى الْجَنَّةِ. إِنَّ اللهَ حَرَّمَ حَرَاماً غَيْرَ مَجْهُول، وَأَحَلَّ حَلاَلا غَيْرَ مَدْخُول، وَفَضَّلَ حُرْمَةَ الْمُسْلِمِ عَلَى الْحُرَمِ كُلِّهَا، وَشَدَّ بِالاِْخْلاَصِ وَالتَّوْحِيدِ حُقُوقَ الْمُسْلِمِينَ فِي مَعَاقِدِهَا.

2 . خصائص المسلم

«فَالْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ» إِلاَّ بِالْحَقِّ، وَلاَ يَحِلُّ أَذَى الْمُسْلِمِ إِلاَّ بِمَا يَجِبُ.

بَادِرُوا أَمْرَ الْعَامَّةِ وَخَاصَّةَ أَحَدِكُمْ وَهُوَ الْمَوْتُ، فَإِنَّ النَّاسَ (البأس) أَمَامَكُمْ، وَإِنَّ السَّاعَةَ تَحْدُوكُمْ مِنْ خَلْفِكُمْ. تَخَفَّفُوا تَلْحَقُوا، فَإِنَّمَا يُنْتَظَرُ بِأَوَّلِكُمْ آخِرُكُمْ. اتَّقُوا اللهَ فِي عِبَادِهِ وَ بِلاَدِهِ،فَإِنَّكُمْ مَسْؤُولُونَ حَتَّى عَنِ الْبِقَاعِ وَالْبَهَائِمِ. أَطِيعُوا اللهَ وَلاَ تَعْصُوهُ، وَإِذَا رَأَيْتُمُ الْخَيْرَ فَخُذُوا بِهِ، وَإِذَا رَأَيْتُمُ الشَّرَّ فَأَعْرِضُوا عَنْهُ.

168 ـ ومن كلام له (عليه السلام)

سياسي

بعدما بويع بالخلافة، وقد قال له قوم من الصحابة: لو عاقبت قوماً ممن أجلب على عثمان؟ فقال(عليه السلام):


( 162 )

1 . الواقع في قتال النّاكثين

يَا إِخْوَتَاهُ! إِنِّي لَسْتُ أَجْهَلُ مَا تَعْلَمُونَ، وَلكِنْ كَيْفَ لِي بِقُوَّة وَالْقَوْمُ الُْمجْلَبُونَ عَلَى حَدِّ شَوْكَتِهِمْ، يَمْلِكُونَنَا وَلاَ نَمْلِكُهُمْ! وَهَاهُمْ هؤُلاَءِ قَدْ ثَارَتْ مَعَهُمْ عِبْدَانُكُمْ، وَالْتَفَّتْ إِلَيْهِمْ أَعْرَابُكُمْ (اغداركم ـاغراركم)، وَهُمْ خِلاَلَكُمْ يَسُومُونَكُمْ مَا شَاؤُوا; وَهَلْ تَرَوْنَ مَوْضِعاً لِقُدْرَة عَلَى شَيْء تُرِيدُونَهُ!

2 . مشكلات الحرب الدّاخلية

إِنَّ هذَا الاَْمْرَ أَمْرُ جَاهِلِيَّة، وَإِنَّ لِهؤُلاَءِ الْقَوْمِ مَادَّةً. إِنَّ النَّاسَ مِنْ هذَا الاَْمْرِ ـ إِذَا حُرِّكَ ـ عَلَى أُمُور: فِرْقَةٌ تَرَى مَا تَرَوْنَ، وَفِرْقَةٌ تَرَى مَالاَ تَرَوْنَ، وَفِرْقَةٌ لاَ تَرَى هذَا وَلاَ ذَاكَ، فَاصْبِرُوا حَتَّى يَهْدَأَ النَّاسُ، وَتَقَعَ الْقُلُوبُ مَوَاقِعَهَا، وَتُؤْخَذَ الْحُقُوقُ مُسْمَحَةً. فَاهْدَؤُوا عَنِّي، وَانْظُرُوا مَاذَا يَأْتِيكُمْ بِهِ أَمْرِي، وَلاَ تَفْعَلُوا فَعْلَةً تُضَعْضِعُ قُوَّةً، وَتُسْقِطُ مُنَّةً، وَتُورِثُ وَهْناً وَذِلَّةً. وَسَأُمْسِكُ الاَْمْرَ مَا اسْتَمْسَكَ. وَإِذَا لَمْ أَجِدْ بُدّاً فَآخِرُ الدَّواءِ الْكَيُّ.

169 ـ ومن خطبة له (عليه السلام)

عقائدية ، سياسية

(عند مسير أصحاب الجمل إلى البصرة)

1 . وجوب طاعة القيادة

إِنَّ اللهَ بَعَثَ رَسُولا هَادِياً بِكِتَاب نَاطِق وَأَمْر قَائِم، لاَ يَهْلِكُ عَنْهُ إِلاَّ هَالِكٌ. وَإِنَّ الْمُبْتَدَعَاتِ الْمُشَبَّهَاتِ هُنَّ الْمُهْلِكَاتُ إِلاَّ مَا حَفِظَ (عصم) اللهُ مِنْهَا. وَإِنَّ فِي سُلْطَانِ اللهِ عِصْمَةً لاَِمْرِكُمْ، فَأَعْطُوهُ طَاعَتَكُمْ غَيْرَ مُلَوَّمَة (متلوّمين) وَلاَ مُسْتَكْرَه بِهَا. وَاللهِ لَتَفْعَلُنَّ أَوْ لَيَنْقُلَنَّ اللهُ عَنْكُمْ سُلْطَانَ الاِْسْلاَمِ، ثُمَّ لاَ يَنْقُلُهُ إِلَيْكُمْ أَبَداً حَتَّى يَأْرِزَ الاَْمْرُ إِلَى غَيْرِكُمْ.


( 163 )

2 . الكشف عن مؤامرة الناكثين

إِنَّ هؤُلاَءِ قَدْ تَمَالَؤُوا عَلَى سَخْطَةِ إِمَارَتِي، وَسَأَصْبِرُ مَا لَمْ أَخَفْ عَلَى جَمَاعَتِكُمْ: فَإِنَّهُمْ إِنْ تَمَّمُوا عَلَى فَيَالَةِ هذَا الرَّأْيِ انْقَطَعَ نِظَامُ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنَّمَا طَلَبُوا هذِهِ الدُّنْيَا حَسَداً لِمَنْ أَفَاءَهَا اللهُ عَلَيْهِ، فَأَرَادُوا رَدَّ الاُْمُورِ عَلَى أَدْبَارِهَا. وَلَكُمْ عَلَيْنَا الْعَمَلُ بِكِتَابِ اللهِ تَعَالى وَسِيرَةِ رَسُولِ اللهِ(صلى الله عليه وآله وسلم)وَ الْقِيَامُ بِحَقِّهِ، وَ النَّعْشُ لِسُنَّتِهِ.

170 ـ ومن كلام له (عليه السلام)

تاريخي ، سياسي

كلّم به بعض العرب وقد أرسله قوم من أهل البصرة لما قرب(عليه السلام) منها ليعلم لهم منه حقيقة حاله مع أصحاب الجمل لتزول الشبهة من نفوسهم، فبين له(عليه السلام)من أمره معهم ما علم به أنه على الحق، ثم قال له: بايع ، فقال: إني رسول قوم، ولا أحدِث حدثاً حتى أرجع إليهم. فقال(عليه السلام):

أسلوب الهداية

أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ الَّذِينَ وَرَاءَكَ بَعَثُوكَ رَائِداً تَبْتَغِي لَهُمْ مَسَاقِطَ الْغَيْثِ، فَرَجَعْتَ إِلَيْهِمْ وَأَخْبَرْتَهُمْ عَنِ الْكَلاَءِ وَالْمَاءِ، فَخَالَفُوا إِلَى الْمَعَاطِشِ وَالَْمجَادِبِ، مَا كُنْتَ صَانِعاً؟ قَالَ: كُنْتُ تَارِكَهُمْ وَمُخَالِفَهُمْ إِلَى الْكَلاَءِ وَالْمَاءِ. فَقَالَ(عليه السلام) : فَامْدُدْإِذاً يَدَكَ. فَقَالَ الرَّجُلُ: فَوَاللهِ مَا اسْتَطَعْتُ أَنْ أَمْتَنِعَ عِنْدَ قِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَيَّ، فَبَايَعْتُهُ(عليه السلام). (وَالرَّجُلُ يُعْرَفُ بِكُلَيْب الجَرْمِيّ.)

171 ـ ومن كلام له (عليه السلام)

عقائدي ، علمي ، عسكري

لما عزم على لقاء القوم بصفين


( 164 )

1 . الدّعاء قبيل الحرب

اللَّهُمَّ رَبَّ السَّقْفِ الْمَرْفُوعِ، وَ الْجَوِّ الْمَكْفُوفِ، الَّذِي جَعَلْتَهُ مَغِيضاً لِلَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَمَجْرًى لِلشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، وَمُخْتَلَفاً لِلنُّجُومِ السَّيَّارَةِ; وَجَعَلْتَ سُكَّانَهُ سِبْطاً مِنْ مَلاَئِكَتِكَ، لاَ يَسْأَمُونَ مِنْ عِبَادَتِكَ. وَرَبَّ هذِهِ الاَْرْضِ الَّتِي جَعَلْتَهَا قَرَاراً لِلاَْنَامِ، وَمَدْرَجاً لِلْهَوَامِّ وَالاَْنْعَامِ، وَمَا لاَ يُحْصَى مِمَّا يُرَى وَمَا لاَ يُرَى; وَرَبَّ الْجِبَالِ الرَّوَاسِي الَّتِي جَعَلْتَهَا لِلاَْرْضِ أَوْتَاداً، وَلِلْخَلْقِ اعْتَِماداً. إِنْ أَظْهَرْتَنَا عَلَى عَدُوِّنَا، فَجَنِّبْنَا الْبَغْيَ وَسَدِّدْنَا لِلْحَقِّ; وَإِنْ أَظْهَرْتَهُمْ عَلَيْنَا فَارْزُقْنَا الشَّهَادَةَ، وَاعْصِمْنَا مِنَ الْفِتْنَةِ.

2 . التحريض على القتال

أَيْنَ الْمَانِعُ لِلذِّمَارِ، وَالْغَائِرُ عِنْدَ نُزُولِ الْحَقَائِقِ مِنْ أَهْلِ الْحِفَاظِ! الْعَارُ وَرَاءَكُمْ وَالْجَنَّةُ أَمَامَكُمْ!

172 ـ ومن خطبة له (عليه السلام)

عقائدية ، سياسية ، عسكرية

الْحَمْدُ للهِ الَّذِي لاَتُوَارِي عَنْهُ سَمَاءٌ سَمَاءً، وَلاَأَرْضٌ أَرْضاً.

1 . مناقشة في يوم الشورى

منها : وَقَدْ قَالَ قَائِلٌ: إِنَّكَ عَلَى هذَا الاَْمْرِ يَا بْنَ أَبِي طَالِب لَحَرِيصٌ. فَقُلْتُ: بَلْ أَنْتُمْ وَاللهِ لاََحْرَصُ وَأَبْعَدُ، وَأَنَا أَخَصُّ وَأَقْرَبُ، وَإِنَّمَا طَلَبْتُ حَقّاً لِي وَأَنْتُمْ تَحُولُونَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ، وَتَضْرِبُونَ وَجْهِي دُونَهُ.

فَلَمَّا قَرَّعْتُهُ بِالْحُجَّةِ فِي الْمَلاَِ الْحَاضِرِينَ هَبَّ كَأَنَّهُ بُهِتَ (هَبّ) لاَ يَدْرِي مَا يُجِبُنِي بِهِ!

2 . معاتبة على قريش

اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَعْدِيكَ (استعينك) عَلَى قُرَيْش وَمَنْ أَعَانَهُمْ! فَإِنَّهُمْ قَطَعُوا رَحِمِي، وَصَغَّرُوا


( 165 )
عَظِيمَ مَنْزِلَتِي، وَأَجْمَعُوا عَلَى مُنَازَعَتِي أَمْراً هُوَ لِي. ثُمَّ قَالُوا: أَلاَ إِنَّ فِي الْحَقِّ أَنْ تَأْخُذَهُ، وَفِي الْحَقِّ أَنْ تَتْرُكَهُ.

3 . معاتبة على الناكثين

فَخَرَجُوا يَجُرُّونَ حُرْمَةَ رَسُولِ اللهِ(صلى الله عليه وآله وسلم)كَمَا تُجَرُّ الاَْمَةُ عِنْدَ شِرَائِهَا، مُتَوَجِّهِينَ بِهَا إِلَى الْبَصْرَةِ، فَحَبَسَا نِسَاءَهُمَا فِي بُيُوتِهِمَا، وَأَبْرَزَا حَبِيسَ رَسُولِ اللهِ(صلى الله عليه وآله وسلم)لَهُمَا وَلِغَيْرِهِمَا.

فِي جَيْش مَا مِنْهُمْ رَجُلٌ إِلاَّ وَقَدْ أَعْطَانِي الطَّاعَةَ، وَسَمَحَ لِي بِالْبَيْعَةِ، طَائِعاً غَيْرَ مُكْرَه، فَقَدِمُوا عَلَى عَامِلِي بِهَا وَخُزَّانِ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِهَا، فَقَتَلُوا طَائِفَةً صَبْراً، وَطَائِفَةً غَدْراً. فَوَاللهِ لَوْ لَمْ يُصِيبُوا مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلاَّ رَجُلا وَاحِداً مُعْتَمِدِينَ (متعمّدين) لِقَتْلِهِ، بِلاَجُرْم جَرَّهُ، لَحَلَّ لِي قَتْلُ ذلِكَ الْجَيْشِ كُلِّهِ، إِذْ حَضَرُوهُ فَلَمْ يُنْكِرُوا، وَلَمْ يَدْفَعُوا عَنْهُ بِلِسَان وَلاَبِيَد.

دَعْ مَا أَنَّهُمْ قَدْ قَتَلُوا مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِثْلَ الْعِدَّةِ الَّتِي دَخَلُوا بِهَا عَلَيْهِمْ!

173 ـ ومن خطبة له (عليه السلام)

عقائدية ، عسكرية ، اخلاقية

1 . خصائص الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)

أَمِينُ وَحْيِهِ، وَخَاتَمُ رُسُلِهِ، وَبَشِيرُ رَحْمَتِهِ، وَنَذِيرُ نِقْمَتِهِ.

2 . خصائص القائد الاسلامي

أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ أَحَقَّ النَّاسِ بِهذَا الاَْمْرِ أَقْوَاهُمْ عَلَيْهِ، وَأَعْلَمُهُمْ (اعملهم) بِأَمْرِ اللهِ فِيهِ. فَإِنْ شَغَبَ شَاغِبٌ اسْتُعْتِبَ، فَإِنْ أَبَى قُوتِلَ. وَلَعَمْرِي، لَئِنْ كَانَتِ الاِْمَامَةُ لاَ تَنْعَقِدُ حَتَّى يَحْضُرَهَا عَامَّةُ النَّاسِ، فَمَا


( 166 )
إِلَى ذلِكَ سَبِيلٌ، وَلكِنْ أَهْلُهَا يَحْكُمُونَ عَلَى مَنْ غَابَ عَنْهَا، ثُمَّ لَيْسَ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَرْجِعَ، وَلاَ لِلْغَائِبِ أَنْ يَخْتَارَ. أَلاَ وَإِنِّي أُقَاتِلُ رَجُلَيْنِ: رَجُلا ادَّعَى مَا لَيْسَ لَهُ، وَآخَرَ مَنَعَ الَّذِي عَلَيْهِ. أُوصِيكُمْ عِبَادَ اللهِ بِتَقْوَى اللهِ فَإِنَّهَا خَيْرُ مَا تَوَاصَى الْعِبَادُ بِهِ، وَخَيْرُ عَوَاقِبِ الاُْمُورِ عِنْدَ اللهِ. وَقَدْ فُتِحَ بَابُ الْحَرْبِ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ أَهْلِ الْقِبْلَةِ، وَلاَ يَحْمِلُ (يحملن) هذَا الْعَلَمَ إِلاَّ أَهْلُ الْبَصَرِ وَالصَّبْرِ وَالْعِلْمِ بِمَوَاضِعِ الْحَقِّ، فَامْضُوا لِمَا تُؤْمَرُونَ بِهِ، وَقِفُوا عِنْدَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ; وَلاَ تَعْجَلُوا فِي أَمْر حَتَّى تَتَبَيَّنُوا، فَإِنَّ لَنَا مَعَ كُلِّ أَمْر تُنْكِرُونَهُ غِيَراً.

3 . التحذير من غدرالدّنيا

أَلاَ وَإِنَّ هذِهِ الدُّنْيَا الَّتِي أَصْبَحْتُمْ تَتَمَنَّوْنَهَا وَتَرْغَبُونَ فِيهَا، وَأَصْبَحَتْ تُغْضِبُكُمْ وَتُرْضِيكُمْ، لَيْسَتْ بِدَارِكُمْ، وَلاَ مَنْزِلِكُمُ الَّذِي خُلِقْتُمْ لَهُ وَلاَ الَّذِي دُعِيتُمْ إِلَيْهِ. أَلاَ وَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِبَاقِيَة لَكُمْ وَلاَ تَبْقَوْنَ عَلَيْهَا. وَهِيَ وَإِنْ غَرَّتْكُمْ مِنْهَا فَقَدْ حَذَّرَتْكُمْ شَرَّهَا. فَدَعُوا غُرُورَهَا لِتَحْذِيرِهَا، وَ أَطْمَاعَهَا لِتَخْوِيفِهَا; وَسَابِقُوا فِيهَا إِلَى الدَّارِ الَّتِي دُعِيتُمْ إِلَيْهَا، وَانْصَرِفُوا بِقُلُوبِكُمْ عَنْهَا; وَ لاَ يَخِنَّنَّ (يحنّن) أَحَدُكُمْ خَنِينَ (حنين) الاَْمَةِ عَلَى مَا زُوِيَ عَنْهُ مِنْهَا، وَاسْتَتِمُّوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ بِالصَّبْرِ عَلَى طَاعَةِ اللهِ وَالُْمحَافَظَةِ عَلَى مَا اسْتَحْفَظَكُمْ مِنْ كِتَابِهِ. أَلاَ وَإِنَّهُ لاَ يَضُرُّكُمْ تَضْيِيعُ شَيْء مِنْ دُنْيَاكُمْ بَعْدَ حِفْظِكُمْ قَائِمَةَ دِينِكُمْ. أَلاَ وَإِنَّهُ لاَ يَنْفَعُكُمْ بَعْدَ تَضْيِيعِ دِينِكُمْ شَيْءٌ حَافَظْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَمْرِ دُنْيَاكُمْ. أَخَذَ اللهُ بِقُلُوبِنَا وَقُلُوبِكُمْ إِلَى الْحَقِّ، وَأَلْهَمَنَا وِإِيَّاكُمُ الصَّبْرَ!

174 ـ ومن كلام له (عليه السلام)

تاريخي ، سياسي

(في معني طلحة بن عبيد الله)

فضح طلحة و ادّعاءاته

قَدْ كُنْتُ وَمَا أُهَدَّدُ بِالْحَرْبِ، وَلاَ أُرَهَّبُ بِالضَّرْبِ; وَأَنَا عَلَى مَا قَدْ وَعَدَنِي رَبِّي مِنَ النَّصْرِ.


( 167 )

وَاللهِ مَا اسْتَعْجَلَ مُتَجَرِّداً لِلطَّلَبِ بِدَمِ عُثَْمانَ إِلاَّ خَوْفاً مِنْ أَنْ يُطَالَبَ بِدَمِهِ، لاََنَّهُ مَظِنَّتُهُ، وَلَمْ يَكُنْ فِي الْقَوْمِ أَحْرَصُ عَلَيْهِ مِنْهُ، فَأَرَادَ أَنْ يُغَالِطَ بِمَا أَجْلَبَ فِيهِ لِيَلْتَبِسَ (يلبس) الاَْمْرُ وَيَقَعَ الشَّكُّ. وَوَاللهِ مَا صَنَعَ فِي أَمْرِ عُثَْمانَ وَاحِدَةً مِنْ ثَلاَث: لَئِنْ كَانَ ابْنُ عَفَّانَ ظَالِماً ـ كَمَا كَانَ يَزْعُمُ ـ لَقَدْ كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُوَازِرَ قَاتِلِيهِ، وَأَنْ يُنَابِذَ نَاصِرِيهِ. وَلَئِنْ كَانَ مَظْلُوماً لَقَدْ كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُنَهْنِهِينَ عَنْهُ، وَ الْمُعَذِّرِينَ فِيهِ. وَلَئِنْ كَانَ فِي شَكٍّ مِنَ الْخَصْلَتَيْنِ، لَقَدْ كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَعْتَزِلَهُ وَيَرْكُدَ (يركب) جَانِباً، وَيَدَعَ النَّاسَ مَعَهُ. فَمَا فَعَلَ وَاحِدَةً مِنَ الثَّلاَثِ، وَجَاءَ بِأَمْر لَمْ يُعْرَفْ بَابُهُ، وَ لَمْ تَسْلَمْ مَعَاذِيرُهُ.

175 ـ ومن خطبة له (عليه السلام)

سياسية ، عقائدية

1 . تفريح الغافلين

أَيُّهَا النَّاسُ غَيْرُ الْمَغْفُولِ عَنْهُمْ، وَالتَّارِكُونَ الْمَأْخُوذُ مِنْهُمْ. مَا لِي أَرَاكُمْ عَنِ اللهِ ذَاهِبِينَ، وَإِلَى غَيْرِهِ رَاغِبِينَ! كَأَنَّكُمْ نَعَمٌ أَرَاحَ بِهَا سَائِمٌ إِلَى مَرْعًى وَبِيٍّ، وَمَشْرَب دَوِيٍّ (روىّ). وَإِنَّمَا هِيَ كَالْمَعْلُوفَةِ لِلْمُدَى لاَ تَعْرِفُ مَاذَا يُرَادُ بِهَا! إِذَا أُحْسِنَ إِلَيْهَا تَحْسَبُ يَوْمَهَا دَهْرَهَا، وَشِبَعَهَا أَمْرَهَا.

2 . علوم الإمام على(عليه السلام) الواسعة

وَاللهِ لَوْ شِئْتُ أَنْ أُخْبِرَ كُلَّ رَجُل مِنْكُمْ بِمَخْرَجِهِ وَمَوْلِجِهِ وَجَمِيعِ شَأْنِهِ لَفَعَلْتُ، وَلكِنْ أَخَافُ أَنْ تَكْفُرُوا فِيَّ بِرَسُولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله وسلم). أَلاَ وَإِنِّي مُفْضِيهِ إِلَى الْخَاصَّةِ مِمَّنْ يُؤْمَنُ ذلِكَ مِنْهُ. وَالَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ، وَاصْطَفَاهُ عَلَى الْخَلْقِ، مَا أَنْطِقُ إِلاَّ صَادِقاً، وَقَدْ عَهِدَ إِلَيَّ بِذلِكَ كُلِّهِ، وَبِمَهْلِكِ مَنْ يَهْلِكُ، وَمَنْجَى مَنْ يَنْجُو، وَمَآلِ هذَا الاَْمْرِ. وَمَا أَبْقَى شَيْئاً يَمُرُّ عَلَى رَأْسِي إِلاَّ أَفْرَغَهُ فِي أُذُنَيَّ وَأَفْضَى بِهِ إِلَيَّ.


( 168 )

3 . خصائص اميرالمؤمنين(عليه السلام)

أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي، وَاللهِ، مَا أَحُثُّكُمْ عَلَى طَاعَة إِلاَّ وَأَسْبِقُكُمْ إِلَيْهَا، وَلاَ أَنْهَاكُمْ عَنْ مَعْصِيَة إِلاَّ وَأَتَنَاهَى قَبْلَكُمْ عَنْهَا.

176 ـ ومن خطبة له (عليه السلام)

عقائدية ، اخلاقية ، سياسية

1 . وجوب إتّباع الاوامر الإلهيّة

انْتَفِعُوا بِبَيَانِ اللهِ، وَاتَّعِظُوا بِمَوَاعِظِ اللهِ، وَاقْبَلُوا نَصِيحَةَ اللهِ. فَإِنَّ اللهَ قَدْ أَعْذَرَ إِلَيْكُمْ بِالْجَلِيَّةِ، وَاتَّخَذَ عَلَيْكُمُ الْحُجَّةَ، وَبَيَّنَ لَكُمْ مَحَابَّهُ مِنَ الاَْعْمَالِ، وَمَكَارِهَهُ مِنْهَا، لِتَتَّبِعُوا (لتتبغوا) هذِهِ، وَ تَجْتَنِبُوا هذِهِ، فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) كَانَ يَقُولُ : «إِنَّ الْجَنَّةَ حُفَّتْ (حجبت) بِالْمَكَارِهِ، وَإِنَّ النَّارَ حُفَّتْ بِالشَّهَوَاتِ». وَاعْلَمُوا أَنَّهُ مَا مِنْ طَاعَةِ اللهِ شَيْءٌ إِلاَّ يَأْتِي فِي كُرْه، وَمَا مِنْ مَعْصِيَةِ اللهِ شَيْءٌ إِلاَّ يَأْتِي فِي شَهْوَة. فَرَحِمَ اللهُ امْرَأً نَزَعَ عَنْ شَهْوَتِهِ، وَقَمَعَ هَوَى نَفْسِهِ، فَإِنَّ هذِهِ النَّفْسَ أَبْعَدُ شَيْء مَنْزِعاً، وَإِنَّهَا لاَ تَزَالُ تَنْزِعُ إِلَى مَعْصِيَة فِي هَوًى. وَاعْلَمُوا ـ عِبَادَ اللهِ ـ أَنَّ الْمُؤْمِنَ لاَ يُصْبِحُ وَلاَ يُمْسِي إِلاَّ وَنَفْسُهُ ظَنُونٌ عِنْدَهُ، فَلاَ يَزَالُ زَارِياً عَلَيْهَا وَمُسْتَزِيداً لَهَا. فَكُونُوا كَالسَّابِقِينَ قَبْلَكُمْ، وَالْمَاضِينَ أَمَامَكُمْ. قَوَّضُوا مِنَ الدُّنْيَا تَقْوِيضَ الرَّاحِلَ، وَطَوَوْهَا طَيَّ الْمَنَازِلَ.

2 . هداية القرآن

وَاعْلَمُوا أَنَّ هذَا الْقُرْآنَ هُوَ النَّاصِحُ الَّذِي لاَ يَغُشُّ، وَالْهَادِي الَّذِي لاَ يُضِلُّ، وَالُْمحَدِّثُ الَّذِي لاَ يَكْذِبُ. وَمَا جَالَسَ هذَا الْقُرْآنَ أَحَدٌ إِلاَّ قَامَ عَنْهُ بِزِيَادَة أَوْ نُقْصَان: زِيَادَة فِي هُدًى، أَوْ نُقْصَان مِنْ عَمىً. وَاعْلَمُوا أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى أَحَد بَعْدَ الْقُرْآنِ مِنْ فَاقَة، وَلاَ لاَِحَد قَبْلَ الْقُرْآنِ مِنْ غِنًى; فَاسْتَشْفُوهُ مِنْ أَدْوَائِكُمْ،


( 169 )
وَاسْتَعِينُوا بِهِ عَلَى لاَْوَائِكُمْ، فَإِنَّ فِيهِ شِفَاءً مِنْ أَكْبَرِ الدَّاءِ: وَهُوَ الْكُفْرُ وَالنِّفَاقُ، وَالْغَيُّ وَالضَّلاَلُ، فَاسْأَلُوا اللهَ بِهِ، وَتَوَجَّهُوا إِلَيْهِ بِحُبِّهِ، وَلاَ تَسْأَلُوا بِهِ خَلْقَهُ، إِنَّهُ مَا تَوَجَّهَ الْعِبَادُ إِلَى اللهِ تَعَالى بِمِثْلِهِ. وَاعْلَمُوا أَنَّهُ شَافِعٌ مُشَفَّعٌ، وَقَائِلٌ (ماحل) مُصَدَّقٌ، وَأَنَّهُ مَنْ شَفَعَ لَهُ الْقُرْآنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُفِّعَ فِيهِ، وَمَنْ مَحَلَ بِهِ الْقُرْآنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صُدِّقَ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ يُنَادِي مُنَاد يَوْمَ الْقِيَامَةِ: «أَلاَ إِنَّ كُلَّ حَارِث مُبْتَلًى فِي حَرْثِهِ وَعَاقِبَةِ عَمَلِهِ، غَيْرَ حَرَثَةِ الْقُرْآنِ». فَكُونُوا مِنْ حَرَثَتِهِ وَأَتْبَاعِهِ، وَاسْتَدِلُّوهُ عَلَى رَبِّكُمْ، وَاسْتَنْصِحُوهُ عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَاتَّهِمُوا عَلَيْهِ آرَاءَكُمْ، وَاسْتَغِشُّوا فِيهِ أَهْوَاءَكُمْ.

3 . الحث على العمل و المداومة عليه

الْعَمَلَ الْعَمَلَ، ثُمَّ النِّهَايَةَ النِّهَايَةَ، وَالاِسْتِقَامَةَ الاِْسْتِقَامَةَ، ثُمَّ الصَّبْرَ الصَّبْرَ، وَالْوَرَعَ الْوَرَعَ! «إِنَّ لَكُمْ نِهَايَةً فَانْتَهُوا إِلَى نِهَايَتِكُمْ»، وَإِنَّ لَكُمْ عَلَماً فَاهْتَدُوا بِعَلَمِكُمْ، وَإِنَّ لِلاِْسْلاَمِ غَايَةً فَانْتَهُوا إِلَى غَايَتِهِ. وَاخْرُجُوا إِلَى اللهِ بِمَا افْتَرَضَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَقِّهِ، وَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ وَظَائِفِهِ. أَنَا شَاهِدٌ لَكُمْ، وَحَجِيجٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَنْكُمْ. أَلاَ وَإِنَّ الْقَدَرَ السَّابِقَ قَدْ وَقَعَ، وَالْقَضَاءَ الْمَاضِيَ قَدْ تَوَرَّدَ; وَإِنِّي مُتَكَلِّمٌ بِعِدَةِ اللهِ وَحُجَّتِهِ، قَالَ اللهُ تَعَالى : (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلاَئِكَةُ أَنْ لاَ تَخَافُوا، وَلاَ تَحْزَنُوا، وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ(1) وَ قَدْ قُلْتُمْ : «رَبُّنَا اللهُ»، فَاسْتَقِيمُوا عَلَى كِتَابِهِ، وَعَلَى مِنْهَاجِ أَمْرِهِ، وَعَلَى الطَّرِيقَةِ الصَّالِحَةِ مِنْ عِبَادَتِهِ (طاعته)، ثُمَّ لاَتَمْرُقُوا مِنْهَا، وَ لاَ تَبْتَدِعُوا فِيهَا، وَ لاَ تُخَالِفُوا عَنْهَا. فَإِنَّ أَهْلَ الْمُرُوقِ مُنْقَطَعٌ بِهِمْ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

4 . ضرورة السيّطرة على اللّسان

ثُمَّ إِيَّاكُمْ وَتَهْزِيعَ الاَْخْلاَقِ وَتَصْرِيفَهَا، وَاجْعَلُوا اللِّسَانَ وَاحِداً، وَلْيَخْزُنِ الرَّجُلُ لِسَانَهُ، فَإِنَّ هذَا اللِّسَانَ جَمُوحٌ بِصَاحِبِهِ. وَاللهِ مَا أَرَى عَبْداً يَتَّقِي تَقْوَى تَنْفَعُهُ حَتَّى يَخْزُنَ لِسَانَهُ. وَإِنَّ لِسَانَ الْمُؤْمِنِ مِنْ وَرَاءِ قَلْبِهِ، وَإِنَّ قَلْبَ الْمُنَافِقِ مِنْ وَرَاءِ لِسَانِهِ. لاَِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِكَلاَم تَدَبَّرَهُ فِي نَفْسِهِ، فَإِنْ

ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . فصّلت: 30.

( 170 )
كَانَ خَيْراً أَبْدَاهُ، وَإِنْ كَانَ شَرّاً وَارَاهُ. وَإِنَّ الْمُنَافِقَ يَتَكَلَّمُ بِمَا أَتَى عَلَى لِسَانِهِ لاَ يَدْرِي مَاذَا لَهُ، وَمَاذَا عَلَيْهِ. وَلَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وآله وسلم): «لاَ يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْد حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ. وَلاَ يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ». فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَلْقَى اللهَ تَعَالى وَهُوَ نَقِيُّ الرَّاحَةِ مِنْ دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَأَمْوَالِهِمْ، سَلِيمُ اللِّسَانِ مِنْ أَعْرَاضِهِمْ، فَلْيَفْعَلْ.

5 . اجتناب البدع

وَاعْلَمُوا عِبَادَ اللهِ أَنَّ الْمُؤْمِنَ يَسْتَحِلُّ الْعَامَ مَا اسْتَحَلَّ عَاماً أَوَّلَ، وَيُحَرِّمُ الْعَامَ مَا حَرَّمَ عَاماً أَوَّلَ; وَأَنَّ مَا أَحْدَثَ النَّاسُ لاَ يُحِلُّ لَكُمْ شَيْئاً مِمَّا حُرِّمَ عَلَيْكُمْ، وَلكِنَّ الْحَلاَلَ مَا أَحَلَّ اللهُ، وَالْحَرَامَ مَا حَرَّمَ اللهُ. فَقَدْ جَرَّبْتُمُ الاُْمُورَ وَضَرَّسْتُمُوهَا، وَوُعِظْتُمْ بِمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، وَضُرِبَتِ الاَْمْثَالُ لَكُمْ، وَدُعِيتُمْ إِلَى الاَْمْرِ الْوَاضِحِ; فَلاَ يَصَمُّ عَنْ ذلِكَ إِلاَّ أَصَمُّ، وَلاَ يَعْمَى عَنْ ذلِكَ إِلاَّ أَعْمَى. وَمَنْ لَمْ يَنْفَعْهُ اللهُ بِالْبَلاَءِ وَالتَّجَارِبِ لَمْ يَنْتَفِعْ بِشَيْء مِنَ الْعِظَةِ، وَأَتَاهُ التَّقْصِيرُ مِنْ أَمَامِهِ، حَتَّى يَعْرِفَ مَا أَنْكَرَ، وَيُنْكِرَ مَا عَرَفَ. وَإِنَّمَا النَّاسُ رَجُلاَنِ: مُتَّبِعٌ شِرْعَةً (شريعة)، وَ مُبْتَدِعٌ بِدْعَةً، لَيْسَ مَعَهُ مِنَ اللهِ سُبْحانَهُ بُرْهَانُ سُنَّة، وَلاَ ضِيَاءُ حُجَّة.

6 . خصائص القرآن

وَإِنَّ اللهَ سُبْحانَهُ لَمْ يَعِظْ أَحَداً بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ، فَإِنَّهُ «حَبْلُ اللهِ الْمَتِينُ»، وَسَبَبُهُ الاَْمِينُ، وَفِيهِ رَبِيعُ الْقَلْبِ، وَيَنَابِيعُ الْعِلْمِ، وَمَا لِلْقَلْبِ جِلاَءٌ غَيْرُهُ، مَعَ أَنَّهُ قَدْ ذَهَبَ الْمُتَذَكِّرُونَ، وَبَقِيَ النَّاسُونَ أَوِ الْمُتَنَاسُونَ. فَإِذَا رَأَيْتُمْ خَيْراً فَأَعِينُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا رَأَيْتُمْ شَرّاً فَاذْهَبُوا عَنْهُ، فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ(صلى الله عليه وآله وسلم)كَانَ يَقُولُ: «يَا بْنَ آدَمَ، اعْمَلِ الْخَيْرَ وَدَعِ الشَّرَّ، فَإِذَا أَنْتَ جَوَادٌ قَاصِدٌ».

7 . أنواع الظّلم

أَلاَ وَإِنَّ الظُّلْمَ ثَلاَثَةٌ: فَظُلْمٌ لاَ يُغْفَرُ (يترك)، وَظُلْمٌ لاَ يُتْرَكُ، وَظُلْمٌ مَغْفُورٌ لاَ يُطْلَبُ. فَأَمَّا الظُّلْمُ


( 171 )
الَّذِي لاَ يُغْفَرُ فَالشِّرْكُ بِاللهِ، قَالَ اللهُ تَعَالى: (إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ).(1) وَأَمَّا الظُّلْمُ الَّذِي يُغْفَرُ فَظُلْمُ الْعَبْدِ نَفْسَهُ عِنْدَ بَعْضِ الْهَنَاتِ. وَأَمَّا الظُّلْمُ الَّذِي لاَ يُتْرَكُ فَظُلْمُ الْعِبَادِ بَعْضِهِمْ بَعْضاً.

الْقِصَاصُ هُنَاكَ شَدِيدٌ، لَيْسَ هُوَ جَرْحاً بِالْمُدَى وَلاَ ضَرْباً بِالسِّيَاطِ، وَلكِنَّهُ مَا يُسْتَصْغَرُ ذلِكَ مَعَهُ. فَإِيَّاكُمْ وَالتَّلَوُّنَ فِي دِينِ اللهِ، فَإِنَّ جَمَاعَةً فِيَما تَكْرَهُونَ مِنَ الْحَقِّ، خَيْرٌ مِنْ فُرْقَة فِيَما تُحِبُّونَ مِنَ الْبَاطِلِ. وَإِنَّ اللهَ سُبْحانَهُ لَمْ يُعْطِ أَحَداً بِفُرْقَة خَيْراً مِمَّنْ مَضَى، وَلاَ مِمَّنْ بَقِيَ.

8 . ضرورة بناء الذّات

يَا أَيُّهَا النَّاسُ طُوبَى لِمَنْ شَغَلَهُ عَيْبُهُ عَنْ عُيُوبِ النَّاسِ، وَطُوبَى لِمَنْ لَزِمَ بَيْتَهُ، وَأَكَلَ قُوتَهُ، وَاشْتَغَلَ بِطَاعَةِ رَبِّهِ، وَبَكَى عَلَى خَطِيئَتِهِ فَكَانَ مِنْ نَفْسِهِ فِي شُغُل، وَالنَّاسُ مِنْهُ فِي رَاحَة!

177 ـ ومن كلام له (عليه السلام)

سياسي ، تاريخي

(في معنى الحكمين)

نقد خيانة الحكمين

فَأَجْمَعَ رَأْيُ مَلَئِكُمْ عَلَى أَنِ اخْتَارُوا رَجُلَيْنِ. فَأَخَذْنَا عَلَيْهِمَا أَنْ يُجَعْجِعَا عِنْدَ الْقُرْآنِ، وَلاَ يُجَاوِزَاهُ، وَتَكُونَ أَلْسِنَتُهُمَا مَعَهُ وَقُلُوبُهُمَا تَبَعَهُ، فَتَاهَا عَنْهُ، وَتَرَكَا الْحَقَّ وَهُمَا يُبْصِرَانِهِ، وَكَانَ الْجَوْرُ هَواهُمَا، وَالاِْعْوِجَاجُ رَأْيَهُمَا (دأبهما). وَقَدْ سَبَقَ اسْتِثْنَاؤُنَا عَلَيْهِمَا فِي الْحُكْمِ بِالْعَدْلِ وَالْعَمَلِ بِالْحَقِّ سُوءَ رَأْيِهِمَا وَجَوْرَ حُكْمِهِمَا (رأيهما). وَالثِّقَةُ فِي أَيْدِينَا لاَِنْفُسِنَا، حِينَ خَالَفَا سَبِيلَ الْحَقِّ، وَأَتَيَا بِمَا لاَ يُعْرَفُ مِنْ مَعْكُوسِ الْحُكْمِ (الحقّ).

ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . نساء 48

( 172 )

178 ـ ومن خطبة له (عليه السلام)

عقائدية ، اخلاقية

1 . معرفة الله

لاَ يَشْغَلُهُ شَأْنٌ، وَلاَ يُغَيِّرُهُ زَمَانٌ، وَلاَ يَحْوِيهِ مَكَانٌ، وَلاَ يَصِفُهُ لِسَانٌ، وَلاَ يَعْزُبُ عَنْهُ عَدَدُ قَطْرِ الْمَاءِ وَلاَ نُجُومِ السَّمَاءِ، وَلاَ سَوَافِي الرِّيحِ فِي الْهَوَاءِ، وَلاَ دَبِيبُ الَّنمْلِ عَلَى الصَّفَا، وَلاَ مَقِيلُ الذَّرِّ فِي اللَّيْلَةِ الظَّلْمَاءِ. يَعْلَمُ مَسَاقِطَ الاَْوْرَاقِ، وَخَفِيَّ طَرْفِ الاَْحْدَاقِ. وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ غَيْرَ مَعْدُول بِهِ، وَلاَ مَشْكُوك فِيهِ، وَلاَ مَكْفُور دِينُهُ، وَلاَ مَجْحُود تَكْوِينُهُ، شَهَادَةَ مَنْ صَدَقَتْ نِيَّتُهُ، وَصَفَتْ دِخْلَتُهُ وَخَلَصَ يَقِينُهُ، وَثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ. وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الُْمجْتَبَى مِنْ خَلاَئِقِهِ.

وَالْمُعْتَامُ لِشَرْحِ حَقَائِقِهِ، وَالُْمخْتَصُّ بِعَقَائِلِ كَرَامَاتِهِ، وَالْمُصْطَفَى لِكَرَائِمِ (لمكارم) رِسَالاَتِهِ، وَالْمُوَضَّحَةُ بِهِ أَشْرَاطُ الْهُدَى، وَالَْمجْلُوُّ بِهِ غِرْبِيبُ الْعَمَى.

2 . الحذر من الدنيا

أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ الدُّنْيَا تَغُرُّ الْمُؤَمِّلَ لَهَا وَالُْمخْلِدَ إِلَيْهَا، وَلاَ تَنْفَسُ بِمَنْ نَافَسَ فِيهَا، وَتَغْلِبُ مَنْ غَلَبَ عَلَيْهَا. وَايْمُ اللهِ، مَا كَانَ قَوْمٌ قَطُّ فِي غَضِّ نِعْمَة مِنْ عَيْش فَزَالَ عَنْهُمْ إِلاَّ بِذُنُوب اجْتَرَحُوهَا، لـِ (أَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلاَّم لِلْعَبِيدِ). وَلَوْ أَنَّ النَّاسَ حِينَ تَنْزِلُ بِهِمُ النِّقَمُ، وَتَزُولُ عَنْهُمُ النِّعَمُ، فَزِعُوا إِلَى رَبِّهِمْ بِصِدْق مِنْ نِيَّاتِهِمْ، وَوَلَه مِنْ قُلُوبِهِمْ، لَرَدَّ عَلَيْهِمْ كُلَّ شَارِد، وَأَصْلَحَ لَهُمْ كُلَّ فَاسِد.

وَإِنِّي لاََخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تَكُونُوا فِي فَتْرَة، وَقَدْ كَانَتْ أُمُورٌ مَضَتْ مِلْتُمْ فِيهَا مَيْلَةً، كُنْتُمْ فِيهَا عِنْدِي غَيْرَ مَحْمُودِينَ. وَلَئِنْ رُدَّ عَلَيْكُمْ أَمْرُكُمْ إِنَّكُمْ لَسُعَدَاءُ. وَمَا عَلَيَّ إِلاَّ الْجُهْدُ، وَلَوْ أَشَاءُ أَنْ أَقُولَ لَقُلْتُ: عَفَا اللهُ عَمَّا سَلَفَ!.


( 173 )

179 ـ ومن كلام له (عليه السلام)

و قد سأله ذعلب اليماني فقال: هل رأيت ربك يا أمير المؤمنين؟ فقال(عليه السلام): أفأعبد ما لا أرى؟ فقال: وكيف تراه؟ فقال :

عقائدي

معرفة اللّه

لاَ تُدْرِكُهُ (تراه) الْعُيُونَ بِمُشَاهَدَةِ الْعِيَانِ، وَلكِنْ تُدْرِكُهُ الْقُلُوبُ بِحَقَائِقِ الاِْيمَانِ. قَرِيبٌ مِنَ الاَْشْيَاءِ غَيْرَ مُلاَبِس، بَعِيدٌ مِنْهَا غَيْرَ مُبَايِن، مُتَكَلِّمٌ لاَ بِرَوِيَّة، مُرِيدٌ لاَ بِهِمَّة، صَانِعٌ لاَ بِجَارِحَة. لَطِيفٌ لاَ يُوصَفُ بِالْخَفَاءِ، كَبِيرٌ لاَ يُوصَفُ بِالْجَفَاءِ، بَصِيرٌ لاَ يُوصَفُ بِالْحَاسَّةِ، رَحِيمٌ لاَ يُوصَفُ بِالرِّقَّةِ.

تَعْنُو الْوُجُوهُ لِعَظَمَتِهِ، وَتَجِبُ (تجلّ) الْقُلُوبُ مِنْ مَخَافَتِهِ.

180 ـ ومن خطبة له (عليه السلام)

سياسية

(في ذمّ اصحابِهِ)

1 . تقريع الكوفييّن

أَحْمَدُ اللهِ عَلَى مَا قَضَى مِنْ أَمْر، وَقَدَّرَ مِنْ فِعْل، وَعَلَى ابْتِلاَئِي بِكُمْ أَيَّتُهَا الْفِرْقَةُ الَّتِي إِذَا أَمَرْتُ لَمْ تُطِعْ، وَإِذَا دَعَوْتُ لَمْ تُجِبْ.إِنْ أُمْهِلْتُمْ (أهملتم) خُضْتُمْ، وَإِنْ حُورِبْتُمْ خُرْتُمْ. وَإِنِ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَى إِمَام طَعَنْتُمْ، وَإِنْ أُجِبْتُمْ إِلَى مُشَاقَّة نَكَصْتُمْ. لاَ أَبَا لِغَيْرِكُمْ! مَا تَنْتَظِرونَ بِنَصْرِكُمْ وَالْجِهَادِ عَلَى حَقِّكُمْ؟ الْمَوْتَ أَوِ الذُّلَّ لَكُمْ؟ فَوَ اللهِ لَئِنْ جَاءَ يَوْمِي ـ وَلَيَأْتِيَنِّي ـ لَيُفَرِّقَنَّ بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ وَأَنَا لِصُحْبَتِكُمْ قَال، وَبِكُمْ غَيْرُ كَثِير.


( 174 )

2 . أسباب انحطاط الكوفييّن

للهِِ أَنْتُم! أَمَادِينٌ يَجْمَعُكُمْ! وَلاَ حَمِيَّةٌ (محمية) تَشْحَذُكُمْ! أَوَلَيْسَ عَجَباً (عجيباً) أَنَّ مُعَاوِيَةَ يَدْعُو الْجُفَاةَ الطَّغَامَ (الطغاة) فَيَتَّبِعُونَهُ عَلَى غَيْرِ مَعُونَة وَلاَ عَطَاء، وَأَنَا أَدْعُوكُمْ وَأَنْتُمْ تَرِيكَةُ الاِْسْلاَمِ، وَبَقِيَّةُ النَّاسِ إِلَى الْمَعُونَةِ أَوْ طَائِفَة مِنَ الْعَطَاءِ، فَتَفَرَّقُونَ عَنِّي وَتَخْتَلِفُونَ عَلَيَّ؟ إِنَّهُ لاَ يَخْرُجُ إِلَيْكُمْ مِنْ أَمْرِي رِضًى فَتَرْضَونَهُ، وَلاَ سُخْطٌ فَتَجْتَمِعُونَ عَلَيْهِ; وَإِنَّ أَحَبَّ مَا أَنَا لاَق إِلَيَّ الْمَوْتُ! قَدْ دَارَسْتُكُمُ الْكِتَابَ، وَفَاتَحْتُكُمُ الْحِجَاجَ، وَعَرَّفْتُكُمْ مَا أَنْكَرْتُمْ، وَسَوَّغْتُكُمْ مَا مَجَجْتُمْ، لَوْ كَانَ الاَْعْمَى يَلْحَظُ، أَوِ النَّائِمُ يَسْتَيْقِظُ! وَأَقْرِبْ بِقَوْم مِنَ الْجَهْلِ بِاللهِ قَائِدُهُمْ مُعَاوِيَةُ! وَمُؤَدِّبُهُمُ ابْنُ النَّابِغَةِ!

181 ـ ومن كلام له (عليه السلام)

وقد أرسل رجلا من أصحابه، يعلم له علم أحوال قوم من جند الكوفة، قد هموا باللحاق بالخوارج، وكانوا على خوف منه(عليه السلام)، فلما عاد إليه الرجل قال له: «أأمِنُوا فَقَطَنُوا، أَمْ جبنوا فَظَعَنُوا؟» فقال الرجل: بل ظَعَنُوا يا أمير المؤمنين. فقال(عليه السلام):

سياسي ، تاريخي

تقريح المخدوعين من الخوارج

«بُعْداً لَهُمْ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ !» أَمَا لَوْ أُشْرِعَتِ الاَْسِنَّةُ إِلَيْهِمْ، وَصُبَّتِ السُّيُوفُ عَلَى هَامَاتِهِمْ، لَقَدْ نَدِمُوا عَلَى مَا كَانَ مِنْهُمْ. إِنَّ الشَّيْطَانَ الْيَوْمَ قَدِ اسْتَفَلَّهُمْ، وَهُوَ غَداً مُتَبَرِّئٌ مِنْهُمْ، وَمُتَخَلٍّ (مخلّ) عَنْهُمْ. فَحَسْبُهُمْ بِخُرُوجِهِمْ مِنَ الْهُدَى، وَارْتِكَاسِهِمْ فِي الضَّلاَلِ وَالْعَمَى، وَصَدِّهِمْ عَنِ الْحَقِّ، وَجِمَاحِهِمْ فِي التِّيهِ.