http://www.imamsadeq.orgكتاب نهج البلاغة للإمام علي بن أبي طالب عليه السلام من ص 1 ـ 25 ص






( 1 )

 

 

نهج البلاغة

 

 

وهو مجموع ما اختاره

الشريف أبو الحسن محمد الرضي بن الحسن الموسوي

من كلام أمير المؤمنين
أبي الحسن علي بن أبي طالب
(عليه السلام)

 


( 2 )

1 ـ من خطبة له (عليه السلام)

عقائدية، علمية ، تاريخية ، سياسية

(يذكر فيها ابتداء خلق السّماء و الارض و خلق آدم(عليه السلام))

1 . عجز الانسان عن معرفة اللّه

اَلْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لاَ يَبْلُغُ مِدْحَتَهُ الْقَائِلُونَ، وَلاَ يُحْصِي نَعْمَاءَهُ الْعَادُّونَ، وَلاَ يُؤَدِّي حَقَّهُ الُْمجْتَهِدُونَ (الجاهدون)، اَلَّذِي لاَ يُدْرِكُهُ بُعْدُ الْهِمَمِ، وَلاَ يَنَالُهُ غَوْصُ الْفِطَنِ، اَلَّذِي لَيْسَ لِصِفَتِهِ حَدٌّ مَحْدُودٌ، وَلاَ نَعْتٌ مَوْجُودٌ، وَلاَ وَقْتٌ مَعْدُودٌ، وَلاَ أَجَلٌ مَمْدُودٌ . فَطَرَ الْخَلائِقَ بِقُدْرَتِهِ، وَنَشَرَ الرِّيَاحَ بِرَحْمَتِهِ، وَوَتَّدَ بِالصُّخُورِ مَيَدَانَ أَرْضِهِ.

2 . الدين و معرفة اللّه

أَوَّلُ الدِّينِ مَعْرِفَتُهُ، وَكَمَالُ مَعْرِفَتِهِ التَّصْدِيقُ بِهِ، وَكَمَالُ التَّصْدِيقِ بِهِ تَوْحِيدُهُ، وَكَمَالُ تَوْحِيدِهِ الاِْخْلاَصُ لَهُ ، وَكَمَالُ الاِْخْلاَصِ لَهُ نَفْيُ الصِّفَاتِ عَنْهُ ، لِشَهَادَةِ كُلِّ صِفَة أَنَّهَا غَيْرُ الْمَوْصُوفِ ، وَشَهَادَةِ كُلِّ مَوْصُوف أَنَّهُ غَيْرُ الصِّفَةِ: فَمَنْ وَصَفَ اللهَ سُبْحَانَهُ فَقَدْ قَرَنَهُ، وَمَنْ قَرَنَهُ فَقَدْ ثَنَّاهُ ، وَمَنْ ثَنَّاهُ فَقَدْ جَزَّأَهُ، وَمَنْ جَزَّأَهُ فَقَدْ جَهِلَهُ، وَ مَنْ جَهِلَهُ فَقَدْ أَشَارَ إِلَيْهِ، وَمَنْ أَشَارَ إلَيْهِ فَقَدْ حَدَّهُ، وَمَنْ حَدَّهُ فَقَدْ عَدَّهُ. وَمَنْ قَالَ «فِيمَ؟» فَقَدْ ضَمَّنَهُ، وَمَنْ قَالَ «عَلاَمَ؟» فَقَدْ أَخْلَى مِنْهُ. كائِنٌ لاَ عَنْ حَدَث، مَوْجُودٌ لاَ عَنْ عَدَم. مَعَ كُلِّ شَيْء لاَ بِمُقَارَنَة، وَغَيْرُ كُلِّ شَيْء لاَ بِمُزَايَلَة ، فَاعِلٌ لاَ بِمَعْنَى الْحَرَكَاتِ وَالاْلَةِ، بَصِيرٌ إذْ لاَ مَنْظُورَ إلَيْهِ مِنْ خَلْقِهِ، مُتَوَحِّدٌ إذْ لاَ سَكَنَ يَسْتَأْنِسُ بهِ وَلاَ يَسْتَوْحِشُ لِفَقْدِهِ.


( 3 )

3 . الطرق إلى معرفة اللّه

الاّول - خلق العالم

أَنْشَأَ الْخَلْقَ إنْشَاءً، وَابْتَدَأَهُ ابْتِدَاءً، بِلاَ رَوِيَّة أَجَالَهَا، وَلاَ تَجْرِبَة اسْتَفَادَهَا، وَلاَ حَرَكَة أَحْدَثَهَا، وَلاَ هَمَامَةِ نَفْس اضْطَرَبَ فِيهَا. أَحَالَ الاَْشْيَاءَ لاَِوْقَاتِهَا، وَلاََمَ بَيْنَ مُخْتَلِفَاتِهَا، وَغَرَّزَ غَرائِزَهَا، وَ ألْزَمَهَا أَشْبَاحَهَا، عَالِماً بِهَا قَبْلَ ابْتِدَائِهَا، مُحِيطاً بِحُدُودِهَا وَ انْتِهَائِهَا، عَارِفاً بِقَرائِنِهَا وَأَحْنَائِهَا (أجنائها). ثُمَّ أَنْشَأَ  سُبْحَانَهُ ـ فَتْقَ الاَْجْواءِ، وَشَقَّ الاَْرْجَاءِ وَسَكَائِكَ الْهَوَاءِ، فَأَجْرَى (اجاز) فِيهَا مَاءً مُتَلاطِماً تَيَّارُهُ، مُتَرَاكِماً زَخَّارُهُ. حَمَلَهُ عَلَى مَتْنِ الرِّيحِ الْعَاصِفَةِ، وَالزَّعْزَعِ الْقَاصِفَةِ فَأَمَرَهَا بِرَدِّهِ، وَسَلَّطَهَا عَلَى شَدِّهِ، وَقَرَنَهَا إلَى حَدِّهِ. الْهَوَاءُ مِنْ تَحْتِها فَتِيقٌ، وَالْمَاءُ مِنْ فَوْقِهَا دَفِيقٌ. ثُمَّ أَنْشَأَ سُبْحَانَهُ رِيحاً اعْتَقَمَ مَهَبَّهَا، وَأَدَامَ مُرَبَّهَا، وَأَعْصَفَ مَجْرَاهاَ،وَأَبْعَدَ مَنْشَاهَا، فَأَمَرَهَا بِتَصْفِيقِ الْمَاءِ الزَّخَّارِ، وَإِثَارَةِ مَوْجِ الْبِحَارِ، فَمَخَضَتْهُ مَخْضَ السِّقَاءِ، وَعَصَفَتْ بِهِ عَصْفَهَا بِالْفَضَاءِ. تَرُدُّ أَوَّلَهُ إلَى آخِرِهِ، وَسَاجِيَهُ (ساكنه) إلَى مَائِرِهِ، حَتَّى  عَبَّ عُبَابُهُ، وَرَمَى بالزَّبَدِ رُكَامُهُ، فَرَفَعَهُ فِي هَواء مُنْفَتِق، وَجَوٍّ مُنْفَهِق، فَسَوَّى مِنْهُ سَبْعَ سَمَاوَات.

جَعَلَ سُفْلاَهُنَّ مَوْجاً مَكْفُوفاً، وَعُلْيَاهُنَّ سَقْفاً مَحْفُوظاً، وَسَمْكاً مَرْفُوعاً، بِغَيْرِ عَمَد يَدْعَمُهَا، وَلاَ دِسَار يَنْظِمُهَا. ثُمَّ زَيَّنَهَا بِزِينَةِ الْكَوَاكِبِ، وَضِيَاءِ الثَّوَاقِبِ، وَأَجْرَى فِيهَا سِرَاجاً مُسْتَطِيراً، وَقَمَراً مُنِيراً: فِي فَلَك دَائِر، وَسَقْف سَائِر، وَرَقِيم مَائِر.

الثاني ـ عجائب خلقة الملائكة

ثُمَّ فَتَقَ مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ الْعُلاَ، فَمَلاََهُنَّ أَطْوَاراً مِنْ مَلائِكَتِهِ، مِنْهُمْ سُجُودٌ لاَ يَرْكَعُونَ، وَ رُكُوعٌ لاَ يَنْتَصِبُونَ، وَصَافُّونَ لاَ يَتَزايَلُونَ، وَمُسَبِّحُونَ لاَ يَسْأَمُونَ، لاَ يَغْشَاهُمْ نَوْمُ الْعُيُونِ، وَلاَ سَهْوُ الْعُقُولِ، وَلاَ فَتْرَةُ الأَبْدَانِ، وَلاَ غَفْلَةُ النِّسْيَانِ. وَمِنْهُمْ أُمَنَاءُ عَلَى وَحْيِهِ، وَأَلْسِنَةٌ إلَى رُسُلِهِ، وَمُخْتَلِفُونَ (متردّدون) بِقَضَائِهِ وَأَمْرِهِ. وَمِنْهُمُ الْحَفَظَةُ لِعِبَادِهِ، وَ السَّدَنَةُ (السندة) لاَِبْوابِ جِنَانِهِ. وَمِنْهُمُ الثَّابِتَةُ فِي الاَْرَضِينَ السُّفْلَى أَقْدَامُهُمْ، وَ الْمَارِقَةُ مِنَ السَّمَاءِ الْعُلْيَا أَعْنَاقُهُمْ، وَالْخَارِجَةُ مِنَ الاَْقْطَارِ أَرْكانُهُمْ، وَالْمُنَاسِبَةُ


( 4 )
لِقَوَائِمِ الْعَرْشِ أَكْتَافُهُمْ. نَاكِسَةٌ دُونَهُ أَبْصَارُهُمْ، مُتَلَفِّعُونَ تَحْتَهُ بِأَجْنِحَتِهِمْ، مَضْرُوبَةٌ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَنْ دُونَهُمْ حُجُبُ الْعِزَّةِ، وَأَسْتَارُ الْقُدْرَةِ.

لاَ يَتَوَهَّمُونَ رَبَّهُمْ بِالتَّصْوِيرِ، وَ لاَ يُجْرُونَ عَلَيْهِ صِفَاتِ الْمَصْنُوعِينَ (المخلوقين) ، وَلاَ يَحُدُّونَهُ بِالاَْمَاكِنِ، ولاَ يُشِيرُونَ إِلَيْهِ بِالنَّظَائِرِ.

الثالث ـ عجائب خلقة الانسان

ثُمَّ جَمَعَ سُبْحَانَهُ مِنْ حَزْنِ الاَْرْضِ وَسَهْلِهَا، وَعَذْبِهَا وَسَبَخِهَا، تُرْبَةً سَنَّهَا (سنّاها) بِالْمَاءِ حَتَّى خَلَصَتْ، وَلاَطَهَا بِالْبَلَّةِ حَتَّى لَزَبَتْ، فَجَبَلَ مِنْهَا صُورَةً ذاتَ أَحْنَاء وَوُصُول، وَأَعْضَاء وَفُصُول، أَجْمَدَهَا حَتَّى اسْتَمْسَكَتْ، وَأَصْلَدَهَا حَتَّى صَلْصَلَتْ، لِوَقْت مَعْدُود، وَأَمَد (أجل) مَعْلُوم; ثُمَّ نَفَخَ فِيهَا مِنْ رُوحِهِ فَمَثُلَتْ (فتمثّلت) إنْساناً ذَا أَذْهَان يُجِيلُهَا، وَفِكَر يَتَصَرَّفُ بِهَا.

وَجَوَارِحَ يَخْتَدِمُهَا، وَأَدَوَات يُقَلِّبُهَا ، وَمَعْرِفَة يَفْرُقُ بِهَا بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ ، وَالاَْذْوَاقِ وَالْمَشَامِّ، والاَْلْوَانِ وَالاَْجْنَاسِ ، مَعْجُوناً بِطِينَةِ الاَْلْوَانِ الُْمخْتَلِفَةِ ، وَالاَْشْبَاهِ الْمُؤْتَلِفَةِ (متّفقه)، وَالاَْضْدَادِ الْمُتَعَادِيَةِ، وَالاَْخْلاطِ الْمُتَبَايِنَةِ، مِنَ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ، وَالْبَلَّةِ وَالْجُمُودِ. وَاسْتَأْدَى اللهُ سُبْحَانَهُ الْمَلاَئِكَةَ وَدِيعَتَهُ لَدَيْهِمْ، وَعَهْدَ وَصِيَّتِهِ إلَيْهِمْ، فِي الاِْذْعَانِ بِالسُّجُودِ لَهُ، وَالْخُنُوعِ (الخُضُوع) لِتَكْرِمَتِهِ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ: (أُسْجُدُوا لاِدَمَ فَسَجَدُوا إلاَّ إبْلِيسَ).(1) اعْتَرَتْهُ الْحَمِيَّةُ، وَغَلَبَتْ عَلَيْهِ الشِّقْوَةُ، وَتَعَزَّزَ بِخِلْقَةِ النَّارِ، وَاسْتَوْهَنَ خَلْقَ الصَّلْصَالِ، فَأَعْطَاهُ اللهُ النَّظِرَةَ اسْتِحْقَاقاً لِلسُّخْطَةِ، وَاسْتِتَْماماً لِلْبَلِيَّةِ، وَإِنْجَازاً لِلْعِدَةِ، فَقَالَ:(إنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ، إلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ ) .(2)

ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . البقرة: 34.
2 . الحجر: 37 ـ 38.

( 5 )

الرابع - آدم و الجنّة

ثُمَّ أَسْكَنَ سُبْحَانَهُ آدَمَ دَاراً أَرْغَدَ فِيهَا عَيْشَهُ، وَآمَنَ فِيهَا مَحَلَّتَهُ، وَحَذَّرَهُ إبْلِيسَ وَعَدَاوَتَهُ، فَاغْتَرَّهُ عَدُوُّهُ نَفَاسَةً عَلَيْهِ بِدَارِ الْمُقَاَمِ، وَمُرَافَقَةِ الاَْبْرَارِ. فَبَاعَ الْيَقِينَ بِشَكِّهِ، وَالْعَزِيمَةَ بِوَهْنِهِ، وَاسْتَبْدَلَ بِالْجَذَلِ وَجَلا، وَبِالاِغْتِرَارِ نَدَماً. ثُمَّ بَسَطَ اللهُ سُبْحَانَهُ لَهُ فِي تَوْبَتِهِ، وَلَقَّاهُ كَلِمَةَ رَحْمَتِهِ، وَوَعَدَهُ الْمَرَدَّ إلَى جَنَّتِهِ، وَأَهْبَطَهُ إلَى دَارِ الْبَلِيَّةِ، وَتَنَاسُلِ الذُّرِّيَّةِ.

4. الغاية من ارسال الأنبياء(عليهم السلام)

وَاصْطَفَى سُبْحَانَهُ مِنْ وَلَدِهِ أَنْبِيَاءَ أَخَذَ عَلَى الْوَحْيِ مِيثَاقَهُمْ، وَعَلَى تَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ أَمَانَتَهُمْ (ايمانهم)، لَمَّا بَدَّلَ أَكْثَرُ خَلْقِهِ عَهْدَ اللهِ إِلَيْهِمْ فَجَهِلُوا حَقَّهُ، وَاتَّخَذُوا الاَْنْدَادَ مَعَهُ، وَاجْتَالَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ عَنْ مَعْرِفَتِه، وَاقْتَطَعَتْهُمْ عَنْ عِبَادَتِهِ، فَبَعَثَ فِيهِمْ رُسُلَهُ، وَوَاتَرَ إِلَيْهِمْ أَنْبِيَاءَهُ، لِيَسْتَأْدُوهُمْ مِيثَاقَ فِطْرَتِهِ، وَيُذَكِّرُوهُمْ مَنْسِىَّ نِعْمَتِهِ، وَيَحْتَجُّوا عَلَيْهِمْ بِالتَّبْلِيغِ، وَ يُثِيرُوا لَهُمْ دَفَائِنَ الْعُقُولِ، وَيُرُوهُمْ آيَاتِ الْمَقْدِرَةِ. مِنْ سَقْف فَوْقَهُمْ مَرْفُوع، وَمِهَاد تَحْتَهُمْ مَوْضُوع، وَمَعَايِشَ تُحْيِيهِمْ، وَآجَال تُفْنِيهِمْ، وَأَوْصَاب تُهْرِمُهُمْ، وَأَحْدَاث تَتَابَعُ عَلَيْهِمْ. وَلَمْ يُخْلِ اللهُ سُبْحَانَهُ خَلْقَهُ مِنْ نَبِىٍّ مُرْسَل، أَوْ كِتَاب مُنْزَل، أُوْ حُجَّة لاَزِمَة، أَوْ مَحَجَّة قَائِمَة: رُسُلٌ لا تُقَصِّرُ بِهِمْ قِلَّةُ عَدَدِهِمْ، وَلاَ كَثْرَةُ الْمُكَذِّبِينَ لَهُمْ: مِنْ سَابِق سُمِّيَ لَهُ مَنْ بَعْدَهُ، أَوْ غَابِر عَرَّفَهُ مَنْ قَبْلَهُ: عَلَى ذلِكَ نَسَلَتِ (ذَهَبت) الْقُرُونُ، وَمَضَتِ الدُّهُورُ، وَسَلَفَتِ الاْبَاءُ، وَخَلَفَتِ الاَْبْنَاءُ.

5 . فلسفة مبعث النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)

إلَى أَنْ بَعَثَ اللهُ سُبْحَانَهُ مُحَمَّداً رَسُولَ اللهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) لاِِنْجَازِ عِدَتِهِ، وَإِتْمَامِ نُبُوَّتِهِ، مَأْخُوذاً عَلَى النَّبِيِّينَ مِيثَاقُهُ، مَشْهُورَةً سِمَاتُهُ، كَرِيماً مِيلادُهُ. وَأَهْلُ الاَْرْضِ (الارضين) يَوْمَئِذ مِلَلٌ مُتَفَرِّقَةٌ، وَأَهْوَاءٌ مُنْتَشِرَةٌ، وَطَرَائِقُ (طوائف) مُتَشَتِّتَةٌ، بَيْنَ مُشَبِّه لِلّهِ بِخَلْقِهِ، أَوْ مُلْحِد فِي اسْمِهِ، أَوْ مُشِير إلَى غَيْرِهِ. فَهَدَاهُمْ بِهِ مِنَ الضَّلاَلَةِ، وَأَنْقَذَهُمْ بِمَكانِهِ مِنَ الْجَهَالَةِ. ثُمَّ اخْتَارَ سُبْحَانَهُ لُِمحَمَّد (صلى الله عليه وآله وسلم)لِقَاءَهُ، وَرَضِيَ لَهُ مَا


( 6 )
عِنْدَهُ، وَأَكْرَمَهُ عَنْ دَارِ الدُّنْيَا، وَرَغِبَ بِهِ عَنْ مَقَامِ (مقارنه ـ مقار) الْبَلْوَى، فَقَبَضَهُ إِلَيْهِ كَرِيماً (صلى الله عليه وآله وسلم).

6 . ضرورة الامامة

وَخَلَّفَ فِيكُمْ مَا خَلَّفَتِ الاَْنْبِيَاءُ فِي أُمَمِهَا، إذْ لَمْ يَتْرُكُوهُمْ هَمَلا، بِغَيْر طَرِيق وَاضِح، وَلاَ عَلَم قَائِم.

7 . القرآن والاحكام الشرعيّة

كِتَابَ رَبِّكُمْ فِيكُمْ: مُبَيِّناً حَلاَلَهُ وَحَرَامَهُ، وَفَرَائِضَهُ وَفَضَائِلَهُ، وَنَاسِخَهُ وَمَنْسُوخَهُ، وَرُخَصَهُ وَعَزَائِمَهُ، وَخَاصَّهُ وَعَامَّهُ، وَعِبَرَهُ وَأَمْثَالَهُ، وَمُرْسَلَهُ وَمَحْدُودَهُ، وَمُحْكَمَهُ وَمُتَشَابِهَهُ (متسابقة)، مُفَسِّراً مُجْمَلَهُ (جمله)، وَمُبَيِّناً غَوَامِضَهُ، بَيْنَ مَأْخُوذ مِيثَاقُ عِلْمِهِ، وَمُوَسَّع عَلَى الْعِبَادِ فِي جَهْلِهِ. وَبَيْنَ مُثْبَت فِي الْكِتَابِ فَرْضُهُ، وَمَعْلُوم فِي السُّنَّةِ نَسْخُهُ، وَوَاجِب فِي السُّنَّةِ أَخْذُهُ، وَمُرَخَّص فِي الْكِتابِ تَرْكُهُ، وَبَيْنَ وَاجِب بِوَقْتِهِ، وَزَائِل فِي مُسْتَقْبَلِهِ. وَمُبَايَنٌ بَيْنَ مَحَارِمِهِ، مِنْ كَبِير أَوْعَدَ عَلَيْهِ نِيرَانَهُ، أَوْ صَغِير أَرْصَدَ لَهُ غُفْرَانَهُ، وَبَيْنَ مَقْبُول في أَدْنَاهُ، مُوَسَّع فِي أَقْصَاهُ.

8 . فلسفة الحج

وَفَرَضَ عَلَيْكُمْ حَجَّ بَيْتِهِ الْحَرَامِ، الَّذِي جَعَلَهُ قِبْلَةً لِلاَْنَامِ، يَرِدُونَهُ وُرُودَ الاَْنْعَامِ، وَ يَأْلَهُونَ إلَيْهِ وُلُوهَ الْحَمَامِ، وَجَعَلَهُ سُبْحَانَهُ عَلاَمَةً لِتَوَاضُعِهِمْ لِعَظَمَتِهِ، وَإذْعَانِهِمْ لِعِزَّتِهِ، وَاخْتَارَ مِنْ خَلْقِهِ سُمَّاعاً أَجَابُوا إلَيْهِ دَعْوَتَهُ، وَصَدَّقُوا كَلِمَتَهُ، وَوَقَفُوا مَوَاقِفَ أَنْبِيَائِهِ، وَتَشَبَّهُوا بِمَلاَئِكَتِهِ الْمُطِيفِينَ بِعَرْشِهِ. يُحْرِزُونَ الاَْرْبَاحَ في مَتْجَرِ عِبَادَتِهِ، وَيَتَبادَرُونَ عِنْدَهُ مَوْعِدَ مَغْفِرَتِهِ.

جَعَلَهُ سُبْحانَهُ وَتَعَالى لِلإِسْلاَمِ عَلَماً، وَلِلْعَائِذِينَ حَرَماً، فَرَضَ حَقَّهُ، وَأَوْجَبَ حَجَّهُ، وَكَتَبَ عَلَيْكُمْ وِفَادَتَهُ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ :(وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا، وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِىٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ).(1)

ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . آل عمران 97

( 7 )

2 ـ ومن خطبة له (عليه السلام)

عقائدية، تاريخية ، سياسية

(بعد انصرافه من صفين)

1 . فلسفة الحمد

أَحْمَدُهُ اسْتِتَْماماً لِنِعْمَتِهِ، وَاسْتِسْلاَماً لِعِزَّتِهِ، وَاسْتِعْصَاماً مِنْ مَعْصِيَتِهِ. وَأَسْتَعِينُهُ فَاقَةً إلَى كِفَايَتِهِ; إنِّهُ لاَ يَضِلُّ مَنْ هَدَاهُ، وَلاَ يَئِلُ مَنْ عَادَاهُ، وَلاَ يَفْتَقِرُ مَنْ كَفَاهُ. فَإنَّهُ أَرْجَحُ ما وُزِنَ، وَأَفْضَلُ مَا خُزِنَ. وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، شَهَادَةً مُمْتَحَناً إخْلاَصُهَا، مُعْتَقَداً مُصَاصُهَا، نَتَمَسَّكُ بِهَا أَبَداً مَا أَبْقَانَا، وَنَدَّخِرُهَا (نذّخرها) لاَِهَاوِيلِ مَا يَلْقَانَا، فَإِنَّهَا عَزِيمَةُ الاِْيمَانِ، وَفَاتِحَةُ الاِْحْسَانِ، وَمَرْضَاةُ الرَّحْمَانِ، وَمَدْحَرَةُ (مهلكة) الشَّيْطَانِ.

2 . خصائص رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم)

وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ، أَرْسَلَهُ بِالدِّينِ الْمَشْهُورِ، وَ الْعَلَمِ الْمَأْثُورِ، وَ الْكِتَابِ الْمَسْطُورِ، وَالنُّورِ السَّاطِعِ، وَالضِّيَاءِ اللاَّمِعِ، وَالأَمْرِ الصَّادِعِ، إزَاحَةً لِلشُّبُهَاتِ، وَاحْتِجَاجاً بِالبَيِّنَاتِ، وَتَحْذِيراً بِالاْيَاتِ، وَتَخْوِيفاً بِالْمَثُلاَتِ.

3 . وصف الجاهليّة

وَالنَّاسُ فِي فِتَن انْجَذَمَ (انحذم) فِيهَا حَبْلُ الدِّينِ، وَتَزَعْزَعَتْ سَوَارِي الْيَقِينِ، وَاخْتَلَفَ النَّجْرُ، وَتَشَتَّتَ الاَْمْرُ، وَضَاقَ الَْمخْرَجُ، وَعَمِيَ الْمَصْدَرُ، فَالْهُدَى خَامِلٌ، وَالْعَمَى شَامِلٌ. عُصِيَ الرَّحْمانُ، وَنُصِرَ الشَّيْطَانُ، وَخُذِلَ الاِْيمَانُ، فَانْهَارَتْ دَعَائِمُهُ، وَتَنَكَّرَتْ مَعَالِمُهُ (اعلامه)، وَدَرَسَتْ سُبُلُهُ، وَعَفَتْ شُرُكُهُ. أَطَاعُوا الشَّيْطَانَ فَسَلَكُوا مَسَالِكَهُ، وَوَرَدُوا مَنَاهِلَهُ، بِهِمْ سَارَتْ أَعْلامُهُ، وَقَامَ لِوَاؤُهُ، في فِتَن


( 8 )
دَاسَتْهُمْ بِأَخْفَافِهَا، وَوَطِئَتْهُمْ بأَظْلاَفِهَا، وَقَامَتْ عَلَى سَنَابِكِهَا، فَهُمْ فِيهَا تَائِهُونَ حَائِرُونَ جَاهِلُونَ مَفْتُونُونَ، فِي خَيْرِ دَار، وَشَرِّ جِيرَان. نَوْمُهُمْ سُهُودٌ (سهاد)، وَ كُحْلُهُمْ دُمُوعٌ، بأَرْض عَالِمُها مُلْجَمٌ، وَجَاهِلُها مُكْرَمٌ.

4 . فضائل عترة النّبى(صلى الله عليه وآله وسلم)

هُمْ مَوْضِعُ سِرِّهِ، وَلَجَأُ أَمْرِهِ، وَعَيْبَةُ عِلْمِهِ، وَمَوْئِلُ حُكْمِهِ، وَكُهُوفُ كُتُبِهِ، وَجِبَالُ دِينِهِ، بِهِمْ أَقَامَ انْحِناءَ ظَهْرِهِ، وَأَذْهَبَ ارْتِعَادَ فَرَائِصِهِ .

5 . أعمال المنحرفين

زَرَعُوا الْفُجُورَ، وَسَقَوْهُ الْغُرُورَ، وَحَصَدُوا الثُّبُورَ.

6 . منزلة آل محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)

لايُقَاسُ بِآلِ مُحَمَّد(صلى الله عليه وآله وسلم)مِنْ هذِهِ الأُمَّةِ أَحَدٌ، وَلايُسَوِّى بِهِمْ مَنْ جَرَتْ نِعْمَتُهُمْ عَلَيْهِ أَبَداً. هُمْ أَسَاسُ الدِّينِ، وَعِمادُ الْيَقِينِ. إلَيْهِمْ يَفِيءُ الْغَالِي، وَبِهِمْ يُلْحَقُ التَّالِي. وَلَهُمْ خَصَائِصُ حَقِّ الْوِلايَةِ، وَفِيهِمُ الْوَصِيَّةُ وَالْوِرَاثَةُ; الاْنَ إذْ رَجَعَ الْحَقُّ إلَى أَهْلِهِ، وَنُقِلَ إلَى مُنْتَقَلِهِ!

3 ـ ومن خطبة له (عليه السلام)

سياسية ، اخلاقية ، تاريخية ، عقائدية

وَهِيَ الْمَعْرُوفَةُ بالشِّقْشِقِيَّة


( 9 )

1 . الشكوى من ابن ابى قحافه

أَمَا وَاللهِ لَقَدْ تَقَمَّصَهَا فُلانٌ (ابن ابى قحافه) وَإنَّهُ لِيَعْلَمُ أَنَّ مَحَلِّي مِنْهَا مَحَلُّ الْقُطْبِ مِنَ الرَّحَا. يَنْحَدِرُ عَنِّي السَّيْلُ، وَلا يَرْقَى إلَيَّ الطَّيْرُ; فَسَدَلْتُ دُونَهَا ثَوْباً، وَطَوَيْتُ عَنْهَا كَشْحاً، وَطَفِقْتُ أَرْتَئِي بَيْنَ أَنْ أَصُولَ بِيَد جَذَّاءَ (جدّ)، أَوْ أَصْبِرَ عَلَى طَخْيَة (ظلمة) عَمْيَاءَ، يَهْرَمُ فِيهَا الْكَبِيرُ، وَيَشِيبُ فِيهَا الصَّغِيرُ، وَيَكْدَحُ فِيهَا مُؤْمِنٌ حَتَّى يَلْقَى رَبَّهُ!  فَرَأَيْتُ أَنَّ الصَّبْرَ عَلَى هَاتَا أَحْجَى، فَصَبَرْتُ وَفِي الْعَيْنِ قَذًى، وَفِي الْحَلْقِ شَجاً، أَرَى تُرَاثِي نَهْباً، حَتَّى مَضَى الاَْوَّلُ لِسَبِيلِهِ، فَأَدْلَى بِهَا إلَى فُلان بَعْدَهُ.

2 . ابوبكر و التلاعب بالخلافة ، ثم تمثل بقول الأعشى :

شَتَّانَ مَا يَوْمِي عَلَى كُورِهَا *** وَيَوْمُ حَيَّانَ أَخِي جَابِرِ

فَيَا عَجَباً!! بَيْنَا هُوَ يَسْتَقِيلُهَا فِي حَيَاتِهِ إذْ عَقَدَهَا لاِخَرَ بَعْدَ وَفَاتِهِ لَشَدَّ مَا تَشَطَّرَا ضَرْعَيْهَا!

3 . الشكوى من عمر

فَصَيَّرَهَا فِي حَوْزَة خَشْنَاءَ يَغْلُظُ كَلْمُهَا (كلامها)، وَيَخْشُنُ مَسُّهَا، وَيَكْثُرُ الْعِثَارُ فِيهَا، وَالاِْعْتِذَارُ مِنْهَا، فَصَاحِبُهَا كَرَاكِبِ الصَّعْبَةِ إنْ أَشْنَقَ لَهَا خَرَمَ، وَإنْ أَسْلَسَ لَهَا تَقَحَّمَ. فَمُنِيَ النَّاسُ لَعَمْرُ اللهِ بِخَبْط وَشِمَاس، وَتَلَوُّن وَاعْتِرَاض; فَصَبَرْتُ عَلَى طُولِ الْمُدَّةِ، وَشِدَّةِ الِْمحْنَةِ; حَتَّى إذَا مَضَى لِسَبِيلِهِ.

4 . الشكوى من شورى عمر

جَعَلَهَا فِي جَمَاعَة زَعَمَ أَنِّي أَحَدُهُمْ، فَيَالَلّهِ وَلِلشُّورَى! مَتَى اعْتَرَضَ الرَّيْبُ فِيَّ مَعَ الاَْوَّلِ مِنْهُمْ، حَتَّى صِرْتُ أُقْرَنُ إلَى هذِهِ النَّظَائِرِ! لكنِّى اَسْفَفْتُ إِذْاَ سَفُّوا، وَطِرْتُ إِذْ طَارُوا; فَصَغَا رَجُلٌ مِنْهُمْ لِضِغْنِهِ، وَمَالَ الاْخَرُ لِصِهْرِهِ، مَعَ هَن وَهَن.


( 10 )

5 . الشكوى من عثمان

إِلَى أَنْ قَامَ ثَالِثُ الْقَوْمِ نَافِجاً حِضْنَيْهِ، بَيْنَ نَثِيلِهِ وَمُعْتَلَفِهِ، وَقَامَ مَعَهُ بَنُو أَبِيهِ يَخْضَمُونَ مَالَ اللهِ خِضْمَةَ الاِْبِلِ نِبْتَةَ الرَّبِيعِ، إلَى أَنِ انْتَكَثَ عَلَيْهِ فَتْلُهُ، وَأَجْهَزَ عَلَيْهِ عَمَلُهُ، وَكَبَتْ بِهِ بِطْنَتُهُ!

6 . وصف يوم البيعة

فَمَا رَاعَنِي إلاَّ وَالنَّاسُ كَعُرْفِ الضَّبُعِ إلَيَّ، يَنْثَالُونَ عَلَيَّ مِنْ كُلِّ جَانِب، حَتَّى لَقَدْ وُطِىءَ الْحَسَنَانِ، وَشُقَّ عِطْفَايَ (عطافى)، مُجْتَمِعِينَ حَوْلِي كَرَبِيضَةِ الْغَنَمِ. فَلَمَّا نَهَضْتُ بالاَْمْرِ نَكَثَتْ طَائِفَةٌ، وَ مَرَقَتْ أُخْرَى، وَقَسَطَ آخَرُونَ: كَأَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا اللهَ سُبْحَانَهُ (فسق) يَقُولُ: (تِلْكَ الدَّارُ الاْخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الاَْرْضِ وَلاَ فَسَاداً، وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)(1) بَلَى! وَاللهِ لَقَدْ سَمِعُوهَا وَوَعَوْهَا، وَ لكِنَّهُمْ حَلِيَتِ الدُّنْيَا فِي أَعْيُنِهِمْ، وَرَاقَهُمْ زِبْرِجُهَا!

7 . المسؤوليّات الاجتماعيّة

أَمَا وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ، وَبَرَأَ النَّسَمَةَ، لَوْلاَ حُضُورُ الْحَاضِرِ، وَقِيَامُ الْحُجَّةِ بِوُجُودِ النَّاصِرِ، وَمَا أَخَذَ اللهُ عَلَى الْعُلَمَاءِ أَلاَّ يُقَارُّوا عَلَى كِظَّةِ ظَالِم، وَلاَ سَغَبِ مَظْلُوم، لاََلْقَيْتُ حَبْلَهَا عَلَى غَارِبِهَا، وَلَسَقَيْتُ آخِرَهَا بِكَأْسِ أَوَّلِهَا، وَلاََلْفَيْتُمْ دُنْيَاكُمْ هذِهِ أَزْهَدَ عِنْدِي مِنْ عَفْطَةِ عَنْز!

قالوا: وقام إليه رجل من أَهل السواد عند بلوغه إلى هذا الموضع من خطبته، فناوله كتاباً ] قيل: إن فيه مسائل كان يريد الإجابة عنها [، قأَقبل ينظر فيه ] فلما فرغ من قراءته [قال له ابن عباس : يا أمير المؤمنين، لَوِ اطَّرَدَتْ خُطْبَتُكَ مِنْ حَيْثُ أَفْضَيْتَ!.

فَقَالَ: هَيْهَاتَ يَابْنَ عَبَّاس! تِلْكَ شِقْشِقَةٌ هَدَرَتْ ثُمَّ قَرَّتْ!

قال ابن عباس: فوالله ما أَسفت على كلام قط كأسفي على هذا الكلام أَلاَّ يكون أَميرالمؤمنين(عليه السلام) بلغ

ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . القصص: 83 .

( 11 )
منه حيث أَراد. قوله (عليه السلام)«كراكب الصعبة إن أشنق لها خرم، وإن أسلس لها تقحم» يريد أنه إذا شدد عليها في جذب الزمام وهي تنازعه رأسها خرم أنفها، وإن أرخى لها شيئاً مع صعوبتها تقحمت به فلم يملكها; يقال: أشنق الناقة، إذا جذب رأسها بالزمام فرفعه، وشنقها، أيضاً: ذكر ذلك ابن السكيت في «إصلاح المنطق»، وإنما قال: «أشنق لها» ولم يقل «أشنقها» لأنها جعله في مقابلة قوله «أسلس لها» فكأنه (عليه السلام) قال: إن رفع لها رأسها بمعنى أمسكه عليها بالزمام.

4 ـ ومن خطبة له (عليه السلام)

عقائدية، سياسية

ويقال: إنه خطبها بعد قتل طلحة والزبير

خصائص اهل البيت(عليهم السلام)

بِنَا اهْتَدَيْتُمْ فِي الظَّلْمَاءِ، وَتَسَنَّمْتُمْ ذُرْوَةَ الْعَلْيَاءِ، وَبِنَا أَفْجَرْتُمْ (انفجرتم) عَنِ السِّرَارِ. وُقِرَ سَمْعٌ لَمْ يَفْقَهِ (يسمع) الْوَاعِيَةَ، وَكَيْفَ يُرَاعِي النَّبْأَةَ مَنْ أَصَمَّتْهُ الصَّيْحَةُ؟ رُبِطَ جَنَانٌ لَمْ يُفَارِقْهُ الْخَفَقَانُ. مَا زِلْتُ أَنْتَظِرُ بِكُمْ عَوَاقِبَ الْغَدْرِ، وَأَتَوَسَّمُكُمْ بِحِلْيَةِ الْمُغْتَرِّينَ، حَتَّى سَتَرَنِي عَنْكُمْ جِلْبَابُ الدِّينِ، وَبَصَّرَنِيكُمْ صِدْقُ النِّيَّةِ. أَقَمْتُ لَكُمْ عَلَى سَنَنِ الْحَقِّ فِي جَوَادِّ الْمَضَلَّةِ، حَيْثُ تَلْتَقُونَ وَلا دَلِيلَ، وَتَحْتَفِرُونَ وَلا تُمِيهُونَ. الْيَوْمَ أُنْطِقُ لَكُمُ الْعَجْمَاءَ ذاتَ الْبَيَانِ! عَزَبَ (غرب) رَأْيُ امْرِىء تَخَلَّفَ عَنِّي! مَا شَكَكْتُ فِي الْحَقِّ مُذْأُ رِيتُهُ! لَمْ يُوجِسْ مُوسَى(عليه السلام)  خِيفَةً عَلَى نَفْسِهِ(1)، بَلْ أَشْفَقَ مِن غَلَبَةِ الْجُهَّالِ وَدُوَلِ الضَّلالِ! الْيَوْمَ تَوَاقَفْنَا عَلَى سَبيلِ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ. مَنْ وَثِقَ بِمَاء لَمْ يَظْمَأْ!

ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . (فَاوْجَسَ فى نَفْسِهِ خِيفَةً موسى )، 70 طه .

( 12 )

5 ـ ومن خطبة له (عليه السلام)

سياسية ، عقائدية

لما قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و خاطبه العباس وأبو سفيان ابن حرب في أن يبايعا له بالخلافة(1)

1 . طرق الوقاية من الفتن

أَيُّها النَّاسُ، شُقُّوا أَمْوَاجَ الْفِتَنِ بِسُفُنِ النَّجَاةِ، وَعَرِّجُوا عَنْ طَرِيقِ الْمُنَافَرَةِ، وَضَعُوا تِيْجَانَ الْمُفَاخَرَةِ. أَفْلَحَ مَنْ نَهَضَ بِجَنَاح، أَوِ اسْتَسْلَمَ فَأَراحَ. هـذَا مَاءٌ آجِنٌ، وَلُقْمَةٌ يَغَصُّ بِهَا آكِلُهَا.

وَمُجْتَنِى الَّثمَرَةِ لِغَيْرِ وَقْتِ إِينَاعِهَا كَالزَّارِعِ بِغَيرِ أَرْضِهِ.

2 . حكمة السّكوت

فَإنْ أَقُلْ يَقُولُوا: حَرَصَ عَلَى الْمُلْكِ، وَإِنْ أَسْكُتْ يَقُولُوا: جَزِعَ مِنَ الْمَوْتِ! هَيْهَاتَ بَعْدَ اللَّتَيَّا وَالَّتِي! وَاللهِ لاَبْنُ أَبِي طَالِب آنَسُ بالْمَوْتِ مِنَ الطِّفْلِ بِثَدْيِ أُمِّهِ، بَلِ انْدَمَجْتُ عَلَى مَكْنُونِ عِلْم لَوْ بُحْتُ بِهِ لاَضْطَرَبْتُمُ اضْطِرَابَ الاَْرْشِيَةِ فِي الطَّوِىِّ الْبَعِيدَةِ !

6 ـ ومن كلام له (عليه السلام)

سياسي ، عقائدي

لما أشير عليه بأن لا يتبع طلحة والزبير ولا يرصد لهما القتال

ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . قال ابوسفيان لِعَلىّ (عليه السلام) : اُبْسُط يَدَكَ اُبايِعُكَ.

( 13 )

علمه و مظلوميّته(عليه السلام)

وَاللهِ لاَ أَكُونُ كَالضَّبُعِ: تَنَامُ عَلى طُولِ اللَّدْمِ، حَتَّى يَصِلَ إِلَيْهَا طَالِبُهَا، وَيَخْتِلَهَا رَاصِدُهَا، وَلكِنِّي أَضْرِبُ بِالْمُقْبِلِ إلَى الْحَقِّ الْمُدْبِرَ عَنْهُ، وَبِالسَّامِعِ الْمُطِيعِ الْعَاصِيَ الْمُرِيبَ أَبَداً، حَتَّى يَأْتِيَ عَلَيَّ يَوْمِي.

فَوَاللهِ مَا زِلْتُ مَدْفُوعاً عَنْ حَقِّي، مُسْتَأْثَراً عَلَيَّ، مُنْذُ قَبَضَ اللهُ نَبِيَّهُ(صلى الله عليه وآله وسلم) حَتَّى يَوْمِ النَّاسِ هـذا.

7 ـ ومن خطبة له (عليه السلام)

سياسية ، اخلاقية

أتّباع الشيطان

اتَّخَذُوا الشَّيْطَانَ لاَِمْرِهِمْ مِلاَكاً، وَاتَّخَذَهُمْ لَهُ أَشْرَاكاً، فَبَاضَ وَفَرَّخَ فِي صُدُورِهِمْ، وَدَبَّ وَدَرَجَ فِي حُجُورِهِمْ، فَنَظَرَ بِأَعْيُنِهِمْ، وَنَطَقَ بِأَلْسِنَتِهِمْ، فَرَكِبَ بِهِمُ الزَّلَلَ، وَزَيَّنَ لَهُمُ الْخَطَلَ، فِعْلَ مَنْ قَدْ شَرِكَهُ الشَّيْطَانُ فِي سُلْطَانِهِ، وَنَطَقَ بِالْبَاطِلِ عَلَى لِسانِهِ!

8 ـ ومن كلام له (عليه السلام)

سياسي ، اخلاقي

يعني به الزبير في حال اقتضت ذلك

نقض الزّبير للبيعة

يَزْعُمُ أَنَّهُ قَدْ بَايَعَ بِيَدِهِ، وَلَمْ يُبَايِعْ بِقَلْبِهِ; فَقَدْ أَقَّرَّ بِالْبَيْعَةِ، وادَّعَى الْوَلِيجَةَ. فَلْيَأْتِ عَلَيْهَا بِأَمْر يُعْرَفُ; وَإِلاَّ فَلْيَدْخُلْ فِيَما خَرَجَ مِنْهُ.


( 14 )

9 ـ ومن كلام له (عليه السلام)

سياسي ، اخلاقي ، عقائدي

مواقف طلحة و الزّبير

وَقَدْ أَرْعَدُوا وَأَبْرَقُوا، وَمَعَ هذَيْنِ الأَمْرَيْنِ الْفَشَلُ; وَلَسْنَا نُرْعِدُ حَتَّى نُوقِعَ، وَلاَ نُسِيلُ حَتَّى نُمْطِرَ.

10 ـ ومن خطبة له (عليه السلام)

سياسية ، عقائدية

التعريف باصحاب الجمل

أَلاَ وَإِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ جَمَعَ حِزْبَهُ، وَاسْتَجْلَبَ خَيْلَهُ وَرَجِلَهُ، وَإنَّ مَعِي لَبَصِيرَتِي: مَا لَبَّسْتُ عَلَى نَفْسِي، وَلاَ لُبِّسَ عَلَيَّ. وَايْمُ اللهِ لاَُفْرِطَنَّ لَهُمْ حَوْضاً أَنَا مَاتِحُهُ! لاَ يَصْدِرُونَ عَنْهُ، وَلاَ يَعُودُونَ إِلَيْهِ.

11 ـ ومن كلام له (عليه السلام)

عسكري ، سياسي ، عقائدي

لابنه محمد بن الحنفية لمّا أعطاه الراية يوم الجمل

التّعليمات العسكريّة

تَزُولُ الْجِبَالُ وَلاَ تَزُلْ! عَضَّ عَلَى نَاجِذِكَ. أَعِرِ اللهَ جُمْجُمَتَكَ. تِدْفِي الاَْرْضِ قَدَمَكَ. ارْمِ بِبَصَرِكَ أَقْصَى الْقَوْمِ، وَغُضَّ بَصَرَكَ، وَاعْلَمْ أَنَّ النَّصْرَ مِنْ عِنْدِ اللهِ سُبْحَانَهُ.


( 15 )

12 ـ ومن كلام له (عليه السلام)

عقائدي ، اخلاقي

لما أظفره الله بأصحاب الجمل، وقد قال له بعض أصحابه: وددت أن أخي فلاناً كان شاهدنا ليرى ما نصرك الله به على أعدائك.

مشاركة الغائبين في الثّواب

فَقَالَ لَهُ(عليه السلام): أَهَوَى أَخِيكَ مَعَنَا؟ فَقَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَقَدْ شَهِدَنَا، وَلَقَدْ شَهِدَنَا! فِي عَسْكَرِنَا هذَا أَقْوَامٌ (قوم) فِي أَصْلاَبِ الرِّجَالِ وَأَرْحَامِ النِّسَاءِ، سَيَرْعَفُ بِهِمُ الزَّمَانُ، وَيَقْوَى بِهِمُ الاِْيمَانُ.

13 ـ ومن كلام له (عليه السلام)

سياسي ، اخلاقي ، علمي ، تاريخي

في ذم أهل البصرة واهلها

علل سقوط الأُمّة

كُنْتُمْ جُنْدَ الْمَرْأَةِ، وَأَتْبَاعَ الْبَهِيمَةِ; رَغَا فَأَجَبْتُمْ، وَعُقِرَ فَهَرَبْتُمْ. أَخْلاَقُكُمْ دِقَاقٌ، وَعَهْدُكُمْ شِقَاقٌ، وَدِينُكُمْ نِفَاقٌ، وَمَاؤُكُمْ زُعَاقٌ، وَالْمُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ مُرْتَهَنٌ بِذَنْبِهِ، وَالشَّاخِصُ عَنْكُمْ مُتَدَارَكٌ بِرَحْمَة مِنْ رَبِّهِ. كَأَنِّي بِمَسْجِدِكُمْ كَجُؤْجُؤِ سَفِينَة قَدْ بَعَثَ اللهُ عَلَيْهَا الْعَذَابَ مِنْ فَوْقِهَا وَمِنْ تَحْتِها، وَغَرِقَ مَنْ فِي ضِمْنِهَا. و في رواية : وَايْمُ اللهِ لَتَغْرَقَنَّ بَلْدَتُكُمْ حَتَّى كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلى مَسْجِدِهَا كَجُؤْجُؤِ سَفِينَة، أَوْ نَعَامَة جَاثِمَة. و في رواية : كَجُؤْجُؤِ طَيْر فِي لُجَّةِ بَحْر. وفي رواية أخرى : بِلاَدُكُمْ أَنْتَنُ بِلاَدِ اللهِ تُرْبَةً: أَقْرَبُهَا مِنَ الْمَاءِ، وَأَبْعَدُهَا مِنَ السَّمَاءِ، وَبِهَا تِسْعَةُ أَعْشَارِ الشَّرِّ، الُْمحْتَبَسُ فِيهَا بِذَنْبِهِ، وَالْخَارِجُ بِعَفْوِ اللهِ. كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى قَرْيَتِكُمْ هـذِهِ قَدْ طَبَّقَهَا الْمَاءُ، حَتَّى مَا يُرَى مِنْهَا إِلاَّ شُرَفُ الْمَسْجِدِ، كَأَنَّهُ جُؤْجُؤُ طَيْر فِي لُجَّةِ بَحْر!


( 16 )

14 ـ ومن كلام له (عليه السلام)

سياسي ، اخلاقي ، علمي

في مثل ذلك

أثَر الطبيعة في الاخلاق

أَرْضُكُمْ قَرِيبَةٌ مِنَ الْمَاءِ، بَعِيدَةٌ مِنَ السَّمَاءِ. خَفَّتْ عُقُولُكُمْ، وَسَفِهَتْ حُلُومُكُمْ، فَأَنْتُمْ غَرَضٌ لِنَابِل، وَأُكْلَةٌ لاِكِل، وَفَرِيسَةٌ لِصَائِل (صائد).

15 ـ ومن كلام له (عليه السلام)

سياسي ، اقتصادي

فيما رده على المسلمين من قطائع عثمان

المنهج الاقتصادى للامام(عليه السلام)

وَاللهِ لَوْ وَجَدْتُهُ قَدْ تُزُوِّجَ بِهِ النِّسَاءُ، وَمُلِكَ (تملّك) بِهِ الاِْمَاءُ ; لَرَدَدْتُهُ; فَإِنَّ فِي الْعَدْلِ سَعَةً. وَمَنْ ضَاقَ عَلَيْهِ الْعَدْلُ، فَالْجَوْرُ عَلَيْهِ أَضْيَقُ!

16 ـ ومن كلام له (عليه السلام)

سياسي ، عقائدي ، اخلاقي

لما بويع بالمدينة


( 17 )

1 . سياسية النّظام

ذِمَّتِي بِمَا أَقُولُ رَهِينَةٌ. وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ. إِنَّ مَنْ صَرَّحَتْ لَهُ الْعِبَرُ عَمَّا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْمَثُلاَتِ، حَجَزَتْهُ التَّقْوى عَنْ تَقَحُّمِ الشُّبُهَاتِ. أَلاَ وَإِنَّ بَلِيَّتَكُمْ قَدْ عَادَتْ كَهَيْئَتِهَا يَوْمَ بَعَثَ اللهُ نَبِيَّهُ(صلى الله عليه وآله وسلم)(نبيّكم).

وَالَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ لَتُبَلْبَلُنَّ بَلْبَلَةً، وَلَتُغَرْبَلُنَّ غَرْبَلَةً، وَلَتُسَاطُنَّ سَوْطَ الْقِدْرِ، حَتَّى يَعُودَ أَسْفَلُكُمْ أَعْلاَكُمْ، وَأَعْلاَكُمْ أَسْفَلَكُمْ، وَلَيَسْبِقَنَّ سَابِقُونَ كَانُوا قَصَّرُوا، وَلَيُقَصِّرَنَّ سَبَّاقُونَ كَانُوا سَبَقُوا.

2 . استقامة الامام(عليه السلام) و صدقه

وَاللهِ مَا كَتَمْتُ وَشْمَةً، وَلاَ كَذَبْتُ كِذْبَةً، وَلَقَدْ نُبِّئْتُ بِهذَا الْمَقَامِ وَهـذَا الْيَوْمِ. أَلاَ وَإِنَّ الْخَطَايَا خَيْلٌ شُمُسٌ حُمِلَ عَلَيْهَا أَهْلُهَا، وَخُلِعَتْ لُجُمُهَا، فَتَقَحَّمَتْ بِهِمْ فِي النَّارِ. أَلاَ وَإِنَّ التَّقْوَى مَطَايَا ذُلُلٌ، حُمِلَ عَلَيْهَا أَهْلُهَا، وَأُعْطُوا أَزِمَّتَها، فَأَوْرَدَتْهُمُ الْجَنَّةَ. حَقٌّ وَبَاطِلٌ، وَلِكُلٍّ أَهْلٌ، فَلَئِنْ أَمِرَ الْبَاطِلُ لَقَدِيماً فَعَلَ ، وَلَئِنْ قَلَّ الْحَقُّ فَلَرُبَّمَا وَلَعَلَّ ، وَلَقَلَّمَا أَدْبَرَ شَىْءٌ فَأَقْبَلَ !

وأقول: إن في هذا الكلام الأدنى من مواقع الإحسان ما لا تبلغه مواقع الاستحسان، وان حظ العجب منه أكثر من حظ العجب به. وفيه ـ مع الحال التي وصفنا ـ زوائد من الفصاحة لا يقوم بها لسان، ولا يطلع فَجها إنسان، ولا يعرف ما أقول إلا من ضرب في هذه الصناعة بحق، وجرى فيها على عرق. «وَما يَعْقِلُهَا إلاَّ الْعَالِمُونَ » . ومن هذه الخطبة.

3 . حقيقة الضلال و ضرورة التقوى

شُغِلَ مَنِ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ أَمَامَهُ! سَاع سَرِيعٌ نَجَا، وَطَالِبٌ بَطِىءٌ رَجَا، وَمُقَصِّرٌ فِي النَّارِ هَوَى. ألَْيمِينُ وَالشِّمَالُ مَضَلَّةٌ، وَالطَّرِيقُ الْوُسْطَى هِيَ الْجَادَّةُ، عَلَيْهَا بَاقِي الْكِتَابِ وَآثَارُ النُّبُوَّةِ، وَمِنْهَا مَنْفَذُ السٌّنَّةِ، وَإلَيْهَا مَصِيرُ الْعَاقِبَةِ. هَلَكَ مَنِ ادَّعَى، وَخَابَ مَنِ افْتَرَى. مَنْ أَبْدَى صَفْحَتَهُ لِلْحَقِّ هَلَكَ. وَكَفَى بِالْمَرْءِ جَهْلا أَلاَّ يَعْرِفَ قَدْرَهُ. لاَ يَهْلِكُ عَلَى التَّقْوَى سِنْخُ أَصْل، وَلاَ يَظْمَأُ عَلَيْهَا زَرْعُ قَوْم. فَاسْتَتِرُوا فِي بُيُوتِكُمْ، وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ، وَالتَّوْبَةُ مِنْ وَرَائِكُمْ، وَلاَ يَحْمَدْ حَامِدٌ إِلاَّ رَبَّهُ، وَلاَ يَلُمْ لاَئِمٌ إِلاَّ نَفْسَهُ (ذنبه).


( 18 )

17 ـ ومن كلام له (عليه السلام)

اجتماعي ، علمي ، سياسي ، قضائي

في صفة من يتصدى للحكم بين الأُمة وليس لذلك بأَهل

1 . معرفة أشقى النّاس

إِنَّ أَبْغَضَ الْخَلاَئِقِ إِلَى اللهِ رَجُلاَنِ: رَجُلٌ وَكَلَهُ اللهُ إِلَى نَفْسِهِ; فَهُوَ جَائِرٌ عَنْ قَصْدِ السَّبِيلِ، مَشْغُوفٌ بِكَلامِ بِدْعَة، وَدُعَاءِ ضَلاَلَة، فَهُوَ فِتْنَةٌ لِمَنِ افْتَتَنَ بِهِ، ضَالٌّ عَنْ هَدْيِ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ، مُضِلٌّ لِمَنِ اقْتَدَى بِهِ في حَيَاتِهِ وَبَعْدَ وَفَاتِهِ، حَمَّالٌ خَطَايَا غَيْرِهِ، رَهْنٌ (رهين) بِخَطِيئَتِهِ. وَرَجُلٌ قَمَشَ جَهْلا، مُوضِعٌ فِي جُهَّالِ الاُْمَّةِ، عَاد (غادر) فِي أَغْبَاشِ الْفِتْنَةِ، عَم بِمَا فِي عَقْدِ الْهُدْنَةِ; قَدْ سَمَّاهُ أَشْبَاهُ النَّاسِ عَالِماً وَلَيْسَ بِهِ، بَكَّرَ (بكر) فَاْسْتَكْثَرَ مِنْ جَمْع; مَا قَلَّ مِنْهُ خَيْرٌ مِمَّا كَثُرَ، حَتَّى إِذَا ارْتَوَى مِنْ مَاء آجِن، وَاكْتَثَرَ (اكتنز) مِن غَيْرِ طَائِل.

2 . نفسيّة ادعياء القضاء

جَلَسَ بَيْنَ النَّاسِ قَاضِياً ضَامِناً لِتَخْلِيصِ مَا الْتَبَسَ عَلَى غَيْرِهِ، فَإِنْ نَزَلَتْ بِهِ إِحْدَى الْمُبْهَمَاتِ هَيَّأَ لَهَا حَشْواً رَثّاً مِنْ رَأْيِهِ، ثُمَّ قَطَعَ بِهِ، فَهُوَ مِنْ لَبْسِ الشُّبُهَاتِ فِي مِثْلِ نَسْجِ الْعَنْكَبُوتِ.

لاَ يَدْرِي أَصَابَ أَمْ أَخْطَأَ; فَإِنْ أَصَابَ خَافَ أَنْ يَكُونَ قَدْ أَخْطَأَ، وَإِنْ أَخْطَأَ رَجَا أَنْ يَكُونَ قَدْ أَصَابَ. جَاهِلٌ خَبَّاطُ جَهَالاَت، عَاشَ رَكَّابُ عَشَوَات، لَمْ يَعَضَّ عَلَى الْعِلْمِ بِضِرْس قَاطِع. يَذْرُو (يذرى) الرِّوَايَاتِ ذَرْوَ (ادراء) الرِّيحِ الْهَشِيمَ. لاَمَلِيٌّ وَاللهِ بِإِصْدَارِ مَا وَرَدَ عَلَيْهِ، وَلاَ أَهْلٌ لِمَا قُرِّظَ (فوّض) بِهِ، لاَ يَحْسَبُ الْعِلْمَ فِي شَيْء مِمَّا أَنْكَرَهُ، وَلاَ يَرَى أَنَّ مِنْ وَرَاءِ مَا بَلَغَ مَذْهَباً لِغَيْرِهِ، وَإنْ أَظْلَمَ عَلَيْهِ أَمْرٌ اكْتَتَمَ بِهِ لِمَا يَعْلَمُ مِنْ جَهْلِ نَفْسِهِ، تَصْرُخُ مِنْ جَوْرِ قَضَائِهِ الدِّمَاءُ، وَتَعَجُّ مِنْهُ الْمَوَارِيثُ. إِلَى اللهِ أَشْكُو مِنْ مَعْشَر يَعِيشُونَ جُهَّالا، وَيَمُوتُونَ ضُلاَّلا، لَيْسَ فِيهِمْ سِلْعَةٌ أَبْوَرُ مِنَ الْكِتَابِ إِذَا تُلِيَ حَقَّ


( 19 )
تِلاوَتِهِ، وَلا سِلْعَةٌ اَنْفَقُ، بَيْعاً وَلا اَغْلَى ثَمَناً مِنَ الْكِتابِ اِذا حُرِّفَ عَنْ مَوَاضِعِهِ، وَلاَ عِنْدَهُمْ أَنْكَرُ مِنَ الْمَعْرُوفِ، وَلاَ أَعْرَفُ مِنَ المُنْكَرِ!

18 ـ ومن كلام له (عليه السلام)

سياسي ، قضائي ، عقائدي

في ذمّ اختلاف العلماء في الفتيا ، و ذمّ أهل الرأي

1 . نقد مسلك اهل الرّأى

تَرِدُ عَلَى أَحَدِهِمُ الْقَضِيَّةُ فِي حُكْم مِنَ الاَْحْكَامِ فَيَحْكُمُ فِيهَا بِرَأْيِهِ، ثُمَّ تَرِدُ تِلْكَ الْقَضِيَّةُ بِعَيْنِهَا عَلَى غَيْرِهِ فَيَحْكُمُ فِيهَا بِخِلافِ قَوْلِهِ، ثُمَّ يَجْتَمِعُ الْقُضَاةُ بِذلِكَ عِنْدَ الاِْمَامِ الَّذِي اسْتَقْضَاهُمْ، فَيُصَوِّبُ آرَاءَهُمْ جَمِيعاً. وَإِلـهُهُمْ وَاحِدٌ! وَنَبِيُّهُمْ وَاحِدٌ، وَكِتَابُهُمْ، وَاحِدٌ! أَفَأَمَرَهُمُ اللهُ سُبْحَانَهُ بِالاِْخْتِلاَفِ فَأَطَاعُوهُ! أَمْ نَهَاهُمْ عَنْهُ فَعَصَوْهُ!

2 . كمال الدّين

أَمْ أَنْزَلَ اللهُ سُبْحَانَهُ دِيناً نَاقِصاً فَاسْتَعَانَ بِهِمْ عَلَى إِتْمَامِهِ ! أَمْ كَانُوا شُرَكَاءَ لَهُ، فَلَهُمْ أَنْ يَقُولُوا، وَعَلَيْهِ أَنْ يَرْضَى؟ أَمْ أَنْزَلَ اللهُ سُبْحَانَهُ دِيناً تَامّاً فَقَصَّرَ الرَّسُولُ(صلى الله عليه وآله وسلم) عَنْ تَبْلِيغِهِ وَأَدَائِهِ.

وَاللهُ سُبْحَانَهُ يَقُولُ: (مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْء) (1) وَفِيهِ تِبْيَانٌ لِكُلِّ شَيء. وَذَكَرَ أَنَّ الْكِتَابَ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضاً، وَأَنَّهُ لاَ اخْتِلاَفَ فِيهِ فَقَالَ سُبْحَانَهُ : (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً ). (2) وَإِنَّ الْقُرْآنَ ظَاهِرُهُ أَنِيقٌ وَبَاطِنُهُ عَمِيقٌ، لاَتَفْنَى عَجَائِبُهُ، وَلاَ تَنْقَضِي غَرَائِبُهُ، وَلاَ تُكْشَفُ الظُّلُمَاتُ إلاَّ بِهِ.

ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . الانعام: 38 .
2 . النساء: 82 .

( 20 )

19 ـ ومن كلام له (عليه السلام)

سياسي ، تاريخي

قاله للأشعث بن قيس وهو على منبر الكوفة يخطب، فمضى في بعض كلامه شيء اعترضه الأشعث فيه، فقال:

يا أميرالمؤمنين، هذه عليك لا لك، فخفض(عليه السلام) إليه بصره ثم قال :

سوابق الأشعث بن قيس

مَا يُدْرِيكَ مَا عَلَيَّ مِمَّا لِي، عَلَيْكَ لَعْنَةُ اللهِ وَلَعْنَةُ اللاَّعِنِينَ! حَائِكٌ ابْنُ حَائِك! مُنَافِقٌ ابْنُ كَافِر! وَاللهِ لَقَدْ أَسَرَكَ الْكُفْرُ مَرَّةً وَالاِْسْلامُ أُخْرى (مرّة)! فَمَا فَدَاكَ مِنْ وَاحِدَة مِنْهُمَا مَالُكَ وَلاَ حَسَبُكَ! وَإِنَّ امْرَأً دَلَّ عَلَى قَوْمِهِ السَّيْفَ، وَسَاقَ إِلَيْهِمُ الْحَتْفَ، لَحَرِىٌّ أَنْ يَمْقُتَهُ الاَْقْرَبُ،وَلاَ يَأْمَنَهُ الاَْبْعَدُ!

يريد(عليه السلام) أنه أسر في الكفر مرة وفي الإسلام مرة. وأما قوله: دل على قومه السيف: فأرادبه حديثاً كان للأشعث مع خالد بن الوليد باليمامة، غرّ فيه قومه ومكر بهم حتّى أوقع بهم خالد، وكان قومه بعد ذلك يسمونه «عُرْفَ النار» وهو اسم للغادر عندهم.

20 ـ ومن كلام له (عليه السلام)

عقائدي ، اخلاقي

عالم ما بعد الموت و علة الجهل به

فَإِنَّكُمْ لَوْ عَايَنْتُمْ مَا قَدْ عَايَنَ مَنْ مَاتَ مِنْكُمْ لَجَزِعْتُمْ وَوَهِلْتُمْ، وَسَمِعْتُمْ وَأَطَعْتُمْ، وَلكِنْ مَحْجُوبٌ عَنْكُمْ مَا قَدْ عَايَنُوا، وَقَرِيبٌ مَا يُطْرَحُ الْحِجَابُ! وَلَقَدْ بُصِّرْتُمْ إِنْ أَبْصَرْتُمْ، وَأُسْمِعْتُمْ إِنْ سَمِعْتُمْ، وَهُدِيتُمْ إِنِ اهْتَدَيْتُمْ، وَبِحَقٍّ أَقُولُ لَكُمْ: لَقَدْ جَاهَرَتْكُمُ الْعِبَرُ. وَزُجِرْتُمْ بِمَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ. وَمَا يُبَلِّغُ عَنِ اللهِ بَعْدَ رُسُلِ السَّمَاءِ إِلاَّ الْبَشَرُ.


( 21 )

21 ـ ومن خطبة له (عليه السلام)

عقائدية ، اخلاقية ، تاريخية

طريق الفلاح

فَإِنَّ الْغَايَةَ أَمَامَكُمْ، وَإِنَّ وَرَاءَكُمُ السَّاعَةَ تَحْدُوكُمْ. تَخَفَّفُوا تَلْحَقُوا، فَإِنَّمَا يُنْتَظَرُ بِأَوَّلِكُمْ آخِرُكُمْ.

أقول: إن هذا الكلام لو وُزِن، بعد كلام الله سبحانه وبعد كلام رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، بكل كلام لمال به راجحاً، وبرّز عليه سابقاً. فأما قوله(عليه السلام): «تخفّفوا تلحقوا» فما سمع كلام أقل منه مسموعاً ولا أكثر منه محصولا، وما أبعد غورها من كلمة! وأنقع نطفتها من حكمة! وقد نبهنا في كتاب «الخصائص» على عظم قدرها وشرف جوهرها.

22 ـ ومن خطبة له (عليه السلام)

سياسية ، عقائدية ، تاريخية

الامام و التعريف بالناكثين

أَلاَ وَإِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ ذَمَّرَ حِزْبَهُ، وَاسْتَجْلَبَ جَلَبَهُ، لِيَعُودَ الْجَوْرُ إلَى أَوْطَانِهِ، وَيَرْجِعَ الْبَاطِلُ إِلى نِصَابِهِ. وَاللهِ مَا أَنْكَرُوا عَلَيَّ مُنْكَراً، وَلاَ جَعَلُوا بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ نَصِفاً. وَإِنَّهُمْ لَيَطْلُبُونَ حَقَّاً هُمْ تَرَكُوهُ، وَدَماً هُمْ سَفَكُوهُ: فَلَئِنْ كُنْتُ شَرِيكَهُمْ فِيهِ فَإِنَّ لَهُمْ لَنَصِيبَهُمْ مِنْهُ، وَلَئِنْ كَانُوا وَلُوهُ دُونِي، فَمَا التَّبِعَةُ إِلاَّ عِنْدَهُمْ، وَإِنَّ أَعْظَمَ حُجَّتِهِمْ لَعَلَى أَنْفُسِهِمْ، يَرْتَضِعُونَ أُمّاً قَدْ فَطَمَتْ، وَ يُحْيُونَ بِدْعَةً قَدْ أُمِيتَتْ.يا خَيْبَةَ الدَّاعِي! مَنْ دَعَا! وَإِلاَمَ أُجِيْبَ! وَإِنِّي لَرَاض بِحُجَّةِ اللهِ عَلَيْهِمْ وَعِلْمِهِ فِيهِمْ. فَإِنْ أَبَوْا أَعْطَيْتُهُمْ حَدَّ السَّيْفِ وَكَفَى بِهِ شَافِياً مِنَ الْبَاطِلِ، وَنَاصِراً لِلْحَقِّ! وَمِنَ الْعَجَبِ بَعْثُهُمْ إِلَىَّ أَنْ أَبْرُزَ لِلطِّعَانِ! وَأَنْ أَصْبِرَ لِلْجِلادِ! هَبِلَتْهُمُ الْهَبُولُ! لَقَدْ كُنْتُ وَمَا أُهَدَّدُ بِالْحَرْبِ، وَلاَ أُرَهِّبُ بِالضَّرْبِ! وَإِنِّي لَعَلَى يَقِين مِنْ رَبِّي، وَغَيْرِ شُبْهَة مِنْ دِينِي.


( 22 )

23 ـ ومن خطبة له (عليه السلام)

اخلاقية ، عقائدية ، اجتماعية ، سياسية

1 . تناسب النّعم مع القابليّات

أمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ الاَْمْرَ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الاَْرْضِ كَقَطَرَاتِ الْمَطَرِ إِلَى كُلِّ نَفْس بِمَا قُسِمَ لَهَا مِنْ زِيَادَة أَوْ نُقْصَان، فَإِنْ رَأَى أَحَدُكُمْ لاَِخِيهِ غَفِيرَةً فِي أَهْل أَوْ مَال أَوْ نَفْس فَلاَ تَكُونَنَّ لَهُ فِتْنَةً.

فَإنَّ الْمَرْءَ الْمُسْلِمَ مَا لَمْ يَغْشَ دَنَاءَة تَظْهَرُ (تَطهُر) فَيَخْشَعُ لَهَا إِذَا ذُكِرَتْ، وَيُغْرَى بِهَا لِئَامُ النَّاسِ، كَانَ كَالْفَالِجِ الْيَاسِرِ الَّذِي يَنْتَظِرُ أَوَّلَ فَوْزَة مِنْ قِدَاحِهِ تُوجِبُ لَهُ الْمَغْنَمَ، وَيُرْفَعُ بِهَا عَنْهُ الْمَغْرَمُ.

وَكَذلِكَ الْمَرْءُ الْمُسْلِمُ الْبَرِيءُ مِنَ الْخِيَانَةِ يَنْتَظِرُ مِنَ اللهِ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ: إِمَّا دَاعِيَ اللهِ فَمَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ لَهُ، وَإِمَّا رِزْقَ اللهِ فَإِذَا هُوَ ذُو أَهْل وَمَال، وَمَعَهُ دِينُهُ وَحَسَبُهُ. وَإِنَّ الْمَالَ وَالْبَنِينَ حَرْثُ الدُّنْيَا، وَالْعَمَلَ الصَّالِحَ حَرْثُ الاْخِرَةِ، وَقَدْ يَجْمَعُهُمَا اللهُ تَعَالى لاَِقْوَام، فَاحْذَرُوا مِنَ اللهِ مَا حَذَّرَكُمْ مِنْ نَفْسِهِ (شخصه)، وَاخْشَوْهُ خَشْيَةً لَيْسَتْ بِتَعْذِير، وَاعْمَلُوا فِي غَيْرِ رِيَاء وَلاَ سُمْعَة; فَإِنَّهُ مَنْ يَعْمَلْ لِغَيْرِ اللهِ يَكِلْهُ اللهُ لِمَنْ عَمِلَ لَهُ. نَسْأَلُ اللهَ مَنَازِلَ الشُّهَداءِ، وَمُعَايَشَةَ السُّعَدَاءِ، وَمُرَافَقَةَ الاْنْبِيَاءِ.

2 . ضرورة التعاون بين الأقرباء

أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ لاَ يَسْتَغْنِي الرَّجُلُ وَإِنْ كَانَ ذَا مَال عَنْ عِتْرَتِهِ (عشيرته)، وَدِفَاعِهِمْ عَنْهُ بِأَيْدِيهِمْ وَأَلْسِنَتِهِمْ، وَهُمْ أَعْظَمُ النَّاسِ حَيْطَةً مِنْ وَرَائِهِ، وَأَلَمُّهُمْ لِشَعَثِهِ، وَأَعْطَفُهُمْ عَلَيْهِ عِنْدَ نَازِلَة إِذَا نَزَلَتْ بِهِ. وَلِسَانُ الصِّدْقِ يَجْعَلُهُ اللهُ لِلْمَرْءِ فِي النَّاسِ خَيْرٌ لَهُ مِنَ الْمَالِ يَرِثُهُ غَيْرُهُ.

و منها : أَلاَ لاَيَعْدِلَنَّ أَحَدُكُمْ عَنِ الْقَرَابَةِ يَرَى بِهَا الْخَصَاصَةَ أَنْ يَسُدَّهَا بِالَّذِي لاَ يَزِيدُهُ إِنْ أَمْسَكَهُ وَلاَ يَنْقُصُهُ إِنْ أَهْلَكَهُ; وَمَنْ يَقْبِضْ يَدَهُ عَنْ عَشِيرَتِهِ، فَإِنَّمَا تُقْبَضُ مِنْهُ عَنْهُمْ يَدٌ وَاحِدَةٌ، وَتُقْبَضُ مِنْهُمْ عَنْهُ أَيْد كَثِيرَةٌ; وَمَنْ تَلِنْ حَاشِيَتُهُ يَسْتَدِمُ مِنْ قَوْمِهِ الْمَوَدَّةَ المحبّة).


( 23 )

أقول: الغفيرة ها هنا الزيادة والكثرة، من قولهم للجمع الكثير: الجم الغفير، والجماء الغفير. و يروى «عِفْوة من أهل أو مال» والعِفْوة: الخيار من الشيء، يقال: أكلت عِفْوةَ الطعام، أي خياره. وما أحسن المعنى الذي أراده(صلى الله عليه وآله وسلم) بقوله: «ومن يقبض يده عن عشيرته...» إلى تمام الكلام، فإن الممسك خيره عن عشيرته إنما يمسك نفع يد واحدة; فإذا احتاج إلى نصرتهم، و اضطر إلى مرافدتهم، قعدوا عن نصره، وتثاقلوا عن صوته، فمنع ترافد الأيدي الكثيرة، وتناهض الأقدام الجمة.

24 ـ ومن خطبة له (عليه السلام)

سياسية ، اخلاقية ، عقائدية

فيها تسويغ قتال المخالف، والدعوة إلى طاعة الله،

الاستعداد للجهاد

وَلَعَمْرِي مَا عَلَيَّ مِنْ قِتَالِ مَنْ خَالَفَ الْحَقَّ، وَخَابَطَ الْغَيَّ، مِنْ إدْهَان وَلاَإيِهَان. فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ، وَفِرُّوا إِلَى اللهِ مِنَ اللهِ، وَامْضُوا فِي الَّذِي نَهَجَهُ لَكُمْ، وَقُومُوا بِمَا عَصَبَهُ بِكُمْ، فَعَلِيٌّ ضَامِنٌ لِفَلْجِكُمْ آجِلا، إِنْ لَمْ تُمْنَحُوهُ عَاجِلا.

25 ـ ومن خطبة له (عليه السلام)

سياسية ، تاريخية ، علمية ، اجتماعية

وقد تواترت عليه الأَخبار باستيلاءِ أَصحاب معاوية على البلاد، وقدم عليه عاملاه على اليمن، و هما عبيد الله بن عباس و سعيد بن نَمْرَان لما غلب عليهما بُسْرُ بن أَبي أَرْطَاة، فقام(صلى الله عليه وآله وسلم) على المنبر ضجراً بتثاقل أَصحابه عن الجهاد، ومخالفتهم له في الرأْي، فقال:


( 24 )

1 . أسباب هزيمة اهل الكوفة

مَا هِيَ إِلاَّ الْكُوفَةُ، أَقْبِضُهَا وَأَبْسُطُهَا، إِنْ لَمْ تَكُونِي إِلاَّ أَنْتِ، تَهُبُّ أَعَاصِيرُكِ فَقبَّحَكِ اللهُ!

وتمثلّ(عليه السلام) بقول الشاعر :

لَعَمْرُ أَبِيكَ الْخَيْرِ يَا عَمْرُو إِنَّنِي *** عَلَى وَضَر مِنْ ذَا الاِْنَاءِ قَلِيل

ثُم قال(عليه السلام) : أُنْبِئْتُ بُسْراً قَدِ اطَّلَعَ الَْيمَنَ، وَإِنِّي وَاللهِ لاََظُنُّ أَنَّ هؤُلاءِ الْقَوْمَ سَيُدَ الُونَ مِنْكُمْ بِاجْتَِماعِهمْ عَلَى بَاطِلِهمْ، وَتَفَرُّقِكُمْ عَنْ حَقِّكُمْ، وَبِمَعْصِيَتِكُمْ إِمَامَكُمْ فِي الْحَقِّ، وَطَاعَتِهِمْ إِمَامَهُمْ فِي الْبَاطِلِ، وَبِأَدَائِهِمُ الاَْمَانَةَ إِلَى صَاحِبِهِمْ وَخِيَانَتِكُمْ، وَبِصَلاَحِهِمْ فِي بِلاَدِهِمْ وَفَسادِكُمْ. فَلَوِ ائْتَمَنْتُ أَحَدَكُمْ عَلَى قَعْب لَخَشِيْتُ أَنْ يَذْهَبَ بِعَلاَقَتِهِ.

2 . سحقاً للامّة الغادرة

اللَّهُمَّ إِنِّي قَدْ مَلِلْتُهُمْ وَمَلُّونِي، وَسَئِمْتُهُمْ وَسَئِمُونِي، فَأَبْدِلْنِي بِهِمْ خَيْراً مِنْهُمْ، وَأَبْدِلْهُمْ بِي شَرَّاً مِنِّي. اللَّهُمَّ مِثْ قُلُوبَهُمْ كَمَا يُمَاثُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ. أَمَا وَاللهِ لَوَدِدْتُ أَنَّ لِي بِكُمْ أَلْفَ فَارِس مِنْ بَنِي فِرَاسِ بْنِ غَنْم.

هُنَالِكَ ، لَوْ دَعَوْتَ ، أَتَاكَ مِنْهُمْ *** فَوَارِسُ مِثْلُ أَرْمِيَةِ الْحَمِيمِ

ثم نزل(عليه السلام) من المنبر ، أقول: الأرمية جمع رَميٍّ وهو السحاب، والحميم ها هنا: وقت الصيف، وإنما خص الشاعر سحاب الصيف بالذكر لأنه أشد جفولا، وأسرع خُفوفاً، لأنه لا ماء فيه، وإنما يكون السحاب ثقيل السير لامتلائه بالماء، وذلك لا يكون في الأكثر إلا زمان الشتاء، وإنما أراد الشاعر وصفهم بالسرعة إذا دُعوا، والإغاثة إذا استغيثوا، والدليل على ذلك قوله: «هنالك، لو دعوت، أتاك منهم...».


( 25 )

26 ـ ومن خطبة له (عليه السلام)

سياسية ، تاريخية ، عقائدية ، اجتماعية

1 . الوضع الجاهلي

إِنَّ اللهَ بَعَثَ مُحَمَّداً (صلى الله عليه وآله وسلم)نَذِيراً لِلْعَالَمِينَ، وَأَمِيناً عَلَى التَّنْزِيلِ، وَأَنْتُمْ مَعْشَرَ الْعَرَبِ عَلى شَرِّ دِين، وَفِي شَرِّ دَار، مُنِيخُونَ بَيْنَ حِجَارَة خُشْن، وَحَيَّات صُمٍّ، تَشْرَبُونَ الْكَدِرَ وَتَأْكُلُونَ الْجَشِبَ، وَتَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ، وَتَقْطَعُونَ أَرْحَامَكُمْ. الاَْصْنَامُ فِيكُمْ مَنْصُوبَةٌ، وَالاْثَامُ بِكُمْ مَعْصُوبَةٌ.

2 . مظلوميّة الامام على(عليه السلام)

فَنَظَرْتُ فَإِذَا لَيْسَ لِي مُعِينٌ إِلاَّ أَهْلُ بَيْتِي، فَضَنِنْتُ بِهمْ عَنِ الْمَوْتِ، وَأَغْضَيْتُ عَلَى الْقَذَى، وَشَرِبْتُ عَلَى الشَّجَا، وَصَبَرْتُ عَلَى أَخْذِ الْكَظَمِ، وَعَلى أَمَرَّ مِنْ طَعْمِ (حزن) الْعَلْقَمِ.

3 . التعريف بعمرو بن العاص

ومنها : وَلَمْ يُبَايِعْ حَتَّى شَرَطَ أَنْ يُؤْتِيَهُ عَلَى الْبَيْعَةِ ثَمَناً، فَلاَ ظَفِرَتْ يَدُ الْبَائِعِ، وَخَزِيَتْ أَمَانَةُ الْمُبْتَاعِ، فَخُذُوا لِلْحَرْبِ أُهْبَتَهَا، وَأَعِدُّوا لَهَا عُدَّتَهَا، فَقَدْ شَبَّ لَظَاهَا، وَعَلاَسَنَاهَا، وَاسْتَشْعِرُوا الصَّبْرَ، فَإِنَّهُ أَدْعَى إِلَى النَّصْرِ.