http://www.imamsadeq.orgكتاب نهج البلاغة للإمام علي بن أبي طالب عليه السلام من ص 239 ـ 275 ص

( 239 )

232 ـ ومن كلام له (عليه السلام)

كلم به عبدالله بن زمعة، وهو من شيعته، وذلك أنه قدم عليه في خلافته يطلب منه مالا، فقال(عليه السلام):

الاحتياط في بيت المال   اقتصادي

إِنَّ هذَا الْمَالَ لَيْسَ لِي وَلاَ لَكَ، وَإِنَّمَا هُوَ فَيْءٌ لِلْمُسْلِمِينَ، وَجَلْبُ (حلب) أَسْيَافِهِمْ، فَإِنْ شَرِكْتَهُمْ فِي حَرْبِهِمْ، كَانَ لَكَ مِثْلُ حَظِّهِمْ، وَإِلاَّ فَجَنَاةُ أَيْدِيهِمْ لاَ تَكُونُ لِغَيْرِ أَفْوَاهِهِمْ.

233 ـ ومن كلام له (عليه السلام)

1 . بلاغة اهل البيت(عليهم السلام)   عقائدي ، سياسي أَلاَ وَإِنَّ اللِّسَانَ بَضْعَةٌ مِنَ الاِْنْسَانِ، فَلاَ يُسْعِدُهُ الْقَوْلُ إِذَا امْتَنَعَ، وَلاَ يُمْهِلُهُ النُّطْقُ إِذَا اتَّسَعَ. وَ إِنَّا لاَُمَرَاءُ الْكَلاَمِ، وَفِينَا تَنَشَّبَتْ عُرُوقُهُ، وَعَلَيْنَا تَهَدَّلَتْ غُصُونُهُ.

2 . أسباب الغشل و الهزيمة

وَاعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اللهُ أَنَّكُمْ فِي زَمَان الْقَائِلُ فِيهِ بِالْحَقِّ قَلِيلٌ، وَاللِّسَانُ عَنِ الصِّدْقِ كَلِيلٌ، وَاللاَّزِمُ لِلْحَقِّ ذَلِيلٌ. أَهْلُهُ مُعْتَكِفُونَ عَلَى الْعِصْيَانِ، مُصْطَلِحُونَ عَلَى الاِْدْهَانِ، فَتَاهُمْ عَارِمٌ، وَشَائِبُهُمْ آثِمٌ، وَعَالِمُهُمْ مُنَافِقٌ، وَقَارِنُهُمْ مُمَاذِقٌ. لاَ يُعَظِّمُ صَغِيرُهُمْ كَبِيرَهُمْ، وَلاَ يَعُولُ غَنِيُّهُمْ فَقِيرَهُمْ.

234 ـ ومن كلام له (عليه السلام)

روى ذعلب اليمانّي عن أحمد بن قتيبة، عن عبد الله بن يزيد، عن مالك بن دحية، قال: كنا عند أميرالمؤمنين(عليه السلام)، وقد ذكر عنده اختلاف الناس فقال:


( 240 )

علل الاختلاف بين الناس   علمي

إِنَّمَا فَرَّقَ بَيْنَهُمْ مَبَادِئُ طِينِهِمْ، وَذلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا فِلْقَةً مِنْ سَبَخِ أَرْض وَعَذْبِهَا، وَحَزْنِ تُرْبَة وَسَهْلِهَا، فَهُمْ عَلَى حَسَبِ قُرْبِ أَرْضِهِمْ يَتَقَارَبُونَ، وَعَلَى قَدْرِ اخْتِلاَفِهَا يَتَفَاوَتُونَ. فَتَامُّ الرُّوَاءِ نَاقِصُ الْعَقْلِ، وَمَادُّ الْقَامَةِ قَصِيرُ الْهِمَّةِ، وَزَاكِي الْعَمَلِ قَبِيحُ الْمَنْظَرِ، وَقَرِيبُ الْقَعْرِ بَعِيدُ السَّبْرِ، وَمَعْرُوفُ الضَّرِيبَةِ مُنْكَرُ الْجَلِيبَةِ ، وَتَائِهُ الْقَلْبِ مُتَفَرِّقُ اللُّبِّ، وَطَلِيقُ اللِّسَانِ حَدِيدُ الْجَنَانِ.

235 ـ ومن كلام له (عليه السلام)

قاله و هو يلي غسل رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، و تجهيزه :

في رثاءِ النّبىّ الأعظم(صلى الله عليه وآله وسلم)   سياسي

بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللهِ! لَقَدِ انْقَطَعَ بِمَوْتِكَ مَا لَمْ يَنْقَطِعْ بِمَوْتِ غَيْرِكَ مِنَ النُّبُوَّةِ وَالاِْنْبَاءِ وَأَخْبَارِ السَّمَاءِ. خَصَّصْتَ حَتَّى صِرْتَ مُسَلِّياً عَمَّنْ سِوَاكَ، وَعَمَّمْتَ حَتَّى صَارَ النَّاسُ فِيكَ سَوَاءً. وَلَوْلاَ أَنَّكَ أَمَرْتَ بِالصَّبْرِ، وَنَهَيْتَ عَنِ الْجَزَعِ، لاََنْفَدْنَا عَلَيْكَ مَاءَ الشُّؤُونِ، وَلَكَانَ الدَّاءُ مُمَاطِلا، وَالْكَمَدُ مُحَالِفاً، وَقَلاَّ لَكَ! وَلكِنَّهُ مَا لاَ يُمْلَكُ رَدُّهُ، وَلاَ يُسْتَطَاعُ دَفْعُهُ! بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي! اذْكُرْنَا عِنْدَ رَبِّكَ، وَاجْعَلْنَا مِنْ بَالِكَ!

236 ـ ومن كلام له (عليه السلام)

اقتص فيه ذكر ما كان منه بعد هجرة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ثم لحاقه به:


( 241 )

مشكلات الهجرة   عقائدي

فَجَعَلْتُ أَتَّبِعُ مَأْخَذَ رَسُولِ اللهِ(صلى الله عليه وآله وسلم) فَأَطَأُ ذِكْرَهُ، حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى الْعَرَجِ.

قوله(عليه السلام): «فَأَطَأُ ذِكْرَهُ»، من الكلام الذي رمى به إلى غايتي الإيجاز والفصاحة، أرادأني كنت أُعْطَى خَبره(صلى الله عليه وآله وسلم) من بدء خروجي إلى أن انتهيت إلى هذا الموضع، فكنى عن ذلك بهذه الكناية العجيبة.

237 ـ ومن خطبة له (عليه السلام)

الوصيّة بالاحسان   اخلاقية

فَاعْمَلُوا (فاعلموا) وَأَنْتُمْ فِي نَفَسِ الْبَقَاءِ، وَالصُّحُفُ مَنْشُورَةٌ، وَالتَّوْبَةُ مَبْسُوطَةٌ، وَالْمُدْبِرُ يُدْعَى، وَالْمُسِيءُ يُرْجَى، قَبْلَ أَنْ يَخْمُدَ الْعَمَلُ، وَيَنْقَطِعَ الْمَهَلُ، وَيَنْقَضِيَ الاَْجَلُ (المدّة)، وَيُسَدَّ بَابُ التَّوْبَةِ، وَتَصْعَدَ الْمَلاَئِكَةُ. فَأَخَذَ امْرُؤٌ مِنْ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ، وَأَخَذَ مِنْ حَيٍّ لِمَيِّت، وَمِنْ فَان لِبَاق، وَمِنْ ذَاهِب لِدَائِم. امْرُؤٌ خَافَ اللهَ وَهُوَ مُعَمَّرٌ إِلَى أَجَلِهِ، وَمَنْظُورٌ إِلَى عَمَلِهِ. امْرُؤٌ أَلْجَمَ نَفْسَهُ بِلِجَامِهَا، وَزَمَّهَا بِزِمَامِهَا، فَأَمْسَكَهَا بِلِجَامِهَا عَنْ مَعَاصِي اللهِ، وَقَادَهَا بِزِمَامِهَا إِلَى طَاعَةِ اللهِ.

238 ـ ومن كلام له (عليه السلام)

سياسي ، تاريخي

(في شأن الحكمين وذم أهل الشام)

1 . وصف اهل الشام

جُفَاةٌ طَغَامٌ، وَعَبِيدٌ أَقْزَامٌ، جُمِعُوا مِنْ كُلِّ أَوْب، وَتُلُقِّطُوا مِنْ كُلِّ شَوْب، مِمَّنْ يَنْبَغِي أَنْ يُفَقَّهَ وَيُؤَدَّبَ، وَيُعَلَّمَ وَيُدَرَّبَ، وَيُوَلَّى عَلَيْهِ، وَيُؤْخَذَ عَلَى يَدَيْهِ. لَيْسُوا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالاَْنْصَارِ، وَلاَ مِنَ الَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالاِْيمَانَ.


( 242 )

2 . اعتراض على اختيار الحكَمَ

أَلاَ وَإِنَّ الْقَوْمَ اخْتَارُ والاَِنْفُسِهِمْ أَقْرَبَ الْقَوْمِ مِمَّا تُحِبُّونَ (تكرهون)، وَإِنَّكُمُ اخْتَرْتُمْ لاَِنْفُسِكُمْ أَقْرَبَ الْقَوْمِ مِمَّا تَكْرَهُونَ. وَإِنَّمَا عَهْدُكُمْ بِعَبْدِ اللهِ ابْنِ قَيْس بِالاَْمْسِ يَقُولُ: «إِنَّهَا فِتْنَةٌ، فَقَطِّعُوا أَوْتَارَكُمْ وَشِيمُوا سُيُوفَكُمْ». فَإِنْ كَانَ صَادِقاً فَقَدْ أَخْطَأَ بِمَسِيرِهِ غَيْرَ مُسْتَكْرَه، وَإِنْ كَانَ كَاذِباً فَقَدْ لَزِمَتْهُ التُّهْمَةُ. فَادْفَعُوا فِي صَدْرِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ بِعَبْدِ اللهِ بْنِ الْعَبَّاسِ، وَخُذُوا مَهَلَ الاَْيَّامِ، وَحُوطُوا قَوَاصِيَ الاِْسْلاَمِ. أَلاَ تَرَوْنَ إِلَى بِلاَدِكُمْ تُغْزَى، وَإِلَى صَفَاتِكُمْ تُرْمَى؟

239 ـ ومن خطبة له (عليه السلام)

عقائدية

(يذكر فيها آل محمّد(عليهم السلام))

فضائل اهل البيت(عليهم السلام)

هُمْ عَيْشُ الْعِلْمِ، وَمَوْتُ الْجَهْلِ. يُخْبِرُكُمْ حِلْمُهُمْ عَنْ عِلْمِهِمْ وَظَاهِرُهُمْ عَنْ بَاطِنِهِمْ، وَصَمْتُهُمْ عَنْ حِكَمِ مَنْطِقِهِمْ. لاَ يُخَالِفُونَ الْحَقَّ وَلاَ يَخْتَلِفُونَ فِيهِ. وَهُمْ دَعَائِمُ الاِْسْلاَمِ، وَوَلاَئِجُ الاِْعْتِصَامِ.

بِهِمْ عَادَ الْحَقُّ إِلَى نِصَابِهِ، وَانْزَاحَ الْبَاطِلُ عَنْ مُقَامِهِ، وَانْقَطَعَ لِسَانُهُ عَنْ مَنْبِتِهِ. عَقَلُوا الدِّينَ عَقْلَ وِعَايَة وَرِعَايَة، لاَ عَقْلَ سَمَاع وَرِوَايَة. فَإِنَّ رُوَاةَ الْعِلْمِ كَثِيرٌ، وَرُعَاتَهُ قَلِيلٌ.

240 ـ ومن كلام له (عليه السلام)

قاله لعبد الله بن العباس; وقد جاءه برسالة من عثمان، وهو محصور يسأله فيها الخروج إلى ماله بينبُع، ليقلّ هتف الناس باسمه للخلافة، بعد أن كان سأله مثل ذلك من قبل، فقال(عليه السلام):


( 243 )

الأعتراض على مواقف عثمان      تاريخي، سياسي

يَابْنَ عَبَّاس، مَا يُرِيدُ عُثَْمانُ إِلاَّ أَنْ يَجْعَلَنِي جَمَلا نَاضِحاً بِالْغَرْبِ: أَقْبِلْ وَاَدْبِرْ! بَعَثَ إِلَيَّ أَنْ أَخْرُجَ، ثُمَّ بَعَثَ إِلَيَّ أَنْ أَقْدُمَ، ثُمَّ هُوَ الاْنَ يَبْعَثُ إِلَيَّ أَنْ أَخْرُجَ! وَاللهِ لَقَدْ دَفَعْتُ عَنْهُ حَتَّى خَشِيتُ أَنْ أَكُونَ آثِماً.

241 ـ ومن كلام له (عليه السلام)

اخلاقي

(يحثّ اصحابه على الجهاد)

التحريض على الجهاد

وَاللهُ مُسْتَأْدِيكُمْ شُكْرَهُ وَمُوَرِّثُكُمْ أَمْرَهُ، وَمُمْهِلُكُمْ فِي مِضْمَار مَحْدُود، لِتَتَنَازَعُوا سَبَقَهُ، فَشُدُّوا عُقَدَ الْمَآزِرِ، وَاطْوُوا فُضُولَ الْخَوَاصِرِ، وَلاَ تَجْتَمِعُ عَزِيمَةٌ وَوَلِيمَةٌ. مَا أَنْقَضَ النَّوْمَ لِعَزَائِمِ الْيَوْمِ، وَأَمْحَى الظُّلَمَ لِتَذَاكِيرِ الْهِمَمِ!

وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي، وعلى آله مصابيح الدجى والعروة الوثقى، وسلم تسليماً كثيراً.

 


( 244 )

1 ـ من كتاب له (عليه السلام)

إلى أهل الكوفة، عند مسيره من المدينة إلى البصرة :

مِنْ عَبْدِ اللهِ عَلِيٍّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى أَهْلِ الْكُوفَةِ، جَبْهَةِ الاَْنْصَارِ وَسَنَامِ الْعَرَبِ.

فضح أمراء الناكثين   تاريخية ، سياسية

امّا بَعْدُ، فَاِنِّى أُخْبِرُكُمْ عَنْ اَمْرِ عُثَْمانِ حِتَّى يَكُونَ سَمْعُهُ كَعِيَانِهِ إِنَّ النَّاسَ طَعَنُوا عَلَيْهِ، فَكُنْتُ رَجُلا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ أُكْثِرُ اسْتِعْتَابَهُ، وَأُقِلُّ عِتَابَهُ، وَكَانَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ أَهْوَنُ سَيْرِهِمَا فِيهِ الْوَجِيفُ، وَأَرْفَقُ حِدَائِهِمَا الْعَنِيفُ. وَكَانَ مِنْ عَائِشَةَ فِيهِ فَلْتَةُ غَضَب، فَأُتِيحَ لَهُ قَوْمٌ فَقَتَلُوهُ وَبَايَعَنِي النَّاسُ غَيْرَ مُسْتَكْرَهِينَ وَلاَ مُجْبَرِينَ، بَلْ طَائِعِينَ مُخَيَّرِينَ. وَاعْلَمُوا أَنَّ دَارَ الْهِجْرَةِ قَدْ قَلَعَتْ بِأَهْلِهَا وَقَلَعُوا بِهَا، وَجَاشَتْ جَيْشَ الْمِرْجَلِ، وَقَامَتِ الْفِتْنَةُ عَلَى الْقُطْبِ، فَأَسْرِعُوا إِلَى أَمِيرِكُمْ، وَبَادِرُوا جِهَادَ عَدُوِّكُمْ، إِنْ شَاءَ اللهُ عَزَّوَجَلَّ.

2 ـ ومن كتاب له (عليه السلام)

سياسي

(إليهم، بعد فتح البصرة)

الثناء على الكوفيين بعد حرب الجمل

وَ جَزَاكُمُ اللهُ مِنْ أَهْلِ مِصْر عَنْ أَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّكُمْ أَحْسَنَ مَا يَجْزِي الْعَامِلِينَ بِطَاعَتِهِ، وَالشَّاكِرِينَ لِنِعْمَتِهِ، فَقَدْ سَمِعْتُمْ وَأَطَعْتُم، وَدُعِيتُمْ فَأَجَبْتُمْ.


( 245 )

3 ـ ومن كتاب له (عليه السلام)

سياسي ، اخلاقي

( لشريح بن الحارث )

وروي أن شريح بن الحارث قاضي أمير المؤمنين(عليه السلام)، اشترى على عهده داراً بثمانين دينار، فبلغه ذلك، فاستدعى شريحاً، وقال له :

1 . المؤاخذة الصارمة للولاة الخونة

بَلَغَنِي أَنَّكَ ابْتَعْتَ دَاراً بِثََمانِينَ دِينَاراً، وَكَتَبْتَ لَهَا كِتَاباً، وَأَشْهَدْتَ فِيهِ شُهُوداً.

فقال له شريح: قد كان ذلك يا أميرالمؤمنين، قال: فنظر إليه نظر المغضب ثم قال له : يَاشُرَيْحُ، أَمَا إِنَّهُ سَيَأْتِيكَ مَنْ لاَ يَنْظُرُ فِي كِتَابِكَ، وَلاَ يَسْأَلُكَ عَنْ بَيِّنَتِكَ، حَتَّى يُخْرِجَكَ مِنْهَا شَاخِصاً، وَيُسْلِمَكَ إِلَى قَبْرِكَ خَالِصاً. فَانْظُرْ يَا شُرَيْحُ لاَ تَكُونُ ابْتَعْتَ هذِهِ الدَّارَ مِنْ غَيْرِ مَالِكَ، أَوْ نَقَدْتَ الَّثمَنَ مِنْ غَيْرِ حَلاَلِكَ! فَإِذَا أَنْتَ قَدْ خَسِرْتَ دَارَ الدُّنْيَا وَدَارَ الاْخِرَةِ! أَمَاإِنَّكَ لَوْ كُنْتَ أَتَيْتَنِي عِنْدَ شِرَائِكَ مَا اشْتَرَيْتَ لَكَتَبْتُ لَكَ كِتَاباً عَلَى هذِهِ النُّسْخَةِ، فَلَمْ تَرْغَبْ فِي شِرَاءِ هذِهِ الدَّارِ بِدِرْهَم فَمَا فَوْقُ.

2 . التحذير من الدّنيا

والنسخة هذه : هذَا مَا اشْتَرَى عَبْدٌ ذَلِيلٌ، مِنْ مَيِّت قَدْ أُزْعِجَ لِلرَّحِيلِ، اشْتَرَى مِنْهُ دَاراً مِنْ دَارِ الْغُرُورِ، مِنْ جَانِبِ الْفَانِينَ، وَخِطَّةِ الْهَالِكِينَ. وَتَجْمَعُ هذِهِ الدَّارَ حُدُودٌ أَرْبَعَةٌ: الْحَدُّ الاَْوَّلُ ـ يَنْتَهِي إِلَى دَوَاعِي الاْفَاتِ، وَالْحَدُّ الثَّانِي ـ يَنْتَهِي إِلَى دَوَاعِي الْمُصِيبَاتِ، وَالْحَدُّ الثَّالِثُ ـ يَنْتَهِي إِلَى الْهَوَى الْمُرْدِي، وَالْحَدُّ الرَّابِعُ ـ يَنْتَهِي إِلَى الشَّيْطَانِ الْمُغْوِي، وَفِيهِ يُشْرَعُ بَابُ هذِهِ الدَّارِ. اشْتَرَى هذَا الْمُغْتَرُّ بِالاَْمَلِ، مِنْ هذَا الْمُزْعَجِ بِالاَْجَلِ، هذِهِ الدَّارَ بِالْخُرُوجِ مِنْ عِزِّ الْقَنَاعَةِ، وَالدُّخُولِ فِي ذُلِّ الطَّلَبِ وَالضَّرَاعَةِ. فَمَا أَدْرَكَ هذَا الْمُشْتَرِي فِيَما اشْتَرَى مِنْهُ مِنْ دَرَك، فَعَلَى مُبَلْبِلِ (مبلى) أَجْسَامِ الْمُلُوكِ، وَسَالِبِ نُفُوسِ الْجَبَابِرَةِ، وَمُزِيلِ مُلْكِ الْفَرَاعِنَةِ، مِثْلِ كِسْرَى وَقَيْصَرَ، وَتُبَّع وَحِمْيَرَ.


( 246 )

3 . العبرة من الماضين

وَمَنْ جَمَعَ الْمَالَ عَلَى الْمَالِ فَأَكْثَرَ، وَمَنْ بَنَى وَشَيَّدَ، وَزَخْرَفَ وَنَجَّدَ، وَادَّخَرَ وَاعْتَقَدَ، وَنَظَرَ بِزَعْمِهِ لِلْوَلَدِ، إِشْخَاصُهُمْ جَمِيعاً إِلَى مَوْقِفِ الْعَرْضِ وَالْحِسَابِ، وَمَوْضِعِ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ، إِذَا وَقَعَ الاَْمْرُ بِفَصْلِ الْقَضَاءِ (وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ).(1) شَهِدَ عَلَى ذلِكَ الْعَقْلُ إِذَا خَرَجَ مِنْ أَسْرِ الْهَوَى، وَسَلِمَ مِنْ عَلاَئِقِ الدُّنْيَا.

4 ـ ومن كتاب له (عليه السلام)

عسكري ، سياسي

(إلى بعض أُمراء جيشه)

أسلوب انتخاب الموظفين

فَإِنْ عَادُوا إِلَى ظِلِّ الطَّاعَةِ فَذَاكَ الَّذِي نُحِبُّ، وَإِنْ تَوَافَتِ الاُْمُورُ بِالْقَوْمِ إِلَى الشِّقَاقِ وَالْعِصْيَانِ فَانْهَدْ بِمَنْ أَطَاعَكَ إِلَى مَنْ عَصَاكَ، وَاسْتَغْنِ بِمَنِ انْقَادَ مَعَكَ عَمَّنْ تَقَاعَسَ عَنْكَ، فَإِنَّ الْمُتَكَارِهَ مَغِيبُهُ خَيْرٌ مِنْ مَشْهَدِهِ (شهوده) ، وَ قُعُودُهُ أَغْنَى مِنْ نُهُوضِهِ.

5 ـ ومن كتاب له (عليه السلام)

سياسي

(إلى الأشعث بن قيس عامل أذربيجان)

التحذير من اخذ الاموال غير المشروعة من بيت المال

وَإِنَّ عَمَلَكَ لَيْسَ لَكَ بِطُعْمَة (مطعمة) وَلكِنَّهُ فِي عُنُقِكَ أَمَانَةٌ، وَأَنْتَ مُسْتَرْعًى لِمَنْ فَوْقَكَ. لَيْسَ لَكَ أَنْ تَفْتَاتَ فِي رَعِيَّة، وَلاَ تُخَاطِرَ إِلاَّ بِوَثِيقَة، وَفِي يَدَيْكَ مَالٌ مِنْ مَالِ اللهِ عَزَّوَجَلَّ، وَأَنْتَ مِنْ خُزَّانِهِ حَتَّى تُسَلِّمَهُ إِلَيَّ، وَلَعَلِّي أَلاَّ أَكُونَ شَرَّ وُلاَتِكَ لَكَ، وَالسَّلام.

ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . غافر: 78.

( 247 )

6 ـ ومن كتاب له (عليه السلام)

سياسي ، عقائدي

(إلى معاوية)

الأدلّه على شرعيّة حكومة الامام(عليه السلام)

إِنَّهُ بَايَعَنِي الْقَوْمُ الَّذِينَ بَايَعُوا أَبَا بَكْر وَعُمَرَوَ عُثَْمانَ عَلَى مَا بَايَعُوهُمْ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَكُنْ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَخْتَارَ، وَلاَ لِلغَائِبِ أَنْ يَرُدَّ. وَإِنَّمَا الشُّورَى لِلْمُهَاجِرِينَ وَالاَْنْصَارِ، فَإِنِ اجْتَمَعُوا عَلَى رَجُل وَسَمَّوْهُ إِمَاماً كَانَ ذلِكَ لِلّهِ رِضىً، فَإِنْ خَرَجَ عَنْ أَمْرِهِمْ خَارِجٌ بِطَعْن أَوْ بِدْعَة رَدُّوهُ إِلَى مَا خَرَجَ مِنْهُ، فَإِنْ أَبَى قَاتَلُوهُ عَلَى اتِّبَاعِهِ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ، وَوَلاَّهُ اللهُ مَا تَوَلَّى. وَلَعَمْرِي، يَا مُعَاوِيَةُ، لَئِنْ نَظَرْتَ بِعَقْلِكَ دُونَ هَوَاكَ لَتَجِدَنِّي أَبْرَأَ النَّاسِ مِنْ دَمِ عُثَْمانَ، وَلَتَعْلَمَنَّ أَنِّي كُنْتُ فِي عُزْلَة عَنْهُ إِلاَّ أَنْ تَتَجَنَّى; فَتَجَنَّ مَا بَدَا لَكَ! وَالسَّلام.

7 ـ ومن كتاب له (عليه السلام)

إليه أيضاً

فضح نفاق معاويه و مشروعيّة البيعة      سياسي ، اخلاقي

أَمَّا بَعْدُ، فَقَدْ أَتَتْنِي مِنْكَ مَوْعِظَةٌ مُوَصَّلَةٌ، وَرِسَالَةٌ مُحَبَّرَةٌ، نَمَّقْتَهَا بِضَلاَلِكَ، وَأَمْضَيْتَهَا بِسُوءِ رَأْيِكَ، وَكِتَابُ امْرِئ لَيْسَ لَهُ بَصَرٌ يَهْدِيهِ، وَلاَ قَائِدٌ يُرْشِدُهُ، قَدْ دَعَاهُ الْهَوَى فَأَجَابَهُ، وَقَادَهُ الضَّلاَلُ فَاتَّبَعَهُ، فَهَجَرَ لاَغِطاً، وَضَلَّ خَابِطاً. و منه : لاَِنَّهَا بَيْعَةٌ وَاحِدَةٌ لاَ يُثَنَّى فِيهَا النَّظَرُ، وَلاَ يُسْتَأْنَفُ فِيهَا الْخِيَارُ. الْخَارِجُ مِنْهَا طَاعِنٌ، وَالْمُرَوِّي فِيهَا مُدَاهِنٌ.


( 248 )

8 ـ ومن كتاب له (عليه السلام)

إلى جرير بن عبد الله البجلي لما أرسله إلى معاوية

حمل معاوية على البيعة   سياسي

أَمَّا بَعْدُ، فَإِذَا أَتَاكَ كِتَابِي فَاحْمِلْ مُعَاوِيَةَ عَلَى الْفَصْلِ، وَخُذْهُ بِالاَْمْرِ الْجَزْمِ (الحزم)، ثُمَّ خَيِّرْهُ بَيْنَ حَرْب مُجْلِيَة، أَوْ سِلْم مُخْزِيَة (مجزيه) فَإِنِ اخْتَارَ الْحَرْبَ فَانْبِذْ إِلَيْهِ، وَإِنِ اخْتَارَ السِّلْمَ فَخُذْ بَيْعَتَهُ، وَالسَّلام.

9 ـ ومن كتاب له (عليه السلام)

سياسي ، تاريخي

(إلى معاويه)

1 . فضح عداوة قريش

فَأَرَادَ قَوْمُنَا قَتْلَ نَبِيِّنَا، وَاجْتِيَاحَ أَصْلِنَا، وَهَمُّوابِنَا الْهُمُومَ وَفَعَلُوا بِنَا الاَْفَاعِيلَ، وَمَنَعُونَا الْعَذْبَ، وَأَحْلَسُونَا الْخَوْفَ، وَاضْطَرُّونَا إِلَى جَبَل وَعْر، وَأَوْقَدُوا لَنَا نَارَ الْحَرْبِ، فَعَزَمَ اللهُ لَنَا عَلَى الذَّبِّ عَنْ حَوْزَتِهِ، وَالرَّمْيِ مِنْ وَرَاءِ حُرْمَتِهِ. مُؤْمِنُنَا يَبْغِي بِذلِكَ الاَْجْرَ، وَكَافِرُنَا يُحَامِي عَنِ الاَْصْلِ. وَ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ قُرَيْش خِلْوٌ (خلق) مِمَّا نَحْنُ فِيهِ بِحِلْف يَمْنَعُهُ، أَوْ عَشِيرَة تَقُومُ دُونَهُ، فَهُوَ مِنَ الْقَتْلِ بِمَكَانِ أَمْن. وَكَانَ رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) إِذَا احْمَرَّ الْبَأْسُ (النّاس)، وَأَحْجَمَ النَّاسُ، قَدَّمَ أَهْلَ بَيْتِهِ فَوَقَى بِهِمْ أَصْحَابَهُ حَرَّ السُّيُوفِ وَالاَْسِنَّةِ، فَقُتِلَ عُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ يَوْمَ بَدْر، وَقُتِلَ حَمْزَةُ يَوْمَ أُحُد، وَقُتِلَ جَعْفَرٌ يَوْمَ مُؤْتَةَ. وَأَرَادَ مَنْ لَوْ شِئْتُ ذَكَرْتُ اسْمَهُ مِثْلَ الَّذِي أَرَادُوا مِنَ الشَّهَادَةِ، وَلكِنَّ آجَالَهُمْ عُجِّلَتْ، وَمَنِيَّتَهُ أُجِّلَتْ. فَيَاعَجَباً لِلدَّهْرِ! إِذْ صِرْتُ يُقْرَنُ بِي مَنْ لَمْ يَسْعَ بِقَدَمِي، وَلَمْ تَكُنْ لَهُ كَسَابِقَتِي الَّتِي لاَ يُدْلِي (يدنى) أَحَدٌ بِمِثْلِهَا، إِلاَّ أَنْ يَدَّعِيَ مُدَّع مَا لاَ أَعْرِفُهُ، وَلاَ أَظُنُّ اللهَ يَعْرِفُهُ. وَالْحَمْدُ للهِ عَلَى كُلِّ حَال.


( 249 )

2 . فضح ادعاءات معاوية

وَأَمَّا مَا سَأَلْتَ مِنْ دَفْعِ قَتَلَةِ عُثَْمانَ إِلَيْكَ، فَإِنِّي نَظَرْتُ فِي هذَا الاَْمْرِ، فَلَمْ أَرَهُ يَسَعُنِي دَفْعُهُمْ إِلَيْكَ وَلاَ إِلَى غَيْرِكَ، وَلَعَمْرِي لَئِنْ لَمْ تَنْزِعْ عَنْ غَيِّكَ وَشِقَاقِكَ لَتَعْرِفَنَّهُمْ عَنْ قَلِيل يَطْلُبُونَكَ، لاَ يُكَلِّفُونَكَ طَلَبَهُمْ فِي بَرٍّ وَلاَ بَحْر، وَلاَ جَبَل وَلاَ سَهْل، إِلاَّ أَنَّهُ طَلَبٌ يَسُوءُكَ وِجْدَانُهُ، وَزَوْرٌ لاَ يَسُرُّكَ لُقْيَانُهُ، وَالسَّلاَمُ لاَِهْلِهِ.

10 ـ ومن كتاب له (عليه السلام)

(إليه أيضاً)

1 . الكشف عن نفاق معاوية      اخلاقي ، سياسي

وَكَيْفَ أَنْتَ صَانِعٌ إِذَا تَكَشَّفَتْ عَنْكَ جَلاَبِيبُ مَا أَنْتَ فِيهِ مِنْ دُنْيَا قَدْ تَبَهَّجَتْ بِزِينَتِهَا، وَخَدَعَتْ بِلَذَّتِهَا. دَعَتْكَ فَأَجَبْتَهَا، وَقَادَتْكَ فَاتَّبَعْتَهَا، وَأَمَرَتْكَ فَأَطَعْتَهَا. وَإِنَّهُ يُوشِكُ أَنْ يَقِفَكَ وَاقِفٌ عَلَى مَالاَ يُنْجِيكَ مِنْهُ مِجَنٌّ (منج)، فَاقْعَسْ عَنْ هذَا الاَْمْرِ، وَخُذْ أُهْبَةَ الْحِسَابِ، وَشَمِّرْ لِمَا قَدْ نَزَلَ بِكَ، وَلاَ تُمَكِّنِ الْغُوَاةَ مِنْ سَمْعِكَ، وَإِلاَّ تَفْعَلْ أُعْلِمْكَ مَا أَغْفَلْتَ مِنْ نَفْسِكَ، فَإِنَّكَ مُتْرَفٌ قَدْ أَخَذَ الشَّيْطَانُ مِنْكَ مَأْخَذَهُ، وَبَلَغَ فِيكَ أَمَلَهُ، وَجَرَى مِنْكَ مَجْرَى الرُّوحِ وَالدَّمِ. وَمَتَى كُنْتُمْ يَا مُعَاوِيَةُ سَاسَةَ الرَّعِيَّةِ، وَوُلاَةَ أَمْرِ الاُْمَّةِ؟ بِغَيْرِ قَدَم سَابِق، وَلاَ شَرَف بَاسِق، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ لُزُومِ سَوَابِقِ الشَّقَاءِ وَأُحَذِّرُكَ أَنْ تَكُونَ مُتََمادِياً فِي غِرَّةِ الاُْمْنِيَّةِ، مُخْتَلِفَ الْعَلاَنِيَةِ وَالسَّرِيرَةِ.

2 . الرّد على التّهديد العسكري

وَقَدْ دَعَوْتَ إِلَى الْحَرْبِ، فَدَعِ النَّاسَ جَانِباً وَاخْرُجْ إِلَيَّ، وَأَعْفِ الْفَرِيقَيْنِ مِنَ الْقِتَالِ، لِتَعْلَمَ أَيُّنَا الْمَرِينُ عَلَى قَلْبِهِ، وَالْمُغَطَّى عَلَى بَصَرِهِ! فَأَنَا أَبُو حَسَن قَاتِلُ جَدِّكَ وَأَخِيكَ وَخَالِكَ شَدْخاً يَوْمَ بَدْر،


( 250 )
وَذلِكَ السَّيْفُ مَعِي، وَبِذلِكَ الْقَلْبِ أَلْقَى عَدُوِّي، مَا اسْتَبْدَلْتُ دِيناً، وَلاَ اسْتَحْدَثْتُ نَبِيّاً. وَإِنِّي لَعَلَى الْمِنْهَاجِ الَّذِي تَرَكْتُمُوهُ طَائِعِينَ، وَدَخَلْتُمْ فِيهِ مُكْرَهِينَ.

3 . الرّد على مطالبة معاوية بدم عثمان

وَزَعَمْتَ أَنَّكَ جِئْتَ ثَائِراً بِدَمِ عُثَْمانَ. وَلَقَدْ عَلِمْتَ حَيْثُ وَقَعَ دَمُ عُثَْمانَ فَاطْلُبْهُ مِنْ هُنَاكَ إِنْ كُنْتَ طَالِباً، فَكَأَنِّي قَدْ رَأَيْتُكَ تَضِجُّ مِنَ الْحَرْبِ إِذَا عَضَّتْكَ ضَجِيجَ الْجِمَالِ بِالاَْثْقَالِ، وَكَأَنِّي بِجَمَاعَتِكَ تَدْعُونِي جَزَعاً مِنَ الضَّرْبِ الْمُتَتَابِعِ، وَالْقَضَاءِ الْوَاقِعِ، وَمَصَارِعَ بَعْدَ مَصَارِعَ، إِلَى كِتَابِ اللهِ، وَهِيَ كَافِرَةٌ جَاحِدَةٌ ، أَوْ مُبَايِعَةٌ حَائِدَةٌ.

11 ـ ومن وصية له (عليه السلام)

(وصى بها جيشاً بعثه إلى العدو)

التعليم العسكري   عسكرية

فَإِذَا نَزَلْتُمْ بِعَدُوٍّ أَوْ نَزَلَ بِكُمْ، فَلْيَكُنْ مُعَسْكَرُكُمْ فِي قُبُلِ الاَْشْرَافِ، أَوْ سِفَاحِ الْجِبَالِ، أَوْ أَثْنَاءِ الاَْنْهَارِ، كَيَْما يَكُونَ لَكُمْ رِدْءاً، وَدُونَكُمْ مَرَدّاً. وَلْتَكُنْ مُقَاتَلَتُكُمْ مِنْ وَجْه وَاحِد أَوْ اثْنَيْنِ، وَاجْعَلُوا لَكُمْ رُقَبَاءَ فِي صَيَاصِي الْجِبَالِ، وَمَنَاكِبِ الْهِضَابِ، لِئَلاَّ يَأْتِيَكُمُ الْعَدُوُّ مِنْ مَكَانِ مَخَافَة أَوْ أَمْن. وَاعْلَمُوا أَنَّ مُقَدِّمَةَ الْقَوْمِ عُيُونُهُمْ، وَعُيُونَ الْمُقَدِّمَةَ طَلاَئِعُهُمْ. وَإِيَّاكُمْ وَالتَّفَرُّقَ: فَإِذَا نَزَلْتُمْ فَانْزِلُوا جَمِيعاً، وَإِذَا ارْتَحَلْتُمْ فَارْتَحِلُوا جَمِيعاً، وَإِذَا غَشِيَكُمُ اللَّيْلُ فَاجْعَلُوا الرِّمَاحَ كِفَّةً، وَلاَ تَذُوقُوا النَّوْمَ إِلاَّ غِرَاراً أَوْ مَضْمَضَةً.


( 251 )

12 ـ ومن وصية له (عليه السلام)

وصى بها معقل بن قيس الرياحى حين أنفذه إلى الشام في ثلاثة آلاف مقدمة له :

لزوم اتّخاذ الاحتياطات العسكرية      عسكرية

اتَّقِ اللهَ الَّذِي لاَبُدَّ لَكَ مِنْ لِقَائِهِ، وَلاَ مُنْتَهَى لَكَ دُونَهُ. وَلاَ تُقَاتِلَنَّ إِلاَّ مَنْ قَاتَلَكَ، وَسِرِ الْبَرْ دَيْنِ، وَغَوِّرْ بِالنَّاسِ، وَرَفِّهْ فِي السَّيْرِ، وَلاَ تَسِرْ أَوَّلَ اللَّيْلِ، فَإِنَّ اللهَ جَعَلَهُ سَكَناً، وَقَدَّرَهُ (جعله) مُقَاماً لاَ ظَعْناً، فَأَرِحْ فِيهِ بَدَنَكَ، وَرَوِّحْ ظَهْرَكَ. فَإِذَا وَقَفْتَ حِينَ يَنْبَطِحُ (ينبلج) السَّحَرُ، أَوْ حينَ يَنْفَجِرُ (يتفجّر) الْفَجْرُ، فَسِرْ عَلَى بَرَكَةِ اللهِ، فَإِذَا لَقِيتَ الْعَدُوَّ فَقِفْ مِنْ أَصْحَابِكَ وَسَطاً، وَلاَ تَدْنُ مِنَ الْقَوْمِ دُنُوَّ مَنْ يُرِيدُ أَنْ يُنْشِبَ الْحَرْبَ، وَلاَ تَبَاعَدْ عَنْهُمْ تَبَاعُدَ مَنْ يَهَابُ الْبَأْسَ، حَتَّى يَأْتِيَكَ أَمْرِي، وَلاَ يَحْمِلَنَّكُمْ شَنَآنُهُمْ (سبابهم) عَلَى قِتَالِهِمْ، قَبْلَ دُعَائِهِمْ وَالاِْعْذَارِ إِلَيْهِمْ.

13 ـ ومن كتاب له (عليه السلام)

إلى أميرين من أُمراء جيشه

مراعاة المراتب العسكرّيه   عسكري

وَقَدْ أَمَّرْتُ عَلَيْكُمَا وَعَلَى مَنْ فِي حَيِّزِكُمَا مَالِكَ بْنَ الْحَارِثِ الاَْشْتَرَ، فَاسْمَعَا لَهُ وَأَطِيعَا، وَاجْعَلاَهُ دِرْعاً وَمِجَنّاً، فَإِنَّهُ مِمَّنْ لاَ يُخَافُ وَهْنُهُ وَلاَ سَقْطَتُهُ وَلاَ بُطْؤُهُ عَمَّا الاِْسْرَاعُ إِلَيْهِ أَحْزَمُ، وَلاَ إِسْرَاعُهُ إِلَى مَا الْبُطْءُ عَنْهُ أَمْثَلُ.


( 252 )

14 ـ ومن وصية له (عليه السلام)

لعسكره قبل لقاء العدو بصفّين

الاخلاق الانسانية في الحرب      عسكرية ، اخلاقية

لاَ تُقَاتِلُوهُمْ حَتَّى يَبْدَؤُوكُمْ، فَإِنَّكُمْ بِحَمْدِ اللهِ عَلَى حُجَّة، وَتَرْكُكُمْ إِيَّاهُمْ حَتَّى يَبْدَؤُوكُمْ حُجَّةٌ أُخْرَى لَكُمْ عَلَيْهِمْ. فَإِذَا كَانَتِ الْهَزِيمَةُ بِإِذْنِ اللهِ فَلاَ تَقْتُلُوا مُدْبِراً، وَلاَ تُصِيبُوا مُعْوِراً، وَلاَ تُجْهِزُوا عَلَى جَرِيح. وَلاَ تَهِيجُوا النِّسَاءَ بِأَذًى، وَإِنْ شَتَمْنَ أَعْرَاضَكُمْ، وَسَبَبْنَ أُمَرَاءَكُمْ، فَإِنَّهُنَّ ضَعِيفَاتُ الْقُوَى وَالاَْنْفُسِ وَالْعُقُولِ; إِنْ كُنَّا لَنُؤْمَرُ بِالْكَفِّ عَنْهُنَّ وَإِنَّهُنَّ لَمُشْرِكَاتٌ; وَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيَتَنَاوَلُ الْمَرْأَةَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ بِالْفَهْرِ أَوِ الْهِرَاوَةِ فَيُعَيَّرُ بِهَا وَعَقِبُهُ مِنْ بَعْدِهِ.

15 ـ ومن دعاء له (عليه السلام)

كان(عليه السلام) يقول إذا لقي العدو محارباً :

الدعاء عند الحرب   عسكرية ، اخلاقية

اللَّهُمَّ إِلَيْكَ أَفْضَتِ الْقُلُوبُ، وَمُدَّتِ الاَْعْنَاقُ، وَشَخَصَتِ الاَْبْصَارُ، وَنُقِلَتِ الاَْقْدَامُ، وَأُنْضِيَتِ الاَْبْدَانُ. اللَّهُمَّ قَدْ صَرَّحَ مَكْنُونُ الشَّنَآنِ، وَجَاشَتْ مَرَاجِلُ الاَْضْغَانِ. اللَّهُمَّ إِنَّا نَشْكُو إِلَيْكَ غَيْبَةَ نَبِيِّنَا، وَكَثْرَةَ عَدُوِّنَا، وَتَشَتُّتَ أَهْوَائِنَا: (رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ).(1)

ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . الاعراف: 89.

( 253 )

16 ـ وكان يقول (عليه السلام)

لأصحابه عند الحرب

تعليمات عسكرّية   عسكرية

لاَ تَشْتَدَّنَّ عَلَيْكُمْ فَرَّةٌ بَعْدَهَا كَرَّةٌ، وَلاَ جَوْلَةٌ بَعْدَهَا حَمْلَةٌ، وَأَعْطُوا السُّيُوفَ حُقُوقَهَا، وَوَطِّئُوا لِلْجُنُوبِ (للحتوف) مَصَارِعَهَا، وَاذْمُرُوا أَنْفُسَكُمْ عَلَى الطَّعْنِ الدَّعْسِيِّ، وَالضَّرْبِ الْطِّلَحْفِيِّ، وَ أَمِيتُوا الاَْصْوَاتَ، فَإِنَّهُ أَطْرَدُ لِلْفَشَلِ. فَوَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ، وَبَرَأَ النَّسَمَةَ، مَا أَسْلَمُوا وَلكِنِ اسْتَسْلَمُوا، وَأَسَرُّوا الْكُفْرَ، فَلَمَّا وَجَدُوا أَعْوَاناً عَلَيْهِ أَظْهَرُوهُ.

17 ـ ومن كتاب له (عليه السلام)

سياسي ، عقائدي

إلى معاوية، جواباً عن كتاب منه إليه

1 . فضح بني اميّة و فضائل اهل البيت(عليهم السلام)

وَأَمَّا طَلَبُكَ إِلَيَّ الشَّامَ فَإِنِّي لَمْ أَكُنْ لاُِعْطِيَكَ الْيَوْمَ مَا مَنَعْتُكَ أَمْسِ. وَأَمَّا قَوْلُكَ: إِنَّ الْحَرْبَ قَدْ أَكَلَتِ الْعَرَبَ إِلاَّ حُشَاشَاتِ أَنْفُس بَقِيَتْ، أَلاَ وَمَنْ أَكَلَهُ الْحَقُّ فَإِلَى الْجَنَّةِ، وَمَنْ أَكَلَهُ الْبَاطِلُ فَإِلَى النَّارِ (فالنّار أولى به). وَأَمَّا اسْتِوَاؤُنَا فِي الْحَرْبِ وَالرِّجالِ فَلَسْتَ بِأَمْضَى عَلَى الشَّكِّ مِنِّي عَلَى الْيَقِينِ، وَلَيْسَ أَهْلُ الشَّامِ بِأَحْرَصَ عَلَى الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ عَلَى الاْخِرَةِ.

2 . خصائص اهل البيت(عليهم السلام)

وَأَمَّا قَوْلُكَ: إِنَّا بَنُو عَبْدِ مَنَاف، فَكَذلِكَ نَحْنُ، وَلكِنْ لَيْسَ أُمَيَّةُ كَهَاشِمِ، وَلاَ حَرْبٌ كَعَبْدِ الْمُطَّلِبِ،


( 254 )
وَلاَ أَبُو سُفْيَانَ كَأَبِي طَالِب، وَلاَ الْمُهَاجِرُ كَالطَّلِيقِ، وَلاَ الصَّرِيحُ كَاللَّصِيقِ، وَلاَ الُْمحِقُّ كَالْمُبْطِلِ، وَلاَ الْمُؤْمِنُ كَالْمُدْغِلِ. وَلَبِئْسَ الْخَلْفُ خَلْفٌ يَتْبَعُ سَلَفاً هَوَى فِي نَارِ جَهَنَّمَ. وَفِي أَيْدِينَا بَعْدُ فَضْلُ النُّبُوَّةِ الَّتِي أَذْلَلْنَا بِهَا الْعَزِيزَ، وَنَعَشْنَا بِهَا الذَّلِيلَ. وَلَمَّا أَدْخَلَ اللهُ الْعَرَبَ فِي دِينِهِ أَفْوَاجاً، وَأَسْلَمَتْ لَهُ هذِهِ الاُْمَّةُ طَوْعاً وَكَرَهاً، كُنْتُمْ مِمَّنْ دَخَلَ فِي الدِّينِ: إِمَّا رَغْبَةً وَإِمَّا رَهْبَةً، عَلَى حِينَ فَازَ (فات) أَهْلُ السَّبْقِ بِسَبْقِهِمْ، وَذَهَبَ الْمُهَاجِرُونَ الاَْوَّلُونَ بِفَضْلِهِمْ، فَلاَ تَجْعَلَنَّ لِلشَّيْطَانِ فِيكَ نَصِيباً، وَلاَ عَلَى نَفْسِكَ سَبِيلا، وَالسَّلام.

18 ـ ومن كتاب له (عليه السلام)

إلى عبد الله بن عباس وهو عامله على البصرة

الاخلاق الاجتماعيّة   اخلاقي ، سياسي

وَاعْلَمْ أَنَّ الْبَصْرَةَ مَهْبِطُ إِبْلِيسَ، وَمَغْرِسُ الْفِتَنِ، فَحَادِثْ أَهْلَهَا بِالاِْحْسَانِ إِلَيْهِمْ، وَاحْلُلْ عُقْدَةَ الْخَوْفِ عَنْ قُلُوبِهِمْ. وَقَدْ بَلَغَنِي تَنَمُّرُكَ لِبَنِي تَمِيم، وَغِلْظَتُكَ عَلَيْهِمْ، وَإِنَّ بَنِي تَمِيم لَمْ يَغِبْ لَهُمْ نَجْمٌ إِلاَّ طَلَعَ لَهُمْ آخَرُ، وَإِنَّهُمْ لَمْ يُسْبَقُوا بِوَغْم فِي جَاهِلِيَّة وَلاَ إِسْلاَم، وَإِنَّ لَهُمْ بِنَا رَحِماً مَاسَّةً، وَقَرَابَةً خَاصَّةً، نَحْنُ مَأْجُورُونَ عَلَى صِلَتِهَا، وَمَأْزُورُونَ عَلَى قَطِيعَتِهَا. فَارْبَعْ أَبَا الْعَبَّاسِ، رَحِمَكَ اللهُ، فِيَما جَرَى عَلَى لِسَانِكَ وَيَدِكَ مِنْ خَيْر وَشَرٍّ! فَإِنَّا شَرِيكَانِ فِي ذلِكَ، وَكُنْ عِنْدَ صَالِحِ ظَنِّي بِكَ، وَلاَ يَفِيلَنَّ رَأَيِي فِيكَ، وَالسَّلاَمُ.


( 255 )

19 ـ ومن كتاب له (عليه السلام)

اخلاقي ، سياسي

(إلى بعض عماله)

التحذير من سوء المعاملة مع النّاس

أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ دَهَاقِينَ أَهْلِ بَلَدِكَ شَكَوْا مِنْكَ غِلْظَةً وَقَسْوَةً، وَاحْتِقَاراً وَجَفْوَةً. وَنَظَرْتُ فَلَمْ أَرَهُمْ أَهْلا لاَِنْ يُدْنَوْا لِشِرْكِهِمْ، وَلاَ أَنْ يُقْصَوْا وَيُجْفَوْا لِعَهْدِهِمْ، فَالْبَسْ لَهُمْ جِلْبَاباً مِنَ اللِّينِ تَشُوبُهُ بِطَرَف مِنَ الشِّدَّةِ، وَ دَاوِلْ لَهُمْ بَيْنَ الْقَسْوَةِ وَ الرَّأْفَةِ، وَ امْزُجْ لَهُمْ بَيْنَ التَّقْرِيبِ وَ الاِْدْنَاءِ، وَالاِْبْعَادِ وَالاِْقْصَاءِ. إِنْ شَاءَ اللهُ.

20 ـ ومن كتاب له (عليه السلام)

(إلى زياد بن أبيه وهو خليفة عامله عبد الله بن عباس على البصرة، وعبد الله عامل أمير المؤمنين يومئذ عليها وعلى كور الأهواز وفارس وكرمان وغيرها:)

تحذير من خيانة بيت المال   سياسي

وَإِنِّي أُقْسِمُ بِاللهِ قَسَماً صَادِقاً، لَئِنْ بَلَغَنِي أَنَّكَ خُنْتَ مِنْ فَيْءِ الْمُسْلِمِينَ شَيْئاً صَغِيراً أَوْ كَبِيراً، لاََشُدَّنَّ عَلَيْكَ شَدَّةً تَدَعُكَ قَلِيلَ الْوَفْرِ، ثَقِيلَ الظَّهْرِ، ضَئِيلَ الاَْمْرِ، وَالسَّلام.


( 256 )

21 ـ ومن كتاب له (عليه السلام)

(إلى زياد أيضاً)

الوصيّة بالاعتدال في بيت المال      اخلاقي ، اقتصادي

فَدَعِ الاِْسْرَافَ مُقْتَصِداً، وَاذْكُرْ فِي الْيَوْمِ غَداً، وَأَمْسِكْ مِنَ الْمَالِ بِقَدْرِ ضَرُورَتِكَ، وَقَدِّمِ الْفَضْلَ لِيَوْمِ حَاجَتِكَ. أَتَرْجُو أَنْ يُعْطِيَكَ (يؤتيك) اللهُ أَجْرَ الْمُتَوَاضِعِينَ وَأَنْتَ عِنْدَهُ مِنَ الْمُتَكَبِّرِينَ!

وَتَطْمَعُ ـ وَأَنْتَ مُتَمَرِّغٌ فِي النَّعِيمِ، تَمْنَعُهُ الضَّعِيفَ وَالاَْرْمَلَةَ ـ أَنْ يُوجِبَ لَكَ ثَوَابَ الْمُتَصَدِّقِينَ ؟ وَإِنَّمَا الْمَرْءُ مَجْزِيٌّ بِمَا أَسْلَفَ وَ قَادِمٌ عَلَى مَا قَدَّمَ، وَالسَّلاَمُ.

22 ـ ومن كتاب له (عليه السلام)

إلى عبد الله بن العباس رحمه الله تعالى، وكان عبد الله يقول: «ما انتفعت بكلام بعد كلام رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، كانتفاعي بهذا الكلام!»

ضرورة تذكر المعاد   اخلاقي

أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ الْمَرْءَ قَدْ يَسُرُّهُ دَرْكُ مَا لَمْ يَكُنْ لِيَفُوتَهُ، وَيَسُوؤُهُ فَوْتُ مَا لَمْ يَكُنْ لِيُدْرِكَهُ، فَلْيَكُنْ سُرُورُكَ بِمَا نِلْتَ مِنْ آخِرَتِكَ، وَلْيَكُنْ أَسَفُكَ عَلَى مَا فَاتَكَ مِنْهَا، وَمَا نِلْتَ مِنْ دُنْيَاكَ فَلاَ تُكْثِرْ بِهِ فَرَحاً، وَمَا فَاتَكَ مِنْهَا فَلاَ تَأْسَ عَلَيْهِ جَزَعاً، وَلْيَكُنْ هَمُّكَ فِيَما بَعْدَ الْمَوْتِ.


( 257 )

23 ـ ومن كلام له (عليه السلام)

قاله قبل شهادته على سبيل الوصية لما ضربه ابن ملجم لعنه الله:

نصائح خالدة   اخلاقي

وَصِيَّتِي لَكُمْ: أَنْ لاَ تُشْرِكُوا بِاللهِ شَيْئاً; وَمُحَمَّدٌ(صلى الله عليه وآله وسلم)فَلاَ تُضَيِّعُوا سُنَّتَهُ، أَقِيمُوا هذَيْنِ الْعَمُودَيْنِ، وَأَوْقِدُوا هذَيْنِ الْمِصْبَاحَيْنِ، وَخَلاَكُمْ ذَمٌّ! أَنَا بِالاَْمْسِ صَاحِبُكُمْ، وَالْيَوْمَ عِبْرَةٌ لَكُمْ، وَغَداً مُفَارِقُكُمْ. إِنْ أَبْقَ فَأَنَا وَلِيُّ دَمِي، وَإِنْ أَفْنَ فَالْفَنَاءُ مِيعَادِي، وَإِنْ أَعْفُ فَالْعَفْوُ لِي قُرْبَةٌ، وَهُوَ لَكُمْ حَسَنَةٌ، فَاعْفُو: (أَلاَ تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ).(1) وَاللهِ مَا فَجَأَنِي مِنَ الْمَوْتِ وَارِدٌ كَرِهْتُهُ، وَلاَ طَالِعٌ أَنْكَرْتُهُ; وَمَا كُنْتُ إِلاَّ كَقَارِب وَرَدَ، وَطَالِب وَجَدَ.(وَمَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ لِلاَْبْرَارِ).(2) أقولُ: «وقد مضى بعض هذا الكلام فيما تقدم من الخطب، إلا أن فيه هاهنا زيادة أوجبت تكريره».

24 ـ ومن وصية له (عليه السلام)

بما يُعمل في أمواله، كتبها بعد منصرفه من صفين:

1 . الوصايا الاقتصادية   اقتصادية

هذَا مَا أَمَرَ بِهِ عَبْدُ اللهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِب أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فِي مَالِهِ، ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللهِ، لِيُولِجَهُ بِهِ الْجَنَّةَ، وَيُعْطِيَهُ بِهِ الاَْمَنَةَ (الأمنيّه). منها : فَإِنَّهُ يَقُومُ بِذلِكَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ يَأْكُلُ مِنْهُ بِالْمَعْرُوفِ، وَيُنْفِقُ مِنْهُ بِالْمَعْرُوفِ، فَإِنْ حَدَثَ بِحَسَن حَدَثٌ وَحُسَيْنٌ حَيٌّ، قَامَ بِالاَْمْرِ بَعْدَهُ، وَأَصْدَرَهُ مَصْدَرَهُ.

وَإِنَّ لاِ بْنَيْ فَاطِمَةَ مِنْ صَدَقَةِ عَلِيٍّ مِثْلَ الَّذِي لِبَنِي عَلِيٍّ، وَ إِنِّي إِنَّمَا جَعَلْتُ الْقِيَامَ بِذلِكَ إِلَى ابْنَيْ

ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . النور: 22.
2 . آل عمران: 198.

( 258 )
فَاطِمَةَ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللهِ، وَقُرْبَةً إِلَى رَسُولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله وسلم)، وَتَكْرِيماً لِحُرْمَتِهِ، وَتَشْرِيفاً لِوُصْلَتِهِ.

2 . ضرورة حفظ الاموال

وَيَشْتَرِطُ عَلَى الَّذِي يَجْعَلُهُ إِلَيْهِ أَنْ يَتْرُكَ الْمَالَ عَلَى أُصُولِهِ، وَيُنْفِقَ مِنْ ثَمَرِهِ حَيْثُ أُمِرَ بِهِ وَ هُدِيَ لَهُ، وَأَلاَّ يَبِيعَ مِنْ أَوْلاَدِ نَخِيلَ هذِهِ الْقُرَى وَدِيَّةً حَتَّى تُشْكِلَ أَرْضُهَا غِرَاساً.

وَمَنْ كَانَ مِنْ إِمَائِي ـ اللاَّتِي أَطُوفُ عَلَيْهِنَّ ـ لَهَا وَلَدٌ، أَوْ هِيَ حَامِلٌ، فَتُمْسَكُ عَلَى وَلَدِهَا وَهِيَ مِنْ حَظِّهِ، فَإِنْ مَاتَ وَلَدُهَا وَهِيَ حَيَّةٌ فَهِيَ عَتِيقَةٌ، قَدْ  أَفْرَجَ عَنْهَا الرِّقُّ، وَحَرَّرَهَا الْعِتْقُ.

قوله(عليه السلام) في هذه الوصية: «وألا يبيع من نخلها وَدِيةً»، الوَدِيّةُ: الفَسِيلَةُ، وجمعها وَدِيّ. وقوله(عليه السلام) : «حتى تشكل أرضها غراساً» هو من أفصح الكلام، والمراد به أن الأرض يكثر فيها غراس النخل حتى يراها الناظر على غير تلك الصفة التي عرفها بها فيشكل عليه أمرها ويحسبها غيرها.

25 ـ ومن وصية له (عليه السلام)

اخلاقية ، اقتصادية

(كان يكتبها لمن يستعمله على الصدقات)

و إنما ذكرنا هنا جملا ليعلم بها أنه(عليه السلام) كان يقيم عماد الحق، و يشرع أمثلة العدل، في صغير الأمور و كبيرها و دقيقها و جليلها.

1 . الجباة و الاخلاق الاجتماعية

انْطَلِقْ عَلَى تَقْوَى اللهِ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَلاَ تُرَوِّعَنَّ مُسْلِماً وَلاَ تَجْتَازَنَّ (تحتازنّ) عَلَيْهِ كَارِهاً، وَلاَ تَأْخُذَنَّ مِنْهُ أَكْثَرَ مِنْ حَقِّ اللهِ فِي مَالِهِ، فَإِذَا قَدِمْتَ عَلَى الْحَيِّ فَانْزِلْ بِمَائِهِمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُخَالِطَ أَبْيَاتَهُمْ، ثُمَّ امْضِ إِلَيْهِمْ بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ; حَتَّى تَقُومَ بَيْنَهُمْ فَتُسَلِّمَ عَلَيْهِمْ، وَلاَ تُخْدِجْ بِالتَّحِيَّةِ لَهُمْ، ثُمَّ تَقُولَ: عِبَادَ اللهِ، أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ وَلِيُّ اللهِ وَخَلِيفَتُهُ، لاِخُذَ مِنْكُمْ حَقَّ اللهِ فِي أَمْوَالِكُمْ، فَهَلْ لِلّهِ فِي أَمْوَالِكُمْ مِنْ حَقٍّ فَتُؤَدُّوهُ إِلَى وَلِيِّهِ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: لاَ، فَلاَ تُرَاجِعْهُ، وَإِنْ أَنْعَمَ لَكَ مُنْعِمٌ فَانْطَلِقْ مَعَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُخِيفَهُ


( 259 )
أَوْ تُوعِدَهُ أَوْ تَعْسِفَهُ أَوْ تُرْهِقَهُ فَخُذْ مَا أَعْطَاكَ مِنْ ذَهَب أَوْ فِضَّة، فَإِنْ كَانَ لَهُ مَاشِيَةٌ أَوْ إِبِلٌ فَلاَ تَدْخُلْهَا إِلاَّ بِإِذْنِهِ، فَإِنَّ أَكْثَرَهَا لَهُ. فَإِذَا أَتَيْتَهَا فَلاَ تَدْخُلْ عَلَيْهَا دُخُولَ مُتَسَلِّط (متسلط) عَلَيْهِ وَلاَ عَنِيف بِهِ. وَلاَ تُنَفِّرَنَّ بَهِيمَةً وَلاَ تُفْزِعَنَّهَا، وَلاَ تَسُوءَنَّ صَاحِبَهَا فِيهَا، وَاصْدَعِ الْمَالَ صَدْعَيْنِ ثُمَّ خَيِّرْهُ، فَإِذَا اخْتَارَ فَلاَ تَعْرِضَنَّ لِمَا اخْتَارَهُ. ثُمَّ اصْدَعِ الْباقيَ صَدْعَيْنِ، ثُمَّ خَيِّرْهُ، فَاذا اخْتارَ فَلا تَعْرِضَنَّ لِما اخْتارَهُ فَلاَ تَزَالُ كَذلِكَ حَتَّى يَبْقَى مَا فِيهِ وَفَاءٌ لِحَقِّ اللهِ فِي مَالِهِ; فَاقْبِضْ حَقَّ اللهِ مِنْهُ. فَإِنِ اسْتَقَالَكَ فَأَقِلْهُ، ثُمَّ اخْلِطْهُمَا ثُمَّ اصْنَعْ مِثْلَ الَّذِي صَنَعْتَ أَوَّلا حَتَّى تَأْخُذَ حَقَّ اللهِ فِي مَالِهِ. وَلاَ تَأْخُذَنَّ عَوْداً وَلاَ هَرِمَةً وَلاَ مَكْسُورَةً وَلاَ مَهْلُوسَةً، وَلاَ ذَاتَ عَوَار، وَلاَ تَأْمَنَنَّ عَلَيْهَا إِلاَّ مَنْ تَثِقُ بِدِينِهِ، رَافِقاً بِمَالِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى يُوَصِّلَهُ إِلَى وَلِيِّهِمْ فَيَقْسِمَهُ بَيْنَهُمْ.

2 . حماية حقوق الحيوانات

وَلاَ تُوَكِّلْ بِهَا إِلاَّ نَاصِحاً شَفِيقاً وَأَمِيناً حَفِيظاً، غَيْرَ مُعْنِف وَلاَ مُجْحِف، وَلاَ مُلْغِب وَلاَ مُتْعِب.

ثُمَّ احْدُرْ إِلَيْنَا مَا اجْتَمَعَ عِنْدَكَ نُصَيِّرْهُ حَيْثُ أَمَرَ اللهُ بِهِ، فَإِذَا أَخَذَهَا أَمِينُكَ فَأَوْعِزْ إِلَيْهِ. أَلاَّ يَحُولَ بَيْنَ نَاقَة وَبَيْنَ فَصِيلِهَا، وَلاَ يَمْصُرَ لَبَنَهَا فَيَضُرَّ ذلِكَ بِوَلَدِهَا; وَلاَ يَجْهَدَ نَّهَارُ كُوباً، وَلْيَعْدِلْ بَيْنَ صَوَاحِبَاتِهَا فِي ذلِكَ وَبَيْنَهَا، وَلْيُرَفِّهْ عَلَى اللاَّغِبِ، وَلْيَسْتَأْنِ بِالنَّقِبِ وَالظَّالِعِ، وَلْيُورِدْهَا مَا تَمُرُّبِهِ مِنَ الْغُدُرِ، وَلاَ يَعْدِلْ بِهَا عَنْ نَبْتِ الاَْرْضِ إِلَى جَوَادِّ الطُّرُقِ، وَلْيُرَوِّحْهَا فِي السَّاعَاتِ، وَلُْيمْهِلْهَا عِنْدَ النِّطَافِ وَالاَْعْشَابِ. حَتَّى تَأْتِيَنَا بِإِذْنِ اللهِ بُدَّناً مُنْقِيَات، غَيْرَ مُتْعَبَات وَلاَ مَجْهُودَات، لِنَقْسِمَهَا عَلَى كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ  (صلى الله عليه وآله وسلم)  فَإِنَّ ذلِكَ أَعْظَمُ لاَِجْرِكَ، وَأَقْرَبُ لِرُشْدِكَ، إِنْ شَاءَ اللهُ.


( 260 )

26 ـ ومن عهد له (عليه السلام)

إلى بعض عماله وقد بعثه على الصدقة

1 . اخلاقية الولاة   اخلاقية ، اقتصادية

أَمَرَهُ بِتَقْوَى اللهِ فِي سَرَائِرِ أَمْرِهِ وَخَفِيَّاتِ عَمَلِهِ، حَيْثُ لاَ شَهِيدَ غَيْرُهُ، وَلاَ وَكِيلَ دُونَهُ. وَأَمَرَهُ أَلاَّ يَعْمَلَ بِشَيْء مِنْ طَاعَةِ اللهِ فِيَما ظَهَرَ فَيُخَالِفَ إِلَى غَيْرِهِ فِيَما أَسَرَّ، وَمَنْ لَمْ يَخْتَلِفْ سِرُّهُ وَعَلاَنِيَتُهُ، وَفِعْلُهُ وَمَقَالَتُهُ، فَقَدْ أَدَّى الاَْمَانَةَ، وَأَخْلَصَ الْعِبَادَةَ. وَأَمَرَهُ أَلاَّ يَجْبَهَهُمْ وَلاَ يَعْضَهَهُمْ، وَلاَ يَرْغَبَ عَنْهُمْ تَفَضُّلا بِالاِْمَارَةِ (الامانة) عَلَيْهِمْ، فَإِنَّهُمُ الاِْخْوَانُ فِي الدِّينِ، وَالاَْعْوَانُ عَلَى اسْتِخْرَاجِ الْحُقُوقِ.

وَإِنَّ لَكَ فِي هذِهِ الصَّدَقَةِ نَصِيبَاً مَفْرُوضاً، وَحَقّاً مَعْلُوماً، وَشُرَكَاءَ أَهْلَ مَسْكَنَة، وَضُعَفَاءَ ذَوِي فَاقَة، وَإِنَّا مُوَفُّوكَ حَقَّكَ، فَوَفِّهِمْ حُقُوقَهُمْ، وَإِلاَّ تَفْعَلْ فَإِنَّكَ مِنْ أَكْثَرِ النَّاسِ خُصُوماً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَبُؤْسَى لِمَنْ ـ خَصْمُهُ عِنْدَ اللهِ ـ الْفُقَرَاءُ وَالْمَسَاكِينُ وَالسَّائِلُونَ وَالْمَدْفُوعُونَ، وَالْغَارِمُونَ وَابْنُ السَّبِيلِ!

2 . ضرورة حفظ الأمانة

وَمَنِ اسْتَهَانَ بِالاَْمَانَةِ، وَرَتَعَ فِي الْخِيَانَةِ، وَلَمْ يُنَزِّهَ نَفْسَهُ وَدِينَهُ عَنْهَا، فَقَدْ أَحَلَّ (أخلّ) بِنَفْسهِ الذُّلَّ وَالْخِزْيَ فِي الدُّنْيَا، وَهُوَ فِي الاْخِرَةِ أَذَلُّ وَأَخْزَى. وَإِنَّ أَعْظَمَ الْخِيَانَةِ خِيَانَةُ الاُْمَّةِ (الأمنة)، وَأَفْظَعَ الْغِشِّ غِشُّ الاَْئِمَّةِ، وَالسَّلام.


( 261 )

27 ـ ومن عهد له (عليه السلام)

إلى محمد بن أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ حين قلده مصر:

1 . الاخلاق الاجتماعيّة   اخلاقية ، سياسية

فَاخْفِضْ لَهُمْ جَنَاحَكَ، وَأَلِنْ لَهُمْ جَانِبَكَ، وَابْسُطْ لَهُمْ وَجْهَكَ، وَآسِ بَيْنَهُمْ فِي اللَّحْظَةِ وَالنَّظْرَةِ، حَتَّى لاَ يَطْمَعَ الْعُظَمَاءُ فِي حَيْفِكَ لَهُمْ، وَلاَ يَيْأَسَ الضُّعَفَاءُ مِنْ عَدْلِكَ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّ اللهَ تَعَالى يُسَائِلُكُمْ مَعْشَرَ عِبَادِهِ عَنِ الصَّغِيرَةِ مِنْ أَعْمَالِكُمْ وَالْكَبِيرَةِ، وَالظَّاهِرَةِ وَالْمَسْتُورَةِ، فَإِنْ يُعَذِّبْ فَأَنْتُمْ أَظْلَمُ، وَإِنْ يَعْفُ فَهُوَ أَكْرَمُ.

2 . الاعتدال بين الدنيا و الآخرة

وَاعْلَمُوا عِبَادَ اللهِ أَنَّ الْمُتَّقِينَ ذَهَبُوا بِعَاجِلِ الدُّنْيَا وَآجِلِ الاْخِرَةِ، فَشَارَكُوا أَهْلَ الدُّنْيَا فِي دُنْيَاهُمْ، وَلَمْ يُشَارِكُوا أَهْلَ الدُّنْيَا فِي آخِرَتِهِمْ; سَكَنُوا الدُّنْيَا بِأَفْضَلِ مَا سُكِنَتْ، وَأَكَلُوهَا بِأَفْضَلِ مَا أُكِلَتْ، فَحَظُوا مِنَ الدُّنْيَا بِمَا حَظِيَ بِهِ الْمُتْرَفُونَ، وَأَخَذُوا مِنْهَا مَا أَخَذَهُ الْجَبَابِرَةُ الْمُتَكَبِّرُونَ.

ثُمَّ انْقَلَبُوا عَنْهَا بِالزَّادِ الْمُبَلِّغِ; وَالْمَتْجَرِ الرَّابِحِ (المربح). أَصَابُوا لَذَّةَ زُهْدِ الدُّنْيَا فِي دُنْيَاهُمْ، وَتَيَقَّنُوا أَنَّهُمْ جِيرَانُ اللهِ غَداً فِي آخِرَتِهِمْ. لاَ تُرَدُّ لَهُمْ دَعْوَةٌ، وَلاَ يَنْقُصُ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنْ لَذَّة.

3 . ضرورة ذكر الموت

فَاحْذَرُوا عِبَادَ اللهِ الْمَوْتَ وَقُرْبَهُ، وَأَعِدُّوا لَهُ عُدَّتَهُ، فَإِنَّهُ يَأْتِي بِأَمْر عَظِيم، وَخَطْب جَلِيل، بِخَيْر لاَ يَكُونُ مَعَهُ شَرٌّ أَبَداً، أَوْ شَرٍّ لاَ يَكُونُ مَعَهُ خَيْرٌ أَبَداً. فَمَنْ أَقْرَبُ إِلَى الْجَنَّةِ مِنْ عَامِلِهَا؟! وَمَنْ أَقْرَبُ إِلَى النَّارِ مِنْ عَامِلِهَا؟! وَأَنْتُمْ طُرَدَاءُ الْمَوْتِ، إِنْ أَقَمْتُمْ لَهُ أَخَذَكُمْ، وَإِنْ فَرَرْتُمْ مِنْهُ أَدْرَكَكُمْ (اُدّبكم)، وَهُوَ أَلْزَمُ لَكُمْ مِنْ ظِلِّكُمْ; الْمَوْتُ مَعْقُودٌ بِنَوَاصِيكُمْ; وَالدُّنْيَا تُطْوَى مِنْ خَلْفِكُمْ. فَاحْذَرُوا نَاراً قَعْرُهَا بَعِيدٌ،


( 262 )
وَحَرُّهَا شَدِيدٌ، وَعَذَابُهَا جَدِيدٌ. دَارٌ لَيْسَ فِيهَا رَحْمَةٌ، وَلاَ تُسْمَعُ فِيهَا دَعْوَةٌ، وَلاَ تُفَرَّجُ فِيهَا كُرْبَةٌ، وَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ يَشْتَدَّ خَوْفُكُمْ مِنَ اللهِ، وَأَنْ يَحْسُنَ ظَنُّكُمْ بِهِ، فَاجْمَعُوا بَيْنَهُمَا، فَإِنَّ الْعَبْدَ إِنَّمَا يَكُونُ حُسْنُ ظَنِّهِ بِرَبِّهِ عَلَى قَدْرِ خَوْفِهِ مِنْ رَبِّهِ، وَإِنَّ أَحْسَنَ النَّاسِ ظَنّاً بِاللهِ أَشَدُّهُمْ خَوْفاً لِلّهِ.

4 . اخلاقية المسؤولين

وَ اعْلَمْ ـ يَا مُحَمَّدُ بْنَ أَبِي بَكْر ـ أَنِّي قَدْ وَلَّيْتُكَ أَعْظَمَ أَجْنَادِي فِي نَفْسِي أَهْلَ مِصْرَ، فَأَنْتَ مَحْقُوقٌ أَنْ تُخَالِفَ عَلَى نَفْسِكَ، وَأَنْ تُنَافِحَ عَنْ دِينِكَ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَكَ إِلاَّ سَاعَةٌ مِنَ الدَّهْرِ، وَلاَ تُسْخِطِ اللهَ بِرِضَى أَحَد مِنْ خَلْقِهِ، فَإِنَّ فِي اللهِ خَلَفاً مِنْ غَيْرِهِ، وَلَيْسَ مِنَ اللهِ خَلَفٌ فِي غَيْرِهِ. صَلِّ الصَّلاَةَ لِوَقْتِهَا الْمُؤَقَّتِ لَهَا، وَلاَ تُعَجِّلْ وَقْتَهَا لِفَرَاغ، وَلاَ تُؤَخِّرْهَا عَنْ وَقْتِهَا لاِشْتِغَال. وَاعْلَمْ أَنَّ كُلَّ شَيْء مِنْ عَمَلِكَ تَبَعٌ لِصَلاَتِكَ. ومنه : فَإِنَّهُ لاَ سَوَاءَ، إِمَامُ الْهُدَى وَإِمَامُ الرَّدَى، وَوَلِيُّ النَّبِيِّ، وَعَدُوُّ النَّبِيِّ. وَلَقَدْ قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ(صلى الله عليه وآله وسلم): «إِنِّي لاَ أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي مُؤْمِناً وَلاَ مُشْرِكاً; أَمَّا الْمُؤْمِنُ فَيَمْنَعُهُ اللهُ بِإِيمَانِهِ، وَأَمَّا الْمُشْرِكُ فَيَقْمَعُهُ اللهُ بِشِرْكِهِ. وَلكِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ كُلَّ مُنَافِقِ الْجَنَانِ، عَالِمِ اللِّسَانِ، يَقُولُ مَا تَعْرِفُونَ، وَيَفْعَلُ مَا تُنْكِرُونَ ».

28 ـ ومن كتاب له (عليه السلام)

اخلاقي ، سياسي ، تاريخي ، اقتصادي

إلى معاوية جواباً، وهو من محاسن الكتب

1 . فضح ادعاءات معاوية الخادعة

أَمَّا بَعْدُ، فَقَدْ أَتَانِي كِتَابُكَ تَذْكُرُ فِيهِ اصْطِفَاءَ اللهِ مُحَمَّداً(صلى الله عليه وآله وسلم)لِدِينِهِ، وَتَأْيِيدَهُ إِيَّاهُ بِمَنْ أَيَّدَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ; فَلَقَدْ خَبَّأَ لَنَا الدَّهْرُ مِنْكَ عَجَباً; إِذْ طَفِقْتَ تُخْبِرُنَا بِبَلاَءِ اللهِ تَعَالى عِنْدَنَا، وَنِعْمَتِهِ عَلَيْنَا فِي نَبِيِّنَا، فَكُنْتَ فِي ذلِكَ كَنَاقِلِ الَّتمْرِ إِلَى هَجَرَ، أَوْ دَاعِي مُسَدِّدِهِ إِلَى النِّضَالِ. وَزَعَمْتَ أَنَّ أَفْضَلَ النَّاسِ فِي


( 263 )
الاِْسْلاَمِ فُلاَنٌ وَفُلاَنٌ; فَذَكَرْتَ أَمْراً إِنْ تَمَّ اعْتَزَلَكَ كُلُّهُ، وَإِنْ نَقَصَ لَمْ يَلْحَقْكَ ثَلْمُهُ. وَمَا أَنْتَ وَالْفَاضِلَ وَالْمَفْضُولَ، وَالسَّائِسَ وَالْمَسُوسَ! وَمَا لِلطُّلَقَاءِ وَأَبْنَاءِ الطُّلَقَاءِ، وَالَّتمْيِيزَ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ الاَْوَّلِينَ، وَتَرْتِيبَ دَرَجَاتِهِمْ، وَتَعْرِيفَ طَبَقَاتِهِمْ! هَيْهَاتَ لَقَدْحَنَّ قِدْحٌ لَيْسَ مِنْهَا، وَطَفِقَ يَحْكُمُ فِيهَا مَنْ عَلَيْهِ الْحُكْمُ لَهَا! أَلاَ تَرْبَعُ أَيُّهَا الاِْنْسَانُ عَلَى ظَلْعِكَ، وَتَعْرِفُ قُصُورَ ذَرْعِكَ، وَتَتَأَخَّرُ حَيْثُ أَخَّرَكَ الْقَدَرُ! فَمَا عَلَيْكَ غَلَبَةُ الْمَغْلُوبِ، وَلاَ ظَفَرُ الظَّافِرِ! وَإِنَّكَ لَذَهَّابٌ فِي التِّيهِ، رَوَّاغٌ عَنِ الْقَصْدِ.

2 . فضائل بني هاشم

أَلاَ تَرَى؟ ـ غَيْرَ مُخْبِر لَكَ، وَلكِنْ بِنِعْمَةِ اللهِ أُحَدِّثُ ـ أَنَّ قَوْماً اسْتُشْهِدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ تَعَالى مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالاَْنْصَارِ، وَلِكُلٍّ فَضْلٌ، حَتَّى إِذَا اسْتُشْهِدَ شَهِيدُنَا قِيلَ: سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ، وَخَصَّهُ رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) بِسَبْعِينَ تَكْبِيرَةً عِنْدَ صَلاَتِهِ عَلَيْهِ أَوَ لاَ تَرَى؟ أَنَّ قَوْماً قُطِّعَتْ أَيْدِيهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ـ وَلِكُلٍّ فَضْلٌ ـ حَتَّى إِذَا فُعِلَ بِوَاحِدِنَا مَا فُعِلَ بِوَاحِدِهِمْ، قِيلَ: «الطَّيَّارُ فِي الْجَنَّةِ وَذُو الْجَنَاحَيْنِ!» وَلَوْلاَ مَا نَهَى اللهُ عَنْهُ مِنْ تَزْكِيَةِ الْمَرْءِ نَفْسَهُ، لَذَكَرَ ذَاكِرٌ فَضَائِلَ جَمَّةً، تَعْرِفُهَا قُلُوبُ الْمُؤْمِنِينَ، وَلاَ تَمُجُّهَا آذَانُ السَّامِعِينَ.

3 . فضائل بني هاشم و فضائح بني اميّة

فَدَعْ عَنْكَ مَنْ مَالَتْ بِهِ الرَّمِيَّةُ فَإِنَّا صَنَائِعُ رَبِّنَا، وَالنَّاسُ بَعْدُ صَنَائِعُ لَنَا. لَمْ يَمْنَعْنَا قَدِيمُ عِزِّنَا وَلاَ عَادِيُّ طَوْلِنَا عَلَى قَوْمِكَ أَنْ خَلَطْنَاكُمْ بِأَنْفُسِنَا; فَنَكَحْنَا وَأَنْكَحْنَا، فِعْلَ الاَْكْفَاءِ، وَلَسْتُمْ هُنَاكَ! وَأَنَّى يَكُونُ ذلِكَ وَمِنَّا النَّبِيُّ وَمِنْكُمُ الْمُكَذِّبُ، وَمِنَّا أَسَدُ اللهِ وَمِنْكُمْ أَسَدُ الاَْحْلاَفِ، وَمِنَّا سَيِّدا شَبَابَ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَ مِنْكُمْ صِبْيَةُ النَّارِ، وَ مِنَّا خَيْرُ نِسَاءِ الْعَالَمِينِ، وَمِنْكُمْ حَمَّالَةُ الْحَطَبِ، فِي كَثِير مِمَّا لَنَا وَعَلَيْكُمْ! فَإِسْلاَمُنَا قَدْ سُمِعَ، وَجَاهِلِيَّتُنَا لاَ تُدْفَعُ، وَكِتَابُ اللهِ يَجْمَعُ لَنَا مَا شَذَّ عَنَّا، وَهُوَ قَوْلُهُ سُبْحانَهُ وَتَعَالَى: (وَأُولُوا الاَْرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْض فِي كِتَابِ اللهِ)(1) وَقَوْلُهُ تَعَالى:

ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . الأنفال: 75.

( 264 )
(إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ).(1)فَنَحْنُ مَرَّةً أَوْلَى بِالْقَرَابَةِ، وَتَارَةً أَوْلَى بِالطَّاعَةِ. وَلَمَّا احْتَجَّ الْمُهَاجِرُونَ عَلَى الاَْنْصَارِ يَوْمَ السَّقِيفَةِ بِرَسُولِ اللهِ(صلى الله عليه وآله وسلم)فَلَجُوا عَلَيْهِمْ، فَإِنْ يَكُنِ الْفَلَجُ بِهِ فَالْحَقُّ لَنَا دُونَكُمْ، وَإِنْ يَكُنْ بِغَيْرِهِ فَالاَْنْصَارُ عَلَى دَعْوَاهُمْ. وَزَعَمْتَ أَنِّي لِكُلِّ الْخُلَفَاءِ حَسَدْتُ، وَعَلَى كُلِّهِمْ بَغَيْتُ، فَإِنْ يَكُنْ ذلِكَ كَذلِكَ فَلَيْسَتِ الْجِنَايَةُ عَلَيْكَ، فَيَكُونَ الْعُذْرُ إِلَيْكَ. وَتِلْكَ شَكَاةٌ ظَاهِرٌ عَنْكَ عَارُهَا.

4 . مظلوميّة الامام(عليه السلام)

وَقُلْتَ: إِنِّي كُنْتُ أُقَادُ كَمَا يُقَادُ الْجَمَلُ الَْمخْشُوشُ حَتَّى أُبَايِعَ. وَلَعَمْرُ اللهِ لَقَدْ أَرَدْتَ أَنْ تَذُمَّ فَمَدَحْتَ، وَأَنْ تَفْضَحَ فَافْتَضَحْتَ! وَمَا عَلَى الْمُسْلِمِ مِنْ غَضَاضَة فِي أَنْ يَكُونَ مَظْلُوماً مَا لَمْ يَكُنْ شَاكّاً فِي دِينِهِ، وَلاَ مُرْتَاباً بِيَقِينِهِ! وَهذِهِ حُجَّتِي إِلَى غَيْرِكَ قَصْدُهَا، وَلكِنِّي أَطْلَقْتُ لَكَ مِنْهَا بِقَدْرِ مَا سَنَحَ مِنْ ذِكْرِهَا. ثُمَّ ذَكَرْتَ مَا كَانَ مِنْ أَمْرِي وَأَمْرِ عُثَْمانَ، فَلَكَ أَنْ تُجَابَ عَنْ هذِهِ لِرَحِمِكَ مِنْهُ، فَأَيُّنَا كَانَ أَعْدَى لَهُ، وَأَهْدَى إِلَى مَقَاتِلِهِ! أَمَنْ بَذَلَ لَهُ نُصْرَتَهُ فَاسْتَقْعَدَهُ وَاسْتَكَفَّهُ، أَمْ مَنِ اسْتَنْصَرَهُ فَتَرَاخَى عَنْهُ وَبَثَّ الْمَنُونَ إِلَيْهِ، حَتَّى أَتَى قَدَرُهُ عَلَيْهِ. كَلاَّ وَاللهِ لَـ  (قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لاِِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلاَ يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلاَّ قَلِيلا).(2) وَمَا كُنْتُ لاَِعْتَذِرَ مِنْ أَنِّي كُنْتُ أَنْقِمُ عَلَيْهِ أَحْدَاثاً; فَإِنْ كَانَ الذَّنْبُ إِلَيْهِ إِرْشَادِي وَهِدَايَتِي لَهُ; فَرُبَّ مَلُوم لاَ ذَنْبَ لَهُ. (وَقَدْ يَسْتَفِيدُ الظَّنَّةَ الْمُتَنَصِّحُ) وَ مَا أَرَدْتُ (إِلاَّ الاِْصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ، وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ).(3)

5 . الرّد على التّهديد العسكري

وَذَكَرْتَ أَنَّهُ لَيْسَ لِي وَلاَِصْحَابِي عِنْدَكَ إِلاَّ السَّيْفُ، فَلَقَدْ أَضْحَكْتَ بَعْدَ اسْتِعْبَار! مَتَى أَلْفَيْتَ

ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . آل عمران: 68.
2 . الاحزاب: 18.
3 . هود: 88.

( 265 )
 بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَنِ الاَْعْدَاءِ نَاكِلِينَ، وَبِالسَّيْفِ مُخَوَّفِينَ ؟! فَلَبِّثْ قَلِيلا يَلْحَقِ الْهَيْجَا حَمَلْ. فَسَيَطْلُبُكَ مَنْ تَطْلُبُ، وَيَقْرُبُ مِنْكَ مَا تَسْتَبْعِدُ، وَأَنَا مُرْقِلٌ نَحْوَكَ فِي جَحْفَل مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالاَْنْصَارِ، وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَان، شَدِيد زِحَامُهُمْ، سَاطِع قَتَامُهُمْ، مُتَسَرْبِلِينَ سَرَابِيلَ الْمَوْتِ; أَحَبُّ اللِّقَاءِ إِلَيْهِمْ لِقَاءُ رَبِّهِمْ، وَقَدْ صَحِبَتْهُمْ ذُرِّيَّةٌ بَدْرِيَّةٌ، وَسُيُوفٌ هَاشِمِيَّةٌ، قَدْ عَرَفْتَ مَوَاقِعَ نِصَالِهَا فِي أَخِيكَ وَخَالِكَ وَجَدِّكَ وَأَهْلِكَ (وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيد).(1)

29 ـ ومن كتاب له (عليه السلام)

سياسي

(إلى أهل البصرة)

إنذار اهل البصرة

وَقَدْ كَانَ مِنِ انْتِشَارِ حَبْلِكُمْ (خيلكم) وَشِقَاقِكُمْ مَا لَمْ تَغْبَوْا عَنْهُ، فَعَفَوْتُ عَنْ مُجْرِمِكُمْ، وَرَفَعْتُ السَّيْفَ عَنْ مُدْبِرِكُمْ، وَقَبِلْتُ مِنْ مُقْبِلِكُمْ. فَإِنْ خَطَتْ بِكُمُ الاُْمُورُ الْمُرْدِيَةُ، وَسَفَهُ الاْرَاءِ الْجَائِرَةِ، إِلَى مُنَابَذَتِي وَخِلاَفِي، فَهأَنَذَا قَدْ قَرَّبْتُ جِيَادِي، وَرَحَلْتُ رِكَابِي، وَلَئِنْ أَلْجَأْتُمُونِي إِلَى الْمَسِيرِ إِلَيْكُمْ لاَُوقِعَنَّ بِكُمْ وَقْعَةً لاَ يَكُونُ يَوْمُ الْجَمَلِ إِلَيْهَا إِلاَّ كَلَعْقَةِ لاَعِق ; مَعَ أَنِّي عَارِفٌ لِذِي الطَّاعَةِ مِنْكُمْ فَضْلَهُ، وَلِذِي النَّصِيحَةِ حَقَّهُ، غَيْرُ مُتَجَاوِز مُتَّهَماً إِلَى بَرِيٍّ، وَلاَ نَاكِثاً إِلَى وَفِيٍّ.

30 ـ ومن كتاب له (عليه السلام)

وعظ و إنذار لمعاوية   اخلاقي (إلى معاوية)

فَاتَّقِ اللهَ فِيَما لَدَيْكَ، وَانْظُرْ فِي حَقِّهِ عَلَيْكَ، وَارْجِعْ إِلَى مَعْرِفَةِ مَا لاَ تُعْذَرُ بِجَهَالَتِهِ، فَإِنَّ لِلطَّاعَةِ

ــــــــــــــــــــــــــــ
1 . هود: 83.

( 266 )
أَعْلاَماً وَاضِحَةً، وَسُبُلا نَيِّرَةً، وَمَحَجَّةً نَهْجَةً، وَغَايَةً مُطَّلَبَةً (مطلوبة)، يَرِدُهَا الاَْكْيَاسُ، وَيُخَالِفُهَا الاَْنْكَاسُ; مَنْ نَكَبَ عَنْهَا جَارَ عَنِ الْحَقِّ، وَخَبَطَ فِي التِّيهِ، وَغَيَّرَ اللهُ نِعْمَتَهُ، وَأَحَلَّ بِهِ نِقْمَتَهُ. فَنَفْسَكَ نَفْسَكَ! فَقَدْ بَيَّنَ اللهُ لَكَ سَبِيلَكَ، وَحَيْثُ تَنَاهَتْ بِكَ أُمُورُكَ، فَقَدْ أَجْرَيْتَ إِلَى غَايَةِ خُسْر، وَمَحَلَّةِ كُفْر، فَإِنَّ نَفْسَكَ قَدْ أَوْلَجَتْكَ شَرّاً، وَأَقْحَمَتْكَ غَيّاً، وَأَوْرَدَتْكَ الْمَهَالِكَ، وَأَوْعَرَتْ عَلَيْكَ الْمَسَالِكَ.

31 ـ ومن وصية له (عليه السلام)

اخلاقية ، تربيتى ، تاريخية ، عقائدية ، سياسية ، علمية

للحسن بن علي(عليه السلام)، كتبها إليه «بحاضرين» عند انصرافه من صفّين :

1 . الانسان و حوادث الايّام

مِنَ الْوَالِدِ الْفَانِ، الْمُقِرِّ لِلزَّمَانِ، الْمُدْبِرِ الْعُمُرِ، الْمُسْتَسْلِمِ لِلدُّنْيَا، السَّاكِنِ مَسَاكِنَ الْمَوْتَى، وَالظَّاعِنِ عَنْهَا غَداً; إِلَى الْمَوْلُودِ الْمُؤَمِّلِ مَالاَ يُدْرَكُ، السَّالِكِ سَبِيلَ مَنْ قَدْ هَلَكَ، غَرَضِ الاَْسْقَامِ، وَرَهِينَةِ الاَْيَّامِ، وَرَمِيَّةِ الْمَصَائِبِ، وَعَبْدِ الدُّنْيَا، وَتَاجِرِ الْغُرُورِ، وَغَرِيمِ الْمَنَايَا، وَأَسِيرِ الْمَوْتِ، وَحَلِيفِ الْهُمُومِ، وَقَرِينِ الاَْحْزَانِ، وَنُصُبِ الاْفَاتِ، وَصَرِيعِ الشَّهَوَاتِ، وَخَلِيفَةِ الاَْمْوَاتِ. أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ فِيَما تَبَيَّنْتُ مِنْ إِدْبَارِ الدُّنْيَا عَنِّي، وَجُمُوحِ الدَّهْرِ عَلَيَّ، وَإِقْبَالِ الاْخِرَةِ إِلَيَّ، مَايَزَعُنِي عَنْ ذِكْرِ مَنْ سِوَايَ، وَالاِْهْتَِمامِ بِمَا وَرَائِي، غَيْرَ أَنِّي حَيْثُ تَفَرَّدَ بِي دُونَ هُمُومِ النَّاسِ هَمُّ نَفْسِي، فَصَدَفَنِي رَأْيِي، وَصَرَفَنِي عَنْ هَوَايَ، وَصَرَّحَ لِي مَحْضُ أَمْرِي، فَأَفْضَى بِي إِلَى جِدٍّ لاَ يَكُونُ فِيهِ لَعِبٌ، وَصِدْق لاَ يَشُوبُهُ كَذِبٌ (كدر). وَوَجَدْتُكَ بَعْضِي، بَلْ وَجَدْتُكَ كُلِّي، حَتَّى كَأَنَّ شَيْئاً لَوْ أَصَابَكَ أَصَابَنِي، وَكَأَنَّ الْمَوْتَ لَوْ أَتَاكَ أَتَانِي، فَعَنَانِي مِنْ أَمْرِكَ مَا يَعْنِينِي مِنْ أَمْرِ نَفْسِي، فَكَتَبْتُ إِلَيْكَ كِتَابِي مُسْتَظْهِراً بِهِ إِنْ أَنَا بَقِيْتُ لَكَ أَوْ فَنِيتُ.


( 267 )

2 . مراحل التَّربية

فَإِنِّي أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللهِ ـ أَيْ بُنَيَّ ـ وَلُزُومِ أَمْرِهِ، وَعِمَارَةِ قَلْبِكَ بِذِكْرِهِ، وَالاِْعْتِصَامِ بِحَبْلِهِ. وَأَيُّ سَبَب أَوْثَقُ مِنْ سَبَب بَيْنَكَ وَبَيْنَ اللهِ إِنْ أَنْتَ أَخَذْتَ بِهِ! أَحْيِ قَلْبَكَ بِآلْمَوْعِظَةِ، وَأَمِتْهُ بِالزَّهَادَةِ، وَقَوِّهِ بِالْيَقِينِ، وَنَوِّرْهُ بِالْحِكْمَةِ، وَذَلِّلْهُ بِذِكْرِ الْمَوْتِ، وَقَرِّرْهُ بِالْفَنَاءِ، وَبَصِّرْهُ فَجَائِعَ الدُّنْيَا، وَحَذِّرْهُ صَوْلَةَ الدَّهْرِ وَفُحْشَ تَقَلُّبِ اللَّيَالِي وَالاَْيَّامِ، وَاعْرِضْ عَلَيْهِ أَخْبَارَ الْمَاضِينَ، وَذَكِّرْهُ بِمَا أَصَابَ مَنْ كَانَ قَبْلَكَ مِنَ الاَْوَّلِينَ، وَسِرْ فِي دِيَارِهِمْ وَآثَارِهِمْ، فَانْظُرْ فِيَما فَعَلُوا وَعَمَّا انْتَقَلُوا، وَأَيْنَ حَلُّوا وَنَزَلُوا! فَإِنَّكَ تَجِدُهُمْ قَدِ انْتَقَلُوا عَنِ الاَْحِبَّةِ، وَحَلُّوا دِيَارَ (دار) الْغُرْبَةِ، وَكَأَنَّكَ عَنْ قَلِيل قَدْ صِرْتَ كَأَحَدِهِمْ. فَأَصْلِحْ مَثْوَاكَ، وَلاَ تَبِعْ آخِرَتَكَ بِدُنْيَاكَ; وَدَعِ الْقَوْلَ فِيَما لاَ تَعْرِفُ، وَالْخِطَابَ فِيَما لَمْ تُكَلَّفْ. وَأَمْسِكْ عَنْ طَرِيق إِذَا خِفْتَ ضَلاَلَتَهُ، فَإِنَّ الْكَفَّ عِنْدَ حَيْرَةِ الضَّلاَلِ خَيْرٌ مِنْ رُكُوبِ الاَْهْوَالِ.

3 . الاخلاق الاجتماعيّة

وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ تَكُنْ مِنْ أَهْلِهِ، وَأَنْكِرِ الْمُنْكَرَ بِيَدِكَ وَلِسَانِكَ، وَبَايِنْ مَنْ فَعَلَهُ بِجُهْدِكَ، وَجَاهِدْ فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ، وَلاَ تَأْخُذْكَ فِي اللهِ لَوْمَةُ لاَئِم. وَخُضِ الْغَمَرَاتِ لِلْحَقِّ حَيْثُ كَانَ، وَتَفَقَّهْ فِي الدِّينِ، وَعَوِّدْ نَفْسَكَ التَّصَبُّرَ (الصّبر) عَلَى الْمَكْرُوهِ، وَنِعْمَ الْخُلُقُ التَّصَبُّرُ فِي الْحَقِّ! وَأَلْجِئْ نَفْسَكَ فِي أُمُورِكَ كُلِّهَا إِلَى إِلهِكَ، فَإِنَّكَ تُلْجِئُهَا إِلَى كَهْف حَرِيز، وَمَانِع عَزِيز. وَأَخْلِصْ فِي الْمَسْأَلَةِ لِرَبِّكَ، فَإِنَّ بِيَدِهِ الْعَطَاءَ وَالْحِرْمَانَ، وَأَكْثِرِ الاِْسْتِخَارَةَ، وَتَفَهَّمْ وَصِيَّتِي، وَلاَ تَذْهَبَنَّ عَنْكَ صَفْحاً، فَإِنَّ خَيْرَ الْقَوْلِ مَا نَفَعَ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ خَيْرَ فِي عِلْم لاَ يَنْفَعُ، وَلاَ يُنْتَفَعُ بِعِلْم لاَ يَحِقُّ تَعَلُّمُهُ.

4 . المبادرة إلى تربية الاطفال

أَيْ بُنَيَّ، إِنِّي لَمَّا رَأَيْتَنِي قَدْ بَلَغْتُ سِنّاً، وَرَأَيْتُنِي أَزْدَادُ وَهْناً، بَادَرْتُ بِوَصِيَّتِي إِلَيْكَ، وَأَوْرَدْتُ خِصَالا مِنْهَا قَبْلَ أَنْ يَعْجَلَ بِي أَجَلِي دُونَ أَنْ أُفْضِيَ إِلَيْكَ بِمَا فِي نَفْسِي، أَوْ أَنْ أُنْقَصَ فِي رَأْيِي كَمَا نُقِصْتُ فِي جِسْمِي، أَوْ يَسْبِقَنِي إِلَيْكَ بَعْضُ غَلَبَاتِ الْهَوَى وَفِتَنِ الدُّنْيَا، فَتَكُونَ كَالصَّعْبِ النَّفُورِ. وَإِنَّمَا


( 268 )
قَلْبُ الْحَدَثِ كَالاَْرْضِ الْخَالِيَةِ مَا أُلْقِيَ فِيهَا مِنْ شَيْء قَبِلَتْهُ. فَبَادَرْتُكَ بِالاَْدَبِ قَبْلَ أَنْ يَقْسُوَ قَلْبُكَ، وَيَشْتَغِلَ لُبُّكَ، لِتَسْتَقْبِلَ بِجِدِّ رَأْيِكَ مِنَ الاَْمْرِ مَا قَدْ كَفَاكَ أَهْلُ التَّجَارِبِ بُغْيَتَهُ وَتَجْرِبَتَهُ، فَتَكُونَ قَدْ كُفِيتَ مَؤُنَةَ الطَّلَبِ، وَعُوفِيتَ مِنْ عِلاَجِ التَّجْرِبَةِ، فَأَتَاكَ مِنْ ذلِكَ مَا قَدْ كُنَّا نَأْتِيهِ، وَاسْتَبَانَ لَكَ مَا رُبَّمَا أَظْلَمَ عَلَيْنَا مِنْهُ. أَيْ بُنَيَّ، إِنِّي وَإِنْ لَمْ أَكُنْ عُمِّرْتُ عُمُرَ مَنْ كَانَ قَبْلِي، فَقَدْ نَظَرْتُ فِي أَعْمَالِهِمْ، وَفَكَّرْتُ فِي أَخْبَارِهِمْ، وَسِرْتُ فِي آثَارِهِمْ; حَتَّى عُدْتُ كَأَحَدِهِمْ; بَلْ كَأَنِّي بِمَا انْتَهَى إِلَيَّ مِنْ أُمُورِهِمْ قَدْ عُمِّرْتُ مَعَ أَوَّلِهِمْ إِلَى آخِرِهِمْ، فَعَرَفْتُ صَفْوَ ذلِكَ مِنْ كَدَرِهِ، وَنَفْعَهُ مِنْ ضَرَرِهِ، فَاسْتَخْلَصْتُ لَكَ مِنْ كُلِّ أَمْر نَخِيلَهُ (جليله)، وَتَوَخَّيْتُ لَكَ جَمِيلَهُ، وَصَرَفْتُ عَنْكَ مَجْهُولَهُ، وَرَأَيْتُ حَيْثُ عَنَانِي مِنْ أَمْرِكَ مَا يَعْنِي الْوَالِدَ الشَّفِيقَ، وَأَجْمَعْتُ عَلَيْهِ مِنْ أَدَبِكَ أَنْ يَكُونَ ذلِكَ وَأَنْتَ مُقْبِلُ الْعُمُرِ وَمُقْتَبَلُ الدَّهْرِ، ذُونِيَّة سَلِيمَة، وَنَفْس صَافِيَة،

5 . أسلوب تربية الاطفال

وَأَنْ أَبْتَدِئَكَ بِتَعْلِيمِ كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَتَأْوِيلِهِ، وَشَرَائِعِ الاِْسْلاَمِ وَأَحْكَامِهِ، وَحَلاَلِهِ وَحَرَامِهِ، لاَ أُجَاوِزُ ذلِكَ بِكَ إِلَى غَيْرِهِ. ثُمَّ أَشْفَقْتُ أَنْ يَلْتَبِسَ عَلَيْكَ مَا اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ مِنْ أَهْوَائِهِمْ وَآرَائِهِمْ مِثْلَ الَّذِي الْتَبَسَ عَلَيْهِمْ، فَكَانَ إِحْكَامُ ذلِكَ عَلَى مَا كَرِهْتُ مِنْ تَنْبِيهِكَ لَهُ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ إِسْلاَمِكَ إِلَى أَمْر لاَ آمَنُ عَلَيْكَ بِهِ الْهَلَكَةَ، وَرَجَوْتُ أَنْ يُوَفِّقَكَ اللهُ فِيهِ لِرُشْدِكَ، وَ أَنْ يَهْدِيَكَ لِقَصْدِكَ، فَعَهِدْتُ إِلَيْكَ وَصِيَّتِي هذِهِ. وَاعْلَمْ يَا بُنَيَّ أَنَّ أَحَبَّ مَا أَنْتَ آخِذٌ بِهِ إِلَيَّ مِنْ وَصِيَّتِي تَقْوَى اللهِ، وَالاِْقْتِصَارُ عَلَى مَا فَرَضَهُ اللهُ عَلَيْكَ، وَالاَْخْذُ بِمَا مَضَى عَلَيْهِ الاَْوَّلُونَ مِنْ آبَائِكَ، وَالصَّالِحُونَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِكَ. فَإِنَّهُمْ لَمْ يَدَعُوا أَنْ نَظَرُوا لاَِنْفُسِهِمْ كَمَا أَنْتَ نَاظِرٌ، وَ فَكَّرُوا كَمَا أَنْتَ مُفَكِّرٌ، ثُمَّ رَدَّهُمْ آخِرُ ذلِكَ إِلَى الاَْخْذِ بِمَا عَرَفُوا، وَالاِْمْسَاكِ عَمَّا لَمْ يُكَلَّفُوا، فَإِنْ أَبَتْ نَفْسُكَ أَنْ تَقْبَلَ ذلِكَ دُونَ أَنْ تَعْلَمَ كَمَا عَلِمُوا فَلْيَكُنْ طَلَبُكَ ذلِكَ بَتَفَهُّم وَتَعَلُّم، لاَ بِتَوَرُّطِ الشُّبُهَاتِ، وَعُلَقِ (علوّ) الْخُصُومَاتِ. وَابْدَأْ قَبْلَ نَظَرِكَ فِي ذلِكَ بِالاِْسْتِعَانَةِ بِإِلهِكَ، وَالرَّغْبَةِ إِلَيْهِ فِي تَوْفِيقِكَ، وَتَرْكِ كُلِّ شَائِبَة أَوْلَجَتْكَ فِي شُبْهَة، أَوْ أَسْلَمَتْكَ إِلَى ضَلاَلَة. فَإِنْ أَيْقَنْتَ أَنْ قَدْ صَفَا قَلْبُكَ فَخَشَعَ، وَتَمَّ رَأْيُكَ فَاجْتَمَعَ، وَكَانَ هَمُّكَ فِي ذلِكَ هَمّاً وَاحِداً، فَانْظُرْ فِيَما فَسَّرْتُ لَكَ، وَإِنْ لَمْ يَجْتَمِعْ لَكَ مَا تُحِبُّ مِنْ نَفْسِكَ، وَفَرَاغِ نَظَرِكَ وَفِكْرِكَ، فَاعْلَمْ أَنَّكَ إِنَّمَا تَخْبِطُ الْعَشْوَاءَ، وَتَتَوَرَّطُ الظَّلْمَاءَ. وَلَيْسَ


( 269 )
طَالِبُ الدِّينِ مَنْ خَبَطَ أَوْ خَلَطَ، وَالاِْمْسَاكُ عَنْ ذلِكَ أَمْثَلُ.

6 . ضرورة التّوجه إلى المعنويّات

فَتَفَهَّمْ يَابُنَيَّ وَصِيَّتِي، وَاعْلَمْ أَنَّ مَالِكَ الْمَوْتِ هُوَ مَالِكُ الْحَيَاةِ، وَأَنَّ الْخَالِقَ هُوَ الْمُمِيتُ، وَأَنَّ الْمُفْنِيَ هُوَ الْمُعِيدُ، وَأَنَّ الْمُبْتَلِيَ هُوَ الْمُعَافِي، وَأَنَّ الدُّنْيَا لَمْ تَكُنْ لِتَسْتَقِرَّ إِلاَّ عَلَى مَا جَعَلَهَا اللهُ عَلَيْهِ مِنَ النَّعْمَاءِ، وَالاِْبْتِلاَءِ، وَالْجَزَاءِ فِي الْمَعَادِ، أَوْ مَا شَاءَ مِمَّا لاَ تَعْلَمُ. فَإِنْ أَشْكَلَ عَلَيْكَ شَيْءٌ مِنْ ذلِكَ فَاحْمِلْهُ عَلَى جَهَالَتِكَ، فَإِنَّكَ أَوَّلُ مَا خُلِقْتَ بِهِ جَاهِلا ثُمَّ عُلِّمْتَ، وَمَا أَكْثَرَ مَا تَجْهَلُ مِنَ الاَْمْرِ (الأمور)، وَيَتَحَيَّرُ فِيهِ رَأْيُكَ، وَيَضِلُّ فِيهِ بَصَرُكَ ثُمَّ تُبْصِرُهُ بَعْدَ ذلِكَ! فَاعْتَصِمْ بِالَّذِي خَلَقَكَ وَرَزَقَكَ وَسَوَّاكَ، وَلْيَكُنْ لَهُ تَعَبُّدُكَ، وَإِلَيْهِ رَغْبَتُكَ، وَمِنْهُ شَفَقَتُكَ. وَاعْلَمْ يَا بُنَيَّ أَنَّ أَحَداً لَمْ يُنْبِئْ عَنِ اللهِ سُبْحانَهُ كَمَا أَنْبَأَ عَنْهُ الرَّسُولُ (صلى الله عليه وآله وسلم)فَارْضَ بِهِ رَائِداً، وَإِلَى النَّجَاةِ قَائِداً، فَإِنِّي لَمْ آلُكَ نَصِيحَةً. وَإِنَّكَ لَنْ تَبْلُغَ فِي النَّظَرِ لِنَفْسِكَ ـ وَإِنِ اجْتَهَدْتَ ـ مَبْلَغَ نَظَرِي لَكَ. وَاعْلَمْ يَا بُنَيَّ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِرَبِّكَ شَرِيكٌ لاََتَتْكَ رُسُلُهُ، وَلَرَأَيْتَ آثَارَ مُلْكِهِ وَسُلْطَانِهِ، وَلَعَرَفْتَ أَفْعَالَهُ وَصِفَاتِهِ، وَلكِنَّهُ إِلهٌ وَاحِدٌ كَمَا وَصَفَ نَفْسَهُ، لاَ يُضَادُّهُ فِي مُلْكِهِ أَحَدٌ، وَلاَ يَزُولُ أَبَداً وَلَمْ يَزَلْ. أَوَّلٌ قَبْلَ الاَْشْيَاءِ بِلاَ أَوَّلِيَّة، وَآخِرٌ بَعْدَ الاَْشْيَاءِ بِلاَ نِهَايَة. عَظُمَ عَنْ أَنْ تَثْبُتَ رُبُوبِيَّتُهُ بِإِحَاطَةِ قَلْب أَوْ بَصَر. فَإِذَا عَرَفْتَ ذلِكَ فَافْعَلْ كَمَا يَنْبَغِي لِمِثْلِكَ أَنْ يَفْعَلَهُ فِي صِغَرِ خَطَرِهِ، وَقِلَّةِ مَقْدِرَتِهِ، وَ كَثْرَةِ عَجْزِهِ، وَعَظِيمِ حَاجَتِهِ إِلَى رَبِّهِ، فِي طَلَبِ طَاعَتِهِ، وَالْخَشْيَةِ مِنْ عُقُوبَتِهِ، وَالشَّفَقَةِ مِنْ سُخْطِهِ: فَإِنَّهُ لَمْ يَأْمُرْكَ إِلاَّ بِحَسَن، وَلَمْ يَنْهَكَ إِلاَّ عَنْ قَبِيح.

7 . ضرورة طلب الآخرة

يَا بُنَيَّ إِنِّي قَدْ أَنْبَأْتُكَ عَنِ الدُّنْيَا وَحَالِهَا، وَزَوَالِهَا وَ انْتِقَالِهَا، وَأَنْبَأْتُكَ عَنِ الاْخِرَةِ وَمَا أُعِدَّ لاَِهْلِهَا فِيهَا، وَضَرَبْتُ لَكَ فِيهِمَا الاَْمْثَالَ، لِتَعْتَبِرَ بِهَا، وَتَحْذُوَ عَلَيْهَا. إِنَّمَا مَثَلُ مَنْ خَبَرَ الدُّنْيَا كَمَثَلِ قَوْم سَفْر نَبَا بِهِمْ مَنْزِلٌ جَدِيبٌ، فَأَمُّوا مَنْزِلا خَصِيباً وَجَنَاباً مَرِيعاً. فَاحْتَمَلُوا وَعْثَاءَ الطَّرِيقِ، وَفِرَاقَ الصَّدِيقِ، وَخُشُونَةَ السَّفَرِ، وَجُشُوبَةَ الْمَطْعَمِ، لِيَأْتُوا سَعَةَ دَارِهِمْ، وَمَنْزِلَ قَرَارِهِمْ، فَلَيْسَ يَجِدُونَ لِشَيْء مِنْ ذلِكَ


( 270 )
أَلَماً، وَلاَ يَرَوْنَ نَفَقَةً فِيهِ مَغْرَماً. وَلاَ شَيْءَ أَحَبُّ إِلَيْهِمْ مِمَّا قَرَّبَهُمْ مِنْ مَنْزِلِهِمْ وَأَدْنَاهُمْ مِنْ مَحَلَّتِهِمْ. وَمَثَلُ مَنِ اغْتَرَّبِهَا كَمَثَلِ قَوْم كَانُوا بِمَنْزِل خَصِيب، فَنَبَا بِهِمْ إِلَى مَنْزِل جَدِيب، فَلَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَهَ إِلَيْهِمْ وَلاَ أَفْظَعَ عِنْدَهُمْ مِنْ مُفَارَقَةِ مَا كَانُوا فِيهِ، إِلَى مَا يَهْجُمُونَ عَلَيْهِ، وَيَصِيرُونَ إِلَيْهِ.

8 . معايير سامية للعلاقات الاجتماعيّة

يَا بُنَيَّ اجْعَلْ نَفْسَكَ مِيزَاناً فِيَما بَيْنَكَ وَبَيْنَ غَيْرِكَ، فَأَحْبِبْ لِغَيْرِكَ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ، وَاكْرَهْ لَهُ مَا تَكْرَهُ لَهَا، وَلاَ تَظْلِمْ كَمَالاَ تُحِبُّ أَنْ تُظْلَمَ، وَأَحْسِنْ كَمَا تُحِبُّ أَنْ يُحْسَنَ إِلَيْكَ، وَاسْتَقْبِحْ مِنْ نَفْسِكَ مَا تَسْتَقْبِحُهُ مِنْ غَيْرِكَ، وَارْضَ مِنَ النَّاسِ بِمَا تَرْضَاهُ لَهُمْ مِنْ نَفْسِكَ، وَلاَ تَقُلْ مَا لاَ تَعْلَمُ وَإِنْ قَلَّ مَا تَعْلَمُ، وَلاَ تَقُلْ مَا لاَ تُحِبُّ أَنْ يُقَالَ لَكَ. وَاعْلَمْ أَنَّ الاِْعْجَابَ ضِدُّ الصَّوَابِ، وَآفَةُ الاَْلْبَابِ.

فَاسْعَ فِي كَدْحِكَ، وَلاَ تَكُنْ خَازِناً لِغَيْرِكَ، وَإِذَا أَنْتَ هُدِيتَ لِقَصْدِكَ فَكُنْ أَخْشَعَ مَا تَكُونُ لِرَبِّكَ.

9 . السعي في طلب الزّاد

وَاعْلَمْ أَنَّ أَمَامَكَ طَرِيقاً ذَا مَسَافَة بَعِيدَة، وَمَشَقَّة شَدِيدَة، وَأَنَّهُ لاَ غِنَى بِكَ فِيهِ عَنْ حُسْنِ الاِْرْتِيَادِ، وَقَدْرِ (قدّر) بَلاَغِكَ مِنَ الزَّادِ، مَعَ خِفَّةِ الظَّهْرِ، فَلاَ تَحْمِلَنَّ عَلَى ظَهْرِكَ فَوْقَ طَاقَتِكَ، فَيَكُونَ ثِقْلُ ذلِكَ وَبَالا عَلَيْكَ، وَإِذَا وَجَدْتَ مِنْ أَهْلِ الْفَاقَةِ مَنْ يَحْمِلُ لَكَ زَادَكَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَيُوَافِيكَ بِهِ غَداً حَيْثُ تَحْتَاجُ إِلَيْهِ فَاغْتَنِمْهُ وَحَمِّلْهُ إِيَّاهُ، وَأَكْثِرْ مِنْ تَزْوِيدِهِ وَأَنْتَ قَادِرٌ عَلَيْهِ، فَلَعَلَّكَ تَطْلُبُهُ فَلاَ تَجِدُهُ. وَاغْتَنِمْ مَنِ اسْتَقْرَضَكَ فِي حَالِ غِنَاكَ، لِيَجْعَلَ (يحصل) قَضَاءَهُ لَكَ فِي يَوْمِ عُسْرَتِكَ.

وَاعْلَمْ أَنَّ أَمَامَكَ عَقَبَةً كَؤُوداً، الُْمخِفُّ فِيهَا أَحْسَنُ حَالا (أمرا) مِنَ الْمُثْقِلِ، وَالْمُبْطِئُ عَلَيْهَا أَقْبَحُ حَالا مِنَ الْمُسْرِعِ، وَأَنَّ مَهْبِطَكَ بِهَا لاَ مَحَالَةَ إِمَّا عَلَى جَنَّة أَوْ عَلَى نَار، فَارْتَدْ لِنَفْسِكَ قَبْلَ نُزُولِكَ، وَوَطِّئِ الْمَنْزِلَ قَبْلَ حُلُولِكَ، «فَلَيْسَ بَعْدَ الْمَوْتِ مُسْتَعْتَبٌ»، وَلاَ إِلَى الدُّنْيَا مُنْصَرَفٌ.


( 271 )

10 . علامات الرّحمة الالهيّة

وَاعْلَمْ أَنَّ الَّذِي بِيَدِهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالاَْرْضِ قَدْ أَذِنَ لَكَ فِي الدُّعَاءِ، وَتَكَفَّلَ لَكَ بِالاِْجَابَةِ، وَأَمَرَكَ أَنْ تَسْأَلَهُ لِيُعْطِيَكَ، وَتَسْتَرْحِمَهُ لِيَرْحَمَكَ، وَلَمْ يَجْعَلْ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ مَنْ يَحْجُبُكَ عَنْهُ، وَلَمْ يُلْجِئْكَ إِلَى مَنْ يَشْفَعُ لَكَ إِلَيْهِ، وَلَمْ يَمْنَعْكَ إِنْ أَسَأْتَ مِنَ التَّوْبَةِ، وَلَمْ يُعَاجِلْكَ بِالنِّقْمَةِ، وَلَمْ يُعَيِّرْكَ بِالاِْنَابَةِ، وَلَمْ يَفْضَحْكَ حَيْثُ الْفَضِيحَةُ بِكَ أَوْلَى، وَلَمْ يُشَدِّدْ عَلَيْكَ فِي قَبُولِ الاِْنَابَةِ، وَلَمْ يُنَاقِشْكَ بِالْجَرِيمَةِ وَلَمْ يُؤْيِسْكَ مِنَ الرَّحْمَةِ. بَلْ جَعَلَ نُزُوعَكَ عَنِ الذَّنْبِ حَسَنَةً، وَحَسَبَ سَيِّئَتَكَ وَاحِدَةً، وَحَسَبَ حَسَنَتَكَ عَشْراً، وَفَتَحَ لَكَ بَابَ الْمَتَابِ، وَبَابَ الاِْسْتِعْتَابِ; فَإِذَا نَادَيْتَهُ سَمِعَ نَدَاكَ، وَإِذَا نَاجَيْتَهُ عَلِمَ نَجْوَاكَ، فَأَفْضَيْتَ إِلَيْهِ بِحَاجَتِكَ، وَأَبْثَثْتَهُ ذَاتَ نَفْسِكَ، وَشَكَوْتَ إِلَيْهِ هُمُومَكَ، وَاسْتَكْشَفْتَهُ كُرُوبَكَ، وَاسْتَعَنْتَهُ عَلَى أُمُورِكَ.

11 . شرائط اجابة الدّعاء

وَسَأَلْتَهُ مِنْ خَزَائِنِ رَحْمَتِهِ مَالاَ يَقْدِرُ عَلَى إِعْطَائِهِ غَيْرُهُ، مِنْ زِيَادَةِ الاَْعْمَارِ، وَصِحَّةِ الاَْبْدَانِ، وَسَعَةِ الاَْرْزَاقِ. ثُمَّ جَعَلَ فِي يَدَيْكَ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِهِ بِمَا أَذِنَ لَكَ فِيهِ مِنْ مَسْأَلَتِهِ، فَمَتَى شِئْتَ اسْتَفْتَحْتَ بِالدُّ عَاءِ أَبْوَابَ نِعْمَتِهِ (نِعَمِهِ)، وَاسْتَمْطَرْتَ شَآبِيبَ رَحْمَتِهِ، فَلاَ يُقَنِّطَنَّكَ إِبْطَاءُ إِجَابَتِهِ، فَإِنَّ الْعَطِيَّةَ عَلَى قَدْرِ النِّيَّةِ. وَرُبَّمَا أُخِّرَتْ عَنْكَ الاِْجَابَةُ، لِيَكُونَ ذلِكَ أَعْظَمَ لاَِجْرِ السَّائِلِ، وَأَجْزَلَ لِعَطَاءِ الاْمِلِ، وَرُبَّمَا سَأَلْتَ الشَّيْءَ فَلاَ تُؤْتَاهُ، وَأُوتِيتَ خَيْراً مِنْهُ عَاجِلا أَوْ آجِلا، أَوْ صُرِفَ عَنْكَ لِمَا هُوَ خَيْرٌ لَكَ، فَلَرُبَّ أَمْر قَدْ طَلَبْتَهُ فِيهِ هَلاَكُ دِينِكَ لَوْ أُوتِيتَهُ، فَلْتَكُنْ مَسْأَلَتُكَ فِيَما يَبْقَى لَكَ جَمَالُهُ، وَيُنْفَى عَنْكَ وَبَالُهُ; فَالْمَالُ لاَ يَبْقَى لَكَ وَلاَ تَبْقَى لَهُ.

12 . ضرورة ذكر الموت

وَاعْلَمْ يَا بُنَيَّ أَنَّكَ إِنَّمَا خُلِقْتَ لِلاْخِرَةِ لاَ لِلدُّنْيَا، وَلِلْفَنَاءِ لاَ لِلْبَقَاءِ، وَلِلْمَوْتِ لاَ لِلْحَيَاةِ; وَأَنَّكَ فِي قُلْعَة وَدَارِ بُلْغَة، وَطَرِيق إِلَى الاْخِرَةِ، وَأَنَّكَ طَرِيدُ الْمَوْتِ الَّذِي لاَ يَنْجُو مِنْهُ هَارِبُهُ ، وَ لاَ يَفُوتُهُ طَالِبُهُ،


( 272 )
وَلاَبُدَّ أَنَّهُ مُدْرِكُهُ، فَكُنْ مِنْهُ عَلَى حَذَرِ أَنْ يُدْرِكَكَ وَأَنْتَ عَلَى حَال سَيِّئَة، قَدْ كُنْتَ تُحَدِّثُ نَفْسَكَ مِنْهَا بِالتَّوْبَةِ، فَيَحُولَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ ذلِكَ، فَإِذَا أَنْتَ قَدْ أَهْلَكْتَ نَفْسَكَ. يَا بُنَيَّ أَكْثِرْ مِنْ ذِكْرِ الْمَوْتِ، وَذِكْرِ مَا تَهْجُمُ عَلَيْهِ، وَتُفْضِي بَعْدَ الْمَوْتِ إِلَيْهِ، حَتَّى يَأْتِيَكَ وَقَدْ أَخَذْتَ مِنْهُ حِذْرَكَ، وَشَدَدْتَ لَهُ أَزْرَكَ، وَلاَ يَأْتِيَكَ بَغْتَةً فَيَبْهَرَكَ. وَإِيَّاكَ أَنْ تَغْتَرَّ بِمَا تَرَى مِنْ إِخْلاَدِ أَهْلِ الدُّنْيَا إِلَيْهَا، وَتَكَالُبِهِمْ عَلَيْهَا، فَقَدْ نَبَّأَكَ اللهُ عَنْهَا، وَنَعَتْ هِيَ لَكَ عَنْ نَفْسِهَا، وَتَكَشَّفَتْ لَكَ عَنْ مَسَاوِيهَا.

13 . معرفة اهل الدّنيا

فَإِنَّمَا أَهْلُهَا كِلاَبٌ عَاوِيَةٌ، وَسِبَاعٌ ضَارِيَةٌ، يَهِرُّ بَعْضُهَا عَلَى بَعْض، وَيَأْكُلُ عَزِيزُهَا ذَلِيلَهَا، وَيَقْهَرُ كَبِيرُهَا صَغِيرَهَا. نَعَمٌ مُعَقَّلَةٌ (مغفّلة)، وَأُخْرَى مُهْمَلَةٌ، قَدْ أَضَلَّتْ عُقُولَهَا، وَرَكِبَتْ مَجْهُولَهَا. سُرُوحُ عَاهَة بِوَاد وَعْث، لَيْسَ لَهَا رَاع يُقِيمُهَا، وَلاَ مُسِيمٌ يُسِيمُهَا. سَلَكَتْ بِهِمُ الدُّنْيَا طَرِيقَ الْعَمَى، وَأَخَذَتْ بِأَبْصَارِهِمْ عَنْ مَنَارِ الْهُدَى، فَتَاهُوا فِي حَيْرَتِهَا، وَغَرِقُوا فِي نِعْمَتِهَا، وَاتَّخَذُوهَا رَبّاً، فَلَعِبَتْ بِهِمْ وَلَعِبُوا بِهَا، وَنَسُوا مَا وَرَاءَهَا. رُوَيْداً يُسْفِرُ الظَّلاَمُ، كَأَنْ قَدْ وَرَدَتِ الاَْظْعَانُ; يُوشِكُ مَنْ أَسْرَعَ أَنْ يَلْحَقَ! وَاعْلَمْ يَا بُنَيَّ أَنَّ مَنْ كَانَتْ مَطِيَّتُهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، فَإِنَّهُ يُسَارُ بِهِ وَإِنْ كَانَ وَاقِفاً، وَيَقْطَعُ الْمَسَافَةَ وَإِنْ كَانَ مُقِيماً وَادِعاً.

14 . ضرورة النّظرة الواقعيّة إلى الامور

وَاعْلَمْ يَقِيناً أَنَّكَ لَنْ تَبْلُغَ أَمَلَكَ، وَلَنْ تَعْدُوَ أَجَلَكَ، وَأَنَّكَ فِي سَبِيلِ مَنْ كَانَ قَبْلَكَ. فَخَفِّضْ فِي الطَّلَبِ، وَأَجْمِلْ فِي الْمُكْتَسَبِ، فَإِنَّهُ رُبَّ طَلَب قَدْ جَرَّ إِلَى حَرْب; فَلَيْسَ كُلَّ طَالِب بِمَرْزُوق، وَلاَ كُلُّ مُجْمِل بِمَحْرُوم. وَأَكْرِمْ نَفْسَكَ عَنْ كُلَّ دَنِيَّة وَإِنْ سَاقَتْكَ إِلَى الرَّغَائِبِ، فَإِنَّكَ لَنْ تَعْتَاضَ بِمَا تَبْذُلُ مِنْ نَفْسِكَ عِوَضاً. وَلاَ تَكُنْ عَبْدَ غَيْرِكَ وَقَدْ جَعَلَكَ اللهُ حُرّاً. وَمَا خَيْرُ خَيْر لاَ يُنَالُ إِلاَّ بِشَرٍّ، وَيُسْر لاَ يُنَالُ إِلاَّ بِعُسْر؟! وَإِيَّاكَ أَنْ تُوجِفَ بِكَ مَطَايَا الطَّمَعِ، فَتُورِدَكَ مَنَاهِلَ الْهَلَكَةِ.

وَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَلاَّ يَكُونَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ اللهِ ذُو نِعْمَة فَافْعَلْ، فَإِنَّكَ مُدْرِكٌ قَسْمَكَ، وَآخِذٌ سَهْمَكَ، وَإِنَّ الْيَسِيرَ مِنَ اللهِ سُبْحانَهُ أَعْظَمُ وَأَكْرَمُ مِنَ الْكَثِيرِ مِنْ خَلْقِهِ وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُ. وَتَلاَفِيكَ مَا فَرَطَ مِنْ


( 273 )
صَمْتِكَ أَيْسَرُ مِنْ إِدْرَاكِكَ مَا فَاتَ مِنْ مَنْطِقِكَ، وَحِفْظُ مَا فِي الْوِعَاءِ بِشَدِّ الْوِكَاءِ، وَحِفْظُ مَا فِي يَدِيْكَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ طَلَبِ مَا فِي يَدَيْ غَيْرِكَ. وَمَرَارَةُ الْيَأْسِ خَيْرٌ مِنَ الطَّلَبِ إِلَى النَّاسِ، وَالْحِرْفَةُ مَعَ الْعِفَّةِ خَيْرٌ مِنَ الْغِنَى مَعَ الْفُجُورِ، وَالْمَرْءُ أَحْفَظُ لِسِرِّهِ، وَرُبَّ سَاع فِيَما يَضُرُّهُ! مَنْ أَكْثَرَ أَهْجَرَ، وَمَنْ تَفَكَّرَ أَبْصَرَ. قَارِنْ أَهْلَ الْخَيْرِ تَكُنْ مِنْهُمْ، وَبَايِنْ أَهْلَ الشَّرِّ تَبِنْ عَنْهُمْ. بِئْسَ الطَّعَامُ الْحَرَامُ! وَظُلْمُ الضّعِيفِ أَفْحَشُ الظُّلْمِ! إِذَا كَانَ الرِّفْقُ خُرْقاً كَانَ الْخُرْقُ رِفْقاً. رُبَّمَا كَانَ الدَّوَاءُ دَاءً، وَالدَّاءُ دَوَاءً. وَرُبَّمَا نَصَحَ غَيْرُ النَّاصِحِ، وَغَشَّ الْمُسْتَنْصَحُ وَإِيَّاكَ وَالاِْتِّكَالَ عَلَى الْمُنَى فَإِنَّهَا بَضَائِعُ النَّوْكَى، وَالْعَقْلُ حِفْظُ التَّجَارِبِ، وَخَيْرُ مَا جَرَّبْتَ مَا وَعَظَكَ.

بَادِرِ الْفُرْصَةَ قَبْلَ أَنْ تَكُونَ غُصَّةً. لَيْسَ كُلُّ طَالِب يُصِيبُ، وَلاَ كُلُّ غَائِب يَؤُوبُ. وَمِنَ الْفَسَادِ (المفسدة) إِضَاعَةُ الزَّادِ، وَمَفْسَدَةُ الْمَعَادِ. وَلِكُلِّ أَمْر عَاقِبَةٌ، سَوْفَ يَأْتِيكَ مَا قُدِّرَ لَكَ. التَّاجِرُ مُخِاطِرٌ، وَرُبَّ يَسِير أَنْمَى مِنْ كَثِير! لاَ خَيْرَ فِي مُعِين مَهِين، وَلاَ فِي صَدِيق ظَنِين. سَاهِلِ الدَّهْرَ مَا ذَلَّ لَكَ قَعُودُهُ، وَلاَ تُخَاطِرْ بِشَيْء رَجَاءَ أَكْثَرَ مِنْهُ، وَإِيَّاكَ أَنْ تَجْمَحَ بِكَ مَطِيَّةُ اللَّجَاجِ.

15 . حقوق الأصدقاء

احْمِلْ نَفْسَكَ مِنْ أَخِيكَ عِنْدَ صَرْمِهِ عَلَى الصِّلَةِ، وَعِنْدَ صُدُودِهِ عَلَى اللَّطَفِ وَالْمُقَارَبَةِ، وَعِنْدَ جُمُودِهِ عَلَى الْبَذْلِ، وَعِنْدَ تَبَاعُدِهِ عَلَى الدُّنُوِّ، وَعِنْدَ شِدَّتِهِ عَلَى اللِّينِ، وَعِنْدَ جُرْمِهِ عَلَى الْعُذْرِ، حَتَّى كَأَنَّكَ لَهُ عَبْدٌ، وَكَأَنَّهُ ذُو نِعْمَة عَلَيْكَ. وَإِيَّاكَ أَنْ تَضَعَ ذلِكَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ، أَوْ أَنْ تَفْعَلَهُ بِغَيْرِ أَهْلِهِ. لاَ تَتَّخِذَنَّ عَدُوَّ صَدِيقِكَ صَدِيقاً فَتُعَادِيَ صَدِيقَكَ، وَامْحَضْ أَخَاكَ النَّصِيحَةَ، حَسَنَةً كَانَتْ أَوْ قَبِيحَةً، وَتَجَرَّعِ الْغَيْظَ فَإِنِّي لَمْ أَرَ جُرْعَةً أَحْلَى مِنْهَا عَاقِبَةً، وَلاَ أَلَذَّ مَغَبَّةً. وَلِنْ لِمَنْ غَالَظَكَ، فَإِنَّهُ يُوشِكُ أَنْ يَلِينَ لَكَ، وَخُذْ عَلَى عَدُوِّكَ بِالْفَضْلِ فَإِنَّهُ أَحْلَى (احد) الظَّفَرَيْنِ. وَإِنْ أَرَدْتَ قَطِيعَةَ أَخِيكَ فَاسْتَبْقِ لَهُ مِنْ نَفْسِكَ بَقِيَّةً يَرْجِعُ إِلَيْهَا إِنْ بَدَا لَهُ ذلِكَ يَوْماً مَّا، وَمَنْ ظَنَّ بِكَ خَيْراً فَصَدِّقْ ظَنَّهُ، وَلاَ تُضِيعَنَّ حَقَّ أَخِيكَ اتِّكَالا عَلَى مَا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكَ بِأَخ مَنْ أَضَعْتَ حَقَّهُ. وَلاَ يَكُنْ أَهْلُكَ أَشْقَى الْخَلْقِ بِكَ، وَلاَ


( 274 )
تَرْغَبَنَّ فِيمَنْ زَهِدَ عَنْكَ، وَلاَ يَكُونَنَّ أَخُوكَ أَقْوَى عَلَى قَطِيعَتِكَ مِنْكَ عَلَى صِلَتِهِ، وَلاَ تَكُونَنَّ عَلَى الاِْسَاءَةِ أَقْوَى مِنْكَ عَلَى الاِْحْسَانِ. وَلاَ يَكْبُرَنَّ عَلَيْكَ ظُلْمُ مَنْ ظَلَمَكَ، فَإِنِّهُ يَسْعَى فِي مَضَرَّتِهِ وَنَفْعِكَ، وَلَيْسَ جَزَاءُ مَنْ سَرَّكَ أَنْ تَسُوءَهُ.

16 . القيّم الاخلاقيّة

وَاعْلَمْ يَا بُنَيَّ أَنَّ الرِّزْقَ رِزْقَانِ: رِزْقٌ تَطْلُبُهُ، وَرِزْقٌ يَطْلُبُكَ، فَإِنْ أَنْتَ لَمْ تَأْتِهِ أَتَاكَ. مَا أَقْبَحَ الْخُضُوعَ عِنْدَ الْحَاجَةِ، وَالْجَفَاءَ عِنْدَ الْغِنَى! إِنَّمَا لَكَ مِنْ دُنْيَاكَ، مَا أَصْلَحْتَ بِهِ مَثْوَاكَ، وَإِنْ كُنْتَ جَازِعاً (جزعت) عَلَى مَا تَفَلَّتَ مِنْ يَدَيْكَ، فَاجْزَعْ عَلَى كُلِّ مَا لَمْ يَصِلْ إِلَيْكَ. اسْتَدِلَّ عَلَى مَا لَمْ يَكُنْ بِمَا قَدْ كَانَ، فَإِنَّ الاُْمُورَ أَشْبَاهٌ; وَلاَ تَكُونَنَّ مِمَّنْ لاَ تَنْفَعُهُ الْعِظَةُ إِلاَّ إِذَا بَالَغْتَ فِي إِيلاَمِهِ، فَإِنَّ الْعَاقِلَ يَتَّعِظُ بِالاْدَابِ، وَ الْبَهَائِمَ (والجاهل) لاَ تَتَّعِظُ إِلاَّ بِالضَّرْبِ. اطْرَحْ عَنْكَ وَارِدَاتِ الْهُمُومِ (الامور) بِعَزَائِمِ الصَّبْرِ وَحُسْنِ الْيَقِينِ. مَنْ تَرَكَ الْقَصْدَ جَارَ، وَالصَّاحِبُ مُنَاسِبٌ، وَالصَّدِيقُ مَنْ صَدَقَ غَيْبُهُ، وَالْهَوَى شَرِيكُ الْعَمَى، وَرُبَّ بَعِيد أَقْرَبُ مِنْ قَرِيب، وَقَرِيب أَبْعَدُ مِنْ بَعِيد، وَالْغَرِيبُ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَبِيبٌ. مَنْ تَعَدَّى الْحَقَّ ضَاقَ مَذْهَبُهُ، وَمَنِ اقْتَصَرَ عَلَى قَدْرِهِ كَانَ أَبْقَى لَهُ. وَأَوْثَقُ سَبَب أَخَذْتَ بِهِ سَبَبٌ بَيْنَكَ وَبَيْنَ اللهِ سُبْحانَهُ. وَمَنْ لَمْ يُبَالِكَ فَهُوَ عَدُوُّكَ. قَدْ يَكُونُ الْيَأْسُ إِدْرَاكاً، إِذَا كَانَ الطَّمَعُ هَلاَكاً. لَيْسَ كُلُّ عَوْرَة تَظْهَرُ، وَلاَ كُلُّ فُرْصَة تُصَابُ، وَرُبَّمَا أَخْطَأَ الْبَصِيرُ قَصْدَهُ، وَأَصَابَ الاَْعْمَى رُشْدَهُ. أَخِّرِ الشَّرَّ فَإِنَّكَ إِذَا شِئْتَ تَعَجَّلْتَهُ، وَقَطِيعَةُ الْجَاهِلِ تَعْدِلُ صِلَةَ الْعَاقِلِ. مَنْ أَمِنَ الزَّمَانَ خَانَهُ، وَمَنْ أَعْظَمَهُ أَهَانَهُ. لَيْسَ كُلُّ مَنْ رَمَى أَصَابَ. إِذَا تَغَيَّرَ السُّلْطَانُ تَغَيَّرَ الزَّمَانُ. سَلْ عَنِ الرَّفِيقِ قَبْلَ الطَّرِيقِ، وَعَنِ الْجَارِ قَبْلَ الدَّارِ. إِيَّاكَ أَنْ تَذْكُرَ مِنَ الْكَلاَمِ مَا يَكُونُ مُضْحِكاً، وَإِنْ حَكَيْتَ ذلِكَ عَنْ غَيْرِكَ.

17 . مكانة المرأة و ثقافة التّقوى

وَإِيَّاكَ وَمُشَاوَرَةَ النِّسَاءِ فَإِنَّ رَأْيَهُنَّ إِلَى أَفْن، وَعَزْمَهُنَّ إِلَى وَهْن. وَاكْفُفْ عَلَيْهِنَّ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ بِحِجَابِكَ إِيَّاهُنَّ، فَإِنَّ شِدَّةَ الْحِجَابِ أَبْقَى عَلَيْهِنَّ، وَلَيْسَ خُرُوجُهُنَّ بِأَشَدَّ مِنْ إِدْخَالِكَ مَنْ لاَ يُوثَقُ بِهِ


( 275 )
عَلَيْهِنَّ، وَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَلاَّ يَعْرِفْنَ غَيْرَكَ فَافْعَلْ. وَلاَ تُمَلِّكَ الْمَرْأَةَ مِنْ أَمْرِهَا مَا جَاوَزَ نَفْسَهَا، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ رَيْحَانَةٌ، وَلَيْسَتْ بِقَهْرَ مَانَة وَلاَ تَعْدُ بِكَرَامَتِهَا نَفْسَهَا، وَلاَ تُطْمِعْهَا فِي أَنْ تَشْفَعَ لِغَيْرِهَا. وَإِيَّاكَ وَالتَّغَايُرَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ غَيْرَة، فَإِنَّ ذلِكَ يَدْعُو الصَّحِيحَةَ إِلَى السَّقَمِ، وَالْبَرِيئَةَ إِلَى الرِّيَبِ. وَاجْعَلْ لِكُلِّ إِنْسَان مِنْ خَدَمِكَ عَمَلا تَأْخُذُهُ بِهِ، فَإِنَّهُ أَحْرَى أَلاَّ يَتَوَاكَلُوا فِي خِدْمَتِكَ.

وَأَكْرِمْ عَشِرَتَكَ، فَإِنَّهُمْ جَنَاحُكَ الَّذِي بِهِ تَطِيرُ، وَأَصْلُكَ الَّذِي إِلَيْهِ تَصِيرُ، وَيَدُكَ الَّتِي بِهَا تَصُولُ.

 اسْتَوْدِعِ اللهَ دِينَكَ وَدُنْيَاكَ، وَاسْأَلْهُ خَيْرَ الْقَضَاءِ لَكَ فِي الْعَاجِلَةِ وَالاْجِلَةِ، وَالدُّنْيَا وَالاْخِرَةِ، وَالسَّلام.

32 ـ ومن كتاب له (عليه السلام)

اخلاقي ، سياسي

(إلى معاوية)

فضح السّياسة الاستعمارية لمعاوية

وَأَرْدَيْتَ جِيلا مِنَ النَّاسِ كَثِيراً; خَدَعْتَهُمْ بِغَيِّكَ، وَأَلْقَيْتَهُمْ فِي مَوْجِ بَحْرِكَ، تَغْشَاهُمُ الظُّلُمَاتُ، وَتَتَلاَطَمُ بِهِمُ الشُّبُهَاتُ، فَجَازُوا (جاروا) عَنْ وِجْهَتِهِمْ، وَنَكَصُوا عَلَى أَعْقَابِهِمْ، وَتَوَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ، وَعَوَّلُوا عَلَى أَحْسَابِهِمْ، إِلاَّ مَنْ فَاءَ مِنْ أَهْلِ الْبَصَائِرِ، فَإِنَّهُمْ فَارَقُوكَ بَعْدَ مَعْرِفَتِكَ، وَهَرَبُوا إِلَى اللهِ مِنْ مُوَازَرَتِكَ، إِذْ حَمَلْتَهُمْ عَلَى الصَّعْبِ، وَعَدَلْتَ بِهِمْ عَنِ الْقَصْدِ. فَاتَّقِ اللهَ يَا مُعَاوِيَةُ فِي نَفْسِكَ، وَجَاذِبِ الشَّيْطَانَ قَيَادَكَ، فَإِنَّ الدُّنْيَا مُنْقَطِعَةٌ عَنْكَ، وَالاْخِرَةَ قَرِيبَةٌ مِنْكَ، وَالسَّلاَمُ.