سياسي
(إلى قُثم بن العباس وهو عامله على مكة)أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ عَيْنِي ـ بِالْمَغْرِبِ ـ كَتَبَ إِلَيَّ يُعْلِمُنِي أَنَّهُ وُجِّهَ إِلَى الْمَوْسِمِ أُنَاسٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ الْعُمْيِ الْقُلُوبِ، الصُّمِّ الاَْسْمَاعِ، الْكُمْهِ الاَْبْصَارِ، الَّذِينَ يَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ، وَيُطِيعُونَ الَْمخْلُوقَ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ، وَيَحْتَلِبُونَ الدُّنْيَا دَرَّهَا بِالدِّينِ، وَيَشْتَرُونَ عَاجِلَهَا بِآجِلِ الاَْبْرَارِ الْمُتَّقِينَ; وَلَنْ يَفُوزَ بِالْخَيْرِ إِلاَّ عَامِلُهُ، وَلاَ يُجْزَى جَزَاءَ الشَّرِّ إِلاَّ فَاعِلُهُ. فَأَقِمْ عَلَى مَا فِي يَدَيْكَ قِيَامَ الْحَازِمِ الصَّلِيبِ (المصيب)، وَالنَّاصِحِ اللَّبِيبِ، التَّابِعِ لِسُلْطَانِهِ، الْمُطِيعِ لاِِمَامِهِ. وَإِيَّاكَ وَمَا يُعْتَذَرُ مِنْهُ، وَلاَ تَكُنْ عِنْدَ النَّعْمَاءِ بَطِراً، وَلاَ عِنْدَ الْبَأْسَاءِ فَشِلا، وَالسَّلاَمُ.
إلى محمد بن أبي بكر، لما بلغه توجده من عزله بالأشتر عن مصر، ثم توفي الأشتر في توجهه إلى هناك قبل وصوله إليها
أَمَّا بَعْدُ، فَقَدْ بَلَغَنِي مَوْجِدَتُكَ مِنْ تَسْرِيحِ الاَْشْتَرِ إِلَى عَمَلِكَ، وَإِنِّي لَمْ أَفْعَلْ ذلِكَ اسْتِبْطاءً لَكَ فِي الْجَهْدِ، وَلاَ ازْدِيَاداً لَكَ فِي الْجِدِّ; وَلَوْ نَزَعْتُ مَا تَحْتَ يَدِكَ مِنْ سُلْطَانِكَ، لَوَلَّيْتُكَ مَا هُوَ أَيْسَرُ عَلَيْكَ مَؤُونَةً، وَأَعْجَبُ إِلَيْكَ وِلاَيَةً. إِنَّ الرَّجُلَ الَّذِي كُنْتُ وَلَّيْتُهُ أَمْرَ مِصْرَ كَانَ رَجُلا لَنَا نَاصِحاً، وَعَلَى عَدُوِّنَا شَدِيداً نَاقِماً، فَرَحِمَهُ اللهُ! فَلَقَدِ اسْتَكْمَلَ أَيَّامَهُ، وَلاَقَى حِمَامَهُ، وَنَحْنُ عَنْهُ رَاضُونَ; أَوْلاَهُ اللهُ رِضْوَانَهُ، وَضَاعَفَ الثَّوَابَ لَهُ. فَأَصْحِرْ لِعَدُوِّكَ، وَامْضِ عَلَى بَصِيرَتِكَ، وَشَمِّرْ لِحَرْبِ مَنْ حَارَبَكَ، وَادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ، وَأَكْثِرِ الاِْسْتِعَانَةَ بِاللهِ يَكْفِكَ مَا أَهَمَّكَ، وَيُعِنْكَ عَلَى مَا يُنْزِلُ بِكَ، إِنْ شَاءَ اللهُ.
إلى عبد الله بن العباس، بعد مقتل محمد بن أبي بكر
أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ مِصْرَ قَدِ افْتُتِحَتْ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْر ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ قَدِ اسْتُشْهِدَ، فَعِنْدَ اللهِ نَحْتَسِبُهُ وَلَداً نَاصِحاً (صالحاً)، وَعَامِلا كَادِحاً، وَسَيْفاً قَاطِعاً، وَرُكْناً دَافِعاً. وَقَدْ كُنْتُ حَثَثْتُ النَّاسَ عَلَى لَحَاقِهِ، وَأَمَرْتُهُمْ بِغِيَاثِهِ قَبْلَ الْوَقْعَةِ، وَدَعَوْتُهُمْ سِرّاً وَجَهْراً، وَعَوْداً وَبَدْءً، فَمِنْهُمُ الاْتِي كَارِهاً، وَمِنْهُمُ الْمُعْتَلُّ كَاذِباً، وَمِنْهُمُ الْقَاعِدُ خَاذِلا. أَسْأَلُ اللهَ تَعَالى أَنْ يَجْعَلَ لِي مِنْهُمْ فَرَجاً عَاجِلا; فَوَاللهِ لَوْلاَ طَمَعِي عِنْدَ لِقَائِي عَدُوِّي فِي الشَّهَادَةِ، وَتَوْطِينِي نَفْسِي عَلَى الْمَنِيَّةِ، لاََحْبَبْتُ أَلاَّ أَلْقَى مَعَ هؤُلاَءِ يَوْماً وَاحِداً، وَلاَ أَلْتَقِيَ بِهِمْ أَبَداً.
إلى أخيه عقيل بن أبي طالب، في ذكر جيش أنفذه إلى بعض الأعداء، و هو جواب كتاب كتبه إليه عقيل
فَسَرَّحْتُ إِلَيْهِ جَيْشاً كَثيفاً مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَلَمَّا بَلَغَهُ ذلِكَ شَمَّرَ هَارِباً، وَنَكَصَ نَادِماً، فَلَحِقُوهُ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ، وَقَدْ طَفَّلَتِ الشَّمْسُ لِلاِْيَابِ، فَاقْتَتَلُوا شَيْئاً كَلاَ وَلاَ، فَمَا كَانَ إِلاَّ كَمَوْقِفِ سَاعَة حَتَّى نَجَا جَرِيضاً بَعْدَمَا أُخِذَ مِنْهُ بِالُْمخَنَّقِ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُ غَيْرُ الرَّمَقِ، فَلاَْياً بِلاَْي مَا نَجَا. فَدَعْ عَنْكَ قُرَيْشاً وَتَرْكَاضَهُمْ فِي الضَّلاَلِ، وَتَجْوَالَهُمْ فِي الشِّقَاقِ، وَجِمَاحَهُمْ فِى التِّيهِ، فَإِنَّهُمْ قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى حَرْبِي كَإِجْمَاعِهِمْ عَلَى حَرْبِ رَسُولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) قَبْلِي فَجَزَتْ قُرَيْشاً عَنِّي الْجَوَازِي! فَقَدْ قَطَعُوا رَحِمِي،
وَأَمَّا مَا سَأَلْتَ عَنْهُ مِنْ رَأْيِي فِي الْقِتَالِ، فَإِنَّ رَأْيِي قِتَالُ الُْمحِلِّينَ حَتَّى أَلْقَى اللهَ; لاَ يَزِيدُنِي كَثْرَةُ النَّاسِ حَوْلِي عِزَّةً، وَلاَ تَفَرُّقُهُمْ عَنِّي وَحْشَةً، وَلاَ تَحْسَبَنَّ ابْنَ أَبِيكَ ـ وَلَوْ أَسْلَمَهُ النَّاسُ ـ مُتَضَرِّعاً مُتَخَشِّعاً، وَلاَ مُقِرّاً لِلضَّيْمِ وَاهِناً، وَلاَ سَلِسَ الزِّمَامِ لِلْقَائِدِ، وَلاَ وَطِيءَ الظَّهْرِ لِلرَّاكِبِ الْمُتَقَعِّدِ، وَلكِنَّهُ كَمَا قَالَ أَخُو بَنِي سَلِيم:
يَعِزُّ عَلَيَّ أَنْ تُرَى بِي كَآبَةٌ *** فَيَشْمَتَ عَاد أَوْ يُسَاءَ حَبِيبُ
سياسي
(إلى معاوية)فَسُبْحَانَ اللهِ! مَا أَشَدَّ لُزُومَكَ لِلاَْهْوَاءِ الْمُبْتَدَعَةِ، وَالْحَيْرَةِ الْمُتَّبَعَةِ، مَعَ تَضْيِيعِ الْحَقَائِقِ وَاطِّرَاحِ الْوَثَائِقِ، الَّتِي هِيَ لِلّهِ طِلْبَةٌ، وَعَلَى عِبَادِهِ حُجَّةٌ. فَأَمَّا إِكْثَارُكَ الْحِجَاجَ عَلَى عُثَْمانَ وَقَتَلَتِهِ. فَإِنَّكَ إِنَّمَا نَصَرْتَ عُثَْمانَ حَيْثُ كَانَ النَّصْرُ لَكَ، وَخَذَلْتَهُ حَيْثُ كَانَ النَّصْرُ لَهُ، وَالسَّلام.
سياسي
(إلى أهل مصر، لما ولى عليهم الأشتر)مِنْ عَبْدِ اللهِ عَلِيٍّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ غَضِبُوا للهِ حِينَ عُصِيَ فِي أَرْضِهِ، وَذُهِبَ بِحَقِّهِ، فَضَرَبَ الْجَوْرُ سُرَادِقَهُ عَلَى الْبَرِّ وَالْفَاجِرِ، وَالْمُقِيمِ وَالظَّاعِنِ، فَلاَ مَعْرُوفٌ يُسْتَرَاحُ إِلَيْهِ; وَلاَ مُنْكَرٌ يُتَنَاهَى عَنْهُ. أَمَّا بَعْدُ، فَقَدْ بَعَثْتُ إِلَيْكُمْ عَبْداً مِنْ عِبَادِ اللهِ، لاَ يَنَامُ أَيَّامَ الْخَوْفِ، وَلاَ يَنْكُلُ عَنِ الاَْعْدَاءِ سَاعَاتِ الرَّوْعِ، أَشَدَّ عَلَى الْفُجَّارِ مِنْ حَرِيقِ النَّارِ، وَهُوَ مَالِكُ بْنُ الْحَارِثِ أَخُو مَذْحِج، فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا أَمْرَهُ فِيَما طَابَقَ الْحَقَّ، فَإِنَّهُ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللهِ، لاَ كَلِيلُ الظُّبَةِ، وَلاَ نَابِي الضَّرِيبَةِ: فَإِنْ أَمَرَكُمْ أَنْ تَنْفِرُوا فَانْفِرُوا، وَإِنْ أَمَرَكُمْ أَنْ تُقِيمُوا فَأَقِيمُوا، فَإِنَّهُ لاَ يُقْدِمُ وَلاَ يُحْجِمُ، وَلاَ يُؤَخِّرُ وَلاَ يُقَدِّمُ إِلاَّ عَنْ أَمْرِي. وَقَدْ آثَرْتُكُمْ بِهِ عَلَى نَفْسِي لِنَصِيحَتِهِ لَكُمْ، وَشِدَّةِ شَكِيمَتِهِ عَلَى عَدُوِّكُمْ.
سياسي
(إلى عمرو بن العاص)فَإِنَّكَ قَدْ جَعَلْتَ دِينَكَ تَبْعاً لِدُنْيَا امْرِئ ظَاهِر غَيُّهُ، مَهْتُوك سِتْرُهُ، يَشِينُ الْكَرِيمَ بِمَجْلِسِهِ، وَيُسَفِّهُ الْحَلِيمَ بِخِلْطَتِهِ، فَاتَّبَعْتَ أَثَرَهُ، وَطَلَبْتَ فَضْلَهُ، اتِّبَاعَ الْكَلْبِ لِلضِّرْغَامِ يَلُوذُ بِمَخَالِبِهِ، وَيَنْتَظِرُ مَا يُلْقَى إِلَيْهِ مِنْ فَضْلِ فَرِيسَتِهِ، فَأَذْهَبْتَ دُنْيَاكَ وَآخِرَتَكَ! وَلَوْ بِالْحَقِّ أَخَذْتَ أَدْرَكْتَ مَا طَلَبْتَ. فَإِنْ يُمَكِّنِّي اللهُ مِنْكَ وَمِنِ ابْنِ أَبِي سُفْيَانَ أَجْزِكُمَا بِمَا قَدَّمْتَُما، وَإِنْ تُعْجِزَا وَتَبْقَيَا فَمَا أَمَامَكُمَا شَرٌّ لَكُمَا، وَالسَّلاَمُ.
سياسي
(إلى بعض عماله)أَمَّا بَعْدُ، فَقَدْ بَلَغَنِي عَنْكَ أَمْرٌ، إِنْ كُنْتَ فَعَلْتَهُ فَقَدْ أَسْخَطْتَ رَبَّكَ، وَعَصَيْتَ إِمَامَكَ، وَأَخْزَيْتَ (اخربت) أَمَانَتَكَ. بَلَغَنِي أَنَّكَ جَرَّدْتَ الاَْرْضَ فَأَخَذْتَ مَا تَحْتَ قَدَمَيْكَ، وَأَكَلْتَ مَا تَحْتَ يَدَيْكَ، فَارْفَعْ إِلَيَّ حِسَابَكَ، وَاعْلَمْ أَنَّ حِسَابَ اللهِ أَعْظَمُ مِنْ حِسَابِ النَّاسِ. وَالسَّلام.
سياسي ، اقتصادي
(إلى بعض عماله)أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي كُنْتُ أَشْرَكْتُكَ فِي أَمَانَتِي، وَجَعَلْتُكَ شِعَارِي وَبِطَانَتِي، وَلَمْ يَكُنْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِي أَوْثَقَ مِنْكَ فِي نَفْسِي لِمُوَاسَاتِي وَمُوَازَرَتِي وَأَدَاءِ الاَْمَانَةِ إِلَيَّ; فَلَمَّا رَأَيْتَ الزَّمَانَ عَلَى ابْنِ عَمِّكَ قَدْ كَلِبَ، وَالْعَدُ وَّقَدْ حَرِبَ، وَأَمَانَةَ النَّاسِ قَدْ خَزِيَتْ (خربت)، وَهذِهِ الاُْمَّةَ قَدْ فَنَكَتْ وَشَغَرَتْ، قَلَبْتَ لاِبْنِ عَمِّكَ ظَهْرَ الِْمجَنِّ فَفَارَقْتَهُ مَعَ الْمُفَارِقِينَ، وَخَذَلْتَهُ مَعَ الْخَاذِلِينَ، وَخُنْتَهُ مَعَ الْخَائِنِينَ، فَلاَ ابْنَ عَمِّكَ آسَيْتَ، وَلاَ الاَْمَانَةَ أَدَّيْتَ. وَكَأَنَّكَ لَمْ تَكُنِ اللهَ تُرِيدُ (اردت) بِجِهَادِكَ، وَكَأَنَّكَ لَمْ تَكُنْ عَلَى بَيِّنَة مِنْ رَبِّكَ، وَكَأَنَّكَ إِنَّمَا كُنْتَ تَكِيدُ هذِهِ الاُْمَّةَ عَنْ دُنْيَاهُمْ، وَتَنْوِي غِرَّتَهُمْ عَنْ فَيْئِهِمْ، فَلَمَّا أَمْكَنَتْكَ الشِّدَّةُ فِي خِيَانَةِ الاُْمَّةِ أَسْرَعْتَ الْكَرَّةَ، وَعَاجَلْتَ الْوَثْبَةَ، وَاخْتَطَفْتَ مَا قَدَرْتَ عَلَيْهِ مِنْ أَمْوَالِهِمُ الْمَصُونَةِ لاَِرَامِلِهِمْ وَأَيْتَامِهِمُ اخْتِطَافَ الذِّئْبِ الاَْزَلِّ دَامِيَةَ الْمِعْزَى الْكَسِيرَةِ، فَحَمَلَتْهُ إِلَى الحِجَازِ رَحِيبَ الصَّدْرِ بِحَمْلِهِ، غَيْرَ مُتَأَثِّم مِنْ أَخْذِهِ.
كَأَنَّكَ لاَ أَبَا لِغَيْرِكَ! حَدَرْتَ إِلَى أَهْلِكَ تُرَاثَكَ مِنْ أَبِيكَ وَأُمِّكَ. فَسُبْحَانَ اللهِ! أَمَا تُؤْمِنُ بِالْمَعَادِ؟ أَوَ مَا تَخَافُ نِقَاشَ الْحِسَابِ؟! أَيُّهَا الْمَعْدُودُ ـ كَانَ ـ عِنْدَنَا مِنْ أُولِي الاَْلْبَابِ، كَيْفَ تُسِيغُ شَرَاباً وَطَعَاماً، وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّكَ تَأْكُلُ حَرَاماً، وَ تَشْرَبُ حَرَاماً، وَتَبْتَاعُ الاِْمَاءَ وَتَنْكِحُ النِّسَاءَ مِنْ أَمْوَالِ الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالُْمجَاهِدِينَ، الَّذِينَ أَفَاءَ اللهُ عَلَيْهِمْ هذِهِ الاَْمْوَالَ، وَ أَحْرَزَ بِهِمْ هذِهِ الْبِلاَدَ!
فَاتَّقِ اللهَ وَارْدُدْ إِلَى هؤُلاَءِ الْقَوْمِ أَمْوَالَهُمْ، فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ ثُمَّ أَمْكَنَنِي اللهُ مِنْكَ لاَُعْذِرَنَّ إِلَى اللهِ فِيكَ، وَلاََضْرِبَنَّكَ بِسَيْفِي الَّذِي مَا ضَرَبْتُ بِهِ أَحَداً إِلاَّ دَخَلَ النَّارَ! وَوَاللهِ لَوْ أَنَّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ فَعَلاَ مِثْلَ الَّذِي فَعَلْتَ، مَا كَانَتْ لَهُمَا عِنْدِي هَوَادَةٌ، وَلاَ ظَفِرَا مِنِّي بِإِرَادَة، حَتَّى آخُذَ الْحَقَّ مِنْهُمَا، وَأُزِيحَ الْبَاطِلَ عَنْ مَظْلَمَتِهِمَا، وَأُقْسِمُ بِاللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ مَا يَسُرُّنِي أَنَّ مَا أَخَذْتَهُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ حَلاَلٌ لِي، أَتْرُكُهُ مِيرَاثاً لِمَنْ بَعْدِي; فَضَحِّ رُوَيْداً، فَكَأَنَّكَ قَدْ بَلَغْتَ الْمَدَى، وَدُفِنْتَ تَحْتَ الثَّرَى، وَعُرِضَتْ عَلَيْكَ أَعْمَالُكَ بِالَْمحَلِّ الَّذِي يُنَادِي الظَّالِمُ فِيهِ بِالْحَسْرَةِ، وَيَتَمَنَّى الْمُضَيِّعُ فِيهِ الرَّجْعَةَ، (وَلاَتَ حِينَ مَنَاصِ).(1)
إلى عمر بن أبي سلمة المخزومي، وكان عامله على البحرين، فعزله، و استعمل نعمان بن عجلان الزّرقي مكانه
ــــــــــــــــــــــــــــأَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي قَدْ وَلَّيْتُ نُعْمَانَ بْنَ عَجْلاَنَ الزُّرَقِيَّ عَلَى الْبَحْرَيْنِ، وَنَزَعْتُ يَدَكَ بِلاَ ذَمٍّ لَكَ، وَلاَ تَثْرِيب عَلَيْكَ; فَلَقَدْ أَحْسَنْتَ الْوِلاَيَةَ، وَأَدَّيْتَ الاَْمَانَةَ، فَأَقْبِلْ غَيْرَ ظَنِين، وَلاَ مَلُوم، وَلاَ مُتَّهَم، وَلاَ مَأْثُوم. فَلَقَدْ أَرَدْتُ الْمَسِيرَ إِلَى ظَلَمَةِ أَهْلِ الشَّامِ، وَأَحْبَبْتُ أَنْ تَشْهَدَ مَعِي، فَإِنَّكَ مِمَّنْ أَسْتَظْهِرُ بِهِ عَلَى جِهَادِ الْعَدُوِّ، وَإِقَامَةِ عَمُودِ الدِّينِ، إِنْ شَاءَ اللهُ.
إلى مصقلة بن هبيرة الشيباني، وهو عامله على أردشير خُرّة
بَلَغَنِي عَنْكَ أَمْرٌ إِنْ كُنْتَ فَعَلْتَهُ فَقَدْ أَسْخَطْتَ إِلهَكَ، وَعَصَيْتَ إِمَامَكَ: أَنَّكَ تَقْسِمُ فَيْءَ الْمُسْلِمِينَ الَّذِي حَازَتْهُ رِمَاحُهُمْ وَخُيُولُهُمْ، وَأُرِيقَتْ عَلَيْهِ دِمَاؤُهُمْ، فِيمَنِ اعْتَامَكَ مِنْ أَعْرَابِ قَوْمِكَ. فَوَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ، وَبَرَأَ النَّسَمَةَ، لَئِنْ كَانَ ذلِكَ حَقّاً لَتَجِدَنَّ لَكَ عَلَيَّ هَوَاناً، وَلَتَخِفَّنَّ عِنْدِي مِيزَاناً، فَلاَ تَسْتَهِنْ بِحَقِّ رَبِّكَ، وَلاَ تُصْلِحْ دُنْيَاكَ بِمَحْقِ دِينِكَ، فَتَكُونَ مِنَ الاَْخْسَرِينَ أَعْمَالا. أَلاَّ وَإِنَّ حَقَّ مَنْ قِبَلَكَ وَقِبَلَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي قِسْمَةِ هذَا الْفَيْءِ سَوَاءٌ: يَرِدُونَ عِنْدِي عَلَيْهِ، وَيَصْدُرُونَ عَنْهُ.
إلى زياد بن أبيه، و قد بلغه أن معاوية كتب إليه يريد خديعته باستلحاقه
وَقَدْ عَرَفْتُ أَنَّ مُعَاوِيَةَ كَتَبَ إِلَيْكَ يَسْتَزِلُّ لُبَّكَ، وَيَسْتَفِلُّ غَرْبَكَ، فَاحْذَرْهُ، فَإِنَّمَا هُوَ الشَّيْطَانُ:
يَأْتِي الْمَرْءَ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ، وَعَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ، لِيَقْتَحِمَ غَفْلَتَهُ، وَيَسْتَلِبَ غِرَّتَهُ. وَقَدْ كَانَ مِنْ أَبِي سُفْيَانَ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَلْتَةٌ مِنْ حَدِيثِ النَّفْسِ، وَنَزْغَةٌ مِنْ نَزَغَاتِ الشَّيْطَانِ:
لاَ يَثْبُتُ بِهَا نَسَبٌ، وَلاَ يُسْتَحَقُّ بِهَا إِرْثٌ، وَالْمُتَعَلِّقُ بِهَا كَالْوَاغِلِ الْمُدَفَّعِ، وَالنَّوْطِ الْمُذَبْذَبِ.
فلما قرأ زياد الكتاب قال: شهد بها ور بّ الكعبة، ولم تزل في نفسه حتى ادّعاه معاوية. قوله(عليه السلام): «الوَاغِلُ»: هو الذي يهجم على الشرْب ليشرب معهم، وليس منهم، فلايزال مدفّعاً محاجزاً. و«النّوْط المُذَبْذَبُ»: هو ما يناط برحل الراكب من قعب أو قدح أو ما أشبه ذلك، فهو أبداً يتقلقل إذا حث ظهره و استعجل سيره.
إلى عثمان بن حنيف الأنصاري ـ وكان عامله على البصرة وقد بلغه أنه دعي إلى وليمة قوم من أهلها، فمضى إليها ـ قوله:
أَمَّا بَعْدُ، يَابْنَ حُنَيْف! فَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ رَجُلا مِنْ فِتْيَةِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ دَعَاكَ إِلَى مَأْدُبَة فَأَسْرَعْتَ إِلَيْهَا تُسْتَطَابُ لَكَ الاَْلْوَانُ، وَتُنْقَلُ إِلَيْكَ الْجِفَانُ. وَمَا ظَنَنْتُ أَنَّكَ تُجِيبُ إِلَى طَعَامِ قَوْم، عَائِلُهُمْ مَجْفُوٌّ، وَغَنِيُّهُمْ مَدْعُوٌّ. فَانْظُرْ إِلَى مَا تَقْضَمُهُ مِنْ هذَا الْمَقْضَمِ، فَمَا اشْتَبَهَ عَلَيْكَ عِلْمُهُ فَالْفِظْهُ، وَمَا أَيْقَنْتَ بِطِيبِ وُجُوهِهِ فَنَلْ مِنْهُ.
أَلاَ وَإِنَّ لِكُلِّ مَأْمُوم إِمَاماً، يَقْتَدِي بِهِ وَيَسْتَضِيءُ بِنُورِ عِلْمِهِ; أَلاَ وَإِنَّ إِمَامَكُمْ قَدِ اكْتَفَى مِنْ دُنْيَاهُ
أَأَقْنَعُ مِنْ نَفْسِي بِأَنْ يُقَالَ : هذَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ؟! وَلاَ أُشَارِكُهُمْ فِي مَكَارِهِ الدَّهْرِ، أَوْ أَكُونَ أُسْوَةً لَهُمْ فِي جُشُوبَةِ (خشونة) الْعَيْشِ! فَمَا خُلِقْتُ لِيَشْغَلَنِي أَكْلُ الطَّيِّبَاتِ، كَالْبَهِيمَةِ الْمَرْبُوطَةِ، هَمُّهَا عَلَفُهَا، أَوِ الْمُرْسَلَةِ شُغُلُهَا تَقَمُّمُهَا، تَكْتَرِشُ مِنْ أَعْلاَفِهَا، وَتَلْهُو عَمَّا يُرَادُ بِهَا، أَوْ أُتْرَكَ سُدًى، أَوْ أُهْمَلَ عَابِثاً، أَوْ أَجُرَّ حَبْلَ الضَّلاَلَةِ، أَوْ أَعْتَسِفَ طَرِيقَ الْمَتَاهَةِ! وَكَأَنِّي بِقَائِلِكُمْ يَقُولُ : «إِذَا كَانَ هذَا قُوتُ ابْنِ أَبِي طَالِب، فَقَدْ قَعَدَ بِهِ الضَّعْفُ عَنْ قِتَالِ الاَْقْرَانِ، وَمُنَازَلَةِ الشُّجْعَانِ». أَلاَ وَإِنَّ الشَّجَرَةَ الْبَرِّيَّةَ أَصْلَبُ عُوداً، وَالرَّوَاتِعَ الْخَضِرَةَ أَرَقُّ جُلُوداً، وَالنَّابِتَاتِ العِذْيَةَ أَقْوَى وَقُوداً، وَ أَبْطَأُ خُمُوداً. وَأَنَا مِنْ رَسُولِ اللهِ كَالضَّوْءِ مِنَ
ــــــــــــــــــــــــــــإِلَيْكَ عَنِّي يَا دُنْيَا، فَحَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ، قَدِ انْسَلَلْتُ مِنْ مَخَالِبِكِ، وَأَفْلَتُّ مِنْ حَبَائِلِكِ، وَاجْتَنَبْتُ الذَّهَابَ فِي مَدَاحِضِكِ. أَيْنَ الْقُرُونُ (القوم) الَّذِينَ غَرَرْتِهِمْ بِمَدَاعِبِكِ (مداعيك)! أَيْنَ الاُْمَمُ الَّذِينَ فَتَنْتِهِمْ بِزَخَارِفِكِ! فَهَا هُمْ رَهَائِنُ الْقُبُورِ، وَمَضَامِينُ اللُّحُودِ. وَاللهِ لَوْ كُنْتِ شَخْصاً مَرْئِيّاً، وَقَالَباً حِسِّيّاً (جنيّاً)، لاََقَمْتُ عَلَيْكِ حُدُودَ اللهِ فِي عِبَاد غَرَرْتِهِمْ بِالاَْمَانِي، وَأُمَم أَلْقَيْتِهِمْ فِي الْمَهَاوِي، وَمُلُوك أَسْلَمْتِهِمْ إِلَى التَّلَفِ، وَأَوْرَدْتِهِمْ مَوَارِدَ الْبَلاَءِ، إِذْ لاَ وِرْدَ وَلاَ صَدَرَ! هَيْهَاتَ! مَنْ وَطِئَ دَحْضَكِ زَلِقَ، وَمَنْ رَكِبَ لُجَجَكِ غَرِقَ، وَمَنِ ازْوَرَّ عَنْ حَبَائِلِكِ وُفِّقَ، وَالسَّالِمُ مِنْكِ لاَ يُبَالِي إِنْ ضَاقَ بِهِ مُنَاخُهُ، وَالدُّنْيَا عِنْدَهُ كَيَوْم حَانَ انْسِلاَخُهُ. اِعْزُبِي عَنِّي! فَوَاللهِ لاَ أَذِلُّ لَكِ فَتَسْتَذِلِّينِي، وَلاَ أَسْلَسُ لَكِ فَتَقُودِينِي. وَايْمُ اللهِ ـ يَمِيناً أَسْتَثْنِي فِيهَا بِمَشِيئَةِ اللهِ ـ لاََرُوضَنَّ نَفْسِي رِيَاضَةً تَهِشُّ مَعَهَا إِلَى الْقُرْصِ إِذَا قَدَرْتُ عَلَيْهِ مَطْعُوماً، وَتَقْنَعُ بِالْمِلْحِ مَأْدُوماً; وَلاََدَعَنَّ مُقْلَتِي كَعَيْنِ مَاء، نَضَبَ مَعِينُهَا، مُسْتَفْرِغَةً دُمُوعَهَا (عيونها). أَتَمْتَلِئُ السَّائِمَةُ مِنْ رِعْيِهَا فَتَبْرُكَ؟ وَتَشْبَعُ الرَّبِيضَةُ مِنْ عُشْبِهَا فَتَرْبِضَ؟ وَيَأْكُلُ عَلِيٌّ مِنْ زَادِهِ فَيَهْجَعَ! قَرَّتْ إِذاً عَيْنُهُ إِذَا اقْتَدَى بَعْدَ السِّنِينَ الْمُتَطَاوِلَةِ بِالْبَهِيمَةِ الْهَامِلَةِ، وَالسَّائِمَةِ الْمَرْعِيَّةِ! طُوبَى لِنَفْس أَدَّتْ إِلَى رَبِّهَا فَرْضَهَا، وَعَرَكَتْ بِجَنْبِهَا بُؤْسَهَا، وَهَجَرَتْ فِي اللَّيْلِ غُمْضَهَا، حَتَّى إِذَا غَلَبَ الْكَرَى عَلَيْهَا افْتَرَشَتْ أَرْضَهَا، وَتَوَسَّدَتْ كَفَّهَا، فِي مَعْشَر أَسْهَرَ عُيُونَهُمْ خَوْفُ مَعَادِهِمْ، وَتَجَافَتْ عَنْ مَضَاجِعِهِمْ جُنُوبُهُمْ، وَهَمْهَمَتْ بِذِكْرِ رَبِّهِمْ شِفَاهُهُمْ، وَتَقَشَّعَتْ بِطُولِ اسْتِغْفَارِهِمْ ذُنُوبُهُمْ. (أُولئِكَ حِزْبُ اللهِ، أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).(1) فَاتَّقِ اللهَ يَا بْنَ حُنَيْف، وَلْتَكْفُفْ أَقْرَاصُكَ، لِيَكُونَ مِنَ النَّارِ خَلاَصُكَ.
ــــــــــــــــــــــــــــإلى بعض عماله
أمَّا بَعْدُ، فَإِنَّكَ مِمَّنْ أَسْتَظْهِرُ بِهِ عَلَى إِقَامَةِ الدِّينِ، وَأَقْمَعُ بِهِ نَخْوَةَ الاَْثِيمِ، وَأَسُدُّ بِهِ لَهَاةَ الثَّغْرِ الَْمخُوفِ. فَاسْتَعِنْ بِاللهِ عَلَى مَا أَهَمَّكَ، وَاخْلِطِ الشِّدَّةَ بِضِغْث مِنَ اللِّينِ، وَارْفُقْ مَا كَانَ الرِّفْقُ أَرْفَقَ (اوفق)، وَاعْتَزِمْ بِالشِّدَّةِ حِينَ لاَ تُغْنِي عَنْكَ إِلاَّ الشِّدَّةُ. وَاخْفِضْ لِلرَّعِيَّةِ جَنَاحَكَ، وَابْسُطْ لَهُمْ وَجْهَكَ، وَأَلِنْ لَهُمْ جَانِبَكَ، وَآسِ بَيْنَهُمْ فِي اللَّحْظَةِ وَالنَّظْرَةِ، وَالاِْشَارَةِ وَالتَّحِيَّةِ، حَتَّى لاَ يَطْمَعَ الْعُظَمَاءُ فِي حَيْفِكَ، وَلاَ يَيْأَسَ الضُّعَفَاءُ مِنْ عَدْلِكَ، وَالسَّلام.
للحسن والحسين(عليهما السلام) لما ضربه ابن ملجم لعنه الله
أُوصِيكُمَا بِتَقْوَى اللهِ، وَأَلاَّ تَبْغِيَا الدُّنْيَا وَإِنْ بَغَتْكُمَا، وَلاَ تَأْسَفَا عَلَى شَيْء مِنْهَا زُوِيَ عَنْكُمَا، وَقُولاَ بِالْحَقِّ، وَاعْمَلاَ لِلاَْجْرِ (للآخرة)، وَكُونَا لِلظَّالِمِ خَصْماً، وَلِلْمَظْلُومِ عَوْناً. أُوصِيكُمَا، وَجَمِيعَ وَلَدِي وَأَهْلِي وَمَنْ بَلَغَهُ كِتَابِي، بِتَقْوَى اللهِ، وَنَظْمِ أَمْرِكُمْ، وَصَلاَحِ ذَاتِ بَيْنِكُمْ، فَإِنِّي سَمِعْتُ جَدَّكُمَا (صلى الله عليه وآله وسلم)يَقُولُ: «صَلاَحُ ذَاتِ الْبَيْنِ أَفْضَلُ مِنْ عَامَّةِ الصَّلاَةِ وَالصِّيَامِ». اللهَ اللهَ فِي الاَْيْتَامِ، فَلاَ تُغِبُّوا أَفْوَاهَهُمْ، وَلاَ يَضِيعُوا بِحَضْرَتِكُمْ وَاللهَ اللهَ فِي جِيرَانِكُمْ، فَإِنَّهُمْ وَصِيَّةُ نَبِيِّكُمْ. مَا زَالَ يُوصِي بِهِمْ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُمْ. وَاللهَ اللهَ فِي الْقُرْآنِ، لاَ يَسْبِقُكُمْ بِالْعَمَلِ بِهِ غَيْرُكُمْ. وَاللهَ اللهَ فِي الصَّلاَةِ، فَإِنَّهَا عَمُودُ دِينِكُمْ. وَاللهَ اللهَ فِي بَيْتِ رَبِّكُمْ، لاَ تُخَلُّوهُ مَا بَقِيتُمْ، فَإِنَّهُ إِنْ تُرِكَ لَمْ تُنَاظَرُوا. وَاللهَ اللهَ فِي الْجِهَادِ بِأَمْوَالِكُمْ
يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، لاَ أُلْفِيَنَّكُمْ تَخُوضُونَ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ خَوْضاً، تَقُولُونَ: «قُتِلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ».
أَلاَ لاَ تَقْتُلُنَّ بِي إِلاَّ قَاتِلِي. انْظُرُوا إِذَا أَنَا مِتُّ مِنْ ضَرْبَتِهِ هذِهِ، فَاضْرِبُوهُ ضَرْبَةً بِضَرْبَة، وَلاَ تُمَثِّلُوا بِالرَّجُلِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ(صلى الله عليه وآله وسلم)يَقُولُ: «إِيَّاكُمْ وَالْمُثْلَةَ وَلَوْ بِالْكَلْبِ الْعَقُورِ».
اخلاقي ، سياسي
(إلى معاوية)وَإِنَّ الْبَغْيَ وَالزُّورَ يُوتِغَانِ (يذيعان) الْمَرْءَ فِي دِينِهِ وَدُنْيَاهُ، وَيُبْدِيَانِ خَلَلَهُ عِنْدَ مَنْ يَعِيبُهُ، وَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّكَ غَيْرُ مُدْرِك مَا قُضِيَ فَوَاتُهُ، وَقَدْ رَامَ أَقْوَامٌ أَمْراً بِغَيْرِ الْحَقِّ فَتَأَلَّوْا عَلَى اللهِ فَأَكْذَبَهُمْ، فَاحْذَرْ يَوْماً يَغْتَبِطُ فِيهِ مَنْ أَحْمَدَ عَاقِبَةَ عَمَلِهِ، وَيَنْدَمُ مَنْ أَمْكَنَ الشَّيْطَانَ مِنْ قِيَادِهِ فَلَمْ يُجَاذِبْهُ. وَقَدْ دَعَوْتَنَا إِلَى حُكْمِ الْقُرْآنِ وَلَسْتَ مِنْ أَهْلِهِ، وَلَسْنَا إِيَّاكَ أَجَبْنَا، وَلكِنَّا أَجَبْنَا الْقُرْآنَ فِي حُكْمِهِ، وَالسَّلام.
إلى معاوية أيضاً
أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ الدُّنْيَا مَشْغَلَةٌ عَنْ غَيْرِهَا، وَلَمْ يُصِبْ صَاحِبُهَا مِنْهَا شَيْئاً إِلاَّ فَتَحَتْ لَهُ حِرْصاً عَلَيْهَا، وَلَهَجاً بِهَا، وَلَنْ يَسْتَغْنِيَ صَاحِبُهَا بِمَا نَالَ فِيهَا عَمَّا لَمْ يَبْلُغْهُ مِنْهَا، وَمِنْ وَرَاءِ ذلِكَ فِرَاقُ مَا جَمَعَ، وَنَقْضُ مَا أَبْرَمَ! وَلَوِ اعْتَبَرْتَ بِمَا مَضَى حَفِظْتَ مَا بَقِيَ، وَالسَّلاَمُ.
عسكري ، سياسي
(إلى أمرائه على الجيش)مِنْ عَبْدِ اللهِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِب أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى أَصْحَابِ الْمَسَالِحِ : أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ حَقّاً عَلَى الْوَالِي أَلاَّ يُغَيِّرَهُ عَلَى رَعِيَّتِهِ فَضْلٌ نَالَهُ، وَلاَ طَوْلٌ خُصَّ بِهِ، وَأَنْ يَزِيدَهُ مَا قَسَمَ اللهُ لَهُ مِنْ نِعَمِهِ دُنُوّاً مِنْ عِبَادِهِ; وَعَطْفاً عَلَى إِخْوَانِهِ.
أَلاَ وَإِنَّ لَكُمْ عِنْدِي أَلاَّ أَحْتَجِزَ (احتجن) دُونَكُمْ سِرّاً إِلاَّ فِي حَرْب، وَلاَ أَطْوِيَ دُونَكُمْ أَمْراً إِلاَّ فِي حُكْم، وَلاَ أُؤَخِّرَ لَكُمْ حَقّاً عَنْ مَحَلِّهِ، وَلاَ أَقِفَ بِهِ دُونَ مَقْطَعِهِ، وَأَنْ تَكُونُوا عِنْدِي فِي الْحَقِّ سَوَاءً. فَإِذَا فَعَلْتُ ذلِكَ وَجَبَتْ لِلّهِ عَلَيْكُمُ النِّعْمَةُ، وَلِي عَلَيْكُمُ الطَّاعَةُ; وَأَلاَّ تَنْكُصُوا عَنْ دَعْوَة، وَلاَ تُفَرِّطُوا فِي صَلاَح، وَأَنْ تَخُوضُوا الْغَمَرَاتِ إِلَى الْحَقِّ، فَإِنْ أَنْتُمْ لَمْ تَسْتَقِيمُوا لِي عَلَى ذلِكَ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَهْوَنَ عَلَيَّ
فَخُذُوا هذَا مِنْ أُمَرَائِكُمْ، وَأَعْطُوهُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ مَا يُصْلِحُ اللهُ بِهِ أَمْرَكُمْ، وَالسَّلاَمُ.
سياسي ، اخلاقي ، اقتصادي
(إلى عماله على الخراج)مِنْ عَبْدِ اللهِ عَلِيٍّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى أَصْحَابِ الْخَرَاجِ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ مَنْ لَمْ يَحْذَرْ مَا هُوَ صَائِرٌ إِلَيْهِ لَمْ يُقَدِّمْ لِنَفْسِهِ مَا يُحْرِزُهَا. وَ اعْلَمُوا أَنَّ مَا كُلِّفْتُمْ بِهِ يَسِيرٌ، وَأَنَّ ثَوَابَهُ كَثِيرٌ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيَما نَهَى اللهُ عَنْهُ مِنَ الْبَغْيِ وَالْعُدْوَانِ عِقَابٌ يُخَافُ لَكَانَ فِي ثَوَابِ اجْتِنَابِهِ مَا لاَ عُذْرَ فِي تَرْكِ طَلَبِهِ.
فَأَنْصِفُوا النَّاسَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ، وَاصْبِرُوا لِحَوَائِجِهِمْ. فَإِنَّكُمْ خُزَّانُ الرَّعِيَّةِ، وَوُكَلاَءُ الاُْمَّةِ، وَسُفَرَاءُ الاَْئِمَّةِ. وَلاَ تُحْشِمُوا (تحسموا ـ تحبسوا) أَحَداً عَنْ حَاجَتِهِ وَلاَ تَحْبِسُوهُ عَنْ طَلِبَتِهِ، وَلاَ تَبِيعُنَّ لِلنَّاسِ فِي الْخَرَاجِ كِسْوَةَ شِتَاء وَلاَ صَيْف، وَلاَ دَابَّةً يَعْتَمِلُونَ عَلَيْهَا، وَلا عَبْداً، وَلا تَضْرِبُنَّ أَحَداً سَوْطاً لِمَكانِ دِرْهَم وَلاَ تَمَسُّنَّ مَالَ أَحَد مِنَ النَّاسِ، مُصَلٍّ وَلاَ مُعَاهَد، إِلاَّ أَنْ تَجِدُوا فَرَساً أَوْ سِلاَحاً يُعْدَى بِهِ عَلَى أَهْلِ الاِْسْلاَمِ، فإِنَّهُ لا يَنْبَغى لِلْمُسْلِمِ أنْ يَدَعَ ذلِكَ في أَيْدِى أَعْدَاءِ الإِسْلامِ فَيَكُونَ شَوْكَةً عَلَيْهِ. وَلاَ تَدَّخِرُوا أَنْفُسَكُمْ نَصِيحَةً، وَلاَ الْجُنْدَ حُسْنَ سِيرَة، وَلاَ الرَّعِيَّةَ مَعُونَةً، وَلاَ دِينَ اللهِ قُوَّةً، وَأَبْلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ مَا اسْتَوْجَبَ عَلَيْكُمْ، فَإِنَّ اللهَ سُبْحانَهُ قَدِ اصْطَنَعَ عِنْدَنَا وَعِنْدَكُمْ أَنْ نَشْكُرَهُ بِجُهْدِنَا، وَأَنْ نَنْصُرَهُ بِمَا بَلَغَتْ قُوَّتُنَا، وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ.
إلى أمراء البلاد في معنى الصلاة
أَمَّا بَعْدُ، فَصَلُّوا بِالنَّاسِ الظُّهْرَ حَتَّى تَفِيءَ الشَّمْسُ مِنْ مَرْبِضِ الْعَنْزِ، وَصَلُّوا بِهِمُ الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ بَيْضَاءُ حَيَّةٌ فِي عُضْو مِنَ النَّهَارِ حِينَ يُسَارُ فِيهَا فَرْسَخَانِ. وَصَلُّوا بِهِمُ الْمَغْرِبَ حِينَ يُفْطِرُ الصَّائِمُ، وَيَدْفَعُ الْحَاجُّ إِلَى مِنًى. وَصَلُّوا بِهِمُ الْعِشَاءَ حِينَ يَتَوَارَى الشَّفَقُ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ، وَصَلُّوا بِهِمُ الْغَدَاةَ وَالرَّجُلُ يَعْرِفُ وَجْهَ صَاحِبِهِ، وَصَلُّوا بِهِمْ صَلاَةَ أَضْعَفِهِمْ، وَلاَ تَكُونُوا فَتَّانِينَ.
سياسي ، اخلاقي ، اقتصادي ، عسكري ، عبادي
كتبه للأشتر النخعي، لما ولاه على مصر وأعمالها حين اضطرب أمر أميرها محمد بن أبي بكر، وهو أطول عهد كتبه وأجمعه للمحاسن.
بسم الله الرحمن الرحيم
هذَا مَا أَمَرَ بِهِ عَبْدُ اللهِ عَلِيٌّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، مَالِكَ بْنِ الْحَارِثِ الاَْشْتَرَ فِي عَهْدِهِ إِلَيْهِ، حِينَ وَلاَّهُ مِصْرَ: جِبَايَةَ خَرَاجِهَا، وَجِهَادَ عَدُوِّهَا، وَاسْتِصْلاَحَ أَهْلِهَا، وَعِمَارَةَ بِلاَدِهَا.
أَمَرَهُ بِتَقْوَى اللهِ، وَإِيثَارِ طَاعَتِهِ، وَاتِّبَاعِ مَا أَمَرَ بِهِ فِي كِتَابِهِ: مِنْ فَرَائِضِهِ وَسُنَنِه، الَّتِي لاَ يَسْعَدُ أَحَدٌ إِلاَّ بِاتِّبَاعِهَا، وَلاَ يشْقَى إِلاَّ مَعَ جُحُودِهَا وَإِضَاعَتِهَا، وَأَنْ يَنْصُرَ اللهَ سُبْحانَهُ بِقَلْبِهِ وَيَدِهِ وَلِسَانِهِ;
فَإِنَّهُ جَلَّ اسْمُهُ، قَدْ تَكَفَّلَ بِنَصْرِ مَنْ نَصَرَهُ، وَإِعْزَازِ مَنْ أَعَزَّهُ. وَأَمَرَهُ أَنْ يَكْسِرَ نَفْسَهُ مِنَ
وَأَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ لِلرَّعِيَّةِ، وَالَْمحَبَّةَ لَهُمْ، وَاللُّطْفَ بِهِمْ، وَلاَ تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعاً ضَارِياً (ضارباً) تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ، فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ: إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ، أَوْ نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ، يَفْرُطُ مِنْهُمُ الزَّلَلُ، وَتَعْرِضُ لَهُمُ الْعِلَلُ، وَيُؤْتَى عَلَى أَيْدِيهِمْ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ، فَأَعْطِهِمْ مِنْ عَفْوِكَ وَصَفْحِكَ مِثْلَ الَّذِي تُحِبُّ وَ تَرْضَى أَنْ يُعْطِيَكَ اللهُ مِنْ عَفْوِهِ وَصَفْحِهِ. فَإِنَّكَ فَوْقَهُمْ، وَوَآلِي الاَْمْرِ عَلَيْكَ فَوْقَكَ، وَاللهُ فَوْقَ مَنْ وَلاَّكَ! وَقَدِ اسْتَكْفَاكَ أَمْرَهُمْ، وَابْتَلاَكَ بِهِمْ. وَلاَ تَنْصِبَنَّ نَفْسَكَ لِحَرْبِ اللهِ فَإِنَّهُ لاَ يَدَ لَكَ بِنِقْمَتِهِ، وَلاَ غِنَى بِكَ عَنْ عَفْوِهِ وَرَحْمَتِهِ. وَلاَ تَنْدَ مَنَّ عَلَى عَفْو، وَلاَ تَبْجَحَنَّ بِعُقُوبَة، وَلاَ تُسْرِعَنَّ إِلَى بَادِرَة وَجَدْتَ مِنْهَا مَنْدُوحَةً، وَلاَ تَقُولَنَّ: إِنِّي مُؤَمَّرٌ آمُرُ فَأُطَُاعُ، فَإِنَّ ذلِكَ إِدْغَالٌ فِي الْقَلْبِ، وَمَنْهَكَةٌ لِلدِّينِ، وَتَقَرُّبٌ مِنَ الْغِيَرِ. وَإِذَا أَحْدَثَ لَكَ مَا أَنْتَ فِيهِ مِنْ سُلْطَانِكَ أُبَّهَةً أَوْ مَخِيلَةً، فَانْظُرْ إِلَى عِظَمِ مُلْكِ اللهِ فَوْقَكَ، وَقُدْرَتِهِ مِنْكَ عَلَى مَالاَ تَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ نَفْسِكَ، فَإِنَّ ذلِكَ يُطَامِنُ إِلَيْكَ مِنْ طِمَاحِكَ، وَيَكُفُّ عَنْكَ مِنْ غَرْبِكَ، وَيَفِيءُ إِلَيْكَ بِمَا عَزَبَ عَنْكَ مِنْ عَقْلِكَ !
إِيَّاكَ وَمُسَامَاةَ اللهِ فِي عَظَمَتِهِ، وَالتَّشَبُّهَ بِهِ فِي جَبَرُوتِهِ، فَإِنَّ اللهَ يُذِلُّ كُلَّ جَبَّار، وَيُهِينُ كُلَّ مُخْتَال. أَنْصِفِ اللهَ وَأَنْصِفِ النَّاسَ مِنْ نَفْسِكَ، وَمِنْ خَاصَّةِ أَهْلِكَ، وَمَنْ لَكَ فِيهِ هَوًى مِنْ رَعِيَّتِكَ، فَإِنَّكَ إِلاَّ تَفْعَلْ تَظْلِمْ! وَ مَنْ ظَلَمَ عِبَادَ اللهِ كَانَ اللهُ خَصْمَهُ دُونَ عِبَادِهِ، وَ مَنْ خَاصَمَهُ اللهُ أَدْحَضَ حُجَّتَهُ، وَكَانَ لِلّهِ
وَلْيَكُنْ أَحَبَّ الاُْمُورِ إِلَيْكَ أَوْسَطُهَا فِي الْحَقِّ، وَأَعَمُّهَا فِي الْعَدْلِ، وَأَجْمَعُهَا لِرِضَى الرَّعِيَّةِ، فَإِنَّ سُخْطَ الْعَامَّةِ يُجْحِفُ بِرِضَى الْخَاصَّةِ، وَإِنَّ سُخْطَ الْخَاصَّةِ يُغْتَفَرُ مَعَ رِضَى الْعَامَّةِ. وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الرَّعِيَّةِ أَثْقَلَ عَلَى الْوَالِي مَؤُونَةً فِي الرَّخَاءِ، وَأَقَلَّ مَعُونَةً لَهُ فِي الْبَلاَءِ، وَأَكْرَهَ لِلاِْنْصَافِ، وَأَسْأَلَ بِالاِْلْحَافِ، وَأَقَلَّ شُكْراً عِنْدَ الاِْعْطَاءِ، وَأَبْطَأَ عُذْراً عِنْدَ الْمَنْعِ، وَأَضْعَفَ صَبْراً عِنْدَ مُلِمَّاتِ الدَّهْرِ مِنْ أَهْلِ الْخَاصَّةِ. وَإِنَّمَا عِمَادُ الدِّينِ، وَجِمَاعُ الْمُسْلِمِينَ، وَالْعُدَّةُ لِلاَْعْدَاءِ، الْعَامَّةُ مِنَ الاُْمَّةِ; فَلْيَكُنْ صِغْوُكَ لَهُمْ، وَمَيْلُكَ مَعَهُمْ.
وَلْيَكُنْ أَبْعَدَ رَعِيَّتِكَ مِنْكَ، وَأَشْنَأَهُمْ عِنْدَكَ، أَطْلَبُهُمْ لِمَعَائِبِ النَّاسِ; فَإِنَّ فِي النَّاسِ عُيُوباً، الْوَالِي أَحَقُّ مَنْ سَتَرَهَا، فَلاَ تَكْشِفَنَّ عَمَّا غَابَ عَنْكَ مِنْهَا، فَإِنَّمَا عَلَيْكَ تَطْهِيرُ مَا ظَهَرَ لَكَ، وَاللهُ يَحْكُمُ عَلَى مَا غَابَ عَنْكَ، فَاسْتُرِ الْعَوْرَةَ مَا اسْتَطَعْتَ يَسْتُرِ اللهُ مِنْكَ مَا تُحِبُّ سَتْرَهُ مِنْ رَعِيَّتِكَ.
أَطْلِقْ عَنِ النَّاسِ عُقْدَةَ كُلِّ حِقْد، وَاقْطَعْ عَنْكَ سَبَبَ كُلِّ وِتْر، وَتَغَابَ عَنْ كُلِّ مَا لاَ يَضِحُ لَكَ، وَلاَ تَعْجَلَنَّ إِلَى تَصْدِيقِ سَاع، فَإِنَّ السَّاعِيَ غَاشٌّ، وَإِنْ تَشَبَّهَ بِالنَّاصِحِينَ.
وَلاَ تُدْخِلَنَّ فِي مَشُورَتِكَ بَخِيلا يَعْدِلُ بِكَ عَنِ الْفَضْلِ، وَيَعِدُكَ الْفَقْرَ، وَلاَ جَبَاناً يُضْعِفُكَ عَنِ الاُْمُورِ، وَلاَ حَرِيصاً يُزَيِّنُ لَكَ الشَّرَهَ بِالْجَوْرِ، فَإِنَّ الْبُخْلَ وَالْجُبْنَ وَالْحِرْصَ غَرَائِزُ شَتَّى يَجْمَعُهَا سُوءُ الظَّنِّ بِاللهِ.إِنَّ شَرَّ وُزَرَائِكَ مَنْ كَانَ لِلاَْشْرَارِ قَبْلَكَ وَزِيراً، وَمَنْ شَرِكَهُمْ فِي الاْثَامِ فَلاَ يَكُونَنَّ لَكَ بِطَانَةً،
وَالْصَقْ بِأَهْلِ الْوَرَعِ وَالصِّدْقِ; ثُمَّ رُضْهُمْ عَلَى أَلاَّ يُطْرُوكَ وَلاَ يَبْجَحُوكَ بِبَاطِل لَمْ تَفْعَلْهُ، فَإِنَّ كَثْرَةَ الاِْطْرَاءِ تُحْدِثُ الزَّهْوَ، وَتُدْنِي مِنَ الْعِزَّةِ (الغرّة). وَلاَ يَكُونَنَّ الُْمحْسِنُ وَالْمُسِيءُ عِنْدَكَ بِمَنْزِلَة سَوَاء، فَإِنَّ فِي ذلِكَ تَزْهِيداً لاَِهْلِ الاِْحْسَانِ فِي الاِْحْسَانِ، وَتَدْرِيباً لاَِهْلِ الاِْسَاءَةِ عَلَى الاِْسَاءَةِ!
وَأَلْزِمْ كُلاًّ مِنْهُمْ مَا أَلْزَمَ نَفْسَهُ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ بِأَدْعَى إِلَى حُسْنِ ظَنِّ رَاع بِرَعِيَّتِهِ مِنْ إِحْسَانِهِ إِلَيْهِمْ، وَتَخْفِيفِهِ الْمَؤُونَاتِ عَلَيْهِمْ، وَتَرْكِ اسْتِكْرَاهِهِ إِيَّاهُمْ عَلَى مَا لَيْسَ لَهُ قِبَلَهُمْ. فَلْيَكُنْ مِنْكَ فِي ذلِكَ أَمْرٌ يَجْتَمِعُ لَكَ بِهِ حُسْنُ الظَّنِّ بِرَعِيَّتِكَ، فَإِنَّ حُسْنَ الظَّنِّ يَقْطَعُ عَنْكَ نَصَباً طَوِيلا.
وَإِنَّ أَحَقَّ مَنْ حَسُنَ ظَنُّكَ بِهِ لَمَنْ حَسُنَ بَلاَؤُكَ عِنْدَهُ، وَإِنَّ أَحَقَّ مَنْ سَاءَ ظَنُّكَ بِهِ لَمَنْ سَاءَ بَلاَؤُكَ عِنْدَهُ. وَلاَ تَنْقُضْ سُنَّةً صَالِحَةً عَمِلَ بِهَا صُدُورُ هذِهِ الاُْمَّةِ، وَاجْتَمَعَتْ بِهَا الاُْلْفَةُ، وَصَلَحَتْ عَلَيْهَا الرَّعِيَّةُ. وَلاَ تُحْدِثَنَّ سُنَّةً تَضُرُّ بِشَيْء مِنْ مَاضِي تِلْكَ السُّنَنِ، فَيَكُونَ الاَْجْرُ لِمَنْ سَنَّهَا، وَالْوِزْرُ عَلَيْكَ بِمَا نَقَضْتَ مِنْهَا. وَأَكْثِرْ مُدَارَسَةَ الْعُلَمَاءِ، وَمُنَاقَشَةَ الْحُكَمَاءِ، فِي تَثْبِيتِ مَا صَلَحَ عَلَيْهِ أَمْرُ بِلاَدِكَ، وَإِقَامَةِ مَا اسْتَقَامَ بِهِ النَّاسُ قَبْلَكَ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الرَّعِيَّةَ طَبَقَاتٌ لاَ يَصْلُحُ بَعْضُهَا إِلاَّ بِبَعْض، وَلاَ غِنَى بِبَعْضِهَا عَنْ بَعْض: فَمِنْهَا جُنُودُ اللهِ، وَمِنْهَا كُتَّابُ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ، وَمِنْهَا قُضَاةُ الْعَدْلِ، وَمِنْهَا عُمَّالُ الاِْنْصَافِ وَالرِّفْقِ، وَمِنْهَا أَهْلُ
فَوَلَّ مِنْ جُنُودِكَ أَنْصَحَهُمْ فِي نَفْسِكَ لِلّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلاِِمَامِكَ، وَأَنْقَاهُمْ جَيْباً، وَأَفْضَلَهُمْ حِلْماً، مِمَّنْ يُبْطِئُ عَنِ الْغَضَبِ، وَيَسْتَرِيحُ إِلَى الْعُذْرِ، وَيَرْأَفُ بِالضُّعَفَاءِ، وَيَنْبُو عَلَى الاَْقْوِيَاءِ، وَمِمَّنْ لاَ يُثِيرُهُ الْعُنْفُ، وَلاَ يَقْعُدُ بِهِ الضَّعْفُ. ثُمَّ الْصَقْ بِذَوِي الْمُرُوءَاتِ وَالاَْحْسَابِ، وَأَهْلِ الْبُيُوتَاتِ الصَّالِحَةِ، وَالسَّوَابِقِ الْحَسَنَةِ; ثُمَّ أَهْلِ النَّجْدَةِ وَالشَّجَاعَةِ، وَالسَّخَاءِ وَالسَّمَاحَةِ; فَإِنَّهُمْ جِمَاعٌ مِنَ الْكَرَمِ، وَشُعَبٌ مِنَ الْعُرْفِ. ثُمَّ تَفَقَّدْ مِنْ أُمُورِهِمْ مَا يَتَفَقَّدُ الْوَالِدَانِ مِنْ وَلَدِهِمَا، وَلاَ يَتَفَاقَمَنَّ فِي نَفْسِكَ شَيْءٌ قَوَّيْتَهُمْ بِهِ، وَلاَ تَحْقِرَنَّ لُطْفاً تَعَاهَدْتَهُمْ بِهِ وَإِنْ قَلَّ; فَإِنَّهُ دَاعِيَةٌ لَهُمْ إِلَى بَذْلِ النَّصِيحَةِ لَكَ، وَحُسْنِ الظَّنِّ بِكَ. وَلاَ تَدَعْ تَفَقُّدَ لَطِيفِ أُمُورِهِمُ اتِّكَالا عَلَى جَسِيمِهَا، فَإِنَّ لِلْيَسِيرِ مِنْ لُطْفِكَ مَوْضِعاً يَنْتَفِعُونَ بِهِ، وَلِلْجَسِيمِ مَوْقِعاً لاَ يَسْتَغْنُونَ عَنْهُ. وَلْيَكُنْ آثَرُ رُؤُوسِ جُنْدِكَ عِنْدَكَ مَنْ وَاسَاهُمْ فِي مَعُونَتِهِ، وَأَفْضَلَ عَلَيْهِمْ مِنْ جِدَتِهِ،
ثُمَّ اعْرِفْ لِكُلِّ امْرِئ مِنْهُمْ مَا أَبْلَى، وَلاَ تَضُمَّنَّ بَلاَءَ امْرِئ إِلَى غَيْرِهِ، وَلاَ تُقَصِّرَنَّ بِهُ دُونَ غَايَةِ بَلاَئِهِ، وَلاَ يَدْعُوَنَّكَ شَرَفُ امْرِئ إِلَى أَنْ تُعْظِمَ مِنْ بَلاَئِهِ مَا كَانَ صَغِيراً، وَلاَ ضَعَةُ امْرِئ إِلَى أَنْ تَسْتَصْغِرَ مِنْ بَلاَئِهِ مَا كَانَ عَظِيماً. وَارْدُدْ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ مَا يُضْلِعُكَ مِنَ الْخُطُوبِ، وَ يَشْتَبِهُ عَلَيْكَ مِنَ الاُْمُورِ; فَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالى لِقَوْم أَحَبَّ إِرْشَادَهُمْ : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الاَْمْرِ مِنْكُمْ، فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْء فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ)(1) فَالرَّدُّ إِلَى اللهِ:
الاَْخْذُ بِمُحْكَمِ كِتَابِهِ، وَالرَّدُّ إِلَى الرَّسُولِ: الاَْخْذُ بِسُنَّتِهِ الْجَامِعَةِ غَيْرِ الْمُفَرِّقَةِ.
ثُمَّ اخْتَرْ لِلْحُكْمِ بَيْنَ النَّاسِ أَفْضَلَ رَعِيَّتِكَ فِي نَفْسِكَ، مِمَّنْ لاَ تَضِيقُ بِهِ الاُْمُورُ، وَلاَ تُمَحِّكُهُ الْخُصُومُ، وَلاَ يَتََمادَى فِي الزَّلَّةِ، وَلاَ يَحْصَرُ مِنَ الْفَيْءِ إِلَى الْحَقِّ إِذَا عَرَفَهُ، وَلاَ تُشْرِفُ نَفْسُهُ عَلَى طَمَع، وَلاَ يَكْتَفِي بِأَدْنَى فَهْم دُونَ أَقْصَاهُ; وَأَوْقَفَهُمْ فِي الشُّبُهَاتِ، وَآخَذَهُمْ بِالْحُجَجِ، وَأَقَلَّهُمْ تَبَرُّماً بِمُرَاجَعَةِ الْخَصْمِ، وَأَصْبَرَهُمْ عَلَى تَكَشُّفِ الاُْمُورِ، وَأَصْرَمَهُمْ عِنْدَ اتِّضَاحِ الْحُكْمِ، مِمَّنْ لاَ يَزْدَهِيهِ إِطْرَاءٌ، وَلاَ يَسْتَمِيلُهُ إِغْرَاءٌ، وَأُولئِكَ قَلِيلٌ. ثُمَّ أَكْثِرْ تَعَاهُدَ (تعهّد) قَضَائِهِ، وَافْسَحْ لَهُ فِي الْبَذْلِ مَا يُزِيلُ عِلَّتَهُ، وَتَقِلُّ مَعَهُ حَاجَتُهُ إِلَى النَّاسِ. وَأَعْطِهِ مِنَ الْمَنْزِلَةِ لَدَيْكَ مَا لاَ يَطْمَعُ فِيهِ غَيْرُهُ مِنْ خَاصَّتِكَ، لِيَأْمَنَ بِذلِكَ اغْتِيَالَ
ــــــــــــــــــــــــــــثُمَّ انْظُرْ فِي أُمُورِ عُمَّالِكَ فَاسْتَعْمِلْهُمُ اخْتِبَاراً (اختياراً)، وَلاَ تُوَلِّهِمْ مُحَابَاةً وَأَثَرَةً، فَإِنَّهُمَا جِمَاعٌ مِنْ شُعَبِ الْجَوْرِ وَالْخِيَانَةِ. وَتَوَخَّ مِنْهُمْ أَهْلَ التَّجْرِبَةِ (النّصيحة) وَالْحَيَاءِ، مِنْ أَهْلِ الْبُيُوتَاتِ الصَّالِحَةِ، وَالْقَدَمِ فِي الاِْسْلاَمِ الْمُتَقَدِّمَةِ، فَإِنَّهُمْ أَكْرَمُ أَخْلاَقاً، وَأَصَحُّ أَعْرَاضاً (أغراضاً)، وَأَقَلُّ فِي الْمَطَامِعِ إِشْرَاقاً (اسرافاً)، وَأَبْلَغُ فِي عَوَاقِبِ الاُْمُورِ نَظَراً. ثُمَّ أَسْبِغْ عَلَيْهِمُ الاَْرْزَاقَ، فَإِنَّ ذلِكَ قُوَّةٌ لَهُمْ عَلَى اسْتِصْلاَحِ أَنْفُسِهِمْ، وَغِنًى لَهُمْ عَنْ تَنَاوُلِ مَا تَحْتَ أَيْدِيهِمْ، وَحُجَّةٌ عَلَيْهِمْ إِنْ خَالَفُوا أَمْرَكَ أَوْ ثَلَمُوا أَمَانَتَكَ. ثُمَّ تَفَقَّدْ أَعْمَالَهُمْ، وَابْعَثِ الْعُيُونَ مِنْ أَهْلِ الصِّدْقِ وَالْوَفَاءِ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّ تَعَاهُدَكَ فِي السِّرِّ لاُِمُورِهِمْ حَدْوَةٌ لَهُمْ عَلَى اسْتِعْمَالِ الاَْمَانَةِ، وَالرِّفْقِ بِالرَّعِيَّةِ. وَتَحَفَّظْ مِنَ الاَْعْوَانِ;
فَإِنْ أَحَدٌ مِنْهُمْ بَسَطَ يَدَهُ إِلَى خِيَانَة اجْتَمَعَتْ بِهَا عَلَيْهِ عِنْدَكَ أَخْبَارُ عُيُونِكَ، اكْتَفَيْتَ بِذلِكَ شَاهِداً، فَبَسَطْتَ عَلَيْهِ الْعُقُوبَةَ فِي بَدَنِهِ (يديه)، وَأَخَذْتَهُ بِمَا أَصَابَ مِنْ عَمَلِهِ، ثُمَّ نَصَبْتَهُ بِمَقَامِ الْمَذَلَّةِ، وَوَسَمْتَهُ بِالْخِيَانَةِ، وَقَلَّدْتَهُ عَارَ التُّهَمَةِ.
وَتَفَقَّدْ أَمْرَ الْخَرَاجِ بِمَا يُصْلِحُ أَهْلَهُ، فَإِنَّ فِي صَلاَحِهِ وَصَلاَحِهِمْ صَلاَحاً لِمَنْ سِوَاهُمْ، وَلاَصَلاَحَ لِمَنْ سِوَاهُمْ إِلاَّ بِهِمْ، لاَِنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ عِيَالٌ عَلَى الْخَرَاجِ وَأَهْلِهِ وَلْيَكُنْ نَظَرُكَ فى عِمارَةِ الاَْرْضِ أَبْلَغَ مِنْ نَظَرِكَ فى اسْتْجلابِ اْلَخَراجِ، لاَِنَّ ذلِكَ لاَ يُدْرَكُ إِلاَّ بِالْعِمَارَةِ; وَمَنْ طَلَبَ الْخَرَاجَ بِغَيْرِ عِمَارَة أَخْرَبَ الْبِلاَدَ، وَأَهْلَكَ الْعِبَادَ، وَلَمْ يَسْتَقِمْ أَمْرُهُ إِلاَّ قَلِيلا. فَإِنْ شَكَوْا ثِقَلا أَوْ عِلَّةً، أَوِ انْقِطَاعَ شِرْب أَوْ بَالَّة، أَوْ إِحَالَةَ أَرْض اغْتَمَرَهَا غَرَقٌ، أَوْ أَجْحَفَ بِهَا عَطَشٌ، خَفَّفْتَ عَنْهُمْ بِمَا تَرْجُو أَنْ يَصْلُحَ بِهِ أَمْرُهُمْ; وَلاَ يَثْقُلَنَّ عَلَيْكَ شَيْءٌ خَفَّفْتَ بِهِ الْمَؤُونَةَ عَنْهُمْ، فَإِنَّهُ ذُخْرٌ يَعُودُونَ بِهِ عَلَيْكَ فِي عِمَارَةِ بِلاَدِكَ،
ثُمَّ انْظُرْ فِي حَالِ كُتَّابِكَ، فَوَلِّ عَلَى أُمُورِكَ خَيْرَهُمْ، وَاخْصُصْ رَسَائِلَكَ الَّتِي تُدْخِلُ فِيهَا مَكَائِدَكَ وَأَسْرَارَكَ بِأَجْمَعِهِمْ لِوُجُوهِ صَالِحِ الاَْخْلاَقِ مِمَّنْ لاَ تُبْطِرُهُ الْكَرَامَةُ، فَيَجْتَرِئَ بِهَا عَلَيْكَ فِي خِلاَف لَكَ بِحَضْرَةِ مَلاَ وَلاَ تَقْصُرُ بِهِ الْغَفْلَةُ عَنْ إِيرَادِ مُكَاتَبَاتِ عُمَّالِكَ عَلَيْكَ، وَإِصْدَارِ جَوَابَاتِهَا عَلَى الصَّوَابِ عَنْكَ، فِيَما يَأْخُذُ لَكَ وَيُعْطِي مِنْكَ، وَلاَ يُضْعِفُ عَقْداً اعْتَقَدَهُ لَكَ، وَلاَ يَعْجِزُ عَنْ إِطْلاَقِ مَا عُقِدَ عَلَيْكَ، وَلاَ يَجْهَلُ مَبْلَغَ قَدْرِ نَفْسِهِ فِي الاُْمُورِ، فَإِنَّ الْجَاهِلَ بِقَدْرِ نَفْسِهِ يَكُونُ بِقَدْرِ غَيْرِهِ أَجْهَلَ. ثُمَّ لاَ يَكُنِ اخْتِيَارُكَ إِيَّاهُمْ عَلَى فِرَاسَتِكَ وَاسْتِنَامَتِكَ وَحُسْنِ الظَّنِّ مِنْكَ، فَإِنَّ الرِّجَالَ يَتَعَرَّضُونَ لِفِرَاسَاتِ الْوُلاَةِ بِتَصَنُّعِهِمْ وَحُسْنِ خِدْمَتِهِمْ، وَلَيْسَ وَرَاءَ ذلِكَ مِنَ النَّصِيحَةِ وَالاَْمَانَةِ شَيْءٌ. وَلكِنِ اخْتَبِرْهُمْ بِمَا وُلُّوا لِلصَّالِحِينَ قَبْلَكَ، فَاعْمِدْ لاَِحْسَنِهِمْ كَانَ فِي الْعَامَّةِ أَثَراً، وَ أَعْرَفِهِمْ بِالاَْمَانَةِ وَجْهاً، فَإِنَّ ذلِكَ دَلِيلٌ عَلَى نَصِيحَتِكَ لِلّهِ وَلِمَنْ وُلِّيتَ أَمْرَهُ. وَاجْعَلْ لِرَأْسِ كُلِّ أَمْر مِنْ أُمُورِكَ رَأْساً مِنْهُمْ، لاَ يَقْهَرُهُ كَبِيرُهَا، وَلاَ يَتَشَتَّتُ عَلَيْهِ كَثِيرُهَا، وَمَهْمَا كَانَ فِي كُتَّابِكَ مِنْ عَيْب فَتَغَابَيْتَ عَنْهُ أُلْزِمْتَهُ.
ثُمَّ اسْتَوْصِ بِالتُّجَّارِ وَذَوِي الصِّنَاعَاتِ، وَأَوْصِ بِهِمْ خَيْراً: الْمُقِيمِ مِنْهُمْ وَالْمُضْطَرِبِ بِمَالِهِ، وَالْمُتَرَفِّقِ بِبَدَنِهِ، فَإِنَّهُمْ مَوَادُّ الْمَنَافِعِ، وَأَسْبَابُ الْمَرَافِقِ، وَجُلاَّبُهَا مِنَ الْمَبَاعِدِوَ الْمَطَارِحِ، فِي بَرِّكَ وَبَحْرِكَ، وَسَهْلِكَ وَجَبَلِكَ، وَحَيْثُ لاَ يَلْتَئِمُ النَّاسُ لِمَوَاضِعِهَا، وَلاَ يَجْتَرِؤُونَ عَلَيْهَا، فَإِنَّهُمْ سِلْمٌ لاَ تُخَافُ
ثُمَّ اللهَ اللهَ فِي الطَّبَقَةِ السُّفْلَى مِنَ الَّذِينَ لاَ حِيلَةَ لَهُمْ، وَ الْمَسَاكِينِ وَالُْمحْتَاجِينَ وَأَهْلِ الْبُؤْسَى وَالزَّمْنَى، فَإِنَّ فِي هذِهِ الطَّبَقَةِ قَانِعاً وَمُعْتَرّاً، وَاحْفَظْ لِلّهِ مَا اسْتَحْفَظَكَ مِنْ حَقِّهِ فِيهِمْ، وَاجْعَلْ لَهُمْ قِسْماً مِنْ بَيْتِ مَالِكَ، وَقِسْماً مِنْ غَلاَّتِ صَوَافِي الاِْسْلاَمِ فِي كُلِّ بَلَد، فَإِنَّ لِلاَْقْصَى مِنْهُمْ مِثْلَ الَّذِي لِلاَْدْنَى، وَكُلٌّ قَدِ اسْتُرْعِيتَ حَقَّهُ. فَلاَ يَشْغَلَنَّكَ عَنْهُمْ بَطَرٌ (نظر)، فَإِنَّكَ لاَ تُعْذَرُ بِتَضْيِيعِكَ التَّافِهَ لاَِحْكَامِكَ الْكَثِيرَ الْمُهِمَّ. فَلاَ تُشْخِصْ هَمَّكَ عَنْهُمْ، وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لَهُمْ، وَتَفَقَّدْ أُمُورَ مَنْ لاَ يَصِلُ إِلَيْكَ مِنْهُمْ مِمَّنْ تَقْتَحِمُهُ الْعُيُونُ، وَتَحْقِرُهُ الرِّجَالُ. فَفَرِّغْ لاُِلئِكَ ثِقَتَكَ مِنْ أَهْلِ الْخَشْيَةِ وَالتَّوَاضُعِ، فَلْيَرْفَعْ إِلَيْكَ أُمُورَهُمْ، ثُمَّ اعْمَلْ فِيهِمْ بِالاِْعْذَارِ إِلَى اللهِ يَوْمَ تَلْقَاهُ، فَإِنَّ هؤُلاَءِ مِنْ بَيْنِ الرَّعِيَّةِ أَحْوَجُ إِلَى الاِْنْصَافِ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَكُلٌّ فَأَعْذِرْ إِلَى اللهِ فِي تَأْدِيَةِ حَقِّهِ إِلَيْهِ. وَتَعَهَّدْ أَهْلَ الْيُتْمِ وَذَوِي الرِّقَّةِ فِي السِّنِّ مِمَّنْ لاَ حِيلَةَ لَهُ، وَلاَ يَنْصِبُ لِلْمَسْأَلَةِ نَفْسَهُ، وَذلِكَ عَلَى الْوُلاَةِ ثَقِيلٌ، وَالْحَقٌّ كُلُّهُ ثَقِيلٌ; وَقَدْ يُخَفِّفُهُ اللهُ عَلَى أَقْوَام طَلَبُوا الْعَاقِبَةَ فَصَبَّرُوا أَنْفُسَهُمْ، وَوَثِقُوا بِصِدْقِ مَوْعُودِ اللهِ لَهُمْ. وَاجْعَلْ لِذَوِي الْحَاجَاتِ مِنْكَ قِسْماً تُفَرِّغُ لَهُمْ فِيهِ شَخْصَكَ، وَتَجْلِسُ لَهُمْ مَجْلِساً عَامّاً فَتَتَوَاضَعُ فِيهِ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَكَ، وَتُقْعِدَ عَنْهُمْ جُنْدَكَ وَأَعْوَانَكَ مِنْ أَحْرَاسِكَ وَشُرَطِكَ، حَتَّى يُكَلِّمَكَ مُتَكَلِّمُهُمْ غَيْرَ مُتَتَعْتِع، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ(صلى الله عليه وآله وسلم)يَقُولُ فِي غَيْرِ مَوْطِن: «لَنْ تُقَدَّسَ أُمَّةٌ لاَ يُؤْخَذُ لِلضَّعِيفِ فِيهَا حَقُّهُ مِنَ الْقَوِيِّ غَيْرَ مُتَتَعْتِع». ثُمَّ احْتَمِلِ الْخُرْقَ مِنْهُمْ وَالْعِيَّ، وَنَحِّ عَنْهُمُ الضِّيقَ وَالاَْنْفَ يَبْسُطِ اللهُ عَلَيْكَ بِذلِكَ أَكْنَافَ رَحْمَتِهِ، وَيُوجِبُ لَكَ ثَوَابَ طَاعَتِهِ. وَأَعْطِ مَا أَعْطَيْتَ هَنِيئاً، وَامْنَعْ فِي إِجْمَال وَإِعْذَار!
ثُمَّ أُمُورٌ مِنْ أُمُورِكَ لاَبُدَّ لَكَ مِنْ مُبَاشَرَتِهَا: مِنْهَا إِجَابَةُ عُمَّالِكَ بِمَا يَعْيَا عَنْهُ كُتَّابُكَ، وَمِنْهَا إِصْدَارُ حَاجَاتِ النَّاسِ يَوْمَ وُرُودِهَا عَلَيْكَ بِمَا تَحْرَجُ بِهِ صُدُورُ أَعْوَانِكَ. وَأَمْضِ لِكُلِّ يَوْم عَمَلَهُ، فَإِنَّ لِكُلِّ يَوْم مَا فِيهِ. وَاجْعَلْ لِنَفْسِكَ فِيَما بَيْنَكَ وَبَيْنَ اللهِ أَفْضَلَ تِلْكَ الْمَوَاقِيتِ، وَ أَجْزَلَ تِلْكَ الاَْقْسَامِ، وَإِنْ كَانَتْ كُلُّهَا لِلّهِ إِذَا صَلَحَتْ فِيهَا النِّيَّةُ، وَسَلِمَتْ مِنْهَا الرَّعِيَّةُ. وَلْيَكُنْ فِي خَاصَّةِ مَا تُخْلِصُ بِهِ لِلّهِ دِينَكَ: إِقَامَةُ فَرَائِضِهِ الَّتِي هِيَ لَهُ خَاصَّةً، فَأَعْطِ اللهَ مِنْ بَدَنِكَ فِي لَيْلِكَ وَنَهَارِكَ، وَوَفِّ مَا تَقَرَّبْتَ بِهِ إِلَى اللهِ مِنْ ذلِكَ كَامِلا غَيْرَ مَثْلُوم وَلاَ مَنْقُوص، بَالِغاً مِنْ بَدَنِكَ مَا بَلَغَ. وَإِذَا قُمْتَ فِي صَلاَتِكَ لِلنَّاسِ، فَلاَ تَكُونَنَّ مُنَفِّراً وَلاَ مُضَيِّعاً، فَإِنَّ فِي النَّاسِ مَنْ بِهِ الْعِلَّةُ وَلَهُ الْحَاجَةُ. وَقَدْ سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ(صلى الله عليه وآله وسلم)حِينَ وَجَّهَنِي إِلَى الَْيمَنِ كَيْفَ أُصَلِّي بِهِمْ؟ فَقَالَ: «صَلِّ بِهِمْ كَصَلاَةِ أَضْعَفِهِمْ، وَكُنْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً». وَأمَّا بَعْدُ، فَلاَ تُطَوِّلَنَّ احْتِجَابَكَ عَنْ رَعِيَّتِكَ، فَإِنَّ احْتِجَابَ الْوُلاَةِ عَنِ الرَّعِيَّةِ شُعْبَةٌ مِنَ الضِّيقِ، وَقِلَّةُ عِلْم بِالاُْمُورِ; وَالاِْحْتِجَابُ مِنْهُمْ يَقْطَعُ عَنْهُمْ عِلْمَ مَا احْتَجَبُوا دُونَهُ فَيَصْغُرُ عِنْدَهُمُ الْكَبِيرُ، وَيَعْظُمُ الصَّغِيرُ، وَيَقْبُحُ الْحَسَنُ، وَيَحْسُنُ الْقَبِيحُ، وَيُشَابُ الْحَقُّ بِالْبَاطِلِ. وَإِنَّمَا الْوَالِي بَشَرٌ لاَ يَعْرِفُ مَا تَوَارَى عَنْهُ النَّاسُ بِهِ مِنَ الاُْمُورِ، وَلَيْسَتْ عَلَى الْحَقِّ سِمَاتٌ تُعْرَفُ بِهَا ضُرُوبُ الصِّدْقِ مِنَ الْكَذِبِ، وَإِنَّمَا أَنْتَ أَحَدُ رَجُلَيْنِ: إِمَّا امْرُؤٌ سَخَتْ نَفْسُكَ بِالْبَذْلِ فِي الْحَقِّ، فَفِيمَ احْتِجَابُكَ مِنْ وَاجِبِ حَقٍّ تُعْطِيهِ، أَوْ فِعْل كَرِيم تُسْدِيهِ! أَوْ مُبْتَلًى بِالْمَنْعِ، فَمَا أَسْرَعَ كَفَّ النَّاسِ عَنْ مَسْأَلَتِكَ إِذَا أَيِسُوا مِنْ بَذْلِكَ! مَعَ أَنَّ أَكْثَرَ حَاجَاتِ النَّاسِ إِلَيْكَ مِمَّا لاَ مَؤُونَةَ فِيهِ عَلَيْكَ، مِنْ شَكَاةِ مَظْلِمَة، أَوْ طَلَبِ إِنْصَاف فِي مُعَامَلَة.
ثُمَّ إِنَّ لِلْوَالِي خَاصَّةً وَبِطَانَةً، فِيهِمُ اسْتِئْثَارٌ وَتَطَاوُلٌ، وَقِلَّةُ إِنْصَاف فِي مُعَامَلَة، فَاحْسِمْ مَادَّةَ (مؤونة) أُولئِكَ بِقَطْعِ أَسْبَابِ تِلْكَ الاَْحْوَالِ. وَلاَ تُقْطِعَنَّ لاَِحَد مِنْ حَاشِيَتِكَ وَحَامَّتِكَ قَطِيعَةً، وَلاَ يَطْمَعَنَّ مِنْكَ فِي اعْتِقَادِ عُقْدَة، تَضُرُّ بِمَنْ يَلِيهَا مِنَ النَّاسِ، فِي شِرْب أَوْ عَمَل مُشْتَرَك، يَحْمِلُونَ مَؤُونَتَهُ
وَإِنْ ظَنَّتِ الرَّعِيَّةُ بِكَ حَيْفاً فَأَصْحِرْ لَهُمْ بِعُذْرِكَ، وَاعْدِلْ (واعزل) عَنْكَ ظُنُونَهُمْ بِإِصْحَارِكَ، فَإِنَّ فِي ذلِكَ رِيَاضَةً مِنْكَ لِنَفْسِكَ، وَرِفْقاً بِرَعِيَّتِكَ، وَإِعْذَاراً تَبْلُغُ بِهِ حَاجَتَكَ مِنْ تَقْوِيمِهِمْ عَلَى الْحَقِّ.
وَلاَ تَدْفَعَنَّ صُلْحاً دَعَاكَ إِلَيْهِ عَدُوُّكَ وَلِلّهِ فِيهِ رِضًى، فَإِنَّ فِي الصُّلْحِ دَعَةً لِجُنُودِكَ، وَرَاحَةً مِنْ هُمُومِكَ، وَأَمْناً لِبِلاَدِكَ، وَلَكِنِ الْحَذَرَ كُلَّ الْحَذَرِ مِنْ عَدُوِّكَ بَعْدَ صُلْحِهِ، فَإِنَّ الْعَدُوَّ رُبَّمَا قَارَبَ لِيَتَغَفَّلَ فَخُذْ بِالْحَزْمِ، وَاتَّهِمْ فِي ذلِكَ حُسْنَ الظَّنِّ. وَإِنْ عَقَدْتَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ عَدُوِّكَ عُقْدَةً، أَوْ أَلْبَسْتَهُ مِنْكَ ذِمَّةً، فَحُطْ عَهْدَكَ بِالْوَفَاءِ، وَارْعَ ذِمَّتَكَ بِالاَْمَانَةِ، وَاجْعَلْ نَفْسَكَ جُنَّةً دُونَ مَا أَعْطَيْتَ، فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ فَرَائِضِ اللهِ شَيْءٌ النَّاسُ أَشَدُّ عَلَيْهِ اجْتَِماعاً، مَعَ تَفَرُّقِ أَهْوَائِهِمْ، وَتَشَتُّتِ آرَائِهِمْ، مِنْ تَعْظِيمِ الْوَفَاءِ بِالْعُهُودِ. وَقَدْ لَزِمَ ذلِكَ الْمُشْرِكُونَ فِيَما بَيْنَهُمْ دُونَ الْمُسْلِمِينَ لِمَا اسْتَوْبَلُوا مِنْ عَوَاقِبِ الْغَدْرِ; فَلاَ تَغْدِرَنَّ بِذِمَّتِكَ، وَلاَ تَخِيسَنَّ (تحبسنَّ) بِعَهْدِكَ، وَلاَ تَخْتِلَنَّ عَدُوَّكَ، فَإِنَّهُ لاَ يَجْتَرِئُ عَلَى اللهِ إِلاَّ جَاهِلٌ شَقِيٌّ. وَقَدْ جَعَلَ اللهُ عَهْدَهُ وَذِمَّتَهُ أَمْناً أَفْضَاهُ بَيْنَ الْعِبَادِ بِرَحْمَتِهِ، وَحَرِيماً يَسْكُنُونَ إِلَى مَنَعَتِهِ، وَيَسْتَفِيضُونَ إِلَى جِوَارِهِ. فَلاَ إِدْغَالَ وَلاَ مُدَ الَسَةَ وَلاَ خِدَاعَ فِيهِ، وَلاَ تَعْقِدْ عَقْداً تُجَوِّزُ فِيهِ الْعِلَلَ، وَلاَ تُعَوِّلَنَّ عَلَى لَحْنِ قَوْل بَعْدَ التَّأْكِيدِ وَالتَّوْثِقَةِ.
وَلاَ يَدْعُوَنَّكَ ضِيقُ أَمْر، لَزِمَكَ فِيهِ عَهْدُ اللهِ، إِلَى طَلَبِ انْفِسَاخِهِ بِغَيْرِ الْحَقِّ، فَإِنَّ صَبْرَكَ عَلَى ضِيقِ أَمْر تَرْجُو انْفِرَاجَهُ وَفَضْلَ عَاقِبَتِهِ، خَيْرٌ مِنْ غَدْر تَخَافُ تَبِعَتَهُ، وَأَنْ تُحِيطَ بِكَ مِنَ اللهِ فِيهِ طِلْبَةٌ، لاَ تَسْتَقْبِلُ ( تَسْتَقيلُ) فِيهَا دُنْيَاكَ وَلاَ آخِرَتَكَ.
إِيَّاكَ وَالدِّمَاءَ وَسَفْكَهَا بِغَيْرِ حِلِّهَا، فَإِنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ أَدْنَى لِنِقْمَة، وَلاَ أَعْظَمَ لِتَبِعَة، وَلاَ أَحْرَى بِزَوَالِ نِعْمَة، وَانْقِطَاعِ مُدَّة، مِنْ سَفْكِ الدِّمَاءِ بِغَيْرِ حَقِّهَا. وَاللهُ سُبْحانَهُ مُبْتَدِئٌ بِالْحُكْمِ بَيْنَ الْعِبَادِ، فِيَما تَسَافَكُوا مِنَ الدِّمَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ; فَلاَ تُقَوِّيَنَّ سُلْطَانَكَ بِسَفْكِ دَم حَرَام. فَإِنَّ ذلِكَ مِمَّا يُضْعِفُهُ وَيُوهِنُهُ، بَلْ يُزِيلُهُ وَيَنْقُلُهُ. وَلاَ عُذْرَ لَكَ عِنْدَ اللهِ وَلاَ عِنْدِي فِي قَتْلِ الْعَمْدِ، لاَِنَّ فِيهِ قَوَدَ الْبَدَنِ.
وَإِنِ ابْتُلِيتَ بِخَطَأ وَأَفْرَطَ عَلَيْكَ سَوْطُكَ أَوْ سَيْفُكَ أَوْ يَدُكَ بِالْعُقُوبَةِ; فَإِنَّ فِي الْوَكْزَةِ فَمَا فَوْقَهَا مَقْتَلَةً، فَلاَ تَطْمَحَنَّ بِكَ نَخْوَةُ سُلْطَانِكَ عَنْ أَنْ تُؤَدِّيَ إِلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ حَقَّهُمْ.
وَإِيَّاكَ وَالاِْعْجَابَ بِنَفْسِكَ، وَالثِّقَةَ بِمَا يُعْجِبُكَ مِنْهَا، وَحُبَّ الاِْطْرَاءِ، فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ أَوْثَقِ فُرَصِ الشَّيْطَانِ فِي نَفْسِهِ لَِيمْحَقَ مَا يَكُونُ مِنْ إِحْسَانِ الُْمحسِنِينَ.
وَإِيَّاكَ وَالْمَنَّ عَلَى رَعِيَّتِكَ بِإِحْسَانِكَ، أَوِ التَّزَيُّدَ فِيَما كَانَ مِنْ فِعْلِكَ، أَوْ أَنْ تَعِدَهُمْ فَتُتْبِعَ مَوْعِدَكَ بِخُلْفِكَ، فَإِنَّ الْمَنَّ يُبْطِلُ الاِْحْسَانَ، وَالتَّزَيُّدَ يَذْهَبُ بِنُورِ الْحَقِّ، وَالْخُلْفَ يُوجِبُ الْمَقْتَ عِنْدَ اللهِ وَالنَّاسِ. قَالَ اللهُ تَعَالى : (كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ).(1)
وَإِيَّاكَ وَالْعَجَلَةَ بِالاُْمُورِ قَبْلَ أَوَانِهَا، أَوِ التَّسَقُّطَ (السَناقط ـ التثبّط) فِيهَا عِنْدَ إِمْكَانِهَا، أَوِ اللَّجَاجَةَ فِيهَا إِذَا تَنَكَّرَتْ، أَوِ الْوَهْنَ عَنْهَا إِذَا اسْتَوْضَحَتْ. وَضَعْ كُلَّ أَمْر مَوْضِعَهُ، وَأَوْقِعْ كُلَّ أَمْر مَوْقِعَهُ.
ــــــــــــــــــــــــــــوَإِيَّاكَ وَالاِْسْتِئْثَارَ بِمَا النَّاسُ فِيهِ أُسْوَةٌ، وَالتَّغَابِيَ عَمَّا تُعْنَى بِهِ مِمَّا قَدْ وَضَحَ لِلْعُيُونِ، فَإِنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْكَ لِغَيْرِكَ. وَعَمَّا قَلِيل تَنْكَشِفُ عَنْكَ أَغْطِيَةُ الاُْمُورِ، وَيُنْتَصَفُ مِنْكَ لِلْمَظْلُومِ. امْلِكْ حَمِيَّةَ أَنْفِكَ، وَسَوْرَةَ حَدِّكَ، وَسَطْوَةَ يَدِكَ، وَغَرْبَ لِسَانِكَ، وَاحْتَرِسْ مِنْ كُلِّ ذلِكَ بِكَفِّ الْبَادِرَةِ، وَتَأْخِيرِ السَّطْوَةِ، حَتَّى يَسْكُنَ غَضَبُكَ فَتَمْلِكَ الاِْخْتِيَارَ: وَلَنْ تَحْكُمَ ذلِكَ مِنْ نَفْسِكَ حَتَّى تُكْثِرَ هُمُومَكَ بِذِكْرِ الْمَعَادِ إِلَى رَبِّكَ. وَالْوَاجِبُ عَلَيْكَ أَنْ تَتَذَكَّرَ مَا مَضَى لِمَنْ تَقَدَّمَكَ مِنْ حُكُومَة عَادِلَة، أَوْ سُنَّة فَاضِلَة، أَوْ أَثَر عَنْ نَبِيِّنَا (صلى الله عليه وآله وسلم)أَوْ فَرِيضَة فِي كِتَابِ اللهِ، فَتَقْتَدِيَ بِمَا شَاهَدْتَ مِمَّا عَمِلْنَا بِهِ فِيهَا، وَتَجْتَهِدَ لِنَفْسِكَ فِي اتِّبَاعِ مَا عَهِدْتُ إِلَيْكَ فِي عَهْدِي هذَا، وَاسْتَوْثَقْتُ بِهِ مِنَ الْحُجَّةِ لِنَفْسِي عَلَيْكَ، لِكَيْلاَ تَكُونَ لَكَ عِلَّةٌ عِنْدَ تَسَرُّعِ نَفْسِكَ إِلَى هَوَاهَا. وَأَنَا أَسْأَلُ اللهَ بِسَعَةِ رَحْمَتِهِ، وَعَظِيمِ قُدْرَتِهِ عَلَى إِعْطَاءِ كُلِّ رَغْبَة، أَنْ يُوَفِّقَنِي وَإِيَّاكَ لِمَا فِيهِ رِضَاهُ مِنَ الاِْقَامَةِ عَلَى الْعُذْرِ الْوَاضِحِ إِلَيْهِ وَإِلَى خَلْقِهِ، مَعَ حُسْنِ الثَّنَاءِ فِي الْعِبَادِ، وَجَمِيلِ الاَْثَرِ فِي الْبِلاَدِ، وَتَمَامِ النِّعْمَةِ، وَتَضْعِيفِ الْكَرَامَةِ، وَأَنْ يَخْتِمَ لِي وَلَكَ بِالسَّعَادَةِ وَالشَّهَادَةِ، «إِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ» (راغبون). وَالسَّلاَمُ عَلَى رَسُولِ اللهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ، وَسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيراً، وَالسَّلام.
إلى طلحة و الزبير (مع عمران بن الحصين الخزاعي) ذكره أبو جعفر الإسكافي في كتاب «المقامات» في مناقب أمير المؤمنين عليه السلام.
أَمَّا بَعْدُ، فَقَدْ عَلِمْتُـمَا، وَإِنْ كَتَمْتُـمَا، أَنِّي لَمْ أُرِدِ النَّاسَ حَتَّى أَرَادُونِي، وَلَمْ أُبَايِعْهُمْ حَتَّى بَايَعُونِي.
وَإِنَّكُمَا مِمَّنْ أَرَادَنِي وَبَايَعَنِي، وَإِنَّ الْعَامَّةَ لَمْ تُبَايِعْنِي لِسُلْطَان غَالِب (غاصب)، وَلاَ لِعَرَض
اخلاقي ، سياسي
(إلى معاوية)أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ اللهَ سُبْحانَهُ قَدْ جَعَلَ الدُّنْيَا لِمَا بَعْدَهَا، وَابْتَلَى فِيهَا أَهْلَهَا، لِيَعْلَمَ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلا، وَلَسْنَا لِلدُّنْيَا خُلِقْنَا، وَلاَ بِالسَّعْيِ فِيهَا أُمِرْنَا، وَإِنَّمَا وُضِعْنَا فِيهَا لِنُبْتَلَى بِهَا. وَقَدِ ابْتَلاَنِي اللهُ بِكَ وَابْتَلاَكَ بِي: فَجَعَلَ أَحَدَنَا حُجَّةً عَلَى الاْخَرِ، فَعَدَوْتَ عَلَى الدُّنْيَا بِتَأْوِيلِ الْقُرْآنِ، فَطَلَبْتَنِي بِمَا لَمْ تَجْنِ يَدِي وَلاَ لِسَانِي، وَعَصَيْتَهُ أَنْتَ وَأَهْلُ الشَّامِ بِي، وَأَلَّبَ عَالِمُكُمْ جَاهِلَكُمْ، وَقَائِمُكُمْ قَاعِدَكُمْ. فَاتَّقِ اللهَ فِي نَفْسِكَ، وَنَازِعِ الشَّيْطَانَ قِيَادَكَ، وَاصْرِفْ إِلَى الاْخِرَةِ وَجْهَكَ، فَهِيَ طَرِيقُنَا وَطَرِيقُكَ. وَاحْذَرْ أَنْ يُصِيبَكَ اللهُ مِنْهُ بِعَاجِلِ قَارِعَة تَمَسُّ الاَْصْلَ، وَتَقْطَعُ الدَّابِرَ، فَإِنِّي أُولِي لَكَ بِاللهِ أَلِيَّةً غَيْرَ فَاجِرَة، لَئِنْ جَمَعَتْنِي وَإِيَّاكَ جَوَامِعُ الاَْقْدَارِ لاَ أَزَالُ بِبَاحَتِكَ (حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ).(1)
ــــــــــــــــــــــــــــوصى بها شريح بن هاني، لما جعله على مقدمته إلى الشام
اتَّقِ اللهَ فِي كُلِّ صَبَاح وَمَسَاء، وَخَفْ عَلَى نَفْسِكَ الدُّنْيَا الْغَرُورَ، وَلاَ تَأْمَنْهَا عَلَى حَال، وَاعْلَمْ أَنَّكَ إِنْ لَمْ تَرْدَعْ (ترتدع) نَفْسَكَ عَنْ كَثِير مِمَّا تُحِبُّ، مَخَافَةَ مَكْرُوه; سَمَتْ بِكَ الاَْهْوَاءُ إِلَى كَثِير مِنَ الضَّرَرِ. فَكُنْ لِنَفْسِكَ مَانِعاً رَادِعاً، وَ لِنَزْوَتِكَ عِنْدَ الْحَفِيظَةِ وَاقِماً قَامِعاً.
إلى أهل الكوفة، عند مسيره من المدينة إلى البصرة
أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي خَرَجْتُ مِنْ حَيِّي هذَا: إِمَّا ظَالِماً، وَإِمَّا مَظْلُوماً; وَإِمَّا بَاغِياً، وَإِمَّا مَبْغِيّاً عَلَيْهِ. وَإِنِّي أُذَكِّرُ اللهَ مَنْ بَلَغَهُ كِتَابِي هذَا لَمَّا نَفَرَ إِلَيَّ، فَإِنْ كُنْتُ مُحْسِناً أَعَانَنِي، وَ إِنْ كُنْتُ مُسِيئاً اسْتَعْتَبَنِي.
إلى أهل الأمصار، يقص فيه ما جرى بينه وبين أهل صفين
وَكَانَ بَدْءُ أَمْرِنَا أَنَّا الْتَقَيْنَا وَالْقَوْمُ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ رَبَّنَا وَاحِدٌ، وَنَبِيُّنَا وَاحِدٌ، وَدَعْوَتَنَا فِي الاِْسْلاَمِ وَاحِدَةٌ، وَلاَ نَسْتَزِيدُهُمْ فِي الاِْيمَانِ بِاللهِ وَالتَّصْدِيقِ بِرَسُولِهِ وَلاَ يَسْتَزِيدُ ونَنَا: الاَْمْرُ وَاحِدٌ إِلاَّ مَا اخْتَلَفْنَا فِيهِ مِنْ دَمِ عُثَْمانَ، وَنَحْنُ مِنْهُ بَرَاءٌ! فَقُلْنَا: تَعَالَوْا نُدَاوِ مَالاَ نُدْرِكُ الْيَوْمَ بِإِطْفَاءِ النَّائِرَةِ، وَتَسْكِينِ الْعَامَّةِ، حَتَّى يَشْتَدَّ الاَْمْرُ وَيَسْتَجْمِعَ، فَنَقْوَى عَلَى وَضْعِ الْحَقِّ مَوَاضِعَهُ.
فَقَالُوا: بَلْ نُدَاوِيهِ بِالْمُكَابَرَةِ! فَأَبَوْا حَتَّى جَنَحَتِ الْحَرْبُ وَرَكَدَتْ، وَوَقَدَتْ نِيرَانُهَا وَحَمِشَتْ. فَلَمَّا ضَرَّسَتْنَا وَإِيَّاهُمْ، وَوَضَعَتْ مَخَالِبَهَا فِينَا وَفِيهِمْ، أَجَابُوا عِنْدَ ذلِكَ إِلَى الَّذِي دَعَوْنَاهُمْ إِلَيْهِ، فَأَجَبْنَاهُمْ إِلَى مَا دَعَوْا، وَسَارَعْنَاهُمْ إِلَى مَا طَلَبُوا، حَتَّى اسْتَبَانَتْ عَلَيْهِمُ الْحُجَّةُ، وَانْقَطَعَتْ مِنْهُمُ الْمَعْذِرَةُ. فَمَنْ تَمَّ عَلَى ذلِكَ مِنْهُمْ فَهُوَ الَّذِي أَنْقَذَهُ اللهُ مِنَ الْهَلَكَةِ، وَمَنْ لَجَّ وَتَمَادَى فَهُوَ الرَّاكِسُ الَّذِي رَانَ اللهُ عَلَى قَلْبِهِ، وَصَارَتْ دَائِرَةُ السَّوْءِ عَلَى رَأْسِهِ.
إلى الأسود بن قُطْبَة صاحب جند حلوان
أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ الْوَالِيَ إِذَا اخْتَلَفَ هَوَاهُ مَنَعَهُ ذلِكَ كَثِيراً مِنَ الْعَدْلِ، فَلْيَكُنْ أَمْرُ النَّاسِ عِنْدَكَ فِي الْحَقِّ سَوَاءً; فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي الْجَوْرِ عِوَضٌ مِنَ الْعَدْلِ، فَاجْتَنِبْ مَا تُنْكِرُ أَمْثَالَهُ، وَابْتَذِلْ نَفْسَكَ فِيَما افْتَرَضَ اللهُ عَلَيْكَ، رَاجِياً ثَوَابَهُ، وَمُتَخَوِّفاً عِقَابَهُ. وَاعْلَمْ أَنَّ الدُّنْيَا دَارُ بَلِيَّة لَمْ يَفْرُغْ صَاحِبُهَا فِيهَا قَطُّ سَاعَةً إِلاَّ كَانَتْ فَرْغَتُهُ عَلَيْهِ حَسْرَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَنَّهُ لَنْ يُغْنِيَكَ عَنِ الْحَقِّ شَيْءٌ أَبَداً.
وَمِنَ الْحَقِّ عَلَيْكَ حِفْظُ نَفْسِكَ، وَالاِْحْتِسَابُ عَلَى الرَّعِيَّةِ بِجُهْدِكَ، فَإِنَّ الَّذِي يَصِلُ إِلَيْكَ مِنْ ذلِكَ أَفْضَلُ مِنَ الَّذِي يَصِلُ بِكَ، وَالسَّلام.