شرح كلمات أمير المؤمنين (ع(

عبد الوهاب


[ 1 ]

كلام على كلام على * وما قاله المرتضى مرتضى

ما نمقه عبد الوهاب

في شرح كلمات امير المؤمنين على بن ابى طالب عليه السلام

عنى بطبعه ونشره وتصحيحه والتعليق عليه مير جلال الدين الحسينى الارموى

المحدث

22 من المحرم الحرام سنه 1390 = 10 فروردين 1349


[ 2 ]

بسم الله الرحمن الرحيم أحمدك يا من بتوفيقه تصريف (1) القلوب الناظرة نحو جنابه (2) وبتيسيره (3) توجيه (4) الوجوه الناضرة تلقاء بابه، واصلي على سيدنا محمد المضموم الى حروف سيوفه (5) فتح الارجاء والاطراف، المكسور بظهور دينه ظهور الكفرة من الاخلاف والاسلاف، وعلى آله وأصحابه الذين هم قواعد لبناء الاسلام، وشواهد بالاعراب عن حجج الحق بين الانام. وبعد فهذه وريقات نمقتها على الكلمات الشريفة والعبارات اللطيفة المنسوبة الى الامام الهمام جامع الكلمات العظام أمير المؤمنين وامام المتقين على الرضى المرتضى ابن عم الرسول المصطفى كرم الله تعالى وجهه ورزقنا الله في غرف الجنان جواره، وأنا أسأل الله تعالى الاعانة في كل حال والاستقامة في الاقول والافعال، ما تداولت على الالسن الكلمات الدوال، وتقابلت الا زمن، الحال والماضي والاستقبال، انه بالاجابة وهو على كل شئ قدير.


(1) - في الحاشية: " مصدر صرف على بناء المجهول بمعنى صرف والتشديد للمبالغة، والمعنى ان كون القلوب مصروفة ممنوعة عما لا يليق بشأن الله تعالى مجذوبة مردودة الى جهه عرفانه بما هو كمال له في ذاته وصفاته وأفعاله أمر لا يكاد يحصل الا بتوفيقه وحسن اعانته: منه ". (2) - قال في الهامش: " جناب الشئ قربه وفناءه وكذا الحضرة والمراد بالجناب ههنا نفس الذات ". (3) - في الهامش: " مع كمال السعي والمبادرة ووفور الجد والمواظبة، منه ". (4) - في الهامش: " بمعنى التوجه مصدر المجهول ". (5) - في الحاشية " جمع السيوف اما للتعظيم أو لاعتبار جميع المسلمين بينهم لكون محاربتهم لاظهار دينه، منه ".

[ 3 ]

1 - قال أمير المؤمنين رضى الله عنه: لو كشف الغطاء (1) عنى ما ازددت يقينا (2) اقول: لو حرف شرط، والكشف الابانة، وههنها بمعنى الازالة، والغطاء ما يستر به الشئ، ولازدياد افتعال من الزيادة، واليقين هو الاعتقاد الجازم الثابت المطابق للواقع. المعنى لو أزيل الحجاب عما يجب الايمان به من المغيبات كأحوال الاخرة مثلا اما بالموت أو بالمكاشفة لم يتطرق الزيادة في يقيني بل هو مستمر في جميع الازمان، ومستقر على ما كان، بلا زيادة ولا نقصان، ويتساوى معاينة المؤمن به ومغايبته. فان قيل: " ان " لو " لانتفاء الثاني بسبب انتفاء الاول فيلزم وقوع الزيادة ؟ قلنا: لن " لو " تستعمل لمعان ثلاثة، احدها - وهو الاصل ما ذكر، والثانى - الاستدلال بانتفاء الثاني على انتفاء الاول، ومنه قوله تعالى: لو كان فيهما آلهة الا الله لفسدتا، والثالث - كون الجزاء لازم الوجود في جميع الازمنة في قصد المتكلم وهو المراد ههنا وذلك إذا علق الجزاء بنقيض ما يلائمه نحو قولك: لو أهنتني لا كرمتك، ومنه قوله عليه السلام: نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه.


(1) - في الهامش: " وفى الكلام استعارة مكنية وتخييلية وتبعية حيث شبه الامور المغيبة في خزائن علمة تعالى مضمرا في نفسه بالاشياء القيمية المحفوظة في المنازل الحصينة الرصينة في الرغبة والميلان مثل البيوت التى لها ابواب وستور يحفظ فيها الاموال النفسية وأثبت لها الغطاء الذى هو من لوازم المشبه به واعتبر الاستعارة اولا بين الكشف والازالة اصالة وبين فعلها تبعا منه ". (2) - في الحاشية: " وفى الرسالة القشيرية وقال الجنيد: اليقين هو استقرار العلم الذى لا ينقلب ولا يحول ولا يتغير في القلب، وقيل: اليقين زوال المعارضات، وقال بعضهم: اليقين هو المكاشفة وقال النووي: اليقين هو المشاهدة، منه ".

[ 4 ]

وههنا سؤال مشهور وهو ان ابراهيم عليه السلام أشار بقوله: ولكن ليطمئن قلبى، الى ان ايمانه يزداد ويتقوى بانضمام المعاينة، والمفهوم من هذا الكلام ان عليا رضى الله عنه لا يتقوى ايمانه بانضمامها وهذا يؤدى الى تفضيل الولى على النبي (1) عليه الصلوة والسلام. والجواب ان عليا رضى الله عنه قاله على وجه المبالغة لاعلى وجه التحقيق يعنى انه بالغ في اتصافه بحقيقة الايمان وكمال الاتقان وجعل ما حصل له من التقوى بتقدير المعاينة بمنزلة غير الحاصل. أو نقول: ان درجات السلوك متفاوتة (2) والمقامات غير منتاهية فلا يبعد ان يكون صدور هذا القول منه رضى الله عنه في زمان صارت الغيوب فيه كالشهود وهو المسمى في لسان اهل التصوف بأنه بالمكاشفة، وبأنه بالمشاهدة وصدور ماقاله عليه الصلوة والسلام ليس كذلك، ويمكن ان يقال: ان ما أثبت صلى الله عليه وسلم هو الطمأنينة والتقوى وما نفاه على رضى الله عنه هو الزيادة وهو أخص من التقوى (3) لان ازدياد العلم انما هو بازدياد المعلوم ولا كذلك تقويه فانه قد يكون بقوة أسبابه وكثرة مقتضياته، ونفى الاخص لا يوجب نفى الاعم فلا يلزم التفضيل.


(1) - هذا السؤال مبنى على افضلية الانبياء على الاوصياء على الاطلاق وليس هذا الاعتقاد بمرضى عند الشيعة ولاسيما متأخريهم فانهم قد أطبقوا على افضلية الائمة الاثنى عشر على الانبياء مطلقا ولا سيما أفضلية امير المؤمنين على عليه السلام فانه قد صار مسلما مفروغا عنه عندهم فالسؤال غير وارد على مبناهم حتى يحتاج الى الجواب (2) - في الهامش: " كما يقال مشاهدة الابرار بين التجلى والاستتار يعنى ان الخواص لا يدوم لهم التجلى بل هم بين كشف وستر، منه ". (3) - في الحاشية: " يعنى بحسب التحقيق والوجود لا بحسب الصدق والحمل فانهما متباينان بهذا الاعتبار لان الزيادة والنقصان من قبيل الكم والقوة والضعف من قبيل الكيف، فتأمل، منه ".

[ 5 ]

2 - قال أمير المؤمنين رضى الله عنه: الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا. اقول: الظاهر ان اللام للاستغراق لان لكل أحد غفلة مادام في الدنيا فلا يبعد ان يعرض لارباب المكاشفة في تلك الحالة غفلة مناسبة لحاله كما اشير إليه قوله عليه الصلوة والسلام: انه ليغان على قلبى، الحديث، واصل الناس أناس لقولهم: إنس وإنسان حذفت همزته للتخفيف وجعل لام التعريف عوضا عنها: ولذلك لا يكاد يجمع بينهما، وقول الشاعر: ان المنايا يطلعن على الاناس الامنينا محكوم عليه بأنه شاذ مأخوذ من أنس لانهم يستأنسون بأمثالهم أو آنس بمعنى أبصر لانهم ظاهرون مبصرون. وقيل: انه مأخوذ من النسيان اومن ناس ينوس إذا تحرك، فعلى هذا لاهمزة فيه ولا حذف، وعلى القول بأنه من النسيان اصله، نسى، قلبت الياء مكان السين فصار نيسا، ثم قلبت ألفا فصار ناسا، واختلف في انه جمع أو اسم - جمع، ذهب صاحب الكشاف وتبعه القاضى الى انه اسم جمع، إذ لم يثبت فعال في أبنية - الجمع، والجوهري الى انه جمع، والنيام جمع نائم كالقيام جمع قائم، اصله نوام قلبت واوه ياء لكسرة ما قبلها، واما قاعدة ان الجمع يرد الاشياء الى أصولها، انما تدل على وجوب وجود الرد لا على بقاء الصيغة على اصل الحرف بعد الرد ألا ترى يقال في جمع دم دماء بعد الرد الى الواو ثم بقلبه الى الهمزة، ويمكن ان يقال: ان الياء المقلوبة عن الواو واو حكما كهمزة حمراء فانها الف تأنيث حكما لكونها مقلوبة منها ولهذا لا يقال في نسبته حمرائى لئلا يقع حرف التأنيث في الوسط بل حمراوى فان قلت: الواو المقلوبة من الهمزة المقلوبة من الف التأنيث حرف تأنيث حكما


[ 6 ]

فكيف تقع في الوسط ؟ - قلت: قد ضعف حكم التأنيث فيها لكونها بالواسطة فلا تأخذ حكمها، وإذا للمستقبل (1) كما ان إذ للماضي، ولما كان الموت محقق الوقوع جئ بصيغة الماضي، والموت ضد الحيوة (2) أو عدمها على اختلاف بينهم، والانتباه التيقظ وزوال الغفلة وفى ذكر النوم والموت والانتباه من صنعة مراعاة النظير والتضاد كما لا يخفى. المعنى ان جميع الناس نائمون نوم الغفلة عن أمور الاخرة ماداموا في الحياة الفانية والقوى المتناهية، فإذا ماتوا وصاروا أحياء بالحياة الباقية الدائمة تيقضوا وزالت غفلتهم ثم وقعوا في الندم على ما كانوا عليه من الاعمال الردية والاخلاق الدنية مع علمهم بأنه لا ينفع، فالاحرى والاجدر بكل (3) مؤمن ان يتنبه عن نومة الغفلة ويميت نفسه بقطع العوائق الدنيوية وخلع العلائق النفسانية ليصل الى مقام: موتوا قبل ان تموتوا، ويخلص عن الندم بعد الموت ويحى حيوة طيبة دائمة في جوار الرحمن، اللهم نبهنا من نومة الغافلين، واجعلنا من الذين لاخوف عليهم ولا هم يحزنون (2).


(1) - في هامش الكتاب: " واصل إذا الجزم بوقوعه في اعتقاد المتكلم ولذلك عكس لفظ الماضي مع إذا لان الماضي أقرب الى القطع نظرا الى وضعه، منه ". (2) - قال في الهامش: " والموت ضد الحياة فحينئذ يكون عرضا موجودا مخلوقا لقوله تعالى: خلق الموت والحيوة، ورد بأن الخلق بمعنى التقدير والاعدام مقدرة ولو سلم فالمعنى خلق مصحح الحياة ومصحح الموت ولو سلم فأعدام الملكات مخلوقة لما لها من شائبة التحقيق، سعد الدين ".

[ 7 ]

3 - قال أمير المؤمنين رضى الله عنه: الناس بزمانهم أشبه منهم بآبائهم. اقول: الناس مبتدء وأشبه خبره مع إفراده لالتزامهم الافراد مع التذكير في أفعل من، قوله: بزمانهم، متعلق بأشبه باعتبار الزيادة، وقوله: بآبائهم، متعلق به باعتبار الاصل فلا يرد عليه كون الشئ الواحد مفضلا ومفضلا عليه من جهة واحدة بل التفضيل راجع في الحقيقة الى مأخذ أفعل الفضيل فكأنه قال: شبه الناس بزمانهم أزيد وأكثر من شبههم بآبائهم. المعنى ان جميع الناس يوافقون الزمان أكثر موافقة ويشابهونه اشد مشابهة: حتى إذا رأوا أحد جعله الدهر ذا الجاه طيب الاحوال وكثير الاموال وصاحب الخدم والحشم مع كونه أدنى نسبا وحسبا وأقل علما وأدبا يعظمونه أشد تعظيم ويكرمونه أعظم تكريم ويحبونه أتم محبة ويودونه أكمل مودة، وان كان بينه وبين آبائهم عداوة ظاهرة ومخالفة بينة، وإذا رأوا أحدا على خلاف ذلك يحقرونه (1) كل الحقارة ويهينونه حق، الاهانة، وان كان بينه وبين آبائهم محبة قديمة ومودة مستديمة (2).


(1) - كذا في الاصل بتشديد القاف على انه من باب التفعيل وهو صحيح الا ان قرائته بصيغة المجرد ايضا صحيح وعليه قول من قال: " ان المعلم والطبيب كلاهما * لا ينصحان اذاهما لم يكرما " " فاصبر لدائك ان جفوت طبيبه * واقنع بجهلك ان حقرت معلما " (2) - وفى الهامش: " ويحتمل ان يكون المعنى ان الناس تشبهوا بالزمان في الاتيان بعكس المراد واظهار الفتنة والفساد وتركوا الاقتداء بآبائهم في المروة والاحسان كأنهم لم يخلقوا من مائهم وخرجوا من صلب الزمان الذى يعرف بالدور على خلاف المراد منه ".

[ 8 ]

4 - قال أمير المؤمنين رضى الله عنه: ما هلك امرؤ عرف قدره. اقول: اي مقداره ومرتبته ومنزلته. يعنى ان من عرف ما قدر له وحد شرعا وعمل بمقتضاه لم يجز حد الجواز ولم يقع في حمى المحارم فلا جرم لا يجد الهلاك إليه سبيلا، وكذا من عرف مقداره ومرتبته عرفا في كل أمر لم يجترئ على شئ ليس هو بأهل له ولاقادر عليه مثلا من عرف أنه لم يكن أهل الشجاعة لم يلق نفسه الى المهالك والمحارب، وكذا من عرف أنه ليس بأهل العلم لم يسم بسيماء العلماء، وكذا سائر الفضائل والكمالات، ويدل على هذا الكلام بمفهومه ان من ساق نفسه الى أمر خارج عن مقداره متجاوز عن حده ومرتبته فقد عرض نفسه على الهلاك حقيقة كالجبان الذى يتشجع ويدخل في الحرب أو معنى كالجاهل الذى يتشبه بالعالم ويجلس في مجلس العلم والتدرس أو خوف الهلاك كالفاسق فانه يخاف عليه من الهلاك عاجلا أو آجلا. 5 - قال أمير المؤمنين رضى الله عنه: قيمة كل امرئ ما يحسنه. اقول: يحسن من أحسن الشئ إذا علمه حاذقا فيه. يعنى عزة كل شخص واحترامه بين الناس بمقدار علمه، فإذا شئت زيادة قيمتك فزد علمك فان زيادة القيمة ونقصانها باعتبار العلم، ألا ترى ان العبد يباع بثمن غال إذا كان يعلم القرآن أو الكتابة أو الخياطة أو غيرها، ولقد أحسن من قال: الروث شئ والجاهل ليسى بشئ، ويحتمل ان يكون من الاحسان بالمواهب فيكون المعنى ان من


[ 9 ]

كان كثيرا العطاء كان اكثر قيمة وأوفر عزة، ومن كان قليل العطاء يكون أدنى منه، ومن ليس له عطاء اصلا فلا عزة له قطعا، والاول أنسب. 6 - قال أمير المؤمنين رضى الله عنه: من عرف نفسه فقد عرف ربه. اقول: نفس الشئ ذاته وهى التى يشير إليها كل أحد بقوله: أنا. يعنى من عرف نفسه بالامكان والحدوث والعجز والاحتياج فقد عرف ربه بالوجوب والقدم. القدرة الكاملة والاحتياج إليه فمعرفة النفس دليل كاف في معرفة الله تعالى، فمن لم يعرف نفسه ولم يستدل بها على الصانع مع أنها أقوى الادلة وأقربها فيكف يعرف ربه بدليل آخر ؟ ! 7 - قال أمير المؤمنين رضى الله عنه: المرء مخبو تحت لسانه. اقول: (مخبو) من الخبء وأصله مخبوء مثل مقرو أصله مقروء، قلبت الهمزة واوا ثم أدغمت للتخفيف. يعنى كمال المرء ونقصانه مخفى ومستور ما لم يحرك لسانه، فإذا حركه وتكلم يظهر حاله، فإذا كان كلامه مما يستحسنه العقول ويتلقاه الفحول بالقبول يظهر فضله وكماله، وان كان مما يستنكر سماعه ويستقبح اصغاؤه بين من السفه والنقصان حاله، بيت بالفارسية: تا مرد سخن نگفته باشد * عيب وهنرش نهفته باشد (1)


(1) - البيت لسعدى وبعده: هر پيسه گمان مبر نهالى * باشد كه پلنگ خفته باشد

[ 10 ]

8 - قال أمير المؤمنين رضى الله عنه: بالبر يستعبد الحر. اقول يعنى من أراد ان يستخدم الاحرار ويجعلهم كالعبيد له فليحسن لهم ببذل الاموال والاطعام وبشاشة الوجه وإلانة الكلام فيحينئذ يرغب كل أحد في خدمته ولم ير الانفكاك عن حضرته بدلالة: الانسان عبيد الاحسان ومن لم يكن من البر في شئ ولم يلاطف أحدا لا يراوده أحد ويتركه عبيده وحيدا فضلا عن غيرهم، بيت (1):


هذا بناء على ما في گلستان المصحح بتصحيح المرحوم الاستاذ عبد العظيم الگرگانى القريب (انظر الباب الاول، ص 19) وصرح الاستاذ المذكور في ذيل الصفحة بان المصراع الثاني من البيت الثاني في اغلب النسخ هكذا " هر بيشه گمان مبركه خاليست ". وذكر ان " نهال " بالفارسية بمعنى الصيد ونص عبارته هكذا " نهال بكسر نون شكار يعنى هرسياه و سفيدى را كه دركوه بينى گمان مبر شكاراست شايد پلنگ خوابيده باشد ". اقول: لهذا البيت قراءة اخرى وهى ما في اغلب النسخ كما اشار إليه الاستاذ القريب - رحمه الله - وهو المشهور وبهذا المنوال: " هر بيشه گمان مبركه خاليست * شايد كه پلنگ خفته باشد " وطالب البحث عنه يخوض بحر الادب الفارسى إذ ليس البيت مما ذكر في المتن حتى نضطر الى البحث عنه وهذا المقدار من الاشارة يكفى في المقام. (1) - هذا البيت ايضا لسعدى ذكره في گلستان وقبله هر كه فريادرس روز مصيبت خواهد * گو در ايام سلامت بجوانمردى كوش (انظر الباب الاول، ص 26 من النسخة المطبوعة بتصحيح الاستاذ عبد العظيم القريب - رحمه الله - بطهران سنه 1310 من التاريخ الهجرى الشمسي).

[ 11 ]

بندهء حلقه بگوش ارننوازى برود * لطف كن لطف كه بيگانه شود حلقه بگوش 9 - قال أمير المؤمنين رضى الله عنه: من عذب لسانه كثر اخوانه. أقول: الاخوان بكسر الهمزة جمع الاخ والمراد ههنا الاعوان والانصار. يعنى عذوبة اللسان ولينته سبب لكثرة الاعوان والانصار، ومرارة اللسان وصلابته. بحسث يتضجر منه سبب لكثرة الاعداء في القرى والامصار. 10 - قال أمير المؤمنين رضى الله عنه: بشر مال البخيل بحادث أو وارث. أقول: البشارة هو الخبر السار، والتبشير إلقاء ذلك الخبر لمن يتعقل السرور وههنا مجاز عن الانذار على وجه التهكم والمراد من الحادث الافة السماوية من حيث لا يعلم ويظن مثل الغرق والحرق والمصادرة وغير ذلك، والبخل خلق يوجب امساك الرجل ماله عن طريق الخير، وضده سرف وسفاهة. يعنى ان من لم ينفق ماله في طريق الخير فرضا أو فضلا فلابد ان يهلك بآفه من حيث لا يحتسب، وان يبقى بعده لورثته وعليه حسابه، وتعلق التبشير والانذار بالمال مجاز عقلي لان التبشير والانذار حقيقة لا يتعلق لمن لا يتعقل السرور والحزن.


[ 12 ]

11 - قال امير المومنين رضى الله عنه: لا تنظر الى من قال وانظر الى ما قال. اقول: يعنى لا يمنع حال القائل من خسة النفس ودناءة النسب وترك لعمل وسوء الادب من قبول قوله وسماع كلامه واقتباس العلم والحكمة من فيه كما قيل (1) الحكمة ضالة المؤمن، اينما وجدها أخذها. 12 - قال أمير المومنين رضى الله عنه: الجزع عند البلاء تمام المحنة. أقول: الجزع ضد الصبر والبلاء والمحنة هي المصيبة سميت بهما لكونها سبب الابتلاء والامتحان، وقد يطلق البلاء على النعمة لكونها ابتلاء واختبارا للمنعم عليه، هل يشكر فيثاب، ام يكفر فيستحق العقاب. يعنى ان من ترك الصبر عند المصيبة وأتى ما فعله الجهال من خدش الوجه ولطمه وشق الجيب والبكاء مع الصوت تكمل مصيبه ويتم محنته حيث أوقع نفسه في نصب ومشقة وحرم عن (2) ثواب مصيبته ومحنته بل استحق بارتكابه المنهى بعذاب ونقمة ولا مصيبة أشد منها فالاولى للعاقل ان يصبر عند المصيبة حتى لا يحرم عن (3) الثواب وتخلص عن استحقاق العقاب.


(1) - قائل هذا الكلمة الشريفة ايضا امير المؤمنين عليه السلام وهى مروية في نهج البلاغة بل صدرها معدود في عداد هذه الكلمات المائة المختارة للجاحظ من كلمات امير المؤمنين (ع) أيضا وتأتى مع شرحها (انظر عدد 67). (2 و 3) - كذا والاولى عدم الحاجة الى " عن " في الموضعين لان حرم يتعدى الى مفعولين بنفسه.

[ 13 ]

13 - قال أمير المؤمنين رضى الله عنه: لاظفر مع البغى. أقول: الظفر هو الوصول الى المقصود، والبغى الخروج عن طاعة الامام. يعنى أن من أراد ان يكون اماما في الارض ويجرى حكمه بين الانام فجمع جنودا محاربين للامام فالاغلب ان يقع الانهزام وعدم الوصول الى المرام ولو غلب وكان مظفرا فلا ينفعه ذلك الظفر اذلا دوام له ولا بقاء بل هو في معرض الزوال لان أصله ظلم وضلال. وقيل: الملك يقوم ويبقى مع الكفر ولا يقوم ولا يبقى مع الظلم، يشهد (بذلك) حال نوشروان وكذلك كل أمير جائر، والله أعلم بالصواب. 14 - قال أمير المومنين رضى الله عنه: لاثناء مع الكبر. أقول: الثناء الذكر بالخير، والكبر الترفع على الغير. يعنى من اعتاد التكبر لم يذكر عند أحد بالخير والصلاح بل بالشر والوقاحة (1) فبالكبر يظهر المعايب والمثالب وتضمحل المفاخر والمناقب، فان الكبر والعظمة صفتان مختصتان بالله تعالى لا يجوز لاحد ان يحوم حولهما، وفى الحديث القدسي: الكبرياء ردائي والعظمة إزارى فمن نازعنى واحدا منهما أدخلته النار، رواه أبو هريرة، والحديث في المصابيح (2)


(1) - في الاصل: " الوقاح " فالتصحيح قياسي. (2) يريد به مصابيح السنه للبغوي الشافعي والحديث مذكور فيه (انظر ج 2، ص 121 من طبعة بولاق الا ان فيه بدل " أدخلته ": " قذفته ").

[ 14 ]

ويحتمل لمعنى آخر وهو انه: لا يثنى صاحب الكبر ولا يحمد خالقه لان كبره يمنعه ان يعظم غيره ويمتثل أمره كما ان ابليس حمله الكبر على ترك الامر حتى لم يسجد لادم عليه الصلوة والسلام وكان من الكافرين، نعوذ بالله من ذلك. 15 - قال أمير المومنين رضى الله عنه: لا بر مع الشح. أقول: الشح البخل مع حرص. يعنى ان من اعتاد الشح لا يحب ولا يريد ان يعين أحدا بالنفس والمال ولم يأتمر بقوله تعالى: وتعاونوا على البر والتقوى (1) فان رجوت رضى الله تعالى وان تذكر بالذكر الجميل فاقرب كل واحد بالبر والاحسان مريدا به رضى الرحمن فانه هو المراد ممن هو إنسان. 16 - قال أمير المومنين رضى الله عنه: لاصحة مع النهم. أقول: الصحة ضد المرض والنهم بفتح الهاء شدة الشهوة الى الطعام وبكسرها صاحبها. يعنى شدة الاشتهاء الى الطعام تفضى الى كثرة الاكل، وهى تفضى الى التخمة، وهى تورث المرض، حتى قال بعض الحكماء: لو بعث الموتى بأجمعهم وسئل كل منهم عن سبب موته لقالوا: هي التخمة، وقيل أدرج الله تعالى علم الطب في نصف آية حيث قال تعالى: كلوا واشربوا ولا تسرفوا (3).


(1) - من آية 2 سورة المائدة. (2) - من آية 31 سورة الاعراف.

[ 15 ]

17 - قال أمير الومنين رضى الله عنه: لا شرف مع سوء الادب. أقول: الشرف الارتفاع واجتماع الخواص وظهورها، والادب اجتماع خصال الخير، والاديب من قام به ذلك وهو بهدا المعنى يطلق على المؤدب والمؤدب ويقال: أستاذ أديب، وولد أديب، فعلى هذا التفسير يكون معنى قولهم: هذا من سوء الادب، وهذا من حسن الادب، من سوء ترك الادب الاسوء، وحسن الادب الاحسن، على طريقة كون الاسوء والاحسن صفه كاشفة للادب وتركه لانه حيثما وجد فهو أحسن وأينما لم يوجد فهو أسوء. المعنى لا يجد الشرف من ليس له ادب، وان كان ذا حسب ونسب، إذ هو من جملة الشرف ومعتبر في فكأنه جزء منه والكل لا يوجد بدون الجزء بيت: ادب تاجيست از نور الهى * بنه برسر برو هرجاكه خواهى (1) ولهذا يرجح الاستاد المؤدب على الاب فانه سبب لشرف الولد وكماله والاب لوجوده وحصوله ولاعبرة للوجود بلا كمال، لقد احسن من سمى الوالد أبا طينيا والمعلم أبا دينيا (2).


(1) - يشبه ان يكون من اشعار عطار أو عبد الرحمن جامى. (2) - يقرب منه ما نقل عن الاسكندر في بعض الكتب من انه قيل له: " لم تحترم مؤدبك ومعلمك اكثر من احترامك لابيك ووالدك ؟ - قال: لان والدى سبب حياتي الفانية ومؤدبي سبب حياتي الباقية " وقريب منه ما قيل بالفارسية: " اي بيخرد اگر پدرت نان وآب داد * استاد در نهاد تو علم وادب نهاد " " حقا كه آب ونان ندهد هيچ فايده * تاعلم دين وشرع نخوانى بر اوستاد " وورد في الحديث: " انما الاباء ثلاثة، اب ولدك، واب علمك، واب زوجك ".

[ 16 ]

18 - قال أمير المؤمنين رضى الله عنه: لا اجتناب من محرم مع حرص. أقول: الحرص شدة الطمع من الحرص بفتح الحاء بمعنى الشجاعة أو الشق سميت به لانها تلقى صاحبها الى هلاك نفسه أو عرضه، أو تشق وتخدش وجه عزه وناموسه وتحمله الى السؤال الذى هو سبب ذلته وحقارته وهو حرام بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: لا يجوز للمؤمن يذل نفسه. المعنى ان الحريص لا يجتنب عن الوقوع في الحرام فلا أقل من إذلال نفسه كما ان آدم عليه الصلوة والسلام حمله الحرص على الاكل من الشجرة، بيت (1): بئس المطاعم حين (2) الذل تكسبها * القدر منتصب والقدر مخفوض


(1) - البيت في الباب الثالث من گلستان سعدى، انظر ص 102 من النسخة المطبوعة بتصحيح الاستاذ عبد العظيم القريب وقال الاستاذ القريب في ذيل الصفحة " در اكثر نسخ بجاى " يكسبها ": " تكسبها " نوشته شده ". وقال الشارح في حاشية الكتاب: " ولا يخفى ان المصراع الثاني في مقام التعليل للذم والمعنى بئس المطاعم تكسبها انت حين الذل وبئس المطاعم حين كسب الذل اياه اي حين بكسبها الرجل بذل السؤال وهو ان التوقع فانه وان نال شيئا وتنصب به قدره وغلا لكنه انخفض من قدره ما قد ارتفع وغلا، وقال على رضى الله عنه: لنقل الصخر من قنن الجبال * احب الى من منن الرجال، منه ". وقال ايضا فى ذيله: " اي تكسب انت تلك المطاعم والخطاب لكل من يصلح ان يكون مخاطبا ويروى الذل بالرفع على انه مبتدأ ويكسبها بالياء التحتانية على صيغة الغائب في محل الرفع على انه خبره، والجملة الاسمية في محل الجر باضافة الظرف إليها فعلى هذا فاعل يكسب ضمير يعود الى الذل مجازا ومحل الظرف نصب على انه حال من المطاعم، منه ". (2) - في الحاشية: " نصب " حين " على انه ظرف لتكسب مضاف الى الذل، منه ".

[ 17 ]

فالاولى للعاقل ان يقنع بكنز القناعة ويحترز عن الذل والفضاحة فان المقسوم لايمنع، والحرص عليه لا ينفع، كما قيل: بيت: دع الحرص على الدنيا * وفيها الرزق لا تطمع فان الرزق مقسوم * وسوء الظن لا ينفع فقير كل ذى حرص * غنى كل من يقنع 19 - قال أمير المومنين رضى الله عنه: لا راحة مع الحسد. اقول: الحسد هو ان تتمنى زوال نعمة المحسود وانتقالها اليك، وقيل: ارادة زوال نعمة فيها صلاح صاحبها عنه حسد، وارادة مثلها لنفسه غبطة (1)، وارادة زوال نعمة ليس فيها صلاح صاحبها غيرة، مثلا ان ارادة زوال العلم عمن يعمل به حسد، وعمن لا يعمل به غيرة، وارادة مثله غبطة، فالاخران جائزان دون الاول، فانه المفسد للطاعات والحامل على الخطيئات، كما قتل أحد ابني آدم الاخر حسدا، وقال بعضهم: الحاسد جاحد لانه لا يرضى بقضاء الواحد. المعنى - لا يخلو العالم عن النعم، ومريد زوالها يدوم في الحزن والغم، والغم فلا يستريح اصلا، كمن اكل السم، فاللازم لكل احد ان يتقى من (2) الحسد فان اثره يتبين في الحاسد قبل ان يتبين في المحسود، ونقل عن الاصمعي أنه قال: سألت اعرابيا اتى عليه مائة وعشرون سنة، فقلت: ما اطول عمرك ؟ ! فقال: تركت الحسد فبقيت.


(1) - في الهامش: " وقيل الغبطة أمر حسن مرضى إذا كان المتمنى مما يتقرب به الى الله تعالى كطلب العلم للعمل به وارشاد الخلق، وطلب المال للانفاق في الخير. وقيل: لا باس به إذا كان في مباح لا يفضى الى محظور، كذا في توضيح مقدمة، منه ". (2) - كذا ولا حاجة الى من لان " اتقى " يتعدى بنفسه وهو واضح.

[ 18 ]

20 - قال أمير المؤمنين رضى الله عنه: لا محبة مع مراء. اقول: المراء المجادلة والمخالفة، والمحبة الميل الدائم بالقلب الهائم وقال الجنيد رحمه الله: المحبة افراط الميل بلانيل، وقيل ايثار المحبوب على جميع المصحوب، وقيل: موافقة الحبيب في المشهد والمغيب، واختلف في اصلها في اللغة، قال بعضهم: من الحب بمعنى صفاء بياض الاسنان ونضارتها سمى بذلك لصفاء القلب بها، وقيل، من الحباب وهو ما يعلوا الماء عند المطر الشديد، فعلى هذا: المحبة غليان القلب عند التعطش والاحتياج الى لقاء المحبوب، وقيل من حباب الماء بفتح الحاء بمعنى معظمة، سمى بذلك لان المحبة معظم مهمات القلب، وقيل من اللزوم والثبات، يقال احب البعير إذا برك فلا يقوم، فكأن المحب لا يبرح بقلبه عن ذكر محبوبه، وقيل: من الحب وهى الخشبات الاربع التى توضع عليها الجرة، فوجه التسمية به انه يتحمل عن محبوبه جيمع ما اصاب من جهته وجميع ذلك ينبئ عن الموافقة، والمراء مجادلة ومخالفة فلا يجتمعان، فمن ادعاها مع المراء فهو كاذب. 21 - قال أمير المؤمنين رضى الله عنه: لا سودد مع انتقام. أقول: السودد مصدر يقال: ساد قومه يسوده سيادة وسودة وسوددا (وسؤددا، بالهمز وسيدوة) واحدى الدالين زائدة للالحاق ببناء فعلل مثل جندب وبرقع، والانتقام المعاقبة. يعنى من غضب لاجل نفسه احدا من القوم لا يليق سيادة ذلك القوم ورياستهم


[ 19 ]

بل الغضب والشفقة والبغض والمحبة ينبغى ان يكون لله تعالى خصوصا ممن اراد السيادة، وحكى عن بعض أهل الحكم انه قيل له: ان فلانا صدر عنه امر يوجب التعزير فأرسل إليه فلم يجب ثم قام ذلك الحاكم وذهب إليه ليعزره في مكانه فلما رأى الامير شتمه فرجع الحاكم ولم يعزره قيل له في ذلك ؟ - قال: لانه شتمنى فان كنت عزرته قبل الشتم فهو لرضاه تعالى واما الان فأخاف ان يقع لاجل نفسي فلهذا تركته (1).


(1) - اولى مثال لذلك ما عامله أمير المؤمنين على (ع) في غزوة الاحزاب المعروف في بغزوة الخندق مع عمرو بن عبد ود عند قتله (ع) اياه وهو معروف وذكره المولى الرومي في كتابه صقيل الارواح العروف بالمثنوى بوجه آخر فلا بأس بالاشارة إليه لانه صرح ان الذى رمى بزاقه على وجه امير المؤمنين (ع) آمن وأسلم مع خمسين نفرا من أقربائه بعدان علم سر تأخيره (ع) قتله وهو انه نقل في الدفتر الاول من المثنوى تحت عنوان " خدو انداختن خصم برروى امير المؤمنين على عليه السلام وانداختن آن حضرت شمشير را از دست " مانصه (ص 97 من طبعة مكتبة الاسلامية): " از على اموز اخلاص عمل * شير حق رادان منزه ازدغل " " در غزا يرپهلوانى دست يافت * زود شمشيرى برآورد وشتافت " " أو خدوا انداخت بر روى على * افتخار هرنبى وهرولى " " درزمان انداخت شمشيرآن على * كرد أو اندر غزايش كاهلى " " گشت حيران آن مبارز زين عمل * ازنمودن عفو ورحم بى محل " " گفت بر من تيغ تيز افراشتى * ازچه افكندي مرا بگذاشتى " " فساق الكلام الى ان قال: " گفت امير المؤمنين باآن جوان * كه بهنگام نبرد اي بهلوان " " چون خدوا انداختى برروى من * نفس جنبيد وتبه شد خوى من " " نيم بهر حق شد ونيمى هوا * شركت اندر كار حق نبود روا " " گبر اين بشنيد ونورى شدپديد * در دل أو تا كه زنارى دريد " " گفت من تخم جفا مى كاشتم * من ترا نوعي دگر پنداشتم " " عرضه كن برمن شهادت را كه من * من تراديدم سر افراز زمن " " قرب پنجه كس زقوم وخويش أو * عاشقانه سوى دين كردند رو " " أو بتيغ حلم چندين خلق را * واخريد ازتيغ چندين حلق را " فمن اراد تفصيل القصة فليراجع الكتاب المشار إليه (ص 97 - 104)

[ 20 ]

22 - قال أمير المؤمنين رضى الله عنه: لا زيارة مع زعارة. اقول: الزيارة مصدرمن زار يزور من باب قال وكتب، قلبت واوه ياء لكسرة ما قبلها، والزعارة بتشديد الراء شراسة الخلق ولا فعل له واما قولهم: زعر يزعر " من باب طرب " فهو زاعر فلمعنى آخر وهو قلة الشعر، والزعرور بضم الزاء كالعصفور وزنا سيئ الخلق والعامة تقول: رجل زعرور فيه زعاره كذا في مختار الصحاح. المعنى - ان المقصود من الزيارة لاحد تفريح قلبه وإدخال السرور في صدره وذلك لا يحصل الا ببشاشة وجه الزائر لا باظهار الحزن وارادة كسر الخاطر، بيت (1): زبخت روى ترش كرده پيش يار عزيز * مرو كه عيش برو نيز تلخ گردانى بحاجتي كه روى تازه روى وخندان رو * فرو نبندد كار گشاده پيشانى فلو جئت جبيبك وانت عبوس الوجة ومحزون القلب انقلب زيارتك زعارة واكرامك اياه اهانة فحقه ان يقول هو لك: ياليت بينى وبينك بعد المشرقين فبئس القرين (2). 23 - قال أمير المؤمنين رضى الله عنه: لا صواب مع ترك المشورة. أقول: الصواب ضد الخطأ وهو حكم يطابق الواقع والظاهر أنه في أصل اللغة


(1) - البيتان لسعدى (انظر گلستان، الباب الثالث ص 101 من طبعة الاستاذ عبد العظيم القريب). (2) - ذيل آية 38 من سورة الزخرف وفى هامش الكتاب: " بعد المشرقين اي بعد المشرق من المغرب فغلب المشرق وثنى وأضيف البعد اليهما، كذا في تفسير القاضى، منه ".

[ 21 ]

من: صاب السهم يصوب صيبوية إذ قصد ولم يجره (1) وفى العرف العام يستعمل اسما لمصدر أصاب لا مصدر صاب، إذ لا يقال في معنى الصواب صائب بل يقال: مصيب كذا يفهم من حاشية المطالع (2)، والمشورة استضمام الامر باستصواب الغير وهو أمر مندوب إليه بدلالة قوله تعالى خطابا مع نبيه صلى الله عليه (وآله) وسلم: وشاورهم في الامر (3). المعنى - ان تارك المشورة عن ذى عقل وبصيرة غير مصيب في امره والظاهر أنه على وجه المبالغة حثا على المشورة لاعلى وجه التحقيق والا لزم ان لا يصيب كل احد في امره الا بمشورة، وليس كذلك، وقيل: الانسان أقسام ثلاثة، رجل كامل، ونصف رجل، ولا شئ، اما الرجل الكامل فمن له عقل تام، ومع هذا يشاور العقلاء، واما النصف فهو الذى له عقل ورأى ولكن يستبد برأيه ولا يشاور أحدا، واما الذى هو لا شئ فهو الذى ليس له عقل كاف ورأى واف، مع انه يترك المشورة. فان قيل: ما فائدة الامر بالمشورة للنبى صلى الله عليه (وآله) وسلم مع انه موصوف بكمال العقل وتمام الرأى ؟ قلنا: هو التودد لمن يشاوره من الاصحاب وان يقتدى به في المشورة مع ذوى الالباب والتخلص عن استحقاق اللوم والعتاب ان لم يتيسر وجه الخير والصواب فان حصول


(1) - في الهامش: " بالراء المهملة من جار يجور إذا مال عن سمت الاستواء ". (2) - في الهامش: " قد علم من هذا الفرق بين صاب وأصاب واما خطأ وأخطا فلا فرق بينهما بل هم لغتان بمعنى واحد، يشهد به ما وقع في المثل: مع الخواطئ سهم صائب، يضرب للذى يكثر الخطأ ويأتى احيانا بالصواب، وجه الاستشهاد به ان السهم لا يوصف بالتعمد لما لا ينبغى مع انه موصوف بالخاطئ إذ الخواطئ جمع الخاطئ لاجمع المخطئ فتدبر، وفرق الارموى بينهما وقال: المخطئ من اراد الصواب فصار الى غيره والخاطئ من تعمد بما لا ينبغى كذا في حاشية شرح المطالع، منه ". (3) - من آية 159 سورة آل عمران.

[ 22 ]

المرام انما هو بعون الملك العلام لا بالمشورة كما يشير إليه سياق الاية: فإذا عزمت فتوكل على الله (1) اي لا على المشورة ولا على اصحابك، كذا في تفسير الامام ابى الليث رحمه الله تعالى. 24 - قال أمير المومنين رضى الله عنه: لا مروة لكذوب أقول اصل المروة مروءة من المرء قلبت الهمزة واوا ثم ادغمت وفى المغرب: المروءة كمال الرجولية، والكذوب مبالغة كاذب. يعنى ان من اعتاد الكذب لا يجئ منه المروة والانسانية لان من جملتها صدق القول والكذب ينافيه فلا يجتمع المروة مع الكذب. 25 - قال أمير المؤمنين رضى الله عنه: لا وفاء لملول أقول الوفاء: ضد الغدر، والملول فعول من الملال بمعنى السأمة يقال: مل الشئ ومل من الشئ يمل بالفتح مللا وملة وملالة اي سئمه، واستمل بمعنى مل، ورجل مل وملول وملولة وذو ملة وامراة ملولة كذا في مختار الصحاح. يعنى ان السأمة والحزن إذا استولى على احد يسد طرق احساسه ويضعف آلات ادراكه فلا يتيسر له الوفاء بما وعد، ويقع النقض على ما عهد، فالاحرى للعاقل (2) ان لا يفعل شيئا معتمدا على عهده ووعده ومتوكلا على قوله وفعله فانه مغلوب النهى ومسلوب


(1) - من آية 159 آل عمران. (2) - كذا والاولى ان يستعمل بالباء لا باللام اي يقال: بالعاقل.

[ 23 ]

القوى. ويقال: الاعتماد على قول الامراء كالاستناد على الماء الجارى، لعل وجه التشبيه هو انهم لا ينفكون عن الملالة والسأم في اغلب الليالى والايام لكثرة اشتغالهم بأمور الخلق ومصالح الانام، وفى بعض النسخ: لملوك، والظاهر انه سهو ومنشأه ما ذكر آنفا ووجه كونه سهوا هو ان الملك والامارة من حيث هو ليس علة للغدر بل باعتبار الملالة كما لا يخفى. 26 - قال أمير المؤمنين رضى الله عنه: لا كرم أعز من التقوى. أقول: الكرم عموم النفع بالموجود بلاضنة ولامنة، وأعز أفعل من العز بمعنى القوة، أو من العزة بمعنى الغلبة والقهر، والتقوى جماع الخيرات، وحقيقة الاتقاء التحرز بطاعة الله تعالى عن عقوبته يقال: اتقى فلان بترسه، واصل التقوى اتقاء الشركة: ثم بعده اتقاء المعاصي والسيئات، ثم بعده اتقاء الشبهات، وثم بعده يدع (1) الفضلات، وقيل: التقوى على وجوه، للعامة تقوى الشرك، وللخواص تقوى المعاصي، وللاولياء تقوى التوسل بالافعال، وللانبياء تقواهم منه إليه، وقال الواسطي: التقوى ان يتقى تقواه اي من رؤيته تقواه كذا في الرسالة القشيرية (2). المعنى ان من اتصف بمراتب التقوى كان أفضل كرما وأعم نفعا، لان التقوى مجمع الخيرات واصل الطاعات ومدار الكرامات، قال الله تعالى: ان اكرمكم عند الله اتقاكم (3).


(1) - في الرسالة القشيرية: " تدع " (بتاء الخطاب). (2) - انظر باب التقوى من تلك الرسالة (ص 52 - 53 من النسخة المطبوعة بمصر سنة 1367). (3) - من آية 13 سورة الحجرات.

[ 24 ]

27 - قال أمير المؤمنين رضى الله عنه: لا شرف أعز من (1) الاسلام. أقول: وهو افعال من السلم بمعنى السلامة والسلام وبمعنى الصلح والمسالمة قال في العقائد في الاعتقاد وعليه العمدة والاعتماد: الايمان والاسلام واحد، والظاهر ان المراد بوحدتهما اتحادهما بحسب الذات والمعروض لا بحسب المعنى والمفهوم، إذ لكل معنى مغاير للاخر فان معنى الاسلام هو الانقياد والخضوع لاوامره ونواهيه، ومعنى الايمان هو التصديق بما أخبر به الله تعالى على لسان رسوله فهما متغايران الا ان الانقياد الباطني يلزمه الصديق القلبى لزوما كليا بحيث لا يوجد أحدهما بدون الاخر فيكون ذاتهما ومعروضهما واحدا لا ينفك أحدهما من الاخر مثل النطق والضحك فلا يجوز شرعا ان يقال لشخص: هذا مسلم ليس بمؤمن، وبالعكس، بل الحق ان يقال: كل مؤمن مسلم وبالعكس كما يقال: كل ناطق ضاحك بالقوة وبالعكس. وأنكر أهل الظواهر تساويهما وزعموا ان الاسلام اعم من الايمان مستدلين بقوله تعالى: قالت الاعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا اسلمنا ولما يدخل الايمان في قلوبكم (2) حيث اثبت الاسلام ونفى الايمان، والجواب ان المراد من الاسلام ههنا معناه اللغوى وهو الاستسلام ومجرد الانقياد لا الشرعي وهو الانقياد المرتب على التصديق القلبى والا يلزم ان يكون المنافق مسلما شرعا وهو باطل. وحاصل المعنى ان شرف الاسلام يعلو كل شرف ونباهة من شرف النسب والمال وسائر الفضائل فانه لا معتبر به بدون الاسلام.


(1) - يجوز في قوله " اعز " الفتح والرفع والنصب كما قال ابن مالك: " ومفردا نعتا لمبنى يلى * فافتح أو ارفع أو انصبن تعدل " فمن أراد التفصيل فليراجع موارده. (2) - صدر آية 14 سورة الحجرات.

[ 25 ]

28 - قال أمير المومنين رضى الله عنه: لا معقل أحصن من الورع. اقول: المعقل الملجأ، والورع بفتحتين مصدر من ورع يرع رعة بكسر الراء في الثلاثة وهو التحرز والامتناع عم لا ينبغى، والورع بكسر الراء صفة بمعنى التقى كذا في مختار الصحاح. قال يحيى بن معاذ: الورع الوقوف على حد العلم من غير تأويل، وقال يونس بن عبيد الله: الورع الخروج عن كل سيئة ومحاسبة النفس مع كل طرفة، قيل: جاءت أخت بشر بن الحارث الحافى الى احمد بن حنبل وقالت: انا نغزل على سطوحنا فتمر بنا المشاعل الظاهرية ويقع الشعاع علينا افيجوز لنا الغزل في شعاعها ؟ - فقال احمد: من أنت عافاك الله ؟ - قالت: أخت بشر الحافى، فبكى أحمد وقال: من بيتكم يخرج الورع الصادق، لا تغزلي في شعاعها. وقال على العطار: مررت بالبصرة في بعض الشوارع فإذا مشايخ قعود وصبيان يلعبون، فقلت لهم: ما تستحيون (1) من هؤلاء المشايخ ؟ - فقال صبى منهم: هؤلاء المشايخ قل ورعهم، فقلت هيبتهم، كذا في الرسالة القشيرية (2). المعنى - إذ أردت ان تخلص نفسك من الآفات والعاهات وتفحصت ملجأ تستعيذ به فصاحب الورع والتقى فانه ليس في الدنيا حصن أشد منه ملجأ وأقوى ملاذا.


(1) - في الرسالة القشيرية: " تستحون " وهما لغتان صحيحتان من استحى (بحذف الياء الاولى) واستحيا (بيائين) صرح يجوازهما واستعمالهما علماء اللغة. (2) - انظر باب الورع من الكتاب (ص 53 - 55 من النسخة المطبوعة بمصر سنه 1367).

[ 26 ]

29 - قال أمير المؤمنين رضى الله عنه: لا شفيع أنجح من التوبة. أقول: الشفيع صاحب الشفاعة أو الشفعة، وأنجح أفعل من النجح والنجاح على وزن الصلح والصلاح بمعنى الظفر بالحوائج (1)، أو من الانجاح (2) بمعنى قضاء الحاجة، والتخليص على خلاف القياس، والتوبة في اللغة الرجوع من تاب يتوب من باب قال يقول، والتوبة ايضا في الشرع الرجوع عما كان مذموما في الشرع الى ما هو محمود فيه، قالوا: شرط التوبة ثلاثة أشياء، الندم على ما قدم من المخلفات، وترك اللذة في الحال، والعزم على ان لا يعود الى مثل ما عمل من المعاصي، وما قاله صلى الله عليه (وآله) وسلم: الندم توبة فانما هو نص على معظم شرطه كما قال عليه الصلوة والسلام: الحج عرفة اي معظم أركانه الوقوف بها ؟ لا الحصر. المعنى - ايها المكتسبون للخطيئات والمجترحون للسيئات عليكم ان تستشفعوا التوبة (3) والانابة وتستعينوا بالاستغفار والايابة (4) فان شفاعته أقرب الى القبول بل هو


(1) - اي اجعلوا التوبة شفيعة لكم. (2) - في الهامش: " يعنى ان أنجح إذا كان من الانجاح يكون من الزوائد ولا يجيئ أفعل التفضيل منها الا على خلاف القياس نحو قولهم: أعطاهم وأولاهم بمعنى أكثرهم اعطاء وأشدهم ايلاء بمعنى الاعطاء، منه ". (3) - في الهامش: " يعنى ان التوبة من بين الشفعاء أكثر ظفرا بحاجتها وأشد وصولا الى ماردها وتخليص من شفعت وكذلك سائر الشفعاء فانه قد يحصل ما أرادوه من التخليص وقدلا يحصل، منه ". (4) - كذا في الاصل.

[ 27 ]

عين القبول قال عليه الصلوة والسلام: التائب من الذنب كمن لا ذنب له، وهو أحب الى الله تعالى ورسوله، قال الله تعالى: ان الله يحب التوابين ويحب المتطهرين (1) الا ترى ان شفاعة التوبة تنفع الكافر (2) وشفاعة سائر الشفعاء ليست كذلك، قيل لابي حفص: لم يبغض التائب الدنيا ؟ - قال: لانها دار باشر فيها الذنوب، فقيل له: فهى دار كرمه الله تعالى فيها بالتوبة فقال: انه من الذنوب على يقين ومن قبول توبته على خطر، كأنه يشير الى ان من شرط التوبة ان يكون التائب مستحقا لمحبة الله تعالى اياه والعاصي بينه وبين محل يجد في اوصافه امارة محبة الله تعالى اياه فيه مسافة بعيده فالواجب إذا على العبد العاصى بعد اظهار التوبة دوام الانكسار وملازمة التضرع والاستغفار كما قالوا: استشعار الوجل الى الاجل (3). 30 - قال أمير المؤمنين رضى الله عنه: لا لباس أجمل من السلامة. أقول: اللباس بالكسر واللبوس بالفتح ما يلبس، وكذا الملبس بوزن المذهب، واللبس ايضا كالدبس الكعبة والهودج ما عليها من لباس من الثوب يلبسه بالفتح لبسا بالضم والمراد ههنا الصفة مجازا، والجمال الحسن وقد جمل الرجل بالضم جمالا فهو جميل وامرأة جميلة وجمله تجميلا زينه، والسلامة من قولهم: سلم فلان من الافات كذا في مختار الصحاح.


(1) - ذيل آية 222 سورة البقرة. (2) - في الهامش: " أي في الدنيا. (3) - مهمات شرح هذه الكلمة مأخوذة من الرسالة القشيرية (انظر باب التوبة (ص 45 - 48 من النسخة المطبوعة بمصر سنه 1367).

[ 28 ]

والمعنى - ان من اتصف بصحة البدن وسلامة الايمان فقد اجتمع فيه أحسن نعم الدنيا والاخرة، إذا لا نعمة أحسن وأفضل منها كما يقال: أفضل رأس المال الصحة، ويجوز ان يكون المراد من السلامة سلامة الغير من اذية الرجل. يعنى - ان أفضل احوال الرجل ان يسلم غيره من اذيته وجوره كما يقال: المسلم من سلم المسلمون من يده ولسانه، والله أعلم. 31 - قال أمير المؤمنين رضى الله عنه: لاداء أعيا من الجهل. اقول: الداء المرض تقول منه داء يداء من خاف يخاف داء بالمد والجمع أدواء، وأعيا اسم تفضيل من الاعياء على خلاف القياس يقال: داء أعيا اي صعب لا دواء له كأنه أعيا الاطباء وأعجزهم، والظاهر ان المراد من الجهل هو الجهل الكامل المطبوع عليه المسمى بالجهل المركب إذ غيره يسهل زواله. المعنى - ان الجهل المطبوع عليه مرض شديد ليس له دواء يورث لصاحبه الشقاوة والقساوة ويمنعة عن قبول الحق والهداية فلا ينفعه دواء الايات الواضحة وعلاج المعجزات الساطعة بل تزيده نفورا واستكبارا كما قال تعالى حكاية عن نوح النبي عليه الصلوة والسلام فلم يزدهم دعائي الافرارا (1)، أعاذنا الله تعالى بلطفه عن ظلمة الجهل والفساد، وهدانا بفضله الى طريق الحق والرشاد، انه رؤف بالعباد (2) -.


(1) - آية 6 سورة نوح. (2) - اقتباس من قوله تعالى: " والله رؤف بالعباد " (وهو ذيل آية 207 سورة البقرة وكذا ذيل آية 30 سورة آل عمران).

[ 29 ]

قال أمير المؤمنين رضى الله عنه: لا مرض أضنى من قلة العقل. أقول: يقال: أضناه المرض أثقله وجعله ضعيفا، والضنى بالقصر المرض وبابه صدى فهو رجل ضنى على وزن فعيل وضن على وزن فعل بحذف الاخر يقال: تركته ضنيا وضنيا بالتخفيف والتشديد. المعنى - من كان من العقل قليل البضاعة ومن الفهم قصير الباعة كمثل المريض الذى ضعف جسمه من شدته ونحف بدنه من قوته بل هو أضعف حالا منه لعجزه عن درك العواقب وخلوه عن الرأى الصائب. 33 - قال امير المؤمنين رضى الله عنه: لسانك يقتضيك ما عودته. أقول: اللسان العضو المخصوص وقد يراد به الكلمة فعلى الاول يقال: ثلاثة ألسنة بالتذكير، وعلى الثاني يقال: ثلاث ألسن بالتأنيث، والاقتضاء والتقاضى طلب أداء الدين، وقد يستعمل بمعنى الايجاب، والتعويد تصيير الشئ عادة. المعنى - لا تجعل ما قبح من الكلام وفحش منه مثل الشتم والنميمة عادة للسانك فانه يطلب منك ما يعتاده ويوجب عليك اداءه فمهما أطلقته يصدر منه من الكلام ما لا ينبغى فاطلاقه يوجب تقييدك بقيد المضرة، ووقوعك في موقع الهلكة والمعرة كما قيل: لسانك أسدك ان اطلقته يأكلك، وقال الشاعر: يموت الفتى من عثرة بلسانه * وليس يموت المرء من عثرة الرجل وعثرته بالفم ترمى برأسه * وعثرته بالرجل تبرى على مهل


[ 30 ]

وقيل: جعل اللسان في الانسان واحدا وكل من السمع والبصر اثنين ليكون كلامه اقل مما يسمع ويبصر. 34 - قال أمير المؤمنين رضى الله عنه: المرء عدو لما جهله. أقول: عدو الرجل من يفرح بحزنه ويحزن بفرحه. يعنى - ان من لم يعلم شيئا لا يحبه ولا يميل إليه قلبه، بل يريد عدمه رأسا الا ترى ان الكفار يعادون الانبياء والجهال العلماء ؟ ! لجهلهم ما هم عليه من الشمائل وعدم رؤيتهم ما فيهم من العلوم والفضائل. 35 - قال أمير المؤمنين رضى الله عنه: رحم الله امرء عرف قدره ولم يتعد طوره.. أقول: الرحمة رقة القلب وانعطافه فإذا اسند الى الله تعالى يحمل على الغاية والاثر وهو الاثابة والاحسان يقال: عدا طوره امى جاوز حده ويجئ الطور بمعنى التارة ومنه قوله تعالى: وقد خلقكم أطوارا (1) قال الاخفش: طورا علقة وطورا مضغة، وقد يجئ بمعنى الحال ومنه قولهم: الناس أطوار اي اصناف على حالات شتى، كأن امير المؤمنين رضى الله عنه دعا لمن يعرف مقداره ولم يتجاوز منه حثا للناس عليه واشارة الى انه حسن في نفسه.


(1) - آية 14 سورة نوح.

[ 31 ]

36 - قال أمير المؤمنين رضى الله عنه: اعادة الاعتذار تذكير للذنب. اقول: يقال: اعتذر من الذنب بمعنى أعذر اي صار ذا عذر. يعنى - أن من اساء احدا فلا بأس بالاعتذار مرة فان اعاده كان مذكرا لاساءته، فيكون كأنه سيئة ثانيا، فيصر الاعادة اساءة فيمر بما يفر فيحتاج الى اعتذار آخر ثم وثم. 37 - قال أمير المؤمنين رضى الله عنه: النصح بين الملاء تقريع. اقول: النصح والنصيحة ارادة الخير للغير. والملاء بالقصر الجماعة، والتقريع بمعنى الدق من باب قطع يستعمل بمعنى اللوم والتوبيخ. يعنى - ان من اراد النصيحة لاحد ينبغى ان يكون نصحه في الخلاء فانه اقرب الى القبول لا في الملاء فانه ليس بنصح محض بل هو توبيخ بحت (1) ولهذا قال: لا ينجع فيه (2) بل يزيده نفورا وعنادا.


(1) - في الهامش: " بفتح الباء وسكون الهاء المهملة يقال: خير بحت أي ليس معه غيره منه ". (2) - في الهامش: " نجع فيه الخطاب والوعظ والدواء أي دخل فيه واثر، مختصر الصحاح ".

[ 32 ]

قال أمير المؤمنين رضى الله عنه: إذا تم العقل نقص الكلام. اقول: العقل الحجى ويقال له: النهية بالضم واحدة النهى، سمى بها لانها تنهى عن القبيح ونقص الشئ من باب نصر ونقصانا ايضا ونقصه غيره يتعدى ويلزم. قلت: النقص مقدر المتعدى والنقصان مصدر اللازم كذا في مختار الصحاح. والكلام اسم جنس يقع على القليل والكثير، وفى الاصطلاح هو اللفظ المفيد فائدة يصح السكوت عليها. المعنى - من كان كامل العقل والحجى يكون كلامه مختصرا مقبولا عند اولى النهى ومن ثم قيل: خير الكلام ماقل ودل، فالاكثار اثر السفاهة واثره الملامة والسأمة. 39 - قال أمير المؤمنين رضى الله عنه: الشفيع جناح الطالب. اقول: شبه الشفيع بالجناح والطلب بالطائر، لان الطالب يصل الى مطلوبه بسبب شفاعة الشفيع كما ان الطائر ينال مراده بسبب الجناح فالتشبيه الاول من قبيل التشبيه البليغ والثانى استعارة بالكناية، واثبات الجناح للطالب تخييل. المعنى - ان من تمسك بحبل الشفاعة فيما يحتاج إليه عند احد من جلب نفع أو دفع ضر فالاغلب ان ينال مراده ويحصل ما أراده لما يفهم من ظاهر ما قيل: من كان في عون أخيه المسلم كان الله تعالى معينه (1). من ان الشفيع هو ممن أعانه الله تعالى سواء كان في نفس الشفاعة أو في سائر احواله وافعاله.


(1) - في الحاشية: " لعله مأخوذ من قوله: من كان في حاجة أخيه كان الله في

[ 33 ]

40 - قال أمير المؤمنين رضى الله عنه: نفاق المرء ذلة. أقول: يعنى - مخالفة الباطن للظاهر باخفاء المكر والعداوة واظهار الحب والصداقة سبب للمذلة والحقارة في الدينا والاخرة، فان صاحب هذا الفعل الشنيع لا يخلو من ان يغتاب عمن ينافقه حال غيبته والطعن عليه هو اللعن له وعد مثالبه ومعايبه، ومرتكب هذه القبائح لا يخفى ذله وهو انه عند كل احد. 41 - قال امير المؤمنين رضى الله عنه: نعمة الجاهل كروضة في مزبلة. أقول: النعمة بكسر النون هي الحالة التى يستلذ بها الانسان، اطلقت على ما يستلذ به من المنعم به، والنعماء بالفتح والمد والنعمى بالضم والقصر ما أنعم الله به عليك، و الروضة من البقل والعشب وجمعها روض ورياض، والمزبلة بفتح الباء وضمها موضع الزبل وهو السرجين معرب سرگين وهو قذر الدواب.


حاجته، والحديث في المشارق وانما لم يقل من قضى حاجة أخيه اشعارا بأن قضاء الحاجة انما هو خالصا لله تعالى وليس من قبل العبد الا المباشرة به والكون فيه ثم الغرض ههنا بيان كون الاول سببا للثاني فان تكرر السبب تكرر المسبب والا فلا، فلا يرد عليه ان لفظ كان لا يصلح ههنا للاستمرار ولا للانقطاع ولا للزيادة ولا يحتاج في دفعه الى ان يقال من ان كان الاول بمعنى سعى والثانية بمعنى قضى على معنى من سعى في حاجة أخيه قضى الله حاجته، مع انه لا يخلو عن تعسف لانه تخصيص للعام الذى هو الكون في قضاء الحاجة بأى وجه كان بالسعي الذى هو عمل بحسب الجوارح والنفع العام على عمومه، كذا في شرح المشارق، منه ".

[ 34 ]

يعنى - إذا رأيت جاهلا كثيرا النعم والاموال فلا تعجب، فان الرياض تكثر في المزابل، ولا تأس على الفقير ان كنت عاقلا فنعمة العقل ام جميع الفضائل، ولا تطمع بشئ مما في يده، فان الطبع السليم يتنفر عما على المزابل، بيت: دست سلطان دگركجا يابد * چون بسرگين در اوفتاد ترنج (1) تشنه دا دل نخواهد آب زلال كوزه بگذشته بر دهان سلنج (2)


(1) - في الهامش: " لفظ (ترنج) " مما تنازع فيه الفعلان احدهما (يابد) بعمنى يجد وهو يقتضى المفعول والثانى (اوفتاد) بمعنى وقع وهو يقتضى الفاعل، منه ". (2) - في الهامش: " بالشين المعجمة على وزن ترنج بالتركي يلمه كذا سمع، وقال بعض الكملين معناه: دهان گنديده، وقيل: أصل العبارة سكنج بكسر السين المهملة وفتح الكاف العربي وهو اسم للحية الرقشاء وهى الحيه المعروفة بشدة تأثير سمها، منه ". أقول: اما البيتان فهما لسعدى ذكرهما في اواخر الباب الاول من كتاب گلستان الا انهما ليسا في بعض النسخ ومن ذلك البعض نسخة الاستاذ عبد العظيم القريب وحيث ان اللغويين وشراح كتاب گلستان صرحوا بكون البيتين لسعدى وهما موجودان في غالب النسخ فلا يعبأ بقليل من النسخ التى ليس فيه البيتان، قال صاحب فرهنگ آنندراج مانصه: سكنج بضمتين (فارسي) بمعنى گنده دهن وبوى دهان، شيخ سعدى گفته: " دست سلطان دگر كجا بيند * چون بسرگين دراوفتاد ترنج " " تشنه رادل نخواهد آب زلال * كوزه بگذشته بر دهان سكنج " (انتهى ما اردنا نقله من آنندراج) وصرح دهخدا في كتاب امثال وحكم أنهما لسعدى (انظر ص 809 من الكتاب). وقال الشيخ ولى محمد الاكبر ابادى في " شرح گلستان فارسي " (ص 129 من النسخة المطبوعة بلكهنو): " قوله: كوزه بگذشته بردهان اشكنج درنسخهء سقيمه شكنج بى همزه مرقوم است ومير نور الله نظر باين نسخه ازفرهنگ جهانكيرى نوشته كه شكنج با اول وثاني مضموم گنده دهن باشد دهن انتهى پس بر تقدير همزه دهان اشكنج لفظ مركب باشد بتجريد بعض معنى چه اشكنج راكه بعمنى گنده دهن است ازدهن مجرد كرده بادهان تركيب دادند ".

[ 35 ]

42 - قال أمير المؤمنين رضى الله عنه: الجزع عند المصيبة أتعب من الصبر. أقول: الجزع ضد الصبر، والمصيبة واحد المصائب بالهمزة واصله الواو وقد يجمع على مصاوب بالواو، والصبر بالسكون حبس النفس عن الجزع كأنه مأخوذ من الصبر، بكسر الباء وهو الدواء المر. المعنى - من أصابته مصيبة فليصبر ولا يجزع، فان الجزع أشد تعبا وأكثر نصبا من الصبر، مع انه لا ينفعه، وعن ثواب المصيبة يمنعه، فيكون مصيبة على مصيبة. 43 - قال أمير المؤمنين رضى الله عنه: المسؤول حر حتى يعد. أقول: المسؤول من السؤال بمعنى التكدى لا بمعنى الاستكشاف، والفرق انه إذا كان بكنى التكدى يتعدى الى مفعوليه بلا واسطة نحو سألت زيدا درهما، وإذا كان بمعنى الاستكشاف يتعدى الى الثاني بعن نحو سألت زيدا عن حال عمرو، وقد يستعمل


الى غير ذلك ممن صرح بأنهما لسعدى وبقى هنا شئ وهو ان آخر كلمة من البيت الثاني في بعض النسخ: " سلنج " (باللام) فقال ابن خلف التبريزي في برهان قاطع " مانصه: " سلنج بكسر اول وضم ثانى وسكون نون وجيم مخفف سه لنج است يعنى سه لب چه لنج بمعنى لبه هم آمده است وكسى را نيز گويند كه لب بالائين يالب زيرين اوچاك باشد " فعلم ان ما ذكره الشارح في هامش الكتاب في معنى الكلمة بمعزل عن الصواب.

[ 36 ]

الباء موضع عن كقوله تعالى: سأل سائل بعذاب واقع (1) وقال الاخفش: يقال خرجنا نسأل عن فلان وبفلان، والحر ضد العبد وههنا مجاز عن المتخلص من ربقة رق المطالبة، والوعد والعدة يستعمل في الخير والشر قال الفراء: يقال: وعدته خيرا ووعدته شرا، فان أسقطوا الخير والشر قالوا: في الخير الوعد والعدة، وفى الشر الايعاد والوعيد، فان أدخلوا الباء في الشر جاؤوا بالالف فقالوا: أوعده بالسجن. المعنى - الذى طولب منه شئ فهو حر متخلص عن رق مطالبة الطالب اياه ثانيا ما لم يعد بأداء ولم يلتزم بايفائه، فإذا وعده والتزم ايفاءه فقد أوقع نفسه في مظنة الرق والعبودية، ثم إذا وفا ما وعده خرج عن تلك المظنة وعاد حريته والابقى فيها فالاحرى بشأن من يدعى الحرية ان يقضى حاجة الطالب ان قدر، وان لم يقدر لم يعد بالقضاء بل يرده بقول جميل، قال الله تعالى: قول معروف ومغفرة خيرمن صدقه يتبعها أذى (2). 44 - قال أمير المؤمنين رضى الله عنه: أكبر الاعداء أخفاهم مكيدة. أقول: الاكبر أفعل التفضيل من الكبر بكسر الكاف والمفضل عليه حقيقة محذوف ههنا تقديره: أكبر كبار الاعداء، للزوم كون المفضل والمفضل عليه مشتركا في أصل المعنى كما قيل في قوله عليه السلام: ان شر الناس عند الله منزلة من أكرمه الناس اتقاء فحشه، تقديره (3): ان شرشرار الناس، والمكيدة مصدرمن كاد يكيد كيدا ومكيدة بمعنى المكر.


(1) - آية 1 سورة المعارج. (2) - صدر آية 263 سورة البقره. (3) - في الهامش: " إذ لو لم يقدر به يفهم اشتراك جميع الناس في الشر ولاشك ان الناس كلهم ليس بشر كما يقال: فلان اكرم الناس اي اكرم كرماء الناس، كذا في شرح - المشارق، منه ".

[ 37 ]

المعنى - ان من صحبك (1) باظهار المحبة والصداقة وكلمك بالملائمة والبشاشة مع انه مجتهد في السر بالذعارة والعداوة فاعلم ان عداوته أثبت وأتم واحكم فاحذر عنه كل الحذر فان قوله مكر وتلبيس، وفعله كيد وتدليس، وغرضه عيب وتدنيس، واللص الداخلي داء عضال، قال الشاعر: نفسي الى ما ضرنى داعى * تكثر أسقامي وأوجاعي كيف احتيالى من عدوى إذا * كان عدوى بين اضلاعي 45 - قال أمير المؤمنين رضى الله عنه: من طلب مالا يعنيه فاته ما يعنيه. أقول: (يعنيه) من عنى يعنى عناية بمعنى القصد يعنى من طلب ما ليس بمقصود ومهم له ضل عنه وضاع ما هو مقصود له ومهم عنده مادام في ذلك الطلب، ويحتمل ان يكون بالغين المعجمة من الغناء بالفتج والمد بمعنى النفع والكفاية على معنى أنه من طلب أمرا لا ينفعه ولا يكفيه في العاجل أو في الاجل فات عنه ما ينفعه فيهما، الاول أشهر والثانى أظهر. 46 - قال أمير المؤمنين رضى الله عنه: السامع للغيبة أحد المغتابين. أقول: الغيبة بالكسر ان يتكلم خلف انسان مستورا بما يغمه لو سمعه (2) فان كان


(1) - في الهامش: " ويقال: صديقك من صدقك بالتخفيف لامن صدقك بالتشديد، منه ". (2) - في الهامش: " كذا فسره رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم حيث قال: ان كان

[ 38 ]

صدقا سمى غيبة، وان كان كذبا يسمى بهتانا (1). يعنى - من جلس في مجلس يغتاب فيه احد اثم باثم الغيبة وان لم يتكلم، فان الرضا بالاثم إثم، والجلوس في موضع الفسق معصية. قيل: دعى ابراهيم بن أدهم الى دعوة فحضر فذكروا رجلا لم يأتهم وقالوا: انه ثقيل فقال ابراهيم: انما فعل بى هذا نفسي، حيث حضرت موضعا يغتاب فيه الناس، فخرج ولم يأكل ثلاثة أيام. 47 - قال أمير المؤمنين رضى الله عنه: الذل مع الطمع، والعز مع القنع، خذ القنع ودع الطمع. أقول: القنع من القناعة وهى مصدر قنع يقنع من باب سلم يسلم، وقنع يقنع قنوعا من باب خضع يخضع خضوعا بمعنى السؤال والتذلل، وقيل:


فيه ما تقول فقد اغتبته وان لم يكن فيه ما تقول فقد بهته بفتح الهاء المخففة: اي قلت فيه البهتان فعلى هذا كان الفرق بينهما واضحا فلا يلتفت الى ما قيل: ان الغيبة ذكر الانسان في غيبته بما يكره، والبهتان ان يقال فيه الباطل في وجهه، فانه مخالف للحديث حيث لم يقيد في البهتان ان يكون في وجهه، كذا في توضيح المقدمة، منه ". (1) - في الهامش: " اعلم ان كلا منهما حرام الا ان الغيبة تستباح في مواضع: الاول مقام التظلم فانه يجوز للمظلوم ان يقول لمن له ولاية وقدرة على انتصافه ممن ظلمه: ان فلانا ظلمنى وفعل كذا وكذا والثانى الاستعانة في تغيير المنكر فانه يجوز له ان يقول لمن يرجو اقتداره على تغييره: ان فلانا يفعل كذاوكذا فازجره عن تلك. والثالث الاستفتاء فانه يجوز للمستفتى ان يقول للمفتي: ان فلانا فعل كذا وكذا فهل يجوز لى ان انتقم منه ؟ قيل: الاولى في ذلك ان لا يعين ".

[ 39 ]

العبد حر ان قنع (1) * والحر عبد ان قنع (2) اقنع ولا تقنع فما * شئ يشين سوى الطمع ودع امر من ودع يدع وقد أميت ماضيه وفاعله ومفعوله ولا يكاد يستعمل الا (فيما) أنكرته كقوله عليه الصلوة والسلام: دع الحبشة ما ودعوكم، واترك الترك ما تركوكم. المعنى - من تمسك بحبل الحرص والطمع يقع في بر الذل والهوان، ومن سكن في بيت القناعة يكون مع العز والامان، قال النبي عليه والصلوة والسلام: ما تضعضع امرؤ لاخر يريد عرض الدنيا لا ذهب ثلثا دينه. قال بشر الحافي رحمه الله تعالى: القناعة ملك لا يسكن الا في قلب مؤمن ويقال: الطمع مرض والسؤال نزع، والحرمان موت. وعن على رضى الله عنه انه قال: سل عمن شئت تكن أسيره، واستغن عمن شئت تكن نظيره، واعط لمن شئت تكن أميره. 48 - قال أمير المؤمنين رضى الله عنه: الراحة مع اليأس. أقول: الراحة الاستراحة وكذا الروح بالفتح، والياس القنوط وترك الطمع. يعنى - من أراد الاستراحة فلييأس عما في أيدى الناس وليتوكل على الله فهو حسبه.


(1) - بكسر النون. (2) - بفتح النون. (3) - كلام مأثور عن امير المؤمنين عليه السلام وشهرته تغنى عن الايماء الى محل ذكر له.

[ 40 ]

49 - قال أمير المؤمنين رضى الله عنه: الحرمان مع الحرص. أقول: الحرمان مصدر حرمه الشئ يحرمه حرمة بكسرالراء فيهما مثل سرقه يسرقه سرقة وحرمة وحريمة وحرمانا وأحرمه ايضا إذا منعه اياه، والحرص شدة الميل. يعنى من كان حريصا على حصول مراده فلاكثر ان يكون محروما كما يقال: تأبى الدنيا عن طالبها وتتبع لتاركها. 50 - قال أمير المؤمنين رضى الله عنه: من كثر مزاحه لم يخل من حقد عليه أو استخفاف به. أقول: المزاح والمزاحة بضم الميم فيهما اسم المزح وهو مصدر مزح يمزح من باب قطع: واما المزاح بكسر الميم فهو مصدر مازحه ممازحة مزاحا، والحقد الضغن. المعنى - من كان عادته المزاح لم يبال من ايذاء من يمزحه وكسر خاطره ومن كون كلامه صدقا أو كذبا فلا يخلو من الحقد عليه حتى إذا وجد فرصة ينتقم منه وان يكون هو مستخفا بين الناس وان يتخذه كل احد سخريا ومستهزءا، قيد بالكثرة لان من فعله قليلا يكون مزاحه حقا غالبا فيخلوا عن ذلك بل هو مباح كما نقل عن النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم انه قال لعجوز: ان الجنة لا يدخلها العجوز يعنى من حيث انها عجوز بل تصير شابة فتدخلها.


[ 41 ]

51 - قال أمير المؤمنين رضى الله عنه: عبد الشهوة أذل من عبد الرق. أقول: الشهوة حالة نتساق بها النفس الى هواها، والرق عجز حكمي يثبت في الانسان جزاء للكفر ابتداء، والاضافة في الموضعين لادنى ملابسة إذ كل من الشهوة والرق سبب لكون صاحبهما عبدا أو خادما لاخر. المعنى - من كان أسير لنفسه واتبع هواها كان أذل من الرقيق الذى يخدم مولاه، لان من اتبع الهوى واقتعد غارب الجهل والغوى لا يخلو عن الوقوع في المعصية واي ذل وهو ان أعظم من هذا، قال الشاعر (1): نون الهوان من الهوى مسورقة * واسير كل هوى أسير هوان


(1) - شعر معروف جدا ومذكور في كثير من كتب الصوفية ومنها الرسالة القشيرية فانه مذكور فيها في باب مخالفة النفس وذكر عيوبها (ص 72 من طبعة مطبعة صبيح واولاده سنه 1367 وقال الشارح في الهامش: " يعنى ان الهوى اصله الهوان فغير لفظه بحذف النون وبقى معناه مغيرا في الهوى، ولبعضهم: ان الهوى لهوان النفس معبرة * فلا تطعه وكن منه على حذر قيل لبعضهم: انى اريد ان احج على التجريد فقال: جرد اولا قلبك عن السهو ونفسك عن اللهو ولسانك عن اللغوثم اسلك حيث شئت. ورؤى رجل جالسا في الهواء فقيل له: بم نلت هذا ؟ - فقال: تركت الهوى فسخر لى الهواء. وقيل: لا تضع زمامك في يدى الهوى فانه يقودك الى ظلمة كذا في الرسالة القشيرية ". أقول: ما نقله هنا فهو موجود بعينه في الرسالة القشيرية (انظر باب مخالفة النفس وذكر عيوبها، ص 72 من طبعة مطبعة صبيح واولاده سنه 1367).

[ 42 ]

52 - قال أمير المؤمنين رضى الله عنه: الحاسد مغتاظ على من لاذنب له. أقول: الغيظ غضب كامن للعاجز تقول: غاظه من باب باعه فهو مغيظ، واغتاظ وتغيظ بمعنى، ولا يقال: أغاظه وغايظه كذا في مختار الصحاح. المعنى - ان الحسود يغضب ويغيظ دائما على من لا يؤذيه بل ينفعه أحيانا لانه عدو لنعم الله تعالى فإذا رأى أحدا أنعم الله تعالى عليه يكاد يهلك حزنا وغما فأهل العالم لا يخلوا عن النعم وهو عن الوقوع في الهم والغم، بيت (1): توانم آنكه نيازارم اندرون كسى * حسود راچه كنم كوزخود برنج دراست بميرتا برهى اي حسود كاين رنجيست * كه از مشقت آن جز بمرگ نتوان رست......... شور بختان بآرزو خواهند * مقبلان را زوال نعمت وجاه (2) گر نبيند بروز شب پره چشم * چشمهء آفتاب را چه گناه 53 - قال أمير المؤمنين رضى الله عنه: كفى بالظفر شفيعا للمذنب. أقول: الباء زائدة في الفاعل، وشفيعا نصب على التميز وللمذنب متعلق بالشفيع


(1) - البيتان لسعدى ذكرهما في الباب الاول من گلستان (انظر ص 25 من النسخة المطبوعة بتصحيح الاستاذ عبد العظيم القريب). (2) - البيتان لسعدى ذكرهما في الباب الاول من گلستان وبعدهما هذا البيت: " راست خواهى هزار چشم چنان * كور بهتر كه آفتاب سياه " (انظر ص 25 من النسخة المطبوعة بتصحيح الاستاذ عبد العظيم القريب).

[ 43 ]

والظفر على سبيل التنازع. يعنى - إذا ظفرت على من ظلمك وقدرت على ان تنتقم منه مع أنه لا أحد يشفعه فاعف عنه فان الظفر عليه كاف في شفاعته. 54 - قال أمير المؤمنين رضى الله عنه: رب ساع يسعى فيما يضره. أقول: الاصل في رب تقليل ما دخلت هي عليه لكن كثر استعمالها للتكثير والمشهور انه حرف وقيل: هو اسم ككم الخبرية واستدل عليه بصحة نحو قولك: رب رجل كريم أكرمته، وذلك لان الفعل لا يتعدى الى مفعول بحرف الجر والى ضميره معا فلا يقال: لزيد ضربته، وبنحو قولك: رب رجل كريم جاء، في جواب من قال: ما جاءك رجل، ويتعلق مجرور رب على (ما) بعده على وجه القيام لا الوقوع في نحو قولك رب رجل كريم حصل، هذا، ووصف مدخوله واجب على الاصح لان التقليل يناسبه التخصيص: ويحذف فعله غالبا لانه كثيرا ما يقع في جواب السؤال فيستغنى عن ذكر الفعل بقرينة السؤال. وقوله: فيما يضره مع متعلقه المقدر صفة ساع على المذهب الاصح وفعلها محذوف والتقدير: رب ساع يسعى ويجتهد فيما يضره لقيته أو صادفته أو سمعته. المعنى - كم من رجل يسعى فيما يضره لقلة عقله وعدم تدبيره وعجزه عن دركه عاقبة أمره وظهور حسنه في عينه وكمون سوءه وقبحه في نظره حتى يراه حسنا ويظنه نفعا ويسعى له سعيا قال الله تعالى: افمن زين له سوء عمله فرآه حسنا (1) وقال تعالى: وعسى ان تحبوا شيئا وهو شر لكم (2) الاية فالاجدر بالعاقل (3) ان يحتاط في جميع أحواله وأفعاله


(1) - صدر آية 8 سورة الفاطر (= الملئكة). (2) - من آية 216 سورة البقرة. (3) - في الاصل: " للعاقل ".

[ 44 ]

ويسعى فيما يساعده العقل والشرع ويجتنب عن أمر غير ظاهر الخير والنفع فانه من لم يحترز عن الشبهة يوشك ان يقع في الحرام المحض. 55 - قال أمير المؤمنين رضى الله عنه: اليأس حر والرجاء عبد. أقول: اي صاحبهما اما بطريق ذكر المصدر وارادة الصفة أو بتقدير المضاف. المعنى - إذا طمعت بما في أيدى الناس جعلت نفسك عبدا لهم كما قيل: الانسان عبيد الاحسان، وإذا رضيت بما قسم لك واستغنيت عن كل أحد بما قدر لك كنت من جملة الاحرار والاخيار (1) وتخلصت بالكلية عن ربقة رق الاغيار. 56 - قال أمير المؤمنين رضى الله عنه: ظن العاقل كهانة. أقول: الكهانة بكسر الكاف وفتحها مصدر من باب كتب وظرف وهو إخبار عما يكون في المستقبل. يعنى - إذا أشكل عليك وجه الامر سله عن رجل عاقل ذي رأى كامل فإذا


(1) - في الهامش: " ومن أحسن ما قيل في هذا الباب قول من قال: " قدر لرجلك قبل الخطو موضعها * فمن علا زلقا عن غرة زلجا " ويقرب منه ما قيل: قدم الخروج قبل الولوج، القدم بفتحتين بمعنى الرجل وهو الرواية في المثل، وقد يقال: قدم بفتح القاف وكسر الدال المشددة على انه أمر من قدم يقدم تقديما، والانسب على هذا ذكر على موضع قبل كما لا يخفى، منه ".

[ 45 ]

أرشدك الى طريق بمقتضى ظنه وصائب رأيه فاعمل به فان ظن العاقل لا يخطأ غالبا كأخبار الكهنة الذين يخبرون عن الكوائن بالامارات الدالة على الوقوع مثل هالة القمر الدالة على المطر، والظاهر ان المراد من الكهانة ههنا ما هو مقرون بالامارة باعتبار العادة فلا يرد انه يتوهم من ظاهره جواز تصديق الكاهن وهو كفر. 57 - قال أمير المؤمنين رضى الله عنه: من نظر اعتبر أقول: النظر الفكر، والاعتبار هو العبور من حال شئ الى حال آخر وهو أعم من النظر (1). يعنى - من تفكر في عجائب صنع الله تعالى ومكوناته وتأمل في غرائب ملكه وملكوته فلا جرم اعتبر به (2) حق الاعتبار وعلم يقينا ان الله تعالى واحد في ذاته وكامل في صفاته لا يماثله أحد من خلقه في شئ وان ما سواه مستمد منه ويحتاج إليه وكذا في كل أمر من امور الدنيا والاخرة فانه إذا تأمل في أمر حصل له العبرة وأدرك ما يؤول إليه فيفعله إذا علم فيه نفعا والا يتركه. 58 - قال أمير المؤمنين رضى الله عنه: العداوة شغل شاغل. أقول: يعنى - من حمل نفسه عداوة أحد فقد أوقعها في مشقة وتعب، وألقاها


(1) - علله في الهامش بقوله: " لان النظر يعتبر فيه الترتيب، والاعتبار ليس كذلك بل هو يوجد معه وبدونه، والاعتبار اخص من وجه آخر فانه يكون في حالة الشيئين المتغايرين دائما كالعالم مع الصانع والنظر أعم منه ". (2) - في الاصل: " منه ".

[ 46 ]

الى مهلكة ونصب، بلا نفع ولا فائدة، فان العداوة تحرق صاحبها كما تحرق النار الحطب. وقوله: شاغل تأكيد شغل مثل قولهم: ظل ظليل، وليل لائل اي كامل في ظليته وكامل في ظلمته، وفى بعض النسخ " بلا نفع " وهو ظاهر. 59 - قال أمير المؤمنين رضى الله عنه: القلب إذا اكره عمى. أقول: القلب هو العضو الصنوبرى المستكن في الجانب الايسر من الصدرسمى به لانه خالص البدن من قلب النخلة اي لبها، وقيل: سمى به لكثرة تقلبه قال الشاعر: القلب منقلب مثل اسمه أبدا * طوبى لقلب سليم غير منقلب والعمى ذهاب البصر من باب صدى، ورجل عمى القلب اي جاهل. يعنى - إذا أردت ان تعلم أحدا شيئا من العلوم والصناعات فلا تكرهه عليه فان الاكراه على العلم يوجب الجهل، والجبر عليه يقتضى انكسارا لا يقبل الجبر. 60 - قال أمير المؤمنين رضى الله عنه: الادب صورة العقل. أقول: الصورة ههنا بمعنى الصفة كما في قوله صلى الله عليه (وآله) وسلم: خلق الله آدم على صورته. يعنى - ان الادب علامة العقل وأثره كأنه صفة له قائم به، ولهذا استدل بالادب على العقل كما يستدل بالاثر على وجود المؤثر.


[ 47 ]

61 - قال أمير المؤمنين رضى الله عنه: لا تتكل على المنى فانها بضائع النوكى أقول: الاتكال لاعتماد من باب الافتعال وقعت الواو قبل تائه فأدغمت بعد القلب، المنى بالقصر ما يخطر على البال من هوى النفس، والبضائع جمع البضاعة، والنوكى بالفتح جمع أنوك من النوك وهو الحمق. يعنى - لا تعتمد على امنيتك من الهوى، فانه ليس كل ما يهواه الانسان يملكه، ولا كل ما يتنمناه يدركه، وان الاعتماد على الهوى والاتكال على المنى من شيم الحمقى وخصال النوكى، قال الشاعر: ما كل ما يتمنى المرء يدركة * تجرى الرياح بما لا تشتهى السفن (1) 62 - قال أمير المؤمنين رضى الله عنه: لاحياء لحريص. أقول: الحياء انقباض النفس عن القبيح مخافة الذم واشتقاقه من الحيوة فانه انكسار يعترى القوة الحيوانية فيردها عن أفعالها فقيل: حيى الرجل كما قيل: نسى وحشى إذا اعتلت نساه وحشاه. يعنى من استولى على الحرص ذهب عن عينيه الشبع والامتلاء وانصب عن وجهه ماء الحياء.


(1) - الشعر من المتنبي ويجرى مجرى الامثال. (*)

[ 48 ]

قال أمير المؤمنين رضى الله عنه: من لانت أسافله صلبت أعاليه. المراد من الاسافل من يتابع الرجل من المماليك وسائر الخدم، ومن الاعالى من به القوة والعلو ولين الاسافل كناية عن ضعفها، وصلابة الاعالى كناية عن قوتها. يعنى - ان من لم يراع أتباعه حق الرعاية ولم يحسن إليهم بلين الكلام ولم يلطف بهم بحسن الانعام. فلاشك في تفرق أنصاره وأعوانه وتركهم اياه وحيدا بين أعدائه، فيكون مقهورا ومغلوبا أسيرا في أيديهم قال (1): إذا شبع الكمى يصول بطشا * وخاوى البطن يبطش بالفرار فاللازم له ان يذكر الاتباع في الوسع والرفاه بحسن الجود والسخاء حتى يذكروه في المضائق والبلاء بصدق العهد والوفاء. 64 - قال أمير المؤمنين رضى الله عنه: من اوتى في عجانه قل حياءه وبذأ لسانه. أقول: العجان بالكسر الاحمق وما بين الفرج والدبر وهو المراد ههنا ورجل بذى اللسان والمرأة بذية من البذاء بالمد وهو الفحش، والاتيان في العجانة كناية عن فعل يستهجن ذكره. يعنى - من فعل به ما فعل قوم لوط يكون قليل الحياء بل عديمه ولا يبالى من ان


(1) - الشعر مذكور في الباب الاول من گلستان سعدى الا انى لاأدرى هل هوله ومن انشائه ام لغيره وهو أنشده. (انظر ص 33 من النسخة المطبوعة بتصحيح الاستاذ عبد العظيم القريب).

[ 49 ]

يتكلم بكلام فاحش وهو لكونه عديم الحياء وبذي اللسان برى من الغيرة والايمان، ولكمال شناعة هذا الفعل وقباحته قيل: كل ما تشتهيه النفس توجد في الجنة الا اللواطة. 65 - قال أمير المؤمنين رضى الله عنه: السعيد من وعظ بغيره. أقول: يعنى السعادة في الدنيا والاخرة لمن يتعظ ويقبل النصيحة ممن هو ينصح لاخر ويزجره عن فعل شنيع وأمر قبيح، وإذا رأى منكرا صادرا عن الغير استكرهه ولا يقاربه (1) اصلا كما قيل للقمان الحكيم: ممن تعلمت الادب ؟ - فقال: ممن ليس له أدب لانى كلما رأيت ما يصدر منه تركته. 66 - قال أمير المؤمنين رضى الله عنه: الشر جامع لمساوئ العيوب. أقول: الشر ضد الخير يقال: شررت يارجل بفتح الراء وكسرها شرا وشرارا وشرارة بفتح الشين في الكل، وفلان شر الناس، ولا يقال: أشر الناس لا في لغة ردية، وقال يونس: واحد الاشرار شر كزند وأزناد وقال الاخفش: واحدها شرير كيتيم وأيتام، والشرير بوزن السكيت كثير الشر، والشرة بالكسر مصدر كذا في مختار الصحاح. والمساوئ جمع المسوء من السوء واضافته الى العيوب للبيان. يعنى - من كان قريبا من الشر والضر بعيدا من النفع والخير يجتمع فيه أنواع


(1) - في الاصل: " لا يقادر به " اي لا يقرب منه ودليل التصحيح قوله في شرح هذه الكلمة " أوحش الوحشة العجب " بهذه العبارة: " لا احد يقاربه ولا جليس يصاحبه ".

[ 50 ]

العيوب وتظهر عيوبه في جميع العيون وتذكر معايبه ومثالبه وتنسى فضائله ومناقبه، فاللازم لمن اراد المكرمة والسعادة ان يتجنب عن المكر والشرارة كما قيل: سم سمة تحسن آثارها * واشكر لمن أعطى ولو سمسمة والمكر مهما اسطعت لا تأته * لتقتنى السؤدد والمكرمة 67 - قال أمير المؤمنين رضى الله عنه: الحكمة ضاله المؤمن. أقول: الحكمة إحكام الرأى والتدبير، وتطلق على كل كلام محكم لامدخل فيه للفساد بوجه، وعلى كل دليل محكم موضح للحق مزيل للشبهة، وعلى كل فعل محكم مشتمل وعلى مصحلة (1) عار عن مفسدة، وعلى كل علم يعرف فيه (2) استكمال النفس الانسانية في جانبى العلم والعمل بالاحكام ومنه اطلاق الحكمة على علم الشرائع والاحكام كذا في شرح البردة، والظاهر ان المراد من الحكمة ههنا جميع معانيها الاربعة على مذهب من جوز عموم المشترك، أو على طريق عموم المجاز بأن يراد منها معنى مجازى شامل لافراد المعاني المذكورة. يعنى - ان الامر النافع المفيد الجامع للمصلحة العارى عن المفسدة مقصود مهم للمؤمن، عليه ان يعرفه ويطلبه وان يأخذه أينما وجده.


(1) - في الهامش: " وقد تستعمل الحكمة بمعنى المصلحة والفائدة كما يقال: لهذا الفعل حكمة اي مصلحة وفائدة وليس بلغو ولا عيب، منه ". (2) - كذا في الاصل والاولى: " به ".

[ 51 ]

68 - قال أمير المؤمنين رضى الله عنه: كثرة الوفاق نفاق، وكثرة الخلاف شقاق يعنى ان من كثرت موافقته لاحد في فعله وقوله بالتحسين والتصديق يتهم بمنافقته له، لانه ربما يريد ذلك الاحد أمرا يضره وهو يحسنه في عينه مريدا لهلاكه، وما هو الا آية النفاق والعداوة كما قيل: صديقك من صدقك لا من صدقك، واذ كثر خلافه له يكون سببا لشقائه وفراقه منه، فالاولى ان يتمسك بحبل التوسط فان الاطراف رذائل والاوساط فضائل. 69 - قال أمير المؤمنين رضى الله عنه: رب أمل خائب. أقول: الامل الرجاء يقال: امل خيره يأمل بالضم أملا بفتحتين، والخائب اسم من خاب يخيب خيبة إذا لم ينل ما طلب، وفى المثل الهيبة الخيبة، ومدخول رب يحتمل الاسم والمصدر، فإذا كان اسما فالتوصيف بالخيبة ظاهر، وإذا كان مصدرا فهو من قبيل توصيف الشئ بوصف صاحبه مجازا نحو قوله: الكلام المصنف، والكتاب الحكيم. يعنى - لا تعتمد على ما تأمله ولا تربط (1) قلبك على ما ترجوه فانك كثيرا مالاتناله ولا تكاد تصل إليه لكونه غير مقسوم لك في العلم الالهى والتقدير والازلى.


(1) - في الاصل: " لا ترتبط ".

[ 52 ]

70 و 71 - قال أمير المؤمنين رضى الله عنه: رب رجاء يؤدى الى الحرمان، ورب ربح (1) يؤدى الى الخسران. أي ليس كل شئ يحصل بالرجاء والامل كثيرا ما مؤداه يأس، ومحنة، وعاقبته آفة وحرمان، كذلك كل ربح ليس يحصل لك باليسر (2) والامان بل آخره ومآله هلاك وخسران، بيت: (3) بدريا در (4) منافع بيشمارست * اگر خواهى سلامت در كنارست


(1) - في الاصل: " أرباح ". (2) - كذا ولم اتمكن من قراءة الكلمة. (3) - البيت لسعدى (انظر گلستان، باب 3 ص 36 من النسخة المطبوعة بصحيح الاستاذ عبد العظيم القريب). (4) - في الهامش: " الباء زائده لتحسين اللفظ قال الاستاذ سلمه الله: ان مثل (اندر) و (در) ذا اقترن بالباء الكائنة للصلة في لغة العجم يجب ان بؤخر عنه كما في قوله (بدين بنده در است) وكذا قوله (حسود را چه كنم كوز خود برنج در است) وكذا قوله (بدر يا در) والمعنى (دردريا) و (دارين بنده است) و (زخوددر رنج است) كذا في شرح گلستان سعدى رحمة الله عليه، منه:. أقول: قال الاستاذ عبد العظيم القريب - رحمه الله تعالى في كتاب " دستور زبان فارسي " بعد ذكر معاني الباء (انظر ص 160 من الطبعة الثامنة عشر بطهران سنه 1316): " در جائيكه حرف (ب) بمعنى بر، در، اين، باشد جايز است انى الفاظ را براى تفسير بعد ازمتمم باء درآورند مثالها بقرار ذيل است: (1) - " چوالب ارسلان جان بجانبخش داد * پسر تاج شاهر بسر برنهاد " (2) - " خوش نبود ديده بخوناب در * زنده ومرد بيكى خواهب در "

[ 53 ]

72 - قال أمير المؤمنين رضى الله عنه: رب طمع كاذب أقول: يعنى لا تتبع أثر طمعك فانه في أغلب الازمان وأكثر الاونة غير واقع، وضرر الطمع بين الانام شائع ذائع. 73 - قال أمير المؤمنين رضى الله عنه: البغى سائق الى الحين. أقول: البغى التعدي وبابه رمى وكل مجاوزة وافراط عن (1) المقدار الذى هو حد الشئ فهو بغى، والحين بالفتح الهلاك وقد حان الرجل اي هلك وبابه باع وأحانه الله، كذا في مختار الصحاح. يعنى - اتق نفسك عن مجاوزة المقدار الذى حدلك فانه يسوق الى الوقوع في الزين، والشين يؤدى الى الهلاك والحين.


(3) - شنيدم درايام حاتم كه بود * بخيل اندرش بادپائى چو دود گاهى بجاى (اندر) (اندرون) در آيد چنانكه: " بدو گفت خسرو كه بدرود باش * بداد اندرون تاروهم پود باش " ايضا " بگنج اندرون ساخته خواسته * بجنگ اندرون لشكر آراسته " (انتهى ما اردنا نقله من كتاب دستور الاستاذ القريب). (1) - في الاصل: " على ".

[ 54 ]

قال أمير المؤمنين رضى الله عنه: في كل جرعة شرقة، ومع كل اكلة غصة. أقول: الجرعة من الماء بالضم حسوة منه، والشرقة من الشرق بفتحتين وهو الشجا والغصة، والاكلة بالضم اللقمة الواحدة، والغصة من الغصص بفتحتين وهو مصدر غصصت بالطعام بالكسر من باب علم. يعنى - ليس في العالم راحة بلا ألم ونعمة (1) بلانقم، بل كل من الحسن والقبيح والكثير والقليل والصلاح والفساد مشتبك ومختلط بالاخر، فان بعض الدرهم هم وآخر الدينار نار، فالدنيا إذا محل اعتبار فاعتبروا يا اولى الابصار. 75 - قال أمير المؤمنين رضى الله عنه: من كثر فكره في العواقب لم يشجع. أقول: من رام حصول أمر مهم له وأكثر فكره في عاقبة ذلك الامر هل يتيسر بالخير واليسر ولا يعرض له الشر والعسر، يقع الخوف والهيبة في قلبه ولم يجترى للدخول في بابه، فلاجرم يكون محروما عن مرامه، فاللائق ان يجتهد في مطلوبه متوكلا على تقدير الله سبحانه فان كل ما قدره واقع والحذر (2) والامتناع عنه غير نافع، بيت: فقلت: خلوا سبيلى لا ابالكم * فكل ما قدر الرحمن مفعول كل ابن انثى وان طالت سلامته * يوما على آلة حدباء محمول


(1) - في الاصل: " نعم ". (2) - بالاصل: " الخور ".

[ 55 ]

76 - قال أمير المؤمنين رضى الله عنه: إذ حل القدر بطل الحذر. 77 - قال أمير المؤمنين رضى الله عنه: إذا حلت التقادير ضلت التدابير (1). يعنى - إذا دبرت في أمر ولم يتيسر لك فلا تحزن عليه فانه إذا نزل قضاء الحق وتقديره بطل سعى العبد وتدبيره: وكذا إذا أوقعه قضاء الحق في محل الهلاك لا ينفعه الحذر والاتقاء فاللازم ان يصبر عليه ويأخد طريق التسليم والرضا. 78 - قال امير المؤمنين رضى الله عنه: الاحسان يقطع اللسان. أقول: يعنى إذا اردت ان تدفع جفاء الانسان خصوصا ان تتخلص عن أذى اللسان فكن على الدوام مع البر والاحسان فانه أمر عظيم الشان، ولا شئ أقطع منه لاذى اللسان. ولا يبعد ان يقال: ان عليا رضى الله عنه تكلم به حين أراد عمر رضى الله عنه ان يقطع لسان السائل، أمره رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم فلما تبين المراد عنده قال: لولا على لهلك عمر.


(1) - في الهامش: " جمع التقادير والتدابير مع كونهما مصدرين على تقدير قصد الانواع باعتبار المتعلق فافهم، منه ".

[ 56 ]

قال أمير المؤمنين رضى الله عنه: الشرف بالفضل والادب لا بالاصل والنسب. أقول: يعنى - ان شرف الانسان وارتفاع القدر والشان انما هو باقتناء الاداب والفضائل واكتساب العلوم والشمائل لا بعزة الاصول والقبائل فانه يقال لك يوم القيامة: ماذا اكتسبت ؟ ولايقال لمن انتسبت. چو كنعان را طبيعت بى هنر بود * پيمبر زادگى قدرش نيفزود (1). 80 - قال أمير المؤمنين رضى الله عنه: أفقر الفقر الحمق (2). أقول: يعنى إذا كنت فقيرا محتاجا ليس لك درهم ولا دينار وأنت عاقل برئ من الحمق فلا بأس به ولا تأس عليه فان حقيقة الفقر فقر العقل لافقر المال، فان من كان عاريا عن العقل فهو أفقر الناس وان اجتمعت الدنيا عنده بحذافيرها، إذ لا يقنع بما عنده، ومن له عقل كامل فهو أغنى الناس وان كان محتاجا الى قوت يومه لكونه بسبب العقل


(1) - البيت لسعدى وذكره في الباب الثامن من گلستان وبعده: " هنر بنماى اگر دارى نه گوهر * گل از خار است وابراهيم از آزر " (2) - في الهامش: " ظاهر هذا التركيب مشكل لعدم صحة حمل " الحمق " على " الافقر " ولعدم صحة اضافة " الافقر " الى " الفقر " وهو ظاهر، اللهم الا ان يقال: ان الافقر بمعنى الاشد مجردا عن معنى الفقر بقرينة الاضافة الى الفقر فحينئذ يرتفع الاشكال بوجهيه ويكون تقديره: اشد الفقر هو الحمق، منه ".

[ 57 ]

قانعا بما قسم له وقدر. 81 و 82 - قال أمير المؤمنين رضى الله عنه: أكرم الادب حسن الخلق، وأكرم النسب حسن الادب. أقول: يعنى - من أراد ان يجتمع فيه أحسن الاداب والشمائل ويحتاز به أفضل الخصال والفضائل فليجاهد في تحسين أخلاقه وتصفية أحواله، فان حسن الخلق أصل جامع لجميع الكمالات الانسانية وسبب كامل لفيضان الكرامات الالهية (1)، ألا ترى ان الله تعالى خص نبيه صلى الله عليه (وآله) وسلم بما خصه وأثنى عليه بثناء لم يثن بمثله على سائر خلقه، فقال تعالى: انك لعلى خلق عظيم (2). وعن أنس رضى الله عنه قال: قيل يا رسول الله أي المؤمن أفضل ايمانا ؟ - فقال عليه الصلوة والسلام: أحسنهم خلقا. وقال الحسن البصري في تفسير قوله تعالى: وثيابك فطهر (3) اي وخلقك فحسن، كذا في الرسالة القشيرية. فإذا كنت موصوفا بحسن الخلق وشرف الادب فلا تأس على ان ليس فيك عز الاصل وفضل النسب، فانه لا عبرة بالنسب بلا حسن الادب كما ترى.


(1) - في الهامش: " الخلق الحسن أفضل مناقب العبودية يظهر جواهر الرجال، و الانسان مستور بخلقه (بفتح الخاء) مشهور بخلقه (بضم الخاء) وقال رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم: انكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم ببسط الوجه وحسن الخلق. وقال شاه الكرماني: علامة حسن الخلق كف الاذى واحتمال المؤن. وقيل: الخلق استصغار ما منك إليه، واستعظام ما منه اليك، منه ". أقول: ما ذكره جميعه في الرسالة القشيرية في باب حسن الخلق (انظر ص 110 من السنخة المطبوعة في مطبعة صبيح واولاده من مطابع مصر سنه 1367). (2) - آية 4 سورة القلم. (3) - آية 4 سورة المدثر.

[ 58 ]

83 - قال أمير المؤمنين رضى الله عنه: أوحش الوحشة العجب. أقول: الوحشة الخلوة والهم، واعجب بنفسه وبرأية على ما لم يسم فاعله فهو معجب بفتح الجيم، والاسم العجب كذا في مختار الصحاح. يعنى - أن من كان فيه الاعجاب بالنفس والاستبداد بالرأى بقى في الوحشة والهم لا احد يقاربه ولا جليس يصاحبه بل يرغب كل أحد عن صحبته، ويبقى هو محزونا في خلوته. 84 - قال أمير المؤمنين رضى الله عنه: أغنى الغنى العقل أقول: يعنى - من كان ذا عقل سليم وطبع مستقيم فهو أغنى الناس وان لم يكن له ماله لان احتياج صاحب الاموال الى صاحب العقل أشد وأتم. واعلم ان منطوق هذا الكلام ومفهوم قوله سابقا " أفقر الفقر الحمق " واحد، وكذا مفهوم هذا ومنطوق ذلك فيكون كل منهما مقررا لاخر وتصريحا بما علم التزاما. 85 - قال أمير المؤمينن رضى الله عنه: الطامع في وثاق الذل. أقول: يعنى لاتحم حول الطمع مهما استطعت، فان من تمسك بحبله تقيد بقيد الذل والهوان.


[ 59 ]

86 - قال أمير المؤمنين رضى الله عنه: احذروا نفار (1) النعم فما كل شارد بمردود. أقول: النفار من نفرت الدابة تنفر بالكسر نفارا وتنفر بالضم نفورا وشرد البعير نفر وبابه دخل وشرادا ايضا بالكسر فهو شارد وشرود. يعنى - إذا توجه اليك وفور النعم ووقع في يدك صيود الايادي اجتهد في تقييدها بقيد الشكر والتعظيم ودوام الخدمة والتكريم، فان شكر المنعم على المنعم عليه واجب عقلا ونقلا، واحذر عن النفار والشراد بترك اداء حقها فانه ليس كل شارد بعائد. 87 - قال أمير المؤمنين رضى الله عنه: أكثر مصارع العقول تحت بروق الاطماع. أقول: المصارع جمع المصرع بوزن المجمع من الصرع وهو علة وآفة معروفة، والبروق جمع ومصدر والمراد ههنا الجمع. يعنى - ان آفة كل عقل وهلاكه كثيرا ما تحت معاني الطمع وظلمته (2) ليس كبرق السحاب فانه دائر بين النفع والضر بل نفعه أقرب من ضره وبرق الطمع ضر محض وهلاك بحت.


(1) - في الاصل في كلا الموردين: " انفار ". (2) - يشبه ان يكون " ظله ".

[ 60 ]

88 - قال أمير المؤمنين رضى الله عنه: من أبدى صفحته للحق ملك، ومن أعرض عن الحق هلك. أقول: الابداء افعال من بدا الامر اي ظهر من باب سما، يقال بدا القوم اي خرجوا الى باديتهم، وبابه عدا، وصفحة الشئ جانبه. يعنى - من أظهر جانبه للحق مقبلا عليه قابلا له صار من جملة المالكين الحافظين للنفس والعرض والدين، ومن أعرض عن الحق صفحا ونأى بجانبه عاد من عداد الهلاكين الهادمين للدين والعرض، النادمين يوم الدين والعرض. 89 - قال أمير المؤمنين رضى الله عنه: إذا أملقتم فتاجروا الله بالصدقة. أقول: الاملاق افعال بمعنى الافتقار ولا يبعد ان يكون من الملق وهو الود واللطف (1) ويكون همزته للكثرة لان الفقراء يكثرون المودة والمحبة ويظهرون التلطف والملائمة للاغنياء، وبجوز ان يكون من الملقة (2) وهى الصفاة الملساء فان بواطنهم مصفاة من غم الدنيا وعلائقها وظواهرهم طاهرة لمساء عن تلوث خبثها وعوائقها، فحينئذ تكون همزته للصيرورة.


(1) - في الهامش: " الظاهر ان استعمال الاملاق بمعنى الافتقار على كل من التقديرين بطريق الكناية وهو ذكر اللازم وارادة الملزوم لان التلطف والملائمة وصفاء القلب والملامسة لازم للفقر كما ترى: منه ". (2) - الملقة واحدة الملق وهى الصفوح اللينة الملتزقة من الجبل.

[ 61 ]

يعنى - إذا خشيتم خشية املاق فعاملوا الله تعالى بالتصدق للفقراء فان من كان معاملته مع الله تعالى يغنيه الله سبحانه بفضله وكرمه باعطاء الخلف في الدنيا والثواب في الاخرة قال الله تعالى: من ذا الذى يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة (1) و لما كان يستعيض العبد من الله تعالى في هذه التجارة بل يأخذه منه تعالى بدليل قوله صلى الله عليه (وآله) وسلم: الصدقة تقع في كف الرحمن قبل ان تقع في كف الفقير، ولهذا لا رجوع فيها، شبه بالمعامل ونزل منزلته حثا للناس على الصدقات والخيرات وتعظيما لشأن المواساة والمبرات. 90 - قال أمير المؤمنين رضى الله عنه: من لان عوده كثرت أغصانه أقول: يعنى - من كان لين الطبع ضعيف الفؤاد بحيث لم يعاقب أحدا ولم يؤد به على الذنب تكثر أعوانه وأتباعه ويغلبون عليه من غير خوف ولا خشية ويفعلون ما يفعلون من الفساد والاذية (2) فلا جرم يخرجونه عن حد الاستقامة ويعيره الخلائق بالتوبيخ والملامة كما ان شجرة إذا كانت لينة الجذعة وضعيفة الاصل تكثر أغصانها بحيث تغلب عليها وتجعلها معوجة غير مستقيمة. 91 - قال أمير المؤمنين رضى الله عنه: قلب الاحمق في فمه. يعنى - يعنى لا تصاحب الاحمق واتق عن ان تظهر سرك له، فانه لا يقدر على


(1) - صدر آية 245 سورة البقرة ونص عبارة الكتاب: " ومن يقرض الله قرضا يضاعفه له ". (2) - هذا المعنى غير مستقيم والمراد الحلم الممدوح وحسن المعاشرة.

[ 62 ]

حفظ الاسرار لان قلبه في طرف لسانه، فمهما تحرك اللسان يظهر ما فيه، وحفظ الاسرار انما هو شأن الاحرار الاخيار، كما قيل: صدور الاحرار قبور الاسرار. 92 - قال أمير المؤمنين رضى الله عنه: لسان العاقل في قلبه. أقول: يعنى إذا اردت الراحة والسلامة فاصحب العاقل فان لسانه في قلبه، لا يظهر سرك ولا يهتك سترك، ولهذا يقال: العدو العاقل خير من الصديق الغير العاقل. 93 - قال أمير المومنين رضى الله عنه: من جرى في عنان أمله عثر بأجله. أقول: العنان بالكسر ما هو للفرس، وبالفتح للسحاب والعثور إذا استعمل بالباء يكون بمعنى السقوط، وإذا استعمل بعلى يكون بمعنى الاطلاع. يعنى - من تمسك بعنان أمله وجرى على ما يقتضيه تعلق بشبكة الاجل وسقط ولا يتيسر له الوصول الى ما يأمله. 94 - قال أمير المؤمنين رضى الله عنه: إذا وصلت اليكم أطراف النعم فلا تنفروا اقصاها بقلة الشكر. اقول: يعنى إذا وقع في يدك طرف من النعمة فاجتهد في تحصيل الطرف الاخر


[ 63 ]

بكثرة الشكر فان الشكر يبقى السابق ويجلب اللاحق، بدليل قوله تعالى: لئن شكرتم لازيدنكم (1) فان قيل: ان هذه الاية تدل على ان الشكر سبب لزيادة اللاحق ولا تدل على كونه سببا لبقاء السابق ؟ قلنا: هذا ممنوع فان زيادة اللاحق تستلزم بقاء السابق، فالدلالة على الزيادة تسلزم الدلاله على البقاء، فافهم. 95 - قال أمير المؤمنين رضى الله عنه: إذ قدرت على عدوك فاجعل العفو عنه شكر القدرة عليه. أقول: يعنى ان القدرة على قهر العدو نعمة، والشكر على النعمة واجب، والعفو لكونه مما أمر به الشارع من جملة الشكر فإذا أردت الشكر على هذه النعمة فالاولى ان تشكر بالعفو عنه، فانه أمر مرغوب في نفسه، سبب لارتفاع شأن صاحبه كما حكى أن داود النبي - عليه الصلوة والسلام - سأل كلاما من أبنائه في آخر حياتة وهو: إذا أذنب أحد كيف تعاقبه ؟ - فأجاب كل واحد منهم وقال: أعاقبه على قدر ذنبه، ثم سأل سليمان النبي عليه الصلوة والسلام عنه فأجاب هو وقال: عفوته، ثم سأل فقال: فان عاد فكيف تفعل ؟ - فقال: عفوته، ثم قال: فان عاد فكيف تفعل ؟ - فقال: عفوته، ثم بعد مرات كثيرة من السؤال والجواب قال سليمان: عفوت حتى يستحى ان يعود الى ذلك الذنب، فدعا له داود عليه السلام وقال: أنت أحق بالحكومة والسلطنة وأليق بالجلوس في سرير الخلافة، والله أعلم بالصواب. 96 - قال أمير المؤمنين رضى الله عنه: ما أضمر أحد شيئا الاظهر في فلتات لسانة وصفحات وجهه. أقول: يعنى لا تظن انك تضمر معنى في قلبك ولم يطلع علية احد فانه أمر


(1) - من آية 7 سورة ابراهيم وتمام الاية كذا " واذ تأذن ربكم لئن شكرتم لا زيدنكم ولئن كفرتم ان عذابي لشديد ".

[ 64 ]

لا يقدر عليه احد لانه قد يظهر في بشر وجهه وصفحاته، ويعلم في أثناء ألفاظه وكلماته، بالانفلات عن طرف (1) لسانه في عباراته. 97 - قال أمير المؤمنين رضى الله عنه: البخيل مستعجل الفقر يعيش في الدنيا عيش الفقراء، ويحاسب في الاخرة حساب الاغنياء. أقول: يعنى اياك من البخل فان البخيل يخاف من الفقر دائما ويدوم حزنه، يعيش في الدنيا بالذلة والقلة وهو جائع غير شبعان وعطشان غير ريان، ينهمك في جمع الدنيا الى ان يموت بالتعب والمشقة ثم هو يموت ويترك ماله للورثة ويحاسب يوم القيامة حساب من هو صاحب الاموال الكثيرة، واما السخى فانه يعيش في الدنيا بالوسع والرخاء ويذكر بين الخلائق بحسن الذكر والثناء، ولو حوسب في الاخرى يحاسب حسابا يسيرا ان شاء الله تعالى، أعاذنا الله تعالى بلطفه عن عذاب البخل في الدنيا وعذاب النار في الاخرة انه ملجأ العالمين. 98 - قال أمير المؤمنين رضى الله عنه: لسان العاقل وراء قلبه. أقول: وراء بمعنى خلف وقد يكون بمعنى قدام (2) وهى من الاضداد، وإذا لم تضفه


(1) - في المتن: " حرف " (الحرف الاول اما حاء أو صاد). (2) - في الهامش: " ومنه قوله تعالى: وكان وراءهم ملك (اي امامهم) في سورة الكهف وقصة موسى عليه السلام مع الخضر، منه ".

[ 65 ]

قلت: لقيته من وراء، فترفعة على الغاية كقولك: من قبل، كذا في مختار الصحاح. يعنى - ان العاقل لا يتكلم بكلام الا بعد ان يتفكره فان لسانه خلف قلبه فيتفكر أولا ثم يتكلم، ولا كذلك لسان الاحمق فانه أمام قلبه ولهذا يتكلم قبل التفكر ويحصل له الندم والتحير. 99 - قال أمير المؤمنين رضى الله عنه: قلب الاحمق وراء لسانه أقول: يعنى أن الاحمق لا يتكلم بالفكر والتأمل بل يتكلم كلما سمعه خيرا كان أو شرا، نفعا كان أو ضرا، لان قلبه الذى هو موضع التأمل والفكر خلف لسانه الذى هو محل التكلم والتلفظ، فيكون مغمورا به مستورا تحته، فلا يقدر على الفكر بل وظيفته هو التكلم فقط فالاولى بشأنه ان لا يتكلم أصلا الاعند الضرورة. 100 - قال أمير المؤمنين رضى الله عنه: اللهم اغفر رمزات اللحاظ، وسقطات الالفاظ، وشهوات الجنان وهفوات اللسان أقول: اللهم اصله يا الله عند البصريين والميم عوض عن حرف النداء، ولذلك لا يجتمعان وهو خصائص هذا الاسم كدخول يا عليه مع لام التعريف وقطع همزته وتاء القسم فلا يقال مثلا: زيدم ورحمانم كما لا يقال: يا الرحمن وتا الرحمن، وعند الكوفيين اصله: يا الله امنا بخير اي اقصد لنا بخير فحذف النداء ونزعت الهمزة من ام ووصلت الميم بالهاء فحذف ما يتعلق بام من بام من المفعولين احدهما الضمير والاخر بخير طلبا


[ 66 ]

للتخفيف لكثرة الاستعمال، والغفر التغطية والستر وبابه ضرب، والرمزات جمع رمزة وهى الاشارة بالشفتين والحاجبين والمراد ههنا مطلق الاشارة بقرينة الاضافة، واللحاظ بفتح اللام مؤخر العين، والسقطات جمع السقطة بالفتح وهو العثرة والزلة، والالفاظ جمع اللفظ وهو اسم لا مصدر، والشهوات جمع الشهوة وهى معروفة، والجنان بالفتح القلب، والهفوات جمع الهفوة وهى الزلة. يعنى - يا الله استر بفضلك العميم ولطفك العظيم عيب ما صدر من العين واللسان ونقص ما ورد مما لا ينبغى على الجنان انك انت الرؤوف الرحمن المحسن المنان، وهذا الدعاء يحتمل الخصوص له - رضى الله عنه - والعموم له ولجميع المسلمين، والعموم أنسب لظاهر كلامه وأوفق بعلو شأنه وأهم مرامه، فانه موصوف بايصال الخير الغير ومعروف بارادة النفع لجميع المسلمين، ولعل وجه تخصيص هذ الاعضاء بالذكر هو ان هذه الاعضاء كالاصل والمدار لسائرها وذلك ان القلب مدار لصلاح البدن وفساده بدلالة قوله صلى الله عليه (وآله) وسلم ان في البدن مضغة إذا صلحت صلح البدن وإذا فسدت فسد البدن، والا وهى القلب، وان اللسان مع كونه أصغر جرما أكبر، جرمالظهور الكبائر منه نصا ومن غيره دلالة، وان العين كالعين (1) لسائر الاعضاء تتجسس وتتفحص لها وتفعل هي ما تفعل بسببه (2)، والله اعلم. وعلى الخير والصلاح نقطع الكلام راجين من الله تعالى الفلاح والفوز بالنجاح انه هو الوهاب الفتاح، وشاكرين حامدين على التمام انه هو المشكور على اضافة نعمه، والمسؤول


(1) - في الهامش: " قال صاحب الكشاف حين فسر قوله تعالى: قل للمؤمنين يغضوا من ابصارهم ويحفظوا فروجهم، الاية في بيان تقديم الغض على حفظ الفرج: لان النظر رائد الفجور والبلوى فيه أشد وأكثر، الى هنا عبارته. ولا شك ان كون النظر رائد الفجور اي رسوله معنى مناسب لكون العين التى هي محل النظر جاسوسا الى جانب الفجور من جانب الاعضاء، منه ". (2) - في االهامش: " الضمير للمتجسس المذكور في تجسس من قبيل قوله تعالى: اعدلوا هو اقرب للتقوى، منه ".

[ 67 ]

خاتمة السعادة بفضله وكرمه، والصلوة والسلام الاتمان الا كملان سيدنا محمد وآله وأصحابه أجمعين. مؤلفه ومحرره عبد الوهاب رحمه الله ولد خوجه امير ادنه وهو ابراهيم بن پير پاشا، تمت، تم تصحيحه في الليلة الثالثة والعشرين من شهر رمضان المبارك (وهى ليلة الجهنى) من سنه تسع وثمانين وثلاثمائة بعد الالف من هجرة نبينا صلى الله على وآله وسلم. تم تصحيحه في الليلة الثالثة والعشرين من شهر رمضان المبارك (وهى ليلة الجهنى) من سنه تسع وثمانين وثلاثمائة بعد الالف من هجرة نبينا صلى الله على وآله وسلم. مير جلال الدين الحسينى الارموى المحدث نجز طبع الكتاب بحمد الله الملك الوهاب لخمس ليال مضين من جمادى الاولى من سنة 1390 من الهجرة النبوية موافقا لتأريخ 18 / 4 / 1349 ه‍. ش.


[ 68 ]

وليعلم أنى وجدت نسخة هذا الشرح ضمن مجموعة كانت في مكتبتي فطبعتها كما وجدتها من دون تصرف فيها، وحيث انى لم أعرف الشارح وكانت الصفحة الاخيرة من السنخة مشتملة على اسم الشارح وضعنا راموز تلك الصفحة في آخر الكتاب لعل الناظر فيها يطلع على أكثر مما استفدناه منها، والسلام على من اتبع الهدى.


[ 69 ]

راموز الصفحة الاخيرة من نسخة شرح الكلمات التى أسس عليها أساس طبع الكتاب


[ 70 ]

كلمة الختام ويلزم علينا ههنا ان نشكر الذين سعوا في إخراج هذا الكتاب وطبعه - جعل الله سعيهم مشكورا وعملهم مبرورا وجزاهم عن الاسلام وأهله خير الجزاء -، ونكل إليه تعالى أمر الذين تقاعدوا عن تسهيل أمر الطبع بعد أن تيهأت أسبابه بل قصروا فيه وفرطوا، اللهم اقض بيننا وبينهم بالحق وأنت أحكم الحاكمين.