حديث مولد النبي محمد صلى الله عليه وآله
قال الواقدى: اول ما افتتح به عقيل ابن ابي وقاص حين خطب آمنة لعبدالله بن عبدالمطلب ان قال (بسم الله الرحمن الرحيم الحمدلله الذى جعلنا من نسل ابراهيم ومن شجرة اسماعيل من غصن نزال ومن ثمرة عبد مناف) ثم اثنى على الله تعالى ثناء بليغا وقال فيه جميلا واثنى على اللات والعزة ومناة وذكرهم بالجميل وقال لايستغني عنكم مع هذا كله وعقد النكاح ونظر إلى وهب وقال يا ابا الوداج زوجت كريمتك آمنة من ابن سيدنا عبدالمطلب على صداق اربعة آلاف درهم بيض هجرية جياد وخمسمائة مثقال ذهب احمر، قال نعم ثم قال يا عبدالله قبلت بهذا الصداق يا ايها السيد الخاطب، قال نعم ثم دعا لهما بالخير والكرامة ثم امر وهب ان تقدم المائدة فقدمت مائدة خضرة فاتى من الطعام الحار والبارد والحلو والحامض فاكلوا وشربوا قال ونثر عبدالمطلب على ولده قيمة الف
[13]
درهم من النثار وكان متخذا من مسك بنادق ومن عنبر ومن سكر ومن كافور ونثر ذهب بقيمة الف درهم عنبر وفرح الخلق بذلك شديدا.
(قال الواقدى) فلما فرغوا من ذلك نظر عبدالمطلب إلى وهب وقال ورب السماء انى لا افارق هذا السقف أو اؤلف بين ولدي عبدالله وحليلته فقال وهب بهذه السرعة لايكون فقال عبدالمطلب لابد من ذلك فقام وهب ودخل على امرأته برة وقال لها اعلمى ان عبدالمطلب قد حلف برب السماء انه لايفارق هذا السقف أو يؤلف بين ولده عبدالله وبين زوجته آمنة فقامت المرأة من وقتها ودعت بعشرة من المشاطات وامرتهن ان يأخذ في زبنة آمنة فقعدن حول آمنة فواحدة منهن تنقش يديها وواحدة تخضب رجليها وواحدة تسرح ذوائبها ووحدة تمسحها بالملاء فلما كان عند غروب الشمس وفرغن من زينتها نصبوا سريرا من الخيزران وقد فرشوا عليه من ألوان الديباج والوشي واقعدت الجارية على السرير وعقدن على رأسها تاجا وعلى جبينها اكليلا وعلى عنقها مخانق الدر والجواهر وتختمت بانواع الخواتيم وجاء وهب وقال لعبدالمطلب يا سيدى قم إلى العروس فقام عبدالمطلب إلى العروس وهي كأنها فلقة قمر من حسنها وتقدم عبدالمطلب إلى السرير وقبله وقبل عين العروس فقام عبدالمطلب لولده عبدالله اجلس يا ولدي معها على السرير وافرح برؤيتها قال فرفع عبدالله قدمه وصعد إلى السرير وقعد إلى جنب العروس وفرح عبدالله وكان من عبدالله إلى اهله ما يكون من الرجال إلى النساء فواقعها فحملت بسيد المرسلين وخاتم النبيين وقام من عندها إلى عند ابيه فنظر اليه ابوه واذا النور قد فارق من بين عينيه وبقى عليه من اثر النور كالدرهم الصحيح وذهب النور إلى ثدى آمنة فقام عبدالمطلب إلى عند آمنة ونظر إلى وجهها فلم يكن النور كما كان في عبدالله بل انور فذهب عبدالمطلب إلى عند حبيب الراهب فسأله عن ذلك فقال حبيب اعلم ان هذا النور هو صاحب النور بعينه وصار في بطن امه فقام عبدالمطلب وخرج مع
[14]
الرجل وبقى عبدالله عند اهله إلى ان ذهبت الصفرة من يديه وذلك ان العرب كانوا اذا دخلوا باهلهم يخضبون ايديهم بالحناء ولا يخرجون من عندهم وعلى ايديهم اثر من الحناء فبقى عبدالله اربعين يوما وخرج ونظر اهل مكة إلى عبدالله والنور قد فارق موضعه فرجع عبدالمطلب من عند حبيب وقد أتى على رسول الله صلى الله عليه وآله شهر واحد في بطن امه ونادت الجبال بعضها بعضا والاشجار بعضها بعضا والسماوات بعضها يستبشرون ويقولون ألا ان محمدا قد وقع في رحم امه آمنة وقد أتى عليه شهر ففرحت بذلك الجبال والبحار والسماوات والارضون فرحا برسول الله صلى الله عليه وآله ثم ان الله تعالى اراد قضاه على فاطمة بنت عبدالمطلب فورد عليه كتاب من يثرب يموت فاطمة وكان في الكتاب انها ورثت مالا كثيرا خطيرا فاخرج إلى عندهم باسرع ما تقدر عليه قال عبدالمطلب لولده عبدالله يا ولدي لابد لك ان تجي معى إلى المدينة فسافر مع ابيه ودخلا مدينة يثرب وقبض عبدالمطلب المال ولما انتهيا من دخلولهما المدينة بعشر ايام اعتل عبدالله علة شديدة وبقى خمسة عشر يوما فلما كان يوم السادس عشر مات عبدالله فبكى عليه ابوه عبدالمطلب بكاء شديدا وشق سقف البيت لاجله في دار فاطمة بنت عبدالمطلب واذا بهاتف يهتف ويقول قد مات من كان في صلبه خاتم النبيين وأي نفس لاتموت فقام عبدالمطلب فغسله وكفنه في سكة يقال لها (شين) وبنى على قبره قبة عظيمة من جص وآجر واحكمه ورجع إلى مكة واستقبله رؤساء قريش وبنو هاشم واتصل الخبر إلى آمنة بوفاة زوجها فبكت ونفشت شعرها وخدشت وجهها ومزقت جيبها ودعت بالنايحات ينحن على عبدالله فجاء بعد ذلك عبدالمطلب إلى دار آمنة وطيب قلبها ووهب لها في ذلك الوقت الف درهم بيض وتاجين قد اتخذهما عبد مناف لبعض بناته وقال لها يا آمنة لا تحزني فانك عندى جليلة لاجل من في بطنك فلا يهمك امرك فسكتت وطيب قلبها.
[15]
(قال) الواقدي فلما اتى على رسول الله صلى الله عليه وآله في بطن امه شهران امر الله تعالى مناديا في سماواته وارضه ينادى في السماوات والارض والملائكة ان استغفروا لمحمد صلى الله عليه وآله وامته كل هذا ببركة النبى صلى الله عليه وآله.
(قال الواقدي) فلما اتى على رسول الله صلى الله عليه وآله في بطن امه ثلاثة اشهر كان ابوقحافة راجعا من الشام فلما بلغ قريبا من مكة وضعت ناقته جمجمتها على الارض ساجدة وكان بيد ابي قحافة قضيب فضربها باوجع ضرب فلم ترفع رأسها فقال ابوقحافة فما ارى ناقة تركت صاحبها واذا بهاتف يهتف ويقول لاتضرب يا اباقحافة من لايطيعك الا ترى ان الجبال والبحار والاشجار سوى الآدميين سجدوا لله فقال ابوقحافة يا هاتف وما السبب في ذلك قال اعلم ان النبي الامي قد اتى عليه في بطن امه ثلاثة اشهر قال ابوقحافة ومتى يكون خروجه قال سترى يا ابا قحافة ان شاء الله تعالى فالويل كل الويل لعبدة الاصنام من سيفه وسيف اصحابه، قال ابو قحافة فوقفت ساعة حتى رفعت الناقة رأسها فركبتها وجئت إلى عبدالمطلب.
(قال الواقدى) فلما اتى على رسول الله صلى الله عليه وآله اربعة اشهر كان زاهد على الطريق من الطائف وكان له صومعة بمكة على مرحلة قال فخرج الزاهد وكان اسمه حبيبا فجاء إلى بعض اصدقائه بمكة فلما بلغ أرض الموقف واذا بصبي قد وضع جبينه على الارض وقد سجد على جبهته قال حبيب فدنوت منه فاخذته واذا بهاتف يهتف ويقول خل عنه يا حبيب ألا ترى إلى الخلائق من البر والبحر والسهل والجبل قد سجدوا لله شكرا لما اتى على النبى الزكي الرضي المرضي في بطن أمه خمسة اشهر وهذا الصبي قد سجد لله شكرا قال حبيب فتركت الصبي ودخلت مكة وبينت ذلك لعبد المطلب وعبدالمطلب يقول اكتم هذا الاسم فان لهذا الاسم اعداء قال وذهب حبيب إلى صومعته فاذا الصومعة تهتز ولا تستقر واذا على محرابه مكتوب وعلى محراب كل راهب مكتوب يا أهل البيع و الصوامع آمنوا بالله وبرسوله محمد بن عبد فقدآن
[16]
خروجه فطوبى ثم طوبى لمن آمن به والويل كل الويل لمن كفر به ورد عليه حرفا مما يأتى به من عند ربه قال حبيب فقلت السمع والطاعة انى لمؤمن وطائع غير منكر.
(قال الواقدى) فلما اتى على رسول الله في بطن أمه ستة أشهر خرج اهل المدينة واليمن إلى العيد وكان رسمهم انهم كانوا يجعلون في كل سنة ستة اعياد وكانوا يذهبون عند شجرة عظيمة يقال لها ذات انواط وهي التي سماها الله في كتابه ومناة الثالثة الاخرى فذهبوا في ذلك العيد واكلوا وشربوا وفرحوا وتقاربوا من الشجرة واذا بصيحة عظيمة من وسط الشجرة وهو هاتف يقول (يا ايها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله) الآية وقال يا اهل اليمن ويا اهل اليمامة ويا اهل البحرين ويا من عبد الاصنام ويا من سجد للاوثان جاء الحق وزهق الباطل ان الباطل كان زهوقا يا قوم قد جاءكم الهلاك قد جاءكم التلف قد جاءكم الويل والثبور قال ففزعوا من ذلك وانهزموا راجعين إلى منازلهم متحيرين متعجبين من ذلك.
(قال الواقدى) فلما أتى على رسول الله صلى الله عليه وآله في بطن أمه سبعة أشهر جاء سواد بن قارب إلى عبدالمطلب فقال له اعلم يا ابا الحارث اني كنت البارحة بين النوم واليقظة فرأيت أبواب السماء مفتحة ورأيت الملائكة ينزلون إلى الارض معهم الوان الثياب يقولون زينوا الارض فقد قرب خروج من اسمه محمد وهو نافلة عبدالمطلب رسول الله إلى الارض وإلى الاسود والاحمر والاصفر والى الصغير والكبير والذكر والانثى صاحب السيف القاطع والسهم النافذ فقلت لبعض الملائكه من هذا الذى تزعمون فقال ويحك هذا محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب بن هاشم بن عبد مناف فهذا ما رأيت فقال له عبدالمطلب اكتم الرؤيا ولا تخبر بها أحدا لننظر ما يكون.
(قال الواقدى) فلما أتى على النبى صلى الله عليه وآله في بطن أمة ثمانية أشهر كان في بحر الهوى حوت يقال له طينوسا وهي سيدة الحيتان فتحركت
[17]
الحيتان وتحركت الحوت واستوت على ذنبها وارتفعت وارتفع الموج عنها فقالت الملائكة إلهنا وسيدنا ترى ما تفعل طينوسا ولا تطيعنا وليس لنا بها قوة (قال) فصاح استحيائيل الملك صيحة عظيمة وقال لها قرى يا طينوسا ألا تعرفين من تحتك فقالت طينوسا يا استحيائيل امر ربي يوم خلقني ان اذا ولد محمد بن عبدالله استغفرى له ولامته والآن سمعت الملائكة يبشر بعضهم بعضا فلذلك قمت وتحركت فناداها استحيائيل قرى واستغفرى فان محمدا قد ولد فلذلك انبطحت في البحر وأخذت في التسبيح والتهليل والتكبير والثناء على رب العالمين.
(قال الواقدى) فلما أتى على رسول الله صلى الله عليه وآله في بطن أمه تسعة اشهر أوحى الله إلى الملائكة في كل سماء ان اهبطوا إلى الارض فهبط عشرة آلاف ملك بيد كل ملك قنديل يشتعل بالنور بلا دهن مكتوب على كل قنديل لا إله إلا الله محمد رسول الله يقرأه كل عربي كاتب ووقفوا حول مكة في المفارز واذا بهاتف يهتف ويقول نور محمد رسول الله صلى الله عليه وآله قال فاورد الخبر إلى عبدالمطلب فامر بكتمانه إلى ان يكون.
(قال) الواقدى فلما كملت تسعة اشهر لرسول الله صلى الله عليه وآله صار لا يستقر كوكب في السماء إلا ينتقل من موضع إلى موضع يبشرون بعضهم بعضا والناس ينظرون إلى الكواكب في السماء سائرات لا يستقرن فاقام ذلك ثلاثين يوما.
(قال الواقدى) فلما تم لرسول اللهصلى الله عليه وآله تسعة اشهر نظرت ام رسول الله صلى الله عليه وآله آمنة إلى امها برة وقالت يا اماه اني احب ان ادخل البيت فأبكى على زوجى ساعة واقطر دمعي على شبابه وحسن وجهه فاذا دخلت البيت وحدى فلا يدخل علي احد فقالت لها برة ادخلي يا آمنة وابكي فحق لك البكاء قال فدخلت آمنة البيت وحدها وقعت وبكت وبين يديها شمع يشتعل وبيدها مغزل من آبنوس وعلى مغزلها فلقة من عقيق أحمر وآمنة
[18]
تبكي وتنوح اذ أوجعت من طلقها فوثبت إلى الباب لتفتحه فلم ينفتح فرجعت إلى مكانها وقالت واوحدتاه وأخذها الطلق والنفاس وما شعرت بشئ حتى انشق السقف ونزلت من فوق اربع حوريات واضاء البيت لنور وجوههن وقلن لآمنة لا بأس عليك يا جارية انا جئناك لخدمتك فلا يهمك امرك وقعدت الحوريات واحدة على يمينها وواحدة على شمالها وواحدة بين يديها وواحدة من ورائها فهومت عين آمنة وغفت غفوة (قال) ابن عباس ما كان من أمر ام النبى إلا انها كانت نائمة عند خروج ولدها من بطنها فانتبهت أم النبي صلى الله عليه وآله فاذا النبي صلى الله عليه وآله تحت ذيلها قد وضع جبينه على الارض ساجدا لله ورفع سبابتيه مشيرا بهما لا إله إلا الله.
(قال) الواقدى ولد رسول الله صلى الله عليه وآله في ليلة الجمعة قبل طلوع الفجر في شهر ربيع الاول ليلة سبعة عشر منه في سنة تسعة آلاف وتسعمائة واربعة اشهر وسبعة ايام من وفاة آدم (ع) (قال) الواقدى ونظرت أمه آمنة وجه رسول الله صلى الله عليه وآله فاذا هو مكحل العينين منقط الجبين والذقن واشرق في وجنتى النبي صلى الله عليه وآله نور ساطع في ظلمة الليل ومر في سقف البيت وشق السقف ورأت آمنة من نور وجهه صلى الله عليه وآله كل منظر حسن وقصر بالحرم وسقط في تلك الليلة اربع وعشرون شرفة من ايوان كسرى واخمدت في تلك الليلة نيران فارس وابرق في تلك الليلة برق ساطع في كل بيت وغرفة في الدنيا مما قد علم الله تعالى وسبق في علمه انهم يؤمنون بالله ورسوله محمد صلى الله عليه وآله ولم يطلع في بقاع الكفر بامر الله تعالى وما بقى في مشارق الارض ومغاربها صنم ولا وثن إلا وخرت على وجوهها ساقطة على جباهها خاشعة وذلك كله اجلالا للنبي صلى الله عليه وآله.
(قال الواقدى) فلما رأى ابليس لعنه الله تعالى واخزاه ذلك وضع التراب على رأسه وجمع اولاده وقال لهم يا اولادى اعلموا انني ما اصابني منذ خلقت مثل هذه المصبية قالوا وما هذه المصيبة قال اعلموا انه قد ولد
[19]
في هذه إلليلة مولود اسمه محمد بن عبدالله صلى الله عليه وآله يبطل عبادة الاوثان ويمنع السجود للاصنام ويدعوا إلى عبادة الرحمن قال فنثروا التراب على رؤوسهم ودخل ابليس لعنه الله تعالى في البحر الرابع وقعد فيه للمصيبة هو واولاده مكرهين اربعين يوما.
(قال الواقدى) فعند ذلك اخذت الحوريات محمدا صلى الله عليه وآله ولففنه في منديل رومي ووضعنه بين يدي آمنة ورجعن إلى الجنة يبشرن الملائكة في السماوات ولد النبى صلى الله عليه وآله ونزل جبرئيل وميكائيل عليهما السلام ودخلا البيت على صورة آدميين وهما شابان ومع جبرئيل طشت من ذهب ومع ميكائيل ابريق من عقيق احمر فاخذ جبرائيل رسول الله صلى الله عليه وآله وغسله وميكائيل يصب الماء عليه فغسلاه وآمنة في زاوية البيت قاعدة فزعة مبهوتة فقال لها جبرئيل يا آمنة لاتغسليه من النجاسة فانه لم يكن نجسا ولكن غسلناه من ظلمات بطنك وفرغا من غسله وكحلا عينيه ونقطا جبينه بزرقة كانت معهم ومسك عنبر وكافور مسحوق بعضه ببعض فذرا فوق رأسه صلى الله عليه وآله قالت آمنة وسمعت جلبة وكلاما على الباب فذهب جبرئيل إلى عند الباب فنظر ورجع إلى البيت وقال ملائكة سبع سماوات على الباب يريدون السلام على النبي صلى الله عليه وآله فاتسع البيت مد النظر ودخلوا عليه موكبا بعد موكب وسلموا عليه وقالوا السلام عليك يا محمد السلام عليك يا محمود السلام عليك يا أحمد السلام عليك يا حامد.
(قال الواقدى) فلما دخل من الليل ثلثه امر الله تعالى جبرئيل (ع) يحمل من الجنة اربعة اعلام فحمل جبرئيل الاعلام ونزل إلى الدنيا ونصب علما اخضر على جبل قاف مكتوبا عليه بالبياض سطران لا إله إاله الله محمد رسول الله صلى الله عليه وآله ونصب علما آخر على جبل ابى قبيس له ذوابتان مكتوب على واحد منهما شهادة ان لا إله إلا الله وفي الثانية لادين إلا دين محمد بن عبدالله، ونصب علما آخر على سطح بيت الله الحرام له ذوابتان
[20]
مكتوب على واحدة منهما طوبى لمن آمن بالله وبمحمد والويل لمن كفر به ورد عليه حرفا مما يأتى به من عند ربه، ونصب علما آخر على ضريح بيت الله المقدس وهو أبيض عليه خطان مكتوبان بالسواد لا غالب إلا الله والثانى النصر لله ولمحمد صلى الله عليه وآله.
(قال الواقدي) وذهب استحيائيل ووقف على ركن جبل ابى قبيس ونادى با على صوته يا أهل مكة آمنوا بالله ورسوله والنور الذي انزلنا وامر الله تعالى غمامة ان ترفع فوق بيت الله الحرام وتنثر على البيت ريش الزعفران والمسك والعنبر فارتفعت الغماة وامطرت على ذلك البيت، فلما اصبحوا رأوا ريش الزعفران والمسك والعنبر يمطر على البيت وخرجت الاصنام من بيت الله الحرام وجاؤا إلى عندالحجر وانكبوا على وجوههم وجاء جبرئيل بقنديل احمر له سلسلة من جزع اصفر وهو يشتعل بلا دهن بقدرة الله تعالى.
(قال الواقدى) وابرق من وجه النبي صلى الله عليه وآله برق وذهب في الهواء حتى التزق بعنان السماء وما بقى بمكة دار ولا منظر إلا ودخله ذلك النور ممن سبق في قدرة الله تعالى وعلمه انه يؤمن بالله وبرسوله محمد صلى الله عليه وآله وما بقى في تلك الليلة كتاب من التوراة والانجيل والزبور ومما كان فيه اسم محمد صلى الله عليه وآله او نعته إلا وقطر تحت اسمه قطرة دم قال لان الله تعالى بعثه بالسيف وما بقى في تلك الليلة دير ولا صومعة إلا وكتب على محاريبها اسم محمد صلى الله عليه وآله فبقيت الكتابة إلى الصباح حتى قرأها الرهبانية والديرانية وعلموا ان النبى الامي قد ولد.
(قال الواقدى) فعندها قامت آمنة وفتحت الباب وصاحت صيحة وغشى عليها ثم دعت بامها برة وابيها وهب وقالت ويحكما اين انتما أما رأيتما ما جرى علي انى وضعت ولدي وكان كذا وكذا تصف لهما ما رأته قال فقام وهب ودعا بغلام وقال اذهب إلى عبدالمطلب وبشره وأهل مكة على
[21]
المنابر وقد صعدوا الصروح ينظرون إلى الذى رأوا من العجائب ولا يدرون ما الخبر وكذلك عبدالمطلب قد صعد مع اولاده فما شعروا بشئ حتى قرع الغلام الباب ودخل على عبدالمطلب وقال يا سيدنا ابشر فان آمنة وضعت ذكرا فاستبشر بذلك وقال قد علمت ان هذه براهين ودلايل لمولودى فذهب عبدالمطلب إلى آمنة مع أولاده ونظروا إلى وجه رسول الله صلى الله عليه وآله ووجهه كالقمر ليلة البدر يسبح ويكبر في نفسه فتعجب منه عبدالمطلب.
(قال الواقدى) فاصبح أهل مكة في يوم الثانى صبيحة يوم السبت ونظروا إلى القنديل والسلسلة والى ريش الزعفران والعنبر ينزل من الغمامة وينظرون إلى الاصنام وقد خرجت من مراكزها مكبات على وجوهها وبقى الخلق على ذلك وجاء ابليس أخزاه الله على صورة شيخ زاهد وقال يا أهل مكة لا يهمنكم امر هذا فانما اخرج الاصنام بهذا الميل العفاريت والمردة وسجدوا لهن فلا يهمنكم وأمر ابليس لعنه الله تعالى ان ترد الاصنام إلى جوف بيت الله الحرام ففعلوا ذلك واذا بهاتف يهتف ويقول جاء الحق وزهق الباطل ان الباطل كان زهوقا.
(قال الواقدى) فارسل الله تعالى إلى البيت حللا من الديباج الابيض مكتوبا عليها بخط أسود: بسم الله الرحمن الرحيم: يا ايها النبي انا ارسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله باذنه وسراجا وقمرا منيرا.
(قال) الواقدى فتعجب الناس من ذلك فبقيت الحلل على البيت اربعين يوما فذهب رجل من آل ادريس كان بالثعلبان واتى وكانت يده دسمة فتمسح بتلك الحلل والتحف بها فارتفعت الحلل من ليلتها ولو لم يلتحف بها لبقيت على بيت الله الحرام هي والديباج إلى يوم القيامة.
(قال) الواقدى فاجتمع رؤساء بنى هاشم وذهبوا إلى حبيب الراهب وقالوا يا حبيب بين لنا خبر هذه الحلل وخروج الاصنام من جوف بيت الله الحرام والكواكب السائرات والبرق الذى ابرق في هذه الليلة والجلبات التى سمعنا فما هي فقال حبيب أنتم تعلمون
[22]
ان دينى ليس دينكم وانا اقول الحق ان شئتم فاقبلوا وان شئتم لاتقبلوا ما هذه العلامات إلا علامات نبي مرسل في زمانكم هذا ونحن وجدنا في التوراة ذكر وصفه وفي الانجيل نعته وفي الزبور اسمه واسمه في الصحف وهو الذى يبطل عبادة الاوثان والاصنام ويدعوا إلى عبادة الرحمن ويكون على العالم قاطع السيف طاعن الرمح نافذ السهم تخضع له ملوك الدنيا وجبابرتها فالويل كل الويل لاهل الكفر والطغيان وعبدة الاوثان من سيفه ورمحه وسهمه فمن آمن نجا ومن كفر هلك فقام الخلق من عنده مغمومين مكروبين ورجعوا إلى مكة محزونين.
(قال الواقدى) واصبح عبدالمطلب في يوم الثاني ودعا بامنة وقال هاتى ولدي وقرة عينى وثمرة فؤادى فجائت آمنة ومحمد صلى الله عليه وآله على ساعدها فقال عبدالمطلب اكتميه يا آمنة ولا تبديه لاحد فان قريشا وبني أمية يرصدون في أمره قالت له آمنة السمع والطاعة فجاء عبدالمطلب ومحمد صلى الله عليه وآله على ساعده واتى به إلى بيت الحرام واراد ان يمسح بدنه باللات والعزى لتسكن دمدمة قريش وبني هاشم ودخل عبدالمطلب بيت الله الحرام فلما وضع رجله في البيت سمع النبى صلى الله عليه وآله وهو يقول بسم الله وبالله واذا البيت يقول السلام عليك يا محمد ورحمة الله وبركاته واذا بهاتف يهتف ويقول جاء الحق وزهق الباطل ان الباطل كان زهوقا فتعجب عبدالمطلب من صغر سنه وكلامه ومما قال له البيت فتقدم عبدالمطلب لخزنة البيت وأمرهم أن يكتموا ما سمعوا من البيت ومحمد صلى الله عليه وآله.
(قال) الواقدى فتقدم عبدالمطلب إلى اللات والعزى واراد ان يمسح بدن النبي صلى الله عليه وآله باللات والعزى فجذب من ورائه فالتفت إلى ورائه فلم ير أحدا فتقدم ثانيا فجذبه من ورائه الجاذب فنظر إلى ورائه فلم ير أحدا ثم تقدم ثالثا فجذبه الجاذب جذبة شديدة حتى اقعده على عجزه وقال مه يا أبا الحارث اتمسح بدنا طاهرا
[23]
ببدن نجس.
(قال) الواقدى فعند ذلك وقف عبدالمطلب على باب بيت الله الحرام والنبي صلى الله عليه وآله على ساعده وانشأ يقول: الحمدالله الذى اعطاني * هذا الغلام الطيب الاردان - قد ساد في المهد على الغلمان * اعيذه بالبيت ذي الاركان - حتى أراه مبلغ الفتيان * أعيذه من كل ذى شنان - حتى يكون بلغة الغشيان * من حاسد ذي ناظر معيان.
(قال) الواقدي وخرج عبدالمطلب مفتكرا مما سمع ورد محمد صلى الله عليه وآله إلى امه وقد وقعت الدمدمة بين قريش وبني هاشم بسبب محمد صلى الله عليه وآله.
(قال الواقدى) فلما كان اليوم الثالث اشترى عبدالمطلب مهدا من خيزران أسود مشبكات من عاج مرصع بالذهب الاحمر وله بكرتان من فضة بيضاء ولونه من جزع اصفر وغشاه بجلال ديباج أبيض مكوكب بالذهب وبعث اليها من الدر و اللؤلؤ الكبار الذى تلعب به الصبيان في المهد وبعث بالوان الفرش وكان النبي صلى الله عليه وآله اذا انتبه من نومه يسبح الله تعالى بتلك الخرز.
(قال الواقدي) فلما كان اليوم الرابع جاء سواد بن قارب إلى عبدالمطلب وكان عبدالمطلب قاعدا على باب بيت الله الحرام وقد حف به قريش وبنو هاشم فدنا سواد بن قارب وقال يا أبا الحارث اعلم اني قد سمعت انه ولد لعبدالله ذكر وانهم يقولون فيه عجائب فاريد ان انظر إلى وجهه هنيئة وكان سواد بن قارب رجلا اذا تكلم سمع وكان رجلا صدوقا فقام عبدالمطلب وسواد بن قارب وجاء إلى دار آمنة (رض ودخلا جميعا والنبي صلى الله عليه وآله كان نائما فلما دخلا القبة قال عبدالمطلب اسكت يا سواد حتى ينتبه من نومه فسكت فدخلا قليلا قليلا حتى دخلا القبة ونظرا إلى وجه النبي صلى الله عليه وآله وهو في مهده نائم وعليه هيبة الانبياء فلما كشف الغطاء عنه برق وجهه برقا شق السقف بنوره والتزق في عنان السماء فالقى عبدالمطلب
[24]
وسواد اكمامها على وجيهما من شده الضوء فعندها انكب سواد على النبى صلى الله عليه وآله وقال لعبدالمطلب أشهد على نفسي انى آمنت بهذا الغلام بما يأتي به من عند ربه ثم قبل وجنات النبى صلى الله عليه وآله وخرجا جيمعا ورجع سواد إلى موضعه وبقى عبدالمطلب فرحا نشيطا.
(قال محمد بن عمر الواقدى) فلما اتى على النبى صلى الله عليه وآله شهر كان اذا نظر اليه الناظر يتوهم انه من ابناء سنة لوقارة جسمه وتمام فهمه صلوات الله عليه وآله وكانوا يسمعون من التسبيح والتمجيد والثناء على الله تعالى.
(قال الواقدى) فلما اتى على رسول الله صلى الله عليه وآله شهران مات وهب جده أبوأمه آمنة وجاء عبدالمطلب وجماعة من قريش وبنى هاشم وغسلوا وهيا وحنطوه وكفنوه ودفنوه على ذيل الصفا.
(قال الواقدى) فلما اتى على رسول الله صلى الله عليه وآله اربعة اشهر ماتت امه آمنة (رض) فبقى النبي صلى الله عليه وآله بلا أم ولا أب وهو من ابناء اربعة اشهر فبقي يتيما في حجر جده عبدالمطلب ابى أبيه (رض) فاشتد على عبدالمطلب موت آمنة ليتم محمد صلى الله عليه وآله فلم يأكل ولم يشرب ثلاثة أيام فبعث عبدالمطلب إلى عند بناته عاتكة وصفية وقال لهما خذا محمدا صلى الله عليه وآله والنبى لا يزداد إلا بكاء ولا يسكن وكانت عاتكة تلعق النبى صلى الله عليه وآله عسلا صافيا ولا يزداد النبي صلى الله عليه وآله إلا تماديا في البكاء.
(قال) الواقدى فضجر عبدالمطلب فصار لايتهنأ ان ينظر إلى النبي صلى الله عليه وآله وهو في تلك الحالة فقال لابنته عاتكة احضرى نساء قريش فلعله ان يقبل ثدى واحدة منهن ويرضعن ولدى وقرة عيني محمدا فقالت ابنته عاتكة السمع والطاعة يا أبتي فبعثت عاتكة بالجواري والعبيد نحو نساء بني هاشم وقريش ودعتهن إلى ارضاع النبى صلى الله عليه وآله فجئن إلى عاتكة واجتمعن عندها في اربعمائة وستين جارية من بنات صناديد قريش واصل بنى هاشم فتقدمت كل واحدة ودفعن ارادانهن عن رسول الله صلى الله عليه وآله ووضعن ثديهن في فم رسول الله صلى الله عليه وآله فما قبل واحدة وبقين متحيرات
[25]
وكان عبدالمطلب جالسا فامر باخراجهن فخرجن والنبى صلى الله عليه وآله لا يزداد إلا بكاءا وحزنا لغيبة اللبن عنه صلى الله عليه وآله فخرج عبدالمطلب من الدار مهموما مغموما إلى الكعبة وقعد عند استارها ورأسه بين ركبتيه كأنه امرأة ثكلى واذا بعقيل ابن أبى وقاص قد اقبل وهو شيخ من قريش وأسنهم فلما رأى عبدالمطلب مغموما قال له يا أبا الحارث مالي اراك مغموما فقال له عبدالمطلب يا سيد قريش اعلم ان نافلتى يبكي ولا يسكن شوقا إلى اللبن من حين ماتت أمه وانا لا اتهنا بطعام ولا بشراب محزون على ولدي محمد صلى الله عليه وآله وعرضت عليه نساء قريش وبني هاشم فلم يقبل ثدى واحدة منهن وذلك انه ما من امرأة إلا وبها عيب وان محمدا لا يقبل ثدى من بها عيب فلهذا امتنع فتحيرت وانقطعت حيلتى فقال عقيل يا ابا الحارث انى لاعرف في اربعة واربعين صنديد من صناديد العرب امرأة عاقلة افصح لسانا واصبح وجها وارفع حسبا ونسبا وهي حليمة بنت أبى ذويب ابن عبدالله بن الحارث بن سخنة بن ناصر بن سعد بن بكير بن زهر بن منصور بن عكرمة بن قيس ابن مضر بن نزار بن معد بن عدنان بن اكرد بن سخيب بن يعرب بن اسماعيل بن ابراهيم خليل الرحمن.
(قال الواقدي) فقال عبدالمطلب يا سيدي وسيد قريش لقد نبهتني بامر عظيم وفرجت عني ثم دعا عبدالمطلب بغلام أسمه شمر دل وقال له قم يا غلام واركب ناقتك واخرج نحو حي بني سعد بن ابى بكر وادع لي أبا ذويب بن عبدالله بن الحارث السعداوى فذهب الغلام واستوى على ظهر ناقته وكان حي بني سعد من مكة على ثمانية عشر ميلا في طريق جدة قال فذهب الغلام نحو حي بني سعد فلحق بهم واذا خيمتهم من مسح وخوص وكذلك خيم الاعراب في البوادى فدخل شمر دل الحي وسأل عن خيمة عبدالله بن الحارث فاعطوه الاثر فذهب شمر دل إلى الخيمة فاذا بخيمة عظيمة رضية زاجة في الهواء من خوص واذا على باب لخيمة غلام اسود فاستأذن شمردل في الدخول فدخل الغلام وقال انعم صباحا يا اباذويب
[26]
قال فحياه عبدالله وقال له ما الخبر يا شمر دل فقال اعلم يا سيدى ان مولاى ابا الحارث عبدالمطلب قد وجهني نحوك وهو يدعوك فان رأيت يا سيدى ان تجيبه فافعل قال عبدالله السمع والطاعة وقام عبدالله من ساعته ودعا بمفتاح الخزانة وعطى التاج ففتح باب الخزانة واخرج منها جوشنة فافرغه على نفسه فاخرج بعد ذلك درعا فاصلا فافرغه على نفسه فوق جوشنة استخرج بيضة عادية فقلبها على رأسه وتقلد بسيفين واعتل رمحا ودعا بنجيب فركبه كالدكة وجاء نحو عبدالمطلب فلما دخل تقدم شمر دل واخبر عبدالمطلب وكان جالسا مع رؤساء مكة مثل عتبة بن ربيعة والوليد بن عتبة وعقبة بن ابي معيط وجماعة من قريش فلما رأى عبدالمطلب عبدالله قام على قدميه واستقبله وعانقه وصافحه واقعده على جنبه والزق ركبتيه بركبتيه ولم يتكلم حتى استراح ثم قال له عبدالمطلب يا ابا ذويب اتدرى بماذا دعوتك قال يا سيدي وسيد قريش ورئيس بنى هاشم حتى تقول فاسمع منك واعمل باحسنه قال اعلم يا باذويب ان نافلتى محمدبن عبدالله مات ابوه ولم يبن عليه اثر ثم ماتت امه وهو ابن اربعة اشهر وهو لا يسكن من البكاء إلى اللبن وقد عرضت عليه اربعة وستين جارية من اشرف واجل بنى هاشم فلم يقبل لواحدة منهن لبنا والان سمعنا ان لك بنتا ذات لبن فان رأيت ان تنفذها لترضع ولدى محمدا صلى الله عليه وآله فان قبل لبنها فقد جاءتك باسرها وعلى غناك وغنى اهلك وعشيرتك وان كان غير ذلك ترى مما رأيت من النساء غيرها فافعل ففرح عبدالله فرحا شديدا ثم قال يا ابا الحارث ان لي بنتين فايهما تريد قال عبدالمطلب اريد اكملها عقلا واكثر لنبا واصون عرضا فقال عبدالله هاتيك حليمة لم تكن كاخواتها بل خلقها الله تعالى اكمل عقلا واتم فهما وافصح لسانا واثج لبنا واصدق لهجة وارحم قلبا منهن جميعا.
(قال الواقدى) فقال عبدالمطلب اني ورب السماء ما رأيت إلا تلك فقال عبدالله السمع والطاعة فقام من ساعته واستوى على متن جواده واخذ نحو
[27]
بني سعد بعد ان اضافه فلما وصل إلى منزله دخل على ابنته حليمة وقال لها ابشرى فقد جاءتك الدنيا باسرها فقالت حليمة ما الخبر قال عبدالله اعلمي ان عبدالمطلب رئيس قريش وسيد بني هاشم سألني انفاذك اليه لترضعي ولده وتبشري بالعطاء الجزيل والسير الجميل قال ففرحت حليمة بذلك وقامت من وقتها وساعتها واغتسلت وتطيبت وتبخرت وفرغت من زينتها فلما ذهب من الليل نصفه قام عبدالله وزين ناقته وكانت مشرفه فركبت عليها حليمة وركب عبدالله فرسه وكذلك زوجها بكر بن سعد السعدى وخرجوا من دارهم في داج من الليل فلما اصبحوا كانوا على باب مكة ودخلوها وذهبت حليمة إلى دار عاتكة وكانت تلاطف محمدا صلى الله عليه وآله وتلعقه العسل والزبد الطري فلما دخلت الدار وسمع عبدالمطلب بمجيئها جاء من ساعته ودخل الدار ووقف بين يدى حليمة ففتحت حليمة جيبها وأخرجت ثديها الايسر واخذت رسول الله صلى الله عليه وآله فوضعته في حجرها ووضعت ثديها في فمه والنبى صلى الله عليه وآله يترك ثديها الايسر ويضطرب إلى ثديها الايمن، فاخذت حليمة ثديها الايمن من النبي صلى الله عليه وآله ووضعت ثديها الايسر في فمه، وذلك ان ثديها الايمن كان جها ما لم يكن فيه لبن، وخافت حليمة ان النبي صلى الله عليه وآله اذا مص الثدي الايمن ولم يجد فيه شيئا لا يأخذ بعده الايسر، فيأمر عبدالمطلب باخراجها من الدار، فلما الحت على النبي ان يأخذ الايسر والنبي يميل إلى الايمن صاحت عليه يا ولدي مص الايمن حتى تعلم انه سيكون جهاما يابسا لا شئ فيه، قال فضبط النبي على ثديها واخرج خلف الايمن حتى امتلات فانفتح باللبن حتى ملا شد قيه كفم رأس الزق بأمر الله تعالى وببركته صلى الله عليه وآله فضجت حليمة وقالت واعجبا منك يا ولدى وحق رب السماء ربيت بثدي الايسر اثني عشر ولدا وما ذاقوا من ثدى الايمن شيئا والآن قد انفتح ببركتك، واخبرت بذلك عبدالله فامرها بكتمان ذلك فلما شبع النبي صلى الله عليه وآله ترك الخلف من ساعته فقال عبدالمطلب تكونين عندي
[28]
نأمر لك بافراغ دار بجنب دارى واعطيك كل شهر الف درهم بيض ودست ثياب رومية وكل يوم عشرة امنان خبز حوارىولحما مشويا، فلما سمع أبوها عبدالله ذلك أوحى لها ان لا تقيمي عنده قالت يا أبا الحارث لو جعلت لي مال الدنيا ما اقمت عندك وتركت الزوج والاولاد قال عبدالمطلب فان كان هكذا فادفع اليك محمدا على شرطين قالت وما الشرطان قال عبدالمطلب ان تحسنى اليه وتنوميه إلى جنبك وتدثريه بيمينك وتوسديه بيسارك ولا تنبذيه وراء ظهرك قالت حليمة وحق رب السماء اني منذ وقع نظري عليه قد ثبت حبه في فؤادي فلك السمع والطاعة يا أبا الحارث ثم قال واما الشرط الثانى ان تحميله إلي في كل جمعة حتى اتمتع برؤيته فاني لا اقدر على مفارقته قالت افعل ذلك ان شاء الله تعالى فأمر عبدالمطلب ان تغسل رأس محمد صلى الله عليه وآله فغسلت رأسه وزرقت جبينه ولفته في خرق السندس ثم ان عبدالمطلب دفعه اليها واخذ اربعة آلاف درهم وقال لها تعالى يا حليمة نمضي إلى بيت الله الحرام حتى اسلمه اليك فيه فحمله على ساعده ودخل وطاف بالنبى صلى الله عليه وآله سبعا وهو على ساعده ملفوف بخرق السندس ثم انه دفعه اليها ومعه اربعة آلاف درهم بيض واربعون ثوبا من خواص كسوته ووهب لها اربع جوار رومية وحلل سندس ثم ان عبدالله بن الحارث أتى بالناقة فركبتها حليمة واخذت حليمة رسول الله صلى الله عليه وآله في حجرها وشيعه عبدالمطلب إلى خارج مكة ثم اخذت حليمة رسول الله إلى جنبها من داخل خمارها فلما بلغت حليمة إلى حي بنى سعد كشفت عن وجه رسول الله صلى الله عليه وآله فابرق من وجناته نور فارتفع في الهواء طولا وعرضا حتى التزق إلى عنان السماء.
(قال الواقدى) فلما رأى الخلق ذلك لم يبق في حي بنى سعد صغير ولا كبير ولا شيخ ولا شاب إلا استقبلوا حليمة وهنأوها بما رزقها الله تعالى من الكرامة الكبرى، فذهبت حليمة إلى باب خيمتها وبركت الناقة والنبي صلى الله عليه وآله في حجرها فما وضعته عند الصغير إلا وحمله
[29]
الكبير وما وضعته عند الكبير الا واخذه الصغير وذلك كله لمحبة النبي صلى الله عليه وآله.
(قال الواقدى) فبقى النبي صلى الله عليه وآله عند حليمة ترضعه وكانت تقول يا ولدي ورب السماء انك عندى لاعز ولدى ضمرة، يا قرة عينى أترى اعيش حتى اراك كبيرا كما رأيتك صغيرا، وكانت تؤثر محمدا على أولادها جدا ولا تفارق محمدا عن عينيها.
(قال الواقدى) قالت حليمة والله ما غسلت لمحمد صلى الله عليه وآله ثوبا من بول ولا غائط بل كان اذا جاء وقت حاجته ينقلب من جنب إلى جنب حتى تعلم حليمة بذلك وتأخذه وتخدمه حتى يقضي حاجته ولا شممت ورب السماء من محمد رائحة نتنة قط ولا شممت منه شيئا ابدا بل كان يفوح منه رائحة المسك والكافور قالت حليمة فلما اتى على النبي صلى الله عليه وآله تسعة اشهر ما رأيت ما يخرج منه البته لان الارض تبتلع ما يخرج منه فلهذا لم أر.
(قال الواقدى) وكان من حليمه ان تحمل محمدا صلى الله عليه وآله حين كملت له عشرة اشهر فقامت حليمة يوم الخميس وقعدت على باب الخيمة منتظرة لانتباه النبي صلى الله عليه وآله اتزينه وتحملة إلى جده عبدالمطلب قال فلم ينتبه النبى صلى الله عليه وآله وابطأ عن الخروج عن الخيمة إلى حليمة فلم يخرج إلا بعد اربع ساعات فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله مغسول الرأس مسرح الذوائب وقد زرق جبينه وذقنه وعليه الوان الثياب من السندس والاستبرق فتعجبت حليمة من زينة النبي صلى الله عليه وآله ومن لباسه ممارأت عليه فقالت ياولدي من اين لك هذه الثياب الفاخرة والزينة الكاملة فقال لها محمد صلى الله عليه وآله اما الثياب فمن الجنة واما الزينة فمن افعال الملائكة قال فتعحبت حليمة من ذلك عجبا شديدا ثم حملته إلى عند جده في يوم الجمعة فلما نظر اليه عبدالمطلب قام اليه واعتنقه واخذه إلى حجره فقال ياولدي من اين لك هذه الثياب الفاخرة والزينة الكامله فقال له النبي صلى الله عليه وآله يا جد فاستخبر ذلك من حليمة فكلمته حليمة وقالت ليس ذلك من افعالنا فامر عبدالمطلب حليمة ان تكتم ذلك وأمر لها بالف
[30]
درهم بيض وعشرة دسوت ثياب وجارية رومية فخرجت حليمة من عنده فرحة مسرورة إلى حبها.
(قال الواقدى) فلما اتى على النبى صلى الله عليه وآله خمسة عشر شهرا كان اذا نظر اليه الناظر يتوهم انه من ابناء خمس سنين لتمام نمو جسمة وملاحة بدنه.
(قال) الواقدى فلما حملت حليمة النبى إلى حيها حين اخذته من عند عبدالمطلب وكان لها اثنان وعشرون رأسا من المواشى فوضعت في تلك السنة كل شاة توما ببركة النبى صلى الله عليه وآله وخرج من عندها ولها الف وثلاثون رأسا من الثاغية والراغية.
(قال) الواقدى وكان لرسول الله صلى الله عليه وآله اخوة من الرضاعة يخرجون بالنهار إلى الرعاء ويعودون بالليل إلى منازلهم فرجعوا ذات ليلة مغمومين فلما دخلوا الدار قالت لهم حليمة مالي أراكم مغمومين قالو يا أمنا ان في هذا اليوم جاء ذئب واخذ شاتين من شياتنا وذهب بها فقالت حليمة الخلف والخير في الله تعالى فسمع النبى صلى الله عليه وآله قولهم فقال لهم لا عليكم فاني استرجع الشاة من الذئب بمشيئة الله تعالى فقال ضمرة واعجبا منك يا أخي قد أخذها بالامس فكيف تسترجعها اليوم فقال النبى صلى الله عليه وآله انه صغير في قدرة الله تعالى فلما اصبحوا قام ضمرة واخذ رسول الله على كتفه فقال النبي صلى الله عليه وآله مر بي إلى الموضع الذى اخذ الذئب فيه الشاتين قال فذهب برسول الله صلى الله عليه وآله إلى ذلك الموضع فعند ذلك نزل النبي صلى الله عليه وآله عن كتف اخيه ضمرة وسجد سجدة لله تعالى وقال إلهي وسيدى ومولاى تعلم حق حليمة علي وقد تعدى ذئب على مواشيها فأسلك ان تلزم الذئب برد الموشي إلى عندى قال فما استنم دعاءه حتى أوحى الله تعالى إلى جبرائيل ان قل للذئب ان يرد المواشي إلى صاحبها.
(قال الواقدى) ان الذئب لما ذهب بالشاتين حين أخذها نادى مناد ايها الذئب احذر الله وبأسه وعقوبته واحفظ الشاتين اللتين اخذتهما حتى اردها على خير الانبياء والمرسلين محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب صلى الله عليه وآله فلما سمع الذئب النداء تحير ودهش ووكل
[31]
بتلك المواشي راعيا يرعاها إلى الصباح فلما حضر النبي صلى الله عليه وآله ودعا بدعائه قام الذئب ورد الشاتين وقد قدم النبي صلى الله عليه وآله وقال يا محمد اعذرني فاني لم اعلم انها لك فاخذ ضمرة الشاتين ولم ينقص منها شئ فقال ضمرة يا محمد ما اعجب شأنك وانفذ أمرك فبلغ ذلك إلى عبدالمطلب فامرهم بكتمانه فكتموه مخافة ان تأخذه قريش ويعملون في دمه.
(قال الواقدى) فبقى رسول الله صلى الله عليه وآله سنتين ونظر إلى حليمة وقال لها مالي لا اري اخوتي بالنهار واراهم بالليل فقالت له يا سيدي سألتني عن اخوتك هم يخرجون في النهار إلى الرعاء فقال لها النبي صلى الله عليه وآله يا أماه احب ان اخرج معهم إلى الرعاء وانظر إلى البر والسهل والجبل وانظر إلى الابل كيف قشرين اللبن من امهاتها وانظر إلى القطايع وإلى عجائب الله تعالى في أرضه واعتبر من ذلك واعرف المنفعة من المضرة فقالت له حليمة افتحب يا ولدي ذلك قال نعم فلما اصبحوا اليوم الثانى قامت حليمة فغسلت رأس محمد صلى الله عليه وآله وسرحت شعره ودهنته ومشطته والبسته ثيابا فاخرة وجعلت في رجليه نعلين من حذاء مكة وعمدت إلى سلة واخذت منها اطعمة جيده وبعثته مع أولادها وقالت لهم يا أولادى أوصيكم بسيدى محمد صلى الله عليه وآله ان تحفظوه واذا جاع فاطعموه واذا عطش فاستقوه واذا اعيي فاقعدوه حتى يستريح فقبلوا وصيتها وقالوا لها يا امنا ان محمد صلى الله عليه وآله لا عزنا وهو اخونا وانفذت معهم عبدالله بن الحارث وزوجها بكر بن سعد فخرج النبى صلى الله عليه وآله وعلى يمينه عبدالله بن الحارث وعلى يساره زوجها بكر بن سعد وضمرة وقرة قدامه والنبى صلى الله عليه وآله بينهم كالبدر بين النجوم فما بقى حجر ولا مدر إلاوهم ينادون السلام عليك يا محمد السلام عليك يا أحمد السلام عليك يا حامد السلام عليك يا محمود السلام عليك يا صاحب القول العدل مخلصا بالرضا لا إله إلا الله محمد رسول الله طوبي لمن آمن بك والويل لمن كفر بك ورد عليك حرفا تأتي به من عند ربك، والنبى صلى الله عليه وآله يرد عليهم السلام وقد تحير الذين معهم
[32]
مما يرون من العجائب ثم ان النبي صلى الله عليه وآله اصابه حر الشمس فاوحى الله تعالى إلى استحيائيل ان مد فوق رأس محمد صلى الله عليه وآله سحبابة بيضاء فمدها فارسلت عزاليها كافواة القرب ورش القطر على السهل والجبل ولم يقطر على رأس محمد قطرة وسألت من ذلك المطر الاودية وصار الوحل في الارض ما خلا طريق محمد صلى الله عليه وآله فانه ينشر فيه من تلك السحابة ريش الزعفران وسنابل المسك وكان في تلك البرية شجرة طويلة عادية قديبست اغصانها وتناثرت أوراقها منذ سنين فاستند النبى اليها فاورقت وازهرت واثمرت وارسلت ثمارها من ثلائة اجناس اخضر واحمر واصفر وقعد النبى صلى الله عليه وآله هنالك يكلم اخوته ورأى النبي صلى الله عليه وآله روضة خضراء فقال يا اخوتي اريد ان امر بهذه الروضة وكان وراء الروضة تل كؤد وعليه الوان النبات فقال يا اخوتي ما ذلك التل فقالوا يا محمد وراء ذلك البراري والمفاوز فقال النبي صلى الله عليه وآله اني قد اشتهيت ان انظر اليه فقال القوم نحن نمضي معك اليه فقال لهم النبي صلى الله عليه وآله بل اشتغلوا انتم باعمالكم وانا امضي وحدى وارجع اليكم سريعا ان شاء الله تعالى فقالوا جميعا مر يا محمد فان قلوبنا متفكرة بسببك.
(قال) الواقدى ثم ان النبي صلى الله عليه وآله مر في تلك الروضة وحده ونظر إلى تلك البرارى وهو يعتبر ويتعجب من الروضة حتى بلغ التل فنظر إلى جبل شاهق في الهواء كالحائط ولا يتهيأ له صعود لا عتداله وارتفاعه في الهواء فقال النبي صلى الله عليه وآله في نفسه انى اريد ان اصعد هذاالتل فانظر إلى ماورائه من العجائب، قال الواقدى فاراد النبي صلى الله عليه وآله أن يصعد الجبل فلم يتهيأ له ذلك لاستوائه في الهواء فصاح استحيائيل في الجبل صيحة ارعشته فاهتز اهتزازا وقال له أيها الجبل ويحك اطلع محمد * ص * خير المرسلين فانه يريد الصعود عليك ففرح الجبل وتراكم بعضه إلى بعض كما يتراكم الجلد في النار فصعد النبي * ص * اعلاه وكان تحت ذلك الجبل حيات كثيره من الوان شتى وعقارب كالبغال فلما هم النبي * ص * بالنزول إلى
[33]
تحت الجبل صاح بها الملك استحيائيل صيحة عظيمة وقال ايتها الحيات والعقارب غيبوا انفسكم في جحوركم وتحت صخوركم لئلا يراكم سيد المرسلين وسيد الاولين والاآخرين فسارعت الحيات والعقارب إلى امرهما استحيائيل وغيبت انفسها في كل جحر ونزل النبي صلى الله عليه وآله من الجبل فرأى عين ماء بارد أحلى من العسل والين من الزبد فقعد النبي صلى الله عليه وآله عند العين فنزل جبرئيل (ع) في ذلك الموضع وميكائيل واسرافيل ودردائيل فقال جبرئيل السلام عليك يا محمد السلام عليك يا أحمد السلام عليك يا حامد السلام عليك يا محمود السلام عليك يا طه السلام عليك يا ايها المدثر السلام عليك يا ايها المليح السلام عليك ياطاب ياطاب السلام عليك يا سيد ياسيد السلام عليك يا فار قليط السلام عليك يا طس السلام عليك يا طسم السلام عليك يا شمس الدنيا السلام عليك يا قمر الاخرة السلام عليك يا نور الدنيا والاآخرة السلام عليك يا شمس القيامة السلام عليك يا خاتم النبين السلام عليك يا زهرة الملائكة السلام عليك يا شفيع المذنبين السلام عليك يا صاحب التاج والهراوة السلام عليك يا صاحب القرآن والناقة السلام عليك يا صاحب الحج والزيارة السلام عليك يا صاحب الركن والمقام السلام عليك يا صاحب السيف القاطع السلام عليك يا صاحب الرمح الطاعن السلام عليك يا صاحب السهم النافذ السلام عليك يا صاحب المساعي السلام عليك يا ابا القاسم السلام عليك يا مفتاح الجنة السلام عليك يا مصباح الدين السلام عليك يا صاحب الحوض المورود السلام عليك يا قائد المسلمين السلام عليك يا مبطل عبادة الاوثان السلام عليك يا قائد المرسلين السلام عليك يا مظهر الاسلام السلام عليك يا صاحب لا إله إلا الله محمد رسول الله قولا عدلا، طوبى لمن آمن بك والويل لمن كفر بك ورد عليك حرفا مما تأتي به من عند ربك، والنبي صلى الله عليه وآله يرد عليهم السلام فقال لهم من أنتم قالوا نحن عباد الله وقعدوا حوله قال فنظر النبي صلى الله عليه وآله إلى جبرئيل صلوات الله عليه قال له ما اسمك قال عبدالله ونظر
[34]
إلى اسرافيل وقال له مااسمك قال اسمي عبدالله ونظر إلى ميكائيل وقال له مااسمك قال عبدالجبار ونظر إلى دردائيل وقال له مااسمك قال عبدالرحمن فقال النبي صلى الله عليه وآله كلنا عباد الله تعالى وكان مع جبرئيل طشت من ياقوت احمر ومع ميكائيل ابريق من ياقوت أخضر وفي الابريق ماء من الجنة فتقدم جبرئيل (ع) ووضع فمه على فم محمد إلى ان ذهبت ثلاث ساعات من النهار ثم قال يا محمد اعلم وافهم ما بينته لك قال نعم ان شاء الله تعالى وقد ملا جوفه علما وفهما وحكما وبرهانا وزاد الله تعالى في نور وجهه سبعة وسبعين ضعفا فلم يتهيأ لاحد ان يملا بصره من الرسول الله صلى الله عليه وآله فقال له جبرئيل (ع) لاتخف يا محمد فقال له النبى صلى الله عليه وآله ومثلي من يخاف وعزة ربى وجلاله وجوده وكرمه وارتفاعه وعلو مكانه لو علمت شيئا دون جلال عظمته لقلت لم اعرف ربي قط فقال ونظر جبرئيل إلى ميكائيل وقال حق لربنا ان يتخذ مثل هذا حبيبا ويجعله سيد ولد آدم (ع) ثم ان جبرئيل القى رسول الله صلى الله عليه وآله على قفاه ورفع اثوابه فقال له النبي صلى الله عليه وآله ما تريد تصنع يا اخي جبرئيل فقال جبرئيل (ع) لا بأس عليك فاخرج جناحه اخضر وشق بطن النبي صلى الله عليه وآله ببندقة وادخل جناحه في بطنه وخرق قلبه وشق المقلية واظهر نكتة سواد فاخذها جبرئيل فغسلها وميكائيل يصب الماء عليه فنادى مناد من السماء يقول يا جبرئيل لا تقشر قلب محمد صلى الله عليه وآله فتوجعه ولكن اغسله بزغبك والزغب هو الريش الذي تحت الجناح فاخذ جبرئيل زغبة وغسل بها قلب محمد صلى الله عليه وآله ثم رد المقلبة إلى القلب والقلب إلى الصدر فقال عبدالله بن العباس ذات يوم والنبي صلى الله عليه وآله قد بلغ مبلغ الرجال سألت النبي صلى الله عليه وآله باي شيئ غسل قلبك يا رسول الله ومن أي شئ قال غسل من الشك باليقين لامن الكفر فاني لم اكن كافرا قط لانى كنت مؤمنا بالله من قبل ان اكون في صلب آدم (ع) فقال له عمر بن الخطاب متى نبئت يا رسول الله قال يا ابا حفص نبئت وآدم (ع) بين الروح والجسد (قال) واما
[35]
ما كان من امر النبي صلى الله عليه وآله فان جبرئيل (ع) قام وصب الماء على ارض قزوين فحصل من ذلك الارض قزوين امر عظيم قال وعرج جبرئيل (ع) وميكائيل إلى السماء فقال اسرافيل لمحمد صلى الله عليه وآله ما اسمك يا فتى فقال النبي صلى الله عليه وآله انا محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب بن هاشم بن عبد مناف ولي اسم غير هذا قال اسرافيل صدقت يا محمد ولكني امرت بامر فافعله قال النبي صلى الله عليه وآله افعل ما امرت به فقام اسرافيل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وحل ازرار قميصه والقاه على قفاه واخرج خاتما كان معه وعليه سطران الاول لا اله إلا الله والثاني محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وذلك خاتم النبوة فوضع الخاتم بين كتفي النبي صلى الله عليه وآله فصار الخاتم بين كتفيه كالهلال الطالع بجسمه واستبان السطران بين كتفيه كالشامة يقرأها كل عربي كاتب وفرغ اسرافيل من عمله وجاء بين يدى النبي صلى الله عليه وآله ثم دنا دردائيل قال يا محمد تنام الساعة فقال له نعم فوضع النبي صلى الله عليه وآله رأسه في حجر دردائيل وغفا غفوة فرأى في المنام كأن شجرة ثابة فوق رأسه وعلى الشجرة اغصان غلاظ مستويات كلها وعلى كل غصن من اغصانها غصن وغضنان وثلاثة واربعة اغصان ورأى عند ساق الشجرة من الحشيش مالا يتهيأ وصفه وكانت الشجرة عظيمة غليظة الساق زاجة في الهواء ثابتة الاصل باسقة الفرع فنادى مناد يا محمد أتدرى ما هذه الشجرة فقال النبي * ص * لا اخي قال اعلم ان هذه الشجرة انت والاغصان أهل بيتك والذي تحته محبوك ومرالوك فابشر يا محمد بالنبوة الاثير والرياسة الخطيرة ثم ان دردائيل اخرج ميزانا عظيما كل كفة منه ما بين السماء والارض فاخذ النبي صلى الله عليه وآله فوضعه في كفة ووضع اصحابه في الكفة الثانية فرجح بهم النبي صلى الله عليه وآله ثم عمد إلى الف رجل من خواص امته فوضعهم في الكفة فرجح بهم النبي * ص * ثم عمد إلى اربعة آلاف رجل من امته فوضعهم في الكفة فرجح بهم الغبي * ص * ثم عمد إلى نصف امته فرجح بهم النبي صلى الله عليه وآله ثم عمد إلى أمته كلهم
[36]
ثم الانبياء والمرسلين ثم الملائكة كلهم اجمعين ثم الجبال ثم البحار ثم الرمال ثم الاشجار ثم الامطار ثم جميع ما خلق الله تعالى فوزنهم النبي صلى الله عليه وآله فلم يعدلوه ورجح النبي بهم فلهذا قيل خيرالخلق محمد صلى الله عليه وآله لانه رجح بالخلق اجمعين وهذا كله يراه بين النوم واليقظة فقال له دردائيل يا محمد طوبى لك ولا متك وحسن مآب والويل كل الويل لمن كفر بك ورد عليك حرفا مما ولا تأني به من عند ربك ثم عرجت الملائكة إلى السماء فاتت والله تلك الشجرة التى رآها في المنام على وصفها وتشرت اغصانها وخرجت أوراقها وارسلت اثمارها بامر الله تعالى وعليها كل ثمرة من لون واجتمع صفرة الشمس واختلطت بحمرة الورق والالوان مختلطة بعضها ببعض.
(قال الواقدى) فلما طال مكث النبي صلى الله عليه وآله طلبه في تلك المفاوز اخوته أولاد حليمة فلم يجدوه فرجعوا إلى حليمة وأعملوها بقصته فقامت ذاهلة العقل تصيح في حي بنى سعد فرفعت الصيحة في حي بني سعد ان محمدا قد فقد فقامت حليمة ومزقت اثوابها وخدشت خدها ونفشت شعرها وهي تعدو في البرارى والمفاور والقفار حافية القدم والشوك يدخل في رجلها والدم يسيل منها وهي تنادي واولداة واقرة وعيناه واثمرة فؤاداي ومعها نساء بني سعد يبكين معها مكشفات الشعور مخدوشات الوجوه وحليمة تسقط مرة وتقوم اخرى وما بقى في الحي شيخ ولا شاب ولا حر ولا عبد إلا يعدو في البرية في طلب محمد صلى الله عليه وآله وهم يبكون كلهم بقلب محترق وركب عبدالله بن الحارث وركب معه آل بنى سعد وحلف اذا ما وجدت محمدا صلى الله عليه وآله الساعة وضعت سيفي في آل بني سعد وغطفان واقتلهم من آخرهم واطلب بدم محمد صلى الله عليه وآله وذهبت حليمة على حالتها مع نساء بنى سعد نحو مكة ودخلتها وكان عبدالمطلب قاعدا عند استار الكعبة مع رؤساء قريش وبنى هاشم فلما نظر إلى حليمة على تلك الحالة ارتعدت فرائصه وصاح ما الخبر فقالت حليمة اعلم ان محمدا قد فقدناه منذ أمس وقد تفرق آل سعد في طلبه
[37]
قال فغشى عليه ساعة ثم افاق وقال كلمة لا يخذل قائلها لا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم يا غلام هات فرسي وسيفي وجوشنى فقام عبدالمطلب وصعد إلى اعلى الكعبة ونادى يا آل غالب يا آل عدنان يا آل فهر يا آل نزار يا آل كنانة يا آل مضر يا آل مالك فاجتمع عليه بطون العرب ورؤساء بني هاشم وقالوا له ما الخبر يا سيدنا فقال لهم عبدالمطلب ان محمدا لا يرى منذ أمس فاركبوا وتسلحوا فركب في ذلك اليوم مع عبدالمطلب عشرة آلاف رجل فبكى الخلق كلهم رحمة لعبدالمطلب وقامت الصيحة والبكاء في كل جانب حتى المخدرات خرجن من الستور رقة لعبدالمطلب مع القوم إلى حي بنى سعد وسائر الاطراف وانجذب عبدالمطلب نحو حي عبدالله بن الحارث واصحابه باكي العيون ممزقي الثياب وكلهم بتمام الاسلحة فلما نظر عبدالله إلى عبدالمطلب رفع صوته بالبكاء وقال يا ابا الحارث واللات والعزى واساف ونائلة ان لم اجد محمدا وضعت سيفي في حي بني سعد وغطفان واقتلهم عن آخرهم قال فرق قلب عبدالمطلب على حي آل سعد ارجعوا انتم إلى حيكم واللات والعزى ان لم اجد محمدا الساعة رجعت إلى مكة ولم ادع فيها يهوديا ولا يهودية ولا احدا ممن اتهم بمحمد فامدهم تحت سيفي مدا ولا جعلن مكة طلبا لدم محمد صلى الله عليه وآله.
(قال) الواقدى واقبل من اليمن أبومسعود الثقفى وورقة بن نوفل وعقيل بن أبي وقاص وجازوا على الطريق الذى فيه محمد صلى الله عليه وآله واذا الشجرة ثابتة في الوادى فقال ورقة لابى مسعود اني سلكت هذا الطريق ثلاثين مرة فما رأيت قط هنا هذه الشجرة فقال عقيل صدقت فمروا بنا حتى ننظر ما هي فال فذهبوا جميعا وتركوا الطريق الاول فلما بلغوا قريبا من الشجرة رأوا تحت الشجرة غلاما امرد ما رأى الرائون مثله كأنه قمر فقال عقيل وورقة ماهو إلا جني فقال ابومسعود ماهو إلا من الملائكة وهم يقولون والنبي صلى الله عليه وآله يسمع كلامهم فاستوى قاعدا فرأى القوم ورأوه فقال ابومسعود من انت يا غلام أجنى أم أنسى فقال
[38]
النبى صلى الله عليه وآله بل انا انسى فقال ما اسمك قال محمد بن عبدالله ابن عبدالمطلب ابن هاشم بن عبد مناف فقال ابومسعود أنت نافلة عبدالمطلب قال نعم قال كيف وقعت ها هنا فقص عليهم القصة من اولها إلى آخرها فنزل ابومسعود عن ظهر ناقته وقال اتريد ان امر بك إلى جدك فقال النبى صلى الله عليه وآله نعم فاخذه على قربوس سرجه ومروا جميعا حتى بلغوا قريبا من حي آل بني سعد فنظرالنبي صلى الله عليه وآله في البرية فرأى جده عبدالمطلب واصحابه لايرونه فقالوا يا محمد انا لانرى وذلك ان نظرته نظرة الانبياء فقال لهم مروا حتى اريكم فمروا واذا عبدالمطلب مقبل هو واصحابه فلما نظر عبدالمطلب إلى محمد صلى الله عليه وآله وثب عن فرسه واخذ رسول الله صلى الله عليه وآله إلى سرجه وقال له اين كنت ياولدى وقد كنت عزمت ان اقتل أهل مكة جميعا فقص النبي صلى الله عليه وآله على جده القصة من اولها إلى آخرها ففرح عبدالمطلب فرحا شديدا وخرج من خيله ورجله ودخل إلى مكة ودفع إلى ابي مسعود خمسين ناقة وإلى ورقة بن نوفل وعقيل ستين ناقة قال وذهبت حليمة إلى عبدالمطلب وقالت له إدفع إلي محمدا صلى الله عليه وآله فقال عبدالمطلب يا حليمة اني أحببت ان تكوني معنا بمكة وإلا ما كنت بالذى اسلمه اليك مرة اخرى فوهب لعبدالله ابن الحارث ابيها الف مثقال ذهب احمر وعشرة آلاف درهم ابيض ووهب لبكر بن سعد جملة بغير وزن ووهب لاخوان النبي صلى الله عليه وآله أولاد حليمة وهما ضمرة وفرة اخواه من الرضاعة مأتي ناقة واذن لهم بالرجوع إلى حيهم.
* قال * الواقدى وكان في زمان عبدالمطلب رجل يقال له سيف بن ذي يزن المازني وكان من ملوك اليمن وقد انفذ ابنه إلى مكة واليا من قبله وتقدم اليه باستعمال العدل والانصاف ففعل ما امره به ثم ان عبدالمطلب دعا برؤساء قريش مثل عتبة بن ربيعة ومثل الوليد ابن المغيرة وعتبة بن ابي معبط وامية بن خلف ورؤساء بني هاشم فاجتمعوا في دار الندوة وهي الدار
[39]
الموصلة في المسجد الحرام فلما قعدوا واخذوا مرانبهم ثم تكلم عبدالمطلب وقال اعلموا اني قد دبرت تدبيرا فقال المشايخ وما دبرت يارئيس قريش وكبير بني هاشم فقال ياقوم انكم تحتاجون ان تخرجوا معي نحو سيف بن ذى يزن لتهنئته في ولايته وهلاك عدوه ليكون ارفق بنا واميل الينا فقالوا له بأجمعهم نعم ما رأيت ونعم مادبرت ثم امر عبدالمطلب ان يستحكموا آلات السفر ففرغوا من ذلك قال فخرج عبدالمطلب ومعه سبعة وعشرون رجلا على نوق جياد نحو اليمن فلما وصلوا إلى سيف بن ذي يزن بعد ايام سألوا عن الوصول اليه قالوا لهم ان الملك في قصر الوادي وكان من عاداته في أوان الورد أن يدخل قصر غمدان ولا يخرج إلا بعدنيف واربعين يوما ولا يصل اليه ذو حاجة ولا زائر وانتم قصدتم الملك في ايام الورد فذهب عبدالمطلب إلى باب بستانه وكان لقصر غمدان في وسط البستان ابواب وكان لهذا البستان باب يفتح إلى البرية وقد وكل بذلك الباب بواب واحد فقال عبدالمطلب لاصحابه لعلنا يتهيأ لنا الدخول بحيلة ولا يتهيأ لنا إلا بها فقال القوم صدقت.
(قال) الواقدى ثم ان عبدالمطلب نزل واتجة نحو الباب فنظر إلى البواب وسلم عليه وضحك في وجهه ولم يظهر للبواب شيئا ولم يعقد إلا إلى جانبه ثم قال له يابواب دعني أن ادخل البستان فقال له البواب واعجبا منك ما أقل فهمك وأضعف رأيك أمصروع أنت فقال له عبدالمطلب ما رأيت من حنوني فقال له البواب اما علمت ان سيف بن ذي يزن في القصر مع جواريه وخدمه قاعد كان ابصرك في بستانه امر بقتلك وان سفك دمك عنده أهون من شربة ماء فقال له عبدالمطلب دعنى ادخل ويكون من الملك إلى مايكون فقال له البواب يا مغلوب العقل ان الملك في القصر وعيناه للباب والبواب وانه قدر ما يرفق ان يأمر بقتلك فقال عقيل ابن ابي وقاص يا ابا الحارث اما علمت ان المسارج لاتضئ إلا بالدهن فقال عبدالمطلب صدقت * قال * الواقدى ثم ان عبدالمطلب دعا بكيس من اديم فيه الف دينار وقال بعد ان صب الكيس
[40]
بين يدي البواب يا هذا ان تركتنى ادخل البستان جعلت هذا بري اليك فأقبل صلتى وخل سبيلي فلما نظر البواب إلى الدراهم خر مبهوتا وقال له البواب يا شيخ ان دخلت ونظر اليك الملك وسألك عن كيفية دخولك ما انت قائل له قال عبد المطلب أقول له كان البواب نائما وشرط عليه عبدالمطلب ان لا يكذبه ان دعاه الملك للمسائلة فيقول غفوت وليس لي بدخوله علم قال نعم فقال عبدالمطلب ان كذبتني في هذا اصدقت الملك عن الصلة التى وصلتك بها فقال له البواب ادخل يا شيخ فدخل عبدالمطلب البستان وكان قصر غمدان في وسط الميدان والبستان كأنه جنة من الجنان قد حف بالورد والياسمين وانواع الرياحين والفواكه وفيه انهار جارية في وسطه واذا سيف بن ذى يزن قد اتكأ على عمود المنظرة من قصر وفي قصره يقول الشاعر: اشرب هنيئا عليك التاج مرتفعا * في رأس غمدان دارا منك محلالا - اشرب هنيئا فقد شالت نعامتهم * واسبل اليوم في برديك أسبالا قال فلما نظر سيف بن ذي يزن عبدالمطلب غضب وقال لغلمانه من ذا الذي دخل على بغير اذني ليؤت به سريعا، فسعى اليه الغلمان والخدم فاختطفوه من البستان فلما دخل عبدالمطلب عليه رأى قصرا مبنيا على حجر مطلي بطلاء الورد منقشا بنقش اللازورد ووردا على أمثال الورد ورأى عن يمين الملك وعن شماله وبين يديه من الجواريى مالا عدد لهن ورأى قريب الملك عمودا من عقيق أحمر وله رأس من ياقوت أزرق مجوف محشى بالمسك ورأى عن يساره ثورا من ذهب أحمر على فخذه سيف نقمته مكتوب عليه بماء الذهب شعر يقول ! رب ليث مدجج كان يحمي * الف قرن مغمد الاغماد - وخميس ملفف بخميس * بدد الدهر جمعهم في البلاد.
(قال الواقدى) فوقف عبدالمطلب بين يدى سيف ولم يتكلم الملك ولا عبدالمطلب حتى كرع الملك في النور الذي بين يديه فلما فرغ من
[41]
شربه نظر اليه وكان سيف قد شاهد عبد المطلب قبل هذا ولكنه انكره حتى استنطقه فقال له الملك من الرجل فقال انا عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصى بن كلاب بن مرة بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان حتى بلغ آدم (ع) فقال له الملك أنت ابن اختي فقال نعم انا ابن اختك وذلك ان سيف بن ذى يزن كان من آل قحطان وآل قحطان من الاخ وآل اسماعيل من الاخت فعلم سيف بن ذي يزن ان عبدالمطلب ابن اخته فقال سيف بن ذى يزن اهلا وسهلا وناقة ورحلا ومد يده إلى عبدالمطلب وكذلك عبدالمطلب نحو الملك فامره الملك بالقعود وكناه بابي الحارث وقال فانتم معاشر اهل الشام رجال الليل والنهار وغيوث الجدب والغلاء وليوث الحرب لضرب الطلى ثم قال يا أبا الحارث فيم جئت فقال له عبدالمطلب أيها الملك السعيد جده الرفيع مجده المطاع أمره المحذور آفته المدرك رأفته نحن جيران بيت الله الحرام وسدنة البيت وقد جئت اليك واصحابي بالباب لنهنئك بولايتك وما فوضه الله تعالى من النصر بك واجراه على يديك من هلاك عدوك فالحمدلله الذى نصرك واقر عينيك وافلج حجتك واقر عيوننا بخذلان عدوك فاطال الله تعالى في سوابغ نعمه مدتك وهنأك بما منحك ووصلها بالكرامة الابدية فلا خيب دعائي فيك ايها الملك ففرح سيف بدعائه وازداد له محبة بما سمع من تهنئته ثم امره ان يصير هو ومن معه بالباب من اصحابه إلى دار الضيافة إلى ان يؤمر باحضارهم بعد هذا اليوم إلى مجلسه فمضى وحجابه وخدمه بين يديه إلى حيث امرهم وخرج عبدالمطلب واستوى على جمله واتبعه اصحابه وبين يديه غلمان الملك حوله حتى انزلوه واصحابه وبالغوا بالتوصية به وباصحابه فامر الملك ان يجرى عليهم في كل يوم الف درهم بيض فبقي عبدالمطلب في دار الضيافة شهرين حتى تصرمت ايام الورد فلما كان في اليوم الذى اراد فيه مجلسه للتسليم عليه والنظر في امره ذكر عبدالمطلب في شطر من ليلته فامر باحضاره وحده فدخل عليه الرسول فامره
[42]
واعلمه بمراد الملك منه فقام معه اليه فاذا الملك في مجلسه وحده فقال لخدمه تباعدوا عنا فلم يبق في مجلس غير الملك وعبدالمطلب وثالثهم رب العزة تبارك وتعالى فقال له الملك يا أبا الحارث ان من آرائي ان افوض اليك علما كنت كتمته عن غيرك واريد ان اضعه عندك فانك موضع ذلك واريد ان تطويه وتكتمه إلى ان يظهره الله تعالى فقال عبدالمطلب السمع والطاعة للملك وكذا الظن يك فقال الملك أعلم يا أبا الحارث ان بارضكم غلاما حسن الوجه والبدن جميل القد والقامة بين كتفيه شامة المبعوث من تهامة انبت الله تعالى على رأسه شجرة النبوة وظلته الغمامة صاحب الشفاعة يوم القيامة مكتوب بخاتم النبوة على كتفيه سطران الاول لا اله الا الله والثاني محمد رسول الله صلى الله عليه وآله والله تعالى توفى امه واباه وتكون تربيته على يدى جده وعمه وانا وجدت في كتب اسرائيل صفته أبين وأشرح من القمر بين الكواكب وانى أراك جده فقال عبدالمطلب أنا جده أيها الملك فقال الملك مرحبا بك وسهلا يا أباالحارث ثم قال له الملك اني أشهد على نفسي يا أبا الحارث أني مؤمن به وبما يأتي به من عند ربه ثم تأوه سيف ثلاث مرات بان يراه فكان ينصره وينظره فيتعجب منه الطير في الهواء ثم قال ياأبا الحارث عليك بكتمان ما القيت عليك ولا تظهره إلى ان يظهره الله تعالى فقال عبد المطلب السمع والطاعة للملك ونظر عبدالمطلب في لحية سيف بن ذى يزن سوادا وبياضا وخرج من عنده وقد وعده في الحناه في غد ليرحلوا إلى ارض الحرم ان شاء الله تعالى فلما رجع إلى اصحابه رآهم وجلين خائفين وقد اكثروا الفكر فيه حين دعاه الملك في مثل ساعته التى دعاه فيها فقالوا له ما كان يريد الملك منك قال عبدالمطلب يسألنى عن رسوم مكة وآثارهم ولم يخبر عبدالمطلب احدا بما كان بينه وبين الملك وغدا عليهم رسول الملك من غد يحضرهم مجلسه فتطيبوا وتزبنوا ودخلوا القصر وعبدالمطلب يقدمهمفدخلوا عليه فنظر عبدالمطلب فاذا برأسه ولحيته سواد حالك فقال له عبدالمطلب
[43]
انى تركتك ابيض اللحية فما هذا فقال له انى استعمل الخضاب فقال اصحاب عبدالمطلب إن رأى الملك ان يرانا اهلا لذلك الخضاب فليفعل قال فامر الملك ان يؤخذ بهم إلى الحمام وكان القوم بيض الرؤوس واللحي فخضبوا هناك فخرجوا ولشعورهم بريق كاسود ما يكون من الشعر ويقال ان سيفا أول من خضب رأسه ولحيته.
(قال الواقدى) ثم ان الملك امر لكل واحد ببدرة دراهم بيض وحمل كل واحد منهم على دابة وبغل وامر لكل واحد منهم بجارية وغلام وبتخت ثيات فاخرة ووهب لعبدالمطلب ضعفى ما وهب لهم ثم دعا الملك بفرسه العقاب وبغلته الشهباء وناقته والعضباء وقال يا أبا الحارث ان الذى اسلمه اليك امانة في عنقك تحفظها إلى ان تسلمها إلى محمد صلى الله عليه وآله اذا بلغ مبلغ الرجال فقال له اعلم اني ما طلبت على هذه الفرس شيئا إلا وجدته وما قصدني عدو وأنا راكب عليها إلا انجانى الله تعالى منه واما البغلة فاني كنت اقطع بها الد كادك والجبال لحسن سيرها ولا انزل عنها ليلى ونهارى فامره أن يتحفظ ويجعلها لى تذكرة وبلغه عنى التحية الكثيرة فقال عبدالمطلب السمع والطاعة لامر الملك ثم ودعوه وخرجوا نحو الحرم حتى دخلوا مكة فوقعت الصيحة في البلد بقدومهم فخرج الناس يستقبلونهم وخرج أولاد عبدالمطلب وقعد النبى صلى الله عليه وآله على صخرة وقد القى كمه على وجهه لئلا تناله الشمس حتى قارب عبدالمطلب فنظر أولاده اليه وقالوا يا أبانا خرجت إلى اليمن شيخا ورجعت شابا قال نعم ايها الفتيان سأخبركم بما ذكرتم فاخبرهم ثم قال لهم اين سيدي محمد صلى الله عليه وآله فقالوا له انه في بعض الطريق ينتظر كم ثم ان عبدالمطلب سار نحوه حتى وصل اليه مع اصحابه فنزل عن مركوبه وعانقه وقبله بين عينيه وقال له ان هذا الفرس والبغلة والناقة اهداها اليك سيف بن يزن ويقرأ عليك التحية الطيبة، ثم امر ان يحمل رسول الله محمد صلى الله عليه وآله على الفرس فلما استوى النبى صلى الله عليه وآله على ظهر الفرس نشط وصهل صهيلا شديدا فرحا
[44]
برسول الله صلى الله عليه وآله ونسب هذا الفرس انه عقاب بن تيزوب بن قابل بن بطال بن زاد الراكب بن الكفاح بن الجنح بن موج بن ميمون بن ريح أمره الله قال كن فكان بامره.
(قال الواقدى) واخذ ابوطالب بلجام فرسه وحف برسول الله صلى الله عليه وآله اعمامه فقال صلى الله عليه وآله خلوا عني فان ربى يحفظنى ويكلاني فرقي الفرس برسول الله صلى الله عليه وآله إلى اليمن فمال النبى ليسقط فمال الفرس معه لئلا يسقط فدخل النبي صلى الله عليه وآله إلى مكة على حالته فشاع خبره في قريش وبني هاشم فتعجب من امره الخلق وبقي النبي صلى الله عليه وآله فرحا مسرورا عند عبدالمطلب.
(قال الواقدي) ودب النبي صلى الله عليه وآله ودرج وأتى عليه ثمان سنين وثمانية اشهر وثمانية ايام فعندها اعتل علة شديدة عبدالمطلب فامر ان يحمل سريره إلى عند بيت الله الحرام وينصب هناك عند استار الكعبة وكان لعبد المطلب سرير من خيزران اسود ورثه من جده عبد مناف وكان السرير له شبكات من عاج وآبنوس وصندل وعمود احسن ما يكون احكاما وهيئة وامر عبدالمطلب ان يزين السرير بالوان الفرش والديباج والرقاق وامران ينصب فوق سريره فسطاط ديباج احمر ففعل ذلك وحمل عبدالمطلب إلى بيت الله الحرام ونام على ذلك السرير المزبن وقعد حوله اولاده وكان له من البنين عشرة أنفس فمات عبدالله وبقى بعده تسعة شجعان يعد كل واحد منهم بألف وقعدوا حوله وحفوا بعبدالمطلب يبكون ودموعهم تتقاطر على خدودهم كالمطر وقعد النبي صلى الله عليه وآله واجتمعت عند عبدالمطلب بطون العرب وكبار قريش مصطفين ما منهم احد الا وعيناه تهملان بالدموع فعند ذلك ظهر ابولهب لعنه الله تعالى واخزاه واخذ برأس رسول الله صلى الله عليه وآله ليحنيه وينحيه عن عبدالمطلب فصاح عبدالمطلب وانتهره وقال له مه يا عبد العزى انت من عداوتك لانفك من اظهارك لبغضك محمد صلى الله عليه وآله اقعد مكانك واسكت عنه فقام أبولهب وقعد عند رجلي عبدالمطلب خجلا
[45]
مخذولا لان ابالهب كان من الفراعنة المبغضين لرسول الله صلى الله عليه وآله ثم انقلب عبدالمطلب إلى جنبه واقبل بوجهه على ابى طالب القى اليه النبي لانه لم يكن في اولاد عبدالمطلب أرفق برسول الله صلى الله عليه وآله وأميل منه ثم انشأ عبدالمطلب يقول:
أوصيك يا عبد مناف بعدي بواحـــد بعد أبيه فرد
فارقه وهو ضجيــع المهد فكنت كالام له في الوجد
الصقــه بين الحشى والكبد حتى اذا خفت فراق الوجد
أوصيــت ارجي اهلنا بالود لابن الذى غيبته في اللحد
بالكــره منى ثم لا بالعمد وخيرة الله يشأ في العبد
ثم قال عبدالمطب: يا ابا طالب اننى القي اليك وصيتى، قال ابو طالب: وما هي قال يا بني اوصيك بعدى بقرة عينى محمد صلى الله عليه وآله فانت تعلم محله منى ومقامه لدى فاكرمه باجل الكرامة ويكون عندك ليلة ونهاره مادمت في الدنيا، الله ثم الله في حبيبه.
ثم قال لاولاده اكرموا وجللوا محمدا صلى الله عليه وآله وكونوا عند اعزازه واكرامه فسترون منه امرا عظيما عليا وسترون آخر امره ما انا أصفه عند بلوغه فقالوا بأجمعهم السمع والطاعة يا ابانا نفديه بانفسنا وأموالنا ونحن له فدية قال ابوطالب قد أوصيتنا بمن هو افضل منى ومن اخواني قال نعم ولم يكن في اعمام النبي صلى الله عليه وآله ارفق من ابي طالب قديما وحديثا بامر محمد صلى الله عليه وآله ثم قال ان نفسى ومالي دونه فداء انازع معاديه وانصر مواليه فلا يهمنك امره.
(قال الواقدي) ثم ان عبد المطلب غمض عينيه وفتحهما ونظر قريشا وقال يا قوم أليس حقي عليكم واجبا فقالوا بأجمعهم نعم حقك على الكبير والصغير واجب فنعم القائد ونعم السائق فينا كنت فجزاك الله تعالى عنا خيرا وهون عليك سكرات الموت وغفر لك ما سلف لك من ذنوبك فقال عبدالمطلب أوصيكم بولدى محمد بن عبدالله فاحلوه محل الكرامة فيكم وبروه ولا تجفوه ولا تستقبلوه بما يكره
[46]
فقالوا كلهم قد سمعنا منك واطعناك فيه ثم قال لهم عبدالمطلب ان الرئيس عليكم من بعدي الوليد بن المغيرة فانه أهل لان يجمعنكم على الخير ويلم شملكم فضجت الخلق باجمعهم وقالوا قبلنا امرك فنعم ما رأيته رئيسا ونعم ما خلقته فينا بعدك وصارت قريش وبنو هاشم تحت ركاب الوليد بن المغيرة لعنه الله تعالى فعند ذلك تغير وجه عبد المطلب واخضرت اظافر يديه ورجليه ووقع على وجنتيه غبار الموت واكثر التقلب من جانب إلى جانب ومرة يقيض رجلاة ومرة يبسط اخرى والخلائق من قريش وبني هاشم حاضرون وقد صارت مكة في ضجة واحدة واراد النبى صلى الله عليه وآله ان يقوم من عنده ففتح عبدالمطب عينيه وقال يا محمد تريد أن تقوم قال نعم فقال عبدالمطلب يا ولدي فاني وحق رب السماء لفي راحة مادمت عندى قال فقعد النبي صلى الله عليه وآله فما كان الا عن قليل حتى قضى نحبه.
(قال الواقدى) ثم قاموا في تغسليه فغسلوه وحنطوه وكفنوه وجعلوه في اعواد المنايا وحملوه إلى ذيل الصفا وما بقى في مكة شيخ وشاب ولا حر ولا عبد من الرجال والنساء إلا وقد ذهبوا في جنازته وعظموها ودفنوه ورجع الخلق من جنازته باكين عليه لفقده من مكة فقالت عاتكة بنت عبدالمطلب ترثي أباها:
ألا ياعيــن ويحك اسعدينى بدمــع واكـف هطل غزير
على رجل أجل الناس أصلا وفرعـا في المعالي والظهور
طويل البـاع أروع شيظمي اغر كـــغرة القمر المنير
وابكى هاشمـــا وبني ابيه *** فـقد فارقـــت ذاكرم وخير
وغيثا للقرى في كل ارض *** اذا ضـن الغـنى علـى الفقير
فقدنا من قريش في البرايا *** سحاب الناس في السنة النرور
وقالت صفية ترثي أباها:
أعيني جودا بالدموع السواكب *** على خير شخص من لوي بن غالب
أعيني لا تستحسرا من بكاكما *** على مــاجد الاعراق عف المكاسب
[47]
أعينى جودا عبرة بعـد عـبرة *** على الاسد الضرغام محض الضرائب
أبي الحارث الفياض ذى الحلـم والبها *** وذي الباع والماعون زين المناسب
وذي المجد والعز الـرفيع وذي الـندا *** وذى العون عند المعضلات التوائب
فان تبكياه تبكــــــيا ذا مهابة *** كريم المساعي حلمه غير ذاهب
وقالت بره بنت عبدالمطلب تبكي أباها وترثيه:
أعيني جودا بالدموع الهواطــــل *** عـلى النحر مني مثل فيض الجـداول
ولا تسئما ان تبكيا كـــــل ليلة *** ويــــوم على مولى كريم الشمـائل
أعينى لا يغني وجيع بــــكاكما *** على خير حـاف مــن معــد وناعل
على رجـل لم يورث اللــوم جده *** أتم طــويل الســاعدين حـــلاحـل
أخي ثقة ماضي العــزيمـة ماجد *** له بـيت مجـد ثابـت غيـر فاصــل
بي الحارث الفياض ذى الباع والندا *** رئيس قــريش كلهــا في القـبائــل
فسقى مليــك الناس موضع قبر ه *** بتو الثــريا ديمــة بعـد وابــــل
وقالت أروى بنت عبدالمطلب ترثي اباها:
ألا يا عيــن ويحك اسعديني *** بوبـل واكف من بعد وبل
بدمع من دموعك ذي غروب *** فقـد فـارقت ذاكرم ونبل
طويل الباع اروع ذي المعالي *** أبيك الخير وارث كل فضل
وقالت آمنة بنت عبد المطلب تبكي أباها وترثيه:
بكتب عينى وحـق لها البـكاء *** على سمح سجيته الحياء
على سمح الخليفة ابطحــي *** كريم الخيم ينميه العلاء
على الفياض شبية ذى المعالي *** أبيك الخير ليس له كفاء
اقب الكشح اروع ذى اصـول *** لـه المجد المقدم والثناء
وكان هو الفتى كرما وجـودا *** وبأساحين تنسكب الدماء
اذا هاب الكماة المــوت *** حتى كـأن قلوب اكثرهم هواء
مضى قدما بذي شطب خشيب *** عليـه حيـن تبصره بهاء
[48]
(قال) الواقدى ثم ان الوليد بن المغيرة ترأس من بعد عبدالمطلب واستقام امره وكان لعنه الله لعنه معاندا لرسول الله صلى الله عليه وآله وكان ابوطالب يحب رسول الله صلى الله عليه وآله محبة لم ير مثلها وكان ينومه وبجنبه ويوسده يمينه ويدثره يساره واذا قام بالليل قام معه واذا أراد ان ينام ينزعه ثيابه وبعريه ويأخذه في فراشه وكان يحب ان يلتزق جلده بجلده لمحبته له وليرضي الله تعالى بذلك وكان اذا دخل جوف الفراش لا يصير بينه وبين النبي صلى الله عليه وآله حاجز حتى يختلط بدنه ببدنه، فعند ذلك رمدت عين النبى رمدا شديدا واصابه منه وجع حتى انه كان يأخذ خرقة سوداء ويضعها على عينيه ولا يقدر ان يفتح بصره لما كان به من الاذى والالم فعالجوه فتمادت به العلة وطالت به فدخل على ابن طالب من ذلك غم شديد واحضر الاطباء فما ازاداد إلا ألما فاشارت اليه قريش وبنو هاشم إلى ان يحمله إلى عند حبيب الراهب ليدعوا له ربه بالعافية والرحمة وكان ذلك لهم بابا فقال ابوطالب نعم مادبرتم ثم جاء إلى منزله فاخبر النبي صلى الله عليه وآله بذلك فقال له الرأي رأيك.
(قال) الواقدى فلما كان في اليوم الثانى غسل رأس النبي صلى الله عليه وآله وزين لباسه وجمله با حسن زينة واركبه ناقة جليلة وكان حبيب على ثلاث مراحل من مكة في صومعته على طريق الطائف فاخرج ابوطالب رسول الله صلى الله عليه وآله بالليل عن وهج الشمس فلما بلغ الصومعة نادى الغلام يا حبيب فاجابه فقال ان ابا طالب بن عبدالمطلب بالباب فأمر ان يدخلا فدخلا وقعد ابوطالب إلى جنب حبيب ولم يتكلم حبيب حتى سكنا جميعا ثم قال ابوطالب يا سيدي ان هذا ابن اخي النبي محمد صلى الله عليه وآله به رمد وقد داويناه بكل دواء فلم بنتفع ولم يبرأ رمده وقد جئتك لتدعوا له رب السماء ان يعافيه مما به فقال له حبيب تعال إلى عندى يا محمد فقال له محمد صلى الله عليه وآله تعال انت إلى عندى فقال ابوطالب واعجبا منك ياسيدي انت الشاكي فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله بل حبيب الشاكي فغضب حبيب وقال يا محمد فما اشكو قال النبي صلى الله عليه وآله
[49]
انت تشكو البرص الذى على جسدك وقد دعوت رب السماء ثلاثين سنة ان يعافيك فلم يجبك فقال حبيب وكيف علمت يا محمد وانت صبى صغير فقال رأيته في النوم فقال يا محمد تفضل علي ودع ني بالعافية فكشف عن وجهه صلى الله عليه وآله فبرق من وجهه برق حتى اضاءت الصومعة من النور وشق سقف الصومعه ومر كالعمود حتى النزق إلى عنان السماء واذا بهاتف يهتف ويقول يا اهل الديرانية ويا اهل الرهبانية ويا اصحاب الكتاب آمنوا بالله وبرسوله محمد صلى الله عليه وآله قال فوثب حبيب من صومعته وتعلق بالنبي صلى الله عليه وآله وقال اشهدك يا محمد على نفسي اني مؤمن بما تأتى به من عند ربك صغيرا وكبيرا قديما وحديثا فاعتبر الخلق بذلك مما عاينوه وسمعوه ثم قال النبي صلى الله عليه وآله يا حبيب ارفع ثيابك لنتظر الخلائق ما قلت ويكون صدقا لكلامي فنظر الخلائق بعد ما رفع اذياله إلى ذلك البرص الابيض كالدرهم وعليه نقطة سوداء فدعا النبى صلى الله عليه وآله بدعوات مستجابات ومسح يده عليه فذهبت العلامة باذن الله تعالى وبدعاء النبي صلى الله عليه وآله ثم قال يا عم لو احببت ان يعافيني الله تعالى لدعوت الله سبحانه وتعالى ان يعافيني ولم اجئ إلى هاهنا ولكن قلت يا عم حتى تدرى أني عندالله أجل من مثلك ومن مثل حبيب وغيره من اهل الارض جميعا ثم دعا النبى صلى الله عليه وآله لنفسه فبرأ من وقته من رمده فصارت عيناه احسن ما يكون بمشيئة الله تعالى فقال حبيب يا أبا طالب احتفظ على هذا الغلام الذي وجدنا اسمه في التوراة لاشهر من القمر في كبد السماء وكذلك اسمه في الانجيل في سورة يقال لها المبرهنة لانور وابهى من كوكب الصبح وان لهذا الغلام شأنا عظيما وسترى امره عن قريب وتفرح يه يا ابا طالب اشد ما يكون من الفرح واعلم انه طوبى لم آمن به والويل لمن كفر به ورد عليه حرفا مما يأتي به فان له من الاعداء عدد نجوم السماء مع ان له حافضا يحفظه وناصرا ينصره فطب نفسا وقر عينا فانك تفرح به ثم قام ابوطالب من عند حبيب واستوي على الناقة فكتم ابوطالب ذلك ولم
[50]
يخبر به احدا وقد رجعت عينا النبي صلى الله عليه وآله إلى حال العافية.