قال أبو عبد اللّه (عليه السلام): اكتب {بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} من أجود كتابك، ولا تمدّ الباء حتّى ترفع السين.
وقال (عليه السلام): احتجبوا من الناس كلّهم بـ {بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}، و بـ {قُلْ هُوَ اللّهُ أحَدْ}، اقرأها عن يمينك وعن شمالك ومن بين يديك ومن خلفك ومن فوقك ومن تحتك، وإذا دخلت على سلطان جائر فاقرأها حين تنظر إليه ثلاث مرّات واعقد بيدك اليسرى ثمّ لا تفارقها حتّى تخرج من عنده.
وقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): من حزنه عن أمر يتعاطاه فقال: {بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} وهو يخلص للّه ويُقبل بقلبه إليه، لم ينفكّ من إحدى اثنتين: إمّا بلوغ حاجته في الدنيا، وإمّا تعدّ له عند ربّه وتدّخر لديه، وما عند اللّه خير وأبقى للمؤمنين.
وعن الإمام الصادق (عليه السلام)، في حديث طويل، قال: لربما ترك بعض شيعتنا في افتتاح أمره {بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}، فيمتحنه اللّه عزّ وجلّ بمكروه ينبّهه على شكر اللّه تبارك وتعالى والثناء عليه ويمحق عنه وصمة تقصيره عند تركه قول {بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}.
وعنه (عليه السلام): {بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}; اسم اللّه الأكبر ـ أو قال: ـ الأعظم.
وفي (تهذيب الأحكام) بسنده، عن محمد بن مسلم، قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن السبع المثاني والقرآن العظيم هي الفاتحة؟ قال: نعم، قلت: {بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} من السبع المثاني؟ قال: نعم، هي أفضلهنّ.
وعن عبد اللّه بن سنان، قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن {بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}؟ فقال: الباء بهاء اللّه، والسين سناء اللّه، والميم مجد اللّه، وروى بعضهم
وعن النبيّ الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله)، قال: من قرأ {بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}كتب اللّه له بكلّ حرف أربعة آلاف حسنة، ومحى عنه أربعة آلاف سيئة، ورفع له أربعة آلاف درجة.
وقال: إذا قال العبد عند منامه: {بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}، يقول اللّه: ملائكتي اكتبوا نَـفَسَهُ إلى الصباح.
وسئل النبي: هل يأكل الشيطان مع الإنسان؟ فقال: نعم، كلّ مائدة لم يذكر بسم اللّه عليها يأكل الشيطان معهم، ويرفع اللّه البركة عنها، ونهى عن أكل ما لم يذكر عليه بسم اللّه، كما قال اللّه تعالى في سورة الأنعام: {وَلا تَأكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَر اسْمُ اللّهِ عَلَيْه}.
في لطائف الإشارات: إنّ شجرة الوجود تضرّعت عن البسملة والعالم كلّه قائم بها.
في رواية، عن جعفر بن محمد (عليهما السلام)، قال: إنّ البسملة في كتاب اللّه تعالى كالمفتاح للأبواب، فكما لا يمكن فتح القفل إلاّ بالمفتاح، كذلك البسملة لا يدخل في قراءة كلام اللّه المجيد إلاّ بها، ثمّ قال:
بسم اللّه مفتتح الكلام | وبسم اللّه شافية السقام |
في إحقاق الحقّ، عن الإمام الصادق (عليه السلام)، قال: البسملة تيجان السور.
في الدرّ المنثور، عن أبي مالك، قال: كان النبي (صلى الله عليه وآله) يكتب: باسمك اللّهم، فلمّا نزلت: {إنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإنَّهُ بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}، كتب {بِسْمِ اللّهِ
____________
1- الروايات من تفسير نور الثقلين 1: 7 ـ 12.
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام)، عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله)، عن اللّه تعالى: كلّ أمر ذي بال ما لم يذكر فيه بسم اللّه فهو أبتر(1).
وروى الكليني في الكافي، بإسناده، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام)، قال: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): إذا وضعت المائدة حفّتها أربعة آلاف ملك، فإذا قال العبد: بسم اللّه، قالت الملائكة: بارك اللّه عليكم في طعامكم، ثمّ يقولون للشيطان: اُخرج يا فاسق، لا سلطان لك عليهم، فإذا فرغوا فقالوا: الحمد للّه، قالت الملائكة: قوم أنعم اللّه عليهم فأدّوا شكر ربّهم، وإذا لم يسمّوا قالت الملائكة للشيطان: اُدنُ يا فاسق فكل معهم، فإذا رفعت المائدة ولم يذكروا اسم اللّه عليها قالت الملائكة: قوم أنعم اللّه عليهم فنسوا ربّهم عزّ وجلّ.
وبإسناده، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام)، قال: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): ما من رجل يجمع عياله ويضع مائدة بين يديه ويسمّي ويسمّون في أوّل الطعام ويحمدون في آخره فترفع المائدة، حتّى يغفر لهم.
وروى الحميري في (قرب الإسناد)، بإسناده، عن الإمام الباقر (عليه السلام): أنّ علياً (عليه السلام) كان يقول: مَن أكل طعاماً فسمّى اللّه على أوّله وحمد اللّه على آخره لم يُسئل عن نعيم ذلك الطعام كائناً ما كان ـ أي قليلا كان أو كثيراً، لذيذاً أم غيره ـ.
وفي (الخصال)، بإسناده، عن علي (عليه السلام)، قال: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): الطعام إذا جمع أربع خصال فقد تمّ: إذا كان من حلال، وكثرت الأيدي عليه،
____________
1- الروايات من تفسير البصائر 1: 223.
وفي (المحاسن)، عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، أنّه قال: ضمنت لمن سمّى اللّه تعالى على طعامه أن لا يشتكي منه، فقال ابن الكوّاء ـ وكان من المنافقين ـ: يا أمير المؤمنين، لقد أكلت البارحة طعاماً فسمّيت عليه فآذاني، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): أكلت ألواناً فسمّيت على بعضها ولم تسمّ على كلّ لون يا لكع. ـ اللكع: أي اللئيم والعبد والأحمق ومَن لا يتّجه لمنطق وغيره ـ.
وفي (الدرّ المنثور)، عن ابن عبّاس، عن النبيّ، قال: قال إبليس: يا ربّ، كلّ خلقك بيّنت رزقه، ففيم رزقي؟ قال: فيما لم يذكر اسمي عليه.
وروى البرقي في محاسنه، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام)، قال: إذا توضّأ أحدكم ولم يسمّ كان للشيطان في وضوئه شرك، وإن أكل أو شرب أو لبس، وكلّ شيء صنعه ينبغي أن يسمّي عليه، فإن لم يفعل كان للشيطان فيه شرك.
فينبغي لكلّ مسلم في كلّ عمل وفعل وحركة وسكون وقول وكلام أن يبدأ بالبسملة لطرد الشيطان وحزبه ووسوسته، فإنّ ما يذكر عليه اسم اللّه يكون مصوناً من شراك الشيطان الرجيم الذي أقسم بعزّة اللّه في إغواء البشرية {لاَغْوِيَنَّهُمْ أجْمَعِينَ إلاّ عِبادَكَ مِنْهُمُ الُمخْلِصِين}، وقال اللّه تعالى: {وَاسْتَفْزِزْ مَنْ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَاجْلُبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشارِكْهُمْ في الأمْوالِ وَالأوْلادِ}(1).
وقد ورد في الأحاديث الشريفة أنّه مَن لم يسمّ باللّه عند المقاربة والجماع
____________
1- سورة الإسراء، الآية 64.
فكيف يسعد من كان الشيطان صاحبه وقرينه؟ وكيف يصدر منه الخير والشيطان يوحي إليه الشرور {إنَّما الشَّياطِينُ يُوحُونَ إلى أوْلِيائِهِمْ}، وكيف تكون له حياة طيبة وعيشة راضية مرضية واللّه يقول: {وَمَنْ أعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإنَّ لَهُ عِيشَةً ضَنْكاً}(3).
وقال الرسول الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله): «كلّ أمر ذي بال لم يبدأ بالبسملة فهو أبتر»; أي: مقطوع الأثر لا بركة فيه ولا خير مستمرّ ومستقرّ.
قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام): بسم اللّه فاتقة للرتوق، مسهّلة للوعور، مجنّبة للشرور، وشفاء لما في الصدور.
ومن المتعارف عند الناس أنّ الخادم لو اشترى شيئاً من الخيل والحمير
____________
1- في الرواية: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): إذا توضّأت فقل: بسم اللّه; فإنّ حفظتك لا تبرح أن تكتب لك الحسنات حتى تفرغ، وإذا غشيت أهلك فقل: بسم اللّه; فإنّ حفظتك يكتبون لك الحسنات حتى تغتسل من الجنابة، فإن حصل من تلك الواقعة ولد، كتب لك من الحسنات بعدد نفس ذلك الولد، وبعدد أنفاس أعقابه إن كان له عقب حتى لا يبقى منهم أحد. وإذا ركبت دابّة فقل: بسم اللّه والحمد للّه يكتب لك الحسنات بعدد كلّ خطوة. وإذا ركبت السفينة فقل: بسم اللّه والحمد للّه يكتب لك الحسنات حتى تخرج منها.
2- سورة الزخرف، الآية 36.
3- سورة طه، الآية 124.
وفي تفسير فخر الرازي: مرض موسى (عليه السلام) واشتدّ وجع بطنه، فشكى إلى اللّه تعالى، فدلّه على عشب في المفازة، فأكل منه، فعوفي بإذن اللّه تعالى، ثمّ عاوده ذلك المرض في وقت آخر، فأكل ذلك العشب، فازداد مرضه، فقال: يا رب، أكلته أوّلا فانتفعت به وأكلته ثانياً فازداد مرضي! فقال: لأنّك في المرّة الاُولى ذهبت منّي إلى الكلأ فحصل فيه الشفاء، وفي المرّة الثانية ذهبت منك إلى الكلأ فازداد المرض، أما علمت أنّ الدنيا كلّها سمّ قاتل وترياقها اسمي.
وفي رواية: أنّ قيصر الروم ابتلي بالصرع، فعجز الأطباء عن معالجته، فكتب إلى أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، فأرسل علي (عليه السلام) طاقية، وقال: لا بدّ وأن تضع هذه على رأسه فيشفى، فلمّا وضعها القيصر على رأسه شُفي، فتعجّب من ذلك وأمر بشقّها فرأى فيها قرطاساً كتب فيه: {بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}، فعلم أنّ الشفاء ببركة البسملة.
إنّ اللّه أمر عباده أن يذكروه على كلّ حال، فإنّ ذكره حسن يوجب الفلاح والصلاح والتقوى وسعادة الدارين {وَاذْكُرُوا اللّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}(1)، ومَن يذكر اللّه يحصل له حالة الفناء في اللّه، ثمّ البقاء بعد الفناء، والصحو بعد المحو.
وما أروع ما يقوله الإمام السجّاد (عليه السلام) في مناجاته (مناجاة الذاكرين):
____________
1- سورة الأنفال، الآية 45.
نعم، إنّ اللّه سبحانه يريد بالإنسان تفخيماً له، {وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ}، وتكريماً لمقامه، فإنّ فيه من روحه، {وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي}، يريد بنا أن نذكره دائماً وعلى كلّ حال، حتّى تحلّق أرواحنا بالملأ الأعلى، وتتّصل أعمالنا بالملكوت، فتستسقي من الينابيع الإلهية الفيّاضة جميع الكمالات والفضائل والمكارم، التي يكون الإنسان بها إنساناً كاملا، يدنو من ربّه دنوّاً وقرباً معنوياً قاب قوسين أو أدنى.
فمن يذكر اللّه بإخلاص ينجذب إلى ربّه، ويتعلّق به، وتكون الرابطة المعنوية
{لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالقاسِيَة قُلُوبُهُمْ وانَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقاق بَعِيد}(2).
فمن يبتعد عن ذكر اللّه ونسى اللّه فإنّه يغفل عن نفسه وينسى نفسه: {نَسُوا اللّهَ فَأنْساهُمْ أنْفُسَهُمْ}، فيُبتلى بالمعاصي والذنوب ويقسو قلبه ويكون كالحجارة أو أشدّ قسوة، قال تعالى: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالحِجارَةِ أوْ أشَدُّ قَسْوَة}(3).
فعلينا أن نذكر اللّه على كلّ حال وفي جميع الأحوال، وإنّ من أفضل الذكر: {بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}.
وقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): «لولا أنّ الشياطين يحومون على قلوب بني آدم لنظروا إلى ملكوت السماوات والأرض». وقال: «لولا هيام الشياطين على قلوبكم لسمعتم ما أسمع ولرأيتم ما أرى».
وليس للشيطان سبيل على الذاكرين المتوكّلين العابدين، قال اللّه تعالى:
____________
1- سورة الزمر، الآية 22.
2- سورة الحجّ، الآية 53.
3- سورة البقرة، الآية 74.
{وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً فَساءَ قَرِيناً}(2)، ومن يعش عن ذكر اللّه يقيّض له شيطاناً فهو له قرين، ويصدّنه عن السبيل وعن ذكر اللّه، فلا يرى الحقّ ولا يؤمن باللّه ورسله وكتبه واليوم الآخر وساء مصيراً.
فالشيطان عدوّ الإنسان بصريح القرآن، والذي يخلّصنا من شرّه وكيده وحزبه وأعوانه ومكره وحيله هو ذكر اللّه وإطاعته، فإياك نعبد وإياك نستعين، وشعارنا ودثارنا في كلّ حال {بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}، وآخر دعوانا أن الحمد للّه ربّ العالمين.
قال العلاّمة الشيخ محمد جواد مغنية في تفسيره(3): بسم اللّه الرحمن الرحيم: هذه الكلمة المقدّسة شعار مختصّ بالمسلمين، يستفتحون بها أقوالهم وأعمالهم، وتأتي من حيث الدلالة على الإسلام بالمرتبة الثانية من كلمة الشهادتين: لا إله إلاّ اللّه، محمد رسول اللّه، أمّا غير المسلمين فيستفتحون باسمك اللّهمَّ، وباسمه تعالى، أو باسم المبدىء المعيد، أو باسم الأب والإبن وروح القدس، ونحو ذلك. وتحذف الهمزة من لفظة (بسم) نطقاً وخطاً في البسملة لكثرة الاستعمال، وتحذف الهمزة نطقاً لا خطاً في غير البسملة نحو سبّح باسم ربّك الأعلى. ولفظ الجلالة (اللّه) علم للمعبود والذي يوصف بجميع صفات الجلال والكمال،
____________
1- سورة النحل، الآيات 98 ـ 100.
2- سورة النساء، الآية 38.
3- الكاشف 1: 24.
ولكن ربما نقول جواباً بأنّ التفضيل ليس باعتبار المسمّى، إنّما هو باعتبار الاسم ولفظة الجلالة (اللّه) أعظم من بقية أسماء اللّه; لأنّه يدلّ على الذات المستجمع لجميع الصفات الكمالية كالعلم والقدرة والحياة، بخلاف اسم العالم فإنّه يدلّ على الذات ولكن باعتبار العلم، والذي ليس كمثله شيء لا يشاركه أحد في شيء إنّما هو في ذاته وواجب وجوده لذاته، فتأمّل.
ثمّ قال: والرحمن في الأصل وصف مشتقّ من الرحمة، ومعناها بالنسبة إليه تعالى الاحسان، وبالنسبة إلى غيره معناها رقة القلب، ثمّ شاع استعمال الرحمن في الذات القدسية حتّى صار من أسماء اللّه الحسنى. قال تعالى: {قُلِ ادْعُوا اللّهَ أوِ الرَّحْمنَ أيَّا مّا تَدْعُوا فَلَهُ الأسْماءُ الحُسْنى}، وعلى هذا فلك أن تعرب لفظة الرحمن صفة للّه بالنظر إلى الأصل، ولك أن تجعلها بدلا بالنظر إلى النقل.
الرحيم أيضاً وصف مشتقّ من الرحمة بمعنى الاحسان بالنسبة إليه جلّ وعزّ، وفرّق أكثر المفسّرين أو الكثير منهم بين لفظة الرحمن ولفظة الرحيم بأنّ الرحمن مشتقّ من الرحمة الشاملة للمؤمن والكافر، والرحيم من الرحمة الخاصة بالمؤمن، وفرّعوا على ذلك أن تقول: يا رحمن الدنيا والآخرة، وأن تقول: يا رحيم الآخرة فقط دون الدنيا... أمّا أنا فأقول: يا رحمن يا رحيم الدنيا والآخرة {أهُمْ يُقَسِّمُونَ
ولكن نقول للشيخ: إنّ القرآن يفسّر بعضه بعضه، كما إنّ الروايات ترجمان القرآن، وهذا التقسيم في الرحمة العامة والخاصة إنّما هو باعتبار المؤمن والكافر لا باعتبار الدنيا والآخرة، نعم، إنّما يرحم اللّه عباده برحمته العامة الشاملة للمؤمن والكافر في الدنيا، فإنّ الكافر بعيد عن رحمة اللّه وإنّ له عذاب وبئس المصير، وأمّا المؤمن المتّقي والمحسن فإنّ رحمة اللّه الخاصة قريب منه في الدنيا والآخرة، فاللّه سبحانه رحمن رحيم في الدنيا والآخرة للمؤمنين كما ورد في الدعاء الشريف: يا رحمن يا رحيم الدنيا والآخرة، كما إنّ هذا التقسيم ورد في رواياتنا أيضاً، فتأمّل.
ثمّ قال: ومعنى {بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} بجملة أنّك قد ابتدأت عملك مستعيناً باللّه الذي وسعت رحمته كلّ شيء مسجّلا على نفسك أنّ ما تفعله هو باسم اللّه لا باسمك أنت، ولا باسم أحد سواه، تماماً كما يقول موظف الدولة للرعايا: باسم الدولة عليكم كذا وكذا... وإنّ عملك الذي باشرت هو حلال لا شائبة فيه لما حرّم اللّه... فإن كان حراماً، وفعلته باسم اللّه فقد عصيت مرتين في آن واحد، وفعل واحد: مرّة لأنّه حرام بذاته، ومرّة لأنّك كذبت في نسبته إلى اللّه تعالى علوّاً كبيراً.
والبسملة جزء من السورة عند الشيعة الإمامية... وقد أوجبوا الجهر بها فيما يجب الجهر فيه بالقراءة كصلاة الصبح واُوليي المغرب والعشاء، ويستحبّ الجهر بها فيما يخافت فيه بالقراءة، كاُوليي الظهر والعصر ويجوز الاخفات.
____________
1- سورة الزخرف، الآية 32.
وتجمل الإشارة إلى أنّ اسم اللّه سبحانه وصفاته تتألّف من هذه الحروف وتلفظ وتكتب كغيرها من الكلمات، ومع هذا لها قدسية وأحكام خاصّة بها، فلا يجوز أن يكتب شيء منها على ورق أو غيره أو بمداد أو قلم نجس، وأيضاً لا يجوز مسّها إلاّ للمطهّرين.
وقال قائل: إنّ سورة الفاتحة تضمّنت جميع معاني القرآن دون استثناء، وإنّ البسملة تضمّنت جميع معاني الفاتحة، وإنّ الباء من البسملة تضمّنت جميع معاني البسملة، وبالتالي تكون الباء من {بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} فيها معاني القرآن بكامله. وهذا القائل أشبه بمن يحاول أن يدخل الكون بأرضه وسمائه في البيضة دون أن تكبر البيضة أو يصغر الكون...
والعجب من الشيخ كيف يعجب من ذلك، وإذا لم يكن من أهل هذا المعنى ولم يتحمّله، فإنّه من الأمر الصعب المستصعب، فلماذا هكذا ينكره، أما كان الأولى أن يرجع علمه إلى أهله.
أليس هو القائل في وجه تسمية سورة الحمد باُمّ الكتاب: «... ولأنّها اشتملت على أصلين: ذكر الربوبية والعبودية، وعليهما ترتكز تعاليم القرآن»(1)،
____________
1- الصفحة: 32.
أليس أمير المؤمنين علي (عليه السلام) حدّث ابن عبّاس عن حرف واحد ساعة تامة؟ فماذا يوجد في الحرف الواحد من كلام لمدة ساعة واحدة؟
ثمّ لماذا يستبعد أن يكون الكون في بيضة من دون أن يصغر الكون ولا تكبر البيضة؟ أما قرأ هذا الحديث الشريف:
روى الشيخ الصدوق(1)، بإسناده: جاء رجل إلى الإمام الرضا (عليه السلام)، فقال: هل يقدر ربّك أن يجعل السماوات والأرض وما بينهما في بيضة؟ قال: نعم، وفي أصغر من البيضة، قد جعلها في عينك، وهي أقلّ من البيضة; لأنّك إذا فتحتها عاينت السماء والأرض وما بينهما، ولو شاء لأعماك عنها.
كما سُئل أمير المؤمنين (عليه السلام) هذا السؤال، فأجاب بهذا الجواب، كما سُئل الإمام الصادق (عليه السلام) في قصة عبد اللّه الديصاني وهشام بن الحكم(2)، وأصل الإشكال إنّما هو من الشيطان حيث أشكل هذا الإشكال على المسيح عيسى ابن مريم فأجابه(3).
ولا أدري من أراد أن يكتب للمثقفين وبلغة عصرية، هل يعني أنّه ينكر ما لا يستوعبه من المعارف الحقّة، أو يمرّ بها مستخفّاً ومستهزءاً، ويوحي
____________
1- التوحيد: 130.
2- راجع التوحيد: 122.
3- ذكرت تفصيل هذا البحث في كتاب (دروس اليقين في معرفة اُصول الدين): 138، فراجع.