فقال الرضا ( عليه السلام ) : الذين وصفهم الله تعالى في كتابه فقال جل وعز : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) (1) ، وهم الذين قال رسول الله : اني مخلف فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، [ ألا ] (2) وانهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ، انظروا كيف تخلفوني فيهما ، ايها الناس لا تعلموهم فانه (3) أعلم منكم ، قالت العلماء : أخبرنا يا أبا الحسن عن العترة أهم الآل أو غير الآل ؟
فقال الرضا ( عليه السلام ) : هم الآل ، فقالت العلماء : فهذا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يؤثر عنه (4) ، انه قال : امتي آلي ، وهؤلاء أصحابي يقولون بالخبر المستفاض الذي لا يمكن دفعه آل محمد امته ، فقال أبو الحسن ( عليه السلام ) : أخبروني هل تحرم الصدقة على الآل ؟ قالوا : نعم ، قال : فتحرم على الامة ؟ قالوا : لا ، قال : هذا فرق ما بين الآل والامة ويحكم أين يذهب بكم ، أضربتم عن الذكر صفحا أم أنتم قوم مسرفون (5) ، أما علمتم انه وقعت الوراثة والطهارة على المصطفين المهتدين دون سايرهم ، قالوا : [ ومن ] (6) أين يا أبا الحسن ؟
قال : من قول الله عز وجل : ( ولقد أرسلنا نوحا وابراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب فمنهم مهتد وكثير منهم فاسقون ) (7) ، فصارت وراثة النبوة والكتاب للمهتدين دون الفاسقين ، أما علمتم ان نوحا ( عليه السلام ) حين سأل ربه عز وجل ، فقال : ( رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين ) (8) ، وذلك ان الله عز وجل وعده أن ينجيه وأهله ، فقال له ربه : ( انه ليس من أهلك انه عمل غير صالح فلا تسألن ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين ) (9) ، فقال المأمون : هل فضل الله العترة على سائر الناس ( في محكم
____________
(1) الأحزاب : 33 .
(2) من العيون .
(3) في العيون : فانهم .
(4) يعني : يحدث عنه ( صلى الله عليه وآله ) .
(5) اقتباس من الكريمة : الزخرف : 5 .
(6) من العيون .
(7) الحديد : 36 .
(8) هود : 45 .
(9) هود : 46 .

( 351 )

كتابه ) (1) ؟ فقال أبو الحسن ( عليه السلام ) : ان الله عز وجل أبان فضل العترة على سائر الناس في محكم كتابه ، فقال له المأمون : أين ذلك من كتاب الله عز وجل ؟
فقال له الرضا ( عليه السلام ) : في قوله عز وجل : ( إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض ) (2) ، وقال عز وجل في موضع آخر : ( أم يحسدون الناس على ما آتيهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما ) (3) ، ثم رد المخاطبة في إثر هذا إلى سائر المؤمنين فقال :
( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واولي الأمر منكم ) (4) ، يعني الذين عرفهم (5) بالكتاب والحكمة وحسدوا عليهما ، فقوله عز وجل : ( أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما ) ، يعني الطاعة للمصطفين الطاهرين ، فالملك هاهنا هو الطاعة لهم .
قالت العلماء : فاخبرنا هل فسر الله عز وجل الاصطفاء في كتابه ؟ فقال الرضا : فسر الاصطفاء في الظاهر سوى الباطن في اثنى عشر موطنا وموضعا :
فأول ذلك قوله عز وجل : ( وانذر عشيرتك الأقربين ) (6) ورهطك المخلصين ، هكذا في قراءة ابي بن كعب ، وهي ثابتة في مصحف عبد الله بن مسعود وهذه منزلة رفيعة وفضل عظيم وشرف عال حين عنى الله بذلك الآل ، فذكره لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فهذه واحدة .
والآية الثانية في الاصطفاء قوله عزوجل : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) ، وهذا الفضل الذي لا يجهله أحد إلا معاند ضال لأنه فضل بعد طهارة ينتظر فيها ، فهذه الثانية .
____________
(1) ليس في العيون .
(2) آل عمران : 33 .
(3) النساء : 54 .
(4) النساء : 59 .
(5) في العيون : قرنهم .
(6) الشعراء : 214 .

( 352 )

وأما الثالثة : فحين ميز الله الطاهرين من خلقه ، فأمر نبيه ( صلى الله عليه وآله ) بالمباهلة بهم في آية الابتهال فقال عز وجل : ( قل ) (1) يا محمد : ( فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين ) (2) ، فأبرز (3) النبي ( صلى الله عليه وآله ) عليا والحسن والحسين وفاطمة وقرن أنفسهم بنفسه ، فهل تدرون ما معنى قوله تعالى : ( وأنفسنا وانفسكم ) ؟
قالت العلماء : عنى به نفسه ، فقال أبو الحسن ( عليه السلام ) : غلطتم إنما عنى بها علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، ومما يدل على ذلك قول النبي ( صلى الله عليه وآله ) حين قال : لتنتهين بنو وليعة (4) أو لأبعثن إليهم رجلا كنفسي يعني علي بن أبي طالب ، وعنى بالأبناء الحسن والحسين ، وعنى بالنساء فاطمة ( عليها السلام ) ، فهذه خصوصية لا يتقدمهم فيها أحد وفضل لا يلحقهم فيه بشر وشرف لا يسبقهم إليه خلق ، ان (5) جعل نفس علي كنفسه ، فهذه الثالثة .
وأما الرابعة : فاخراج(6) الناس من مسجده ما خلا العترة حتى تكلم الناس في ذلك وتكلم العباس ، فقال : يارسول الله تركت عليا فأخرجتنا ؟
فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ما أنا تركته وأخرجتكم ، ولكن الله تركه وأخرجكم ، وفي هذا تبيان قوله ( صلى الله عليه وآله ) لعلي : أنت مني بمنزلة هارون من موسى ، قالت العلماء : فأين هذا من القرآن ؟ قال أبو الحسن : أوجدكم في ذلك قرآنا أقرأه عليكم ؟ قالوا : هات ، قال : قول الله عز وجل : ( وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتا واجعلوا بيوتكم قبلة ) (7) ففي هذه الآية منزلة هارون من موسى ، وفيها أيضا منزلة علي من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ( حين قال : أنت مني منزلة هارون ) (8) ، ومع هذا
____________
(1) ليس في العيون .
(2) آل عمران : 61 .
(3) في العيون : برز .
(4) وليعة ـ كسفينة ـ حي من كندة .
(5) في العيون : إذ .
(6) ليس في العيون .
(7) يونس : 87 .
(8) من العيون .

( 353 )

دليل ظاهر في قول رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حين قال : إلا ان هذا المسجد لا يحل لجنب إلا لمحمد وآله .
قالت العلماء : يا أبا الحسن هذا الشرح وهذا البيان لا يوجد عندكم [ معاشر ] (1) أهل بيت رسول الله ، قال أبو الحسن : ومن ينكر لنا ذلك ورسول الله يقول : أنا مدينة الحكمة وعلي بابها ، فمن أراد المدينة فليأتها من بابها ، ففيما أوضحناه وشرحناه من الفضل والشرف والتقدمة والاصطفاء والطهارة ما لا ينكره [ إلا ] (2) معاند ولله عز وجل الحمد على ذلك ، فهذه الرابعة .
وأما الخامسة : قول الله عز وجل : ( وآت ذا القربى حقه ) (3) خصوصية خصهم الله تعالى العزيز الجبار بها واصطفاهم على الامة ، فلما نزلت هذه الآية على رسول الله ، قال : إدعوا لي فاطمة ، فدعيت له ، فقال : يا فاطمة ، قالت : لبيك يارسول الله ، فقال ( صلى الله عليه وآله ) : هذه فدك (4) هي مما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب ، وهي لي خاصة دون المسلمين وقد جعلتها لك كما (5) أمرني الله فخذيها لك ولولدك ، فهذه الخامسة .
والآية السادسة : قول الله عز وجل : ( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) (6) ، وهذه خصوصية للنبي ( صلى الله عليه وآله ) إلى يوم القيامة وخصوصية للآل دون غيرهم ، وذلك ان الله حكى في ذكر نوح ( عليه السلام ) في كتابه : ( يا قوم لا أسألكم عليه مالا إن أجري إلا على الله وما أنا بطارد الذين آمنوا انهم ملاقوا ربهم ولكني أراكم قوما تجهلون ) (7) ، وحكى عز وجل عن هود ( عليه السلام ) انه قال : ( [ قل ] لا أسألكم عليه أجرا ان أجري إلا على الذي فطرني أفلا تعقلون )(8) .
____________
(1) من العيون .
(2) من العيون .
(3) الاسراء : 26 .
(4) فدك : قرية بالحجاز بينها وبين المدينة يومان .
(5) في العيون : لما .
(6) الشورى : 20 .
(7) هود : 29 .
(8) هود : 51 .

( 354 )

وقال عز وجل لنبيه ( صلى الله عليه وآله ) : قل يا محمد ( لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) ، ولم يفرض الله مودتهم إلا وقد علم انهم لا يرتدون عن الدين ولا يرجعون إلى ضلال أبدا ، واخرى أن يكون الرجل وادا للرجل فيكون بعض [ أهل بيته ] (1) عدوا له ، فلا يسلم [ له ] قلب الرجل ، فاحب الله عز وجل أن لا يكون في قلب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) على المؤمنين شئ ، ففرض عليهم مودة ذوي القربى ، فمن أخذ بها وأحب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأحب أهل بيته لم يستطع رسول الله ان يبغضه ، ومن تركها ولم يأخذ بها وأبغض أهل بيته فعلى رسول الله ان يبغضه ، لأنه ترك فريضة من فرائض الله ، فأي فضلة وأي شرف يتقدم هذا أو يدانيه ، فأنزل الله هذه الآية على نبيه ( صلى الله عليه وآله ) : ( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) ، فقام رسول الله في أصحابه فحمد الله وأثنى عليه وقال :
يا أيها الناس ان الله قد فرض لي عليكم فرضا فهل أنتم مؤدوه ؟ فلم يجبه أحد ، فقال : [ يا ] (2) أيها الناس انه ليس بذهب ولا فضة (3) ولا مأكول ولا مشروب ، فقالوا : هات إذا ، فتلا عليهم هذه الآية ، فقالوا : أما هذا فنعم ، فما وفى بها أكثرهم ، وما بعث الله عز وجل نبيا إلا أوحى إليه أن لا يسأل قومه أجرا إلا أن الله يوفه أجر الأنبياء (4) ومحمد ( صلى الله عليه وآله ) فرض الله عز وجل [ طاعته ] (5) مودة قرابته على امته وأمره أن يجعل أجره فيهم ليؤدوه في قرابته بمعرفة فضلهم الذي أحب (6) الله عز وجل لهم ، فأن المودة إنما تكون على قدر معرفة الفضل .
فلما أوجب الله ذلك ثقل [ ذلك ] (7) لثقل وجوب الطاعة ، فتمسك بها قوم [ قد ] (8) أخذ الله ميثاقهم على الوفاء وعاند أهل الشقاق والنفاق ( والحسد ) (9)
____________
(1) من العيون .
(2) من العيون .
(3) في العيون : من فضة ولا ذهب .
(4) في العيون : لأن الله عز وجل يوفيه أجر الأنبياء .
(5) من العيون .
(6) في العيون : أوجب .
(7) من العيون .
(8) من العيون .
(9) ليس في العيون .

( 355 )

وألحدوا في ذلك ، فصرفوه عن حده الذي حده الله ، فقالوا : القرابة هم العرب كلها وأهل دعوته ، فعلى أي الحالتين كان ، فقد علمنا ان المودة للقرابة [ هي ] (1) ، فأقربهم من النبي ( صلى الله عليه وآله ) أولاهم بالمودة وكلما قربت القرابة كانت المودة على قدرها ، وما انصفوا نبي الله ( صلى الله عليه وآله ) في حيطته ورأفته ، وما من الله به على امته مما تعجزه الألسن عن وصف الشكر عليه أن لا يؤذوه (2) في ذريته وأهل بيته ، وأن يجعلوهم منهم كمنزلة (3) العين من الرأس حفظا لرسول الله [ فيهم ] (4) وحبا لبنيه (5) ، فكيف والقرآن ينطق به ويدعو إليه والأخبار ثابتة ، بأنهم أهل المودة والذين فرض الله مودتهم ووعد الجزاء عليها ، فما وفى أحد بها ، فهذه المودة لا يأتي بها أحد مؤمنا مخلصا إلا استوجب الجنة ، لقول الله عز وجل في هذه الآية : ( والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات لهم ما يشاؤون عند ربهم ذلك هو الفضل الكبير * ذلك الذي يبشر الله عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) مفسرا ومبينا .
ثم قال أبو الحسن ( عليه السلام ) : حدثني أبي ، عن جدي ، [ عن أبائه ] (6) عن الحسين بن علي ( عليهم السلام ) قال : اجتمع المهاجرون والأنصار إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقالوا : ان لك يارسول الله مؤونة في نفقتك وفيمن يأتيك من الوفود (7) ، وهذه أموالنا مع دمائكم ، فاحكم فيها بارا مأجورا ، اعط ما شئت وامسك ما شئت من غير حرج ، قال : فأنزل الله عز وجل عليه الروح الأمين فقال : يا محمد ! ( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ) يعني أن يودوا قرابتي من بعدي ، فخرجوا ، فقال المنافقون : ما حمل رسول الله على ترك ما عرضنا عليه إلا ليحثنا على قرابته من بعده إن هو إلا شيء أقره (8) في مجلسه وكان ذلك من قولهم عظيما ، فأنزل الله عز وجل
____________
(1) من العيون .
(2) في العيون : يؤدوه .
(3) في العيون : بمنزلة .
(4) من العيون .
(5) في العيون : حبا لهم .
(6) من العيون .
(7) وفد إليه : قدم وورد .
(8) في العيون : افتراه .

( 356 )

جبرئيل ( عليه السلام ) بهذه الآية (1) : ( أم يقولون افتراه قل إن افتريته فلا تملكون لي من الله شيئا هو أعلم بما تفيضون فيه كفى بالله شهيدا بيني وبينكم وهو الغفور الرحيم ) (2) .
فبعث إليهم (3) النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقال : هل من حدث ؟ فقالوا : إي والله يارسول الله ، لقد قال بعضنا كلاما غليظا كرهناه ، فتلا عليهم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الآية ، فبكوا واشتد بكاؤهم ، فأنزل الله عز وجل ( والذي يقبل التوبة عن عباده ويعفوا عن السيئات ويعلم ما تفعلون ) (4) ، فهذه السادسة .
وأما الآية السابعة : فقول الله تعالى : ( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ) (5) ، وقد علم المعاندون منهم انه لما نزلت هذه الآية قيل : يارسول الله ! قد عرفنا التسليم عليك وكيف الصلاة [ عليك ] (6) ؟ قال : تقولون : اللهم صل على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد ، فهل بينكم معاشر المسلمين (7) في هذا خلاف ؟ فقالوا : لا ، قال المأمون : هذا مما لا خلاف فيه أصلا وعليه إجماع الامة ، فهل عندك في الآل شيء أوضح من هذا في القرآن ؟
قال أبو الحسن ( عليه السلام ) : نعم ، أخبروني عن قول الله عز وجل : ( يس والقرآن الحكيم * إنك لمن المرسلين * على صراط مستقيم ) (8) ، فمن عنى بقوله يس ؟ قالت العلماء : يس محمد ( صلى الله عليه وآله ) لم يشك فيه أحد ، قال أبو الحسن ( عليه السلام ) : فان الله أعطى محمدا وآل محمد من ذلك فضلا لا يبلغ أحد كنهه ووصفه (9) إلا من عقله ، وذلك أن الله عز وجل لم يسلم على أحد إلا على الأنبياء ( عليهم السلام ) ، فقال تبارك وتعالى : ( سلام على نوح في العالمين ) (10) ، وقال : ( سلام على إبراهيم ) (11) ،
____________
(1) في العيون : فانزل الله هذه الآية .
(2) الأحقاف : 8 .
(3) في العيون : عليهم .
(4) الشورى : 25 .
(5) الأحزاب : 56 .
(6) من العيون .
(7) في تأويل الآيات : معاشر الناس .
(8) يس : 1 ـ 3 .
(9) في التأويل : كنه وصفه .
(10) الصافات : 79 .
(11) الصافات : 109 .

( 357 )

وقال : ( سلام على موسى وهارون ) (1) . ولم يقل : سلام [ على آل نوح ولا آل إبراهيم ولا ] (2) على آل موسى وهارون وقال : [ سلام على آل يس ] (3) يعني آل محمد ( صلى الله عليه وآله ) ، فقال المأمون : قد علمت أن في معدن النبوة شرح هذا وبيانه ، فهذه السابعة .
وأما الثامنة : فقول الله عز وجل : ( واعلموا إنما غنمتم من شيء فان لله خمسه وللرسول ولذي القربى ) (4) ، فقرن سهم ذي القربى مع سهمه وسهم رسوله (5) ، فهذا فضل أيضا بين الآل والامة ، لأن الله تعالى جعلهم في خير (6) وجعل الناس في خير دون ذلك ، ورضي لهم بما رضي لنفسه واصطفاهم فيه ، فبدأ بنفسه ثم [ ثنى ] (7) برسوله ثم بذي القربى فكل ما كان من الفيء والغنيمة وغير ذلك مما رضيه جل وعز لنفسه فرضيه (8) لهم ، فقال وقوله الحق : ( واعلموا إنما غنمتم من شيء فان لله خمسه وللرسول ولذي القربى ) ، فهذا تأكيد مؤكد وأثر قائم لهم إلى يوم القيامة في كتاب الله الناطق : الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد (9) .
وأما قوله : ( واليتامى والمساكين ) فان اليتيم إذا انقطع يتمه سهمه خرج من الغنائم ولم يكن له فيها نصيب ، وكذلك المسكين إذا انقطع مسكنته لم يكن له نصيب من المغنم ولا يحل له أخذه ، وسهم ذي القربى إلى يوم القيامة قائم فيهم للغني والفقير منهم ، لأنه لا أحد أغنى من الله عز وجل ولا من رسوله ( صلى الله عليه وآله ) ، فجعل لنفسه سهما منها ولرسوله سهما ، فما رضيه لنفسه ولرسوله رضيه لهم وكذلك الفيء ما رضيه منه ولنبيه رضيه لذي القربى ، كما أجراهم في الغنيمة فبدأ بنفسه جل جلاله ثم برسوله ثم بهم ، وقرن سهمه (10) بسهم الله وسهم رسوله وكذلك في الطاعة
____________
(1) الصافات : 120 .
(2) من العيون .
(3) الصافات : 130 .
(4) الأنفال : 41 .
(5) من العيون : بسهمه وبسهم رسول الله .
(6) في العيون في الموضعين : خير .
(7) من العيون .
(8) من العيون : فرضى .
(9) اقتباس من الكريمة ، فصلت : 42 .
(10) في العيون : بسهمهم .

( 358 )

قال : ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واولي الأمر منكم ) (1) ، فبدأ ( قبلا ) (2) بنفسه ثم برسوله ثم بأهل بيته .
وكذلك آية الولاية ( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا [ الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ] (3)) ، فجعل ولايتهم (4) مع طاعة الرسول مقرونة بطاعته ، [ كذلك ولايتهم مع ولاية الرسول مقرونة بطاعته ] (5) ، كما جعل سهمهم مع سهم الرسول مقرونا بسهمه في الغنيمة والفئ ، فتبارك الله وتعالى ما أعظم نعمته على أهل هذا البيت ، فلما جاءت قصة الصدقة نزه رسوله ونزه أهل بيته فقال : ( إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله ) (6) .
فهل تجد في شيء من ذلك انه جعل عز وجل سهما لنفسه (7) أو لذي القربى ، لأنه لما نزه نفسه عن الصدقة ونزه رسوله [ و ] (8) نزه أهل بيته ، لا بل حرم عليهم ، لأن الصدقة محرمة على محمد وآله ، وهي أوساخ [ أيدي ] (9) الناس لا تحل لهم لأنهم طهروا من كل دنس ووسخ ، فلما طهرهم الله واصطفاهم رضي لهم ما رضى لنفسه وكره لهم ما كره لنفسه عزوجل فهذه الثامنة .
وأما التاسعة : فنحن أهل الذكر ، الذين قال الله تعالى في محكم كتابه : ( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ) (10) ، فنحن أهل الذكر ، فسألونا إن كنتم لا تعلمون ، فقالت العلماء : إنما عنى بذلك اليهود والنصارى .
فقال أبو الحسن ( عليه السلام ) : سبحان الله وهل يجوز ذلك ؟ إذا يدعونا إلى دينهم ويقولون : انه أفضل من دين الإسلام ، فقال المأمون : فهل عندك في ذلك شرح
____________
(1) النساء : 59 .
(2) ليس في العيون .
(3) من العيون .
(4) في العيون : طاعتهم .
(5) من العيون .
(6) التوبة : 60 .
(7) من العيون : انه سمى لنفسه أو لرسوله .
(8) من العيون .
(9) من العيون .
(10) النحل : 43 .

( 359 )

بخلاف ما قالوا (1) يا أبا الحسن ؟
فقال ( عليه السلام ) : نعم ، « الذكر » رسول الله ونحن أهله ، وذلك بين في كتاب الله عزوجل حيث يقول في سورة الطلاق : ( فاتقوا الله يا اولي الألباب الذين آمنوا قد أنزل الله إليكم ذكرا رسولا يتلوا عليكم آيات الله مبينات ) (2) فالذكر رسول الله ونحن أهله فهذه التاسعة .
وأما العاشرة : فقول الله عز وجل في آية التحريم : ( حرمت عليكم امهاتكم وبناتكم وأخواتكم) (3) الآية إلى آخرها ، فاخبروني هل تصلح ابنتي وابنة ابني وما تناسل من صلبي لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أن يتزوجها لو كان حيا ؟ قالوا : لا ، قال : فأخبروني هل كانت إبنة أحدكم تصلح له أن يتزوجها لو كان حيا ؟ قالوا : نعم ، قال : ففي (4) هذا بيان لأ [ ني أ ] (5) نا من آله ولستم من آله ، ولو كنتم من آله لحرم عليه بناتكم كما حرم عليه بناتي لأ [ ني أ ] (6) نا من آله وأنتم من امته ، فهذا فرق بين الآل والامة لأن الآل منه ، والامة إذا لم تكن من الآل ليست منه ، فهذه العاشرة .
وأما الحادية عشرة : فقول الله عز وجل في سورة المؤمن [ حكاية ] (7) عن قول رجل مؤمن من آل فرعون : ( وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم ايمانه أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم ـ إلى تمام الآية ) (8) إلى تمام الآية وكان ابن خال فرعون فنسبه إلى فرعون بنسبه ولم يضمه إليه بدينه ، وكذلك خصصنا نحن إذ كنا من آل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بولادتنا منه وعممنا الناس بالدين فهذا الفرق (9) بين الآل والامة ، فهذه الحادية عشرة .
وأما الثانية عشرة : فقول الله عز وجل : ( وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها ) (10) ، فخصنا الله بهذه الخصوصية إذ أمرنا [ مع الامة ] (11) باقامة الصلاة ،
____________
(1) في العيون : قالوه .
(2) الطلاق : 10 .
(3) النساء : 23 .
(4 ـ 6) من العيون .
(8) طه : 28 .
(9) في العيون : فرق .
(10) طه : 132 .
(11) من العيون .

( 360 )

ثم خصنا (1) من دون الامة ، فكان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يجيء إلى باب علي وفاطمة بعد نزول هذه الآية تسعة أشهر ، كل يوم عند حضور كل صلاة خمس مرات ، فيقول : الصلاة رحمكم الله وما أكرم الله أحدا من ذراري الأنبياء مثل (2) هذه الكرامة التي أكرمنا بها وخصنا من دون جميع أهل بيتهم ، فقال المأمون والعلماء : جزاكم الله أهل بيت نبيكم عن [ هذه ] (3) الامة خيرا ، فما نجد الشرح والبيان فيما اشتبهه علينا إلا عندكم » (4) .
قال محمد بن أبي القاسم مصنف هذا الكتاب : من تأمل في هذا الخبر وعرفه بأن له الحق من وجوب معرفة أهل البيت وفرض طاعتهم ومودتهم وفضلهم على سائر الناس ، وتبين له أيضا مصداق قولي في صدر هذا الكتاب ، من ان من يدعي التشيع يجب ان يعرفه حق معرفته لتستقيم دعواه في محبة أهل البيت وليشد وده لهم ويثبت تفضيله على ما سواهم ، كما قال الامام : ان المودة إنما تكون في قدر معرفة الفضل .
44 ـ حدثنا أبي عن حميد ، عن أنس عن أبي ذر قال :
« سمعت النبي ( صلى الله عليه وآله ) بإذني وإلا صمتا وهو يقول : خلقت أنا وعلي من نور واحد ، نسبح الله على يمنة العرش من قبل أن يخلق أبونا آدم بألفي عام ، فلما خلق أبونا آدم صرنا في صلبه ، ثم نقلنا من كرام الأصلاب إلى مطهرات الأرحام حتى صرنا في صلب جدي عبد المطلب ، ثم شقنا نصفين وصيرني في صلب عبد الله وصير عليا في صلب أبي طالب ، واختارني للنبوة والرحمة والبركة وأختار عليا للشجاعة والعلم والفصاحة واشتق لنا أسمين من أسمائه عز وجل [ فذو العرش ] (5)
____________
(1) في العيون : فخصصنا ، خصصنا .
(2) في العيون : بمثل .
(3) من العيون .
(4) رواه الصدوق في العيون : 240 ـ 228 ، الأمالي : 121 ، عنه البحار 16 : 87 ، 25 : 229 ، 23 : 167 ، 94 : 51 ، تأويل الآيات 2 : 501 .
(5) من روضة الواعظين .

( 361 )

محمود وأنا محمد ، والله الأعلى (1) وهذا علي » (2) .
45 ـ قال : حدثنا إبراهيم بن بن أبي إسحاق ، عن عبد الجبار بن العباس الشبامي ، عن عمار الدهني ، عن أبي فاخته قال :
« أقبل علي ( عليه السلام ) وعمر جالس في مجلسه ، فلما رآه عمر تضعضع وتواضع وأوسع له في المجلس ، فلما قام علي ( عليه السلام ) قال له بعض القوم : يا أمير المؤمنين إنا لنراك تصنع بعلي صنيعا ما تصنعه بأصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، قال عمر : وما رأيتني أصنع به ؟ قال : رأيناك كما تضعضعت وتواضعت وأوسعت له حتى يجلس ، قال : وما يمنعني فوالله انه لمولاي ومولى كل مؤمن » (3) .
46 ـ قال : أخبرنا يوسف بن كليب ، عن هارون بن الحسن ، عن أبي سلام مولى قيس قال : خرجت مع مولاي قيس إلى المدائن قال : سمت سعد بن حذيفة يقول : سمعت أبي حذيفة يقول : سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول :
« ما من عبد ولا أمة يموت وفي قلبه مثقال حبة من خردل من حب علي ( عليه السلام ) إلا أدخله الله عز وجل الجنة » (4) .
47 ـ حدثنا الحسن بن عرفة ، حدثنا الوليد بن بكير أبو حباب عن سلام الخزاعي عن أبي اسحاق السبيعي ، عن الحرث ، عن علي بن أبي طالب قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) :
« ما من دعاء إلا بينه وبين السماء حجاب حتى يصلي على النبي وعلى آل محمد ، فإذا فعل ذلك خرق ذلك الحجاب ودخل الدعاء ، فإذا لم يفعل رجع الدعاء » .
48 ـ قال : حدثنا علي بن هاشم بن البريد ، عن إبراهيم بن حيان ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال :
____________
(1) في الأصل : العلى ، ما أثبتناه من الروضة .
(2) رواه الشيخ في أماليه 1 : 186 ، والفتال في روضة الواعظين : 128 .
(3) رواه في البحار 37 : 198 ، أقول : مر تحت الرقم : 461 مثله .
(4) رواه الشيخ في أماليه 1 : 339 .

( 362 )

« أمر عليا أن يقضي بين رجلين فقضى بينهما ، فقال الذي قضى عليه : هذا الذي يقضي بيننا ، فكأنه ازدرأ عليه ، فأخذ عمر بتلابيبه وقال : ويلك وما تدري من هذا ؟ هذا علي بن أبي طالب هذا مولاي ومولى كل مؤمن ، فمن لم يكن مولاه فليس بمؤمن » .
49 ـ عن جابر : « ان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) دعا عليا ( عليه السلام ) وهو محاصر الطائف ، فكان القوم استشرفوا لذلك وقالوا : لقد طال نجواك له منذ اليوم فقال : ما أنا انتجيته ولكن الله انتجاه » (1) .
50 ـ عن ابن عباس قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) :
« أحبوا الله لما يغدوكم به من نعمة ، وأحبوني لحب الله وأحبوا أهل بيتي لحبي » (2) .
51 ـ أخبرنا يحيى بن العلا الرازي ، عن عمه سعيد بن خالد ، عن أبي إسحاق ، عن هبيرة بن بريم قال :
« خطبنا الحسن بن علي ( عليهما السلام ) صبيحة قتل علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) فقال : لقد فارقكم الليلة رجل لم يسبقه الأولون ولم يدركه الآخرون بعلم ، ولقد صعد بروحه في الليلة التي صعد فيها بروح يحيى بن زكريا كان رسول الله يبعثه في البعث ، فيكتنفه جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن يساره ، فلا ينثني حتى يفتح الله عز وجل عليه ، ما ترك صفراء ولا بيضاء إلا سبعمائة درهم فضلت من عطائه ، أراد ان يبتاع بها خادما لأهله » (3) .
52 ـ قال : حدثنا المطلب بن زياد ، قال : حدثنا السدي ، عن عبد خير ، عن
____________
(1) رواه بهذا اللفظ وغيره : الترمذي في صحيحه 5 : 639 ، ابن المغازلي : 24 ، والشافعي في المناقب : 164 ، والخزاعي في أربعينه ح 26 ، الحسكاني في شواهد التنزيل 2 : 230 ، والخوارزمي في المناقب : 82 ، والخطيب في تاريخ بغداد 7 : 402 ، وابن الجوزي في تذكرة الخواص : 42 .
(2) رواه الصدوق في الأمالي : 298 ، علل الشرايع 1 : 139 ، والشيخ في الأمالي 1 : 285 .
أقول : مر مثله تحت أرقام : 96 و 240 .
(3) ذكر مثله في البحار 43 : 361 .

( 363 )

أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) في قول الله عز وجل : ( إنما أنت منذر ولكل قوم هاد ) (1) قال :
« المنذر النبي ( صلى الله عليه وآله ) والهادي رجل من بني هاشم ، يعني نفسه » (2) .
53 ـ حدثنا عبيدالله المسعودي وهو عبيدالله بن الزبير عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفر ، عن ابن عباس قال :
« كنت على الباب يوم الشورى فسمعت علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) يقول : أنشدكم الله أيها النفر جميعا أفيكم من قال له رسول الله : اللهم وال من والاه وعاد من عاداه غيري ؟ قالوا : اللهم لا . »
54 ـ قال : حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري ، قال : حدثنا عبد الله بن محمد ابن عيسى ، قال : حدثنا أبي ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن ابن مسكان ، عن عمار بن يزيد ، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد ( عليه السلام ) قال :
« لما نزل رسول الله بطن قديد قال لعلي بن أبي طالب ( عليه السلام ) : يا علي اني سألت الله عز وجل ان يوالي بيني وبينك ففعل ، وسألته أن يوحي بيني وبينك ففعل ، وسألته أن يجعلك وصيي ففعل ، فقال رجل من القوم : والله لصاع من تمرشن بال خير مما سأل محمد ربه ، هلا سأله ملكا يعضده على عدوه أو كنزا يستعين به على حاجته ، فأنزل الله تعالى : ( فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك وضائق به صدرك أن يقولوا لولا انزل عليه كنز أو جاء معه ملك إنما أنت نذير والله على كل شيء وكيل ) » (3) .
55 ـ قال : حدثنا إبراهيم بن هاشم ( رحمه الله ) ، عن القاسم بن يحيى ، عن جده الحسن بن راشد ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال :
« قلت : جعلت فداك للمسلمين عيد غير العيدين ؟ قال : نعم يا حسن أعظمها
____________
(1) الرعد : 7 .
(2) رواه ابن شهر آشوب في مناقبه 1 : 567 عن الثعلبي ، عنه البحار 35 : 399 .
(3) رواه الشيخ في أماليه 1 : 106 .

( 364 )

وأشرفها ، قال : قلت [ له ] (1) وأي يوم هو ؟ قال : يوم نصب أمير المؤمنين ( عليه السلام ) علما للناس ، قال : [ قلت ] (2) جعلت فداك وأي يوم هو ؟ قال : إن الأيام تدور وهو يوم ثمانية عشر من ذي الحجة .
قال : قلت : جعلت فداك وما ينبغي [ لنا ] (3) ان نصنع فيه ؟ قال : تصومه يا حسن وتكثر الصلاة فيه على محمد وأهل بيته وتتبرأ إلى الله ممن ظلمهن [ وجحدهم ] (4) حقهم ، فان الأنبياء ( عليهم السلام ) كانت تأمر الأوصياء باليوم الذي [ كان ] (5) يقام فيه الوصي ان يتخذ عيدا ، قال : قلت : فما لمن صامه منا ؟ قال : صيام ستين شهرا لكم ولا تدع صيام يوم سبعة وعشرين من رجب ، فانه هو اليوم الذي انزلت فيه النبوة على محمد ( صلى الله عليه وآله ) وثوابه مثل ستين شهرا [ لكم ] (6) » (7) .
56 ـ قال : حدثنا أخي أبو الحسن عن شيخه نفطويه ، عن أبي عبد الله الحسين بن أحمد بن خالويه ، عن أبي بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي اللغوي ، عن محمد بن يزيد المبرد قال : سمعت يونس يحدث عن ابن الأعرابي قال : قال الشعبي :
« بينا أنا في بعض أندية (8) العرب أيام بني امية إذا قائل يقول لصاحبه : لا وحق من خصه النبي بوصيته من بين صحبته ، قال : فناديته فأقبل نحوي فقلت له : يا أخا العرب سمعت منك كلمة غريبة في زماننا هذا فصحت بها جهلا منك بعواقبها ، أما تخاف سيوف بني امية ؟ فقال لي : يا شيخ سيف الله تعالى أمضى من سيوفهم حدا ويد الله تعالى أعلا من أيديهم يدا ، فقلت له : من تفضل بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ؟ قال : أفضل والله فرع دوحته (9) والمخترع من طينته وسيف نبوته وحامل رايته وزوج ابنته ومن خصه بوصيته وجعله مولى لامته ، صادم عنه
____________
(1 ـ 6) من ثواب الأعمال .
(7) رواه الصدوق في ثواب الأعمال : 67 ، عنه البحار 97 : 111 .
(8) النادي : جمعه اندية ، مجلس القوم ماداموا مجتمعين فيها .
(9) الدوحة : جمعها دوح ، الشجرة العظيمة المتسعة .

( 365 )

الوعول (1) وناطح (2) دونه الفحول ، حتى علت كلمته وظهرت دعوته ، ذلك علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، فقلت : أفضل منه من سمي صديقا .
فقال : كذبت ورب الكعبة فما صدقه ، بل هرب عنه في القتال ودل على سوء ضميره وقد غشيه الكرب واستكلب لديه الحرب أسلمه لأسنة الحتوف (3) وحدة السيوف ، انهزم والله الصديق عن صدقه ان الفار عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) شيطان مارد ، ليس كما قلت بل والله الفاضل من نام على فراشه ووقاه بنفسه ، مفرج كربه وقاضي دينه ووارث علمه وخليفته على أمته ، مبايع البيعتين صاحب بدر وحنين ، أسد الله ووليه لا البلفاحة الهلباحة أين ابن أبي قحافة .
قال الشعبي : فأمسكت عنه لئلا يسمع كلامه ويكتب بخبره وقلت له : حفظت القرآن ؟ فقال : إي والله وعلمت منه ما أخرق الظلمة إلى النور ، فقلت له : ما تقول في المسح على الخفين ؟ فقال : يا سبحان الله هل يجوز في حكم الله وعدله أن يفرض على جوارح البدن وهي أحياء فرضا معلوما فيشرك معها ميتة فجعل الميت شريكا للحي في فرض معلوم وقد رفع عن الأموات أعمال الأحياء ؟ مثلك يقول هذا ! قال الشعبي : فأرد كلاما ما سمعت قط مثله ، فقلت له : اخبرني من أنت ومن أين أنت ؟ فقال لي : إليك عني ما كنت لاخبر الحتف على نفسي ، وغاب عني فلم أره ( رضي الله عنه ) » .
57 ـ قال : حدثنا الحسن بن علي البصري ، قال : حدثنا محمد بن يحيى ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا الحكم بن ظهير ، عن السدي ، عن أبي صالح قال :
« لما حضرت عبد الله بن العباس الوفاة قال : اللهم إني أتقرب اليك بولاية علي ابن أبي طالب ( عليه السلام ) » .
____________
(1) الوعول : تيوس الجبل ، والمراد بهم الأشراف والرؤوس ، ضرب المثل بها لأنها تأوي رؤوس الجبال .
(2) نطحه : أصابه بقرنه .
(3) الحتف : جمعه الحتوف ، الموت .