الجزء الحادي عشر



( 424 )


( 425 )

بسم الله الرحمن الرحيم

1 ـ قال : حدثني محمد بن الحسن الصفار ، قال : حدثني أحمد بن إسحاق بن سعد ، عن بكر بن محمد الأزدي ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال :
« تجلسون وتتحدثون ؟ قال : قلت جعلت فداك نعم ، قال : ان تلك المجالس أحبها فأحيوا أمرنا [ فرحم الله من أحيى أمرنا ] (1) ، انه من ذكرنا أو ذكرنا عنده فخرج منه مثل جناح الذباب ، غفر الله له ذنوبه ولو كانت أكثر من زبد البحر » (2) .
2 ـ اعتمادا على بعضهم ، قال : حدثنا أبو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب الزراد ، عن أبي محمد الأنصاري ، عن معاوية بن وهب قال :
« كنت جالسا عند جعفر بن محمد ( عليه السلام ) إذ جاء شيخ قد انحنى من الكبر فقال : السلام عليك ورحمة الله وبركاته فقال له أبو عبد الله : وعليك السلام ورحمة الله يا شيخ ادن مني ، فدنا منه وقبل يده وبكى ، فقال له أبو عبد الله ( عليه السلام ) : ما يبكيك يا شيخ ؟
____________
(1) من قرب الاسناد .
(2) رواه الحميري في قرب الاسناد : 26 ، عنه البحار 44 : 282 ، أورده القمي في تفسيره 616 ، عنه البحار 44 : 278 ، أخرجه مع اختلاف ابن قولويه في الكامل : 103 ، والبرقي في محاسنه : 64 .

( 426 )

فقال له : يابن رسول الله أنا مقيم على رجاء منكم منذ نحو من مائة سنة ، أقول هذه السنة وهذا الشهر وهذا اليوم ، ولا أراه فيكم فتلوموني ان أبكي ، قال : فبكى أبو عبد الله ( عليه السلام ) ثم قال : يا شيخ ان اخرت منيتك كنت معنا وإن عجلت كنت [ يوم القيامة ] (1) مع ثقل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فقال الشيخ : ما ابالي ما فاتني بعد هذا يابن رسول الله .
فقال [ له ] (2) أبو عبد الله يا شيخ ان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال : إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا كتاب الله المنزل وعترتي أهل بيتي ، تجيء وأنت معنا يوم القيامة ، ثم قال : يا شيخ ما أحسبك من أهل الكوفة ؟ قال : لا . قال : فمن أين [ أنت ] (3) ؟ قال : من سوادها جعلت فداك ، قال : أين أنت من قبر جدي المظلوم الحسين ( عليه السلام ) ؟ قال : إني لقريب منه ، قال : كيف اتيانك له ؟ قال : اني لأتيه وأكثر .
قال ( عليه السلام ) : يا شيخ دم يطلب الله تعالى به وما اصيب ولد فاطمة ولا يصابون بمثل الحسين ، ولقد قتل ( عليه السلام ) في سبعة عشر من أهل بيته نصحوا لله وصبروا في جنب الله ، فجزاهم الله أحسن جزاء الصابرين ، انه إذا كان يوم القيامة أقبل رسول الله ومعه الحسين ( عليه السلام ) ويده على رأسه يقطر دما فيقول : يا رب سل امتي فيم قتلوا ولدي » (4) .
3 ـ قال : حدثنا محمد بن سليمان ، قال : حدثنا عمي (5) قال :
« لما خفنا أيام الحجاج (6) خرج نفر منا من الكوفة مشردين (7) وخرجت معهم ، فصرنا إلى كربلاء وليس بها موضع نسكنه ، فبينا كوخا على شاطئ الفرات وقلنا : نأوي إليه ، فبينا نحن فيه إذ جاءنا رجل غريب ، فقال : أصير معكم في هذا الكوخ الليلة فإني عابر سبيل ، فأجبناه وقلنا : غريب منقطع به ، فلما غربت الشمس وأظلم الليل أشعلنا ـ وكنا نشعل بالنفط ـ ، ثم جلسنا نتذاكر أمر الحسين ومصيبته
____________
(1 و 2 و 3) من الأمالي .
(4) رواه الشيخ في أماليه 1 : 163 .
(5) في الاصل : عمر .
(6) في الأمالي : الحج .
(7) في الأمالي : مستترين ، أقول : شرده : طرده ونفره .

( 427 )

وقتله ومن تولاه ، فقلنا : ما بقي أحد من قتلة الحسين إلا رماه الله ببلية في بدنه ، فقال ذلك الرجل : فأنا كنت فيمن قتله والله ما أصابني سوء وانكم يا قوم تكذبون .
قال : فأمسكنا عنه ، وقل ضوء النفط ، فقام ذلك الرجل ليصلح الفتيلة باصبعه فأخذت النار كفه ، فخرج ونادى حتى ألقى نفسه في الفرات يتغوص به ، فوالله لقد رأيناه يدخل نفسه (1) في الماء والنار على وجه الماء ، فإذا أخرج رأسه سرت النار إليه ، فيغوصه إلى الماء ثم يخرجه فتعود إليه ، فلم يزل دأبه ذلك حتى هلك » (2) .
4 ـ أخبرنا أبو الفضل محمد بن محمد بن الحسين العلوي ، قال : أنشدني أبو الخير الفارسي فيما أجاز لي وكتب لي بخطه ، قال : أنشدني كامل بن أحمد ، قال : أنشدني ابن بكران ، قال : أنشدني ابن حلاج ، قال : أنشدني أبو العباس المصري ، قال : أنشدني منصور الفقيه لنفسه :

« إن كان حبي خمسة * زكت بهـم فرائضــي
وبغض من عاداهـم * رفضا فاني رافضي » .

5 ـ عن المنهال بن عمرو ، عن زر بن حبيش ، عن حذيفة قال : قالت لي امي : متى عهدك بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) ؟ فقلت : مالي به عهد ، قال : فنالت (3) مني ، قال : قلت : دعيني فاني سيأتي النبي فيستغفر لي ذلك ، قال :
« فأتيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فصليت معه المغرب ، قال : فصلى ما بين المغرب والعشاء .
ثم انصرف فتبعته فبينا هو يمشي إذ عرض له عارض ، ثم مضى فتبعته ، فالتفت فقال : من هذا ؟ فقلت : حذيفة ، فقال : ما جاء بك ؟ فأخبرته بالذي قالت امي وقلت لها ، فقال : غفر الله لك يا حذيفة ولامك ، ما رأيت العارض الذي عرض لي ؟ قلت : بلى بأبي أنت وامي ، قال : جاءني ملك من الملائكة لم يهبط إلى الأرض قبل ليلتي هذه فاستأذن ربه عز وجل أن يسلم علي ، فبشرني ان الحسن والحسين
____________
(1) في الأمالي : رأسه .
(2) رواه الشيخ في أماليه 1 : 164 .
(3) نال من فلان : وقع فيه .

( 428 )

سيدا شباب أهل الجنة وان فاطمة سيدة نساء أهل الجنة » (1) .
6 ـ قال : حدثنا معاذ بن عمار ، قال : حدثني أبي ، عن جدي قال :
« سمعت أمير المؤمنين عليا ( عليه السلام ) يقول على المنبر : ما أصبت منذ وليت على هذا إلا قوصرة (2) أهداها إلي الدهقان ـ بضم الدال ـ ثم نزل إلى بيت المال ، فقال : خذوا خذوا وقسمه ، ثم تمثل بقول الشاعر :

أفلح من كانت له قوصرة * يأكل منها كل يوم مرة »

7 ـ حدثنا العباس بن بكار والفضل بن عبد الوهاب والحكم بن أسلم وبشر بن مهران قالوا : حدثنا شريك بن سلمة بن كهيل ، عن الصنايجي ، عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) :
« يا علي إنما أنت بمنزلة الكعبة تؤتى ولا تأتي ، فإن أتاك هؤلاء القوم فسلموا لك [ هذا ] (3) الأمر فاقبله منهم ، وإن لم يأتوك فلا تأتهم ( حتى يأتوا الله ) (4) » (5) .
8 ـ عن عبد الله بن عباس قال :
« كنا جلوسا عند رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال : من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه ، وإلى نوح في سلمه ، وإلى إبراهيم في حلمه ، وإلى موسى في فطنته ، وإلى داود في زهده ، فلينظر إلى هذا ، فإذا علي بن أبي طالب قد أقبل كأنما ينحدر من صبب (6) » (7) .
9 ـ قال : حدثنا أبو عوانة ، عن الحسين بن علي ، عن عبد الرزاق ، عن أبيه ، عن مينا مولى عبد الرحمان بن عوف ، عن عبد الله بن مسعود قال :
« قلت للنبي ( صلى الله عليه وآله ) : يارسول الله من يغسلك إذا مت ؟ قال : يغسل كل نبي
____________
(1) أورده ابن شهرآشوب في مناقبه 3 : 394 عن حلية الأولياء ، عنه البحار 43 : 292 .
(2) القوصرة : وعاء من قصر يجعل فيه التمر ونحوه .
(3) من البحار .
(4) ليس في البحار .
(5) رواه في البحار 40 : 78 عن ابن شيرويه الديلمي .
(6) الصبب : ما انحدر من الأرض أو الطريق .
(7) رواه في البحار 39 : 36 عن إكمال الدين : 16 ، رواه المفيد في أماليه : 14 .

( 429 )

وصيه ، قلت : فمن وصيك يارسول الله ؟ قال : علي بن أبي طالب ، قلت : كم يعيش بعدك يارسول الله ؟ قال : ثلاثين سنة ، فان يوشع بن نون وصي موسى عاش من بعده ثلاثين سنة وخرجت عليه صفوراء بنت شعيب زوجة موسى فقالت : أنا أحق بالأمر منك ، فقاتلها فقتل مقاتلها واسرها فأحسن أسرها ، وان ابنة أبي بكر ستخرج على علي ( عليه السلام ) في كذا وكذا الفا من امتي فيقاتلها ، فيقتل مقاتلها ويأسرها فيحسن أسرها وفيها انزل الله عز وجل : ( وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الاولى ) (1) ، يعني صفراء ابنة شعيب » (2) .
10 ـ قال : حدثنا حمدان بن سليمان ، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع ، عن حيان السراج ، قال : سمعت السيد إسماعيل بن محمد الحميري يقول :
« كنت أقول بالغلو واعتقد غيبة محمد بن علي بن الحنفية ( رضي الله عنه ) ، قد ضللت في ذلك زمانا ، فمن الله جل وعز علي بالصادق جعفر بن محمد ( عليه السلام ) وأنقذني به من النار وهداني إلى سواء الصراط ، فسألته بعد ما صح عندي بالدلائل التي شاهدتها منه أنه حجة الله علي وعلى جميع أهل زمانه ، وانه الامام الذي فرض الله جل وعز طاعته وأوجب الاقتداء به .
فقلت له : يابن رسول الله قد روى لنا أخبار عن آبائك ( عليهم السلام ) في الغيبة وصحة كونها فأخبرني بمن تقع ؟ فقال ( عليه السلام ) : ان الغيبة حق ستقع بالسادس من ولدي وهو الثاني عشر من الأئمة الهداة بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، أولهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) وآخرهم القائم بالحق ، بقية الله في أرضه وصاحب الزمان ، والله لو بقي في غيبته ما بقي نوح في قومه لم يخرج من الدنيا حتى يظهر ، فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما .
قال السيد : فلما سمعت ذلك من مولاي الصادق جعفر بن محمد ( عليه السلام ) تبت إلى الله عز وجل على يديه ، وقلت قصيدتي التي أولها :
____________
(1) الأحزاب : 32 .
(2) رواه في البرهان 3 : 308 .

( 430 )

تجعفرت باسم الله والله أكبــر * وأيقنت ان الله يعفــو ويغفـر

ودنت بدين غير ما كنـت دينـا * بـه ونهانـي واحد الناس جعفر

فقلت : فهبني قد تهودت برهـة * وإلا فدينـي دين من يتنصــر

فاني إلى الرحمان من ذاك تائب * وإني قد أسلمـت والله أكبــر

فلست بغـال ما حييت وراجـع * إلى ما عليـه كنت أخفي وأظهر

ولا قائلا حـي برضـوى محمد * وإن عـاب جهال مقالي وأكثروا

ولكنه ممن مضــى لسبيلــه * على أفضل الحالات يقفوا ويخبر

مع الطيبين الطاهرين الاولى لهم * من المصطفى فرع زكي وعنصر

إلى آخر القصيدة ، وقلت بعد ذلك :

أيا راكبا نحو المدينــة جســرة * عذافرة (1) يطوى بها كل سبسب (2)

إذا ما هداك الله عـاينت جعفــرا * فقـل لأميــن الله (3) وابن المهذب

[ ألا يا أمين الله وابــن أمينــه * أتــوب إلى الرحمن ثم تأوبي ] (4)

إليك رددت الأمر غيــر مخالـف * وفئت إلى الرحمان من كل مذهب (5)

سوى ما تراه يابــن بنت محمـد * فــان بـه عقدي وزلفـي تقربـي

وما كان قولي في ابن خولة مطنبـا * معاندة منـي لنســل المطـيــب

ولكن روينا عن وصــي محمــد * ومــا كــان فيمــا قال بالمتكذب

بأن ولي الأمـر يفقــد لا يــرى * سنيــن كمثل الخائـف المترقب (6)

فتقســم أمـوال الفقيــه كأنمـا * تغيـبــه بين الصفيــح المنصب

____________
(1) العذافرة : العظمة الشديدة في الابل .
(2) السبسب : المفازة أو الأرض المستوية البعيدة .
(3) في البحار : لولي الله .
(4) من البحار .
(5) في البحار : إليك من الأمر الذي كنت مبطنا * أحارب فيه جاهدا كل معرب .
(6) في البحار : ولي الله ، كفعل .

( 431 )

فيمكـث حينــا ثم يشرق شخصه * مضيئا بنور العدل إشراق كوكب (1)

يسير بنصـر الله من بيـت ربه * على قـدر ما يأتي (2) وأمر مسبب

يسيــر إلى أعدائـه بلوائــه * فيقتـل فيهـم قتل حـران مغضب

فلما رأوا ان ابن خولــة غائب * صرفنا إليــه قولنــا لا نكـذب

وقلنـا هو المهدي والقائـم الذي * يعيـش بجدوى عدله كل مجدب (3)

فإذ قلت : لا فالقول قولك والذي * أمرت فحتم غيـر مــا متعصـب

فاشهـد ربـي ان قولك حجـة * على النـاس طرا من مطيع ومذنب

وان ولـي الأمــر أول قائـم * سيظهــر اخـرى الدهر بعد ترقب

له غيبة لابد مـن أن يغيبهــا * فصلـى عليــه الله من متغيــب

فيمكث حينا ثـم يظهــر بعده * فيمــلأ عدلا كـل شرق ومغـرب

بذاك أدين الله سـرا وجهــرة * ولست وإن عوتبــت فيه بمعتب (4)

وكان حيان السراج الراوي لهذا الحديث من الكيسانية » .
11 ـ قال : حدثنا محمد بن فليح ، عن موسى بن عقبة ، عن محمد بن شهاب الزهري قال :
« لما قدم جعفر بن أبي طالب ( عليه السلام ) من بلاد الحبشة بعثه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى مؤتة واستعمل على الجيش ، معه زيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة ، فمضى الناس معهم حتى كانوا بتخوم البلقاء فلقيهم جموع هرقل من الروم والعرب ، فانحاز المسلمون إلى قرية يقال لها : مؤتة ، فالتقى الناس عندها واقتتلوا قتالا شديدا ، وكان اللواء يومئذ مع زيد بن حارثة فقاتل [ به ] (5) حتى شاط في رماح القوم ،
____________
(1) في البحار :

فيمكث حينا ثم ينبع نبعة * كنبعة جدي من الافق كوكب

(2) في البحار : علس سؤدد منه .
(3) في البحار : يعيش به من عدله .
(4) رواه في البحار 47 : 318 ، مجالس المؤمنين 2 : 506 .
(5) من الأمالي .

( 432 )

ثم أخذه جعفر فقاتل به قتالا شديدا ، ثم اقتحم عن فرس [ له ] (1) شقراء ، فعقرها وقاتل حتى قتل [ قال ] (2) وكان جعفر أول رجل من المسلمين عقر فرسه في الاسلام ، ثم أخذ اللواء عبد الله بن رواحة ، فقاتل حتى قتل ، فأعطى المسلمون اللواء بعدهم إلى خالد بن الوليد ، فناوش القوم وراوغهم ثم انحاز بالمسلمين منهزما ، ونجا بهم من الروم ، وأنفذ رجلا من المسلمين ، يقال له : عبد الرحمان بن سمرة إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) بالخبر .
فقال عبد الرحمان : فصرت إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، فلما وصلت [ إلى ] (3) المسجد قال لي رسول الله : على رسلك يا عبد الرحمان ، ثم قال ( صلى الله عليه وآله ) : أخذ اللواء زيد ، فقاتل به فقتل رحم الله زيدا ، ثم أخذ اللواء جعفرا فقاتل وقتل فرحم الله جعفرا ، ثم أخذ اللواء عبد الله بن رواحة فقاتل وقتل فرحم الله عبد الله .
قال : فبكى أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وهم حوله ، فقال لهم النبي : فما يبكيكم ؟ فقالوا : وما لنا لا نبكي وقد ذهب خيارنا وأشرافنا وأهل الفضل [ منا ] (4) ، فقال لهم ( صلى الله عليه وآله ) : لا تبكوا فانما مثل امتي كمثل حديقة قام صاحبها فأصلح رواكبها وبنى مساكنها وحلق سعفها ، فأطعمت عاما فوجا ثم عاما فوجا فلعل آخرها طعما أن يكون أجودها قنوانا وأطولها شمراخا ، أم والذي بعثني بالحق نبيا ليجدن عيسى بن مريم في امتي خلقا من حواريه ، قال : وقال كعب بن مالك يرثي جعفر بن أبي طالب و [ عن ] (5) المستشهدين معه ، فقال :

نام (6) العيون ودمـع عينـك يهمل * سحا (7) كما وكف الطباب (8) المخضل

وكأن ما بيـن الجوانــح والحشــا * ممــا تأوينــي شهــاب مدخـل

وجدا على النفــر الذيــن تتابعـوا * يومــا بمؤتــة أسندوا لم ينقلوا (9)

____________
(1 ـ 4) من الأمالي .
(5) من الأمالي .
(6) في الأمالي : هدت .
(7) سح الماء : صبه صبا متتابعا غزيرا .
(8) في الأمالي : الضباب . أقول : الطبابة : القطعة المستطيلة من الثوب أو السجاب أو الجلد أو الأرض .
(9) في الأمالي : لم يغفلوا .

( 433 )

فتغير القمـر المنيــر لفقــده (1) * والشمس قــد كسفت وكــادت تأفل

قـوم عــلا بنيانــه من هاشــم * فـرعــا أشــم وسؤددا ما ينقل (2)

قوم بهم عصــم الإلــه عبــاده * وعليهــم نــزل الكتــاب المنزل

وبهديهم رضـــي الإلـه لخلقــه * وبجهدهم نصــر النبـي المرســل

بيض الوجوه تـرى بطون أكفهــم * تندى إذ أغبر الزمان الممحل (3) » (4)

12 ـ قال : حدثنا أبو سعيد الخدري قال : « لما كان يوم احد شج (5) النبي ( صلى الله عليه وآله ) في وجهه وكسرت رباعيته ، فقام ( صلى الله عليه وآله ) رافعا يديه يقول : ان الله اشتد غضبه على اليهود أن قالوا : عزير ابن الله ، واشتد غضبه على النصارى ان قالوا : المسيح ابن الله ، وان الله اشتد غضبه على من أراق دمي وآذاني في عترتي » (6) .
13 ـ قال : حدثنا أحمد بن عبد الجبار ، قال : حدثنا بشر بن بكر ، عن محمد بن إسحاق ، عن مشيخته قال :
« لما رجع علي بن أبي طالب من احد ناول فاطمة سيفه ، وقال :

أفاطم هاك السيف غيــر ذميـم * فلست بــرعديـد (7) ولا بلئيــم

لعمري لقد أعذرت في نصر أحمد * ومرضــاة رب للعبــاد رحيــم

قال : وسمع في يوم احد وقد هاجت ريح عاصف كلام هاتف يهتف وهو يقول :

لا سيـــف إلا ذو الفقــار * ولا فـــتـــى إلا عـلــي

وإذا نــدبتـــم هالـكــا * فــابكوا الوفي أخـــا الوفي » (8)

____________
(1) في الأمالي : لفقدهم .
(2) في الأمالي :

قوم على بنيانهم من هاشم * فرع اشم وسؤدد ما ينقلوا

(3) امحل المكان : أجدب .
(4) رواه الشيخ في أماليه 1 : 141 .
(5) شج الرأس : جرحه وكسره .
(6 و 8) رواه الشيخ في أماليه 1 : 142 .
(7) الرعديد : الجبان الكثير الارتعاد .

( 434 )

14 ـ قال : حدثنا محمد بن عثمان ، عن أبي عبد الله الأسلمي ، عن موسى بن عبد الله الأسدي قال :
« لما انهزم أهل البصرة أمر علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) أن تنزل عائشة قصر ( ابن ) (1) أبي خلف ، فلما نزلت جاءها عمار بن ياسر ( رضي الله عنه ) فقال لها : يا ام (2) كيف رأيت ضرب بنيك دون دينهم بالسيف ؟ فقالت : استبصرت يا عمار من أجل (3) انك غلبت ، قال : أنا أشد استبصارا من ذلك ، أم والله لو ضربتمونا حتى تبلغونا سعفات (4) هجر لعلمنا إنا على الحق وانكم على الباطل ، فقالت له عائشة : هكذا نحيل (5) إليك اتق الله يا عمار ، فان سنك قد كبر ودق عظمك وفنى أجلك وأذهبت دينك لابن أبي طالب .
فقال عمار : إني والله اخترت لنفسي في أصحاب رسول الله فرأيت عليا أقرأهم بكتاب (6) الله عز وجل وأعلمهم بتأويله وأشدهم تعظيما لحرمته وأعرفهم بالسنة [ مع ] (7) قرابته من رسول الله وعظم عنائه وبلائه في الاسلام ، فسكتت » (8) .
15 ـ عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله )
« لن تذهب ـ أو لن تنقضي ـ الأيام حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي » (9) .
____________
(1) ليس في الأمالي .
(2) في الأمالي : امة .
(3) في الأمالي : اجلي .
(4) السعفة : جريد النخل .
(5) في الأمالي : يخيل .
(6) في الأمالي : لكتاب الله .
(7) من الأمالي .
(8) رواه الشيخ في أماليه 1 : 143 .
(9) رواه الگنجي الشافعي في أخبار صاحب الزمان : 481 ، وللحديث بهذا اللفظ أو غيره مصادر كثيرة في كتب أهل السنة ذلك بعضها : مشكاة المصابيح : 1123 ، حلية الأولياء 5 : 75 ، صحيح الترمذي 2 : 36 ، مسند أحمد بن حنبل 1 : 376 ، تاريخ الخطيب البغدادي 4 : 388 ، كنز العمال 7 : 188 ، ينابيع المودة : 520 ، سنن أبي داود 2 : 207 .

( 435 )

المستدرك

نقل السيد ابن طاووس ( قدس سره ) في كتاب المضمار في أعمال شهر رمضان ، خطبة النبي ( صلى الله عليه وآله ) في آخر شعبان ، عن كتاب بشارة المصطفى ( صلى الله عليه وآله ) ، وحيث لم يوجد هذه الخطبة في النسخ الموجودة من هذا الكتاب ، ذكرناها هنا ، قال السيد :
ومن ذلك ما رواه محمد بن أبي القاسم الطبري في كتاب بشارة المصطفى لشيعة المرتضى ( عليهما السلام ) باسناده إلى الحسن بن علي بن فضال ، عن علي بن موسى الرضا ، عن أبيه موسى بن جعفر ، عن أبيه جعفر بن محمد ، عن أبيه محمد بن علي ، عن أبيه علي بن الحسين ، عن أبيه السيد الشيهد الحسين بن علي ، عن أبيه سيد الوصيين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليهم السلام ) قال : ان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) خطبنا ذات يوم فقال :
« أيها الناس انه قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة ، شهر هو عند الله أفضل الشهور ، وأيامه أفضل الأيام ، ولياليه أفضل الليالي ، وساعاته أفضل الساعات ، وهو شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله ، وجعلتم فيه من أهل كرامة الله ، أنفاسكم فيه تسبيح ، ونومكم فيه عبادة ، وعملكم فيه مقبول ، ودعاؤكم فيه مستجاب .
فاسألوا الله ربكم بنيات صادقة وقلوب طاهرة ، ان يوفقكم الله لصيامه وتلاوة كتابه ، فان الشقي من حرم غفران الله في هذا الشهر العظيم ، اذكروا بجوعكم وعطشكم فيه جوع يوم القيامة وعطشه ، وتصدقوا على فقرائكم ومساكينكم ،


( 436 )

ووقروا كباركم ، وارحموا صغاركم ، وصلوا أرحامكم ، واحفظوا ألسنتكم ، وغضوا عما لا يحل النظر إليه أبصاركم ، وعما لا يحل الاستماع إليه اسماعكم ، وتحننوا على ايتام الناس يتحنن على ايتامكم ، وتوبوا إلى الله من ذنوبكم .
وارفعوا إليه أيديكم بالدعاء في أوقات صلواتكم ، فانها أفضل الساعات ، ينظر الله عز وجل فيها بالرحمة إلى عباده ، ويجيبهم إذا ناجوه ، ويلبيهم إذا نادوه ويستجيب لهم إذا دعوه .
أيها الناس ان انفسكم مرهونة بأعمالكم ففكوها باستغفاركم ، وظهوركم ثقيلة من أو زاركم فخففوها بطول سجودكم ، واعلموا ان الله عز وجل ذكره أقسم بعزته ان لا يعذب المصلين والساجدين ، وان لا يروعهم بالنار يوم يقوم الناس لرب العالمين ، أيها الناس من فطر منكم صائما مؤمنا في هذا الشهر كان له بذلك عند الله عتق رقبة ومغفرة لما مضى من ذنوبه .
فقيل : يارسول الله وليس كلنا نقدر على ذلك ؟ فقال ( صلى الله عليه وآله ) :
اتقوا النار ولو بشق تمرة ، اتقوا النار ولو بشربة من ماء أيها الناس ! من حسن منكم في هذا الشهر خلقه كان له جواز على الصراط يوم تزل فيه الأقدام ، ومن خفف منكم في هذا الشهر عما ملكت يمينه خفف الله عليه حسابه ، ومن كف فيه شره كف الله عنه غضبه يوم يلقاه ، ومن أكرم فيه يتيما أكرمه الله يوم يلقاه ، ومن وصل فيه رحمه وصله الله برحمته يوم يلقاه ، ومن قطع فيه رحمه قطع الله عنه رحمته يوم يلقاه ، ومن تطوع فيه بصلاة كتب الله له براءة من النار ، ومن ادى فيه فرضا كان له ثواب من ادى سبعين فريضة فيما سواه من الشهور ، ومن أكثر فيه من الصلاة علي ثقل الله ميزانه يوم تخف الموازين ، ومن تلا فيه آية من القرآن كان له مثل أجر من ختم القرآن في غيره من الشهور .
أيها الناس ! ان أبواب الجنان في هذا الشهر مفتحة فاسألوا ربكم ان لا يغلقها عليكم ، وأبواب النيران مغلقة ، فاسألوا ربكم أن لا يفتحها عليكم ، والشياطين مغلولة فاسألوا ربكم ألا يسلطها عليكم .


( 437 )

قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه : فقمت وقلت : يارسول الله ! ما أفضل الأعمال في هذا الشهر ؟ فقال : يا أبا الحسن ! أفضل الأعمال في هذا الشهر الورع عن محارم الله عز وجل ، ثم بكى ، فقلت : يارسول الله ! ما يبكيك ؟ فقال : يا علي ! لما يستحل منك في هذا الشهر ، كأني بك وأنت تصلي لربك وقد انبعث أشقى الأولين والآخرين ، شقيق عاقر ناقة ثمود ، فيضربك ضربة على قرنك تخضب منها (1) لحيتك .
قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فقلت : يارسول الله ! وذلك في سلامة من ديني ؟ فقال ( عليه السلام ) : في سلامة من دينك .
ثم قال : يا علي ! من قتلك فقد قتلني ، ومن أبغضك فقد أبغضني ، ومن سبك فقد سبني ، لأنك مني كنفسي ، روحك من روحي ، وطينتك من طينتي ، ان الله عز وجل خلقني واياك ، واصطفاني واياك ، واختارني للنبوة واختارك للإمامة ، فمن أنكر إمامتك فقد أنكر نبوتي ، يا علي أنت وصيي وأبو ولدي وزوج ابنتي وخليفتي على امتي في حياتي وبعد موتي ، أمرك أمري ونهيك نهي ، أقسم بالذي بعثني بالنبوة وجعلني خير البرية إنك حجة الله على خلقه وأمينه على سره وخليفته في عباده » (2) .
____________
(1) بها ( خ ل ) .
(2) اقبال الاعمال 1 : 1 ، ورواه الصدوق في أماليه : 84 ، فضائل الأشهر الثلاثة : 77 ، عيون الأخبار 1 : 295 ، عنهم الوسائل 10 : 313 ، وأخرجه مختصرا في الكافي 4 : 67 ، التهذيب 3 : 57 و 152 ، الفقيه 2 : 58 .