(وفيها إحدى عشرة آية)
(وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)
الزخرف/ 28
روى الحافظ سليمان القندوزي (الحنفي) بإسناده عن علي بن أبي طالب (كرّم الله وجهه) أنّه قال:
فيما نزل قول الله عزّ وجلّ:
(وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ).
أي: جعل الإمامة في عقب الحسين إلى يوم القيامة (1).
(أقول): ظاهر الآية رجوع ضمير (عقبه) إلى بني الله وإبراهيم الخليل (عليه السلام) ولكن لا مانع من أنْ يكون في تأويل الآية، رجوع الضمير إلى الحسين (عليه السلام) فما دام للقرآن ظهر وبطن، ولبطنه بطن، وهكذا. وما دام ثبت بمتواتر الأحاديث أنّ الظاهر والباطن مرادان لله تعالى، وما دام علي بن أبي طالب هو أعلم الناس بالقرآن، تنزيلاً وتأويلاً؛ لقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم)، فيما رواه عنه أنس: (علي يعلّم الناس بعدي من تأويل القرآن ما لا يعلمون)
(2).
بعد هذا كلّه، تكون النتيجة أن هذه الآية نزلت في أولاد علي من صلب ابنه الحسين، جعل الله فيهم الإمامة إلى يوم القيامة.
(أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ)
الزخرف/ 40
هو تارك ولاية علي (عليه السلام)
روى العلاّمة البحراني (قده) عن أبي صالح عن ابن عباس ـ في حديث قال:
(من ترك ولاية علي، أعماه الله، وأصمّه عن الهدى) (3).
(أقول): الأحاديث بهذا المعنى كثيرة ومتواترة.
فتارك ولاية علي (أصم) لا يسمع هداية النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) وتارك ولاية علي (عليه السلام) (أعمى) لا يبصر هداية النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم).
(فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ * أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْناهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ * فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ)
الزخرف/ 41 ـ 44
روى الحافظ الحاكم الحسكاني (الحنفي) قال: أخبرنا عبد الرحمن بن علي بن محمد البزاز (بإسناده المذكور) عن جابر بن عبد الله الأنصاري (رضي الله عنه) قال: إنّي لأدناهم من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) في حجّة الوداع بمنى حين قال (صلى الله عليه وآله وسلّم):
(لا ألفينكم ترجعون بعدي كفاراً، يضرب بعضُكم رقاب بعض، واَيم الله، لئن فعلتموها، لتعرفنني في الكتيبة التي تضاربكم).
ثم التفت (صلى الله عليه وآله وسلّم) إلى خلفه فقال:
(أو علي، أو علي) ثلاثاً.
فرأينا أنّ جبرئيل غمزه (صلى الله عليه وآله وسلّم)، وأنزل الله على إثر ذلك:
(فإمّا يذهبن بك فإنّا منهم (أي من الظالمين) منتقمون، بعلي بن أبي طالب.
(فاستمسك بالذي أوحي إليك) من أمر علي.
(إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ).
وإنّ علياً لعلم للساعة (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ) (يعني) عن محبة علي بن أبي طالب
(4).
(أقول): هذه القطع المذكورة أثناء الآيات تفسير لها، وليست من القرآن، فالقرآن لم يُحرف، فلم ينقص منه حرف، ولم يزد فيه حرف أبداً كما عليه المحققون من العلماء.
قوله: (فرأينا أنّ جبرئيل غمزه) يعني: أنّنا فسرنا التفات رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) إلى خلفه، ثم تغيير أسلوب كلامه فوراً حتى قال (أو علي، أو علي، أو علي) إلى أنْ جبرئيل هو الذي غمز النبي، فالتفت النبي إليه، وقال للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم): أو علي، فقاله النبي لأصحابه.
* * * * *
وأخرج عالم (الحنفية) الحافظ سليمان القندوزي، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال:
نزل قوله تعالى:
(فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ).
في علي بن أبي طالب، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم):
إنّه ينتقم من الناكثين والقاسطين بعدي (5).
* * * * *
وأخرج نحواً من ذلك العديد من الحفّاظ والأثبات:
(منهم): الحافظ الشافعي، أبو الحسن بن المغازلي في مناقبه (6).
(ومنهم): المفسّر الشافعي، جلال الدين بن أبي بكر السّيوطي في تفسيره (7).
(ومنهم): الحاكم النيسابوري، قال في مستدركه:
إنّه (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال في حجة الوداع في خطبته: (لأُ قاتلن العمالقة في كتيبة).
فقال له جبرئيل: أو علي.
فقال (صلى الله عليه وآله وسلّم): (أو علي بن أبي طالب) (8).
ولم ينقل ربط القضية بالآية الكريمة، لكن وحدة القضية تعطي ذلك لرواية غيره كامل القصة.
(وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِن)
الزخرف/ 45
روى العلاّمة (الحنفي) موفّق بن أحمد الخوارزمي في كتابه عن فضائل علي بن أبي طالب (عليه السلام) ضمن روايات المعراج عن شهردار إجازة بسنده المذكور عن عبد الله بن مسعود في تفسير قوله تعالى:
(وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِن).
قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم):
يا عبد الله أتاني ملك فقال يا محمد: سل من أرسلنا من قبلك من رسلنا علام بعثوا؟
قال: قلت: علام بعثوا؟
قال: على ولايتك، وولاية علي بن أبي طالب (9).
* * * * *
وأخرج أبو الحسن الفقيه بن شاذان في مناقبه المائة من طرق العامة نحواً منه، بسنده عن ابن عباس أيضاً
(10).
(فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ...)
الزخرف/ 55
أخرج الحافظ سليمان القندوزي (الحنفي) بسنده المذكور عن أبي جعفر الباقر (رضي الله عنه) عند ذكر هذه الآية قال:
فالله جلّ شأنُه وعظُم سلطانُه، ودام كبرياؤه، أعزّ وأرفعُ وأقدسُ من أنْ يعرض له أسف، لكن أدخل ذاته الأقدس فينا أهل البيت، فجعل أسفنا أسفه فقال:
(فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ...) (11).
(أقول): هذه الآية وإنْ كانت واردة في آل فرعون، لكنّ تأويلها هو في ظالمي أهل البيت، وأهل البيت أدرى بما نزل في بيتهم، وهم أعلم بتأويل القرآن.
(وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ * وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ * إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرَائِيلَ)
الزخرف/ 57 ـ 59
روى العلاّمة البحراني عن الحافظ أبي نعيم في كتابه الموسوم بـ (بنزول القرآن في علي) قال:
قوله تعالى: (وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ).
عن ربيعة بن تاجر قال: سمعت علياً يقول: فيّ نزلت هذه الآية (12).
* * * * *
وروى هو أيضاً عن محمد بن العباس (بإسناده المذكور) عن ابن عباس قال:
بينما النبي في نفر من أصحابه إذ قال (صلى الله عليه وآله وسلّم):
(الآن يدخل عليكم نظير عيسى ابن مريم في أمتي).
فدخل أبو بكر الصديق فقالوا: هو هذا؟ فقال (صلى الله عليه وآله وسلّم): لا.
فدخل عمر، فقالوا: هو هذا؟ فقال (صلى الله عليه وآله وسلّم): لا.
فدخل علي فقالوا: هو هذا؟ فقال (صلى الله عليه وآله وسلّم): نعم.
فقال قوم: لَعبادةُ اللاتِ والعُزى أهون من هذا.
فأنزل الله عزّ وجلّ:
(وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ * وَقالُوا أَ آلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ * إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ وَجَعَلْناهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرائِيلَ) الآيات
(13).
(أقول): قوله (عليه السلام) (في نزلت هذه الآية) يعني: أنّ شأن نزولها كان علي بن أبي طالب، لا أنّ المقصود بعيسى ابن مريم فيها، هو علي بن أبي طالب ـ كما لا يخفى ـ وكان في نزول هذه الآية في هذا المورد، طعناً على القوم بأنّهم نظير اليهود، من قبيل المثل المعروف (ما أشبه الليلة بالبارحة).
وأخرج السيد هاشم البحراني (قده)، في كتابه الصغير، عن مناقب أحمد بن موسى بن مردويه، عن أمير المؤمنين قال:
(قال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم): إنّ فيك مثلاً من عيسى، أحبّه قوم (أي: حبّاً مفرطاً حتى جعلوه إلهاً) فهلكوا فيه، وأبغضه قوم فهلكوا فيه، فقال المنافقون: ما رضي له مثلاً إلاّ عيسى فنزل (قوله تعالى):
(وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ).
أي: من ذلك المثل يعرضون) (14).
* * * * *
وأخرج نحواً منه عديد من علماء المذاهب.
(ومنهم): عالم الأحناف، الحافظ سليمان القندوزي (15).
(ومنهم): عالم الشافعية، الحافظ محب الدين الطبري (16).
(ومنهم): أخطب خطباء خوارزم، الموفّق الحنفي في كتابه، عن فضائل علي بن أبي طالب (17).
وآخرون.
(وفيها ثمان آيات)
(كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها قَوْماً آخَرِينَ)
الدّخان/ 28
روى أبو الحسن الفقيه ابن شاذان ـ في المناقب المائة من طريق العامة، بحذف الإسناد ـ عن قنبر مولى أمير المؤمنين قال:
لمّا كان أمير المؤمنين على شاطئ الفرات، نزع قميصه ودخل (الماء)، فجاءت موجة أخذت القميص، فخرج أمير المؤمنين فلم يجد القميص، فاغتم لذلك غماً شديداً، فإذا بهاتف يهتف:
يا أبا الحسن، اُنظر عن يمينك وخذ ما ترى.
فإذا بمنديل عن يمينه وفيه قميص مطوي، فأخذه ليلبسه فسقطت من جيبه رقعة فيها مكتوب:
(بسم الله الرحمن الرحيم، هدية من الله العزيز الحكيم إلى علي بن أبي طالب، هذا قميص هارون بن عمران كذلك وأورثناها قوماً آخرين)
(18):
(أقول):: قوله: (فاغتمّ لذلك غماً شديداً)، هذا اجتهاد من قنبر، استفاده من كيفية وجه أمير المؤمنين، ولعلّه لا يطابق الواقع، إنّ فقد القميص لا يوجب الغمّ الشديد لمثل أمير المؤمنين (عليه السلام) والمعروف بين العلماء الفقه والحديث، أنّ رواية الراوي حجة، لا درايته، أو يحمل على كون ذلك القميص له أهمية خاصة، ولو بمناسبة الموضع، والمكان ونحوهما.
قوله: (كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها قَوْماً آخَرِينَ) وإن كانت نازلة في وراثة بني إسرائيل لأموال القبطيين، لكن يظهر من هذا الحديث كون تأويل الآية في أمير المؤمنين (عليه السلام) أو منطبقة عليه.
(إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ * فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * يَلْبَسُونَ مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقابِلِينَ * كَذلِكَ وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ * يَدْعُونَ فِيها بِكُلِّ فاكِهَةٍ آمِنِينَ * لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلاَّ الْمَوْتَةَ الأُولى وَوَقاهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ * فَضْلاً مِنْ رَبِّكَ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)
الدخان/ 51 ـ 57
روى الحافظ الحاكم الحسكاني (الحنفي) قال: أخبرنا عقيل (بإسناده المذكور) عن ابن عباس قال (في آية أخرى في وصف المتقين):
هو علي بن أبي طالب، هو والله، سيد من اتقى الله وخافه، اتقاه عن ارتكاب الفواحش، وخافه عن اقتراف الكبائر
(19).
* * * * *
وروى هو أيضاً، قال: أخبرنا منصور بن الحسين (بإسناده المذكور) عن أبي هارون، عن أنس بن مالك، عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال:
(آل محمد كل تقى) (20).
(أقول): يحتمل قراءة (كل تقي) بنحو المبتدأ والخبر بتنوين (كل) والمعنى: كل واحد منهم تقي، ويحتمل قراءته بنحو الإضافة، برفع (كل) بلا تنوين، والمعنى حينئذ أنّ كلّ من يتقي الله هو آل محمد، وهذا لا يكون إلاّ مجازاً، بمعنى الفرد الأتمّ، إذ لا شكّ أنّ كلّ تقي مطلقاً ليس من آل محمد، إلاّ على سبيل (سلمانٌ منّا أهل البيت)، (يا أباذر، أنت منّا أهل البيت) وغيرهما.
(وذكرنا) الآيات السبع كلّها لأنّها بمنزلة مبتدأ وخبر، وموصوف وصفة، لا ينفكان.
(وفيها آيتان)
(أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ)
الجاثية/ 21
أخرج الفخر الرازي، في تفسيره الكبير عند ذكر هذه الآية الكريمة قال: قال الكلبي:
نزلت هذه الآية في علي وحمزة وعبيدة، وفي ثلاثة من المشركين عتبة وشيبة والوليد بن عتبة، قالوا للمؤمنين: والله ما أنتم على شيء ولو كان ما تقولون حقاً لكان حالنا أفضل من حالكم في الآخرة، كما أنا أفضل حالاً في الدنيا:
فأنكر الله عليهم هذا الكلام وبيّن أنّه لا يمكن أنْ يكون حال المؤمن المطيع مساوياً لحال الكافر العاصي في درجات الثواب ومنازل السعادات
(21).
* * * * *
وأخرجه قريباً من هذا المضمون، كلٌّ من الخطيب أبو بكر أحمد بن علي البغدادي في المناقب، وعالم الشافعية مفتي العراقين محمد بن يوسف بن محمد القرشي الكنجي، في الكفاية
(22)، وأخطب خطباء خوارزم، الموفّق بن أحمد الحنفي، في كتابه في مناقب على بن أبي طالب (عليه السلام)
(23) وعلاّمة الهند عبيد الله أمرتسري في أرجح المطالب (24) وغيرهم أيضاً.
(فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ)
الجاثية/ 30
روى الحافظ الحاكم الحسكاني (الحنفي) قال: حدثني علي بن موسى بن إسحاق (بإسناده المذكور) عن عكرمة عن ابن عباس قال:
ما في القرآن آية: (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) إلاّ عليٌّ أميرها وشريفها، وما من أصحاب محمد رجل إلاّ وقد عاتبه الله وما ذكر علياً إلاّ بخير
(25).
(وفيها آيتان)
(وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً)
الأحقاف/ 12
روى العلاّمة البحراني قال:
أسند ابن مردويه ـ وهو من ثقات العامة ـ إلى أبّان بن تغلب، عن مسلم قال: سمعت أبا ذر والمقداد وسلمان يقولون:
كنّا قعوداً عند النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم)، إذ أقبل ثلاثة من المهاجرين فقال (صلى الله عليه وآله وسلّم) تفترق أمتي بعدي ثلاث فرق:
أهل حق لا يشوبونه بباطل، مثلهم كالذهب كلّما فتنته النار، زاد جودة وإمامهم هذا ـ وأشار (صلى الله عليه وآله وسلّم) إلى أحد الثلاثة ـ وهو الذي أمر الله في كتابه، اتباعه، حيث قال: (إماماً ورحمة).
وفرقة أهل باطل لا يشوبونه بحق، مثلهم كمثل الحديد، كلّما فتنته النار، زاد خبثاً وإمامهم هذا.
(وفرقة أهل باطل وحق خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً وإمامهم هذا) (26).
(قال مسلم): فسألتهم (يعني أبا ذر والمقداد وسلمان) عن أهل الحق وأمامهم، فقالوا: علي بن أبي طالب، وأمسكوا عن الآخرين، فجهدت في الآخرين أنْ يسموهما فلم يفعلوا.
ثم قال: (والظاهر أنّ القائل ابن مردويه)، هذه رواية المذهب (27).
(أقول): ولعلّ مسلماً هو الذي أخفى اسم الآخرين لكونه ممّن يودونهما، لا سلمان وأبو ذر والمقداد، فهم أجلُّ شأناً، وأرفعُ إيماناً منْ أنْ يكتموا الحقَّ ولا يظهرونه، وقد أمر الله تعالى بإظهار الحقّ ونهى عن كتمانه.
ولا يخفى على ذوي البصائر، خصوصاً أهل التحقيق في السير والأخبار اسم الشخصين الآخرين، ولا أقل من تعيّنهما في جماعة محصورة.
(كما) أنّ هذا من التأويل، إذ ظاهر الآية كونه في القرآن وحيث إنّ علياً هو القرآن الناطق، ولولاه لم يعُد القرآن مطبّقاً ومفسّراً ومعلوماً ـ كما في عديد من الروايات ـ قال عنه النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم):
وهو الذي أمر الله في كتابه (إماماً ورحمة).
(وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ)
الأحقاف/ 29
روى (الفقيه الشافعي) ابن حجر في (الإصابة) في ترجمة (عرفطة ابن شمراح) الجنّي من بني نجاح: ذكر عن الخرائطي في (الهواتف) حديثاً مسنداً عن سلمان الفارسي قال:
كنّا مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم)، في مسجده في يوم مطير، فسمعنا صوتاً (السلام عليك يا رسول الله)، فردَّ عليه، فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم): من أنت؟
قال: أنا عرفطة أتيتك مسلماً، وانتسب له، كما ذكرنا.
فقال (صلى الله عليه وآله وسلّم): مرحباً بك، اظهر لنا في صورتك.
قال سلمان: فظهر لنا شيخ أرث، أشعر، وإذا بوجهه شعر غليظ متكاثف، وإذا عيناه مشقوقتان طويلاً، وله فم، في صدره أنياب بادية طوال، وإذا في أصابعه أظافر مخاليب كأنياب السباع، فاقشعرت منه جلودنا.
فقال الشيخ: يا نبي الله، أرسل معي من يدعو جماعة من قومي إلى الإسلام، وأنا أردُّه إليك سالماً.
فذكر (يعني الخرائطي) قصة طويلة في بعثه (صلى الله عليه وآله وسلّم) معه علي بن أبي طالب، فأركبه على بعير، وأردف سلمان وأنهم نزلوا في واد لا زرع فيه ولا شجر، وأنّ علياً أكثر من ذكر الله، ثم صلّى سلمان بالشيخ الصبح.
ثم قام علي فيهم خطيباً، فتذمروا عليه، فدعا بدعاءٍ طويلٍ، فنزلت صواعق أحرقت كثيراً.
ثم أذعن من بقي، وأقروا بالإسلام، ورجع بعلي وسلمان.
فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) ـ لمّا قصّ قصتهم ـ: أما أنّهم لا يزالون لك هائبين إلى يوم القيامة
(28).
(أقول): عرفطة واحد من مُنذري الجن، وعلي بن أبي طالب (عليه السلام)، صاحب فضيلة دخول الجن في الإسلام، وهو الوسيط بين رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم)، وبين الجن.
ولا مانع من ذلك بعد تصريح القرآن بأنّ للجن أقساماً، كأقسام الإنس مؤمن وكافر، وأنّ بعضهم آمنوا، وبعضهم كفروا.