الصفحة 74

فقال أمير المؤمنين - عليه السلام - الحمل له والولد ولدهوأرى عقوبته على الإنكار (1).

ومنها: أن امرأة ولدت ولدا له رأسان وبدنان على حقو واحد. فالتبسالأمر عليهم. فالتجأوا إلى أمير المؤمنين - عليه السلام -.

فقال: اعتبروه إذا نام ثم أنبهوا أحد البدنين والرأسين. فإن انتبهاجميعا معا في حالة واحدة فهما إنسان واحد. وإن استيقظ أحدهما والآخرنائم فهما اثنان. وحقهما من الميراث حق اثنين (2).

ومنها: استخراج حكم ذي الفرجين بعد (3) الأضلاع (4).

ومنها: أحكام البغاة.

قال الشافعي: عرفنا من رسول الله - صلى الله عليه وآله -أحكام المشركين ومن علي بن أبي طالب - عليه السلام - أحكام البغاة.

والقضايا الغريبة كثيرة لا تحصى.

الثاني عشر:

أنه - عليه السلام - تحدى العلماء في زمانه وأمرهمبسؤاله. فقال في غير موطن: سلوني قبل أن تفقدوني (6).

وقال لكميل بن زياد متأوها: آه إن هنا لعلما جما - وأشار بيدهإلى صدره - لو أصبت له حملة. بلى لا تخلو الأرض من قائم لله بحجه علىعباده إما ظاهر مشهور أو خائف مغمور لئلا تبطل حجج الله

____________

1 - الإرشاد للمفيد / 113.

2 - نفس المصدر / 114.

3 - هكذا في أ: وفي سائر النسخ: وعد.

4 - الإرشاد المفيد / 115.

5 - كتاب الأم 4 / 233، باب الخلاف في قتال أهل البغي.

6 - نهج البلاغة / 280، ط / 189.


الصفحة 75
وبيناته (1).

وقال في بعض خطبه: أيها الناس عليكم بالطاعة والمعرفة لمنلا تعذرون بجهالته. فإن العلم الذي هبط به آدم وجميع ما فضلت بهالنبيون إلى محمد خاتم النبيين في عترة محمد - صلى الله عليه وآله - فأين يتاهبكم بل أين تذهبون؟

المبحث (2) الثالث: الإخبار بالغيب:

وكان من جملة فضائلهالنفسانية إخباره بالمغيبات ولم يحصل لأحد من أمه محمد - صلى الله عليهوآله - من ذلك.

[ فمن ذلك ] (3) أنه - عليه السلام - خطب يوما فقال فيخطبته: سلوني قبل أن تفقدوني فوالله لا تسألوني عن فئة تضلمائة وتهدى مائة إلا أنبأتكم بناعقها وسائقها إلى يوم القيامة.

فقام إليه رجل فقال:

أخبرني كم على رأسي ولحيتي من طاقة شعر؟

فقال - عليه السلام - والله لقد حدثني خليلي رسول الله- صلى الله عليه وآله - بما سألت عنه. وإن على كل طاقة شعر من رأسكملكا يلعنك وإن على كل طاقة شعر من لحيتك شيطانا يستفزك وإن في بيتكلسخلا يقتل ابن رسول الله. ولولا أن الذي سألت عنه يعسر برهانهلأخبرت ولكن آية ذلك ما نبأتك (4) به من نفسك (5) وسخلكالملعون.

____________

1 - نهج البلاغة / 497، ومن كلامه لكميل بن زياد النخعي، رقمه 147.

2 - هكذا في م. وفي سائر النسخ: البحث.

3 - لبس في م.

4 - هكذا في م. وفي سائر النسخ: نبأت.

5 - هكذا في م. وفي سائر النسخ: لغتك.


الصفحة 76
وكان ابنه في ذلك الوقت صبيا صغيرا. فلما كان من الحسين- عليه السلام - ما كان تولى ابنه قتله (1).

ومن ذلك: قوله لطلحة والزبير لما استأذناه في الخروج العمرة:

[ لا والله ما يريدان العمرة ] (2) إنما يريدان البصرة وأن الله - تعالى -سيرد كيدهما ويظفرني بهما (3). وكان الأمر كما قال.

ومن ذلك قوله - عليه السلام - وقد جلس لآخذ البيعة: يأتيكممن قبل الكوفة ألف رجل لا يزيدون واحدا ولا ينقصون واحدا يبايعونيعلى الموت.

قال ابن عباس: فجزعت لذلك وخشيت (4) أن ينقص القوم عنالعدد أو يزيدوا (5) عليه فلم أزل مهموما فجعلت أحصيهم فاستوفيتتسع مائة وتسعة وتسعين رجلا ثم انقطع مجئ القوم فبينا مفكر فيذلك إذ رأيت شخصا قد أقبل فإذا هو أويس القرني تمام العدد (6).

ومن ذلك إخباره بقتل ذي الثدية من الخوارج. فلما قتلوا جعليطلبه في القتلى ويقول: والله ما كذبت ولا كذبت. حتى وجده في القوم فشق قميصه وكان على كتفه سلعة (7) كثدي المرأة عليها شعرات إذاجذبت انجذبت كتفه معها وإذا تركت رجعت كتفه إلى موضعها.

____________

1 - الإرشاد للمفيد / 174 + شرح نهج البلاغة ابن أبي الحديد 10 / 14.

2 - ليس في م.

3 - الإرشاد للمفيد / 131 + تذكرة الخواص ابن الجوزي / 62.

4 - م، ش ود: خفت.

5 - ج و أ: يزيدون.

6 - إرشاد المفيد / 166.

7 - السلعة: ورم غليظ غير ملتزق باللحم يتحرك عند تحريكه، وله غلاف، ويقبل الزيادة لأنهخارج عن اللحم.

و: زيادة تحدث في الجسم في العنق وغيره، تكون قدر الحمصة أو أكبر.


الصفحة 77
ومن ذلك: ما رواه جندب بن عبيد الله الأزدي قال: جاء فارسإلى أمير المؤمنين - عليه السلام - فقال: إن القوم قد عبروا النهر.

فقال: كلا ما عبروه.

فقال: بلى والله لقد فعلوا.

فقال: كلا ما فعلوا (1).

فجاء آخر فأخبر بعبورهم وقال: ما جئت حتى رأيت الرايات فيذلك الجانب والأثقال (2).

فقال: والله ما فعلوا وأنه لمصرعهم.

فحلفت في نفسي إن كان الأمر كما أخبر أولئك لأكونن أولمن يقاتله وإن لم يكن بقيت على المحاربة معه. ثم مضيت معه إلىالصفوف فوجدت الأمر كما قال أمير المؤمنين - عليه السلام - (3).

ومن ذلك: إخباره عن قتل نفسه فقال: والله لتخضبن هذه منهذا ووضع يده رأسه ولحيته (4).

ومن ذلك: إخباره (5) بصلب (6) جويرية بن مسهر بعد قطع يديهورجليه. فقطع زياد في أيام معاوية يديه ورجليه وصلبه (7).

ومن ذلك: إخباره بصلب ميثم التمار وطعنه بحربة عاشر عشرة

____________

1 - ش ود: فعلوه.

2 - ش ود: والأثقال في ذلك الجانب.

3 - أخرجه في إحقاق 8 / 88 و 92، عن كامل ابن الأثير 3 / 174 والفخري، للطقطقي / 79ويوجد أيضا في مروج الذهب 2 / 405 - 406.

4 - الإرشاد للمفيد / 168 + مقاتل الطالبين / 31 + أسد الغابة 4 / 35.

5 - ج و أ: أنه أخبر.

6 - ش ود: عن.

7 - الإرشاد للمفيد / 170 + شرح البلاغة ابن أبي الحديد 2 / 291.


الصفحة 78
على باب دار عمرو بن حريث. وأراه النخلة التي يصلب على جذعها فكانميثم يأتيها ويصلي عندها ويقول لعمرو بن حريث: إني مجاوركفأحسن جواري (1) فصلبه عبيد الله بن زياد في ذلك الموضع وطعنه بحربة.

ومن ذلك: إخباره بقطع يدي رشيد الهجري ورجليه وصلبه ففعل به ذلك (2).

ومن ذلك: إخباره بأن الحجاج يقتل كميل بن زياد وكان الأمركذلك (3).

ومن ذلك: إخباره بقتله (4) قنبر. وكان الحجاج قال يوما: أحبأن أصيب رجلا من أصحاب أبي تراب فأتقرب إلى الله - تعالى - بدمه.

فقيل له: ما نعلم أحدا كان أطول صحبة لأبي تراب من قنبرمولاه.

فأحضره وقال: أبرأ من دينه.

قال: فإذا برئت من دينه تدلني على دين غيره أفضل منه؟

قال: إني قاتلك فاختر (5) أي قتلة أحب إليك.

قال: قد صيرت ذلك إليك.

قال: ولم؟

قال: لأنك لا تقتلني قتلة قتلتك مثلها وبهذا (6) أخبرني أميرالمؤمنين - عليه السلام - إن منيتي تكون ذبحا ظلما بغير حق.

____________

1 - الإرشاد للمفيد / 170 + شرح نهج البلاغة ابن أبي الحديد 2 / 292.

2 - الإرشاد للمفيد / 171 + شرح نهج البلاغة ابن أبي الحديد 2 / 294.

3 - الإرشاد للمفيد / 172 + شرح نهج البلاغة ابن أبي الحديد 17 / 149.

4 - هكذا في م. وفي النسخ: يقتل. والهاء في (بقتله) تعود إلى الحجاج.

5 - م: فأخبرني.

6 - ج و أ: لقد.


الصفحة 79
فأمر به فذبح (1).

ومن ذلك: أن رجلا جاء إلى أمير المؤمنين - عليه السلام - فقال:

يا أمير المؤمنين إني مررت بوادي القرى فرأيت خالد بن عرفطة قد ماتبها فاستغفر له.

فقال أمير المؤمنين - عليه السلام -: إنه لم يمت ولا يموت حتىيقود جيش ضلالة صاحب لوائه حبيب بن حمار (2).

فقام رجل من تحت المنبر فقال يا أمير المؤمنين إني لك شيعة وإني لك محب.

فقال: ومن أنت؟

قال: أنا حبيب بن حمار.

قال: إياك أن تحملها ولتحملنها فتدخل بها هذا الباب -وأومأ بيده إلى باب الفيل.

فلما مضى أمير المؤمنين - عليه السلام - ومضى الحسن بن علي- عليهما السلام - من بعده وكان من أمر الحسين - عليه السلام - ماكان بعث ابن زياد بعمر بن سعد - عليهم اللعنة - إلى الحسين - عليهالسلام - وجعل خالد بن عرفطة على مقدمته وحبيب بن حمار صاحبرايته فسار بها حتى دخل المسجد من باب الفيل (3).

ومن ذلك: قوله للبراء بن عازب: يقتل ابني الحسين وأنت حيلا تنصره.

____________

1 - الإرشاد للمفيد / 173 + إحقاق الحق + 8 / 162، ثقلا باختصار عن المناقب المرتضوية / 251،ط بمبئي.

2 - م: (حجاز). وفي نهج الحق / 243: جمار.

3 - الإرشاد للمفيد / 173 + شرح نهج البلاغة ابن أبي الحديد / 287.


الصفحة 80
فلما قتل الحسين - عليه السلام - كان البراء يقول: حدثنيوالله علي بن أبي طالب - عليه السلام - بقتل الحسين - عليه السلام -ولم انصره. ثم (1) يظهر الحسرة والندم (2) (3).

ومن ذلك: ما رواه (4) جويرية بن مسهر العبدي قال: لماتوجهنا إلى صفين مع أمير المؤمنين - عليه السلام - فبلغنا طفوف كربلاءوقف - عليه السلام - ناحية من العسكر ثم نظر يمينا وشمالا واستعبر ثمقال: هذا والله مناخ ركابهم وموضع منيتهم.

فقيل له: يا أمير المؤمنين ما هذا الموضع؟

فقال: هذا كربلاء يقتل فيه قوم (5) يدخلون الجنة بغير حساب.

ثم سار وكان الناس لا يعلمون (6) تأويل ما قال حتى كان من أمرالحسين - عليه السلام - ما كان (7).

ومن ذلك: إخباره بعمارة بغداد وملك بني العباس وذكرأحوالهم وأخذ المغول الملك منهم. رواه والدي - رحمه الله تعالى -. وكانذلك سبب سلامة أهل الحلة والكوفة والمشهدين الشريفين من القتل. لأنهلما وصل السلطان هولاكو إلى بغداد وقبل أن يفتحها هرب أكثر أهل الحلةإلى البطائح إلا القليل. فكان من جملة القليل والدي - رحمه الله - والسيدمجد الدين بن طاووس والفقيه ابن أبي العز. فأجمع رأيهم على مكاتبة

____________

1 - م: يوم.

2 - م ود: الندامة.

3 - الإرشاد للمفيد / 174 + شرح نهج البلاغة ابن أبي الحديد 10 / 15.

4 - م: أخبر به.

5 - أ: جماعة.

6 - هكذا في م. وفي سائر النسخ: لا يعرفون.

7 - الإرشاد للمفيد / 175 + بحار الأنوار 41 / 286.


الصفحة 81
السلطان بأنهم مطيعون داخلون تحت الأيلية (1). وأنفذوا به شخصاأعجميا. فانفذ السلطان إليهم فرمانا مع شخصين: أحدهما يقال له: تكلم.

والآخر يقال له: علاء الدين. وقال لهما إن كانت قلوبهم (2) كما وردت بهكتبهم فيحضرون (4) إلينا. فجاء الأميران فخافوا لعدم معرفتهم بما ينتهيالحال إليه.

فقال والدي - رحمه الله -: إن جئت وحدي كفى؟

فقالا: نعم.

فاصعد معهما. فلما حضر بين يديه وكان ذلك قبل فتح بغداد وقبلقتل الخليفة قال له: كيف أقدمتم مكاتبتي والحضور عندي قبل أنتعلموا ما ينتهي إليه أمري وأمر صاحبكم وكيف تأمنون أن صالحنيورحلت عنه (5).

فقال له والدي - إنما أقدمنا على ذلك لأنا روينا عن إمامنا (6)علي بن أبي طالب - عليه السلام - أنه قال في بعض خطبه: الزوراء وماأدراك ما الزوراء أرض ذات أثل يشتد فيها البنيان ويكثر فيها السكانويكون فيها قهازم (7) وخزان يتخذها ولد العباس موطنا ولزخرفهم مسكنا

____________

1 - أ: الأمنية.

2 - م: قلوبكم.

3 - م: كتبكم.

4 - م: تحضرون.

5 - ج: رحلت نقمته.

أ: دخلت بهيئته.

6 - م ود: أمير المؤمنين.

7 - كذا في النسخ. والظاهر (قهارم)، مأخوذة من (القهرمان). وهو أمين الملك ووكيله الخاصبتدبير دخله وخرجه، فارسية.


الصفحة 82
تكون لهم دار لهو ولعب يكون بها الجور الجائر والخوف (1) المخيف والأئمةالفجرة والقراء الفسقة والوزراء (2) الخونة يخدمهم أبناء فارس والروم لايأتمرون (3) بمعروف إذا عرفوه ولا يتناهون عن منكر إذا أنكروه يكتفيالرجال منهم بالرجال والنساء بالنساء فعند ذلك الغم الغميم والبكاءالطويل والويل والعويل لأهل الزوراء من سطوات الترك وما همالترك قوم صغار الحدق وجوههم كالمجان المطرقة (4) لباسهم الحديدجرد مرد يقدمهم ملك يأتي من حيث بدا ملكهم جهوري الصوت قويالصولة عالي الهمة لا يمر بمدينة إلا فتحها ولا ترفع له راية إلا نكسهاالويل الويل لمن ناوأه فلا يزال كذلك حتى يظفر. فلما وصف لنا ذلكووجدنا الصفات فيكم رجوناك فقصدناك.

فطيب قلوبهم وكتب لهم فرمانا باسم والدي - رحمه الله - يطيبفيه قلوب أهل الحلة وأعمالها. والأخبار الواردة في ذلك كثيرة.

____________

1 - ج و أ: الحيف.

2 - ليس في أ.

3 - هكذا في م ود. وفي سائر النسخ: يأتمرون بينهم.

4 - م: المطرفة.

أ: المطوقة.


الصفحة 83

المبحث (1) الرابع: في الشجاعة:

ولا خلاف بين الأمة أن عليا- عليه السلام - كان أشجع الناس بعد رسول الله - (ص) -وأعظمهم بلاء في الحروب تتعجب (2) من حملاته ملائكة السماء. وجعلرسول الله - (ص) - يقول (3): قتله لعمرو بن عبد ود العامريأفضل من عبادة الثقلين (4).

ونزل جبرئيل في يوم أحد (5) وهو يقول ويسمعه المسلمون كافة:

لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي (6).

ونقل أحمد بن حنبل في مسنده (7) قال خطب الحسن - عليهالسلام - فقال: لقد فارقكم رجل بالأمس لم يسبقه الأولون بعلم (8)

____________

1 - هكذا في م. وفي سائر النسخ: البحث.

2 - ج و أ: تعجب.

3 - ليس في ج ود و أ.

4 - ش ودوم: المسلمين.

5 - هكذا في م. وفي سائر النسخ: بدر.

6 - الإرشاد المفيد / 47.

7 - مسند أحمد بن حنبل 1 / 199.

8 - م: بعمل.


الصفحة 84
ولا يدركه (1) الآخرون كان رسول الله - (ص) - يبعثهبالراية جبريل عن يمينه وميكائيل عن شماله (2) لا ينصرف يفتحله.

وروى الخوارزمي (3) قال: حدثنا عبيد الله بن عائشة عن أبيهقال: كان المشركون إذا أبصروا (4) عليا (5) في الحرب عهد بعضهم إلىبعض.

ومقاماته في الغزوات مشهورة وبسيفه قام الدين واعتدل واضمحلالكفر وبطل (6) وسيأتي في باب الجهاد نبذ من غزواته - (ص) -.

____________

1 - ج: ولم يدركه.

2 - م: يساره.

3 - بل ابن المغازلي في مناقبه / 72، 106.

4 - المصدر: بصروا.

5 - ج و أ بعلي.

6 - ليس في د.


الصفحة 85

المبحث (1) الخامس: في الورع والزهد:

وقد أجمع الناس كافة على أنهأزهد الناس [ في الدنيا ] (2) بعد رسول الله - (ص) - وأكثرهمتركا لها (3) طلق الدنيا ثلاثا.

روى الخوارزمي في مناقبه (4) عن (5) عمار ياسر قال: سمعترسول الله - (ص) - يقول: يا علي إن الله - تعالى - زينكبزينة لم يزين العباد بزينة أحب إليه (6) منها زهدك فيها وبغضها (7)إليك وحبب إليك الفقراء فرضيت بهم أتباعا ورضوا بك إماما يا عليطوبى لمن أحبك وصدق بك (8) والويل لمن أبغضك وكذب عليك أمامن أحبك وصدق بك (9) فإخوانك في دينك وشركاؤك جنتك وأمامن أبغضك وكذب عليك فحقيق على الله - تعالى - أن يقيمه يوم القيامةمقام الكذابين (10). قال عبد الله بن أبي الهذيل (11): رأيت علي علي - عليه السلام -

____________

1 - هكذا في م. وفي سائر النسخ: البحث.

2 و 3 - من م.

4 - مناقب الخوارزمي / 66.

5 - م، ش ود: قال سمعت.

6 - أ: إلى الله.

7 - م: بغضك.

8 و 9 - هكذا في المصدر. وفي النسخ: عليك.

10 - المصدر: الكاذبين.

11 - ش، د و م: الهذملي. والحديث في نفس المصدر والموضع.


الصفحة 86
قميصا (زريا) (1) إذا مده بلغ الظفر وإذا أرسله كان مع نصف الذراع.

وقال عمر بن عبد العزيز (2): ما علمنا أن أحدا كان في هذه الأمةبعد النبي - (ص) - أزهد من علي بن أبي طالب - عليهالسلام -.

وقال قبيصة بن جابر (3): ما رأيت في الدنيا أزهد (4) من علي بنأبي طالب.

وقال سويد بن غفلة (5): دخلت على علي بن أبي طالب - عليهالسلام - فوجدته جالسا بين يديه صحيفة فيها لبن (6) أجد ريحه من شدةحموضته (7) وفي يده رغيف أرى آثار (8) قشار الشعير في وجهه وهو يكسره (9)بيده أحيانا أعيى عليه كسره بركبته وطرحه في اللبن (10).

فقال ادن فاصب من طعامنا هذا.

فقلت: إني صائم. فقال: سمعت رسول الله - (ص) - يقول: (منمنعه الصيام من طعام يشتهيه كان حقا على الله أن يطعمه من طعام الجنةويسقيه من شرابها).

____________

1 - المصدر و أ: داريا.

2 - نفس المصدر / 67.

3 - نفس المصدر / 71.

4 - ش، ج و أ: أزهد في الدنيا.

5 - نفس المصدر / 67 - 68.

6 - المصدر: لبن حازر.

7 - هكذا في المصدر، وفي النسخ: (أجد ريح حموضة) بدل: (أجد ريحه من شدة حموضته).

8 - من المصدر.

9 - هكذا في م. وفي سائر النسخ: يكسر.

10 - هكذا في المصدر. وفي النسخ: (ويطرحه فيه) بدل: (أحيانا... وطرحه في اللبن).


الصفحة 87
فقلت لجاريته وهي قائمة [ بقرب منه: ] (1) ويحك يا فضة ألاتتقين الله في هذا الشيخ ألا تنخلين (2) له طعاما مما أرى فيه من النخالة؟

فقالت لقد تقد إلينا لا ننخل له طعاما.

قال لي (3): ما قلت لها؟

فأخبرته.

فقال: بأبي وأمي من لم ينخل له طعام ولم يشبع من خبز البرثلاثة أيام حتى قبضه الله - عز وجل (4) -.

واجتاز يوما في السوق فاشترى قميصا بثلاثة دراهم ولبسه ما بينالرسغين إلى الكعبين وقال حين لبسه: الحمد لله الذي رزقني من الرياشما أتجمل به الناس (5).

وقال - عليه السلام - يا صفراء غري غيري. يا بيضاء غريغيري (6). وخرج - عليه السلام - يوما إلى السوق ومعه سيفه (7) ليبيعهفقال: من يشتري مني هذا السيف؟ فوالذي فلق الحبة لطالما كشفت به الكربعن وجه رسول الله - (ص) - ولو كان عندي من إزار (8) لما بعته (9).

____________

1 - من المصدر.

2 - هكذا في أ. وفي م: (تتخابن). وفي سائر النسخ: تنخلون.

3 - من المصدر.

4 - راجع كشف الغمة 1 / 163 ذيل الخبر كلام الآملي.

5 - نفس المصدر / 70.

6 - مناقب أحمد بن حنبل، ح 7.

7 - م: سيفه.

8 - ش و م: أداتي.

9 - مناقب أحمد بن حنبل، ح 20.


الصفحة 88
وخرج - عليه السلام - يوما وعليه إزار مرقوع فعوتب.

فقال يخشع القلب بلبسه (1) ويقتدي به المؤمن إذا رآه علي (2).

واشترى يوما ثوبين غليظين فخير قنبرا فيهما فأخذ واحدا ولبسهو الآخر فرأى في كمه طولا عن أصابعه فقطعه (3).

وكان - عليه السلام - قد ولى على عكبر رجلا من ثقيف فقالله - عليه السلام -: إذا صليت الظهر غدا فعد إلى.

قال: فعدت إليه فلم أجد عنه حاجبا يحجبني (4) دونه فوجدتهجالسا وعنده قدح وكوز ماء فدعا بوعاء مسدودا (5) مختوم فقلت فينفسي: لقد أمنني حتى يخرج إلي جواهر (6) فكسر الختم وحله فإذا فيهسويق فأخرج منه قبضة (7) في القدح وصب ماء فشرب وسقاني. فلمأصبر فقلت: يا أمير المؤمنين أتصنع هذا في العراق وطعامه كما ترى فيكثرته؟!

فقال - عليه السلام - أما والله ما أختم عليه بخلا به ولكنيأبتاع قدر ما يكفيني فأخاف أن ينفض (8) فيوضع فيه من غيره وأنا أكرهأن أدخل بطني إلا طيبا فلذلك احترز كما ترى فإياك وتناول ما لا تعلم

____________

1 - ش ود: بلبسة.

2 - نفس المصدر، ح 16.

3 - أسد الغابة 4 / 24.

4 - ج: يحسبني.

5 - هكذا في ش ود. وفي سائر النسخ: مشدود.

6 - هكذا في ش ود. وفي سائر النسخ: جوهرا.

7 - هكذا في ش ود. وفي سائر النسخ: فصبه.

8 - م: ينقص.


الصفحة 89
حلة (1). والأخبار في ذلك أكثر من أن تحصى.

المبحث (2) السادس: في السخاء والكرم:

لا خلاف في أن أميرالمؤمنين - عليه السلام - أسخى الناس بعد رسول الله - صلى الله عليهوآله - وأكرمهم وأشرفهم جاد بنفسه حين بات على فراش رسول الله - (ص) -.

قال ابن الأثير (3) (4): إن قوله - تعالى -: (ومن الناس منيشري نفسه ابتغاء مرضاة الله) (5) نزل في علي - عليه السلام -. ذلك لأن

____________

1 - كتاب الورع، لأحمد بن حنبل / 43 + حلية الأولياء 1 / 82.

2 - هكذا في م. وفي سائر النسخ: البحث.

3 - أسد الغابة، لابن الأثير 4 / 25 ولكن باختلاف في الألفاظ + تذكرة الخواص / 41.

4 - م: ابن الكثير.

5 - البقرة / 207.


الصفحة 90
النبي - (ص) - لما هاجر وترك عليا - عليه السلام - فيبيته بمكة وأمره أن ينام على فراشه ليوصل إذا أصبح ودائع إليهم.

فقال الله - عز وجل - لجبرئيل وميكائيل: إني قد آخيت بينكما وجعلتعمر أحدكما أطول من عمر الآخر فأيكما يؤثر أخاه؟ فاختار كل منهماالحياة. فأوحى الله - تعالى - إليهما: ألا كنتما مثل علي آخيت بينه وبينمحمد فبات على فراشه يفديه بنفسه ويؤثره بالحياة؟ اهبطا إليه فاحفظاه منعدوه فنزلا إليه فحفظاه جبريل عند رأسه وميكائيل عند رجليه وجبريليقول: بخ بخ يا بن أبي طالب من مثلك وقد باهى الله بك الملائكة.


الصفحة 91

الصفحة 92
وكان عند (1) أمير المؤمنين - عليه السلام - أربعة دراهم لم يملك (2)سواها فتصدق بدرهم ليلا وبدرهم (3) نهارا وبدرهم (4) سراوبدرهم (5) علانية فنزل قوله - تعالى (6) -: (الذين ينفقون أموالهمبالليل والنهار سرا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هميحزنون).

ومن تفسير الثعلبي وغيره من المفسرين (7) أن الحسن والحسين- عليهما السلام - مرضا فعادهما جدهما رسول الله - (ص) -

____________

1 - أ، ش و ج: ند علي.

2 - أ، ش و ج: لا يملك.

3 و 4 و 5 - ش ود: وتصدق بدرهم.

6 - البقرة / 274.

7 - تفسير الثعلبي، مخطوط، ص 220.


الصفحة 93
[ ومعه أبو بكر وعمر ] (1) وعادهما عامة العرب.

فقالوا: يا أبا الحسن لو نذرت على ولديك نذرا وكل نذر لا يكونله وفاء فليس بشئ.

فقال علي - عليه السلام -: إن برئ ولداي مما بهما صمتلله (2) ثلاثة أيام شكرا.

وقالت فاطمة - عليها السلام -: إن برئ ولداي مما بهما صمت للهثلاثة أيام شكرا.

وقالت جاريتهما فضة: إن برئ سيداي مما بهما صمت لله ثلاثةأيام شكرا.

فألبس الغلامان العافية وليس عند آل محمد قليل ولا كثير.

فانطلق أمير المؤمنين (3) - عليه السلام - إلى شمعون [ بن حابا ] (4) الخيبري[ وكان يهوديا ] (5) فاقترض (6) منه ثلاثة أصوع من شعير (7).

فقامت فاطمة - عليها السلام - إلى صاع فطحنته واختبزت منه خمسة أقراص لكلواحد منهم قرص. وصلى أمير المؤمنين (8) - عليه السلام - المغرب [ مع

____________

1 - من المصدر.

2 - ليس في ج و أ.

3 - المصدر: علي.

4 و 5 - من المصدر.

6 - ج و أ: فاستقرض.

7 - هنا زيادة في المصدر وهي: في حديث المزني عن ابن مهران الباهلي فانطلق علي إلى جار لهمن اليهود يعالج الصوف يقال له شمعون بن جابي فقال هل لك أن تعطيني جزة من صوف تغزلها لكبنت محمد - صلى الله عليه وآله - بثلاثة أصوع من شعير قال نعم فأعطاه فجاء بالصوف والشعيرفأخبر فاطمة بذلك فقبلت وأطاعت. قالوا.

8 - المصدر: وصلى علي مع النبي.


الصفحة 94
رسول الله صلى الله عليه وآله ] (1) ثم أتى المنزل فوضع الطعام بين يديه إذأتاهم (2) مسكين [ من مساكين المسلمين ] (3) فوقف بالباب وقال: السلامعليكم يا أهل بيت محمد مسكين من مساكين المسلمين أطعمونيأطعمكم الله من موائد الجنة فسمعه علي - عليه السلام - [ فقال: اعطوهحصتي. فقالت فاطمة - عليها السلام - والباقون كذلك] (4) فاعطوهالطعام ومكثوا يومهم وليلتهم لم يذوقوا إلا الماء القراح (5).

فلما كان اليوم الثاني [ طحنت فاطمة - عليها السلام - صاعاواختبزته وأتى أمير المؤمنين - عليه السلام - من صلاة المغرب مع رسول الله

____________

1 - ليس في المصدر.

2 - م: أتاه.

3 - ليس في المصدر، ج و أ.

4 - ليس في المصدر وفيه بدلا منه: فأنشأ يقول:


فاطم ذات المجد واليقينيا ابنة خير الناس أجمعين
أما ترين البائس المسكينقد قام بالباب له أنين
يشكو إلى الله ويستكينيشكو إلينا جائع حزين
كل امرئ بكسبه رهينوفاعل الخيرات يستبين
موعده جنة عليينحرمها الله على الضنين
وللبخيل موقف مهينيهوي به الرب إلى سجين

شرابه الجحيم والغسلين

فأنشأت فاطمة:


أمرك يا ابن عم سمع طاعةما بي من لؤم ولا إضاعة
غديت في الخبز برصاعةأطعمه ولا أبالي الساعة
أرجو إذا أشبعت ذا مجاعةأن ألحق الأخيار والجماعة

وأدخل الخلد ولي شفاعة

5 - من م والمصدر.


الصفحة 95
- صلى الله عليه وآله - ووضع ] (1) الطعام بين يديه إذ أتاهم يتيم (2)فقال: السلام عليكم أهل بيت محمد يتيم من أولاد المهاجرين استشهدوالدي يوم العقبة أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنة فسمعه علي[ وفاطمة - عليها السلام - والباقون (3) ] (4) فاعطوه الطعام ومكثوا يومينوليلتين لم يذوقوا إلا الماء القراح.

فلما كان اليوم الثالث قامت فاطمة - عليها السلام - إلى الصاعالباقي فطحنته واختبزته (5) وصلى علي - عليه السلام - مع النبي - صلى اللهعليه وآله - المغرب ثم أتى المنزل فوضع الطعام بين يديه إذ أتاهم أسيرفوقف على الباب فقال: السلام عليكم أهل بيت محمد تأسروننا (6) ولا

____________

1 - في المصدر بدلا منه. قامت فاطمة إلى صاع فطحنته فاختبزته وصلى علي مع النبي عليهالسلام ثم أتى المنزل فوضع.

2 - هنا في المصدر أ زيادة. وهي: فوقف بالباب.

3 - من ش ود.

4 - ليس في المصدر بدلا منه: فأنشأ يقول:


فاطم بنت السيد الكريمبنت نبي ليس بالزنيم
قد جانا الله بذا اليتيممن يرحم اليوم فهو رحيم
يقول موعده في الجنة النعيمقد حرم الخلد على اللئيم
فذاك في النار إلى الجحيمشرابه الصديد والحميم

فأنشأت فاطمة:


إني لأعطيه ولا أباليوأوثر الله على عيالي
أمسوا جياعا ولهم أشباليأصغرهم يقتل في القتال
بكربلا يقتل باغتيالللقاتل الويل مع الوبال
تهوى به النار إلى السفالمصفد اليدين بالأغلال

كأن كبوله زادت على الأكبال

5 - ش ود: واختبرت منه خمسة أقراص أيضا.

6 - المصدر: تأسروننا وتشدوننا.


الصفحة 96
تطعموننا أطعموني فإني أسير محمد أطعمكم الله من موائد الجنة. فسمعهعلي - عليه السلام - (1) فآثره وآثروه معه (2) ومكثوا ثلاثة أيام بلياليها لميذوقوا سوى الماء القراح (3).

فلما كان اليوم الرابع وقد قضوا نذرهم أخذ علي الحسن بيدهاليمنى والحسين باليسرى وأقبل نحو رسول الله - (ص) - وهمايرتعشان (4) كالفراخ من شدة الجوع. فلما بصر بهم النبي - صلى اللهعليه وآله - قال يا أبا الحسن ما أشد ما يسوءني مما أرى بكم انطلقإلى ابنتي فاطمة. فانطلقوا (5) إليها وهي في محرابها (6) لقد لصق بطنهابظهرها من شدة الجوع وغارت عيناها فلما رآها النبي - صلى الله عليهوآله قال: وا غوثاه يا لله أهل بيت محمد تموتون جوعا فهبط جبريل

____________

1 - هنا زيادة في المصدر وهي: فأنشأ يقول:


فاطم يا بنة النبي أحمدبنت نبي سيد مسود
هذا أسير للنبي المهتديمكيل في غلة مقيد
يشكو إلينا الجوع قد تمددمن يطعم اليوم يجده من غد
عن العلي الواحد الموحدما يزرع الزارع سوف يحصد
فاطعمي من غير من اتكدحتى تجازي بالذي لا ينفذ

فأنشأت تقول:


مما جئت غير صاعقد دميت كفي من الذراع
ابناي والله من الجياعأبوهما للخير ذو اصطناع
يصطنع المعروف بابتداععبل الذراعين طويل الباع
وما على رأسي من قناعإلا قناع نسجه نساع

2 - المصدر: (قال فأعطوه الطعام) بدل (فآثره وآثروه معه).

3 - ليس في م، و أ. وفي المصدر (شيئا إلا) بدل: (سوى)

4 - ج و أ: يرتعشون.

5 - م: فانطلق.

6 - هكذا في المصدر. وفي النسخ: في محرابها تصلي.