
(1) البحار: 27|89 ـ 90، ح (41).

بيان: لعلَّ المراد ـ بالعاقبة ـ دولته ودولة ولده
_ عليهما السلام _ في الرجعة أو في القيامة، كما
قال تعالى: (والعاقبة للمتّقين) (القصص ـ 73).

ويحتمل أن يكون المراد ـ بالعاقبة ـ هنا: الولد أو آخر الاَولاد، فإنَّ العاقبة تكون بمعنى الولد.

وآخر كل شيء كما ذكره «الفيروزآبادي»: انتظار الفرج بظهور القائم
_ عليه السلام _ .

(2) الشحبة: صفة الشاحب وهو المتغيّـر اللون لعرض أو مرض أو سفر أو سهر ونحو ذلك.
( 268 )
ثمَّ أقبل على أصحابه، فقال: أيُّها النّاس! أما ترون إلى أهل الدُّنيا يمسون
ويصبحون على أحوال شتى، فبين صريع يتلوّى، وبين عائد ومعود، وآخر بنفسه
يجود، وآخر لا يُرجى، وآخر مسجّى، وطالب الدُّنيا والموت يطلبه، وغافل وليس
بمغفول عنه، وعلى إثر الماضي يصير الباقي.
فقال له زيد بن صوحان العبدي: يا أمير الموَمنين أيّ سلطان أغلب وأقوى؟
قال _ عليه السلام _ : الهوى، قال: فأيّ ذل أذل؟ قال _ عليه السلام _ : الحرص على
الدُّنيا، قال: فأيّ فقر أشد؟ قال _ عليه السلام _ : الكفر بعد الاِيمان، قال: فأي دعوة
أضل؟ قال _ عليه السلام _ : الدّاعي بما لا يكون.
قال: فأيّ عمل أفضل؟ قال _ عليه السلام _ : التقوى، قال: فأيّ عمل أنجح؟
قال _ عليه السلام _ : طلب ما عند اللّه عزَّ وجلَّ، قال: فأيّ صاحب لك شر؟ قال ـ
عليه السلام ـ : المزيّن لكَ معصية اللّه عزَّ وجل، قال: فأيّ الخلق أشقى؟ قال ـ
عليه السلام ـ : مَن باع دينه بدنيا غيره، قال: فأيّ الخلق أقوى؟ قال _ عليه السلام _ :
الحليم، قال: فأيّ الخلق أشح؟ قال _ عليه السلام _ : مَنْ أخذ المال من غير حلّه،
فجعله في غير حقّه.
قال: فأيّ النّاس أكيس؟ قال _ عليه السلام _ : مَنْ أبصرَ رشدهُ مِنْ غيّه، فمال
إلى رشده، قال: فَمَنْ أحلم النّاس؟ قال _ عليه السلام _ : الذي لا يغضب، قال: فأيّ
النّاس أثبت رأياً؟ قال _ عليه السلام _: مَنْ لم يغرّه النّاس مِنْ نفسه، ولم تغرّه الدُّنيا
بتشوّقها، قال: فأيّ النّاس أحمق؟ قال _ عليه السلام _: المغترّ بالدُّنيا وهو يرى ما
فيها مِنْ تَقَلّب أحوالها، قال: فأيّ النّاس أشدّ حسرة؟ قال _ عليه السلام _ : الذي
حُرِمَ الدُّنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين، قال: فأيّ الخلق أعمى؟ قال ـ عليه
السلام ـ الذي عمل لغير اللّه، يطلب بعمله الثواب مِنْ عند اللّه عزَّ وجلَّ، قال: فأيّ
القنوع أفضل؟ قال _ عليه السلام _ : القانع بما أعطاه اللّه عزَّ وجلَّ، قال: فأيّ
المصائب أشدّ؟ قال _ عليه السلام _ : المصيبة بالدين.
قال: فأيّ الاَعمال أحبّ إلى اللّه عزَّ وجلَّ، قال _ عليه السلام _ : انتظار
الفرج، قال: فأيّ النّاس خيرٌ عند اللّه؟ قال _ عليه السلام _ : أخوفهم للّه وأعملهم
بالتقوى وأزهدهم
( 269 )
فيالدُّنيا، قال: فأيّ الكلام أفضل عند اللّه عزَّ وجلَّ؟ قال
_ عليه السلام _ : كثرة ذكره
والتضرّعإليه بالدعاء، قال: فأيّ القول أصـدق؟ قال
_ عليه السلام _ : شهــادة أن لا
إلـه إلاّ اللّه.
قال: فأيّ الاَعمال أعظم عند اللّه عزَّ وجلَّ؟ قال _ عليه السلام _ : التسليم
والورع، قال: فأيّ النّاس أصدق؟ قال _ عليه السلام _ : مَنْ صدق في المواطن.
ثمَّ أقبل _ عليه السلام _ على الشيخ، فقال: يا شيخ! إنَّ اللّه عزَّ وجلَّ خلق
خلقاً ضيّق الدُّنيا عليهم، نظراً لهم فزهَّدهم فيها وفي حطامها، فرغبوا في دار
السلام التي دعاهم إليها، وصبروا على ضيق المعيشة وصبروا على المكروه،
واشتاقوا إلى ما عند اللّه عزَّ وجلَّ مِنَ الكرامة، فبذلوا أنفسهم ابتغاء رضوان اللّه.
وكانت خاتمة أعمالهم الشهادة، فلقوا اللّه عزَّ وجلَّ وهو عنهم راضٍ،
وعلموا أنَّ الموت سبيل مَنْ مضى وَمَنْ بقي، فتَزوَّدوا لآخرتهم غير الذهب
والفضّة، ولبسوا الخشن، وصبروا على البلوى، وقدَّموا الفضل، وأحبّوا في اللّه
وأبغضوا في اللّه عزَّ وجلَّ، أُولئِكَ المصابيح وأهل النعيم في الآخرة، والسَّلام.
قال الشيخُ: فأين أذهب وأدع الجنّة وأنا أراها وأرى أهلها معك يا أمير
الموَمنين، جهّزني بقوَّةٍ أتقوى بها على عدوّك؟
فأعطاه أمير الموَمنين _ عليه السلام _ سلاحاً وحمله، وكان في الحرب بين
يدي أمير الموَمنين _ عليه السلام _ يضرب قُدماً وأمير الموَمنين _ عليه السلام _
يعجب ممّا يصنع.
«فلمّـا اشتدَّ الحرب أقدم فرسه حتى قُتل ـ رحمة اللّه عليه ـ، واتَّبعه رجلٌ
مِنْ أصحاب أمير الموَمنين _ عليه السلام _ فوجده صريعاً ووجد دابَّته ووجد سيفه
في ذراعه، فلمّـا انقضت الحرب أتى أمير الموَمنين _ عليه السلام _ بدابَّته
وسلاحه، وصلّـى عليه أمير الموَمنين _ عليه السلام _ ، وقال: هذا واللّه السَّعيد حقّاً
فترحّموا على أخيكم» (1).
____________

(1) مَن لا يحضره الفقيه: 4|273.
( 270 )
10ـ عن عبيد بن كثير ـ معنعناً ـ، عن أمير الموَمنين عليّ بن أبي طالب ـ عليه
السلام ـ قال: «أنا ورسول اللّه _ صلى الله عليه وآله وسلم _ على الحوض، ومعنا
عترتنا، فَمَنْ أرادنا فليأخذ بقولنا، وليعمل بأعمالنا.
فإنَّا أهل البيت لنا شفاعة، فتنافسوا في لقائنا على الحوض، فانَّا نذود عنه
أعداءنا، وسنقي منه أولياءنا، وَمَنْ شَـرِبَ منه لم يظمأ أبداً، وحوضنا مترع فيه ـ
مَثعبان ـ ينصبّان من الجنّة، أحدهما ـ تسنيم، والآخر ـ مَعين، على حافّتيه
الزعفران، وحصباه الدُّرُ والياقوت.
وإنَّ الاَُمور إلى اللّه وليست إلى العباد، ولو كانت إلى العباد ما اختاروا علينا
أحداً، ولكنّه يختصُّ برحمته مَنْ يشاء من عباده، فأحمد اللّه على ما اختصّكم بهِ
مِنَ النعم، وعلى طيب المولد.
فإنَّ ذكرنا أهل البيت شفاء من الوعك والاَسقام ووسواس الريب، وإنّ حبّنا
رضى الربّ، والآخذ بأمرنا وطريقتنا معنا غداً في حظيرة القدس، والمنتظر لاَمرنا
كالمتشحّط بدمه في سبيل اللّه، وَمَنْ سمع واعيتنا فلم ينصرنا أكبّه اللّه على
منخريه في النّار.
نحنُ الباب إذا بعثوا فضاقت بهم المذاهب، نحنُ باب حطّة وهو باب
الاِسلام مَنْ دخله نجا، وَمَنْ تخلَّف عنه هوى.
بنا فتح اللّه وبنا يختم، وبنا يمحو اللّه ما يشاء ويثبت، وبنا ينزِّل الغيث، فلا
يغرِّنّكم باللّه الغرور لو تعلمون ما لكم في الغناء بين أعدائكم، وصبركم على
الاَذى لقرَّت أعينكم، ولو فقدتموني لرأيتم أُموراً يتمنّى أحدكم الموت ممّا يرى
مِنَ الجور والعدوان والاَثرة والاستخفاف بحقِّ اللّه والخوف، فإذا كان كذلك
فاعتصموا بحبل اللّه جميعاً ولا تفرَّقوا، وعليكم بالصبر والصلاة والتقيّة.
واعلموا أنّ اللّه تبارَك وتعالى يبغض من عباده المتلوِّن، فلا تزولوا عن
الحقِّ، وولاية أهل الحقِّ، فانَّه مَنْ استبدل بنا هلك، وَمَنْ اتّبع أثرنا لحق، وَمَنْ
سلك غير طريقنا غرق.
( 271 )
وإنَّ لمحبّينا أفواجاً من رحمة اللّه، وإنَّ لمبغضينا أفواجاً مِنْ عذاب اللّه،
طريقنا القصد، وفي أمرنا الرشد، أهل الجنَّة ينظرون إلى منازل شيعتنا كما يرى
الكوكب الدَّريّ في السمّـاء، لا يضلَّ مَنْ اتّبعنا، ولا يهتدي مَنْ أنكرنا، ولا ينجو
مَنْ أعان علينا [عدوَّنا]، ولا يعان مَنْ أسلمنا، فلا تخلّفوا عنّا لطمع دُنيا بحطام زائل
عنكم، [وأنتم] تزولون عنه، فإنَّه مَنْ آثر الدُّنيا علينا عظمت حسرته، وقال اللّه
تعالى: "يا حسرتي على ما فرَّطتُ في جنب اللّه" (الزمر ـ56).
سراج الموَمن معرفة حقّنا، وأشدُّ العمى مَنْ عمي من فضلنا وناصبَنا العداوة
بلا ذنب إلاّ أن دعوناه إلى الحقِّ، ودعاه غيرنا إلى الفتنة فآثرها، لنا راية مَن استظلّ
بها كنّته، وَمَنْ سَبق إليها فاز، ومَنْ تَخلّف عنها هلك، وَمَنْ تَمَسَّكَ بها نجا.
أنتم عمّـار الاَرض [الّذين] استخلفكم فيها، لينظر كيف تعملون، فراقبوا
اللّه فيما يرى منكم، وعليكم بالمحجّة العظمى فاسلكوها، لا يستبدل بكم غيركم
"سابقوا إلى مغفرة من ربّكم وجنَّة عرضها السموات والاَرض أُعدَّت للمتّقين"
(الحديد ـ 21).
فاعلموا أنَّكم لَنْ تنالوها إلاّ بالتقوى، وَمَن ترك الاَخذ عمّن أمر اللّه بطاعته،
قيّض اللّهُ له شيطاناً فَهوَ لَهُ قَرين، ما بالكم قد ركنتم إلى الدُّنيا، ورضيتم بالضَّيم،
وفرَّطتم فيما فيه عزَّكم وسعادتكم وقوَّتكم على مَنْ بغي عليكم، لا مِنْ ربِّكم
تستحيون ولا لاَنفسكم تنظرون.
وأنتم في كلِّ يوم تضامون، ولا تنتبهون مِنْ رقدتكم، ولا تنقضي فترتكم،
أما ترون [إلى] دينكم يبلى، وأنتم في غفلة الدُّنيا، قال اللّهُ عزَّ ذكره: "ولا تركنوا إلى
الّذين ظلموا فتمسّكم النّار ومالكم من دون اللّهِ من أولياء ثمَّ لا تنصرون"(هود ـ
113) (1).
____________

(1) البحار: 68|61، ح (113)، تفسير فرات: 137ـ 139.

توضيح: اتّرع ـ كافتعل ـ امتلاَ، قاله الفيروزآبادي، وقال: مثاعب المدينة ـ مسايل مائها، وقال:
الواعية ـ الصراخ والصوت، لا الصارخة، ووهم الجوهريُّ، وقال: كنّه ـ ستره، وقال: قيّض اللّه فلاناً
لفلان ـ جاء به وأتاحه له، وقيّضنا لهم قرناء: سبّبنا لهم مِنْ حيث لا تحبّونه، وقال: الضَّيمـ الظلم.