http://www.imamsadeq.org كتاب موسوعة أحاديث أمير المؤمنين علي ـ عليه السلام ـ تأليف اللجنة العليا للتحقيق في مؤسسة نهج البلاغة ص 240 - ص 271

( 240 )




( 241 )
الباب السابع

الفصل الاَوّل

غيبة المهديِّ

_ عليه السلام _



( 242 )





( 243 )

18


«غيبة المهديِّ»

1ـ أخبرنا أحمد بن محمَّد بن سعيد ـ ابن عقدةَ الكوفيُّ، قال: حدَّثنا أحمد بن محمّد الدَّينوريُّ، قال: حدَّثنا عليُّ بن الحسن الكوفيُّ، عن عُميرةَ بنت أوسٍ، قالت: حدَّثني جدِّي الحصينُ بن عبد الرَّحمان (1) عن أبيه، عن جدِّه عمرو بن سعد.

عن أمير الموَمنين عليِّ بن أبي طالب _ عليه السلام _ أنّه قال يوماً لحذيفة بن اليمان: «يا حذيفةُ! لا تحدِّثُ النّاسَ بما لا يَعْلمُونَ، فيطغوا ويكفروا، إنَّ من العلم صعباً شديداً، محملهُ، لو حملتهُ الجبالُ عجزت عن حمله، إنَّ علمنا ـ أهل البيت ـ سَيُنكَرُ ويُبطَّلُ وَتُقْتَلُ رُواتُهُ وَيُساءُ (2)إلى مَنْ يَتْلُوهُ بَغيْاً وَحَسَداً، لِما فَضَّلَ اللّهُ بهِ عِترةَ الوصيِّ وصيِّ النبيِّ _ صلى الله عليه وآله وسلم _ .

«يا ابن اليمانِ! إنَّ النبيَّ _ صلى الله عليه وآله وسلم _ تَفَلَ في فَمِي، وَأَمَرَّ يَدَهُ على صَدري، وقال: اللّهمَّ أعْطِ خليفتي وَوَصيِّي، وَقاضيَ دَيني، وَمُنْجِزَ وَعْدِي وأمانتي، وَوَلِيّي (3)وَناصري على عَدوِّكَ وَعَدوِّي، ومُفَرِّجَ الكرب عن وجهي ما أعطيتَ آدم من العلم، وما أعطيتَ نُوحاً


____________

(1) كذا، وفي بعض النسخ: عن غمرة بنت أوس قالت: حدَّثني جدّي الحصين، عن عبد الرحمان، عن أبيه، ... الخ، ولم نعرفها غمرة كانت أو عميرة، والظاهر أنّ جدَّها حصين بن عبد الرحمان بن عمرو بن سعد بن معاذ الاَشهلي المعنون في «التقريب والتهذيب».
(2) بصيغة المجهول، وفي بعض النسخ: «ويوشى» من وشي يشي به إلى الملك ـ أي نم عليه وسعى به.
(3) في بعض النسخ: «منجز وعدي وأبا بني وولي حوضي».


( 244 )
مِنَ الحلمِ، وإبراهيمَ مِنَ العِترَةِ الطيّبةِ والسماحةِ، وما أعطيتَ أيُّوبَ مِنَ الصَّبْرِ عند البلاء، وما أعطيتَ داودَ مِنَ الشدَّةِ عند منازلَةِ الاَقران، وما أعطيتَ سُليمانَ مِنَ الفَهْمِ.

اللّهمَّ لا تُخْفِ عَنْ عليٍّ _ عليه السلام _ شيئاً مِنَ الدُّنيا حَتَّى تَجْعَلَها كلَّها بين عينيهِ مِثلَ المائِدةِ الصغيرة بين يديهِ، اللّهمَّ أعطِهِ جَلادَةَ مُوسى، واجعل في نسله شَبيهَ عيسى _ عليه السلام _ ، اللَّهُمّ إنَّك خليفتي عليه وعلى عِترتِه وذُرِّيته [الطيّبةِج المطهَّرةِ التي أذهبت عنها الرِّجس [والنَّجَسَ]،وَصَـرَفْتَ عنها مُلامَسة الشَّياطِين، اللّهمُ إنْ بغتْ قُريشٌ عليه، وقدَّمت غيرهُ عليه، فاجعلهُ بمنزلة ـ هارُونَ من مُوسى، إذْ غابَ [عَنْهُ موسى].

ثُمَّ قال لي: يا عليُّ! كم في وُلْدِكَ [مِنْ وَلَدٍ] فَاضِلٍ يُقْتَلُ والنَّاسُ قيامٌ يَنْظُرونَ لا يُغيرُونَ؟! فَقُبحَت أُمَّةٌ ترى أولاد نبيِّها يُقْتَلون ظُلْماً وَهُمْ لا يَغيرُونَ (1) إنَّ القاتِلَ والآمِرَ والشّاهِدَ الذي لا يَغيرُ كُلُّهُمْ في الاِثم واللّعانِ سَواءٌ مُشْتَرِكُونَ.

يا ابنَ اليَمانِ! إنَّ قُريشاً لا تَنْشرِحُ صُدُورُها، ولا تَرْضـى قُلُوبُها، ولا تَجْري ألسِنَتُها ـ ببيعة عليٍّ وَمُوالاتِه ـ إلاّ على الكُرهِ [ والعَمى] والصِّغار.

يا ابنَ اليمانِ! سَتُبايِعُ قُريشٌ عليّاً، ثمَّ تَنْكُثُ عليه وَتُحارِبُهُ وَتُناضِلُهُ وَتَرْمِيهِ بالعظائِمِ، وَبَعْدَ عليٍّ يلي الحَسَنُ وَسَيُنكثُ عليهِ، ثمَّ يلي الحسينُ فَتَقْتُلُهُ أُمَّةُ جدِّهِ، فَلُعِنَتْ أُمّةٌ تَقْتُلُ ابنَ بِنْتِ نَبيِّها _ صلى الله عليه وآله وسلم _ ، ولا تَعِزَّ مِنْ أُمَّةٍ، وَلُعِنَ القائِدُ لَـهَا والمُرَتِّبُ لِفاسِقِها.

فوالذي نفْسُ عليٍّ بيدِه لا تزالُ هذه الاَُمّة بعد قتلِ الحسين ابني في ضَـلالٍ وَظُلمٍ وَعَسْفٍ وَجَوْرٍ، واختلافٍ في الدِّينِ، وتغييرٍ وتبديلٍ لما أنزلَ اللّهُ في كتابهِ، وإظهار البدع، وإبطال السُّننِ، واختلالٍ وقياسٍ مُشتبهاتٍ (2)وَتَرْكِ مُحْكَماتٍ، حتّى تَنْسلِخَ مِنَ الاِسلامِ وَتَدخُلَ في العَمى والتَّلَدُّدِ والتَّكَسُّعِ (3).


____________

(1) في بعض النسخ: «لا ينصرون».
(2) في بعض النسخ: احتيال وقياس مشتبه.
(3) التلدد: التحير، والتكسع: الضلالة، وفي نسخة: «التسكع»: بمعنى عدم الاهتداء وهو أنسب.


( 245 )

مالَكَ يا بَنِي أُميّةَ! لا هُدِيتَ يا بَني أُميَّةَ ، وَمالَكَ يَا بَنِي العبّاس! لَكَ الاَتْعاسُ، فما في بَنِي أُميّة إلاّ ظالِمٌ، ولا في بَنِي العبّاسِ إلاّ مُعْتَدٍ مُتَمَرِّدٌ على اللّهِ بالمعاصي، قَتّالٌ لِولْدِي، هَتّاكٌ لِسِتْـرِ [ي وَج حُرْمَتي، فلا تزالُ هذه الاَُمَّةُ جَبّارِينَ، يَتَكالَبونَ على حَرامِ الدُّنيا، مُنْغَمِسِينَ في بحارِ الهلكاتِ، وفي أوديةِ الدِّماءِ.

حتّى إذا غابَ المتَغيِّبِ مِنْ وُلدي عن عيون النّاسِ، وَماجَ النّاسُ بفقدِه أو بِقَتلِهِ أو بموتهِ، أطلعتِ الفتنةُ، ونَزَلَتِ البليَّةُ، والتَحَمَتِ العَصَبيَّةُ (1) وَغلا النّاسُ في دينهم، وأجمعوا على أنَّ الحُجَّةَ ذاهِبةٌ، والاِمامَةَ باطلةٌ، ويحجُّ حَجيجُ النّاسِ في تلك السَّنةِ من ـ شيعةِ عليٍّ ونواصبه (2) لِلتَّحسُّسِ، والتَّجَسُّسِ عَنْ خَلَفِ الخَلَفِ (3)، فلا يُرى له أثرٌ، ولا يُعْرَفُ لَهُ خَبَـرٌ ولا خَلَفٌ.

فعند ذلكَ سُبَّت شِيعةُ عليٍّ، سَبَّها أعداوَها، وَظَهَرتْ عليها (4)الاَشرارُ والفُسّاقُ باحتجاجها، حتّى إذا بَقيَتِ الاَُمَّة حيارى، وَتَدَلَّهت (5) وأكثرت في قولها: إنَّ الحجَّةَ هالكةٌ، والاِمامةَ باطِلَةٌ.

فَوَرَبِّ عليٍّ إنَّ حُجَّتها عليها قائِمةٌ، ماشيةٌ في طُرُقِها (6) داخِلَةٌ في دُورِها وَقُصُورِها، جَوَّالَةٌ في شَـرق هذه الاَرْضِ وَغَربِـها، تَسْمَعُ الكَلامَ، وتُسلّمُ على الجماعة، تَرى ولا تُرى إلى الوقت والوَعْدِ، وَنِداءِ المْنادي مِنَ السماءِ: ألا ذلك يومٌ [فيه] سُـرُورُ وُلْدِ عليٍّ وشيعتِهِ» (7).


____________

(1) قوله: «ماج الناس» ـ أي اختلفوا، فبعض يقول: فقد، وبعض يقول: قتل، وبعض يقول: مات، وقوله: «التحمت» ـ أي تلاءمت بعد أن كان متفرّقاً، والتحمت الحرب: اشتبكت، والثاني أنسب.
(2) في بعض النسخ: «ونواصيهم التجسّس والتحسّس» من الوصيّة، والتحسّس بمعنى التجسّس.
(3) في بعض النسخ: «عن خلف الخلفاء».
(4) في بعض النسخ: «سبت الشيعة سبها أعداوَها»، وقوله: «ظهرت» ـ أي غلبت.
(5) أي تحيرت ودهشت، وقوله: «وأكثرت في قولها» ـ أي قالته كثيراً.
(6) في بعض النسخ: «طرقاتها».
(7) غيبة النعماني: 143 ب 1 ح 3، البحار: 28|70 ب 2 ح 31، عن غيبة الطوسي بتفاوت يسير.


( 246 )

وفي هذا الحديث عجائب وشواهد على حقيَّةِ ما تعتقدُهُ ـ الاِمامية ـ وتدين به والحمدُ للّه.

فمن ذلك قولُ أمير الموَمنين ـ صلوات اللّه عليه ـ: «حتّى إذا غابَ المتَغيِّبُ مِنْ وُلدِي عن عُيُونِ الناسِ».

أليسَ هذا مُوجباً لهذه الغيبة (1) وشاهداً على صحَّةِ قول من يَعْتَـرِفُ بهذا، ويُدِينُ بإمامَةِ صاحبها؟

ثمَّ قوله _ عليه السلام _ : «وماجَ النّاسُ بِفَقْدِهِ أو بقتلهِ أو بموته ...وأجمعوا على أنَّ الحجَّةَ ذاهبةٌ والاِمامَةَ باطِلَةٌ».

أليس هذا مُوافقاً لما عليه كافَّةُ النّاسِ الآن من تكذيب [قول] الاِماميَّة في وجودِ صاحبِ الغيبةِ؟ وهي محقَّقة في وجوده وإن لم تَرَهُ.

وقوله _ عليه السلام _ : «وَيَحجُّ حَجيجُ النّاس في تلك السَّنَةِ للتَّجَسُّسِ».

وقد فعلوا ذلك ولم يروا لهُ أثراً.

وقوله _ عليه السلام _ : «فعند ذلك سُبَّتْ شيعةُ عليٍّ، سَبَّها أعداوَها، وظهرت عليها الاَشرارُ والفُسَّاقُ باحتِجاجِها».

يعني: باحتجاجها عليها في الظاهر، وقولها: فأينَ إمامكم؟ دَلُّونا عليه، وسبِّهم لهم، وَنِسبَتِهم إيّاهُمْ إلى النقص والعجز والجهل، لقولهم: بالمفقود العَيْـنِ، وإحالتهم على الغائب الشَّخصِ وهو السَّب، فهم في الظاهر عند أهل الغفلة والعمى مَحجُوجُونَ(2)وهذا القول مِنْ أمير الموَمنين _ عليه السلام _ في هذا الموضع شاهِدٌ لهم (3)بالصِّدقِ، وعلى مخالفيهم بالجهلِ والعِناد للحقِّ.


____________

(1) كذا، ويمكن أن يكون تصحيفاً وصوابه: «أليس هذا مومياً إلى هذه الغيبة».
(2) المحجوج: هو المغلوب في الاحتجاج.
(3) في بعض النسخ: وهذا القول يدل على أنَّ أمير الموَمنين _ عليه السلام _ شاهد لهم.


( 247 )

ثمَّ حَلْفَهُ _ عليه السلام _ مع ذلك بِرَبِّهِ عزَّ وجَلَّ، بقوله: «فَوَرَبِّ عليٍّ إنَّ حُجَّتها عليها قائمةٌ، ماشيةٌ في طُرُقها، داخِلَةٌ في دُورِها وقُصورِها، جَوَّالةٌ في شرقِ هذه الاَرضِ وغربها، تَسْمَعُ الكلامَ، وَتُسَلِّمُ على الجماعةِ، وَتَرى ولا تُرى» .

أليس ذلك مُزِيلاً للشكِّ في أمره _ عليه السلام _ ؟ وَمُوجباً لِوجُودِهِ ولِصِّحَةِ ما ثَبَتَ في الحديث الذي هو قبل هذا الحديث، من قوله: «إنَّ الاَرضَ لا تخلو من حُجَّة للّه، ولكنَّ اللّهَ سَيُعْمي خَلْقَهُ عنها، بِظلمِهمْ وجَوْرِهِمْ، وإسرافِهمْ على أنْفُسِهِمْ» ثمَّ ضَـربَ لَهُم المثلَ في يُوسُفَ _ عليه السلام _ .

إنَّ الاِمام _ عليه السلام _ مَوجودُ العينِ والشَّخصِ، إلاّ أنّه في وقته هذا يَرى ولا يُرى، كما قال أميرُ الموَمنين _ عليه السلام _ : «إلى يومِ الوقتِ والوعدِ ونداء المُنادي من السَّماءِ».

اللّهمَّ لك الحمدُ والشُّكْرُ على نِعَمِكَ التي لا تُحصـى، وعلى أياديك التي لا تُجازى، ونسألك الثباتَ على ما مَنَحتنا من الهُدى بِرَحمَتِكَ.

2ـ ما روي من كلام أمير الموَمنين عليّ _ عليه السلام _ لكميل بن زياد النخعيِّ المشهور حيث قال: أخذ أمير الموَمنين ـ صلوات اللّه عليه ـ بيدي وأخرجني إلى الجبّان(1) فلمّـا أصحر تنفَّس الصعداء (2) ثم قال ـ وذكر الكلام بطوله حتّى انتهى إلى قوله ـ: «اللّهمَّ بلى ولا تخلو الاَرض من حجَّة قائم للّه بحجّته، إمّا ظاهر معلوم، وإمّا خائفٌ مغمور (3) لئلا تبطل حجج اللّه وبيّناته ـ في تمام الكلام» (4).


____________

(1) الجبّان كالجبانة ـ بفتح الجيم وشد الباء الموحدة ـ: المقبرة.
(2) أصحر ـ أي صار في الصحراء، وتنفَّس الصعداء ـ بضم الصاد المهملة، وفتح العين المهملة ممدوداًـ أي تنفَّس تنفّساً طويلاً.
(3) المغمور من الغمر ـ أي غمره الظلم حتى غطاه، أو المقهور المستور المجهول الخامل الذكر.
(4) غيبة النعماني: 136ـ الباب الثامن: «ما روي في أنَّ اللّه لا يخلي أرضه بغير حجة» وعلَّق على هذا الحديث بقوله: أليس في كلام أمير الموَمنين _ عليه السلام _ : «ظاهر معلوم» بيان أنّه يريد المعلوم الشخص والموضع؟ وقوله: «وإمّا خائف مغمور» أنّه الغائب الشخص، المجهول الموضع؟ واللّه المستعان، الاِمامة والتبصرة: 26ـ27، وعنه، عن محمّد بن عيسى بن عبيد، عن الحسن بن محبوب، عن هشام بن سالم، عن أبي إسحاق الهمداني، قال: حدَّثني الثقة من أصحابنا: أنَّه سمع أمير الموَمنين _ عليه السلام _ يقول: «اللّهمّ، لا تُخل الاَرض من حجة لك على خلقك، ظاهر أو خاف مغمور، لئلاّ تبطل حجّتك وبيّناتك»، ورواه في علل الشرائع: 195ـ عن أبيه مثله، وفي كمال الدين: 1|302 ـ عن أبيه، وابن الوليد معاً، عن سعد بن عيسى، وابن أبي الخطاب، والهيثم بن أبي مسروق النهدي، عن الحسن بن محبوب، وأورده في البحار: 23|20 ـ عن العلل، و23|49 ـ عن كمال الدِّين، ورواه في كمال الدين: 289ـ عن أبيه، وابن الوليد، وما جيلويه جميعاً عن محمّد ابن أبي القاسم ماجيلويه، عن محمّد بن عليٍّ الكوفي القرشي، عن نصر بن مزاحم المنقري، عن عمر بن سعيد، عن فضيل بن خديج، عن كميل بن زياد، عن عليٍّ ـ عليه السلام ـ نحوه متناً، وفي: 293 ـ عن أبيه، عن سعد بن عبد اللّه، عن يعقوب بن يزيد، عن عبد اللّه بن الفضل بن عيسى، عن عبد اللّه النوفليِّ، عن عبد اللّه بن عبد الرحمان، عن هشام الكلبي، عن أبي مخنف لوط بن يحيى، عن عبد الرحمان بن جندب، عن كميل، مثله، ونقلهما في البحار: 23|48 و 49، وأورده الطوسي في الاَمالي: 1|19، عن الصدوق، عن أبيه، بسنده عن فضيل، وروى الصدوق في كمال الدين: 302، عن أبيه، عن سعد عن هارون بن مسلم (عن سعدان) ـ هكذا في كمال الدِّين، عن مسعدة ابن صدقة، عن أبي عبد اللّه _ عليه السلام _ عن آبائه، عن عليٍّ عليه السلام ـ بمعناه، ولهذه الرواية أكثر من عشرين طريقاً تنتهي إلى الاِمام عليٍّ _ عليه السلام _ برواية كميل عنه، وفي بعض الطرق برواية مَنْ يوثق به من أصحابه، أو ثقة من أصحابنا، ويمكن أن يستأنس من ملاحظة جميع الطرق أنّ المراد به هو كميل، فلاحظ بعض الطرق في الكافي: 1|339 و 178، وأمالي المفيد: 154، وكمال الدِّين: 289 و 294، والخصال: 186، وبصائر الدرجات: 486.


( 248 )

3ـ وأخبرنا أحمد بن محمَّد بن سعيد ابن عقدة قال: حدَّثنا محمَّد بن المفضَّل، وسعدان بن إسحاق، وأحمد بن الحسين بن عبد الملك، ومحمّد بن أحمد القطوانيُّ قالوا: حدَّثنا الحسن بن محبوب، عن هشام بن سالم، عن أبي حمزة الثماليّ، عن أبي إسحاق السبيعيِّ قال: سمعت من يوثق به من أصحاب أمير الموَمنين _ عليه السلام _ يقول: قال أمير الموَمنين _ عليه السلام _ في خطبة خطبها بالكوفة طويلة ذكرها:

«اللّهمّ [فـ] لابدَّ لك من حجج في أرضك حجّة بعد حجّة على خلقك، يهدونهم إلى دينك، ويعلّمونهم علمك لكي لا يتفرَّق أتباع أوليائك (1) ظاهر غير مطاع، أو


____________

(1) في بعض النسخ: «لئلا ـ الخ» وفي بعضها: «أتباع أُولئك».


( 249 )
مكتتم خائف يترقّب، إن غاب عن النّاس شخصهم في حال هدنتهم في دولة الباطل فلن يغيب عنهم مبثوث علمهم وآدابهم في قلوب الموَمنين مثبتة، وهم بها عاملون، يأنسون بما يستوحش منه المكذِّبون، ويأباه المسرفون.

باللّه كلام يكال بلا ثمن (1)لو كان من يسمعه بعقله فيعرفه ويوَمن به ويتّبعه، وينهج نهجه فيفلح به (2).

ثمَّ يقول: فمن هذا؟ ولهذا يأرز العلم إذ لم يوجد حملة يحفظونه ويوَدُّنه كما يسمعونه من العالم (3) ثمَّ قال بعد كلام طويل في هذه الخطبة: اللّهمَّ! وإنّي لاَعلَم أنَّ العلم لا يأرز كلّه، ولا ينقطع موَادُّه فإنَّك لا تخلي أرضك من حجّة على خلقك إمّا ظاهر يطاع (4)أو خائف مغمور ليس بمطاع لكي لا تبطل حجّتك ويضلَّ أولياوَك بعد إذ هديتهم ـ ثمّ تمام الخطبةِ» (5).


____________

(1) يعني أنا أكيل لكم العلم كيلاً وأعطيكم ولا أطلب منكم ثمناً.
(2) في بعض النسخ: «فيصلح به».
(3) قال في «النهاية»: في الحديث: «إنَّ الاِسلام ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى حجرها» ـ أي ينضم إليها ويجتمع بعضه إلى بعض فيها.
(4) كذا.
(5) غيبة النعماني: 136ـ137، وفيه: وحدَّثنا محمّد بن يعقوب الكلينيُّ قال: حدَّثنا عليُّ بن محمّد، عن سهل بن زياد، قال: وحدَّثنا محمّد بن يحيى، وغيره، عن أحمد بن محمَّد، قال: وحدَّثنا عليُّ بن إبراهيم، عن أبيه، جميعاً، عن الحسن بن محبوب، عن هشام بن سالم، عن أبي حمزة الثماليِّ، عن أبي إسحاق السبيعيِّ، عن بعض أصحاب أمير الموَمنين _ عليه السلام _ ممّن يوثق به، قال: إنّ أمير الموَمنين ـ صلوات اللّه عليهـ تكلّم بهذا الكلام، وحفظه عنه حين خطب به على منبر الكوفة: «اللّهمّ ـ وذكر مثله»، ورواه الكليني في «قسم الاَُصول»: 1|178 مختصراً، و335، 339، مفصّـلاً.


( 250 )

4ـ حدَّثنا محمد قال: حدَّثنا الحسن قال: حدَّثنا إبراهيم قال: وحدَّثني أبو زكريا يحيى بن صالح الحريري قال: حدَّثني الثقة، عن كميل بن زياد قال: أخذ أمير الموَمنين _ عليه السلام _ بيدي وأخرجني إلى ناحية الجبّان، فلمّـا أصحر تنفّس الصعداء وقال:

«يا كُمَيلُ! إنَّ هذهِ القُلُوبَ أوْعِيَةٌ فَخَيْـرُها أوْعَاهَا، إِحْفَظْ عَنّي مَا أَقُولُ: النَّاسُ ثَلاثَةٌ ـ عَالِمٌ رَبَّانيُّ، وَمُتَعَلِّمٌ عَلَـى سَبيلِ نَجَاةٍ، وَهَمَجٌّ رُعَاعٌ أَتْباعُ كُلَّ نَاعِقٍ، يَميلُونَ مَعَ كُلّ رِيحٍ، لَـمْ يَسْتَضِيئُوا بِنُورِ العِلْمِ، وَلَمْ يَلجَوَُوا إلى رُكْنٍ وَثِيقٍ.

يا كُمْيلُ! العِلْمُ خَيـرٌ مِنَ المالِ، العِلْمُ يَحْرُسُكَ وَأَنْتَ تَحْرُسُ المالَ، والعِلْمُ يَزْكُو عَلَـى الاِنْفاقِ والمالُ تُنْقِصُهُ النَّفَقَةُ.

يَا كُمَيْلُ! مَحَبَّةُ العِلْم دِين يُدانُ بِه، تُكسِبُهُ الطَّاعَةَ في الحَياةِ، وَجَمِيلَ الاَحدُوثَةِ بَعدَ الموْتِ، وَمَنْفَعَةُ المالَ تَزُولُ بِزَوالِهِ، وَالعِلْمُ حَاكِمٌ وَالمالُ مَحْكُومٌ عَلَيهِ.

يَا كُمَيلُ! مَاتَ خُزَّانُ المالِ وَهُمْ أَحْياءُ، والعُلَمَاءُ بَاقُونَ ما بَقِيَ الدَّهْرُ، أعْيَانُـهُمْ مَفْقودَةٌ وَأَمْثَالُهُمْ في القُلُوبِ مَوْجُودَة، هَا إِنَّ ههُنَا لَعِلْماً (جَمَّاً) ـ وَأَوْمَأَ إلى صَدْرِهِ بِيَدِهِـ لم أَصِبْ لَهُ حَمَلَةً، بَلَـى أُصِيبُ لَقِناً غَيرَ مَأمُونٍ (عَلَيْهِ) يَسْتَعْمِلُ آلَةَ الدِّينِ في الدُّنيا، يَسْتَظْهِرُ بِحُجَجِ اللّهِ عَلَـى أوْليائِهِ، وَبِنِعَمِ اللّهِ عَلَـى مَعَاصِيهِ، أوْ مُنْقَاداً لِحَمَلَةِ الحَقِّ لا بَصِـيرَةَ لَهُ في أَحْنَائِهِ، يُقْدَحُ الشَّكُ في قَلْبِهِ بِأَوَّلِ عَارِضٍ مِنْ شُبْهَةٍ (ألا) لا ذا وَلا ذَاكَ، أوْ مَنْهوماً بِاللَّذَةِ سَلِسَ القِيادِ لِلشَّهْوَةِ، أَوْ مُغْرَماً بِالجَمْعِ وَالاِدِّخَارِ، لَيْسَا مِنْ رُعَاةِ الدِّينِ (في شيءٍ ولا مِنْ ذَوِي البَصَـائِرِ واليَقِين) أَقْرَبُ شَـيءٍ شَبهاً بِهِما الاَنْعَامُ السَّائِمَةُ، كَذَلِكَ يَمُوتُ العِلْمُ بِمَوتِ حَامِليهِ.

اللّهمَّ! بَلَى لا تُخْلُو الاَرْضُ مِنْ قَائِمٍ للّهِ بِحِجّةٍ إمَّا ظَاهِراً مَشْهوراً وَإمَّا خَائِفاً مَغْمُوراً، لِئَلاّ تَبْطُلَ حُجَجُ اللّهِ وَبَيّناتُهُ، وَكَمْ ذا وَأيْنَ أُولَئِكَ؟

أُولَئِكَ وَاللّهِ الاَقَلّونَ عَدَداً، وَالاَعْظَمُونَ عِنْدَ اللّهِ قَدْراً، بِهِمْ يَحْفِظُ اللّهُ حُجَجَهُ وَبَيّنَاتِهِ حَتَّى يُودِعُوهَا نُظَراءَهُمْ، وَيَزْرَعُوهَا في قُلُوبِ أشْبَاهِهِمْ، هَجَمَ بِهِمُ العِلْمُ عَلَـى


( 251 )
حَقِيقَةِ الاَمْرِ فَبَاشَـرُوا رُوحَ اليقِينِ، فَاسْتلانُوا ما اسْتَوعَرَهُ المُتْرَفُونَ، وَأَنِسوا بِمَـا اسْتَوْحَشَ مِنْهُ الجَاهِلُونَ، صَحِبُوا الدُّنيا بِأبْدانٍ أَرْواحُهَا مُعَلَّقَةٌ بِالمَحَلِّ الاَعْلى.

أُولَئِكَ خُلَفَاءُ اللّهِ في أَرْضِهِ، وَالدُّعاةُ إلى دِينهِ، آهٍ آهٍ شَوقاً إلى روَْيَتِهِم، أسْتَغْفِرُ اللّهَ لي وَلَكَ، انْصَـرِفْ إِذا شِئْتَ» (1).


____________

(1) الغارات: 1|147ـ 154، حلية الاَولياء: 10|108ـ 109ـ بعضه، وقال: كما روي عن عليِّ بن أبي طالب في حديث كميل بن زياد، بصائر الدرجات: 486ـ حدَّثنا محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن هشام بن سالم، عن أبي إسحاق الهمداني قال: حدَّثني الثقة من أصحابنا، أنَّه سمع أمير الموَمنين _ عليه السلام _ يقول: اللَّهمّ إنَّك لا تخلي الاَرض من حجة لك على خلقك، ظاهر أو خافٍ لئلاّ تبطل حججك وبيناتك»، العقد الفريد: 2|81ـ حدّثنا أيوب بن سليمان قال: حدّثنا عامر بن معاوية، عن أحمد بن عمران الاَخنس، عن الوليد بن صالح الهاشمي، عن عبد اللّه بن عبد الرحمان الكوفي، عن أبي مخنف، عن كميل النخعي ـ كما في «الغارات» بتفاوت يسير، تذكرة الخواص: 141ـ بسند آخر عن كميل، بروايتين، الخصال: 1|186 ـ كما في «الغارات» بتفاوت يسير، بسند آخر عن كميل، وقال: قد رويت هذا الخبر من طرق كثيرة، قد أخرجتها في كتاب «كمال الدين وتمام النعمة في إثبات الغيبة وكشف الحيرة»، كشف اليقين: 68ـ69ـ كما في «الغارات» بتفاوت يسير مرسلاً عنه _ عليه السلام _ ، عيون الاَخبار لابن قتيبة: 2|383، آخره ـ من قوله: «هجم بهم العلم» مرسلاً، التفسير الكبير للفخر الرازي: 2|192، مرسلاً عن كميل إلى قوله: «والمال محكوم عليه» ، منتخب الاَثر: 270 ـ بعضه ـ عن نهج البلاغة، تحف العقول: 169ـ 171 ـ كما في الغارات بتفاوت يسير، مرسلاً ، الاِمامة والتبصرة: 26ـ بسند آخر عن أبي إسحاق الهمداني قال: حدَّثني الثقة من أصحابنا أنَّه سمع أمير الموَمنين _ عليه السلام _ يقول: ـ كما في تفسير القمّي بتفاوت يسير، وفيه: «اللّهمَّ ! لا تُخْلِ ... أو خافٍ ... وبيناتك»، مناقب ابن شهر آشوب: 1|245ـ مرسلاً، ونصه: «لا تخلو الاَرض من قائم بحجة اللّه، إمَّا ظاهرٌ مشهورٌ، وإمَّا خائفٌ مغمُورٌ» وقال: وفي رواية: «لا يَزَالُ في ولدي مأمورٌ مغمورٌ»، مختصر ابن عبد البر: 29 ـ على ما في المعجم المفهرس لاَلفاظ نهج البلاغة ولم نجده فيه، ابن أبي الحديد: 18|346 ـ وقال في 351: ... ثم استدرك فقال: «اللّهمّ! بلى، لا تخلو الاَرض من قائم بحجة اللّه تعالى كيلا يخلو الزمان ممّن هو مهيمن للّه تعالى على عباده ومسيطر عليهم»، وهذا يكاد يكون تصريحاً بمذهب الاِمامية، إلاّ أنَّ أصحابنا يحملونه على أنّ المراد به الاَبدال الذين وردت الاَخبار النبوية عنهم: أنَّهم في الاَرض سائحون، فمنهم من يعرف ومنهم من لا يعرف، وأنَّهم لا يموتون حتى يودعوا السر وهو العرفان عند قوم آخرين يقومون مقامهم، وقد فات ابن أبي الحديد أنَّ تعبير قائم بحجة اللّه تعالى أو قائم للّه بحجة يعني أنَّه صاحب مذهب ومشروع وهو أمر لا ينطبق على الاَبدال، صفة الصفوة: 1|329 ـ مرسلاً عن كميل بن زياد ـ كما في الغارات بتفاوت يسير، تاريخ اليعقوبي: 2|205 ـ كما في الغارات بتفاوت يسير، مرسلاً، تاريخ بغداد: 6|379ـ كما في العقد الفريد، إلى قوله: «يستعمل آلة الدين للدنيا»، قال: أخبرني محمّد بن أحمد بن رزق، حدَّثنا محمّد بن عبد اللّه بن إبراهيم الشافعي، حدَّثنا بشر بن موسى، حدَّثنا عبيد بن الهيثم، حدَّثنا إسحاق بن محمّد بن أحمد أبو يعقوب النخعي، حدَّثنا عبد اللّه بن الفضل بن عبد اللّه بن أبي الهياج بن محمّد بن أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب قال: حدَّثنا هشام بن محمّد بن السائب أبو منذر الكلبي، عن أبي مخنف لوط بن يحيى، عن فضيل بن خديج، عن كميل بن زياد قال:ـ، جمع الجوامع: 2|93 ـ عن ابن الاَنباري في المصاحف، والمرهبي في العلم، ونصر في الحجّة، وحلية أبي نعيم، وابن عساكر، إعلام الورى: 400ـ عن كمال الدين، غيبة الطوسي: 132ـ كما في البصائر بتفاوت يسير، مرسلاً، أمالي الطوسي: 1|19ـ عن المفيد، كما في أماليه، المحاسن والمساوىَ للبيهقي: 40ـ على ما في المعجم المفهرس لألفاظ نهج البلاغة ولم نجده فيه، مناقب الخوارزمي: 263 _ 264 _ بسنده إلى البيهقي ، ثمّ بسندين عن كميل .
( 252 )

5ـ حدَّثنا محمّد بن عليّ ماجيلويه (رضي للّه عنه) قال: حدَّثني عمّي محمّد بن أبي القاسم، عن أحمد بن محمّد خالد البرقيِّ، عن القاسم بن يحيى، عن جدِّه الحسن بن راشد، عن أبي بصير ، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر محمَّد بن عليٍّ الباقر، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن عليٍّ، عن أبيه أمير الموَمنين _ عليه السلام _ أنَّه قال:

«إنَّ اللّهَ تبارَكَ وتعالى أخفى أربعة في أربعة: أخفى رضاه في طاعته فلا تستصغرنَّ شيئاً من طاعته، فربّما وافق رضاه وأنت لا تعلم، وأخفى سخطه في معصيته فلا تستصغرنَّ شيئاً من معصيته فربّما وافق سخطه وأنت لا تعلم، وأخفى إجابته في دعائه فلا تستصغرنَّ شيئاً من دعائه فربّما وافق إجابته وأنت لا تعلم، وأخفى وليّه في عباده فلا تستصغرنَّ عبداً من عباده فربّما (1)يكون وليّه وأنت لا تعلم» (2).


____________

(1) في بعض النسخ: «من عبيد اللّه فربّما ـ الخ».
(2) كمال الدين: 1|296ـ 297، وفي هامشه: في مناسبة هذا الحديث لعنوان الباب تأمل، لاَنّ المراد بالولي المحب لا الحجّة.


( 253 )

الباب السابع

الفصل الثاني

محن الشيعة عند الغيبة


( 254 )




( 255 )

19


«محن الشيعة عند الغيبة»

1ـ وبه (حدَّثنا به عليُّ بن الحسين قال: حدَّثنا محمّد بن يحيى العطار قال: حدثنا محمّد بن حسّان الرازي، عن محمّد بن عليّ الكوفي، عن محمّد بن سنان، عن أبي الجارود، عن عبد اللّه الشاعر ـيعني ابن عقبةـ قال: سمعت عليّاً ـ عليه السلام ـ يقول: «كأنِّي بِكُمْ تَجُولُونَ جَوَلاتَ الاِبِلِ تَبْتَغُونَ مَرْعىً ولا تَجِدُونَها يَا مَعْشَـرَ الشيعَةِ» (1).


____________

(1) غيبة النعماني: 192، كمال الدين: 1|302 ـ 303 ـ حدَّثنا الحسين بن أحمد بن إدريس (رضي اللّه عنه) قال: حدّثنا أبي، عن جعفر بن محمّد بن مالك الفزاري، عن عبّاد بن يعقوب، عن الحسن ابن حمّاد، عن أبي الجارود، عن يزيد الضخم قال: سمعت أمير الموَمنين _ عليه السلام _ يقول: ـ كما في غيبة النعماني بتفاوت يسير، وفيه: «...النعم بدل الاِبْلِ ... تطلبون المرعى فلا تجدُونَهُ»، وفي: 1|303 ـ حدَّثنا محمّد بن أحمد الشيباني (رضي اللّه عنه) قال: حدَّثنا محمّد بن جعفر الكوفي قال: حدَّثنا سهل بن زياد الآدمي قال: حدَّثنا عبد العظيم بن عبد اللّه الحسني (رضي اللّه عنه) ، عن محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب _ عليهم السلام _ عن أبيه، عن آبائه، عن أمير الموَمنين _ عليهم السلام _ قال: «للقائم منّا غيبة أمدها طويل، كأنّي بالشيعة يجولون جولان النعم في غيبته، يطلبون المرعى فلا يجدونه، ألا فمن ثبت منهم على دينه ولم يقس قلبه لطول أمد غيبة إمامه، فهو معي في درجتي يوم القيامة»، ثم قال _ عليه السلام _ : «إنَّ القائم منّا إذا قام لم يكن لاَحد في عنقه بيعة، فلذلك تخفى ولادته ويغيب شخصه»، ثمّ قال: حدَّثنا عليُّ بن أحمد بن موسى (رضي اللّه عنه) قال: حدَّثنا محمّد بن جعفر الكوفي، عن عبد اللّه بن موسى الروياني، عن عبد العظيم بن عبد اللّه الحسني، عن محمّد بن علي الرضا، عن أبيه، عن آبائه، عن أمير الموَمنين _ عليهم السلام _ : بهذا الحديث مثلاً سواء، وفي: 1|304 ـ حدَّثنا أبي (رضي اللّه عنه) قال: حدَّثنا عليُّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمّد بن سنان، عن زياد المكفوف، عن عبد اللّه بن أبي عقبة الشاعر قال: سمعت أمير الموَمنين عليّ بن أبي طالب _ عليه السلام _ يقول: ـ كما في غيبة النعماني، وفي: 1|304 أيضاً ـ حدَّثنا أبي، ومحمّد بن الحسن (رضي اللّه عنهما) قالا: حدَّثنا سعد بن عبد اللّه، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن محمّد بن سنان، عن أبي الجارود زياد ابن المنذر، عن عبد اللّه بن أبي عقبة الشاعر قال: سمعت أمير الموَمنين _ عليه السلام _ يقول:ـ كما في غيبة النعماني، البحار: 51|109 ـ عن رواية كمال الدين الثانية، وفي: 51|114 ـ عن النعماني، إعلام الورى: 400 ـ عن رواية كمال الدين الثانية، منتخب الاَثر: 255 ـ عن رواية كمال الدين الثانية، إثبات الهداة: 3|463 ـ عن رواية كمال الدين الاَُولى، وفي: 3|464 ـ عن رواية كمال الدين الثانية.


( 256 )

2ـ جعفر بن محمّد بن مالك الكوفي، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن عبد اللّه بن عبد الرحمان الاَصم، عن عبد الرحمان بن سيَّابة، عن عمران بن ميثم، عن عباية بن ربعي الاَسدي (قال:) سمعت أمير الموَمنين _ عليه السلام _ يقول: («كَيْفَ) أَنْتُمْ إِذَا بَقيْتُمْ بِلا إِمامِ هُدىً، وَلاَ عَلَمٍ يُرَى، يَبْـرَأُ بَعْضِكُمْ مِنْ بَعْضٍ» (1).

3ـ حدَّثنا به عليُّ بن الحسين قال: حدَّثنا محمّد بن يحيى العطار قال: حدَّثنا محمّد بن حسّان الرازي، عن محمّد بن عليٍّ الكوفي، عن محمّد بن سنان، عن أبي الجارود، عن مزاحم العبدي، عن عكرمة بن صعصعة، عن أبيه قال: كان عليٌّ ـ عليه السلام ـ يقول:

«لا تَنْفَكّ هذه الشيعَةُ حَتَّى تَكُونَ بِمَنْزِلَةِ المَعْزِ لا يَدْرِي الخابِسُ (2)عَلَـى أيِّها


____________

(1) غيبة الطوسي: 207، البحار: 51|111 ـ عن غيبة الطوسي، وفيه: «كيف أنتم»، إثبات الهداة: 3|510 ـ عن غيبة الطوسي، وفيه: «كيف أنتم».
(2) في القاموس: خبس الشيء بكفه ـ أخذه، وفلاناً حقه ـ ظلمه وغشمه، والخبوسـ الظلوم، واختبسه، أخذه مغالبة، وماله ـ ذهب به، والمختبسـ الاَسد كالخابس، وفي بعض النسخ هنا وفيما يأتي «الجاس» وهو من جسه بيده أي مسّه.


( 257 )
يَضَعُ يَدَهُ(1) فَلَيْسَ لَهُمْ شَـرَفٌ يُشـرِفُونَهُ، ولا سِنَادٌ يَسْتَنِدُونَ إليْهِ في أُمورِهِمْ (2)».(3).

4ـ حدَّثنا ابن اليمان، عن شيخ من بني فزارة، عمّن حدَّثه، عن عليٍّ قال: «لا يَخْرُجُ المهدِيُّ حتَّى يَبْصُقَ بَعْضُكُمْ في وَجْهِ بَعْضٍ» (4).

5ـ أخبرنا أبو سليمان أحمد بن هوذة بن أبي هراسة الباهليُّ قال: حدَّثنا إبراهيم ابن إسحاق النهاونديُّ قال: حدَّثنا عبد اللّه بن حمّاد الاَنصاريُّ، عن صباح المزنيِّ، عن الحارث بن حصيرة، عن الاَصبغ بن نباتة، عن أمير الموَمنين ـ عليه السلام ـ .

أنَّه قال: «كُونُوا كَالنَّحْلِ في الطَّيرِ، لَيسَ شَيْءٌ مِنَ الطَّيرِ إلاَّ وَهُوَ يَسْتَضْعِفُهَا، وَلَوْ عَلِمَتْ الطَّيْـرُ ما في أَجَوافِهَا مِنَ البَرَكَةِ لَمْ تَفْعَل بِهَا ذَلِكَ (5).

خَالِطوا النَّاسَ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَأَبْدانِكُمْ، وَزايِلُوهُمْ بِقُلُوبِكُمْ وَأَعمَالِكُمْ (6) فَوَالَّذِي نَفْسِـي بِيَدِهِ مَا تَرَوْنَ مَا تُحِبَّونَ حَتَّى يَتْفِلَ بَعْضُكُمْ في وُجُوهِ بَعْضٍ، وَحَتَّى يُسَمّي بَعْضَكُمْ بعضاً كَذَّابِينَ، وَحَتَّى لا يَبْقَى مِنْكُمْ ـ أو قالَ مِنْ شِيعَتيـ إلاّ كَالكُحلِ في العَينِ، والمِلْح


____________

(1) يعني حتى يكونوا في الذلة والصغار كالمعز، لا يدري الظالم أيهم يظلم، كقصّاب يتعرض لقطيع غنم لا يدري أيها يأخذ للذبح، أو كالذئب يتعرّض لقطيع المعز لا يدري أيها يفترس.
(2) الشرف: المكان العالي ـ أي ليس لهم مأوى ومعقل يشرفونه، ويلتجئون إليه للاحتراز عن سيول الفتن والحوادث، أو الشرف بمعنى العلو بين الناس، فالمعنى ليس لهم شرف يتشرّفون بسببه فيدفع عنهم الاَذى والقتل، وفي بعض نسخ الحديث: «ليس لهم شرف ترقونه» فهو بالمعنى الاَوّل أنسب.
والسناد ـ بالكسر ـ: ما يستند إليه في الاَُمور، والجملتين الاَخيرتين كالتفسير لوجه التشبيه.
(3) غيبة النعماني: 191ـ 192، البحار: 51|114ـ عن النعماني، وفي سنده: محمّد بن الحسن الرازي بدل محمّد بن حسّان الرازي.
(4) ابن حمّاد: 91، كنز العمال: 14| 587 حديث (39663) ـ عن ابن حمّاد، وفيه: «بعضُهُمْ»، جمع الجوامع: 2|103ـ عن ابن حمّاد، المغربي: 578 ـ عن ابن حمّاد، وفيه: «بَعْضُهُمْ»، عرف السيوطي، الحاوي: 2|68 ـ عن ابن حمّاد.
(5) أي لم تفعل بها ما تفعل من عدم التعرّض لها.
(6) زايلوهم: أي انفصلوا عنهم وتميّزوا ـ هذا معنى قولهم: كن في الناس ولا تكن مع الناس.


( 258 )
في الطَّعامِ (1).

وَسَأَضْـرِبُ لَكُمْ مَثَلاً وَهُوَ مَثَلُ رَجُلٍ كانَ لَهُ طَعامٌ فَنَقَّاهُ وَطَيَّبَهُ، ثُمَّ أَدْخَلَهُ بَيتاً وَتَرَكَهُ فِيهِ مَا شَاءَ اللّهُ، ثُمَّ عَادَ إلَيهِ فَإِذَا هُوَ قَدْ أصَابَهُ السُّوسُ (2) فَأَخْرَجَهُ وَنَقَّاهُ وَطَيَّبَهُ، ثُمَّ أَعادَهُ إلى البَيْتِ فَتَرَكَهُ مَا شَاءَ اللّهُ، ثُمَ عادَ إليْهِ فَإِذا هُوَ قَدْ أصَابَتهُ طائِفَةٌ مِنَ السُّوسِ فَأَخْرَجَهُ وَنَقَّاهُ وَطَيَّبَهُ وَأَعَادَهُ.

وَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى بَقِيَتْ مِنْهُ رُزمَةٌ كَرَزْمَةِ الاَُندَر (3)لا يَضُـرُّهُ السُّوسُ شَيْئاً،وَكَذَلِكَ أَنْتُمْ تُـمَيَّـزُونَ حَتَّى لا يَبْقَى مِنْكُمْ إلاَّ عِصابَةً لا تَضُـرُّها الفِتنَةُ (4) شَيْئاً»(5).


____________

(1) التشبيه من حيث القلّة: فكما أنَّ الملح في الطعام بالنسبة إلى مواده الاَُخر أقل، كذلك أنتم بالنسبة إلى باقي الناس.
(2) السوس: العث وهو دود يقع في الصوف والخشب والثياب والبرُ ونحوها فيفسدها.
(3) الاَندر ـ بضم الهمزة وفتح الدال ـ: الكدس أو الكومة من القمح خاصّة.
(4) الظاهر أنَّ المراد بالفتنة ـ الغيبة وطول مدتها ـ مع تظاهر الزمان على معتقديها.
(5) غيبة النعماني: 209ـ 210، وروى مثله بتفاوت يسير في مقدَّمة الكتاب: 25ـ26 قال: وهو ما أخبرنا به أحمد بن محمّد بن سعيد بن عقدة الكوفي، وهذا الرجل ممّن لا يطعن عليه في الثقة ولا في العلم بالحديث والرِّجال الناقلين له قال: حدَّثنا عليُّ بن الحسن التيمليُّ ـ من يتم اللّهـ قال: حدّثني أخواي أحمد ومحمد ابنا الحسن بن علّي فضال، عن أبيهما، عن ثعلبة بن ميمون، عن أبي كهمس، عن عمران بن ميثم، عن مالك بن ضمرة قال: وأشار إليه في ص (210) أيضاً، البحار: 52|115ـ عن النعماني، بشارة الاِسلام: 50 ـ عن النعماني.
بيان: قوله _ عليه السلام _ : «كالنحل في الطير» أمرٌ بالتقيَّة أي لا تظهروا لهم ما في أجوافكم من دين الحقِّ كما أنّ النحل لا يظهر ما في بطنها على الطيور، وإلاّ لاَفنوها، والرِّزمة ـ بالكسرـ ما شدَّ في ثوب واحد، والاَندرـ البيدر، وهو كما في «النهاية»: الموضع الذي يداس فيه الطعام بلغة الشام، والاَندر أيضاً صبرة من الطعام (انتهى).
ولعل المعنى الاَخير هنا أنسب فتذكر.


( 259 )

6ـ وأخبرنا أحمد بن محمد بن سعيد قال: حدَّثنا عليُّ بن الحسن التيمليُّ قال: حدَّثنا محمّد وأحمد ابنا الحسن (1) عن أبيهما، عن ثعلبة بن ميمون، عن أبي كهمس، عن عمران بن ميثم، عن مالك بن ضمرة قال:

قال أمير الموَمنين _ عليه السلام _ : «يَا مَالِكَ بْنَ ضَمْـرَةَ! كَيْفَ أَنْتَ إِذَا اخْتَلَفَتِ الشيعَةُ هَكذَا؟ ـوشَبَّكَ أصابِعَهُ وَأَدْخَلَ بَعْضَها في بَعضٍـ».

فَقُلْتُ: يا أَميرَ الموَمنينَ! ما عِنْدَ ذَلِكَ مِنْ خَيْـرٍ؟

قال: «الخَيْـرُ كُلُّهُ عِنْدَ ذَلِكَ، يَا مَالِكُ عِنْدَ ذَلِكَ يَقُومُ قائِمُنا فَيُقدَّمُ سَبْعينَرَجُلاًيَكذِبُونَ عَلـى اللّهِ وَعَلَـى رَسُولِهِ _ صلى الله عليه وآله وسلم _ فَيَقْتُلُهُمْ، ثُمَّ يَجْمَعُهُمْ اللّهُ على أَمْرٍ واحِدٍ» (2).

7ـ عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن أبي أُسامة، عن هشام، ومحمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن هشام بن سالم، عن أبي حمزة، عن أبي إسحاق قال: حدّثني الثقة من أصحاب أمير الموَمنين _ عليه السلام _ أنّهم سمعوا أمير الموَمنين _ عليه السلام _ يقول في خطبة له: «اللّهمّ وإنّي لاَعلم أنّ العلم لا يأرز كلّه، ولا ينقطع موادُّه وإنّك لا تخلي أرضَكَ من حجّة لك على خلقك، ظاهر ليس بالمطاع أو خائف مغمور، كيلا تبطل حججك ولا يضلَّ أولياوَك بعد إذ هديتهم، بل أين هم وكم؟ أولئك الاَقلّون عدداً، والاَعظمون عند اللّه جلَّ ذكره قدراً، المتّبعون لقادة الدين: الاَئمّة الهادين، الّذين يتأدّبون بآدابهم، وينهجون نهجهم، فعند ذلك يهجم بهم العلم على حقيقة الاِيمان، فتستجيب أرواحهم لقادة العلم، ويستلينون من حديثهم ما


____________

(1) محمّد وأحمد، هما ابنا الحسن بن عليّ بن فضال يروي عنهما أخوهما عليُّ بن الحسن.
(2) غيبة النعماني: 206، بشارة الاِسلام: 48 ـ عن النعماني، إثبات الهداة: 3|537 ـ عن النعماني بتفاوت يسير، إلى قوله: «يَقُومُ قَائِمُنا» وقال: ورواه بإسناد آخر، البحار: 52|115ـ عن النعماني، وسقط منه راويان من أوّل السند.


( 260 )
استوعر على غيرهم، ويأنسون بما استوحش منه المكذّبون، وأباه المسرفون، أُولئكَ أتباع العلماء صحبوا أهل الدنيا بطاعة اللّه تبارك وتعالى وأوليائه ودانوا بالتقيّة عن دينهم والخوف من عدوّهم، فأرواحهم معلّقة بالمحلّ الاَعلى، فعلماوَهم وأتباعهم خرسٌ صمتٌ في دولة الباطل، منتظرون لدولة الحقّ وسيحقُّ اللّه الحقّ بكلماته ويمحق الباطل، ها ، ها، طوبى لهم على صبرهم على دينهم في حال هدنتهم، ويا شوقاه إلى روَيتهم في حال ظهور دولتهم، وسيجمعنا اللّه وإيّاهم في جنّات عدن ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرّياتهم» (1).

8ـ عن أمير الموَمنين _ عليه السلام _ أنَّه قال:

«الزموا الاَرض، واصبروا على البلاء، ولا تحرِّكوا بأيديكم وسيوفيكم، وهوى ألسنتكم، ولا تستعجلوا بما لم يعجّله اللّه لكم.

فإنَّه مَنْ مات منكم على فراشه، وهو على معرفة ربّه، وحقِّ رسوله وأهل بيته، مات شهيداً أوقع أجره على اللّه، واستوجب ثواب ما نوى من صالح عمله، وقامت النيّة مقام إصلائه بسيفه، فإنَّ لكلِّ شيء مدَّة وأجلاً» (2).

9ـ عن علي قال: «إذا رأيتم الرايات السود فالزموا الاَرض ولا تُحرِّكوا أيديَكم ولا أرجلكم! ثم يظهَرُ قومٌ ضعفاء لا يُوبهُ لهم، قلُوبهم كَزبَرِ الحديدِ، هم أصحابُ الدولةِ، لا يفون بعهدٍ ولا ميثاقٍ، يدعونَ إلى الحقّ وليسوا من أهله، أسماوَهم الكنى ونسبتهم القُرى، وشعورُهم مرخاةٌ كشعورِ النساءِ حتى يختلفوا فيما بينهم ثم يوَتي اللّهُ الحق من يشاء» (3).


____________

(1) أُصول الكافي: 1|335.
(2) البحار: 52|144 ، ح (63)، ينابيع المودَّة: 436، فيض الاِسلام: 754.
(3) كنز العمال: 11|383 حديث (31530)، عن ابن حمّاد.


( 261 )

10ـ ابن عقدة، عن عليّ بن الحسن بن فضّال، عن أخويه: أحمد ومحمّد: عن أبيهما، عن ثعلبة، عن أبي كهمش، عن عمران بن ميثم، عن مالك بن ضمرة، قال: قال أمير الموَمنين _ عليه السلام _ لشيعته: «كونوا في النّاسِ كالنحلِ في الطير، ليس شيءٌ من الطير إلاّ وهو يستضعفها، ولو يعلم ما في أجوافها لم يفعل بها ما يفعل. خالطوا الناس بأبدانكم، وزائلوهم بقلوبكم وأعمالكم، فإنّ لكلّ امرىَ ما اكتسب من الاِثم، وهو يوم القيامة مع من أحبّ أما أنّكم لن تروا ما تحبّون وما تأملون يا معشر الشيعة حتّى يتفل بعضكم في وجوه بعض، وحتّى يسمّي بعضكم بعضاً كذّابين،وحتّى لا يبقى منكم على هذا الاَمر إلاّ كالكحل في العين،والملح في الزاد، وهو أقلُّ الزاد» (1).

11ـ أنَّ أمير الموَمنين _ عليه السلام _ لما بُويع بعد مقتل عثمان صعد المنبر وخطب بخطبة ذكرها يقول فيها: «ألا إنّ بليّتكم قد عادت كهيئتها يوم بعث اللّهُ نبيّه _ صلى الله عليه وآله وسلم _ والذّي بعثه بالحق لتبلبلنّ بلبلة ولتغربلنّ غربلة حتّى يعود أسفلكم أعلاكم وأعلاكم أسفلكم وليسبقنّ سبّاقون كانوا قصّـروا، وليقصّـرنّ سبّاقون كانوا سبقوا، واللّه ما كتمت وسمه و لا كذبت كذبه ولقد نبّئت بهذا المقام وهذا اليوم» (2).


____________

(1) كمال الدين: 2|79، عن غيبة النعماني.
(2) أُصول الكافي: 1|369.


( 262 )






( 263 )

الباب السابع

الفصل الثالث

فضيلة انتظار الفرج


( 264 )





( 265 )

20


«فضيلة انتظار الفرج»

1ـ حدَّثنا أبي ـ رضي اللّه عنه ـ قال: حدَّثنا سعد بن عبد اللّه قال: حدَّثني محمّد ابن عيسى بن عبيد اليقطيني، عن القاسم بن يحيى، عن جدِّه الحسن بن راشد، عن أبي بصير؛ ومحمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه _ عليه السلام _ قال: «حدَّثني أبي، عن جدِّي، عن آبائي _ عليهم السلام _ : علّم أصحابه في مجلس واحد أربعمائة باب ممّا يصلح للمسلم في دينه ودنياه، قال _ عليه السلام _ : ... انْتَظِرُوا الفَرَجَ ولا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللّهِ، فإنَّ أحبَّ الاَعَمالِ إلى اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ انْتِظَارُ الفَرَجِ، مَا دَامَ عَلَيْهِ العَبْدُ المُوَمِنُ ... والمُنْتَظِرُ لاَمْرِنَا كَالمُشحِّطُ بِدَمِهِ في سَبيلِ اللّهِ» (1).

2ـ عن عليّ قال: «مَنْ أدركَ ذلك الزَّمانَ فلا يَطعَنْ برمحٍ، ولا يَضْـرِبْ بسَيفٍ، ولا يَرْمِ بِحَجَرٍ، واصْـبِرُوا! فإنَّ العاقِبَةَ للمُتَّقين» (2).


____________

(1) الخصال: 2|610 و 616 و 625 ، البحار: 52|123 ـ عن الخصال، تحف العقول: 106 و115 ـ كما في الخصال مرسلاً، وفيه: «... فإنَّ أحَبَّ الاَُمُورِ ... وَمَا دَاوَمَ عَلَيْهِ المُوَْمِنُ»، كمال الدين: 2|645 ـ حدَّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ـ رضي اللّه عنه ـ قال: حدَّثنا محمّد بن الحسن الصفار، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن القاسم بن يحيى، عن جدِّه الحسن بن راشد، عن أبي بصير؛ ومحمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه، عن آبائه، عن أمير الموَمنين _ عليهم السلام _ قال: ـ آخرهـ، منتخب الاَثر: 496 و 498، كشف اليقين: 67ـ مرسلاً عنه _ عليه السلام _ ، وفيه: «أَفْضَلُ العِبادَةِ الصَّبْـرُ والصَّمْتُ وَإِنْتِظارُ الفَرَجِ».
(2) كنز العمال: 11|259 حديث (31453).


( 266 )

3ـ قال _ عليه السلام _ : «انتظار الفرج من أعظم الفرج» (1).

4ـ قال _ عليه السلام _ : «انتظار الفرج من الفرج» (2).

5ـ «أفضل عبادة الموَمن انتظار فرج اللّه» (3).

6ـ قال زيد بن صوحان العبدي: يا أمير الموَمنين! ... فأيّ الاَعمال أحبّ إلى اللّه عزَّ وجلَّ؟

قال _ عليه السلام _ : «انتظار الفرج» (4).

7ـ ابن الوليد، عن الصفّار، عن الرقي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل، عن زرارة، عن أبي جعفر _ عليه السلام _ ، قال: «قال أمير الموَمنين ـ عليه السلام ـ : قوام الدِّين بأربعة: بعالم ناطق مستعمل له، وبغني لا يبخل بفضله على أهل دين اللّه، وبفقير لا يبيع آخرته بدنياه، وبجاهل لا يتكبّـر عن طلب العلم.

فإذا كتم العالم علمه، وبخل الغني بماله، وباع الفقير آخرته بدنياه، واستكبر الجاهل عن طلب العلم، رجعت الدُّنيا إلى ورائها القهقرى، فلا تغرّنكم كثرة المساجد، وأجساد قوم مختلفة».

قيل: يا أمير الموَمنين! كيف العيش في ذلك الزَّمان؟

فقال _ عليه السلام _ : «خالطوهم بالبرّانية ـ يعني في الظاهرـ ، وخالفوهم في الباطن.

المرء ما اكتسب، وهو مع مَنْ أحبَّ، وانتظروا مع ذلك الفرج من اللّه عزَّ وجل»(5).


____________

(1) البحار: 53|123.
(2) المصدر نفسه: 53|131.
(3) الكافي: 5|291، ب (47)، ح (440).
(4) مواعظ الصدوق: 61، البحار: 52|122.
(5) البحار: 2|67، ح (9).


( 267 )

8ـ أبي، عن محمّد بن عيسى، عن خلف بن حماد، عن عليّ بن عثمان بن رزين، عمّن رواه، عن أمير الموَمنين _ عليه السلام _ قال: «ست خصال مَنْ كُنَّ فيه كان بين يدي اللّه وعن يمينه: إنّ اللّهَ يحبُّ المرء المسلم الذي يحبُّ لاَخيه ما يحبُّ لنفسه، ويكره له ما يكره لنفسه، ويناصحه الولاية، ويعرف فضلي، ويطأ عقبي، وينتظر عاقبتي» (1).

9ـ وروى لي محمّد بن إبراهيم بن إسحاق (رضي اللّه عنه)، عَنْ أحمد بن محمّد بن سعيد الهمداني، قال: حدَّثني الحسن بن القاسم قراءة، قال: حدَّثنا عليُّ بن إبراهيم بن المعلّـى، قال: حدَّثنا أبو عبد اللّه محمّد بن خالد، قال: حدَّثنا عبد اللّه بن بكر المرادي، عن موسى بن جعفر، عن أبيه، عن جدِّه، عن عليِّ بن الحسين، عن أبيه _ عليهم السلام _ .

قال: بينا أمير الموَمنين _ عليه السلام _ ذات يوم جالس مع أصحابه يعبّئهم للحرب، إذ أتاه شيخ عليه شحبة (2)السفر، فقال: أينَ أمير الموَمنين؟ فقيل: هو ذا هو فسلَّم عليه، ثمَّ قال: يا أمير الموَمنين! إنّي أتيتك مِنْ ناحية الشّام وأنا شيخ كبير قد سمعت فيكَ مِنَ الفضل ما لا أحصي، وإنّي أظنّك ستغتال، فعلّمني ممّا علَّمك اللّه.

قال _ عليه السلام _ : نعم، يا شيخ! مَنِ اعتدلَ يوماه فهو مغبون، وَمَنْ كانت الدُّنيا همته اشتدَّت حسرته عند فراقها، وَمَنْ كان غده شر يوميه فهو محروم، وَمَنْ لم يبال بما رزي من آخرته إذا سلمت له دُنياه فهو هالك، وَمَنْ لم يتعاهد النقص مِنْ نفسه غلب عليه الهوى، وَمَنْ كان في نقص فالموت خير له.

يا شيخ! إرض للنّاس ما ترضى لنفسك، وأئت إلى النّاس ما تحبُّ أن يوَتى إليك.


____________

(1) البحار: 27|89 ـ 90، ح (41).
بيان: لعلَّ المراد ـ بالعاقبة ـ دولته ودولة ولده _ عليهما السلام _ في الرجعة أو في القيامة، كما قال تعالى: (والعاقبة للمتّقين) (القصص ـ 73).
ويحتمل أن يكون المراد ـ بالعاقبة ـ هنا: الولد أو آخر الاَولاد، فإنَّ العاقبة تكون بمعنى الولد.
وآخر كل شيء كما ذكره «الفيروزآبادي»: انتظار الفرج بظهور القائم _ عليه السلام _ .
(2) الشحبة: صفة الشاحب وهو المتغيّـر اللون لعرض أو مرض أو سفر أو سهر ونحو ذلك.


( 268 )

ثمَّ أقبل على أصحابه، فقال: أيُّها النّاس! أما ترون إلى أهل الدُّنيا يمسون ويصبحون على أحوال شتى، فبين صريع يتلوّى، وبين عائد ومعود، وآخر بنفسه يجود، وآخر لا يُرجى، وآخر مسجّى، وطالب الدُّنيا والموت يطلبه، وغافل وليس بمغفول عنه، وعلى إثر الماضي يصير الباقي.

فقال له زيد بن صوحان العبدي: يا أمير الموَمنين أيّ سلطان أغلب وأقوى؟ قال _ عليه السلام _ : الهوى، قال: فأيّ ذل أذل؟ قال _ عليه السلام _ : الحرص على الدُّنيا، قال: فأيّ فقر أشد؟ قال _ عليه السلام _ : الكفر بعد الاِيمان، قال: فأي دعوة أضل؟ قال _ عليه السلام _ : الدّاعي بما لا يكون.

قال: فأيّ عمل أفضل؟ قال _ عليه السلام _ : التقوى، قال: فأيّ عمل أنجح؟ قال _ عليه السلام _ : طلب ما عند اللّه عزَّ وجلَّ، قال: فأيّ صاحب لك شر؟ قال ـ عليه السلام ـ : المزيّن لكَ معصية اللّه عزَّ وجل، قال: فأيّ الخلق أشقى؟ قال ـ عليه السلام ـ : مَن باع دينه بدنيا غيره، قال: فأيّ الخلق أقوى؟ قال _ عليه السلام _ : الحليم، قال: فأيّ الخلق أشح؟ قال _ عليه السلام _ : مَنْ أخذ المال من غير حلّه، فجعله في غير حقّه.

قال: فأيّ النّاس أكيس؟ قال _ عليه السلام _ : مَنْ أبصرَ رشدهُ مِنْ غيّه، فمال إلى رشده، قال: فَمَنْ أحلم النّاس؟ قال _ عليه السلام _ : الذي لا يغضب، قال: فأيّ النّاس أثبت رأياً؟ قال _ عليه السلام _: مَنْ لم يغرّه النّاس مِنْ نفسه، ولم تغرّه الدُّنيا بتشوّقها، قال: فأيّ النّاس أحمق؟ قال _ عليه السلام _: المغترّ بالدُّنيا وهو يرى ما فيها مِنْ تَقَلّب أحوالها، قال: فأيّ النّاس أشدّ حسرة؟ قال _ عليه السلام _ : الذي حُرِمَ الدُّنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين، قال: فأيّ الخلق أعمى؟ قال ـ عليه السلام ـ الذي عمل لغير اللّه، يطلب بعمله الثواب مِنْ عند اللّه عزَّ وجلَّ، قال: فأيّ القنوع أفضل؟ قال _ عليه السلام _ : القانع بما أعطاه اللّه عزَّ وجلَّ، قال: فأيّ المصائب أشدّ؟ قال _ عليه السلام _ : المصيبة بالدين.

قال: فأيّ الاَعمال أحبّ إلى اللّه عزَّ وجلَّ، قال _ عليه السلام _ : انتظار الفرج، قال: فأيّ النّاس خيرٌ عند اللّه؟ قال _ عليه السلام _ : أخوفهم للّه وأعملهم بالتقوى وأزهدهم


( 269 )
فيالدُّنيا، قال: فأيّ الكلام أفضل عند اللّه عزَّ وجلَّ؟ قال _ عليه السلام _ : كثرة ذكره والتضرّعإليه بالدعاء، قال: فأيّ القول أصـدق؟ قال _ عليه السلام _ : شهــادة أن لا إلـه إلاّ اللّه.

قال: فأيّ الاَعمال أعظم عند اللّه عزَّ وجلَّ؟ قال _ عليه السلام _ : التسليم والورع، قال: فأيّ النّاس أصدق؟ قال _ عليه السلام _ : مَنْ صدق في المواطن.

ثمَّ أقبل _ عليه السلام _ على الشيخ، فقال: يا شيخ! إنَّ اللّه عزَّ وجلَّ خلق خلقاً ضيّق الدُّنيا عليهم، نظراً لهم فزهَّدهم فيها وفي حطامها، فرغبوا في دار السلام التي دعاهم إليها، وصبروا على ضيق المعيشة وصبروا على المكروه، واشتاقوا إلى ما عند اللّه عزَّ وجلَّ مِنَ الكرامة، فبذلوا أنفسهم ابتغاء رضوان اللّه.

وكانت خاتمة أعمالهم الشهادة، فلقوا اللّه عزَّ وجلَّ وهو عنهم راضٍ، وعلموا أنَّ الموت سبيل مَنْ مضى وَمَنْ بقي، فتَزوَّدوا لآخرتهم غير الذهب والفضّة، ولبسوا الخشن، وصبروا على البلوى، وقدَّموا الفضل، وأحبّوا في اللّه وأبغضوا في اللّه عزَّ وجلَّ، أُولئِكَ المصابيح وأهل النعيم في الآخرة، والسَّلام.

قال الشيخُ: فأين أذهب وأدع الجنّة وأنا أراها وأرى أهلها معك يا أمير الموَمنين، جهّزني بقوَّةٍ أتقوى بها على عدوّك؟

فأعطاه أمير الموَمنين _ عليه السلام _ سلاحاً وحمله، وكان في الحرب بين يدي أمير الموَمنين _ عليه السلام _ يضرب قُدماً وأمير الموَمنين _ عليه السلام _ يعجب ممّا يصنع.

«فلمّـا اشتدَّ الحرب أقدم فرسه حتى قُتل ـ رحمة اللّه عليه ـ، واتَّبعه رجلٌ مِنْ أصحاب أمير الموَمنين _ عليه السلام _ فوجده صريعاً ووجد دابَّته ووجد سيفه في ذراعه، فلمّـا انقضت الحرب أتى أمير الموَمنين _ عليه السلام _ بدابَّته وسلاحه، وصلّـى عليه أمير الموَمنين _ عليه السلام _ ، وقال: هذا واللّه السَّعيد حقّاً فترحّموا على أخيكم» (1).


____________

(1) مَن لا يحضره الفقيه: 4|273.


( 270 )

10ـ عن عبيد بن كثير ـ معنعناً ـ، عن أمير الموَمنين عليّ بن أبي طالب ـ عليه السلام ـ قال: «أنا ورسول اللّه _ صلى الله عليه وآله وسلم _ على الحوض، ومعنا عترتنا، فَمَنْ أرادنا فليأخذ بقولنا، وليعمل بأعمالنا.

فإنَّا أهل البيت لنا شفاعة، فتنافسوا في لقائنا على الحوض، فانَّا نذود عنه أعداءنا، وسنقي منه أولياءنا، وَمَنْ شَـرِبَ منه لم يظمأ أبداً، وحوضنا مترع فيه ـ مَثعبان ـ ينصبّان من الجنّة، أحدهما ـ تسنيم، والآخر ـ مَعين، على حافّتيه الزعفران، وحصباه الدُّرُ والياقوت.

وإنَّ الاَُمور إلى اللّه وليست إلى العباد، ولو كانت إلى العباد ما اختاروا علينا أحداً، ولكنّه يختصُّ برحمته مَنْ يشاء من عباده، فأحمد اللّه على ما اختصّكم بهِ مِنَ النعم، وعلى طيب المولد.

فإنَّ ذكرنا أهل البيت شفاء من الوعك والاَسقام ووسواس الريب، وإنّ حبّنا رضى الربّ، والآخذ بأمرنا وطريقتنا معنا غداً في حظيرة القدس، والمنتظر لاَمرنا كالمتشحّط بدمه في سبيل اللّه، وَمَنْ سمع واعيتنا فلم ينصرنا أكبّه اللّه على منخريه في النّار.

نحنُ الباب إذا بعثوا فضاقت بهم المذاهب، نحنُ باب حطّة وهو باب الاِسلام مَنْ دخله نجا، وَمَنْ تخلَّف عنه هوى.

بنا فتح اللّه وبنا يختم، وبنا يمحو اللّه ما يشاء ويثبت، وبنا ينزِّل الغيث، فلا يغرِّنّكم باللّه الغرور لو تعلمون ما لكم في الغناء بين أعدائكم، وصبركم على الاَذى لقرَّت أعينكم، ولو فقدتموني لرأيتم أُموراً يتمنّى أحدكم الموت ممّا يرى مِنَ الجور والعدوان والاَثرة والاستخفاف بحقِّ اللّه والخوف، فإذا كان كذلك فاعتصموا بحبل اللّه جميعاً ولا تفرَّقوا، وعليكم بالصبر والصلاة والتقيّة.

واعلموا أنّ اللّه تبارَك وتعالى يبغض من عباده المتلوِّن، فلا تزولوا عن الحقِّ، وولاية أهل الحقِّ، فانَّه مَنْ استبدل بنا هلك، وَمَنْ اتّبع أثرنا لحق، وَمَنْ سلك غير طريقنا غرق.


( 271 )

وإنَّ لمحبّينا أفواجاً من رحمة اللّه، وإنَّ لمبغضينا أفواجاً مِنْ عذاب اللّه، طريقنا القصد، وفي أمرنا الرشد، أهل الجنَّة ينظرون إلى منازل شيعتنا كما يرى الكوكب الدَّريّ في السمّـاء، لا يضلَّ مَنْ اتّبعنا، ولا يهتدي مَنْ أنكرنا، ولا ينجو مَنْ أعان علينا [عدوَّنا]، ولا يعان مَنْ أسلمنا، فلا تخلّفوا عنّا لطمع دُنيا بحطام زائل عنكم، [وأنتم] تزولون عنه، فإنَّه مَنْ آثر الدُّنيا علينا عظمت حسرته، وقال اللّه تعالى: "يا حسرتي على ما فرَّطتُ في جنب اللّه" (الزمر ـ56).

سراج الموَمن معرفة حقّنا، وأشدُّ العمى مَنْ عمي من فضلنا وناصبَنا العداوة بلا ذنب إلاّ أن دعوناه إلى الحقِّ، ودعاه غيرنا إلى الفتنة فآثرها، لنا راية مَن استظلّ بها كنّته، وَمَنْ سَبق إليها فاز، ومَنْ تَخلّف عنها هلك، وَمَنْ تَمَسَّكَ بها نجا.

أنتم عمّـار الاَرض [الّذين] استخلفكم فيها، لينظر كيف تعملون، فراقبوا اللّه فيما يرى منكم، وعليكم بالمحجّة العظمى فاسلكوها، لا يستبدل بكم غيركم "سابقوا إلى مغفرة من ربّكم وجنَّة عرضها السموات والاَرض أُعدَّت للمتّقين" (الحديد ـ 21).

فاعلموا أنَّكم لَنْ تنالوها إلاّ بالتقوى، وَمَن ترك الاَخذ عمّن أمر اللّه بطاعته، قيّض اللّهُ له شيطاناً فَهوَ لَهُ قَرين، ما بالكم قد ركنتم إلى الدُّنيا، ورضيتم بالضَّيم، وفرَّطتم فيما فيه عزَّكم وسعادتكم وقوَّتكم على مَنْ بغي عليكم، لا مِنْ ربِّكم تستحيون ولا لاَنفسكم تنظرون.

وأنتم في كلِّ يوم تضامون، ولا تنتبهون مِنْ رقدتكم، ولا تنقضي فترتكم، أما ترون [إلى] دينكم يبلى، وأنتم في غفلة الدُّنيا، قال اللّهُ عزَّ ذكره: "ولا تركنوا إلى الّذين ظلموا فتمسّكم النّار ومالكم من دون اللّهِ من أولياء ثمَّ لا تنصرون"(هود ـ 113) (1).


____________

(1) البحار: 68|61، ح (113)، تفسير فرات: 137ـ 139.
توضيح: اتّرع ـ كافتعل ـ امتلاَ، قاله الفيروزآبادي، وقال: مثاعب المدينة ـ مسايل مائها، وقال: الواعية ـ الصراخ والصوت، لا الصارخة، ووهم الجوهريُّ، وقال: كنّه ـ ستره، وقال: قيّض اللّه فلاناً لفلان ـ جاء به وأتاحه له، وقيّضنا لهم قرناء: سبّبنا لهم مِنْ حيث لا تحبّونه، وقال: الضَّيمـ الظلم.