المناقب - الموفق الخوارزمي - ص 363 : -

الفصل الرابع والعشرون في بيان شئ من جوامع كلمه وبوالغ حكمه

 377 - أخبرنا الشيخ الإمام الزاهد أبو الحسن علي بن أحمد العاصمي الخوارزمي ، أخبرني القاضي الإمام شيخ القضاة إسماعيل بن أحمد الواعظ ، أخبرنا والدي شيخ السنة أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي ، أخبرني محمد بن عبد الله الحافظ ، حدثنا أبو عبد الله علي بن عبد الله العطار ببغداد ، حدثنا علي بن حرب الموصلي حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن عطاء بن سائب ، عن أبي عبد الرحمان السلمى قال : خطب علي بن أبي طالب عليه السلام بالكوفة فقال : أيها الناس ، ان أخوف ما أخاف عليكم : طول الأمل وإتباع الهوى ، فأما طول الأمل فينسى الآخرة ، وأما اتباع الهوى فيصد عن الحق ، ألا ان الدنيا قد ولت مدبرة ( 1 ) والآخرة مقبلة ولكل واحدة منهما بنون ، فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا ، فان اليوم عمل ولا حساب وغدا " حساب ولا عمل ( 2 ) .

 378 - وبهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين هذا ، أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرنا أبو الحسين أحمد بن عثمان بن يحيى الآدمي ، حدثنا أحمد بن عبد الجبار العطاردي ، حدثنا يونس بن بكير ، عن عنبسة بن الأزهري ، عن يحيى بن

  ( 1 ) في نهج البلاغة : حذاء .
( 2 ) رواه ابن عساكر في علي عليه السلام 3 / 260 ورواه أيضا نصر بن مزاحم في وقعة صفين / 3
 . [ * ]
 
 

- ص 364 -

عقيل ، عن علي بن أبي طالب عليه السلام انه قال لعمر : يا أمير المؤمنين ان سرك ان تلحق بصاحبك فاقصر الأمل ، وكل دون الشبع ، واكس الازار ، وارقع القميص ( 1 ) واخصف النعل تلحق بهم .

 379 - وبهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين ، أخبرنا أبو الحسين بن بشران ، أخبرنا أبو علي الحسين بن صفوان ، حدثنا عبد الله بن أبي الدنيا ، حدثنا الحسين بن عبد الرحمان ، حدثنا عبيدالله بن محمد التقى عن شيخ من بني عدى قال : قال رجل لعلي بن أبي طالب عليه السلام : يا أمير المؤمنين صف لنا الدنيا ، قال : وما أصف لك من دار من صح فيها أمن ، ومن سلم فيها ندم ، ومن افتقر فيها حزن ، ومن استغنى فيها فتن ، في حلالها حساب وفي حرامها النار ( 2 ) .

 380 - وبهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين هذا ، اخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، حدثني أبو جعفر محمد بن علي الزوزني الأديب ، حدثنا علي بن القاسم النحوي الأديب قال : سمعت عبد الله بن عروة الهروي يذكر باسناد له عن الأحنف بن قيس قال : ما سمعت بعد كلام رسول الله صلى الله عليه وآله أحسن من كلام أمير المؤمنين علي عليه السلام حيث يقول : ان للنكبات نهايات لابد لأحد إذا نكب من أن ينتهي إليها ، فينبغي للعاقل إذا أصابته نكبة ان ينام لها حتى تنقضي مدتها ، فان في دفعها قبل انقضاء مدتها زيادة في مكروهها وفي مثله يقول القائل : الدهر يخنق أحيانا " قلادته * فاصبر عليه ولا تجزع ولا تثب حتى يفرجها في حال شدتها * فقد يزيد أختناقا " كل مضطرب

  ( 1 ) في [ ر ] : ارفع القميص .
( 2 ) هكذا في المخطوطتين الموجودتين بأيدينا ولكن في نهج البلاغة : ما اصف من دار أولها عناء ، وآخرها فناء ، في حلالها حساب وفي حرامها عقاب ، من استغنى فيها فتن ، ومن افتقر فيها حزن . . انظر الخطبة رقم : 82
 . [ * ]
 
 

- ص 365 -

 381 - وبهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين هذا ، أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرنا أبو حامد أحمد بن محمد بن الحسين الخسروجردى بخسروجرد ( 1 ) حدثني عيسى بن محمد ، حدثنا الحسن بن حماد بن حمدان العطار ، حدثنا أبو حمزة محمد بن ميمون السكوني ، أخبرني إبراهيم بن الصائغ ، عن حماد بن إبراهيم قال : قال على ابن أبي طالب عليه السلام : التوفيق خير قائد وحسن الخلق خير قرين ، والعقل خير صاحب ، والأدب خير ميراث ولا وحشة أشد من العجب ( 4 ) .

 382 - وبهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين هذا ، أخبرنا أبو عبد الله ، أخبرنا أبو حامد ، حدثنا عيسى حدثنا الحسن ، حدثنا أبو حمزة ، أخبرني إبراهيم ، عن حماد ، عن إبراهيم : ان علي بن أبي طالب عليه السلام جمع الدنيا والآخرة في خمس كلمات كان يقول : اللهم إني أسألك من الدنيا وما فيها ، ما أسد به لساني وأحصن به فرجي وأؤدي به أمانتي وأصل به رحمي واتجر به لآخرتي .

 383 - وبهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين هذا ، أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، حدثني بكر بن محمد بن سهل بن الحداد الصوفي بمكة ، قال : حدثنا البيهقي ، واخبرنا أبو طاهر الحسين بن علي بن الحسن بن محمد بن سلمة الهمداني بها ، حدثنا أبو بكر عمر بن أحمد بن القاسم الفقيه بنهاوند - املاء - قالا حدثني موسى بن إسحاق الأنصاري ، حدثنا أبو نعيم ضرار بن صرد ، حدثنا عاصم ابن حميد الحناط ، عن أبي حمزة الثمالي ، عن عبد الرحمان بن جندب الفزاري ، عن كميل بن زياد النخعي قال : اخذ بيدي على وأخرجني إلى ناحية الجبانة ( 3 ) فلما اصحر جلس ثم تنفس ثم قال يا كميل أحفظ ما أقول لك : القلوب أوعية ، خيرها أوعاها الناس ثلاثة : فعالم رباني ومتعلم على سبيل

  ( 1 ) خسروجرد ، بضم أوله وجرد بالجيم المكسورة وراء ساكنة ودال ، مدينة كانت قصبة بيهق من أعمال نيسابور - مراصد الاطلاع ومعجم البلدان .
( 2 ) رواه ابن عساكر في ترجمة الإمام علي عليه السلام 3 / 286 .
( 3 ) الجبان والجبانة بالتشديد : الصحراء وتسمى بهما المقابر أيضا
" . [ * ] 
 
 

- ص 366 -

نجاة وهمج رعاع اتباع كل ناعق ( 1 ) يميلون مع كل ريح ، لم يستضيئوا بنور العلم ولم يلجؤوا إلى ركن وثيق ، العلم خير من المال ، العلم يحرسك وأنت تحرس المال ، والعلم يزكو على العمل والمال تنقصه النفقة ، محبة العالم دين يدان بها يتكسبه الطاعة في حياته .

[ وفي رواية أبي عبد الله عليه السلام : صحبة العالم دين يدان بها باكتساب الطاعة في حياته ] وجميل الاحدوثة بعد موته ، والعلم حاكم والمال محكوم عليه ، وصنيعة المال تزول بزواله

[ وفي رواية أبي عبد الله عليه السلام : يفنى المال بزوال صاحبه ] مات خزان الأموال وهم أحياء ، والعلماء باقون ما بقى الدهر ، أعيانهم مفقودة وأمثالهم في القلوب موجودة ، ها ان هاهنا وأومئ بيده إلى صدره : علما لو أصبت له حملة بلى أصبت لقنا غير مأمون عليه يستعمل آلة الدين للدنيا ويستظهر بنعم الله على عباده وبحجته على كتابه أو منقاد لأهل الحق لا بصيرة له في إحيائه ، يقدح الشك في قلبه بأول شبهة لاذا ولا ذاك ، أو منهوما باللذة .

[ وفي رواية أبي عبد الله عليه السلام : بالدنيا ] سلس القياد للشهوات ، أو مغرما بجمع الأموال والاذخار ليسا من دعاة الدين أقرب شبها بهما الأنعام السائمة كذلك يموت العلم بموت حامليه ، اللهم بلى لا تخلو الأرض من قائم بحجة ، [ وفي رواية أبي عبد الله عليه السلام بلى لن تخلو الأرض من قائم لله بحجة ] ( 2 ) لئلا تبطل حجج الله وبيناته

  ( 1 ) الهمج بالتحريك : جمع همجة وهي ذباب صغير كالبعوض . . والرعاع : الأحداث الطغام من العوام والسفلة وأمثالها النعيق : صوت الراعي نغمه ويقال لصوت الغراب أيضا " .
( 2 ) هذه العبارات الموجودة بين المعقوفات ، والمروية عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام التي توسطت كلام الإمام أمير المؤمنين عليه السلام هنا ، اغلب الظن انها كتبها احد العلماء في
حاشية الكتاب الحاضر ثم أدرجها المستنسخ في متن الكتاب بسبب المناسبة بين الكلامين .ونحن تركناها على حالها . كما ان هذا الحديث الملقى من قبل أمير المؤمنين عليه السلام على تلميذه الخاص كميل بن [ * ] 
 
 

- ص 367 -

أولئك الأقلون عددا " ، الاعظمون عند الله قدرا " بهم يدفع الله عن حججه حتى يؤدوها إلى نظرائهم ويزرعوها في قلوب أشباههم ، هجم بهم العلم على حقيقة الأمر فاستلانوا ما استوعر منه المترفون وأنسوا بما استوحش الجاهلون وصحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلقة بالمحل الأعلى أولئك خلفاء الله في عباده والدعاة إلى دينه هاه شوقا إليهم واستغفر الله لي ولك ، إذا شئت ( 1 ) فقم ( 2 ) .

 384 - وبهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين هذا ، أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان ، أخبرنا أبو سهل بن زياد القطان ، حدثنا عبد الله بن روح المدايني ، حدثنا شبابة بن سوار ، حدثنا شعيب بن ميمون الواسطي ، عن حصين بن عبد الرحمان ، عن عبد خير ، عن علي عليه السلام : أحبب حبيبك هوناما ، فعسى ان يكون بغيضك يوما " ما ، وابغض بغيضك هوناما ، عسى أن يكون حبيبك يوما " ما ( 3 ) .

 385 - وبهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين هذا ، أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرنا أبو حامد أحمد بن محمد بن الحسين الخسروجردى بخسروجرد قال : سمعت داود بن الحسين يذكر عن الحافظ قال : لوددت ان لى سبع كلمات قالهن أمير المؤمنين علي عليه السلام وكل ما قلته لم ينسب إلى وهي : استغفر

  ( 1 ) زياد النخعي يختلف بعض الاختلاف عما ورد في نهج البلاغة وقد تركناه أيضا " على حاله .
( 1 ) " إذا شئت فقم " قال ابن أبي الحديد : وهذه الكلمة من محاسن الآداب ، ومن لطائف الكلم لانه لم يقتصر على ان قال " انصرف " كيلا يكون امرا وحكما بالانصراف لا محالة ، فيكون فيه نوع علو عليه ، فاتبع ذلك بقوله : " إذا شئت " ليخرجه من ذل الحكم وقهر الامر إلى عزة المشيئة والاختيار - شرح نهج البلاغة 18 / 352 .
( 2 ) نهج البلاغة لعبده 3 / 186 - ك 147 - ورواه أبو نعيم في حلية الأولياء 1 / 79 - وذكره أبو إسحاق الثقفي في الغارات 1 / 147 .
( 3 ) نهج البلاغة لعبده ك 268 ورواه أيضا " ابن حنبل في فضائل الصحابة 1 / 336 - والهون بالفتح - الحقير ، والمراد منه الخفيف لا مبالغة فيه إلى لا تبالغ في الحب ولا في البغض فعسى ان ينقلب كل إلى ضده فلا تعظم ندامتك على ما قدمت منه
. [ * ] 
 
 

- ص 368 -

الله حق قدره ، من لانت كلمته وجبت مودته ، ما ضاع امرء ، عرف قدره ، من جهل شيئا عاداه ، قيمة كل امرء ما يحسنه ، تفضل على من شئت تكن أميره ، واستغن عمن شئت تكن نظيره .

 386 - وبهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين هذا ، أخبرنا أبو الحسين بن بشران ، أخبرنا الحسين بن صفوان ، حدثنا عبد الله بن أبي الدنيا ، حدثنا عفان بن مخلد ، حدثنا وكيع ، ن اياس بن أبي تميمة قال : سمعت عطاء يقول : استعمل علي بن أبي طالب عليه السلام رجلا " على سرية فقال : أوصيك بتقوى الله الذي لا بد لك من لقائه ولا منتهى لك دونه وهو يملك الدنيا والآخرة .

 387 - وبهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين هذا ، أخبرنا أبو الحسين ، حدثنا ابن أبي الدنيا ، حدثنا محمد بن الحسين ، حدثنا خلف بن تميم ، حدثنا عمر بن الزحال الحنفي ، حدثنا العلاء بن المسيب ، حدثنا أبو إسحاق ، عن عبد خير قال : قال علي عليه السلام : لا يقل عمل مع تقوى وكيف يقل ما يتقبل ( 1 ) .

 388 - وبهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين هذا ، أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ ، حدثنا أبو محمد القاسم بن غانم بن حموية بن الحسين ، أخبرني أبو الحجاف الفروس بن القرضاب البرنى من ولد عفير - صاحب رسول الله - قال حدثني عبيد بن الصباح النهدي حدثني زرعة بن شداد حدثني شجاع بن وادعة - صاحب جابر بن عبد الله الأنصاري - قال حدثني جابر بن عبد الله الأنصاري قال : دخلت على أمير المؤمنين عليه السلام لأعوده من بعض علله ، فلما نظر إلى قال : يا جابر بن عبد الله الأنصاري ، قوام الدين بأربعة : عالم مستعمل لعلمه وجاهل لا يستنكف ان يتعلمه وغنى جواد بمعروفه وفقير لا يبيع آخرته بدنياه ، فإذا عطل العالم علمه ، استنكف الجاهل أن يتعلمه ، وإذا بخل الغني بمعروفه باع الفقير آخرته بدنياه ، وإذا كان ذلك

  ( 1 ) نهج البلاغة لعبده ك 95 رواه أيضا " ابن عساكر في ترجمة الإمام علي عليه السلام 3 / 283  . [ * ]  
 

- ص 369 -

فالويل ثم الويل ، يا جابر بن عبد الله - سبعين مرة - من كثرت نعماء الله عنده ، كثرت حوائج المخلوقين إليه، فان قام بما أمر الله عرضها للدوام ، فان لم يعمل فيها بما أمر الله عرضها للزوال والفناء ( 1 ) ثم انشأ أمير المؤمنين يقول :

ما أحسن الدنيا وإقبالها * إذا أطاع الله من نالها
من لم يواس الناس من فضله * عرض للادبار إقبالها
فاحذر زوال الفضل يا جابرا " * وأعط من الدنيا لمن سألها
فان ذا العرش جزيل العطا * يضعف بالجنة أمثالها

قال جابر : ثم هزني إليه هزة ، خيل لي ان عضدي خرجت من كاهلي . قال : يا جابر بن عبد الله ، حوائج الناس إليكم نعم من الله عليكم فلا تملوا النعم فتحل بكم النقم ، واعلموا ان خير المال ما اكتسب به حمدا " وأعقب أجرا " ثم انشأ يقول :

لا تخضعن لمخلوق على طمع * فان ذلك وهن منك في الدين
وسل إلهك مما في خزائنه * فانما هي بين الكاف والنون
اما
ترى كل من ترجو وتأمله * من البرية مسكين ابن مسكين
ما أحسن الجود في الدنيا وفي الدين * وأقبح البخل ممن صيغ من طين

ثم قال جابر بن عبد الله : فهممت أن أقوم ، فقال : وانا معك يا جابر ، قال فلبس نعليه وألقى رداءه على منكبيه وطائفة فوق قذاله ( 2 ) فلما ان بلغنا جبانة الكوفة ، سلم على أهل القبور فسمعت ضجة وهدة ، فقلت : يا أمير المؤمنين ما هذه الضجة وما هذه الهدة ؟ فقال : هؤلاء إخواننا كانوا بالأمس معنا واليوم فارقونا ، إخوان لا يزاورون ، واوداء لا يعادون ، ثم خلع

  ( 1 ) نهج البلاغة لعبده 3 / 242 ك 372 .
( 2 ) الطائف : طرف الثوب المجتمع ، والقذال : جماع مؤخر الرأس ، ومعنى الجملة : ان أمير المؤمنين عليه السلام جمع ووضع طرف ثوبه على مؤخرة رأسه
. [ * ] 
 
 

- ص 370 -

نعليه وحسر عن رأسه وذراعيه وقال : يا جابر بن عبد الله ، أعطوا من دنياكم الفانية لآخرتكم الباقية ، ومن حياتكم لموتكم ، ومن صحتكم لسقمكم ، ومن غناكم لفقركم ، اليوم في الدور ، وغدا " في القبور ، والى الله تصير الأمور ، ثم انشأ يقول :

سلام على أهل القبور الدوارس * كأنهم لم يجلسوا في المجالس
ولم يشربوا من بارد الماء شربة * ولم يأكلوا من كل رطب ويابس .

 389 - وبهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين هذا ، أخبرنا أبو الحسين بن بشران العدل ببغداد ، أخبرنا أبو على الحسين بن صفوان ، حدثنا عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا ، حدثني علي بن الحسين بن عبد الله ، عن ( 1 ) عبد الله بن صالح بن مسلم العجلي ، أخبرنا رجل من بني شيبان ، ان علي بن أبي طالب عليه السلام خطب فقال : الحمد لله أحمده واستعينه وأومن به وأتوكل عليه وأشهد ان لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له وان محمدا " عبده ورسوله ، أرسله بالهدى ودين الحق ، ليزيح به علتكم ويوقظ به غفلتكم ، واعلموا إنكم ميتون ومبعوثون من بعد الموت ، وموفون على اعمالكم ومجزيون فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور ، فإنها دار بالبلاء محفوفة وبالفناء معروفة وبالغدر موصوفة ، وكل ما فيها إلى زوال وهي بين أهلها دول وسجال لا تدوم أحوالها ولن يسلم من شرها نزالها بينا أهلها منها في رخاء وسرور إذا هم منها في بلاء وغرور أحوال مختلفة وتارات متصرفة ، العيش فيها مذموم والرخاء فيها لا يدوم وإنما أهلها فيها أغراض مستهدفة ترميهم بسهامها وتقصمهم بحمامها ( 2 ) وكل حتفه فيها مقدور وحظه فيها موفور واعلموا عباد الله إنكم وما أنتم فيه من هذه الدنيا على سبيل من قد مضى ممن كانوا أطول منكم أعمارا واشد منكم

  ( 1 ) هكذا في المطبوع ولكن في المخطوطتين : ابن عبد الله بن صالح .         ( 2 ) الحمام بالكسر : الموت . [ * ]   
 

- ص 370 -

بطشا وأعمر ديارا " وابعد آثارا فأصبحت أصواتهم خامدة من بعد طول تعليها وأجسادهم بالية وديارهم خالية وآثارهم عافية واستبدلوا بالقصورة المشيدة والسرر [ المنضدة ] والنمارق الممهدة ، الصخور والأحجار المسندة في القبور اللاطئة الملحدة ( 1 ) التي قد بني للخراب فناؤها وشيد بالتراب بناؤها فمحلها مقترب وساكنها مغترب بين أهل عمارة وموحشين وأهل محلة متشاغلين لا يستأنسون بالعمران ولا يتواصلون تواصل الجيران والاخوان على ما بينهم من قرب الجوار ودنو الدار وكيف يكون بينهم تواصل وقد طحنهم بكلكله البلى وأكلتهم الجنادل والثرى فأصبحوا بعد الحياة أمواتا " وبعد غضارة العيش رفاتا " فجع بهم الأحباب وسكنوا التراب وظعنوا فليس لهم أياب ، هيهات هيهات : " كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ " ( 2 ) فكأن قد صرتم إلى ما صاروا إليه من البلى والوحدة في دار المثوى وارتهنتم في ذلك المضجع وضمكم ذلك المستودع فكيف بكم لو قد تناهت الأمور وبعثرت القبور ، " وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ " ( 3 ) ووقفتم للتحصيل بين يدي الملك الجليل فطارت القلوب لإشفاقها من سالف الذنوب وهتكت عنكم الحجب والأستار وظهرت منكم العيوب والأسرار ، " وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ " ان الله عزوجل يقول : " لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى " ( 4 )

وقال : " وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا " ( 5 ) جعلنا الله وإياكم عاملين بكتابه ، متبعين لأوليائه حتى يحلنا وإياكم دار المقامة من فضله انه حميد مجيد ( 6 ) .

  ( 1 ) لطأ بالأرض : لصق - والملحدة من " الحد القبر " جعل له لحدا " ، أي شقاقا في وسطه أو جانبه .
( 2 ) المؤمنون : 100 .     ( 3 ) العاديات : 10 .     ( 4 ) النجم : 31 .      ( 5 ) الكهف : 49 .
( 6 ) نهج البلاغة لصبحي الصالح الخطبة رقم / 221
 . [ * ]
 
 

- ص 372 -

 390 - وبهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين هذا ، أخبرنا أبو زكريا بن أبي اسحاق ، حدثنا أبو محمد أحمد بن عبد الله المزني ، حدثنا عبد الله بن غنام بن حفص بن غياث ، حدثنا سفيان بن وكيع ، حدثنا سفيان بن عيينة ، عن محمد بن سوقة ، عن العلاء بن عبد الرحمان قال : قام رجل إلى على بن أبي طالب عليه السلام فقال : يا أمير المؤمنين ما الإيمان ؟ فقال : الإيمان على أربع دعائم : على الصبر والعدل واليقين والجهاد . والصبر من ذلك على أربع شعب : على الشوق والشفق ( 1 ) والزهد والترقب ، فمن اشتاق إلى الجنة سلا عن الشهوات ، ومن أشفق من النار رجع عن المحرمات ، ومن زهد في الدنيا هانت عليه المصيبات ، ومن ترقب الموت تسارع إلى الخيرات .

والعدل على أربع شعب : تبصرة الفطنة وتأويل الحكمة وموعظة العبرة وسنة الأولين فمن تبصر الفطنة تأول الحكمة ومن تأول الحكمة عرف العبرة ومن عرف العبرة فكأنما كان في الأولين .

واليقين على أربع شعب : غائص الفهم وغمر العلم وزهرة الحكم ( 2 ) وروضة الحلم ، فمن فهم فسر جميل العلم ، ومن فسر جميل العلم ، عرف شرائع الحكم ، ومن عرف شرائع الحكم حلم وعاش في الناس ولم يفرط .

والجهاد على أربع شعب : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصدق في المواطن وشنآن الفاسقين ، فمن أمر بالمعروف شد ظهر المؤمن ، ومن نهى عن المنكر أرغم [ انف ] المنافق ، ومن صدق في المواطن قد قضى ما عليه ، ومن شنا الفاسقين وغضب لله غضب الله له وما اكتحل رجل بمثل ملمول ( 3 )

  ( 1 ) الشفق : - بالتحريك - الخوف - النهاية .
( 2 ) زهرة الحكم - بضم الزاي - : حسنه .
( 3 ) الملمول ، على وزن العصفور : هو الذي يكحل به البصر ولا يقال ميل الا للميل من أميال الطريق - لسان العرب مادة " ميل
"
 
 

- ص 373 -

الحزن ، فقام الرجل إلى رأس علي عليه السلام فقبله ( 1 ) .

 391 - وبهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين هذا ، أخبرنا أبو محمد عبد الله بن يوسف الاصبهاني ، أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسين الآجرى - بمكة - حدثنا أبو الفضل العباس بن يوسف الشكلى قال : سمعت الفتح بن شخرف يقول : رأيت علي بن أبي طالب عليه السلام في النوم فسمعته يقول : التواضع يرفع الفقير على الغنى ، وأحسن من ذلك تواضع الغنى للفقير ( 2 ) .

 392 - وبهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين هذا ، قال سمعت السيد أبا منصور الظفر بن محمد العلوي يقول : سمعت أبا بكر بن أبي دارم يقول : سمعت إبراهيم بن بريدة الهاشمي يقول : سمعت الفتح بن شخرف يقول : سمعت بشر بن الحارث يقول : رأيت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في المنام ، فقلت : يا أمير المؤمنين تقول شيئا " لعل الله ينفعني به ؟ فقال : ما أحسن عطف الأغنياء على الفقراء رغبة في ثواب الله ، وأحسن منها تيه ( 3 ) الفقراء على الأغنياء ثقة بالله فقلت : يا أمير المؤمنين تزيدنا ؟ قولي وهو يقول :

 قد كنت ميتا فصرت حيا * وعن قليل تصير ميتا
عز بدار الفناء بيت * فأين لدار البقاء بيتا .

 393 - وبهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين هذا ، أخبرنا أبو نصر بن قتادة ، أخبرنا أبو منصور النصروي ، حدثني أحمد بن نجدة ، حدثني سعيد بن منصور ، حدثنا أبو شهاب ، عن القاسم بن الوليد الهمداني ، عن داود بن أبي عمرة :

  ( 1 ) نهج البلاغة لبعده ك / 30 ورواه أيضا " ابن عساكر في ترجمة الإمام علي عليه السلام 3 / 288 عن قبيصة بن جابر الأسدي وأورده أبو نعيم في حلية الأولياء 1 / 74 .
( 2 ) تاريخ بغداد 9 / 425 ورواه أيضا الجويني في فرائد السمطين 1 / 402 وفيه : حدثنا الفتح بن شجرف .
( 3 ) لان تيه الفقير وأنفته على الغنى أدل على كمال اليقين بالله فانه بذلك
قد أمات طمعا ومحا خوفا وصابر في بأس شديد ولا شئ من هذا في تواضع الغنى . [ * ] 
 
 

- ص 374 -

ان عليا عليه السلام قال خمس ، خذوهن عني : لا يخافن أحد منكم إلا ذنبه ولا يرجون إلا ربه ولا يستحيى من لا يعلم ان يتعلم ولا يستحيى من يعلم إذا سئل عما لا يعلم ان يقول الله اعلم وان الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد إذا ذهب الصبر ذهب الإيمان إذا ذهب الرأس ذهب الجسد ( 1 ) .

 394 - أنبأني مهذب الأئمة أبو المظفر عبد الملك بن علي بن محمد الهمداني - نزيل بغداد - أخبرني فيدر بن عبد الرحمان بن شاذي ، أخبرنا أبو غانم حميد بن المأمون ، أخبرنا أبو بكر أحمد بن عبد الرحمان الشيرازي ، أخبرنا محمد بن أحمد ابن يعقوب المديني ، قال حدثني الحسين بن جعفر بن عبد الله ، حدثنا علي ابن الحسن القطان ، حدثنا الأصمعي ، عن جعفر بن سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس ، عن أبيه ، عن جده قال : قال عبد الله بن عباس : ما انتفعت بشئ بعد النبي صلى الله عليه وآله انتفاعي بكلمات كتب إلي بهن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام كتب إلي : بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد ، فإن المرء قد يفرح بادراك ما لم يكن يفوته ويحزن لفوت ما لم يكن يدركه فإذ أتاك الله في الدنيا شيئا " فلا تكثرن به فرحا ، وإذا فاتك منها شئ فلا تكثرن عليه حزنا وليكن همك لما بعد الموت والسلام ( 2 ) .

 395 - وأخبرنا الفقيه أبو سعيد الفضل بن محمد الاسترابادي ، حدثنا أبو غالب الحسن بن علي بن القاسم ، حدثنا أبو علي الحسن بن أحمد الجهرمي بعسكر مكرم ( 3 ) . حدثنا أبو أحمد الحسن بن عبد الله بن سعيد ، حدثنا أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد ، قال : قال أبو الفضل أحمد بن أبي طاهر - صاحب أبي

  ( 1 ) نهج البلاغة لمحمد عبده ك / 406 .
( 2 ) رواه ، ابن عساكر في ترجمة الإمام علي عليه السلام 3 / 272 .
( 3 ) عسكر مكرم ، بضم الميم وسكون الكاف وفتح الراء : بلدة مشهورة من نواحي خوزستان - مراصد الاطلاع
. [ * ] 
 
 

- ص 375 -

عثمان الجاحظ - كان الجاحظ يقول لنا زمانا : ان لأمير المؤمنين عليه السلام مائة كلمة ، كل كلمة منها تفى ألف كلمة ، من محاسن كلام العرب قال : وكنت أسأله دهرا " بعيدا أن يجمعها ويمليها علي وكان يعدني بها ويتغافل عنها ضنا " بها قال : فلما كان آخر عمره أخرج يوما جملة من مسودات مصنفاته ، فجمع منها تلك الكلمات وأخرجها إلى بخطه فكانت الكلمات المائة هذه : لو كشف الغطاء ما أزددت يقينا ، الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا ، الناس بزمانهم أشبه منهم بآبائهم ، ما هلك امرء عرف قدره ، قيمة كل امرء ما يحسنه ، من عرف نفسه فقد عرف ربه ، المرء مخبوء تحت لسانه ، من عذب لسانه كثر إخوانه ، بالبر يستعبد الحر ، بشر مال البخيل بحادث أو وارث ، لا تنظر إلى من قال وانظر إلى ما قال ، الجزع عند البلاء تمام المحنة ، لاظفر مع البغي ، لا ثناء مع الكبر ، لا بر مع الشح ، لا صحة مع النهم ( 1 ) لا شرف مع سوء أدب ، لا اجتناب محرم مع حرص ، لا راحة مع حسد لا محبة مع مراء ، لا سؤدد مع انتقام ، لا زيادة مع دعارة ( 2 ) لا صواب مع ترك المشورة ، لا مروة لكذوب ، لا وفاء لملوك ، لا كرم اعز من التقوى ، لا شرف اعز من الإسلام ، لا معقل احرز من الورع ، لا شفيع انجح من التوبة ; لا لباس أجمل من السلامة ، لا داء اعيى من الجهل ، لا مرض اضنى من قلة العقل ، لسانك يقتضيك ما عودته ، المرء عدو ما جهله ، رحم الله امرء عرف قدره ولم يتعد طوره ، اعادة الاعتذار تذكير للذنب ، النصح بين الملإ تقريع ، إذا تم العقل نقص الكلام ، الشفيع جناح الطالب ، نفاق المرء ذلة ، نعمة الجاهل كروضة على مزبلة ; الجزع اتعب من الصبر ، المسؤول حر حتى لا يعد اكبر الأعداء اخفاهم مكيدة ، من طلب ما لا يعنيه فاته ما يعنيه ، السامع للغيبة احد المغتابين ; الذل

  ( 1 ) في [ و ] : الهم . ( 2 ) في [ ر ] : ذعارة . [ * ]   
 

- ص 376 -

مع الطمع ، الراحة مع اليأس الحرمان مع الحرص ، من كثر مزاحه لم يخل من حقد عليه واستخفافا به ، عبد الشهوة أذل من عبدالرق ، الحاسد مغتاظ على من لا ذنب له ، كفى بالظفر شفيعا للمذنب ، رب ساع فيما يضره ، لا تتكل على المنى فانها بضائع النوكي ، الياس حر والرجاء عبد ، ظن العاقل كهانة ، من نظر اعتبر ، العداوة شغل القلب ، القلب إذا كره عمى ، الأدب صورة العقل ، لا حياء لحريص ، من لانت اسافله صلبت أعاليه ; من أتى في عجانه قل حياؤه وبذو لسانه ، السعيد من وعظ بغيره ، الحكمة صالة المؤمن ، الشرة جامع لمساوي العيوب ، كثرة الوفاق نفاق ، كثرة الخلاف شقاق ، رب أمل خائب ; رب رجاء يؤدى إلى الحرمان ، رب أرباح تؤدى إلى الخسران ، رب طمع كاذب ، البغي سائق إلى الحين ، في كل جرعة شرقة ، مع كل أكلة غصة ، من كثر فكره في العواقب لم يشجع ، إذا حلت المقادير ضلت التدابير ، إذا حل المقدور بطل التدبير ، إذا حل القدر بطل الحذر ، الإحسان يقطع اللسان ، الشرف بالعقل والأدب لا بالأصل والحسب ; أكرم الحسب حسن الخلق ، أكرم النسب حسن الأدب ; أفقر الفقر الحمق ، أوحش الوحشة العجب .

أغنى الغنى العقل ، الطامع وثاق الذل ، احذروا نفار النعم فما كل شارد بمردود ; أكثر مصارع العقول تحت بروق الأطماع ، من ابدى صفحته للحق هلك ، إذا املقتم فتاجروا الله بالصدقة ، من لان عوده كثف أغصانه ، قلب الأحمق في فيه ، لسان العاقل في قلبه ، من جرى في عنان أمله عثر بأجله ، إذا وصلت إليكم أطراف النعم فلا تنفروا أقصاها بقلة الشكر ، إذا قدرت على عدوك فاجعل العفو عنه شكره للقدرة عليه ، ما اضمر أحدكم شيئا " إلا ظهر منه في فلتات لسانه وصفحات وجهه . أللهم اغفر رمزات الألحاظ ; وسقطات الألفاظ ; وشهوات الجنان ، وهفوات اللسان . البخيل مستعجل للفقر ، يعيش في الدنيا عيش الفقراء ويحاسب في 

- ص 377 -

الآخرة حساب الأغنياء ، لسان العاقل وراء قلبه ; قلب الأحمق وراء لسانه ، الحذر الحذر فوالله لقد ستر حتى كأنه غفر ، من أطال الأمل أساء العمل [ الكاسب فوق قوته خازن لغيره ] ( 1 ) مسكين ابن آدم ، مكنون العلل ، مكتوم الأجل ، محفوظ العمل ، تؤلمه البقة وتقتله الشرقة وتنتنه العرقة .

  ( 1 ) ما بين المعفوفتين ليس موجودا " في الأصلين بل موجود في المطبوع بالنجف . [ * ]   
 
 

مكتبة الشبكة

الصفحة التالية

الصفحة السابقة

فهرس الكتاب