وَمِنْ خُطْبَة لَهُ وَهِيَ الْمَعْرُوفَةُ بِالشَّقْشِقيَّةِ([38])

أَمَا وَاللهِ لَقَدْ تَقَمَّصَها ابنُ أَبي قُحافة وَإنَّهُ لَيَعْلَمُ أَنَّ مَحَلِّي مِنْهَا مَحَلُّ الْقُطْبِ مِنَ الرَّحَى. يَنْحَدِرُ عَنِّي السَّيْلُ([39]) وَلاَ يَرْقَى إِلَيَّ الطَّيْرُ، فَسَدَلْتُ دُونَها ثَوْباً وَطَوَيْتُ عَنْهَا كَشْحاً. وَطَفِقْتُ أرْتإِي بَيْنَ أَنْ أَصُولُ بِيَد جَذَّاءَ أَوْ أَصْبِرَ عَلى طِخْيَة عَمْياءَ يَهْرَمُ فِيهَا الْكبِيرُ. وَيَشِيبُ فِيهَا الصَّغِيرُ. وَيَكْدَحُ فِيهَا مُؤْمِنٌ حَتّى يَلْقى رَبَّهُ فَرَأَيْتُ أَنَّ الصَّبْرَ عَلَى هَاتَا أَحْجَى فَصَبَرْتُ وَفِي الْعَيْنِ قَذًى. وَفِي الْحَلْقِ شَجَاً أَرَى تُرَاثِي نَهْباً حَتَّى مَضَى الاَوَّلُ لِسَبِلِهِ فَأَدْلَى بِهَا إِلَى فُلان بَعْدَهُ (ثُمَّ تَمَثَّلَ بِقَوْلِ الاعْشَى):

شَتَّانَ مَا يَوْمِي عَلَى كُورِهَا * * * وَيَوْمُ حَيَّانَ أَخِي جَابِرِ

 فَباللهِِ عَجَبَاً بَيْنَا هُوَ يَسْتَقِيلُهَا فِي حَيَاتِهِ إِذْ عَقَدَهَا لاِخَرَ بَعْدَ وَفَاتِهِ لشَدَّ مَا تَشَطَّرَا ضَرْعَيْهَا فَصَيَّرَهَا فِي حَوْزَة خَشْنَاءَ يَغْلُظُ كُلاَمُهَا وَيَخْشُنُ مَسُّهَا. وَيَكْثُرُ الْعَِارُ فِيهَا. وَالاعْتِذَارُ مِنْهَا، فَصَاحِبُهَا كَرَاكِبِ الصَّعْبَةِ إنْ أَشْنَقَ لَهَا خَرَمَ. وَإنَّ أَسْلَس لَهَا تَقَحَّمَ فَمُنِيَ النَّاسُ لَعَمْرُ اللَّهِ بِخَبْط وَشِمَاس وَتَلَوُّن وَاعْتِرَاض. فَصَبَرْتُ عَلَى طُولِ الْمُدَّةِ وَشِدَّةِ الْمِحْنَةِ. حتَّى إِذَا مَضَى لِسَبِيلِهِ. جَعَلَهَا فِي جَمَاعَة زَعَمَ أنِّي أَحَدُهُمْ فَيَاللَّهِ وَلِلشُّورَى مَتَى اعْتَرَضَ الرَّيْبُ فِيَّ مَعَ الاَوَّلِ مِنْهُمْ حَتَّى صِرْتُ أُقْرَنُ إِلى هذِهِ النَّظاَئِرِ لكِنِّي أَسْفَفْتُ إِذْ أَسَفُّوا وَطِرْتُ إذْ طَارُوا. فَصَغَى رَجُلٌ مِنْهُمْ لِضِغْنِهِ وَمَال الاخَرُ لِصِهْرِهِ مَع هَن وَهَن إِلى أَنْ قَامَ ثَالِثُ الْقَوْمِ نَافِجاً حِضْنَيْهِ بَيْنَ نَثِيلِهِ وَمُعْتَلَفِهِ. وَقَامَ مَعَهُ بَنُو أَبِيهِ يَخْضِمُونَ مَالَ اللهِ خَضْمَةَ الابِل نِبْتَةَ الرَّبِيعِ إِلَى أَن انْتَكَثَ فَتْلُهُ. وأَجْهَزَ عَلَيْهِ عَمَلُهُ وَكَبَتْ بِهِ بِطْنَتُهُ فَمَا رَاعَنِي إِلاَّ والنَّاسُ كَعُرْفِ الضَّبُعِ إِلَيَّ يَنْثَالُونَ عَلَىَّ مِنْ كُلِّ جَانِب. حَتّى لَقَدْ وُطِىءَ الْحَسَنَانِ. وَشُقَّ عِطْفَايَ مُجْتَمَعِينَ حَوْلِي كَرَبِيضَةِ الْغَنَمِ فَلَمَّا نَهَضْتُ بِالامْرِ نَكَثَتْ طَائِفَةٌ وَمَرَقَتْ أُخْرَى وَقَسَطَ آخَرُونَ كَأَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا كَلاَمَ اللهِ حَيْثُ يَقُولُ: (تِلْكَ الدَّارُ الاخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُريدُونَ عُلُوًّا فِي الارْضِ وَلاَ فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) بَلى وَاللهِ لَقَدْ سَمِعُوهَا وَوَعَوْهَا. وَلكِنَّهُمْ حَلِيَتِ الدُّنْيَا فِي أَعْيُنِهِمْ وَرَاقَهُمْ زِبْرِجُهَا. أَمَا وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ. وَبَرَأَ النَّسَمَةَ لَوْلا حُضُورُ الْحَاضِرِ وَقِيَامُ الْحُجَّةِ بِوُجُودِ النَّاصِرِ. ومَا أَخَذَ اللهُ عَلَى الْعُلَمَاءِ أَنْ لا يُقَارُّوا عَلَى كِظَّةِ ظَالِم وَلا سَغَبِ مَظْلُوم لاَلْقَيْتُ حَبْلَهَا عَلَى غَارِبِهَا وَلَسَقَيْتُ آخِرَهَا بِكَأسِ أَوَّلِهَا. وَلاَلْفَيْتُمْ دُنْيَاكُمْ هذِهِ أَزْهَدَ عِنْدِي مِنْ عَفْطَةِ عَنْز.

(قَالُوا) وَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ السَّوَادِ عِنْدَ بُلُوغِهِ إِلىَ هذَا الْمَوْضِعِ مِنْ خُطْبَتِهِ فَنَاوَلَهُ كِتَاباً فَاَقْبَلَ يَنْظُرُ فِيهِ. قَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاس رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ لَوِ أَطْرَدْتَ خُطْبَتَكَ مِنْ حَيْثُ أَفْضَيْتَ. فَقَالَ: هَيْهَاتَ يَا ابْنَ عَبَّاس تِلْكَ شِقْشِقَةٌ هَدَرَتْ ثُمَّ قَرَّتْ.

قَالَ ابْنُ عَبَّاس فَوَاللهِ مَا أَسِفْتُ عَلَى كَلام قَطُّ كَأَسَفِي عَلَى هذَا الْكَلاَمِ أَنْ لاَ يَكُونَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بَلَغَ مِنْهُ حَيْثُ أَرَادَ.

 

شعره

عن الشعبي قال: كان أبو بكر يقول الشعر، وكان عمر يقول الشعر، وكان عثمان يقول الشعر، وكان علي أشعر الثلاثة([40]).

وبين أيدينا دواوين كثيرة له (عليه السلام) تحتوي على صنوف من الشعر الجيد، والنظم الرائع، والدر النضيد.

ولو تصفّحنا هذه الدواوين لوجدنا جلّ ما فيها في الحكمة والاداب والاخلاق والكمال والعرفان، فكم من نظم له (عليه السلام) في مدح الصدق، وذم الكذب، وتحسين الحسن، وتقبيح القبيح، والامر بالعدل والاحسان والنهي عن الظلم والعدوان، والصفح عن المسيء، والعفو عند المقدرة وهكذا بقية مكارم الاخلاق، وفي هذه الصفحات نماذج قليلة من شعره (عليه السلام).

1 - يقول (عليه السلام) في فضل العلم:

الناس من جهة التمثال أكفاء * * * أبوهم آدم والام حواء

 فإن يكن لهم من أصلهم شرف * * * يفاخرون به فالطين والماء

 لا فضل إلاّ لاهل العلم إنّهم * * * على الهدى لمن استهدى أدلاّء

 وقيمة المرء ما قد كان يحسنه * * * والجاهلون لاهل العلم أعداء

 فقم بعلم ولا تبغي له بدلاً * * * فالناس موتى وأهل العلم أحياء

 2 - وله (عليه السلام) في الدنيا:

تحرّز من الدنيا فإنّ فناءها * * * محل فناء لا محل بقاء

 فصفوتها ممزوجة بكدورة * * * وراحتها مقرونة بعناء

 3 - وله (عليه السلام) في الحث على الجود:

إذا جادت الدنيا عليك فجد بها * * * على الناس طراً إنها تتقلب

 فلا الجود يفنيها إذا هي أقبلت * * * ولا البخل يبقيها إذا هي تذهب

 4 - وله (عليه السلام) في العقل:

وأفضل قسم الله للمرء عقله * * * فليس من الخيرات شيء يقاربه

 إذا أكمل الرحمن للمرء عقله * * * فقد كملت أخلاقه ومآربه

 يزين الفتى في الناس صحة عقله * * * وإن كان محظوراً عليه مكاسبه

 يشين الفتى في الناس قلة عقله * * * وإن كرمت أعراقه ومناصبه

 ومن كان غلاباً بعقل ونجدة * * * فذو الجد من أمر المعيشة غالبه

 5 - وله (عليه السلام) في الحث على الادب:

كن ابن من شئت واكتسب أدباً * * * يغنيك محموده عن النسب

 فليس يغني الحسيب نسبته * * * بلا لسان له ولا أدب

 إنّ الفتى من يقول ها أنا ذا * * * ليس الفتى من يقول كان أبي

 6 - وله (عليه السلام) في بيعة من تقدمه:

فإن كنت بالشورى ملكت أمورهم * * * فكيف بهذا والمشيرون غيب

 وإن كنت بالقربى حججت خصيمهم * * * فغيرك أولى بالنبي وأقرب

 7 - وله (عليه السلام) في ذكر الموت:

الموت لا والداً يبقي ولا ولداً * * * هذا السبيل إلى أن لا ترى أحدا

 كان النبي ولم يخلد لامته * * * لو خلّد الله قوماً قبله خلدا

 للموت فينا سهام غير خاطئة * * * من فاته اليوم سهم لم يفته غدا

 8 - وقال (عليه السلام) في الاصدقاء والزمن:

تغيرت المودة والاخاءُ * * * وقلّ الصدق وانقطع الرجاءُ

 واسلمني الزمانِ إلى صديق * * * كثير الغدر ليس له رعاءُ

 وربّ أخ وفيت له بحقٍّ * * * ولكن لا يدوم له وفاء

 أخلاء اذا استغنيت عنهم * * * واعداءٌ إذا نزل البلاءُ

 يديمون المودة ما رأوني * * * ويبقى الودّ ما بقي اللقاءُ

 وان غُيبّتُ عن احد قلاني * * * وعاقبني بما فيه اكتفاء

 سيغنيني الذي اغناه عني * * * فلا فقر يدوم ولا ثراء

 وكل مودة لله تصفوا * * * ولا يصفوُ مع الفسق الاخاءُ

 وكل جراحة فلها دواء * * * وسوء الخلق ليس له دواءُ

 وليس بدائم ابداً نعيم * * * كذلك البؤس ليس له بقاءُ

 واذا انكرت عهداً من حميم * * * ففي نفسي التركم والحياءُ

 اذا ما رأس أهل البيت وليّ * * * بدا لهم من الناس الجفاءُ

 9 - وقال (عليه السلام) في النساء:

دع ذكرهن فما لهن وفاءُ * * * ريح الصبا وعهودهن سواءُ

 يكسرن قلبك ثم لا يجبرنه * * * وقلوبهن من الوفاء خلاءُ

 هذه نماذج من شعره (عليه السلام)، وقد تجد مصدرها في الدواوين المنسوبة إليه، وفي مطالب السؤول، وتذكرة الخواص، والفصول المهمة وفرائد السمطين وغيره.

 

إستجابة دعائه

وهذه الكرامة - استجابة الدعاء - وردت لائمة أهل البيت (عليه السلام)، فجلّ من ترجم لهم نص على بعض الحوادث التي دعوا الله تعالى فيها، واستجاب الله دعائهم (عليهم السلام). ولا غرو في ذلك فقد ضمن الله تعالى الاستجابة لعباده المؤمنين، فقال: (ادعوني استجب لكم)([41]) فكيف بأئمة المؤمنين، وسادة المسلمين.

وفي هذا الفصل بعض ما ورد من استجابة دعائه (عليه السلام):

1 - ولما استنشد (عليه السلام) صحابة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) الذين شهدوا يوم الغدير، وقام ثلاثون صحابياً شهدوا له بذلك لم يقم أنس بن مالك، فقال له (عليه السلام): ما لك لا تقوم مع صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فتشهد بما سمعته يومئذ منه؟.

فقال: يا أمير المؤمننين، كبرت سني ونسيت!!.

فقال علي: إن كنت كاذباً فضربك الله بيضاء لا تواريها العمامة.

فما قام حتى ابيض وجهه برصاً، فكان بعد ذلك يقول: أصابتني دعوة العبد الصالح([42]).

2 - وبلغه (عليه السلام)هجوم بسر بن أرطاة - قائد معاوية - على اليمن، وقتله الابرياء، فدعا عليه، فقال: (اللهمّ إنّ بسراً باع دينه، وانتهك محارمك، وكانت طاعة مخلوق فاجر آثر عنده مما عندك، اللهمّ فلا تمته حتى تسلبه عقله، ولا توجب له رحمتك ولا ساعة من نهار، اللّهم العن بسراً وعمرواً ومعاوية، وليحل عليهم غضبك، وتنزل بهم نقمتك، وليصبهم بأسك وزجرك الذي لا ترده عن القوم المجرمين).

فلم يلبث بسر بعد ذلك إلاّ يسيراً حتى وسوس وذهب عقله، فكان يهذي بالسيف ويقول: أعطوني سيفاً أقتل به، لا يزال يردد ذلك، حتى اتخذ له سيف من خشب، وكانوا يدنون منه المرفقة فلا يزال يضربها حتى يغشى عليه فلبث كذلك إلى أن مات([43]).

3 - من حديث له (عليه السلام) مع الحسن البصري في الوضوء ، فقال له الحسن: لقد قتلت بالامس رجالاً كانوا يسبغون الوضوء.

فقال (عليه السلام): فأطال الله حزنك.

قال أيوب السجستاني: فما رأينا الحسن قط إلاّ حزيناً، كأنه رجع عن دفن حميم، أو خرنبدج([44]) ضلّ حماره، فقلت له في ذلك، فقال: عمل في دعوة الرجل الصالح([45]).

في مناقب ابن شهر آشوب، روى عن عبدالله بن مسعود قال: لا تتعرضوا لدعوة عليّ فانها لا ترد، الاعثم في الفتوح:

ان علياً (عليه السلام) رفع يده إلى السماء وهو يقول: اللهم طلحة إبن عبيد الله اعطاني صفقة بيمنه طائعاً ثم نكث بيعتي اللهم فعاجله ولا تمهله، اللهم وان الزبير بن العوام قطع قرابتي ونكث عهدي وظاهر عدوي وهو يعلم انه ظالم لي فاكفنيه كيف شئت وأنى شئت.

في تاريخ الطبري قال أمير المؤمنين (عليه السلام): من العجب انقيادهما لابي بكر وعمر وخلافهما عليّ، والله انهما يعلمان اني لست دون رجل ممن قد قضى، اللهم فاحلل ما عقدا ولا تبرم ما احكما في انفسهما وارهما المساءة فيما قد عملا، فاستجاب الله دعاءه بخذلانهما.

 

تاريخ البلاذري، وحلية الاولياء، كتب اصحابنا عن جابر الانصاري، انه استشهد امير المؤمنين (عليه السلام)، انس بن مالك، والبراء بن عازب، والاشعث بن قيس، وخالد بن بريد، قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) «من كنت مولاه فعلي مولاه» فكتموا فقال لانس: لا اماتك الله حتى يبتليك ببرص لا تغطيه العمامة، وقال للاشعث لا اماتك الله حتى يذهب كريمتيك، وقال لخالد لا اماتك الله إلاّ ميتة جاهلية، كما دعا على البراء، فقال جابر ما معناه: والله لقد رأيت أنس وقد ابتلى بالبرص، ورأيت الاشعث وقد ذهب بصره، وكل واحد منهم استجاب الله دعاءه فيه.

 

المؤاخاة بين النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلي (عليه السلام)

روى البلاذري عن ابن عباس وغيره: لما نزل قوله تعالى: (إنما المؤمنون إخوةٌ) آخى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)بين الاشكال والامثال، فآخى بين أبي بكر وعمر، وبين عثمان وعبدالرحمن، وبين سعد بن ابي وقاص وسعيد بن زيد، وبين طلحة والزبير، وبين أبي عبيدة وسعد بن معاذ، وبين مصعب بن عمير وأبي أيوب الانصاري، وبين أبي ذر وابن مسعود، وبين سلمان وحذيفة، وبين حمزة وزيد بن حارثة، وبين أبي الدرداءِ وبلال، وبين جعفر الطيار ومعاذ بن جبل، وبين المقداد وعمّار، وبين عائشة وحفصة، وبين زينب بنت جحش وميمونة، وبين أم سلمة وصفية، حتى آخى بين أصحابه بأجمعهم على قدر منازلهم.

وفي رواية مناقب آل أبي طالب: فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)لعلي (عليه السلام): «إنما أخّرتك([46]) لنفسي، أنت أخي وأنا أخوك في الدنيا والاخرة».

فبكى علي عند ذلك وقال:

أقيك بنفسي أيها المصطفى الذي * * * هدانا به الرحمن من عَمَةِ الجهل

 وأفديك حوبائي([47]) وما قدر مهجتي؟ * * * لمن أنتمي منه إلى الفرع والاصل

 ومن ضمني مذ كنت طفلاً ويافعاً * * * وأنعشني بالبر والعلم والنهل

 ومن جده جدي ومن عمّه عمي * * * ومن أهله أُمي ومن بنته أهلي

 ومن حين آخى بين من كان حاضراً * * * دعاني وآخاني وبيّن من فضلي

 لك الفضل إني ما حييت لشاكر * * * لاتمام ما أوليت يا خاتم الرُّسل

 وقال:

أنا أخو المصطفى لا شك في نسبي * * * معه ربيت وسبطاه هما ولدي

 وقال:

محمد النبي أخي وصنوي * * * وحمزة سيد الشهداءِ عمي

 ولا شك أن هذه الاُخوّة ليست نسبية، إذ لم يكونا أخوين من النسب تحقيقاً، وإنما قال ذلك فيه إبانة لمنزلته وفضله وإمامته على سائر المسلمين، لئلا يتقدمه أحد منهم، ولا يتآمر عليه بعد ما آخى بينهم أجمعين: الاشكال، وجعله شكلاً لنفسه، ولهذا كان علي (عليه السلام)يفتخر بهذه المنقبة والفضيلة لما فيها من علو الرتبة وسمو المنزلة، وشدة الاختصاص بالنبي، وكان علي (عليه السلام) يقول: «أنا عبدالله وأخو رسول الله، وأنا الصدّيق الاكبر والفاروق الاعظم، لا يقوله غيري إلاّ كذاب».

 

إن كثرة النصوص الواردة حول هذه الفضيلة وتواترها لا تُبقي مجالاً للشك والريب، وقد ذكرها طائفة كبيرة من علماء السنة وحفاظهم([48])، وتطرق إلى ذلك الشعراءُ في نظمهم وقريضهم لم نذكرها رعاية للاختصار.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([38]) لقوله فيها إنها شقشقة هدرت ثم قرت كما يأتي .

([39]) تمثيل لسمو قدره (عليه السلام) وقربه من مهبط الوحي وأن ما يصل إلى غيره من فيض الفضل .

([40]) تاريخ الاسلام السياسي والديني والثقافي والاجتماعي 1/294 .

([41]) سورة المؤمن : آية 60 .

([42]) المراجعات 209 .

([43]) منن الرحمان 349 .

([44]) خرنبد : معرب خرنبدة ، أي المكاري .

([45]) الكنى والالقاب 2/75 .

([46]) إذخرتك ( خ ل ) .

([47]) الحوباء : روح القلب أو النفس .

([48]) كما ذكر العلامة القزويني ـ في كتابه « علي من المهد إلى اللحد » خمسين مصدراً ، من أهم مصادر أعلام القوم وحفاظهم في صحاحهم ومسانيدهم ، يقره الجميع بصحة متنه وسنده من ص 306 إلى ص312 فراجع .