الخطوط المشتركة

نستطيع أن نجمل الخطوط التي يشترك فيها كل من ذكرناهم ممن ولاهم الخليفة الثالث عثمان،اضافة إلى عمرو بن العاص الذي كان عثمان يستشيره أيضا،و هو ابن العاص بن وائل السهمي«و كان من المستهزئين بالنبي (ص) و هو القائل لما مات القاسم ابن النبي (ص) :ان محمدا أبتر لا يعيش له ذكر،فانزل فيه قوله تعالى: (إن شانئك هو الأبتر) » (1) ،يشتركون فيما يأتي:

أولا:إنهم جميعا من عائلة واحدة هي آل امية أو أنسباؤهم.

ثانيا:إنهم جميعا قد انتفعوا من حكم الخليفة عثمان.

ثالثا:إن لهم جميعا آباء أو أخوة أو أعماما كانوا من أعداء رسول الله و المستهزئين بنبوته أو أنهم كانوا كذلك و ان آباءهم كانوا إما مقتولين أو مطرودين على يد رسول الله أو ملعونين على لسانه.

عثمان يتشاور

أدت أوضاع الولاة المذكورة،السياسية و الإدارية أيام عثمان إلى إثارة سخطالناس و تحركهم نحو المدينة للمطالبة باصطلاح الأوضاع و تعيين الولاة،و عند ما اشتد ضغط الوفود التي وردت إلى المدينة من المدن و الأمصار و هم يطالبون عثمان بالعدالة و عزل ولاة السوء و الجور،أرسل إلى معاوية بن أبي سفيان،و عبد الله بن سعد بن أبي سرح،و سعيد بن العاص،و عمرو بن العاص،و عبد الله بن عامر،ليشاورهم و قال لهم:«إنكم وزرائي و نصحائي و أهل ثقتي،و قد صنع الناس ما قد رأيتم و طلبوا إلي أن أعزل عمالي،و أن أرجع عن جميع ما يكرهون إلى ما يحبون» (2) .

ارتأى عبد الله بن عامر أن يبعث عثمان بالمسلمين إلى«الجهاد»،و أن يبعدهم عنه في أقاصي الأرض حتى يكونوا أذلاء مشغولين بالقمل الذي في ملابسهم.

أما سعيد بن العاص فأمره أن يقتل قادة القوم،فلا يبقى لأتباعهم اهمية و يتفرقون،و قد عقب عثمان على هذا الرأي بقوله:«إن هذا الرأي لو لا ما فيه»أي أنه استحسنه إلا أنه خاف عواقبه.

بينما رأى سعيد بن العاص أن الناس أهل طمع و ان على عثمان أن يغدق عليهم المال ليعطف قلوبهم!

و رأى معاوية أن يقوم كل عامل من عمال الخليفة بمعالجة الموقف مع الثوار الذين في بلده،و من جهته هو،فسيدبر أمر أهل الشام،و هي دعوة للقتل و الاعتقال و الإرهاب.

و تكلم عمرو بن العاص بكلام معتدل قصد منه أن ينقل إلى الناس المحتشدين في المدينة،و تكلم بكلام آخر على نقيضه عند ما انفرد بعثمان (3) .

موقف الإمام علي عليه السلام أيام الأزمة

حين استمر هياج الناس و هم يطالبون عثمان بعزل الولاة الظالمين حاول الإمام (ع) أن يقنع الخليفة بضرورة الاصلاح،و جرت بينهما أحاديث بهذا الشأن،و مما نصح به الإمام (ع) الخليفة قوله:«و إني انشدك الله ألا تكون إمام هذه الامة المقتول فإنه كان يقال:يقتل في هذه الامة إمام يفتح عليها القتل و القتال إلى يوم القيامة،و يلبس امورها عليها،و يبث الفتن فيها،فلا يبصرون الحق من الباطل،يموجون فيها موجا و يمرجون فيها مرجا،فلا تكونن لمروان سيقة يسوقك حيث يشاء بعد جلال السن و تقضي العمر» (4) .

فقال له عثمان:«كلم الناس في أن يؤجلوني حتى أخرج إليهم من مظالمهم» (5) .

فقال الإمام (ع) :«ما كان بالمدينة،فلا أجل فيه،و ما غاب فأجله وصول أمرك إليه» (6) .

قال الخليفة:نعم،و لكن أجلني فيما بالمدينة ثلاثة أيام.

فخرج الإمام إلى الناس،و أخبرهم بما وعد به الخليفة،و كتب بينهم و بين عثمان كتابا و أشهد عليه قوما من وجوه المهاجرين و الأنصار (7) .

و قد لعب مروان بن الحكم دورا سيئا للغاية في تفاقم غضب الثائرين،فبعد كل مرة يعلن فيها عثمان عن تفاهم مع وفود الثائرين أو يعدهم بشي‏ء سينفذه،يقوم مروان بخطوة تؤدي إلى تصعيد الموقف ضد عثمان،فقد وقف أمام القوم مرة و صاح:«إن شئتم حكمنا و الله بيننا و بينكم السيف» (8) ،و مرة كلفه عثمان بأن يتكلم مع الناس فخرج و هم محتشدون فصاح بهم:«جئتم تريدون أن تنزعوا ملكنا من أيدينا؟أخرجوا عنا» (9) ...،فذهبوا إلى الإمام علي (ع) و عرضوا عليه ما فعله مروان،فذهب الإمام إليه و نصحه بأن لا يطيع مروان و إلا فإنه سيورده إلى التهلكة،و إنهـأي الإمام عليـلن يعد مرة اخرى إلى دار عثمان،لأنه كلما نصحه بنصيحة كان مروان يدخل عليه و يقنعه بعكس ما نصح به الإمام (ع) عثمان.

و بعد خروج الإمام،نصحت نائلة زوج عثمان،نصحته بأن يأخذ بنصيحة الإمام و ان يترك مروان،و قالت:«إنك متى أطعت مروان قتلك،و مروان ليس له عند الناس قدر و لا هيبة و لا محبة،و انما تركك الناس لمكان مروان» (10) .

و قد تكررت نصيحة الإمام علي و وساطاته بين عثمان و الثوار،إلا أن مروان كان ينجح دائما في صرف عثمان عن آراء الإمام علي (ع) التي كانت في مصلحة عثمان و المسلمين،و كان عثمان كلما اشتد حصار الثوار عليه في بيته،أرسل إلى الإمام علي،حتى شكا الإمام (ع) تلك الحالة بقوله:

«يا للمسلمين!إني إن قعدت في بيتي قال (عثمان) لي:تركتني و قرابتي و حقي،و إني إن تكلمت فجاء ما يريد،يلعب به مروان،فصار (أي عثمان) سيقة له يسوقه حيث شاء،بعد كبر السن و صحبة رسول الله (ص) » (11) .

و حيث لم يتيسر لعثمان أن يبر بوعوده للناس تأزم الموقف،و تفاقمت الأزمة،فالثوار الذين جاؤوا من مصر و عادوا إلى بلادهم بعد أن تلقوا و عودا من الخليفة بأنه سيعزل عنهم و اليه هناك:عبد الله بن سعد بن أبي سرح،قد عثروا مع شخص كان يسير مسرعا على ناقته منفردا بعيدا عنهم،عثروا بعد أن شكوا في أمره،على رسالة موقعة من عثمان بن عفان إلى واليه على مصر عبد الله بن سعد يأمره فيها بقتل زعماء الثائرين المصريين الذين وعدهم الخليفة بأن سيعزل عنهم الوالي عبد الله،فثارت ثائرة القوم و عادوا إلى المدينة و ثار معهم أهل المدينة (12) ،و حوصر الخليفة في داره.فكتب رسائل إلى واليه على الشام معاوية،و واليه على البصرة عبد الله بن عامر يستنجدهما،كما بعث إلى الإمام علي (ع) ليحضر عنده«فلما جاءه قال:يا أبا حسن!انه قد كان من الناس ما قد رأيت،و كان مني ما قد علمت،و لست آمنهم على قتلي،فارددهم عني»فقال الإمام علي:«الناس إلى عدلك أحوج منهم إلى قتلك،و إني لأرى قوما لا يرضون إلا بالرضا،و قد كنت أعطيتهم في قدمتهم الاولى عهدا من الله:لترجعن عن جميع ما نقموا،فرددتهم عنك،ثم لم تف لهم بشي‏ء من ذلك،فلا تغرني هذه المرة من شي‏ء،فإني معطيهم عليك الحق،قال :نعم،فأعطهم،فو الله لأفين لهم» (13) .

فلما مضت الأيام الثلاثة و هي المهلة التي طلبها عثمان للاستجابة في طلب الثائرين بعزل العمال الظلمة،و جاؤوه بالرسالة التي عليها خاتمه يأمر فيها و اليه على مصر بقتل زعماء الثائرين،قالوا له بالحرف الواحد:«إعزل عنا عمالك الفساق،و استعمل علينا من لا يتهم على دمائنا و أموالنا،و اردد علينا مظالمنا.

قال عثمان:ما أراني إذا في شي‏ء،إن كنت أستعمل من هويتم،و أعزل من كرهتم،الأمر إذا أمركم .

قالوا:و الله لتفعلن أو لتقتلن،فانظر لنفسك أو دع.فأبى عليهم،و قال لم أكن لأخلع سربالا سربلنيه الله.فحصروه أربعين ليلة،و طلحة يصلي بالناس» (14) .

و اشتد الحصار على عثمان و منعوا عنه حتى الماء،فاستنجد بالإمام علي (ع) فأسرع إليه بنفسه و أوصل الماء إلى داره (15) رغم معارضة طلحة و سواه.

و عند ما نشب القتال بين الثوار و بعض المدافعين عن الخليفة،أرسل الإمام علي ولده الحسن ليمنع عنه،و قد دافع عنه الإمام الحسن بسيفه إلى أن اصيبـأي الحسنـفحمل جريحا إلى دار قريبة لعلاجه. (16)

هذه بعض مواقف الإمام (ع) قبال عثمان و مصلحة الامة،و على الرغم من تلك المواقف النبيلة التي وقفها الإمام (ع) من أجل الخليفة فإنه لا يعني بحال أن الإمام كان راضيا عن سياسة الخليفة في المال و الإدارة (17) .

بيد أن الإمام (ع) كان يرى في قتل عثمان خطرا يتهدد الامة بالنظر لما يعقبه من تمزق في الصف الاسلامي،و تجرؤ من قبل المتربصين بالإسلام و المسلمين.

الأمر الذي وقع فعلا بعد مقتل الخليفة المذكور مباشرة.

أما معاوية،فقد كان يعلم بتفاصيل ما يجري للخليفة في المدينة،و عند ما استغاث به الخليفة،أرسل معاوية جيشا بقيادة يزيد القسري و أوصاه:«إذا أتيت ذا خشبـمنطقة خارج المدينةـفأقم بها و لا تتجاوزها،و لا تقل الشاهد يرى ما لا يرى الغائب،فإني أنا الشاهد و أنت الغائب، (و قيل) انه صنع هذا عمدا ليقتل عثمان (رض) فيدعو إلى نفسه» (18) .

و قد عير المسور بن مخرمة معاوية بعد مقتل عثمان فقال له في بلاطه بدمشق:«و كتب (عثمان) يستمدك بالجند،فحبستهم عنه حتى قتل و هم بالزرقاء» (19) .

فلما قتل عثمان استدعى معاوية جيشه.

و قد أفصح الإمام (ع) عن موقفه ازاء مقتل الخليفة عثمان بقوله:«اللهم إني أبرأ إليك من دم عثمان،ما نجا و الله قتلة عثمان إلا أن يشاء الله،فإنه إذا أراد أمرا بلغه» (20) .و يتضح موقف الإمام (ع) كذلك من كتاب له إلى معاوية حيث جاء فيه:«و قد أكثرت في قتلة عثمان،فادخل فيما دخل فيه الناس ثم حاكم القوم إلي أحملك و إياهم على كتاب الله،فأما تلك التي تريدها فخدعة» (21) .

تعليقات:

1ـابن الأثير/الكامل في التاريخ/ج 2/ص .72

2ـالطبري/ج 3/ص .373

3ـالمصدر السابق/ص .380

4ـنهج البلاغة/رقم .164

5ـالمصدر السابق.

6ـالمصدر السابق.

7ـالطبري و ابن الأثير و غيرهما،انظر كتاب ام المؤمنين عائشة للسيد مرتضى العسكري/ص 134 و .135

8ـالطبري/تاريخ الطبري/ج 3/ص .397

9ـابن الأثير/ج 3/ص .165

10ـالطبري/تاريخ الطبري/ج 3/ص .397

11ـالمصدر السابق.السيقة:ما يساق من الدواب.

12ـالمصدر السابق/ص 401،تاريخ المدينة المنورة/ج 4/ص .1149

13ـالطبري/تاريخ الطبري/ج 3/ص .403

14ـالمصدر السابق/ص 404.السربال:الثوب.أي لا أريد أن أخلع الثوب الذي ألبسني الله إياه و هو ثوب الخلافة.

15ـالمصدر السابق/ص .417

16ـعمر بن شبة/تاريخ المدينة المنورة/ج 3/ص .1131

17ـابن أبي الحديد/شرح نهج البلاغة/ج 9/ص 5 و .6

18ـتاريخ المدينة/ج 4/ص 1289،ابن أبي الحديد/ج 16/ص 154/شرح كتاب الإمام علي إلى معاوية/رقم .37

19ـتاريخ المدينة المنورة/ج 4/ص 1289.و هي رواية تدل على أن الجيش الذي أرسله معاوية لم يصل حتى إلى مشارف المدينة،و انه ظل قرب مدينة الزرقاء (حاليا من مدن الأردن) .

20ـابن الصباغ المالكي/الفصول المهمة/ص .67

21ـابن أبي الحديد/شرح نهج البلاغة/ج 3/ص .75