كتاب الإمام علي سيرة والتاريخ ص135 ـ 143
الفصل الأول : قصة السقيفة
أعقب وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمور خطيرة ، جرَّت وراءها فتناً عديدة
غيَّرت مسار الإسلام الذي أراده الله تعالى وأراده رسول الله عليه أفضل
الصلاة والسلام. تمخَّضت هذه الأحداث عن تعيين الناس الخليفة ، وجثمان
النبيِّ العظيم لم يوارَ في التراب بعد ، والإمام عليٌّ عليه السلام وبنو هاشم ـ وجمع من
المهاجرين والأنصار ـ منهمكون بجثمان النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم حافِّين به يودِّعونه في آخر
ساعات وجوده على أرض المعمورة. لقد انقطع الوحي ، ورحل رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وينتظرُ أمته من بعده أمرٌ خطير..
في هذه اللحظات المؤلمة الشديدة ، وبعد ساعة من انقطاع الوحي ،
استغلَّ عمر بن الخطَّاب فرصة الخلاف بين الأوس والخزرج ونبأ اجتماعهم
في سقيفة بني ساعدة ، يتداولون فيها أمر الخلافة بعد رسول الله ، خوفاً على
مستقبل الأنصار ، فيما لو كانت الخلافة بيد قريش! فأخذ عمر بن الخطَّاب
بيد أبي بكر وانخرطا من بين الجموع الحاشدة بجثمان النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم ، فيصحبهما
أبو عبيدة إلى سقيفة بني ساعدة ، ليتمَّ تنفيذ « البيعة الفلتة »! لخليفة رسول
الله على أُمَّته.
على أي حال انضم الثلاثة إلى تجمُّع الأنصار ، وبعد أن دار جدل
عنيف ، غلبهم المهاجرون؛ لأنَّهم « أوَّل من عبد الله في الأرض ، وآمن بالله
وبالرسول ، وهم أولياؤه وعشيرته ، وأحقُّ الناس بهذا الأمر بعده ،
ولاينازعهم ذلك الا ظالم.. وأنتم يا معشر الأنصار لا يُنكر فضلكم في
( 136 )
الدين ولا سابقتكم العظيمة في الإسلام ، رضيكم الله أنصاراً لدينه
ورسوله.. فنحن الأمراء وأنتم الوزراء »! على حدِّ تعبير أبي بكر (1) .
ولمَّا عارض أحد الأنصار بذكر فضائلهم ونصرتهم للنبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم ، وعدم
تسليم الأمر للمهاجرين ، ردَّ عليه عمر بقوله : « هيهات لا يجتمع سيفان في
غمد ، والله لا ترضى العرب أن تؤمِّركم والنبيُّ من غيركم ، ولا تمتنع العرب
أن تولِّي أمرها من كانت النبوَّة فيهم ، ولنا بذلك الحجَّة الظاهرة ، من نازعنا
سلطان محمَّد ونحن أولياؤه وعشيرته الا مدلٍ بباطلٍ ، أو متجانفٍ لإثمٍ ، أو
متورِّطٍ في هلكة »!!
هذه حجَّتهم الظاهرة : قوم محمَّد صلى الله عليه وآله وسلم ، أولياؤه وعشيرته لا ينازعهم
على سلطان محمَّد صلى الله عليه وآله وسلم الا ظالم ، متجاهلين عليَّ بن أبي طالب عليه السلام الذي
بايعوه وبايعه مئة ألف أو يزيدون في غدير خمٍّ ، وبعد فهو أقرب الناس إلى
النبي صلى الله عليه وآله وسلم في العلم والزهد وسائر الصفات المستلزمة للإمامة والولاية العامة
وأخصُّهم به ، وهو ابن عمِّه الذي نشأ في بيته ، كما نشأ النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم في بيت أبيه
أبي طالب!
فقال بشير بن سعد ـ أحد زعماء الأنصار ـ : « يا معشر الأنصار ، إنَّا
والله وإن كنَّا أولي فضيلة وسابقة في الدين ، الا أنَّ محمَّداً من قريش وقومه
أولى به ، وأيمُ الله لا يراني الله أُنازعهم هذا الأمر أبداً ».
فقال أبو بكر : هذا عمر ، وهذا أبو عبيدة ، فأيُّهما شئتم فبايعوا.. فأدار
عمر ظهره لأبي بكر ، وقال لأبي عبيدة : ابسط يدك أُبايعك ، فأنت أمين
____________
1) الإمامة والسياسة| ابن قتيبة 1 : 14 ـ 15 ، مكتبة ومطبعة مصطفى بابي
الحلبي ـ مصر 1969م.
( 137 )
هذه الأُمَّة!! ولمَّا امتنع أبو عبيدة ، أدار عمر إلى أبي بكر ، فبسط يده وصفق
عليها ليكون خليفة المسلمين بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فبويع أبو بكر ، بايعه أبو
عبيدة وبشير بن سعد الخزرجي ، ثُمَّ بايعه الأوس. وتمَّت مسرحية
« السقيفة » وقد مثَّل دور البطولة فيها أبو بكر وعمر!
وما أن انتصف نهار اليوم حتى تمَّت بيعة أبي بكر بهذا النحو ، الذي
كان مفاجأة لأكثر الناس ، وأخذوا يزفُّون عبدالله بن عُثمان التيمي ـ أبو بكر
بن أبي قحافة ـ إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لتكون بيعته على نطاق أوسع!
تسرَّب نبأ السقيفة والبيعة في أرجاء المدينة المنوَّرة ، على ساكنها
السلام ، كلُّهم علموا بخبر البيعة ، الا عليٌّ وبنو هاشم ومن معهم ، حيث
كانوا مع مصيبة وداع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم !
فانطلق البراء بن عازب وجاء يضرب باب بني هاشم قائلاً : يا معشر
بني هاشم ، قد بويع أبو بكر!
سادت لحظة هدوء ، متسائلين : ما كان المسلمون يُحدثون حدثاً نغيب
عنه ، ونحن أولى بمحمَّد ، لكنَّ العبَّاس بن عبد المطَّلب لم يستغرب هذا الفعل
منهم ، فقال : فعلوها وربِّ الكعبة!!
ولمَّا كان اليوم الثاني ، وبعد أن واروا جثمان النبي الطاهر ، انحاز مع عليِّ
بن أبي طالب عليه السلام بنو هاشم جميعاً ، ومعهم طائفة من المهاجرين والأنصار ،
اعتقاداً منهم بحقِّ عليٍّ في الخلافة (1) .
____________
1) صحيح مسلم ـ الجهاد والسير 3 : 1380|52 ، صحيح البخاري ـ باب
غزوة خيبر 5 : 288|456 ، الكامل في التاريخ 2 : 231.
( 138 )
فقال الأنصار : لا نبايع الا عليَّاً ، وقال الزبير : لا أغمد سيفاً حتى يُبايع
علي ، وانظم وانحاز في بيت عليٍّ وفاطمة عليهما السلام : المقداد بن عمرو ، وخالد بن
سعيد ، وسلمان الفارسي ، وأبو ذرٍّ الغفاري ، وعمَّار بن ياسر ، والبراء بن
عازب ، وأُبي بن كعب ، وحذيفة بن اليمان ، وابن التيهان ، وعبادة بن
الصامت (1) ، كلُّهم يرفضون البيعة لابن أبي قحافة ، للسبب الآنف ذكره..
إضافةً إلى ذلك فقد اعتصم جماعة من الأنصار في أحيائهم ، فجاء
عبدالرحمن بن عوف يعاتبهم على تخلُّفهم عن بيعة الخليفة ، ويذكر لهم حقَّه
بقرابته من رسول الله ، وما شابه ذلك من الحجج التي يتشبَّثون بها ، من
أجل إثبات حق أبي بكر بالخلافة ، وأنَّه أولى بها من غيره ، فردَّ عليه
جماعة الأنصار : « إنَّ ممَّن سمَّيت من قريش ، مَنْ إذا طلب هذا الأمر لم
ينازعه فيه أحد : عليُّ بن أبي طالب »!
هذا أحد المواقف ضد الاتجاه الذي نال خلافة رسول الله بالغلبة!
وموقف آخر يمكن أن نقتبس منه بعض الأقوال ، كقول الفضل بن عبَّاس ،
الذي قام خطيباً وأجاد حيث قال : « يا معشر قريش : إنَّه ما حقَّت لكم
الخلافة بالتمويه! ونحن أهلها دونكم وصاحبنا أولى بها منكم » (2) ، ويقصد
بصاحبنا عليَّ بن أبي طالب عليه السلام.
وأنشد عتبة بن أبي لهب ، معرباً عن أولوية علي عليه السلام برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
____________
1) تاريخ اليعقوبي 2 : 124 ، تاريخ أبي الفداء 2 : 63 ، ابن أبي الحديد 2 : 49 ،
56 و6 : 11 ، وزاد في 1 : 220 حذيفة وابن التيهان وعبادة بن الصامت ،
وتاريخ الطبري 3 : 198 ، الكامل في التاريخ 2 : 189 ، 194 ، تاريخ الخلفاء :
51 ولم يذكروا الأسماء.
2) تاريخ اليعقوبي 2 : 124.
( 139 )
وبأمر الخلافة؛ إذ يقول :
ما كنتُ أحسبُ أنَّ الأمرَ منصرفٌ * عن هاشـمٍ ثُمَّ منها عن أبي الحسنِ
عن أوَّل الناس إيمانـاً وسابقــةً * وأعلــم الناس بالقرآن والسننِ (1)
وكان المهاجرون والأنصار لا يشكُّون في عليٍّ عليه السلام (2) .
وما كان من أبي بكر الا أن ينتظر عليَّاً عليه السلام وأصحابه أن يبايعوه! ولمَّا
تأخَّرت بيعتهم أرسل عمر بن الخطَّاب إلى بيت عليٍّ عليه السلام ، فنادى عليَّاً
وأصحابه وهم في الدار فأبوا أن يخرجوا ، فدعا بالحطب ليحرق البيت ومن
فيه ، فقيل له : إنَّ فيه فاطمة!
قال : وإن (3) !!
لكنَّهم اقتحموا بيت عليٍّ عليه السلام.. وقد ثبت عن أبي بكر قوله ، حين
حضرته الوفاة : « وددت أنِّي لم أكشف عن بيت فاطمة ، وتركته ولو أُغلق
على حرب » (4).
أتى قنفذ ـ رسول الخليفة الجديد ـ عليَّ بن أبي طالب عليه السلام فقال :
يدعوك خليفة رسول الله. فقال عليه السلام : « لسريع ما كذَّبتم على رسول الله »!
فرجع فأبلغ أبا بكر قوله ، فبكى أبو بكر طويلاً! فبعثه مرَّةً أُخرى
بتحريض من عمر ، فقال : خليفة رسول الله يدعوك لتبايع ، فقال عليه السلام
____________
1) تاريخ اليعقوبي 2 : 124.
2) تاريخ اليعقوبي 2 : 124 ، شرح نهج البلاغة 6 : 21 وغيرها.
3) أنظر قصَّة هذا الحدث في : الإمامة والسياسة 1 : 12 ، شرح ابن أبي الحديد
2 : 56 ، 6 : 58 ، 20 : 147 ، تاريخ أبي الفداء 2 : 64 ، العقد الفريد 5 : 12.
4) الإمامة والسياسة 1 : 24 ، تاريخ الطبري 3 : 430.
( 140 )
بصوت مرتفع : « سبحان الله! لقد ادَّعى ما ليس له ». فرجع قنفذ وأبلغه
كلام عليٍّ فبكى أبو بكر طويلاً..
أمَّا عمر فتعجَّل الأمر ، وأتى بيت عليٍّ مع جماعة وطرقه بشدَّة ، فلمَّا
سمعت فاطمة أصواتهم نادت : « يا أبتِ يا رسول الله ، ماذا لقينا بعدك من ابن
الخطَّاب وابن أبي قحافة » ؟!
فانصرف القوم باكين لبكائها ومناجاتها أباها ، الا عمر لم يتصدَّع
قلبه لبكاء ابنة رسول الله وبضعته ، فبقي معه جماعة ، حتى أخرجوا
عليَّاً عليه السلام فمضوا به إلى أبي بكر ، وعرضوا عليه البيعة فأجابهم بكلِّ
ثبات وعزيمة : « أنا أحقُّ بهذا الأمر منكم ، لا أُبايعكم وأنتم أولى
بالبيعة لي ».
فقالوا : نضرب عنقك!!
فقال عليه السلام : « إذن تقتلون عبدالله وأخا رسوله »!
فقال عمر : أمَّا عبدالله فنعم ، وأمَّا أخو رسوله فلا!
وأبو بكر ساكت! ثُمَّ قال عمر لأبي بكر : ألا تأمر فيه بأمرك ؟!
فأجابه الخليفة : لا أُكرهه على شيء مادامت فاطمة إلى جنبه!
فلحق عليٌّ عليه السلام بقبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، يصيح ويبكي وينادي : « يا ابن أمِّ
إنَّ القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني » (1) .
وهكذا وقع سريعاً تأويل ما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليّاً عليه السلام :
____________
1) أنظر : شرح النهج 2 : 56 ، 6 : 11 ، الإمامة والسياسة : 12 ـ 13 ، تاريخ
اليعقوبي ـ مختصراً ـ 2 : 126 ، الفتوح ابن أعثم 1 : 13 ، دار الكتب العلمية ،
ط1 ـ 1406هـ.
( 141 )
قال الإمام علي عليه السلام : « إنَّ ممَّا عهد إليَّ النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم أنَّ الأُمَّة ستغدر بي
بعده » (1).
وفي رواية أُخرى قال عليه السلام : « بينما كنَّا نمشي أنا ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم آخذ
بيدي.. فلمَّا خلا له الطريق اعتنقني ثُمَّ أجهش باكياً ، قلت : يا رسول الله ، ما
يبكيك ؟
قال : ضغائن في صدور أقوام ، لا يبدونها لك الا من بعدي » (2) .
موقف فاطمة عليها السلام من البيعة :
لقد كان موقف عمر وأبي بكر من بضعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في منتهى
الجفاء والتحدِّي ، متجاهلين مقامها الرفيع الشأن من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لاسيَّما
وأنَّهما قد سمعا قوله صلى الله عليه وآله وسلم : « إنَّ الله يغضب لغضبكِ ويرضى لرضاكِ ».
ثمَّ جاء عمر وأبو بكر إليها يلتمسان رضاها فقالت لهما : « نشدتكما
الله ، ألم تسمعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : رضا فاطمة من رضاي ، وسخط فاطمة
من سخطي ، فمن أحبَّ فاطمة ابنتي فقد أحبَّني ، ومن أرضى فاطمة فقد
أرضاني ، ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني! ؟ » فقالا : نعم ، سمعناه من
رسول الله.
فقالت : « فإنِّي أُشهد الله وملائكته أنَّكما أسخطتماني ، وما أرضيتماني ،
____________
1) المستدرك 3 : 140 ، ابن عساكر 3 : 148|1164 ـ 1168 ، تذكرة
الحفَّاظ 3 : 995 ، ابن أبي الحديد 6 : 45 ، كنز العمَّال 11|32997 ،
الخصائص الكبرى 2 : 235.
2) مستدرك الحاكم 3|139 ، ابن أبي الحديد 4 : 107 ، مجمع الزوائد
9 : 118 ، كنز العمَّال. 17613|46533.
( 142 )
ولئن لقيتُ النبيَّ لأشكونَّكما إليه » (1) . فمازالت غضبى عليهما حتى
توفِّيت (2).
وعن ابن قتيبة قال : وخرج عليٌّ ـ كرَّم الله وجهه ـ يحمل فاطمة بنت
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على دابَّة ليلاً في مجالس الأنصار تسألهم النصرة. فكانوا
يقولون : يا بنت رسول الله ، قد مضت بيعتنا لهذا الرجل ، ولو أنَّ زوجك
وابن عمِّك سبق إليها قبل أبي بكر ما عدلنا به.
فيقول عليٌّ كرَّم الله وجهه : « أفكنت أدعُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بيته لم
أدفنه ، وأخرج أُنازع الناس سلطانه » ؟!
فقالت فاطمة : « ما صنع أبو الحسن الا ما كان ينبغي له ، ولقد صنعوا
ما الله حسيبهم وطالبهم » (3) .
أمَّا عليٌّ عليه السلام ، فقد خاصمهم بقوله : « الله الله يا معشر المهاجرين ،
لاتُخرجوا سلطان محمَّد عن داره وقعر بيته إلى دوركم وقعور بيوتكم ،
ولاتدفعوا أهله عن مقامه في الناس وحقِّه ، فوالله يا معشر المهاجرين لنحنُ
أحقُّ الناس به ، لأنَّا أهل البيت ، ونحنُ أحقُّ بهذا الأمر منكم ما كان فينا :
القارئ لكتاب الله ، الفقيه في دين الله ، العالم بسنن رسول الله ، المضطلع بأمر
الرعيَّة ، القاسم بينهم بالسويَّة ، ووالله إنَّه لفينا ، فلا تتَّبعوا الهوى فتضلُّوا عن
سبيل الله ، فتزدادوا من الحقِّ بعداً ».
فلمَّا سمعوا منه هذا الكلام قال بشير بن سعد الأنصاري ـ الذي أقرَّ
____________
1) الإمامة والسياسة : 13.
2) صحيح البخاري 5 : 288|256 ، صحيح مسلم 3 : 138|52.
3) الإمامة والسياسة 1 : 12 وكذا شرح النهج 2 : 47.
( 143 )
بنود السقيفة ـ : لو كان هذا الكلام سِمِعتْه الأنصارُ منك قبل بيعتها لأبي بكر
ما اختلف عليك اثنان (1) .
وأنشد عليه السلام معرِّضاً بأبي بكر :
فإن كنتَ بالشورى ملكتَ أمورَهـم * فكيـف بهـذا والمشيــرون غُيَّبُ
وإن كنتَ بالقُربى حججتَ خصيمهم * فغيــرُك أولـى بالنبيِّ وأقربُ (2)
وله عليه السلام كلام واسع وخطب عدَّة يصف فيها أمر الخلافة والتفضيل ،
محفوظ في كتاب نهج البلاغة ، وقد اقتطفنا من احدى خطبه المعروفة
بالشقشقية مقاطع منها :
« أما والله لقد تقمَّصها فلان ، وانَّه ليعلم أنَّ محلِّي منها محلَّ القطب من
الرَّحَا ، ينحدر عنِّي السيل ، ولا يرقى إليَّ الطير »...
« فيا عجباً ، بينا هو يستقيلها في حياته ، إذ عقدها لآخر بعد وفاته!!
لشدَّ ما تشطَّرا ضرعيها.. فصبرتُ على طول المدَّة وشدَّة المحنة.. حتى إذا
مضى لسبيله جعلها في جماعة زعم أنِّي أحدُهم! فيا لله وللشورى ، متى
اعترض الريب فيَّ مع الأول منهم حتى صرت أُقرن إلى هذه النظائر! » (3) .
ولمَّا بلغه عليه السلام احتجاج قريش بأنَّهم قوم النبيِّ وأولى الناس به ، قال :
« احتجَّوا بالشجرة وأضاعوا الثمرة » (4) .
____________
1) الإمامة والسياسة : 12.
2) نهج البلاغة : 503|190.
3) نهج البلاغة ، الخطبة الثالثة بتصرف.
4) نهج البلاغة : الخطبة 67 ، وانظر : الإمامة والسياسة : 11.