الفصل 4

معنى المقاسمة ومنزلة علي عليه السلام عندها

قال في (أقرب الموارد): (قاسمه المال مقاسمة: أخذ كل قسمه منه).

 وفي (اللسان): (قاسمته المال: أخذت منه قسمك، وأخذ قسمه.

 وفي حديث علي عليه السلام: (أنا قسيم النار)، قال القتيبي: أراد أن الناس فريقان: فريق معي وهم على هدى، وفريق على وهم على ضلال كالخوارج، فأنا قسيم النار، نصف في الجنة معي، ونصف على في النار، وقسيم فعيل في معنى مقاسم، مفاعل كالسمير والجليس والزميل).

 وقال ابن الأثير في (النهاية) بعين ما في (اللسان).

 وفي (مجمع البحرين): (وقاسموا الشئ: أخذ كل قسمته).

 أقول: المقاسمة مفاعلة من القسم، وهي بين الاثنين، فعلى هذا فكأن عليا عليه السلام ووالنار تقاسما الناس، أخذ عليه السلام نصيبه، وأخذت النار نصيبها.

 المقاسمة في الأخبار: 1 - عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم في حديث طويل: (فبينما أنا كذلك إذا ملكان قد أقبلا علي، أما أحدهما فرضوان خازن الجنة، وأما الآخر فمالك خازن النار، فيدنو


[514]

رضوان فيقول: السلام عليك يا أحمد، فأقول: السلام عليك يا ملك، من أنت ؟ فما أحسن وجهك وأطيب ريحك ! فيقول: أنا رضوان خازن الجنة، وهذه مفاتيح الجنة بعث بها إليك رب العزة، فخذها يا أحمد، فأقول: قد قبلت ذلك من ربي، فله الحمد على ما فضلني به، ادفعها إلى أخي علي بن أبي طالب.

 ثم يرجع رضوان، فيدنو مالك، فيقول: السلام عليك يا أحمد، فأقول: السلام عليك أيها الملك، من أنت ؟ ما أقبح وجهك وأنكر رؤيتك ! فيقول: أنا مالك خازن النار، وهذه مقاليد النار بعث بها إليك رب العزة، فخذها يا أحمد، فأقول: قد قبلت ذلك من ربي، فله الحمد على ما فضلني به، ادفعها إلى أخي علي بن أبي طالب.

 ثم يرجع مالك، فأقبل علي ومعه مفاتيح الجنة ومقاليد النار حتى يقف على عجرة جهنم (1) وقد تطاير شرارها وعلا زفيرها واشتد حرها وعلي آخذ بزمامها، فتقول له جهنم: جزني يا على، فقد أطفأ نورك لهبي ! فيقول لها على قري يا جهنم، خذى هذا واتركي هذا، خذي هذا عدوي، واتركي هذا وليي، فلجهنم يومئذ أشد مطاوعة لعلي من غلام أحدكم لصاحبه، فإن شاء يذهبها يمنة، وإن شاء يذهبها يسرة، ولجهنم يومئذ أشد مطاوعة لعلي فيما يأمرها به من جميع الخلائق (2).

 2 - عن أبي جعفر عليه السلام في حديث طويل: (فعلى - والله - الذي يزوج أهل الجنة في الجنة، وما ذاك إلى غيره كرامة من الله - عز ذكره - وفضلا فضله الله به ومن به عليه، وهو - والله - يدخل أهل النار النار، وهو الذي يغلق على أهل الجنة إذا دخلوها أبوابها، لأن أبواب الجنة إليه وأبواب النار إليه (3).

 3 - عن الرضا عليه السلام، عن آبائه عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: (إذا كان يوم القيامة


(1) - العجرة: القوة، لعل عليا عليه السلام يقف على موضع شدتها وفورانها.

 (2) - القندوزي: فرائد السمطين، ج 1: ص 107 / الباب 19.

 (3) - المجلسي: بحار الانوار، ج 7: صص 337 و338.

 


[515]

وفرغ من حساب الخلائق دفع الخالق عز وجل مفاتيح الجنة والنار إلى، فأدفعها إليك، فأقول لك: احكم، قال علي عليه السلام: والله، إن للجنة أحدا وسبعين بابا، يدخل من سبعين بابا منها شيعتي وأهل بيتي، ومن باب واحد سائر الناس (1).

 4 - عن الصادق، عن آبائه عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: (إذا كان يوم القيامة يؤتى بك يا على على ناقة من نور، وعلى رأسك تاج له أربعة أركان، على كل ركن ثلاثة أسطر: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، على مفتاح الجنة، ثم يوضح لك كرسي يعرف بكرسي الكرامة، فتقعد عليه، يجمع لك الأولون والآخرون في صعيد واحد، فتأمر بشيعتك إلى الجنة، وبأعدائك إلى النار، فأنت قسيم الجنة، وأنت قسيم النار، لقد فاز من تولاك، وخاب وخسر من عاداك، فأنت في ذلك اليوم أمين الله وحجته الواضحة (2).

 المقاسمة في القرآن بمعونة الأخبار: قال الله تعالى: ألقيا في جهنم كل كفار عنيد (3).

 5 - عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: (إذا كان يوم القيامة قال الله تعالى لمحمد وعلى: أدخلا الجنة من أحبكما، وأدخلا النار من أبغضكما، فيجلس علي [على] شفير جهنم فيقول (لها): هذا لي، وهذا لك، وهو قوله تعالى: ألقيا في جهنم كل كفار عنيد (6).

 6 - عن عكرمة في قوله تعالى: ألقيا في جهنم كل كفار عنيد قال: (النبي وعلي يلقيان (5).

 


(1) - المجلسي: بحار الانوار، ج 7: صص 337 و338.

 (2) - المجلسي: بحار الانوار، ج 7: ص 339.

 (3) - ق، 50: 24.

 (4) - الحسكاني: شواهد التنزيل، ج 2: ص 190.

 (5) الحسكاني: شواهد التنزيل، ج 2: ص 190.

 


[516]

7 - عن شريك بن عبد الله، قال: (كنت عند الأعمش وهو عليل، فدخل عليه أبو حنيفة وابن شبرمة وابن (أبي) ليلى فقالوا (له): يا أبا محمد ! إنك في آخر يوم من أيام الدنيا، وأول يوم من أيام الآخرة، وقد كنت تحدث في علي بن أبي طالب بأحاديث، فتب إلى الله منها، فقال: أسندوني أسندوني، فاسند، فقال: حدثنا أبو المتوكل الناجي عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: إذا كان يوم القيامة يقول الله تعالى لي ولعلي: ألقيا في النار من أبغضكما، وأدخلا الجنة من أحبكما، فذلك قوله تعالى: ألقيا في جهنم كل كفار عنيد.

 فقال أبو حنيفة للقوم: قوموا [بنا] لا يجئ بشئ أشد من هذا (1).

 3 - قال العلامة، ابن أبي الحديد المعتزلي عند شرح كلام علي عليه السلام (نحن الشعار والأصحاب، والخزنة الأبواب (2): يمكن أن يعني به خزنة العلم وأبواب العلم، لقول رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: (أنا مدينة العلم وعلى بابها، فمن أراد الحكمة فليأت الباب) وقوله فيه: (خازن علمي) وقال تارة اخرى: (عيبة علمي) ويمكن أن يريد به خزنة الجنة وأبواب الجنة، أي لا يدخل الجنة إلا من وافى بولايتنا، فقد جاء في حقه الخبر الشائع المستفيض أنه قسيم النار والجنة.

 وقال: ذكر أبو عبيد الهروي في (الجمع بين الغريبين): (إن قوما من أئمة العربية فسروه فقالوا: لأنه لما كان محبه من أهل الجنة ومبغضه من أهل النار كان بهذا الاعتبار قسيم النار والجنة، قال أبو عبيد: وقال غير هؤلاء: بل، هو قسيمهما بنفسه في الحقيقة، يدخل قوما إلى الجنة وقوما إلى النار).

 وهذا الذي ذكره أبو عبيد أخيرا هو ما يطابق الأخبار الواردة فيه يقول للنار: هذا لي فدعيه، وهذا لك فخذيه (3).

 


(1) - الحسكاني: شواهد التنزيل، ج 2: ص 189.

 (2) - نهج البلاغة، الخطبة 154.

 (3) - ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة، ج 9: ص 164.

 


[517]

أقول: نعم، إن عليا عليه السلام بنفسه الشريفة مقاسم الجنة والنار وقسيمهما لا ما ذهب إليه بعض أئمة الحديث والعربية كأحمدبن حنبل (1) وابن الأثير وابن المنظور، والشاهد على ما قلنا - كما ذهب إليه أبو عبيد الهروي وابن أبي الحديد - أخبار كثيرة من الفريقين صريحة في المطلوب ناطقة بالمقصود، فطائفة منها ذكرها العلامة القندوزي في (ينابيع المودة) (الباب 16، ص 83) منها: 1 - عن أبي الصلت الهروي قال: (قال المأمون لعلي الرضا، ابن موسى الكاظم عليهما السلام: أخبرني عن جدك أمير المؤمنين، علي عليه السلام بأي وجه هو قسيم الجنة والنار ؟ فقال له الرضا عليه السلام: ألم ترو عن آبائك، عن عبد الله بن عباس أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقول: (حب على إيمان، وبغضه كفر ؟) فقال: بلى، فقال الرضا عليه السلام: لما كانت الجنة للمؤمن، والنار للكافر فقسمة الجنة والنار إذا كان على حبه وبغضه فهو قسيم الجنة والنار، فقال المأمون: لا أبقاني الله بعدك إنك وارث جدك رسول الله صلى الله عليه واله وسلم.

 قال أبو الصلت: لما انصرف الرضا عليه السلام إلى منزله قلت له: جعلت فداك يابن رسول الله، ما أحسن ما أجبت به أمير المؤمنين ! فقال: يا أبا الصلت ! إنما كلمته من حيث هو، ولقد سمعت أبي يحدث عن آبائه، عن علي عليه السلام أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: (يا على ! أنت قسيم الجنة والنار يوم القيامة، تقول للنار: هذا لي وهذا لك (2).

 


(1) - قال محمد بن منصور الطوسى: (كنا عند أحمد بن حنبل فقال له رجل: يا أبا عبد الله ! ما تقول في هذا الحديث الذي يروى أن عليا عليه السلام، قال: أنا قسيم النار ؟ فقال أحمد: ما تنكرون من هذا الحديث ؟ أليس روينا أن النبي صلى الله عليه واله وسلم قال لعلى عليه السلام: (لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق ؟) قلنا: بلى، قال: فأين المؤمن ؟ قلنا: في الجنة ؟ قال: فأين المنافق ؟ قلنا: في النار، فعلى قسيم النار).

 (الكنجي: كفاية الطالب / الباب 3، ص 72).

 (2) - القندوزي: ينابيع المودة، ص 85.

 


[518]

2 - وعن نافع، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لعلي عليه السلام: (إذا كان يوم القيامة يؤتى بك يا علي، بسرير من نور وعلى رأسك تاج قد أضاء نوره، وكاد يخطف أبصار أهل الموقف، فيأتي النداء من عند الله - جل جلاله -: أين وصي محمد رسول الله ؟ فتقول: ها أنا ذا، فينادي المنادي: أدخل من أحبك الجنة، وأدخل من عاداك النار، فأنت قسيم الجنة والنار (1).

 3 - عن ابن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: (يا علي ! إنك قسيم الجنة والنار، وأنت تقرع باب الجنة، وتدخلها أحباءك بغير حساب (2).

 4 - عن أبي الطفيل عامر بن واثلة - وهو آخر من مات من الصحابة بالاتفاق - عن علي - رضي الله عنهما -، قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: (يا علي ! أنت وصيي، حربك حربي، وسلمك سلمي، وأنت الأمام وأبو الأئمة الأحد عشر الذين هم المطهرون المعصومون، ومنهم المهدي الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا، فويل لمبغضيهم، يا علي ! لو أن رجلا أحبك وأولادك في الله لحشره الله معك ومع أولادك، وأنتم معي في الدرجات العلى، وأنت قسيم الجنة والنار، تدخل محبيك الجنة، ومبغضيك النار (3).

 أقول: وفي خاتمة هذا الباب جدير بنا أن نلاحظ في هذا الأخبار الألفاظ والتعابير التي يستفاد منها أن عليا 7 بنفسه الشريفة مقاسم النار والجنة وقسيمهما، لا باعتبار أن محبه من أهل الجنة ومبغضه في النار فهو قسيمهما، فلنلاحظ: (فأقبل علي ومعه مفاتيح الجنة ومقاليد النار)، (يا جهنم ! خذي هذا، واتركي هذا)، (خذي هذا عدوي، واتركي هذا وليي)، (فلجهنم يومئذ أشد مطاوعة لعلى بن أبي طالب من غلام أحدكم لصاحبه)، (فإن شاء يذهبها يمنة، وإن شاء


(2) - القندوزي: ينابيع المودة، صص 83 و84.

 (3) - القندوزي: ينابيع المودة، ص 85.

 (3) المصدر ص 85.

 


[519]

يذهبها يسرة)، (وهو - والله - يدخل أهل النار النار، وهو الذي يغلق على أهل الجنة إذا دخلوها أبوابها)، (أدخلا الجنة من أحبكما، وأدخلا النار من أبغضكما)، (فيقول لها: هذا لي وهذا لك)، (ألقيا في جهنم كل كفار عنيد)، (تقول للنار: هذا لي وهذا لك).

 وأيضا (يقول للنار: هذا لي فدعيه، وهذا لك فخذيه)، (أدخل من أحبك الجنة وأدخل من عاداك في النار)، (وتدخلها أحباءك بغير حساب)، (تدخل محبيك الجنة، ومبغضيك النار)، (فعلي - والله - الذي يزوج أهل الجنة في الجنة)، (فتأمر بشيعتك إلى الجنة، وبأعدائك إلى النار).

 

 المقاسمة في القصائد والمدائح:

1 - السيد الحميري:

قسيم النار ذا لك ها وذا لي * ذريه إنه لي ذو وداد

يقاسمها فينصفها فترضى * مقاسمة المعادل غير عاد

كما انتقد الدراهم صيرفي * ينقي الزايفات عن الجياد

وله أيضا:

ذاك قسيم النار من قيله خذي * عدوي، وذري ناصري

ذاك علي بن أبي طالب * صهر النبي المصطفى الطاهر

وله أيضا:

علي قسيم النار من قيله خذي * ذري ذا وهذا فاشربي منه واطعمي

خذي بالشوى ممن نصيبك منهم * ولا تقربي من كان حربي فتظلمي

2 - العوني:

إمامي قسيم النار مختار أهلها * ولابد للجنات والنار من أهل


[520]

وله أيضا:

يسوق الظالمين إلى جحيم * فويل للظلوم الناصبي

يقول لها: خذى هذا فهذا * عدوي في البلاء على الشقي

وخل من يواليني فهذا * رفيقي في الجنان وذا وليي

3 - غيره(1):

وإني لأرجو يا إلهي سلامة * بعفوك من نار تلظى همومها

أبا حسن ! لو كان حبك مدخلي * جهنم كان الفوز عندي جحيمها

وكيف يخاف النار من هو موقن * بأن أمير المؤمنين قسيمها ؟

4 - الشافعي:

على حبه جنة * قسيم النار والجنة

وصي المصطفى حقا * إمام الانس والجنة

5 - دعبل:

قسيم الجحيم فهذا له * وهذا لها باعتدال القسم

يذود عن الحوض أعداءه * فكم من لعين طريد وكم

فمن ناكثين من قاسطين * ومن مارقين ومن مجترم

6 - الزاهي:

يا سيدي ! يا ابن أبي طالب ! يا عصمة المعتف (2) والجار!

لا تجعلن النار لي مسكنا * يا قاسم الجنة والنار !

7 - البشنوي:

وكيف تحرقني نار الجحيم إذا * كان القسيم لها مولاي ذاالحسب (3)


(1) - أورده في المصدر بعنوان (غيره) وانما أوردناه هكذا لشهرة نسبتها إليه.

 (2) - اعتفى فلانا: أتاه يطلب معروفه.

 (3) - نقلنا الاشعار كلها من المناقب لابن شهر آشوب (ج 2: صص 159 و160).

 


[521]

أقول: وهذا آخر ما أردنا إيراده في هذا الكتاب من مناقب مولانا أمير المؤمنين عليه السلام في الدنيا والاخرة، وسنختم الكتاب بذكر شئي من سيرته عليه السلام حتى تتم الفائدة، إن شاء الله تعالى.