الباب الرابع

علي بن أبي طالب عليه السلام عبقريته وتأريخ حياته

من الكعبة البيت الحرام إلى مسجد الكوفة


[525]

لفت نظر:

لما كان الإمام علي عليه السلام فريدا في كمالاته، وحيدا في فضائله، نادرا في المعالي، مطهرا عن الرجس، معصوما عن الخطأ، عاملا بالكتاب، قائما بالحق، قمقام العلم الزخار، صمصام الله على الكفار، يد الله في بريته، وعينه في خليقته، نموذجا مثلى للانسان الكامل الراقي، فكان الحري بنا أن نورد شيئا من سيرته العملية لتمامية الكتاب، لأن معرفة فضائله وإن كانت بنفسها كمالا للنفس، منجاة لعارفه من هول المطلع وشدائد القيامة، وترفيعا له في درجاته الاخروية، ولها موضوعية بنفسها، إلا أنه ينقل للاستضاءة بنوره المتجلي، والسير تحت ضوئه المشرق، وإنما يحصل ذلك بمعرفة سيرته والاطلاع على سلوكه الفردي والاجتماعي والسياسي وغير ذلك.

 فعليه جمعنا موجزا من مولده وجماله وعلمه وعدله ومظلوميته وسائر سيرته في فصول عديدة وها إليك نصوصها:

 

الفصل 1

ميلاده عليه السلام كان الإمام علي عليه السلام وليد الكعبة

1 - قال المحدث الحافظ، الحاكم النيسابوري: (وقد تواترت الأخبار أن فاطمة


[526]

بنت أسد ولدت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - كرم الله وجهه - في جوف الكعبة (1).

 2 - قال المحدث الدهلوي، والد عبد العزيز الدهلوي مصنف (التحفة الاثنا عشرية في الرد على الشيعة): (تواترت الأخبار أن فاطمة بنت أسد ولدت أمير المؤمنين عليا في جوف الكعبة (2).

 3 - قال العلامة ابن الصباغ المالكي: (ولد علي عليه السلام بمكة المشرفة بداخل البيت الحرام، في يوم الجمعة الثالث عشر من شهر الله الأصم رجب الفرد، سنة ثلاثين من عام الفيل، قبل الهجرة بثلاث وعشرين سنة... وقيل بعشر سنين، ولم يولد في البيت الحرام قبله أحد سواه، وهي فضيلة خصه الله تعالى بها إجلالا له، وإعلاء لمرتبته، وإظهارا لتكرمته (3).

 4 - قال الشيخ مؤمن بن الحسن الشبلنجي: (علي بن أبي طالب ابن عم الرسول، وسيف الله المسلول، ولد - رضي الله عنه - بمكة داخل البيت الحرام على قول، يوم الجمعة ثالث عشر رجب الحرام سنة ثلاثين من عام الفيل، قبل الهجرة بثلاث وعشرين سنة، وقيل: بخمس وعشرين، وقبل المبعث باثني عشرة سنة، وقيل: بعشر سنين، ولم يولد في البيت أحد قبله سواه (4).

 5 - قال العلامة الكنجي الشافعي: (ولد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بمكة في بيت الله الحرام ليلة الجمعة لثلاث عشرة ليلة خلت من رجب سنة ثلاثين من عام الفيل، ولم يولد قبله ولا بعده مولود في بيت الله الحرام سواه إكراما له بذلك، وإجلالا لمحله في التعظيم (5).

 


(1) - الحاكم: المستدرك، ج 3: ص 483.

 (2) - الدهلوي: إزالة الخفاء عن خلافة الخلفاء، ص 251، ط باكستان.

 (3) - ابن الصباغ: الفصول المهمة، ص 30.

 (4) - الشبلنجي: نور الابصار، ص 85.

 (5) - الكنجي الشافعي: كفاية الطالب، ص 407.

 


[527]

6 - قال العقاد: (ولد علي في داخل الكعبة، وكرم الله وجهه عن السجود لأصنامها، فكأنما كان ميلاده ثمة إيذانا بعهد جديد للكعبة وللعبادة فيها، وكاد علي أن يولد مسلما، بل لقد ولد مسلما على التحقيق إذا نحن نظرنا إلى ميلاد العقيدة والروح، لأنه فتح عينيه على الأسلام، ولم يعرف قط عبادة الأصنام، فهو قد تربى في البيت الذي خرجت منه الدعوة الأسلامية (1).

 7 - قال العلامة الصفوري: (إن عليا ولدته امه بجوف الكعبة - شرفها الله تعالى - وهي فضيلة خصه الله تعالى بها (2).

 8 - قال العلامة برهان الدين الحلبي الشافعي - في ضمن كلام طويل -: (لأنه عليه السلام ولد في الكعبة، وعمره (يعني النبي) صلى الله عليه واله وسلم ثلاثون سنة (3).

 

 ميلاده عليه السلام في الأشعار:

1 - السيد اسماعيل الشيرازي:

آنست نفسي من الكعبة نور * مثل ما آنس موسى نار طور

يوم غشى الملأ الأعلى سرور * قرع السمع نداء كنداء شاطئ الوادي

طوى من حرم

ولدت شمس الضحى بدر التمام * فانجلت عنا دياجير الظلام

ناديا بشراكم هذا غلام * وجهه فلقة بدر يهتدى

بسنا أنواره في الظلم

هذه فاطمة بنت أسد * أقبلت تحمل لاهوت الأبد

فاسجدوا ذلا له فيمن سجد * فله الأملاك خرت سجدا

إذ تجلى نوره في آدم


(1) - العقاد: عبقرية الإمام علي 7، ص 43، ط بيروت.

 (2) - الصفوري: نزهة المجالس، ج 2: ص 454، ط بيروت.

 (3) - الحلبي: السيرة الحلبية، ج 1: ص 139.

 


[528]

كشف الستر عن الحق المبين * وتجلى وجه رب العالمين

وبدأ مصباح مشكاة اليقين * وبدت مشرقة شمس الهدى

فانجلى ليل الضلال المظلم

نسخ التأبيد من نفي ترى * فأرانا وجهه رب الورى

ليت موسى كان فينا فيرى * ما تمناه بطور مجهدا فانثنى

عنه بكفي معدم

هل درت ام العلى ما وضعت ؟ * أم درت ثدي الهدى ما أرضعت ؟

أم درت كف النهى ما رفعت ؟ * أم درى رب الحجى ما ولدا ؟

جل معناه فلما يعلم

سيد فاق علا كل الأنام * كان إذ لا كائن وهو إمام

شرف الله به بيت الحرام * حين أضحى لعلاه مولدا

فوطى تربته بالقدم

إن يكن يجعل لله البنون * وتعالى الله عما يصفون

فوليد البيت أحرى أن يكون * لولى البيت حقا ولدا

لا عزير، لا ولا ابن مريم

سبق الكون جيمعا في الوجود * وطوى عالم غيب وشهود

كل ما في الكون من يمناه جود * إذ هو الكائن لله يدا

ويد الله مدر الأنعم (1)

هو بدر وذراريه بدور * عقمت عن مثلهم ام الدهور

كعبة الوفاد في كل الشهور * فاز من نحو فناها وفدا

بمطاف منه أو مستلم


(1) - إلى هنا أورده سفينة البحار، ج 2: ص 230.

 


[529]

أيا المرجى لقاه في الممات * كل موت فيه لقياك حياة

ليتما عجل بي ما هو آت * علني ألقى حياتي في الردى

فايزا منه بأوفى النعم (1)

2 - الشيخ حسين نجف:

جعل الله بيته لعلي * مولدا يا له من علا لا يضاها

لم يشاركه في الولادة فيه سيد الرسل لا ولا أنبياها (2)

3 - السيد على نقى الهندي:

لم يكن في كعبة الرحمن مولود سواه * إذ تعالى في البرايا عن مثيل في علاه

وتولى ذكره في محكم الذكر الأله * أيقول الغر فيه بعد هذالست أدري

أقبلت فاطمة حاملة خير جنين * جاء مخلوقا بنور القدس لا الماء المهين

وتردى منظر اللاهوت بين العالمين * كيف قد اودع في جنب وصدر ؟لست أدري

أقبلت تدعو وقد جاء بها داء المخاض * نحو جذع النخل من ألطاف ذي اللطف المفاض

فدعت خالقها الباري بأحشاء مراض * كيف ضجت، كيف عجت، كيف ناحت ؟ لست أدرى


(1) - الاميني: الغدير، ج 6: صص 30 و31، أوردناها بالتلخيص.

 (2) - الاميني: الغدير، ج 6: ص 29.

 


[530]

لست أدري غير أن البيت قد رد الجواب * بابتسام في جدار البيت أضحى منه باب

دخلت فانجاب فيه البشر عن محض اللباب * إنما أدري بهذا، غير هذا لست أدري

كيف أدري وهو سر فيه قد حار العقول * حادث في اليوم لكن لم يزل أصل الاصول

مظهر لله لكن لا اتحاد لا حلول * غاية الأدراك أن أدري بأني لست أدري

ولد الطهر (علي) من تسامى في علاه ؟ * فاهتدى فيه فريق وفريق فيه تاه

ضل أقوام فظنوا أنه حقا إله * أم جنون العشق هذا لا يجازى ؟ (1) لست أدري


(1) الاميني: الغدير ج 6: ص 37 والقصيدة طويلة اخذنا منها موضع الحاجة.

 


[531]

 

الفصل 2

الأمام على عليه السلام صباه ورضاعه

1 - قال عليه السلام تعريفا لنفسه: (ولقد علمتم موضعي من رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بالقرابة القريبة، والمنزلة الخصيصة، وضعني في حجره وأنا وليد [ولد - خ ل]، يضمني إلى صدره، ويكنفني في فراشه، ويمسني جسده، ويشمني عرفه، وكان يمضغ الشئ ثم يلقمنيه، وما وجدلى كذبة في قول، ولاخطلة في فعل، ولقد قرن الله به صلى الله عليه واله وسلم من لدن أن كان فطيما أعظم ملك من ملائكته، يسلك به طريق المكارم ومحاسن أخلاق العالم ليله ونهاره، ولقد كنت أتبعه اتباع الفصيل إثر امه، يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علما، ويأمرني بالاقتداء به، ولقد كان يجاور في كل سنة بحراء، فأراه ولا يراه غيري، ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الاسلام غير رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وخديجة، وأنا ثالثهما، أرى نور الوحى والرسالة، وأشم ريح النبوة، ولقد سمعت رنة الشيطان حين نزل الوحي عليه صلى الله عليه واله وسلم، فقلت: يا رسول الله ! ما هذه الرنة ؟ فقال: هذا الشيطان قد أيس من عبادته، إنك تسمع ما أسمع، وترى ما أرى، إلا أنك لست بنبي ولكنك لوزير، وإنك لعلى خير (1).

 


(1) نهج البلاغة الخطبة 190.

 


[532]

قال ابن أبي الحديد: (وروي عن جعفر بن محمد الصادق عليه السلام قال: كان علي عليه السلام يرى مع رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قبل الرسالة الضوء، ويسمع الصوت، وقال صلى الله عليه واله وسلم له: لولا أني خاتم الأنبياء لكنت شريكا في النبوة، فإن لا تكن نبيا فإنك وصي نبي ووارثه، بل أنت سيد الأوصياء وإمام الأتقياء (1).

 2 - قال العلامة الحلي رحمه الله: (وأما حال ولادته فإنه عليه السلام ولد يوم الجمعة الثالث عشر من شهر رجب بعد عام الفيل بثلاثين سنة في الكعبة، ولم يولد فيها أحد سواه لا قبله ولا بعده، وكان عمر النبي صلى الله عليه واله وسلم ثلاثين سنة، فأحبه ورباه، وكان يطهره في وقت غسله، ويجرعه اللبن عند شربه، ويحرك مهده عند نومه... ويقول: هذا أخي ووليي وذخري وناصري وصفيي وكهفي وصهري ووصيي وزوج كريمتي وأميني وخليفتي، وكان يحمله دائما ويطوف به جبال مكة وشعابها وأوديتها (2).

 3 - وقال برهان الحلبي: (فلم يزل علي عليه السلام مع رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، وفي خصائص العشرة للزمخشري: أن النبي صلى الله عليه واله وسلم تولى تسميته بعلي، وتغذيته أياما من ريقه المبارك، يمصه لسانه، فعن فاطمة بنت أسد ام علي - رضي الله تعالى عنها - قالت: لما ولدته سماه عليا، وبصق في فيه، ثم إنه ألقمه لسانه، فما زال يمصه حتى نام، فلما كان من الغد طلبنا له مرضعة فلم يقبل ثدي أحد، فدعونا له محمدا صلى الله عليه واله وسلم فألقمه لسانه فنام، فكان كذلك ما شاء الله (3).

 4 - ذكر أبو القاسم في أخبار أبي رافع من ثلاثة طرق أن النبي صلى الله عليه واله وسلم حين تزوج خديجة قال لعمه أبي طالب: إنى احب أن تدفع إلي بعض ولدك يعينني على أمري


(1) - ابن أبي الحديد: شرح النهج، ج 13: ص 210 / الخطبة 238.

 (3) - الحلي: كشف الحق ونهج الصدق، ص 109، ط بغداد، المظفر: دلائل الصدق، ج 1: ص 506.

 (2) - الحلبي: السيرة الحلبية، ج 1: ص 268، سيرة النبوية لزيني دحلان المطبوع بهامش السيرة الحلبية.

 


[533]

ويكفيني، وأشكر لك بلاءك عندي، فقال أبو طالب: خذ أيهم شئت، فأخذ عليا عليه السلام، فمن استقى عروقه من منبع النبوة، ورضعت شجرته ثدي الرسالة، وتهدلت أغصانه عن نبعة إلامامة، ونشأ في دار الوحي، وربي في بيت التنزيل، ولم يفارق النبي صلى الله عليه واله وسلم في حال حياته إلى حال وفاته لا يقاس بسائر الناس، وإذا كان عليه السلام في أكرم أرومة، وأطيب مغرس، والعرق الصالح ينمي، والشهاب الثاقب يسري، وتعليم الرسول ناجع، ولم يكن الرسول صلى الله عليه واله وسلم ليتولى تأديبه، ويتضمن حضانته وحسن تربيته إلا على ضربين: إما على التفرس فيه، أو بالوحي من الله تعالى، فإن كان بالتفرس فلا تخطأ فراسته، ولا يخيب ظنه، وإن كان بالوحي فلا منزلة أعلى ولا حال أدل على الفضيلة والأمامة منه (1).

 


(1) - المجلسي: بحار الانوار، ج 38: ص 295.

 وتهدلت: تدلت، والارومة: أصل الشجرة.

 


[534]

 

الفصل 3

الأمام على عليه السلام اسلامه وإيمانه

1 - قال الحافظ نور الدين الهيتمى (المتوفى 807): (عن أبي ذر وسلمان، قالا: أخذ النبي صلى الله عليه واله وسلم بيد علي فقال: إن هذا أول من آمن بي، وهذا أول من يصافحني يوم القيامة، وهذا الصديق الأكبر، وهذا فاروق الامة يفرق بين الحق والباطل، وهذا يعسوب المؤمنين، والمال يعسوب الظالمين (1).

 2 - وعن سلمان رحمه الله، قال: (أول هذه الامة ورودا على نبيها صلى الله عليه واله وسلم أولها إسلاما علي بن أبي طالب رضي الله عنه (2).

 3 - وعن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه واله وسلم، قال: (السبق ثلاثة: السابق إلى موسى: يوشع بن نون، والسابق إلى عيسى صاحب ياسين، والسابق إلى محمد صلى الله عليه واله وسلم علي بن أبي طالب رضي الله عنه (3).

 4 - وعن عروة بن الزبير، قال: (أسلم علي وهو ابن ثمان سنين (4).

 


(1) - الهيثمي: مجمع الزوائد، ج 9: ص 102.

 (2) - المصدر.

 (3) - المصدر.

 (4) - المصدر.

 


[535]

5 - قال الحموئي: (عن أبي أيوب قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: لقد صلت الملائكة علي وعلى علي سبع سنين، لأنا كنا نصلي وليس معنا أحد يصلي غيرنا (1).

 6 - وعن ابن عباس، قال: (إن النبي صلى الله عليه واله وسلم قال: أول من صلى معي علي (2).

 7 - قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لفاطمة عليها السلام: (أما ترضين أني زوجتك أول المسلمين إسلاما، وأعلمهم علما)، وقال صلى الله عليه واله وسلم لها: (زوجتك خير امتي أعلمهم علما، وأفضلهم حلما، وأولهم سلما (3).

 8 - قال العلامة الأميني رحمه الله: (هذا (أي أولية إسلامه وهو ابن تسع أو ثمان أو غير ذلك) ما اقتضته المسالمة مع القوم في تحديد مبدأ إسلامه عليه السلام، وأما نحن فلا نقول إنه أول من أسلم بالمعنى الذي يحاوله ابن كثير وقومه، لأن البدأة به تستدعي سبقا من الكفر، ومتى كفر أمير المؤمنين حتى يسلم ؟ ومتى أشرك بالله حتى يؤمن ؟ وقد انعقدت نطفته على الحنيفية البيضاء، واحتضنه حجر الرسالة، وغذته يد النبوة، وهذبه الخلق النبوي العظيم، فلم يزل مقتصا أثر الرسول قبل أن يصدع بالدين الحنيف وبعده، فلم يكن له هوى غير هواه، ولا نزعة غير نزعته، وكيف يمكن الخصم أن يقذفه بكفر قبل الدعوة وهو يقول: - وإن لم نرصحة ما يقول - إنه كان يمنع امه من السجود للصنم وهو حمل.

 أيكون إمام الامة هكذا في عالم الأجنة ثم يدنسه درن الكفر في عالم التكليف ؟ فلقد كان - صلوات الله عليه - مؤمنا جنينا ورضيعا وفطيما ويافعا وغلاما وكهلا وخليفة.

ولولا أبو طالب وإبنه * لما مثل الدين شخصا وقاما

بل نحن نقول: إن المراد من إسلامه وإيمانه وأوليته فيهما وسبقه إلى النبي في


(1) - الحموي: فرائد السمطين / الباب 47، ج 1: صص 242 و245.

 (2) - المصدر.

 (3) - الاميني: الغدير، ج 3: ص 95.

 


[536]

الاسلام هو المعنى المراد من قوله تعالى عن إبراهيم الخليل (1) عليه السلام: وأنا أول المسلمين (2)، وفيما قال سبحانه عنه: إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين (3)، وفيما قال سبحانه عن موسى عليه السلام: وأنا أول المؤمنين (4) وفيما قال تعالى عن نبيه الأعظم: آمن الرسول بما انزل إليه من ربه (5)، وفيما قال: قل إني امرت أن أكون أول من أسلم (6)، وفي قوله: وامرت أن أسلم لرب العالمين (7)).

 9 - قال أبو جعفر الاسكافي (المتوفى 230): (فنبتدئ بذكر تقدمه في الأسلام، فإن الناس مختلفون في أبي بكر وعلى، وقد أجمعوا على أن عليا أسلم قبله إلا أنهم زعموا أن إسلامه كان وهو طفل، فقد وجب تصديقنا في أنه أسلم قبله، ودعواهم في أنه كان طفلا غير مقبول إلا بحجة.

 فإن قالوا: وقولكم (إنه أسلم وهو بالغ) دعوى مردودة.

 قلنا: الأسلام قد ثبت له، وحكمه قد وجب بالدعوة والأقرار، ولو كان طفلا لكان في الحقيقة غير مسلم، لان أسماء الأسلام والأيمان وأسماء الكفر والضلال والطاعة والمعصية إنما يقع على العقلاء البالغين دون الأطفال (والمجانين).

 وحجة (أخرى) - أيضا -: إن الله لم يرسل رسولا إلى الأطفال والمجانين، فلما رأيناه قد قصد صلى الله عليه واله وسلم إلى علي بن أبي طالب، فدعاه إلى الأسلام وأمره بالأيمان وبدأ به قبل الخلق علمنا أنه عاقل بالغ وأن الأمر له لازم.

 


(1) - كذا، والكلام أمره تعالى لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم.

 (2) - الانعام، 6: 163.

 (3) - البقرة، 2: 131.

 (4) - الاعراف، 7: 143.

 (5) - البقرة، 2: 285.

 (6) - الانعام، 6: 14.

 (7) - الاميني: الغدير، ج 3: ص 239.

 والاية في غافر، 40: 66.

 


[537]

فإن قالوا: وما تنكرون أن يكون ذلك منه بالتأديب كما يكون ذلك منا إلى أطفالنا على جهة التعليم ؟ قلنا: ذلك من قولكم غير جائز وإنما ذلك يكون منا عند تمكن الأسلام بأهله وعن ظهوره والنشوء والولادة عليه، فأما في دار الشرك والحرب فليس يجوز ذلك، فالنبي صلى الله عليه واله وسلم لم يكن ليدع ما ارسل به، ويقصد إلى دعاء الأطفال والدار دار شرك وكفر، فيشتغل بالتطوع قبل أداء الفرض [و] ذلك عنه صلى الله عليه واله وسلم منفر، وما باله لم يدع طفلا غير علي بن أبي طالب وليس في السنة أن يدعى أطفال المشركين إلى الأسلام، ويفرق بينهم وبين آبائهم قبل أن يبلغوا الحلم.

 فإن قالوا: إن عليا قد كان يألف النبي صلى الله عليه واله وسلم فوافقه على طريق المساعدة، قلنا لهم: وإن كان يألفه فلم يكن إلفه [به] بأكثر من [إلفه] أبويه وإخوته وعمومته وأهل بيته، ولم يكن الألف مما يخرجه عما نشأ عليه وغذي به، ولم يكن الأسلام مما غذي به وكثر على سمعه إلى آخر ما قال (1).

 10 - قال المحقق المتضلع، الشيخ محمد باقر المحمودي - جزاه الله عن صاحب الولاية خير الجزاء - في هامش الكلام المذكور: (ولأبي جعفر، في رده على عثمانية الجاحظ هيهنا أدلة فطرية وأبحاث وجدانية يصدقها كل عاقل سلمت فطرته، ولم يعقد قلبه على بغض الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام ومشاقه الحقائق، وآثرنا أن نذكر ههنا جملا منها قال: (وما بال هذا الطفل لم يأنس بأقرانه، ولم يلصق بأشكاله، ولم يرمع الصبيان في ملاعبهم وهو كأحدهم في طبقته، كبعضهم في معرفته ؟ وكيف لم ينزع إليهم في ساعة من ساعاته فيقال: دعاه نقص الصبا وخاطر من خواطر الدنيا، وحملته الغرة والحداثة على حضور لهوهم والدخول في حالهم ؟ بل ما رأيناه إلا ماضيا على إسلامه، مصمما في أمره،


(1) - الأسكافي: المعيار والموازنة، ص 66 - 68.

 


[538]

محققا لقوله بفعله، وقد صدق إسلامه بعفافه وزهده، ولصق برسول الله صلى الله عليه واله وسلم من بين جميع من [كان] بحضرته، فهو أمينه وأليفه في دنياه وآخرته، وقد قهر شهوته، وجاذب خواطره، صابرا على ذلك نفسه لما يرجوه من فوز العاقبة وثواب الآخرة... ثم لينظر المنصف وليدع الهوى جانبا ليعلم نعمة الله على علي عليه السلام بالأسلام حيث أسلم على الوضع الذي أسلم عليه، فإنه لولا الألطاف التي خص بها، والهداية التي منحها له لما كان إلا كبعض أقارب محمد صلى الله عليه واله وسلم وأهله، فقد كان ممازجا له كممازجته، ومخالطا له كمخالطة كثير من أهله ورهطه، ولم يستجب أحد منهم له إلا بعد حين، ومنهم من لم يستجب له أصلا...).

 وساق الكلام في تسمية من استجاب النبي صلى الله عليه واله وسلم ومن لم يستجبه من عشيرته - إلى أن قال -: (فكيف ينسب إسلام علي عليه السلام إلى الألف والتربية والقرابة واللحمة والتلقين، والحضانة والدار الجامعة، وطول العشرة والانس والخلوة، وقد كان كل ذلك حاصلا لهؤلاء أو لكثير منهم، ولم يهتد أحد منهم إذ ذاك ؟ بل كانوا بين من جحد وكفر ومات على كفره، ومن أبطأ وتأخر وسبق وجاء سكيتا وقد فاز بالمنزلة غيره.

 وهل يدل تأمل حال علي عليه السلام مع الانصاف إلا على أنه أسلم لأنه شاهد الأعلام، ورأى المعجزات، وشم ريح النبوة، ورأى نور الرسالة، وثبت اليقين في قلبه بمعرفة وعلم ونظر صحيح لا بتقليد ولا حمية ولا رغبة ولا رهبة إلا فيما يتعلق بامور الآخرة (1).

 11 - قال عبد الكريم الخطيب: (وأكثر الذين ينازعون في أسبقية علي في الأسلام لا يعتدون بالسبق الزمني وإنما نراهم قد يسلمون به ولكنهم لا يرون إسلام


(1) - الأسكافي: المعيار والموازنة / هامش ص 67 - 68.

 


[539]

علي إسلامأ يعتد به في تلك السن المبكرة إذ لم يكن عن نظر وتدبر، فقد أسلم علي حين كان صبيا لم يبلغ مبلغ الادراك والتمييز ! والذي نقوله هنا هو ما قلناه من قبل وهو: أن عليا ولد مسلما على الفطرة إذ كان مرباه منذ طفولته في بيت الرسول الذي عصمه الله وعصم من كان في بيته من شرك الجاهلية وضلالها (1).

 12 - قال العقاد: (وكاد على أن يولد مسلما، بل لقد ولد مسلما على التحقيق إذا نحن نظرنا إلى ميلاد العقيدة والروح، لأنه فتح عينيه على الأسلام، ولم يعرف قط عبادة الاصنام، فهو قد تربى في البيت الذي خرجت منه الدعوة الاسلامية، وعرف العبادة في صلاة النبي... (2).

 13 - قال المقريزي ما هذا ملخصه: (وأما علي بن أبي طالب فلم يشرك بالله قط، وذلك أن الله تعالى أراد به الخير فجعله في كفالة ابن عمه سيد المرسلين محمد صلى الله عليه واله وسلم، فعند ما أتى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم الوحي وأخبر خديجة وصدقت كانت هي وعلي بن أبي طالب وزيدبن حارثة يصلون معه... فلم يحتج علي رضي الله عنه أن يدعى، ولا كان مشركا حتى يوحد فيقال: أسلم، بل كان عند ما أوحى الله إلى رسوله صلى الله عليه واله وسلم عمره ثماني سنين، وقيل: سبع، وقيل: إحدى عشرة سنة، وكان مع رسول الله صلى الله عليه واله وسلم في منزله بين أهله كأحد أولاده، يتبعه في جميع أحواله (1).

 14 - قال (المأمون) في حديث احتجاجه على أربعين فقيها ومناظرته إياهم في أن أمير المؤمنين أولى بالناس بالخلافة: (يا إسحاق ! أي الأعمال كان أفضل يوم بعث الله رسوله ؟ قلت: الأخلاص بالشهادة.

 قال: أليس السبق إلى الأسلام ؟ قلت: نعم، قال: اقرأ ذلك في كتاب الله تعالى يقول: والسابقون السابقون * اولئك


(1) - عبد الكريم الخطيب: على بن أبي طالب بقية النبوة وخاتم الخلافة، ص 100، ط بيروت.

 (2) - العقاد: عبقرية الإمام علي 7، ص 43، ط بيروت.

 (3) - المقريزي: الامتاع، ص 16 (كما في الغدير [ج 3: ص 238]).

 


[540]

المقربون (1)، إنما عنى من سبق إلى الأسلام، فهل علمت أحدا سبق عليا إلى الأسلام ؟ قلت: يا أمير المؤمنين ! إن عليا أسلم وهو حديث السن لا يجوز عليه الحكم، وأبو بكر أسلم وهو مستكمل يجوز عليه الحكم.

 قال: أخبرني أيهما أسلم قبل ؟ ثم أناظرك من بعده في الحداثة والكمال، قلت: علي أسلم قبل أبي بكر على هذه الشريطة، فقال: نعم، فأخبرني عن إسلام علي حين أسلم لا يخلو من أن يكون رسول الله صلى الله عليه واله وسلم دعاه إلى الأسلام أو يكون إلهاما من الله، قال: فأطرقت، فقال لي: يا إسحاق لا تقل: إلهاما فتقدمه على رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لأن رسول الله يعرف الأسلام حتى أتاه جبرئيل عن الله تعالى، قلت: أجل، بل دعاه رسول الله صلى الله عليه واله وسلم إلى الأسلام، قال: يا إسحاق ! فهل يخلو رسول الله صلى الله عليه واله وسلم حين دعاه إلى الأسلام من أن يكون دعاه بأمرالله أو تكلف ذلك من نفسه ؟ قال: فأطرقت، فقال: يا إسحاق ! لا تنسب رسول الله إلى التكلف، فإن الله يقول: وما أنا من المتكلفين (2).

 قلت: أجل، يا أمير المؤمنين ! بل دعاه بأمرالله، قال: فهل من صفة الجبار - جل ذكره - أن يكلف رسله دعاء من لا يجوز عليه حكم ؟ قلت: أعوذ بالله، فقال: أفتراه في قياس قولك يا إسحاق، (إن عليا أسلم صبيا لا يجوز عليه الحكم) قد تكلف رسول الله صلى الله عليه واله وسلم من دعاء الصبيان ما لا يطيقون ؟ فهل يدعوهم الساعة ويرتدون بعد ساعة فلا يجب عليهم في ارتدادهم شيء ولايجوز عليهم حكم الرسول صلى الله عليه واله وسلم ؟ أترى هذا جائزا عندك أن تنسبه إلى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ؟ قلت: أعوذ بالله (3).

 قال يا إسحاق ! فأراك إنما قصدت لفضيلة فضل بها رسول الله صلى الله عليه واله وسلم عليا على


(1) - الواقعة، 56: 10.

 (2) - ص، 38: 86.

 (3) - الى هنا أورده في الغدير (ج 3: ص 236).

 


[541]

هذا الخلق أبانة بها منهم ليعرف مكانه وفضله، ولو كان الله تبارك وتعالى أمره بدعاء الصبيان لدعاهم كما دعا عليا ! قلت: بلى، فهل بلغك أن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم دعاأحدا من الصبيان من أهله وقرابته لئلا تقول: إن عليا ابن عمه ؟ قلت: لا أعلم ولا أدري فعل أو لم يفعل، قال: يا إسحاق ! أرأيت ما لم تدره ولم تعلمه هل تسأل عنه ؟ قلت: لا، قال: فدع ما قد وضعه الله عنا وعنك (1).

 15 - قال جورج جرداق: (فإن علي بن أبي طالب قد ولد مسلما، لأنه من معدن الرسول مولدا ونشأة ومن ذاته خلقا وفطرة، ثم إن الظرف الذي أعلن فيه عما يكمن في كيانه من روح الأسلام ومن حقيقته لم يكن شيئا من ظروف الاخرين ولم يرتبط بموجبات العمر، لأن إسلام علي كان أعمق من ضرورة الارتباط بالظروف إذ كان جاريا من روحه كما تجري الأشياء من معادنها والمياه من ينابيعها (2).

 16 - قال العلامة الشيخ خليل: (ويوم جهر النبي بدعوته كان علي أول الناس إسلاما، وأسبقهم إيمانا، بل الواقع الصحيح أنه عليه السلام لم يكن أول الناس إسلاما، وأسبقهم إيمانا، بل كان أول الناس إعلانا لاسلامه وجهرا بإيمانه لأن ذينك الأسلام والأيمان كانا كامنين في أعماق قلبه في كل كيانه يعيشهما بعمق وتأمل وهو في كنف الرسول صلى الله عليه واله وسلم يستمد منه هديا وإيمانا تماما كما يستمد القمر من الشمس نورا وضياء، وإذا لعلى قدر ما لم يقدر لسواه من البشر... (3).

 17 - قال محمد بن طلحة الشافعي: (لما نزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وشرفه الله سبحانه وتعالى بالنبوة كان علي يومئذ لم يبلغ الحلم وكان عمره إذ ذاك في


(1) - ابن عبد ربه: العقد الفريد، ج 1: ص 352، ط بيروت.

 (2) - جورج جرداق: الإمام علي صوت العدالة الانسانية، ج 1: ص 63، ط بيروت / بمقدمة ميخائيل نعيمه.

 (3) - جورج جرداق: الأمام على، رسالة وعدالة، ص 25، ط بيروت.

 


[542]

السنة الثالث عشرة، وقيل أقل من ذلك، وقيل أكثر، وأكثر الأقوال وأشهرها انه كان لم يكن بالغا، فإنه أول من أسلم وآمن برسول الله صلى الله عليه واله وسلم من الذكور، وقد ذكر عليه السلام ذلك وأشار إليه في أبيات قالها بعد ذلك بمدة مديدة، نقلها عنه الثقات ورواها النقلة الأثبات:

محمد النبي أخي وصنوي * وحمزة سيد الشهداء عمي

وجعفر الذي يضحي ويمسي * يطير مع الملائكة ابن امي

وبنت محمد سكني وعرسي * منوط لحمها بدمي ولحمي

وسبطا أحمد ولداي منها * فأيكم له سهم كسهمي

سبقتكم إلى الاسلام طرا * غلاما ما بلغت أوان حلمي

وأوجب لي ولايته عليكم * رسول الله يوم غدير خم

فويل، ثم ويل، ثم ويل * لمن يلقى الاله غدا بظلمي (1)

أقول: ذكر هذه الأبيات بتمامها شيخنا العلامة الأميني، في كتابه الغدير (ج 2: ص 25)، إلا أنه قال بدل (غلاما ما بلغت أوان حلمي): (على ما كان من فهمي وعلمي)، وأضاف في الهامش بيتين آخرين، وقال: (وفي رواية الطبرسي بعد هذا البيت: وصليت الصلاة وكنت طفلا مقرا بالنبي في بطن امي ثم قال رحمه الله: (هذه الأبيات كتبها الامام عليه السلام إلى معاوية لما كتب معاوية إليه: إن لي فضائل: كان أبي سيدا في الجاهلية، وصرت ملكا في الاسلام، وأنا صهر رسول الله وخال المؤمنين وكاتب الوحي، فقال أمير المؤمنين - صلوات الله عليه -: أبا لفضائل يبغي على ابن آكلة الأكباد ؟ اكتب يا غلام: محمد النبي أخي وصنوي -


(1) ابن طلحة: مطالب السؤول ص 11 ط ايران.

 


[543]

إلى آخر الأبيات المذكورة، فلما قرأ معاوية الكتاب قال: أخفوا الكتاب لا يقرأه أهل الشام فيميلوا إلى ابن أبي طالب، والامة قد تلقتها بالقبول، وتسالمت على روايتها (1).

 18 - قال محمد بن جرير الطبري: (عن عباد بن عبد الله، قال: سمعت عليا يقول: أنا عبد الله وأخو رسوله، وأنا الصديق الأكبر، لا يقولها بعدي إلا كاذب مفتر، صليت مع رسول الله قبل الناس بسبع سنين (2).

 19 - وعن عمرو بن ميمون، عن ابن عباس، قال: (أول من صلى علي (صلوات الله عليه) (3).

 20 - وعن عمرو بن مرة، قال: سمعت أبا حمزة - رجلا من الأنصار - يقول: سمعت زيد بن أرقم يقول: (أول رجل صلى مع رسول الله صلى الله عليه واله وسلم علي عليه السلام (4).

 21 - عن يحيى بن عفيف، عن عفيف، قال: (جئت في الجاهلية إلى مكة فنزلت على العباس بن عبد المطلب، قال: فلما طلعت الشمس، وحلقت في السماء، وأنا أنظر إلى الكعبة أقبل شاب فرمى ببصره إلى السماء، ثم استقبل الكعبة فقام مستقبلها، فلم يلبث حتى جاءه غلام فقام عن يمينه، قال: فلم يلبث حتى جاءت امرأة فقامت خلفهما، فركع الشاب فركع الغلام والمرأة، فرفع الشاب، فرفع الغلام والمرأة، فخر الشاب ساجدا فسجدا معه.

 فقلت: يا عباس ! أمر عظيم ! فقال: أمر عظيم، أتدري من هذا ؟ فقلت: لا، قال: هذا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ابن أخي، أتدري من هذا معه ؟ قلت: لا، قال: هذا على بن أبي طالب بن عبد المطلب ابن أخى، أتدرى من هذه المرأة التي


(1) - الاميني: الغدير، ج 2: ص 26.

 (2) - الطبري: تاريخ الامم والملوك، ج 2: ص 210 / بتحقيق: محمد أبي الفضل إبراهيم.

 (3) - المصدر.

 (4) المصدر.

 


[544]

خلفهما ؟ قلت: لا، قال: هذه خديجة بنت خويلد زوجة ابن أخي، وهذا حدثني أن ربك رب السماء، أمرهم بهذا الذي تراهم عليه، وايم الله، ما أعلم على ظهر الأرض كلها أحدا على هذا الدين غير هؤلاء الثلاثة (1).

 22 - عن محمد بن سعد، قال: (قلت لأبي: أكان أبو بكر أولكم إسلاما ؟ فقال: لا، ولقد أسلم قبله أكثر من خمسين... (2).

 23 - قال العلامة الأميني رحمه الله: (قال [علي] عليه السلام: أسلمت قبل أن يسلم الناس بسبع سنين (3).

 24 - قال عليه السلام: (عبدت الله مع رسول الله صلى الله عليه واله وسلم سبع سنين قبل أن يعبده أحد من هذه الامة (4).

 25 - قال عليه السلام: (آمنت قبل الناس سبع سنين (5).

 26 - قال عليه السلام: (ما أعرف أحدا من هذه الامة عبد الله بعد نبينا غيري، عبدت الله قبل أن يعبده أحد من هذه الامة تسع سنين (6).

 27 - قال عليه السلام: (عبدت الله قبل أن يعبده أحد من هذه الامة خمس سنين (7).

 ثم قال، بعد نقل الأخبار: (لعل الباحث يرى خلافا بين كلمات أمير المؤمنين المذكورة (ص 221 - 224) في سني عبادته وصلاته مع رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بين ثلاث وخمس وسبع وتسع سنين، فنقول: أما ثلاث سنين فلعل المراد منه ما بين أول البعثة إلى إظهار الدعوة من المدة وهي ثلاث سنين، فقد أقام صلى الله عليه واله وسلم بمكة ثلاث


(1) - الطبري: تاريخ الامم والملوك، ج 2: ص 210 / بتحقيق: محمد أبي الفضل إبراهيم.

 (2) - الطبري: تاريخ الامم والملوك ج 2 ص 316 / بتحقيق: محمد أبي الفضل إبراهيم.

 (3) - المحب الطبري: الرياض النضرة، ج 2: ص 158.

 (4) - الحاكم: المستدرك، ج 3: ص 112.

 (5) - النسائي: الخصائص، ص 3.

 (6) - النسائي: الخصائص، ص 3.

 (7) - ابن عبد البر: الاستيعاب، ج 2: ص 448 (راجع الغدير، ج 3: ص 222).

 


[545]

سنين من أول نبوته مستخفيا، ثم أعلن في الرابعة.

 وأما خمس سنين فلعل المراد منها سنتا فترة الوحي من يوم نزول إقرأ باسم ربك الذي خلق * إلى نزول يا أيها المدثر * وثلاث سنين من أول بعثته بعد الفترة إلى نزول قوله فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين * وقوله: وأنذر عشيرتك الاءقربين * سني الدعوة الخفية التي لم يكن فيها معه صلى الله عليه واله وسلم إلا خديجة وعلي، وأحسب أن هذا مراد من قال: إن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم كان مستخفيا أمره خمس سنين كما في (الامتاع) (ص 44).

 وأما سبع سنين فإنها مضافا إلى كثرة طرقها وصحة أسانيدها معتضدة بالنبوية المذكورة (ص (5) 220)، وبحديث أبي رافع المذكور (ص (6) 227)، وهي سني الدعوة النبوية من أول بعثته صلى الله عليه واله وسلم إلى فرض الصلاة المكتوبة، وذلك أن الصلاة فرضت لا خلاف ليلة الاسراء، وكان الاسراء كما قال محمد بن شهاب الزهري قبل الهجرة بثلاث سنين، وقد أقام صلى الله عليه واله وسلم في مكة عشر سنين، فكان أمير المؤمنين خلال هذه المدة السنين السبع يعبد الله ويصلي معه صلى الله عليه واله وسلم، فكانا يخرجان ردحا من الزمن إلى الشعب وإلى حراء للعبادة، ومكثا على هذا ما شاء الله أن يمكثا حتى نزل قوله تعالى: فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين * وقوله: وأنذر عشيرتك الاءقربين * وذلك بعد ثلاث سنين من مبعثه الشريف، فتظاهر عليه السلام بإجابة الدعوة في منتدى الهاشميين المعقود لها، ولم يلبها غيره، ومن يومذاك اتخذه رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أخا ووصيا وخليفة ووزيرا، ثم لم يلب الدعوة إلى مدة إلا آحادهم بالنسبة إلى عامة قريش والناس المرتطمين في تمردهم في حيز العدم.

 


(1) - وهى قوله صلى الله عليه واله: (لقد صلت الملائكة على وعلى سبع سنين، لأنا كنا نصلي وليس معنا أحد يصلي غيرنا) (اسد الغابة، ج 4: ص 18).

 (2) - وهو قوله صلى الله عليه واله وسلم: (مكث علي يصلي مستخفيا سبع سنين وأشهرا قبل أن يصلى أحد) (أخرجه الطبراني والهيثمي في (المجمع) [ج 9: ص 103] والحموئي في (الفرائد) [الباب 47]).

 


[546]

على أن إيمان من آمن وقتئذ لم يكن معرفة تامة بحدود العبادات حتى تدرجوا في المعرفة والتهذيب، وإنما كان خضوعا للأسلام وتلفظا بالشهادتين ورفضا لعبادة الأوثان، لكن أمير المؤمنين خلال هذه المدة كان مقتصا أثر الرسول من أول يومه، فيشاهده كيف يتعبد، ويتعلم منه حدود الفرائض ويقيمها على ما هي عليه، فمن الحق الصحيح إذن توحيده في باب العبادة الكاملة والقول بأنه عبد الله وصلى قبل الناس بسبع سنين... وأما تسع سنين فيمكن أن يراد منها سنتا الفترة والسنين السبع من البعثة إلى فرض الصلوات المكتوبة، والمبني في هذه كلها على التقريب لا على الدقة والتحقيق كما هو المطرد في المحاورات، فالكل صحيح لا خلاف بينها ولا تعارض هناك (1).

 


(1) - الاميني: الغدير، ج 3: ص 241 - 243.