الفصل 4

الامام على عليه السلام جماله وشمائله

1 - عن النبي صلى الله عليه واله وسلم: (من أحب أن ينظر إلى إسرافيل في هيبته، وإلى ميكائيل في رتبته، وإلى جبرئيل في جلالته، وإلى آدم في سلمه، وإلى نوح في خشيته، وإلى إبراهيم في خلته، وإلى يعقوب في حزنه، وإلى يوسف في جماله، وإلى موسى في مناجاته، وإلى أيوب في صبره، وإلى يحيى في زهده، وإلى يونس في سنته، وإلى عيسى في ورعه، وإلى محمد في حسبه وخلقه، فلينظر إلى علي، فإن فيه تسعين خصلة من خصال الأنبياء جمع الله فيه ولم يجمع لأحد غيره (1).

 2 - قال العلامة، الشيخ عبد الرحمن الصفوري الشافعي: (كان [عليه السلام] مربوع القامة، أدعج العينين عظيمهما، حسن الوجه كأن وجهه قمر ليلة البدر، عظيم البطن، أعلاه علم وأسفله طعام، وكان كثير شعر اللحية، وقليل شعر الرأس، عنقه إبريق فضة، رضي الله عنه وعن امه وأخويه جعفر وعقيل وعميه حمزة وعباس (2).

 


(1) - تقدم وفي كتاب (الأمام على في الاحاديث النبوية)، للعلامة السيد محمد ابراهيم الموحد (ص 221، ط بيروت): (وإلى محمد في خلقه وجسمه وشرفه وكمال منزلته - الخ).

 (2) - الصفوري: نزهة المجالس ومنتخب النفائس، ص 454، ط بيروت.

 


[548]

أقول: رجل مربوع وربع وربعة: أي مربوع الخلق لا بالطويل ولا بالقصير، و(الدعج): شدة سواد العين وشدة بياض بياضها، قيل: شدة سوادها مع سعتها (1).

 3 - قال العلامة الشيخ شعيب الحريفيشي: (قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: من أراد أن ينظر إلى آدم عليه السلام وسلمه، وإلى يوسف وحسنه، وإلى موسى وصلاته، وإلى عيسى وزهده، وإلى محمد وخلقه فلينظر إلى علي (2).

 4 - قال إبن منظور: (في حديث عن ابن عباس، أنه قال: كان علي أمير المؤمنين يشبه القمر الباهر، والأسد الحادر، والفرات الزاخر، والربيع الباكر، أشبه من القمر ضوؤه وبهاؤه، ومن الأسد شجاعته ومضاؤه، ومن الفرات جوده وسخاؤه، ومن الربيع خصبه وحياؤه (3) 5 - وقال - أيضا: (في حديث ابن عباس: ما رأيت أحسن من شرصة علي عليه السلام، هي بفتح الراء الجلحة وهي انحسار الشعر عن جانبى مقدم الرأس، قال إبن الأثير: هكذا قال الهروي، وقال الزمخشري: هو بكسر الشين وسكون الراء وهما شرصتان (4).

 


(1) - ابن منظور: لسان العرب.

 (2) - الحريفيشي، روض الفائق، ص 291، ط مصر.

 (3) - ابن منظور: لسان العرب، ج 14: ص 216 / مادة (حيا).

 (4) - المصدر، ج 17: ص 46 / مادة (شرص).

 


[549]

6 - وقال - أيضا: (في صفة علي رضي الله عنه: البطين الأنزع، والعرب تحب النزع وتتيمن بالأنزع، وتذم الغمم (والغمم أن يسيل الشعر حتى يضيق الوجه والقفا) وتتشاءم بالأغم، وتزعم أن الأغم القفا والجبين لا يكون إلا لئيما، ومنه قول هدبة بن خشرم: ولا تنكحي إن فرق الدهر بيننا أغم القفا والوجه ليس بأنزعا (1) 7 - قال العلامة محمد بن طلحة الشافعي: (كان عليه السلام آدم شديد الادمة، ظاهرة السمرة، عظيم العينين، أقرب إلى القصر من الطول لم يتجاوز حد الاعتدال في ذلك، ذا بطن كثير الشعر، عريض اللحية، أصلع أبيض الرأس واللحية، لم يصفه أحد من العلماء بالخضاب غير سودة بن حنظلة فإنه قال: رأيت عليا أصفر اللحية، ولم ينقله غيره، ويشبه أن يكون محمل كلامه أنه قد خضب، ثم تركه، وقد انتشر بين المخبرين واشتهر لأعين المستبصرين وظهر في زبر الاثرين وصدر على ألسنة الاخرين أن من صفاته التي تختص بإضافة نسبها إليه، ونعوته التي تقتص بإضافة لباسها عليه: الأنزع البطين، حتى صارت عليه علما للناظرين.

 ومما يستفتح أبواب المسامع من واردات طلايع البدايع في معنى صفات البطين الأنزع ما هو ألذ عند السامع من حصول الغنى للبائس القانع، ووصول الأمن إلى قلب الخائف الخاشع وهو أنه 7 لما اشتمل عليه رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بتربيته إياه ومتابعته في هداه، فكان بأوامره ونواهيه يروح ويغتدي، وبشعاره يتجلب ويرتدي، وباستبصاره في اتباعه يأتم ويهتدي، وعلى الجملة:

عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه * فكل قرين بالمقارن يقتدي

خصه الله - عز وعلا - من أنوار النبوة المنتشرة في الافاق بنفس زكية مستنيرة


(1) - ابن منظور: لسان العرب، ج 18: ص 352 / مادة (نزع).

 


[550]

الأشراق قابلها بصفائها لانطباع صور مكارم الأخلاق، مطهرة لضيائها من اقتراب كدر الكفر وشقاق النفاق، فنزعت لطهارتها عن ظلمات الشرك وفتكات الأفك، فكان أول ذكر آمن برسول الله صلى الله عليه واله وسلم معه بغير شك، ونزعت نفسه إلى تكسير الأصنام والتماثيل وتطهير المسجد الحرام من الأوثان والأباطيل وتغيير أساليب الشك والأضاليل... ولم يزل بملازمة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يزيده الله علما حتى قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فيما نقله الترمذي في صحيحه بسنده عنه: (أنا مدينة العلم وعلى بابها)، فكان من غزارة علمه يذلل جوامح القضايا، ويوضح مشكلات الوقايع، ويسهل مستصعب الأحكام، فكل علم كان له فيه أثر، وكل حكمة كان له عليها استظهار... وحيث اتضح ما آتاه الله تعالى من أنواع العلم وأقسام الحكمة فباعتبار ذلك وصف بلفظة البطين، فإنها لفظة يوصف من هو عظيم البطن متصف بامتلائه، ولما قد امتلأ علما وحكمة وتضلع من أنواع العلوم وأقسام الحكمة ما صار غذاء له مملوا به وصف باعتبار ذلك بكونه بطينا من العلم والحكمة كمن تضلع من الأغذية الجسمانية ما عظم بطنه، فصار باعتباره بطينا، فاطلقت هذه اللفظة نظرا إلى ذلك، هذا هو المعنى الذي أهدته هداة الروات إلى ألسنة الأقلام... إن لفظة (بطين) هي فعيل، ولفظة فعيل معدولة، فتارة يكون معدولة عن فاعل كشهيد وعليم عن شاهد وعالم، وتارة عن مفعول كقتيل وجريح عن مقتول ومجروح، وتارة عن مفاعل كخصيم ونديم عن مخاصم ومنادم، وتارة عن مفعل كبديع وعجيب عن مبدع ومعجب، وإذا كان محال ما يكون معدولة عنه وأقسامه مفعل فتكون لفظة بطين ههنا معدولة عن مبطن، وقد انتشرت الأخبار في الأقطار، وظهرت الاثار في الأمصار أن عليا 7 قد حصل على علم كثير ومعرفة وافرة ودارية وافية أظهر بعضا لشمول مصلحة معرفته وعموم منفعته، وأبطن


[551]

بعضا إلى حين حضور حملته... (1).

 8 - قال العلامة الحافظ، محب الدين الطبري: (وكان عليه السلام ربعة من الرجال، أدعج العينين عظيمهما، حسن الوجه كأنه قمر ليلة البدر، عظيم البطن إلى السمن، عريض ما بين المنكبين، لمنكبه مشاش كمشاش السبع الضاري، لا يبين عضده قد ادمج إدماجا، شثن الكفين، عظيم الكراديس، أغيد كأن عنقه إبريق فضة، أصلع ليس في رأسه شعر إلا من خلفه، كثير شعر اللحية، وكان لا يخضب وقد جاء عنه الخضاب، والمشهور أنه كان أبيض اللحية، وكان إذا مشى تكفأ، شديد الساعد واليد، وإذا مشى إلى الحروب هرول، ثبت الجنان، قوي ما صارع أحدا إلا صرعه، شجاع منصور عند من لاقاه (2).

 شرح: (الأغيد): المائل العنق، و(الغيد): النعومة، وامرأة غيداء و(غادة): ناعمة، و(المشاش): رؤوس العظام اللينة، الواحد: مشاشة، و(أدمج) يقال: أدمج الشئ في الشئ إذا أدخله فيه، يريد - والله أعلم - أن عظمي عضده وساعده للينهما قد اندمجا، وهكذا صفة الأسد، و(الضاري): المعود الصيد، و(تكفأ): تمايل في مشيته (3)، و(الشثن): الغليظ بمعنى الشثل، و(الكراديس): جمع الكردوسة وهي كل عظم تكردس أي اجتمع اللحم عليه.

 9 - قال العلامة المجلسي رحمه الله: (عن جابر، وابن الحنفية: كان علي عليه السلام رجلا دحداحا، ربع القامة، أزج الحاجبين، أدعج العينين أنجل، تميل إلى الشهلة، كأن وجهه القمر ليلة البدر حسنا، وهو إلى السمرة، أصلع، له حفاف من خلفه كأنه إكليل، وكأن عنقه إبريق فضة، وهو أرقب، ضخم البطن، أقرا الظهر، عريض الصدر، محض المتن، شثن الكفين، ضخم الكسور، لا يبين عضده من ساعده قد


(1) - ابن الطلحة: مطالب السؤول، ص 12، ط ايران.

 (2) - الهيثمي: ذخائر العقبى، ص 57، ط القاهرة.

 (3) - الهيثمي: ذخائر العقبى، ص 57، ط القاهرة.

 


[552]

ادمجت إدماجا، عبل الذراعين، عريض المنكبين، عظيم المشاشين كمشاش السبع الضاري، له لحية قد زانت صدره، غليظ العضلات، حمش الساقين، قال المغيرة: كان علي عليه السلام على هيئة الأسد، غليظا منه ما استغلظ، دقيقا منه ما استدق).

 بيان: (أحمش الساقين) أي دقيقها، ويقال: حمش الساقين - أيضا - بالتسكين، و(الدحداح): القصير السمين، والمراد هنا غير الطويل أو السمين فقط بقرينة ما بعده، و(الزجج): تقوس في الحاجب مع طول في طرفه وامتداده، و(الدعج) شدة السواد في العين أو شدة سوادها في شدة بياضها، والنجل: سعة العين، و(الشهلة) - بالضم -: أقل من الزرقة في الحدقة وأحسن منه، أو أن تشرب الحدقة حمرة ليست خطوطا كالشكلة، ولعل المراد هنا الثاني، و(الصلع): انحسار شعر مقدم الرأس، و(الحفاف) - ككتاب -: الطرة حول رأس الأصلع، و(الأكليل): شبه عصابة تزين بالجواهر، و(الأرقب): الغليظ الرقبة، وقال الجوهري: و(القراء): الظهر، وناقة قرواء: طويلة السنام، ويقال: الشديدة الظهر بينة القرى، ولايقال: جمل أقرى.

 وقال الفيروز آبادي: (المقروري): الطويل الظهر، و(المحض): الخالص.

 و(متنا الظهر) مكتنفا الصلب عن يمين وشمال من عصب ولحم، ولعله كناية عن الاستواء أو عن اندماج الأجزاء بحيث لا يبين فيه المفاصل ويرى قطعة واحدة.

 وقال الجزري في صفته: (شثن الكفين والقدمين) أي أنهما يميلان إلى الغلظ والقصر، وقيل: هو أن يكون في أنامله غلظ بلا قصر، ويحمد ذلك في الرجال لأنه أشد لقبضهم، ويذم في النساء.

 وقال الفيروز آبادي: (الكسر) - ويكسر -: الجزء من العضو أو العضو الوافر، أو نصف العظم بما عليه من اللحم، أو عظم ليس عليه كثير لحم، والجمع: أكسار وكسور، و(العبل): الضخم من كل شئ، وقال الجزرى: في صفته: (جليل المشاش)، أي عظيم رؤوس العظام كالمرفقين والكتفين والركبتين، وقال


[553]

الجوهري: هي رؤوس العظام اللينة التي يمكن مضغها، أقول: لعل المراد هنا منتهى عظم العضد من جانب المنكب، و(السبع الضاري) هو الذي اعتاد بالصيد لا يصبر عنه، قوله: (ما استغلظ) أي من الأسد أو من الأنسان، أي كل ما كان فيه غليظا ففيه كان أغلظ، وكذا العكس (1).

 10 - قال العلامة علي بن عيسى الاربلي رحمه الله: (قال الخطيب أبو المؤيد الخوارزمي، عن أبي إسحاق، قال: رأيت عليا أبيض الرأس واللحية، ضخم البطن، ربعة من الرجال، وذكر ابن مندة أنه 7 كان شديد الادمة، ثقيل العينين عظيمهما، ذا بطن، وهو إلى القصر أقرب، أبيض الرأس واللحية، وزاد محمد بن حبيب البغدادي، صاحب (المحبر الكبير) في صفاته 7: آدم اللون، حسن الوجه، ضخم الكراديس.

 واشتهر عليه السلام بالأنزع البطين، أما في الصورة فيقال: رجل أنزع بين النزع وهو الذي انحسر الشعر عن جانبي جبهته، وموضعه النزعة وهما النزعتان، ولا يقال لامرأة: نزعاء، ولكن زعراء، والبطين: الكبير البطن، وأما المعنى فإن نفسه نزعت يقال: نزع إلى أهله ينزع نزاعا: اشتاق، ونزع عن الامور نزوعا: انتهى عنها، أي نزعت نفسه عن ارتكاب الشهوات فاجتنبها، ونزعت إلى اجتناب السيئات فسد عليه مذهبها، ونزعت إلى اكتساب الطاعات فأدركها حين طلبها، ونزعت إلى استصحاب الحسنات فارتدى بها وتجلببها.

 وامتلأ علما فلقب بالبطين، وأظهر بعضا وأبطن بعضا حسب ما اقتضاه علمه الذي عرف به الحق اليقين، وأما ما ظهر من علومه فأشهر من الصباح وأسير في الآفاق من سري الرياح، وأما ما بطن فقد قال: (بل اندمجت على مكنون علم لو


(1) - المجلسي: بحار الانوار، ج 35: ص 2 و3.

 


[554]

بحت به لاضطربتم اضطراب الأرشية في الطوي البعيدة)(1)، وقد نظم بعض الشعراء هذا المعنى فقال:

من كان قد عرقته مدية دهره * ومرت له أخلاف سم منقع

فليعتصم بعرى الدعاء ويبتهل * بإمامة الهادي البطين الأنزع

نزعت عن الاثام طرا نفسه * ورعا فمن كالأنزع المتورع

وحوى العلوم عن النبي وراثة * فهو البطين لكل علم مودع

ومما ورد في صفته عليه السلام ما أورده صديقنا المعز المحدث، وذلك حين طلب منه السعيد بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل، أن يخرج أحاديث صحاحا وشيئا مما ورد في فضائل أمير المؤمنين عليه السلام وصفاته، وكتبت على الأنوار الشمع الاثني عشر التي حملت إلى مشهده عليه السلام وأنا رأيتها، قال: كان ربعة من الرجال... (2) إلى آخر ما أوردناه من سائر الكتب.

 11 - (وكان عليه السلام بشره دائم وثغره باسم غيث لمن رغب وغياث لمن ذهب مآل الآمل وثمال الارامل يتعطف على رعيته ويتصرف على مشيته ويكفه بحجته ويكفيه بمهجته (3)).

 12 - قال ابن أبي الحديد: (وأما سجاحة الاخلاق وبشر الوجه وطلاقة المحيا والتبسم فهو المضروب به المثل فيه حتى عابه بذلك أعداؤه قال عمرو بن العاص لاهل الشام: إنه ذو دعابة شديدة وقال علي عليه السلام في ذلك (عجبا لابن النابغة يزعم لاهل الشام أن في دعابة وأني امرء تلعابة اعافس وامارس وعمرو بن العاص إنما أخذها عن عمر بن الخطاب لقوله له لما عزم على استخلافه:


(1) اندمج: إذا دخل في الشئ واستتر فيه والارشية: الحبال واحدها: رشاء والطوي: البئر المطوية.

 (2) إربلي: كشف الغمة ج ؟: ص 75 - 77.

 (3) المجلسي: بحار الانوار ج 41: صص 131 و51.

 


[555]

(لله أبوك لولا دعابة فيك) إلا أن عمر اقتصر عليها وعمرو زاد فيها وسمجها.

 قال صعصعة بن صوحان وغيره من شيعته وأصحابه: كان فينا كأحدنا لين جانب وشدة تواضع وسهولة قياد وكنا نهابه مهابة الاسير المربوط للسياف الواقف على رأسه وقال معاوية لقيس بن سعد: رحم الله أبا حسن فلقد كان هشا بشا ذا فكاهة قال قيس: نعم كان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يمزح ويتبسم إلى أصحابه وأراك تسر حسوا في ارتغاء وتعيبه بذلك ! أما والله لقد كان مع تلك الفكاهة والطلاقة أهيب من ذي لبدتين قد مسه الطوى تلك هيبة التقوى ليس كما يهابك طغام أهل الشام (1)).

 استطراد في تحريف الكتب: لما بلغ الكلام إلى نقل العلامة الأربلي عن كتاب (المحبر) للعلامة النسابة، أبي جعفر محمد بن حبيب بن امية بن عمرو الهاشمي البغدادي (المتوفى سنة 245،) حان حين إبراز التأسف عما جنته يد التحريف أو عدم الاعتناء بشأن المقابلة والتصحيح وما حرفته يد الطبع الأمينة في هذا الكتاب وكثير من الكتب المطبوعة، وقد فصلنا القول في هذا الباب وفي تحريف مكانة كثير من الصحابة والرواة والعلماء والشعراء وفق ما خطته للمحرفين أنفسهم حسب نزعاتهم المذهبية والقومية والحزبية والحمية الجاهلية، وفي هذا بلاغ للمستبصر وتذكرة للمذكر، فاستمع لما يتلى: 1 - كتاب (المحبر): اعلم أن النسخة التي الان بين يدي وأمام عيني من الكتاب نسخة طبعت في سنة 1361 في مطبعة جمعية دائرة المعارف العثمانية على نفقتها بعاصمة الدولة الاصفية (حيدر آباد - دكن)، وإني طالعت الكتاب من أوله


ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة ج 1: ص 25 والتلعابة بفتح التاء وكسرها: الكثير اللعب والمزح.

 والمعافسة: الملاعبة والممارسة: ملاعبة النساء.

 


[556]

إلى آخره، وتصفحته من بدئه إلى ختمه، وتعمقت أسطاره فلم أجد فيه الكلام الذي ذكره العلامة الأربلي منه، ومن أهدى إلي الكلام المذكور بعينه ونصه في أصل الكتاب أعني (المحبر) فله علي وعلى زملائي حق لاننساه.

 نعم، لعل الخائنين حرفوا ذلك، وليس هذا ببعيد، وكم له من نظير.

 2 - كتاب (الفتوحات المكية): ومن ذلك حذفهم أسامي الأئمة عليهم السلام من الفتوحات المكية لمحيي الدين ابن العربي على ما في اليواقيت والجواهر للشعراني، فإن فيه عين عباراته كما في المطبوعة منه مع تلك الأسامي الشريفة، قال العلامة عبد الوهاب الشعراني (المتوفى 973) في (اليواقيت) (ج 2 / المبحث 65، ط دار المعرفة، بيروت - لبنان)، ما هذا لفظه وعبارة الشيخ محيي الدين في الباب السادس والستين وثلاثمائة من الفتوحات: (اعلموا أنه لابد من خروج المهدى 7، لكن لا يخرج حتى تمتلئ الأرض جورا وظلما، فيملأها قسطا وعدلا، ولو لم يكن من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله تعالى ذلك اليوم حتى يلي ذلك الخليفة وهو من عترة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم من ولد فاطمة - رضي الله عنه -، جده الحسين بن علي بن أبي طالب، ووالده حسن العسكري، ابن الإمام علي النقي - بالنون -، ابن الامام محمد التقي - بالتاء -، ابن الإمام علي الرضا، ابن الأمام موسى الكاظم، ابن الأمام جعفر الصادق، ابن الأمام محمد الباقر، ابن الأمام زين العابدين علي، ابن الأمام الحسين، ابن الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، يواطئ اسمه اسم رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، يبايعه المسلمون بين الركن والمقام، يشبه رسول الله صلى الله عليه واله وسلم في الخلق - بفتح الخاء -، وينزل عنه في الخلق - بضمها -).

 هذا ما في (اليواقيت)، وفي المجلد الثالث من (الفتوحات) (الباب 366، ص 419، ط بولاق - مصر،: (اعلم - أيدك الله - أن لله خليفة يخرج وقد امتلأت الأرض جورا وظلما، فيملأه قسطا وعدلا، لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يلي هذا الخليفة من عترة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم من ولد فاطمة،


[557]

جده الحسن بن علي، يواطئ اسمه اسم رسول الله صلى الله عليه واله وسلم... إلى آخر ما قال).

 فالتصحيف والتحريف في موضعين: أحدهما أن في (اليواقيت): جده الحسين بن علي، وفي (الفتوحات) من ذلك الطبع: الحسن بن على، والثاني حذف أسامي الأئمة عليهم السلام برمتها.

 3 - جمهرة ابن دريد: ومن ذلك ما وقع التحريف في (جمهرة) ابن دريد، محمد بن الحسن (المتوفى 321) (ج 1: ص 71) قال فيه: (غدير خم معروف (1) وهو الموضع الذي قام فيه رسول الله صلى الله عليه واله وسلم خطيبا بفضل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب)، كذا في المطبوع من الجمهرة، وقد حكى عنه ابن شهر آشوب وغيره في العصور المتقدمة من النسخ المخطوطة ما نصه: (هو الموضع الذي نص النبي صلى الله عليه واله وسلم فيه على علي عليه السلام)، وقد حرفته يد الطبع الأمينة 4 - موطا مالك: ومن ذلك موطأ مالك، حيث ورد فيه وفي شرحه تنوير الحوالك (ط شركة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر سنة 1370، ج 1: ص 307 / باب الجهاد): (عن أبي النصر - مولى عمر بن عبيدالله - أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال لشهداء احد: هؤلاء أشهد عليهم، فقال أبو بكر الصديق: ألسنا يا رسول الله، إخوانهم ؟ أسلمنا كما أسلموا، وجاهدنا كما جاهدوا ! فقال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: بلى، ولكن لاأدري ما تحدثون بعدي، فبكى أبو بكر ثم بكى ثم قال: أإننا لكائنون بعدك) ؟ وأما من طبعه بالقاهرة (سنة 1387، بتحقق عبد الوهاب عبد اللطيف) فالحديث اسقط بتمامه.

 5 - حياة محمد (ص): ومن ذلك (حياة محمد صلى الله عليه واله وسلم) لمحمد حسنين هيكل، حيث أورد (في الخامس، ص 104، من الطبعة الأولى منه) قصة الأنذار بالتفصيل،


(1) - راجع هامش الغدير، ج 1، ص 8.


[558]

وقال: قال صلى الله عليه واله وسلم لهم: (... فأيكم يؤازرني على هذا الأمر وأن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم ؟ فأعرضوا عنه وهموا بتركه...).

 وقد حذف من طبعه الثاني والثالث (سنة 1345 و1358 في دار الكتب المصرية) قوله صلى الله عليه واله وسلم: (وأن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم).

 6 - تفسير الطبري: ومن ذلك تفسير الطبري، فقد نقل فيه (ج 19: ص 112، ط 1373، مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر): (فقال (رسول الله صلى الله عليه واله وسلم): يا بني عبد المطلب !... فأيكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي وكذا وكذا ؟... ثم قال: إن هذا أخي وكذا وكذا، فاسمعوا له وأطيعوا هذا).

 وقد ورد في الجزء 2 منه بتحقيق محمد أبي الفضل إبراهيم (ص 321، ط دار المعارف بمصر): (فقال: يا بني عبد المطلب !... فأيكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم ؟... ثم قال: إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا).

 أقول: ولا أدري أكان هذا العمل الموجب للأسف من الطبري أو من غيره، والله أعلم.

 7 - مكاسب الشيخ الانصاري: وذلك الذي يحرق جدا قلوب الموالي، ويوجب لهم حزنا كثيرا وقوع الحذف والاسقاط في (المكاسب) لشيخنا الأعظم الأنصاري رحمه الله قال رحمه الله في (المكاسب) (ط تبريز، سنة 1375، بخط طاهر خوشنويس، بمطبعة الأطلاعات، ص 40) عند ذكر حرمة الغيبة: (وكيف كان فما سمعناه من بعض من عاصرناه من الوسوسة في عدها من الكبائر أظنها في غير المحل، ثم إن ظاهر الأخبار اختصاص حرمة الغيبة بالمؤمن، فيجوز اغتياب المخالف كما يجوز لعنه، وتوهم عموم الاية كبعض الروايات لمطلق المسلم مدفوع بما علم بضرورة المذهب من عدم احترامهم وعدم جريان أحكام الاسلام عليهم إلا قليلا مما يتوقف استقامة نظم معاش المؤمنين عليه مثل عدم انفعال ما يلاقيهم بالرطوبة، وحل ذبائحهم ومنا كحتهم، وحرمة دمائهم لحكمة


[559]

دفع الفتنة ونسائهم و(فسادهم - ظ)، لأن لكل قوم نكاحا، ونحو ذلك، مع أن التمثيل المذكور في الاية مختص بمن ثبت اخوته، فلا يعم من وجب التبري عنه، وكيف كان فلا إشكال في المسألة بعد ملاحظة الروايات الواردة في الغيبة وفي حكمة حرمتها وفي حال غير المؤمن في نظر الشارع - الخ).

 هذا وقد اسقط منه في طبع عبد العزيز البغدادي (صاحب المكتبة العربية، ج 3: ص 320) ومن قوله (ثم إن ظاهر الأخبار اختصاص حرمة الغيبة بالمؤمن - إلى قوله: - وكيف كان فلا إشكال في المسألة...) وأيضا قوله (وفي حال غير المؤمن).

 الاستدراك 1 - صحيح البخاري روى هذا الحديث: (كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وليس معنا نساء فقلنا ألا نستخصي ؟ فنهانا عن ذلك ثم رخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل: ثم قرأ عبد الله يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين) (1) رواها عن البخاري جماعة من المحدثين والمفسرين والفقهاء بهذا النص ولكن الموجود في صحيح البخاري المتداول: الجزء 6 الصفحة 53 يخالف ما ذكره هؤلاء من وجهين: 1 - حذف كلمه: (ابن مسعود) من سند الحديث وقد ذكره معظمهم لانه كان يقول بجواز المتعة حتى لا تكون قرينة على أن المراد بهذه الرواية هو جواز نكاح المتعة وترخيصه.

 حذف كلمة: (إلى أجل) من آخر الرواية لانها صريحة في ترخيص نكاح


(1) المائدة 5: 87.

 


[560]

المتعة كما فهمها الشراح وفسروها لان الترخيص في النكاح في هذا المورد لابد وأن يكون ترخيصا لنكاح المتعة دون النكاح الدائم خاصة وإن المقصود من: (ليس معنا نساء) ولدلالة هذه الرواية على نكاح المتعة ادعى غير واحد من الفقهاء نسخ هذا الحكم الثابت في هذه الرواية بتحريم نكاح المتعة بعد ذلك بروايات اخرى تفيد تحريمها.

 ومع أن ذلك لا يتم لهم لاسباب مرت عليك عند مناقشة تلك الروايات في آية المتعة فإن يد التحريف تناولت هذه الرواية فغيرتها عما كانت عليه من الصحة.

 ألا قاتل الله التحريف وأهواء المحرفين ! ومن المحدثين والمفسرين والفقهاء الذين رووا الحديث المذكور عن البخاري علي وجه الصحة هم: المصدر الجزء الصفحة طبعة أ البيهقي في سننه 200 7 حيدر آباد، السيوطي في تفسيره 207 2 الميمنية بمصر ج الزيلعي في نصب الراية 180 3 دار التأليف بمصر د ابن تيمية في المنتقى 517 2 الحجازي بمصر هو ابن القيم في زاد المعاد 8 4 محمد علي صبيح بمصر والقنوچي في الروضة الندية 16 2 المنيرية بمصر ز محمد بن سليمان في جميع الفوائد 589 1 دار التأليف بمصر


[561]

وهذه الرواية مصادر أخرى وهي: الجزء الصفحة طبعة ح مسند أحمد 420 1 مصر 1313 ط تفسير القرطبي 130 5 مصر 1356 ي تفسير ابن كثير 87 2 مصر على الباقي ك أحكام القرآن 184 2 مصر 1347 ل الاعتبار للخازمي - 176 حيدر آباد وهناك مصادر اخرى كصحيح أبي حاتم البستي وغير ذلك من أمهات المصادر (1) 2 - المعارف لابن قتيبة قال الگنجي الشافعي (المقتول سنه 658) في كفاية الطالب) في ذكر عدد أولاده عليه السلام: كان له من سيدة نساء العالمين فاطمة بنت محمد صلى الله عليه واله وسلم وامها سيدة نساء العالمين خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى الحسن والحسين وزينب الكبرى وأم كلثوم الكبرى وساق الكلام إلى أن قال: - وزاد على الجمهور وقال: وان فاطمة عليها السلام أسقطت بعد النبي ذكرا كان سماه رسول الله صلى الله عليه واله وسلم محسنا.

 وهذا شيء لا يوجد عند أحد من أهل النقل إلا عند ابن قتيبة (2).

 وأيضا قال محمد بن علي بن شهرآشوب (المتوفى سنة 588) في (مناقب آل ابي طالب): وأولادها الحسن والحسين والمحسن سقط وفي (معارف القتيبي) إن محسنا فسد من زخم قنفذ العدوي وزينب وأم كلثوم (3).

 


(1) السيد الامام الخوئي: البيان في افسير القرآن قسم التعليقات (7) ص 546.

 (2) الكنجي: كفاية الطالب ص 411) ط الحيدرية النجف الاشرف.

 (3) ابن شهر آشوب: مناقب آل أبي طالب ج 3 ص 358.

 


[562]

ولكن مع الاسف الموجود في الطبعات التي بين أيدينا من المعارف هكذا: (و أما محسن بن علي فهلك وهو صغير).

 هذه خيانة عظيمة وجناية كبيرة على الكتب ومعارف الدين.

 3 - قال ابن الحديد المعتزلي في (شرح النهج) (ج 4: ص 68 / بتحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم): روى سفيان الثوري عن عبد الرحمن بن قاسم عن عمر بن عبد الغفار: إن أبا هريرة لما قدم الكوفة مع معاوية كان يجلس بالعشيات بباب كندة ويجلس الناس إليه فجاء شاب من الكوفة فجلس إليه فقال: يا أبا هريرة ! أنشدك الله أسمعت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقول لعلي بن أبي طالب: (اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ؟ فقال: اللهم نعم قال: فأشهد بالله لقد واليت عدوه وعاديت وليه.

 ثم قام عنه.

 وروت الرواة أن أبا هريرة كان يؤاكل الصبيان في الطريق ويلعب معهم وكان يخطب وهو أمير المدينة فيقول: الحمد لله الذي جعل الدين قياما وأبا هريرة إماما يضحك الناس بذلك وكان يمشي وهو أمير المدينة في السوق فإذا انتهى إلى رجل يمشي أمامه ضرب برجليه الارض ويقول: الطريق الطريق قد جاء الامير يعني نفسه قلت: قد ذكر ابن قتيبة هذا كله في كتاب المعارف في ترجمة أبي هريرة وقوله فيه حجة انه غير متهم عليه انتهى.

 قال العلامة الاميني قدس الله روحه بعد نقل هذا الكلام في الغدير (ج 1: ص 204): هذا كله قد أسقطه عن كتاب (المعارف) (ط مصر ص 1353 ه‍) يد التحريف اللاعبة به وكم فعلت هذه اليد الامينة لدة هذه في عدة موارد منه كما أنها أدخلت فيه ما ليس منه انتهى.

 4 - قال ابن أبي الحديد في (ج 19: ص 217): المشهور إن عليا عليه السلام ناشد الناس الله في الرحبة بالكوفة فقال: أنشدكم الله ! رجلا سمع رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقول لي وهو


[563]

منصرف عن حجة الوداع: (من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه) فقام رجال فشهدوا بذلك فقال عليه السلام لانس بن مالك: لقد حضرتها فما بالك ؟ ! فقال: يا أمير المؤمنين ! كبرت سني وصار ما أنساه أكثر مما أذكره.

 فقال له عليه السلام: إن كنت كاذبا فضربك الله بها بيضاء لا تواريها العمامة فما مات حتى أصابه البرص وساق الكلام إلى أن قال: - وقد ذكر ابن قتيبة حديث البرص والدعوة التي دعا بها أمير المؤمنين عليه السلام على أنس بن مالك في كتاب (المعارف) في باب البرص من أعيان الرجال وابن قتيبة غير متهم في حق علي عليه السلام على المشهور من انحرافه عنه.

 قال العلامة الاميني رحمه الله في (الغدير) (ج 1 ص 192) بعد نقل بعض هذا الكلام من (معارف) ابن قتيبة: وهو يكشف عن جزمه بصحة العبارة وتطابق النسخ على ذلك كما يظهر من غيره أيضا ممن نقل هذه الكلمة عن كتاب (المعارف) لكن ما ليس منه فزادت بعد القصة ما لفظه: قال أبو محمد: ليس لهذا أصل.

 ذهولا عن أن سياق الكلام يعرب عن هذه الجناية ويأبى هذه الزيادة إذا لمؤلف يذكر فيه من مصاديق كل موضوع ما هو المسلم عنده ولا يوجد من أول الكتاب إلى آخره حكم في موضوع بنفي شيء من مصاديقه بعد ذكره إلا هذه.

 فأول رجل يذكر في عد من كان عليه البرص هو أنس ثم يعد من دونه فهل يمكن أن يذكر مؤلف في إثبات ما يرتأيه مصداقا ثم ينكره بقوله لا أصل له ؟ وليس هذا التحريف في كتاب (المعارف) بأول في بابه..

 5 - تاريخ اليعقوبي قال ابن واضح في تاريخه (ج 2 ص 35 ط الحيدرية - النجف الاشرف) بتحقيق العلامة السيد محمد صادق بحر العلوم: ونزل عليه: من القرآن بالمدينة اثنتان وثلاثون سورة إلى أن قال: - وقد قيل إن آخر ما نزل عليه اليوم أكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا وهي


[564]

الرواية الصحيحة الثابتة الصريحة وكان نزولها يوم النص على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه بغدير خم.

 ولكن الموجود في طبعه دار صادر (ط بيروت ج 2 ص 43) وكان نزولها يوم النفر على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام بعد ترحم.

 6 - صحيح الترمذي قال العلامة الحلي رحمه الله في (نهج الحق) (ص 283 ط بيروت) بتحقيق الحجة الشيخ فرج الله في مطاعن الثاني: (في صحيح الترمذي قال: سئل ابن عمر عن متعة النساء فقال: هي حلال وكان السائل من أهل الشام فقال له: إن أباك قد نهى عنها ! فقال ابن عمر: إن كان أبي قد نهى عنها وضعها رسول الله صلى الله عليه واله وسلم نترك السنة ونتبع قول أبي ؟ !).

 أقول: نقل هذا الحديث بنصه وعينه الشهيد الثاني في (شرح اللمعة) في الفصل الرابع في نكاح المتعة (ط النجف ج 5 ص 283) إلا جاء بدل (وضعها رسول الله) و(قد سنها رسول الله صلى الله عليه واله وسلم) - و- ايضا - جاء الحديث في جواهر الكلام (ج 30: ص 145) في النكاح المنقطع وشرعيته في الاسلام نقلا عن (صحيح الترمذي) ولكن ما كان الموجود في صحيح الترمذي في باب ما جاء في نكاح المتعة حديثان 1130 و1131 يدلان على حرمة نكاح المتعة وليس للحديث المذكور الذي نقله الاعلام أثر ولا غبار.

 فراجع البتحفة الاحوذي في شرح جامع الترمذي) (ط بيروت - دار المعرفة)

 7 - حديث الخلافة قال عليه السلام: واعجباه ! تكون الخلافة بالصحابة والقرابة ؟ وروى له شعرا في هذا المعنى: فإن كنت بالشورى ملكت أمورهم فكيف بهذا والمشيرون غيب وإن كنت بالقربى حججت خصيمهم فغيرك أولى بالنبي وأقرب ولكن الموجود في شرح ابن ابي الحديد المعتزلي (ج 18: ص 416) هكذا:


[565]

(واعجباه ! أن تكون الخلافة بالصحابة ولا تكون بالصحابة والقرابة ؟ وهكذا في (شرح النهج) للعلامة مولى صالح القزويني (ج 4: ص 180 ط اسلامية) وما كان في شرح المعتزلي والقزويني هو الصحيح.

 8 - كتاب مسند احمد بن حنبل قال العلامة الحلي رحمه الله في (نهج الحق وكشف الصدق): (217 و218): (في (مسند) أحمد بن حنبل من عدة طرق: أن النبي صلى الله عليه واله وسلم آخي بين الناس وترك عليا حتى بقي آخرهم لا يرى له أخا فقال: يارسول الله ! آخيت بين أصحابك وتركتني! فقال: إنما تركتك لنفسي أنت اخي وأنا أخوك فإن ذكرك أحد فقل: أنا عبد الله وأخو رسوله لا يدعيها بعدك إلا كذاب والذي بعثني بالحق ! ما أخرتك إلا لنفسي أنت بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي..).

 قال العلامة المظفر رحمه الله في ذيل هذا الكلام: نقل في (ينابيع المودة (في الباب التاسع) حديث المؤخاة عن أحمد في مسنده عن زيد بن أبي أوفى كما نقله المصنف رحمه الله في (منهاج الكرامة) عن المسند ايضا إلى أن قال: - ثم حكى في (الينابيع) ايضا عن أحمد في مسنده عن حذيفة بن اليمان قال: (آخي رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بين المهاجرين والانصار وكان يؤاخي بين الرجل ونظيره ثم أخذ بيد علي عليه السلام فقال: هذا أخي).

 وحكى أيضا عن عبد الله بن أحمد في (زوائد المسند) ثمانية احاديث في مؤاخاة النبي صلى الله عليه واله وسلم لعلي عليه السلام فيمكن أن يكون المصنف رحمه الله أشار إلى هذه الاحاديث بقوله: من عدة طرق وكان القوم قد تعللوا لحذفها من (المسند) في الطبع بدعوى أنها من الزيادات فإني لم أعثر على شيء منها (1).

 


(1) المظفر: دلائل الصدق ج 2: ص 414 ط القاهرة.

 


[566]

10 - كتاب صحيح مسلم وقال ايضا رحمه الله (في ص 569): وذكر الحاكم (1): إن مسلما أخرج حديث أبي موسى عن النبي صلى الله عليه واله وسلم: (خير نساء العالمين أربع) ولم أجده في صحيح مسلم لا في فضائل خديجة ولا في فضائل فاطمة عليها السلام نعم روى في فضائل خديجة (ج 7 ص 123) عن أبي موسى: (لم يكمل من النساء غير مريم وآسية وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام).

 فلعل النساخ حرفوا الحديث إيثارا لعائشة بالفضل كما يشهد له أن هذا الحديث لم يشمل على ذكر خديجة فكيف أخرجه مسلم في فضائلها ولو لم يكن أصل لما ذكره الحاكم لتعقبه الذهبي في تلخيصه وساق الكلام إلى أن قال رحمه الله: - وقد رغب بعض القوم أن يعارض حديث سيادة الزهراء عليهما السلام بما وضعه على لسان النبي صلى الله عليه واله وسلم أنه قال: (فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام) وهو ظاهر الوضع إذا لا يحسن نسبة هذا التشبيه الواهي إلى من اعطي جوامع الكلم وكان أفصح من نطق بالضاد وكيف لا يجزم بكذبه من عرف طريقة النبي صلى الله عليه واله وسلم في لطف كلامه وحسن بيانه وبديع تشبيهاته ؟ وأين هو من قوله: (فاطمة سيدة نساء العالمين) ؟ وليت شعري أيكون الفضل جزافا ؟ وقد خالفت أمر الله في كتابه بقرارها في بيتها وقد خرجت على إمام زمانها الذي قال فيه رسول الله صلى الله عيه واله وسلم: (حربك حربي) وجاهرت بعداوته وقد قال النبي صلى الله عليه واله وسلم فيه: (من عاداك عاداني ومن عاداني عاد الله) واستمرت على بغضه وقد جعل الرسول بغضه دليل على النفاق وقال فيه: (من أبغضك أبغضني ومن أبغضني أبغض الله).

 والشاهد أو المؤيد على ما قلنا ما جاء في ملحقات إحقاق احق للعلامة المرعشي رحمه الله:


(1) النسيابوري: المستدرك على الصحيحين ج 3 ص 154 مطبوعات الاسلامية حلب.

 


[567]

إيقاظ وإزاحة اشتباه قد أوردنا في (ج 13: ص 85) في طرق الحديث الشريف (من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية) عن صحيح مسلم ونقلنا عنه بلا واسطة ولكنه مع الاسف اشتباه مطبعي والصحيح هكذا: ومنهم العلامة الشيخ محيي الدين أبو محمد عبد القادر بن أبى الوفاء (المتوفى سنة 775) في (الجواهر المضيئة) (ج 2: ص 457 ط حيدر آباد دكن) روى عن صحيح مسلم ما هذا لفظه: وقوله في (صحيح مسلم): من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية) (1).

 إن كان الحديث موجودا وعثر عليه لم يحتج إلى هذا الكلام ولا إلى الايقاظ وإزاحة الاشتباه (2).

 - 11 التحريف في ديوان حسان 1 - قال العلامة الاميني رحمه الله في الغدير (ج 2: ص 41): إن لحسان في مولانا أمير المؤمنين عليه السلام مدايح جمة غير ما سبقت الاشارة إليه وسنوقفك على ما التقطناه من ذلك فمن هذه الناحية نعرف أن يد الامانة لم تقبض عليها يوم مدت إلى ديوانه فحرفت الكلم عن مواضعها ولعبت بديوان حسان كما لعبت بغيره من الدواوين والكتب والمعاجم التي أسقطعت منها مدايح أهل البيت عليهم السلام وفضائلهم والذكريات الحميدة لاتباعهم كديوان الفرزدق الذي أسقطوا منها ميميته المشهورة في مولانا الامام زين العابدين عليه السلام مع إشارة الناشر إليها في مقدمة شرح ديوانه وقد طفحت بذكرها الكتب والمعاجم وكديوان كميت فإنه حرفت منه أبيات كما زيدت عليه اخرى وكديوان أمير الشعراء أبي فراس وكديوان


(1) ملحقات الاحقاق ج 14: ص 2.

 (2) كتاب المعارف لابن قتيبة بتعليق ثروت عكاشة.

 


[568]

كشاجم الذي زحزحوا عنه كمية مهمة من مرائي سيدنا الامام السبط الشهيد سلام الله عليه.

 12 - التحريف في قصيدة الناشئ الصغير ومن القصائد التي وقع التحريف فيها قصيدة مشهورة للناشئ الصغير (المتوفى سنة 365) أبو الحسن علي بن عبد الله بن وصيف الحلاء جاء في (وفيات الاعيان) هو من شعراء المحسنين وله في أهل البيت قصائد كثيرة وكان متكلما بارعا أخذ علم الكلام عن أبي سهل إسماعيل بن علي بن نوبخت المتكلم وكان من كبار الشيعة وله تصانيف كثيرة وكان جده وصيف مملوكا وأبوه عبد الله عطارا والحلاء بفتح الحاء وتشديد اللام وانما قيل له ذلك لانه كان يعمل حلية من النحاس (1).

 قال الشاعر رحمه الله:

بآل محمد عرف الصواب * وفي أبياتهم نزل الكتاب

هم الكلمات والاسماء لاحت * لآدم حين عزله المتاب

وهم حجج الاله على البرايا * بهم وبحكمهم لا يستراب

وأنوار ترى في كل عصر * لارشاد الورى فهم شهاب

ولا سيما أبو حسن علي * له في الحرب مرتبة تهاب

علي الدر والذهب المصفى * وباقى الناس كلهم تراب

كأن سنان ذابله ضمير * فليس عن القلوب له ذهاب

وصارمه كبيعته بخم * معاقدها من القوم الرقاب

إذا لم تبر من أعداء علي * فما لك في محبته ثواب

هو البكاء في المحراب ليلا * هو الضحاك إن جد الضراب


(1) ابن خلكان: وفيات الاعيان ج 3: ص 52.

 


[569]

هم النبأ العظيم وفلك نوح * وباب الله وانقطع الخطاب (1)

قال العلامة الاميني رحمه الله: الاصح إن هذه القصيدة للناشئ كما صرح به ابن شهرآشوب (2).

 أقول: ولكن جاء بعض هذه الابيات في بعض المطبوعات المصرية محرفا مغيرا فلاحظ حتى يتضح لك الحقيقة.

 قال ابن خلكان في (وفيات الاعيان) (ج 3: ص 52 / بتعليق محمد محيي الدين عبد الحميد):

كأن سنان ذابله ضمير * فليس من القلوب له ذهاب

وصارمه لبغتته كنجم * مقاصدها من الخلق الرقاب

فانطر كيف حرفت الكلمة عن موضعها فصارت كلمة (كبيعته بخم) (لبغتته كنجم) !

13 - التحريف في أبيات لابي تمام الطائي رحمه الله

3 - قال العلامة الاميني رحمه الله في (الغدير) (ج 2: ص 331): لا أجد لذي لب منتدحا عن معرفة يوم الغدير لا سيما وبين يديه كتب الحديث والسير ومدونات التاريخ والادب كل يومي إليه بسبابته ويوعز إليه ببنانه كل يلمس يدي القارئ حقيقة يوم الغدير فلا يدع له ذكرا خاليا منه إلى أن قال: ولعل الواقف على كتابنا هذا من البدء إلى الغاية يجد فيه نماذج مما قلناه.

 إذا فهلم معي واعجب من الدكتور ملحم إبراهيم الاسود شارح ديوان شاعرنا المترجم حيث يقول عند قوله: (ويوم الغدير استوضح الحق أهله): يوم الغدير واقعة حرب معروفة.

 وذكر بعده في قوله: (يمد بضبعيه ويعلم أنه) ما يكشف عن أنها كانت من المغازي النبوية قال (ص 381): يمد بضبعيه يساعده وينصره والهاء راجعة الى


(1) أوردناها ملخصا.

 (2) الاميني: الغدير ج 4: ص 27.

 


[570]

الامام علي أي كان رسول صلى الله عليه واله وسلم ينصره ويعلم أنه ولي كان العضد والمساعد الوحيد للنبي صلى الله عليه واله وسلم في الغدير والرسول نفسه كان ينصره عالما أنه سيكون وليا على شعبه بعده وخليفة له... وقال رحمه الله (في ص 333): أبو تمام أحد رؤساء الامامية كما قال الجاحظ والاوحد من شيوخ الشيعة في الادب في العصور المتقادمة ومن أئمة اللغة ومنتجع الفضيلة والكمال كان يؤخذ عنه الشعر وأساليبه وينتهي إليه السير ويلقى لديه المقالد وفي معاهد التنصيص: إنه كان يحفظ أربعة عشر ألف ارجوزة للعرب غير المقاطيع والقصائد.

 وفي التكلمة: أنه أخمل في زمانه خمسمائة شاعر كلهم مجيد.

 14 - التحريف في ديوان أبي الطيب المتنبي قال العلامة السيد عبد الزهراء في (مصادر نهج البلاغة) (ج 1 ص 146 ط بيروت - مؤسسة الاعلمي): قال: أبو الطيب المتنبي وقد عوتب على تركه مدح امير المؤمنين عليه السلام -:

وتركت مدحي للوصي تعمدا * إذ كان نورا مستطيلا شاملا

وإذا استطال الشيء قام بنفسه * وصفات ضوء الشمس تذهب باطلا

جاء في ذيل الصفحة المذكورة: مما يؤسف له إن هذين البيتين حذفتا من بعض طبعات ديوان المتنبي حتى إن الاستاذ عبد الرحمن البرقوقي ذكرهما في الطبعة ذات الجزئين (ج 2: ص 546) وحذفهما في الطبعة ذات الاربعة أجزاء (و عليه هذه فقس ما سواها).

 15 - كتاب عقائد النسفي.

 قال العلامة الاميني رحمه الله في (الغدير) (ج 10: ص 360 / في باب نظرة في أحاديث معاوية): قوله صلى الله عليه واله وسلم: (من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية)


[571]

ذكره التفتازاني في شرح المقاصد (ج 2: ص 275) وجعله لدة قوله تعالى: أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الامر منكم في المفاد.

 وبهذا اللفظ ذكره التفتازاني أيضا في شرح عقائد النسفي (المطبوع سنة 1302) غير أن يد الطبع الامينة على ودائع العلم والدين حرفت من الكتاب في طبع سنة 1313 سبع صحائف يوجد فيها هذا الحديث وحكاه الشيخ على القاري صاحب المرقاة في خاتمة (الجواهر المضيئة) (ج 2: ص 509) وقال (في ص 457): وقوله صلى الله عليه واله وسلم في صحيح مسلم: (من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية) معناه من لم يعرف من يجب عليه الاقتداء والاهتداء به في أوانه انتهى.

 16 - كتاب اكمال الدين محمد بن يحيى العطار قال: حدثنا الحسن بن علي النيسابوري قال: حدثني الحسن بن المنذر عن حمزة بن أبي الفتح قال: جاءني يوما فقال لي: البشارة ! ولد البارحة في الدار مولود لابي محمد عليه السلام وأمر بكتمانه وأمر أن يعق عنه ثلاث مائة شاة (1) وأيضا نسخة قديمة في المكتبة العامة في المسجد الجامع بطهران لآية الله السعيد الطهراني رحمه الله ولكن لم توجد هذه العبارات في الطبعات الاخيرة من الكتاب ولعل النساخ والمصححين لما لم يوقفوا ولم يطلعوا على سر هذا العدد في العقيقة أسقطوا العبارة وحذفوها نعم ان ههنا سرا عظيما وحكمة دقيقة يعلم من أهل البيت عليهم السلام فان الصادق عليه السلام أخبر عن ذلك فلاحظ ما قاله عليه السلام: (كل مولود مرتهن بالعقيقة (2)) فالحديث الشريف يدل على أن العقيقة تأمن حياة الطفل وتطيل عمره ولما كان صاحب العصر والزمان عليه السلام الذي قدر الله له تبارك وتعالى أن تعيش عشرة آلاف سنين أو أكثر فاقتضى أن يعق عنه


(1) الصدوق: كمال الدين ج 2 ص 106 ط طهران المطبوع بالترجمة الفارسية سنة 1396.

 وأيضا: النجعة كتاب النكاح ص 166 - 167 ومستدرك الوسائل 15 / 141 وفيه: لم تكن هذه الزيادة في نسخة العلامة المجلسي.

 (2) المجلسي: بحار الانوار ج 104: ص 120 ط طهران.

 


[572]

ثلاث مائة شاة والله أعلم بحقائق الامور.

 17 - اسد الغابة جاء في كتاب (سبيل النجاة في تتمة المراجعات) بتحقيق وتعليق حسين الراضي جزاه الله عن صاحب الولاية خير الجزاء (ص 77): ومن الناس من يشر نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رؤف بالعباد (البقره 2: 202) نزلت هذه الآية في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام حين بات على فراش رسول الله صلى الله عليه واله وسلم عند الهجرة راجع ذلك في (شواهد التنزيل) للحسكاني الحنفي (ج 1 ص 96 / ح 133 وص 134 و135 و136 و137 و139 و140 و141 و142) (كفاية الطالب) للكنجي الشافعي (ص 22 ط الحيدرية) إلى أن قال اسد الغابة لابن أثير الجزري الشافعي (ج 4: ص 25 المطبعة الوهبية) بمصر ذكر الحديث صحيحا ثم قامت المكتبة الاسلامية لصاحبها الحاج رياض الشيخ بتصوير اسد الغابة بالاوفست وحرفت هذا الحديث فأبدلت كلمة (بات على فراشه) إلى كلمة (بال على فراشه) اهانة للامام أمير المؤمنين وسيد الوصيين فإنا لله وإنا إليه راجعون.

 أنا أقول: اللهم إن كان في هذا تعمد وعناد فالعنه لعنا يتعوذ منه أهل النار وعذبه عذابا شديدا آمين يا رب العالمين.

 تحريف مكانة الرجال لتشيعهم لعلي عليه السلام: وبعد ما تلونا عليك وأوضحنا لك ما وقع من التحريف في بعض الكتب إخفاء لمناقب أمير المؤمنين عليه السلام وتمويها لحقه أو لمصالح يراها المحرف والحاذف، لا بأس بأن نشير إلى خواص من الموالين لأهل البيت عليهم السلام الذين لم تبق مكانتهم سالمة من أقلام المحرفين وألسنة المعاندين لولائهم لعترة خير المرسلين، ولدفاعهم عن الأئمة الطاهرين، لاسيما إمام المتقين وقائد الغر المحجلين، روح الرسول وزوج البتول، الذي لولاه لما قام للاسلام عمود ولا اخضر له عود، حتى


[573]

تكلم بعض الناصبين والملحدين ظلما وحسدا في صادق أئمة التقى عليهم السلام وحامل علم الهدى، ناشر علم الرسول صلى الله عليه واله وسلم، وقائد علماء العترة الفحول.

 1 - الامام الصادق عليه السلام: قال ابن حجر العسقلاني: (جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي العلوي، أبو عبد الله المدني الصادق، وامه ام فروة بنت القاسم ابن محمد بن أبي بكر، وقال ابن المديني: سئل يحيى بن سعيد عنه فقال: في نفسي منه شئ، ومجالد أحب إلي منه (1).

 وقال سعيد بن أبي مريم: قيل لأبي بكر بن عياش: مالك لم تسمع من جعفر، وقد أدركته ؟ قال: سألناه عما يتحدث به من الأحاديث: أشئ سمعته ؟ قال: لا، ولكنها رواية رويناها عن آبائنا.

 وقال ابن سعد: كان (جعفر) كثير الحديث، ولا يحتج به ويستضعف، سئل مرة: هل سمعت هذه الأحاديث عن أبيك ؟ قال: نعم، وسئل مرة فقال: إنما وجدتها في كتبه (2).

 ومما يهيج الأحزان والهموم، وتثير الأشجان والغموم احتجاج محمد ابن إسماعيل البخاري في صحيحه ببعض شياطين النواصب كعمران بن حطان، ومروان بن حكم، وعدم احتجاجه بجعفر بن محمد الصادق عليه السلام، وليت شعري ما عذر البخاري عند الله تعالى ورسوله صلى الله عليه واله وسلم ! قال ابن حجر: (عمران بن حطان السدوسي الشاعر المشهور كان يرى رأي


(1) - ان شئت أن تدري من مجالد ؟ وكيف حاله ؟ فلاحظ تهذيب (ج 10: ص 39، ط حيدر آباد - دكن) قال: (وكان أحمد بن حنبل لا يراه شيئا، وقال البخاري: كان يحيى بن سعيد يضعفه، وقال أبو طالب: عن أحمد: ليس بشئ، وقال ابن خيثمة، عن ابن معين: ضعيف واهى الحديث.

 (2) - ابن حجر: تهذيب التهذيب، ج 2: ص 102، ط حيدر آباد - دكن.

 


[574]

الخوارج، وهو الذي رثى عبد الرحمن بن ملجم قاتل علي عليه السلام)، ثم ذكر عنه حديثا أخرجه البخاري عنه في صحيحه (1).

 وقال أيضا: (مروان بن الحكم بن أبي العاص بن امية ابن عم عثمان... وهؤلاء (أي المذكورون من الصحابة والتابعين) أخرج البخاري أحاديثهم عنه... وقد اعتمد مالك على حديثه ورأيه، والباقون سوى مسلم (2).

 أقول: وهؤلاء هم الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا (3)، ولقد أجاد أبو بكر بن شهاب الحضرمي الشيعي الامامي (4):

قضية تشبه بالمرزءة * هذا البخاري إمام الفئة

بالصادق الصديق ما احتج في * صحيحه واحتج بالمرجئة

ومثل عمران بن حطان ومر * وان وابن المرأة المخطئة

إلى أن قال:

إن الامام الصادق المجتبى * بفضله الآي أتت منبئة

أجل من في عصره رتبة * لم يقترف في عمره سيئة

قلامة من ظفر إبهامه * تعدل من مثل البخاري مائة

2 - أبو سعيد، أبان بن تغلب بن رباح البكري: قال ابن حجر العسقلاني بعد ذكر المدح له من المحدثين وتوثيقهم اياه: (قال


(1) - ابن حجر: هدى السارى، ج 2: ص 200، ط مصطفى البابي بمصر.

 (2) - المصدر، ج 2: ص 212.

 (3) - الكهف، 18: 104.

 (4) - كان عالما جليلا حاويا لفنون العلم مؤلفا في كثير منها، قوى الحجة ساطع البرهان، أديبا شاعرا مخلص الولاء لاهل البيت، ولد سنة 1262، وتوفى سنة 1341 بحيدرآباد دكن (القمي: الكنى والالقاب، ج 1: ص 23 [والاشعار موجودة فيه]).

 


[575]

الجوزجانى زايغ مذموم المذهب مجاهر (1).

 وقال: (قوله (أي الذهبي في (ميزان الاعتدال) في ترجمة أبان بن تغلب: فإن قيل: كيف ساغ توثيق مبتدع، وحد الثقة العدالة والاتفاق، فكيف يكون عدلا وهو صاحب بدعة ؟ وجوابه أن البدعة على ضربين: فبدعة صغرى كغلو التشيع أو كالتشيع بلا غلو ولا تحرق فهذا كثير في التابعين وأتباعهم مع الدين والورع والصدق، فلورد حديث هؤلاء لذهب جملة من الآثار النبوية، وهذه مفسدة بينة.

 ثم بدعة كبرى كالرفض الكامل والغلو والحط على أبي بكر وعمر - رضي الله عنه - والدعاء إلى ذلك، فهؤلاء لا يقبل حديثهم ولا كرامة، وأيضا فلا أستحضر الآن في هذا الضرب رجلا صادقا ولا مأمونا بل الكذب شعارهم، والتقية والنفاق دثارهم، فكيف يقبل من هذا حاله ؟ حاشا وكلا، فالشيعي الغالي في زمان السلف وعرفهم هو من تكلم في عثمان والزبير وطلحة وطائفة ممن حارب عليا رضي الله عنه وتعرض لسبهم، والغالي في زماننا وعرفنا هو الذي كفر هؤلاء السادة، وتبرأ من الشيخين أيضا، فهذا ضال مفتر (2).

 قال العلامة المجاهد، السيد محمد بن عقيل الحضرموتي بعد نقل الكلام المذكور مختصرا: (على أن في قوله: (فالشيعي - إلى قوله: - وطائفة ممن حارب عليا رضي الله عنه - وتعرض لسبه) غموضا، لأن لفظ الطائفة يصدق على الواحد فأكثر، فما تفسيره هنا ؟ أهي ام المؤمنين عائشة وحدها أم من عدا أهل النهروان من الناكثين والقاسطين ؟ وعليه يكون الحسنان وعمار ومن معهم ممن صح عنهم لعن القاسطين غلاة.

 وقوله: (وتعرض لسبه) (3) يحتمل عود الضمير في (تعرض) إلى فاعل (حارب)،


(1) - ابن حجر: تهذيب التهذيب، ج 1: ص 93.

 (2) - ابن حجر: لسان الميزان، ج 1: ص 9، ط حيدر آباد - دكن.

 (3) الكلم في المتن، تعرض لسبهم فالاعتراض عليه في غير موقعه.

 (م)


[576]

والضمير في لسبه يعود إلى علي عليه السلام، وعليه يكون لعن وسب الذين يلعنون ويسبون عليا من الغلو، ويحتمل أن يعود الضمير في (تعرض) إلى علي عليه السلام، وعليه يكون الاقتداء بعلي في سب من سبه علي من الغلو (1).

 وقال العسقلاني أيضا: (والتشيع محبة علي وتقديمه على الصحابة، فمن قدمه على أبي بكر وعمر فهو غال في تشيعه، ويطلق عليه رافضي، وإلا فشيعي، وإن انضاف إلى ذلك السب أو التصريح بالبغض فغال في الرفض، وإن اعتقد الرجعة إلى الدنيا فاشد في الغلو (2).

 وقال العلامة الحضرموتي - أيضا: (ولا يخفى أن معنى كلامه هذا ان جميع محبي علي المقدمين له على الشيخين روافض، وأن محبيه المقدمين له على سوى الشيخين شيعة، وكلا الطائفتين مجروح العدالة، وعلى هذا فجملة كبيرة من الصحابة الكرام كالمقداد، وزيد بن أرقم، وسلمان، وأبي ذر، وخباب، وجابر، وأبي سعيد الخدري، وعمار، وابي بن كعب، وحذيفة، وبريدة، وأبي أيوب، وسهل بن حنيف، وعثمان بن حنيف، وأبي الهيثم بن التيهان، وخزيمة بن ثابت، وقيس بن سعد، وأبي الطفيل عامر بن واثلة، والعباس بن عبد المطلب وبنيه، وبني هاشم، وبني المطلب كافة وكثير غيرهم كلهم روافض لتفضيلهم عليا على الشيخين ومحبتهم له، ويلحق بهؤلاء من التابعين وتابعي التابعين من أكابر الأئمة وصفوة الامه من لا يحصى عددهم، وفيهم قرناء القرآن، وجرح عدالة هؤلاء والله قاصمة الظهر (3).

 أقول: كيف يكون هذا الرجل العظيم زائغا مذموم المذهب مجاهرا وقد أوجع موته قلب جعفر بن محمد عليهما السلام ؟ أسخن الله عيون النواصب، وصب عليهم


(1) - الحضرموتي: العتب الجميل على أهل الجرح والتعديل، ص 34، ط بيروت.

 (2) - ابن حجر: هدى السارى، ج 2: ص 131، ط مصر.

 (3) - الحضرموتي: العتب الجميل، ص 33.

 


[577]

عذابه الواصب لما يرمون رجال المذهب بهذه الأراجيف والشتائم.

 وكيف يكون كذلك وقد قال له أبو جعفر الباقر عليه السلام: اجلس في مسجد المدينة وأفت الناس، فإني احب أن يرى في شيعتي مثلك ! وقال أبو عبد الله عليه السلام لما أتاه نعيه: أما والله، لقد أوجع قلبي موت أبان (1).

 وقال المحدث القمي رحمه الله: أبان بن تغلب - كتضرب - الكوفي ثقة، جليل القدر، عظيم المنزلة في أصحابنا، لقي أبا محمد علي بن الحسين وأبا جعفر وأبا عبد الله عليهما السلام... وكان رحمه الله مقدما في كل فن من العلم في القرآن والفقه والحديث والأدب والنحو واللغة، وله كتب منها: تفسير غريب القرآن، وكان قاريا من وجوه القراء فقيها لغويا، سمع من العرب وحكى عنهم، وروى عن أبي عبد الله عليه السلام ثلاثين ألف حديث، وروي عن أبان بن محمد ابن أبان بن تغلب قال: سمعت أبي يقول: دخلت مع أبي على أبي عبد الله عليه السلام، فلما بصر به أمر بوسادة فالقيت له وصافحه واعتنقه وسائله ورحب به، وكان إذا قدم المدينة تقوضت إليه الحلق (2) واخليت له سارية النبي صلى الله عليه واله وسلم (3).

 3 - اصبغ بن نباتة: قال ابن حجر العسقلاني: (اصبغ بن نباتة التميمي ثم الحنظلي أبو القاسم الكوفي، روى عن عمر وعلي والحسن بن علي وعمار بن ياسر وأبي أيوب...، وقال ابن سعد: كان شيعيا، وكان يضعف في روايته، وكان على شرطة علي... وقال الساجى: منكر الحديث، وقال الدار قطني: منكر الحديث، وقال ابن عدي: عامة ما يرويه عن علي لا يتابعه أحد عليه، وهو بين الضعف.

 


(1) - الاردبيلي: جامع الرواة، باب الالف.

 (2) - أي تفرقت إليه الصفوف (3) - القمي: سفينة البحار، ج 1: ص 7.

 


[578]

وقال الجوزجانى: زائغ، وقال البزار: أكثر أحاديثه عن علي لا يرويها غيره، وقال العقيلي: كان يقول بالرجعة، وقال ابن حبان: فتن بحب علي فأتى بالطامات فاستحق الترك (1).

 أقول: وما لهذا الرجل العظيم ذنب إلا حبه لعلي عليه السلام وقربه منه.

حب علي كله ضرب * يرجف من خيفته القلب

قال الشعبي: ماذا لقينا من علي عليه السلام ! إن أحببناه ذهبت دنيانا، وإن أبغضناه ذهب ديننا.

 4 - الحارث الأعور الهمداني: قال ابن حجر العسقلاني: (الحارث بن عبد الله الأعور الهمداني الخارفي، أبو زهير الكوفي، ويقال: الحارث بن عبيد، ويقال: الحوتي - وحوت بطن من همدان - روى عن علي وابن مسعود وزيد بن ثابت وبقيرة امرأة سلمان... قال ابن عبد البر في كتاب العلم له - لما حكي عن إبراهيم أنه كذب الحارث -: أظن الشعبى عوقب بقوله في الحارث كذاب، ولم يبن من الحارث كذبه، وإنما نقم عليه إفراطه في حب علي، وقال ابن سعد: كان له قول سوء، وهو ضعيف في رأيه... وقال الجوزجاني: سألت علي بن المديني عن عاصم والحارث، فقال: مثلك يسأل عن ذا ؟ الحارث كذاب... قال ابن حبان: كان الحارث غاليا في التشيع واهيا في الحديث، مات سنة (2) 65).

 أقول: تعسا لقوم يكذبون رجلا له منزلة رفيعة عند أمير المؤمنين عليه السلام حتى قال له سيده ومولاه: ابشرك يا حار، لتعرفني عند الممات، وعند الصراط، وعند


(1) - ابن حجر: تهذيب التهذيب، ج 1: ص 362 (أوردناه بالتلخيص والتقديم والتأخير، وكذا ما نقلناه منه فيما يأتي).

 (2) - ابن حجر: تهذيب التهذيب، ج 2: ص 145.

 


[579]

الحوض وعند المقاسمة... (1).

 ثم إنهم لم يكتفوا بجرح رجال الشيعة ونالة مكانتهم فحسب، بل رموا وقذفوا كل محدث من أهل مذهبهم وطريقتهم يروي منقبة علي عليه السلام بالتشيع والرفض (2) بل بالتكفير والقتل قال العلامة الحسن المغربي: (وقد تطورت الحالة والمحنة إلى حد التفسيق والتكفير، فذهب القوم إلى نجاسة من يروي منقبة أو فضيلة في فضل الأمام أمير المؤمنين عليه السلام، ومقابلته بالجرح والقدح، وهذه الطامة لا شك أنها من صنع النواصب التي دسوها بين أهل الحديث ليتوصلوا بها إلى إبطال كل ما ورد في فضل علي عليه السلام، وذلك إنهم جعلوا آية تشيع الراوي وعلامة بدعته هي روايته فضائل علي عليه السلام (3)، وإليك أسماء بعضهم: 1 - الحافظ الكبير الحاكم النيسابوري: قال الذهبي: (الحافظ الكبير إمام المحدثين أبو عبد الله، محمد بن عبد الله ابن محمد بن حمدويه بن نعيم الضبي الطهمانى النيسابوري المعروف بابن البيع، صاحب التصانيف، ولد سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة في ربيع الأول... قال الخطيب أبو بكر: أبو عبد الله الحاكم كان ثقة، كان يميل إلى التشيع، فحدثني إبراهيم بن محمد الارموي - وكان صالحا عالما - قال: جمع الحاكم أحاديث وزعم أنها صحاح على شرط البخاري ومسلم، منها حديث الطير، وحديث (من كنت مولاه فعلي مولاه)، فأنكر عليه أصحاب الحديث فلم يلتفتوا إلى قوله...


(1) - المفيد: كتاب أمالى / المجلس الاول (وقد تقدم بيانه).

 (2) - وهذان اللقبان عندهم تنابز بالالقاب ومن ألفاظ الجرح، ولكن عندنا من أفضل الالقاب لان المتشيعة والرافضة هم الذين شايعوا عليا وأولاده عليهم السلام ورفضوا طاعة الطواغيت والغصاب، وهذا اسم قد سمى الله تعالى به في التوراة سبعين رجلا من عسكر فرعون رفضوا فرعون فأتوا موسى عليه السلام، كما عن أبى جعفر الباقر عليه السلام.

 (3) فتح الملك العلى ص 109 (على ما في مقدمة (كفاية الطالب) ص 16).

 


[580]

وقال ابن طاهر: سألت أبا إسماعيل الأنصاري عن الحاكم فقال: ثقة في الحديث، رافضي خبيث، ثم قال ابن طاهر: كان شديد التعصب للشيعة في الباطن، وكان يظهر التسنن في التقديم والخلافة، وكان منحرفا عن معاوية وآله متظاهرا بذلك ولا يعتذر منه.

 قلت: أما انحرافه عن خصوم علي فظاهر، وأما أمر الشيخين فمعظم لهما بكل حال، فهو شيعي لا رافضي، وليته لم يصنف المستدرك فإنه غض من فضائله بسوء تصرفه... (1).

 2 - ابن السقاء: قال الذهبي: (الحافظ الأمام محدث واسط أبو محمد، عبد الله بن محمد بن عثمان الواسطي... وقال علي بن محمد الطيب الجلابي في تاريخه: ابن السقاء من أئمة الواسطيين والحفاظ المتقنين، توفى في جمادى الآخرة سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة، قال السلفي: سألت خميسا الحوزي عن ابن السقاء فقال: هو من مزينة مضر، ولم يكن سقاء بل لقب له، من وجوه الواسطيين وذي الثروة والحفظ، رحل به أبوه فأسمعه من أبي خليفة وأبي يعلى، وابن زيدان البجلي، والمفضل بن الجندي، وبارك الله في سنه وعلمه، واتفق أنه أملى حديث الطير، فلم تحتمله نفوسهم، فوثبوا به وأقاموه وغسلوا موضعه، فمضى ولزم بيته، فكان لا يحدث أحدا من الواسطيين، فلهذا قل حديثه عندهم، وتوفي سنة احدى وسبعين وثلاثمائة (2).

 3 - الحافظ النسائي: قال المحدث القمي رحمه الله: (أبو عبد الرحمن أحمد بن علي ابن شعيب النسأي (3)


(1) - تذكرة الحفاظ، ج 3: ص 1039.

 (2) - الذهبي: المصدر، ج 3: ص 965.

 (3) - كذا في المصدر.


[581]

الحافظ، كان من كبراء عصره في الحديث، ولد بنسا مدينة بخراسان، وسكن مصر، وكان يسكن بزقاق القناديل، كان كثير التهجد والعبادة، يصوم يوما ويفطر يوما، وعن الحاكم قال: كان النسائي أفقه مشايخ عصره وأعرفهم بالصحيح والسقيم من الآثار، وأعرفهم بالرجال، وعن الذهبي أنه أحفظ من مسلم، إلى غير ذلك، له كتاب الخصائص والسنن أحد الصحاح الستة.

 حكي أنه لما أتى دمشق وصنف كتاب الخصائص في مناقب أمير المؤمنين عليه السلام انكر عليه ذلك وقيل له: لم لاصنفت في فضائل الشيخين ؟ فقال: دخلت دمشق والمنحرف عن علي بها كثير، فصنفت كتاب الخصائص رجاء أن يهديهم الله تعالى به، فدفعوا في حضنيه وأخرجوه من المسجد، ثم ما زالوا به حتى أخرجوه من دمشق إلى الرملة فمات بها... قال محمد بن إسحاق الاصبهاني: سمعت مشايخنا بمصر يقولون: إن أبا عبد الرحمن فارق مصر في آخر عمره وخرج إلى دمشق، فسئل عن معاوية وما روي من فضائله، فقال: أما يرضى معاوية أن يخرج رأسا برأس حتى يفضل ؟ وفي رواية اخرى: ما أعرف له فضيلة إلا (لا أشبع الله بطنك) (1)، وكان يتشيع، فما زالوا يدفعون في حضنه حتى أخرجوه من المسجد... وكان وفاته في سنة 303 (شج)، ونسا - بفتح أوله والقصر - اسم بلدة بخراسان، بينها وبين سرخس يومان (2).

 4 - الحافظ الكنجي الشافعي: قال الحافظ فخر الدين أبو عبد الله، محمد بن يوسف بن محمد الكنجي الشافعي، المقتول سنة 658 في مقدمة كتابه (كفاية الطالب): (أما بعد، فإنى لما


(1) - دعاء من النبي صلى الله عليه واله.

 (2) - القمي: الكنى والالقاب، ج 3: ص 413.

 


[582]

جلست يوم الخميس لست ليال بقين من جمادى الآخرة سنة سبع وأربعين وستمائة بالمشهد الشريف بالحصباء من مدينة الموصل، ودار الحديث المهاجرية، حضر المجلس صدور البلد من النقباء والمدرسين والفقهاء وأرباب الحديث، فذكرت بعد الدرس أحاديث، وختمت المجلس بفضل في مناقب أهل البيت عليهم السلام، فطعن بعض الحاضرين لعدم معرفته بعلم النقل في حديث زيد بن أرقم في غدير خم، وفي حديث عمار في قوله صلى الله عليه واله وسلم: (طوبي لمن أحبك وصدق فيك)، فدعتني الحمية لمحبتهم على إملاء كتاب يشتمل على بعض مارويناه عن مشايخنا في البلدان من أحاديث صحيحة من كتب الأئمة والحفاظ في مناقب أمير المؤمنين علي عليه السلام الذي لم ينل رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فضيلة في آبائه وطهارة في مولده إلا وهو قسيمه فيها).

 هذا، وقد قال الذهبي في شأن هذا الرجل الموالي لال الله عليهم السلام: (والمحدث المفيد، فخر الدين، محمد بن يوسف الكنجي قتل بجامع دمشق لدبره (1) وفضوله (2).

 وقال محقق كتاب (كفاية الطالب): (وتبجح ابن تغرى بردي بالفعلة الدنيئة، فقال: فسر عوام دمشق وأهلها بذلك سرورا زائدا، وقتلوا فخر الدين محمد بن يوسف بن محمد الكنجي في جامع دمشق، وكان المذكور من أهل العلم لكنه كان فيه شر، وكان رافضيا خبيثا، وانضم على التتار (3).

 5 - نصر بن علي الأزدي الجهضمي: قال العسقلاني: (وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن نصر بن علي وأبي حفص


(1) - أي تعديه عن حده.

 (2) - الذهبي: تذكرة الحفاظ، ج 4: ص 1441.

 (3) - نقلا من (النجوم الزاهرة) (ج 6: ص 80).

 


[583]

الصيرفي، فقال: نصر أحب وأوثق وأحفظ من أبي حفص، قلت: فما تقول في نصر ؟ قال: ثقة، وقال أبو على بن الصواف عن عبد الله بن أحمد: لما حدث نصر بن علي بهذا الحديث - يعني حديث علي بن أبي طالب: ان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم خذ بيد حسن وحسين فقال: من أحبني وأحب هذين وأباهما وامهما كان في درجتي يوم القيامة - أمر المتوكل بضربه ألف سوط، فكلمه فيه جعفر بن عبد الواحد، وجعل يقول: هذا من أهل السنة، فلم يزل به حتى تركه (1) 6 - على بن رباح: قال العسقلاني: (على بن رباح... ذكره ابن سعد في الطبقة الثانية من أهل مصر، قال: كان ثقة...، وذكره ابن حبان في (الثقات)، وقال الليث قال علي بن رباح: لا أجعل في حل من سماني (علي) فإن اسمي (علي)، وقال المقري: كان بنوامية إذا سمعوا بمولود اسمه علي قتلوه، فبلغ ذلك رباحا فقال: هو علي، وكان يغضب من علي، ويحرج على من سماه به (2).

 أقول: وبعد ما تلونا عليك أسماء من لم تسلم مكانتهم من سهام المتعصبين المسمومة، نتلو عليك أسماء رجال عدلوهم ووثقوهم مع نصبهم لعلي عليه السلام وانحرافهم عنه، وهذا أسوء تقليب وتحريف، فقبحا لقوم حرفوا الحقائق، وقلبوها، وهم الذين اتخذوا الشيطان لأمرهم ملاكا، واتخذهم له أشراكا، فباض وفرخ في صدورهم، ودب ودرج في حجورهم، فنظر بأعينهم، ونطق بألسنتهم (3)، فتعسا لجماعة جعلت السب والتحامل والوقيعة الشديدة في سيد الأولياء و


(1) - ابن حجر: تهذيب التهذيب، ج 10: ص 430.

 (2) - ابن حجر: تهذيب التهذيب، ج 7: ص 318 (ونقل الترمذي أن إبنه موسى يقول: لا أجعل أحدا في حل صغر اسم أبى).

 (3) - اقتبسناه من نهج البلاغة، الخطبة 7.

 


[584]

أمير البرايا تصلبا في السنة، وبغضه علامة للديانة.

 1 - إبراهيم الجوزجاني: قال العسقلاني: (إبراهيم بن يعقوب بن إسحاق السعدي أبو إسحاق الجوزجاني... قال الخلال: إبراهيم جليل جدا، كان أحمد بن حنبل يكاتبه ويكرمه إكراما شديدا... وقال الدارقطني:... كان من الحفاظ المصنفين والمخرجين الثقات... وقال السلمي، عن الدارقطني بعد أن ذكر توثيقه: لكن فيه انحراف عن علي، اجتمع على بابه أصحاب الحديث فأخرجت جارية له فروجه (1) لتذبحها، فلم تجد من يذبحها، فقال سبحان الله، فروجة لا توجد من يذبحها، وعلي يذبح في ضحوة نيفا وعشرين ألف مسلم !... وقال ابن حبان في الثقات: كان حروري المذهب، ولم يكن بداعية، وكان صلبا في السنة حافظا للحديث إلا أنه من صلابته ربما يتعدى طوره، وقال ابن عدى: كان شديد الميل إلى مذهب أهل دمشق في الميل على علي... قلت: ورأيت نسخة من كتاب ابن حبان: حريزى المذهب، وهو بفتح الحاء المهملة وكسر الراء وبعد الياء زاي، نسبة إلى حريز بن عثمان المعروف بالنصب (2).

 وقال - أيضا - في ترجمة (مصدع): (والجوزجاني مشهور بالنصب والأنحراف (3).

 قال العلامة الحضرموتي رحمه الله: (أقول: قوله (حروري المذهب) أو (حريزي المذهب) أيهما كان كاف في إثبات نفاق الرجل وفسقه وخبثه، وقوله: (صلبا في السنة ؟ ما هي تلك السنة ؟) ما أراها إلا التي أنكر أهل دمشق على عمر بن


(1) - الفروجة - بالفتح وتشديد الراء: واحدة الفروج - بالضم والتشديد - وهو فرخ الدجاجة خاصة.

 (2) - ابن حجر: تهذيب التهذيب، ج 1: ص 181.

 (3) - المصدر، ج 10: ص 158.

 


[585]

عبد العزيز تركها، وهي لعن مولى المؤمنين، وصاحوا به، فلعنها الله من سنة ولعن من سنها ومن عمل بها كائنا من كان، آمين، وقوله كالمعتذر عنه (إنه من صلابته ربما كان يتعدى طوره) عذر أقبح من الذنب، لأنه من باب غسل النجاسة بأخبث منها (1).

 2 - حريز بن عثمان الحمصي: قال العسقلاني: (حريز بن عثمان بن جبر بن أبي أحمر بن السعد الرحبي المشرقي...، وقال الاجري عن أبي داود: شيوخ حريز كلهم ثقات، قال: وسألت أحمد بن حنبل عنه، فقال: ثقة، ثقة، وقال أيضا: ليس بالشام أثبت من حريز، وقال ابن المديني: لم يزل من أدركناه من أصحابنا يوثقونه وقال دخيم: حمصي جيد الأسناد صحيح الحديث، وقال - أيضا: ثقة (2).

 وقال - أيضا: (وثقه أحمد وابن معين والائمة... وقال أبو حاتم: لا أعلم بالشام أثبت منه، ولم يصح عندي ما يقال عنه من النصب، قلت: قد جاء عنه ذلك من غير وجه، وجاء عنه خلاف ذلك (3).

 وقال - أيضا: (وقال العجلي: شامى ثقة، وكان يحمل على علي، وقال عمرو بن علي كان ينقص عليا وينال منه، وقال في موضع آخر: ثبت شديد التحامل على علي، وقال أحمد بن سعيد الدارمي عن أحمد بن سليمان المروزي: سمعت إسماعيل بن عياش قال: عادلت حريز بن عثمان من مصر إلى مكة، فجعل يسب عليا ويلعنه، وقال الضحاك بن عبد الوهاب: وهو متروك متهم، حدثنا إسماعيل ابن عياش: سمعت حريز بن عثمان يقول: هذا الذي يرويه الناس عن


(1) - الحضرموتي: العتب الجميل على أهل الجرح والتعديل، ص 105.

 (2) - ابن حجر: تهذيب التهذيب، ج 2: ص 237.

 (3) - ابن حجر: هدى السارى، ج 2: ص 157.

 


[586]

النبي صلى الله عليه واله وسلم أنه قال لعلي: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى) حق ولكن أخطأ السامع، قلت: فما هو ؟ فقال: إنما هو: أنت مني بمنزلة هارون من موسى...) قيل ليحيى بن صالح: لم لم تكتب عن حريز ؟ فقال: كيف أكتب عن رجل صليت معه الفجر سبع سنين، فكان لا يخرج من المسجد حتى يلعن عليا سبعين مرة، وقال ابن حبان: كان يلعن عليا بالغداة سبعين مرة، وبالعشي سبعين مرة، فقيل له في ذلك، فقال: هو القاطع رؤوس آبائي وأجدادي (1).

 قال ابن أبي الحديد: (وقد كان في المحدثين من يبغضه (يعنى عليا عليه السلام)، وروى فيه الأحاديث المنكرة، منهم حريز بن عثمان، كان يبغضه وينتقصه ويروي فيه أخبارا مكذوبة.

 قال محفوظ: قلت ليحيى بن صالح الوحاظي: قد رويت عن مشايخ من نظراء حريز، فما بالك لم تحمل عن حريز ؟ قال: إني أتيته فناولني كتابا فإذا فيه: (حدثني فلان عن فلان أن النبي صلى الله عليه واله وسلم لما حضرته الوفاة أوصى أن تقطع يد علي بن أبي طالب)، فرددت الكتاب، ولم أستحل أن أكتب عنه شيئا (2).

 أقول: إذا شاهدت ما تقدم من توثيقهم له واعتمادهم عليه، ونقل البخاري عنه حديثين في صحيحه - كما في (هدى الساري) (ج 2: ص 157) - وتعديل أحمد إياه بقوله (ثقة، ثقة) مع تصريحهم بأنه يلعن عليا ويبغض عليا وينتقص عليا ويسب عليا وكان يحمل على علي، تنكشف لك الحقيقة، وتقول بعد الحوقلة:

بخ بخ لثقة ويا له من عدالة ! * إن كان هذا عندك عادلا

فان المرادي لا محالة أعدل


(1) - ابن حجر: تهذيب التهذيب، ج 2: ص 238.

 (2) - إبن ابى الحديد: شرح نهج البلاغة، ج 4: ص 69.

 


[587]

3 - خالد بن عبد الله القسري: قال العسقلاني: (خالد بن عبد الله بن يزيد بن أسد القسري الأمير أبو القاسم، يقال: أبو الهيثم الدمشقي، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال يحيى الحمانى: قيل لسيار: تروي عن خالد ؟ ! قال: إنه كان أشرف من أن يكذب (1).

 وقال ابن أبي الحديد: (وذكر المبرد في الكامل: أن خالد بن عبد الله القسري لما كان أمير العراق في خلافة هشام كان يلعن عليا عليه السلام على المنبر فيقول: اللهم العن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم صهر رسول الله صلى الله عليه واله وسلم على بنته وأبا الحسن والحسين، ثم يقبل على الناس فيقول: هل كنيت (2).

 أقول: إن خالدا هذا لما لاموه على ظلمه وإرساله سعيد بن جبير إلى الحجاج ليقتله، قال: (والله، لو علمت أن عبد الملك لا يرضى عني إلا بنقض هذا البيت حجرا حجرا لنقضته في مرضاته (3)، فهل يسوغ لمسلم أن يقول في هذا وأمثاله: ثقة ؟ ! قال النبي صلى الله عليه واله وسلم: (ما عادانا كلب إلا وقد جرب، وما عادانا بيت إلا وقد خرب، من لم يصدق فليجرب).

 4 - عمران بن حطان السدوسي: قال العسقلاني: (وقد وثقه العجلي، وقال قتادة: كان لايتهم في الحديث، وقال أبو داود: ليس في أهل الأهواء أصح حديثا من الخوارج، ثم ذكر عمران هذا وغيره... وقال العقيلي: حدث عن عائشة، ولم يتبين سماعه منها، قلت: لم يخرج له البخاري سوى حديث واحد من رواية يحيى بن أبي كثير عنه... وهو


(1) - ابن حجر: تهذيب التهذيب، ج 3: ص 101.

 (2) - ابن ابى الحديد: شرح نهج البلاغة، ج 4: ص 57.

 (3) - ابن قتيبة: الامامة والسياسة، ج 2: ص 42.

 


[588]

الذي رثى عبد الرحمن بن ملجم قاتل علي عليه السلام بتلك الأبيات السائدة (1).

 قال العلامة الحضرموتى رحمه الله: (وأما ما رثى به عمران ابن ملجم فهو قوله - أخزاهما الله ولعنهما -:

يا ضربة من تقي ما أراد بها * إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا

إنى لأذكره يوما فأحسبه * أوفى البرية عند الله ميزانا

أكرم بقوم بطون الأرض أقبرهم * لم يخلطوا دينهم بغيا وعدوانا

لله در المرادي الذي سفكت * كفاه مهجة شر الخلق إنسانا

أمسى عشية عشاه بضربته * مما جناه من الاثام عريانا

وأقول: لا يشك أن هذه الأبيات أشد إيلاما للنبي ولوصيه - عليهما وعلى آلهما الكرام أفضل الصلاة والسلام - من تلك الضربة، فمن الوقاحة والأيذاء للنبي والوصي ذكر ابن ملجم وعمران ومن على شاكلتهما بغير اللعن ممن يدعى الأسلام، وقد رد على ابن حطان بعض علماء أهل السنة، منهم القاضي أبو الطيب رحمه الله فقال:

إنى لأبرأ مما أنت قائله * في ابن ملجم الملعون بهتانا

إني لأذكره يوما فألعنه * دينا وألعن عمران بن حطانا

عليك ثم عليه الدهر متصلا * لعائن الله إسرارا وإعلانا

فأنتم من كلاب النار جاء لنا * نص الشريعة برهانا وتبيانا

ومنهم أبو المظفر طاهر بن محمد الأسفرائيني رحمه الله فقال:

كذبت وأيم الذي حج الحجيج له * وقد ركبت ضلالاً منك بهتانا

لتلقين بها نارا مؤججة * يوم القيامة لا زلفى ورضوانا

تبت يداه لقد خابت وقد خسرت * وصار أبخس من في الحشر ميزانا


(1) - العسقلاني: هدى الساري، ج 2: ص 200.

 


[589]

هذا جوابي لذاك النذل مرتجلا * أرجو بذاك من الرحمن غفرانا (1)

5 - عمر بن سعد بن أبي وقاص: قال العسقلاني: (عمر بن سعد بن أبى وقاص الزهري أبو حفص المدني سكن الكوفة، وقد روى عن أبيه، وأبي سعيد الخدري... قال العجلي: كان يروي عن أبيه أحاديث، وروى الناس عنه، وهو تابعي ثقة، وهو الذي قتل الحسين (2).

 أقول: في ذكر قتل الحسين عليه السلام بعد قوله: (ثقة)، ما لا يخفى.

 6 - مروان بن حكم: قال العسقلاني: (وقال عروة بن الزبير: كان مروان لايتهم في الحديث، وقد روى عنه سهل بن سعد الساعدي الصحابي اعتمادا على صدقه... وهؤلاء (يعني أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث، وعروة، وسهل الساعدي) أخرج لبخاري أحاديثهم عنه في صحيحه (3).

 أقول: نعم، أخرج البخاري أحاديثهم عنه، وهو الذي نقل عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فيه قال: (هو الوزغ بن الوزغ، الملعون بن الملعون) ثم يتجنب عن الرواية عن جعفر بن محمد عليهما السلام ! أخرج ابن عساكر مرفوعا فيه: (ويل لامتي من هذا وولد هذا)، قاله صلى الله عليه واله وسلم لما جاؤوا به مولودا ليحنكه فلم يفعل... وعن عبد الرحمن بن عوف قال: كان لا يولد لأحد مولود إلا اتي به النبي صلى الله عليه واله وسلم فيدعو له، فادخل عليه مروان بن الحكم فقال - عليه الصلاة والسلام -: (هو الوزغ بن الوزغ، الملعون بن الملعون (4).

 


(1) - العتب الجميل، ص 122.

 (2) - ابن حجر: تهذيب التهذيب، ج 7: ص 450.

 (3) - هدى السارى، ج 2، ص 212.

 (4) - الحضرموتي: العتب الجميل، ص 101.

 


[590]

قال ابن أبي الحديد بعد قوله في الحكم: (وأما مروان ابنه فأخبث عقيدة وأعظم إلحادا وكفرا، وهو الذي خطب يوم وصل إليه رأس الحسين عليه السلام إلى المدينة، وهو يومئذ أميرها، وقد حمل الرأس على يديه فقال:

يا حبذا بردك في اليدين * وحمرة تجري علي الخدين

كأنما بت بمحشدين ثم رمى بالرأس نحو قبر النبي، وقال: يا محمد يوم بيوم بدر (1).

 7 - لمازة بن زبار الأزدي: قال العسقلاني: (لمازة بن زبار الازدي الجهضمي أبو اللبيد البصري، ذكره ابن سعد في الطبقة الثانية من أهل البصرة، وقال: سمع من علي، وكان ثقة، وله أحاديث وقال حرب، عن أبيه: كان أبو اللبيد صالح الحديث، وأثنى عليه ثناء حسنا... وذكره ابن حبان في الثقات... وعن مطر بن حمران: كنا عند أبي اللبيد فقيل له: أتحب عليا ؟ فقال: ءاحب عليا وقد قتل من قومي في غداة واحدة ستة آلاف ؟... وقال عباس الدوري، عن يحيى بن معين: حدثنا وهب بن جرير، عن أبيه، عن أبي اللبيد وكان شتاما قلت: زاد العقيلي: قال وهب: قلت لأبي: من كان يشتم ؟ قال: كان يشتم علي بن أبي طالب... وعن جرير بن حازم: حدثني زبير بن خريت، عن أبي اللبيد قال: قلت له: لم تسب عليا ؟ قال: ألا أسب رجلا قتل منا خمس مائة وألفين والشمس هيهنا ؟ (2).

 أقول: أنشدكم الله ورسوله وأولياءه، الا تقولون إن كان الرجل يسب ويشتم كما يشتم عليا عليه السلام غيره من المهاجرين، هل هم يقولون فيه ثقة، أو صالح الحديث ؟ فكيف يعدلون هؤلاء النواصب مع تصريحهم بنصبهم وسبهم


(1) - ابن ابى الحديد: شرح نهج البلاغة، ج 4: ص 71.

 (2) - ابن حجر: تهذيب التهذيب، ج 7: ص 450.

 


[591]

عليا عليه السلام ؟ وما عذرهم عند الله ورسوله ؟ نعوذ بالله من الخذلان.

 نعم، قد اعتذر عنهم ابن حجر العسقلاني، ويا ليته لم يدافع ولم يعتذر عنهم على هذا الطريق، وقد رد عليه العلامة الحضرموتي رحمه الله حرفا حرفا، وها نحن نورد كلامهما بنصه مع التلخيص والأقتصار على موضع الحاجة.

 قال العسقلاني: (وقد كنت أستشكل توثيقهم الناصبي غالبا [خ ل] وتوهينهم الشيعة مطلقا، ولا سيما أن عليا ورد في حقه: (لا يحبه إلا مؤمن، ولا يبغضه إلا منافق) ثم ظهر لي في الجواب عن ذلك أن البغض هنا مقيد بسبب وهو كونه نصر النبي صلى الله عليه واله وسلم، لأن من الطبع البشري بغض من وقعت منه إساءة في حق المبغض، والحب بعكسه، وذلك ما يرجع إلى امور الدنيا غالبا، والخبر في حب علي وبغضه ليس على العموم، فقد أحبه من أفرط فيه حتى ادعى أنه نبي أو أنه إله - تعالى الله عن إفكهم -، والذي ورد في حق علي من ذلك قد ورد مثله في حق الأنصار.

 وأجاب عنه العلماء أن بغضهم لأجل النصر كان ذلك علامة نفاقه، وبالعكس، فكذا يقال في حق علي، وأيضا فأكثر من يوصف بالنصب يكون مشهورا بصدق اللهجة والتمسك بامور الديانة، بخلاف من يوصف بالرفض فإن غالبهم كاذب ولا يتورع في الأخبار.

 والأصل فيه أن الناصبة اعتقدوا أن عليا - رضي الله عنه - قتل عثمان أو كان أعان عليه، فكان بغضهم له ديانة بزعمهم، ثم اضاف إلى ذلك أن منهم من قتلت أقاربه في حروب علي (1).

 أقول: محصل كلامه أن بغض النواصب لعلي عليه السلام شخصية، لا مذهبية، لأنه عليه السلام قتل أقاربهم في الحروب الأسلامية، والجواب عن ذلك ماقاله العلامة الحضرموتي رحمه الله فاستمع لما يتلى: قال - رحمة الله ورضوانه عليه -: (قال الشيخ: (ثم ظهر لي في الجواب عن ذلك أن


(1) ابن حجر: تهذيب التهذيب ج 8: ص 458.

 


[592]

البغض ههنا مقيد بسبب...) وأقول: ليس الأمر كما ظهر له، ودعواه التقييد وذكره السبب مما لادليل عليه.

 والدعاوي ما لم تقيموا عليها بينات، أبناؤها أدعياء والصواب - إن شاء الله تعالى - أن بغض علي عليه السام لا يصدر من مؤمن أبدا، لأنه ملازم للنفاق، وحبه لايتم من منافق أبدا، لأنه ملازم للايمان، فتقييد الشيخ بغض علي الدال على النفاق بأنه الذي يكون سببه نصره للنبي صلى الله عليه واله وسلم خطأ وغفلة ظاهرة، لأنه يلزم منه إلغاء كلام المعصوم بتخصيصه عليا بهذا، لأن البغض لأجل نصر النبي صلى الله عليه واله وسلم كفر بواح سواء كان المبغض بسببه عليا عليه السلام أو غيره، مسلما كان، أو كافرا، أو حيوانا، أو جمادا، ألا ترى لو أن مكلفا أبغض المطعم بن العدي، أو أبا البختري اللذين ماتا على الشرك لأجل سعيهما في نقض الصحيفة القاطعة، ووصلهما بذلك رحم النبي صلى الله عليه واله وسلم ورحم بني هاشم، ألا يكون ذلك المبغض كافرا لبغضه الكافر من هذه الجهة ؟ ولو أن آخر أبغض كلبا من أجل حراسته للنبي صلى الله عليه واله وسلم أو حمارا من أجل حمله إياه، أو الغار من أجل ستره له عن المشركين لكان كافرا بذلك إتفاقا، فما هي إذا فائدة تخصيص علي عليه السلام بالذكر فيما يعم المسلم والكافر والحيوان والجماد ؟ فتقييد الشيخ إلغاء وإهدار لكلام المعصوم وإبطال له، والحق - إن شاء الله تعالى - أن حب علي عليه السلام مطلقا علامة لرسوخ الأيمان في قلب المحب، وبغضه علامة لوجود النفاق فيه، خصوصية فيه كما هي في أخيه النبي - صلوات الله وسلامه عليهما وعلى آلهما -... (1).

 ثم قال: قال الشيخ: (لأن من الطبع البشري بغض من وقعت منه إساءة في حق


(1) - هذا.

 مع أن بغضهم له عليه السلام ليست شخصية وإنما هي على الدين، لأنه عليه السلام قتلهم لشركهم، أو لمروقهم عن الدين، فما ندبهم على أعظم حائلة وأرواح في النار هاوية ؟ أو قال الله تعالى: لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الاخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آبائهم أو أبنائهم أو اخوانهم أو عشيرتهم - الاية (المجادلة: 22).

 وقد أشار إلى هذا العلامة الحضرموتي فيما يأتي.

 (م)


[593]

المبغض، والحب بالعكس)، وأقول: ليس هذا من هذا الباب، فإن عليا عليه السلام لم يسئ إلى أحد من مبغضيه، ومن قتله علي من آباء مبغضيه وقراباتهم فإنما قتله الحق، ونفذ فيه علي عليه السلام أمر الله - جل جلاله - وأمر رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، فهو في قتله لهم محسن مستحق لشكر أولئك الذين أبغضوه، ولو جاز بغضه على ذلك أو عذرناهم في بغضهم له لذلك لكان لمنافقي قريش وأشباههم عذر في بغضهم للنبي صلى الله عليه واله وسلم لقتله صناديدهم، ولا قائل بذلك، كيف لا وربنا سبحانه وتعالى يقول: ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما (1) )... ثم قال: قال الشيخ (وذلك ما يرجع إلى امور الدنيا غالبا)، وأقول: لم يظهر لي ما أراد الشيخ بهذه العبارة، لأنه إن أراد أن عليا ظلمهم في دنياهم، فذلك لم يقله أحد يعتد به لا قبل الشيخ ولا بعده، وإن أراد أن عليا كحبهم عن الظلم، وعن اتخاذهم عباد الله خولا ومال الله دولا وعن قلبهم الدين ظهرا لبطن، عاد الأمر إلى ما ذكرناه آنفا من أن عليا منفذ لأمر الله تعالى وأمر نبيه - عليه وآله أفضل الصلاة والتسليم - فيجب حبه لذلك، ويكون بغضه بسببه من أقوى علامات النفاق)... ثم قال: قال الشيخ: (والخبر في حب علي، وبغضه ليس على العموم، فقد أحبه من أفرط فيه...)، وأقول: هذه القضية لا تخص عليا وحده، فمن أحب النبي صلى الله عليه واله وسلم وأعتقد أنه إله فهو كافر ضال، مثل الذين زعموا أن المسيح أو عزيزا عليهما السلام إله، ولا دخول لهذا فيما نحن بصدده، ومثل هؤلاء جهال غلاة بعض المتصوفة فيما يعتقدونه في بعض المشايخ والدراويش، ونحن لا نمدح ولا نحب إلا من أحب - كما أمره الله - من أحبه الله تعالى وأمرنا بحبه.

 ثم قال: قال الشيخ: (والذي ورد في حق علي من ذلك قد ورد مثله في حق


(1) - النساء، 4: 65.

 


[594]

الأنصار)، وأقول... على أن ههنا فرقا بين علي والأنصار يظهر من لفظ الحديثين الواردين في هذه المنقبة، إذ الوارد عن الشارع في حق الأنصار رتب فيه الحكم على الصفة المشتقة من النصر وهي لفظ الأنصار، وفيه إيماء إلى العلة وهي النصر، ويدل عليه عدوله إليه عن نحو أبناء قيلة أو الأوس أو الخزرج مثلا، وهذا هو مسلك من مسالك العلة يسميه الاصوليون بالأيماء، قالوا: ومن الأيماء ترتيب الحكم على وصف مشتق، نحو (أكرم العلماء) فترتيب الأكرام على العلم القائم بالعلماء لو لم يكن لعلية العلم له لكان بعيدا، فكذا يقال في ترتيب الحكم على النصر القائم بالأنصار.

 وأما الوارد في حق الإمام علي عليه السلام فقد رتب الشارع فيه الحكم، وهو إثبات النفاق للمبغض، والأيمان للمحب على ذات علي عليه السلام وباسمه العلم، فلو علم الشارع إمكان تلبس علي بأي صفة تسوغ بغضه ولا يكون مبغضه لأجلها منافقا لما رتب الحكم بالنفاق على اسمه العلم بدون قيد، فالسياق دال على أن ذات علي عليه السلام قدسية مطهرة لا تنفك عنها صفاتها التي لا يتصور أن يبغضه لواحدة منها إلا المنافق، فانتفت دعوى المساواة بين علي والأنصار، وظهر الفرق جليا، قرر هذا شيخنا العلامة السيد أبو بكر بن شهاب الدين - جزاه الله أحسن الجزاء - وهو واضح جلي.

 ثم قال: قال الشيخ: (و - أيضا - فأكثر من يوصف بالنصب يكون مشهورا بصدق اللهجة...) وأقول: وهذه - أيضا - هفوة منه وغفلة عما ثبت عن النبي صلى الله عليه واله وسلم في الصحيحين والسنن وغيرهما في مروق الخوارج من الدين وفي ذمهم، ومنه أنهم كانوا مسلمين فصاروا كفارا يمرقون من الدين ثم لا يعودون فيه... ولعل الشيخ سها عما تقدم نقلنا له من كتابيه (تهذيب التهذيب) و(لسان الميزان) من اعتراف بعض من تاب منهم بأنهم كانوا إذا هووا أمرا صيروه حديثا، أفبعد هذا يسوغ أن يقال في كلاب النار وشر الخلق والخليقة - كما في الحديث -


[595]

ما زعمه الشيخ آنفا (وهو صدق اللهجة والديانة) ؟ حاشا وكلا، بل الخوارج من أفسق خلق الله وأكذبهم، والكذب من صفة المنافق، والله يعلم أن المنافقين لكاذبون، وهيهات أن يصح قوله (فأكثر من يوصف بالنصب - الخ) وأنى بهذا في طائفة شأنها الكذب... وما ذكر الشيخ آنفا به الشيعة في قوله (بخلاف من يوصف - الخ) فهو مما لا يصح على إطلاقه، وكيف وفيهم الكثير الطيب من سلالة النبي صلى الله عليه واله وسلم والعدد الجم من أئمة الهدى من أهل العلم والفضل والزهادة والعبادة والورع والعدالة من الذين أثنى عليهم المخالف والموافق... ثم قال: قال الشيخ: (والأصل فيه أن الناصبة اعتقدوا أن عليا رضي الله عنه قتل عثمان...)، وأقول: يفهم من عبارته هذه الاعتذار للناصبة - عاملهم الله بعدله - بأن اعتقادهم وتدينهم بما ذكره من بغض من هو نفس النبي صلى الله عليه واله وسلم مسوغ لهم ذلك، وفساد هذا بديهي لا يشك فيه منصف، لأنه لو ساغ أن يكون الاعتقاد والتدين بالباطل مما يعذر الله به أحدا لكان لليهود والنصارى واسع العذر في كفرهم وبغضهم رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، لأنهم اعتقدوا كذبه، وتدينوا به تبعا لقول أحبارهم ورهبانهم، وبديهي بطلان هذا وذاك (1).

 وأما قول الشيخ: (ثم انضاف إلى ذلك...) وأقول: وهذا - أيضا - لا يصح كونه عذرا لهم، لأن الحق قتل آباءهم وقراباتهم، وقاتلهم منفذ فيهم حكم الله تعالى، فهو مأجور ممدوح على قتله لهم... (2).

 هذا آخر كلامنا في تحريف الكتب ومكانة الرجال لأجل تشيعهم أو لنقلهم


(1) - ومضافا إلى ذلك كون هذا القول اعترافا من حيث لا يشعر، بأن بغضهم له عليه السلام على الدين، وكانت مذهبية لا شخصية، وهذا خلاف ما قاله من قبل، وقد صدق مولانا أمير المؤمنين عليه السلام حيث قال: (ما أضمر أحد شيئا إلا ظهر في فلتات لسانه وصفحات وجهه).

 (م) (2) - الحضرموتي: العتب الجميل، ص 41 فصاعدا.

 


[596]

فضائل علي عليه السلام، وهذه قصيرة من طويلة، وفيها غنى وكفاية إن شاء الله تعالى.

 المستدرك لصفحة 572 وقوع الاسقاط في تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 37 قال عبد الرحمن احمد البكري في كتاب حياة الخليفة عمر بن الخطاب صفحة 37 - طبع بيروت لندن: أخرج المتقي الهندي عن الضحاك أنه قال: قال عمر: ياليتني كنت كبش أهلي.

 سمنوني ما بدا لهم حتى إذا كنت زارهم بعض ما يحبون فجعلوا بعضي شواء وبعضي قديدا (1) ثم أكلوني فأخرجوني عذرة ولم أك بشرا (2).

 وقال الشيخ جلا الدين السيوطي: أخرج البيهقي في شعب الايمان عن الضحاك أنه قال: قال أبو بكر: والله لوددت أني كنت شجرة إلى جنب الطريق فمر علي بعير فأخذني فأدخلني فاه فلاكني ثم ازدزدني (3) ثم أخرجني بعرا ولم اكن بشرا.

 فقال عمر: ياليتني كنت كبش أهلي سمنوني ما بدالهم حتى إذا كنت أسمن ما يكون زارهم من يحبون فذبحوني لهم فجعلوا بعضي شواء وبعضي قديدا ثم أكلوني ولم أكن بشرا.

 (4) المؤلف (يعني عبد الرحمن احمد البكري): الشيخ السيوطي بتر من الحديث: (وأخرجوني عذرة) وقد ذكرها كل من صاحب كنز العمال ط حيدر آباد اهند والفتوحات الاسلامية لزيني بن دحلان وحياة الصحابة للكاندهلوي وحلية الاولياء ابي نعيم ونور الابصار للشيخ مؤمن الشبلنجي وغيرهم وغيرهم.

 


القديد: اللحم المجفف في الشمس النهاية لابن اثير: 4 / 22 ط مصر.

 (2) كنز العمال: 6 / 365 حيدر آباد الهند رقم الحديث 5536 الفتوحات الاسلامية لمفتي مكة: 2 / 408.

 حياة الصحابة لكاندهلوي: 2 / 99 حلية الاولياء لابي نعيم: 1 / 52 نور الابصار شبلنجي ص 60.

 3 - ازدردها: ابتلعها.

 مصباح المنير للفيومي: ص 252.

 (4) تاريخ الخلفاء: ص 142.