الفصل 29

الإمام علي عليه السلام وتصلبه وتنمره في ذات الله تعالى

1 - عن سيدة النساء فاطمة الزهراء عليها السلام: (وما الذي نقموا من أبي حسن ؟ نقموا - والله - نكير سيفه، وشدة وطأته، ونكال وقعته، وتنمره في ذات الله.

 وتالله تكافوا عن زمام نبذه إليه رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لاعتلقه، ولسار إليهم سيرا سجحا لاتكلم خشاشه، ولا يتعتع راكبه، ولأوردهم منهلا نميرا فضفاضا يطفح ضفتاه، ولأصدرهم بطانا قد تحير بهم الرأي غير متحل بطائل إلا بغمر الناهل وردعه سورة الساغب، ولفتحت عليهم بركات من السماء والارض، وسيأخذهم الله بما كانوا يكسبون (1).

 2 - قال ابن شهر آشوب: (عن ابن مردويه: إنه لما أقبل (علي عليه السلام) من اليمن تعجل إلى النبي صلى الله عليه واله وسلم واستخلف على جنده الذين معه رجلا من أصحابه، فعمد ذلك الرجل فكسا كل رجل من القوم حلة من البز الذي كان مع علي، فلما دنا


(1) - ابن ابى الحديد: شرح النهج، ج 16: ص 233.

 والخطبة طويلة مشهورة نقلها جمع من الاعلام - مع اختلاف في بعض الالفاظ - كالطبرسي في (الاحتجاح) (ج 1: ص 147) وابن طيفور في (بلاغات النساء) (ص 20) والمجلسي رحمه الله في (البحار) مع شرحه (ج 43: ص 158 - 170).

 


[776]

جيشه خرج علي ليتلقاهم، فإذاهم عليهم الحلل، فقال: ويلك ما هذا ؟ قال: كسوتهم ليجملوا به إذا قدموا في الناس.

 قال: ويلك، من قبل أن تنتهي إلى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ! قال: فانتزع الحلل من الناس وردها في البز، وأظهر الجيش شكاية لما صنع بهم.

 ثم روى عن الخدري أنه قال: شكا الناس عليا عليه السلام فقام رسول الله صلى الله عليه واله وسلم خطيبا فقال: أيها الناس لا تشكوا عليا، فوالله إنه لخشن في ذات الله (1).

 أقول: وفي بعض الروايات: (لاخيشن) وهو أفعل تفضيل من خشن خشونة: ضد لان، والتصغير هنا للتعظيم، قاله السيد علي خان المدني رحمه الله (2) 3 - عن عبد الواحد الدمشقي قال: (نادى حوشب الحميري عليا يوم صفين فقال: انصرف عنا يا ابن أبي طالب، فإنا ننشدك الله في دمائنا، فقال علي: هيهات يا ابن ام ظليم ! والله لو علمت أن المداهنة تسعني في دين الله لفعلت، ولكان أهون علي في المؤونة، ولكن الله لم يرض من أهل القران بالادهان والسكوت، والله يقضي (3).

 4 - قال الدينورى: (وذكروا أن عليا كتب إلى جرير: أما بعد فإن معاوية إنما أراد بما طلب أن لا يكون لي في عنقه بيعة، وأن يختار من أمره ما أحب، وقد كان المغيرة بن شعبة أشار علي - وأنا بالمدينة - أن أستعمله على الشام، فأبيت ذلك عليه، ولم يكن الله ليراني أتخذ المضلين عضدا، فإن بايعك الرجل وإلا فأقبل (4).

 قال العلامة المجلسي رحمه الله: (وقصد علي عليه السلام دار ام هانئ متقنعا بالحديد يوم الفتح وقد بلغه أنها اوت الحارث بن هشام وقيس بن السائب وناسا من بني


(1) - مناقب ابن شهر آشوب، ج 2، ص 110 والمستدرك للحاكم، ج 3، ص 134.

 (2) - رياض السالكين، ص 1.

 (3) - المتقي الهندي: كنز العمال (بهامش المسند)، ج 5: ص 449.

 (4) - الدينوري الامامة والسياسة، ج 1: ص 95.

 


[777]

مخزوم، فنادى: أخرجوا من او يتم، فيجعلون يذرقون كما يذرق الحبارى خوفا منه، فخرجت إليه ام هانئ - وهي لا تعرفه - فقالت: يا عبد الله ! أنا ام هانئ بنت عم رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، واخت أمير المؤمنين، انصرف عن داري، فقال عليه السلام: أخرجوهم، فقالت: والله لأشكونك إلى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، فنزع المغفر عن رأسه فعرفته، فجاءت تشتد حتى التزمته فقالت: فديتك، حلفت لأشكونك إلى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، فقال لها: اذهبي فبري قسمك فإنه بأعلى الوادي.

 فأتت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، فقال لها: إنما جئت يا ام هانئ تشتكين عليا ؟ فإنه أخاف أعداء الله وأعداء رسوله، شكر الله لعلي سعيه، وأجرت من أجارت ام هانئ لمكانها من علي بن أبي طالب عليه السلام (1).

 6 - وقال - أيضا: (إن سارة مولاة أبي عمرو بن سيفي بن هشام أتت النبي صلى الله عليه واله وسلم من مكة مسترفده، فأمر بني عبد المطلب بإسدانها، فأعطاها حاطب بن أبي بلتعة عشرة دنانير على أن تحمل كتابا بخبر وفود النبي صلى الله عليه واله وسلم إلى مكة وكان صلى الله عليه واله وسلم أسر ذلك ليدخل عليهم بغتة - فأخذت الكتاب وأخفته في شعرها وذهب.

 فأتى جبرئيل عليه السلام وقص القصة على النبي صلى الله عليه واله وسلم، فأنفذ عليا والزبير ومقدادا وعمارا وعمر وطلحة وأبا مرثد خلفها، فأدركوها بروضة خاخ يطالبونها بالكتاب، فأنكرت، وما وجدوا معها كتابا، فهموا بالرجوع، فقال على عليه السلام: والله ما كذبنا ولاكذبنا، وسل سيفه وقال: أخرجي الكتاب وإلا والله لأضربن عنقك، فأخرجته من عقيصتها، فأخذ أمير المؤمنين عليه السلام الكتاب وجاء إلى النبي صلى الله عليه واله وسلم... (2).

 7 - قال ابن أبي الحديد: (وروى صاحب (كتاب الغارات): أن عليا عليه السلام لما حد النجاشي (3) غضبت اليمانية لذلك، وكان أخصهم به طارق بن عبد الله بن كعب


(1) - المجلسي، بحار الأنوار، ج 4190: ص 10.

 (2) - المجلسي: بحار الأنوار، ج 4190، ص 8.

 (3) - النجاشي الشاعر من بنى الحارث بن كعب كان شاعر أهل العراق بصفين، وكان على عليه السلام يأمره


[778]

النهدي، فدخل عليه فقال: يا أمير المؤمنين ما كنا نرى أن أهل المعصية والطاعة وأهل الفرقة والجماعة عند ولاة العدل ومعادن الفضل سيان في الجزاء حتى رأيناها ما كان من صنيعك بأخي الحارث، فأو غرت صدورنا، وشتت امورنا، وحملتنا على الجادة التي كنا نرى أن سبيل من ركبها النار.

 فقال على عليه السلام: (وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين (1) يا أخا نهد ! وهل هو إلا رجل من المسلمين انتهك حرمة من حرم الله فأقمنا عليه حدا كان كفارته ؟ إن الله تعالى يقول: (ولا يجر منكم شنان قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى (2).

 قال: فخرج طارق من عنده فلقيه الأشتر فقال: يا طارق ! أنت القائل لأمير المؤمنين: (أو غرت صدورنا، وشتت امورنا) ؟ قال طارق: نعم، أنا قائلها، قال: والله، ما ذاك كما قلت، إن صدورنا له لسامعة، وإن امورنا له لجامعة.

 فغضب طارق وقال: ستعلم يا أشتر ! أنه غير ما قلت، فلما جنه الليل همس هو والنجاشي إلى معاوية، فلما قدما عليه دخل اذنه فأخبره بقدومهما، وعنده وجوه أهل الشام منهم عمرو بن مرة الجهني وعمرو بن صيفي وغيرهما، فلما دخلا نظر معاوية إلى طارق وقال: مرحبا بالمورق غصنه، والمعرق أصله، المسود غير المسود من رجل كانت منه هفوة ونبوة باتباعه صاحب الفتنة، ورأس الضلالة والشبهة، الذي اغترز في ركاب الفتنة حتى استوى على رجلها، ثم أوجف في عشوة ظلمتها وتيه ضلالتها، واتبعه رجرجة من الناس، وأشابة من الحثالة لا أفئدة لهم، (أفلا يتدبرون القرآن


= بمحاربة شعراء أهل الشام مثل كعب بن جعيل وغيره، فشرب الخمر بالكوفة، فحده على عليه السلام، فغضب ولحق بمعاوية، وهجا عليا عليه السلام، فضربه ثمانين، ثم زاده عشرين سوطا، فقال: يا أمير المؤمنين ! أما الحد فقد عرفته، فما هذه العلاوة ؟ قال: لجرئتك على الله، وافطارك في شهر رمضان.

 ثم أقامه في سراويله للناس، فجعل الصبيان يصيحون به: خزى النجاشي، خزى النجاشي.

 (ابن ابى الحديد: شرح النهج، ج 4: ص 89) (1) - البقرة، 2: 45.

 (2) - المائدة، 5: 8.

 


[779]

أم على قلوب أقفالها (1).

 فقام طارق فقال: يا معاوية ! إنى متكلم فلا يسخطك، ثم قال: وهو متكئ على سيفه: إن المحمود على كل حال رب علا فوق عباده، فهم منه بمنظر ومسمع، بعث فيهم رسولا منهم لم يكن من قبله يتلو كتابا، ولا يخطه بيمينه إذا لارتاب المبطلون، فعليه السلام من رسول كان بالمؤمنين برا رحيما.

 أما بعد، فإن ماكنا نوضع فيما أوضعنا فيه بين يدي إمام تقي عامل مع رجال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أتقياء مرشدين، ما زالوا منارا للهدى، ومعالم للدين، خلفا عن سلف مهتدين، أهل دين لادنيا، كل الخير فيهم، واتبعهم من الناس ملوك وأقيال أهل بيوتات وشرف ليسوا بناكثين ولاقاسطين، فلم يكن رغبة من رغب عنهم وعن صحبتهم إلا لمرارة الحق حيث جرعوها، ولو عورته حيث سلكوها وغلبت عليهم دنيا مؤثرة، وهوى متبع، وكان أمر الله قدرا مقدورا... فبلغ عليا عليه السلام قوله، فقال: لو قتل النهدي يومئذ لقتل شهيدا (2).

 وقال - أيضا: وأكثر مبغضيه عليه السلام أهل البصرة كانوا عثمانية، وكانت في أنفسهم أحقاد يوم الجمل، وكان هو عليه السلام قليل التألف للناس شديدا في دين الله، لا يبالي مع علمه بالدين واتباعه الحق من سخط ومن رضي (3).

 8 - قال جورج جرداق: (وكثر عدد المنحرفين اللاحقين معاوية بكثرة الذين يريدون الدنيا لأنفسهم وحدهم، وما كان من طبائع الناس كلهم أن يتحملوا الحق وأن يقولوه ويفعلوه، ولاكان من طبائعهم كلهم أن يوالوا عليا الذي يشتد بالحق على نفسه وذويه والخلق جمعيا... فكيف لا يلحق معاوية ويترك عليا ذلك الوالي الذي يبعث إليه علي: (وإنى اقسم بالله، لئن بلغني أنك خنت من فئ


(1) - محمد (ص)، 47: 24.

 (2) - ابن ابى الحديد: شرح النهج، ج 4: ص 94.

 (3) - ابن ابى الحديد: شرح النهج، ج 4: ص 89.

 


[780]

المسلمين شيئا صغيرا أو كبيرا لأشدن عليك شدة تدعك قليل الوفر، ثقيل الظهر، ضئيل الأمر (1)، أو ذاك الاخر الذي يتلقى من علي مثل هذا الكتاب: (بلغني أنك جددت الأرض، وأخذت ما تحت قدميك، وأكلت ما تحت يديك، فارفع إلي حسابك (2).

 كيف يستطيع العاديون من الخلق أن يرتفعوا إلى هذا المستوى العظيم من صفة الأنسان الحق، فيقبل وجيههم أو واليهم أن يقول له على: (ولئن كان ما بلغني عنك حقا لجمل أهلك وشسع نعلك خير منك (3) ! وكيف يرضى الغاصبون أن يحكمهم من يقول: (والله، لأن أبيت على حسك السعدان مسهدا، أو اجر في الأغلال مصفدا أحب إلى من أن ألقى الله ورسوله يوم القيامة ظالما لبعض العباد، وغاصبا لشئ من الحطام (4).

 9 - عن رزين قال: (كنت أتوضأ في ميضأة الكوفة فإذا رجل قد جاء فوضع نعليه ووضع درته فوقها، ثم دنا فتوضأ معي فزحمته حتى وقع على يديه.

 فقام فتوضأ، فلما فرغ ضرب رأسي بالدرة ثلاثا، ثم قال: إياك أن تدفع فتكسر فتغرم، فقلت: من هذا ؟ فقالوا، أمير المؤمنين، فذهبت أعتذر إليه فمضى ولم يلتفت إلى (5).

 أقول: هذا الخبر وإن لم يكن نصا في الباب لكنه مناسب له لأنه يشعر بأن ما كان مهما في نظر علي عليه السلام إحياء الدين وإن عني في سبيل إحيائه.

 10 - قال العلامة المجلسي رحمه الله: (أرسل علي بن أبي طالب أمير المؤمنين عليه السلام إلى


(1) - راجع نهج البلاغة، ر 20 والوفر: المال.

 وثقيل الظهر: من عجز عن نفقة عياله.

 والضئيل: الحقير.

 (2) - النهج، ر 40 و71.

 (3) - النهج، ر 40 و71.

 (4) - النهج، خ 222، جرداق: الإمام علي صوت العدالة الانسانية ج 4: ص 9601.

 (5) - الحر العاملي: وسائل الشيعة، ج 18: ص 583، ط عبد الرحيم.

 


[781]

لبيد العطاردي بعض شرطه فمروا به على مسجد سماك، فقام إليه نعيم بن دجاجة الأسدي فحال بينهم وبينه، فأرسل أمير المؤمنين عليه السلام إلى نعيم فجئ به، قال: فرفع أمير المؤمنين عليه السلام شيئا ليضربه، فقال نعيم: والله إن صحبتك لذل، وإن خلافك لكفر، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: وتعلم ذلك ؟ قال: نعم، قال: خلوه (1).

 11 - وكتب عليه السلام إلى بعض عماله: (أما بعد، فإني كنت أشركتك في أمانتي، وجعلتك شعاري وبطانتي، ولم يكن رجل من أهلي أوثق منك في نفسي لمواساتي ومؤازرتي، وأداء الأمانة إلي.

 فلما رأيت الزمان على ابن عمك قد كلب، والعدو قد حرب، وأمانة الناس قد خزيت، وهذه الامة قد فنكت وشغرت قلبت لابن عمك ظهر المجن، ففارقته مع المفارقين، وخذلته مع الخاذلين، وخنته مع الخائنين ! فلا ابن عمك آسيت، ولا الأمانة أديت، وكأنك لم تكن الله تريد بجهادك، وكأنك لم تكن على بينة من ربك، وكأنك إنما كنت تكيد هذه الامة عن دنياهم، وتنوي غرنهم عن فيئهم، فلما أمكنتك الشدة في خيانة الأمة أسرعت الكرة، وعاجلت الوثبة، واختطفت ما قدرت عليه من أموالهم المصونة لأراملهم وأيتامهم اختطاف الذئب الأزل دامية المعزى الكسيرة، فحملته إلى الحجاز رحيب الصدر بحمله غير متأثم من أخذه، كأنك - لا أبا لغيرك - حدرت إلى أهلك تراثا من أبيك وامك ! فسبحان الله ! أما تؤمن بالمعاد ؟ أو ما تخاف نقاش الحساب ؟ أيها المعدود ! كان عندنا من ذوي الألباب كيف تسيغ شرابا وطعاما وأنت تعلم أنك تأكل حراما وتشرب حراما ؟ وتبتاع الأماء، وتنكح النساء من مال اليتامى والمساكين والمؤمنين والمجاهدين الذين أفاء الله عليهم هذه الأموال، وأحرز بهم هذه البلاد، فاتق الله واردد إلى هؤلاء القوم أموالهم، فإنك إن لم تفعل


(1) المجلسي: بحار الانوار ج 42: ص 186.

 


[782]

ثم أمكنني الله منك لأعذرن إلى الله فيك، ولأضربنك بسيفي الذي ما ضربت به أحدا إلا دخل النار، ووالله لو أن الحسن والحسين فعلا مثل الذي فعلت ما كانت لهما عندي هوادة، ولاظفرا مني بإرادة حتى آخذ الحق منهما، وأزيح الباطل من مظلمتهما، وأقسم بالله رب العالمين ما يسرني أن ما أخذت من أموالهم حلال لي، أتركه ميراثا لمن بعدي، فضح رويدا فكأنك قد بلغت المدى، ودفنت تحت الثرى، وعرضت عليك أعمالك بالمحل الذي ينادي الظالم فيه بالحسرة، ويتمنى المضيع فيه الرجعة، ولات حين مناص (1).

 


(1) - نهج البلاغة، ر 41.

 واختلف في المكتوب إليه بين عبد الله بن عباس وعبيدالله ابن عباس وغيرهما فليراجع في ذلك المطولات من الشروح.

 


[783]

 

الفصل 30

الإمام علي عليه السلام شهادته ووصيته

1 - قال العلامة الطبرسي: (عاش علي عليه السلام ثلاثا وستين سنة، منها عشر سنين قبل البعثة، وأسلم وهو ابن عشر، وكانت مدة مقامه مع رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بعد البعثة ثلاثا وعشرين سنة، منها ثلاث عشرة سنة بمكة قبل الهجرة في امتحان وابتلاء متحملا عنه أكبر الأثقال، وعشر سنين بعد الهجرة بالمدينة يكافح عنه المشركين، ويقيه بنفسه عن أعدائه في الدين، حتى قبض الله تعالى نبيه إلى الجنة، ورفعه في عليين - صلوات الله عليه - وله يومئذ ثلاث وثلاثون سنة، وأقام بعد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وهو ولي أمره ووصيه ثلاثين سنة، وغصب حقه منها ومنع من التصرف فيه أربعا وعشرين سنة وأشهرا، وكان عليه السلام مستعملا فيها التقية والمدارة، وولي الخلافة خمس سنين وأشهرا ممتحنا بجهاد المنافقين من النكاثين والقاسطين والمارقين كما كان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ثلاث عشرة سنة من أيام نبوته ممنوعا من أحكامها خائفا ومحبوسا وهاربا ومطرودا غير متمكن من جهاد الكافرين ولا مستطيع دفعا عن المؤمنين، ثم هاجر وأقام بعد الهجرة عشر سنين مجاهدا للمشركين مبتلى بالمنافقين إلى أن قبضه الله تعالى إليه....

 مضى - صلوات الله عليه - ليلة الحادية والعشرين من شهر رمضان سنة أربعين من


[784]

الهجرة قتيلا بالسيف، قتله عبد الرحمن بن ملجم المرادي أشقي الآخرين - لعنة الله عليه - في مسجد الكوفة، وذلك أنه خرج عليه السلام يوقظ الناس لصلاة الصبح ليلة تسع عشرة، وكان ابن ملجم اللعين ارتصده من أول الليل لذلك، فلما مر به في المسجد وهو مستخف بأمره فماكر بإظهار النوم ثار إليه وضربه على ام رأسه وكان مسموما، فمكث عليه السلام يوم تسعة عشر وليلة العشرين ويومها وليلة إحدى وعشرين إلى نحو الثلث الأول من الليل: ثم قضى نحبه - صلوات الله عليه - شهيدا ولقي ربه تعالى مختضبا لحيته بدمه مظلوما.

 ولسبب قتله شرح طويل لا يحتمله هذا الموضع، وتولى الحسن والحسين عليهما السلام غسله وتكفينه بأمره عليه السلام، وحملاه إلى الغري من نجف الكوفة ودفن هناك ليلا قبل طلوع الفجر، ودخل قبره الحسن والحسين ومحمد بنو على وعبد الله بن جعفر - رضي الله عنه -، وعفي أثر قبره بوصية منه عليه السلام، فلم يزل قبره عليه السلام مخفيا لا يهتدى إليه في دولة بني امية حتى دل عليه جعفر بن محمد الصادق عليه السلام في دولة بني العباس (1).

 2 - قال عليه السلام للحسن وعليه السلام الحسين عليهما السلام حين ضربه ابن ملجم - لعنه الله -: (أوصيكما بتقوى الله، وأن لا تبغيا الدنيا وإن بغتكما، ولا تأسفا على شيء منها زوي عنكما، وقولا بالحق، واعملا للأجر، وكونا للظالم خصما وللمظلوم عونا.

 أوصيكما وجميع ولدي وأهلي ومن بلغه كتابي بتقوى الله، ونظم أمركم، وصلاح ذات بينكم، فإني سمعت جدكما صلى الله عليه واله وسلم يقول: (صلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام).

 والله الله، في الأيتام فلا تغبوا أفواههم، ولا يضيعوا بحضرتكم، والله الله، في جيرانكم فإنهم وصية نبيكم ما زال يوصى بهم حتى ظننا أنه سيورثهم.

 والله الله، في القرآن لا يسبقكم بالعمل به غير كم، والله الله في الصلاة فإنها عمود دينكم، و


(1) - تاج المواليد، ص 18.

 


[785]

الله الله في بيت ربكم لا تخلوه ما بقيتم فإنه إن ترك لم تناظروا، والله الله في الجهاد بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم في سبيل الله، وعليكم بالتواصل والتباذل، وإياكم والتدابر والتقاطع، لا تتركوا الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر فيولى عليكم شراركم، ثم تدعون فلا يستجاب لكم.

 يا بني عبد المطلب ! لا الفينكم تخوضون دماء المسلمين خوضا تقولون (قتل أمير المؤمنين) ألا لاتقتلن بي إلا قاتلي، انظروا إذا أنا مت من ضربته هذه فاضربوه ضربة بضربة، ولا يمثل بالرجل فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقول: (إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور (1).

 3 - ومن وصية له عليه السلام قبل موته لما ضربه ابن ملجم - لعنه الله -: وصيتي لكم أن لا تشركوا بالله شيئا، ومحمد صلى الله عليه واله وسلم فلا تضيعوا سنته، أقيموا هذين العمودين، وأوقدوا هذين المصباحين، وخلاكم ذم ما لم تشردوا، أنا بالأمس صاحبكم، واليوم عبرة لكم، وغدا مفارقكم، غفر الله لي ولكم، إن أبق فأناولي دمي، وإن أفن فالفناء ميعادي، وإن أعف فالعفو لي قربة، وهو لكم حسنة، فاعفوا (ألا تحبون أن يغفر الله لكم ؟) والله، ما فجأني من الموت وارد كرهته، ولاطالع أنكرته، وما كنت إلا كقارب ورد، وطالب وجد، (وما عند الله خير للأبرار (2).

 أقول: قوله عليه السلام: (والله، ما فجأني من الموت - الخ) ظاهر في أن الامام - صلوات الله وسلامه عليه - كان يتطلع إلى الشهادة شوقا، وعلم أن ما أخبر به الصادق الأمين صلى الله عليه واله وسلم لا محالة يأتيه كما أن الساعة آتية لاريب فيها، وما لو عده مترك، وكان عليه السلام ينتظرها بفارغ الصبر، ويقول: ما ينتشر أشقاها أن يخضب هذه من دم هذا


(1) - نهج البلاغة، ر 47.

 وزوى: منع، ولا تغبوا أفواههم: أطعموهم في كل يوم وليس في يوم دون يوم.

 وعامة الصلاة: جميع أنواعه من الفرائض والنوافل ومن أي نوع من الصلاة.

 (2) - نهج البلاغة، ر 23.

 و(محمد) صلى الله عليه واله وسلم عطف على (ألا تشركوا) مرفوع.

 والآيتان في النور، 24: 22، وآل عمران، 3: 198.

 


[786]

- على ما ذكره غير واحد من الأعلام كابن عبد البر وغيره - وقال أكثر من مرة: (والله ليخضبنها من فوقها).

 وأما الوقايع التى وقعت بعد شهادته عليه السلام فكثيرة جدا تحتاج إلى تأليف برأسه ولا مجال هنا لذكرها فطوينا عنها وأشرنا إلى واقعة كونية وهي ما أورده الزمخشري في (ربيع الأبرار) على ما في (تاريخ الخميس) في هجرة النبي صلى الله عليه واله وسلم عن ام معبد، قالت: (لما توضأ صلى الله عليه واله وسلم مج في أصل عوسجة يابسة عندنا فأينعت وأثمرت كنا نستشفي بثمارها في حياته - إلى - فأصبحت ذات شوك من اسفلها إلى أعلاها وتساقط ثمرها وذهبت نضرتها وما شعرنا إلا بقتل أمير المؤمنين علي - رضي الله عنه -، فما أثمرت بعد ذلك وكنا ننتفع بورقها ثم أصبحنا وإذا بها قد نبع من ساقها دم عبيط وقد ذبل ورقها إذ أتانا خبر مقتل الحسين عليه السلام ويبست الشجرة).

 فسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا.

 ولله الحمد أولا وآخرا.

 الاستدراك عن الاصبغ بن نباتة قال لما ضرب أمير المؤمنين عليه السلام الضربة التي كانت وفاته فيها اجتمع إليه الناس بباب القصر وكان يراد قتل ابن ملجم لعنه الله فخرج الحسن عليه السلام فقال: معاشر الناس إن أبى أوصاني أن أترك أمره إلى وفاته فإن كان له الوفاة وإلا نظر هو في حقه فانصرفوا يرحمكم الله.

 قال: فانصرف الناس ولم أنصرف فخرج ثانية وقال لي: يا اصبغ أما سمعت قولي عن قول أمير المؤمنين ؟ قلت: بلى ولكني رأيت حاله فأحبت أن أنظر إليه فأستمع منه حديثا فاستأذن لي رحمك الله فدخل ولم يلبث أن خرج فقال لي: ادخل فدخلت فإذا أمير المؤمنين عليه السلام معصب بعصابة وقد علت صفرة وجهه على تلك


[787]

العصابة وإذا هو يرفع فخذا ويضع اخرى من شدة الضربة وكثرة السم فقال لي: يا أصبغ أما سمعت قول الحسن عن قولي ؟ قلت: بلى يا أمير المؤمنين ولكني رأيتك في حالة فأحببت النظر إليك وأن أسمع منك حديثا فقال لي: اقعد فما أراك تسمع مني حديثا بعد يومك هذا اعلم يا أصبغ أني أتيت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم عائدا كما جئت الساعة فقال: يا أبا الحسن اخرج فناد في الناس الصلاة جامعة واصعد المنبر وقم دون مقامي بمرقاة وقل للناس: (ألا من عق والديه فلعنة الله عليه ألا من أبق من مواليه فلعنة الله عليه ألا من ظلم أجيرا اجرته فلعنة الله عليه) يا أصبغ ففعلت ما أمرني به حبيبي رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فقام من أقصى المسجد رجل فقال: يا أبا الحسن تكلمت بثلاث كلمات وأوجزتهن فاشرحهن لنا فلم أرد جوابا حتى أتيت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فقلت ما كان من الرجل قال الاصبغ: ثم أخذ عليه السلام بيدي وقال: يا أصبغ ابسط يدك فبسطت يدي فتناول إصبعا من أصابع يدي وقال: يا أصبغ كذا تناول رسول الله صلى الله عليه واله وسلم إصبعا من أصابع يدي كما تناولت إصبعا من أصابع يدك ثم قال: يا أبا الحسن ألا وإني وأنت أبوا هذه الامة فمن عقنا فلعنة الله عليه ألا وإني وأنت موليا هذه الامة فعلى من أبق عنا لعنة الله ألا وإني وأنت أجيرا هذه الامة فمن ظلمنا اجرتنا فلعنة الله عليه ثم قال آمين فقلت: آمين.

 قال الاصبغ: ثم أغمي عليه ثم أفاق فقال لي: أقاعد أنت يا أصبغ ؟ قلت: نعم يا مولاي قال: أزيدك حديثا آخر ؟ قلت: نعم زادك الله من مزيدات الخير قال: يا أصبغ لقيني رسول الله صلى الله عليه واله وسلم في بعض طرقات المدينة وأنا مغموم قد تبين الغم في وجهي فقال لي: يا أبا الحسن أراك مغموما ألا أحدثك بحديث لا تغتم بعده أبدا ؟ قلت: نعم قال: إذا كان يوم القيامة نصب الله منبرا يعلو منابر النبيين والشهداء ثم يأمرني الله أصعد فوقه ثم يأمرك الله أن تصعد دوني بمرقاة ثم يأمر الله ملكين فيجلسان دونك بمرقاة فإذا استقلنا على المنبر لا يبقى أحد من الاولين والآخرين إلا حضر فينادي الملك الذي دونك بمرقاة: معاشر الناس ألا من عرفني


[788]

فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا أعرفه بنفسي أنا رضوان خازن الجنان ألا إن الله بمنه وكرمه وفضله وجلاله أمرني أن أدفع مفاتيح الجنة إلى محمد وإن محمدا أمرني أن أدفعها إلى علي بن أبي طالب فاشهدوا لي عليه ثم يقوم ذلك الذي تحت ذلك الملك بمرقاة مناديا يسمع أهل الموقف: معاشر الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فإنا أعرفه بنفسي: أنا خازن النيران ألا إن الله بمنه وفضله وكرمه وجلاله قد أمرني أن أدفع مفاتيح النار إلى محمد وإن محمد قد أمرني أن أدفعا إلى علي بن أبي طالب فاشهدوا لي عليه فآخذ مفاتيح الجنان والنيران ثم قال: يا علي فتأخذ بحجزتي وأهل بيتك يأخذون بحجزتك وشعيتك يأخذون بحجزة أهل بيتك قال: فصفقت بكلتا يدي: وإلى الجنة يارسول الله ؟ قال: إي ورب الكعبة.

 قال الصبغ: فلم أسمع من مولاي غير هذين الحديثين ثم توفي صلوات الله عليه (1).

 


الروضة: 22 و23.

 ولم نجده في الفضائل.

 


[789]

 

الباب الخامس

التبري عن أعداء علي عليه السلام ولعنهم


[791]

1 - قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: من تأثم أن يلعن من لعنه الله فعليه لعنة الله (1).

 2 - عن ابن عباس قال: إن لعلي بن أبي طالب في كتاب الله أسماء لا يعرفها الناس قوله فأذن مؤذن بينهم (2) فهو المؤذن بينهم يقول: ألا لعنه الله على الذين كذبوا بولايتي واستخفوا بحقي (3).

 3 - عن علي بن عاصم الكوفي الاعمى قال - بعد كلام طويل قلت له (لابي محمد العسكري عليه السلام): إني عاجز عن نصرتكم بيدي وليس أملك غير موالاتكم والبرائة من أعدائكم واللعن لهم في خلواتي فكيف حالي يا سيدي ؟ فقال عليه السلام: حدثني أبي عن جدي رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال: من ضعف على (عن - ظ) نصرتنا أهل البيت ولعن في خلواته أعدائنا بلغ الله صوته إلى جميع الملائكة فكلما لعن أحدكم أعدائنا صاعدته الملائكة ولعنوا من لا يلعنهم فإذا بلغ صوته إلى الملائكة استغفروا له وأثنوا عليه وقالوا: اللهم صل على روح


(1) الحر العاملي: الاثنا عشرية ؟ الفصل التاسع ص 195.

 (2) - الاعراف 7: 44.

 (3) الحسكاني: شواهد التنزيل ج 1: ص 202 ط بيروت.

 


[792]

عبدك هو الذي بذل في نصرة أوليائه جهده ولو قدر على أكثر من ذلك لفعل فإذا النداء من قبل الله تعالى يقول: يا ملائكتي ! إني قد أجبت دعائكم في عبدي هذا وسمعت ندائكم وصليت على روحه مع أرواح الابرار وجعلته من المصطفين الاخيار (1).

 4 - قال العالم العامل العابد الزاهد سيد العارفين رضى الدين سيد بن طاوس رحمه الله: عن محمد بن اسماعيل بن بزيع عن الرضا عليه السلام وبكير بن صالح عن سليمان بن جعفر عن الرضا عليه السلام قالا: دخلنا عليه وهو ساجد في سجدة الشكر فأطال في سجوده ثم رفع رأسه فقلنا له: أطلت السجود فقال: من دعا في سجدة الشكر بهذا الدعاء كان كالرامي مع رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يوم بدر (2) قالا: قلنا فنكتبه ؟ قال: اكتبا: إذا أنتما سجدتما سجدة الشكر فتقولا: اللهم العن اللذين بدلا دينك وغيرا نعمتك: واتهما رسولك صلى الله عليه واله وسلم وخالفا ملتك وصدا عن سبيلك وكفرا آلائك وردا عليك كلامك واستهزءا برسولك وقتلا ابن نبيك وحرفا كتابك وجحدا آياتك وسخرا باياتك واستكبرا عن عبادتك وقتلا أوليائك وجلسا في مجلس لم يكن لهما بحق وحملا الناس على أكتاف آل محمد صلى الله عليه واله وسلم.

 اللهم العنهما يتلوا بعضهم بعضا واحشرهما وأتباعهما إلى جهنم زرقا.

 اللهم انا نتقرب اليك باللعنة لهما والبرائة منهما في الدنيا والآخرة.

 اللهم العن قتلة أمير المؤمنين وقتلة الحسين بن علي وابن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم.

 اللهم زدهما عذابا فوق عذاب وهوانا فوق هوان وذلا فوق ذل وخزيا فوق خزي.

 اللهم دعهما في النار دعا واركسهما


(1) - المجلسي: بحار الانوار ج 50: ص 316.

 (2) وفي (مصباح) الكفعمي (ص 553) في بدر واحد وجنين بألف ألف سهم.

 


[793]

في اليم عقابك ركسا.

 اللهم احشرهما واتباعهما إلى جهنم زمرا.

 اللهم فرق جمعهم وشتت امرهم وخالف بين كلمتهم وبدد جماعتهم والعن أئمتهم واقتل قادتهم وسادتهم وكبرائهم والعن رؤسائهم واكسر رايتهم والق البأس بينهم ولا تبق منهم ديارا اللهم العن ابا جهل والوليد لعنا يتلو بعضه بعضا ويتبع بعضه بعضا.

 اللهم العنهما لعنا يلعنهما به كل ملك مقرب وكل نبي مرسل وكل مؤمن امتحنت قلبه للايمان.

 اللهم العنهما لعنا يتعوذ منه أهل النار.

 اللهم العنهما لعنا لم يخطر لاحد ببال.

 اللهم العنهما في مستسر سرك وظاهر علانيتك وعذبهما عذابا في التقدير وشارك معهما ابنتيهما واشياعهما ومحبيهما ومن شايعهما أنك سميع الدعاء (1).

 5 - عن أبي حمزة الثمالي: عن علي بن الحسين عليه السلام قال: من لعن الجبت والطاغوت لعنة واحدة كتب الله له سبعين ألف ألف حسنة ومحى عنه سبعين ألف ألف سيئة ورفع له سبعين ألف ألف درجة ومن أمسى يلعنهما لعنة واحدة كتب له مثل ذلك: فمضى مولانا علي بن الحسين عليه السلام فدخلت على مولانا أبي جعفر الباقر فقلت: يا مولاي ! حديث سمعته من أبيك فقال: هات: ياثمالي... ! (2) 6 - عن الحسين بن ثوير وابن سلمة السراج قالا: سمعنا أبا عبد الله وهو يلعن في دبر كل مكتوبة أربعة من الرجال وأربعا من النساء: فلانا وفلانا وفلانا ويسميهم ومعاوية وفلانة وفلانة وهندا وام الحكم أخت معاوية (3).

 7 - عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام: إذا انحرفت عن صلاة مكتوبة فلا تنحرف إلا


(1) سيد بن طاووس: مهج الدعوات / باب أدعية مولانا علي بن موسى الرضا عليه السلام.

 (2) الطهراني: شفاء الصدور في شرح زيارة العاشور ص 371.

 (3) الحر العاملي: وسائل الشيعة ج 6: ص 462 / باب 19 ط آل البيت.

 


[794]

بانصراف لعن بني أمية (1).

 8 - عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث: أن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قد قنت ودعا على قوم بأسمائهم وأسماء آبائهم وعشائرهم وفعله علي عليه السلام بعده (2).

 9 - عن علي عليه السلام: أنه قنت في الصبح فلعن معاوية وعمرو بن العاص وأبا موسى وأبا الاعور وأصحابهم (3).

 10 - وفي حديث آخر أنه عليه السلام صلى بالناس المغرب فقنت في الركعة الثانية ولعن معاوية وعمرو العاص وأبا موسى الاشعري وأبا الاعور السلمي.

 11 - وايضا -: كان علي عليه السلام بعد الحكومة إذا صلى الغداة والمغرب وفرغ من الصلاة وسم قال: اللهم العن معاوية وعمرا وأبا موسى وحبيب بن سلمة وعبد الرحمن بن خالد والضحاك بن قيس والوليد بن عقبة (4).

 12 - علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن محمد بن حكيم قال: قلت لابي الحسن موسى عليه السلام: جعلت فداك فقهنا في الدين واغنانا الله بكم عن الناس حتى إن الجماعة منا لتكون في المجلس ما يسأل رجل صاحبه تحضره المسألة ويحضره جوابها فيما من الله علينا بكم فربما ورد علينا الشئ لم يأتنا فيه عنك ولا عن آبائك شيء فنظرنا إلى أحسن ما يحضرنا وأوفق الاشياء لما جاءنا عنكم فتأخذ به فقال: هيهات هيهات في ذلك والله هلك من هلك يابن حكيم ! قال: ثم قال: لعن الله أبا حنيفة كان يقول: قال علي وقلت (5).

 13 - عن إسحاق بن عمار الصيرفي عن أبي الحسن الماضي عليه السلام قال: قلت:


(1) الحر العاملي: وسائل الشيعة ج 6: ص 462 / باب 19 ط آل البيت.

 (2) الحر العاملي: وسائل الشيعة ج 6: ص 284 / باب 13.

 (3) المجلسي: بحار الانوار ط كمپاني ج 8: ص 566.

 (4) المجلسي: بحار الانوار ط كمپاني ج 8: ص 591.

 (5) الكليني: الاصول من الكافي ج 1 ص 56 / ح 9.

 


[795]

جعلت فداك حدثني فيهما بحديث فقد سمعت عن أبيك فيهما أحاديث عدة قال: فقال لي: يا إسحاق الاول بمنزلة العجل والثاني بمنزلة السامري قال: قلت: جعلت فداك زدني فيهما قال: هما والله نصرا وهودا ومجسا فلا غفر الله ذلك لهما.

 قال: قلت: جعلت فداك زدني فيهما قال: ثلاثة لا ينظر الله إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم.

 قال: قلت: جعلت فداك فمن هم ؟ قال: رجل ادعى إماما من غير الله وآخر طعن في إمام من الله وآخر زعم أن لهما في الاسلام نصيبا.

 قال: قلت: جعلت فداك زدني فيهما قال: ما أبالي يا إسحاق محوت المحكم من كتاب الله أو حجدت محمد صلى الله عليه واله وسلم النبوة أو زعمت أن ليس في السماء إله أو تقدمت على علي بن أبي طالب عليه السلام.

 قال: قلت: جعلت فداك زدني قال: فقال لي: يا إسحاق إن في النار لواديا يقال له: سقر لم يتنفس منذ خلقه الله لو أذن الله له في التنفس بقدر مخيط (1) لاحرق من على وجه الارض وإن أهل النار يتعوذون من حر ذلك الوادي ونتنه وقذره وما أعد الله فيه لاهله وإن في ذلك الوادي لجبلا يتعوذ جميع أهل ذلك الوادي من حر ذلك الجبل ونتنه وقذره وما أعد الله فيه لاهله وإن في ذلك الجبل لشعبا يتعوذ جميع أهل ذلك الجبل من حر ذلك الشعب ونتنه وقذره وما أعد الله فيه لاهله وإن في ذلك الشعب لقليبا يتعوذ أهل ذلك الشعب من حر ذلك القليب ونتنه وقذره وما أعد الله فيه لاهله وإن في ذلك القليب لحية يتعوذ جميع أهل ذلك القليب من خبث تلك الحية ونتنها وقذرها وما أعد الله عزوجل في أنيابها من السم لاهلها وإن في جوف تلك الحية لسبع صناديق فيها خمسة من الامم السالفة واثنان من هذه الامة قال: قلت جعلت فداك ومن الخمسة ؟ ومن الاثنان ؟ قال: أما الخمسة فقابيل الذي قتل هابيل ونمرود الذي حاج ابراهيم في


(1) - في بعض النسخ: (لو طلع منه شرارة).

 


[796]

ربه قال: (أنا أحيى وأميت) (1) وفرعون اذي قال: (أنا ربكم الاعلى) (2) ويهودا الذي هود اليهود وبولس الذي نصر النصارى ومن هذه الامة أعرابيان (3).

 14.

 أقول: يعجبني في هذا الموقف نقل ما ذكره ابن أبي الحديد (4) فمن قرأه وتدبر فيه يكفيه.

 قال: وحضرت عند النقيب أبي جعفر يحيى بن محمد العلوي البصري في سنة إحدى عشرة وستمائة ببغداد وعنده جماعة وأحدهم يقرأ في (الاغاني) لابي الفرج فمر ذكر المغيرة بن شعبة وخاض القوم فذمه بعضهم وأثنى عليه بعضهم وأمسك عنه آخرون فقال بعض فقهاء الشيعة ممن كان يشتغل بطرف من علم الكلام علي رأي الاشعري: الواجب الكف والامساك عن الصحابة وعما شجر بينهم فقد قال أبو المعالي الجويني: إن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم نهى عن ذلك وقال: (إياكم وما شجر بين صحابتي) وقال: (دعوا لي أصحابي فلو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا لما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه) وقال: (أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم) وقال: (خيركم القرن الذي أنا فيه ثم الذي يليه ثم الذي يليه ثم الذي يليه) وقد ورد في القرآن االثناء على اصحابة وعلى التابعين وقال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: (وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم) وقد روي عن الحسن البصري أنه ذكر عنده الجمل وصفين فقال: تلك دماء طهر الله منها أسيافنا فلا نلطخ بها ألسنتنا وثم إن تلك الاحوال قد غابت عنا وبعدت أخبارها على حقائقها فلا يليق بنا أن نخوض فيها ولو كان واحد من هؤلاء قد أخطأ لوجب [أن يحفظ


(1) البقرة / 258.

 (2) النازعات / 24.

 (3) ثواب الاعمال ص 255 و256.

 (4) ابن أبي الحديد: شرح النهج ج 20: ص 10.

 


[797]

رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فيه ومن المرؤة] أن يحفظ رسول الله صلى الله عليه واله وسلم في عائشة زوجته وفي الزبير ابن عمته وفي طلحة الذي وقاه بيده ثم ما الذي ألزمنا وأوجب علينا أن نلعن أحدا من المسلمين أو تبرأ منه ! وأي ثواب في اللعنة والبراءة ! إن الله تعالى لا يقول يوم القيامة للمكلف: لم لم تلعن ؟ بل قد يقول له: لم لعنت ؟ ولو أن إنسانا عاش عمره كله لم يلعن إبليس لم يكن عاصيا ولا آثما وإذا جعل الانسان عوض اللعنة (أستغفر الله) كان خيرا له.

 ثم كيف يجوز للعامة أن تدخل أنفسها في أمور الخاصة وأولئك قوم كانوا أمراء هذه الامة وقادتها ونحن اليوم في طبقة سافلة جدا عنهم فكيف يحسن بنا التعرض لذكرهم ! أليس يقبح من الرعية أن تخوض في دقائق أمور الملك وأحواله وشؤونه التي تجري بينه وبين أهله وبنى عمه ونسائه وسراريه ! وقد كان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم صهرا معاوية وأخته أم حبيبة تحته فالادب أن تحفظ أم حبيبة وهي أم المؤمنين في أخيها.

 وكيف يجوز أن يلعن من جعل الله تعالى بينه وبين رسوله مودة ! أليس المفسرون كلهم قالوا: هذه الآية أنزلت في أبي سفيان وآله وهي قوله تعالى: عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة (1) ! فكان ذلك مصاهرة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أبا سفيان وتزويجه ابنته.

 على أن جميع ما تنقله الشيعة من الاختلاف بينهم والمشاجرة لم يثبت وما كان القوم إلا كبني ام واحدة وم يتكدر باطن أحد منهم على صاحبه قط ولا وقع بينهم اختلاف ولا نزاع.

 فقال أبو جعفر رحمه الله: قد كنت منذ أيام علقت بخطي كلاما وجدته لبعض الزيدية في هذا المعنى نقضا وردا على أبي المعالي الجويني فيما اختاره لنفسه من هذا الرأي وأنا اخرجه إليكم لاستغني بتأمله عن الحديث على ما قاله هذا الفقيه فإني أجد ألما يمنعني من الاطالة في الحديث لا سيما إذا خرج مخرج الجدل و


(1) الممتحنة 60: 7.

 


[798]

مقاومة الخصوم.

 ثم أخرج من بين كتبه كراسا قرأناه في ذلك المجلس وأستحسنه الحاضرون وأنا أذكر هاهنا خلاصته.

 قال: لولا أن الله تعالى أوجب معاداة أعدائه كما أوجب موالاة أوليائه وضيق على المسلمين تركها إذا دل العقل عليها أو صح الخبر عنها بقوله سبحانه: لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم (1) وبقوله تعالى: ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء (2) وبقوله سبحانه: لا تتولوا قوما غضب الله عليهم (3) ولا جماع المسلمين على أن الله تعالى فرض عداوة أعدائه وولاية أوليائه وعلى أن: البغض في الله واجب والحب في الله واجب لما تعرضنا لمعاداة أحد من الناس في الدين ولا البرائة منه ولكانت عداوتنا للقوم تكلفا.

 ولو ظننا أن الله عزوجل يعذرنا إذ قلنا: يا رب ! غاب أمرهم عنا فلم يكن لخوضنا في أمر قد غاب عنا معنى لاعتمدنا على هذا العذر وواليناهم ولكنا نخاف أن يقول سبحانه نا: إن كان أمرهم قد غاب عن أبصاركم فلم يغب عن قلوبكم وأسماعكم قد أتتكم به الاخبار الصحيحة التي بمثلها ألزمتم أنفسكم الاقرار بالنبي صلى الله عليه واله وسلم وموالاة من صدقه ومعاداة من عصاه وجحده وأمرتم بتدبر القرآن وما جاء به الرسول فهلا حذرتم من أن تكونوا من أهل هذه الآية غدا: ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا ! فأما لفظة اللعن فقد أمر الله تعالى بها وأوجبها ألا ترى إلى قوله: أولئك


(1) - المجادلة 58: 22.

 (2) - المائدة 5: 81.

 (3) - الممتحنة 60: 13.

 (4) - الاحزاب 33: 67.

 


[799]

يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون (1) فهو إخبار معناه الامر كقوله: والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء (2) وقد لعن الله تعالى العاصين بقوله: لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داؤد (3) وقوله: إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا (4) وقوله: ملعونين اينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا (5) وقال الله تعالى لابليس: وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين (6) وقال: إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيرا (7).

 فأما قول من يقول: (أي ثواب في اللعن ! وإن الله تعالى لا يقول للمكلف لم لم تلعن ؟ بل قد يقول له: لم لعنت ؟ وأنه لو جعل مكان لعن الله فلانا اللهم اغفر لي لكان خيرا له ولو أن إنسانا عاش عمره كله لم يلعن ابليس لم يؤاخذ بذلك) فكلام جاهل لا يدري ما يقول اللعن طاعة ويستحق عليها الثواب إذا فعلت على وجهها وهو أن يلعن مستحق اللعن لله وفي الله لا في العصبية والهوى ألا ترى أن الشرع قد ورد بها في نفى الولد ونطق بها القرآن وهو أن يقول الزوج في الخامسة: أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين (8) فلو لم يكن الله تعالى يريد أن يتلفظ عبادة بهذه اللفظة وأنه قد تعبدهم بها لما جعلها من معالم الشرع ولما كررها في كثير من كتابه العزيز ولما قال في حق القاتل: وغضب الله عليه و


(1) - البقرة 2: 159.

 (2) البقرة 2: 228.

 (3) المائدة 5: 78.

 (4) الاحزاب 33: 57.

 (5) الاحزاب 33: 61.

 (6) - ص 38: 78.

 (7) الاحزاب 33: 64.

 (8) النور 24: 7.

 


[800]

لعنه (1) وليس المراد من قوله: (ولعنه) إلا الامر لنا بأن نلعنه ولو لم يكن المراد بها ذلك لكان لنا أن نلعنه لان الله تعالى قد لعنه أفيلعن الله تعالى إنسانا ولا يكون لنا أن نلعنه ! هذا ما لا يسوغ في العقل كما لا يجوز أن يمدح الله إنسانا إلا ولنا أن نمدحه ولا يذمه إلا ولنا أن نذمه وقال تعالى: هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله (2) وقال: ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا (3) وقال عزوجل: وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا (4).

 وكيف يقول القائل: إن الله تعالى لا يقول للمكلف: لم لم تلعن ؟ ألا يعلم هذا القائل أن الله تعالى أمر بولاية أوليائه وأمر بعداوة أعدائه فكما يسأل عن التولي يسأل عن التبري ! ألا ترى أن اليهودي إذا أسلم يطالب بأن يقول له: تلفظ بكلمة الشهادتين ثم قل: برئت من كل دين يخالف دين الاسلام فلابد من البرائة لان بها يتم العمل ! ألم يسمع هذا القائل قول الشاعر:

تود عدوي ثم تزعم أنني * صديقك إن الرأي عنك لعازب

فمودة العدو خروج عن ولاية الولي وإذا بطلت المودة لم يبق إلا البرائة لانه لا يجوز أن يكون الانسان في درجة متوسطة مع أعداء الله تعالى وعصاته بألا يودهم ولا يبرأ منهم بإجماع المسلمين على نفي هذه الواسطة.

 وأما قوله: (لو جعل عوض اللعنة استغفر الله لكان خيرا له) فإنه لو استغفر من غير أن يلعن أو يعتقد وجوب اللعن لما نفعه استغفاره ولا قبل منه لانه يكون عاصيا لله تعالى مخالفا أمره في أمساكه عمن أوجب الله تعالى عليه البرائة منه و


(1) - النساء 4: 93.

 (2) المائدة 5: 60.

 (3) الاحزاب 33: 68.

 (4) المائدة 5: 64.


[801]

إظهار البرائة والمصر على بعض المعاصي لا تقبل توبته واستغفاره عن البعض الآخر وأما من يعيش عمره ولا يلعن إبليس فإن كان لا يعتقد وجوب لعنه فهو كافر وإن كان يعتقد وجوب لعنه ولا يلعنه فهو مخطئ على أن الفرق بينه وبين ترك لعنه رؤوس الضلال في هذه الامة كمعاوية والمغيرة وأمثالهما أن أحدا من المسلمين لا يورث عنده الامساك عن لعن إبليس شبهة في أمر إبليس والامساك عن لعن هؤلاء وأضرابهم يثير شبهة عند كثير من المسلمين في أمرهم وتجنب ما يورث الشبهة في الدين واجب فلهذا لم يكن الامساك عن لعن إبليس نظير الامساك عن أمر هولاء.

 قال: ثم يقال للمخالفين: أرأيتم لو قال قائل: قد غاب عنا أمر يزيد بن معاوية والحجاج بن يوسف فليس ينبغي أن نخوض في قصتهما ولا أن نلعنهما ونعاديهما ونبرأ منهما هل كان هذا إلا كقولكم: قد غاب عنا أمر معاوية والمغيرة بن شعبة وأضرابهما فليس لخوضنا في قصتهم معنى ! وبعد فكيف أدخلتم أيها العامة والحشوية وأهل الحديث أنفسكم في أمر عثمان وخضتم فيه وقد غاب عنكم ! وبرئتم من قتلته ولعنتموهم وكيف لم تحفظوا أبا بكر الصديق في محمد ابنه فأنكم لعنتموه وفسقتموه ولا حفظتم عائشة أم المؤمنين في أخيها محمد المذكور ومنعتمونا أن نخوض وندخل أنفسنا في أمر علي والحسن والحسين ومعاوية الظالم له ولهما المتغلب على حقه وحقوقهما ! وكيف صار لعن ظالم عثمان من السنة عندكم ولعن ظالم علي والحسن والحسين تكلفا ! وكيف أدخلت العامة أنفسها في أمر عائشة وبرئت ممن نظر إليها ومن القائل لها: يا حميراء أو إنما هي حميراء ولعنته بكشفه سترها ومنعتنا نحن عن الحديث في أمر فاطمة وما جرى لها بعد وفاة أبيها !


[802]

فإن قلتم: إن بيت فاطمة إنما دخل وسترها إنما كشف حفظا لنظام الاسلام وكيلا ينتشر الامر ويخرج قوم من المسلمين أعناقهم من ربقة (1) الطاعة ولزوم الجماعة.

 قيل لكم: وكذلك ستر عائشة إنما يكشف وهودجها إنما هتك لانها نشرت حبل الطاعة (2) وشقت عصا المسلمين وأراقت دماء المسلمين من قبل وصول علي بن أبي طالب إلى البصرة وجرى لها مع عثمان بن حنيف وحكيم بن جبلة ومن كان معهما من المسلمين الصالحين من القتل وسفك الدماء ما تنطق به كتب التواريخ والسير فإذا جاز دخول بين فاطمة لامر لم يقع بعد جاز كشف ستر عائشة على ما قد وقع وتحقق فكيف صار هتك ستر عائشة من الكبائر التي يجب معها التخليد في النار والبرائة من فاعله ومن أؤكد عرى الايمان وصار كشف بيت فاطمة والدخول عليها بمنزلها وجمع حطب ببابها وتهددها بالتحريق من أوكد عرى الدين وأثبت دعائم الاسلام ووما أعز الله به المسلمين وأطفأ به نار الفتنة والحرمتان واحدة والستران واحد ! وما نحب أن نقول لكم: إن حرمة فاطمة أعظم ومكانها أرفع وصيانتها لاجل رسول اله صلى الله عليه واله وسلم أولى فإنها بضعة منه وجزء من لحمه ودمه وليست كالزوجة الاجنبية التي لا نسب بينها وبين الزوج وإنما هي وصلة مستعارة وعقد يجري مجرى إجارة المنفعة وكما يملك رق الامة بالبيع والشراء ولهذا قال الفرضيون: أسباب التوارث ثلاثة: سبب ونسب وولاء فالنسب القرابة والسبب النكاح والولاء: ولاء العتق فجعلوا النكاح خارجا عن النسب ولو كانت الزوجة ذات نسب لجعلوا الاقسام الثلاثة قسمين.

 


(1) ريقة: الطاعة: عرقها.

 (2) نشرت حبل الطاعة: أي قطعته.

 


[803]

وكيف تكون عائشة أو غيرها في منزلة فاطمة وقد أجمع المسلمون كلهم من يحبها ومن لا يحبها منهم أنها سيدة نساء العالمين ! قال: وكيف يلزمنا اليوم حفظ رسول الله صلى الله عليه واله وسلم في زوجته وحفظ أم حبيبة في أخيها ولم تلزم الصحابة أنفسها حفظ رسول الله صلى الله عليه واله وسلم في أهل بيته ولا ألزمت الصحابة أنفسها حفظ رسول الله صلى الله عليه واله وسلم في صهره وابن عمه عثمان بن عفان وقد قتلوهم ولعنوهم ولقد كان كثير من الصحابة يلعن عثمان وهو خليفة منهم عائشة كانت تقول: اقتلوا نعثلا لعن الله نعثلا ومنهم عبد الله بن مسعود وقد لعن معاوية علي بن أبي طالب وابنيه حسنا وحسينا وهم أحياء يرزقون بالعراق وهو يلعنهم بالشام على المنابر ويقنت عليهم في الصلوات وقد لعن أبو بكر وعمر سعد بن عبادة وهو حي وبرئا منه وأخرجاه من المدينة إلى الشام ولعن عمر خالد بن الوليد لما قتل مالك بن نويرة وما زال اللعن في المسلمين إذا عرفوا من الانسان معصية تقتضي اللعن والبرائة.

 قال: ولو كان هذا أمرا معتبرا وهو أن يحفظ زيد لاجل عمرو فلا يلعن لوجب أن تحفظ الصحابة في أولادهم فلا يلعنوا لاجل آبائهم فكان يجب أن يحفظ سعد بن أبي وقاص فلا يلعن ابنه عمر بن سعد قاتل الحسين وإن يحفظ معاوية فلا يلعن يزيد صاحب وقعة الحرة وقاتل الحسين ومخيف المسجد الحرام بمكة وأن يحفظ عمر بن الخطاب في عبيدالله ابنه قاتل الهرمزان والمحارب عليا عليه السلام في صفين قال على أنه لو كان الامساك عن عداوة من عادى الله من أصحاب رسول الله صلى الله عليه واله وسلم من حفظ رسول الله صلى الله عليه واله سلم في أصحابه ورعاية عهده وعقده لم نعادهم ولو ضربت رقابنا بالسيوف ولكن محبة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لاصحابه ليست كمحبة


[804]

الجهال الذين يضع أحدهم محبته لصاحبه موضع العصبية وإنما أوجب رسول الله صلى الله عليه واله وسلم محبة أصحابه لطاعتهم لله فإذا عصوا الله وتركوا ما أوجب محبتهم فليس عند رسول الله صلى الله عليه واله وسلم محاباة في ترك لزوم ما كان عليه من محبتهم ولا تغطرس في العدول عن التمسك بموالاتهم فلقد كان صلى الله عليه واله وسلم يحب أن يعادي أعداء الله ولو كانوا عترته كما يحب أن يوالي أولياء الله ولو كانوا أبعد الخلق نسبا منه والشاهد على ذلك إجماع الامة على أن الله تعالى قد أوجب عداوة من ارتد بعد الاسلام وعداوة من نافق وإن كان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وأن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم هو الذي أمر بذلك ودعا إليه وذلك أنه صلى الله عليه واله وسلم قد أوجب قطع السارق وضرب القاذف وجلد البكر إذا زنى وإن كان من المهاجرين أو الانصار ألا ترى أنه قال: لو سرقت فاطمة لقطعتها فهذه ابنته الجارية مجرى نفسه لم يحابها في دين الله ولا راقبها في حدود الله وقد جلد أصحاب الافك ومنهم مسطح بن أثاثة وكان من أهل بدر.

 قال: وبعد فلو كان محل أصحاب رسول الله صلى الله عليه واله وسلم محل من لا يعادي إذا عصى الله سبحانه ولا يذكر بالقبيح بل يجب أي يراقب لاجل اسم الصحبة ويغضى عن عيوبه وذنوبه لكان كذلك صاحب موسى المسطور ثناؤه في القرآن ما اتبع هواه فانسلخ مما أوتي من الآيات وغوى قال سبحانه: وأتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين (1) ولكان ينبغي أن يكون محل عبدة العجل من أصحاب موسى هذا المحل لان هؤلاء كلهم قد صحبوا رسولا جليلا من رسل الله سبحانه.

 قال: ولو كانت الصحابة عند أنفسها بهذه المنزلة لعلمت ذلك من حال أنفسها لانهم أعرف بمحلهم من عوام أهل دهرنا وإذا قدرت أفعال بعضهم


(1) الاعراف 7: 175.

 


[805]

ببعض دلتك على أن القصة كانت على خلاف ما قد سبق إلى قلوب الناس اليوم هذا علي وعمار، وأبو الهيثم بن التيهان وخزيمة بن ثابت وجميع من كان مع علي عليه السلام من المهاجرين والانصار لم يروا أن يتغافلوا عن طلحة والزبير حتى فعلوا بهما وبمن معهما ما يفعل بالشراة في عصرنا وهذا طلحة والزبير وعائشة ومن كان معهم وفي جانبهم لم يروا أن يمسكوا عن علي حتى قصدوا له كما يقصد للمتغلبين في زماننا وهذا معاوية وعمرو لم يريا علي بالعين التي يرى بها العامي صديقه أو جاره ولم يقصروا دون ضرب وجهه بالسيف ولعنه ولعن أولاده وكل من كان حيا من أهله وقتل أصحابه وقد لعنهما هو أيضا في الصلوات المفروضات ولعن معهما أبا الاعور السلمي وأبا موسى الاشعري وكلاهما من الصحابة وهذا سعد بن أبي وقاص ومحمد بن مسلمة وأسامة بن زيد وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل وعبد الله بن عمر وحسان بن ثابت وأنس بن مالك لم يروا أن يقلدوا عليا في حرب طلحة ولا طلحة في حرب علي وطلحة والزبير بإجماع المسلمين أفضل من هؤلاء المعدودين لانهم زعموا أنهم قد خافوا أن يكون علي قد غلط وزل في حربهما وخافوا أن يكونا قد غلطا وزلا في حرب علي وهذا عثمان قد نفى أبا ذر إلى الربذة كما يفعل بأهل الخنا والريب.

 وهذا عمار وابن مسعود تلقيا عثمان بما تلقياه به لما ظهر لهما بزعمهما منه ما وعظاه لاجله ثم فعل بهما عثمان ما تناهى إليكم ثم فعل القوم بعثمان ما قد علمتم وعلم الناس كلهم وهذا عمر يقول في قصة الزبير بن العوام لما استأذنه في الغزو: ها إني ممسك بباب هذا الشعب أن يتفرق أصحاب محمد في الناس فيضلوهم وزعم أنه وأبو بكر كانا يقولان: إن عليا والعباس في قصة الميراث زعمهما كاذبين ظالمين فاجرين وما رأينا عليا والعباس اعتذرا ولا تنصلا ولا نقل أحد من أصحاب الحديث ذلك ولا رأينا أصحاب رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: أنكروا عليهما ما حكاه عمر عنهما ونسبه إليهما ولا أنكروا أيضا على عمر قوله في


[806]

أصحاب رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: إنهم يريدون إضلال الناس ويهمون به ولا أنكروا على عثمان دوس بطن عمار ولا كسر ضلع ابن مسعود ولا على عمار وابن مسعود ما تلقيا به عثمان كإنكار العامة اليوم الخوض في حديث الصحابة ولا اعتقدت الصحابة في أنفسها ما يعتقده العامة فيها اللهم إلا أن يزعموا أنهم أعرف بحق القوم منهم.

 وهذا علي وفاطمة والعباس ما زالوا على كلمة واحدة يكذبون الرواية: (نحن معاشر الانبياء لا نورث ؟) ويقولون إنها مختلقة.

 قالوا: وكيف كان النبي صلى الله عليه واله وسلم يعرف هذا الحكم غيرنا ويكتمه عنا ونحن الورثة ونحن أولى الناس بأن يؤدي هذا الحكم إليه ! وهذا عمر بن الخطاب يشهد لاهل الشورى أنهم النفر الذين توفى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وهو عنهم راض ثم يأمر بضرب أعناقهم إن أخروا فصل حال الامامة هذا بعد أن ثلبهم وقال في حقهم ما لو سمعته العامة اليوم من قاتل لوضعت ثوبه في عنقه سحبا إلى السلطان ثم شهدت عليه بالرفض واستحلت دمه فإن كان الطعن على بعض الصحابة رفضا فعمر بن الخطاب أرفض الناس وإما الروافض كلهم ثم ما شاع واشتهر من قول عمر: (كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى الله شرها فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه) وهذا طعن في العقد وقدح في البيعة الاصلية.

 ثم ما نقل عنه من ذكر أبي بكر في صلاته وقوله عن عبد الرحمن ابنه: (دويبة سوء ولهو خير من أبيه).

 ثم عمر القائل في سعد بن عبادة وهو رئيس الانصار وسيدها - (اقتلوا سعدا قتل الله عدا اقتلوه فإنه منافق).

 وقد شئتم أبا هريرة وطعن في روايته وشتم خالد بن الوليد وطعن في دينه وحكم بفسقه وبوجوب قتله وخون عمرو بن العاص ومعاوية بن أبي سفيان ونسبهما إلى سرقة مال الفئ واقتطاعه وكان سريعا إلى المساءة كثير الجبه والشتم والسب لكل أحد وقل أن يكون في الصحابة من سلم من معرة لسانه أو يده ولذلك أبغضوه وملوا أيامه مع كثيرة الفتوح فيها فهلا احترم عمر الصحابة كما تحترمهم العامة ! إما أن يكون عمر


[807]

مخطئا وإما أن تكون العامة على الخطأ ! فإن قالوا: عمر ما شتم ولا ضرب ولا أساء إلا إلى عاص مستحق لذلك قيل لهم: فكانا نحن نقول: إنا نريد أن نبرأ ونعادي من لا يستحق البرائة والمعاداة ؟ ! كلا ما قلنا هذا ولا يقول هذا مسلم ولا عاقل.

 وإنما غرضنا الذي نجري بكلامنا هذا أن نوضح أن الصحابة قوم من الناس لهم ما للناس وعليهم ما عليهم من أساء منهم ذممناه ومن أحسن منهم حمدناه وليس لهم على غيرهم من المسلمين كبير فضل إلا بمشاهدة الرسول ومعاصرته لا غير بل ربما كانت ذنوبهم أفحش من ذنوب غيرهم لانهم شاهدوا الاعلام والمعجزات فقربت اعتقاداتهم من الضرورة ونحن لم نشاهد ذلك فكانت عقائدنا محض النظر والفكر وبعرضية الشبه والشكوك فمعاصينا أخف لانا أعذر.

 المستدرك لصفحة 42 حديث الغدير قال ابن كثير في البداية والنهاية ج 1 ص 208: وقد اعتنى بأمر هذا الحديث أبو جعفر محمد بن جرير الطبري صاحب التفسير والتاريخ فجمع فيه مجلدين وأورد فيهما طرقه وألفاظه (1).

 قال العلامة المقبلي المترجم ص 142 (في الغدير ج 1) بعد سرده لبعض طرق هذا الحديث: فإن لم يكن هذا معلوما فما في الدين معلوم.

 وقال السيد الامير محمد الصنعاني المذكور في (الروضة الندية شرح تحفة العلوية): وحديث الغدير متواتر عند أكثر أئمة الحديث.

 قال الحافظ الذهبي في


(1) الاميني: الغدير ج 1: ص 157 - 158.

 


[808]

(تذكرة الحفاظ) في ترجمة الطبري: ألف محمد بن جرير فيه كتابا.

 وقال الذهبي وفقت عليه فاندهشت لكثرة طرقه (1).

 قال العلامة الشيخ سليمان الحنفي: حكى عن أبي المعالي الجويني الملقب بإمام الحرمين أستاذ أبي حامد الغزالي رحمهما الله يتعجب ويقول: رأيت مجلدا في بغداد في يد صحاف فيه روايات خبر غدير خم مكتوبا عليه المجلدة الثامنة والعشرون من طرق قوله صلى الله عليه واله وسلم: (من كنت مولاه فعلي مولاه) ويتلوه المجلدة التاسعة والعشرون (2).

 قال العلامة ابن المغازلي الشافعي (المتوفى سنة 483).

 عن شهر بن حوشب.

 عن أبي هريرة قال: من صام يوم ثمانية عشرة خلت من ذي الحجة كتب له صيام ستين شهرا وهو يوم غدير خم لما أخذ النبي صلى الله عليه واله وسلم بيد علي بن أبي طالب فقال: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟ قالوا: بلى يارسول الله ! قال: من كنت مولاه فعلي مولاه.

 فقال عمر بن الخطاب: بخ بخ لك يا علي بن أبي طالب ! أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن فأنزل الله تعالى: اليوم أكملت لكم دينكم (3).

 وعن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: من كنت وليه فعلي وليه أو مولاه.

 وعن أبي سعيد الخدري قال: رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: من كنت مولاه فعلي مولاه.

 اللهم وال من والاه وعاد من عاداه (4).

 وقال أبو القاسم افضل بن محمد: هذا حديث صحيح عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وقد روى حديث غدير خم عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم نحو من مائة نفر منهم العشرة وهو


(1) القندوزي: ينابيع المودة ص 34 ط استانبول.

 (2) المصدر ص 307.

 (3) ابن المغازلي: مناقب علي بن أبي طالب ص 19 ط طهران.

 (4) - المصدر: ص 20.

 


[809]

حديث ثابت لا أعرف له علة تفرد علي عليه السلام بهذه الفضيلة ليس يشركه فيها أحد (1).

 المستدرك لصفحة 183 عن عبد الواحد بن زيد أنه قال: كنت حاجا إلى بيت الله الحرام فبينا أنا في الطواف إذ رأيت جاريتين واقفتين عند الركن اليماني إحداهما تقول لاختها: لا وحق المنتجب بالوصية والحاكم بالسوية.

 العادل في القضية العالي البنية الصحيح النية بعل فاطمة المرضية ما كان كذا وكذا.

 قال عبد الواحد: وكنت أسمع فقلت: يا جارية من المنعوت بهذه الصفة ؟ فقالت: ذاك والله علم الاعلام وباب الاحكام وقسيم الجنة والنار وقاتل الكفار والفجار ورباني الامة ورئيس الائمة ذاك أمير المؤمنين وإمام المسلمين الهزبر الغالب أبو الحسن علي بن أبي طالب.

 قلتا: من أين تعرفين عليا ؟ قالت: وكيف لا أعرف من قتل أبي بين يديه في يوم صفين ولقد دخل على أمي ذات يوم فقال لها: كيف أصبحت يا أم الايتام ؟ فقالت له [امي]: بخير يا أمير المؤمنين ثم أخرجتني وأختي هذه إليه وكان قد أصابني من الجدري ما ذهب [به] والله بصري فلما نظر إلي تأوه ثم طفق صفين ولقد دخل على أمي ذات يوم فقال لها: كيف أصبحت يا أم الايتام ؟ فقالت له [امي]: بخير يا أمير المؤمنين ثم أخرجتني وأختي هذه إليه وكان قد أصابني من الجدري ما ذهب [به] والله بصري فلما نظر إلي تأوه ثم طفق يقول:

ما إن تأوهت من شيء رزيت به * كما تأوهت للاطفال في الصغر

قد مات والدهم من كان يكفلهم * في النائبات وفي الاسفار والحضر

ثم أمر بيده المباركة على وجهي فانفتحت عيناي لوقتي وساعتي فوالله يا ابن أخي إني لانظر إلى الجمل الشارد في الليلة الظلماء كل ذلك ببركة


(1) المصدر ص 27.

 


[810]

أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ثم أعطاها شيئا من بيت المال وطيب قلبنا ورجع.

 قال عبد الواحد: فلما سمعت هذا القول قمت إلى دينار من نفقتي فأعطيتها وقلت: خذي يا جارية هذا واستعيني به على وقتك: إليك عني يارجل فقد خلفنا خير سلف على خير خلف نحن والله اليوم في عيال أبي محمد الحسن بن علي عليهما السلام.

 [فولت] وطفقت تقول:

ما ينط حب علي في خناق فتى * إلا له شهدت بالنعمة النعم

ولا له قدم زل الزمان به * إلا له أثبتت من بعدها قدم

ما سرني أن أكن من غير شيعتة * لو أن ما حوته العرب والعجم (1)

 

وفي الختام لا ننسى جميل مساعي الفاضل الالمعي (الحسين الاستاد ولي) وراء ترصيف الكتاب فلله دره وعلينا شكره.

 

***