فهو : ما روي
أنّ سورة براءة لمّا نزلت في سنة تسع أمرّ رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم
أبا بكر إلى مكّة يحجّ بالناس ، ودفعها إليه ليقرأها عليهم ، فلمّا مضى بها أبو بكر
وبلغ ذا الحليفة نزل جبرئيل عليه السلام إلى النبيّ صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم
وأمره بدفع براءة إلى عليّ عليه السلام ليقرأها على الناس ..
فخرج عليّ عليه السلام على ناقة رسول الله صلّى الله عليه [
وآله ] وسلّم العضباء حتّى أدرك أبا بكر بذي الحليفة فأخذها منه ، فرجع أبو بكر
وقال : يا رسول الله! هل نزل فيّ شيء ؟
قال : « لا ، ولكن
لا يبلّغ عنّي غيري أو رجل منّي » (1) .
____________
(1) مصنّف ابن أبي شيبة 12 | 84 ح 12184 ، سنن الترمذي 5 |
275 ح 3090 ـ 3091 ، الخصائص ـ للنسائي ـ : 93 ح 77 ، تفسير الطبري 10 | 47 ،
المستدرك على الصحيحين ـ للحاكم ـ 3 | 51 ، المناقب ـ للخوارزمي ـ : 101 ، شواهد
التنزيل 1 | 235 ح 315 ، تفسير الرازي 15 | 218.
أقـول : اتّفق المفسّرون ورواة
الحديث على أنّ الذي بلّغ سورة براءة لأهل مكّة هو علي بن أبي طالب عليه السلام ،
وأنّ رسول الله صلى الله عليه وآله بعثها أوّل الأمر مع أبي بكر فتطاير فرحاً حتّى
قال لرسول الله صلى الله عليه وآله بعدما أخذها منه علي عليه السلام : يا رسول
الله! أهّلتني لأمر طالت الأعناق إليّ فيه فلمّا توجّهت إليه رددتي عنه ، ما لي ؟
هل نزل فيّ شيء ؟
فقال له الرسول صلى الله عليه وآله : « لا ، ولكن الأمين هبط
إليّ وقال : إنّ الله يقول لك : لايؤدّي عنك إلاّ أنت أو رجل منك. وعليّ منّي ، ولا
يؤدّي عنّي إلاّ عليّ ».
هذا ما تواترت عليه التفاسير والأخبار ، ولم يقدر أحد
على تحريفه ، ولكن بعضهم رأى أنّ الالتزام بهذا يعني منقصة لأبي بكر واعتراف بإمامة
عليّ عليه السلام ؛ لذلك قدّموا تأويلات باهتة لهذه الحادثة لكي يرفعوا من شأنه ،
ولنا وقفة قصيرة مع ماذكره الرازي في تفسيره من هذه التأويلات ..
قال الرازي في
تفسيره الكبير ـ 15 | 218 ـ : اختلفوا في السبب الذي لأجله أمر عليّاً بقراءة هذه
السورة عليهم وتبليغ هذه الرسالة إليهم ، فقالوا : السبب فيه أنّ عادة العرب أن لا
يتولّى تقرير العهد ونقضه إلاّ رجل من الأقارب ، فلو تولاّه أبو بكر لجاز أن يقولوا
: هذا خلاف ما نعرف فينا من نقض العهود. فربّما لم يقبلوا ، فأُزيحت علّتهم بتولية
ذلك عليّاً رضى الله عنه ..
وقيل : لمّا خصّ أبا بكر بتوليته أمير القوم ، خصّ
عليّاً بهذا التبليغ ؛ تطييباً للقلوب ورعايةً للجوانب ..
وقيل : قرّر أبا بكر
على الموسم ، وبعث عليّاً خلفه لتبليغ هذه الرسالة ؛ حتّى يصلّي خلف أبي بكر ،
ويكون ذلك جارياً مجرى التنبيه على إمامة أبي بكر ، والله أعلم. انتهى كلام الرازي.
والظاهر أنّ الرازي اكتفى بنقل الأقوال ولم يردّها ؛ لوجود مأربه فيها. ولكن
هذه الأقاويل لن يصدّقها الجاهل فضلاً عن العالم ؛ لوجود ردود كثيرة عليها ، فمنها
:
1 ـ قولهم : أنّ عادة العرب في الجاهلية أن لا يتولّى تقرير ...
نقـول :
عندما جاء رسول الله بالرسالة الاِسلامية ألغى العادات والتقاليد الجاهلية التي لا
تتلائم مع الدين الاِسلامي ؛ فقد قال يوم فتح مكّة عند الكعبة : « ألا كلّ مأثرةٍ
أو دمٍ أو مالٍ يدّعى فهو تحت قدميَّ هاتين ، إلاّ سدانة البيت وسقاية الحاج » ،
راجع : مسند أحمد 5 | 412 ، مصنّف عبـد الرزّاق 9 | 282 ح 17213 ؛ إذاً فكيف يصحّ
منه صلى الله عليه وآله أن يلغي سُنّة ثمّ بعد ذلك يرجعها رعايةً لعادة العرب في
الجاهلية.
2 ـ قولهم : إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله أرسل عليّاً تطييباً
للقلوب ورعاية للجوانب.
نقـول : إنّه أرسله بأمرٍ من السماء ، وهذا يدلّ على
أنّه مأمور من قبل الله تعالى ،
(354)
(355)
وهـذا
الحـديث قـد رواه كافّة أهل الكتب المشهورة في الحديث ، ولا نعلم فيه خلافاً ، فهل
ترى أيّها الطالب للنجاة أوَ مَنْ عزله الله تعالى ولم يقمه مقام أمير المؤمنين
عليه السلام في تبليغ آيات قلائل يكون أوْلى بالاِمامة باختيار خمسة (1)
ممّن اختاره الله تعالى ورسوله ؟!
معاذ الله ، ما كان لهم
أن يختاروا غير من اختاره الله ، ويؤخّروا من قدّم الله ويقدّموا من أخّر الله ،
وهو يقول عزّ من قائل : (ويختار ما كان لهم
الخِيَرَة) (2) ، لكنّهم بدّلوا وغيّروا ، وفعلوا غير
ما به أُمروا.
ومن النصوص الصريحة على
إمامة أمير المؤمنين عليه السلام : حديث النجم ؛ وهو : ما روي أنّ النبيّ صلّى الله
عليه [ وآله ] وسلّم سُئل عن الاِمام بعده ؟ فقال : « من ينزل الكوكب في داره منذ
الليلة ».
فانتظر الناس ، فلمّا قرب وقت الصبح وإذا بكوكب
نزل في حجرة
____________
(1) الظاهر أنّ نظر
المؤلّف كان إلى خمسة من أصحاب السقيفة : عمر ، أبو عبيدة الجرّاح ، بشير بن سعد
الخزرجي ، أُسيد بن حضير ، وسالم مولى أبي حذيفة ؛ فهم أقطاب اجتماع السقيفة ،
وإلاّ فغيرهم كثير قد بايعوا أبا بكر في ذلك الوقت.
(2) سورة القصص 28 : 68.
(356)
فاطمة
عليها السلام ، فقال أهل النفاق : ولّى ابن عمّه رقاب الناس ، لقد شغف محمّـد بهذا
الاِنسان وبهواه. فأنـزل الله تعالى قوله : (والنجم
إذا هوى * ما ضلّ صاحبكم وما غوى * وما ينطق عن الهوى * إن هو إلاّ وحي
يوحى) (1) (2) .
وروي عنه صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم أنّه قال : « إذا هبط نجم من السماء في دار
رجل من أصحابي فانظروا من هو ؛ فهو خليفتي عليكم بعدي ، والقائم فيكم بأمري ».
فلمّا كان من الغد انقضّ نجم من السماء قد غلب ضوؤه على ضوء
الدنيا حتّى وقـع في حجرة علي بن أبي طالب عليه السلام ، فهاج القوم وقالوا : والله
لقد ضلّ هذا الرجل وغوى. فأنزل الله تعالى : (والنجم
إذا هوى * ما ضلّ صاحبكم وما غوى * وما ينطق عن الهوى * إن هو إلاّ وحي
يوحى) (3) ..
وهذا نصّ جليّ على
إمامته عليه السلام.
فهل بقي لمعتلّ علّة لولا كثرة الحسـد
لأهل هذا البيت الشريف ؟! وقد قال الله تعالى : (أم
يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب
والحكمة) (4) .
____________
(1) سورة النجم 53 : 1 ـ 4.
(2) ورد مؤدّاه في : المناقب
ـ للمغازلي ـ : 266 ح 313 وص 310 ح 353 ، كفاية الطالب : 260 ـ 261 ، ميزان
الاعتدال 2 | 45 رقم 2756 ، لسان الميزان 2 | 449.
(3) الأمالي ـ للشيخ الصدوق
ـ : 680 ح 928 ، شواهد التنزيل 2 | 204 ح 914 ، المناقب ـ لابن شهرآشوب ـ 3 | 14 ـ
15.
(4) سورة النساء 4 : 54.
(357)
وهو :
أنّه لمّا نزل قوله تعالى : (وأنذر عشيرتك
الأقربين ) (1) جمع رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ]
وسلّم عشيرته ، وكانوا أربعين رجلاً ، والقصّة طويلة ذكرنا منها موضع الحاجة ، وهو
قوله : « فمن منكم يبايعني على أن يكون أخي في الدنيا والآخرة ، وله الخلافة من
بعدي ؟ ».
فما تحرّك أحد ، فقام عليّ وهو أصغرهم سنّاً ومدّ
يده ، فقال له رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم : « اجلس ». فأعاد القول ،
فلم يقم سواه ، فقال له : « اجلس ». فجلس ، وقال ثالثاً ، فقام عليّ ومدّ يده فمدّ
رسـول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم وبايعه (2) .
____________
(1) سورة الشعراء 26 : 214.
(2) لم تُعدّ حادثة يوم الدار من الحوادث الغير معلنة والغير واضحة ، بل تعدُّ
من الحوادث والمواقف العلنية ، والتي وقعت بمرأى ومسمع أكابر قريش وصناديدهم من كلا
المعسكرين ـ معكسر الاِيمان ومعسكر الشرك ـ والاِمام عليّ صلى الله عليه وآله آنذاك
في طور الصبى.
فبعد أن دوّى صوت الأمين جبرئيل عليه السلام قائلاً للرسول صلى
الله عليه وآله : إنّ الله يأمرك أن تبلِّغ رسالته إلى عشيرتك الأقربين : (وأنذر
عشيرتك الأقربين). جمع صلى الله عليه وآله عشيرته وباتّفاق مع عليّ عليه السلام ،
وبعد أن أكلوا وشربوا وقف خطيباً فيهم ـ للمرّة الثالثة ؛ إذ في الأُولتين كان أبو
لهب يسبقه ـ قائلاً : « يا بني عبـد المطلب ! إنّي والله ما أعلم شابّاً في العرب
جاء قومه بأفضل ممّا جئتكم به ، إنّي جئتكم بخير الدنيا والآخرة ، وقد أمرني الله
عزّ وجلّ أن أدعوكم إليه ، فأيّكم يؤمن بي ويؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي
ووصييّ وخليفتي فيكم ؟
فلم يجبه أحد إلاّ عليّ عليه السلام ، قال : « أنا يا
رسول الله ... » فأمره الرسول صلى الله عليه وآله بالجلوس فجلس.
وبعد أن كرّرها
الرسول صلى الله عليه وآله ثلاثاً لم يجبه أحد ، إلاّ عليّ عليه السلام ، فالتفت
إليهم قائلاً : « إنّ هذا أخي ووصييّ وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا ».
فقام
القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب : قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع ، وجعله عليك
أميراً.
هذا هو سردٌ إجمالي لهذه الواقعة ، فإذا تدبّرنا فيها نجدها أوّل موقف
رسالي في الاِسلام طرح رسول الله صلى الله عليه وآله فيه عليّاً خليفةً ووصيّاً له
من بعده بقوّة.
لا يقال : إنّ هذا يدلّ على إثبات خلافته عليه السلام على عشيرة
رسول الله صلى الله عليه وآله.
لأنّا نقول : من المسلّم أنّ عشيرة رسول الله
صلى الله عليه وآله من أشرف وأفضل القبائل حسباً ونسباً في داخل مكّة وخارجها ،
فإذا ارتضى الرسول صلى الله عليه وآله لعليّ أن يكون خليفته على عشيرته ، فمن طريق
أوْلى يرتضيه خليفة ووصيّاً وإماماً على المسلمين كافّة بعده.
إذاً ما جرى
تبعاً لهذه الآية الكريمة يعدّ من الأدلّة الواضحة والصريحة في إثبات الوصية
والاِمامة لعليّ عليه السلام بعد رسول الله صلى الله عليه وآله بلا فصل.
ومَن
أراد الوقوف على تفصيل هذه الواقعة فليراجع هذه المصادر : علل الشرائع : 170 ح 2
باب 133 ، إعلام الورى 1 | 322 ، المناقب ـ للكوفي ـ 1 | 370 ح 294 ، مسند أحمد 1 |
111 وص 159 ، الخصائص ـ للنسائي ـ : 83 ح 66 ، تاريخ الطبري 2 | 320 ـ 321 ، شواهد
التنزيل 1 | 371 ح 514 وص 420 ح 580 ، تاريخ مدينة دمشق 42 | 46 ـ 50 ، المناقب ـ
لابن شهرآشوب ـ 2 | 31 ، كفاية الطالب : 204 ـ 207 ، البداية والنهاية 3 | 39 ـ 40
، تفسير ابن كثير 3 | 363 ـ 364.
(358)
وله الأُخوّة
والخلافة ؛ ويشهد لذلك ما روي أنّه : لمّا تحاكم عليّ والعبّـاس عليهما
السلام إلى أبي بكر في ميراث النبيّ صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم فقال العبّـاس :
فبماذا أوجـبتم وراثة النـبيّ صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم لعليّ عليه السلام
وأنا عمّ النبيّ صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم وهو ابن عمّه
؟
فقال أبو بكر : على الخبير هجمتم ، تذكر يا عبّـاس يوم
كنّا في شعب أبي طالب أربعين رجلاً ، لم يكن فيكم من غيركم غيري ، فقال رسول الله
صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم : « إنّه لم يكن نبيّ قبلي إلاّ كان له وصيّ
(359)
وخليفة ،
فمن يكن منكم وصيّي وخليفتي ووارث أمري ، يقضي ديوني وينجز وعدي ويبرىَ ذمّتي ؟ ».
قال : فسكتوا ولم يجبه أحد ، فقلت يا عبّـاس : ومن يقدر على
ذلك وأنت أسخى من الريح ؟
قال : فقام في الثالثة فقال : «
يا معشر بني هاشم ! كونوا في الاِسلام رؤوساً ولا تكونوا أذناباً إن كان فيكم ،
وإلاّ في غيركم ».
قال : فقام أحـمشكم ساقاً وأعظمـكم بطناً
وهـو هـذا ـ وأشار إلى عليّ عليه السلام ـ فقال : « أنا أكون وصيّك وخليفتك ووارث
أمرك ، أقضي ديونك وأنجز مواعيدك وأُبرىَ ذمّتك » ، أتعرف هذا له يا عبّـاس من رسول
الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ؟!
فقال : نعم يا أبا
بكر.
قال : فلأيّ شيء تخاصمه وأنت تعرفه له من رسول الله
صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ؟!
فقال العبّـاس : وأنت
لماذا تونّيت (1) عليه في حقّه وتعرف هذا له من رسول الله صلّى الله
عليه [ وآله ] وسلّم ؟!
فقال أبو بكر : أخرجوهما عنّي ، مكيد
من بني هاشم (2) .
ومن النصوص
الجليّة على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام : تسميته تعالى [ له عليه
السلام ] بـ : « أمير المؤمنين » ، وتسمية جبريل ورسول الله صلّى الله عليه [ وآله
] وسلّم [ له عليه السلام بذلك ] بأمر الله سبحانه ..
____________
(1) تونّيت : مأخوذ من التواني ؛ وهو : التقصير ؛ لسان العرب
15 | 415 مادّة « وني ».
(2) ورد مؤدّاه في : المسترشد ـ للطبري ـ : 577 ح 249
، المناقب ـ لابن شهرآشوب ـ 3 | 60 ـ 61.
(360)
وذلك ما رويناه مسنداً إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، قال : «
دخلت على رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ورأسه في حجر دحيّة بن خليفة
الكلبي ، فسلّمت عليه ، فقال لي دحيّة : وعليك السلام يا أمير المؤمنين ، وفارس
المسلمين ، وقائد الغرّ المحجّلين ، وقاتل الناكثين والمارقين والقاسطين ، وإمام
المتّقين.
ثمّ قال لي : تعال خذ رأس نبيّك في حجرك ، فأنت
أحقّ بذلك.
فلمّا دنوت من رسول الله صلّى الله عليه [ وآله
] وسلّم ووضعت رأسه في حجري لم أر دحيّة ، وفتح الرسول صلّى الله عليه [ وآله ]
وسلّم [ عينه ] وقال : يا علي ! من كنت تكلّم ؟ قال : قلت : دحيّة.
فقصصت عـليه القصّـة ، فـقال : لـم يكن ذلك دحـيّة وإنّما
كان جـبريل عليه السلام ، أتاك ليعرّفك أن الله سمّاك بهذه الأسماء »
(1) .
فهل ترى أيّها الطالب النجاة : إنّ من
سمّى نفسه بإمرة المؤمنين ، أو سمّاه عمر وأبو عبيدة ، مثل من سمّاه الله تعالى
وجبرئيل ومحمّـد صلّى الله عليهما ؟!
وروينا عن عبـدالله بن بريدة ، قال : جمع رسول الله صلّى الله
عليه [ وآله ] وسلّم سبعة رهط وأنا ثامنهم فقال : « أنتم شهداء الله في الأرض
أبديتم أم كتمتم » ، ثمّ قال : « يا أبا بكر ! قم فسلّم على عليّ بإمرة المؤمنين »
، فقال أبو بكر : عن أمر الله وأمر رسوله ؟ قال : « نعم هو الذي أمرني » ، قال عليّ
: « اللّهمّ اشهد ».
____________
(1) المناقب
ـ لابن شهرآشوب ـ 3 | 67 ، اليقين ـ لابن طاووس ـ : 314 ، نهج الاِيمان : 466.
(361)
ثمّ
أمر عمر بن الخطّاب ، فقال : هذا رأي رأيته أو وحي نزل ؟ قال : « بل وحي نزل » ،
فقال : سمعاً وطاعة ، فقال عليّ : « اللّهمّ اشهد ».
ثمّ
قال للمقداد بن الأسـود ، فقام ولم يقل مثل مقالة الأوّلين ، فأتاه رضى الله عنه
فسلَّم عليه.
ثمّ قال لأبي ذرّ ، فسلَّم عليه.
ثمّ قال لحذيفة ، فقام فسلَّم عليه.
ثمّ أمرني ، فسلّمت عليه ، وأنا أصغر القوم سنّاً ، وأنا ثامنهم.
فلمّا قبض رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم وأنا
غائب ، فلمّا قدمت وجدت أبا بكر قد استخلف ، فدخلت عليه فقلت : يا أبا بكر ! أما
تحفظ سلّمنا على عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه بأمر رسول الله صلّى الله عليه [
وآله ] وسلّم بإمرة أمير المؤمنين ؟!
فقال : بلى.
فقلت : ما لك فعلت الذي فعلت ؟!
قال
: إنّ الله تعالى يحدث الأمر بعد الأمر ، ولم يكن الله تعالى ليجمع الخلافة
والنبوّة في أهل بيت (1) .
فانظر إلى هذا الكلام
الفاضح ؛ إذ جعل أبو بكر كون آل محمّـد أهل بيت النبوّة سبباً لتأخّرهم عن الخلافة
! إنّ في هذا وأمثاله لبلاغاً لمن آثر الآخرة ، واطّرح الحاضرة ، فلم يكن من أرباب
الصفقة الخاسـرة !
____________
(1) ورد
منسوباً إلى أبي حمزة الثمالي ، وفي بعض المصادر إلى بريدة ، وهناك تفاوت في ألفاظه
كما في : الأُصول الستّة عشر : 90 ، الخصال : 461 ـ 465 ، الأمالي ـ للشيخ المفيد ـ
: 18 ـ 19 ، اليقين : 206 ـ 207 ، التحصين : 537 ـ 538 ، المناقب ـ لابن شهرآشوب ـ
3 | 66.
(362)
وهو
: ما روي أنّ رسـول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم قال : « إنّ الله تعالى كتب
على ساق العرش قبل أن يخلق آدم : محمّـد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين ، فلمّا خلق
آدم عليه السلام رأى تلك الأسماء تتلألأ فقال : ياربّ من هؤلاء ؟
فقال : هم من ذرّيّتك ، آخر نبيّ من أولادك ، أكرم الخلق
علَيّ. فلمّا وقع منه ما وقع قال : بحقّ الخمسة إلاّ عفوت عنّي » (1)
.
وقد روينا عن النبيّ صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم أنّه
قال : « رأيت ليلة أُسري بي على ساق العرش مكتوب : لا إله إلاّ الله ، محمّـد رسول
الله ، أيّدته بعليّ ونصرته » (2) .
وهو : ما
روى ابن عبّـاس ، قال : نزل جبرئيل عليه السلام في بعض الحروب فناول عليّاً سفرجلة
، ففتقها فإذا في وسطها حريرة خضراء مكتوب عليها : « تحيّة الغالب الطالب على عليّ
بن أبي طالب » (3) .
____________
(1) ورد باختلاف في الألفاظ في : تفسير فرات الكوفي : 56 ـ 58 ح 16 ـ 15 ،
قصص الأنبياء ـ للراوندي ـ : 44 ح 10 ـ 11 ، فرائد السمطين 1 | 36.
(2) كفاية
الأثر : 118 وص 245 ، شرح الأخبار 1 | 210 ح 179 ، تاريخ بغداد 11 | 173 ح 5876 ،
شواهد التنزيل 1 | 224 ح 300.
(3) ورد هذا الحديث في المصادر بعنوان : « حديث
الأُترجة » ، وفيه اختلاف يسير في الألفاظ ، كما في : نوادر المعجزات : 86 ، نهج
الايمان : 634 ، دلائل الاِمامة :84 ـ 85 ح 22 ، المناقب ـ للخوارزمي ـ : 105 ـ 106
، المناقب ـ لابن شهرآشوبـ 2 | 262 ، الصراط المستقيم 1 | 244 ، كفاية الطالب : 78.
(363)
وهو
: ما رويناه عن أنس بن مالك : إنّ النبيّ صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم جاع جوعاً
شديداً فهبط عليه جبرئيل عليه السلام بلوزة خضراء من الجنّة ، فقال : افككها.
ففكّها فإذا فيها مكتوب : « بسم الله الرحمن الرحيم ، لا إله إلاّ الله ، محمّـد
رسول الله ، أيّدته بعليّ ونصرته به » (1) .
وهو : ما
روى سادات آل محمّـد عليهم السلام : إنّ رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم
ناول عليّاً تفّاحاً ، فسقط من يده وصار نصفين ، وخرج من وسطه مكتوب : « تحيّة من
الطالب الغالب لعليّ بن أبي طالب عليه السلام » (2) .
وهو : ما
روى ابن عبّـاس ؛ ، قال : بينا رسول الله صلّى الله عليه
____________
(1) نسب بعضهم هذا الحديث إلى ابن عبّـاس ؛ كما في العمدة ـ
لابن البطريق ـ : 381 ح 749 ، المناقب ـ لابن شهرآشوب ـ 2 | 262. ونسـبه الحسكاني
إلى أنس ابن مالك ؛ شواهد التنزيل 1 | 225 ح 301.
(2) نهج الاِيمان : 634 ،
الصراط المستقيم 1 | 244 ، المناقب ـ لابن شهرآشوب ـ 2 | 262 ، وأورده ابن شاذان في
كتابه المائة منقبة : 122 المنقبة الثانية والستّون ، باختلاف في اللفظ.
(364)
[ وآله ]
وسلّم يطوف بالكعبة إذ بدت رمّانة من الكعبة ، واخضرّ المسجد لحسن خضرتها ، فمدّ
رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم يده فتناولها ومضى رسول الله صلّى الله
عليه [ وآله ] وسلّم في طوافه ، فلمّا انقضى طوافه صلّى في المقام ركعتين ، ثمّ فلق
الرمّانة قسمين كأنّها قدّت ، فأكل النصف وأطعم عليّاً عليه السلام النصف ، فرنحت
أشداقهما لعذوبتها ، ثمّ التفت رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم إلى أصحابه
فقال : « إنّ هذا قطف من قطوف الجنّة ، ولا يأكله في الدنيا إلاّ نبيّ أو وصيّ نبيّ
، ولولا ذلك لأطعمناكم » (1) .
وهو : ما
رويناه بالاِسناد الموثوق به إلى أنس بن مالك ، قال : أُهدي لرسول الله صلّى الله
عليه [ وآله ] وسلّم بساط من خندف (2) فقال لي : « ياإنس ! ابسطه ».
فبسطته ، ثمّ قال لي : « ادع العشرة ». فدعوتهم ..
فلمّا
دخلوا أمرهم بالجلوس على البساط ، ثمّ دعا عليّاً فناجاه طويلاً ، ثمّ رجع فجلس على
البساط فقال : « يا ريح احملينا ». فحملتنا الريح ، فإذا البساط يدفّ بنا دفّاً
(3) ، ثمّ قال : « يا ريح ضعينا ». ثمّ قال : « تدرون في أي مكان أنتم
؟! ». قلنا : لا.
____________
(1) المناقب ـ
للكوفي ـ 1 | 548.
(2) ورد في بعض المصادر : « بَهَنْدَِف » ، بفتحتين ونون
ساكنة وبفتح الدال المهملة وكسرها ؛ قال صاحب معجم البلدان 1 | 516 : هي بليدة من
نواحي بغداد في آخر أعمال النهروان ، بين بادَرَيا وواسط ، وكانت تُعدُّ من أعمال
كَسكَر.
(3) الدف : تحريك الطائر جناحيه ؛لسان العرب 9 | 104 مادّة « دفف ».
(365)
قال :
« هذا موضع أصحاب الكهف والرقيم ، قوموا فسلّموا على أصحابكم
».
فقمنا رجـل رجـل فسـلّمنا عليـهم فلم يـردّوا علينا ،
فقام عليّ بن أبي طالب عليه السلام فقال : « السلام عليكم معاشر الصدّيقين والشهداء
».
فقالوا : وعليك السلام ورحمة الله وبركاته.
قال : فقلت : ما لهم ردّوا عليك ولم يردّوا علينا ؟!
فقال لهم : « ما بالكم لا تردّوا على إخواني ؟! ».
فقالوا : إنّا معاشر الصدّيقين لا نكلّم بعد الموت إلاّ
نبيّاً أو وصيّاً.
ثمّ قال : « يا ريح احملينا ». فحملتنا
تدفّ بنا دفّاً ، ثمّ قال : « يا ريح ضعينا ». فوضعتنا فإذا نحن بالحرّة ، فقال
عليّ : « ندرك النبيّ في آخر ركعة » ، فطوينا وأتيناه ، وإذا النبيّ صلّى الله عليه
[ وآله ] وسلّم يقرأ في آخر ركعة : (أم حسبت أنّ أصحاب
الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجباً) (1)
(2) .
وهو : ما روي أنّ عليّ بن أبي طالب
صلوات الله عليه أقبل إلى النبيّ صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم وعنده جبريل ، فقال
جبريل عليه السلام : يا محمّـد ! هذا عليّ قد جاء يمشي الهوينا ، وهو إمام الهدى ،
وقائد البررة ، وقاتل
____________
(1) سورة
الكهف 18 : 9.
(2) المناقب ـ للكوفي ـ 1 | 552 ح 491 ، المناقب ـ للمغازلي ـ :
232 ح 280 ، العمدة ـ لابن البطريق ـ : 372 ح 732 ، نهج الاِيمان : 214 ، سعد
السعود : 227 ، الطرائف ـ لابن طاووس ـ : 83 ح 116.
(366)
الفجـرة ،
والمتكلّم بالعـدل والتوحـيد ، والنافي عن الله الجور ، يا محمّـد ! إنّ ملائكة
عليّ يفتخرون على سائر الملائكة أنّهم ما كتبوا على عليّ كذباً قط (1)
..
وفي رواية أُخرى : إنّ حافظي عليّ يفتخران على سائر
الحفظة ، وذلك أنّهما لم يصعدا إلى الله بشيء يسخطه (2) .
وهو :
ما روت أسماء بنت عميس ، قالت : كان رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم يوحى
إليه ورأسه في حجر عليّ عليه السلام ، فلم يصلّ العصر حتّى غربت الشمس ، فقال رسول
الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم : « إنّ عليّاً كان في طاعتك وطاعة رسولك فاردد
عليه الشمس ». فرأيتها غربت ثمّ رأيتها طلعت بعدما غربت (3)
..
وفي رواية : فقام عليّ فصلّى العصر ، فلمّا قضى صلاته
غابت الشمس ، فإذا النجوم مشتبكة (4) .
____________
(1) الأربعون حديثاً ـ لابن بابويه الرازي ـ : 61 الحديث 31.
(2) العمدة ـ لابن البطريق ـ : 360 ح 699 ـ 700 ، المناقب ـ للمغازلي ـ : 127
ح168 ـ 169 ، المناقب ـ للخوارزمي ـ : 225 ـ 226 ، تاريخ بغداد 14 | 50 ح7391.
(3) نهج الاِيمان : 70 ، المناقب ـ للمغازلي ـ : 96 ح 140 ، مشكل الآثار 4|388
، التذكرة ـ لابن الجوزي ـ : 53 ، المناقب ـ لابن شهرآشوب ـ 2|353 ـ 354 ، مجمع
الزوائد 8 | 297 ، لسان الميزان 4 | 276 رقم 777 ، الخصائص الكبرى ـ للسيوطي ـ 2 |
82.
(4) العمدة ـ لابن البطريق ـ : 375 ، الطرائف : 84 ح 118 ، نهج الاِيمان :
71 ، المناقب ـ للمغازلي ـ : 98 ح 141.
(367)
فانظر
أيّها الطالب لنجاة نفسـه ، الخائف لما يلاقـيه في رمسـه ، إلى هذه الشواهد لأمير
المؤمنين عليه السلام ما أظهرها ، والدلائل ما أبهرها وأنـورها.
فلقد شهدت له عليه السلام على غيره بالكمال ، وحيازة مكارم
الحلال : شهادة رسـول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم بأنّه خليفته ووصيّه
والقائم بالأمر بعده ..
وشهادة أهل الكهف : بالوصية ..
وأمر رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم [ أصحابه ]
أن يسلّموا عليه بإمرة المؤمنين ..
(أفما) (1)
كان للمخالف في هذا معتصم شاف ، وملاذ كاف ؟!
بلى والله ،
وإنّما الدنيا ـ كما ورد في الأثر عن سـيّد البشر : ـ « حلوة خضـرة »
(2) .
ولله القائل :
لئن صبرت عن فتنة المال
أنفُسلَما صبرت عن فتنة النهي والأمر (3) ولنقتصر على هذا القدر من
النصوص الدالّة على إمامة أمير
____________
(1) في المخطوطة : « فما » ؛ وما أثبتناه هو الصحيح والمناسب.
(2)
الرسالة السعدية : 159 ، شرح الأخبار 1 | 318 ، ونسبه الكليني في الكافي 8 | 256 ح
368 إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، وكذلك البحراني في تحف العقول : 180.
(3)
قال أحمد المرتضى في كتابه شرح الأزهار 1 | 74 : إنّ هذا البيت قاله حسّان بن ثابت
، وذكره ضمن أبيات ثلاثة :
يقولون سعداً شقّت الجنّ بطنـه |
ألا ربّما حقّقــت أمرك بالغدرِ | |
ومــا ذنب سعدٌ أنّه بال قائماً |
ولكنّ سعداً لم يبايع أبا بكــرِ | |
لئن سلمت عن فتنة المال أنفُس |
لَما صبرت عن فتنة النهي والأمرِ |
ولكنّا بعد البحث والتنقيب في
ديوان حسّان وغيره لم نعثر على هذه الأبيات.
(368)
المؤمنين
عليه السلام وإن كانت أكثر من أن تحصى ؛ فقد روينا عن رسول الله صلّى الله عليه [
وآله ] وسلّم أنّه قال : « لو كانت البحار مداداً والغياض أقلاماً والاِنس كتّاباً
والجنّ حسّاباً ما أحصوا فضائل عليّ بن أبي طالب » (1) .
وإذا كان هذا قول الرسـول الزكيّ ، عليه صلوات الربّ العليّ
، فمن رام غير ذلك فقد رام شططاً.
[ * وأمّا إجماع العترة :
]
وأمّا دلالة إجماع أهل البيت : على إمامة أمير
المؤمنين صلوات الله عليه ، فنحن نتكلّم في ذلك في مكانين :
أحدهما : إنّ آل محمّـد : مجمعون على ذلك.
والثاني : إنّ إجماعهم حجّة واجبة الاتّباع.
أمّا أنّهم مجمعون على ذلك ، فذلك أظهر من أن يذكر ، وكلّ
أحد يعلمه ، المخالف والمؤالف ؛ فلا يحتاج إلى استشهاد.
وأمّا أنّ إجماعهم حجّة يجب اتّباعها ويحرم خلافها ، فالذي يدلّ على ذلك الكتاب
والسُـنّة.
أمّا الكتاب :
فقوله تعالى : (إنّما يريد
الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً) (2)
.
____________
(1) التفضيل ـ للكراجكي ـ : 40
، كشف الغمّة 1 | 112 ، الطرائف ـ لابن طاووس ـ : 138 ح 216 ، إرشاد القلوب ـ
للديلمي ـ 2 | 209 ، المناقب ـ للخوارزمي ـ : 2 ، فرائد السمطين 1 | 16 ، كفاية
الطالب : 251 ح 833.
(2) سورة الأحزاب 33 : 33.
(369)
ونحن
نتكلّم في أنّ المذكورين في هذه الآية هم : عليّ وفاطمة والحسن والحسين وأبناءهما :
، ثمّ نذكر وجه دلالتها على أنّ إجماعهم حجّـة.
أمّا أنّها
أُنـزلت فيهم دون غيرهـم ، فالذي يدلّ على ذلك : ما روت أُمّ سلمة رضي الله عنها ،
قالت : نزلت هذه الآية في بيتي : (إنّما يريد الله
ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً) ..
قالت : وفـي البيت سـبعة : جـبرئيل ومـيكائيل عليهما السلام
، ورسـول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ، وفاطمة وعليّ والحسن والحسين : ،
وأنا على باب البيت جالسة ، فقلت : يا رسول الله ! ألست من أهل البيت ؟!
قال : « إنّك على خير ، إنّك من أزواج النبيّ » صلّى الله
عليه [وآلهج وسلّم ، وما قال إنّي من أهل البيت (1) .
وفي بعض الأحاديث : « لستِ منهم وإنّك لعلى خير »
(2) .
وبالاِسناد عن عائشة ، وقد سألها سائل عن
عليّ عليه السلام ، فقالت : سألتني عن أحبّ الناس كان إلى رسول الله صلّى الله عليه
[ وآله ] وسلّم ، لقد رأيت عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً وقد جمع رسول الله صلّى
الله عليه
____________
(1) الخصال : 403 ح 113
باب السبعة ، شرح الأخبار 3 | 13 ح 945 ، تنبيه الغافلين : 151 ، خصائص الوحي
المبين : 102 ح 36 ، شواهد التنزيل 2 | 82 ح 757 ، تاريخ مدينة دمشق 14 | 145 ح
3455 ، الدرّ المنثور 6 | 604.
(2) لم نعثر على هذا النصّ في المصادر ، ولكن من
مفهوم بعض النصوص يستنتج ذلك ؛ فإنّه ورد في بعضها أنّ أُمّ سلمة قالت : قلت : يا
رسول الله ! ألست من أهل البيت ؟! قال : « أنت من أزواج رسول الله صلى الله عليه
وآله » ..
فإذاً من هذا الجواب نستنتج أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله قال
لها : لست من أهل البيت ، ولكنّك من أزواج النبيّ ؛ راجع : شواهد التنزيل 2 | 59 ح
706 ، خصائص الوحي المبين : 105 ح 44.
(370)
[ وآله ]
وسلّم ثوب عليهم ثمّ قال : « اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي وخاصّتي ، فأذهِب عنهم الرجس
وطهّرهم تطهيراً ».
قالت : فقلت : يا رسول الله! أنا من
أهلك ؟
قال : « تنحّي ، إنّك إلى خير » (1) .
وبالاِسناد عن إسماعيل بن عبـدالله بن جعفر الطيّار ، عن
أبيه ، قال : لمّا نظر رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم إلى الرحمة هابطة
من السماء قال : « من يدعو ؟ » ـ مرّتين ـ. قالت زينب : أنا يا رسول الله.
فقال : « ادعي لي عليّاً وفاطمة والحسن والحسين ».
قالت : فجعل حسناً عن يمينه ، وحسيناً عن شماله ، وعليّاً
وفاطمة تجاهه ، ثمّ غشّاهم كساءً خيبرياً ، ثمّ قال : « اللّهمّ إنّ لكلّ نبيّ
أهلاً ، وهؤلاء أهل بيتي ». فأنزل الله عزّ وجلّ : (إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم
تطهيراً).
فقالت زينب : يا رسول الله ! ألا
أدخل معكم ؟
فقال رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم
: « مكانك ، فإنّك على خير إن شاء الله » (2) .
وقـد روى هذا الحـديث كافّـة أهـل الكتب المرويّة ، وإنّما ذكرنا رواية نساء النبيّ
صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم على الخصوص لنقطع بذلك من يريد إدخال نساء النبيّ
صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم في جملة أهل
____________
(1) الطرائف : 127 ح 196 ، العمدة ـ لابن البطريق ـ : 39 ح
23 ، شواهد التنزيل 2 | 38 ح 684. وورد بتفاوت يسير في اللفظ ؛ فراجع : الصراط
المستقيم 1 | 186 ، خصائص الوحي المبين : 106 ح 48 ، تفسير الثعلبي 8 | 43.
(2)
العمدة ـ لابن البطريق ـ : 40 ح 24 ، الطرائف : 127 ح 197 ، شواهد التنزيل 2 | 32 ح
673 ـ 674.
(371)
البيت : واختصاصهنّ بالآية ؛ إذ لا شيء أقوى من
إقرار المرء على نفسـه ..
فثبت أنّ الآية نازلة في أهل البيت
: دون غيرهم.
وأمّا وجه دلالتها على أنّ إجماعهم
حجّة ، فهو : إنّ الله تعالى أخبر بإرادته إذهاب الرجس عنهم ، والرجس ها
هنا هو : رجس الذنوب ؛ وذلك معنى العصمة بشهادة الله تعالى وشهادة رسول الله صلّى
الله عليه [ وآله ] وسلّم ..
وما أراده سبحانه من فعل نفسه
فإنّه يقع لا محالة ؛ لأنّ إرادة العزم عليه تعالى محال ..
فمن قال بأنّ : إرادتـه فعلـه. فلا شكّ أنّه ما أراد إلاّ ما فعل ، ومن قال :
إرادتـه إرادة قصـد. فلا بُدّ أن يفعل ما قصـده ، وإلاّ كانت إرادته عزماً لا قصداً
، وذلك لا يجوز عليه تعالى.
وفي ذلك كون : إجماعهم حجّة
واجبة الاتّباع.
وأمّا دلالة
السُـنّة الشريفة :
فمنها : قوله صلّى الله عليه [
وآله ] وسلّم : « إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا من بعدي أبداً : كتاب
الله ، وعترتي أهل بيتي ، إنّ اللطيف الخبير نبّأني أنّهما لن يفترقا حتّى يردا
عليّ الحوض » (1) .
____________
(1) إنّ حديث الثقلين مروي بطرق مختلفة وأسانيد معتبرة حتّى بلغ درجة
التواتر ، بل هو من أشهر المتواترات.
ويعدّ من الأدلّة القوية والحجج الجلية
على خلافة وإمامة عليّ عليه السلام من بعد النبيّ صلى الله عليه وآله بلا فصل.
ولكن بعضهم حاول تحريف وتأويل هذا الحديث ، سائرين على نهج من تقدّمهم من
المروّجين والداعين إلى بني أُميّة وبني العبّـاس ؛ ظنّاً منهم أنّه يمكن القضاء
على أهل البيت : وعلى شيعتهم.
فحاول بعضهم بتأويل الحديث ، وآخر بتحريفه ،
وثالث بتكذيب رواته ، ولم يلتفتوا إلى صحاحهم ومصادرهم المعتبرة ، فإنّها مليئة
بفضائل أهل بيت العصمة والطهارة : ، وإكمالاً للفائدة سنورد نصّ ما ذكره ابن حجر في
صواعقه المحرقة بخصوص هذا الحديث وتصحيحه له.
قال في صفحة 224 : ومن ثمَّ صحّ
أنّه صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم قال : « إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن
تضلّوا : كتاب الله ، وعترتي ».
وقال في صفحة 231 ـ 232 : تنبيه : سمّى رسول
الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم القرآن وعترته ـ وهي بالمثنّاة الفوقية : الأهل
والنسل والرهط الأدنون ـ : ثقلين ؛ لأنّ الثقل : كلّ نفيس خطير مصون ، وهذان كذلك ؛
إذ كلّ منهما معدن للعلوم اللدنية ، والأسرار والحِكَم العليّة ، والأحكام الشرعيّة
، ولذا حثَّ صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم على الاقتداء والتمسّك بهم والتعلّم
منهم ، وقال : « الحمد لله الذي جعل فينا الحكمة أهل البيت ».
وقيل : سمّيا
ثقلين ؛ لثقل وجوب رعاية حقوقهما.
ثمّ الّذين وقع الحثّ عليهم منهم إنّما هم
العارفون بكتاب الله وسُـنّة رسوله ؛ إذ هم الّذين لا يفارقون الكتاب إلى الحوض ،
ويؤيّده : « ولا تُعَلّموهم فإنّهم أعلم منكم ».
وتميّزوا بذلك عن بقيّة
العلماء ؛ لأنّ الله أذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ، وشرّفهم بالكرامات الباهرة
، والمزايا المتكاثرة ، وقد مرّ بعضها ، وسيأتي الخبر الذي في قريش : وتعلّموا منهم
فإنّهم أعلم منكم. فإذا ثبت هذا العموم لقريش فأهل البيت أوْلى منهم بذلك ؛ لأنّهم
امتازوا عنهم بخصوصيات لا يشاركهم فيها بقيّة قريش.
وفي أحاديث الحثّ على
التمسّك بأهل البيت إشارة إلى عدم انقطاع متأهّل منهم للتمسّك به إلى يوم القيامة ،
كما أنّ الكتاب العزيز كذلك ؛ ولهذا كانوا أماناً لأهل الأرض.
ثمّ يقول ابن حجر
: ثمّ أحقّ منْ يُتمسّك به منهم إمامهم وعالمهم عليّ بن أبيطالب كرّم الله وجهه ؛
لِما قدّمناه من مزيد علمه ، ودقائق مستنبطاته ، ومن ثمّ قال أبو بكر : عليّ عترة
رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم. أي : الّذين حثّ على التمسّك بهم. فخصّـه
؛ لِما قلنا ، وكذلك خصّـه صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم بما مرّ يوم غدير خمّ .
انتهى كلام ابن حجر.
فإذاً مهما أراد هؤلاء من محاولات التأويل والتحريف لهذا
الحديث أو لغيره لم يفلحوا ، كما قال الله جلّ جلاله في كتابه الكريم :
(يريدون أن يطفؤوا نور الله بافواههم ويأبى الله ألا أن يتمّ
نوره ولو كره الكافرون).
إذاً فدلالة الحديث واضحة وصريحة على
وجوب التمسّك بالثقلين و عدم مخالفتهم ، وكذلك على أنّ المتخلّف عنهما ضال وغير
مهتدي ، وأيضاً على عصمة أهل البيت عليهم السلام ؛ لأنّهما عدلٌ للكتاب ، وكذلك
لأنّ الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم أمر باتّباعهما مطلقاً ، فإذا لم يكونا
معصومين لَما أمر رسول الله صلّى الله عليه وآلأه وسلّم بمتابعتهما ، وأوجب التمسّك
بهما ؛ فإذاً الخلافة والإمامة يجب ان تكون لهم بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله
وسلّم بلا فصل.
أما المصادر التي ذكرت هذا الحديث فهي كما ذكرنا اَنفاً أنّها
متواترة وكثيرة جّاً ، وورد فيها بألفاظ مختلفة ، وإليك بعضها :
اصول الكافي 2
/ 415 ، كمال الدين ـ للشيخ الصدوق ـ : 237 ح 54 ، كشف المغمّة 1 / 50 ، العمدة ـ
لابن البطريق ـ : 68 ح 81 ـ 89 ، سنن الدارمي 2 / 431 ـ 432 ، مسند أحمد 3 / 17 ،
فضائل الصحابة 2 / 585 ح 990 ، سنن الترمذي 5 / 663 ح 3788 ، المستدرك على الصحيحين
ـ للحاكم ـ 3 / 109 ، حلية الأولياء 1 / 355 ح 57 حذيفة بن أسيد ، تاريخ بغداد 8 /
442 ح 4551 ، المناقب ـ للمغازلي ـ : 234 ح 281 ـ 284 .
(372)
(373)
ونحن
نتكلّم في صحّة هذا الحديث ، ثمّ نذكر وجه دلالته ..
أمّا صحّـته :
فاعلم أنّ هذا الحديث متّفق
عليه بين جماعة الأُمّة إلى أن ينتهي إلى الصدر الأوّل ، ورواه من الصحابة من يحصل
بخبره العلم ؛ فقد رواه : أمير المؤمنين عليه السلام ، وابن عبّـاس ، وزيد بن أرقم
، وزيد بن ثابت ، وأبو سعيد
(374)
الخدريّ ،
وعائشة ، وجابر بن عبـد الله الأنصاري ، وحذيفة بن أُسيد ، وأبوذرّ الغفاري ، رضي
الله عنهم (1) ..
ولو لم يروه إلاّ أمير المؤمنين
عليه السلام وتواتر عنه لكان معلوماً ؛ لأنّه مقطوع على عصمته ، وكذلك أبو ذرّ رضى
الله عنه معصوم عندنا في باب الاِخبار ؛ لقول النبيّ صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم
: « ما أقلّت الغبراء ولا أظلّت الخضراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذرّ »
(2) ؛ فدلّ ذلك على صحّة هذا الحديث.
وأمّا وجه دلالته :
ففي ذلك مسالك :
منها : قوله صلّى الله عليه [ وآله ]
وسلّم مخاطباً أُمّته : « إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا ». فأبان بذلك
موضع الاستخلاف في عترته ، حتّى لا يقصد منه صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم بعد
التمسّك بهم والاتّباع لهم إلاّ وجهه.
____________
(1) ورواه غيرهم من الصحابة : الاِمام الحسن بن علي عليه السلام ، سلمان
الفارسي ، أبوالهيثم بن التيهان ، حذيفة بن اليمان ، خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين ،
أبوهريرة ، عبـدالله بن حنطب ، جبير بن مُطعِم ، البرّاء بن عازب ، أنس بن مالك ،
طلحة بن عبـدالله التيمي ، عبـدالرحمن بن عوف ، سعد بن أبي وقّاص ، أبو قدامة
الأنصاري ، أُمّ سلمة ، أُمّ هاني ، وغيرهم كثير ؛ راجع في ذلك : مجمع الزوائد ـ
للهيثمي ـ 9 | 163 ، الدرّ المنثور ـ للسيوطي ـ 2 | 285.
(2) المناقب ـ للكوفي
ـ 1 | 350 ح 276 ، كمال الدين : 60 ، علل الشرائع : 177 ح 2 باب 141 ، معاني
الأخبار : 179 ، كفاية الأثر : 71 ، روضة الواعظين : 283 ـ 284 ، مسند أحمد 5 | 197
، سنن الترمذي 5 | 669 ح 3801 ـ 3802 ، المستدرك على الصحيحين ـ للحاكم ـ 3 | 342.
(375)
ومنها : أنّه صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم شبّه العترة بالكتاب
، والكتاب حجّة ، فلا بُدّ أن يكون آل محمّـد : متى أجمعوا حجّة ؛ لتطابق المثال.
ومنها : إخباره صلّى الله عليه [ وآله ]
وسلّم أنّ عترته لا تفارق الكتاب حتّى اللقاء على الحوض ، والمراد بذلك : حكم
الكتاب ، فمعناه أنّ الكتاب والعترة (يمتان متاً) (1) واحداً ؛ لأنّهم
تراجمة كتاب الله وحفظة وحيه عن تمويه المموّهين وتأويل الجاهلين.
ومن أدلّة السُـنّة الشريفة على أنّ إجماع أهل
البيت حجّة : قوله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم : « مثل أهل بيتي فيكم
كسفينة نوح ، من ركبها نجا ، ومن تخلّف عنها غرق وهوى » (2) ، وفي بعض
الأخبار : « هلك » (3) .
وهذا الخبر ممّا ظهر
واشتهر ، وتلقّته الأُمّة بالقبول ، ولم ينكره أحد
____________
(1) لم تكن العبارة واضحة في النسخة.
(2) حديث السفينة
يعدّ من الأحاديث الصحيحة المستفيضة ، بل المتواترة ، ورواه جلّ الصحابة والتابعين
بألفاظ مختلفة ذات مضمون واحد.
وهذا الحديث يؤكّد لنا عدّة أُمور ، هي : إنّ
وجوب متابعة أهل البيت : مطلقة ، وإنّهم أفضل الخلق بعد النبيّ صلى الله عليه وآله
، وإنّ النجاة تكون في متابعتهم ، وإنّهم معصومون ، وإنّ المتخلّف عنهم ضالّ وهالك
لا محالة. وهناك دلالات أُخرى كثيرة.
أمّا مصادره فلا تحصى كثرة ، هذه بعضها :
المناقب ـ للكوفي ـ 2 | 146 ح 624 ، بصائـر الدرجات : 317 ، دعائـم الاِسلام 1 | 80
، العمـدة ـ لابن البطريق ـ : 358 ح 693 ـ 697 ، المعجم الكبير ـ للطبراني ـ 3 | 37
ح 2636 ، المستدرك على الصحيحين 2 | 343 ، تاريخ بغداد 12 | 91 ح 6507 ، المناقب ـ
للمغازلي ـ : 132 ح 173 ـ 176 ، الصواعق المحرقة : 234 ، كنز العمّال 12 | 95 ح
34151.
(3) المناقـب ـ للمغازلـي ـ : 132 ح 173 ، ميزان الاعتـدال 4 | 167 رقم
8728 ، الصواعق المحرقة : 234 ، كنز العمّال 12 | 94 ح 34144 ، إحياء المَيْت
بفضائل أهل البيت عليهم السلام : 47 ح 26 ، الجامع الصغير 1 | 373 ح 2442.
(376)
من رواة
الحديث ، بل رواه المخالف والمؤالف.
ووجه
دلالته ـ على أنّ إجماع أهل البيت حجّة ـ ظاهر من حيث حكمه صلّى الله عليه
[ وآله ] وسلّم ـ وهو لا ينطق عن الهوى (إن هو إلاّوحي
يوحـى) ـ بنجاة من تمسّك بآل محمّـد عليهم السلام ، والنجاة شائـعة
في ما يَقْفوهم فيه مشايعهم ومتابعهم من قول وعمل واعتقاد. ولَما حكم صلّى الله
عليه [ وآله ] وسلّم بغرق المتخلّف عنهم ، أو هلاكه على حسب الرواية ، مبيّناً بذلك
كونه عاصياً لربّه ، وضالاًّ عن منهاج دينه ..
وقد بالغ
صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم في بيان ذلك أشدّ المبالغة بتمثيل عترته : بسفينة
نوح صلّى الله عليه وسلّم ، وقد علمنا أنّه لم ينجُ من أُمّة نوح إلاّ من ركب في
السفينة ، وكذلك يهلك من أُمّة محمّـد صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم من لم يتمسّك
بعترته الطاهرة الأمينة ؛ وإلاّ كان تمثيل النبيّ صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم لا
معنى له.
ومن جملة الأدلّة على صحّة إجماع الآل
: قد ظهر واشتهر عنه صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ممّا يوجب إلينا الكيس
(1) والنعت البليغ لعترته أهل بيته : بكونهم ورّاث حكمته ، وخزنة علمه ،
وهداة أُمّته ، وأملاك الأمر ، وولاة الحلّ والعقد ، وأنّهم ـ على الحقيقة ـ السادة
وغيرهم المسود ، والمتَّبعون والناس أتباع ..
وجاء في ذلك
من الأخبار ما لا يحصـى باستقصاء :
فمـنها
: قوله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم : « أهل بيتي كباب حطّة في بني
إسرائيل ، من دخله غفر له » (2) ، و : « هم كالكهف لأصحاب
____________
(1) الكِيسُ : المعروف ؛ راجع :
المحيط في اللغة 6 | 298.
(2) بصائر الدرجات : 317 ، المعجم الصغير 2 | 22 ،
مجمع الزوائد 9 | 168 ، إحياء المَيْت بفضائل أهل البيت عليهم السلام : 48 ح 28 ،
الصواعق المحرقة : 234 ح 352.
(377)
الكهف »
(1) ، و : « هم باب السلم فادخلوا في السلم كافّة » (2) .
ومنها : ما ذكر الثعلبي في تفسير قوله
تعالى : (اهدنا الصراط المستقيم) ،
قال : قال مسلم بن حيّان : إنّ بريدة قال : صراط محمّـد وآله (3) .
ومنها : قوله صلّى الله عليه [ وآله ]
وسلّم : « أهل بيتي أمان لأهل الأرض ، كما أنّ النجوم أمان لأهل السماء ، فإذا ذهبت
النجوم من السماء أتى أهل السماء ما يوعدون ، وإذا ذهب أهل بيتي من الأرض أتى أهل
الأرض ما يوعدون » (4) ، وروي : « فإذا انقرضوا صبّ الله عليهم البلاء
صـبّاً » (5) .
ومنها : قوله
صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم : « أهل بيتي كالنجوم ، كلّما أفل نجم طلع نجم »
(6) .
____________
(1) المسترشـد :
406 ، تفسير العيّاشي 1 | 102 ح 300 ، الغيبة ـ للنعماني ـ : 44.
(2) تفسير
العيّاشي 1 | 102 ح 300 ، الغيبة ـ للنعماني ـ : 44.
(3) تفسير الثعلبي 1 | 120
، المناقب ـ لابن شهرآشوب ـ 3 | 89 ، شواهد التنزيل 1 | 57 ح 86.
(4) ورد
باختلاف في الألفاظ ـ والمعنى واحد ـ في : المناقب ـ للكوفي ـ 2 | 142 ح623 ، شرح
الأخبار 2 | 502 ح 888 ، الغارات ـ للثقفي ـ 2 | 852 ، كمال الدين : 205 ح 17 ـ 19
، الأمالي ـ للشيخ الطوسي ـ : 379 ح 812 ، ذخائر العقبى : 17 ، الصواعق المحرقة :
351.
(5) كتاب الأربعين ـ للشيرازي (ت 1098 هـ) ـ : 377 ؛ ولم أجد الحديث في
غيره.
(6) المناقب ـ لابن شهرآشوب ـ 4 | 193. وورد بلفظ : « غاب » بدل : « أفل
» ، مع زيادة : « إلى يوم القيامة » ؛ راجع : كمال الدين : 241 ، التحصين ـ لابن
طاووس ـ : 621 ، فرائد السمطين 2 | 244. وورد أيضاً بزيادة : « إنّهم أئمّة هداة
مهديّون » ؛ راجع : الغيبة ـ للنعماني ـ : 84 ، الفضائل ـ لابن شاذان ـ : 134.
(378)
ومنها : قوله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم : « اللّهمّ اجعل
العلم في عقبي وعقب عقبي ، وفي زرعي وزرع زرعي » (1) ، وقوله عليه
السلام : « قدِّموهم ولا تَقَدَّموهم ، وتعلَّموا منهم ولا تعلِّموهم ، ولا
تخالفوهم فتضلّوا ، ولاتشتموهم فتكفروا » (2) .
ومنها : قوله عليه السلام : « إنّ [ لله ] عند كلّ بدعة تكون من
بعدي يُكاد بها الاِسلام وليّاً من أهل بيتي موكّلاً ، يعلن الحقّ وينوّره ، ويردّ
كيد الكائدين ، فاعتبروا يا أُولي الأبصار ، وتوكّلوا على الله » (3) ..
(على الله توكّلنا ربّنا لا
تجعلنا فتنة للقوم الظالمين * ونجّنا برحمتك من القوم الكافرين)
(4) .
وقوله عليه السلام : « في كلّ خلف من أهل
بيتي عدول ينفون عن هذا الدين تحريف الغالين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين
، ألا إنّ أئمّتكم وفدكم إلى الله ، فانظروا بمن تفدون في دينكم » (5) .
وهـذه الأخـبار وإن لـم تتـواتر لفظاً فـقد تواترت معنىً ؛
لأنّها تواردت مطابقة على معنىً واحد من مخبرين شتّى ، فلو جاز أن تجمع
____________
(1) كفاية الأثر : 138 وص 165.
(2) ورد مؤدّاه في : المعجم الكبير ـ للطبراني ـ 5 | 166 ح 4971 ، مجمع الزوائد
9 | 164 ، الصواعق المحرقة : 230.
(3) ورد الحديث بهذه الصورة : « إنّ لله عند
كلّ بدعة تكون بعدي يُكاد بها الاِيمان وليّاً من أهل بيتي موكّلاً به يذبّ عنه ،
ينطق بإلهام من الله ، ويعلن الحقّ وينوّره ، ويردّ كيد الكائدين ، ويعبّر عن
الضعفاء ، فاعتبروا يا أُولي الأبصار ، وتوكّلوا على الله » ؛ راجع : المحاسن 1 |
329 ح 669 ، الكافي 1 | 54 ح 5 باب البدع والرأي والمقاييس.
(4) سورة يونس 10 :
85 و86.
(5) مرّت تخريجاته في ص 323.
(379)
آل محمّـد
: على ضلالة لَما حسن منه صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم أن يغوينا باتّباع مناهجهم
؛ لأنّ ذلك تغرير وتلبيس ، وهو صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم منزّه عن ذلك.
ومن جملة ما يستدلّ به على أنّ إجماع أهل البيت
حجّة : ما قد ثبت أنّ المعلوم ضرورة من دين النبيّ صلّى الله عليه [ وآله
] وسلّم وجوب تعظيم أهل بيته عليهم السلام ؛ لمكانتهم منه ، ولزوم توقيرهم ، وفرض
مودّتهم ، وهذا ظاهر لا يحتاج إلى دليل ، ولله القائل :
وكيف يصحّ في الاِفهام شيء |
إذا احتاج النهار إلى دليل (1) |
لكنّنا نذكر من الأحاديث التي وردت في هذا المعنى
طرفاً على وجه الاستظهار ..
فمنها : ما
روي مشهوراً أنّه لمّا نزلت آية المودّة وهي قوله تعالى : (قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودّة في القربى ) ،
قالوا : يا رسول الله ! مَن قرابتك الّذين (2) وجب علينا مودّتهم ؟
قال : « عليّ وفاطمة وأبناؤهما » (3) عليهم
السلام.
وهذا التفسير قد رواه كافّة أهل الكتب المشهورة في
الأخبار من مؤالف ومخالف.
ومنها : ما روى
الثعلبي في تفسير قوله تعالى : ( ومن يقترف
حسنة
____________
(1) ذكره
الأربلي في كشف الغمّة 1 | 6 بلفظ : « وليس يصحّ » ؛ ولم نعرف قائله.
(2) في
المخطوطة : الذي ؛ وما أثبتناه من المصادر.
(3) العمدة ـ لابن البطريق ـ : 47 ،
الطرائف : 112 ح 167 ، فضائل الصحابة 2 | 669 ح 1141 ، تفسير الثعلبي 8 | 310 ،
شواهد التنزيل 2 | 30 ح 822 ـ 827 ، تفسير الرازي 27 | 166 ، البحر المحيط ـ لأبي
حيّان ـ 7 | 516 ، تفسير ابن كثير 4 | 122 ، فرائد السمطين 2 | 13 ، الدرّ المنثور
7 | 348 ، مجمع الزوائد 9 | 168.
(380)
نزد له فيها حسناً) (1) ، قال :
المودّة لآل محمّـد صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم (2)
.
ومنها : قوله صلّى الله عليه [ وآله ]
وسلّم : لو أنّ عبداً عبد الله سبحانه بين الركن والمقام ألف عام ثمّ ألف عام ولم
يقل بحبّ أهل البيت أكبّه الله على منخريه في النار » (3) ، [ و : ] «
لا يؤمن أحد حتّى أكون أحبّ إليه من نفسه ، وتكون عترتي أحبّ إليه من عترته ، ويكون
أهل بيتي أحبّ إليه من أهل بيته ، وتكون ذاتي أحبّ إليه من ذاته » (4)
.
ومنها : قوله عليه السلام : أنا وأهل
بيتي شجرة في الجنّة وأغصانها في الدنيا ، (فمن شاء
اتّخذ إلى ربّه سبيلاً) (5) » (6)
.
ومنها : قوله عليه السلام : « من أحبّ أن
يحيى حياتي ويموت ميتتي ، ويدخل الجنّة التي وعدني ربّي ، فليتولّ عليّ بن أبي طالب
وورثته الطاهرين ، أئمّة الهدى ومصابيح الدجى من بعده ، فإنّهم لن يخرجوكم من باب
الهدى إلى باب الضلالة » (7) ..
____________
(1) سورة الشورى 42 : 23.
(2) تفسير الثعلبي 8 | 314 ،
وكذلك ذكر هذا القول : ابن البطريق في العمدة : 55 ح3 ، وابن الصبّاغ في الفصول
المهمّة : 29 ، والسمهودي في جواهر العقدين 1 | 213 ، والزمخشري في الكشّاف 3 |
468.
(3) نهج الاِيمان : 451 ، الصراط المستقيم 2 | 49 ، المناقب ـ لابن
شهرآشوب ـ 3 | 230. وورد بتفاوت في الألفاظ في : كشف الغمّة 1 | 92 ، اليقين ـ لابن
طاووس ـ : 150 ، تاريخ بغداد 13 | 122 ح 7106 ، تاريخ مدينة دمشق 42 | 328 ح 8888.
(4) المناقب ـ للكوفي ـ 2 | 134 ح 619 ، الأمالي ـ للشيخ الصدوق ـ : 414 ح 542
، جواهر العقدين 1 | 228.
(5) سورة المزّمل 73 : 19 ، وسورة الاِنسان 76 : 29.
(6) ذخائر العقبى : 16 ، جواهر العقدين 1 | 91 ، الصواعق المحرقة : 231.
(7) ورد بزيادة في ألفاظه في : بصائر الدرجات : 68 ـ 72 ، المناقب ـ للكوفي ـ 1
| 426 ح 332 ، أُصول الكافي 1 | 209 ، حلية الأولياء : 209 ، المستدرك على الصحيحين
ـ للحاكم ـ 3 | 128 ، المناقب ـ للخوارزمي ـ : 34 ، كنز العمّال 11 | 611 ح 32960 ،
مجمع الزوائد 9 | 108.
(381)
وفي رواية
: « فهم الأولياء الأئمّة من بعدي ، أعطاهم الله علمي وفهمي ، وهم عترتي من لحمي
ودمي ، إلى الله عزّ وجلّ أشكو من ظالمهم من أُمّتي ، لا أنالهم الله عزّ وجلّ
شفاعتي » (1) .
ومنها : قوله
عليه السلام : « إنّ الله فرض فرائض ، ففرضها في حال وحقّقها في حال من الأحوال »
(2) .
ومنها : قوله عليه
السلام : « حُرّمت الجنّة على من ظلم أهل بيتي وقاتلهم ، وعلى المعين عليهم ،
(أُولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلّمهم الله ولا
ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكّيهم ولهم عذاب أليم)
(3) » (4) .
____________
(1) الموجود في المصادر هكذا : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : « من
أراد أن يحيى حياتي ويموت ميتتي ، ويدخل جنّة عدنٍ غرسها ربي بيده ، فليتولَّ
عليّاً عليه السلام وليعادِ عدوّه ، وليأتمّ بالأوصياء من بعده ، أعطاهم الله علمي
وفهمي ، وهم عترتي من لحمي ودمي ، إلى الله أشكو من أُمّتي المنكرين لفضلهم ،
القاطعين فيهم صلتي ، وأيْمُ الله لَيَقتُلُنّ ابني بعدي الحسين عليه السلام ، لا
أنالهم الله شفاعتي » ؛ راجع : بصائر الدرجات : 68 ، الاِمامة والتبصرة : 172 ح 24
، الأمالي ـ للشيخ الصدوق ـ : 88 ح 60 ، أُصول الكافي 1 | 209.
(2) لم نجده
بهذه الصيغة ، بل وجدناه بصيغةٍ أُخرى منسوباً إلى الاِمام أبو جعفر عليه السلام ،
قال : فإنّ الله عزّ وجلّ أحلّ حلالاً وحرّم حراماً ، وفرض فرائض ، وضرب أمثالاً ،
وسنّ سُنناً ، ولم يجعل الاِمام القائم بأمره شبهة في ما فرض له من الطاعة أن يسبقه
بأمـرٍ قبل محلّه ، أو يجاهد فيه قبل حلوله ، وقد قال الله عزّ وجلّ في الصيد :
( ولا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ) ،
أفقتل الصيد أعظم أم قتل النفس التي حرّم الله ؟! وجعل لكلّ شيءٍ محلاًّ ، وقال
الله عزّ وجلّ : ( وإذ حللتم فاصطادوا
) ... إلى آخره ؛ راجع : أُصول الكافي 1 | 357.
(3) سورة آل
عمران 3 : 77.
(4) عيون أخبار الرضا عليه السلام 2 | 34 ح 65. وورد في كشف
الغمّة 1 | 389 بزيادة : « وعلى المعترض عليهم ، والسابّ لهم ... » ، وقريب منه ما
أورده المحبّ الطبري في ذخائر العقبى : 20.
(382)
ومنها : ما روي مشهوراً عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال :
« كنت آخذ البيعة لرسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم على السمع والطاعة في
العسر واليسر ، وأن يقيم ألسنتنا بالعدل ، وأن لا يأخذنا في الله لومة لائم ، فلمّا
ظهر الاِسلام وكثر أهله قالوا (1) : يا علي ! الحقّ فيها : على أن
تمنعوا رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم وعترته من بعده ما منعتم منه
أنفسكم وذراريكم » ..
قال علي عليه السلام : « فوضعها من الله على رقاب القوم ،
وفى بها من وفى وهلك بها من هلك » (2) .
فإذا وجبت محبّة آل محمّـد
: قطعاً ، وكان ذلك ديناً وشرعاً ، علمنا أنّ الحقّ لا يخرج من أيديهم ، وأنّهم لا
يجمعون على ضلالة إلى انقطاع التكليف.
وبعد ..
فإنّ الله
تعالى قد جعل الصلاة على آل محمّـد في الصلاة شرعاً وديناً ، وجعل ذلك ركناً من
أركان الصلاة ، والصلاة أعلى درجات الرحمة ، فلو جاز أن يجمعوا على ضلالة لَما
غمرهم ثوبها المسدول ، وشرفها المصون المبذول.
فانظر يا طالب
النجاة رحمك الله : ما أظهر الحجّة ، وأبْيَن المحجّة ،
____________
(1) في المخطوطة : « قال » ، وما أثبتناه من المصادر ؛ وهو
الصحيح.
(2) ورد بتفاوت يسير في الألفاظ في : أُصول الكافي 8 | 261 ح 374 ،
تنبيه الغافلين : 41.
(383)
لمن لم
يغلب حيرته ، ويعمي الجهل بصيرته.
اللّهمّ إنّا نسألك أن
تجعلنا من أتباعهم ؛ لنظفر بالسلامة ، ونفوز في القيامة ، يوم يدعى كلّ أُناس
بإمامهم (1) .
* * *
____________
(1) إشارة إلى الآية 71 من سورة الاِسراء : (يوم ندعو كلّ
أُناس بإمامهم).