مجلة تراثنا العدد 73 ـ 74


الكواكب الدرّيّة
في النصوص
على إمام خير البريّة

تأليف
السيّد صلاح بن أبراهيم بن أحمد الحسنى الزيدي

المتوفّى أوائل القرن الثامن الهجري

تحقيق
السيد شهيد الخطيب



(312)



(313)


مقـدّمة التحـقيق

بسـم الله الرحمن الرحـيم


    الحمد لله الّذي هدانا بلطفه للاِيمان ، وأوضح لنا سبل البرهان ، وعرّفنا دينه القويم وكتابه ، وما أنزله على نبيّه صلّى الله عليه وآله وسلّم ، والحمد لله الّذي جعلنا من المتمسّكين بولاية أمير المؤمنين ، وعترته الأنوار الباهرة الطاهرين ، صلوات الله عليهم أجمعين ، ورزقنا البراءة من أعدائهم بالحجج الدامغة إلى قيام يوم الدين.
   
   
أمّا بـعد ..
    فالشريعة الاِسلامية هي خاتمة لكلّ الشرائع السابقة ومهيمنة عليها ، وهي الرسالة الجامـعة لكلّ الرسالات السابقة؛ فقد أعادت البشرية إلى الهدى بعد الضلال ، وإلى النور بعد الظلام ، ووضّحت لهم المنهج التكاملي الصحيح وطريق السعادة الكبرى ، واجتثّت رواسب الشرك والوثنية من عقول الجاهلية التي كانت تلهث وراء عبادة الأصنام والأوثان من دون أي تدبّر وتفكّر في أنّها جمادات لا تغن ولا تسمن.
   


(314)


    فوقف صاحب هذه الرسالة الخاتمة أمام هؤلاء ليواجههم بأساليب جديدة للمعالجة ووسائل ناجحة ومتميّزة ، وإعدادهم لمقارعة تلك المفاهيم والتوجّهات الجاهلية ، فنجح في ذلك كلّه وأرسى دعائم الرسالة وقيمها السامية ، فارتقى بهم إلى مدارج الكمال وحوّلهم إلى خير أُمّة أُخرجت للناس فجعلهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ..
    وقبل أن يلتحق الرسول صلى الله عليه وآله بالرفيق الأعلى وضّح للأُمّة المنهج الذي تنتهجه بعده ، والخليفة المؤهّل الذي سيكون بعده صلى الله عليه وآله قائداً مقتدراً لهذه الأُمّة ليوصلها إلى شاطىَ النجاة ، ولم يتركها هملاً بدون هادٍ ومرشـد؛ إذ كان متيقّناً من وجود مَن سيخالفه ، من خلال ظهور بوادر هذا الخلاف في حياته صلى الله عليه وآله ..
    فهذا خالد بن الوليد أرسله داعياً لبني جذيمة ولم يرسله مقاتلاً ولكنّ خالد وضع السيف فيهم ليأخذ بثأر عمّه بن المغيرة عندما قتلوه في الجاهليّة ، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وآله عليّاً عليه السلام ليعطي الدية لهم.
    وهذا عمر بن الخطّاب يعترض على النبيّ صلى الله عليه وآله في صلح الحديبية ، كما خالف هو مع أبي بكر رسول الله صلى الله عليه وآله ولم يطيعاه عندما أمرهما بقتل الرجل المارق الذي كان يصلّي ، كما أنّهما هربا أكثر من مرّة من الزحف ، وخير مصداق لذلك هو تخلّفهما عن جيش أُسامة ، بل طعنوا حتّى في إمرته.
    وأبرز خلاف ظهر بشكل علني بين المسلمين هو قبيل رحيل الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله ، وهو الذي بدأه عمر بن الخطّاب حينما طلب النبيّ صلى الله عليه وآله من الحاضرين أن يأتوه بدواة وكتف ليكتب لهم كتاباً لن يضلّوا بعده أبداً ، فقال عمر : إنّ الرجل ليهجر حسبنا كتاب الله.
   


(315)


    صوافترق المسلمون فرقتين ، إحداهما امتثلت قول عمر ، والأُخرى قالت بوجوب تنفيذ طلبه صلى الله عليه آله ، فكثر اللغط والاختلاف حتّى قال صلى الله عليه وآله : « قوموا عنّي ، لا ينبغي التنازع عندي ».
    فخـرج ابن عبّـاس يقـول : إنّ الرزيّة كلّ الرزيّة ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وآله وبين كتابه (1) .
    وغير ذلك من المخالفات منهما ومن بعض الصحابة.
    لكن مع كلّ هذا نجد أنّه صلى الله عليه وآله كان واقفاً على خطورة الموقف ، وعظم مقام القيادة؛ إذ كان يعرِّف للأُمّة إمامها وقائدها والقائم بأعباء الخلافة والاِمامة من بعده حيناً بعد آخر ، وبأساليب متعدّدة مختلفة ..
    فتارة يشبّهه بهارون عليه السلام (2) .
    وأُخرى يجعله وأولاده : أحد الثقلين والعِدْل للقرآن (3) .
    وثالثة بأنّهم كسفينة نوح (4) .
    إلى غير ذلك من النصوص الجليّة والواضحة التي تؤكّد وتشير إلى حقيقة أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله لم يترك خلافة وإمامة الأُمّة سـدىً ، ولم يفوّضها إلى شورى الأُمّة ومفاوضاتها أو منافساتها ، أو إلى بيعة شخص معيّن ، بل عالجها في حياته بأنجح الطرق وأفضلها ، وبأحسن الأساليب ..
____________
(1) الطبقات ـ لابن سعد ـ 2 | 244 ، صحيح البخاري 1 | 39 كتاب العلم ـ باب 39 ، صحيح مسلم 3 | 1259 ، الملل والنحل ـ للشهرستاني ـ 1 | 22.
(2) المعجـم الكبير ـ للطبراني ـ 4 | 184 ح 4087 ، حلية الأولياء 7 | 196 ، المناقب ـ للمغازلي ـ : 27 ـ 37 ، تاريخ مدينة دمشق 42 | 100 ح 8448.
(3) مسند أحمد 3 | 14 ، المسترشد : 559 ، المستدرك على الصحيحين ـ للحاكم ـ 3 | 109 ، المناقب ـ للمغازلي ـ : 234.
(4) العمدة ـ لابن البطريق ـ : 358 ح 693 ـ 697 ، تاريخ بغداد 12 | 91 ، المستدرك على الصحيحين ـ للحاكم ـ 3 | 150 ، الصواعق المحرقة : 234.


(316)


فأوصى بها صلى الله عليه وآله بأمر الله عزّ وجلّ إلى الأئمّة الأطهار : من ولده ، الّذين هم حجج الله في أرضه وحكمهم كحكمه تعالى ، فوجبت طاعتهم بنصّ الكتاب العزيز : (
وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأُولي الأمر منكم) (1) ، وأوجب العمل بأوامرهم.
    ولقد استفاضت الأدلّة لاِثبات أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله لم يترك الأُمّة بدون هادٍ ومرشد من أوّل دعوته ، ابتداءً بحديث الدار أو إنذار العشيرة (2) ، وختاماً بآية الاِبلاغ وإكمال الدين (3) ، أو بحديث الدواة والكتف وكتابة الكتاب لهم (4) .
    وهذه الرسالة التي بين يدي القارىَ العزيز هي للسـيّد صلاح بن إبراهيم بن تاج الدين أحمد بن يحيى الحسني الزيدي ، يورد فيها بعض هذه الأدلّة المثبتة لاِمامة وخلافة عليٍّ صلى الله عليه وآله بعد رسول الله صلى الله عليه وآله بلا فصل ، ومن بعده الأئمّة الأطهار :.
   
المؤلّف في سـطور :
    هو السـيّد صلاح بن إبراهيم بن تاج الدين أحمد بن محمّد بن أحمد ابن يحيى بن يحيى الحسني الزيدي ، من علماء الزيديّة ..
____________
(1) سورة النساء 4 : 59.
(2) الأمالي ـ للشيخ الصدوق ـ : 341 ح 408 ، مسند أحمد 1 | 111 ، تفسير الطبري 19 | 74 ، شواهد التنزيل 1 | 420 ، تاريخ مدينة دمشق 42 | 48 ح 8381 ، كفاية الطالب : 204.
(3) سورة المائدة 5 : 3 و67؛ وراجع تفسير هاتين الآيتين ، وكذلك الكتب التي تروي واقعة الغدير في يوم حجّة الوداع.
(4) صحيح البخاري 1 | 39 باب كتابة الصلح ، الملل والنحل ـ للشهرستاني ـ 1 | 22 ، تذكرة الخواصّ : 65 ، الطبقات ـ لابن سعد ـ 2 | 244.


(317)


    ذكر محمّـد بن زبارة الحسني اليمني في كتابه المسمّى :
ملحق البدر الطالع من بعد القرن السابع قائلاً : إنّ صلاح بن إبراهيم بن تاج الدين بن يحيى الحسني روى عن : الاِمام المتوكّل على الله المطهّر بن يحيى ، والقاضي ابن يحيى صاحب شعلل ، والأمير الهادي بن تاج الدين ، والسـيّد علي بن المرتضى ... وغيرهم.
    وكان علاّمة كبيراً ، ونحريراً خطيراً ، وله رسائل ومسائل ، وهو متمّم شفاء الأمير الحسين بن محمّـد ، وسكن الشرف الأعلى ، وقد أثنى عليه الاِمام المهدي محمّـد بن المهدي في رسالة له سنة 702 ، ومات صاحب الترجمة في أوّل القرن الثامن رحمه الله تعالى (1) .

   
أقـول :
    لا بأس بالوقوف هُنيهة للتنبيه على مسألة مهمّة جدّاً ، وهي : توضيح الفرق بين الزيدية والشهيد زيد بن علي عليه السلام.
    الشيعة الاثنا عشرية ترى وتعتقد في زيد غير ما تعتقد به الزيدية ، فالزيـدية تعتقد : إنّ كلّ مَن قام بالسـيف من ذرّية عليّ عليه السلام فهو إمام مفترض الطاعة ، وعلى هذا سيكون زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب : هو الاِمام من بعد أبيه ؛ لأنّه نهض بالسيف وقاتل واستُشهد عليه السلام.
    أمّا نحن فنعتقد أنّ زيداً نهض بالسيف ليؤدّي واجبه الشرعي في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والطلب بدم جدّه الاِمام الحسين عليه السلام ، فقتل شهيداً مظلوماً ، ولم يدّعي الاِمامة لنفسه بل كان أعرف الناس بمقام
____________
(1) البدر الطالع ـ للشوكاني ـ (ملحق البدر الطالع 2) : 103 ح 178.


(318)


أخيه الاِمام الباقر وعمّه الاِمام الصادق عليه السلام.
    وقد ذكر الشيخ المفـيد ذلك في كتابه
الاِرشاد قائلاً : وكان زيد بن علي بن الحسين عين إخوته بعد أبي جعفر عليه السلام وأفضلهم ، وكان عابداً ورعاً فقيهاً سخيّاً شجاعاً ، وظهر بالسيف يأمر بالمعروف وينهى عن المـنكر ، ويطالب بثارات الحسـين عليه السلام ، واعتقد فيه كثير من الشيعة الاِمامـة ، وكان سـبب اعتقادهـم ذلك فـيه خروجـه بالسـيف يدعو إلى الرضا مـن آل محمّـد فظنّـوه يريـد بذلك نفسه ، ولم يكن يُريدُها به لمعرفـته عليه السلام باستحـقاق أخيه للاِمامـة من قبله ، ووصـيّته عند وفاته إلى أبي عبـد الله عليه السلام (1) .

النسـخة المخطوطة المعتمدة في التحقيق :
    في بداية عملي اعتمدت النسخة التي استنسخها السـيّد حسين الحسيني الشيرازي ، في الثالث عشر من شهر شوّال المكرّم لسنة ألف وأربعمائة وخمس هجرية ، المحفوظة في مكتبة مركز إحياء التراث الاِسلامي في مدينة قم المقدّسة ، برقم 476.
    ثمّ لاحظت فيها ـ أثناء العمل ـ بعض الأخطاء ، ووجدت بياضات بدل بعض الكلمات التي لم تستنسـخ ، فرجعت إلى النسخة المخطوطة نفسها ، المحفوظة في مكتبة السـيّد شهاب الدين المرعشي النجفي العامّة في مدينة قم ، برقم 840 ..
    وهي مصوّرة لنسخة محفوظة في مكتبة الجامع الكبير في صنعاء باليمن ، برقم 2 | 722 فهرست مخطوطات الجامع الكبير.
____________
(1) الاِرشاد ـ للشيخ المفيد ـ 2 | 171 وص 172.


(319)


    تقع في 24 صفحة ، تبدأ من صفحة 176 ـ 199 ، وكلّ صفحة تحتوي على 19 سطراً.
    وفي هذه النسخة المصوّرة واجهت بعض الصعوبات أيضاً ؛ لوجود كثرة السواد وعدم التنقيط في الأغلب ، ولكن بعد التوكّل على الله تعالى والرجوع إلى المصادر التي في متناول أيدينا تغلّبت على كثير منها.

 
منهجية التحقيـق :
    1 ـ تقطيع النصّ وتقويمه.
    2 ـ تخريج الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة.
    3 ـ توضيح وشرح بعض النصوص.
    4 ـ توضيح بعض المفردات اللغوية.
    5 ـ ما أضفناه للضرورة جعلناه بين معقوفين.

السـيّد شـهيد الخطيب
20 محرّم الحرام سنة 1424 هـ





(320)



صـورة الصفحة الأُولى من المخطوطة


(321)



صـورة الصفحة الأخيرة من المخطوطة



(322)

الكواكب الدُرّيـة
في النصوص على إمامة خير البريّة
وذكر نجاة أتباع الذُرّية


    ممّا ولي تأليفه : الأمير المعظّم الكبير ، علم العترة النبويّة ، وتاج الذرّية العلويّة ، صلاح الدنيا والدين ، محيي علوم آبائه الأكرمين :

صلاح ابن أمير المؤمنين إبراهيم بن
أحمد بن محمّـد بن غني بن يحيى ابن
الهادي إلـى الحقّ ابن رسول الله
صلّى الله عليه وعليهم أجمعين.



(323)


بسـم الله الرحمن الرحـيم
ربّ أعن


    الحمد لله الذي اختار آل محمّـد عليهم السلام على علمٍ على العالمين ، وافترض مودّتهم على كافّة خلقه أجمعين ، وجعلهم الولاة على عباده إلى يوم الدين ، وقمع بسطوتهم عُتاة الجبابرة المتمرّدين ، وأطفأ بهم نيران شبهات المموّهين ، وفي ذلك ممّا يقول الرسول الأمين صلّى الله عليه وعلى أهل بيته الطيّبين : « في كلّ خلف من أهل بيتي عدول ينفون عن هذا الدين تحريف الغالين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين » (1) .

   
أمّا بـعد ..
    فإنّها ظهرت مقالة من بعض من ينتمي إلى العلم ، ويدّعي بزعمه أنّه من أُولي الفهم ، وهي :
    إنكار النصّ على أمير المؤمنين وسـيّد الوصيّين عليه صلوات ربّ العالمين.
____________
(1) ورد الحديث في المصادر بزيادة : « ألا إنّ أئمّتكم وفدكم إلى الله ، فانظروا بمن تفدون في دينكم » ، وسيأتي ذكر هذا الخبر مع هذه الزيادة في ص 378.
راجع هذه المصادر : كمال الدين ـ للشيخ الصدوق ـ : 221 ح 7 ، قرب الاِسناد : 77 ح 250 ، تنبيه الغافلين ـ للبيهقي ـ : 152 ح 63 ، ذخائر العقبى : 17 ، جواهر العقدين 1 ـ ق 2 ـ | 91 ، الصواعق المحرقة : 231.


(324)


    فلمّا بلغ ذلك إليّ اعتقدت وجوب الردّ عليه ، وتصويب أسـنّة الطعن والتشنيع إليه ؛ لكون ذلك بدعة يجب إنكارها ، ومقالة يقبح إظهارها ، ولِما روي عن النبيّ صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم أنّه قال : « من انتهر صاحب بدعة ملأ الله قلبه أمناً وإيماناً » (1) .
    وقصدت بذلك الخروج عن عهدة ما يجب من حقّ أمير المؤمنين عليه السلام ، والتعرّض لِما ورد في الأثر عن سـيّد البشر وهو قوله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم : « إنّ الله تعالى جعل لأخي عليّ فضائل لا تحصى كثرةً ، فمن ذكر فضيلة من فضائله غفر الله له ما تقدّم من ذنبه ، ومن كتب فضيلة من فضائله لم تزل الملائكة تستغفر له ما بقي لتلك الكتابة رسم ، ومن استمع إلى فضيلة من فضائله غفر الله له الذنوب التي اكتسبها بالاستماع ، ومن نظر إلى كتاب من فضائله غفر الله له الذنوب التي اكتسبها بالنظر » ..
    ثمّ قال : « النظر إلى عليّ بن أبي طالب عبادة ، وذكره عبادة ، ولا يقبل الله إيمان عبد إلاّ بولايته والبراءة من أعدائه » (2) .
    ولمّا كان أهل هذه البدعة ينتمون إلى العلم والزهادة ، ويتحلّون في ظاهر أمرهم بالعبادة ، فبُثَّت بدعتهم ، وقُبِلَت شبهتهم ، وكثر اغترار الجاهل بهم ، وذلك مصداق ما قاله أمير المؤمنين ، عليه سلام ربِّ العالمين : « قطع ظهري اثنان : عالم فاسـق يصـدّ الناس عن علمه بفسـقه ، وذو بدعة ناسك
____________
(1) مسند الشهاب 1 | 318 ح 537. وورد بتفاوت يسير في الألفاظ في : تاريخ بغداد 10 | 264 ، حلية الأولياء 8 | 200 ، تاريخ مدينة دمشق 54 | 199 ح 11447 ، كنز العمّال 3 | 82 ح 5598.
(2) الأمالي ـ للشيخ الصدوق ـ : 201 ح 216 ، المناقب ـ للخوارزمي ـ : 2 ، كفاية الطالب : 252 ، فرائد السمطين 1 | 19.


(325)


يدعو الناس إلى بدعته بنسكه » (1) ..
    فإذا كان الأمر كذلك فعلى الغافل أن ينظر في معرفة الحقّ ليعرف أربابه ، ومعرفة الباطل لتجنّب نصابه (2) ؛ قال أمير المؤمنين عليه السلام : « الحقّ لايعرف بالرجال ، وإنّما الرجال يعرفون بالحقّ ، اعرف الحقّ تعرف أهله قلّوا أم كثروا ، واعرف الباطل تعرف أهله قلّوا أم كثروا » (3) .
    وإذا أردنا أن نتكلّم في إبطال شبهته ، ومحو بدعته ، أوردنا النصوص الدالّة على إمامة أمير المؤمنين تصريحاً وتعريضاً ، فقلنا : الدليل على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام بغير فصل : الكتاب ، والسُـنّة ، وإجماع العترة.
   
   
* أمّا الكتاب :    
   

[ آية الولاية ]


    فقوله تعالى : (
إنّما وليّكم الله ورسوله والّذين آمنوا الّذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) (4) .
    ونحن نتكلّم في أنّ هذه الآية نزلت في أمير المؤمنين عليه السلام ، ثمّ نتكلّم في دلالتها على إمامته ..
____________
(1) ورد الحديث بألفاظ مختلفة ؛ كما في : الخصال ـ للشيخ الصدوق ـ : 69 ح 103 ، روضة الواعظين : 6 ، منية المريد : 74 ، الصواعق المحرقة : 200.
(2) النصاب : مأخوذ من النصب ، وهو : التعب والعناء ؛ راجع : لسان العرب 1 | 758.
(3) ورد بتفاوت في الألفاظ ؛ وهو : قوله عليه السلام للحارث بن حوط : « يا حارث ! إنّه ملبوس عليك ، إنّ الحقّ لا يعرف بالرجال ، اعرف الحقّ تعرف أهله » ؛ التبيان ـ للشيخ الطوسي ـ 1 | 190 ، مجمع البيان 1 | 188 ـ 189 ، تفسير القرطبي 1 | 340 ، روضة الواعظين : 31 ، الطرائف ـ لابن طاووس ـ : 136 ح 215.
(4) سورة المائدة 5 : 55.


(326)


   
أمّا أنّها نزلت في أمير المؤمنين عليه السلام ، فذلك إجماع العترة الطاهرة ، وهو إجماع أهل النقل كافّة ، وإجماعهم كافٍ في باب الأخبار ، ولو أردنا تفصيل الرواية (1) وأسماء الرواة (2) لطال الكلام ، والغرض الاختصار ، وهو موجود بحمد الله تعالى ومنّه.
   
وأمّا وجـه الدلالة ، فهو : إنّ الله أثبت الولاية له ولرسوله ولمن آتى
____________
(1) تواترت الأخبار في سبب نزول الآية : دخل سائل فقير إلى مسجد رسول الله 6 وكان المسلمون في تلك الساعة منهمكون بالعبادة والأعمال الأُخرى ، فسأل فلم يعطه أحد شيئاً إلاّ عليّاً عليه السلام ، أعطاه خاتمه وهو في حالة الركوع ..
انظر : ما ذكره الحسكاني في شواهد التنزيل 1 | 179 ح 235 ، بالاِسناد إلى أبيذرّ رحـمه الله تعالى ، قال : أما إنّي صلّيت مع رسول الله صلى الله عليه وآله ذات يوم ، فسأل سائل في المسجد فلم يعطه أحد شيئاً ، وكان عليٌّ راكعاً فأومأ بخنصره إليه ، وكان يتختّم بها ، فأقبل السائل حتّى أخذ الخاتم من خنصره ، فتضرّع النبيّ صلى الله عليه وآله ـبعـد أن سأل مِن السائل وأجابه بأنّ ذلك الراكع هو الذي أعطاني الخاتم ـ إلى اللهعزّ وجلّ ، فقال :
« اللّهمّ إنّ أخـي موسـى سألك ، قال : (
ربّ اشرح لي صـدري * ويسّر لي أمري * واحلُل عقدةً من لساني * يفقهوا قولي * واجعل لي وزيراً من أهلي * هارون أخي * اشدد به أزري * وأشركْه في أمري) ، فأنزلت عليه قرآناً ناطقاً : (سنشـدّ عضدك بأخيك) ، اللّهمّ وأنا محمّـد نبيّك وصفيّك ، اللّهمّ فاشرح لي صدري ، ويسّر لي أمري ، واجعل لي وزيراً من أهلي ، عليّاً أخي ، اشدد به أزري ».
قال ـ أبو ذرّ ـ : فوالله ما استتمّ رسول الله الكلام حتّى نزل عليه جبرئيل من عند الله وقال : يا محمّـد ! هنيئاً لك ما وهب لك في أخيك.
قال : وماذا يا جبرائيل ؟
قال : أمر الله أُمّتك بموالاته إلى يوم القيامة ، وأنزل عليك : (
إنّما وليّكم الله ورسوله والّذين آمنوا الّذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ).
وهناك روايات أُخرى وبألفاظ متعدّدة ، وسيذكر المصنّف أحدها في ص 178.
(2) من رواة هذه الواقعة : أبو ذرّ الغفاري ، عمّار بن ياسر ، جابر بن عبدالله الأنصاري ، سلمة بن كهيل ، أنس بن مالك ، ابن عبّـاس ، عمرو بن العاص ، المقداد بن الأسود الكندي ؛ راجع ذلك في : شواهد التنزيل 1 | 173 ح 231 ـ 240.


(327)


الزكاة في حال ركوعه ، وهو أمير المؤمنين دون غيره ، فيجب أن تثبت له الولاية.
    والولاية : ملك التصرّف ، وذلك معنى الاِمامة.
    أمّا إنّ الله أثبت الولاية له ولرسوله ولمن آتى الزكاة في حال الركوع ، فذلك ظاهر في سياق الآية.
    وأمّا أنّ ذلك هو أمير المؤمنين عليه السلام ؛ فلأنّا قد بيّنّا أنّ الآية نزلت فيه دون غيره. وقد روي أنّ عمر بن الخطّاب قال : تصدّقت بنيّف وعشرين صدقة وأنا راكع لعلّه أن ينزل فيّ ما نزل في عليّ عليه السلام فلم ينزل فيّ شيء (1) .
    وأمّا إنّ الولاية ها هنا هي ملك التصرّف ؛ فلوجهين :
   
أحـدهما : إنّ ذلك هو السابق إلى الاِفهام عند إطلاق هذه اللفظة ، وذلك دلالة كونها حقيقة فيه.
   
الوجه الثاني : إنّ هذه اللفظة ، وإن كانت مشتركة عادة ، يجب حملها على جميع المعاني ؛ قضاءً لحقّ الاشتراك ؛ إذ لا مانع يمنع من ذلك ، وهي صالحة لاِفادة جميعها ، ولا وجه يقضي تخصيص بعضها دون البعض ..
    لأنّا إمّا أن نحملها على جميعها ، فهو الذي نقول.
    وإمّا أن لا نحملها على شيء من هذه المعاني ، فيكون ذلك إلحافاً لكلام الحكيم ، ما لهذا (2) والعبث الذي لا فائدة فيه ، وذلك لا يجوز ، فلذلك يجب حملها على جميع المعاني ، وهناك يدخل ملك التصرّف ، وهو الذي أردناه.
____________
(1) شرح الأخبار 2 | 346 ح 697 ، سعد السعود : 196.
(2) في الأصل : ما لهذه ؛ والصحيح ما أثبتناه.


(328)


    وأمّا إنّ ذلك معنى الاِمامة ؛ فلأنّا لا نعني بقولنا : « فلان إمام » إلاّ أنّه يملك التصرّف على الناس في أُمور مخصوصة وتنفيذ أحكام شرعيّة ؛ فثبتت دلالة الآية على إمامته عليه السلام.

[ آية الاِنذار ]

 

    ومن ذلك قوله تعالى : (إنّما أنت منذر ولكلّ قومٍ هادٍ ) (1) :
    قال صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم لعليّ عليه السلام : « أنا المنذر وأنت الهادي ، بك يهتدي المهتدون من بعدي » (2) .
    وعنه صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم أنّه قال : « ليلة أُسـري بي ما سألت ربّي شيئاً إلاّ أعطانيه ، سمعت منادياً من خلفي : يا محمّـد ! إنّما أنت منذر ولكلّ قوم هاد ، قلت : أنا المنذر فمن الهادي ؟ قال : عليّ الهادي المهتدي ، القائد أُمّتك إلى جنّتي غرّاء محجّلين برحمتي » (3) .
    وفي هذا لطيفة ، وهي : إنّ الرسول صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم المنذر فلا منذر معه في وقته ، فكذلك عليّاً هو الهادي فلا هادي معه في وقته ..
    ومصداق ذلك ما روي عن النبيّ صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم أنّه قال : « أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها ، كذب من زعم أنّه يصل إلى المدينة إلاّمن قبل الباب » (4) ؛ فلا جرم أنّ من قدّم غير أمير المؤمنين فقد خالف
____________
(1) سورة الرعد 13 : 7.
(2) الطرائف ـ لابن طاووس ـ : 79 ح 107 ، تفسير الرازي 19|14 ، تفسير الطبري 13 | 72 ، الدرّ المنثور 4 | 608 ، كنز العمّال 11 | 620 ح 33012.
(3) شواهد التنزيل 1 | 296 ح 403.
(4) المناقب ـ للمغازلي ـ : 85 ح 126 ، العمدة ـ لابن البطريق ـ : 294 ح 486 ، الصراط المستقيم 2 | 20.


(329)


أمر الله ، لأنّه تعالى يقول : (
وأتوا البيوت من أبوابها ) (1) .

* وأمّا نصوص السُـنّة الشريفة :
    فمنها : حديث الغدير
(2) :
    وهو : ما روي أنّه لمّا نزل قوله تعالى : (
يا أيّها الرسول بلّغ ما أُنزل إليك من ربّك وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته والله يعصمك من الناس) (3) .. الآية ، قام رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم بغدير خمّ ، وأخذ بيد عليّ ورفعها حتّى رأى بعضهم بياض إبطه ، ثمّ قال : « ألست أوْلى بكم من أنفسكم؟! » قالوا : بلى يا رسول الله. قال : « اللّهمّ اشهد ». ثمّ قال : « فمن كنت مولاه فعليّ مولاه ، اللّهمّ والِ من والاه وعادِ من عاداه ، وانصر من نصره واخذل من خذله » ، فقام عمر فقال : بَخٍ بَخٍ يا ابن أبي طالب ، أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة (4) .
____________
(1) سورة البقرة 2 : 189.
(2) تواتر هذا الحديث عند فرق المسلمين كافّة ؛ فقد رواه أئمّة المحدّثين والمؤرّخين والمفسّرين ، مثل : ابن إدريس الشافعي ، أحمد بن حنبل ، ابن ماجة ، الترمذي ، النسائي ، أبو يعلى الموصلي ، الحاكم النيسابوري ، المغازلي ، الكنجي الشافعي ، الذهبي ، المتّقي الهندي ، البلاذري ، ابن قتيبة ، الخطيب البغدادي ، ابن عبـد البرّ ، الشهرستاني ، ابن عساكر ، ياقوت الحموي ، ابن الأثير ، ابن كثير الشامي ، ابن حجر العسقلاني ، ابن الصبّاغ المالكي الحلبي ، الطبري ، الثعلبي ، الواحدي ، القرطبي ، الفخر الرازي ، والآلوسي البغدادي ، وغيرهم.
(3) سورة المائدة 5 : 67.
(4) الأمالي ـ للشيخ الصدوق ـ : 50 ح 2 المجلس الأوّل ، روضة الواعظين : 350 ، العمدة ـ لابن البطريق ـ : 344 ح 667 ، شواهد التنزيل 1 | 158 ح 213.

 


(330)

 

وروى ابن عبّـاس رضى الله عنه عن النبيّ صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم أنّه قال : « لمّا أُسـري بي إلى السماء سمعت تحت العرش : إنّ عليّاً راية الهدى ، وحبيب من يؤمن بي ، بلّغ يا محمّـد ! » ، ونزل قوله تعالى : (ياأيّها الرسول بلّغ ما أُنزل إليك من ربّك ... ) (1) .. الآية.
    وفي رواية أُخرى : « وإنّي لم أبعث نبيّاً إلاّ جعلت له وزيراً ، وإنّك رسول الله وإنّ عليّاً وزيرك » ، فكره رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم أن يحدّث الناس بها ؛ لأنّهم كانوا قريبي العهد بالجاهليّة ، حتّى مضى سـتّة أيّام ، فنزل : (
فلعلّك تارك بعض ما يوحى إليك ) (2) .. الآية ، فاحتمل رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم حتّى كان يوم الثامن ، ثمّ نزل : (ياأيّها الرسول بلغّ ما أُنزل إليك من ربّك وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته والله يعصمك من الناس) (3) .
    والكلام من هذا الخبر يقع في مكانين : أحدهما في صحّته ، والثاني في وجه دلالته ..
   
أمّا صحّته ، فهو معلوم بالتواتر بين خلف الأُمّة وسلفها ، ولم يخالف فيه أحد من رواة الحديث ، ورواه من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم مائة ، منهم العشـرة (4) ، ولا شكّ في بلوغه حدّ التواتر ،
____________
(1) مائة منقبة ـ لابن شاذان ـ : 115 المنقبة 56 ، فرائد السمطين 1 | 158 ح 120 ، شواهد التنزيل 1 | 187 ح 243 ؛ وفيها : عن أبي هريرة ، وليس عن ابن عبّـاس.
(2) سورة هود 11 : 12.
(3) الأمالي ـ للشيخ الصدوق ـ : 436 ح 576 ، بحار الأنوار 37 | 110 ، شواهد التنزيل 1 | 192 ح 250.
(4) المقصود بالعشرة هم : الاِمام علي بن أبي طالب 7 ، أبو بكر ، عمر بن الخطّاب ، عثمان بن عفّان ، طلحة بن عُبيد الله ، الزبير بن العوّام ، سعد بن أبيوقّاص ، سعيد بن زيد ، عبـد الرحمن بن عوف ، أبو عبيدة عامر بن الجرّاح.
راجع : سنن الترمذي 5 | 647 كتاب المناقب ـ باب 26 ح 3747 و3748.


(331)


ولايمكن لأحد (1) إنكاره إلاّ من يرتكب طريقة البهت ومكابرة العيان.
   
وأمّا وجه دلالته على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام ، فهو : إنّ رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم لمّا قرّر ثبوت ولايته بقوله : « ألست أوٌلى بكم من أنفسكم » عطف على ذلك قوله : « فمن كنت مولاه فعليّ مولاه ». و« مولى » في اللغة بمعنى « أوْلى » (2) ، فيجب أن نحمل عليه كلامه صلّى الله عليه [وآله] وسلّم. والأوْلى هو الأحقّ والأملك ، وذلك معنى الاِمامة.
    أمّا إنّ لفظة « مولى » تستعمل في اللغة بمعنى « أوْلى » فيدلّ عليه قوله تعالى ، في قصّة أهل النار : (
مأواكم النار هي مولاكم ) (3) ومنه قول لبيد :
    فَغَدت كلا الفَرجَين (4) تحسبُ أنّهمولى المخافة خلفُها وأمامُها (5) بمعنى : أوْلى بالمخافة.
    وأمّا إنّه يجب أن نحمل عليه كلام الرسول صلّى الله عليه [ وآلهج وسلّم ، فالذي يدلّ على ذلك : أنّا متى حملنا لفظة « مولى » التي في الخبر على معنى « أوْلى » كان الكلام مرتبطاً بعضه ببعض ، فيكون أكمل للمعنى ، وأتّم للنظم ، وأحسن للاتّصال ، وذلك هو الواجب في كلام الفصحاء ..
____________
(1) في الأصل : أحد ؛ والصحيح ما أثبتناه.
(2) يقول إسماعيل بن عبّاد في كتابه المحيط في اللغة 10 | 380 : و« المولى » تكون بمعنى الأوْلى ، كقوله تعالى : (هيَ مولاكم) ، أي : هي أوْلى بكم.
(3) سورة الحديد 57 : 15.
(4) الفرجين : مفرده الفَرْج ، وهو : المخُوف ـ أي الواسع ـ ؛ راجع : تهذيب اللغة 11 | 45 ، ومقصوده هنا : الواسع من الأرض والثغر.
(5) ديوان لبيد : 173.


(332)


    ولأنّ مقدّمة الكلام الذي بدأه النبيّ صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ، وهي قوله : « ألست أوْلى بكم من أنفسكم » ، ثمّ عطف عليه بقوله : « من كنت مولاه فعليّ مولاه » ، دليلٌ على أنّه لم يرد بذلك غير المعنى الذي قرّرهم عليه دون ما عداه [ من ] محتملاتها ، وأنّه قصد بالمعطوف معنى ماهو معطوف عليه ، فصار كأنّه صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم قال : من كنت أوْلى به من نفسه فعليّ أوْلى به من نفسه.
    توضيح ذلك : ما رويناه مسنداً عن جعفر بن محمّـد الصادق عليه السلام حين سُئل : ما أراد رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم بقوله لعليّ يوم الغدير : « من كنت مولاه فعليّ مولاه » ... الخبر ؟
    قال جعفر عليه السلام : « سُئل عنها والله رسول الله صلّى الله عليه [ وآلهج وسلّم فقال : الله مولاي أوْلى بي من نفسي لا أمر لي معه ، وأنا مولى المؤمنين وأوْلى بهم من أنفسهم لا أمر لهم معي ، ومن كنت مولاه أوْلى به من نفسه لا أمر له معي فعليّ مولاه أوْلى به من نفسه لا أمر له معه » (1) .
    وأمّا إنّ الأوْلى هو الأحـقّ والأملك : فذلك ظاهر ؛ فإنّه لا فرق بينهما من جهة المعنى ، ولهذا لا يصـحّ أن يقال : فلان أحـقّ وأملك وليس بأوْلى ، وهو أوْلى وليس بأحـقّ ولا أملك ، بل يُعدّ ذلك مناقضة من جهة المعنى.
    وأمّا أنّ ذلك معنى الاِمامة : فلما قدّمنا من أنّا لا نعني بقولنا : فلان إمام ، إلاّ أنّه يملك التصرّف على الكافّة ؛ فثبت بذلك ما رمناه من دلالة الخبر على إمامته عليه السلام.
   
وأمّـا قول مـن قال من المعـتزلة بأنّ مقدّمة الحديث ، وهي قوله صلّىالله عليه [ وآله ] وسلّم : « ألست أوْلى بكم من أنفسكم » غير ظاهر
____________
(1) بشارة المصطفى : 92 ح 24.


(333)


ظهور نفس الخبر فذلك من جملة تهمهم واختراعاتهم ؛ فإنّ هذه المقدّمة نُقلت متّصلة بالحديث بلا اختلاف بين الرواة ، فيجب كونها معلومةً (بيّنة ، ومنهم) (1) ثل أرباب الأحاديث.
    وكذلك قول من قال منهم : الحديث ورد في شأن زيد بن حارثة وعليّ عليه السلام ، وأنّهما تخاصما ، فقال عليّ لزيد : أنت مولاي. فقال : بل أنا مولى رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم. فلمّا بلغ ذلك رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم قال : « من كنت مولاه فعليّ مولاه » (2) .. الخـبر.
    وذلك محال ظاهر الاستحالة ؛ لأنّ زيد رحمة الله عليه استشهد في غزوة مؤتة ، وهي في جمادى في سنة ثمان من الهجرة ، وحديث الغدير كان في حجّة الوداع ـ بلا خلاف بين أهل النقل ـ في اليوم الثامن عشر من ذي الحجّة ، ومات رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم لاثنتي عشرة ليلة بقيت من ربيع الأوّل سنة إحدى عشرة. وإنّما هذا من المعتزلة يوصل إلى معارضة حجج الله وإطفاء نور خليفة رسول الله صلّى الله عليه [ وآلهج وسلّم. (
وسيعلمُ الّذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون ) (3) .

   
ومنها : حديث المنزلة :
    وهو : ما روي أنّ رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم قال لعليّ :
____________
(1) العبارة لم تكن واضحة في المخطوطة ، وما في المتن أثبتناه استظهاراً لمقتضى سياق العبارة.
(2) الأربعين في أُصول الدين ـ لفخر الدين الرازي ـ 2 | 299.
(3) سورة الشعراء 26 : 227.


(334)


« أنت منّي بمنزلة هارون من موسى ، إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي ، ولو كان لكنته » (1)
    ونحن نتكلّم في صحّة هذا الحديث أوّلاً ، ثمّ نبيّن وجه دلالته على إمامته عليه السلام.
   
أمّا صحّته (2) ، فاعلم أنّه لا خلاف في صحّة هذا الحديث وكونه معلوماً بين أهل النقل ، ولم ينكره أحد من الأُمّة.
   
وأمّا وجه دلالته (3) ، فهو : إنّ رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم
____________
(1) الأمالي ـ للشيخ الطوسي ـ : 548 ح 1168 وص 598 ح 1242 ، تاريخ بغداد 2 | 289 ح 1376 ، تاريخ مدينة دمشق 42 | 176 ح 8605 ، لسان الميزان 5 | 377 ـ 378 رقم 1227.
(2) أقول : إنّ هذا الحديث ظاهر ومشتهر ، وبلغ حدّ التواتر والشيوع حتّى أنّ إمام الفئة الباغية معاوية رواه ؛ يقول ابن عساكر في
تاريخه ، والسمهودي في جواهره ، والمغازلي في مناقبه ، وأحمد بن حنبل في فضائله : إنّ رجلاً سأل معاوية عن مسألة ، فقال : سل عنها علي بن أبي طالب فهو أعلم منّي.
قال ـ الرجل ـ : قولك يا أمير المؤمنين أحبّ إليّ من قول عليّ.
قال ـ معاوية ـ : بئس ما قلت ولؤم ما جئت به ، لقد كرهت رجلاً كان رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم يغرُّه بالعلم غرّاً ، ولقد قال له : « أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي ».
انظر : تاريخ مدينة دمشق 42 | 170 ، جواهر العقدين 2 | 328 ، المناقب ـ للمغازلي ـ : 34 ح 52 ، الفضائل ـ لابن حنبل ـ : 197 ح 275.
(3) أقول : يكون الاستدلال على إثبات جميع منازل هارون لعليّ عليه السلام بالعمومين الواردين في الحديث :
الأوّل : بواسطة اسم الجنس المضاف إلى المعرفة : « بمنزلة هارون » ؛ فإنّ « المنزلة » اسم جنس وأُضيفت إلى « هارون » وهو معرفة ، وقد ذكر الأُصوليون أنّ اسم الجنس إذا أُضيف إلى معرفة فإنّه يدل على العموم ، وهذه بعض الشواهد :
أ : قال السبكي في كتابه الاِبهاج في شرح المنهاج 2 | 101 ـ 102 : وهنا تنبيهان :
أحدهما : إنّ العموم في ما ذكر مختلف ، فالداخل على اسم الجنس يعمّ الأفراد ، أعني كلّ فرد فرد ، والداخل على الجمع يعمّ المجموع ؛ لأنّ الألف واللام والاِضافة يعمّان ما دخلا عليه.
ب : قال عضد الملّة والدين في كتابه شرح مختصر المنتهى 1 | 216 : ومنها ـ أيّ من صيغ العموم ـ اسم الجنس كذلك ، أيّ معرّفاً تعريف جنس.
ج : قال القرافي في كتابه شرح تنقيح الفصول : 179 : فمنها : كلّ ، جميع ... واسم الجنس إذا أُضيف ، والنكرة في سياق النهي ، فهذه عندنا للعموم.
العموم الثاني : الاستثناء :
أ : قال البيضاوي في منهاج الوصول 2 | 107 : فقد ذكر علماء الأُصول أنّ المعيار للعموم هو جواز الاستثناء ، فإنّه يخرج ما يجب اندراجه لولاه.
ب : قال الاِسمندي في بذل النظر : 168 : ومن حقّ الاستثناء أن يخرج من اللفظ ما لولاه لوجب دخوله فيه ، فلولا أنّه يقتضي العموم لَما صحّ الاستثناء منه.
ج : قال أبو إسحاق الشيرازي في شرح اللمع 1 | 99 فقرة 382 : فأمّا الاستثناء فإنّه يوجب تخصيص اللفظ العام.
فإذاً من خلال هذين العمومين نقول : إنّ جميع ما كان ثابت لهارون عليه السلام من المهام والمناصب أثبته الرسول صلى الله عليه وآله إلى عليّ عليه السلام إلا ما أخرجه الدليل ، وهو النبوّة ؛ فعليّ عليه السلام ثابته بعد الرسول بلا فصل.


(335)


أثبت لعليّ عليه السلام جميع منازل هارون من موسى إلاّ النبوّة ، ومن منازله الخلافة والشركة في الأمر ، وذلك معنى الاِمامة.
    أمّا إنّه أثبت له جميع منازل هارون من موسى إلاّ النبوّة ، فذلك ظاهر في كلامه ، حيث قال : « أنت منّي بمنزلة هارون من موسى » ثمّ استثنى النبوّة ، فدلّ ذلك على دخول سائر المنازل ؛ إذ من حقّ الاستثناء الحقيقي أن يخرج من الخطاب ما لولاه لوجب دخوله تحته.
    وأمّا إنّ ذلك من منازله ، فيدلّ على ذلك : ما حكاه الله سبحانه عن موسـى عليه السلام بقوله : (
وقال موسـى لأخيه هارون اخلُفْني في


(336)


قوميوأصلح
) (1) ، وقوله : (وأشركْه في أمري) (2) ، فأجابه تعالى : (قد أُوتيت سؤلك يا موسى) (3) ؛ فيجب أن تثبت هذه المنزلة لأميرالمؤمنين عليه السلام.
    يؤيّد ذلك ما روى أبو ذرّ رضى الله عنه : إنّ النبيّ صلّى الله عليه [ وآلهج وسلّم يوم تصدّق أمير المؤمنين عليه السلام بخاتمه في ركوعه رفع رأسه إلى السماء وقال : « اللّهمّ إنّ موسى سألك فقال : (
ربّ اشرح لي صدري * ويسّر لي أمري * واحلُل عقدةً من لساني * يفقهوا قولي * واجعل لي وزيراً من أهلي * هارون أخي * اشدد به أزري * وأشركْه في أمري) (4) ، فأنزلت عليه قرآناً ناطقاً : (سنشدّ عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطاناً فلا يصلون إليكما ...) (5) ..
    اللّهمّ وأنا محمّـد نبيّك وصفيّك ، اللّهمّ فاشرح لي صدري ، ويسّر لي أمري ، واجعل لي وزيراً من أهلي ، عليّاً ، اشدد به أزري ».
    قال أبو ذرّ : فما استتمّ رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم الكلمة حتّى نزل عليه جبرئيل عليه السلام من عند الله تعالى فقال : يا محمّـد ! اقرأ. قال : وما أقرأ ؟ قال : اقرأ : (
إنّما وليّكم الله ورسوله...) .. الآية (6) .
____________
(1) سورة الأعراف 7 : 142.
(2) سورة طه 20 : 32.
(3) سورة طه 20 : 36.
(4) سورة طه 20 : 25 ـ 32.
(5) سورة القصص 28 : 35.
(6) مجمع البيان 3|419 ـ 420 ، خصائص الوحي المبين : 78 ـ 80 ح 13 ، العمدة ـ لابن البطريق ـ : 119 ـ 121 ح 158 ، نهج الاِيمان : 136 ـ 138 ، الطرائف ـ لابن طاووس ـ : 47 ح 40.


(337)


   
وأمّا أنّ ذلك معنى الاِمامة : فلأنّا لا نعني بالاِمامة إلاّ ملك التصرّف على الكافّة ، ولا شكّ في كون ذلك ثابتاً للرسول صلّى الله عليه [وآلهج وسلّم ، وإذا كان كذلك وجب ثبوته لأمير المؤمنين عليه السلام ؛ لأجل مشاركته للرسول في أمره.
    يزيد ذلك وضوحاً : ما قد ثبت بالاِجماع من الآية أنّه لا يجوز أنّ [ يكون ] هارون رعيّة لأحـد من أُمّة موسى ، فكذلك يجب في أمير المؤمنين عليه السلام أن لا يكون رعيّة لأحدٍ من أُمّة محمّـد صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم. غير أنّ أكثر هذه الأُمّة تركت رشدها ، ورفضت هارونها ، واتّبعت سامريّها ؛ تصديقاً لما قاله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم : « لتركبّن سُنن من كان قبلكم ، حذو النعل بالنعل والقذّة بالقذّة » (1) .
    ولله القائل :

مــا كان قبلهم قوم موسى

لم يطيعوه بكـر الليالــي

قدّمــوا من (2) هـارون

فأضحـوا أُمثولةً في النكالِ

وأخذت أُمّة النبيّ فعال الحا

سدين الطغــاة حـذو النعالِ

أتواصوا بذاك أم ذاك أمـر

فيه يلقى شأنه الاِشكالِ (3) ؟!


____________
(1) تفسير العيّاشي 1 | 303 سورة المائدة آية 68 ، تفسير القمّي 2 | 413 سورة الانشقاق ، شرح نهج البلاغة 9 | 286. وورد بلفظ : « لتسلكنّ ... » ؛ انظر : تفسير الاِمام الحسن العسكري 7 : 481 ، مصنّفات الشيخ المفيد 7 | 30 مسألة أُخرى في النصّ على عليّ عليه السلام ، عوالي اللآلي 1 | 314 ، المستدرك على الصحيحين ـ للحاكم ـ 1 | 129 ، مجمع الزوائد 7 | 260.
(2) في المخطوطة يوجد بياض.
(3) لم نعثر على هذا القول.


(338)


   
ومنها : حديث أسد بن غويلم :
    وهو : ما روى الناصر للحقّ عليه السلام بإسناده إلى عبد الله أنيس ، قال : برز يوم الفتح أسـد بن غويلم قاتل العرب ، يجيل فرسـه ويدير رمحه وهو يقول :

وحُرد سعال وزغــف مذالِ

وسمر عوال بأيدي رجــالِ

كآشاد دمش وآسال حبـــش

عداه الخميس ببعض صعـالِ

حمد الصواب وحو الرقــاب

إذا ما العـقاب عــداه النزالِ

يكيد الكروب ويجري الهبـوب

ويروي الكعوب دماً غير آلِ (1)


    ثمّ سأل البراز فأحجم الناس معاً ، فقال رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم : « من خرج إلى هذا المشرك فقتله فله على الله الجنّة والاِمامة بعدي ».
    فأحجم الناس ، وقام عليّ يهزّ العروا ، فقال رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم : « ما لك ؟ » قال : « ظمآن إلى البراز ، سِغْت إلى القتال ».
    فقال رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم : « نحن بنو هاشم حود محد ، لا نجبن ولا نغدر ، أنا وعلي من شجرة واحدة لا تختلف أوراقها ، اخرج إليه ولك الاِمامة من بعدي ».
    فخرج وضربه في مفرق رأسه والناس ينظرون ، فبلغ سيفه إلى السرج ، وخرّ نصفين ، وانهزم المشركون ، فآب عليّ يهزّ سيفه وهو يقول :

ضربته بالسيف وسط الهامـه

بضربــةٍ صارمة هدّامـه

____________
(1) لم نعثر على هذه الأبيات ، ولم تكن واضحة في المخطوطة ، ونقلناها كما هي.


(339)


فبتّكت من جسمــه عظامـه

وبيّعت مــن رأسه عظامـه

أنا عليّ صاحب الصمصامـه

وصاحب الحوض لدى القيامـه

أخو نبــي الله ذي العلامـه

قال إذ عمّمني العمامـه : (1)

أنت الذي بعدي له الاِمامـه (1)


   
ومنها : ما روى الثعلبي :
    وهو من المخالفين ، في تفسير قوله تعالى : (
سأل سائلٌ بعذابٍ واقعٍ) (2) بإسناده ، قال : سُئل سفيان بن عيينة عن قول الله عزّ وجلّ : (سأل سائل بعذاب واقع) في من نزلت؟
    فقال : لقد سألتني عن مسألة ما سألني عنها أحد قبلك ، حدّثني جعفر ابن محمّـد ، عن آبائه عليهم السلام ، قال : « لمّا كان رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم بغدير خمّ نادى الناس فاجتمعوا ، وأخذ بيد عليّ صلّى الله عليهما فقال : « من كنت مولاه فعليّ مولاه » ..
    فشاع ذلك وطار في البلاد ، فبلغ ذلك الحرث بن النعمان الفهري ، فأتى رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم وهو في ملأ من أصحابه فقال : يا محمّـد ! أمرتنا عن الله أن نشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّك رسوله فقبلناه منك ، وأمرتنا أن نصلّي خمساً فقبلناه منك ، وأمرتنا أن نصوم شهراً فقبلناه منك ، وأمرتنا أن نحجّ البيت فقبلناه منك ، ثمّ لم ترض هذا حتّى رفعت
____________
(1) هذه الأبيات ناظرة إلى واقعتين : الأحزاب وقتل عمرو بن ودّ العامري ، وفتح مكّة وقتل أسـد بن غويلم ؛ فالأبيات الأوّل والثالث والرابع قالها عليه السلام يوم الأحزاب ، والأبيات الأوّل الثاني والأخير عندما قتل أسـد بن غويلم.
راجع : المناقب ـ لابن شهرآشوب ـ 3 | 160 وص 171 ، تنبيه الغافلين : 52.
(2) سورة المعارج 70 : 1.


(340)


بضـبع ابن عمّك ففضّلته علينا وقلت : من كنت مولاه فعليّ مولاه. وهذا شيء منك أم من الله ؟
    فقال رسول الله : « والذي لا إله إلاّ هو إنّه من أمر الله ».
    فولّى الحرث بن النعمان يريد راحلته وهو يقول : اللّهمّ إن كان مايقول محمّـد حقّاً فأمطر علينا حجارةً من السماء أو ائتنا بعذابٍ أليم. فماوصل إليها حتّى رماه الله بحجر فسقط على هامته وخرج من دبره فقتله ، وأنزل الله تعالى : (
سأل سائل بعذاب واقع * للكافرين ليس له دافع) (1) (2) .
    ومنها : ما ورد في تفسير قوله تعالى : (
عمّ يتسائلون * عن النبأ العظيم) :
    وهو : ما روي مسنداً إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، قال : « أقبل صخر بن حرب حتّى جلس إلى رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ، فقال : الأمر من بعدك لمن ؟ قال : (لمن هو منّي بمنزلة هارون من موسى). فأنزل الله تعالى : (
عمّ يتسائلون) يعني : سألك أهل مكّة عن خلافة عليّ ، (عن النبأ العظيم * الذي هم فيه مختلفون) : فمنهم المصدّق ومنهم المكذّب بولايته ، (كلاّ سيعلمون * ثم كلاّ سيعلمون ) (3) : وهو ردّ عليهم ، سيعرفون خلافته أنّها حقّ إذ يُسألون عنها في قبورهم ، فلا يبقى ميّت لا في غرب ولا في شرق ، ولا برّ ولا بحر ، إلاّ مُنكر ونكير يسألانه ، يقولان
____________
(1) سورة المعارج 70 : 1 ـ 2.
(2) تفسير الثعلبي 10 | 35 ، تفسير القرطبي 18 | 279 ، شواهد التنزيل 2 | 286 ح1030 ـ 1031 ، تذكرة الخواصّ ـ لابن الجوزي ـ : 37.
(3) سورة النبأ 78 : 1 ـ 5.


(341)


للميّت : من ربّك ؟ وما دينك ؟ ومن نبيّك ؟ ومن إمامك ؟ » (1) .
    فكان عليّ عليه السلام يقول لأصحابه : « أنا والله النبأ العظيم الذي اختلف فيّ جميع الأُمم ، والله ما لله نبأ أعظم منّي » (2) .
    ومصداق ذلك ما روي في تفسير قوله تعالى : (
وقفوهم إنّهم مسؤولون) (3) ؛ قال : عن ولاية عليّ بن أبي طالب عليه السلام (4) .

   

وممّا يدلّ على صـحّة إمامته عليه السلام


    أنّ رسـول الله صلّى الله عليه [ وآلـه ] وسلّم اختاره لمؤاخاتـه بأمر الله تعالى ، واختاره يوم المباهلة ، ويوم سـدّ الأبواب ، ويوم براءة ..
    ولم يؤمِّر عليه أحداً في حياته ، وأمَّر على أبي بكر وعمر عمرو بن العاص (5) وأُسامة بن زيد وغيرهما (6) ..
____________
(1) اليقين ـ لابن طاووس ـ : 410 ، نهج الاِيمان : 507 وص 553 ، شواهد التنزيل 2 | 318 ، المناقب ـ لابن شهرآشوب ـ 3 | 96.
(2) تفسير أبي حمزة الثمالي : 350 ، تفسير فرات الكوفي : 533 ح 685 ـ 686 ، شواهد التنزيل 2 | 317.
(3) سورة الصافّات 37 : 24.
(4) المناقب ـ للكوفي ـ 1 | 136 ح 75 ، منهاج الكرامة : 127 ، كفاية الطالب : 247 ، شواهد التنزيل 2 | 108 ح 789 ، المناقب ـ للخوارزمي ـ : 195 ، فرائد السمطين 1 | 79.
(5) أمَّرَ رسول الله صلى الله عليه وآله عمرو بن العاص على أبي بكر وعمر في غزوة ذات السلاسل ؛ راجع : منهاج الكرامة : 100 ، تاريخ مدينة دمشق 2 | 22 ـ 23 ح 422 ، السيرة النبوية ـ لابن كثير ـ 3 | 516 ، الاِصابة ـ لابن حجر ـ 2 | 253 ، البداية والنهاية 4 | 273.
(6) منهاج الكرامة : 100 ، المناقب ـ لابن شهرآشوب ـ 1 | 226 ، إعلام الورى ـ للطبرسي ـ 1 | 263.


(342)


    ولم يؤمِّر أبا بكر إلاّ يوم خيبر فهرب (1) ، ويوم براءة فعزله أمير المؤمنين ، على ما سيأتي.
    وقد قال الله تعالى : (
لقد كان لكم في رسول الله أُسوةٌ حسنة ) (2) .
    ولله القائل :
    ما كان ولّى أحمد والياًعلى عليّ فتولّوا عليه
    هل في رسول الله من أُسوةلو يقتدي القوم ممّا سُنّ فيه (3) لكنّهم اختاروا غير خيرة الله ، وخالفوا أمر رسـول الله.