فهو : ما روي أنّ
رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم لمّا آخى بين أصحابه قال عليّ : « يا رسول
الله ! لقد ذهبت روحي وانقطع ظهري حين رأيتك فعلت بأصحابك ما فعلت غيري ، فإن كان
هذا من سخط علَيّ فلك العتبى والكرامة ».
فقال صلّى الله
عليه [ وآله ] وسلّم : « والذي بعثني بالحقّ ما أخّرتك إلاّ لنفسي ، وأنت منّي
بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي ، وأنت أخي ووارثي ، وأنت معي في قصري
في الجنّة مع فاطمة ابنتي ، وأنت أخي
____________
(1) الاِرشاد (مصنّفات الشيخ المفيد 11) : 125 ـ 126 ، مصنّف ابن أبي شيبة
14 | 464 ح 18729 ، الخصائص ـ للنسائي ـ : 39 ح 14 ، المستدرك على الصحيحين ـ
للحاكم ـ 3 | 37 ، كنز العمّال 10 | 463 ح 30120 ، مجمع الزوائد 9 | 124.
(2)
سورة الأحزاب 33 : 24.
(3) نسب ابن شهرآشوب في مناقبه ـ 2 | 163 ـ البيت الأوّل
إلى منصور النميري ، ونسب البيت الثاني كذلك في مناقبه ـ 3 | 26 ـ إلى ابن الوزير.
(343)
ورفيقي » ،
ثمّ تلا : (إخواناً على سرر متقابلين)
(1) (2) .
وقد روي حديث المؤاخاة من
طرق مختلفة ، ولم يخالف فيه أحد من أهل الحديث.
فانظر أيّها
المسترشد : هل يكون أخو عمر أو أخو خارجة بن زيد (3) إماماً لأخي رسول
الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ؟!
كلاّ وحاشى ، بل هو
الاِمام والخليفة. عميت أعين البصائر ، وأُظهرت ضغائن الضمائر ، والله المنصف
المنتصف ممّن ظلم ، وكفى به حسيباً.
فهو :
ما روي في قصّة وفد نجران : أنّه لمّا نزل قوله تعالى (فمن حاجّك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا
وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم) (4) ..
الآية ، خرج رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم محتضناً للحسن آخذاً بيد
الحسين وفاطمة تمشي خلفه وعليّ خلفهما ، وهو يقول : « إذا دعوت فأمّنوا ».
____________
(1) سورة الحجر 15 : 47.
(2)
منهاج الكرامة : 144 ، فرائد السمطين 1 | 120 ـ 121 ح 83 ، الفضائل ـ لأحمد ابن
حنبل ـ 2 | 638 ح 1085 ، كنز العمّال 13 | 105 ح 36345.
(3) هذه إشارة إلى أنّ
الرسول صلى الله عليه وآله عندما آخى بين المسلمين فإنّه آخى بين أبي بكر وعمر ،
وعلى رواية بين أبي بكر وخارجة بن زيد.
تاريخ مدينة دمشق 30 | 94 ، السيرة
الحلبية 2 | 90.
فلو جازت إمامة أبي بكر لعليّ عليه السلام لكان رسول الله صلى
الله عليه وآله مأموماً لأبي بكر ! لأنّ الرسول لم يؤاخِ الاِمام عليّ عليه السلام
إلاّ لوجود مقارنة ومماثلة بينهما.
(4) سورة آل عمران 3 : 61.
(344)
فقال
أُسقف النصارى : إنّي لأرى وجوهاً لو سألوا الله أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله ،
فلا تبتهلوا ؛ فلا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة. فصالحوا رسول الله
صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ..
وقال رسـول الله صلّى الله
عليه [ وآلـه ] وسلّم : « والذي نفسي بيده لو لاعنتهم بمن تحت الكساء لاضطرم عليهم
الوادي ناراً ، ولا ستأصل الله نجران وأهله حتّى الطير على الشجر ، ولَما حال الحول
على النصارى كلّهم حتّى هلكوا » (1) .
فقال الله
(إنّ هذا لهو القصص الحقّ وما من إله إلاّ الله وإنّ
الله لهو العزيز الحكيم) (2) ُ.
____________
(1) نهج الاِيمان : 346 ـ 347 ،
العمدة ـ لابن البطريق ـ : 189 ح 290. وورد بتفاوت يسير جدّاً في الألفاظ في :
إقبال الأعمال : 513 ، كشف الغمّة 1 | 234 ، تفسير الطبري 3 | 213 ، تفسير الكشّاف
1 | 434 ، تفسير الرازي 8 | 85.
(2) سورة آل عمران 3 : 62.
(3) أطبق
المفسّرون والمؤرّخون والمحدّثون ، بل أصبح لديهم من المسلّمات والبديهيات أنّ آية
المباهلة نزلت في حقّ أصحاب الكساء الخمسة عليهم أفضل الصلاة والسلام. ومع وجود
الأنصار والمهاجرين لم يدعُ رسول الله صلى الله عليه وآله من الرجال إلاّ عليّاً
ومن النساء إلاّ فاطمة ومن الأبناء إلاّ ريحانتيه وسبطيه الحسن والحسين : ، وليس
هذا إلاّ اصطفاءً وتكريماً لهم من الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله ، ولم يعطه
الله تعالى لأحدٍ من المؤمنين والمسلمين ؛ وذلك لعدم توفّر الشروط فيهم ، حيث لم
يوجد من الرجال مَن تكون نفسه كنفس الرسول صلى الله عليه وآله.
راجع : مسند
أحمد بن حنبل 1 | 185 ، تفسير الطبري 3 | 212 ، المستدرك على الصحيحين ـ للحاكم ـ 3
| 150 ، سنن البيهقي 7 | 63 ، أسباب النزول ـ للواحدي ـ : 107 ح 208 وح 209 ، تفسير
الكشّاف ـ للزمخشري ـ 1 | 434 ، تفسير الرازي 8 | 85 ، الصواعق المحرقة : 238 ،
الآية التاسعة من الآيات الواردة في فضائل أهل البيت النبوي. وكذلك راجع : تفاسير
العامّة والخاصّة في تفسير آية المباهلة.
وهذه الآية تكون من الأدلّة المتينة
على إمامة الاِمام عليّ عليه السلام بعد الرسول صلى الله عليه وآله بلا فصل ،
وبالتالي يجب على المسلمين طاعة الاِمام عليه السلام كما وجبت عليهم طاعة الرسول
صلى الله عليه وآله.
(345)
وأخبر
تعالى بأنّ المراد بالأبناء : الحسن والحسين ، والنساء : فاطمة ، والأنفس : نفسه
ونفس عليّ ، صلّى الله عليهم جميعاً ، ولا خلاف في ذلك بين الأُمّة ..
وأنّ رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم لم يُخرج
معهم غيرهم من أهله وأقاربه.
فإذا كان عليّ عليه السلام نفس
الرسول صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ـ أي كنفسه ـ فكيف يسوغ لمسلم أن يقدّم أحداً
على نفس رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ؟!
لقد
ضـلّ من اختار غير خيرة الله ، وحكم بضـدّ حكمه ، وكم من آية يمرّون عليها وهم عنها
معرضـون ، ويتلونها وهم عنها عمـون ، وما يعقلها إلاّالعالمـون.
ومّما يعضد ما ذهبنا إليه : من أنّ نفس أمير المؤمنين عليه
السلام كنفس رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم أنّه قال : « إنّ الله خلق
الأنبياء من أشجار شـتّى وخُلقت أنا وعليّ من شجـرة واحـدة ، وأنا أصلها وفاطمة
فرعها ، وعليّ لقاحها ، والحسن والحسين ثمارها ، وشيعتنا ورقها ، فمن تعلّق نجـا ،
ومـن زاغ هـوى ، ولو أنّ عـبداً عَـبَد الله بين الصفا والمروة ألف ألف عام حتّى
يصير كالشن البالي ثمّ لم يدرك محبّتنا أكبّه الله على منخريه في النار ». ثمّ قرأ
: (قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودّة في
(346)
القربى)
(1) (2) .
ومن شـرط المحبّة الاتّباع
؛ قال الله تعالى : (قل إن كنتم تحبّون الله فاتّبعوني
يحببكم الله) (3) ، فمن خالف منهاج آل محمّـد عليهم
السلام ، وولّى عليهم غيرهم ، فلم يودّهم ، ومن لم يودّهم فقد ظلم رسول الله صلّى
الله عليه [ وآله ] وسلّم أُجرته ، وقد قال صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم : « يقول
ربّكم : ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة ، ومن كنت خصمه خصمته : أحدهم استأجر أجيراً
فاستوفى منه ولم يُوَفِّه أجره ... » (4) ، فكيف بمن ظلم إجارة الرسـول
، وأخـو زوج البتول ؟!
نعوذ بالله من الجهالة ، ونسأله
العصمة من الضلالة.
وممّا يؤيّد ذلك : قوله صلّى الله عليه [
وآله ] وسلّم : « يا عليّ ! خلق الله نوراً فجزّأه ، خلق العرش من جزء ، والكرسيّ
من جزء ، والجنّة من جزء ، والكواكب من جزء ، والملائكة من جزء ، وسدرة المنتهى من
جزء ، والشمس والقمر من جزء ، وأمسك جزءاً تحت بطنان العرش حتّى خلق آدم ، فأفرغ
الله في جبينه ، فكان ينقل ذلك من أب إلـى أب إلـى عبـدالمطّلب ، ثمّ صار نصفين :
فنقل جزءاً إلى عبـد الله ، ونصفاً إلى أبيطالب ، خلقت أنا من جزء وأنت من جزء ،
الأنوار كلّها من نوري
____________
(1) سورة
الشورى 42 : 23.
(2) مجمع البيان 9 | 28 ـ 29 ، تاريخ مدينة دمشق 42 | 65 ح
8412 ، كفاية الطالب : 317 ، شواهد التنزيل 2 | 141 ح 837.
(3) سورة آل عمران 3
: 31.
(4) تذكرة الفقهاء 2 | 290 المخطوطة ، مسند أحمد 2 | 358 ، صحيح البخاري
3 | 118 ، سنن ابن ماجة 2 | 816 ح 2442 ، مسند أبي يعلى الموصلي 11 | 444 ح 6571 ،
مشكل الآثار 4|142 ، المعجم الصغير ـ للطبراني ـ 2 | 43 ـ 44.
(347)
ونورك يا
عليّ » (1) .
وهذا المعنى قد رواه أهل الحديث
مستفيضاً بينهم.
فهو : ما روي
مسنداً من طرق شتّى ، ولم يختلف فيه أحد من أهل الحديث ، وهو : إنّ رسول الله صلّى
الله عليه [ وآله ] وسلّم قال : « إنّ الله أوحى إلى موسى بن عمران أن : ابنِ لي
مسجداً طاهراً لا يسكنه إلاّ أنت وهارون وابنا هارون : شبّر وشبير. وإنّ الله أوحى
إليّ أن : ابن لي مسجداً طاهراً لا يسكنه إلاّ أنا وعليّ وابنا عليّ. سدّوا هذه
الأبواب ».
فلمّا أمر إلى أبي بكر : سُد بابك. قال : هل فعل
هذا بأحد قبلي ؟ قيل : لا. قال : سمعاً وطاعة.
فجاء الرسول
إلى عمر فقال : إنّ النبيّ يقول : سُد بابك. فقال : هل فعل هذا بأحد قبلي ؟ قال :
بأبي بكر. قال : بأبي بكر أُسـوة ، ولكنّي أرغب إلى رسول الله في مثل خوخة أنظر
منها إلى المسجد. فقال رسول الله : « لاوالله ولا مثل رأس أُبرة ».
فلمّا جاء حمزة رضى الله علنه قال : أخرجت عمّك وأسكنت ابن
عمّك ؟ فقال : « والله ما أنا أخرجتك ولا أنا أسكنته » (2) .
____________
(1) ورد مؤدّاه في : الخصال : 481
ـ 483 ، معاني الأخبار : 306 ـ 308 ، بشارة المصـطفى : 286 ـ 287 ، المناقـب ـ
للمغازلـي ـ : 87 ح 130 ، المناقـب ـ للخوارزمي ـ : 88 ، فرائد السمطين 1 | 41 ـ
44.
(2) ورد بتفاوت يسير في الألفاظ في : نهج الاِيمان : 443 ، إعلام الورى 1 |
320 ، تنبيه الغافلين : 31 ، المناقب ـ لابن شهرآشوب ـ 2 | 218. وورد بألفاظ مختلفة
عن عـدّة من الأصحاب ؛ فانظر : المناقب ـ للمغازلي ـ : 252 ح 301 ـ 309 ، مسند أحمد
4 | 369 ، الخصائص ـ للنسائي ـ : 59 ح 38 ـ 43 ، المستدرك على الصحيحين ـ للحاكم ـ
3 | 125.
(348)
وروى
أبو ذرّ رضى الله عنه ، قال : سمعت رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم يقول
لسلمان حين سأله : من وصيّك ؟ فقال : « وصييّ وأعلم من أخلِف بعدي : علي بن أبي
طالب » ..
وسمعته يقول حين أخرج الناس من المسجد وأسكن
عليّاً عليه السلام : « إنّ عليّاً منّي بمنزلة هارون من موسى ». ثمّ قال صلّى الله
عليه [ وآله ] وسلّم : « إنّ رجالاً وجدوا من إسكاني عليّاً وإخراجهم ، بل الله
أسكنه وأخرجهم » (1)
وروي : إنّه لمّا سـدّ
الأبواب نفَس ذلك رجال على عليّ ، فوجدوا في أنفسهم ، وتبيّن فضله عليهم وعلى غيرهم
، فبلغ ذلك النبيّ صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ، فقام خطيباً فقال : « إنّ
رجالاً يجدون في أنفسهم في أن أسكن عليّاً في المسجد ، والله ما أخرجتهم ولا أسكنته
، إنّ الله عزّ وجلّ أوحى إلى موسى وأخيه : (أن تبوّءا
لقومكما بمصر بيوتاً واجعلوا بيوتكم قبلةً وأقيموا الصلاة)
(2) وأمره : لا يسكن مسجده ولا ينكح فيه ولا يدخله إلاّ هارون وذرّيّته
، وإنّ عليّاً منّي بمنزلة هارون من موسى ، وهو أخي دون أهلي ، ولا يحلّ مسجدي لأحد
ينكح فيه النساء إلاّ عليّ وذرّيّته ،
____________
(1) تنبيه الغافلين : 126 وص 162. وورد هذا الحديث مجَزّءاً ؛ فانظر :
شواهد التنزيل 1 | 77 ح 115 ، كفاية الطالب : 292 ، لسان الميزان 2 | 102 رقم 416 ،
مجمع الزوائد 9 | 113.
(2) سورة يونس 10 : 87.
(348)
فمن ساءه فها هنا » وأومى بيده نحو الشام
(1) . وهذا رواه المخالفون.
____________
(1) علل الشرائع : 202 باب 154 ، العمدة ـ لابن البطريق ـ : 178 ح 275 ،
الطرائف ـ لابن طاووس ـ : 61 ـ 63 ح 61 ، كشف الغمّة 2 | 332 ، المناقب ـ للمغازلي
ـ : 255 ح 303.
أقول : إنّ حديث « سـدّ الأبواب » هو دليل واضح على أفضلية
وعلوّ درجة وكمال مرتبة الاِمام عليّ عليه السلام.
وعلى هذا الأساس فالعقل يحكم
بأنّ من كان أبهر فضلاً وأعلى درجة وأكمل مرتبة في الدين يكون الأوْلى في التقديم
والأحقّ بالتعظيم والخلافة ، وهذا لا شكّ فيه.
ولأجل هذه المنزلة الرفيعة التي
نالها الاِمام عليه السلام من الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وضع بعض
الوضّاعين رواية محرّفة ، شاع تداولها في زمن بني أُميّة ، يذكر فيها : أنّ الباب
التي أمر الرسول بإبقائها مفتوحة على المسجد هي باب أبي بكر ، وسنورد نصّ ما قاله
ابن خلدون في تاريخه 4 | 850 ..
يقول : أوصى الرسول في حال مرضه بثلاث : أن
يخرجوا المشركين من جزيرة العرب ... ثمّ قال : سدّوا هذه الأبواب في المسجد إلاّ
باب أبي بكر ، فإنّي لا أعلم امرءاً أفضل يداً عندي في الصحبة من أبي بكر ، ولو كنت
متّخذاً خليلاً لاتّخذت أبابكر خليلاً ... انتهى كلام بن خلدون.
ولنا وقفة
قصيرة مع روايته هذه ، التي يشمّ منها رائحة البغض والعداء لخليفة رسول الله صلى
الله عليه وآله بلا فصل :
أوّلاً : من المتّفق عليه أنّ الجماعة عندما اجتمعوا
عند رسول الله صلى الله عليه وآله في حال مرضه وقال لهم : « اعطوني دواة وقرطاس
لأكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعدي أبداً » ، فقال عمر : إنّ الرجل ليهجر ، وغلب عليه
الوجع. فتخاصموا في ما بينهم ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله : « اخرجوا ،
لا ينبغي عندي النزاع » ، فخرجوا وكان من ضمنهم الأوّل ؛ فكيف يقول الرسول : سدّوا
الأبواب إلاّ باب أبي بكر. والرسول صلى الله عليه وآله أخرجهم من بيته ؟!
ثانياً : كيف يتحدّث الرسول صلى الله عليه وآله مع أبي بكر والحال أنّه تخلّف
عن جيش أُسامة ، ومن المتّفق عليه أنّه صلى الله عليه وآله لعن المتخلّفين عن جيش
أُسامة لحسدهم وحقدهم عليه ، كما فعلوا ذلك مع أبيه.
ثالثاً : إنّها رواية
شاذّة وضعيفة ، لذلك لم تصمد أمام الروايات المشهورة عند المسلمين ، التي تؤكّد على
انفراد الاِمام عليّ عليه السلام بهذه المنقبة ، وأنّ الرسول صلى الله عليه وآله لم
يترك باباً شارعةً على المسجد إلاّ باب أخيه وخليفته وصهره.
وهذه بعض المصادر
التي تشير إلى هذا : مسند أحمد 4 | 369 ، سُنن الترمذي 5 | 641 ح 3732 ، مسند أبي
يعلى 2 | 61 ح 703 ، المعجم الكبير ـ للطبراني ـ 12 | 99 ح 12594 ، المستدرك على
الصحيحين ـ للحاكم ـ 3 | 125 ، حلية الأولياء 4 | 153 ، تاريخ بغداد 5 | 293 ،
المناقب ـ للخوارزمي ـ : 60 ، ميزان الاعتدال 1 | 469 ، اللآلي المصنوعة : 911.
(350)
وممّا يؤيّد ذلك أيضاً : ما رويناه عن النبيّ صلّى الله عليه [
وآله ] وسلّم أنّه قال : « ليس في القيامة راكب غيرنا ، ونحن أربعة
».
فقام رجل من الأنصار فقال : فداك أبي وأمّي ، أنت ومن
؟
قال صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم : « أنا على دابّة الله
البراق ، وأخي صالح على ناقة الله التي عقرت ، وعمّي حمزة على ناقتي العضباء ، وأخي
عليّ على ناقة من نوق الجنّة ، بيده لواء الحمد بين يدي العرش ينادي : لاإله إلاّ
الله ، محمّـد رسول الله » ، قال : « فيقول الآدميّون : ما هذا إلاّ ملك مقرّب ، أو
نبيّ مرسل ، أو حامل عرش ربّ العالمين. فيجيبهم ملك من تحت بطنان العرش : معاشر
الآدميّين ! ما هذا ملكاً مقرّباً ، ولا نبيّاً مرسلاً ، ولا حامل العرش ، هذا
الصدّيق الأكبر ، هذا عليّ بن أبي طالب صلّى الله عليه » (1)
.
وعنه صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم أنّه قال : « إنّ
اللواء عموده من زبرجدة ، خلقه الله من قبل أن يخلق السماوات بألفي سنة ، مكتوب على
رداء ذلك اللواء : لا إله إلاّ الله ، محمّـد رسول الله ، آل محمّـد خير البريّة ،
____________
(1) عيون أخبار الرضا عليه السلام
2 | 48 ، كفاية الأثر : 101 ، الأمالي ـ للشيخ الطوسي ـ : 345 ح 711 ، المناقب ـ
لابن شهرآشوب ـ 3 | 267.
(351)
صاحب
اللواء إمام القوم ».
فقال عليّ : « الحمد لله الذي هدانا بك
وشرّفنا وكرّمنا ».
فقال النبيّ صلّى الله عليه [ وآله ]
وسلّم : « أما علمت أنّ من أحبّنا وانتحل محبّتنا أسكنه الله معنا ؟! » ، وتلا قوله
تعالى : (في مقعد صدق عند مليك مقتدر)
(1) .
ولا خلاف بين أهل النقل أنّ عليّاً عليه
السلام صاحب لواء الحمد يوم القيامة ..
وممّا يؤيّد
ذلك : ما رويناه عن رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم أنّه قال : «
إذا كان يوم القيامة صفّ الله عزّ وجلّ لي عن يمين العرش قبّة من ذهب حمراء ، وصفّ
لاِبراهيم قبّة من ذهب حمراء ، وصفّ لعليّ في ما بينهما قبّة من ذهب حمراء ، فما
ظنّك بحبيب بين خليلين ؟! » (2) .
ومن
ذلك : ما روي مشهوراً عن النبيّ صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم أنّه قال :
« إذا كان يوم القيامة وحشر الناس يوضع منبر من نور يمين العرش ، وآخر من يسار
العرش ، الأوّل لي والثاني لاِبراهيم صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ، ويوضع كرسي
من نور بينهما لك يا عليّ ، فما ظنّك بحبيب بين حبيبين ؟! » (3) .
____________
(1) سورة القمر 54 : 55.
(2)
الفضائل ـ لابن شاذان ـ : 123. وورد بتفاوت يسير جدّاً في الألفاظ في : تفسير فرات
الكوفي : 456 ح 597 ، كشف اليقين : 385 ـ 386 ، كشف الغمّة 1 | 321.
(3)
المناقب ـ للمغازلي ـ : 219 ح 265. وورد في العمدة ـ لابن البطريق ـ : 382 ح753 : «
إذا كان يوم القيامة ضرب الله عزّ وجلّ ... ».
(4) لم نعثر على هذا القول.
(352)
ومن
ذلك : ما رويناه بإسناده إلى النبيّ صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم أنّه قال : «
إذا كان يوم القيامة أمر الله جبرئيل أن يجلس على باب الجنّة فلايدخلها إلاّ من معه
براءة من عليّ بن أبي طالب عليه السلام » (1) .
ومن ذلك : ما رويناه بإسناده إلى النبيّ صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم أنّه قال :
« عليّ يوم القيامة على الحوض ، لا يدخل الجنّة إلاّ من جاء بجواز من عليّ بن أبي
طالب » (2) .
فانظر أيّها المسترشد رحمك الله :
هل يجوز أن يكون له عليه السلام الحلّ والعقد في البراءة والجواز في القيامة ، وهو
صاحب اللواء ، وصاحب الحوض ، وصاحب الكرسي والقبّة بين إبراهيم وأخيه محمّـد صلوات
الله عليهم أجمعين ، ويكون الخليفة غيره ؟!
كلاّ وحاشى ؛
لولا اتّباع الأهواء المضلّة عن السبيل ، ومحبّة هذا العاجل العليل ، كما قال أمير
المؤمنين عليه السلام بعد كلامه في من تقدّمه : « كأنّهم لم يسمعوا الله تعالى يقول
: (تلك الدار الآخرة نجعلها للّذين لايريدون علوّاً في
الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتّقين) (3) » ، ثمّ قال :
« بلى والله لقد سمعوها ووعوها ، ولكنّهم حَلِيت الدنيا في أعينهم ، وراقهم زبرجها
» (4) .
____________
(1) كشف
اليقين : 304. وورد بتفاوت يسير في الألفاظ في : بشارة المصطفى : 196 ، روضة
الواعظين : 128 ، المناقب ـ للخوارزمي ـ : 229.
(2) المناقب ـ للمغازلي ـ : 119
ح 156 ، العمدة ـ لابن البطريق ـ : 300 ح 502 ، كشف اليقين : 303.
(3) سورة
القصص 28 : 83.
(4) علل الشرائع : 151 ، معاني الأخبار : 361 ـ 362 ، الاِرشاد
ـ للشيخ المفيد ـ 1 | 289 ، الاحتجاج ـ للطبرسي ـ 1 | 457 ، الطرائف ـ لابن طاووس ـ
: 418 ـ 419 ، المناقب ـ لابن شهرآشوب ـ 2 | 234 ، شرح نهج البلاغة 1 | 200.