وعلى ذكر هذه الابيات فإني مورد حديثا طريفا سمعته في معناه وهو متعلق بها . . . حكي أن زيد (1) بن موسى بن جعفر بن محمد عليهم السلام ، رأى رسول الله صلى الله عليه وآله في المنام كأنه جالس مع أمير المؤمنين عليه السلام ، في موضع عال شبيه بالمسناة ، وعليها مراق ، فإذا منشد ينشد قصيدة السيد بن محمد الحميري هذه ، واولها : لام عمرو باللوى مربع * طامسة أعلامه بلقع (2)
____________
1 ـ هذه الحكاية عن زيد غير معروفة بين أهل الاثر ، والمعروف ما ذكره المجلسي في البحار باب مدائح الصادق عليه السلام المجلد 47 | 328 بما لفظه : وجدت في تأليفات بعض أصحابنا أنه روي بإسناده عن سهل بن ذبيان قال : دخلت على الامام علي بن موسى الرضا عليهم السلام في بعض الايام قبل أن يدخل أحد من الناس فقال لي : مرحبا بك يا ابن ذبيان ، الساعة أراد رسولنا أن يأتيك لتحضر عندنا .
فقلت : لماذا يا ابن رسول الله ؟ فقال : لمنام رأيته البارحة وقد أزعجني وأقلقني ، فقلت : خيرا يكون إن شاء الله تعالى ، فقال يا ابن ذبيان : رأيت كأني نصب لي سلم فيه مائة مرقاة ، فصعدت إلى أعلاه : فقلت يا مولاي : اهنيك بطول العمر ، وربما تعيش مائة سنة لكل مرقاة سنة ، فقال عليه السلام : ما شاء الله كان . ثم قال : فلما صعدت رأيت كأني دخلت في قبة خضراء ، يرى ظاهرها من باطنها ، وباطنها من ظاهرها ، ورأيت جدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جالسا فيها ، وإلى يمينه وشماله غلامان حسنان ، يشرق النور من وجههما ، ورأيت إمراة بهية الخلقة ، وبين يديه شخصا بهي الخلقة جالسا عنده ، ورأيت رجلا واقفا وهو يقرأ : لام عمرو باللوى مربع . . فلما رآني النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، قال : مرحبا بك يا ولدي يا علي بن موسى الرضا ، سلم على أبيك وأمك فاطمة ، وعلى أبويك الحسن ، والحسين عليهم السلام ، فسلمت ، قال : وسلم على شاعرنا ومادحنا السيد إسماعيل الحميري ، فسلمت وجلست ، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم : عد إلى ما كنا فيه ، فلما أنشده لام عمرو . . الخ بكى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ولما قال : ووجهه كالشمس إذ تطلع . . . بكى النبي ومن معه ، ولما بلغ إلى قوله : قالوا له لو شئت أعلمتنا . . قال : وأشار بيده إلى علي وقال : آلهي أنت الشاهد اني قد أعلمتهم أن الغاية والمفزع علي بن أبي طالب .
ولما فرغ من القصيدة إلتفت النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلي ، وقال : يا علي بن موسى إحفظ هذه القصيدة ، ومر شيعتنا بحفظها ، واعلمهم أن من حفظها وأدمن قراءتها ضمنت له على الله الجنة ، قال الرضا عليه السلام : ولم يزل يكررها حتى حفظتها منه ، والقصيدة هذه ثم ذكرها برمتها .
هذا المنام جاء بكامله في كتاب مجالس المؤمنين 2 | 502 . منتهى المقال | 142 . تنقيح المقال 1 | 142 . أعيان الشيعة 13 | 170 . الغدير 2 | 222 . أخبار السيد الحميري | 35 .
2 ـ الغدير 2 | 219 . اخبار السيد الحميري | 31 . الاغاني 7 | 240 . وقد شرح هذه العينية جمع من اعلام الطائفة كما خمسها جمع من العلماء والادباء .

( 45 )

حتى إنتهى إلى قوله :

قالوا له لو شئت أعلمتنا * إلـى من الغـاية والمفزع

قال : فنظر رسول الله إلى أمير المؤمنين صلوات الله عليهما ، وتبسم ثم قال : أولم أعلمهم ؟ أولم أعلمهم ؟ أولم أعلمهم ؟ ثلاثا ، ثم قال لزيد : إنك تعيش بعدد كل مرقاة رقيتها سنة واحدة ، قال : فعددت المراقي فكانت نيفا وتسعين مرقاة ، فعاش زيد نيفا وتسعين سنة .
وهو الملقب بزيد النار ، وانما سمي بذلك لانه لما غلب على البصرة أحرق نفرا من أهلها ، وأسواقا كثيرة منها (1) .
وما اشد إستحساني لجواب كان بعض المتقدمين من الشيعة يجيب به من سأله عن قعود أمير المؤمنين عليه السلام ، وتركه طلب الامر ، ودعاء الناس إلى نفسه ، وهو أنه كان يقول : أمير المؤمنين عليه السلام كان في هذا الامر فريضة ، من فرائض الله تعالى أداها نبي الله صلى الله عليه وآله إلى قومه ، مثل الصلاة ، والصوم ، والزكاة ، والحج ، وليس على الفرائض أن تدعوهم إلى أنفسها ، وتحثهم على طلبها ، وإنما عليهم أن يجيبوها ، ويسارعوا إليها ، وكان أمير المؤمنين عليه السلام في هذا الامر أعذر من هارون لان موسى عليه السلام لما ذهب إلى الميقات ، قال لهارون : « اخلفني في قومي واصلح ولا تتبع سبيل المفسدين » (2) . (2) . فجعله رقيبا عليهم وزعيما لهم ، وأن نبي الله تعالى صلى الله عليه وآله نصب عليا عليه السلام لهذه الامة علما ، ودعاهم إليه وحضهم عليه ، فعلي عليه السلام في عذر من لزوم بيته ، وإرخاء ستره ، والناس في حرج حتى يخرجوه من مكمنه ، ويستثيروه من مربضه ، ويضعوه في الموضع الذي وضعه فيه رسول الله صلى الله عليه وآله .
____________
1 ـ تنقيح المقال 1 | 471 . مقاتل الطالبيين | 534 . جمهرة انساب العرب | 64 . الاعلام 3 | 102 .
2 ـ سورة الاعراف | 142 .

( 46 )

ومن أعلامه ودلائله عليه السلام

على الاختصار منها ، والاقتصار على بعضها ، فلو أني نشرت ما طويت منها لرماني الناس بيد واحدة عن قوس واحدة ، وكذلك أنا في أخبار سائر الائمة عليهم السلام .
روي إن أمير المؤمنين عليا ـ عليه السلام ـ كان جالسا في المسجد إذ دخل عليه رجلان فاختصما إليه ، وكان أحدهما من الخوارج ، فتوجه الحكم إلى الخارجي فحكم عليه أمير المؤمنين عليه السلام ، فقال له الخارجي : والله ما حكمت بالسوية ولا عدلت في القضية ، وما قضيتك عند الله تعالى بمرضية ، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام وأومأ إليه إخسأ عدو الله ، فاستحال كلبا أسود ، فقال من حضره : فوالله لقد رأينا ثيابه تطاير عنه في الهواء ، وجعل يبصبص لامير المؤمنين عليه السلام ، ودمعت عيناه في وجهه ، ورأينا أمير المؤمنين عليه السلام وقد رق فلحظ السماء ، وحرك شفتيه بكلام ، لم نسمعه فوالله لقد رأيناه وقد عاد إلى حال الانسانية ، وتراجعت ثيابه من الهواء ، حتى سقطت على كتفيه ، فرأيناه وقد خرج من المسجد ، وان رجليه لتضطربان .
فبهتنا ننظر إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، فقال لنا : ما لكم تنظرون وتعجبون ؟ فقلنا يا أمير المؤمنين : كيف لا نتعجب وقد صنعت ما صنعت .
فقال : أما تعلمون أن آصف بن برخيا ، وصي سليمان بن داود عليهما السلام قد صنع ما هو قريب من هذا الامر فقص الله جل أسمه قصته حيث


( 47 )

يقول : ( أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين . قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإني عليه لقوى ، أمين . قال الذي عنده علم من الكتاب أنا اتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك . فلما رآه مستقرا عنده قال هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر ) إلى آخر الآية (1) .
* فايما أكرم على الله نبيكم أم سليمان عليهما السلام ؟ فقالوا : بل نبينا عليه السلام أكرم يا أمير المؤمنين قال : فوصي نبيكم أكرم من وصي سليمان وإنما كان عند وصي سليمان عليهما السلام من إسم الله الاعظم حرف واحد ، فسأل الله جل إسمه فخسف له الارض ما بينه وبين سرير بلقيس فتناوله في أقل من طرف العين ، وعندنا من إسم الله الاعظم إثنان وسبعون حرفا ، وحرف عند الله تعالى إستأثر به دون خلقه . فقالوا له يا أمير المؤمنين : فإذا كان هذا عندك فما حاجتك إلى الانصار في قتال معاوية وغيره ، واستنفارك الناس إلى حربه ثانية ؟ فقال : ( بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون ) (2) إنما أدعو هؤلاء القوم إلى قتاله لثبوت الحجة ، وكمال المحنة ، ولو أذن لي في إهلاكه لما تأخر ، لكن الله تعالى يمتحن خلقه بما شاء ، قالوا فنهضنا من حوله ونحن نعظم ما أتى به عليه السلام (3) .
الحميري عن أحمد بن محمد ، عن جعفر بن محمد بن عبيد الله ، عن عبد الله بن ميمون ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه عن آبائه عليهم السلام ، قال مر أمير المؤمنين عليه السلام في ناس من أصحابه بكربلاء فلما مر بها إغرورقت عيناه بالبكاء ، ثم قال : هذا مناخ ركابهم ، وهذا ملقى رحالهم ، وهاهنا تهراق دماؤهم ، طوبى لك من تربة عليها تهراق دماء الاحبة (4) .
____________
1 ـ سورة النمل | 39 .
2 ـ سورة الانبياء | 27 .
3 ـ البحار 35 | 429 ـ 436 . باب في أنه عليه السلام عنده علم الكتاب . سفينة البحار 1 | 23 . تفسير الصافي 4 | 67 .
4 ـ وقعة صفين | 142 .

( 48 )

* وباسناد عن الاصبغ بن نباته ، عن عبد الله بن عباس ، قال : كان رجل على عهد عمر بن الخطاب وله فلاء (1) بناحية اذربيجان قد إستصعبت عليه فمنعت جانبها ، فشكى إليه ما قدنا له وانه كان معاشه منها ، فقال له : إذهب فاستغث بالله عزوجل ، فقال الرجل : ما زال أدعوا وأبتهل إليه وكلما قربت منها حملت علي ، قال : فكتب له رقعة فيها من عمر أمير المؤمنين إلى مردة الجن والشياطين أن يذللوا هذه المواشي له ، قال : فأخذ الرجل الرقعة ومضى فاغتممت لذلك غما شديدا ، فلقيت أمير المؤمنين عليا عليه السلام فأخبرته بما كان ، فقال : والذي فلق الحبة ، وبرأ النسمة ليعودن بالخيبة ، فهدأ ما بي ، وطالت علي سنتي ، وجعلت أرقب كل من جاء من أهل الجبال ، فإذا أنا بالرجل قد وافي وفي جبهته شجة (2) تكاد اليد تدخل فيها ، فلما رأيته بادرت إليه فقلت له : ما وراءك ؟ فقال : اني صرت إلى الموضع ورميت بالرقعة فحمل علي عداد منها فهالني أمرها فلم تكن لي قوة بها ، فجلست فرمحتني احدها في وجهي فقلت : أللهم إكفنيها . . فكلها يشتد علي ، ويريد قتلي ، فانصرفت عني ، فسقطت فجاء أخ لي فحملني ، ولست أعقل ، فلم أزل أتعالج حتى صلحت ، وهذا الاثر في وجهي فجئت لاعلمه يعني عمر .
فقلت له : صر إليه فاعلمه فلما صار إليه وعنده نفر فأخبره بما كان فزبره ، وقال له : كذبت لم تذهب بكتابي ، قال : فحلف الرجل بالله الذي لا إله الا هو ، وحق صاحب هذا القبر لقد فعل ما أمره به من حمل الكتاب . وأعلمه أنه قد ناله منها ما يرى ، قال : فزبره وأخرجه عنه . فمضيت معه إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، فتبسم ثم قال : ألم أقل لك ؟ ثم أقبل على الرجل فقال له : إذا انصرفت فصر إلى الموضع الذي هي فيه وقل : اللهم أني أتوجه إليك بنبيك نبي الرحمة ، وأهل بيته الذين إخترتهم على علم على العالمين ، أللهم فذلل لي
____________
1 ـ الفلا : المهر ، والفرس ـ وفي بعض الروايات : وله مواش .
2 ـ الشجة : وهي الكسر في الرأس خاصة .

( 49 )

صعوبتها ، وحزانتها ، واكفني شرها ، فانك الكافي ، المعافي ، والغالب القاهر .
فانصرف الرجل راجعا ، فلما كان من قابل قدم الرجل ومعه جملة قد حملها من أثمانها إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، فصار إليه وأنا معه ، فقال : تخبرني أو أخبرك ؟ فقال الرجل بل : تخبرني يا أمير المؤمنين ، قال : كأنك صرت إليها ، فجاءتك ، ولاذت بك خاضعة ذليلة ، فأخذت بنواصيها واحدا بعد آخر فقال الرجل : صدقت يا أمير المؤمنين ، كأنك كنت معي ، فهذا كان ، فتفضل بقبول ما جئتك به .
فقال : امض راشدا بارك الله لك فيه . وبلغ الخبر عمر فغمه ذلك حتى تبين الغم في وجهه ، وانصرف الرجل وكان يحج كل سنة وقد أنمى الله ماله .
* قال ، وقال أمير المؤمنين عليه السلام : كل من إستصعب عليه شيء من ماله أو أهله أو ولد أو أمر فرعون من الفراعنة ، فليبتهل بهذا الدعاء فإنه يكفى مما يخاف إن شاء الله تعالى ، وبه القوة (1) .
وروي بإسناد أن أمير المؤمنين عليه السلام كان جالسا في مجلسه والناس مجتمعون عليه بالمدينة ، بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله ، حتى وافى رجل من العرب فسلم عليه ، وقال : أنا رجل لي على رسول الله صلى الله عليه وآله وعد ، وقد سألت عن قاضي دينه ، ومنجز وعده ، بعد وفاته فأرشدت إليك . فهل الامر كما قيل لي ؟ فقال أمير المؤمنين : نعم أنا منجز وعده ، وقاضي دينه من بعده ، فما الذي وعدك به ؟ قال : مائة ناقة حمراء ، وقال لي : إذا أنا قبضت فأت قاضي ديني ، وخليفتي من بعدي ، فانه يدفعها إليك وما كذب صلى الله عليه وآله . فإن يكن ما ادعيته حقا فعجل علي بها ـ ولم يكن النبي صلى الله عليه وآله خلفها ولا بعضها ـ فأطرق أمير المؤمنين عليه السلام مليا ، ثم قال يا حسن : قم فنهض إليه فقال له : إذهب فخذ قضيب رسول الله صلى الله عليه وآله الفلاني ، وصر إلى البقيع فأقرع به الصخرة الفلانية ثلاث قرعات ، وانظر ما يخرج منها
____________
1 ـ مهج الدعوات | 104 .
( 50 )

فادفعه إلى هذا الرجل ، وقل له يكتم ما رأى .
فصار الحسن ـ عليه السلام ـ إلى الموضع ، والقضيب معه ، ففعل ما أمره ، فطلع من الصخرة رأس ناقة بزمامها ، فجذبه الحسن ـ عليه السلام ـ فظهرت الناقة ، ثم ما زال يتبعها ناقة ثم ناقة حتى إنقطع القطار على مائة ، ثم إنضمت الصخرة فدفع النوق إلى الرجل ، وأمره بالكتمان لما رأى . فقال الاعرابي : صدق رسول الله صلى الله عليه وآله ، وصدق أبوك عليه السلام ، هو قاضي دينه ، ومنجز وعده ، والامام من بعده ، رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد (1) .
وروي أن أمير المؤمنين عليه السلام لما أقبل من صفين ، مر في زهاء سبعين رجلا بأرض ليس فيها ماء ، فقالوا له : يا أمير المؤمنين ليس هاهنا ماء ، ونحن نخاف العطش ، قالوا : فمررنا براهب في ذلك الموضع فسألناه هل بقربك ماء فقال : ما من ماء دون الفرات ، فقلنا يا أمير المؤمنين العطش وليس قربنا ماء ، فقال : إن الله تعالى سيسقيكم ، فقام يمشي حتى وقف في مكان ودعا بمساح ، وأمر بذلك المكان ، فكنس ، فأجلى عن صخرة ، فلما انجلى عنها ، قال : إقلبوها مرمناها بكل مرام فلم نستطعها فلما أعيتنا دنا منها فأخذ بجانبها فدحا (2) بها فكأنها كرة ، فرمى بها ، فانجلت عن ماء لم ير أشد بياضا ، ولا أصفى ، ولا أعذب منه ، فتنادى الناس الماء ، فاغترفوا ، وسقوا ، وشربوا ، وجملوا ، ثم أخذ عليه السلام الصخرة فردها مكانها ، ثم تحمل الناس فسار غير بعيد ، فقال : أيكم يعرف مكان هذه العين ؟ فقالوا : كلنا يعرف مكانها ، قال : فانطلقوا حتى تنظروا .
فانطلق من شاء الله منا فدرنا حتى أعيينا فلم نقدر على شئ فأتينا الراهب
____________
1 ـ حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لامير المؤمنين عليه السلام : أنت قاضي ديني ، ومنجز عدتي . مما أجمعت الائمة على صحته وتوثيقه وقد جاءت بأسانيد شتى صحيحة ، مسند أحمد بن حنبل 1 | 111 ، بسنده عن علي عليه السلام . الرياض النضرة 2 | 168 . حلية الاولياء 10 | 211 . كنز العمال 6 | 403 . مجمع الزوائد 9 | 113 ، عن جابر بن عبد الله . فضائل الخمسة 3 | 57 .
2 ـ دحا : دفع . رمى .

( 51 )

فقلنا له ويحك ألست زعمت أنه ليس قبلك ماء ، ولقد إستثرنا هاهنا ماء ، فشربنا واحتملنا ، قال : فوالله ما استثارها إلا نبي أو وصي نبي ، قلنا : فإن فينا وصي نبينا عليه السلام ، قال : فانطلقوا إليه فقولوا له : ماذا قال له النبي حين حضره الموت ؟ قال : فأتيناه فقلنا له إن هذا الراهب قال : كذا ، وكذا ، قال : فقولوا له إن خبرناك لتنزلن ولتسلمن ، فقلنا له فقال : نعم فأتينا أمير المؤمنين فقلنا قد حلف ليسلمن ، قال : فانطلقوا فاخبروه أن آخر ما قال النبي ، الصلاة ، الصلاة ، إن النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ كان واضعا رأسه في حجري فلم يزل يقول : الصلاة ، الصلاة ، حتى قبض .
قال فقلنا له ذلك فأسلم (1) . وفي ذلك يقول السيد بن محمد الحميري من قصيدته البائية المعروفة بالمذهبة :

ولقد سـرى فيمـا يسيـر بليـلة * بعد العشاء مغامرا (2) فـي موكب
في موكب حتى أتى متبتلا في قائم * ألـقى قواعـده بـقاع مجـدب (3)
فـدنا فصـاح به فـأشرف ماثلا * كـالنسر فوق شظية من مرقب (4)
هل قرب قائمك الذي بـوأته (5) * ماء يصاب فقال : مـا من مشرب
إلا بغـاية فرسـخين ومـن لنـا * بالـماء بين نقـاوقي سبـسب (6)
فثنى الاعنة نحو وعث (7) فاجتلى * بيضاء تبـرق كالـلجين المـذهب
قال : إقلبوهـا إنـكم إن تفعـلوا * تـرووا ولا تـروون إن لـم تقلب

____________
1 ـ مجمع الزوائد 9 | 293 عن أبي رافع . الارشاد | 176 . أعلام الورى | 176 .
2 ـ في اكثر الروايات هكذا : ( بعد العشاء بكربلا في موكب ) .
3 ـ المتبتل : الراهب . القائم : الصومعة . القاعدة : الاساس . الجدار . الجدب : ضد الخصب .
4 ـ الماثل : المنتصب ، وشبه الراهب بالنسر لطول عمره . والشظية : قطعة من الجبل . المرقب : المكان العالي .
5 ـ بوأ : أقام ، حل .
6 ـ النقى : قطعة من الرمل ، تنقاد محدوبة . والقى : الصحراء الواسعة . والسبسب القفرة .
7 ـ الوعث : الرمل الذي لا يسلك فيه .

( 52 )

فاعصو صبوا في قلعها فتمنعت * منهم تمنع صعبة لم تركب (1)
حتـى إذا أعيتهـم أهـوى لها * كفـو متى ترد المغـالب تغلب
فكأنها كرة بـكف حـزور (2) * عبل الذراع دحـابها في ملعب
فسقـاهم من تحتهـا متسلسـلا * عذبا يـزيد على الالذ الاعذب
حتى إذا شربـوا جميعـا ردها * ومضى فخلت مكانها لم يقرب
ذاك ابن فاطمة الوصي ومن يقل * في فضله وفعـاله لا يكـذب

* يعني فاطمة بنت أسد امه رضي الله عنها . وفي هذه القصيدة يذكر رد الشمس على أمير المؤمنين عليه السلام ، وسيرد ذكره فيما بعد بمشية الله ، وذلك قوله :

ردت عليه الشمس لما فاته * وقت الصلاة وقد دنت للمغرب
حتى تبلج نورها في وقتها * للعصر ثم هوت هوي الكوكب
وعليه قد حبست ببابل مرة * اخرى وما حبست لخلق معرب
إلا لاحمـد أولـه ولحبسها * ولردها تأويل أمر معجب (3)

وحدث أبو نعيم الفضل بن دكين ، قال : حدثنا محمد بن سليمان الاصبهاني ، قال : حدثني يونس ، عن أم حكيم بنت عمرو (4) قالت : خرجت ، وأنا أشتهي أن أسمع كلام علي بن أبي طالب عليه السلام ، فدنوت منه وفي الناس رقة ، وهو يخطب على المنبر ، حتى سمعت كلامه ، فقال رجل : يا أمير المؤمنين إستغفر لخالد بن عرفطة ، فإنه قد مات بأرض تيماء (5) فلم يرد عليه ، فقال : الثانية
____________
1 ـ إعصوصب إجتمع ، وتعاضد .
2 ـ الحزور : الغلام المترعرع .
3 ـ أعلام الورى | 177 . والقصيدة 112 بيتا شرحها السيد المرتضى علم الهدى وطبع بمصر عام 1313 وأول القصيدة قوله :

هلا وقفت على المكان المعشب * بين الطويـلع فاللوى من كبكب

4 ـ ام حكيم بنت عمرو بن سفيان الخولية . . . كانت من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام . جامع الرواة 2 | 455 . تنقيح المقال 3 | 70 . رجال الطوسي | 66 .
5 ـ تيماء : بليد في أطراف الشام ، بين الشام ووادي القرى على طريق حاج الشام ودمشق .

( 53 )

فلم يرد عليه ، ثم قال : الثالثة ، فالتفت إليه فقال : أيها الناعي خالد بن عرفطة كذبت ، والله ما مات ، ولا يموت حتى يدخل من هذا الباب ، يحمل راية ضلالة ، قالت : فرأيت خالد بن عرفطة (1) يحمل راية معاوية حتى نزل نخيلة وأدخلها من باب الفيل (2) .
* وبإسناد عن الاصبغ بن نباتة ، قال : كنت مع أمير المؤمنين عليه السلام بصفين فبايعه تسعة وتسعون رجلا ثم قال : أين تمام المائة ؟ فقد عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وآله إنه يبايعني في هذا اليوم مائة رجل ، فقال فجاء رجل عليه قباء صوف متقلد سيفين ، فقال : هلم يدك ابايعك فقال : على ما تبايعني ؟ قال : على بذل مهجة نفسي دونك ، قال : ومن أنت ؟ قال : اويس القرني فبايعه ، فلم يزل يقاتل بين يديه حتى قتل فوجد في الرجالة مقتولا (3) .
____________
1 ـ خالد بن عرفطة بن أبرهة بن سنان الليثي توفي بالكوفة سنة 60 | 61 إستخلفه سعد بن أبي وقاص على الكوفة من قبل معاوية . أسد الغابة 2 | 87 . الاصابة 1 | 409 . الاستيعاب 1 | 413 .
2 ـ أعلام الورى | 175 وفيه : وهذا الخبر مستفيض في أهل العلم بالآثار من أهل الكوفة .
3 ـ سفينة البحار 1 | 53 . رجال الطوسي | 35 . اعلام الورى | 170 . تأسيس الشيعة | 357 . جامع الرواة 1 | 110 .

( 54 )

خبر ميثم التمار رضي الله عنه

وبإسناد مرفوع إلى إبن ميثم التمار ، قال : سمعت أبي يقول : دعاني أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ يوما فقال لي يا ميثم كيف أنت إذا دعاك دعي بني امية عبيد الله بن زياد إلى البرائة مني ؟ قلت : إذا والله أصبر ، وذاك في الله قليل ، قال : يا ميثم إذا تكون معي في درجتي .
وكان ميثم يمر بعريف (1) قومه فيقول : يا فلان كأني بك قد دعاك دعي بني امية وابن دعيها فيطلبني منك ، فتقول هو بمكة ، فيقول : لا أدري ما تقول ، ولا بدلك أن تأتي به . فتخرج إلى القادسية فتقيم بها أياما ، فإذا قدمت عليك ذهبت بي إليه حتى يقتلني على باب دار عمرو بن حريث (2) ، فإذا كان اليوم الثالث إبتدر من منخري دم عبيط .
قال : وكان ميثم يمر في السبخة بنخلة فيضرب بيده عليها ، ويقول : يا نخلة ما غذيت إلا لي ، وكان يقول لعمرو بن حريث : إذا جاورتك فأحسن جواري ، فكان عمرو يرى أنه يشتري عنده دارا أو ضيعة له بجنب ضيعته فكان عمرو يقول : سأفعل ، فأرسل الطاغية عبيد الله بن زياد إلى غريف ميثم يطلبه منه فأخبره أنه بمكة فقال له : إن لم تأتني به لاقتلنك فأجله أجلا وخرج العريف إلى القادسية
____________
1 ـ العريف : العالم بالشّئ . من يعرف أصحابه . القيم بأمر القوم .
2 ـ أبو سعيد عمرو بن حريث بن عمرو بن عثمان المخزومي القرشي مات بالكوفة سنة 85 . ولي إمرة الكوفة لزياد ثم لابنه عبيد الله . الاصابة ت 5810 . اسد الغابة 4 | 97 . الكامل في التاريخ 2 | 249 .

( 55 )

ينتظر ميثما ، فلما قدم ميثم أخذ بيده فأتى به عبيد الله بن زياد ، فلما أدخله عليه ، قال له : ميثم ، قال : نعم ، قال : إبرأ من أبي تراب . قال : لا أعرف أبا تراب قال : إبرأ من علي بن أبي طالب قال : فان لم أفعل ؟ قال : إذا والله أقتلك . قال : أما انه قد كان يقال لي إنك ستقتلني ، وتصلبني على باب عمرو بن حريث ، فإذا كان اليوم الثالث إبتدر من منخري دم عبيط .
قال : فأمر بصلبه على باب عمرو بن حريث ، فقال للناس : سلوني ، سلوني ـ وهو مصلوب ـ قبل أن أموت ، فوالله لاحدثنكم ببعض ما يكون من الفتنء فلما سأله الناس وحدثهم أتاه رسول من إبن زياد ـ لعنه الله ـ فألجمه بلجام من شريط ، فهو أول من ألجم بلجام وهو مصلوب ، ثم أنفذ إليه من وجأ جوفه حتى مات فكانت هذه من دلائل أمير المؤمنين عليه السلام (1) .
* وبإسناد عن إسماعيل بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب عن أبيه عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، قال : أوصاني رسول الله صلى الله عليه وآله ، فقال يا علي : إذا أنا مت فاغسلني من بئري مرتين بسبع قرب فإذا فرغت من مهادي فضع سمعك على فمي ، ثم اعقل ما أقول لك ، قال : ففعلت ما أمرني به صلى الله عليه وآله فحدثني بما هو كائن إلى يوم القيامة (2) .
وبإسناد أن أمير المؤمنين عليه السلام ، كان يقول : ما من رجل من قريش جرت عليه المواسي إلا وقد نزلت فيه آية أو إثنتان تقوده إلى الجنة ، أو تسوقه إلى نار ، وما من آية نزلت في بر أو بحر أو في سهل أو جبل إلا وقد عرفت حين نزلت ، فيم انزلت ، ولو ثنيت لي وسادة لحكمت بين أهل التوراة بتوراتهم ، وبين أهل الانجيل بإنجيلهم ، وبين أهل الزبور بزبورهم ، وبين أهل القرآن بقرآنهم (3) .
____________
1 ـ الارشاد | 171 . أعلام الورى | 172 . سفينة البحار 2 | 523 . غزوات أمير المؤمنين ( ع ) | 46 .
2 ـ البحار 22 | 514 . بصائر الدرجات | 81 . رسالة في تغسيل النبي صلى الله عليه وآله بسبع قرب للشيخ عبد الله بن الحاج صالح بن جمعة اسماهيجي المتوفى 1135 هـ .
3 ـ من الاحاديث الثابتة أن أمير المؤمنين عليه السلام أعلم الصحابة على الاطلاق . كنز العمال 1 | 228 . طبقات ابن سعد 2 ق 2 | 101 . تهذيب التهذيب 7 | 337 . الغدير 3 | 95 . كفاية الطالب | 207 حلية الاولياء 1 | 67 . الاستيعاب 2 | 463 .