من جوابات المسائل التي سئل عليه السلام عنها

بإسناد مرفوع إلى الاصبغ بن نباته قال : أتى إبن الكواء أمير المؤمنين عليه السلام ، وكان معنتا في المسائل فقال له : يا أمير المؤمنين خبرني عن الله عزوجل ، هل كلم أحدا من ولد آدم قبل موسى ؟ فقال أمير المؤمنين عليه السلام قد كلم الله جميع خلقه برهم وفاجرهم ، وردوا عليه الجواب ، قال : فثقل ذلك على إبن الكواء ولم يعرفه فقال : وكيف كان ذلك ؟ فقال : أوما تقرأ كتاب الله تعالى إذ يقول لنبيه عليه السلام : ( وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى ) (1) فقد أسمعهم كلامه وردوا عليه الجواب كما تسمع في قول الله يا ابن الكواء ، قالوا بلى ، وقال لهم : ( إني أنا الله لا إله الا أنا وأنا الرحمن الرحيم ) فأقروا له بالطاعة والربوبية ، وميز الرسل والانبياء والاوصياء ، وأمر الخلق بطاعتهم فأقروا بذلك في الميثاق و أشهدهم على أنفسهم ، وأشهد الملائكة عليهم أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذه غافلين (2) .
قال السيد الرضي أبو الحسن : ولهذه الآية تأويل ليس هذا الموضع كشف جليته وبيان حقيقته .
وسأله عليه السلام رجل من اليهود ، فقال : أين كان الله تعالى من قبل أن
____________
1 ـ سورة الاعراف | 172 .
2 ـ مجمع البيان 1 | 497 . تفسير الدر المنثور 3 | 142 . تفسير الطبري 9 | 114 .

( 88 )

يخلق السماوات والارض ؟ فقال عليه السلام : أين سؤال عن مكان ، وكان الله ولا مكان .
فقطعه في أوجز كلمة (1) .
____________
1 ـ شرح محمد عبده 1 | 160 .
( 89 )

ومن مسائل سأله عنها إبن الكواء

فقال : كم بين المشرق والمغرب ؟ قال عليه السلام : مسيره يوم مطرد للشمس . وهذا أخصر كلام يكون وأبلغه .
وبإسناد مرفوع قال : إجتمع نفر من الصحابة على باب عثمان بن عفان فقال كعب الاحبار : والله لوددت أن أعلم أصحاب محمد عندي الساعة فأسأله عن أشياء ما أعلم أحد على وجه الارض يعرفها ما خلا رجلا أو رجلين إن كانا ، قال : فبينا نحن كذلك إذ طلع علي بن أبي طالب عليه السلام ، قال : فتبسم القوم . قال : فكأن عليا عليه السلام دخله من ذلك بعض الغضاضة ، فقال لهم : لشئ ما تبسمتم ؟ فقالوا : لغير ريبة ولا بأس يا أبا الحسن إلا أن كعبا تمنى امنية فعجبنا من سرعة إجابة الله له في أمنيته ، فقال عليه السلام لهم : وما ذاك ؟ قالوا : تمنى أن يكون عنده أعلم أصحاب محمد عليه السلام ليسأله عن أشياء زعم أنه لا يعرف أحدا على وجه الارض يعرفها ، قال فجلس عليه السلام ، ثم قال : هات يا كعب مسائلك .
* فقال : يا أبا الحسن أخبرني عن أول شجرة اهتزت على وجه الارض ؟ فقال عليه السلام : في قولنا أو في قولكم ؟ فقال : بل أخبرنا عن قولنا وقولكم ، فقال عليه السلام : تزعم يا كعب أنت وأصحابك إنها الشجرة التي شق منها السفينة قال كعب : كذلك نقول فقال عليه السلام : كذبتم يا كعب ولكنها النخلة التي أهبطها الله تعالى مع آدم عليه السلام من الجنة ، فاستظل بظلها وأكل من ثمرها .


( 90 )

هات يا كعب : فقال يا أبا الحسن أخبرني عن أول عين جرت على وجه الارض ، فقال عليه السلام : في قولنا أو في قولكم ؟ فقال كعب : أخبرني عن الامرين جميعا ، فقال عليه السلام : تزعم أنت وأصحابك أنها العين التي عليه صخرة بيت المقدس ، قال كعب : كذلك نقول ، قال : كذبتم يا كعب ولكنها عين الحيوان وهي التي شرب منها الخضر فبقى في الدنيا .
* قال عليه السلام هات يا كعب : قال أخبرني يا أبا الحسن عن شئ من الجنة في الارض فقال عليه السلام : في قولنا أو في قولكم ، فقال : عن الامرين جميعا ، فقال عليه السلام : تزعم أنت وأصحابك انه حجر أنزله الله من الجنة أبيض فاسود من ذنوب العباد ، قال كذلك نقول ، قال : كذبتم يا كعب ولكن الله أهبط البيت من لؤلؤة بيضاء ، جوفاء من السماء إلى الارض فلما كان الطوفان رفع الله البيت وبقى أساسه .
هات يا كعب ، قال : أخبرني يا أبا الحسن عمن لا أب له ، وعمن لا عشيرة له ، وعمن لا قبلة له ، قال : اما من لا أب له فعيسى عليه السلام ، وأما لا عشيرة له فآدم عليه السلام ، واما من لا قبلة له فهو البيت الحرام ، هو قبلة ولا قبلة لها .
هات يا كعب فقال : أخبرني يا أبا الحسن عن ثلاثة أشياء لم ترتكض في رحم ولم تخرج من بدن ، فقال عليه السلام له : هي عصا موسى عليه السلام ، وناقة ثمود وكبش إبراهيم .
ثم قال هات يا كعب ، فقال : يا أبا الحسن بقيت خصلة فإن أنت أخبرتني بها فأنت أنت ، قال هلمها يا كعب قال : قبر سار بصاحبه ، قال : ذلك يونس بن متى إذ سجنه الله في بطن الحوت (1) .
وبإسناد مرفوع إلى أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليهما السلام ، قال : قدم أسقف نجران على عمر بن الخطاب فقال يا أمير المؤمنين : إن أرضنا باردة
____________
1 ـ سفينة البحار 2 | 482 نقلا عن تفسير علي بن ابراهيم القمي . فضا وتهاى أمير المؤمنين | 250 .
( 91 )

سديدة المؤونة لا تحمل الجيش ، وأنا ضامن لخراج أرضي أحمله إليك في كل عام كملا ، فكان يقدم هو بالمال بنفسه ، ومعه أعوان له حتى يوفيه بيت المال ، ويكتب له عمر البرائة . قال : فقدم الاسقف ذات عام ، وكان شيخا جميلا فدعاه عمر إلى الله ، وإلى دين رسول الله صلى الله عليه وآله ، وأنشأ يذكر فضل الاسلام وما يصير إليه المسلمون من النعيم والكرامة ، فقال له الاسقف : يا عمر أنتم تقرؤن في كتابكم أن لله جنة عرضها كعرض السماء والارض ، فأين تكون النار ؟ قال : فسكت عمر ، ونكس رأسه ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام ، و كان حاضرا : أجب هذا النصراني . فقال له عمر : بل أجبه أنت ، فقال عليه السلام ، له : يا أسقف نجران أنا أجيبك أرأيت إذا جاء النهار أين يكون الليل ، وإذا جاء الليل أين يكون النهار ؟ فقال الاسقف : ما كنت أرى أن أحدا يجيبني عن هذه المسألة .
ثم قال : من هذا الفتى يا عمر ؟ قال عمر : هذا علي بن أبي طالب ختن رسول الله صلى الله عليه وآله وإبن عمه ، وأول مؤمن معه ، هذا أبو الحسن والحسين عليهما السلام .
قال الاسقف : أخبرني يا عمر عن بقعة في الارض طلعت فيها الشمس ساعة ، ولم تطلع فيها قبلها ولا بعدها ؟ قال له عمر : سل الفتى فقال أمير المؤمنين : أنا اجيبك ، هو البحر حيث انفلق لبني اسرائيل فوقعت الشمس فيه ولم تقع فيه قبله ولا بعده ، قال الاسقف : صدقت يافتى .
ثم قال الاسقف : يا عمر أخبرني عن شئ في أيدي أهل الدنيا شبيه بثمار أهل الجنة ؟ فقال : سل الفتى . فقال عليه السلام أنا أجيبك : هو القرآن يجتمع أهل الدنيا عليه فيأخذون منه حاجتهم ، ولا ينتقص منه شئ وكذلك ثمار الجنة . قال الاسقف : صدقت يافتى .
ثم قال الاسقف يا عمر : أخبرني هل للسماوات من أبواب ؟ فقال له عمر : سل الفتى . فقال عليه السلام : نعم يا أسقف ، لها أبواب فقال : يافتى ، هل


( 92 )

لتلك الابواب من أقفال ؟ فقال عليه السلام : نعم يا أسقف ، أقفالها الشرك بالله قال الاسقف : صدقت يافتى .
فما مفتاح تلك الاقفال ؟ فقال عليه السلام : شهادة ان لا إله إلا الله ، لا يحجبها شيء دون العرش فقال : صدقت يافتى .
ثم قال الاسقف يا عمر : أخبرني عن أول دم وقع على وجه الارض اي دم كان ؟ فقال : سل الفتى : فقال عليه السلام : أنا أجيبك ، يا أسقف نجران ، أما نحن فلا نقول كما تقولون أنه دم ابن آدم الذى قتله اخوه ليس هو كما قلتم ، ولكن أول دم وقع على وجه الارض مشيمة حواء حين ولدت قابيل بن آدم ، قال الاسقف صدقت يافتى .
ثم قال الاسقف : بقيت مسألة واحدة أخبرني أنت يا عمر أين الله تعالى ؟ قال : فغضب عمر ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام : أنا اجيبك وسل عما شئت ، كنا عند رسول الله صلى الله عليه وآله ذات يوم ، أتاه ملك فسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله : من أين ارسلت ؟ قال : من سبع سموات من عند ربي ، ثم أتاه ملك آخر فسلم فقال له رسول الله : من أين ارسلت ؟ فقال : من سبع أرضين من عند ربي ، ثم أتاه ملك آخر فسلم فقال له رسول الله : من أين ارسلت ؟ قال : من مشرق الشمس من عند ربي ، ثم أتاه ملك آخر فقال له رسول الله : من أين ارسلت ؟ فقال : من مغرب الشمس من عند ربي ، فالله هاهنا ، و هاهنا ، وهاهنا ، في السماء إله ، وفي الارض إله ، وهو الحكيم العليم .
قال أبو جعفر : معناه من ملكوت ربي في كل مكان ، ولا يعزب عن علمه شيء تبارك وتعالى (1) .
____________
1 ـ الغدير 6 | 242 . زين الفتى في شرح سورة هل أتى ( خ ) . قضاوتهاى امير المؤمنين ( ع ) | 282 .
( 93 )

ومن جملة كلامه عليه السلام للشامي

لما سأله أكان مسيره إلى الشام بقضاء من الله وقدره ، بعد كلام طويل هذا مختاره :
إن الله سبحانه أمر عباده تخييرا ، ونهاهم تحذيرا ، فكلف يسيرا ، ولم يكلف عسيرا ، وأعطى على القليل كثيرا ولم يعص مغلوبا ، ولم يطع مكرها ، ولم يرسل الانبياء لعبا ، ولم ينزل الكتاب للعباد عبثا ، ولا خلق السموات والارض وما بينهما باطلا ( ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار ) (1) .
____________
1 ـ الارشاد | 120 . شرح إبن ميثم البحراني 5 | 278 .
( 94 )

ومن كلامه عليه السلام القصير في فنون البلاغة ، والمواعظ والزهد ، والامثال

ولو لم يكن في هذا الكتاب سوى ما أوردناه من هذا الفصل لكفى به فائدة .
قال عليه السلام : خذ الحكمه أنى أتتك فإن الحكمة تكون في صدر المنافق ، فتلجلج في صدره حتى تخرج فتسكن إلى صواحبها في صدر المؤمن (1) .
وقال عليه السلام : الهيبة خيبة ، والفرصة تمر مر السحاب ، والحكمة ضالة المؤمن فخذ الحكمة ولو من أهل النفاق (2) .
وقال عليه السلام : اوصيكم بخمس لو ضربتم إليها آباط الابل كانت لذلك أهلا ، لا يرجون أحد منكم الا ربه . ولا يخافن إلا ذنبه . ولا يستحيين أحد إذا سئل عما لا يعلم أن يقول لا أعلم . ولا يستحيين أحد إذا لم يعلم الشئ أن يتعلمه . وعليكم بالصبر فإن الصبر من الايمان كالرأس من الجسد ، ولا خير في جسد لا رأس معه ، ولا في إيمان لا صبر معه (2) .
وقال الاصمعي : أتى رجل أمير المؤمنين عليه السلام ، فأفرط في الثناء عليه ، فقال ـ عليه السلام ـ وكان له متهما : أنا دون ما تقول ، وفوق ما في نفسك (3) .
____________
1 ـ شرح إبن ميثم 5 | 281 . ابن أبي الحديد 18 | 229 .
2 ـ المصدر السابق .
3 ـ الارشاد | 157 . شرح ، إبن ميثم 5 | 282 . إبن أبي الحديد 18 | 232 .

( 95 )

وقال عليه السلام : قيمة كل امرئ ما يحسنه .
قال السيد الرضي أبو الحسن رضي الله عنه : وهذه الكلمة لا قيمة لها ولا كلام يوزن بها (1) .
وقال عليه السلام : السيف أبقى عددا وأكثر ولدا (2) .
وقال عليه السلام : من ترك قول « لا أدري » اصيبت مقالته (3) .
وقال عليه السلام : رأي الشيخ أحب إلي من جلد الغلام . ويروى من مشهد الغلام (4) .
وقال عليه السلام : وقد سمع رجلا من الحرورية يتهجد بصوت حزين . نوم على يقين خير من صلاة في شك (5) .
وقال عليه السلام : إعقلوا الخبر إذا سمعتموه عقل رعاية ، لا عقل رواية ، فإن رواة العلم كثير ورعاته قليل (6)
وقال عليه السلام ، وقد سمع رجلا يقول : إنا لله وإنا إليه راجعون : يا هذا إن قولنا : إنا لله إقرار منا بالملك . وقولنا إليه راجعون إقرار منا بالهلك (7) .
وكان ابن عباس رضي الله عنه يقول : ما انتفعت بكلام أحد بعد رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ كانتفاعي بكلام كتبه إلي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وهو :
اما بعد ، فإن المرء قد يسره درك ما لم يكن ليفوته ، ويسوؤه فوت ما لم يكن ليدركه ، فليكن سرورك بما نلت من آخرتك ، وليكن أسفك على ما
____________
1 ـ نفس المصدر .
2 ـ شرح إبن أبي الحديد 18 | 235 . إبن ميثم البحراني 5 | 283 .
3 ـ المصدر السابق .
4 ـ إبن ابي الحديد 18 | 237 . إبن ميثم البحراني 5 | 284 .
5 ـ شرح إبن ميثم 5 | 289 . مجمع الامثال 2 | 455 .
6 ـ إبن ميثم البحراني 5 | 290 .
7 ـ نفس المصدر .

( 96 )

فاتك منها وما نلت من دنياك ، فلا تكثر به فرحا ، وما فاتك منها فلا تأس عليه جزعا ، وليكن همك فيما بعد الموت (1) .
وكان عليه السلام يقول إذا اطري في وجهه : أللهم اجعلنا خيرا مما يظنون ، واغفر لنا ما لا يعلمون (2) .
وقال عليه السلام : لا يستقيم قضاء الحوائج إلا بثلاث ، باستصغارها لتعظم ، وباستكتامها لتنسى ، وبتعجيلها لتهنأ (3) .
وقال عليه السلام : يأتي على الناس زمان لا يقرب فيه إلا الماحل ، ولا يظرف فيه إلا الفاجر ، ولا يضعف فيه إلا المنصف ، يعدون الصدقة غرما ، وصلة الرحم منا ، والعبادة إستطالة على الناس ، فعند ذلك يكون السلطان بمشورة الاماء ، وإمارة الصبيان (4) .
وقال عليه السلام ، وقد شوهد عليه ازار مرقوع فقيل له في ذلك فقال : يخشع له القلب ، وتذل به النفس ، ويقتدي به المؤمنون (5) .
وكان عليه السلام يقول : إنما أخشى عليكم من بعدي إتباع الهوى ، وطول الامل ، فان طول الامل ينسي الآخرة ، واتباع الهوى يصد عن الحق ، ألا وان الدنيا قد إرتحلت مدبرة ، والآخرة قد جاءت مقبلة ، ولكل واحدة منهما بنون ، فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا ، فإن اليوم عمل ولا حساب ، وغدا حساب ولا عمل ، واليوم المضمار ، وغدا السباق ، والسبقة الجنة ، والغاية النار (6) . وقال عليه السلام : ان الدنيا والآخرة عدوان متفاوتان ، وسبيلان مختلفان ،
____________
1 ـ شرح إبن ميثم 5 | 215 . دستور معالم الحكم | 96 .
2 ـ المصدر السابق 5 | 290 .
3 ـ نفس المصدر .
4 ـ إبن ميثم البحراني 5 | 291 .
5 ـ إبن مثيم 5 | 292 .
6 ـ شرح إبن ميثم 2 | 40 . إبن أبي الحديد 2 | 91 .

( 97 )

فمن أحب الدنيا وتولاها أبغض الآخرة وعاداها ، وهما بمنزلة المشرق والمغرب ، وماش بينهما كلما قرب من واحد بعد عن الآخر ، وهما بعد ضرتان (1) .
وعن نوف البكالى ، قال : رأيت أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ ذات ليلة وقد خرج من فراشه فنظر إلى النجوم ، ثم قال : يا نوف ، أراقد أنت أم رامق ؟ قلت : بل رامق يا أمير المؤمنين ، قال يا نوف : طوبى للزاهدين في الدنيا الراغبين في الآخرة ، اولئك قوم اتخذوا الارض بساطا ، وترابها فراشا ، وماءها طيبا ، والقرآن شعارا ، والدعاء دثارا ثم قرضوا الدنيا قرضا على منهاج المسيح عليه السلام .
يا نوف إن داود عليه السلام ، قام في مثل هذه الساعة من الليل ، فقال إنها ساعة لا يدعو فيها عبد الا استجيب له الا ان يكون عشارا ، أو عريفا ، أو شرطيا ، أو صاحب عرطبة ( وهى الطنبور ) أو صاحب كوبة ( وهي الطبل ) (2) .
وقال عليه السلام : إن الله فرض عليكم فرائض فلا تضيعوها ، وحد لكم حدودا قلا تعتدوها ، ونهاكم عن أشياء فلا تنتهكوها ، وسكت لكم عن أشياء و لم يدعها نسيانا فلا تتكلفوها ، رحمة من ربكم رحمكم بها فاقبلوها (3) .
وقال عليه السلام : لا يترك الناس شيئا من دينهم ، لاستصلاح دنياهم إلا فتح الله عليهم ما هو اضر منه (4) .
وقال عليه السلام : رب عالم قد قتله جهله ، ومعه علمه لا ينفعه (5) .
وقال عليه السلام : أعجب ما في هذا الانسان قلبه ، وله مواد من الحكمة وأضداد من خلافها ، فإن سنح له الرجاء أذله الطمع ، وإن هاج به الطمع أهلكه الحرص ، وإن ملكه اليأس قتله الاسف ، وإن عرض له الغضب إشتد به الغيظ
____________
1 ـ إبن ميثم البحراني 5 | 292 .
2 ـ شرح إبن ميثم 5 | 293 . إبن أبي الحديد 18 | 265 .
3 ـ إبن ميثم البحراني 5 | 294 . إبن أبي الحديد 18 | 267 .
4 ـ المصدر السابق 5 | 295 .
5 ـ نفس المصدر . إبن أبي الحديد 18 | 269 .

( 98 )

وإن أسعده الرضا نسي التحفظ ، وإن غاله الخوف شغله الحذر ، وإن اتسع له ، الامر استلبته الغرة ، وإن أصابته مصيبة فضحه الجزع ، وإن أفاد مالا أطغاه الغنى ، وإن عضته الفاقة شغله البلاء ، وإن جهده الجوع قعد به الضعف ، وإن أفرط به الشبع كظته البطنة ، فكل تقصير به مضر ، وكل إفراط له مفسد (1) .
وقال عليه السلام : نحن النمرقة الوسطى بها يلحق التالي ، وإليها يرجع الغالي (2) .
ومن كلام له عليه السلام : تجهزوا رحمكم الله فقد نودي فيكم بالرحيل ، واقلوا العرجة على الدنيا ، وانقلبوا بصالح ما بحضرتكم من الزاد ، فإن أمامكم عقبة كؤدا ، ومنازل هائلة مخوفة ، لا بد من الممر عليها ، والوقوف عندها ، فإما برحمة من الله نجوتم من فظاظتها (3) وشدة مختبرها ، وكراهة منظرها ، وإما بهلكة ليس بعدها نجاة ، فيالها حسرة على كل ذي غفلة أن يكون عمره عليه حجة .
وكان عليه السلام يقول : الوفاء توأم الصدق ، ولا نعلم نجاة ولا جنة أوقى منه ، وما يغدر من يعلم كيف المرجع في الذهاب عنه ، ولقد أصبحنا في زمان اتخذ أكثر أهله الشر كيسا ، ونسبهم أهل الجهل إلى حس الحيلة ، ما لهم ـ قاتلهم الله ـ قد يرى الحول القلب وجه الحيلة ودونها مانع من الله ونهيه ، فيدعها من بعد قدرة وينتهز فرصتها من لا جريحة في الدين (4) .
وقال عليه السلام : الناس في الدنيا عاملان ، عامل في الدنيا للدنيا قد شغلته دنياه عن آخرته ، يخشى على من يخلف الفقر ، ويأمنه على نفسه فيفني عمره في منفعة غيره ، وآخر عمل في الدنيا لما بعدها ، فجاءه ، الذى له من الدنيا بغير عمل ، فأصبح ملكا عند الله لا يسأل شيئا يمنعه (5) .
____________
1 ـ شرح إبن ميثم 5 | 295 . الارشاد | 159 . دستور معالم الحكم | 129 .
2 ـ شرح إبن أبي الحديد 18 | 273 . إبن ميثم 5 | 297 .
3 ـ في اكثر الشروح هكذا : وطئتها .
4 ـ شرح إبن ميثم البحراني 2 | 104 .
5 ـ المصدر السابق 5 | 380 .

( 99 )

* وقال عليه السلام : شتان بين عملين ، عمل تذهب لذته وتبقى تبعته ، وعمل تذهب مؤنته ويبقى أجره (1) .
وتحدث ـ عليه السلام ـ يوما بحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله ـ فنظر القوم بعضهم إلى بعض ، فقال عليه السلام : ما زلت مذ قبض رسول الله صلى الله عليه وآله مظلوما ، وقد بلغني مع ذلك أنكم تقولون إني أكذب عليه ، ويلكم أتروني اكذب ؟ فعلى من أكذب ؟ أعلى الله ؟ فأنا أول من آمن به ، أم على رسول الله ؟ وأنا أول من صدقه . ولكن لهجة غبتم عنها ، ولم تكونوا من أهلها ، وعلم عجزتم عن حمله ولم تكونوا من أهله ، إذ كيل بغير ثمن لو كان له وعاء ( ولتعلمن نبأه بعد حين ) (2) .
أراد أن النبي صلى الله عليه وآله ، كان يخيله ويسر إليه .
وشيع علي عليه السلام جنازة ، فسمع رجلا يضحك ، فقال عليه السلام : كأن الموت فيها على غيرنا كتب ، وكأن الحق فيها على غيرنا وجب ، وكأن الذي نرى من الاموات سفر ، عما قليل إلينا راجعون ، نبؤهم أجداثهم ، ونأكل تراثهم قد نسينا كل واعظة ، ورمينا بكل جائحة (3) .
وقال عليه السلام : طوبى لمن ذل في نفسه ، وطاب كسبه ، وصلحت سريرته ، وحسنت خليقته ، وأنفق الفضل من ماله ، وأمسك الفضل من لسانه ، وعزل عن الناس شره ، ووسعته السنة ، ولم ينسب إلى بدعة .
قال السيد الرضي أبو الحسن رضي الله عنه ، وهذا الكلام من الناس من يرويه عن النبي صلى الله عليه وآله ، وكذلك الذي قبله (4) .
وقال عليه السلام : من أراد عزا بلا عشيرة ، وهيبة من غير سلطان ، وغنى
____________
1 ـ شرح إبن ميثم 5 | 306 .
2 ـ سورة ص | 88 . شرح إبن ميثم 2 | 192 .
3 ـ إبن ميثم البحراني 5 | 306 . إبن أبي الحديد 18 | 311 .
4 ـ المصدر السابق .

( 100 )

من غير مال ، وطاعة من غير بذل ، فليتحول من ذل معصية الله إلى عز طاعة الله فإنه يجد ذلك كله (1) .
وقال عليه السلام : ، وقد فرغ من حرب الجمل : معاشر الناس إن النساء نواقص الايمان ، نواقص العقول ، نواقص الحظوظ ، فأما نقصان إيمانهن فقعودهن عن الصلاة والصيام في أيام حيضهن . وأما نقصان عقولهن فلا شهادة لهن إلا في الدين ، وشهادة إمرأتين برجل . وأما نقصان حظوظهن فمواريثهن على الانصاف من مواريث الرجال (2) .
وقال عليه السلام : إتقو شرار النساء ، وكونوا من خيارهن على حذر ، ولا تطيعوهن في المعروف حتى لا يطمعن في المنكر (3) .
وقال عليه السلام : غيرة المرأة كفر ، وغيرة الرجل إيمان (4) .
وقال عليه السلام : لانسبن الاسلام نسبة لم ينسبها أحد قبلي ، الاسلام هو التسليم ، والتسليم هو اليقين ، واليقين هو التصديق ، والتصديق هو الاقرار ، والاقرار هو الاداء ، والاداء هو العمل (5) .
وقال عليه السلام : قد يكون الرجل مسلما ولا يكون مؤمنا ، ولا يكون مؤمنا حتى يكون مسلما ، والايمان إقرار باللسان ، وعقد بالقلب ، وعمل بالجوارح ، ولا يتم المعروف إلا بثلاث ، تعجيله ، وتصغيره ، وتستيره ، فإذا عجلته هنأته ، وإذا صغرته عظمته ، وإذا سترته تممته (6) .
وقال عليه السلام : عجبت للبخيل الذي استعجل الفقر الذي منه هرب ، وفاته الغنى الذي إياه طلب ، فيعيش في الدنيا عيش الفقراء ، ويحاسب
____________
1 ـ شرح إبن ميثم 5 | 304 .
2 ـ إبن ميثم البحراني 2 | 223 .
3 ـ المصدر السابق .
4 ـ شرح إبن ميثم 5 | 308 .
5 ـ نفس المجلد والصفحة .
6 ـ شرح إبن أبي الحديد 19 | 51 . شرح محمد عبده 3 | 203 .

( 101 )

في الآخرة حساب الاغنياء . وعجبت للمتكبر الذي كان بالامس نطفة وهو غدا جيفة . وعجبت لمن شك في الله وهو يرى خلق الله . وعجبت لمن نسي الموت وهو يرى من يموت . وعجبت لمن أنكر النشأة الاخرى وهو يرى النشأة الاولى . وعجبت لعامر دار الفناء وتارك دار البقاء (1) .
وقال عليه السلام : من قصر في العمل ابتلى بالهم ، ولا حاجة لله فيمن ليس لله في نفسه وماله نصيب (2) .
وقال عليه السلام : لسلمان الفارسي رحمة الله عليه ، إن مثل الدنيا مثل الحية لين مسها قاتل سمها ، فاعرض عما يعجبك فيها لقلة ما يصحبك منها ، فإن المرء العاقل كلما صار فيها إلى سرور أشخصته منها إلى مكروه ، ودع عنك همومها إن أيقنت بفراقها (3) .
وقال عليه السلام : توقوا البرد في أوله ، وتلقوه في آخره ، فانه يفعل بالابدان كفعله في الاشجار أوله يحرق وآخره يورق (4) .
وقال عليه السلام : عظم الخالق عندك ، يصغر المخلوق في عينك (5) .
وقال عليه السلام : ثلاث خصال مرجعها على الناس في كتاب الله ، لبغي ، والنكث ، والمكر ، قال الله تعالى : ( يا أيها الناس إنما بغيكم على نفسكم ) (6) وقال تعالى : ( فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ) (7) وقال تعالى : ( ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله ) (8) .
____________
1 ـ شرح إبن ميثم 5 | 309 .
2 ـ إبن ميثم البحراني 5 | 310 .
3 ـ دستور معالم الحكم | 37 . شرح إبن ميثم 5 | 218 .
4 ـ شرح إبن ميثم 5 | 311 .
5 ـ نفس المصدر .
6 ـ سورة يونس | 23 .
7 ـ سورة الفتح | 10 .
8 ـ سورة الفاطر | 43 .

( 102 )

وقال عليه السلام ، وقد رجع من صفين ، فأشرف على القبور بظاهر الكوفة فقال :
يا أهل القبور يا أهل التربة ، يا أهل الغربة ، يا أهل الوحدة ، يا أهل الوحشة ، أما الدور فقد سكنت ، وأما الازواج فقد نكحت ، وأما الاموال فقد قسمت ، هذا خبر ما عندنا فما خبر ما عندكم ؟ ثم التفت إلى أصحابه فقال : أما لو أذن لهم في الكلام لاخبروكم : أن خير الزاد التقوى (1) .
* وقال عليه السلام : إن الدنيا دار صدق لمن صدقها ، ودار عافية لمن فهم عنها ، ودار غنى لمن تزود منها ، ودار موعظة لمن إتعظ بها ، مسجد أحباء الله ، و مصلى ملائكة الله ، ومهبط وحي الله ، ومتجر أولياء الله ، إكتسوا فيها الرحمة ، و ربحوا فيها الجنة ، فمن ذا يذمها وقد آذنت ببينها ، ونادت بفراقها ، ونعت نفسها وأهلها ، فمثلت لهم ببلائها ، وشوقتهم بسرورها إلى السرور ، وراحت بعافية ، و ابتكرت بفجيعة ، ترغيبا وترهيبا وتخويفا وتحذيرا ، فذمها رجال غداة الندامة ، و حمدها آخرون يوم القيامة ، ذكرتهم الدنيا فذكروا وحذرتهم فصدقوا ، ووعظتهم فاتعظوا .
فيا أيها الذام للدنيا المغتر بغرورها ، بم تذمها ؟ أنت المتجرم عليها أم هي المتجرمة عليك ؟ متى استهوتك ؟ أم متى غرتك ؟ أبمصارع آبائك من البلى ؟ أم بمضاجع أمهاتك تحت الثرى ؟ كم عللت بكفيك ؟ وكم مرضت بيديك ؟ تبغى لهم الشفاء ، وتستوصف لهم الاطباء ، لم ينفع أحدهم إشفاقك ، ولم تسعف فيه بطلبتك ، قد مثلت لك به الدنيا نفسك وبمصرعه مصرعك (2) .
وقال عليه السلام : المال والبنون حرث الدنيا ، والعمل الصالح حرث الآخرة وقد يجمعهما لاقوام (3) .
____________
1 ـ ابن ميثم الكبير 5 | 312 . ابن ابي الحديد 18 | 322 .
2 ـ إبن أبي الحديد 18 | 235 . ابن ميثم 5 | 313 .
3 ـ شرح ابن ميثم 2 | 3 . شرح ابن ابي الحديد 1 | 312 .

( 103 )

وقال عليه السلام : من لهج قلبه بحب الدنيا التاط منها بثلاث ، هم لا يغبه ، وأمل لا يدركه ، ورجاء لا يناله (1) .
وقال عليه السلام : إن لله ملكا ينادي في كل يوم ، لدوا للموت ، واجمعوا للفناء ، وابنوا للخراب (2) .
وقال عليه السلام : الدنيا دار ممر إلى دار مقر ، والناس فيها رجلان ، رجل باع نفسه فأوبقها ، ورجل إبتاع نفسه فأعتقها (3) .
وقال عليه السلام : لا يكون الصديق صديقا حتى يحفظ أخاه في ثلاث ، في نكبته ، وغيبته ، ووفاته (4) .
وقال عليه السلام : من أعطى أربعا لم يحرم أربعا ، من أعطي الدعاء لم يحرم الاجابة . ومن اعطي التوبة لم يحرم القبول . ومن أعطي الاستغفار لم يحرم المغفرة . ومن اعطي الشكر لم يحرم الزيادة . وتصديق ذلك في القرآن قال الله تعالى في الدعاء : ( ادعوني أستجب لكم ) (5) وقال ـ تعالى ـ في الاستغفار : ( ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما ) (6) وقال تعالى في الشكر : ( لان شكرتم لازيدنكم ) (7) وقال تعالى في التوبة : ( إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ، ثم يتوبون من قريب فاولئك يتوب الله عليهم ) (8) .
وقال عليه السلام : الصلاة قربان كل تقي ، والحج جهاد كل ضعيف ، و لكل شئ زكاة ، وزكاة البدن الصيام ، وجهاد المرأة حسن التبعل (9) .
____________
1 ـ شرح ابن ابى الحديد 19 | 52 . ابن ميثم 5 | 356 .
2 ـ شرح ابن مثيم 5 | 316 . شرح محمد عبده 3 | 183 .
3 ـ ابن ابي الحديد 18 | 329 . ابن ميثم البحراني 5 | 316 .
4 ـ شرح ابن ميثم 5 | 316 . ابن ابي الحديد 18 | 330 .
5 ـ سورة غافر | 60 .
6 ـ سورة النساء | 110 .
7 ـ سورة ابراهيم | 7 .
8 ـ سورة النساء | 17 .
9 ـ شرح ابن ابي الحديد 18 | 332 . ابن ميثم البحراني 5 | 317 .

( 104 )

وقال عليه السلام : إستنزلوا الرزق بالصدقة . ومن أيقن بالخلف جاد بالعطية (1) .
وقال عليه السلام : تنزل المعونة على قدر المؤونة (2) .
وقال عليه السلام : التقدير نصف العيش ، وما عال إمرء اقتصد (3) .
وقال عليه السلام : قلة العيال أحد اليسارين (4) .
وقال عليه السلام : التودد نصف العقل (5) .
وقال عليه السلام : الهم نصف الهرم (6) .
وقال عليه السلام : ينزل الصبر على قدر المصيبة ، ومن ضرب على فخذه عند المصيبة حبط أجره (7) .
وقال عليه السلام : كم من صائم ليس له من صيامه إلا الظمأ ، وكم من قائم ليس له من قيامه إلا العناء ، حبذا نوم الاكياس وإفطارهم ، عيبوا الحمقى بصيامهم وقيامهم ، والله لنوم على يقين أفضل من عبادة أهل الارض من المغترين (8) .
وقال عليه السلام : لا تأكلوا الربا في معاملاتكم فوالذي فلق الحبة ، وبرأ النسمة للربا أخفى في هذه الامة من دبيب النمل على صفاة سوداء في ليلة ظلماء (9) .
قال السيد الرضي رضي الله عنه ، وهذا الكلام يروى أيضا للنبي
____________
1 ـ شرح ابن ميثم البحراني 5 | 318 . شرح محمد عبده 3 | 185 .
2 ـ إبن أبي الحديد 18 | 337 . ابن ميثم 5 | 318 .
3 ـ شرح ابن ميثم البحراني 5 | 319 . ابن ابي الحديد 18 | 338 .
4 ـ شرح ابن أبي الحديد 18 | 339 . ابن ميثم 5 | 319 .
5 ـ شرح ابن ميثم 5 | 319 . ابن أبي الحديد 18 | 340 .
6 ـ ابن أبي الحديد 18 | 341 . شرح عبده 3 | 185 .
7 ـ ابن ميثم البحراني 5 | 319 . إبن أبي الحديد 18 | 342 .
8 ـ ابن أبي الحديد 18 | 344 . ابن ميثم البحراني 5 | 320 .
9 ـ المصدر السابق 3 | 368 .

( 105 )

عليه السلام ، ولا عجب أن يتداخل الكلامان ، ويتشابه الطريقان ، إذ كانا عليهما السلام يمضيان في اسلوب ويغرفان من قليب .
وقال عليه السلام : سوسوا إيمانكم بالصدقة ، وحصنوا أموالكم بالزكاة ، وادفعوا البلاء بالدعاء .
ومن كلامه عليه السلام ، لكميل بن زياد النخعي على التمام :
حدثني هارون بن موسى ، قال حدثني أبو علي محمد بن همام الاسكافي ، قال : حدثني أبو عبد الله جعفر بن محمد الحسني ، قال : حدثني محمد بن علي ابن خلف ، قال : حدثني عيسى بن الحسين بن عيسى بن زيد العلوي عن إسحاق ابن إبراهيم الكوفي ، عن الكلبي ، عن أبي صالح عن كميل بن زياد النخعي ، قال : أخذ بيدي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فأخرجني إلى الجبان ، فلما أصحر تنفس الصعداء ثم قال :
يا كميل بن زياد ، إن هذه القلوب أوعية فخيرها أوعاها ، فاحفظ عني ما أقول لك ، الناس ثلاثة ، فعالم رباني ، ومتعلم على سبيل نجاة ، وهمج رعاع أتباع كل ناعق ، يميلون مع كل ريح ، لم يستضيئوا بنور العلم ، ولم يلجؤوا إلى ركن وثيق .
* يا كميل بن زياد ، العلم خير من المال ، العلم يحرسك وأنت تحرس المال ، والمال تنقصه النفقة ، والعلم يزكو على الانفاق .
يا كميل بن زياد ، معرفة العلم دين يدان به ، يكسب الانسان الطاعة في حياته ، وجميل الاحدوثة بعد وفاته ، والعلم حاكم ، والمال محكوم عليه .
يا كميل بن زياد ، هلك خزان الاموال وهم أحياء ، والعلماء باقون ما بقي الدهر ، اعيانهم مفقودة ، وأمثالهم في القلوب موجودة ، ها إن هاهنا لعلما جما ( وأشار إلى صدره ) لو أصبت له حملة . بلى أصيب لقنا غير مأمون عليه مستعملا آلة الدين للدنيا ومستظهرا بنعم الله على عباده ، وبحججه على أوليائه ، أو منقادا لحملة الحق ، لا بصيرة له في إغيائه ، ينقدح الشك في قلبه لاول عارض من شبهة


( 106 )

ألا لاذا ولا ذاك ، أو منهوما باللذة سلس القياد للشهوة ، أو مغرما بالجمع و الادخار ، ليسا من رعاة الدين في شيء أقرب شبها بهما الانعام السائمة كذلك يموت العلم بموت حامليه .
اللهم بلى ، لا تخلو الارض من قائم لله بحجة إما ظاهرا مشهودا أو خافيا مغمورا لئلا تبطل حجج الله وبيناته ، وكم ذا ، وأين أولئك ، أولئك والله الاقلون عددا ، والاعظمون قدرا بهم يحفظ الله حججه ، وبيناته حتى يودعوها نظرائهم ، ويزرعوها في قلوب أشباههم ، هجم بهم العلم على حقيقة البصيرة ، وباشروا روح اليقين ، واستلانوا ما استوعر المترفون ، وأنسوا ما استوحش منه الجاهلون ، وصحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلقة بالمحل الاعلى ، أولئك خلفاء الله في أرضه والدعاة إلى دينه . آه آه شوقا إلى رؤيتهم ، إنصرف إذا شئت (1) .
وقال عليه السلام : المرء مخبوء تحت لسانه (2) .
وقال عليه السلام : هلك إمرؤ لم يعرف قدره (3) .
وقال عليه السلام : لكل إمرئ عاقبة حلوة أو مرة (4) .
وقال عليه السلام : لكل مقبل إدبار ، وما أدبر كأن لم يكن (5) .
وقال عليه السلام : أكثر العطايا فتنة وما كلها محمودا في العاقبة (6) .
وقال عليه السلام : الصبر لاعطاء الحق مر ، وما كل له بمطيق (7) .
وقال عليه السلام : لا يعدم الصبور الظفر ، وإن طال به الزمان (8) .
____________
1 ـ شرح ابن ميثم البحراني 5 | 321 . محمد عبده 3 | 186 . شرح ابن أبي الحديد 18 | 346 .
2 ـ ابن ميثم 5 | 327 . إبن أبي الحديد 18 | 353 .
3 ـ إبن أبي الحديد المعتزلي 18 | 355 . شرح ابن ميثم البحراني 5 | 327 .
4 ـ شرح ابن ميثم 5 | 332 . شرح ابن أبي الحديد 18 | 361 .
5 ـ ابن أبي الحديد 18 | 363 . إبن ميثم البحراني 5 | 332 .
6 ـ دستور معالم الحكم | 119 .
7 ـ ابن ميثم 5 | 225 .
8 ـ شرح ابن ابي الحديد 18 | 366 . شرح ابن ميثم ـ الكبير ـ 5 | 332 .

( 107 )

وقال عليه السلام : الراضي بفعل قوم كالداخل فيه معهم (1) .
وقال عليه السلام : على كل داخل في باطل إثمان ، إثم العمل به ، وإثم الرضا به (2) .
وقال عليه السلام : ما اختلفت دعوتان إلا كانت إحداهما ضلالة (3) .
وقال عليه السلام : ما شككت في الحق منذ أريته (4) .
وقال عليه السلام : ما كذبت ولا كذبت ولا ضللت ولا ضل بي (5) .
وقال عليه السلام : للظالم البادي غدا بكفه عضة (6) .
وقال عليه السلام : الرحيل وشيك (7) .
وقال عليه السلام : من وثق بماء لم يظمأ (8) .
وقال عليه السلام : من أبدى صفحته للحق هلك (9) .
وقال عليه السلام : استعصموا بالذمم في أوتادها (1) .
وقال عليه السلام : عليكم بطاعة من لا تعذرون بجهالته (11) .
وقال عليه السلام : قد بصرتم إن أبصرتم ، وقد هديتم إن أهتديتم (12 ) .
____________
1 ـ إبن ميثم البحراني 5 | 332 . إبن أبي الحديد 18 | 362 .
2 ـ إبن أبي الحديد 18 | 362 . شرح ابن ميثم 5 | 332 .
3 ـ شرح ابن مثيم البحراني 5 | 340 . ابن أبي الحديد 18 | 367 .
4 ـ إبن أبي الحديد 18 | 374 . ابن ميثم الحبراني 5 | 340 .
5 ـ شرح ابن ميثم 5 | 340 . شرح ابن أبي الحديد 18 | 368 .
6 ـ ابن ميثم البحراني 5 | 341 . ابن أبي الحديد 18 | 369 .
7 ـ إبن أبي الحديد المعتزلي 18 | 370 . شرح ابن ميثم 5 | 341 .
8 ـ ابن ميثم البحراني 1 | 270 . إبن أبي الحديد 1 | 207 في آخر خطبته عليه السلام برقم 4 .
9 ـ شرح إبن أبي الحديد 18 | 371 . شرح عبده 3 | 195 .
10 ـ إبن أبي الحديد 18 | 372 . ابن ميثم البحراني 5 | 333 وفيه : اعتصموا .
11 ـ شرح ابن ميثم 5 | 333 . شرح ابن أبي الحديد 18 | 373 .
12 ـ ابن أبي الحديد 18 | 376 . ابن ميثم البحراني 5 | 333 .