روايات نهي النبي ( ص ) عن البكاء و منشؤها :


 في صحيح مسلم و سنن النسائي و اللفظ للأول :
عن عبد الله ، أنّ حفصة بكت على عمر .
فقال : مهلاً يا بنية ! ألم تعلمي أنّ رسول الله ( ص ) قال : « إنّ الميت يعذّب ببكاء أهله عليه »([15]) .
 و في رواية أخرى :
عن عمر ، عن النبي ( ص ) قال : « الميت يعذّب في قبره بما نيح عليه  »  ([16]) .
  و في أخرى :
 عن ابن عمر ، قال : لما طعن عمر أغمي عليه ، فصيح عليه ، فلمّا أفاق قال : أما علمتم أنّ رسول الله ( ص ) قال : « إنّ الميّت يعذّب ببكاء أهله عليه »([17]) .
استدراك عائشة على حديث عمر و ابنه :
و في صحيحي البخاري و مسلم و سنن النسائي و اللّفظ لمسلم  :
 عن ابن عباس ما موجزه : لمّا قدمنا المدينة لم يثبت أمير المؤمنين أن أصيب ، فجاء صهيب يقول : وا أخاه ! وا صاحباه ! فقال عمر : ألم تعلم أو لم تسمع أنّ رسول الله ( ص ) قال : «إنّ الميت ليعذّب ببعض بكاء أهله»  .
فقمت فدخلت على عائشة ، فحدّثتها بما قال ابن عمر ، فقالت : لا و  الله  !  ما قال رسول الله ( ص ) قط « إنّ الميت ليعذّب ببكاء أحد » و  لكنّه  قال : « إنّ الكافر يزيده الله ببكاء أهله عذاباً وإنّ الله لهو أضحك و  أبكى  . و لا تزر وازرة وزر أخرى » .
و عن القاسم بن محمد قال : لما بلغ عائشة قول عمر و ابن عمر قالت : إنّكم تحدّثوني عن غير كاذبين و لا مكذّبين ، و لكنّ السمع يخطىء([18]).
 و جاء في صحيحي مسلم و البخاري و سنن الترمذي و  موطأ مالك و اللفظ للأول :
عن هشام بن عروة عن أبيه ، قال : ذُكرعند عائشة قول ابن عمر : الميت يعذّب ببكاء أهله عليه ، فقالت : رحم الله أبا عبد الرحمن ، سمع شيئاً فلم يحفظه ، إنّما مرّت على رسول الله ( ص ) جنازة يهودي و  هم  يبكون عليه ، فقال : « أنتم تبكون و إنّه يعذّب  »([19]) .
 قال الإمام النووي ( ت / 676 هـ ) في شرح صحيح مسلم عن روايات النهي عن البكاء المروية عن رسول الله ( ص ) : و هذه الروايات من رواية عمر بن الخطاب و ابنه عبد الله ( رض ) و  أنكرت عائشة و  نسبتها  إلى النسيان و الإشتباه عليهما ، و أنكرت أن يكون النبي ( ص ) قال ذلك ([20]) .
 الرسول ( ص ) يزجر عمر عند نهيه عن البكاء :
 في سنن النسائي و ابن ماجة و مسند أحمد و اللفظ للأول :
عن سلمة بن الأزرق قال : سمعت أبا هريرة قال : مات ميّت من آل رسول الله ( ص ) فاجتمع النساء يبكين عليه ، فقام عمر ينهاهنّ و يطردهنّ ، فقال رسول الله ( ص ) : « دعهنّ يا عمر ، فإنّ العين دامعة و القلب مصاب و  العهد قريب »([21]) .
و في مسند أحمد :
عن وهب بن كيسان ، عن محمد بن عمرو أنّه أخبره : أنّ سلمة بن الأزرق كان جالساً مع عبد الله بن عمر بالسوق ، فمرّ بجنازة يبكى عليها  ،  فعاب ذلك عبد الله بن عمر فانتهزهنّ ، فقال له سلمة بن الأزرق : لا تقل ذلك فاشهد على أبي هريرة لسمعته يقول : و توفيت امرأة من كنائن مروان و شهدها و  أمر مروان بالنساء التي يبكين فجعل يطردن ، فقال أبو هريرة : دعهنّ يا أبا عبد الملك ، فإنّه مرّ على النبي ( ص ) بجنازة يبكى عليها و أنا معه و معه عمر بن الخطاب ، فانتهر عمر اللاتي يبكين مع الجنازة ، فقال رسول الله  ( ص ) : « دعهنّ يا ابن الخطاب فإنّ النفس مصابة و إنّ العين دامعة و إنّ العهد حديث » . قال أنت سمعته ؟ قال : نعم ، قال : فالله و  رسوله أعلم ([22]) .
  مقارنة الروايات و نتيجتها :
 أثبت القسم الأول من الروايات أنّه كان من سيرة النبي (ص) البكاء على من رآه مشرفاً على الموت و على من توفّى شهيداً أو غير شهيد و  على  قبر المتوفى .
 و أثبت القسم الثاني من الروايات بكاء النبي ( ص ) عدّة مرّات على سبطه الشهيد و بذلك يلحق بكاؤه على الحسين ( ع ) بالقسم الأول و يعدّ من سيرة النبي و سنّته .
 و أثبت القسم الثالث من الروايات أنّ روايات نهي الرسول  (  ص  ) عن البكاء على الميت انحصرت بالخليفة الثاني وابنه عبد الله ، و ثبت من استدراك أمّ المؤمنين عائشة عليهما وأقوال صحابة آخرين مثل أبي هريرة و ابن عباس حول الأمر :
 أنّ ما رواه الخليفة الثاني و ابنه عبد الله من نهي النبي ( ص ) عن البكاء على الميت كان خطأ .
 و أنّ البكاء على من يخاف موته و على المتوفّى و على قبر المتوفّى من سيرة النبي ( ص ) و سنّته ، و بذلك يكون البكاء على الحسين ( ع ) اتباعاً لسيرة النبي ( ص ) و سنّته . 
 


([15]) صحيح مسلم 2 : 639 كتاب الجنائز ، باب الميت يعذّب ببكاء أهله عليه ، و سنن النسائي 4 : 18 كتاب الجنائز ، باب النهي عن البكاء على الميت .
([16]) صحيح مسلم 2 : 639 ، و صحيح الترمذي 4 : 222 كتاب الجنائز ، باب 24 ، و سنن ابن ماجة 1 : 508 كتاب الجنائز ، باب الميت يعذّب بما نيح عليه .
([17]) صحيح مسلم 2 : 639 ، و سنن النسائي 4 : 18 .

([18]) صحيح مسلم، كتاب الجنائز، باب9 ح22 و23 ، وصحيح البخاري كتاب الجنائز، باب يعذب الميت ببكاء أهله عليه 1:155-156، وسنن النسائي 4:18 كتاب الجنائز، باب النياحة على الميت، و الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة للزركشي:82 باب استدراكها على عمر بن الخطاب .

([19]) صحيح مسلم ، كتاب الجنائز ، باب 9 ح 25 ، و صحيح البخاري 1 : 156 كتاب الجنائز ، باب الميت يعذّب ببكاء بعض أهله ، و صحيح الترمذي ، كتاب الجنائز ، باب 425 : 226 - 227 روايتان ، و موطأ مالك 1 : 234 كتاب الجنائز ، باب النهي عن البكاء على الميت .

([20]) الإمام النووي في شرح صحيح مسلم 6 : 228 كتاب الجنائز .

([21]) سنن النسائي 2 : 19 باب الرخصة في البكاء على الميت ، و مسند أحمد 2  : 110 ، 273 ، 333 ، 408 ، 444 ، وسنن ابن ماجة 1 : 505 كتاب الجنائز ، باب ما جاء في البكاء على الميت ، ح 1587 .

([22]) مسند أحمد 2 : 273 و 408 و قريب منه ص 333 .