على
مائدة الكتاب
والسُّنّة
ــــــــــــــــــــــــــــــ
10
دِراسَةٌ
حَوْلَ
الجَبْر و
التّفويض
و القَضاءِ و
القَدر
تأليف
السيد
مرتضى
العسكري
قال
الإمام
الصادق (ع) :
«
لا جَبرَ و لا
تفويض و لكن
أمرٌ بين
أمرين » (الكافي
1:160)
الوحدة حول
مائدة الكتاب
و السنّة
بسم الله
الرحمن
الرحيم
الحمد
لله رب
العالمين ، و
الصَّلاة على
محمّد و آله
الطاهرين ،
و السلام
على أصحابه البرره
الميامين .
و
بعد : تنازعنا
معاشر
المسلمين على
مسائل الخلاف
في الداخل
ففرّق أعداء
الإسلام من
الخارج
كلمتنا من حيث
لا نشعر ،
وضعفنا عن
الدفاع عن
بلادنا ، و
سيطر الأعداء
علينا ، و قد
قال سبحانه و
تعالى : (وَ أَطِيعُوا
اللّهَ وَ
رَسُولَهُ وَ
لاَ تَنَازَعُوا
فَتَفْشَلُوا
وَ تَذْهَبَ
رِيحُكُمْ)(الانفال / 46)
و
ينبغي لنا
اليوم و في كل
يوم أن نرجع
إلى الكتاب و
السنّة في ما
اختلفنا فيه و
نوحّد كلمتنا
حولهما ، كما قال تعالى : (
فإنْ
تَنَازَعْتُم
في شَىْء
فَرُدُّوهُ
إلَى اللّهِ
وَ
الرَّسُولِ )(النساء / 59)
و
في هذه
السلسلة من
البحوث نرجع
إلى الكتاب و السنّة و نستنبط
منهما ما ينير
لنا السبيل في
مسائل الخلاف
، فتكون بإذنه
تعالى وسيلة
لتوحيد كلمتنا
.
راجين
من العلماء أن
يشاركونا في
هذا المجال ،
و يبعثوا
إلينا بوجهات
نظرهم على
عنوان :
بيروت - ص.ب 124/24 العسكري
مخطط
البحث
الجبر و
التفويض و
الاختيار …7
أ ـ
الجَبْرُ في
اللغة : …7
ب ـ
الجَبْرُ في
مصطلح علماء
العقائد
الإسلامية : …7
ج ـ
التفويض في
اللغة : …7
د ـ
التفويض في
مصطلح علماء
العقائد
الإسلامية : …8
هـ ـ
الاختيار في
اللغة : …8
و ـ
الاختيار في
مصطلح علماء
العقائد الإسلامية
: …8
القضاء و
القدر …9
أ ـ
معاني
القضاء
والقدر : …9
ب ـ
روايات من
أئمة أهل
البيت في
القضاء و القدر
: …13
شرح
الروايات : …18
أسئلة و
أجوبة …21
الجبر و
التفويض و
الاختيار
أ ـ
الجَبْرُ في
اللغة :
جَبَرَهُ
على الأمر
وأجبَرَهُ :
قَهَرَهُ عليه
، وأكْرَهَهُ
على
الإتيان به.
ب ـ
الجَبْرُ في
مصطلح علماء
العقائد
الإسلامية :
الجَبْرُ
: اجبارُ الله
تعالى عبادَه
على ما يفعلون
، خيراً كان
أو شراً ،
حسناً كان أو
قبيحاً ، دون
أنْ يكون
للعبد إرادة و
اختيارُ الرفض
و الامتناع ،
و يرى الجبرية
الجبر مذهباً
يرى أصحابُه
أنّ كلّ ما
يحدث للإنسان
قُدّر عليه
أَزَلاً ، فهو
مُسيّر لا
مُخيّر ، و هو
قول الأشاعرة([1]) .
ج ـ
التفويض في
اللغة :
فَوَّضَ
إليه الأمرَ
تفويضاً :
جَعَلَ له التَّصَرُّفَ
فيه .
د ـ
التفويض في
مصطلح علماء
العقائد
الإسلامية :
هو أنّ
الله تعالى
فوّض أفعال
العباد إليهم
، يفعلون ما
يشاؤون ، على
وجه
الإستقلال ،
دون أن يكون
لله سلطان على
أفعالهم ، (و
هو قول المعتزلة)([2]) .
هـ ـ
الاختيار في
اللغة :
خيّره
: فوّض إليه
الاختيار بين
أمرين أو شيئين
أو أكثر .
و ـ
الاختيار في
مصطلح علماء
العقائد
الإسلامية :
إنّ
الله سبحانه
كلّف عباده
بواسطة
الأنبياء و
الرسل ببعض
الأفعال و
نهاهم عن بعض
آخر ، و أمرهم
بطاعته في ما
أَمَرَ به
و نهى عنه
بعد أن منحهم
القوّة و
الإرادة على
الفعل و الترك
و جعل لهم الاختيار
في ما يفعلون
دون أن يجبر
أحداً على الفعل
، و سيأتي
الاستدلال
عليه بحوله تعالى
.
القضاء و
القدر
أ ـ
معاني
القضاء
والقدر :
تستعمل
مادّتا
القضاء و
القدر لعدّة
معان .
منها
في ما يخصّ
البحث من
مادّة القضاء
:
أ ـ
قضى أو يقضي
بين
المتخاصمين ،
كقوله تعالى :
( إنَّ
رَبَّكَ
يَقْضِي
بَيْنَهُمْ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ
فِيمَا
كَانُوا
فِيهِ يَخْتَلِفُونَ
)(يونس/93)
و(الجاثية/17)
ب ـ
قضى الله
الأمر :
أنْبَأه به ،
كقوله تعالى في
ما أخبر به
لوطاً عن مصير
قومه في سورة
الحجر/66 : ( وَ
قَضَيْنَا
إِلَيْهِ
ذلِكَ الاْ
َمرَ أَنَّ
دَابِرَ
هؤُلاَءِ
مَقْطُوعٌ
مُصْبِحِينَ ) .
أي
أنبأناه .
ج ـ
قضى الله
الشيء ، و به :
أوجبه ، أمر
به ، كقوله
تعالى في سورة
الإسراء/23 : ( وَ
قَضَى
رَبُّكَ أَ
لاَّ
تَعْبُدُوا
إِلاَّ
إِيَّاهُ ) .
أي
أمر بّذك و
أوجب عليكم أ
لاّ تعبدوا
إلاّ إيّاه .
د ـ
قضى الله
الأمر أو
الشيء :
تعلّقت
إرادته به ،
قدّره ، كقوله
تعالى في سورة
البقرة/ 117 : ( وَ إِذَا
قَضَى
أَمْراً
فَإِنَّمَا
يَقُولُ لَهُ
كُنْ
فَيَكُونُ ) .
أي
إذا أراد
أمراً .
و
قوله تعالى في
سورة الأنعام/
2 : (
هُوَ الَّذِي
خَلَقَكُمْ
مِنْ طِين
ثُمَّ قَضَى
أَجَلاً ) .
أي
قدّر لكلّ
انسان مدّة
يحيا فيها .
و
منها فيما
يخصّ البحث من
مادّة القدر :
أ ـ
قدر على الشيء
أو العمل :
استطاع أن
يفعله ، يتغلّب
عليه فهو قادر
، و القدير : ذو
القوّة ، كقوله
تعالى :
1- في
سورة يس :
( أَوَ
لَيْسَ
الَّذِي
خَلَقَ
السَّموَاتِ
وَ الاَْرْضَ
بِقَادِر
عَلى أَنْ
يَخْلُقَ
مِثْلَهُمْ ) (الآية
81) .
2- في
سورة البقرة :
( وَ
لَوْ شَاءَ
اللهُ
لَذَهَبَ
بِسَمْعِهِمْ
وَ
أَبْصَارِهِمْ
إِنَّ اللهَ
عَلَى كُلِّ
شَيْء
قَدِيرٌ ) (الآية 20) .
أي ذو
قدرة على فعل
كلّ شيء على
قدر ما تقتضي
الحكمة .
ب ـ
قَدَرَ :
1-
قَدَرَ
الرِّزق عليه
و يَقْدِر :
ضيّقه ، كقوله
تعالى في سورة
سبأ :
(قُلْ
إِنَّ رَبِّي
يَبْسُطُ
الرِّزْقَ
لِمَنْ
يَشَاءُ
وَيَقْدِرُ)(الآية 36) .
2- قدر
الله الأمر
بقدره :
دبَّره أو
أراد وقوعه ،
كقوله تعالى
في سورة
المرسلات :
(
فَقَدَرْنَا
فَنِعْمَ
الْقَادِرُونَ
)
(الآية 23) .
ج ـ
قدّر :
1-
قدّر الله
الأمر : قضى به
أو حكم بأنْ
يكون ، كقوله
تعالى في شأن
زوجة لوط ، في
سورة النمل / 57 :(
فَأَنْجَيْنَاهُ
وَ أَهْلَهُ
إِلاَّ امْرَأَتَهُ
قَدَّرْنَاهَا
مِنَ
الْغَابِرِينَ
) .
أى
حكمنا ، أو
قضينا عليها
بأن تكون من
الهالكين .
2-
قَدَّرَ في
الأمْرِ :
تَمَهَّلَ و
تروّى في إنجازه
، كقوله تعالى
في سورة سبأ / 11
مخاطباً داود
(ع) : ( وَ قَدِّرْ
فِي
السَّرْدِ ) .
أي
تمهّل و تروَّ
في صُنعه كي
تحكم عمله .
د ـ
القَدَر :
1-
القَدَر :
المقدار و
الكميّة ،
كقوله تعالى
في سورة
الحجر/21 : (وَ إِنْ
مِنْ شَيء
إِلاَّ
عِنْدَنَا
خَزَائِنُهُ
وَ مَا
نُنَزِّلُهُ
إِلاَّ
بِقَدَر مَعْلُوم).
أي
بمقدار و
كميّة معلومة
.
2-
قَدَرُ الشيء
: زمانه أو
مكانه ، كقوله
تعالى في سورة
المرسلات / 20 - 22 : (
أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ
مِنْ مَاء
مَهِين l
فَجَعَلْنَاهُ
فِي قَرَار
مَكِين l إِلى
قَدَر
مَعْلُوم ) .
أي
إلى زمان
محدّد معلوم .
3-
قَدَرُ اللهِ
: قضاؤُه
المحكم ، أو
حكمهُ المبرَم
على خَلقه ،
كقوله تعالى
في سورة
الأحزاب / 38 : (
سُنَّةَ
اللهِ فِي
الَّذينَ
خَلَوْا مَنْ
قَبْلُ وَ
كَانَ أَمْرُ
اللهِ
قَدَراً
مَقدُوراً ) .
أي
قضاءً محكماً
، و حُكماً
مُبْرَماً .
لعلّ
تعدّد معاني
ما يُنسبُ إلى
الله من مادَّتَي
القضاء و
القدر ، قد
أدّى إلى لبسِ
معنى ما ورد
منهما في
القرآن و
الحديث ، و
اعتقاد بعض
المسلمين
بأنّ الإنسان
يسيّر في حياته
، في كلّ ما
يعمل من خير
أو شرّ وفق ما
قضى الله عليه
و قدّر قبل
أنْ يخلقَ .
و
يطلق في
الأخبار لفظ
القدري على
الجبريّ و التفويضي
كليهما([3]) ، و
عليه فإنّ
القَدَرَ
اسمٌ للشيءء
و ضدّه
كالقُرْء ،
اسمٌ للحيضِ و
الطُّهر معاً
.
و لا
نُطيل البحث
بإيراد أقوال
المعتقدين بذلك
، و الإجابة
عليها ، و
إنّما نكتفي
بإيراد الأحاديث
التي نجد فيها
جواباً لتلكم
الأقوال
توضيحياً و
بياناً للأمر
بحوله تعالى :
ب ـ
روايات من
أئمة أهل
البيت (عليهم
السلام) في
القضاء و
القدر :
أولاً
: عن
أوّل أئمة أهل
البيت عليّ بن
أبي طالب (ع) ،
روي في توحيد
الصدوق بسنده
إلى الإمام
الحسن (ع) ، و في
تاريخ ابن
عساكر بسنده
إلى ابن عبّاس
و اللفظ
للأوّل قال :
دخل
رجل من أهل
العراق على
أمير المؤمين
(ع) ، فقال :
أخبرنا عن
خروجنا إلى
أهل الشام
أبقضاء من
الله و قدر ؟
فقال له أمير
المؤمين (ع) : «
أجل يا شيخ ،
فو الله ما
علوتم تلعةً و
لا هبطتم بطن
واد إلاّ
بقضاء من الله
و قدر » ، فقال
الشيخ : عند
الله أحتسبُ
عنائي([4]) يا
أمير
المؤمنين ،
فقال : « مهلاً
يا شيخ ، لعلّك
تظنُّ قضاءً
حتماًو قدراً
لازماً([5])، لو
كان كذلك لبطل
الثواب و
العقاب و
الأمر و النهي
و الزّجر ، و
لسقط معنى
الوعيد و
الوعد ، و لم يكن
على مُسيء
لائمةٌ و لا
لمحسن محمدةٌ
، و لكان
المحسن أولى
باللاّئمة من
المذنب و
المذنب أولى
بالإحسان من
المُحسن([6]) ،
تلك مقالةُ
عبدةِ
الأوثانِ و
خُصماءِ الرحمن
و قدريّة هذه
الأُمّة و
مجوسها .
يا شيخ إنّ
الله عزّ و
جلّ كلّف
تخييراً ، و
نهى تحذيراً ،
و أعطى على
القليل
كثيراً ، و لم
يُعصَ مغلوباً
، و لم يُطَع
مُكرهاً ، و
لم يخلق
السماوات و
الأرض و ما
بينهما
باطلاً ، ( ذلِكَ
ظَنُّ
الَّذِينَ
كَفَرُوا
فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ
كَفَرُوا
مِنَ
النَّارِ ) »([7]) .
قال :
فنهض الشيخ و
هو يقول :
أنت
الإمام الذي
نرجو بطاعته ***
يوم النجاة من
الرحمن
غفراناً
أوضحْتَ من
ديننا ما كان
مُلتبساً *** جزاك
ربّك عنّا فيه
إحساناً
فليس
معذرةً في فعل
فاحشة *** قد
كُنْتُ
راكبها فسقاً
و عصياناً([8])
ثانياً
: عن
السادس من
أئمة أهل
البيت (عليهم
السلام) ، الامام
أبي عبد الله
جعفر بن محمد
الصادق (عليه
السلام) :
«
إنّ الناس في
القَدَرِ على
ثلاثة أوجه :
رجلٌ يزعمُ
أنّ الله عزّ و
جلّ أجبر
الناس على
المعاصي ،
فهذا قد ظلم الله
في حُكمه فهو
كافر .
و
رجلٌ يزعمُ
أنّ الأمر
مفوّضٌ إليهم
، فهذا قد
أوهن الله في
سلطانه فهو
كافر .
و رجل
يزعمُ أنّ
الله كلّف
العباد ما
يطيقون و لم
يكلِّفهم لا
يُطيقونه و
إذا أحسن حمد
الله و إذا
أساء استغفر
الله فهذا
مسلمٌ بالغ »([9]).
ثالثاً
: و عن
الثامن من
أئمة أهل
البيت الإمام
أبي الحسن
الرضا (ع) قال :
أ ـ «
إنّ الله عزّ
و جلّ لم
يُطَعْ
بإكراه ، و لم يُعصَ
بغلبة ، و لم
يُهمل العباد
في مُلكه ، هو
المالك لما
ملّكهم و
القادرُ على ما
أقدرهم عليه ،
فإن
ائتمرالعبادُ
بطاعته لم يكن
الله منها
صادّاً ، و لا
منها مانعاً،
و إن ئتمروا
بمعصيته
فشاءَ أنْ
يحول بينهم و
بين ذلك فعل ،
و إنْ لم
يَحُلْ و
فعلوه فليس هو
الذي أدخلهم
فيه »([10]).
يعني
أنّ الإنسان
الذي أطاع
الله لم يكن
مجبراً على
الطاعة ،
و الإنسان
الذي عصاه لم
يغلب مشيئة
الله ، بل
الله شاء أن
يكون العبد
مختاراً في
فعله .
ب ـ
قال :
«
قال الله
تبارك و تعالى
:
يا
ابن آدم
بمشيئتي كنتَ
أنت الذي تشاء
لنفسك ما
تشاءُ ،
و بقوَّتي
أدَّيتَ
إليَّ فرائضي
، و بنعمتي
قويتَ على معصيتي
، جعلتُك
سميعاً
بصيراً
قويّاً ، ما
أصابك من حسنة
فمن الله و ما
أصابك من
سيّئة فمن نفسك
»([11]) .
و في
رواية : « عملت
بالمعاصي
بقوّتي التي
جعلتها فيك »([12]).
و عن
الإمام أبي
عبد الله
الصادق (ع) قال :
أ ـ «
لا جبر و لا
تفويض و لكن
أمرٌ بين
أمرين » . قال :
قلت : و ما أمر
بين أمرين ؟
قال : « مثل ذلك
رجل رأيته على
معصية فنهيته
فلم يَنْتَهِ
فتركته ففعل
تلك المعصية ،
فليس حيث لم
يقبل منك فتركته
كنت أنت الذي
أمرته
بالمعصية »([13]) .
ب ـ «
ما استطعت أنْ
تلوم العبد
عليه فهو منه
و ما لم تستطع
أن تلوم العبد
عليه فهو من
فعل الله .
يقول
الله للعبد :
لِمَ عصيت ؟
لِمَ فسقتَ ؟
لِمَ شربتَ
الخمر ؟ لِمَ
زنيت ؟ فهذا
فعل العبد ، و
لا يقول له :
لِمَ مرضتَ ؟
لِمَ قصُرتَ ؟
لِمَ
ابيضضْتَ ؟
لِمَ
اسودَدْتَ ؟
لأنّه من فعل
الله تعالى »([14]) .
شرح
الروايات :
إنّ
للجبر و
التفويض
جانبين :
أ ـ
ما كان منهما
من صفات الله .
ب ـ
ما كان منهما
من صفات
الإنسان .
فما
كان منهما من
صفات الله
فينبغي أخذه
منه بوساطة الأنبياء ،
و أوصياء
الأنبياء عن
الأنبياء ، و
ما كان من
صفات الإنسان
فإن قولنا :
أفعل هذا أو
لا أفعله دليل
على أنّا
نَفْعَل ما
نفعله
باختيارنا ، و
قد عرفنا ممّا
سبق أنَّ سير
الإنسان في
حياته لا
يشابه سير
الذرّة و
الكواكب و
المجرّات
المسخّرات
بأمر الله في
كلّ حركاتها و
ما يصدر منها
من آثار .
و لم
يفوّض الله
إليه أمر نفسه
. كلّ ما سخّر
له ليفعل ما
يشاء كما
يُحبُّ ، و
كما تهوى نفسه
، بل إنّ الله
أرشده بوساطة
أنبيائه كيف
يؤمن بقلبه
بالحقّ ، و
هداه إلى
الصالح
النافع في ما
يفعله
بجوارحه ، و
الضارِّ منه ،
فإذا اتبع هدى
الله ، و سار
على الطريق
المستقيم
خطوة أخذ الله
بيده و سار به
عشر خطوات
ثُمَّ جزاه بآثار
عمله في
الدنيا
والآخرة
سبعمائة مرّة أضعاف
عمله ، و الله
يضاعف لمن
يشاء بحكمته و
وفق سُنَّتِه
.
و
قلنا في المثل
الذي ضربناه
في ما سبق ،
بأنّ الله
أدخلَ
الإنسانَ المؤمن
و الكافر في
هذا العالم في
مطعم له من نوع
( سلف سرويس)
، كما قال
سبحانه في
سورة الإسراء/20
: ( كُلاًّنُمِدُّ
هؤُلاَءِ وَ
هؤُلاَءِ مِنْ
عَطَاءِ
رَبِّكَ وَ
مَا كَانَ
عَطَاءُ رَبِّكَ
مَحْظُوراً ) .
فلولا
إمدا الله
عبيده بكل ما
يملكون من
طاقات فكرية
و جسديّة ، و
ما سخَّر لهم
في هذا العالم
لما استطاع
المؤمن أن
يعمل عملاً
صالحاً ، و لا
الضالّ
الكافر أن
يعمل عملاً
ضارّاً
فاسداً ، و لو
سلبهم لحظة
واحدة أيّ جزء
ممّا منحهم من
الرؤية و
العقل و
الصحّة و ... و ...
لما استطاعوا
أن يفعلوا
شيئاً ، إذاً
فإنّ الإنسان
يفعل ما يفعل
بما منحه الله
بمحض اختياره
، و بناءً على
ما بيّنّاه ،
أنّ الإنسان
لم يفوّض إليه
الأمر في هذا
العالم ، و لم
يجبر على فعل بل
هو أمر بين
الأمرين ، و
هذه هي مشيئة
الله و سنّته
في أمر أفعال
العباد ، و لن
تجد لسنّة الله
تبديلاً .
أسئلة و
أجوبة
و في
هذا المقام
ترد الأسئلة
الأربعة
الآتية :
السؤال
الأوّل و
الثاني : كيف
يكون الإنسان
مختاراً في ما
يصدر منه من فعل
، مع تسلّط
الشيطان عليه
من حيث لا
يراه ، و إغوائه
بما يوسوس إلى
قلبه و يدعوه
إلى فعل الشرّ
؟!
و
كذلك شأن
الإنسان الذي
يعيش في
المحيط الفاسد
الذي لا يرى
فيه غير الشرّ
و الفساد
أمراً ؟!
السؤال
الثالث : ماذا
يستطيع أن
يفعل الإنسان
الذي لم تبلغه
دعوة
الأنبياء في
بعض الغابات ؟
السؤال
الرابع : ما ذنب
ولد الزِّنا ،
و ما جُبل
عليه من حبّ
فعل الشرّ
بسبب فعل
والديه ؟!
و
الجواب عن
السؤالين
الأوّل و
الثاني : إنّ
الله تبارك و
تعالى أتمّ
الحجّة على
الإنسان بما
أودع فيه مِنْ
غريزة البحث عن
سبب وجود كلّ
ما رآه و التي
توصله إلى
معرفة مسبّب
الأسباب ، و
لذلك قال
سبحانه و
تعالى في سورة
الأعراف / 172 : ( أَنْ
تَقُولُوا
يَوْمَ
الْقِيَامَةِ
إِنَّا
كُنَّا عَنْ هذَا
غَافِلَينَ ) ، فكما
أنّ الإنسان
لن يغفل عن
غريزة الجوع في
حال من
الأحوال حتى
يملأ جوفه
بالطعام ، كذلك
لن يغفل عن
غريزة طلب
المعرفة حتى
يعرف مُسَبِّب
الأسباب .
و
الجواب عن
السؤال
الثالث نقول :
قال الله سبحانه
و تعالى : ( لا
يُكَلِّفُ
اللهُ
نَفْساً
إِلاَّ
وُسْعَهَا )
(البقرة/286) ،و أمّا
السؤال
الرابع
فجوابه : إنّ
ولد الزنا ـ
أيضاً ـ ليس
مجبوراً على
فعل الشرّ ، و
كلّ ما في
الأمر أنّ
الحالة
النفسيّة
للوالدين في حال
ارتكابهما
الزّنا و ما
يريان من
نفسهما بأنّهما
باشرا
بفعلهما
خيانة
المجتمع ، و
إنّ المجتمع
يتقذّر من
فعلهما و
يحتقرهما و
يعاديهما لو
اطّلع على
فعلهما ، و
أنّهما عند
ارتكابهما
الرذيلة في
حالة معاداة
للنزيهين من
تلك الفعلة في
المجتمع و
الذين هم
أبرار
المجتمع و
أخياره و
المتمسِّكون
بفضائل
الأخلاق و
المعروفون بكلّ
ذلك في
المجتمع .
و
عليه فإنّ تلك
الحالة
النفسيّة
العدائيّة
منهما
للمجتمع و أبراره
تؤثِّر على
النطفة حين
انعقادها و
تنتقل بالوراثة
إلى ما يتكوّن
من تلك النطفة
، فإنّه يجبل
على حبّ الشرّ
و العداء
للخيّرين
والمعروفين
بالفضيلة في
المجتمع .
و من
الأمثلة على
ذلك زياد بن
أبيه و ولده
ابن زياد في
ما ارتكباه
زمان
إمارتهما في
العراق([15]) ، و
خاصّة ما فعله
ابن زياد بعد
استشهاد الإمام
الحسين (ع) ، مع
جسده الشريف و
أجساد
المستشهدين
معه من آل
الرسول (ص) و
أنصارهم : من
التمثيل
بهم ، و حمله
رؤوسهم من بلد
إلى بلد ، و
سوقه بنات
الرسول (ص)
سبايا إلى الكوفة
و سائر ما
عاملهم بها ،
في حين أنّه
لم يبق بعد
استشهاد
الإمام
الحسين (ع) أىّ
مقاوم لحكمهم
و لم يكن أي
مبرِّر له
عندئذ في كلّ
ما فعل من ظلم
و استهانة
بمقامهم في المجتمع
، عدا حبّه في
كسر شوكة أشرف
بيت في العرب
و أفضله و
تهوينهم ، و
حبّه للشرّ و
عدائه الجبليِّ
الفطري
للأكرمين في
المجتمع .
و
بناءً على ذلك
يكون حبّ
الشرّ و
الرغبة في إيذاء
الخيِّرين
و المعروفين
بالفضيلة في المجتمع
فطريّ في ولد
الزّنا ، على
عكس ولد الزواج
الحلال و الذي
ليس من فطرته
حبّ الشرّ و الرغبة
في إيذاء
الخيّرين في
المجتمع ، و
لكنّهما مع
كلّ ذلك ليسا
مجبورين على
القيام بكلّ
ما يفعلانه و
يتركانه من
خير و شرّ ، و
إنّما مثلهما
في ما جُبِلا
عليه مثل شابّ
مكتمل
الرجولة في
الجسد و ما
يتمتّع به من
حيويّة دافقة
و شهوة عارمة
للجنس ، مع
شيخ هرم ناف على
التسعين و
تهدّمت قواه ،
يعاني الفتور
و فقدان القوى
الجسديّة ،
منصرف عن
الشهوة الجنسية
و في عدم
تمكّن الأخير
من ارتكاب
الزّنا و توفّر
القوى
الجنسيّة في
الأوّل ; فإنّ
الشابّ
القويّ مكتمل
الرجولة ـ
أيضاً ـ غير مجبور
على ارتكاب
الزّنا في ما
إذا ارتكب ذلك
ليكون
معذوراً في
ارتكابه
الرذيلة ، و
أمّا إذا
تيسّر له
ارتكاب
الزّنا و خاف
مقام ربّه و نهى
النفس عن
الهوى فإنّ
الجنّة هي
المأوى([16])،
على عكس الشيخ
الهرم ، فإنّه
لا يُثاب على
تركه الزّنا ،
لأنّه لم يترك
الزّنا مع
قدرته عليه .
و
هكذا كلّما
تعمّقنا في
دراسة أي جانب
من جوانب حياة
الإنسان ،
وجدناه
مختاراً في ما
يصدر منه من
فعل ، عدا ما
يصدر منه عن
غفلة و عدم
تنبّه .
([1])
راجع تعريف
الأشاعرة في
الملل و النحل
للشهرستاني
بهامش الفصل
في الملل و
الأهواء ; و
النحل لابن
حزم 1:119 - 153 .
([2])
راجع تعريف
المعتزلة في
الملل و النحل
للشهرستانى
بهامش الفصل
في الملل و
الأهواء ; و
النحل لابن
حزم 1: 55-57 .
([4]) أي
إن كان خروجنا
و جهادنا
بقضائه تعالى
و قدره لم
نستحق أجراً ،
فرجائي أن
يكون عنائي
عند الله
محسوباً في
عداد أعمال من
يتفضّل عليهم
بفضله يوم
القيامة .
([6])
لأنّهما في
أصل الفعل
سيّان ، إذ
ليس بقدرتهما
و إرادتهما ،
مع أنّ المحسن
يمدحه الناس و
هو يرى ذلك
حقاً له و ليس
كذلك فليستحق
اللائمة دون
المذنب ،
والمذنب
يذمّه الناس و
هو يرى ذلك
حقاً عليه و
ليس كذلك
فليستحقّ
الاحسان كي
ينجبر تحمّله
لأذى ذمّ
الناس دون
المحسن .
([8])
توحيد الصدوق
: 380 ; و ترجمة
الامام علي
(عليه السلام)
في تاريخ ابن
عساكر 3:231 تحقيق
الشيخ
المحمودي .