ـ1ـ

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

من تاريخ الحديث

 

 

 

 

ـ2ـ

 

 

 

ـ3ـ

 

 

من تاريخ الحديث

 

تأليف

السيد مرتضى العسكري

 

 

 

ـ4ـ

 

هوية الكتاب

الكتاب : تاريخ الحديث

 

المؤلف :  السيِّد مرتضى العسكري

الناشر :  كلّية أُصول الدين  ـ طهران

تنضيد الحروف : عبد الجبار الساعدي ابووجدان

تاريخ الطبع  :  

شابك :ISBN  964   

 

ـ5ـ

 

 

 

 

 

 

 

 

ـ6ـ

 

 

 

 

حديث الرسول (ص)

انواعه وتاريخه

 

 

 

 

 

 

ـ7ـ

 

قال اللّه تعالى

أ ـ(وَأَنزَلْنَـا إِلَيْـكَ الذِّكْـرَ لِتُبَيِّـنَ لِلنَّـاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)النحل/44

ب ـ (وَمَا آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهَاكُمْ عَنْهُ فَاْنتَهُوا وَ اتَقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ العِقَابِ)الحشر/7

ج ـ (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الـهَوى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌّ يُوحَى)

النجم/ 3 - 4

 

 

الوحدة حول مائدة الكتاب و السنّة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، و الصَّلاة على محمّد و آله الطاهرين ، و  السلام على أصحابه البررة الميامين .

و بعد : تنازعنا معاشر المسلمين على مسائل الخلاف في الداخل ففرّق أعداء الإسلام من الخارج كلمتنا من حيث لا  نشعر ، وضعفنا عن الدفاع عن بلادنا ، و سيطر الأعداء علينا ، و  قد قال سبحانه و تعالى : (وَ  أَطِيعُوا اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ لاَ تَنَازَعُوا

ـ8ـ

فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) (الانفال / 46)

و ينبغي لنا اليوم و في كل يوم أن نرجع إلى الكتاب و السنّة في ما اختلفنا فيه و نوحّد كلمتنا حولهما ، كما  قال  تعالى : ( فإنْ تَنَازَعْتُمْ في شَيْء فَرُدُّوهُ إلى اللّهِ وَ الرَّسُولِ ) (النساء / 59)

و في هذه السلسلة من البحوث نرجع إلى الكتاب و  السنّة و  نستنبط منهما ما ينير لنا السبيل في مسائل الخلاف ،

فتكون بإذنه تعالى وسيلة لتوحيد كلمتنا .

راجين من العلماء أن يشاركونا في هذا المجال ، و  يبعثوا إلينا بوجهات نظرهم على عنوان :

كليّة اصول الدين

قم  ص . ب : 878 / 37185

ت : 26 - 7773525(0251)

ـ9ـ

 

 

 

 

 

 

 

 

انـواع الـوحـي

 

أوحى اللّه تعالى الى رسوله صلوات اللّه عليه وآله نوعين من الوحي:

1 ـ وحي قرآني: وهو ماكان لفظه ومعناه من اللّه (عزّ وجلّ) وهو كلامه المجيد في  : القرآن الكريم.

2 ـ وحي بياني : وهو ماكان معناه من اللّه في بيان القرآن وتفسيره او بيان احكام الاسلام، وقد بلّغه الرسول (ص) بلفظه الشريف وسميّ في المصطلح الاسلامي بحديث الرسول (ص) وبحثنا هذا يدور حول النوع الثاني من الوحي وماجرى عليه

ـ10ـ

عبر القرون، وفي هذا الصدد نقول :

قد كان سبب تحريف بعض الكتب السماوية السابقة احتواءَها على مايخالف سياسة ذوي السلطة من أهل تلك الكتب اذ كان ذوو السلطة من الامم السابقة يحرّفون من كتابهم السماوي ما لايوافق اهواءهم ورغباتهم ويكتمونه كما قال سبحانه (أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)البقرة / 75 .

وبما ان - حكمة اللّه ربّ العالمين - اقتضت ان تبقى الشريعة الخاتمة الى آخر الدهر، لذلك لم يشتمل القرآن على مايخالف سياسة حكام المسلمين في مختلف العصور، وانما بيّنت في حديث الرسول (ص)، و من ثمّ  جرى على حديث الرسول (ص) من التحريف والكتمان ماجرى على الكتب السماوية السابقة .

ونورد إكمالاً للبحث فيما يلي ثلاث صور للاعداد الاوائل من الإصحاح الثالث والثلاثين من سفر التثنية عن ثلاث طبعات للتوراة لنرى التحريف فيهنّ عياناً :

ـ11ـ

أ ـ تصوير النسخة الّتي ترجمها القسّيس رابنسن من الأصل العبراني إلى الفارسيّة وطبعت بمطبعة رجارد واطسن بلندن سنة 1839م :

باب سي وسيوم

1  وايـنست دعاى خير كه موسى مرد خدا قبل از مردن بر بنى اسرائيل خواند

2  وگفت كه خداوند از سيناى برآمد واز سعير نمردار گشت واز گوه فـاران افشـان شـد وبـا ده هـزار مـقـرّبان ورود نـمـرد واز دسـت راستش شريعتى آتشين براى ايشان رسيد 

3  بلكه قبائل را دوست داشت وهمگى مقدّساتش در قبضه تو هستند ومقرّبان پاى تو بوده تعليم ترا خواهند پذيرفت

4  موسى مارا بشريعتى امر كرد كه ميراث جماعت بني يعقوب باشد          (1)

 

 

 

ـــــــــــــــــــــ

1 - ستأتي ترجمته في مايأتي .

ـ12ـ

ب ـ تصوير النسخة المطبوعة بمطبعة رجارد واطسن بلندن سنة 1831م عن النسخة المطبوعة في رومية سنة 1671 لمنفعة الكنائس الشرقية   :

الاصحاح الثالث والثلاثون

فهذه البركه التي بها بارك موسى رجل اللّه بني اسراييل قبل موته

2 * وقال جآ الرب من سينا واشرق لنا من ساعير استعلن من جبل

3 فاران ومعه الوف الاطهار في يمينه سُنّة من نار * احب الشعوب جميع الاطهار بيده والذين يقتربون من رجليه يقبلون من تعليمه

5 * موسي امرنا بسنّة : ميراثا لجماعة يعقوب     (1)

 

ـــــــــــــــــــــ

1 - ورد العدد الثالث من هذا الإصحاح من التوراة في وصف خاتم الانبياء ومن كانوا معه لعلّه يكون من مصاديق قوله تعالى : (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلا مِنْ اللهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الاِْنْجِيلِ  ...) الفتح / 29

ـ13ـ

ج ـ تصوير النسخة المطبوعة بالمطبعة الامريكية في بيروت سنة 1907  (1):

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المحرّف في هذا الإصحاح وسببه :

إنّ الاعداد (1 ـ 4) من هذا الإصحاح تخبر انّ موسى بن عمران تكلّم قبل موته عن ثلاثة أماكن أظهر الله فيهنَّ أمره وأنزل شرائعه ، وهي :

ـــــــــــــــــــــ

1 - كذلك النص في ط / نيويورك سنة 1867 م .

ـ14ـ

أ ـ سيناء وهو المكان الّذي أنزل الله فيه شريعة التوراة على موسى (عليه السلام)ووصف تلك الشريعة في العدد الرابع منه بأنّها ميراث لجماعة يعقوب وهم بنو إسرائيل . إذاً فهي شريعة خاصة ببني إسرائيل .

ب ـ سعير أو ساعير ـ وهي الاراضي الّتي فيها الجبال المحيطة بالقدس كما في مادة (سعير) من قاموس الكتاب المقدّس ومادة (ساعير) من معجم البلدان . وهو المكان الّذي نزلت فيه شريعة الإنجيل على عيسى بن مريم (عليه السلام) ولم يرد حوله شرح في كلام موسى (عليه السلام) هنا .

ج ـ جبل فاران ـ وفاران كما ورد في الإصحاح 21 من سفر التكوين من التوراة مكان كان قد سكنته هاجر وإسماعيل بعد أن صـرفهما إبـراهيم مـن منـزله بطلب من سارة . وورد في العدد 21 منه خاصة في إسماعيل ما يلي :

«وسكن في برية فاران وأخذت أمه له زوجة من مصر» .

هذا ومن المجمع عليه أنّ إسماعيل وهاجر بعد مغادرتهما منزل إبراهيم سكنا مكة وعاشا بها حتّى تُوفيا بها . ومدفنهما مشهور

ـ15ـ

إلى اليوم بحجر إسماعيل ، وعلى هذا لا بُدَّ أن يكون جبل فاران من جبال مكة كما صرّح بذلك ـ أيضاً ـ في مادة «فاران» كلّ من ياقوت في معجم البلدان وابن منظور في لسان العرب ، والفيروز آبادي في القاموس ، والزبيدي في تاج العروس .

وقد ورد شرح صفات الشريعة الّتي نزلت بجبل فاران وكيفية ظهور أمر الله فيه بنسخة القس رابنسن (1)ماترجمته كما يلي :

«وأشرق من جبل فاران ، وورد مع عشرة آلاف من المقرّبين وآتاهم بيمينه شريعة نارية ، يحب القبائل ، وجميع مقدّساته في يدك ، ومقرّبين إلى رجلك . يأخذون تعاليمك» .

وورد في المطبوعة عن النسخة الرومية ما يلي :

«استعلن من جبل فاران . ومعه ألوف الاطهار ، في يمينه سنّة نارية ، أحبّ الشعوب ، جميع الاطهار بيده . يقتربون من رجليه ، يقبلون من تعليمه» .

ـــــــــــــــــــــ

1 - النص الذي مرّ آنفاً في ص 11 بالفارسية .

ـ16ـ

ولمّا كان الإشراق من جبل فاران يصدق على نزول شريعة القرآن على خاتم الانبياء محمّد (ص) بغار حراء في جبل فاران حول مكة وهو الّذي جاء بعد ذلك إلى مكة ـ أراضي فاران ـ مع عشرة آلاف وفتح مكة(1) وهو الّذي كان في يمينه شريعة نارية أو (سنّة نارية) أي شريعة الحرب وهو الّذي «أحب القبائل» أو (يحب الشعوب) كما أعلن القرآن عنه بقوله تعالى : (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)الانبياء/ 107  وقوله : (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ) سبأ / 28  .

لمّا كان هذا الإشراق يصدق على بعثة خاتم الانبياء ولا يصدق على غيره فإنّ موسى الّذي جاء مع أخيه وعيسى الّذي كان مع نفر من الحواريين لا يصدق على أحدهما أنّه ورد (مع عشرة آلاف من المقرّبين) .

ـــــــــــــــــــــ

1 - روى ابن هشام في سيرته 4 / 17، والطبري في تاريخه ط. اوربا1 / 1628، عن ابن إسحاق قال : كان مع رسول الله (ص) في فتح مكة «عشرة آلاف من المسلمين» .

ـ17ـ

وكذلك لايصدق على انَّ عيسى (في يمينه شريعة نارية) .

ولا يصدق على موسى الّذي جاء بناموس يخص جماعة يعقوب أنه أحبّ الشعوب أو يحبّ القبائل (؟) .

لهذا كلّه وقع التحريف في هذا النسخ كما يلي :

 

 

النُّسخ

أـ الجملة الأولى

ب ـ الجملة الثانية

ج ـ الجملة الثالثة

ترجمة نسخة رابنسن

ورد مع عشرة آلاف من المقرّبين

وآتاهم بيمينه شريعة ناريّة

يحبّ القبائل

النسخة الروميّة

ومعه ألوف الأطهار

في يمينه سنة من نار

أحبّ الشعوب

نسخة الطبعة الأمريكية

وأتى من ربوات القدس

وعن يمينه نار شريعة لهم

فأحبّ الشعب

 

ـ18ـ

في الفقرة (أ) حرّفت (وورد مع عشرة آلاف من المقرّبين) إلى (ومعه ألوف الاطهار) ثمّ رفعت الجملة نهائياً أخيراً ووضع مكانها (وأتى من ربوات القدس) ليصدق هذا التحريف الاخير على ظهور عيسى بن مريم (عليه السلام)!!! .

وفي الفقرة (ب) حرّفت (شريعة نارية) أو سنّة نارية إلى (نار شريعة) لئلاّ تدلّ على شريعة الحرب فتصدق على شريعة خاتم الانبياء خاصة .

وفي الفقرة (ج) حرّفت (القبائل) أو (الشعوب) الّتي وردت بلفظ الجمع إلى (الشعب) بلفظ المفرد ليصدق على غير خاتم الانبياء! .

ويتيسر معرفة التحريف مـن خـلال دراسة تـاريخ حديث الرسول (ص) عبر عصوره المختلفة والتي تنقسم الى خمسة عصور :

 

ـ19ـ

 

 

 

 

اد وار الوحيّ البياني : 

 

أولا ـ عصر صدور الحديث على عهد الرسول (ص).

ثانياً ـ عصر منع نشر حديث الرسول (ص) على عهد الخلفاء الثلاثة.

ثالثاً ـ عـصر نشر حديث الرسول (ص) على عهد الامام علي (ع).

رابعاً ـ عصر وضع الحديث على عهد بني أميّة.

خامساً ـ عصر تدوين الحديث الصحيح والموضوع، على عهد بني العباس فما بعد.

وقـد جـرى فـي كـل عصر من هذه العصور على حديث الرسول (ص) مانشير إليه بأيجاز فيما يأتي :

ـ20ـ

 

 

 

 

 

أولا ـ على عهد الرسول (ص):

 

لمعرفة ماجـرى علـى حـديث الرسول (ص) على عهد الرسول (ص) ومابعده  (1).  ينبغي ان نلمَّ بخصائص المجتمع الذي كان يروى فيـه حديث الرسول (ص) وتُعرف خصائص المجتمع على عهد الرسول (ص) بدراسة بعض الاخبار عن ذلك العصر، مثل خبر شجار سنان (2) حليف الانصار وجهجاه

ـــــــــــــــــــــ

1 - البحث هنا حول ماجرى على عهد الرسول (ص) .

2  - قال ابن عبد البر :

سنان بن تميم بن وبرة الجهني حليف لبني عوف بن الخزرج

عزا مع رسول الله المريسيع وهي غزوة بني المصطلق وهو الذي نازع جهجاه الغفاري على الماء .

واما ابن حجر فعزاه الى وبرة او وبر الجهني

الاستيعاب 2 / 566، اسد الغابة 2 / 357 ، الاصابة 2 / 82 - 83 .

ـ21ـ

الغفاري (1)  اجير عمر بن الخطاب في غزوة بني المصطلق على مـاء مريسيع حين ضرب اجير المهاجريّ حليف الانصار فنادى : ياللخزرج ! فنادى جهجاه : يالكنانة! فأقبلت قريش والاوس والخزرج وشهروا السلاح، ورحلهم الرسول (ص) في غير ساعة الرحيل وسار بالناس في حرّ شديد حتى آذتهم الشمـس فلما نزل بهم ومـس جلدهم الارض وقعوا نياماً(2)وبذلك منع من وقوع القتال بينهما.

ـــــــــــــــــــــ

1 - جـهـجاه الغـفاري  اختلفوا في نسبه ، شهد بيعة الرضوان الى غزوة بني المصطلق تناول العصا التي كان يخطب عليها عثمان فكسرها على ركبته فدخلت منها شضية في ركبته وبقي الجرح فيها حتى مات بعد قتل عثمان بسنة ترجمته في اسد الغابة  1 / 309. 

2  - الطبري ،ط .اوربا، 1 / 1511 - 1526 واللفظ له ، مغازي الواقدي ص 415 - 425 ، وسيرة ابن هشام 3 / 334 - 336 .

ـ22ـ

ومثل خبر الصحابي القرشي ابي بكر، كما جاء في صحيح مسلم : انّ ابا سفيان أتى على سلمان وصهيب وبلال في نفر، فقالوا : واللّه ما  اخذت سيوف اللّه من عنق عدّو اللّه مأخذها! فقال ابو بكر : اتقولون هذا لشيخ قـريش وسيّـدهم! وجاء في شرح الحديث انّ هذا الاتيان لابـي سفيان كان وهو كافر في الهدنة بعد عام الفتح (1) .

واخيراً خبر بيعة السقيفة ومبادرة الانصار لاخذ البيعة لسعـد بـن عبـادة الانصاري وغلبة المهاجرين القرشيين عليهم (2).

من أمثال هذه الاخبار في عصر الرسول (ص) وبعيد وفاته ندرك ان العصبية القبلية كانت متأصّلة في نفوس المسلمين مع مجاهدة الرسول (ص) للقضاء عليها. وهذه الظاهرة قد تركت

ـــــــــــــــــــــ

1 - صـحيح مسلم ،كتاب الفضائل ،باب من فضائل سلمان وصهيب وبلال ، ح: 170، ص 1947 .

2  - راجع تفصيل الخبر والمصدر في عبدالله بن سبأ المجلد الأول بحث السقيفة .

ـ23ـ

اثرها على حديث الرسول (ص) كما نلاحظ ذلك على سبيل الـمثال فـي الخبـر الاتي:

فـي سنـن الدارمي وابي داود ومسند احـمد ومستـدرك الـحاكم وغيرها، عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص انّه قال : «كنـت أكتـب كـلّ شـيء أسـمعـه مـن رسول اللّه (ص) فنهتني قريش وقالوا : تكتب كلّ شيء سمـعته مـن رسـول اللّه (ص) ورسـول اللّه (ص)بشـر يتكلم في الغـضب والرضا؟ فأمسكت عن الكتابة فذكرت ذلك لرسول اللّه (ص) فأومأ بأصبعه الى فيه وقال :

أُكتب فو الّذي نفسي بيده ماخرج منه الا حقّ»(1).

ـــــــــــــــــــــ

1  -  سنن الدارمي 1/125 باب : من رخص في كتابة العلم ،من المقدمة، وسنن أبي داود 2/126 باب كتابة العلم ،ومسند أحمد 2/162، 192 و207 و 215 ، ومستدرك الحاكم 1/105 ـ 106، وجامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر 1/ 85 ، ط. الثانية، القاهرة 1388هـ .

      وعبد اللّه بن عمرو بن العاص قرشي سهمي، وامه ريطة بنت منبه السهمي اختلفوا في وفاته أكان بمصر أو الطائف أو مكة عام 63 أو 65 راجع ترجمته بأسد الغابة 3/23 وسير اعلام النبلاء 3/56 وتهذيب التهذيب 5/337.

ـ24ـ

قد كشفوا النقاب في حديثهم هذامع عبد اللّه عن سبب منعهم من كتابة حديث الرسول (ص)، وهو خشيتهم من أن يروي عن الرسول (ص)حديثاً في حقّ اناس قاله فيهم حال رضاه عنهم، وفي آخرين ما قاله في حال غضبه عليهم على حدّ زعمهم.

نستنتج مما ذكرنا انّ مهاجرة قريش كانت تأبى من تسجيل حديث الرسول (ص) الّذي فيه ذمّ لسادة قريش ومدح لآخرين خلافاً لما يراه الرسول (ص) من تسجيلها وفي مايأتي ندرس امثلة من حديث الرسول (ص) من النوع الذي كان لايرى الصحابة القرشيون نشرها في عصر صدور الحديث على عهد الرسول (ص) وما بعده :

      أ ـ أحاديث الرسول (ص) في تفسير القرآن بشأن كفار

ـ25ـ

قريش مثل مانزل :

             1 ـ في الوليد بن المغيرة من سادة قريش(1)

(إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ * فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ) المدّثر/ 18 ـ 19 .

             2 - في ذمّ نيف وعشرة من سادات قريش (2):

(أَو تُسْقِطَ السَّمَـآءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأتِىَ بِاللَّه وَالمَلَــِكَةِ قَبِيلاً)الاسراء/92

ـــــــــــــــــــــ

1 - سيـرة ابن هشام 1 / 283 - 284  ،و سيرة ا بن اسـحـاق ص 131 - 132 ،تفسير الاية بتفسير الطبري، 29 / 96 - 98 وتفسير القرطبي ،19 / 71 - 76 وتفسير الكشاف ،4 / 182 - 183 وتفسير ابن كثير ،4 / 442 - 443 .وتفسير السيوطي، 6 / 282 - 283 .

2  -  سيـرة ابـن هشام ،1 /  331 -  332 وتفسير الاية بتفسير الطبري، 15 / 107 - 111 وتفسير القرطبي ،10 / 327 - 331 وتفسير ابن كثير ،3 / 62 - 63 وتفسير السيوطي، 4 / 202 - 203

ـ26ـ

             3 ـ في شأن المستهزئين منهم (1):

(إِنَّـا كَـفَيْنَـكَ المُسْتَهزءِينَ )الحجر/95

             4 ـ في شأن العاص بن وائل (2):

( إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الاَْبْتَرُ)الكوثر/3 .

             5 ـ وفي شأن الوليد بن عقبة(3) :

ـــــــــــــــــــــ

1 - تفسير الاية بتفسير الطبري، 30 / 212 - 213 وتفسير الزمخشري، 4 / 291 وتفسير القرطبي، 20 / 222 وتفسير ابن كثير، 4 / 559 وتفسير السيوطي، 6 / 401 .

2  -  تفسير الاية بتفسير الطبري ،14 / 48 - 51 وتفسير القرطبي ،10 / 58 وتفسير الزمخشري، 2 / 398 - 399 وتفسير السيوطي 4 / 107 - 109 .

3  - طبـقـات ابـن سعد ،2 / 161 وط اوربا 2 / ق1 / 116 وسيـرة ابـن هشـام ،3 / 340 - 341 وتفسير الاية بتفسير الطبري، 26 / 78 - 79 وتفسير الزمخشري ،3 / 559 وتـفسير القرطبي ،16 / 311 وتفسير ابن كثير ،4 / 208 - 210 وتـفسير السيوطي ،6 / 87 - 89 .

ـ27ـ

(إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبإ فَتَبَيَّنُوا)الحجرات/6

      ب ـ احاديث الرسول (ص) في شأن الصحابة القرشيين مثل ماجاء :

             1 - في خبر بعث الرسول (ص) الصحابيين ابي بكر وعمر بالايات الاولى من سورة براءة وانّه بعد ان سارا ثلاثاً اوحى اللّه الى رسوله (ص) ان لايبلّغها الاّ هو أو رجل منه، فبعث علياً واخذها منهما وبلّغها المشركين في الحجّ (1) .

             2 ـ وانّ آيات (إِن تَتُوبَآإِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَـهَرَا عَلَيهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبرِيلُ وَصَلِحُ المُؤمِنِينَ

ـــــــــــــــــــــ

1  -  انساب الاشـراف للبلاذري ، ج 2 / 384 في ترجمة علي بن ابـي طالب (ع) وخصائص النسائي ص 28 - 29 وسنن الترمذي 13 / 169 ومسند احمد 1 / 150، 30 و 3 / 283 ومستدرك الحاكم 3 / 46 و 51 واللفظ له . ومجمع الزوائد 7 / 29، و9 / 119 وكنز العمال ط 2 ،2 / 267 - 270 وتفسير الاية بتفسير الطبري، 10 / 46 وتفسير السيوطي 3 / 209 - 210 ، وفي المستدرك جاء الخبر: بعث الرسول (ص) ابا بكر وعمر فقط.

ـ28ـ

وَالمَلَــِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ)التحريم/4

قـد نـزلت في شأن أمّ المؤمنين عائشة و أمّ المؤمنين حفصة (1).

ـــــــــــــــــــــ

1 - البخاري كتاب التفسير تفسير سورة التحريم باب تبتغي مرضاة أزواجك 3 / 137 - 138 ،وكتاب اللباس باب ما كان النبي يتجوز من اللباس والبسط 4 / 22، وكتاب النكاح باب موعظة الرجل ابنته لحال زوجها ج3 / 172 وكتاب المظالم باب الغرفة والعيّلة 2 / 47ومسلم كتاب الطلاق باب الاملاء واعتزال النساء وتخيرهن، وقوله تعالى وان تظاهرا عليه، 2 / 1108 و 1111، ومسند الطيالسي ،ص 6 الحديث 23، ومسند احمد ،1 / 48 والنسائي كتـاب الصـوم بـاب كم الشهر 1 / 302، وطبعة تصحيح محمد فؤاد عبد الباقي 4 / 137، والترمذي سورة التحريم من كتـاب التـفسير 2 / 409 ط .الهند وطبعة مصر سنة 1353 هـ 11 / 209 وابن سعد في الطبقات 8 / 182 و 190، وراجع تفسير الاية بتفسير القرطبي 18 / 189 وطعبة اخرى افست على طبعة مصر سنة 1392 ، 28 / 102، كنـز الـعمال كتاب التفسير تفسير سورة التحريم .ط. الثانية ، حيدر اباد الدكن سنة 1364 هـ ،2 / 332، 334، 336 .

ـ29ـ

             3 ـ وفي يوم الغدير نزلت (يَـأَ يُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّم تَفعَلْ فَمَا بَلَّـغْتَ رِرسَالَتَهُ )المائدة/67 .

فجمع الحجيج فـي غدير خم وقال (ص) فيما قال : «من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه ...» الى آخر ماجاء في هذا الخبر

من حديث الرسول (ص) (1).

كانـت تلكم أمثلة مما جاء في أحاديث الرسول (ص) ويخالف اتّـجاه الـصحابة القـرشيّين الذين ولوا الحكم بعد الرسول (ص) وللسبب نفسه منعوا الرسول (ص) من كتابة

ـــــــــــــــــــــ

1 - شـواهد الـتنزيل للـحسكانـى 1 / 189 - 193 الـدر المنثور 2 / 298 مجمع الزوائد 9 / 105 - 106 ، 163 - 165 ، 209 - 210، البـدايـة والنـهايـة 5 / 209 - 213، مسـند احـمد 1 / 118 و 119 و 4 / 281، سنن ابن ماجة كتاب الفضائل باب فضل على ،13 / 165.

ـ30ـ

وصيّته في آخر ساعات حياته (ص)، كما جاء في صحيح البخاري وغيره.

انّ رسول اللّه (ص) قال في آخر ساعات حياته : «آتوني بدواة أكـتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده ابداً فتنازعوا ولاينبغي عند نبيّ تنازع فقالوا :هجر (1) رسول الله (ص) وقد عيّن

ـــــــــــــــــــــ

1  -  البخاري في صحيحه باب جوائز الوفود من كتاب الجهاد 2/120 وباب اخراج اليهود من جزيرة العرب من كتاب الجزية 2/136 ومسلم في صحيحه 5/75 باب ترك الوصية من كتاب الوصية وطبعة تحقيق محمد فؤاد عبد الباقى ص 1257 - 1259 ، رواه مسلم بسبعة أسانيد. ومسند احمد 1/222 و ط. تحقيق محمد شاكر ،الحديث 1935 ،3 / 286 - 287 وطبقات ابن سعد ط اوربا 2 / 2 / 36 - 38 و ط. بيروت 2/244 وتـاريخ الـطبري 3/193 وط. اوربا 1 / 1806 - 1807 ،وفي لفظهم : (ماشأنه؟ أهجر؟! قال الراوي يعني : هذى، استفهموه ؟ فذهبوا يعيدون عليه، فقال : دعوني ...) الحديث

      وايضاً في صحيح مسلم 5/76 وطبعة تحقيق محمّد فؤاد عبد الباقى ص 1259 وتاريخ الطبري 3/193 وطبقات ابن سعد 2/243 ولفظهم : «انّما يهجر رسول اللّه».

ـ31ـ

البخاري في حديث آخر يرويه عن ابن عباس، قائل هذا القول، قال : «لما حضر النبي (ص) وفي البيت رجال فيهم عمر ابن الخطاب، قال : هلمّ أكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده، قال عمر : انّ النبي (ص) غلبه الوجع وعندكم كتاب اللّه، فحسبنا كتاب اللّه، واختلف أهل البيت واختصموا فمنهم من يقول ما قال عمر، فلمّا أكثروا اللغط والاختلاف، قال : قوموا عنّي ولاينبغي عندي التنازع(1).

هكذا انتهى عصر صدور الحديث و بدأ عصر منع نشر حديث الرسول (ص) كما يأتي خبره:

 

ـــــــــــــــــــــ

1  -  صحيح البخاري، كتاب العلم، باب كتابة العلم 1/32 - 33 وصحيح مسلم كتاب الوصية باب ترك الوصية ص 1259 .

ـ32ـ

 

ثانياً : ـ على عهد الخلفاء الثلاثة : عصر منع رواية حديث الرسول (ص) وكتابته :

 

      أ ـ على عهد الخليفة الصحابي أبي بكر (رض )

روى الذهبي أنّ أبا بكر جمع الناس بعد وفاة نبيّهم فقال : «انّكم تحدّثون عن رسول اللّه (ص) أحاديث تختلفون فيها، والناس بعدكم أشدّ اختلافاً، فلا تحدّثوا عن رسول اللّه شيئاً فمن سألكم فقولوا بيننا وبينكم كتاب اللّه فاستحلّوا حلاله وحرّموا حرامه»(1).

و أمر بتجريد القرآن عن حديث الرسول (ص) فبدؤا بكتابة القرآن مجرّداً عن حديث الرسول (ص). 

وهكذا انتهت كتابة القرآن على عهد الخليفة الثاني : 

      ب ـ على عهد الخليفة الصحابي عمر (رض )

قـال أبـو هـريرة : لـمّا ولي عمر قال : أقلّوا الرواية عن

ـــــــــــــــــــــ

1  -  تذكرة الحفاظ للذهبي بترجمة أبي بكر 1/2 ـ3.

ـ33ـ

رسول اللّه (ص) إلاّ فيما يعمل به  (1).

وفي طبقات ابن سعد: «انّ الاحاديث كثرت على عهد عمر ابن الخطّاب فأنشد الناس أن ياتوه بها فلّما أتوه بها أمر بتحريقها»(2).

وهكذا منعت مدرسة الخلفاء من تدوين حديث الرسول الى القرن الثاني من هجرة الرسول الاكرم (ص) ،وليتهم اكتفوا بذلك بل منعوا - ايضاً - من رواية حديثه كما نرى ذلك في الاخبار الآتية:

عن قرظة بن كعب أنّه قال : «لمّا سيّرنا عمر الى العراق مشى معنا عمر الى صرار ثمّ  قال : أتدرون لم شيّعتكم؟ قلنا: أردت أن تشيّعنا وتكرمنا، قال : انّ مع ذلك لحاجة انّكم تأتون أهل قرية لهم دويّ بالقرآن كدويّ النحل فلاتصدّوهم بالاحاديث عن

ـــــــــــــــــــــ

1  -  المـصنف لـعبد الـرزاق، 11/262، ح:20496، والبـداية والنهاية 8 / 107 .

2  -  طبقات ابن سعد 5/140 بترجمة القاسم بن محمد بن أبي بكر.

ـ34ـ

رسول اللّه (ص) وأنا شريككم قال قرظة : فما حدّثت بعده حـديثاً عـن رسول اللّه (ص)» وفي رواية أخرى: فلمّا قدم قرظة بن كعب قالوا: حدّثنا فقال : نهانا عمر (1) .

ـــــــــــــــــــــ

      1  -  طبقات ابن سعد، ط.اوربا 6/2 وفي سنن ابن ماجة، المقدمة ـ باب التوقي في الحديث عن رسول اللّه (ص) الحديث : 28 ،1 / 12 ولفظ الحديث : ]اقلوا الرواية عن رسول اللّه (ص)[  ، 1/12 والمزي في تهذيب الكمال 23/565 ـ 566 وكنز العمال ـ كتابة الاذكار من قسم الافعال ـ باب فصل في فضائل القرآن مطلقاً ط/2، 2/183 واخرجها ابن عبد البرّ بثلاثة أسانيد في (جامع بيان العلم) باب ذكر من ذمّ الاكثار من الحديث دون التفهمّ له 2/147 وتذكرة الحفّاظ للذهبي 1/4 ـ 5 . وسنن الدارمي 1 / 85 . وفي لفظه : 

      قال قرظة  :

      وان كنـت لأجـلس فـي القـوم فيـذكـرون الـحديث عن رسول الله (ص) واني لمن احفظهم فاذا ذكرت وصية عمر ، سَكَتُّ .

      وقرظة بن كعب أنصاري خزرجي في أسد الغابة هو أحد العشرة الّذين وجّههم عمر مع عمّار بن ياسر الى الكوفة شهد أحداً وما بعده وفتح الري سنة 23 ولاّه عليّ على الكوفة لمّا سار الى حرب الجمل، وتوفيّ بها في خلافته. أسد الغابة 4/203.

ـ35ـ

وكان في الصحابة مثل قرظة بن كعب ممّن تابعوا سنّة الخلفاء وامتنعوا عن نشر سنّة الرسول (ص) نظير عبد اللّه بن عمر وسعد بن أبي وقّاص فقد روى الدارمي في باب من هاب الفتيا بكتاب العلم من سننه : (1)

عن الشعبي: قال جالست ابن عمر سنة فما سمعته يحدّث عن رسول اللّه (ص) . 

وفي رواية أخرى عنه، قال قعدت مع ابن عمر سنتين أو سنة ونصف فما سمعته يحدّث عن رسول اللّه (ص) شيئاً...

وروى عن السائب بن يزيد قال :

خرجت مع سعد ـ ابن ابى وقّاص ـ الى مكّة فما سمعته يحدّث حديثاً عن رسول اللّه (ص) حتّى رجعنا الى المدينة.

ـــــــــــــــــــــ

      1  -  سنـن الـدارمي  1/84 ـ 85 ، وسـنن ابن ماجة المقدّمة 1 / 11، 12 ، ح 26.

ـ36ـ

وكان في الصحابة والتابعين من خالف سنّة الخلفاء بحثاً عن سنّة الرسول (ص) فلقي من الارهاق مانذكر أمثلة منه في مايأتي:

في سنن الدارمي وتفسير القرطبي والاكمال لابن ماكولا وتاريخ ابن عساكر خبر صبيغ بن عسل قال ابن ماكولا في الاكمال : صبيغ بفتح الصاد وكسر الباء، وعسل بكسر العين وسكون السين، وعُسَيل بضم العين وفتح السين كان يسأل عن المشكلات الّتي في القرآن فنفاه عمر من المدينة الى العراق، وأمر أن لايجالس !

وفي تاريخ ابن عساكر:

(من بني عسيل صبيغ) بن عِسل ويقال : ابن عُسَيل ويقال : صبيغ بن شريك بن عمرو بن يربوع بن حنظلة التميمي اليربوعي البصري الذي سأل عمر بن الخطّاب عمّا سأل فجلده وكتب الى أهل البصرة لاتجالسوه !.  

وفـي رواية :

فأرسل اليه عمر وقد أعّد له عراجين النخل فقال : من أنت؟

ـ37ـ

فقال: أنا عبد اللّه صبيغ، فأخذ عمر عرجوناً من تلك العراجين فضربه وقال : أنا عبد اللّه عمر، ومازال يضربه حتّى أدما رأسه فقال : يا أمير المؤمنين حسبك قد ذهب الّذي كنت أجد في رأسي.

وفي رواية اخرى :

انّه جعل يسأل عن أشياء من القرآن في أجناد المسلمين حتّى قدم مصر فبعث به عمرو بن العاص الى عمر بن الخطّاب، فلمّا أتاه الرسول بالكتاب فقرأه فقال : أين الرجل؟ أبصر لايكون ذهب فيصيبك منيّ العقوبة الموجعة؟ فأتى به فقال عمر: سبيل محدثة، فارسل الى رطائب من جريد فضربه بها حتى ترك ظهره دبرة (1)، ثمّ تركه حتى برأ، ثمّ عاد له ثمّ تركه حتى برىء، فدعا به ليعود، فقال صبيغ : ان كنت تريد قتلي فاقتلني قتلا جميلا، وان كنت تريد أن تداويني فقد واللّه برأت فاذن له الى ارضه فكتب الى أبي موسى الاشعري أن لايجالسه أحد من

ـــــــــــــــــــــ

1  - الدبر الجرح الذي يكون في ظهر الدابة لسان العرب مادة (دبر) حرف الراء 274، العمود الاول .

ـ38ـ

المسلمين فاشتدّ ذلك على الرجل فكتب أبو موسى الى عمر أن قد حسنت هينته(1) فكتب عمر أن ائذن للناس بمجالسته

وروى الخطيب هذه الحكاية بنحوها والحافظ ابن عساكر أيضاً عن أبي عثمان النهدي،

وروى عنه الخطيب أنّه قال: كتب الينا عمر لاتجالسوا صبيغاً فلو جاءنا ونحن مائة لتفرّقنا عنه،

وروي عن ابن سيرين قال كتب عمر بن الخطاب الى ابي موسى الاشعري ان لاتجالس صبيغاً وأن تحرم عطاءه ورزقه.

وروي ايضاً عن زرعة أنّه قال: رأيت صبيغاً كانّه بعير أجرب يجيء الى الحلقة ويجلس وهم لايعرفونه فيناديهم الحلقة الاخرى عزمة أمير المؤمنين عمر فيقومون ويدعونه

بعد ان جلده عمر قال :

البسوه تباناً واحملوه على قتب وابلغوا به حيّه .

وفي رواية الخطيب: أنّ عمر أمر أن يقوم خطيب فيقول: ألا

ـــــــــــــــــــــ

1  - هين : الشأن والامر، لسان العرب مادة هين .

ـ39ـ

انّ صبيغاً طلب العلم فأخطأه فلم يزل وضيعاً في قومه بعد أن كان سيّداً فيهم (1).

وفي كنز العمال:

عن عبد الرحمن بن عوف قال: ما مات عمر بن الخطاب حتّى بعث الى أصحاب رسول اللّه (ص) فجمعهم من الآفاق عبد اللّه بن حُذافة وأبا الدرداء وأبا ذر وعقبة بن عامر فقال: ما هذه الاحاديث التي أفشيتم عن رسول اللّه (ص) في الآفاق؟

قالوا: تنهانا؟

قال: لا، أقيموا عندي، لا واللّه لاتفارقوني ماعشت فنحن أعلم، نأخذ منكم ونردّ عليكم فما فارقوه حتّى مات  (2).

ـــــــــــــــــــــ

1  -  ترجمته بمصّورة مخطوطة ابن عساكر (8/ق 1 / 116 ب ـ 118 أ); ومختصر تاريخ دمشق لابن منظور، 11 / 45 - 46. وسنن الدارمي 1/54، 55، 56 ; و تفسير ابن كثير 4/231 ـ 232 ; وتفسير الدرّ المنثور 6/111 ; وتفسير القرطبي 17/29; والاكمال لابن ماكولا 5/221 ، واخترنا لفظ ابن عساكر .

2 - الحديث رقم 4865 من الكنز ط الاولى 5/239 وط. الثانية 10/180 ح 1398 ومنتخبه بهامش مسند أحمد 4/62 عن ابن عساكر.

      عبد الرحمن بن عوف القرشي الزهري آخى الرسول بينه وبين عثمان من المهاجرين وجعل عمر تعيين الخليفة في الشورى بيده فصفق على يد عثمان، توفّي بالمدينة عام 31 أو 32 هـ. روى عنه اصحاب الصحاح 65 حديثاً. راجع فصل الشورى من كتاب : (عبد اللّه بن سبأ) الجزء الاول. وجوامع السيرة ص279.

      عبد اللّه بن حذافة القرشي السهمي من قدماء المهاجرين مات بمصر في خلافة عثمان : تقريب التهذيب 1/49.

      وابو ذرّ ستأتى الاشارة اليه في مايأتي .

      وأبو الدرداء عويمر أو عامر بن مالك الانصاري الخزرجي وأمّه محبة بنت واقد بن الاطنابة تأخّر اسلامه وشهد الخندق وما بعدها آخى النبي (ص) بينه وبين سلمان، ولي قضاء دمشق على عهد عثمان وتوفي بها عام 33 أو 32 هـ  ، روى عنه أصحاب الصحاح 179 حديثاً أسد الغابة 5/159 ـ 160 و 187 و 188 وط. القاهرة سنة 1280 هـ ،5 / 185 ،وجوامع السيرة ص277.

      وعقبة بن عامر اثنان: جهني وروى عنه أصحاب الصحاح 55 حديثاً وأنصاري سلمي أسد الغابة 3/417 وجوامع السيرة ص179.

ـ40ـ

ـ41ـ

وروى الـذهبي أنّ عمـر حبـس ثـلاثة ابـن مسعـود وأبا الـدرداء وأبـا مسعـود الانـصاري فـقال: أكـثرتم الحديث عن رسول اللّه (ص) (1) .

وكان يقول للصحابة: أقلّوا الرواية عن رسول اللّه (ص) إلاّ في ما يعمل به  (2).

هذه الرواية تتّفق مع رواية عبد اللّه بن عمرو بن العاص في الـمـغـزى فأن قريشاً نهته عن أن يكتب كلّ شيء سمعه من رسول اللّه (ص).

وعلى عهد الخليفة الثاني ـ أيضا ـ بدىء بنشر الروايات الاسرائيلية: بواسطة عالمين من علماء أهل الكتاب وهما:تميم ابن أوس الداري وكعب الاحبار وكان خبرهما كالاتي:

ـــــــــــــــــــــ

1  -  تذكرة الحفاظ 1/7 بترجمة عمر.

2  -  مرّ مصدره في ص 33 هامش رقم 1 .

ـ42ـ

 

 

 

 

رواة الاسرائيليات

 

أولا - تميم بن أوس الداري:

أبو رقيّة تميم بن أوس الداري، كان نصرانياً من علماء أهل الكتابين وراهب أهل عصره وعابد فلسطين قدم المدينة بعد غزوة تبوك .

وأظهر الاسلام بعد سرقة ثبتت عليه ليدفع باسلامه ما أدين به، وذلك أنّه خرج مع رجل من بني سهم وعدي بن بَدّاء في تجارة الى الشام، فمات السهمي وأوصى أن يبلغا متاعه الى أهله وكان قد دسّ فيه وصيّته وأخذا من متاعه ما أعجبهما وكان في ما أخذ اناء من فضة فيه ثلاثمائة مثقال منقوشاً مموّهاً بالذهب فلما دفعا بقية المال الى ورثته فقدوا بعض متاعه فنظروا الى الوصيّة فوجدوا المال فيه تامّاً لم يبع منه ولم يهب،

ـ43ـ

فرفعوا أمرهم الى النبي فحلفهما النبي عند المنبر بعد صلاة العصر، فحلفا أنهما لم يخونا فخلّى سبيلهما ثمّ  وجدا الآنية عند تميم فرفعوهما الى النبيّ ثانية فنزلت الايات (يَـأَ يُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا شَهادةُ بَيْنِكُم)المائدة / 106، فحلف السهميان أنّ الانية من متاع صاحبنا فأخذوها وبقيّة المتاع من تميم وصاحبه ثمّ اعترف تميم بالخيانة فقال له النبي: «ويحك يا تميم أسلم يتجاوز اللّه عنك» فأسلم(1).

وعاش هذا في المدينة الى عصر عمر وعلى عهده كان يعظّمه عمر ويقول فيه : خير أهل المدينة ، وألحقه بأهل بدر في العطاء، ولما سنّ قيام شهر رمضان في العام الرابع عشر أمره وأبيّاً أن يصلّيا بالناس، وبعد قتل عثمان انتقل الى الشام وعاش

ـــــــــــــــــــــ

1  -   صحيح البخاري كتاب الوصايا 4/13 و 14; وفتح الباري 6/338 ـ 340; و سنن الترمذي 5/259 ـ 258 ، الحديث 3059 و 3060; و سنن أبي داود 3/307 الحديث 3606; و تاريخ ابن عساكر 10/470 ـ 473 ومختصره 5 / 312 ،وتهذيب ابن عساكر 3 / 357 ـ 358.

ـ44ـ

في كنف معاوية وتوفّي في سنة أربعين للهجرة(1).

تميم قاصاً

في مسند احمد

انه لم يكن يقص على عهد رسول الله (ص) والابي بكر وكان اول من قص تميم الداري استاذن عمر ان يقص على الناس قلئماً فأذن له عمر (2)

وفي الاصابة

اول مـن قـص فـي عهد عمر رواه ابن زاهوية وابن ابي

ـــــــــــــــــــــ

1  -  ترجمته في الاستيعاب 1/72 ; ومختصر تاريخ أبن عساكر 5 / 307 - 322 و أسد الغابة 1/256 وط .القاهرة سنة 1280 هـ ، 1 / 213 - 214 وتهذيب الكمال  4 / 326 - 328 وسير اعلام النـبلاء 2 / 442 - 448 ; و طبقات ابن سعد ط اوربا7 / 2 / 129 و 1 / ق2 / 75 وط . بـيـروت 1 / 343 7/2/120;والـمـعارف لابـن قـتيـبـة ص 291و الاصابة 1/186.

2  -  تاريخ ابن عساكر 10 / 480 ومختصر تاريخ دمشق 5 / 321، 322 وسير اعلام النبلاء 2 / 448 ومسند احمد 3 / 449 .

ـ45ـ

شيبه (1) .

وفي اسد الغابة وكنز العمال 

كان اول من قص، واستأذن عمر بن الخطاب في ذلك فاذن له (2)

وفي تاريخ دمشق لابن عساكر ومختصره ماموجزه:

لم يكن يُقصّ على عهد النبي ولا ابي بكر ولا عمر وكان اوّل من قصّ تميم الداري، أذن له عمر ان يقصّ يوم الجمعة وزاده عثمان يوما آخر .

وممّا نشر عنه خبر الجسّاسة الّذي تحدّثنا عنه في الجزء السـادس مـن قيـام الائـمة بـاحياء السنة  وفيه مسّ بكرامة الرسول (ص)(3).

ـــــــــــــــــــــ

1  -  ترجمة تميم في الاصابة 1 / 186، رقم الترجمة : 837 .

2  -  كـنـز الـعمال، كتاب العلم فصل في العلوم المذمومة والمباركه 10 / 171، 172 ح 1366 و 1373 ومنتخبه بهامش مسند احمد 4 / 56

3  -  صـحيح مسلـم كتـاب الـفتن باب قصّة الـجسّاسة الـحديـث 119 ص 2261 - 2265 ; ومسند الطيالسي 229 ـ 228 الحديث 1646; ومسند أحمد 6/374 ـ 373 و 413 ـ 412 و 417 ـ 416; و سنن الترمذي كتاب الفتن باب 66 ، 9 / 109 - 110; و سنن ابن ماجة الحديث 4074.

ـ46ـ

وبـعد قـتل عثـمان انتقل الى الشام وابرز كتابا زعم فيه ان رسول اللّه (ص) كتبه له جاء فيه:

«بسـم اللّه الـرحمـن الـرحيـم هـذا مـا انطى محمد رسول اللّه (ص) تميم الداري واصحابه انّي انطيتكم عين حبرون وابرطون وبيت ابراهيم بذمّتهم وجميع من فيهم نطيّة بتّة ....»(1).

 

ثانياً - كعب الاحبار:

ـــــــــــــــــــــ

1  -  تـاريـخ ابـن عساكـر 10/467 ،وتهذيب ابن عساكر 3/355، 321 ; ومختصر تاريخ دمشق لابن منظور 5/314; و سير اعلام النبلاء 2/443 ـ 444; و معجم البلدان، مادّة: حبرون 2/195; وفي فتوح البلدان ط. مصر تحقيق الدكتور صلاح الدين المنجد القسم الاول ص 153، بلفظ آخر.

ـ47ـ

أبو اسحاق كعب بن ماتع كان من كبار علماء أهل الكتاب ومن أحبار اليهود باليمن قدم المدينة وأظهر الاسلام على عهد عمر وبقي بها بطلب منه وارتحل منها الى الشام عندما ظهرت امارات الثورة على عثمان، وعاش في كنف معاوية مرعيّ الـجانب ومـات بحمص سنة 34هـ ، بعد أن بلغ أربعاً ومائة سنة (1).

وقال ابن عساكر

كـان كـعب يـقص فـقال عبد الرحمن بن عوف سمعت رسول الله (ص) يقول :

لايقص  الا امير او مأموراً أو محتال . فأتى كعب،فقيل له : ثكلتك امك  هذا عبد الرحمن يقول كذا وكذا ، فترك القصص. ثم ان معاوية امره بالقصص فاستحل ذلك بعد (2)

ـــــــــــــــــــــ

1  - ابن سعد 7 / ق 2 / 156 ،وط .بيروت، 7 / 445 - 446 واسد الغابة 4 / 247 ،والاصابة 3 / 297 - 299 ، وتذكرة الحفاظ للذهبي ،1 / 52 ،وتاريخ ابن عساكر 1 / 109 . 

2  - مختصر تاريخ دمشق لابن منظور 21 / 187 .

      وذكر ابن حجر رواية الطبراني في ذلك بلفظ اخر

      ترجمة كعب من الاصابة 3 / 298 . 

ـ48ـ

وفي تاريخ ابن عساكر بسنده عن علقمة انّه قال:

«قدم كعب على عمر المدينة فقال له عمر: ياكعب، ما يمنعك من النزول بالمدينة فانّها مهاجر رسول اللّه (ص) وبها مدفنه قال: يا أمير المؤمنين، انّي وجدت في كتاب اللّه المنزل في التوراة أنّ الشام كنز اللّه فـي أرضـه وبها كنز اللّه من عباده» وقال كعب أيضاً: أحبّ البلاد الى اللّه تعالى الشام وأحبّ الشام الى اللّه القدس ...»(1).

أيضاً كتب ابن عساكر عن كعب انّه روى

قال: «خمس مدائن من مدائن الجنّة: بيت المقدس، وحمص، ودمشق، وبيت جبرين (2)، وظفار اليمن ....»(3).

ـــــــــــــــــــــ

1  - تاريخ ابن عساكر 1 / 109 و مـختصر تـاريخ دمشـق لابـن منظور ، 1/59 ـ 60 وهـكذا كـان يسـمي التـوراة وحدها بكتاب اللّه.

2  -  بيت جبرين : بُليد بين بيت المقدس وغزّة «معجم البلدان»

3  -  تاريخ ابن عساكر 1 / 211 ،212 ومختصره 1/92.

ـ49ـ

وقال أيضاً: تسعة أعشار الخير بالشام وجزء منه فيه سائر الارضين(1).

وممّا رواه السيـوطي فـي تفسيره الدّر المنثور عن كعب انّه قال :

«أربعة أجبل : جبل الخليل ولبنان والطور والجودي يكون كلّ واحد منهم يوم القيامة لوءلوءة بيضاء ما بين السماء والارض يرجعن الى بيت المقدس حتّى يجعل في زواياه ويضع الجبّار جلّ جلاله عليها كرسيّه حتّى يقضى بين أهل الجنّة والنار، وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبّحون بحمد ربّهم وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد للّه ربّ العالمين»(2).

ـــــــــــــــــــــ

1  -  ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، 1/147.

2  -  ابن عساكر 2/120 - 122 والدر المنثور 5/344 بتفسير الاية 75 من سورة الزمر.

ـ50ـ

وقال ايضاً : «انّ الكعبة تسجد لبيت المقدس في كلّ غداة»(1).

وفي مورد آخر يقول : «لاتقوم الساعة حتّى يزفّ البيت الحرام الى البيت المقدس»(2) .

وما رواه «عن ابن عبّاس انّ عمر بن الخّطاب سأل كعبا عن الحجر فقال : مروة من مرو الجنّة»(3).

وعن ابن عمر قال : تلا رجل عند عمر (كلّما نضجت جلودهم بدّلناهم جلوداً غيرها فقال كعب : عندي تفسير هذه الآية قرأتها قـبل الاسـلام فقال : هاتها ياكعب فان جئت بها كما سمعت من رسول اللّه (ص) صدّقناك قال : انّي قرأتها قبل الاسلام كلّما نضجت جلودهم بدّلناهم جلوداً غيرها في الساعة الـواحدة عشريـن ومـائة مـرّة فقا ل عمر هكذا

ـــــــــــــــــــــ

1  -  تفسير الدر المنثور 1/136.

2  -  تفسير الدر المنثور 1/136 ـ 137.

3 - تفسير الدر المنثور 1/135.

ـ51ـ

سمعت من رسول اللّه (ص)(1).

عن عطاء ، انّ عمر بن الخطّاب سأل كعبا فقال : أخبرني عن هذا البيت أي : البيت الحرام ما كان أمره فقال انّ هذا البيت أنزله اللّه من السماء ياقوتة حمراء مجوّفة مع آدم فقال يا آدم انّ هذا بيتي فطف حوله وصلّ حوله كما رأيت ملائكتي تطوف حول عرشي وتصلّي ونزلت معه الملائكة فرفعوا قواعده من حجارة ثمّ وضع البيت على القواعد فلّما اغرق اللّه قوم نوح رفعه اللّه الى السماء وبقيت قواعده(2).

وانّه قـال لكعب: ما أوّل شيء ابتدأه اللّه من خلقه فقال كعب : كتب اللّه كتاباً لم يكتبه بقلم ولا مداد ولكن كتب باصبعه يتلوها الزبرجد واللؤلؤ والياقوت : أنا اللّه لا اله الآ أنا سبقت رحمتي غضبي(3) .

وعن الحسن  انّ عمر قال لكعب : ماعدن قال هو قصر في

ـــــــــــــــــــــ

1  -  الدر المنثور 2/174.

2  -  الدر المنثور 1/132.

3  -  الدر المنثور 3/6.

ـ52ـ

الجنّة لا يدخله الا نبيّ أو صدّيق أو شهيد او حكم عدل(1)

وفـي رواية انّ عمر بن الخطّاب قال يا كعب ما عدن، قال : قصور من ذهب في الجنّة يسكنها النبيّون والصديّقون وائمّة العدل.

وفي قوله : (وقهم السيئات) غافر / 9 .

قال: العذاب(2)

وعن كعب قال: كنت عند عمر بن الخطّاب(رض) ، فقال: خوّفنا يا كعب .

فقلت : يا أمير المؤمنين أوليس فيكم كتاب اللّه وحكمة رسوله ؟

قال: بلى ولكن خوّفنا.

قلت: يا أمير المؤمنين ...(3)لو وافيت القيامة بعمل سبعين

ـــــــــــــــــــــ

1  -  الدر المنثور 4/57.

2  -  تفسير القرطبي 15/295 والدر المنثور 5/347.

3  - فـي حـلية الاوليـاء : اعـمل عـمـل رجـل،حـليـة الاولياء، 5 / 268 - 369 .

ـ53ـ

نبيّاً لأزدريت عملك ممّا ترى.

قال: زدنا .

قلت: يا أمير المؤمنين لو فتح من جهنّم قدر منخر ثور بالمشرق ورجل بالمغرب لغلا دماغه حتّى يسيل من حرّها.

قال: زدنا .

قلت: يا أمير المؤمنين انّ جهنّم لتزفر زفرة يوم القيامة لايبقى ملك مقرّب ولانبيّ مرسل إلاّ خرّ جاثيا على ركبتيه ، حتّى انّ ابراهيم خليله ليخرّ جاثيا على ركبتيه فيقول ربّ نفسي نفسي لا أسالك اليوم إلاّ نفسي ، فاطرق عمر مليّاً ، قلت: يا أمير المؤمنين أوليس تجدون هذا في كتاب اللّه ؟

قـال: كيـف قـلت قول اللّه في هذه الاية (يَومَ تَأتِى كُلُّ نَفس تُجَادِلُ عَن نَّفسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفس مَّا عَمِلَتْ وَهُم لاَيُظلَمُونَ )(1) النحل / 111 .

ـــــــــــــــــــــ

1  -  الدر المنثور 4/133.

ـ54ـ

وفى رواية :

«انّ عمر بن الخطّاب(رض) كان بالجابية فذكر فتح بيت المقدس ، فقال لكعب: اين ترى أن أصلّي ؟

قال خلف الصخرة .

قال: لا ولكن أصلّي حيث صلّى رسول اللّه (ص) ، فتقدّم الى القبلة فصلّى»(1).

وعن عبد اللّه بن مسعود في حديث طويل ...

«قال: فقال عمر بن الخطّاب عند ذلك: ألا تسمع يا كعب ما يحدّثنا به ابن أمّ عبد عن أدنى أهل الجنّة ماله ، فكيف باعلاهم.

قال: يا أمير المؤمنين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت انّ اللّه كان فوق العرش والماء فخلق لنفسه دارا بيده فزيّنها بما شاء وجعل فيها ما شاء من الثمرات والشراب ثمّ  أطبقها فلم يرها أحد من خلقه منذ خلقها جبريل ولا غيره مـن الملائكة ثمّ .

قرأ كعب:

ـــــــــــــــــــــ

1  -  الدر المنثور 4/151.

ـ55ـ

(فَلاَ تَـعْلَمُ نَـفْسٌ مَّآ أُخْفِىَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعيُن) السجدة / 17 وخلق دون ذلك جنّتين فزيّنهما بما شاء وجعل فيهما ما ذكر من الحرير والسندس والاستبرق وأراهما من شاء من خلقه من الملائكة فمن كان كتابه في عليّين نزل تلك الدار فاذا ركب الرجل من أهل عليّين في ملكه لم يبق (1) خيمة من خيام الجنّة إلاّ دخلها من ضوء وجهه حتّى انّهم لسيتنشقون ريحه ويقولون واها وهذه الريح الطيّبة ويقولون لقد أشرف علينا اليوم رجل من أهل عليّين.

فقال عمر : ويحك يا كعب ، انّ هذه القلوب قد استرسلت فاقبضها .

فقال كعب: يا أمير المؤمنين انّ لجهنّم زفرة ما من ملك ولا نبيّ إلاّ يّخر لركبته حتّى يقول ابراهيم خليل اللّه ربّ نفسي نفسي وحتّى لو كان لك عمل سبعين نبيّاً الى عملك لظننت أن لن تنجو منها»(2).

ـــــــــــــــــــــ

1  -  هكذا النص ونراه تصحيفاً .

2  -  الدر المنثور 6/257.

ـ56ـ

وهكذا الى ماينوف على ثمانين مورداً سأل الخليفة الثاني من كعب وبذلك اشتهر كعب وسأله غير الخليفة من كبار الصحابة مثل أم المؤمنين عائشة كما رواه السيوطيّ في مايأتي :

أخرج عبد بن حميد والطبرانّي في الاوسط بسند حسن عن عبد اللّه بن الحارث قال كنت عند عائشة وعندها كعب الحبر فذكر اسرافيل فقالت عائشة أخبرني عن اسرافيل فقال لي كعب عندكم العلم قالت أجل فاخبرني قال له أربعة أجنحة جناحان في الهواء وجناح قد تسربل به وجناح على كاهله والقلم على أذنه فاذا انزل الوحي كتب القلم ثمّ  درست الملائكة وملك الصور جاث على احدى ركبتيه وقدنصب الاخرى فالتقم الصور محني ظهره وقد أمر اذا رأى اسرافيل قد ضمّ جـناحيه ان ينفخ في الصور فقالت عائشة هكذا سمعت رسول اللّه (ص) يقول(1).

 

ردّ الامام عليّ(ع) على كعب بمجلس الخليفة:

روى ورّام في مجموعته «عن ابن عبّاس (رض) : أنّه حضر

ـــــــــــــــــــــ

1  -  الدر المنثور 3/23 ، وحلية الاولياء ، 6 / 47 - 48 .

ـ57ـ

فـي مجلس عمر بن الخطّاب يوماً وعنده كعب الاحبار اذ قال عمر : يا كعب أحافظ أنت للتوراة فقال كعب : اني لاَحفظ منها كثيراً فقال رجل من جنبه في المجلس : يا أمير المؤمنين سله أين كان اللّه جلّ جلاله قبل أن يخلق عرشه وممّ خلق الماء الّذي جعل عرشه عليه فقال عمر : يا كعب هل عندك من هذا علم فقال كعب : نعم يا أمير المؤمنين نجد في الاصل الحكيم أنّ اللّه تبارك وتعالى كان قديماً قبل خلق العرش وكان على صخرة بيت المقدس في الهواء فلّما أراد أن يخلق عرشه تفل تفلة كانت منها البحار الغامرة واللجج الدائرة فهناك خلق عرشه من بعض الصخرة التيّ كانت تحته وآخر مابقى منها لمسجد قدسه قال ابن عبّاس: وكان عليّ بن أبي طالب عليه السلام حاضراً فعظّم عليّ ربّه وقام على قدميه ونفض ثيابه فأقسم عمر عليه لمّا عاد الى مجلسه ففعله قال عمر : غص عليها ياغواصّ مايقول أبو الحسن؟ فماعلمتك الا مفرّجاً للغمّ فالتفت عليّ عليه السلام الى كعب فقال : غلط أصحابك وحرّفوا كتب اللّه وفتحوا الفرية عليه يا كعب ويحك انّ الصخرة التي زعمت ; لاتحوي جلاله ولاتسع عظمته والهواء

ـ58ـ

الّذي ذكرت لايحوز أقطاره ولو كانت الصخرة والهواء قديمين معه لكانت لهما قدمته وعزّ اللّه وجلّ أن يقال : له مكان يُومى اليه واللّه ليس كما يقول الملحدون ولا كما يظنّ الجاهلون ولكن كان ولامـكان بحيث لا تبـلغه الأذهـان وقـولي: كـان مـحدث كـونه هو ممّا علّم مـن البيان يقول اللّه: (خَلَقَ الإِنسانَ * عَلَّمَهُ البَيَان َ )(الرحمن / 3 - 4 ). فقولي له: كان ممّا علّمني من البيان لأنطق بحجّة عظمة المنّان ولن يزل رّبنا مقتدراً على مايشاء محيطاً بكلّ الأشياء ثمّ  كوّن ما أراد بلا فكرة حادثة أصاب ولا شبهة دخلت عليه فيما أراد وانّه عزّ وجلّ خلق نوراً ابتدعه من غير شيء ثمّ  خلق منه ظلمة وكان قـديراً أن يخلق الظلمة لامن شيء كما خلق النور من غير شيء ... الحديث(1).

وعلى أثر كثرة استفتاء الخليفة الثاني من كعب الأحبار واشتهار أمر تميم الداري انتشرت الروايات الاسرائيليّة بواسطتهما بين المسلمين وروى عنهما مشاهير الصحابة كما

ـــــــــــــــــــــ

1  -  راجع مجوعة ورّام ط. طهران سنة 1368 هـ ، ص 324.

ـ59ـ

أخبر عن ذلك علماء الرجال في موساعاتهم مثل العّلامة ابن حـجر الّذي قال عن تميم الداري في ترجمته بتهذيب التهذيب  (1):

روى عنه ابن عمر ، و ابن عبّاس وابو هريرة و أنس بن مالك و زرارة بن اوفى و روح ابن زنباع وعبد اللّه بن وهب وعطاء ابن يزيد الليثي وشهر بن حوشب وعبد الرحـمن بن غنم وجماعة و أضاف اليهم المزّي بتهذيب الكمال (2) السائب بن يزيد، وابو يحى سليم بن عامر، و شرحبيل بن مسلم وشهر بن حـوشب، وضـرار بـن عـمرو الاسدي وعلي بن رباح اللخمي و قبيعة بن ذؤيب، وكثير بن مرّة ومحمّد بن سيرين ومعاوية بن حرمل وموسى بن نصير المصري ووبرة بن عبد الرحمن وأبو المهلّب الجرمي و عمرة بن عبد الرحمن .

وقال في ترجمة كعب  بتهذيب التهذيب:

روى عن النبي (ص) مرسلا وعن عمر وصهيب وعائشة

ـــــــــــــــــــــ

1  -  تهذيب التهذيب لابن حجر 1 / 511 .

2 - تهذيب الكمال  4 / 327 .

ـ60ـ

وعنه ابن امرأته تبيع الحميري ومعاوية وابو هريرة وابن عباس ومالك بن ابي عامر الاصبحي وعطاء بن ابي رباح وعبد اللّه بن ضمرة السلولي وعبد اللّه بن رباح الانصاري وممطور ابو سلام وابو رافع الصائغ وعبد الرحمن بن مغيث وروح بن زنباع ويزيد ابن خمير وشريح بن عبيد ولم يدركه وابن مواهن و آخرون(1).

وكذلك انتشرت الاسرائيليات في مصادر الدراسات الاسلامية بينما كان الرسول (ص) قد نهى الصحابي عمر السؤال عن أهل الكتاب كما نراه في مايأتي باذنه تعالى :

نهي الرسول (ص) الصحابي عمر

عن السؤال عن اهل الكتاب:

 

في مسند احمد بسنده «عن جابر بن عبد اللّه أنّ عمر بن الخطّاب أتـى النبيّ (ص) بكـتاب أصابه من بعض أهل الكتب

ـــــــــــــــــــــ

1  - تـرجـمـة كـعـب من تاريخ ابن عساكر مصورة المخطوط 14 / 2 / 281 أ، تهذيب التهذيب 8 / 438 .

ـ61ـ

فقرأه على النبي (ص) فغضب فقال أمتهوّكون فيها يا ابن الخطّاب والّذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقيّة لاتسألوهم عن شيء فيخبروكم بحقّ فتكذبوا به ، أو بباطل فتصدّقوا به والّذي نفسي بيده لو أنّ موسى(ع) كان حياً ماوسعه الاّ أن يتّبعني»(1).

ـــــــــــــــــــــ

1  -  مسنـد احـمد 3/387; و سنـن الدارمى المقدمة، باب مايتقى من تـفسير حـديث رسـول اللّه (ص) وقـد غيره عند قوله (ص) ، ج 1 / 115 - 116 .

ـ62ـ

 

وجاء دور المستشرقين

 

واستفاد المستشرقون في تشكيكهم بالاسلام ونبيّه (ص) وقرآنه من هذه الاخبار كما جاء في قول المستشرق (ليفي دلافيد Glevi Dellvida) من دائرة المعارف الاسلاميّة ماموجزه :

(...وكان تميم نصرانيّاً كغالب عرب الشام فاستطاع ان يخبر النبيّ بتفاصيل العبادات الّتي استعارها من النصارى ... ويقال تميماً كان اوّل من روى القصص الديني ... وقد أخبر بها تميم النبيّ فأخذ بروايته واذاعها في الناس)(1).

 

ج ـ على عهد الصحابي الخليفة عثمان

كان ما ذكرناه على عهد الخليفتين أبي بكر وعمر أمّا على عهد عثمان فقد أقرّ ذلك حيث قال على المنبر : «لا يحلّ لاحد يروي حديثاً لم يسمع به على عهد أبي بكر ولا على عهد

ـــــــــــــــــــــ

1  -  دائرة المعارف الاسلامية مادة (تميم الداري) 5/481.

ـ63ـ

عمر»(1).

ويظهر أنّ في هذا العصر كان ما رواه الدارمي وغيره من :

«انّ أبا ذر كان جالساً عند الجمرة الوسطى وقد أجتمع الناس يستفتونه، فأتاه رجل فوقف عليه، ثمّ  قال : ألم تنه عن الفتيا؟ فرفع رأسه اليه، فقال : أرقيب أنت عليّ؟ واللّه لو وضعتم الصمصامة على هذه ـ وأشار الى قفاه ـ ثمّ  ظننت أنّي أنفذ كلمة سمعت من رسول اللّه (ص) قبل أن تجيزوا عليّ لانفذتها»(2).

وفي هذا العصر ـ أيضاً ـ كان ما رواه الاحنف بن قيس قال :

ـــــــــــــــــــــ

1  -  منتخب الكنز بهامش مسند أحمد 4/64.

2  -  انّما قلنا كان ذلك في عصر عثمان لان أحداً من الصحابة ما كان يجرأ على تحديّ أوامر السلطة على عهد الخليفة عمر، والرواية في سنن الدارمي 1/132 وطبقات ابن سعد 2/354 بترجمة أبي ذر واختزلها البخاري وذكرها في كتاب العلم باب العلم قبل القول والعمل في صحيحه ، 1 / 16

      وأجاز على الجريح: أجهز عليه.

ـ64ـ

أتيت الشام فجمّعت(1) فاذا رجل لاينتهي الى سارية الاخرّ(2)أهلها، يصليّ ويخفّ صلاته قال : فجلست اليه، فقلت له: يا عبد اللّه من أنت؟ قال أنا أبو ذر فقال لي : فأنت من أنت؟ قال : قلت : الا حنف بن قيس قال : قم عنّي لا أعديك بشرّ، فقلت له : كيف تُعدّني بشرّ، قال : انّ هذا ـ يعني معاوية ـ نادى مناديه : «ألاّ يجالسني أحد»(3).

ومن أجل مخالفته لاوامر السلطة، نفي أبو ذر من بلد الى بلد حتّى لقي حتفه طريداً فريداً بالربذة سنة 31 هـ.

ـــــــــــــــــــــ

1  -  فجمعت : أي حضرت الصلاة يوم الجمعة.

2  -  لعلّ الصواب : فرّ أهلها.

3  - ترجمة ابي ذر من طبقات ابن سعد ط. اروبا، 4/ ق1/ 168 وط بيروت، 4 / 229 .

وأبو بحر الاحنف بن قيس التميمي السعدي لقّب بالاحنف لحنف كان برجله أدرك الرسول (ص) ولم يره اعتزل الحرب في الجمل وشهد صفيّن مع الامام علي (ع) ، توفيّ بالكوفة سنة سبع و ستيّن روى عنه جميع أصحاب الصحاح ترجمته بأسد الغابة، 1 / 55 وتقريب التهذيب ، 1 / 49 .

ـ65ـ

هذه أمثلة ممّا كان على عهد الخلفاء الثلاثة من الحظر على الصحابة في نشر أحاديث الرسول (ص).

وكان ماذكرناه في النصف الاوّل من خلافة عثمان، ولما أنتكث أمره في النصف الثاني من خلافته وقام في وجهه أمثال أمّ المؤمنين عائشة وطلحة والزبير، وعمرو بن العاص وغيرهم من الصحابة والتابـعين، لـم يبـق امراً محظوراً أمام من أراد رواية سنة الرسول (ص) من الصحابة فنشر في هذا العصر شيء منها غير أنها لم تنشر بكثرة في ما عدا عهد الامام علي (ع).

روى الصحابة على عهد الخليفة عثمان الشيء الكثير من سنّة الرسول (ص) ممّا كان محظوراً عليهم روايتها قبل عهده وظهر الاختلاف جليّاً في مارووا من سنّة الرسول (ص) مع اجتهادات الخلفاء الثلاثة ممّا ذكرناه في آخر الفصل الرابع من كتاب معالم المدرستين الجزء الثاني.

*   *   *

ـ66ـ

 

 

دور علماء أهل الكتاب

على عهد الخليفة عثمان :

 

كان تميم الداري يقصّ في مسجد الرسول (ص) قبل خطبة الجمعة على عهد الخليفة عمر واضاف له الخليفة عثمان يوما آخر يقصّ فيه(1).

أمّا كعب الاحبار فقد أصبح على عهد الخليفة الثالث مفتي الخلافة القرشيّة كما يعرف ذلك من الخبر الآتي:

روى البلاذري وقال :لمّا أعطى عثمان مروان بن الحكم ما أعطاه وأعطى الحارث بن الحكم بن أبي العاص ثلاثمائة الف

ـــــــــــــــــــــ

1  -  راجع ترجمة تميم في تهذيب تاريخ ابن عساكـر 3 / 360; وسير اعلام النبلاء 2 / 448 وقد مرّت الاشارة الى ذلك في باب رواة الاسرائيليات ص 44 من هذا الكتاب .

ـ67ـ

درهم وأعطى زيد بن ثابت الانصاري مائة الف درهم جعل أبو ذر يقول : بشّر الكانزين بعذاب أليم ويتلو قول اللّه عزّ وجلّ : ( وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَاب أَلِيم )(التوبه / 34) .فرفع ذلك مروان بن الحكم الى عثـمان فأرسل الى أبي ذر ناتلا مولاه أن انته عمّا يبلغني عنك فقال : أينهاني عثمان عن قراءة كتاب اللّه، وعيب من ترك أمر اللّه، فواللّه لان اُرضي اللّه بسخط عثمان أحبّ اليّ وخير لي من أن اسخط اللّه برضاه فأغضب عثمان ذلك وأحفظه فتصابر وكفّ .

وقال عثمان يوماً لكعب: أيجوز للامام أن يأخذ من المال فاذا أيسر قضى؟ فقال كعب الاحبار : لا بأس بذلك فقال أبوذر : يا ابن اليهوديّين أتعلّمنا ديننا؟ فقال عثمان : ما أكثر أذاك لي وأولعك بأصحابي(1).

وفي مروج الذهب للمسعودي انّ الصحابي ابا ذر حضر مجلس عثمان ذات يوم  فقال عثمان : أرأيتم من زكّى ماله هل

ـــــــــــــــــــــ

1  -  انساب الاشراف للبلاذري 5/52.

ـ68ـ

فيه حقّ لغيره؟ فقال كعب : لا يا أمير المؤمنين فدفع ابو ذر في صدر كعب، وقال له : كذبت يا ابن اليهوديّين، ثمّ  تلا (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ )(البقرة / 177) فقال عثمان : أترون بأساً ان نأخذ مالا من بـيت مال المسلمين فننفقه فيما ينوبنا من أمورنا ونعطيكموه؟ فقال كعب : لا بأس بذلك، فرفع ابو ذر العصا فدفع بها صدر كعب وقال : يا ابن اليهوديّين ما أجرأك على القول في ديننا! فقال له عثمان : ما أكثر أذاك لي! غيّب وجهك عنيّ فقد آذيـتنا وبسبب ذلـك ايضاً ابعد ابو ذر الى الشام فكتب معاوية الى عثمان : انّ أبا ذر تجتمع اليه الجموع ولا آمن ان يفسدهم عليك، فإن كان لك في القوم حاجة فاحمله اليك فكتب اليه عثمان بحمله، فحمله على بعير عليه قتب يابس معه خمسة من الصقالبة يطيرون به، حتّى أتوا به المدينة وقد تسلّخت بواطن أفخاذه وكاد أن يتلف، فقيل له : انك تموت من ذلك فقال : هيهات لن أموت حتّى انفى وذكر جوامع ما ينزل به بعد، ومن يتولّى دفنه، فأحسن اليه عثمان في داره أيّاماً، ثمّ دخل اليه فجلس على ركبتيه وتكلّم بأشياء وذكر الخبر في ولد ابي العاص اذا بلغوا ثلاثين رجلا اتّخذوا

ـ69ـ

عباد اللّه خولا، ومرّ ؟ الخبر بطوله، وتكلّم بكلام كثير، وكان في ذلك اليوم قد أتي عثمان بتركة عبد الرحمن بن عوف الزهري من المال، فنثرت البدر حتى حالت بين عثمان وبين الرجل القائم، فقال عثمان : انيّ لارجو لعبد الرحمن خيراً لانّه كان يتصدّق، ويقري الضيف، وترك ما ترون، فقال كعب الاحبار : صدقت يا أمير المؤمنين فشال ابو ذر العصا فضرب بها رأس كعب، ولم يشغله ما كان فيه من الالم وقال : يا ابـن اليهـوديين تقـول لرجل مات وترك هذا المال : انّ اللّه أعطاه خير الدنيا وخير الاخرة وتقطع على اللّه بذلك وانا سمعت النبيّ (ص) يـقول : «ما يسرّني ان اموت وادع ما يزن قيراطاً» فقال له عثمان : وار عني وجهك فقال : اسير الى مكّة قال : لا واللّه قال: فتـمنعني من بيت ربّي أعبده فيه حتى اموت؟ قال : اي واللّه قال : فالى الشام قال : لا واللّه، قـال البصرة؟ قال : لا واللّه، فاختر غير هذه البلدان قال : لا واللّه ما اختار غير ما ذكرت لك ولو تركتني في دار هجرتي ما أردت شيئاً من البلدان فسيّرني حيـث شئت من البلاد قال: فأني مسيّرك الى الربذة، قال : اللّه أكبر صـدق رسول اللّه (ص) قد اخبرني بكل ما انا لاق، قال

ـ70ـ

عثمان: وما قال لك ؟ قال : أخبرني بأني أمنع عن مكّة والمدينة وأموت بالربـذة، ويتـولّى مـواراتي نفر ممن يردون من العراق نحو الـحجاز، وبعث أبو ذر الى جـمل له فحمل عليه أمرأته وقيل : ابنته وأمر عثمـان ان يتجافـاه الناس حتّى يسير الى الربذة، ...الحديث (1)

لمّا كان اخبار مادار بين الصحابي ابي ذر والخليفة ممّا كرهوا ذكرها حرّفها الرواة طلبا للعذر للولاة من بني اميّة ولمعرفة عملهم في تحريف الروايات يراجع بحث عشرة انواع من الكتمان والتحريف في المجلّد الاوّل من معالم المدرستين ولمعرفة اخبار ولاة بني امية في عصر الخليفة عثمان خاصّة يراجع اخبار ابي ذر في ذلك العصر في المجلد السابع من الغدير للعلاّمة الاميني (ره).

ـــــــــــــــــــــ

1  -  مروج الذهب للمسعودي ، ط الاولى بيروت سنة 1385 2/339 ـ 341.

ـ71ـ

 

 

 

 

ثالثاً عصر نشر حديث الرسول (ص) على عهد الامام علي

اخذ الوصي العلم من النبيّ (ص) : 

 

في طبقات ابن سعد:

      أ ـ عـن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب قال : قيل لعلي : مالك أكثر أصحاب رسول اللّه (ص) حديثاً ؟

فقال : انّي كنت اذا سألته أنبأني واذا سكت ابتدأني . 

      ب ـ عن سليمان الاحمسي عن أبيه قال : عليّ : واللّه ما نزلت آية، الاّ وقد علمت في ما نزلت، وأين نزلت، وعلى من

ـ72ـ

نزلت، انّ رّبي وهب لي قلباً عقولا ولساناً طلقا(1)

وايضاً يؤيّد ما ذكرنا، ثلاث روايات في سنن النسائي وابن ماجة ومسند أحمد واللفظ للنسائي :

      1 ـ عن عبد اللّه بن نجي قال: قال عليّ:

كانت لي منزلة من رسول اللّه (ص) لم تكن لاحد من الخلائق، فكنت آتيه كل سحر فأقول : السلام عليك يا نبيّ اللّه فان تنحنح انصرفت الى أهلي والاّ دخلت عليه،

      2 ـ قال علي :

كان لي من رسول اللّه (ص) ساعة آتيه، فاذا أتيته فيها استأذنت ان وجدته يصلّي تنحنح، وان وجدته فارغا أذن لي

ـــــــــــــــــــــ

1  -  طبقات ابن سعد بترجمة الامام علي ط، اروبا، 2/2/101 والحديث الاوّل، أورده أحمد بن حنبل، في كتابه : (فضائل علي بن أبي طالب) مخطوط.

ـ73ـ

      3 ـ قال علي

كان لي على رسول اللّه (ص) مدخلان، مدخل بالليل ومدخل بالنهار، فكنت اذا دخلت بالليل تنحنح لي(1)

 

 

ـــــــــــــــــــــ

1  -  الروايات الثلاث في سنن النسائي، كتاب السهو، باب التنحنح في الصلاة 1/178، وط. بيروت 3/12 وفي لفظه في الحديث الثاني «تنحنح دخلت» و «دخلت» زائدة

الـرواية الثالثة في سنن ابن ماجة، كتاب الادب، باب الاستئذان ص:1122 ح : 3708

والرواية الاولى بمسند احمد، 1/85 ح : 647 والثانية في 1/107 منه ح : 845 ولفظه :

      كنت آتي رسول االلّه (ص) كل غذاة فاذا تنحننح دخلت فاذا سكت لم أدخل

والثالثة في 1/80 منه ح : 608 وحذف البخاري صدر الحديث وأورد آخره بترجمة عبد الله بن نجي من تاريخه، 4/2/121.

ـ74ـ

 

 

 

 

 

أمر النبي (ص) عليا (ع) بأن يكتب لشركائه الائمة :

في أمالي الشيخ الطوسي وبصائر الدرجات وينابيع المودّة والـلفظ الـلاول : عـن احـمد بن محمّد بن عليّ الباقر، عن آبائه (ع)

قال : قال رسول اللّه (ص) لعليّ «اكتب ما أملي عليك»

قال : يا نبيّ الله! أتخاف عليّ النسيان؟

قال : «لست أخاف عليك النسيان، وقد دعوت اللّه لك أن

ـ75ـ

يحفّظك ولاينسيّك ولكن اكتب لشركائك»

قال : قلت : ومن شركائي؟ يانبيّ اللّه!

قال : «الائمة من ولدك بهم تسقى أمّتي الغيث، وبهم يستجاب دعاؤهم وبهم يصرف اللّه عنهم البلاء وبهم تنزل الرحمة من السمـاء» وأومـأَ الى الحسن، وقال : «هذا أوّلهم» وأومأ الى الحسين (ع) وقال : الائمة من ولده»(1)

وقد وردت الاخبار الآنفة تامة :

في الكافي والوسائل ومستدركه وموجزه في نهج البلاغة واللفظ للاّول

ـــــــــــــــــــــ

1  -  الامالي للشيخ أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي (ت460هـ) مطبعة النعمان، النجف الاشرف سنة، 1384هـ 2/56.

وبصائر الدرجات ص : 167 عن أبي الطفيل عن أبي جعفر.

وينابيع المودة، للشيخ سليمان الحنفي (ت:1294هـ) ص :20 ورجعنا الى النسخة المطبوعة بدار الخلافة العثمانية سنة 1302 هـ .

ـ76ـ

قال الامام في حديثه «قد كنت أدخل على رسول اللّه (ص) كلّ يوم دخلة وكلّ ليلة دخلة فيخلّيني فيها أدور معه حيث دار، وقد علم أصحاب رسول اللّه (ص) أنّه لم يصنع ذلك بـأحـد من الناس غيري، فربما كان في بيتي يأتيني رسول اللّه (ص) أكثر ذلك في بيتي، وكنت اذا دخلت عليه بعض منازله أخلاني وأقام عنّي نساءه. فلا يبقى عنده غيري، واذا أتاني للخلوة معي في منـزلي لم تقم عنّي فاطمة ولا أحد من بنيّ وكنت اذا سألته أجابني واذا سكت عنه وفنيت مسائلي ابتدأني فما نزلت على رسول اللّه (ص) آية من القرآن الاّ أقرأنيها وأملاها عليّ فكتبتها بخطّي، وعلّمني تأويلها وتفسيرها، وناسخها ومنسوخها ومحكمها ومتشابهها وخاصّها وعامّها ودعا اللّه ان يعطيني فهمها وحفظها فما نسيت آية من كتاب اللّه ولا علماً أملاه عليّ وكتبته، منذ دعا اللّه لي بما دعا، وما ترك شيئاً علّمه اللّه من الحلال ولا حرام، ولا أمر ولا نهي كان أو يكون، ولا كتاب منزل على أحد قبله من طاعة أو معصية الاّ علّمنيه

ـ77ـ

وحفظته، فلم أنس حرفاً واحداً، ثمّ  وضع يده على صدري ودعا اللّه لي أن يملأ قلبي علماً وفهماً وحكماً ونوراً، فقلت : يا نبيّ اللّه بأبي أنت وأمّي منذ دعوت اللّه لي بما دعوت لم أنس شيئاً ولم يفتني شيء لم أكتبه أفتتخّوف علي النسيان فيما بعد؟ فقال : لا، لست أتخوف عليك النسيان والجهل(1)

 

نشر الوصي حديث النبي(ص) :

كان الامام علي على عهده في الكوفة يحثّ المسلمين على السؤال عن حديث الرسول (ص) في تفسير القرآن وغيره ممّا

ـــــــــــــــــــــ

1  -  الـكافـي ،1/64، والـوسائـل ط. الـقديـمة 3 / 394 حـديث : 1، وط. بيروت دار احياء التراث العربي 18 / 153 بلفظ آخر .ومستدركـه : 3/194 واحـتـجـاج الطبرسي ص 134، وطبـعة النجف دار النعمان، 1386 هـ 1 / 395 وتحف العقول ،ص 133، وط. قم سنة 1416 هـ ص 196 وبعضه في نهج البـلاغة الـخطبة 205 طبـعة شـرح مـحمد عبده، 2 / 216 والوافي ،1/63 ومرآة العقول ،1/214 - 215.

ـ78ـ

يتكوّن منه سنّة الرسول (ص);

روى ابن عساكر وغيره واللفظ لابن عساكر بسنده عن أبي الطفيل انّه قال :

«أقبـل عـليّ بن أبي طالب ذات يوم، حتّى صعد المنبر، فحمد الله، وأثنى عليه ثمّ  قال : «يا أيّها الناس سلوني قبل أن تفقدوني فواللّه ما بين لوحي المصحف آية تخفى  عليّ فيما أنزلت ولا أين نزلت ولا ما عني بها(1)

وفي رواية قال : سمعت عليّا وهو يخطب الناس فقال : يا أيّها الناس سلوني فانّكم لاتجدون أحداً بعدي هو أعلم بماتسألونه منّي، ولاتجدون أحداً أعلم بما بين اللوحين منّي فسلوني(2)

ـــــــــــــــــــــ

1  -  ترجمة الامام عليّ (ع) من تاريخ ابن عساكر 3/20 وابو الطفيل عامر بن واثلة الليثي ولد عام أحد (ت110 هـ) وهو آخر من مات من الصحابة ،أخرج حديثه جميع أصحاب الصحاح - تقريب التهذيب 1/389.

2  -  ترجمة الامام علي من تاريخ ابن عساكر 3/22.

ـ79ـ

وفي ترجمة الامام عليّ من الاستيعاب وتاريخ ابن عساكر والاصابة واللفظ للاوّل عن أبي الطفيل قال : شهدت عليّا يخطب وهو يقول :

سلوني فواللّه لاتسألوني عن شيء الاّ أخبرتكم، وسـلونـي عـن كتاب اللّه فواللّه ما من آية الاّ وأنا أعلم ؟أبليل نزلت ؟ أم بنهار ؟أم في سهل ؟أم في جبل(1) .

وروى ابن عساكر عن عمير بن عبد اللّه، قال : خطبنا عليّ ابن أبي طالب على منبر الكوفة فقال : أيها الناس سلوني قبل أن تفقدوني فبين الجنبين منّي علم جّم (2)

ـــــــــــــــــــــ

1  -  ترجمة الامام علي من الاستيعاب 2/463 وتاريخ ابن عساكر 3/22، وشواهد التنزيل 1/31، وانساب الاشراف 2/99، والاصابة 4/269 ـ 270، وطبقات ابن سعد 2 / ق / 101 وتفسير الطبري 26 / 116 وحلية الاولياء 1 / 67 - 68 .

2  -  ترجمة الامام علي (ع) من تاريخ ابن عساكر 3/24 .

عمير بن عبد اللّه الهلالي ابو عبد اللّه المدني مولى ام الفضل ويقال له مولى ابن عباس اخرج حديثه البخاري ومسلم وغيرهما تقريب التهذيب 2/86.

ـ80ـ

وروي ـ أيضاً ـ عن أبي الطفيل قال :

خـطب عليّ بن أبي طالب في عامه ـ أي عامه الّذي قتل فيه ـ فقال : يا أيّها الناس أنّ العلم يقبض قبضا سريعا، وانّي أوشك أن تفقدوني فاسألوني فلن تسألوني عن آية من كتاب اللّه  اِلاّ نّبأتكم بها وفيما أنزلت وانّكم لن تجدوا أحداً من بعدي يحدّثكم (1)

وروى ابن عساكر بسنده عن ابن شبرمة انّه قال : ما كان أحد على المنبر يقول : سلوني عن ما بين اللوحين الاّ علي بن أبي طالب (2)

وعـن سـعيد بـن المسيب انّه قال : لم يكن أحد من

ـــــــــــــــــــــ

1  -  ترجمة الامام عليّ (ع) من تاريخ ابن عساكر 3/20.

2  -  تاريخ ابن عساكر، 3/24 .

عبد اللّه بن شبرمة الضبيّ (ت144هـ ) ثقة فقيه اخرج حديثه اصحاب الصحاح . تقريب التهذيب 1/422.

ـ81ـ

أصحاب النبيّ (ص) يقول : «سلوني» الاّ عليّ(1)

وذات مرّة تعرض له ابن الكوّاء كما رواه الطبري وغيره بسندهم عن ابي الطفيل انه قال : رأيت أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه قام على المنبر فقال سلوني قبل ان لاتسألوني ولن تسألوا بعدي مثلي، فواللّه لاتسألوني عن شيء يكون الى يوم القيامة الاّ حدّثتكم به سلوني عن كتاب اللّه، فواللّه ما من آية الاّ انا اعلم أبليل نزلت أم بنهار أم في سهل نزلت أم في جبل.

قال : فقام ابن الكوّاء فقال ياامير المؤمنين : ما الذاريات ذرواً؟

قال : ويلك سل تفّقهاً ولا تسل تعنّتاً.

الذاريات ذرواً : الرياح.

ـــــــــــــــــــــ

1  -  تاريخ ابن عساكر ،3/24 :

      وسعيد بن المسيب بن حزن المخزومي قال ابن حجر في ترجمته في تهذيب التهذيب 1/305 احد العلماء الاثبات اخرج حديثه جميع اصحاب الصحاح .مات بعد التسعين.

ـ82ـ

قال : فما الحاملات وقراً؟

قال : السحاب.

قال : فما الجاريات يسراً؟

قال : السفن.

قال : فما المقسمات أمراً؟

قال : الملائكة

قال : فمن الذين بدّلوا نعمة اللّه كفراً وأحلّوا قومهم دار البوار جهنّم.

قال : منافقوا قريش(1)

ـــــــــــــــــــــ

1  -  قد جاء في تفسير اول سورة (الذاريات) وكتب الحديث الاتي ذكره طرفاً من هذه الرواية فجمعنا بعضها الى بعض الاخر وأوردناها في سياق واحد راجع تفسير الذاريات بتفسير الطبري 26/116 ومستدرك الحاكم وتلخيصه 2/466 ـ 467 وصحّحاه وأخطأ في فتح الباري فقد ذكر بدل المقّسمات أمرأ والمدّبرات امراً، 10/221 وتهذيب التهذيب ،7/338 وكنز العمال، 2/357.

ـ83ـ

والقى (ع) في خطبته التي خطبها عليهم في العقائد والاحكام والسيرة والتفسير وسياسة الملك والاداب الاسلامية ماذكرها المسعودي وقال «والّذي خفظ الناس عنه من خطبه في سائر مقاماته اربعمائة خطبة ونيف وثمانون خطبة يوردها على البديهة وتداول الناس ذلك قولا وعملا(1)

وكان الامام يحثّ الناس على تعلّم الحديث ونشره بتعليمه وكتابته كما روي في كنز العمال وقال بسنده عن الامام انّه قال : قال رسول اللّه (ص) :

«اللهم ارحم خلفائى الّذين يأتون من بعدي يروون

ـــــــــــــــــــــ

1  -  المسعودي في باب ذكر لمع من كلامه واخباره وزهده من اخرترجمته للامام علي (ع) بمروج الذهب، 2/ 419 والمسعودي توفي سنة 348 هـ وقد ولد الشريف الرضي جامع خطب نهج البلاغة سنة 359 هـ وتوفي سنة 406 هـ اي ان المسعودي كتب ذلك من قبل انّ يولد الشريف باكثر من 13 سنة وبلغ عدد ما جمع الشريف الرضي منها حسب اعداد هذه الطبعة 239 خطبة مع ما فيها من التكرار.

ـ84ـ

احاديثي وسنّتي ويعلّمونها الناس»(1)

عن عليّ قال

تعلّموا العلم تعرفوا به واعملوا به تكونوا من اهله(2)

عن عليّ قال رسول اللّه (ص) :

اكتبوا هذا العلم فأنّكم تنتفعون به امّا في دنياكم وامّا في آخرتكم وانّ العلم لايضيع صاحبه(3)

وقال الامام عليّ (ع) :

«اذا كتبتم الحديث فاكتبوه باسناده فأن يك حقا كنتم شركاء في الاجر وان يك باطلا كان وزره عليه  (4)

 

تمحيص الوصيّ لسنّة الرسول (ص):

وكـان عـليه السلام يجاهـد فـي سبيل تمحيص سنة

ـــــــــــــــــــــ

1  -  كنز العمال 10/128 ح/ 1086.

2  -  كنز العمال 10/152 ح/1284.

3  -  كنز العمال 10/157 ح/1308.

4  -  كنز العمال 10/129 ح/1093.

ـ85ـ

الرسول (ص) عمّا امتزج به من احاديث القصّاصين بتشهير القصّاصين وطردهم من مساجد المسلمين كما روي ذلك عنه :

في كنز العمال بسنده :

«عن عليّ انّه دخل المسجد فاذا بصوت قاصّ فلما رآه سكت قـال عـليّ مـن هـذا قال القاصّ انا فقال عليّ اما انّي سمعت رسول اللّه (ص) يقول سيكون بعدي قصّاص لا ينظر اللّه اليهم».

عن ابي البحتري قال دخل عليّ بن ابي طالب المسجد فاذا برجل يخّوف فقال ما هذا فقال رجل يذكّر الناس فقال ليس رجل يذكّر الناس ولكنّه يقول انا فلان بن فلان اعرفوني فأرسل اليه فقال أتعرف الناسخ من المنسوخ فقال لا قال فاخرج من مسجدنا ولا تذكّر فيه.

عن يحيى قال : مرّ بي عليّ وانا اقصّ فقال هل عرفت الناسخ من المنسوخ قلت لا قال انت ابو اعرفوني.

عن سعيد بن ابي هند انّ عليّاً(ع) مرّ بقاصّ فقال ما يقول

ـ86ـ

قالوا يقصّ قال لا ولكن يقول اعرفوني (1) .

هكذا طرد امير المؤمين عليّ بن ابي طالب (ع) القصّاصين من مساجد المسلمين وحارب المنجّمين والعّرافين وكشف زيف اقوالهم كما روى ـ ايضاً ـ المّتقي في كنز العمال . وقال :

قال مسافر بن عوف بن الاحمر : لعليّ ابن ابي طالب حين انصرف من الانبار الى اهل النهروان يا امير المؤمنين لاتسر في هذه الساعة وسر في ثلاث ساعات يمضين من النهار قال عليّ ولم قال لأنّك ان سرت في هذه الساعة اصابك انت وأصحابك بلاء وضرر شديد وان سرت في الساعة الّتي امرتك بها ظفرت وظهـرت وأصبـت وطلبت فقال علـيّ مـا كـان لمحمّد (ص) منجّم ولا لنا من بعده هل تعلم ما في بطن فرسي هذه قال ان حسبت علمت قال من صدّقك بهذا القول كذّب القرآن قال اللّه تعالى

(إِنَّ اللَّهِ عِندَهُ عِـلْمُ السَّاعَـةِ وَيُنَزِّلُ الغَيْثَ وَيَعلَمُ مَا  في الأَرْحَامِ )(لقمان / 34 )، ما كان محمّد (ص) يدّعي ما ادّعيت

ـــــــــــــــــــــ

1 - كنز العمال  10 / 171 - 172 .

ـ87ـ

علمه تزعم انّك تهدي الى علم الساعة الّتى يصيب السوء من سافر فيها قال نعم قال من صدّقك بهذا القول استغنى عن اللّه تعالى في صرف المكروه عنه وينبغي للمقيم بأمرك ان يولّيك لامر دون اللّه ربّه لانّك أنت تزعم هدايته الى الساعة الّتي تنجو من السوء من سافر فيها فمن آمن بهذا القول لم آمن عليه ان يكون كمن اتّخذ دون اللّه ندّاً وضدّا اللّهم لاطائر الاّ طيرك ولا خير الاّ خيرك ولا الّه غيرك . نكذّبك ونخالفك ونسير في هذه الساعة التي تنهانا عنها ثمّ  اقبل على الناس فقال يا ايّها الناس ايّاكم وتعلم هذه النجوم الاّ ما يهتدي به في ظلمات البرّ والبحر انّما الّمنجم كالكافر والكافر في النار واللّه لئن بلغني انّك تنظر في النجوم وتعمل بها لاخلدنّك في الحبس ما بقيت وبقيت ولأحرمنك العطاء ما كان لي سلطان ثمّ  سار في الساعة الّتي نهانا عنها فأتى أهل نهروان فقتلهم ثمّ  قال لو سرّنا في الساعة الّتي امرنا بها فظفرنا او ظهرنا قال قائل سار في الساعة التى امر بها المنجّم. ما كان لمحمّد (ص) منجّم ولا لنا من بعده ففتح اللّه علينا بلاد كسرى وقيصر وسائر البلدان ايّها الناس توكلّوا على اللّه وثقوا به فانّه يكفي ما سواه .

ـ88ـ

وانّه قال انّ هؤلاء العرّافين كهّان العجم فمن اتى كاهنا يؤمن بما يقول فقد كفر بما انزل على محمّد (ص)(1) .

 

تأسيس الامام علي لعلم الدراية :

في الكافي والاحتجاج والوسائل ومستدركه وموجزه في نهج البلاغة واللفظ للاوّل : عن سليم بن قيس الهلالي قال : قلت لامير المؤمنين (ع) : انّي سمعت من سلمان والمقداد وأبي ذر شيئاً من تفّسير القرآن وأحاديث عن نبيّ اللّه (ص) غير ما في أيدي الناس، ثمّ سمعت منك تصديق ما سمعت منهم ورأيت في أيدي الناس أشياء كثيرة من تفسير القرآن ومن الاحاديث عن نبي اللّه (ص) أنتم تخالفونهم فيها وتزعمون أنّ ذلك كلّه باطل; أفترى الناس يكذبون على رسول اللّه (ص) متعمّدين، ويفسرون القرآن بآرائهم؟ قال : فأقبل عليّ فقال : قد سألت فافهم الجواب :

انّ في أيدي الناس حقّاً وباطلا، وصدقاً وكذباً، وناسخاً

ـــــــــــــــــــــ

1 - كنز العمال  10 / 169 - 170 .

ـ89ـ

ومنسوخاً، وعامّاً وخاصاً، ومحكماً ومتشابهاً، وحفظاً ووهماً، وقـد كذب على رسول اللّه (ص) على عهده حتّى قام خطيباً فقال : أيّها الناس قد كثرت عليّ الكذابة(1) فمن كذب عليّ متعمداً فليتبّوأ مقعده من النار، ثمّ  كذب عليه من بعده، وانّما أتاكم الحديث من أربعة ليس لهم خـامس : رجـل منافـق يظهر الايمان، متصنّع بالاسلام(2) لايتأثّم ولايتحرّج أن يكذب على رسـول اللّه (ص) متـعمّداً، فلـو علـم الناس أنّه منافق

ـــــــــــــــــــــ

1  -  بكسر الكاف وتخفيف الذال مصدر كذب أي كثرت عليّ كذبة الكذابين ويصح أيضاً جعل الكذاب بمعنى المكذوب والتاء للتأنيث أي الاحاديث المفتراة أو بفتح الكاف وتشديد الذال بمعنى الواحد الكثير الكذب والتاء لزيادة المبالغة، والمعنى: كثرت عليّ أكاذيب الكذابة أو التاء للتأنيث والمعنى كثرت الجماعة الكذابة ولعلّ الاخير أظهر وهذا الخبر على تقديري صدقه وكذبه يدل على وقوع الكذب عليه (ص)، وقوله، : فليتبوّأ على صيغة الامر ومعناه الخبر. (قاله المجلسي في مرآة العقول) 1 / 211 .

2  -  أى متكلّف له ومتدلّس به غير متصف به في نفس الامر (مرآة العقول).

ـ90ـ

كذّاب; لـم يقـبلوا منـه ولـم يصدّقوه ولكنّهم قالوا هذا قد صحب رسول اللّه (ص) ورآه وسمع منه، وأخذوا عنه، وهم لايعرفون حاله، وقد أخبـر اللّه عـن الـمنافقين بما أخبر ووصفهم بما وصفهم فقال عزّ وجلّ (وَإِذَا رَأَيْتَهُم تُعجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُواْ تَسمَعَ لِقَولِهِم)(المنافقون / 4) ثمّ  بقوا بعده فتقرّبوا الى أئمة الضلالة والدعاة الى الناس بالزور والكذب والبهتان فولّوهم الاعمال وحمّلوهم على رقاب الناس، وأكلوا بهم الدنيا، وانّما الناس مع الملوك والدنيا الاّ من عصم اللّه، فهذا أحد الاربعة.

ورجل سمع من رسول اللّه شيئاً لم يحمله على وجهه ووهم فـيه، ولم يتعمّد كذباً فهو في يده، يقول به ويعمل به ويرويه فيقول : أنا سمعته من رسول اللّه (ص) فلو علم المسلمون أنّه وهم لم يقبلوه، ولو علم هو أنّه وهم لرفضه.

ورجل ثالث سمع من رسول اللّه (ص) شيئاً أمر به ثمّ نهى عنه وهو لا يعلم، أو سمعه ينهى عن شيء ثمّ  أمر به وهو لايعلم، فحفظ منسوخه ولم يحفظ الناسخ، ولو علم أنّه منسوخ

ـ91ـ

لرفضه، ولو علم المسلمون اذ سمعوه منه أنّه منسوخ لرفضوه.

وآخر رابع لم يكذب على رسول اللّه (ص) مبغض للكذب خوفاً من اللّه وتعظيماً لرسول اللّه (ص) لم ينسه(1) بل حفظ ما سمع على وجهه فجاء به كما سمع لم يزد فيه ولم ينقص منه، وعلم الناسخ من المنسوخ فعمل بالناسخ ورفض المنسوخ فانّ أمر النبي(ص) مثل القرآن ناسخ ومنسوخ (خاص وعام) ومحكم ومتشابه، قد كان يكون من رسول اللّه (ص) الكلام له وجهان : كلام عام وكلام خاصّ مثل القرآن (2)وقال اللّه عزّ وجلّ في كتابه (وَمَا آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهَاكُمْ عَنْهُ فَاْنتَهُوا )الحشر/7 فيشتبـه عـلى مـن يـعرف ولـم يـدر مـا عني اللّه به ورسوله (ص) وليس كلّ اصحاب رسول اللّه (ص)

ـــــــــــــــــــــ

1  -  في بعض النسخ (لم يسه).

2  - الى هنا ورد في وسائل الشيعة كتاب القضاء، باب عدم جواز استنباط الاحكام النظرية من ظواهر كلام النبي (ص) ح: 1، الطبعة الحجرية 3 / 394 وط بيروت دار احياء التراث العربي 18 / 152 - 153

ـ92ـ

كان يسأله عن الشيء فيفـهم، وكـان منهم من يسأله ولايستفهمه حتّـى أن كـانـوا ليحبّون أن يجييء الاعرابي والطارئ (1) فيسأل رسول اللّه (ص) حتى يسمعوا(2)  .

وكان قد اجتمع في الكوفة من بقي من الصحابة الّذين كانوا في جيش الامام بصفين وكان عددهم الفين وثمانمائة وقتل

ـــــــــــــــــــــ

1  -  الطارىء: الغريب الّذي اتاه عن قريب من غير انس به وبكلامه. (على ما فسرّه المجلسي) ثمّ  قال : وانّما كانوا يحبون قدومهما اِمّا لأستفهامهم وعدم استعظامهم أو لانّه صلّى اللّه عليه وآله كان يتكلّم على وفق عقولهم فيوضحه حتّى يفهم غيرهم. مرآة العقول  1 / 214 .

2  -  الكافي 1/62 ـ 63، والوسائل ط. قديمة 3 / 394، وط الخامسة بيروت، 18 / 152 - 153 ومستدركه 3 / 193 واحتجاج الطبرسي 1 / 394 وط. النجف، 1 / 394وتحف العقول ص 131 ـ 132 وط. قم ص 193 - 196 ونهج البلاغة الخطبة 205 طبعة شرح محمد عبده 2 / 214 - 216، والوافي 1/63. ومرآة العقول ط الثانية، طهران سنة 1394 هـ. 1/211 - 214 .

ـ93ـ

منـهم خـمس وعشرين صحابيا(1) وحثهم الامام علي (ع) على رواية حـديث رسول اللّه (ص) فـأنتشر حـديث الـرسول (ص) منه ومن سائر الصحابة، وبذلك حافظ الامام على حديث الرسول (ص) وسنّته الى عصرنا الحاضر. ومادّون من حديث الرسول (ص) الى عصرنا الحاضر، سواء ما كان في صحيح البخاري او في كتاب الكافي كان من عمل هذا الوصيّ، ولولا ذلك لما وصلنا من حديث الرسول (ص) شيء.

وبذلك اصبحت الكوفة بعد مدينة الرسول (ص) عاصمة العلم وانتشر منها حديث الرسول (ص) وسنّته ومعها التشيّع للائمّة من اهل البيت الى القسم الشرقي من بلاد ايران عن طريق قرميسين ـ كرمانشاه ـ الري قم ـ كاشان ـ الى سبزوار وغيرها من البلاد الايرانيّة.

ـــــــــــــــــــــ

1  -  راجع مروج الذهب للمسعودي 2/394 وبحث قتلى صفيّن وايّامها في 393 ـ 394 منه واشرنا الى ذلك ايضاً في بحث القرآن على عهد الامام علي من المجلد الثاني من القران الكريم وروايات المدرستين .

ـ94ـ

وبقيت الكوفة عاصمة العلم وانتقل العلم بعد ذلك الى الحيرة على بعد ثلاثة اميال من النجف والّتي تسمّى اليوم بالحيرة(1)

كان ذلكم غيض من فيض من آثار قيام الوصيّ بحفظ حديث الرسول (ص) وكان ما بعده مانذكره بحوله تعالى في مايأتي :

ـــــــــــــــــــــ

1  -  راجع ترجمة (الحيرة) و (النجف) بمعجم البلدان.

ـ95ـ

 

 

 

 

 

رابعاً : عصر وضع الحديث على عهد بني أميّة

      عصر الحديث على عهد معاوية

عـن عبـد اللّه بـن عامـر اليحصبي قـال : سمـعت معاوية عـلى الـمنبر، بـدمشق يقول : أيها الناس ايّاكم وأحاديث رسول اللّه (ص) الاّ حديثاً كان يذكر على عهد عمر رضي اللّه عنه فانّ عمر كان يخيف الناس في اللّه عزّ وجلّ.(1)

وعن رجاء بن ابي سلمة قال بلغني انّ معاوية كان يقول

ـــــــــــــــــــــ

1  -  شرف اصحاب الحديث ص : 91 ومخطوطة تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر مصورة المجمع العلمي الاسلامي 9/ق2/236ب ـ 237ب.

ـ96ـ

عليكم من الحديث بما كان في عهد عمر فانّه كان قد اخاف الناس في الحديث عن رسول (ص).(1)

روى الطبري(2) وقال : استعمل معاوية المغيرة بن شعبة عـلى الكوفة سنة احدى وأربعين، فلّما أمّره عليها دعاه وقال له : - وقد أردت ايصاءك بأشياء كثيرة أنا تاركها اعتماداً على بصرك، ولست تاركاً ايصاءك بخصلة، لاتترك شتم عليّ وذمّه والترحّم على عثمان والاستغفار له ، والعيب لاصحاب عليّ والاقصاء لهم، والاطراء لشيعة عثمان، والادناء لهم، فقال له المغيرة : قد جُرِّبت وجَرَّبت، وعملت قبلك لغيرك، فلم يذممني، وستبلو فتحمد أو تذّم فقال : بل نحمد ان شاء اللّه.

وروى المدائني في كتاب الاحداث وقال : كتب معاوية نسخة واحدة الى عمّاله ـ بعد عام الجماعة ـ أن برئت الذمّة

ـــــــــــــــــــــ

1  -  تذكرة الحفاظ للذهبي 1/7.

2  -  فـي حـوادث سنـة احـدى وخـمسين مـن الطبري 6/141 ط. اوربا 1 / 111 - 112 وابن الاثير 3/178 واللفظ لابن الاثير وراجع معالم المدرستين ط سنة 1414 هـ 1 / 354 .

ـ97ـ

ممن روى شيئاً من فضل أبي تراب وأهل بيته، وكان أشدّ البلاء حينئذ أهل الكوفة.

وكتب معاوية(1) الى عمّاله في جميع الآفاق ألاّ يجيزوا لاحد من شيعة عليّ وأهل بيته شهادة، وكتب اليهم أن أنظروا من قبلكم من شيعة عثمان ومحبّيه، وأهل ولايته، والّذين يروون فضائله ومناقبه، فأدنوا مجالسهم وقربوهم، وأكرموهم، واكتبوا اليّ بكلّ ما يروي كلّ رجل منهم، واسمه، واسم أبيه وعشيرته، ففعلوا ذلك حتّى أكثروا في فضائل عثمان ومناقبه; لما كان يبعث اليهم معاوية من الصلات، والكساء والحباء، والقطايع، ويفضيه في العرب منهم والموالي، فكثر ذلك في كلّ مصر، وتنافسوا في المنازل والدنيا، فليس يجيء أحد مردود من الناس عاملا من عمّال معاوية، فيروي في عثمان فضيلة أو منقبة الا كتب اسمه وقرّبه وشفّعه فلبثوا بذلك حيناً، ثمّ  كتب الى عمّاله أنّ الحديث في عثمان قد كثر وفشا في كلّ مصر، وفي

ـــــــــــــــــــــ

1 - قد نقل كتاب معاوية هذا ايضاً احمد أمين في فجر الاسلام ص  275.

ـ98ـ

كلّ وجه وناحية; فاذا جاءكم كتابي هذا فادعوا الناس الى الرواية في فضائل الصحابة والخلفاء الاولين، ولاتتركوا خبراً يرويه أحد من المسلمين في أبي تراب الاّ وتأتوني بمناقض له في الصحابة فانّ هذا أحبّ اليّ وأقرّ الى عيني، وأدحض لحجّة أبي تراب وشيعته، وأشدّ عليهم من مناقب عثمان وفضله فقرئت كتبه على الناس، فرويت أخبار كثيرة في مناقب الصحابة مفتعلة لا حقيقة لها، وجرى الناس في رواية ما يجري هذا المجرى حتّى أشادوا بذكر ذلك على المنابر، وألقي الى معلّمي الكتاتيب، فعلّموا صبيانهم وغلمانهم من ذلك الكثير الـواسع، حتّى رووه وتعلّموه كما يتعلّمون القرآن، وحتّى علّموه بناتهم ونساءهم وخدمهم وحشمهم، فلبثوا بذلك الى ماشاء اللّه ...، فظهرت أحاديث كثيرة موضوعة، وبهتان منتشر، ومضى على ذلك الفقهاء والقضاة والولاة... الحديث(1)

ـــــــــــــــــــــ

1  -  في شرح من كلام له وقد سأله سائل عن أحاديث البدعة من شرح النهج 3 / 15 ـ 16 أورد ابن أبي الحديد الروايتين المرويتين عن المدائني.

ـ99ـ

وقد روى ابن عرفة المعروف بنفطويه ـ وهو من أكابر المحدّثين وأعلامهم ـ في تاريخه ما يناسب هذا الخبر وقال :

انّ اكثر الاحاديث الموضوعة في فضائل الصحابة افتعلت في أيّام بني أميّة تقرّباً اليهم بما يظنّون أنهم يرغمون به أنوف بني هاشم(1)

وروى ابن ابي الحديد عن أبي جعفر الاسكافي وقال :

انّ معاوية وضع قوماً من الصحابة وقوماً من التابعين على رواية أخبـار قبيحة في عليّ (ع) تقتضي الطعن فيه والبراءة منه، وجعل لهم على ذلك جعلا يرغب في مثله، فاختلقوا ما أرضاه منهم أبو هريرة، وعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة وسمرة ابن جندب، ومن التابعين عروة بن الزبير، روى الزهري : أنّ عروة ابن الزبير حدّثه قال :

«حدّثتني عائشة، قالت : كنت عند رسول اللّه (ص) اذ أقبل العباس وعليّ، فقال : يا عائشة انّ هذين يموتان على غير ملّتي، أو قال، ديني.

ـــــــــــــــــــــ

1  -  المصدر السابق; وفجر الاسلام ص213.

ـ100ـ

وروى عبد الرّزاق عن معمّر قال : كان عند الزهري حديثان عن عروة عن عائشة في عليّ (ع) فسألته عنهما يوماً، فقال : ما تصنع بهما وبحديثهما؟ اللّه أعلم بهما. اني لاتّهمها في بني هاشم! قال : فأمّا الحديث الاول، فقد ذكرناه، وأمّا الحديث الثـاني فهو أن عروة زعم أنّ عائشة حدّثته قالت : كنت عند النبي (ص) اذ أقبل العباس وعلي، فقال : يا عائشة! ان سرّك أن تنظري الى رجلين من أهل النار فـأنظري الى هذين قد طلعا، فنظرت فاذا العبّاس وعليّ بن أبي طالب »(1) .

وأماعمرو بن العاص ، فقد روى الحديث الّذي أخرجه البـخاري(2) ومسلم في صحيحهما مسنداً متّصلا بعمرو بن العاص، قال : سمعت رسول اللّه يقول ـ جهاراً غير سرّ ـ(3) انّ

ـــــــــــــــــــــ

1  -  شرح النهج لابن ابي الحديد، 1/358 ط. مصر الاولى .

2  -  قد أورد البخاري هذا الحديث في صحيحه 4/34 كتاب الادب، باب : «يبل الرحم ببلالها» بطريقين عن ابن العاص.

3  -  هذه الزيادة في رواية البخاري الثانية عن ابن العاص ومسلم 1/136 كتاب الايمان باب موالاة المؤمنين ومقاطعة غيرهم وهذا لفظه قال : سمعت رسول اللّه (ص) جهاراً غير سر يقول ، ألا ان آل أبي يعني فلانا ليسوا لي بأولياء ... الحديث رقم 366، وفي مسند أحمد 4/203 ومسند أبي عوانة 1/96 الحديثان وفتح الباري 13/25 وارشاد الساري 9/13، وقد فصلنا ماجاء مبهماً في الرواية انه آل ابي طالب راجع كتاب (مع ابي الفتوح التليدي ص 32 - 33) للمؤلف .

ـ101ـ

آل أبي طالب ليسوا لي بأولياء انّما ولييّ الله، وصالح المؤمنين.

وفي البخاري بعده بطريق آخر عنه : ولكن لهم رحم أبلّها ببلالها ـ يعني أصلهم بصلتها ـ انتهى.

وأمّا أبو هريرة; فقد روى الاعمش وقال : لما قدم أبو هريرة العراق مع معاوية عام الجماعة، جاء الى مسجد الكوفة، فلمّا رأى كثرة من استقبله من الناس، جثا على ركبتيه، ثمّ  ضرب صلعته مراراً; وقال : يا أهل العراق! أتزعمون أنّي أكذب على اللّه وعلى رسوله وأحرق نفسي بالنار!؟ واللّه لقد سمعت رسول اللّه (ص) يقول : انّ لكل نبيّ حرماً وانّ حرمي بالمدينة

ـ102ـ

ما بين عير الى ثور(1) فمن أحدث فيها حدثاً فعليه لعنة اللّه والملائكة والناس أجمعين، وأشهد بالله أنّ علياً أحدث فيها. فلّما بلغ معاوية قوله، أجازه، وأكرمه، وولاّه المدينة(2) .

وأمّا سمرة فقد قال أبو جعفر شيخ ابن أبي الحديد عنه : قد روى أنّ معاوية بذل لسمرة بن جندب مائة ألف درهم حتى يروي أن هذه الاية نزلت في علي (ع) (وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ في الحَيَوةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهُ عَلَى مَا في قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الخِصَامِ* وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى في ا لاَْرضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لاَيُحِبُّ الفَسادَ ). البقرة / 204، وأنّ الايـة الثـانية نـزلت في ابن ملجم وهـي قـوله تـعالـى : (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْري نَفْسهُ ابْتِغآءَ مَرْضاتِ اللَّه)البقرة / 207 ، فلم يقبل، فبذل له مائتي الف درهم، فلم يقبل، فبذل له أربعمائة

ـــــــــــــــــــــ

1  -  قال ابن ابي الحديد في شرحه: الظاهر انه غلط من الراوي لان ثوراً بمكة... والصواب مابين عير الى احد، شرح النهج ج 1 / 359 .

2  - شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد ط. الاولى ، 1 / 359 .

ـ103ـ

الف درهم فقبل(1)

استجاب لمعاوية جمع من الصحابة والتابعين، فأصابوا من دنيا معاوية العريضة. وخالفه آخرون، فأصابهم التشريد والتقتيل، ووقعت بين الطرفين معارك ضارية كانت نتائجها آلاف الآحاديث الموضوعة الّتي ورثناها اليوم من جانب; ومن جانب آخر آلاف الضحايا البريئة من خيار المسلمين.

وكان سمرة هذا ممن امتثل أوامر معاوية، فأصاب الامرة في البصرة فأسرف في قتل من خالفه.

وروى الطبري(2) وقال : سئل ابن سيرين : هل كان سمرة قتل أحداً؟ فقال : وهل يحصى من قتل سمرة بن جندب!؟ استخلفه زياد على البصرة وأتى الكوفة، فجاء وقد قتل ثمانية آلاف من الناس، وروى أنّه قتل في غداة واحدة سبعة وأربعين كلّهم قد جمع القرآن.

ـــــــــــــــــــــ

1  -  وردت هذه الرواية في شرح النهج 1/358 ـ 361.

2  -  في حوادث سنة 50 من الطبري ط. الاولى مصر، 6/132، وط. اوربا، 2 / 90، وابن الاثير 3/193.

ـ104ـ

وقال : مات زياد وعلى البصرة سمرة بن جندب فأقرّه معاوية أشهراً ثمّ  عزله فقال سمرة : لعن اللّه معاوية، واللّه لو أطعت اللّه كما أطعت معاوية ما عذّبني أبداً(1) .

واقام المغيرة بن شعبة، على الكوفة عاملاً لمعاوية سبع سنين واشهراً وهو من أحسن شي سيرة واشده حباً للعافية غير انه لايدع ذم علي (ع) والوقوع فيه والعيب لقتلة عثمان واللعن لهم .

والدعاء لعثمان بالرحمة، والاستغفار له ، والتزكية لاصـحابه(2)، غير أنّ المغيرة كان يدارى، فيشتدّ مرّة، ويلين أخرى  (3).

ـــــــــــــــــــــ

1  -  في حوادث سنة 53 من الطبري ط. اوربا ،2 / 162. وط. دار المعارف، 5 / 291 ، والطبعة الاولى القاهرة، 6/164 وابن الاثير 3/195 وقد أوردت الخبر منهما باختصار

2  - تاريخ الطبري ط . اوربا، 2 / 112 .

3  -  اشارة الـى خـطبتـه عنـدمـا ولـي الكوفة ،الطبري ط اوربا 2 / 114 .

ـ105ـ

روى الطبري(1) : أنّ المغيرة بن شعبة قال لصعصعة بن صوحان العبدي، وكان المغيرة يومذاك أميراً على الكوفة من قبل معاوية :

«ايّاك أن يبلغني عنك أنك تعيب عثمان عند أحد من الناس، وايّاك أن يبلغني عنك أنك تذكر شيئاً من فضل عليّ علانية; فانك لست بذاكر من فضل عليّ شيئاً أجهله بل أنا أعلم بذلك، ولكنّ هذا السلطان قد ظهر، وقد أخذنا باظهار عيبه للناس، فنحن ندع كثيراً ممّا أمرنا به، ونذكر الشيء الذي لانجد منه بدّاً ندفع به هؤلاء القوم عن أنفسنا تقيّة، فان كنت ذاكراً فضله، فاذكره بينك وبين أصحابك وفي منازلكم سرّاً، وأمّا عـلانية فـي المسجد، فانّ هذا لايحتمله الخليفة لنا ولا يعذرنا فيه ...» الحديث.

كان هذا عمل من ذكرهم ابن ابي الحديد .

* * *

ـــــــــــــــــــــ

1  -  الطبري 5/ 189 - 189 و.ط .اوربا 2 / 38،  في ذكره حوادث سنة 43هـ .

ـ106ـ

وامّا زياد فانّه كان اشدّ من غيره من ولاة معاوية في هذا الامر وقد ذكرنا قصته مع حجر (1) .

وممّا فعله في  هذه المعركة مع صيفي بن فسيل اَنه امر فجي به اليه ، فقال له : يا عدوّ اللّه! ما تـقول في أبي تراب؟ قال : ما أعرف أبا تراب; قال : ما أعرفك به! قال : ما أعرفه، قال : أما تعرف علي بن أبي طالب؟! قال بلى، قال : فذاك، ـ وبعد مـحاورة بينهما ـ قال : عليّ بالعصا، فقال : ماقولك في عليّ؟ قال : أحسن قول أنا قائله في عبد من عبيد اللّه أقوله في أمير المؤمنين، قال : اضربوا عاتقه بالعصا حتّى يلصق بالارض; فضرب حتّى أُلصق بالارض; ثمّ  قال : أقلعوا عنه، فتركوه فقال له : ايه! ما قولك في علي؟ قال : واللّه لو شرطتني بالمواسي والمدى ما قلت الاّ ما سمعت منيّ قال لتلعنّنه أو لاضربنّ عنقك، قال : اذاً واللّه تضربها قبل ذلك، فأُسعد وتشقى، قال : ادفعوا في رقبته، ثمّ  قال : أوقروه حديداً واطرحوه في السجن،

ـــــــــــــــــــــ

1 - راجع كتابنا عبد اللّه بن سبأ ج 2 / 282 - 293.

ـ107ـ

ثمّ  قتل مع حجر(1) .

وكتب زياد الى معاوية في رجلين حضرميّين(2) أنّهما على دين عليّ ورأيه، فأجابه : من كان على دين عليّ ورأيه، فاقتله، ومثّل به فصلبهما على باب دارهما بالكوفة(3)

كما أمره بدفن العنزيّ (الذي مدح علياً وعاب عثمان) حيّاً، فدفنه حيّاً(4) .

وختم حياته بما ذكره المسعودي، وابن عساكر، قال ابن عساكر :

جمع أهل الكوفة فملأ منهم المسجد والرحبة والقصر،

ـــــــــــــــــــــ

1  -  الطبري ج 4 / 266 - 267 و. ط. اوربا 2 / 129 - 143،و طبعة مصر الاولى ، 6 / 149  ; وابـن الاثـير ط. اوربـا 3 / - 407 وط. الـقـاهـرة 3 / 189 - 193 ، والاغاني ط. ساسى ،16/7 و. ط بيروت 17 / 88، وتهذيب بن عساكر 6/461.

2  -  نسبة الى حضر موت من بلاد اليمن.

3  -  المحبر ص479.

4 - الطبري ط اوربا 2 / 142 - 143 .

ـ108ـ

ليعرضهم على البراءة من عليّ(1)

وقال المسعودي :

وكان زياد جمع الناس بالكوفة بباب قصره يحرّضهم على لعن عليّ، فمن أبى ذلك عرضه على السيف ثمّ  ذكر أنّه أصيب بالطاعون في تلك الساعة فأفرج عنهم.

وكان عمرو بن الحمق الخزاعي ممّن أصابه التشريد والقتل في هذه المعركة، فأنه فرّ الى البراري، فبحثوا عنه حتّى عثروا عليه، فحزّوا رأسه، وحملوه الى معاوية، فأمر بنصبه في السوق، ثمّ  بعث برأسه الى زوجته في السجن ـ وكان قد سجنها في هذا السبيل ـ فألقي في حجرها(2).

ـــــــــــــــــــــ

1  -  مروج الذهب للمسعودي في أيام معاوية 3/30 وتهذيب ابن عساكر 5/421.

2 - المعارف لابن قتيبة 7 / 12، وطبعة دار المعارف بمصر الطبعة الثانية سنة 1388 هـ ص 291 - 292 . والاستيعاب 2 / 517، وأسد الغابة ج 4 / 100 - 101 ،والاصابة 2 / 526، وتاريخ ابن كثير 8 / 48، والمحبر ص 490 .

ـ109ـ

عمّت هذه السياسة البلاد الاسلامية، واتّبعها ونفّذها غير من ذكرنا من الامراء ايضاً، كبسر بن أرطاة في ولايته البصرة، وابن شهاب في  الري فقد كانت لهم وقائع في ذلك ذكرها المؤرخون، ثمّ  أصبحت هذه سياسة بني أمية التقليدية، ولُعن علي ابن أبي طالب على منابر الشرق والغرب ما عدا سجستان، فانّه لم يُلعن على منبرها الاّ مرّة، وامتنعوا على بني اميّة حتّى زادوا في عهدهم أن لا يلعن على منبرهم احد في حين كان يلعن على منبر الحرمين(1) .

وقد كانوا يلعنون عليّاً على المنابر بمحضر من أهل بيته، وقصصهم في ذلك كثيرة.

وكان كل ذلك يصدر من وزعة معاوية تنفيذاً لرغبة معاوية وتنفيذاً لطاعته  .

امّا الخليفة معاوية فكان دافعه الى كلّ ذلك عـداؤه لـلامام علـي بسبب ما قتل من ذويه في بدر وهم كلّ من اخيه حنظلة وجـدّه عتبـة وعـمّ امّـه شيبة ولم يقتصر عـداؤه بالامـام

ـــــــــــــــــــــ

1 - معجم البلدان، مادة سجستان، 5 / 38  .

ـ110ـ

عليّ بل كان يحمل بين جنبيه حقداً دفيناً لرسول اللّه (ص) كما يبرهن على ذلك الخبر الاتي :

روى الزبير بن بكّار في الموفقيات : عن المطرف بن المغيرة بن شعبة انّه قال :

دخلت مع أبي على معاوية، فكان أبي يأتيه فيتحدّث معه، ثمّ ينصرف اليّ فيذكر معاوية وعقله، ويعجب بما يرى منه، اذ جاء ذات ليلة فأمسك عن العشاء، ورأيته مغتمّاً فانتظرته ساعة، وظننت أنّه لامر حدث فينا

فقلت : ما لي أراك مغتمّاً منذ الليلة؟

فقال : يا بنيّ، جئت من عند أكفر الناس وأخبثهم.

قلت : وما ذاك؟

قال : قلت له وقد خلوت به : انّك قد بلغت سنّاً يا أمير المؤمنين، فلو أظهرت عدلا، وبسطت خيراً فانّك قد كبرت، ولو نظرت الى اخوتك من بني هاشم، فوصلت أرحامهم، فو اللّه ما عـندهم اليوم شيء تخافه، وانّ ذلك ممّا يبقى لك ذكره وثوابه؟

فقال : هيهات هيهات! أي ذكر أرجو بقاءه! ملك أخو تيم

ـ111ـ

فعدل وفـعل ما فعل، فما عدا أن هلك، حتّى هلك ذكره الاّ أن يقول قائل ، أبو بكر ثمّ  ملك أخو عدي، فاجتهد وشمرّ عشر سنين، فما عدا أن هلك حتى هلك ذكره، الاّ أن يقول قائل : عمر. وانّ ابن أبي كبشة ليصاح به كلّ يوم خمس مرات (أشهد أنّ محمداً رسول الله) فأي عمل يبقى؟ وأي ذكر يدوم بعد هذا لا أباً لك؟ لا واللّه  ّلا دفناً دفناً(1).

وكذلك كان الامر مدّة حكم بني اميّة ما عدا سنتين من حكم عمر بن عبد العزيز ،ثمّ  تغيّر الامر على عهد بني العبّاس كما سندرسه في ما يأتي باذنه تعالى.

ـــــــــــــــــــــ

1  -  الاخـبار الموفقيات للزبير بن بكار ص 576 ـ 577، ومروج الذهب 2 / 454، وابن ابي الحديد 1/463 وط .مصر تحقيق محمد ابو الفضل ابراهيم 5 / 129 - 130 وكانت قريش تكني رسول اللّه (ص) :أبا كبشة استهزاءً به .

ـ112ـ

 

 

 

 

 

خامساً : عصر تدوين الحديث على عهد بنى العبّاس فما بعد :

عرفنا كيف منع الخلفاء من تدوين سنة الرسول (ص) واستمرّ هذا الامر الى عصر عمر بن عبد العزيز الّذي أمر بتدوينها في عصره .

غيـر أنّه لـم يتـمّ الامـر لـوفاة عمر بن عبد العزيز بالسمّ عام 101 هـ وفُقد ما كان دونّ في عصره. فقد روى ابن حجر في ترجمة أبي بكر ابن محمد بن عمرو بن حزم ت : 117 هـ ما موجزه :

كتب اليه عمر بن عبد العزيز أن يكتب له العلم. وقال ابنه بعد

ـ113ـ

وفاته : ضاعت تلك الكتب (1) .

وكذلك لم يبق ما دونّ غيره من العلم، حتى ولي أبو جعفر المنصور وحرّض العلماء على التدوين، قال الذهبي في ذكر حوادث سنة 143 :

وفي هذا العصر شرع علماء الاسلام في تدوين الحديث والفقه والتفسير فصنّف ابن جريج التصانيف بمكّة; وصنّف سعيد ابن أبي عروبة; وحمّاد بن سلمة وغيرهما بالبصرة; وصنّف الاوزاعي بالشام، وصنّف مالك الموطّأ بالمدينة; وصنّف ابن اسحاق المغازي; وصنّف معمّر باليمن; وصنّف أبو حنيفة وغيره الفقه والرأي بالكوفة; وصنّف سفيان الثوري كتاب الجامع; ثمّ بعد يسير صنّف هشيم كتبه; وصنف الليث بمصر وابن لهيعة ثمّ ابن المبارك وأبو يوسف وابن وهب وكثر تدوين العلم وتبويبه ودوّنت كتب العربية واللغة والتاريخ وأيّام الناس . وقبل هذا العصر كان سائر الائمة يتكلّمون عن حفظهم أو يروون العلم من صحف صحيحة غير مرتبة فسهل وللّه

ـــــــــــــــــــــ

1  -  راجع تهذيب التهذيب 12/39.

ـ114ـ

الحمد تناول العلم وأخذ الحفظ يتناقض فلله الامر كلّه(1) .

ونـقل الـخبر عـن الـذهبـي السـيوطي (2) .

وجاء في موسوعة الفقه الاسلامي :

ولمّا حجّ المنصور سنة 143 رغب الى مالك في تأليف (الموطّأ) كما رغّب هو وولاته العلماء في التدوين.

وقد دوّن ابن جريج، وابن ابى عروبة، وابن عيينة وغيرهم، ودوّن سائر فقهاء الامصار وأصحابهم(3)

ولا يناقض ما ذكرناه هنا ما نقلوا عن وجود مدوّنات حديثيّة لبعضهم قبل هذا العصر مثل ما قالوا : أنّه كان للصحابي عبد اللّه بن عمرو بن العاص الصحيفة الصادقة، وكذلك قالوا : كان للتابعي الزهري أحاديث مدوّنة فانّ أمثال ذينك المدوّنتين

ـــــــــــــــــــــ

1  -  راجع تاريخ الاسلام للذهبي 6/ 6 وتارخ الخلفاء للسيوطي الطبعة الاولى سنة 1371 هـ، القاهرة، ص 261 .

2  -  تاريخ الخلفاء للسيوطي ، ص 261 .

3  -  موسوعة الفقه الاسلامي (جمال عبد الناصر) اصدار المجلس الاعلى للشؤون الاسلامية في القاهرة 1/47.

ـ115ـ

بلغ أسماؤها الى العلماء في عصر تدوين الحديث فحسب.

ثـمّ تسابق المحدّثون بـمدرسة الـخلفاء بعد ذلك ـ وعلى عهد المنصور العباسي ـ في تدوين ما بقي في ذاكرتهم من سنّة الرسول (ص) ومن ضمنها مادسّ في احاديث الرسول (ص) وافتري عليه فقد قال (ص) .

من كذّب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار(1)

وكذلك دوّنت الروايات الاسرائيلية في مصادر الدراسات الاسلامية سيرة وتفسيرا ومعاجم للحديث.

 

*  *  *

ـــــــــــــــــــــ

1  -  راجع مصادره في المعجم المفهرس لالفاظ الحديث 1/229.

ـ116ـ

 

ـ117ـ

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تـراجـم مـصـنـفـيّ الـعـلـوم

 

 

 

ـ118ـ

 

ـ119ـ

 

 

 

 

 

 

تراجم مصنفي العلوم :

 

1 - ابـن جـريج : عبـد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي سمع جمعاً مـن الـعلماء يقال انه أوّل من صنّف الكتب وكان أحمد بن حنبل يقول : كان ابن جريج من أوعية العلم توفي سنة 151(1) .

2 - سعيد بن أبي عروبة أبو نظر العدوي ولاء البصري، وهو

ـــــــــــــــــــــ

1  -  تذكرة الحفاظ 1/160; وابن خلكان 1/286; وتاريخ بغداد 10/400; ودول الاسلام للذهبي 1/19.

ـ120ـ

أوّل من صنّف الابواب بالبصرة. قال أحمد بن حنبل :

لم يكن له كتاب انماكان يحفظ وتغيّر حفظه قبل موته بعشر سنين (توفيّ: 156 للهجرة).(1)

3 - حمّاد بن سلمة بن دينار البصري الربعي بالولاء، أبو سلمة، مفتي البصرة، وأحد رجال الحديث وهو أوّل من صنّف التصانيف المرضية (ت: 167 هـ) (2).

4 - الاوزاعـي : أبـو عـمـرو عبد الرحمن بن عمرو بن يحمد كـ   : «يكرم» امام أهل الشام، ولم يكن بالشام أعلم منه، وكان يسكن بيروت، وكانت وفاته سنة 157 هـ والاوزاعي نسبة الى أوزاع بطن من همدان ينسب الـيه الاوزاعي المذكور لا القرية الواقعة بدمشق خارج باب الفراديس (3).

ـــــــــــــــــــــ

1 - تذكرة الحفاظ للذهبي 1/177 ـ 178 .

2 - تهذيب التهذيب 2/11; وميزان الاعتدال 1/277; وحلية الاولياء 6/249; والاعلام للزركلي، 2 / 302 العمود رقم 2 .

3 - الفهرست لابن اسحاق النديم 1/227; والوفيات 1/275، وحلية الاولياء 6/135; وتهذيب الاسماء واللغات، القسم الاول من الجزء الاول ص 298 .

ـ121ـ

5 - مالك بن أنس الاصبحي (ت: 179 هـ ) كتب الموّطأ للخليفة المنصور وسمع منه المهدي وأخوه الهادي (1) .

6 - ابن اسحاق محمد بن ياسر صاحب السيرة ومؤلفات اخرى (ت: 151 هـ).

7 - مـعمّر بـن راشد بن أبي عمرو الازدي بالولاء ، أبو عروة (ت : 153 هـ) فقيه ، حـافظ للـحديث ، مـن اهل البـصرة. ولد وآشتهر فيها وسكن اليمن. وهو عند مؤرّخي رجال الحديث أوّل من صنف باليمن (2) .

8 - أبو حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطي الكابلي التيمي ولاء (ت : 150 هـ ) كان زوطي مملوكاً لبني تيم اللّه بن ثعلبة

ـــــــــــــــــــــ

1 - مقدمة الموطّأ بتصحيح محمد فؤاد عبد الباقي ص(زـ  حك) وترجمته بتذكرة الحفاظ 1/207 ـ 213.

2 - تذكرة الحفاظ 1 / 178، وتهذيب التهذيب 10 / 243، ميزان الاعتدال 3 / 188 .

ـ122ـ

فأعتقوه ، وقيل أن اسم أبي حنيفة كان عتيك بن زوطرة ، فسمى نفسه النعمان وأباه ثابتاً. وقيل كان نبطياً وقيل غير ذلك ، وهو أحد أئمة المذاهب ، ولد سنة ثمانين وعـاش فـي الـكوفة حتـى استقدمه أبوجعفر المنصور الى بغداد ، ودفن بمقام الخيزران في بغداد (1).

9 - سفيان بـن سعيد بـن مسـروق الثـوري، أبـو عبد الله (ت : 161 هـ) ، وصفوه بأنّه أمير المؤمنين في الحديث ولد ونشأ في الكوفة له من الكتب : الجامع الكبير (ت: 161 هـ)(2) .

10 - هيثم بن بشر ابن ابي خازم ،قاسم بن دينار السلمي ابو معاوية الـواسطـي ( ت : 183 هـ )، نـزيل بغداد له كتاب السنن في الفقه والمغازي (3) .

ـــــــــــــــــــــ

1 - تاريخ بغداد  13 / 323 - 423 باختصار .

2 - تهذيب التهذيب 4/111 ـ 115; وابن سعد 6/257; وابن النديم 1/225; ودول الاسلام 1/84; وحلية الاولياء 6/356 وابن خلّكان 1/210.

3 - تـاريـخ بغـداد 14 / 85، مـيزان الاعتـدال 3 / 257، تذكرة الحفاظ 1 / 229، وتهذيب التهذيب 11 / 59 63.

ـ123ـ

11 - الليث بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي بالولاء. أبو الحارث (ت : 175 هـ)، امام أهل مصر في عصره حديثاً وفقهاً.كان كبير الديار المصرية ورئيسها وأمير من بها في عصره بحيث أنّ القاضي والنائب من تحت أمره ومشورته أصله من خراسان ووفاته في القاهرة وله تصانيف (1) .

12 - ابن لهيعة : كسفينة، أبو عبد الرحمن عبد اللّه بن لهيعة الحضرمي المصري، كان كثير الرواية في الحديث والاخبار، تولّى قضاء مصر بأمر المنصور الدوانيقي سنة 155 وصرف عن القضاء سنة 164 وحديثه مذكور في صحيحي الترمذي وأبي داود وغيرهما، توفي بمصر سنة 174 هـ (2).

13 - ابن المبارك : أبو عبد الرحمن عبد اللّه بن المبارك المروزي (ت : 181 هـ) العالم الزاهد العارف المحدّث، كان من

ـــــــــــــــــــــ

1 - تذكرة الحفاظ 1/207; وتهذيب التهذيب 8/459 وفيات الاعيان 1/428.

2 - ميزان الاعتدال 2/64; وفيات الاعيان 1/249.

ـ124ـ

تابعي التابعين، وروي عن أبي اسامة، قال : ابن المبارك في أصحاب الحديث مثل أمير المؤمنين في الناس دون العلم في الابواب والفقه وفي الغزو والزهد والرقائق (1) .

14 - أبـو يـوسف يـعقـوب بن ابراهيم الانصاري ولد بالكوفة (113 هـ) وتتلمذ على أبي حنيفة وهو أوّل من وضع الكتب على رأي أبي حنيفة وولي القضاء ببغداد أيام المهدي والهادي والرشيد وتوّفي سنة 182 هـ وله الخراج مطبوع وقد وضعه لخليفة عصره الرشيد (2)

15 - عبـد اللّه بـن وهب بن مسلم الفهري بالولاء، المصري ( ت : 197 هـ) أبو محمد، فقيه من الائمة من أصحاب مالك وأحد ائمة عصره جمع بين الفقه والحديث ،مادوَّن احدٌ تدوينه، صنف الموطأ الكبير والموطأ الصغير وقال مالك في

ـــــــــــــــــــــ

1  -  تاريخ بغداد ،10/152 وتذكرة الحفاظ، 1/ 274 - 275 ، والكنى والالقاب ، 1/401 .

2 - تاريخ بغداد 14 / 242 - 262، .وفيات الاعيان 2 / 400 - 406، تذكرة الـحـفاظ 1 / 269 - 270 .

ـ125ـ

حقه : عبد اللّه بن وهب امام . له كتب منها: الجامع(1) .

16 - وابن عيينه، سفيان بن عيينه بن ميمون الهلالي توفيّ سنة (196 هـ )(2) .

17 - عبـد اللّه بـن عـمـرو بـن العاص قرشيّ سهمي وأمّه ربطة بنت منبه السهمي كان أصغر من أبيه باحدى عشرة أو أثنى عشرة سنة. اختلفوا في وفاته أكانت بمصر أو الطائف أو مكة وعام 63 أو 65. راجع ترجمته (3) .

18 - الزهري، محمّد بن مسلم بن عبيد اللّه بن عبد اللّه بن شهاب القرشي الزهري من بني زهرة بن كلاب ابو بكر، اوّل من دوّن الحديث وكان ابو جدّه عبد اللّه بن شهاب شهد مع

ـــــــــــــــــــــ

1 - تذكـرة الـحفـاظ 1/304 - 306 ; ووفـيات الاعيان 2/240 - 242 .

2 - سير أعلام النبلاء 6 / 268، ميزان الاعتدال 1 / 397، تهذيب التهذيب 4 / 117 - 122.

3 - بـأسد الـغابة 3 / 23، وسير أعلام النبلاء 3 / 56، وتهذيب التهذيب 5 / 337 .

ـ126ـ

المشركين بدراً وكان احد النفر الذين تعاقدوا يوم احد لئن رأوا رسول اللّه (ص) ليقتُلُنَّهُ او ليقتلنَّ دونه وكان ابو مسلم مع مصعب بن الزبير ولم يزل الزهري مع عبدالملك ثمّ  مع هشام بن عبد الملك وكان يزيد بن عبد الملك قد استقضاه

كتـب عـمـر بـن عبد الـعزيز الـى عماله: عليكم بابن شهاب فانّكم لاتجدون احداً اعلم بالسنة الماضية منه .توفي سنة (124 هـ ) (1).

 

*  *  *

 

ـــــــــــــــــــــ

1 - وفيـات الاعـيان 3 / 317 - 318، تـذكرة الـحفاظ 1 / 102، تاريخ الاسلام للذهبي 5 / 136- 152 .

ـ127ـ

 

 

 

 

 

 

 

خلاصة البحث :

 

قال اللّه سبحانه : ـ

(وَأَنزَلْنَـا إِلَيْـكَ الذِّكْـرَ لِتُبَيِّـنَ لِلنَّـاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)النحل/44

(وَمَا آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهَاكُمْ عَنْهُ فَاْنتَهُوا )الحشر/ 7 أوحى اللّه تعالى الى رسوله (ص) نوعين من الوحي ما كان العبارة والمعنى من اللّه وهو القرآن الكريم وما كان الـمعنى مـن اللّه وبلّغه الرسول (ص) بلفظه وهو حديث

ـ128ـ

الرسول (ص) ومبيّن سنّته.

وكان في الكتب السماوية السابقة اسس الاسلام وتفصيله وبيانه وكان ذلك الكتاب محفوظا بين الامّة لازال اوصياء الرسول موجودين بينهم يحافظون على الشريعة والكتاب وبعدهم كان المسيطرون على الامم يحرّفون ويكتمون من كتابهم السماوي ما يخالف هوى نفوسهم واقتضت حكمة ربّ العالمين ان تبقى الشريعة الخاتمة الى ابد الدهر، فحافظ على كتابه القرآن الكريم بعدم ذكر تفصيل عقائد الاسلام واحكامه في نصّ القرآن الكريم وانّما انزل البيان والتفصيل بوحي غير قرآني على خاتم انبيائه (ص) وبلّغ جميعه الرسول (ص) في حديثه وسنّته فجرى على حديث الرسول (ص) وسنّته في هذه الامّة ما جرى على الكتب السماوية السابقة من الكتمان والتحريف وبيان ذلك ان العصبيّة القبليّة كـانت عـماد الـحياة في الجزيرة العربيّة ولما بعث اللّه خاتم الرسل (ص) في مكّة المكّرمة وقابلته قريش المضريين كما قابلت سائر الامم انبياءها بانواع الاستهزاء والعنت والاذى و وصف اللّه ذلك في كتـابه الكريم دون ذكر اسمائهم عدى ما كان من امر عمّ

ـ129ـ

الرسول (ص) ابي لهب فقد ذكره فـي سـورة ابـي لـهب لانّه لم يكونوا يابهوا بنشر ذمّ عمّ الرسول (ص) ثمّ  هاجر صلوات اللّه عليه وآله الى المدينة وآزره ونصره الانصار اليمانيّون القحطانيّون ووقعت منافرة بين القبيلتين على عهده واخمدها الرسول (ص) بحكمته ولماتوفي الرسول (ص) اجتمع الانصار في سقيفة بني ساعدة ليولّوا احدهم على الحكم فبلغ ذلك مهاجرة قريش فبادروا الى السقيفة وتغلّبوا على الانصار واخذوا الـبيعة للصحابي القرشي ابي بكر ; جرى كل ذلك وجثمان الرسول (ص) بين اهله يغسّلونه ويكفّنونه ويصلّون عليه ويدفنونه واصبح الحكم بعد ذلك قرشيّا لم يولوا من الانصار اليمانيّين احداً على جيش او بلد وجعلوا شورى الخلافة بعد عمر قرشيّة وقابلهم الامام علي (ع) وبنو هاشم ومن معهم ولم يبايعوا كما جاء في صحيح البخاري عن أم المؤمنين عائشة ماموجزه انّه ما بايع علي ولا احد من بني هاشم لازالت فاطمة ـ ابنة الرسول (ص) ـ على قيد الحياة . ولما توفّيت انصرفت وجوه الناس عن علي فضرع الـى

ـ130ـ

مصالحة ابي بكر (1) وبسبب كل ذلك نهوا عبد اللّه ابن عمرو بن العـاص عـن كتابة حديث الرسول (ص) في حياته وقالوا له

(تـكتـب كـل شـيء سمـعته مـن رسول اللّه (ص) ورسول اللّه (ص) بشر يتكلّم في الغضب والرضا)

فامسك وذكر ذلك للرسول (ص) فأومأ باصبعه الى فيه وقال :

«أكتب فو الّذي نفسي بيده ماخرج منه الاّ حق»

ولما اراد (ص) في مرض وفاته ان يكتب لهم كتابا لن يضلّوا بعده احدثوا الضوضاء والصخب وقالوا

حسبنا كتاب اللّه وانّ الرجل ليهجر!!!

اللّه  اكبر! اللّه  اكبر! من عظيم ما اقترفوا وقالوا! وتوفّي الرسول (ص) دون اين يكتب الكتاب الّذي كان اذا كتبه لم يضلّوا بعده ! ولما استولت قريش على الحكم منعوا من كتابة

ـــــــــــــــــــــ

1 - صحيـح الـبخاري كتـاب المغازي باب غزوة خيبر 3 / 38 وراجع بقيه مصادره في ابن سبأ 1 / 138 .

ـ131ـ

سنّة الرسول (ص) وروايته واحرقوا ما كتبه الصحابة من ذلك وجرّدوا القرآن من بيان الرسول (ص) لآياته والّذي تلّقاه عن طـريق الـوحي واستنسخوا من القرآن المجرّد عن حديث الرسول (ص) نسخاً على عهد الخليفة عثمان واحرقوا مصاحف الصحابة الّتى كان مكتوبا فيها الايات القرآنية مع حديث الرسول (ص) في تفسيرها.

وعلى عهد الخليفة عمر أبقى كعب احبار اليهود في المدينة واستفتاه عن تفسير الايات وغيره من مفاهيم الاسلام وتحدّث تميم الداري الذي كان راهب النصارى قبل ذلك قبل خطبة الجمعة وازداد الامر انتشارا على عهد الخليفة عثمان وبذلك انتشرت الاسرائيليات بين المسلمين وروى عنهما كبار الصحابة والتابعين.

وعلى عهد الامام علي (ع) اجتمع حوله في عاصمته الكوفة اكثر من الف وثمانمائة من الصحابة ونشر من علوم الاسلام ما رواه منه المسلمون حتّى اليوم وحثّ من معه من الصحابة على رواية حديث الرسول (ص) فانتشر من حديث الرسول (ص) منـهم : مادوّن في كتب الحديث لدى المسلمين

ـ132ـ

حتّى اليوم وكذلك . حافظ الامام علي على القرآن من التحريف بتأسيسه علم النحو وبكل ذلك اصبحت الكوفة عاصمة العلم حتّى اليوم حيث انتقلت الحوزة العلمية منها بعد ذلك الى الحيرة على بعد ثلاثة كليو مترات من الكوفة ثمَّ الى النجف .

وعلى عهد معاوية لمّا راى انتشار حديث الرسول (ص) بما يخالف سياسة الحكم القرشي امر بوضع الحديث علاجاً لما روي من حديث الرسول بما يخالف سياستهم وبقي المنع عن كتابة حديث الـرسول (ص) جـاريا مدّة حكم بني اميّة عدى سنتين مدّة حكم عمر بن عبد العزيز وفي سنة (143 هـ ) امر الخليفة العباسي ابو جعفر المنصور بكتابة العلم حديثا وسيرة وتفسيرا وفقهاً فكتب العلماء كل ماورثوه من اسلافهم منها شفها فدوّن من حديث الرسول (ص) ما بقي في ذاكرة الاجيال من المحدّثين وكان منها ما رويت صحيحة كما تحدّث به الرسول (ص) ومنها ما كانت مختلطة بالروايات الاسرائيلية ومنها الموضوعات المفتريات على عهد معاوية وبناء على ذلـك انّ المسلمين اليوم بحاجة الى القيام بتمحيص سنّة

ـ133ـ

الرسول (ص) ولهذه الغاية استعنت اللّه تعالى وقمت بسلسة دراسات في سبيل تمحيص سنة الرسول ، نشر بعضها ولماّ يطبع بعضها الاخر.

(قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَة أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ)  يوسف/108

 

                                وآخر دعوانا ان الحمد لله رّب العالمين .

ـ134ـ

 

ـ135ـ

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الفهرست

ـ136ـ

 

ـ137ـ

الفهرست

حديث الرسول انواعه وتاريخه  … 5

أنواع الوحي       … 9

      1 - وحي قرآني      … 9

      2 - وحي بياني        … 9

ثلاث صور للاصحاح   … 11

المحرف في هذا الاصحاح وسببه    … 13

ادوار الوحي       … 19

أوّلا ـ على عهد الرسول (ص).   … 20

ثانياً : ـ على عهد الخلفاء الثلاثة        … 32

      أ ـ على عهد الخليفة الصحابي أبي بكر … 32

      ب ـ على عهد الخليفة الصحابي عمر    … 32

رواة الاسرائيليات … 42

أولا - تميم بن أوس الداري   … 42

ـ138ـ

ثانياً - كعب الاحبار … 47

ردّ الامام علي(ع) على كعب بمجلس الخليفة   … 57

نهي الرسول (ص) الـصحابي عـمـر عـن السـؤال عن اهل الكتاب:   … 61

وجاء دور المستشرقين       … 62

      ج ـ على عهد الصحابي الخليفة عثمان  … 62

دور علماء أهل الكتاب على عهد الخليفة عثمان:  … 66

ثـالثـاً : عـصر نشـر حـديث الـرسـول (ص) على عهد الامام علي (ع)   … 71

اخذ الوصيّ العلم من النبيّ(ص) … 71

أمر النبيّ (ص) علياً (ع) بأن يكتب لشركائه الائمة … 74

نشر الوصي حديث النبي(ص):  … 77

تمحيص الوصيّ لسنّة الرسول (ص):   … 84

تأسيس الامام علي لعلم الدراية … 88

ـ139ـ

رابعاً : عصر وضع الحديث على عهد بني اميّة  … 95

عصر الحديث على عهد معاوية        … 95

خـامساً : عـصر تـدوين الـحديث على عهد بنى العبّاس فما بعد   … 112

تراجم مصنفي العلوم … 117

خلاصة البحث : … 127

الفهرس … 135

 

ـ140ـ

صـدر للـمـؤ لِّـف باللغة العربيّة : -

             معالم المدرستين 1 - 3

             عبد اللّه بن سبأ 1 - 2

             خمسون ومائة صحابي مختلق 1 - 3

             عقائد الاسلام من القرآن الكريم 1 - 2

             أحاديث أمّ المؤمنين عائشة 1 - 2

             القرآن الكريم وروايات المدرستين 1 - 3

             سلسلة على مائدة الكتاب والسنة 1 - 17

             مصطلحات اسلامية 

             حديث الكساء 

             صلاة أبي بكر 

             مع الدكتور الوردي فى كتابه :وعّاظ السلاطين

             مع ابي الفتوح التليدي في كتابه الانوار الباهرة

             ولاية الامام عليّ(ع) في الكتاب والسنّة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

انتشارات كليّة اصول الدين

ص . ب : 878 / 37185

ت : 26 - 7773524(0251) قم

ـ141ـ

 

 

 

 

 

 

 

 

رمز الانترنيت لمؤلّفات العلاّمة العسكري

 

shia.com - httP : // WWW.aL

http : // WWW.aaLuLbayt.org

httP : // WWW.usolaldin.com

 

عنوان المراسلة مع المؤلِّف : 

الجمهورية الإسلامية في ايران

كلِّيّة أصول الدين

قم  ـ  ص . ب :  878 / 37185 

 

ـ142ـ

 

 

       على مائدة الكتاب والسنة

 

                         16

 

 

 

             من تاريخ الحديث

 

                                            تأليف

                   السيد مرتضى العسكري