على مائدة الكتاب والسُّنّة

ــــــــــــــــــــــــــــــ

            8

 

 

 

 

 

البَداء

 

 

 

 

 

 

تأليف

 

السيد مرتضى العسكري


 


 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

(يَمْحو اللهُ مَا يَشَاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ )(الرعد/39)


 


 

الوحدة حول مائدة الكتاب و السنّة

بسم الله الرحمن الرحيم

          الحمد لله رب العالمين ، و الصَّلاة على محمّد و آله الطاهرين ، و  السلام على أصحابه البرره الميامين .

          و بعد : تنازعنا معاشر المسلمين على مسائل الخلاف في الداخل ففرّق أعداء الإسلام من الخارج كلمتنا من حيث لا  نشعر ، وضعفنا عن الدفاع عن بلادنا ، و سيطر الأعداء علينا ، و  قد قال سبحانه و تعالى : (وَ  أَطِيعُوا اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ لاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَ تَذْهَبَ رِيحُكُمْ )(الانفال / 46)

          و ينبغي لنا اليوم و في كل يوم أن نرجع إلى الكتاب و السنّة في ما  اختلفنا فيه و نوحّد كلمتنا حولهما ، كما  قال  تعالى :( فإنْ تَنَازَعْتُم في شَىْء فَرُدُّوهُ إلَى اللّهِ وَ الرَّسُولِ )(النساء / 59)

          و في هذه السلسلة من البحوث نرجع إلى الكتاب و  السنّة و  نستنبط منهما ما ينير لنا السبيل في مسائل الخلاف ، فتكون بإذنه تعالى وسيلة لتوحيد كلمتنا .

          راجين من العلماء أن يشاركونا في هذا المجال ، و  يبعثوا إلينا بوجهات نظرهم على عنوان :

 

          بيروت - ص.ب 124/24  العسكري


 

 

مخطط البحث

 

البَداء في اللّغة و الإصطلاح …7

البَداء في القرآن الكريم   …8

البَداء في روايات مدرسة الخلفاء     …20

البَداء في روايات أئمة أهل البيت (ع)   …22

أثر الاعتقاد بالبَداء    …25


 

 

 

 

البَداء في اللّغة و الإصطلاح

 

البَداء في اللغة :

  للبداء في اللّغة معنيان :

أ - بدا الأمر بُدُوّاً و بَداءً : ظهر ظهوراً بيّناً .

ب - بدا له في الأمر كذا : جدّ له فيه رأي ، نشأ له فيه رأي .

 

البَداء في مصطلح علماء العقائد الإسلامية :

بدا لله في أمر بَداءً ، أي : ظهر له في ذلك الأمر ما كان خافياً على العباد .

و أخطأ من ظنّ أنّ المقصود من بَدا لله في أمر بداءً جَدَّ له في ذلك الأمر غير الأمر الذي كان له قبل البداء ، تعالى الله عن ذلك عُلُوّاً كبيراً .

 

 

 

البَداء في القرآن الكريم

 

أ - قال الله تعالى في سورة الرعد :

( وَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ )(الآيتان  7،27) .

ثمّ قال تعالى :

( وَ مَا كَانَ لِرَسُول أَنْ يَأْتِيَ بِآيَة اِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ لِكُلِّ أَجَل كِتَاب l يَمْحُو اللهُ مَا يَشاءُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ l وَ إِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَ  عَلَيْنَا الْحِسَابُ )(الآيات 38 - 40) .

 

شرح الكلمات

  1- آية :

الآية في اللغة : العلامة الظاهرة كما قال الشاعر :

و في كلّ شيء له آية *** تدلّ على أنَّه واحد

و سُمّيت معجزات الأنبياء آيةً لأنّها علامة على صدقهم و  على قدرة الله ، الذي مكّنهم من الإتيان بتلك المعجزة ، مثل عصا موسى و ناقة صالح ، كما جاءت في الآية (67) من سورة الشعراء و  الآية (73) من سورة الأعراف .

و كذلك سمّى القرآن أنواع العذاب الذي أنزله الله على الأُمم الكافرة بالآية و الآيات ، كقوله تعالى في سورة الشعراء عن قوم نوح : (ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ l إِنَّ فِي ذلِكَ  لاَ يَةً )(الآيتان/120-121) .

و عن قوم هود :

(فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لاَ يَةً )(الآية/139) .

و عن قوم فرعون في سورة الأعراف :

(فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَ الْجَرَادَ و الْقُمَّلَ وَ الضَّفَادِعَ وَ الدَّمَ آيَات مُفَصَّلاَ ت )(الآية/133) .

2- أجل :

الأجل : مدّة الشيء والوقت الذي يحدّد لحلول أمْر وانتهائه ، يقال : جاء أجله إذا حان موته ، وضربت له أجلاً : أي وقتاً محدَّداً لعمله .

3- كتاب :

للكتاب معان متعدّدة ، و المقصود منها هنا : مقدار مكتوب أو مقدّر ، و يكون معنى ( لِكُلِّ أَجَل كِتَاب  ) : لوقت إتيان الرسول بآية زمان مقدّر معيّن .

4- يمحو :

محاه في اللّغة : أزاله و أبطله ، أو أزال أثره، مثل قوله تعالى :

أ - في سورة الإسراء :

(فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَ جَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَة )(الآية/12) .

و آية اللّيل هي اللّيل ، و محو اللّيل : إزالته .

ب - في سورة الشّورى :

( وَ يَمْحُ اللهُ الْبَاطِلَ وَ يُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ )(الآية/24) .

أي يذهب بآثار الباطل .

 

تفسير الآيات :

أخبر الله سبحانه و تعالى في هذه الآيات أنّ كفار قريش طلبوا من رسول الله (ص) أن يأتيهم بآيات ، كما بيّن طلبهم ذلك في قوله تعالى في سورة الإسراء : (وَ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تفْجرَ لَنَا مِنَ الأرْضِ يَنْبُوعاً l ... أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِي بِاللهِ وَ الْمَلا ئِكَةِ قَبِيلاً )(الآيتان/90 و 92) .

و قال في الآية (38) من سورة الرعد : ( وَ مَا كَانَ لِرَسُول أَنْ يَأْتِيَ بِآيَة ) مقترحة عليه ( إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ )و أنّ لكلّ أمر وقتاً مُحدّداً سجّل في كتاب .

و استثنى منه في الآية بعدها و قال : ( يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاءُ )من ذلك الكتاب ما كان مكتوباً فيه من رزق و أجل و سعادة و شقاء و غيرها ( وَ يُثْبِتُ ) ما يشاء ممّا لم يكن مكتوباً في ذلك الكتاب ( وَ عِنْدَهذ أُمُّ الْكِتَابِ ) ، أي : أصل الكتاب و هو اللّوح المحفوظ ، الذي لا يتغيّر ما فيه و لا يبدل .

و بناءً على ذلك قال بعدها : ( وَ إِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الّذِي نَعِدُهُمْ )من العذاب في حياتك ( أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ )قبل ذلك (  فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغ )فحسب ... .

و يدلّ على ما ذكرناه ما رواه الطبري و القرطبي و ابن كثير في تفسير الآية و قالوا ما موجزه :

إنّ عمر بن الخطاب كان يطوف بالبيت و يقول : اللّهمّ إن كنت كتبتني في أهل السعادة فأثبتني فيها ، و إن كنت كتبتني في أهل الشقاوة و الذنب فامحني و أثبتني في أهل السعادة و المغفرة ، فإنّك تمحو ما تشاء و تثبت ، و عندك أُمّ الكتاب .

و روي عن ابن مسعود أنّه كان يقول :

اللّهمّ إن كنت كتبتني في السعداء فأثبتني فيهم ، و إن كنت كتبتني في الأشقياء فامحني من الأشقياء و اكتبني في السعداء ، فإنّك تمحو ما تشاء و تثبت ، و عندك أُمّ الكتاب .

و روي عن أبي وائل أنّه كان يكثر أن يدعو : اللّهمّ إن كنت كتبتنا أشقياء فامح و اكتبنا سعداء ، و إن كنت كتبتنا سعداء فأثبتنا ، فإنّك تمحو ما تشاء و تثبت و عندك أُمُّ الكتاب([1]) .

و في البحار : و إن كنت من الأشقياء فامحني من الأشقياء و  اكتبني من السّعداء ، فإنّك قلت في كتابك المنزّل على نبيّك صلواتك عليه و آله : ( يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ )([2]).

و استدلّ القرطبي ـ أيضاً ـ على هذا التأويل بما روى عن الصحيحين البخاري و مسلم أنّ رسول الله (ص) قال :

« من سرَّه أن يُبسطَ له في رزقهِ و يُنسأَ لهُ في أثرهِ ـ أجلهِ ـ فلْيصلْ رَحِمَه » .

و في رواية : « مَن أحبّ أن يَمُدَّ الله في عمره و يبسطَ له رزقهُ فليتَّق الله و ليصلْ رحمه »([3])

و نقل عن ابن عباس أنّه قال في جواب من سأله و قال : كيف يزاد في العمر و الأجل ؟

قال الله عزّ و جلّ (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِين ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَ أَجَلٌ مُسَمّىً عِنْدَهُ ) ، فالأجل الأوّل أجل العبد من حين ولادته إلى حين موته ، و الأجل الثاني ـ يعني المسمّى عنده ـ من حين وفاته إلى يوم يلقاه في البرزخ لا يعلمه إلاّ الله ، فإذا اتّقى العبد ربّه و وصل رَحِمَه ، زاد الله في أجل عمره الأوّل من أجل البرزخ ما شاء ، و إذا عصى و قطع رَحِمَه ، نقصه الله من أجل عمره في الدنيا ما شاء الله ، فيزيده من أجل البرزخ ... الحديث([4]).

و أضاف ابن كثير على هذا الإستدلال و قال ما موجزه :

و قد يستأنس لهذا القول ما رواه أحمد و النسائي و ابن ماجة عن النبي (ص) أنّه قال :

« إنّ الرجل ليُحرَمُ الرزق بالذنب يُصيبه و لا يردُّ القدر إلاّ الدّعاء و لا يزيدُ في العمر إلاّ البرّ »([5]) .

و قال : في حديث آخر :

« إنّ الدعاء و القضاء ليعتلجان بين السّناء و الأرض »([6])

كان ما ذكرناه وجهاً واحداً ممّا ذكروه في تأويل هذه الآية ، و  ذكروا معها وجوهاً أُخر في تأويل الآية مثل قولهم :

إنّ المراد محو حكم و إثبات آخر ، أي نسخ الأحكام ، و  الصواب في القول : إنّه يعمّ الجميع ، و هذا ما اختاره القرطبي ـ  أيضاً  ـ و قال :

... الآية عامّة في جميع الأشياء و هو الأظهر و الله أعلم([7]) .

و روى الطبري و السيوطي عن ابن عباس في قوله تعالى :

(يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الكِتَابِ ) ، قال  : يُقَدِّرُ الله أمر السّنة في ليلة القدر إلاّ السعادة و الشقاء([8]) .

(يَمْحُو الله ذ مَا يَشَاءُ وَ يُثْبِتُ ) قال : من أحد الكتابين هما كتابان يمحو الله من أحدهما و يثبت ، (وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَاب)أي حملة الكتاب([9]) .

*  *   *

ب - قال سبحانه و تعالى في سورة يونس :

(فَلَوْلا َ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا اِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَ  مَتَّعْنَاهُمْ إِلى حِين )(الآية/98) .

 

شرح الكلمات :

1- كَشَفْنَا :

كشف عنه الغمّ : أزاله ، و كشف العذاب : أزاله .

2- الخِزْيُ :

خَزِيَ خِزْيا : هان و افتضح .

3- حين :

الحين : الوقت و المدّة من غير تحديد في معناه بقلّة أو كثرة .

 

تفسير الآية :

قصة يونس بإيجاز كما في تفسير الآية بتفسير الطبري و  القرطبي و مجمع البيان([10]) أنّ قوم يونس كانوا بنينوى من أرض الموصل و كانوا يعبدون الأصنام ، فأرسل الله اليهم يونس (ع) يدعوهم إلى الإسلام و تَرْك ما هم عليه فأبوا ، و تبعه منهم عابد و  شيخ من بقيّة علمائهم ، و كان العابد يشير على يونس بالدعاء عليهم و العالم ينهاه و يقول له : لا تدعُ عليهم فإنّ الله يستجيب لك و  لا يحبّ هلاك عباده ، فقبل يونس قول العابد فأخبر الله تعالى أنّه يأتيهم العذاب في شهر كذا في يوم كذا ، فأخبرهم يونس بذلك ، فلمّا قرب الوقت خرج يونس من بينهم مع العابد و بقي العالم فيهم ، و  قال قومه : لم نجرّب ـ يونس  ـ عليه كذباً ، فانظروا فإنْ باتَ فيكم الليلة فليس بشيء ، و إن لم يبت فاعلموا أنّ العذاب مصبحكم  ، فلمّا كان في جوف اللّيل خرج يونس من بين أظهرهم ، و لمّا علموا ذلك و رأوا آثار العذاب و أيقنوا بالهلاك ذهبوا إلى العالم فقال لهم : افزعوا إلى الله فإنّه يرحمكم و يردّ العذاب عنكم ، فاخرجوا إلى المفازة و فرّقوا بين النساء و الأولاد و بين سائر الحيوان و أولادها ثمّ ابكوا و ادعوا ، ففعلوا : خرجوا إلى الصعيد بأنفسهم و نسائهم و صبيانهم و دوابّهم ، و لبسوا المسوح ، و أظهروا الإيمان و التوبة ، و أخلصوا النيّة ، و فرّقوا بين كلّ والدة و ولدها من الناس و الأنعام ، فحنّ بعضها إلى بعض ، و علت أصواتها ، و  اختلطت أصواتها بأصواتهم ، و تضرّعوا إلى الله عزّ و جلّ و قالوا : آمنّا بما جاء به يونس ; فرحمهم ربّهم و استجاب دعاءهم و كشف عنهم العذاب بعد ما أظلّهم ، بعد أن بلغ من توبتهم إلى الله ، رَدّوا المظالم بينهم ، حتى أن كان الرجل ليأتي الحجر و قد وضع عليه أساس بنيانه فيقتلعه و يرده ، و كذلك محا الله العذاب عن قوم يونس بعد أن تابوا ، و كذلك يَمحو الله ما يشاء و يثبت و عنده أمّ الكتاب .

 

*  *   *

 

 

ج - قال الله سبحانه و تعالى في سورة الأعراف :

( وَ واعَدْنَا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَ أَتْمَمْنَاهَا بِعَشْر فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَة )(الآية/142) .

و قال في سورة البقرة :

( وَ إِذْ وَاعَدْنَا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَ أَنْتُمْ ظَالِمُوانَ )(الآية/51) .

 


 

 

 

البَداء في روايات مدرسة الخلفاء

 

روى الطيالسي و أحمد و ابن سعد و الترمذي و اللّفظ للطيالسي بإيجاز ، قال : قال رسول الله (ص) :

« إنّ الله أرى آدم ذرّيّته فرأى رجلاً أزهراً ساطعاً نوره .

قال : ياربّ من هذا ؟

قال : هذا ابنك داود !

قال : يا ربّ فما عمرهُ ؟

قال : ستّون سنة !

قال : يا ربّ زِدْ في عمره !

قال : لا إلاّ أن تزيدَهُ من عمرك !

قال : و ما عمري ؟

قال : ألف سنة !

قال آدم : فقد وهبتُ له أربعين سنة من عمري .

... فلمّا حضره الموت و جاءته الملائكة قال : قد بقي من نعمري أربعون سنة .

قالوا : إنّك قد وهبتها لداود ... »([11]).

هذه الرواية بالإضافة إلى ما سبق إيراده من أخبار آثار صلة الرحم و نظائرها بمدرسة الخلفاء من مصاديق (يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ) .

و قد سمّى أئمة أهل البيت (ع) المَحْوَ و الإثبات بالبَداء ، كما سندرسه إن شاء الله تعالى في ما يأتي .

 


 

 

 

البَداء في روايات أئمة أهل البيت (ع)

 

في البحار عن أبي عبد الله (الإمام الصادق) (ع) قال : « ما بعثَ الله عزّ وجلّ نبيّاً حتى يأخذ عليه ثلاث خصال : الإقرار بالعبوديّة ، و خلع الأنداد ، و أنّ الله يُقدِّمُ ما يشاء و يؤخِّرُ ما يشاء  » ([12]) .

و في رواية أُخرى وصف الإمام الصادق (ع) هذا الأمر بالمحو و الإثبات و قال : «ما بعث نبيّاً قطُّ حتى يأخذ عليه ثلاثاً : الإقرار لله بالعبوديّة و خلع الأنداد ، و أنّ الله يمحو ما يشاء و يثبت ما يشاء»([13]) .

و في رواية ثالثة سمّى المحو و الإثبات بالبَداء ، و قال ما موجزه : «ما تنبّأ نبيٌّ قطّ حتى يُقِرَّ لله تعالى ... بالبَداء» الحديث([14]) .

و عن الإمام الرضا (ع) أنّه قال : « ما بعث نبيّاً قطُّ إلاّ بتحريم الخمر ، و أن يُقرّ له بالبَداء »([15]) .

و في رواية أُخرى أخبر الإمام الصادق (ع) عن زمان المحو و  الإثبات و قال : « إذا كان ليلة القدر نزلت الملائكةُ و الروحُ و  الكتبةُ إلى سماء الدنيا فيكتبون ما يكون من قضاء الله تعالى في تلك السنة ، فإذا أراد اللهُ أن يقدّم شيئاً أو يؤخّره أو ينقصَ شيئاً أمر الملك أن يمحو ما يشاءُ ثمّ أثبتَ الذي أراد »([16]).

و أخبر الإمام الباقر (ع) عن ذلك و قال ما موجزه : « تنزّل فيها الملائكة و الكتبةُ إلى سماء الدنيا فيكتبون ما هو كائنٌ في أمر السنّة و ما يصيبُ العبد فيها » . قال : « و أمرٌ موقوفٌ لله تعالى (  يَمْحو اللهُ مَا يَشَاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ )([17]) .

و في حديث آخر له قال : في قول الله : (وَ لَنْ يُؤَخِّرَ اللهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا ) :

« إنّ عند الله كتباً موقوتة يقدّمُ منها ما يشاءُ و يؤخّرُ ، فإذا كان ليلة القدر أنزل الله فيها كلّ شيء يكون إلى ليلة مثلها ، و ذلك قول : (لَنْ يُؤَخِّرَ اللهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا ) إذا أنزل ، و كتبهُ كتّاب السماوات و هو الذي لا يؤخّره »([18]) .

و روى المجلسي في هذا الباب خبر هبة آدم (ع) أربعين سنة من عمره لداود (ع) الذي أوردناه آنفاً في روايات مدرسة الخلفاء  ([19]) .

هذا هو البَداء في أخبار أهل البيت (ع) .

و أمّا البَداء بمعنى أنّ الله جدّ له رأي في الأمر لم يكن يعلمه ـ  معاذ الله ـ فقد قال أئمة أهل البيت (ع) فيه ما رواه المجلسي عن الإمال الصادق (ع) أنّه قال : « مَن زعمَ أنّ الله عزّ و جلّ يبدو له في شيء لم يعلمهُ أمسِ فابرأوا منه »([20]).

 

أثر الاعتقاد بالبَداء

لو اعتقد الإنسان أنّ مِنَ الناس من يكتب في السعداء فلن تتبدّل حاله و لن يكتب في الأشقياء ، و منهم من كتب في الأشقياء فلن تتبدّل حاله و لن يكتب في السعداء ، و جفّ القلم بما جرى لكلّ إنسان ، عندئذ لا يتوب العاصي من معصيته ، بل يستمرّ في ما هو عليه ، لاعتقاده بأنّ الشقاء قد كُتب عليه و لن تتغيّر حاله ، و من الجائز أن يوسوس الشيطان إلى العبد المنيب أنّه من السعداء و لن يكتب في الأشقياء و تؤدّي به الوسوسة إلى التساهل في الطاعة و  العبادة ، و عدم استيعاب بعض المسلمين معاني الآيات و الروايات المذكورة في المشيئة ، اعتقد بعضهم أنّ الإنسان مجبور على ما يصدر منه ، و آخرون على أنّ الأمر كلّه مفوّض للإنسان ، كما درسناه في بحث الجبر و التفويض من السلسلة([21]) .

 

 



([1]) أخرج الأحاديث الثلاثة الطبري بتفسير الآية : 13/112ـ113 ; والدرّ المنثور 4/124ـ125 ; وتفسير ابن كثير 4/843 .

و أبو وائل شفيق بن سلمة الكوفي . قال في ترجمته بتهذيب التهذيب : ثقة مخضرم ، أدرك عهد الصحابة و التابعين ، مات في خلافة عمر بن عبد العزيز ، و  له مائة سنة ، أخرج له جميع أصحاب الصِّحاح و السنن (10:354) .

([2]) البحار 98 : 162 .

([3]) صحيح البخاري 3:34 كتاب الأدب ، باب 12 و 13 . و صحيح مسلم : 1982 ح20 و 21 من باب صلة الرحم . و مسند أحمد 3:156 و 247 و 266 و 5:76 .

([4]) تفسير القرطبي 9 : 329 - 331 .

([5]) و الرواية في سنن ابن ماجة ، المقدّمة ، باب 10 ، الحديث 90 .

([6]) تفسير ابن كثير 2 : 519 .

([7]) تفسير القرطبي 9 : 29 .

([8]) تفسير الطبري 13 : 111 و السيوطي و اللفظ للطبري .

([9]) تفسير السيوطي 4 : 65 عن ابن جرير الطبري و الحاكم قال : و صحّحه .

([10]) مجمع البيان 3 : 135 . القرطبي 8:384 . الطبري 11:118 . والدرّ  المنثور 3:317 .

([11]) الطيالسي : 350 ح2692 . و مسند أحمد 1:251و298و371 . وطبقات ابن سعد 1:7-9ق1 ط.أوربا . وسنن الترمذي 11:196-197 بتفسير سورة الأعراف .

و في البحار 4:102-103 عن الإمام الباقر (عليه السلام)باختلاف يسير في اللفظ .

([12]) البحار 4:108 نقلاً عن توحيد الصدوق .

([13]) المصدر نفسه ، نقلاً عن المحاسن .

([14]) البحار 4:108 نقلاً عن توحيد الصدوق .

([15]) المصدر نفسه .

([16]) البحار 4:99 عن تفسير عليّ بن إبراهيم .

([17]) البحار 4:102 نقلاً عن أمالي الشيخ المفيد .

([18]) البحار 4:102 نقلاً عن تفسير عليّ بن إبارهيم .

([19]) المصدر نفسه ، عن علل الشرائع .

([20]) البحار 4:111 نقلاً عن إكمال الدين .

([21]) بحث الجبر و التفويض يكون العاشر في سلسلة ( على مائدة الكتاب و  السنّة ) .