على
مائدة الكتاب
والسُّنّة
ــــــــــــــــــــــــــــــ
8
البَداء
تأليف
السيد
مرتضى
العسكري
(يَمْحو
اللهُ مَا
يَشَاءُ وَ
يُثْبِتُ وَ
عِنْدَهُ
أُمُّ
الْكِتَابِ )(الرعد/39)
الوحدة حول
مائدة الكتاب
و السنّة
بسم الله
الرحمن
الرحيم
الحمد
لله رب
العالمين ، و
الصَّلاة على
محمّد و آله
الطاهرين ، و السلام
على أصحابه
البرره
الميامين .
و
بعد : تنازعنا
معاشر
المسلمين على
مسائل الخلاف
في الداخل
ففرّق أعداء
الإسلام من
الخارج
كلمتنا من حيث
لا نشعر ،
وضعفنا عن
الدفاع عن
بلادنا ، و
سيطر الأعداء
علينا ، و قد
قال سبحانه و
تعالى : (وَ أَطِيعُوا
اللّهَ وَ
رَسُولَهُ وَ
لاَ تَنَازَعُوا
فَتَفْشَلُوا
وَ تَذْهَبَ
رِيحُكُمْ )(الانفال / 46)
و
ينبغي لنا
اليوم و في كل
يوم أن نرجع
إلى الكتاب و
السنّة في ما اختلفنا
فيه و نوحّد
كلمتنا
حولهما ، كما قال تعالى :(
فإنْ
تَنَازَعْتُم
في شَىْء
فَرُدُّوهُ
إلَى اللّهِ
وَ
الرَّسُولِ )(النساء / 59)
و
في هذه
السلسلة من
البحوث نرجع
إلى الكتاب و السنّة و نستنبط
منهما ما ينير
لنا السبيل في
مسائل الخلاف
، فتكون بإذنه
تعالى وسيلة
لتوحيد
كلمتنا .
راجين
من العلماء أن
يشاركونا في
هذا المجال ،
و يبعثوا
إلينا بوجهات
نظرهم على
عنوان :
بيروت - ص.ب 124/24 العسكري
مخطط البحث
البَداء في
اللّغة و
الإصطلاح …7
البَداء في
القرآن
الكريم …8
البَداء في
روايات مدرسة
الخلفاء …20
البَداء في
روايات أئمة
أهل البيت (ع) …22
أثر
الاعتقاد
بالبَداء …25
البَداء
في اللّغة و
الإصطلاح
البَداء
في اللغة :
للبداء في
اللّغة
معنيان :
أ - بدا
الأمر
بُدُوّاً و
بَداءً : ظهر
ظهوراً بيّناً
.
ب - بدا له
في الأمر كذا :
جدّ له فيه
رأي ، نشأ له
فيه رأي .
البَداء
في مصطلح
علماء
العقائد
الإسلامية :
بدا لله
في أمر بَداءً
، أي : ظهر له في
ذلك الأمر ما
كان خافياً
على العباد .
و أخطأ من
ظنّ أنّ
المقصود من
بَدا لله في
أمر بداءً
جَدَّ له في
ذلك الأمر غير
الأمر الذي كان
له قبل البداء
، تعالى الله
عن ذلك
عُلُوّاً كبيراً
.
البَداء
في القرآن
الكريم
أ - قال
الله تعالى في
سورة الرعد :
( وَ
يَقُولُ
الَّذِينَ
كَفَرُوا
لَوْلا أُنْزِلَ
عَلَيْهِ
مِنْ رَبِّهِ
)(الآيتان 7،27)
.
ثمّ قال
تعالى :
( وَ مَا
كَانَ
لِرَسُول
أَنْ
يَأْتِيَ
بِآيَة
اِلاَّ
بِإِذْنِ
اللهِ
لِكُلِّ
أَجَل كِتَاب l
يَمْحُو
اللهُ مَا
يَشاءُ وَ
عِنْدَهُ
أُمُّ
الْكِتابِ l
وَ إِنْ مَا
نُرِيَنَّكَ
بَعْضَ
الَّذِي نَعِدُهُمْ
أَوْ
نَتَوَفَّيَنَّكَ
فَإِنَّمَا
عَلَيْكَ
الْبَلاغُ
وَ عَلَيْنَا
الْحِسَابُ )(الآيات 38 - 40) .
شرح
الكلمات
1-
آية :
الآية في
اللغة :
العلامة
الظاهرة كما
قال الشاعر :
و في
كلّ شيء له
آية *** تدلّ على
أنَّه واحد
و سُمّيت
معجزات
الأنبياء
آيةً لأنّها
علامة على
صدقهم و على
قدرة الله ،
الذي مكّنهم من
الإتيان بتلك
المعجزة ، مثل
عصا موسى و
ناقة صالح ،
كما جاءت في الآية
(67) من سورة
الشعراء
و الآية (73) من
سورة الأعراف
.
و كذلك
سمّى القرآن
أنواع العذاب
الذي أنزله الله
على الأُمم
الكافرة
بالآية و
الآيات ، كقوله
تعالى في سورة
الشعراء عن
قوم نوح : (ثُمَّ
أَغْرَقْنَا
بَعْدُ الْبَاقِينَ
l إِنَّ فِي
ذلِكَ
لاَ يَةً )(الآيتان/120-121) .
و عن قوم
هود :
(فَكَذَّبُوهُ
فَأَهْلَكْنَاهُمْ
إِنَّ فِي
ذلِكَ لاَ
يَةً )(الآية/139)
.
و عن قوم
فرعون في سورة
الأعراف :
(فَأَرْسَلْنَا
عَلَيْهِمُ
الطُّوفَانَ
وَ
الْجَرَادَ و
الْقُمَّلَ
وَ
الضَّفَادِعَ
وَ الدَّمَ
آيَات
مُفَصَّلاَ ت
)(الآية/133) .
2- أجل :
الأجل :
مدّة الشيء
والوقت الذي
يحدّد لحلول أمْر
وانتهائه ،
يقال : جاء
أجله إذا حان
موته ، وضربت
له أجلاً : أي
وقتاً محدَّداً
لعمله .
3- كتاب :
للكتاب
معان متعدّدة
، و المقصود
منها هنا : مقدار
مكتوب أو
مقدّر ، و
يكون معنى (
لِكُلِّ
أَجَل
كِتَاب
) : لوقت
إتيان الرسول
بآية زمان
مقدّر معيّن .
4- يمحو :
محاه في
اللّغة :
أزاله و أبطله
، أو أزال
أثره، مثل
قوله تعالى :
أ - في سورة
الإسراء :
(فَمَحَوْنَا
آيَةَ
اللَّيْلِ وَ
جَعَلْنَا
آيَةَ
النَّهَارِ
مُبْصِرَة )(الآية/12) .
و آية
اللّيل هي
اللّيل ، و
محو اللّيل :
إزالته .
ب - في سورة
الشّورى :
( وَ
يَمْحُ اللهُ
الْبَاطِلَ
وَ يُحِقُّ
الْحَقَّ
بِكَلِمَاتِهِ
)(الآية/24) .
أي يذهب
بآثار الباطل
.
تفسير
الآيات :
أخبر الله
سبحانه و
تعالى في هذه
الآيات أنّ كفار
قريش طلبوا من
رسول الله (ص)
أن يأتيهم بآيات
، كما بيّن
طلبهم ذلك في
قوله تعالى في
سورة الإسراء
: (وَ
قَالُوا لَنْ
نُؤْمِنَ
لَكَ حَتَّى
تفْجرَ لَنَا
مِنَ الأرْضِ
يَنْبُوعاً l ...
أَوْ
تُسْقِطَ
السَّمَاءَ
كَمَا
زَعَمْتَ
عَلَيْنَا
كِسَفاً أَوْ
تَأْتِي
بِاللهِ وَ
الْمَلا
ئِكَةِ
قَبِيلاً )(الآيتان/90 و 92) .
و قال في
الآية (38) من
سورة الرعد : ( وَ
مَا كَانَ
لِرَسُول
أَنْ
يَأْتِيَ
بِآيَة )
مقترحة عليه (
إِلاَّ
بِإِذْنِ
اللهِ )و
أنّ لكلّ أمر
وقتاً
مُحدّداً
سجّل في كتاب .
و استثنى
منه في الآية
بعدها و قال : (
يَمْحُو
اللهُ مَا
يَشَاءُ )من
ذلك الكتاب ما
كان مكتوباً
فيه من رزق و
أجل و سعادة و
شقاء و غيرها ( وَ
يُثْبِتُ ) ما يشاء ممّا
لم يكن
مكتوباً في
ذلك الكتاب ( وَ
عِنْدَهذ
أُمُّ الْكِتَابِ
) ، أي : أصل
الكتاب و هو
اللّوح
المحفوظ ،
الذي لا
يتغيّر ما فيه
و لا يبدل .
و بناءً
على ذلك قال
بعدها : ( وَ إِنْ
مَا
نُرِيَنَّكَ
بَعْضَ
الّذِي نَعِدُهُمْ
)من العذاب
في حياتك ( أَوْ
نَتَوَفَّيَنَّكَ
)قبل ذلك ( فَإِنَّمَا
عَلَيْكَ
الْبَلاَغ )فحسب ... .
و يدلّ
على ما ذكرناه
ما رواه
الطبري و
القرطبي و ابن
كثير في تفسير
الآية و قالوا
ما موجزه :
إنّ عمر
بن الخطاب كان
يطوف بالبيت و
يقول : اللّهمّ
إن كنت كتبتني
في أهل
السعادة
فأثبتني فيها
، و إن كنت
كتبتني في أهل
الشقاوة و
الذنب فامحني
و أثبتني في
أهل السعادة و
المغفرة ،
فإنّك تمحو ما
تشاء و تثبت ، و
عندك أُمّ
الكتاب .
و روي عن
ابن مسعود
أنّه كان يقول
:
اللّهمّ
إن كنت كتبتني
في السعداء
فأثبتني فيهم
، و إن كنت
كتبتني في
الأشقياء
فامحني من الأشقياء
و اكتبني في
السعداء ،
فإنّك تمحو ما
تشاء و تثبت ،
و عندك أُمّ
الكتاب .
و روي عن
أبي وائل أنّه
كان يكثر أن
يدعو : اللّهمّ
إن كنت كتبتنا
أشقياء فامح و
اكتبنا سعداء
، و إن كنت
كتبتنا سعداء
فأثبتنا ،
فإنّك تمحو ما
تشاء و تثبت و
عندك أُمُّ
الكتاب([1]) .
و في البحار
: و إن كنت من
الأشقياء
فامحني من
الأشقياء
و اكتبني من
السّعداء ،
فإنّك قلت في
كتابك
المنزّل على
نبيّك صلواتك
عليه و آله : (
يَمْحُو
اللهُ مَا
يَشَاءُ وَ
يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ
أُمُّ
الْكِتَابِ )([2]).
و استدلّ
القرطبي ـ
أيضاً ـ على
هذا التأويل
بما روى عن
الصحيحين
البخاري و مسلم
أنّ رسول الله
(ص) قال :
« من
سرَّه أن
يُبسطَ له في
رزقهِ و
يُنسأَ لهُ في
أثرهِ ـ أجلهِ
ـ فلْيصلْ
رَحِمَه » .
و في
رواية : « مَن
أحبّ أن
يَمُدَّ الله
في عمره و
يبسطَ له
رزقهُ
فليتَّق الله
و ليصلْ رحمه »([3])
و نقل عن
ابن عباس أنّه
قال في جواب
من سأله و قال :
كيف يزاد في
العمر و الأجل
؟
قال الله
عزّ و جلّ (هُوَ
الَّذِي
خَلَقَكُمْ مِنْ
طِين ثُمَّ
قَضَى
أَجَلاً وَ
أَجَلٌ مُسَمّىً
عِنْدَهُ ) ، فالأجل
الأوّل أجل
العبد من حين
ولادته إلى حين
موته ، و
الأجل الثاني
ـ يعني
المسمّى عنده
ـ من حين
وفاته إلى يوم
يلقاه في
البرزخ لا يعلمه
إلاّ الله ،
فإذا اتّقى
العبد ربّه و
وصل رَحِمَه ،
زاد الله في
أجل عمره
الأوّل من أجل
البرزخ ما شاء
، و إذا عصى و
قطع رَحِمَه ،
نقصه الله من
أجل عمره في
الدنيا ما شاء
الله ، فيزيده
من أجل البرزخ
... الحديث([4]).
و أضاف
ابن كثير على
هذا
الإستدلال و
قال ما موجزه :
و قد
يستأنس لهذا
القول ما رواه
أحمد و
النسائي و ابن
ماجة عن النبي
(ص) أنّه قال :
« إنّ
الرجل
ليُحرَمُ
الرزق بالذنب
يُصيبه و لا
يردُّ القدر
إلاّ الدّعاء
و لا يزيدُ في
العمر إلاّ
البرّ »([5]) .
و قال : في
حديث آخر :
« إنّ
الدعاء و
القضاء
ليعتلجان بين
السّناء و
الأرض »([6])
كان ما
ذكرناه وجهاً
واحداً ممّا
ذكروه في تأويل
هذه الآية ،
و ذكروا
معها وجوهاً
أُخر في تأويل
الآية مثل
قولهم :
إنّ
المراد محو
حكم و إثبات
آخر ، أي نسخ
الأحكام ، و الصواب
في القول :
إنّه يعمّ
الجميع ، و
هذا ما اختاره
القرطبي
ـ أيضاً ـ
و قال :
...
الآية عامّة
في جميع
الأشياء و هو
الأظهر و الله
أعلم([7]) .
و روى
الطبري و
السيوطي عن
ابن عباس في
قوله تعالى :
(يَمْحُو
اللهُ مَا
يَشَاءُ وَ
يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ
أُمُّ
الكِتَابِ ) ، قال :
يُقَدِّرُ
الله أمر
السّنة في
ليلة القدر
إلاّ السعادة
و الشقاء([8]) .
(يَمْحُو
الله ذ مَا
يَشَاءُ وَ
يُثْبِتُ ) قال : من أحد
الكتابين هما
كتابان يمحو
الله من
أحدهما و يثبت
، (وَ
عِنْدَهُ
أُمُّ
الْكِتَاب)أي حملة
الكتاب([9]) .
* * *
ب - قال
سبحانه و
تعالى في سورة
يونس :
(فَلَوْلا
َ كَانَتْ
قَرْيَةٌ
آمَنَتْ فَنَفَعَهَا
اِيمَانُهَا
إِلاَّ
قَوْمَ
يُونسَ لَمَّا
آمَنُوا
كَشَفْنَا
عَنْهُمْ
عَذَابَ الْخِزْيِ
فِي
الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا
وَ مَتَّعْنَاهُمْ
إِلى حِين )(الآية/98) .
شرح
الكلمات :
1-
كَشَفْنَا :
كشف عنه
الغمّ : أزاله
، و كشف
العذاب :
أزاله .
2-
الخِزْيُ :
خَزِيَ خِزْيا
: هان و افتضح .
3- حين :
الحين :
الوقت و
المدّة من غير
تحديد في
معناه بقلّة
أو كثرة .
تفسير
الآية :
قصة يونس
بإيجاز كما في
تفسير الآية
بتفسير الطبري
و القرطبي و
مجمع البيان([10])
أنّ قوم يونس
كانوا بنينوى
من أرض الموصل
و كانوا
يعبدون
الأصنام ،
فأرسل الله
اليهم يونس (ع)
يدعوهم إلى
الإسلام و
تَرْك ما هم
عليه فأبوا ،
و تبعه منهم
عابد و شيخ
من بقيّة
علمائهم ، و
كان العابد
يشير على يونس
بالدعاء
عليهم و
العالم ينهاه
و يقول له : لا
تدعُ عليهم
فإنّ الله
يستجيب لك
و لا يحبّ
هلاك عباده ،
فقبل يونس قول
العابد فأخبر
الله تعالى
أنّه يأتيهم
العذاب في شهر
كذا في يوم
كذا ، فأخبرهم
يونس بذلك ،
فلمّا قرب
الوقت خرج
يونس من بينهم
مع العابد و
بقي العالم
فيهم ، و قال
قومه : لم
نجرّب ـ يونس ـ عليه
كذباً ،
فانظروا فإنْ
باتَ فيكم
الليلة فليس
بشيء ، و إن لم
يبت فاعلموا
أنّ العذاب مصبحكم ،
فلمّا كان في
جوف اللّيل
خرج يونس من
بين أظهرهم ،
و لمّا علموا
ذلك و رأوا
آثار العذاب و
أيقنوا
بالهلاك
ذهبوا إلى
العالم فقال
لهم : افزعوا
إلى الله
فإنّه يرحمكم
و يردّ العذاب
عنكم ،
فاخرجوا إلى
المفازة و فرّقوا
بين النساء و
الأولاد و بين
سائر الحيوان
و أولادها ثمّ
ابكوا و ادعوا
، ففعلوا : خرجوا
إلى الصعيد
بأنفسهم و
نسائهم و
صبيانهم و دوابّهم
، و لبسوا
المسوح ، و
أظهروا
الإيمان و
التوبة ، و
أخلصوا
النيّة ، و
فرّقوا بين
كلّ والدة و
ولدها من
الناس و
الأنعام ، فحنّ
بعضها إلى بعض
، و علت
أصواتها ،
و اختلطت
أصواتها
بأصواتهم ، و
تضرّعوا إلى
الله عزّ و
جلّ و قالوا :
آمنّا بما جاء
به يونس ;
فرحمهم ربّهم
و استجاب
دعاءهم و كشف
عنهم العذاب
بعد ما أظلّهم
، بعد أن بلغ
من توبتهم إلى
الله ، رَدّوا
المظالم
بينهم ، حتى
أن كان الرجل
ليأتي الحجر و
قد وضع عليه
أساس بنيانه
فيقتلعه و
يرده ، و كذلك
محا الله
العذاب عن قوم
يونس بعد أن
تابوا ، و
كذلك يَمحو
الله ما يشاء
و يثبت و عنده
أمّ الكتاب .
* * *
ج - قال
الله سبحانه و
تعالى في سورة
الأعراف :
( وَ
واعَدْنَا
مُوسى
ثَلاثِينَ
لَيْلَةً وَ أَتْمَمْنَاهَا
بِعَشْر
فَتَمَّ
مِيقَاتُ
رَبِّهِ
أَرْبَعِينَ
لَيْلَة )(الآية/142)
.
و قال في
سورة البقرة :
( وَ إِذْ
وَاعَدْنَا
مُوسى
أَرْبَعِينَ
لَيْلَةً
ثُمَّ
اتَّخَذْتُمُ
الْعِجْلَ
مِنْ
بَعْدِهِ وَ
أَنْتُمْ
ظَالِمُوانَ )(الآية/51) .
البَداء
في روايات
مدرسة
الخلفاء
روى
الطيالسي و
أحمد و ابن
سعد و الترمذي
و اللّفظ
للطيالسي
بإيجاز ، قال :
قال رسول الله
(ص) :
« إنّ
الله أرى آدم
ذرّيّته فرأى
رجلاً أزهراً
ساطعاً نوره .
قال :
ياربّ من هذا
؟
قال : هذا
ابنك داود !
قال : يا
ربّ فما عمرهُ
؟
قال :
ستّون سنة !
قال : يا
ربّ زِدْ في
عمره !
قال : لا
إلاّ أن
تزيدَهُ من
عمرك !
قال : و ما
عمري ؟
قال : ألف
سنة !
قال آدم :
فقد وهبتُ له
أربعين سنة من
عمري .
...
فلمّا حضره
الموت و جاءته
الملائكة قال
: قد بقي من
نعمري أربعون
سنة .
قالوا :
إنّك قد
وهبتها لداود
... »([11]).
هذه
الرواية
بالإضافة إلى
ما سبق إيراده
من أخبار آثار
صلة الرحم و
نظائرها
بمدرسة الخلفاء
من مصاديق (يَمْحُو
اللهُ مَا
يَشَاءُ وَ
يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ
أُمُّ
الْكِتَابِ) .
و قد سمّى
أئمة أهل
البيت (ع)
المَحْوَ و
الإثبات
بالبَداء ،
كما سندرسه إن
شاء الله
تعالى في ما
يأتي .
البَداء
في روايات
أئمة أهل
البيت (ع)
في البحار
عن أبي عبد
الله (الإمام
الصادق) (ع) قال : «
ما بعثَ الله
عزّ وجلّ
نبيّاً حتى
يأخذ عليه
ثلاث خصال :
الإقرار
بالعبوديّة ،
و خلع الأنداد
، و أنّ الله
يُقدِّمُ ما
يشاء و
يؤخِّرُ ما
يشاء » ([12]) .
و في
رواية أُخرى
وصف الإمام
الصادق (ع) هذا
الأمر بالمحو
و الإثبات و
قال : «ما بعث
نبيّاً قطُّ
حتى يأخذ عليه
ثلاثاً :
الإقرار لله بالعبوديّة
و خلع الأنداد
، و أنّ الله
يمحو ما يشاء
و يثبت ما
يشاء»([13]) .
و في
رواية ثالثة
سمّى المحو و
الإثبات
بالبَداء ، و
قال ما موجزه :
«ما تنبّأ
نبيٌّ قطّ حتى
يُقِرَّ لله
تعالى ...
بالبَداء»
الحديث([14]) .
و عن
الإمام الرضا
(ع) أنّه قال : « ما
بعث نبيّاً قطُّ
إلاّ بتحريم
الخمر ، و أن
يُقرّ له
بالبَداء »([15]) .
و في
رواية أُخرى
أخبر الإمام
الصادق (ع) عن
زمان المحو
و الإثبات و
قال : « إذا كان
ليلة القدر
نزلت الملائكةُ
و الروحُ
و الكتبةُ
إلى سماء
الدنيا فيكتبون
ما يكون من
قضاء الله
تعالى في تلك
السنة ، فإذا
أراد اللهُ أن
يقدّم شيئاً
أو يؤخّره أو
ينقصَ شيئاً
أمر الملك أن
يمحو ما يشاءُ
ثمّ أثبتَ
الذي أراد »([16]).
و أخبر
الإمام الباقر
(ع) عن
ذلك و قال ما
موجزه : « تنزّل
فيها
الملائكة و الكتبةُ
إلى سماء
الدنيا
فيكتبون ما هو
كائنٌ في أمر
السنّة و ما
يصيبُ العبد
فيها » . قال : « و أمرٌ
موقوفٌ لله
تعالى ( يَمْحو
اللهُ مَا
يَشَاءُ وَ
يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ
أُمُّ
الْكِتَابِ )([17]) .
و في حديث
آخر له قال : في
قول الله : (وَ
لَنْ
يُؤَخِّرَ
اللهُ
نَفْساً
إِذَا جَاءَ
أَجَلُهَا ) :
« إنّ
عند الله
كتباً موقوتة
يقدّمُ منها
ما يشاءُ و
يؤخّرُ ، فإذا
كان ليلة
القدر أنزل
الله فيها كلّ
شيء يكون إلى
ليلة مثلها ،
و ذلك قول : (لَنْ
يُؤَخِّرَ
اللهُ
نَفْساً
إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا
) إذا أنزل
، و كتبهُ
كتّاب
السماوات و هو
الذي لا
يؤخّره »([18]) .
و روى
المجلسي في
هذا الباب خبر
هبة آدم (ع) أربعين سنة من
عمره لداود (ع)
الذي أوردناه
آنفاً في روايات
مدرسة
الخلفاء ([19]) .
هذا هو
البَداء في
أخبار أهل
البيت (ع) .
و أمّا
البَداء
بمعنى أنّ
الله جدّ له
رأي في الأمر
لم يكن يعلمه
ـ معاذ الله
ـ فقد قال أئمة
أهل البيت (ع)
فيه ما رواه
المجلسي عن
الإمال
الصادق (ع)
أنّه قال : « مَن
زعمَ أنّ الله
عزّ و جلّ
يبدو له في
شيء لم يعلمهُ
أمسِ فابرأوا
منه »([20]).
أثر
الاعتقاد
بالبَداء
لو اعتقد
الإنسان أنّ
مِنَ الناس من
يكتب في السعداء
فلن تتبدّل
حاله و لن
يكتب في
الأشقياء ، و
منهم من كتب
في الأشقياء
فلن تتبدّل
حاله و لن
يكتب في
السعداء ، و
جفّ القلم بما
جرى لكلّ
إنسان ، عندئذ
لا يتوب العاصي
من معصيته ،
بل يستمرّ في
ما هو عليه ، لاعتقاده
بأنّ الشقاء
قد كُتب عليه
و لن تتغيّر
حاله ، و من
الجائز أن
يوسوس الشيطان
إلى العبد
المنيب أنّه
من السعداء و
لن يكتب في
الأشقياء و
تؤدّي به
الوسوسة إلى
التساهل في
الطاعة
و العبادة ،
و عدم استيعاب
بعض المسلمين
معاني الآيات
و الروايات
المذكورة في
المشيئة ،
اعتقد بعضهم
أنّ الإنسان
مجبور على ما
يصدر منه ، و
آخرون على أنّ
الأمر كلّه
مفوّض
للإنسان ، كما
درسناه في بحث
الجبر و
التفويض من
السلسلة([21]) .
([1])
أخرج
الأحاديث
الثلاثة
الطبري
بتفسير الآية
: 13/112ـ113 ; والدرّ المنثور
4/124ـ125 ; وتفسير
ابن كثير 4/843 .
و أبو وائل
شفيق بن سلمة
الكوفي . قال
في ترجمته
بتهذيب
التهذيب : ثقة
مخضرم ، أدرك
عهد الصحابة و
التابعين ،
مات في خلافة
عمر بن عبد
العزيز ،
و له مائة
سنة ، أخرج له
جميع أصحاب
الصِّحاح و
السنن (10:354) .
([3]) صحيح
البخاري 3:34
كتاب الأدب ،
باب 12 و 13 . و صحيح
مسلم : 1982 ح20 و 21 من
باب صلة الرحم
. و مسند أحمد 3:156
و 247 و 266 و 5:76 .