201 ـ الْجَوْرُ تَبِعاتٌ.

الجور والظلم تَبعات ومظالم ومسؤوليات. و «المظلمة» هي حقّ شخص ضيّعه شخص آخر ظلماً وجوراً، والجَور تَبِعات باعتبار انّ كلّ مَن ظلم أحداً مالا فإنّ مَظلمة ذلك الشخص ستلحقه، فإن توفّي المظلوم آل الحقّ في تلك المظلمة إلى وارثه، وأمكن لوارثه المطالبة بتلك المظلمة، وكذلك الحال لوارث الوارث في كل مرتبة إلى يوم القيامة، فإن حان يوم القيامة لحقت مظلمة كلّ امرىء به.

202 ـ الْشَّهَواتُ قاتِلاتٌ.

الشهوات قاتلات لأنّهنّ سبب الهلاك الأخروي، بل الدنيوي أيضاً.

203 ـ اللَّذَّاتُ آفاتٌ.

اللذّات آفات، لأنّ صاحبها يُلقي بنفسه من أجلها في المهالك الدنيوية والأخروية.

204 ـ الْعِلْمُ مجلّةٌ، الْجَهْلُ مضلّةٌ.

205 ـ الْشَّرَهُ مذلّةٌ.

206 ـ الْعَقْلُ شِفاءٌ.

العقل شفاء من أمراض الجهل، لأنّ العاقل يمكنه بتحصيل العلوم معالجة جميع تلك الأمراض.

207 ـ الْحُمْقُ شَقاءٌ.

208 ـ الْصَّدَقَةُ كَنْزٌ.

الصدقة كنز، لأنّ الكنز هو ما يُدّخر لوقت الحاجة، والصدقة ذخيرة ليوم القيامة الّذي هو يوم الفاقة الكبرى.

209 ـ الإِخْلاصُ فَوْزٌ.

الإخلاص في الطاعات والعبادات فوزٌ بالمراتب العليا والدرجات الرفيعة.

210 ـ الصِّدْقُ يُنْجِي، الْكِذْبُ يُرْدِي، الْبُخْلُ يُزْرِي.

211 ـ الْبَريءُ جَرِيءٌ.

212 ـ الْصَّدَقَةُ تَقِي.

الصدقة تقي صاحبها من البلاء والآفات الدنيوية والأخروية.

213 ـ الْدِّين نُورٌ، الْيَقِينُ حُبُورٌ.

الدين نور، واليقين في الأُمور الدينية حُبور وسرور، لأنّه سبب السرور الخالد.

214 ـ الْصَّبْرُ ظَفَرٌ، الْعَجَلُ خَطَرٌ.

215 ـ الْغَيُّ أَشَرٌّ.

الضلال والغواية مَرَح وبَطَر وفَرَح، يعني انّ الضَّلال فَرَح مستمر دون خوف من الله تعالى ولا تفكير بيوم الجزاء.

216 ـ الْعَيُّ حَصَرٌ.

العيّ والعجز ضِيق الصدر، يعني انّه يصبح سبباً لضيق الصدر وتكدّر الخاطر، فينبغي إذاً السعي في رفعه بقدر الوسع. ويمكن أن يكون معنى «الحصر» هو البُخل، فيكون معناه انّ البُخل هو أهم أنواع العيّ والعجز وأكثرها ذمّاً، لأنّ البخيل يجعل نفسه باختياره عاجزاً عن الإحسان، فيكون البُخل أسوأ أنواع العجز. ويمكن أن يكون المراد انّ الغالب هو انّ العجز في الأعمال يكون مسبّباً عن البخل، أمّا الكريم فلا يُصبح عيباً عاجزاً.

217 ـ الْعَدْلُ مِلاكٌ، الْجَوْرُ هَلاكٌ.

العدل قوام وملاك الفوز بكلّ سعادة، أو هو قوام نظام العالم وانتظام أحواله، والجور هلاك، أي هلاك صاحبه في العقبى وكذلك في الدنيا على الأغلب، أو هو هلاك نظام العالم وانتظامه.

218 ـ الْعِلْمُ حِرْزٌ.

أي انّ العلم ملجأ يحفظ صاحبه من الشرور والآفات الدنيوية والأخروية.

219 ـ الْقَناعَةُ عِزٌّ.

القناعة عزّ، لأنّ القانع عزيز ومحترم بين الناس لأنّه لا يطمع في ما في أيديهم ولا يطلب من أحد شيئاً، وهو عزيز عند الله سبحانه لأنّ الحقّ تعالى يحبّ من عبده أن لا يسأل أحداً سواه شيئاً مهما صغر، كما في الحديث، ويكره أن يسأل عبده سواه، وقد ورد في الحديث انّ قوماً من الأنصار أتوا رسولالله(صلى الله عليه وآله وسلم) فقالوا: اضمِن لنا الجنّة، قال: على أن لا تسألوا أحداً شيئاً.

قالوا: نعم يا رسولالله.

قال: فضمن لهم الجنّة، فكان الرجل منهم يسقط سوطُه وهو على دابّته فينزل حتى يتناوله كراهية أن يسأل أحداً شيئاً(1).

220 ـ الْمَعْرُوفُ كَنْزٌ.

المعروف والإحسان كنز يدّخره صاحبه لنفسه لعلّه يستفيد منه وقت الحاجة، لأنّ الإحسان ينفع في يوم القيامة وهم أهمّ أوقات الحاجة والفاقة، والغالب أنّ الإحسان ينفع في الدنيا أيضاً.

221 ـ الْغَفْلَةُ طَرَبٌ.

الغفلة سبب للطرب والفرح، وهي مذمومة شرعاً، لأنّ غير الغافل إذا ذكر العقبات الّتي تنتظره لم يَخْلُ من الهمّ والحزن.

222 ـ الْيَقْظَةُ كَرَبٌ.

أي انّ اليقظة والتنبّه سبب للغم والحزن كما مرّت الإشارة في الفقرة السابقة.

223 ـ الْرِّياسَةُ عَطَبٌ.

الرياسة والزعامة عطب وهلاك; لأنّه يندر أن لا يَبدّر من رئيس القوم وزعيمهم ظلم وحيف يكون سبباً في هلاكه في الآخرة، كما أنّها سبب للتعب والنصب في الدنيا، وغالباً ما تؤدّي إلى الهلاك أيضاً.

224 ـ الْشَّهْوَةُ حَرَبٌ.

الشهوة حَرَب أي سَلْب، أي انّها تسلب العقل واللبّ، أو تسلب الإيمان والتقوى.

225 ـ الشُّكْرُ مَغْنَمٌ.

شُكر النعمة غنيمة ونفع محض، إذ يؤدّي به حقّ النعمة، فيكون ذلك سبباً لزيادة النعمة.

226 ـ الْكُفْرُ مَغْرَمٌ.

كُفران النعمة سبب النقص والغَرْم، إذا لم يُؤَدَّ بِهِ أداء حقّ النعمة، فيكون سبباً للخوف من زوال النعمة فضلا عن اليأس من زيادتها.

227 ـ الْعُقُولُ مَواهِبٌ، الآدابُ مَكاسِبٌ.

العقل لا يحصل بالاكتساب، بل هو موهبة من الله تعالى، أمّآ الآداب فتحصل بالاكتساب.

228 ـ الْدُّنْيا بِالإِتّفاقِ، الأَخِرَةُ بِالإِسْتِحْقاقِ.

الدنيا تحصل بالحظّ والاتّفاق دون رعاية للاستحقاق، أمّا الآخرة فتُنال بالاستحقاق، حيث تكون لكلّ شخص بقدر استحقاقه.

ولو قيل: إنّ الله تعالى يُعطي الثواب الجزيل في الآخرة تفضّلا، كما هو الظاهر في الأحاديث الكثيرة، فكيف تُعطى الآخرة بتمامها بالاستحقاق؟

نقول: انّ التفضّلات ستكون هي الأُخرى بالاستحقاق. فمثلا لو استحقّ شخص مرتبة معيّنة من الثواب فتفضّل عليه الحقّ تعالى بعشر أضعافها، فإنّه تعالى سيتفضّل أيضاً بهذه الأضعاف على كلّ من ماثله في استحقاق تلك المرتبة من الثواب عن طريقة العمل، وليس الأمر بحيث أنّ الشخصين المتماثلين في الاستحقاق يُتفضّل على أحدهما ولا يتُفضّل على الآخر، أو يُعطى لأحدهما زيادة ويُعطى الآخر أقلّ منه، بل يكون التفضّل على الجميع بنسبة استحقاقهم وبقدر استحقاقهم. وبهذا الاعتبار يصحّ أنّ الآخرة بأجمعها بالاستحقاق.

والمراد بأنّ «الدنيا بالاتّفاق» هو أنّها ليست بالاستحقاق والأهليّة مثل الآخرة، ولا يُراد بأنّها تحصل بالاتّفاق من دون طريق الأسباب، بحيث يكون لشخص النصيب الوافر وللآخر أقل منه، ولا أنّ الحظّ والصدفة سبب لهذه الاختلافات، إذ لا يُتعقّل كلا المعنيين كما ذُكر في موضعه، فالاختلافات الواقعة في الدنيا على الرغم من أنّها ليست عن طريق الأهليّة والاستحقاق، لكن لكلٍّ منها سبباً ظاهر مقتضاه أنّ أحدهم نال ميراثاً والآخر لم يصله ميراث، أو أنّ أحدهم تاجر وربح في تجارته والآخر لم يُتاجر ولم يربح، أو أنّ أحدهم كان له صديق فأعطاه ذلك الصديق شيئاً، والآخر لم يكن له صديق، وأمثال هذه الأسباب. فتلك الاختلافات نتجت من هذه الأُمور ولم تنتج لأنّ الحقّ تعالى راعى فيها استحقاق كل فرد وأعطى كلّ فرد بقدر استحقاقه، لأنّ الدنيا لا تعدل في نظر الحقّ تعالى شيئاً ليجب رعاية الاستحقاق عند إعطاءه لها، حيث ورد في بعض الأحاديث أنّ الدنيا لو كانت تعدل عند الله جناح بعوضة لما سقى الكافرَ منها شربة ماء(2).

229 ـ الْمُؤْمِنُ بِعَمَلِهِ.

المؤمن مؤمنٌ بعمله، وقد ذكرنا قبل هذا أنّ البعض يعدّ العمل جزءاً من الإيمان ولا يُعدّ الفاسق مؤمناً، والمشهور هو أنّ العمل ليس جزءاً من الإيمان، وأنّ الاعتقادات تكفي في تحقّق الإيمان، وأنّ العمل يبعث على كمال الإيمان. فعلى الأوّل يكون معنى هذا الكلام أنّ المؤمن مؤمنٌ بعمله، وأنّه ما لم يكن له عمل لم يكن مؤمناً. أمّا بناءً على المشهور فالمعنى هو أنّ كمال إيمان المؤمن بالعمل، وأنّ التفاوت بين المؤمنين باعتبار العمل، فمن كان عمله أكثر كان إيمانه أكمل، ومن كان عمله أقلّ كان ايمانه أنقص، وهذا المعنى أظهر وأوفق بالفقرات اللاحقة.

230 ـ الإِنْسانُ بِعَقْلِهِ.

الآدميّ آدميّ بعقله ودرايته، أي أنّ الآدميّة بعين البصيرة هي بالعقل والدراية لا بالهيئة والجثّة الخاصّة، فمن كان عقله أكثر كانت آدميّته أكثر، ومن كان عقله أنقص كانت آدميّته أنقص.

231 ـ الْمَرْءُ بِهِمَّتِهِ.

الرجل رجلٌ بهمته، فمن كانت همّته أكبر كانت رُجولته أكمل، ومن كانت همّته أضعف كانت رجولته أنقص، والمراد بالهمّة الكرم والسخاء، أو نيّة الخير وقصده، أو مطلق العزم والقصد، يعني قصد المراتب العالية والفضائل الحسنة.

232 ـ الْرَّجُلُ بِجَنانِهِ.

الرجل رجلٌ بقلبه، يعني باعتبار الشجاعة والجرأة، أو باعتبار صفاء القلب وإشراقه باعتبار العلوم والمعارف، أو باعتبار المقاصد ونوايا الخير. وعلى أي تقدير فالمراد هو الرجال يمتازون عن بعضهم بهذا الاعتبار، ولذلك فهم يتفاوتون في رجولتهم.

233 ـ الْمَرءُ بِإِيمانِهِ.

قدر المرء بإيمانه، فمن كان إيمانه أكمل كانت رجولته وقدره أكبر. ولا يتوهمنّ أحد أنّ هناك تعارضاً بين الفقرات السابقة، باعتبار أنّ أحدها جعل التفاوت بين الرجال باعتبار الهمّة، والثاني باعتبار الجَنان، والثالث باعتبار الإيمان; لأنّ كلّ واحد من هذه الأُمور يصبح مناطاً للتفاوت، والمراد في كلّ فقرة أنّ الرجال يمتازون عن بعضهم بهذا الأمر، وهذا لا يتنافى مع امتيازهم عن بعضهم بأُمور أُخرى، فقد تكون الهمّة لدى رجل معين أعلى، ويكون الجَنان أو الإيمان لدى رجل آخر أكمل، وتكون الرجولة في كلّ منهم أكمل بطريق معيّن، ومن الجليّ أنّ ذلك ممّا لا محذور فيه.

234 ـ الْعِلْمُ بِالْعَمَلِ.

العلم عِلمٌ بالعمل، فإن لم يكن معه عمل فهو في الحقيقة ليس علماً ولا فائدة فيه، بل هو أسوأ من الجهل، لأنّ الجاهل معذور في بعض الأحكام الّتي لا يُعذر فيها العالم. وقد ورد في بعض الأحاديث أنّ العلم والعمل مقترنان ولا يفترقان عن بعضهما. وورد في بعضها أنّ العلم يهتف بالعمل(3)، فإن أجابه وإلاّ ارتحل.

وبناءً على ذلك يمكن حمل هذا الكلام على هذا المعنى، يعني أنّ العلم مقرون بالعمل لا يفترق عنه.

235 ـ الدُّنْيا بالأَمَلِ.

الدنيا تنقضي بالأمل، أي أنّها مليئة بالآمال، وأنّ الإنسان مهما شاهد مكارهها وآلامها فإنّه يعزّي نفسه ويسرّي عنها بأمل أن تزول هذه المكاره والآلام، ثمّ تنقضي دنياه ويظهر أنّ ذلك لم يكن سوى أمل. ولذلك فإنّ على من كان له أدنى عقل أن لا ينخدع بالدنيا ولا يركن إليها وأن يعلم أنّ الغرض من النزول فيها ومن عبورها ليس إلاّ تحصيل الزاد لمنزل الإقامة ودار الخلود. ومن تيسّر له هذا المعنى فما أسعده وأعلى حظّه، ومن حُرم من هذا المعنى فما أشدّ حسرته وحرمانه.

236 ـ الْبِشْرُ مَبَرَّةٌ، الْعُبُوسُ مَعَرَّةٌ.

237 ـ الْجَهْلُ وَبالٌ.

يعني أنّ الجهل سبب للوبال. والوبال هو الفساد وسوء العاقبة، والمراد به الذنب، باعتبار أنّ مجازاته وبال.

238 ـ الْتَّوْفيقُ إِقْبالٌ.

التوفيق ـ يعني تهيئة أسباب عمل الخير ـ هو إقبال الحظّ والسعادة.

239 ـ الْحَرامُ سُحْتٌ.

240 ـ الْمَوْتُ فَوْتٌ.

الموت فوت للفرصة، فيجب الاستعداد له. وقد يكون المراد أنّ الموت الحقيقي هو فوات فرصة عمل الخير، فإن لم تَفُت فرصة عمل الخير كان المرء حيّاً على الدوام ولا يموت (ذِكره) بالموت، كما نطق بذلك الأحاديث.

241 ـ الْحَرِيصُ تَعِبٌ.

242 ـ الْقِنْيَةُ(4) سَلِبٌ.

إذا قرأنا «سلب» بكسر اللام فهي بمعنى السالِب، وإذا قرأناه بفتح اللام كانت بمعنى السَّلْب، والمراد بذلك المبالغة، أي أنّ المال الّذي يُكتسب ويُجمع سالِب، أي سالِب للطمأنينة والاستقرار، لأنّ الإنسان يكون على الدوام في فكر صيانته وتنميته.

وجاء في بعض النسخ لفظ «الفتنة» بدل «القنية»، فيكون المعنى أنّ الفتنة سالب، أي سالبة للإيمان والصلاح، أو أنّ وقوع الفتنة سالب للاستقرار والطمأنينة، أو أن يكون معنى الكلام أن الفتنة خفيفة سريعة الانتشار، والنسخة الأُولى بالفقرة السابقة أوفق من الثانية.

243 ـ الْمَالُ عارِيّةٌ.

المال عارية عند كلّ من أُعطيه، وهذه العارية تبقى لديه أيّاماً ثمّ سرعان ما تنتقل إلى سواه، فيجب عدم السعي في اكتسابه، واجتناب الاغترار به.

244 ـ الدُّنْيا فانِيَةٌ.

الدنيا فانية متصرّمة، فليست أُمورها جديرة بالسعي الزائد، خلافاً للآخرة الباقية الخالدة الّتي يجب تكريس السعي في تحصيل الرفاه فيها.

245 ـ الإِسْتِقامَةُ سَلامَةٌ.

الاستقامة على الصراط المستقيم سلامة من المهالك الدنيوية والأُخروية.

246 ـ الشَّرُ نَدامَةٌ.

يعني أنّ الشرّ يكون سبباً للندم.

247 ـ الْعَدْلُ حَياةٌ.

يعني أنّ العدل حياة معنوية للعادل، وأنّ مَن لا عدل له بمنزلة مَن لا حياة له. أو أنّ العدل باعث على حياة الناس، لأنّ الناس يمتلكون معنى الحياة في زمن الحاكم العادل، وليس لهم ـ في الحقيقة ـ معنى للحياة مع جور الحاكم وظلمه.

248 ـ الْجَوْرُ مِمْحاةٌ.

يعني أنّ الظلم والجور سرعان ما يمحو اسم الظالم وأثره، أو يمحو ثواب أعمال الظالم الجائر، أو أنّ الظلم يمحو الناس ويشتّتهم ويُخيفهم.

249 ـ الْتَّوكُّلُ بِضاعَةٌ.

التوكّل على الله سبحانه بضاعة يمكن المتاجرة بها وتحصيل الربح الوفير، أو أنّ المراد أنّ البضاعة (الحقيقية) هي التوكّل، وأنّ مَن لا توكّل لديه فقير معدِم ولو كان غنياً متموّلا.

250 ـ الْحَزْمُ صناعَةٌ.

تكررت هاتان الفقرتان سابقاً سهواً على ما يبدو.

251 ـ الْعَجْزُ إِضاعَةٌ.

252 ـ الْعَقْلُ فَضِيلَةُ الإِنْسانِ.

253 ـ الْصِّدْقُ أَمانَةُ اللِّسانِ.

يعني أنّ اللسان الصادق أمين، واللسان الكاذب خائن.

254 ـ الْصَّبْرُ يُناضِلُ الْحِدْثانَ(5).

يعني أنّ الصبر في المصيبة يناضل المصائب الأُخرى ويمنع وقوعها، أي أنّ الله عز وجل ببركة الصبر في البلاء أو في المصيبة يدفع عن الصابر مصائب كثيرة كانت ستحلّ به لو لم يصبر.

ويمكن أن يكون المراد هو أنّ الصبر في المصائب يعارضها، أي أنّ الحقّ تعالى يُنزل مع كلّ مصيبة صبراً يقابلها ويماثلها، ولولا ذلك ما كان للإنسان قابلية على تحمّل تلك المصيبة، وقد ورد هذا المضمون بصراحة في بعض الأحاديث.

255 ـ الْجَزَعُ مِنْ أَعْوانِ الزَّمانِ.

الجزع وعدم الصبر عند البلاء والمصائب من أعوان الدهر، لأنّ الدهر دائماً في صدد إيذاء الإنسان وإزعاجه، والجزع عند المصيبة سبب لنزول مصيبة أُخرى كما ورد في الفقرة السابقة، وهذا هو عين مقصود الدهر ومطلوبه، فكأنّ الجزع أمر يسعى في حصول بُغية الدهر ومطلوبه وكأنّه من أعوان الدهر.

وعلى تقدير أنّ الجزع لا يكون سبباً في نزول مصيبة أُخرى، فإنّ من الظاهر أنّ نفس الجزع سبب لشماتة الدهر، وأنّه هو بُغية الدهر ومقصوده الّذي يسرّه ويُفرحه، فهذا القدر كاف في كَون الجزع من أعوان الزمان والدهر. ولا يخفى أنّ نسبة أمثال هذه الأُمور إلى الدهر من المجاز، إذ من المجاز وصف الزمان بما يُوصف به أهلُه. أو أنّ المراد من «الزمان» هو أهل الزمان.

256 ـ الإِحْتِكارُ داعِيَةُ الْحِرْمانِ.

يعني أنّ الاحتكار باعث على الحرمان. والمراد بـ «الإحتكار» إمّا حبس المال وعدم أداء حقوقه من الخمس والزكاة وغير ذلك، أو المعنى الشائع للإحتكار، وهو حبس الأجناس وعدم بيعها بطمع غلاء أسعارها.

وعلى كلّ تقدير فإنّ هذا المعنى سبب في الحرمان منه، أو سبب في إصابته بآفة تتلفه، أو في موت صاحبه قبل الانتفاع به فيصل إلى مالك آخر. والظاهر بناءً على المعنى الثاني أنّ الحكم خاصّ في بعض الأجناس مثل الحنطة والشعير وباقي الغلاّت الّتي ورد تفصيلها في الكتب الفقهية، والّتي يحرم احتكارها. أمّا الأجناس الكثيرة الأُخرى الّتي لا يحرم احتكارها شرعاً فلا تدخل في هذا الحكم. وهناك شرائط لحرمة الإحتكار ورد تفصيلها في كتب الفقه.

257 ـ الْصَّبْرُ رَأْسُ الإِيمانِ.

الصبر رأس الإيمان، وكما أنّ الحيوان لا يمكنه الحياة بلا رأس، فإنّ الإيمان لا يوجد بدون صبر.

258 ـ الْسَّخاءُ زَيْنُ الإِنْسانِ.

259 ـ الْعَفْوُ أَحْسَنُ الإِحْسانِ.

العفو عن الذنب أحسن الإحسان. ولا يخفى أنّ في هذا المعنى الأمل الكبير للعباد العاصين، إذ ما دام عفونا عن الذنب أحسن الإحسان، فالظاهر أنّ الأمر كذلك في شأن الحقّ تعالى من باب الأولى، فالأمل كبير إذاً في أنّ أكثر ذنوب المؤمنين ستُغفر بالعفو الإلهيّ.

260 ـ الْفَقْرُ زِينَةُ الإِيمانِ.

يعني أنّ الإنسان المؤمن إذا صبر على الفقر ولم يرتكب فعلا غير مشروع، كان فقره زينةً لإيمانه.

261 ـ الْقَلْبُ خازِنُ اللِّسانِ.

القلب خازن اللسان، فكلّ ما صرفه اللسان يجب أن يستمدّه من القلب ويكون ممّا له اعتقاد قلبيّ به، وكل ما ليس له اعتقاد قلبيّ به فعليه أن لا ينطق به، لأنّه سيكون كذباً أو في حكم الكذب.

262 ـ اللِّسانُ تَرْجُمانُ(6) الْجَنانِ.

اللسان مترجم لكلام القلب، فما لم يصوغ اللسان كلام القلب بالعبارة لم يمكن فهمه، فكأنّ كلام القلب بُلغة لا يعرفها الناس، وكأنّ اللسان بمنزلة المترجم العارف بتلك اللغة، فهو يترجم لهم كلام القلب بلغتهم. وهذه الفقرة أيضاً تأكيد للفقرة السابقة، والغرض أنّ على اللسان أن لا ينطق إلاّ بما يعتقد به القلب.

263 ـ الإِنْسانُ عَبْدُ الإِحْسانِ.

264 ـ الإِنْصافُ عُنْوانُ النُبْلِ.

الانصاف هو العدل، وإنّ عدم محاولة المرء الاستحواذ على حقّ امرىء آخر لنفسه أو لغيره هو عنوانٌ لنُبله. و «عنوان» بضمّ العين وكسرها بمعنى مطلع الكلام ودليله وعلامته، أمّا «النُبل» بضمّ النون وسكون الباء فهو الذكاء والنجابة، ويمكن أن يكون كلّ واحد من هذه المعاني هو المراد في هذه العبارة.

265 ـ الْصِّدْقُ أَخُو الْعَدْلِ.

الصدق أخو العدل، باعتبار أنّ منشأ كليهما من الأمانة، لأنّ الأمين من يعطي لكلّ ذي حقٍّ حقّه، ولا يطلب ذلك الحقّ لنفسه أو لسواه، وهذا هو العدل، ولأنّه لايقول شيئاً خلافاً للواقع، لأنّ ذلك خيانة اللسان، وقد ذُكر هذا الأمر مسبقاً.

266 ـ الْهَوى عَدُوُّ الْعَقْلِ.

الهوى عدوّ العقل، لأنّ الهوى كثيراً ما يتعلّق بأُمور يعتبرها العقل قبيحة ويمنع عنها باعتبار حرمتها شرعاً أو لمفسدة أُخرى، فهو إذاً عدوّ للعقل بهذا الاعتبار.

267 ـ اللَّهْوُ مِنْ ثِمارِ الْجَهْلِ.

اللهو والاشتغال باللعب من ثمار الجهل، لأنّ العاقل يعلم أنّ له أشغالا مهمّة أُخروية ودنيوية، وأنْ لا وقت لديه للّهو واللعب.

268 ـ الْجْورُ مُضادَّ الْعَدْلِ.

الجور والحيف ضدّ العدل ولا يجتمع معه، لأنّ العدل يقتضي أن لا يتجاوز الشخص الواقع في أيّ باب من الأبواب، والجور والحيف هو ترجيح شخص على آخر في قسمة أو أمثال ذلك بدون وجود مرجّح لترجيحه بحسب الواقع وفي نفس الأمر، فالجور والعدل لا يجتمعان إذاً.

269 ـ الْعِلْمُ مُميت الْجَهْلِ.

العلم مميت الجهل، وبالعلم يموت الجهل. ولا يخفى أنّ ظاهر الكلام لايحتاج إلى بيان، فلا يبعد أن يكون المراد بـ «العلم» العلم القائم على الدليل والبرهان، والمعنى أنّ ما يمكنه إزالة جهل الجاهلين هو العلم المستند إلى الدليل والبرهان، لأنّ من له مثل هذا العلم يمكنه إقامة الحجّة على الجاهلين وإنقاذهم من الجهل. أمّا إذا لم يكن علم هذا الشخص كذلك لم يمكنه هداية الجاهل، لأنّه بمحض أن يقول «انّ الأمر الفلاني هكذا» فإنّ الجاهل سيرفض قوله ويردّ عليه قائلا «لا، ليس هكذا، بل هو كذا وكذا»، وما لم يكن لهذا الشخص حجّة فإنّه سيعجز عن الإجابة، بل كثيراً ما يحصل أن يكون للجاهل عدّة شبهات يعجز ذلك العالم عن ردّها، فيتبع ذلك الجاهل في جهله ويصدّقه بذلك الاعتبار.

فالعِلم الّذي يمكنه إزالة جهل الجاهل هو علم العالم القائم على الدليل والبرهان، بل انّ مجرّد الدليل والبرهان الّذي يمتلكه العالم لا فائدة فيه، لأنّ الجاهل كلّما عرضت له شُبهة جعل شبهته دليلا على قوله وقال: كما أنّ لك دليلا على قولك، فإنّ لي أيضاً دليلا على قولي، فيعجز كلاهما ويتحيّران. فالعلم الّذي يمكنه إزالة الجهل بالكلية هو عِلم العالم القائم على الدليل والبرهان، الّذي له القوّة على دفع الشبهات والإجابة عنها. فـ «العلم» في هذا الكلام المعجِز يجب حمله على «العلم الكامل»، وهو المراد من العلم المذكور.

270 ـ الْوَقارُ حِلْيَةُ الْعَقْلِ.

271 ـ الْوَفاءُ تَوْأْمُ الصِّدْقِ.

التوأم هو الطفل المولود مع غيره في بطن واحد، والمراد هو أنّ الوفاء بالحقوق الإلهية وحقوق الناس وأداءها بمنزلة التوأم مع الصدق، وكلاهما مولودان للأمانة توأمان، لأنّ الأمانة تبعث على الوفاء بحقّ كلّ شخص وعلى أداء ذلك الحق، وتبعث كذلك على الصدق، وإلاّ ما كان وفاءً بحقيقة الأمر، إذ يكون قد خان في الحقيقة.

كما أنّ الصادق يفي بطبيعة الأمر بحقّ كلّ شخص، وإلاّ فإنّ صاحب الحقّ إذا طالبه بحقّه فأنكر كان كاذباً، وإن هو أقرّ له بحقّه لم يكن له بدّ من أدائه له.

272 ـ الْعَقْلُ رَسُولُ الْحَقِّ.

العقل رسولٌ من جانب الحقّ تعالى، حيث أُرسل الأنبياء والمرسلون في الظاهر لتبليغ الشرائع والأحكام ولتعليم العباد، وكذلك أُرسل العقل في الباطن لذلك المطلب، لأنّ العقل مستقلّ في تعليم بعض أُصول الدين مثل وجود الحقّ تعالى وعلمه وقدرته وعدله، وبعض الفروع أيضاً مثل حُسن الصدق والعدل وقُبح الكذب والجور وغير ذلك، كما أنّه دخيل في الباقي.

273 ـ الْتَّوْفِيقُ مِفْتاحُ الرِّفْقِ.

أي انّ توفيق الله تعالى وتهيئته لأسباب الخير لشخص معيّن سببٌ في رِفقه ولينه، من أجل أن يميل الناس إليه ويلينوا له، وقد قال الحقّ تعالى في شأن الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم): (فَبَِما رَحْمَة مِنَ اللّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ القَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ)(7).

وجاء في بعض النسخ «الرفق» بدلا من «التوفيق»، فيكون المعنى انّ رفق الإنسان بالناس ولينه لهم مفتاح لرفق الله تعالى به ورفق الناس به. وهذه النسخة أظهر لأنّ من المتعارف استعمال لفظ «مفتاح» في الشيء الّذي يكون في يد الشخص فيمكنه به فكّ عقدة وقفل في عمل معيّن، أمّا إذا كان سبب فتح العقدة والقفل بيد هذا الشخص، فإنّ ذلك الشيء الّذي يمتلكه لن يُدعى مفتاحاً، وهو كذلك في النسخة الثانية، لأنّ الرفق بالناس أمر في يد هذا الشخص، خلافاً للنسخة الأُولى، لأنّ توفيق الله تعالى ليس في يد هذا الشخص، اللّهمّ إلاّ أن نقول بأنّه في يد هذا الشخص بالواسطة، لأنّ فعل الخير الكثير سبب لنيل التوفيق.

274 ـ الْحَياءُ يَمْنَعُ الرِّزقَ.

ورد في بعض الأحاديث أنّ الحياء قسمان، قسم ينشأ من العقل والفطنة، وقسم ينشأ من الحماقة والبلاهة. ولذلك فإنّ «الحياء» في هذا الكلام المعجز ينبغي حمله على القسم الثاني، والمراد هو أنّ الحياء الناشيء من الحماقة قد يمنع الرزق ويضيّق المعاش، مثل أن يتمكّن شخص من الاشتغال في حرفة يمكنه بواسطتها العيش في رفاهية، لكنّه لا يفعل ذلك لتصوّره ـ بحماقته ـ أنّ هذا المعنى عار عليه، فيُحرم من الرزق الحلال ويعاني ضيق العيش. ويمكن أن لا يكون المراد ذمّ الحياء، بل بيان أنّ صاحب الحياء محروم في أكثر الأوقات، لأنّه لا يُظهر أحواله لأحد باعتبار حيائه، ولأنّه لا يفعل أكثر أنواع السعي، فيُحرم بذلك الاعتبار من التوسعة في الرزق ويعيش في ضيق وفاقة. فعلى أهل الإحسان اذاً أن يتفحصّوا أحوال الناس، وحيثما ظهر لهم سوء حال أحد من أهل الحياء عليهم إعانته ورعايته أكثر من سواه.

275 ـ الْصِّدْقُ لِسانُ الْحَقِّ.

المشهور بين العلماء أنّ «الصدق» هو مطابقة الخبر للواقع ولنفس الأمر، يعني مطابقته لحال الشيء الّذي أُخبر عنه في نفسه، بقطع النظر عن خبر أحد. ولا يخفى أنّ الواقع ونفس الأمر يدعى حقّاً باعتبار ثباته، لأنّ «الحقّ» بمعنى الأمر الثابت، ويُدعى خصوص الله عز وجل حقّاً باعتبار أنّه ثابت على الإطلاق لا يطرأ عليه الزوال أبداً، ولذلك فإنّ «الصدق» هو أن يكون الخبر مطابقاً للحقّ الّذي هو عبارة عن الواقع ونفس الأمر.

ويمكن حمل هذا الكلام المعجز على هذا المعنى بأنّ المراد هو أنّ الصدق هو لسان الواقع، يعني مطابقة الخبر مع لسانه، بحيث لو أفتُرض أنّ الواقع تكلّم وأخبر عن نفسه لأخبر بذلك النحو. فمثلا كلّما كان زيد في الواقع كاتباً، فإنّ حال واقع زيد لو أخبر عن نفسه لأخبر عن كونه كاتباً، ولذلك فلو قال أحد بأنّ زيداً كاتب فإنّه سيكون قد نطق بالصدق، باعتبار موافقة قوله للخبر الواقع.

ولو قال: «زيد ليس كاتباً» لكان كاذباً باعتبار مخالفة قوله للخبر الواقع. ويمكن أن يكون المراد بـ «لسان الحق» لسان الحقّ تعالى على سبيل المجاز، والمراد هو التعبير في الواقع ونفس الأمر بخبر الحقّ تعالى، يعني صدق ما يكون خبره مطابقاً لخبر الحقّ تعالى. يعني أنّ الحقّ تعالى لو أخبر في آياته عن أمر على نحو من الايجاب أو السلب، فكان إخبارنا مطابقاً لذلك النحو كان صادقاً، وإلاّ كان كاذباً. أو أن يكون المراد بلسان الحقّ تعالى عِلمه مجازاً، ويكون المراد أنّ الصدق هو أن يطابق الخبرُ ما في علم الله تعالى عن حال ذلك الشيء، حيث اعتبر بعض العلماء أنّ الواقع ونفس الأمر عبارة عن علم الحقّ تعالى.

ولو قال أحد: إنّ خبر الحقّ تعالى في واقعة لم يُخبر عنها وكذلك علمه ليسا معلومين لأحد، فكيف يظهر الصدق والكذب هنا؟

نقول: إذا علم حال شيء بالبديهة أو بالبرهان فإنّ خبر الحقّ تعالى وعلمه سيكونان معلومين هنا، حيث يوافقان حكم البديهة والبرهان ولا يمكن مخالفتهما للبديهة والبرهان.

أمّا إذا لم يكن هناك سبيل لمعرفة حال الشيء، كما لو كان خبر وعلم الحقّ تعالى هناك غير معلومين، فإنّ صدق الخبر أو كذبه سيكونان غير معلومين أيضاً، بل المعلوم هو أنّ الخبر إذا وافق خبر الحقّ تعالى أو علمه كان صادقاً، وإلاّ كان كاذباً، وسيتعذّر تشخيص أنّ الواقع أياً منهما.

ويمكن أن يكون معنى الكلام أنّ «الصدق» ـ يعني صدق اللسان ـ ثابت، أي اللسان الثابت الّذي إذا أخبر عن واقعة ما عدّة مرّات فإنّه يخبر عنها بنحو ثابت دونما زيادة أو نقصان، خلافاً للكاذب الّذي إذا أخبر كراراً عن واقعة واحدة لم يخلُ إخباره من الإختلافات، بل يحصل كثيراً أن يُخبر عن أمر ثمّ يُخبر عن نقيضه بعد فترة يسيرة.

ويمكن أن يكون «الحق» عبارة عن ذلك الخبر الصادق، لأنّ الخبر الصادق يُقال له «حق» كما يُقال له «صادق» أيضاً، والمراد أنّ صدق الخبر الصادق بمنزلة لسان ذلك الخبر، كأنّ الخبر الصادق له لسان يتحدّث مع الناس ويؤخّر في القلوب، خلافاً للخبر الكاذب الّذي لا يؤخّر في القلب، فكأنّه لا لسان له. هذا ما خطر في ذهني الفاتر من احتمالات في شرح هذا الكلام، ولا يخلو كلّ واحد منها من وجهين، والله أعلم بحقيقة المرام.

276 ـ الْكِذْبُ عَدُوُّ الْصِدْقِ.

لا يخفى أن عداء الكذب والصدق ـ بمعنى عدم اجتماعهما في خبر واحد ـ أمر ظاهر لا يحتاج إلى بيان، فلعلّ المراد أنّ الكذب عدوّ الصدق ومانعه، فلو سمح شخص لنفسه بالكذب وكذب كذبةً، فإنّ ذلك بنفسه سيمنعه من الصدق في خبر آخر، ثمّ يصل بالتدريج إلى مرتبة يكون مداره قائماً على الكذب واجتناب الصدق. أو أنّ المراد هو أنّ الكاذب عدوّ للصادق، لأنّه باعث على افتضاح أمره، فعلى الصادق أن لا يعتبر الكاذب صديقاً له ويعتمد على اظهار مودّته له.

277 ـ الْباطِلُ مُضادُّ الْحَقِّ.

هذه الفقرة قريبة من الفقرة السابقة، لأنّ تضادّ الحقّ مع الباطل أمر ظاهر لايحتاج إلى بيان، فالمراد إذاً من أنّ الباطل ضدّ الحقّ وعدوّ له أنّ شخصاً إذا سلك سبيل الباطل في أمر ما، فإنّ ذلك سيمنعه كذلك من سلوك الحقّ في أمر آخر، وهكذا إلى أنْ يصبح مداره قائماً على الباطل. أو أنّ أهل الباطل ضدّ أهل الحقّ وأعداء لهم، فيجب على أهل الحقّ أن لا يحبّوا أهل الباطل ولا ينخدعوا بإظهار أهل الباطل المودّة لهم.

278 ـ الْحِلْمُ زَيْنُ الْخُلْقِ.

279 ـ الْخِيانَةُ أَخُو الْكِذْبِ.

الخيانة أخو الكذب، وكما انّ الكذب هو الانحراف في القول فإنّ الخيانة هي الانحراف في الفعل.

280 ـ الْحِرْصُ مَطِيّةُ التَّعَبِ.

المطية هي الحيوان الّذي يُمتطى أو يُحمل عليه المتاع. والمراد أنّ الحرص لايخلو من التعب، وأنّ الحرص بمنزلة المطية الّتي يمتطيها التعب أو يحمل عليها متاعه، ولا مقرّ للحريص من تحمّل المشقّة والتعب.

281 ـ الْرغْبَةُ مِفْتاحُ النُّصَبِ.

الرغبة مفتاح النصب والتعب، فمن رغب في أمر فتحتْ أمامه رغبتُه باب النصب والتعب.

282 ـ الظَّفَرُ شافِعُ الْمُذْنِبِ.

يعني أنّ الشخص إذا ظفر بمذنب وتمكّن من محاسبته والاقتصاص منه، فإنّ هذا المعنى يجب أن يشفع لذلك المذنب، وعلى هذا الشخص أن يعفو عن المذنب ولا ينتقم منه شكراً منه لظفره به وتسلّطه عليه.

283 ـ الخَرَسُ خَيْرٌ مِنَ الْكِذْبِ.

284 ـ الْعِلْمُ زَيْنُ الْحَسَبِ.

الحسب ـ كما مرّ ـ هو أمر يعدّ رأسمال شرف المرء وافتخاره، والمراد أنّ العِلم زينة للحسب مهما كان ذلك الحسب، وهو الّذي يرفع ذلك الحسب على غيره. وإذا اعتبرنا معنى «الحسب» هو الكرم كما ذهب بعض أهل اللغة، فإنّ المراد سيكون أنّ العلم إذا اجتمع مع الكرم زانه.

285 ـ الْمَودّة أَقْرَبُ نَسَب.

يعني أنّ المودّة بين اثنين بمنزلة نسب يربط بينهما أقرب من جميع أنواع النسب، فيجب إذاً رعاية الصديق أكثر من سائر ذوي رابطة النسب.

286 ـ الأَدَبُ أَفْضَلُ حَسَب.

287 ـ الْصَّدَقَةُ أَفْضَلُ الْقُرَبِ.

يعني أنّ الصدقة أفضل الأُمور الباعثة على القرب والمنزلة لدى الله عز وجل .

288 ـ الْنَّاسُ أَعْداءُ ما جَهِلُوا.

وهذا يظهر من معاشرة الناس، حتى أنّ العلماء أيضاً يذمّون العلم الّذي يجهلوه ولو كان نافعاً وضرورياً، وقد شاع في هذا الزمان ذمّ علم الحكمة لهذا السبب، مع أنّ بناء المعارف الإلهية والنواميس الربوبية قائم عليه، لمحض أنّهم يجهلونه ولأنّ تحصيل الارتباط به أمر عسير، لذلك رأوا أنّ المفرّ في دفعهم النقص عن أنفسهم هو في مذمّة هذا العلم. ولمّا طرق أسماعهم أنّ بعض مذاهب الحكماء مخالف للشرع استدلّوا بذلك على كفر الجميع وزندقتهم، مع أنّ كثير من مسائله لا تخالف الشرع بأيّ وجه من الوجوه، بل انّ اثبات وجود الحقّ تعالى وعلمه وقدرته وكثير من العقائد الدينية والمقاصد اليقينية مبنيّ على هذه المسائل، أمّا البعض الآخر المخالف للشرع فلا يمكن أن يكون أصل المسألة مخالفاً للشرع، بل يمكن أن يكون القول بأحد طرفيها مخالفاً للشرع، وإذا كان ذلك مخالفاً للشرع فيكون القول بالطرف الآخر حقّاً، إذ لا يمكن أن يكون النقيضان كلاهما مخالفين للشرع.

فالتحقيق في أصل مسألة الحكمة والتفكير بها ممّا لا ضرر فيه، منتهى الأمر أنّ على من يفكر فيها أن يكون عارفاً بالعلوم الشرعية كي لا يعتقد في تلك المسائل بأمر عُلم خلافه من الشرع، وإذا ما انجرّ إلى التفكير في هكذا أمر عَلِمَ بأنّه أخطأ وأنّ الدليل الّذي قاده إلى ذلك التفكير هو الشبهة. فمثلا مسألة حدوث العالم وقِدمه الّتي يتركز حولها عمدة الطعن على الحكماء من الظاهر أنّ أصل المسألة لا يمكن أن يكون مخالفاً للشرع، بل انّ أحد طرفي هذه المسألة حقّ وموافق للواقع، منتهى الأمر أنّ القول بالقِدم ـ وهو المشهور بين الحكماء سابقاً ـ فيجب القول في هذه المسألة بالحدوث، وهو القول الّذي قال به متشرّعو الحكماء والّذي نُقل أيضاً عن بعض الحكماء قبل الإسلام، وهذا الأمر لا يستدعي عدم التفكير في هذه المسألة أساساً، بل انّ القائل بالقدم بإمكانه بسهولة إضلال مَن ليس مهارة في علم الحكمة، لأنّ الدلائل الّتي يقيمها القائلون بالقِدم على مطلبهم تمثّل شبهات قوية لا يتمكّن من ردّها من لا يمتلك ارتباطاً كاملا بالحكمة.

فإذا احتجّ أحد بتلك الدلائل على من ليس له مهارة في ذلك العلم (علم الحكمة) لم يكن له بدّ من القول بالقِدم، إذ ليس من المعقول ـ باتّفاق جميع العلماء، بل جميع العقلاء ـ رفض الدليل العقلي وطرحه جانباً، وإلاّ لم يمكن إثبات الشرع أيضاً، وكلّما كانت الدلائل الشرعية مخالفة للدليل العقلي، فلابدّ من تأويل الدلائل الشرعية.

فالدليل العقلي قائم ـ على سبيل المثال ـ على أنّ الله عز وجل ليس جسماً، وأنّه لامكان له، فيجب تأويل كثير من الآيات الكريمة المخالفة في الظاهر لهذا الأمر، مثل اثباتها «اليد» لله تعالى، أو أنّه جالس على العرش وأمثال ذلك، فإذا كان دليل القِدم كاملا أيضاً فيجب القول به أيضاً مع تأويل الأدلّة الشرعية للحدوث. أمّا الشخص الممارس للعلوم الحكمية، الّذي اكتسب مهارةً فيها فيمكنه حل تلك الشبهات، إذ لا يمكن إضلاله بها. فتحصيل الحكمة إذاً باعث على هدايته وليس على ضلاله وزيغه، بل انّ وجود جماعة من المهرة في تلك العلوم ضروري في كل عصر، من أجل أن يوكل إليهم الإجابة على الشبهات الّتي يمكن إضلال الناس عن طريقها، ليأمن الناس من الضياع والضلال بيُمن وجود هؤلاء المهرة. منتهى الأمر انّ تلك الجماعة يجب أن يكون أفرادها ماهرين في العلوم الشرعية أيضاً ليمكنهم ـ بالجمع بين الاثنين ـ استنباط الحق، إذ لو افترقوا إلى المهارة والتبحّر في العلوم الشرعية لأمكن أن يعتقدوا بأمر مخالف للشرع باعتبار شبهة يعدّونها دليلا على ذلك.

وابتداءً يجب على من يشرع في تحصيل ذلك أن يدرس على أُستاذ يكون ماهراً بالعلوم الشرعية والعقلية معاً ـ كما أسلفنا ـ ليكون في مأمن من الوقوع في الضلالة في بعض الأُمور المخالفة للشرع، والله وليّ التوفيق في كلّ باب.

289 ـ الْنَّاسُ بِخَيْر ما تَفاوَتُوا.

يعني أنّه لابدّ في تنظيم أُمور الناس وانتظام أحوالهم من أن يكونوا في مراتب متفاوتة، وأن يكون بعضهم مؤهّلين للعمل في أعمال رفيعة يمكنهم الاشتغال بها، وأن يكون البعض الآخر غير مؤهّلين لذلك، بل يكونون مؤهّلين للعمل في أعمال دونها في الرتبة، وأن يكون للبعض الآخر غير مؤهّلين لهذه الأعمال أيضاً، بل هم مؤهّلون لأعمال دونها في المرتبة، وهكذا الأمر إلى أن يصل الدور إلى أدنى المراتب الّتي يكون أصحابها عاملين في الأُمور المتناهية في الخسّة.

ولو لم يكن هذا التفاوت بين الناس، لما أمكن لهم العيش بيُسر، فلو كانوا بأجمعهم في مراتب عالية وممّن يمكنهم الاشتغال بالعلوم والمعارف، لم يرضَ أحد منهم بالعمل في الأعمال الخسيسة، وتعطّلت لذلك جميع أُمور المعاش.

ولو كانوا بأجمعهم في مرتبة تجعلهم يرضون بالعمل في أشغال دنيّة، لما كان بينهم مجال للعلم والمعرفة. فيجب أن يكون لكلّ منها جمعاً يكونون من أهلها، وهكذا بالنسبة لسائر المراتب.

290 ـ الْوَفاءُ سَجِيَّةُ الْكِرامِ.

الوفاء بحقوق الناس خصلة الكرام، يعني أنّ الأسخياء أو الناس الأجلاّء الموصوفين بالأوصاف الحسنة هم الّذين يفون بحقوق الناس.

291 ـ الْغَدْرُ شِيْمَةُ اللِّئامِ.

292 ـ الأَعْمالُ ثِمارُ النِّيّاتِ.

الأعمال ثمار للنوايا، والنوايا بمنزلة أشجار الأعمال، وفي هذا إشارة إلى أنّ النية هي الأصل، فحين تحصل النيّة فإنّ العمل يحصل دونما كثير مشقّة، مثل الشخص الّذي يمتلك شجرةً مثمرة، حيث انّ تلك الشجرة ستعطي ثمارها برعاية قليلة، خلافاً لمن ليس له نيّة في العمل، لأنّه بمنزلة الشخص الّذي لم يمتلك بعدُ الشجرة المثمرة.

293 ـ الْصَّدَقَةُ أَفْضَلُ الْحَسَناتِ.

294 ـ الْرِّفْقُ مِفْتاحُ النَّجاحِ.

الرفق واللين مع الناس مفتاح النجاح، لأنّه يكون سبباً لرفق الله تعالى مع الشخص ورفق الناس معه. ومن الظاهر أنّ ذلك باعث على النجاح والفوز بمطالب الدارَين ومقاصد النشأتين.

295 ـ الْتَّوْفِيقُ قائِدُ الصَّلاحِ.

توفيق الحقّ تعالى لأيّ شخص قائدٌ له إلى كلّ ما فيه صلاحه.

296 ـ الْبِشْرُ أَوَّلُ الْبِرِّ.

يعني أنّ البِشر والبشاشة مقدّم على جميع أنواع البرّ وأفضل منها، أو انّ أوّل بِرّ يجب على الشخص فِعله تجاه مَن يقابله من سائل أو غيره هو أن يبشّ في وجهه ولا يقابله بعبوس.

297 ـ الْطَّمَعُ أَوَّلُ الشَّرِّ.

الطمع أوّل الشرّ، أي انّه مقدّم على جميع أنواع الشرّ وهو أشرّها. أو انّ أوّل شرّ يفعله شخص إلى شخص آخر هو أن يطمع فيه، وأكثر أنواع الشرّ الأُخرى (من أنواع الظلم والجور) مترتّبة على الطمع.

298 ـ الْكِتابُ تَّرْجُمانُ النِّيَّةِ.

يعني أنّ كثيراً من مكنونات ضمير الشخص ـ من مودّة أو عداء أو صفاء أو غشّ وغير ذلك ـ يمكن استنباطه من كتابه.

أو انّ المراد هو أنّ الكتابة بمنزلة من يعمد إلى كلام بلغة معيّنة فيعبّر عنه بلُغة أُخرى، فما كان في ذلك من توافق وتطابق فيجب أن يكون في هذا أيضاً موجوداً. فما يدوّنه الإنسان يجب أن يكون موافقاً لما في ضميره، لأنّه لو كان مخالفاً لما في ضميره لكان مثل من خان في الترجمة. ويظهر من هذا أنّ إظهار المودّة والاشتياق وأمثال ذلك ممّا شاع في الكتابات إذا لم يوافق الواقع كان سيّئاً وكان في حكم الكذب.

299 ـ الْعَمَلُ عُنْوانُ الطَّويِّةِ.

العمل دليلٌ على مكنون الخاطر، فيمكن إذاً معرفة مودّة شخص أو عِدائه أو خيره أو شرّه من خلال أعماله وأفعاله. فلو أظهر شخص ما المودّة ـ مثلا ـ وظهر من أعماله خلاف المودّة، فإنّه سيكون قد كذب في ادّعائه، ويجب عدم الانخداع بكلامه.

300 ـ الْوَقارُ يُنْجِدُ الْحِلْمَ.

التأنّي والوقار يرفعان مرتبة الحِلم. وأصل «الحلم» هو أن لا يغضب الشخص بسرعة ولا يكون بصدد الانتقام ممّن أغضبه، فإنْ اقترن هذا المعنى بالتأنّي والوقار في كلّ قول وفعل زادت رتبته وارتفعت وقد ورد «الحِلم» أيضاً بمعنى العقل. ويمكن أن يكون «الحلم» هنا بهذا المعنى، والفرق بين الوقار والعقل وأنّ الوقار سبب لزيادة رتبة العقل ممّا لا يحتاج إلى بيان. وجاء في بعض النسخ لفظ «نتيجة الحِلم» بدلا من «يُنجد الحِلم»، فيكون المراد بناءً على ذلك أنّ الوقار ثمرة الحلم ونتيجته، وهذا أوفق بالفقرة اللاحقة.

 

الهوامش:

(1) أمالي الصدوق:664 ح 1389.

(2) من لا يحضره الفقيه 4: 363.

(3) الكافي 1: 44.

(4) قنا الشيء قنياً: كَسَبه وجمعه.

(5) «الحِدثان» بكسر الحاء وسكون الدال، وبفتح الحاء والدال صحيح أيضاً، يقال «حِدثان الدهر وحَدثانه» أي نوائبه.

(6) «ترجمان» بضم التاء صحيحة أيضاً.

(7) آل عمران: 159.