حقيقة علم آل محمد (ع) وجهاته

السيد علي عاشور

 

الفهرس

• تمهيد : (9)
• وجوب معرفة علم الإمام ( عليه السلام ) (11)
• سبب اخفاء النبي ( صلى الله عليه وآله ) للعلم الرباني (13)
• الجهة الأولى : علم آل محمد ( عليهم السلام ) وأقسامه (17)
• مراتب علم آل محمد ( عليهم السلام ) وأقسامه (19)
• وجوه الجمع بين أحاديثهم الصعبة (21)
• الجهة الثانية : زمان علم آل محمد ( عليهم السلام ) (23)
• الجهة الثالثة : ماهية علم آل محمد ( عليهم السلام ) (31)
• العلم الكسبي الحصولي (33)
• العلم اللدني (35)
• الآيات الدالة على العلم اللدني (35)
• الأحاديث الدالة على العلم اللدني (53)
• الدليل العقلي (55)
• الفرق بين العلم اللدني الحضوري والكسبي الحصولي (57)
• العلم الإرادي (61)
• تمحيص الاحتمالات (63)
• شبهات حول العلم اللدني (69)
• رد الشبهات (70)
• الجهة الرابعة : منبع ومصدر حصول علم آل محمد ( عليهم السلام ) (79)
• الطائفة الأولى : ما دل أن مصدر علمهم القرآن والكتاب (79)
• الطائفة الثانية : ان علمهم من ليلة القدر (81)
• الطائفة الثالثة : ان علمهم من عامود النور (83)
• الطائفة الرابعة : ان علمهم وراثة من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) (85)
• الطائفة الخامسة : ان علمهم بواسطة القذف والنقر (87)
• الطائفة السادسة : ان علمهم بالإلهام (91)
• الطائفة السابعة : في أنهم محدثون (93)
• الطائفة الثامنة : ان علمهم بواسطة الوحي وجبرائيل (95)
• الطائفة التاسعة : ان علمهم بواسطة الروح (101)
• الطائفة العاشرة : ان علمهم بلا واسطة بل من الله بالمباشرة (105)
• الترجيح بين الطوائف العشر (113)
• الجهة الخامس : كيفية حصول علم آل محمد ( عليهم السلام ) (119)
• الجهة السادسة : سعة علم آل محمد ( عليهم السلام ) (121)
• الاحتمال الأول : انهم يعلمون ما في اللوح المحفوظ (121)
• الاحتمال الثاني : علمهم بالكتاب والقرآن الكريم (123)
• الاحتمال الثالث : عندهم علم السماوات والأرض والجنة وكل غائبة فيهم (125)
• الاحتمال الرابع : علمهم بما هو كائن ويكون (127)
• الاحتمال الخامس : علمهم بما يحتاج إليه الناس وبأمورهم (129)
• الاحتمال السادس : عندهم جوامع العلوم وأصوله (131)
• الاحتمال السابع : عندهم علم جميع الأنبياء ( عليهم السلام ) وكتبهم السابقة والملائكة (133)
• الاحتمال الثامن : انهم أعلم من الأنبياء ( عليهم السلام ) (135)
• الاحتمال التاسع : علمهم بكل شيء أو بما لا يعلمون (137)
• الاحتمال العاشر : علم آل محمد ( عليهم السلام ) للغيب (139)
• الآيات الدالة على علم النبي ( صلى الله عليه وآله ) للغيب (147)
• تمحيص الاحتمالات (155)
• علم آل محمد ( عليهم السلام ) بزمان ومكان موتهم (159)
• دفع اشكال معرفة الإمام بموته ( عليه السلام ) (163)
• أحاديث تساوي محمد وآل محمد ( صلى الله عليه وآله ) (173)

 

- ص 1 -

حقيقة علم آل محمد ( عليهم السلام ) وجهاته

آل محمد ( عليهم السلام )

بين قوسي النزول والصعود

الكتاب الثاني

علم آل محمد ( عليهم السلام ) وجهاته

تأليف العلامة

السيد علي عاشور

‹ صفحة 7 ›

الإهداء :

إلى عشاق العلم والعلوم

إلى عشاق أصحاب العلم والملكوت

إلى عشاق المعلم الأول محمد وآل محمد ( عليهم السلام )

إليكم ايها العشاق نهدي هذه الباقة من المفاهيم

إليكم نزف صدور أبحاث علم آل محمد ( عليهم السلام )

‹ صفحة 9 ›

* تمهيد :

بعدما وصل الكلام إلى أن الله قد مكن أهل البيت ( عليهم السلام ) من التصرف في كل

ما وصل إليه علمهم ، كان لا بد من البحث عن علم آل محمد بل عن حقيقته ، ونحن

مأمورين بذلك وبالتصديق بكل ما جاء في علمهم ، حتى روي عن أمير المؤمنين

علي ( عليه السلام ) : " اعلم يا سلمان ان الشاك في أمورنا وعلومنا كالممتري في معرفتنا

وحقوقنا " ( 1 ) .

والبحث عن علم الإمام متوقف عليه بعض الأبحاث المتقدمة والآتية .

وسوف نبحث هنا وبإجمال غير مخل الجهات التالية :

1 - علم آل محمد وأقسامه .

2 - زمان علم آل محمد .

3 - ماهية علم آل محمد .

4 - مصدر حصوله وحلوله فيهم .

5 - كيفية حصوله .

6 - سعة علم آل محمد ( شموله للغيب ) .

‹ صفحة 11 ›

وجوب معرفة علم آل محمد ( عليهم السلام )

وجوب معرفة علم الإمام

إضافة إلى أن معرفة علم الإمام من الأمور الواجبة شرعا وعقلا من باب أن

نصب الإمام واجب عقلا ( من باب اللطف ) ونقلا ، وكذلك معرفة الإمام ، كما حقق

في العقائد .

ومعرفة الإمام هي معرفته بكل خصوصياته وصفاته والتي منها العلم .

وذلك لان العقل عندما يحكم بوجوب معرفة إمام الزمان ( عليه السلام ) لا يحكم على

شخصه فقط دون مشخصاته ، لوضوح ان الحكم بمعرفته من أجل أنها معرفة لله أو

لا أقل تؤدي إلى معرفة الله ، إضافة إلى أنها تقرب العبد من طاعة مولاه .

وهذا لا يعني القول بعدم بوجود الأثر لمعرفة شخص الإمام . كيف ؟ ونفس

وجود الإمام - بلا معرفته - يعتبر أمانا للأمة كما يأتي .

* وكذلك الروايات عندما تخبر عن معرفة الإمام تشير إلى مشخصاته

كالمروي عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : " من عرفني وعرف حقي فقد عرف الله " ( 1 ) .

ومعلوم معرفة شخص الإمام لا تؤدي لمعرفة الله تعالى ، لا أقل لعامة الناس .

وعن أبي الحسن ( عليه السلام ) قال : " من شك في أربعة فقد كفر بجميع ما انزل الله

تبارك وتعالى أحدها : معرفة الإمام في كل زمان بشخصه ونعته " ( 2 ) .

ومعلوم أن معرفة نعت الإمام معرفة لكل صفاته ( عليه السلام ) .

وعن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : " . . وبعد معرفة

الإمام الذي به يأتم بنعته وصفته واسمه في حال العسر واليسر " ( 3 ) .

ومعرفة نعت الإمام وصفته غير معرفة اسمه ( عليه السلام ) .

وتقدم في الكتاب الأول الكلام حول وجوب معرفة آل محمد ( عليهم السلام ) وأثاره .

ولكن هل يجب الاعتقاد به على التفصيل أم يكفي الاجمال ؟

‹ صفحة 12 ›

وهل الاعتقاد بالعلم ضروري ، بحيث ان من أنكره أنكر ضرورة من

ضروريات الدين أم لا ؟

اما بالنسبة للأول ، فالمسألة مربوطة بالإمامة ، إذ ما هو القدر الذي يجب

معرفته من علم الإمام بحيث لا يكون معه جاهلا لإمامه ( عليه السلام ) ، ولا يشمله حديث "

من لم يعرف امام زمانه مات ميتة جاهلية " .

فإذا قلنا أن المعرفة الإجمالية لعلم الإمام كافية في معرفة الإمام بصفاته ، كان

الواجب هو العلم الاجمالي . وإلا كان الواجب العلم التفصيلي بعلوم الإمام .

والذي يقوى في النفس التفصيل بين أهل العلم القادرين على المعرفة

التفصيلية ، وبين العوام الذين لا يقدرون على تلك المعرفة .

فاما العوام فالواجب عليهم المعرفة الاجمالية .

واما أهل العلم والقدرة فلا يكتفى منهم بالإجمالية ، لأن معرفة الإمام منهم

تقتضي المعرفة التفصيلية ، فإذا قصروا في معرفة علمه التفصيلي كانوا مقصرين في

نفس معرفة الإمام لمكان قدرتهم العلمية .

وإن شئت قلت : معرفة العلم التفصيلي للإمام واجب عيني ، إلا أنه منوط

بالقدرة ، فيخرج عامة الناس لعدم تحقق القدرة العلمية فيهم .

على أنه يجب أن يكون الإمام أفضل أهل زمانه من كل الجهات والتي من

أهمها العلم ، فكيف نريد أن نحكم عليه بأنه الأفضل بلا المعرفة التفصيلية لعلمه ؟ !

إن قيل : يكفي ما نقل لنا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عنهم ؟

قلنا : الواجب الشرعي والعقلي على كل انسان أن يعرف إمام زمانه ، وإلا

مات ميتة جاهلية ، كما في الأحاديث ( 1 ) ، وهذا الواجب يجب تحصيله على كل فرد

بنفسه لا بنقل ناقل .

على اننا ننقل الكلام للنبي الأعظم ( صلى الله عليه وآله ) هل يجب معرفة علمه تفصيلا أم

‹ صفحة 13 ›

إجمالا ؟

فلا بد من معرفة كون النبي الأعظم ( صلى الله عليه وآله ) أفضل أهل زمانه من ناحية العلم

وغيره .

وعليه فالنبوة والإمامة متوقفة على معرفة الأعلم ، نعم ثبوت النبوة يحصل

بالمعجزة .

ولا يمكن معرفة الأعلم إلا بعد الاطلاع على كل علومه وعلوم الآخرين .

لان كل أعلم نبي أو وصي لوجوب تقديم الأفضل على المفضول كما دلت

عليه العقول والنقول ( 1 ) .

ان قيل : كان الخضر أعلم من موسى ( عليهما السلام ) .

قلنا : أولا لا نسلم كونه أعلم ، وذلك لما حققناه أن الأعلم أعلم في كل شئ ،

والخضر لم يكن أعلما من جميع الجهات ، فموسى كان أعلم منه بالرسالة السماوية التي

أرسله الله ليبلغها للناس ، وإلا لكان الواجب إرسال الخضر عوضا عنه .

ثانيا : علم النبوة المشروط في الباب هو العلم الذي يحتاج اليه الناس في

حياتهم ، أو الذي يجب على النبي ( صلى الله عليه وآله ) معرفته ، ومعلوم علم الخضر لم يكن كذلك ،

انما كان علما بالأمور الباطنية .

* واما كون علم الإمام من الضروريات : فإن معرفة الإمام ضرورة من

ضروريات الدين ، فلا بد أن يكون العلم - كصفة مهمة من صفات الإمام بل المعرفة

قد تتوقف عليه - أيضا ضرورة من ضروريات الدين .

نعم على ما تقدم من الفرق بين أهل العلم والعوام فان العوام لا يقدرون على

المعرفة لعدم تحقق القدرة فيهم ، فقد لا تكون بالنسبة إليهم ضرورة ، نعم لو التفتوا

إليها لعلموا ببداهتها .

سبب اخفاء النبي للعلم الرباني

قد يقال ان أكثر الروايات عن أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) والقليل منها عن رسول

‹ صفحة 14 ›

الله ( صلى الله عليه وآله ) فما سبب ذلك ، وهل يراد أن يثبت لآل محمد ما لم يثبت للنبي ( صلى الله عليه وآله ) ، أم انهم

سواء في كل شئ ؟

وفي معرض الجواب نقول :

* أولا : هناك روايات تفيد انهم سواء في كل شئ ( 1 ) ، ولا أقل هناك

روايات كثيرة تفيد انهم في العلم سواء ، كالمروي عن أبي الحسن ( عليه السلام ) قال : " نحن

في العلم والشجاعة سواء " .

وفي رواية : " لا يكون آخرهم أعلم من أولهم " .

وفي رواية : " أولنا كآخرنا وآخرنا كأولنا " ( 2 ) .

ونحو ذلك من الروايات الآتية في ذيل الكتاب ( 3 ) .

* ثانيا : ان آل محمد ( صلى الله عليه وآله ) أيضا كما يأتي كانوا يخفون كثيرا من علومهم ، حتى

أخبروا أنفسهم بالعلة وهي عدم الكتمان ، فعن أبي عبد الله ( عليه السلام ) : " والله لو أن على

أفواههم أوكية لأخبرت كل رجل منهم ما لا يستوحش إلى شئ ، ولكن فيكم

الإذاعة ، والله بالغ أمره " ( 4 ) .

وعن الإمام الباقر ( عليه السلام ) : " لو كان لألسنتكم أوعية لحدثت كل امرئ بما له

وعليه " ( 5 ) .

وقال الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) :

اني لأكتم من علمي جواهره * كيلا يرى الحق ذو جهل فيفتتنا

وقد تقدم في هذا أبو حسن * إلى الحسين ووصى قبله الحسنا

يا رب جوهر علم لو أبوح به * لقيل لي : أنت ممن يعبد الوثنا

‹ صفحة 15 ›

ولاستحل رجال مسلمون دمي * يرون أقبح ما يأتونه حسنا ( 1 )

وقال الإمام الصادق ( عليه السلام ) لمن سأله عن سبب رفع النبي عليا ( عليه السلام ) على كتفه ؟

فقال : " ليعرف الناس مقامه ورفعته .

فقال : زدني ؟

فقال ( عليه السلام ) : " ليعلم الناس انه أحق بمقام رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .

فقال : زدني ؟

فقال : " ليعلم الناس انه إمام بعده والعلم المرفوع .

فقال : زدني ؟

فقال : " هيهات ، والله لو أخبرتك بكنه ذلك لقمت عني وأنت تقول ان جعفر

ابن محمد كاذب في قوله أو مجنون " ( 2 ) .

وقال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : " خالطوا الناس بما يعرفون ، ودعوهم مما

ينكرون ، ولا تحملوا على أنفسكم وعلينا ، إن أمرنا صعب مستصعب لا يحتمله إلا

ملك مقرب أو نبي مرسل أو عبد مؤمن امتحن الله قلبه للايمان ( 3 ) .

وقال ( عليه السلام ) : " لا تذيعوا سرنا ولا تحدثوا به عند غير أهله فان المذيع سرنا

أشد علينا من عدونا " ( 4 ) .

وقد بين الإمام العسكري ( عليه السلام ) علة عدم اخبارهم بالأمور الغيبية بقوله

لموسى الجوهري : " ألسنا قد قلنا لكم لا تسألونا عن علم الغيب ، فنخرج ما علمنا

منه إليكم ، فيسمعه من لا يطيقه استماعه فيكفر " ( 5 ) .

* ثالثا : الظروف التي كان يعيشها النبي ( صلى الله عليه وآله ) وكذلك بعض الأئمة كانت

‹ صفحة 16 ›

مختلفة فرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كان في بداية الدعوة الإسلامية وقريب عهد بالجاهلية .

بينما أمير المؤمنين ( عليه السلام ) جاء بعده بسنوات ، وهكذا الأئمة واحدا بعد واحد .

وإذا أردنا أن نبرم هذا الكلام فلا بأس بنقل كلام لسماحة الشيخ محمد الحسين

المظفر الذي يصلح أن يكون جوابا عن هذا المطلب : قال بعد أن ذكر توقف الرسالة

على علم النبي ( صلى الله عليه وآله ) بكل الأشياء : فعلم الرسول بالعالم وإحاطته بما يحدث فيه

وقدرته على تعميم الاصلاح للداني والقاصي والحاضر والباد ، من أسس تلك

الرسالة العامة وقاعدة لزومية لتطبيق تلك الشريعة الشاملة .

غير أن الظروف لم تسمح لصاحب هذه الرسالة ( صلى الله عليه وآله ) أن يظهر للأمة تلك

القوى القدسية والعلم الرباني الفياض . وكيف يعلن بتلك المواهب والإسلام غض

جديد ، والناس لم تتعرف تعاليم الاسلام الفرعية بعد ؟ !

فكيف تقبل أن يتظاهر بتلك الموهبة العظمى وتطمئن إلى الايمان بذلك العلم .

بل ولم يكن كل قومه الذين انضووا تحت لوائه من ذوي الايمان الراسخ ، وما خضع

البعض منهم للسلطة النبوية إلا بعد اللتيا والتي وبعد الترهيب والترغيب " ( 1 ) .

أقول : عدم افصاح النبي الأعظم ( صلى الله عليه وآله ) عن كنه علمه كان بالنسبة لعامة

الناس .

وإلا فقد أفصح لخاصة أصحابه عن كنه حقيقته وحقيقة علمه ، بل وفي بعض

الأحيان كان يفصح للكثير من الصحابة عن بعض الأمور الغيبية أو الغامضة

الجديدة ، كما تقدم في كثير من الأحاديث حول عالم الأنوار ، وانه كان حول العرش

هو وآله ، وانه كان نبيا وآدم بين الطين والماء .

إضافة إلى أحاديث أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في وصف النبي الأعظم وعلمه وانه

علمه ألف باب من العلم يفتح منه ما أراد ، والذي يشعر بأنه ليس تعليما كسبيا ، بل

إشارة إلى المنحة الربانية التي أفاضها النبي على آل محمد ( عليهم السلام ) .

وسوف يأتي في كلام الغزالي ما يشير إلى ذلك .

‹ صفحة 17 ›

حقيقة علم آل محمد ( عليهم السلام ) وأقسامه

* الجهة الأولى :

علم آل محمد ( عليهم السلام ) وأقسامه

تقدم في الأحاديث ان الانسان مهما حاول أن يذكر من الفضائل لآل

محمد ( صلى الله عليه وآله ) ، فإنه لن يبلغ هذه الحقيقة .

كيف ؟ ورسول البشرية يقول في الحديث الصحيح :

" يا علي ما عرف الله إلا أنا وأنت ، وما عرفني إلا الله وأنت ، وما عرفك

إلا الله وأنا " ( 1 ) .

وقال ( صلى الله عليه وآله ) مخاطبا عليا ( عليه السلام ) : " هذا رجل لا يعرفه إلا الله ورسوله " ( 2 ) .

وكيف يعرف علي ( عليه السلام ) وهو القائل :

" بل اندمجت على مكنون علم لو بحت به لاضطربتم اضطراب الأرشية

في الطوي البعيدة " ( 3 ) .

ويصف الإمام الصادق ( عليه السلام ) هذا العلم ليقول : " ان عندنا والله سرا من سر

الله وعلما من علم الله ، والله ما يحتمله ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا مؤمن امتحن

قلبه للايمان ، والله ما كلف الله ذلك أحدا غيرنا ، ولا استعبد بذلك أحدا غيرنا .

وان عندنا سرا من سر الله وعلما من علم الله ، أمرنا بتبليغه فبلغناه عن الله

عز وجل ما أمرنا بتبليغه " ( 4 ) .

‹ صفحة 18 ›

أقول : في هذه الرواية ان علمهم لا يحتمله أحد حتى الأنبياء ، وفي الذيل أنهم

أمروا أن يبلغوا هذا العلم فبلغوه ، فقد يقال : ما فائدة تبليغه مع أنه لا يحتمله أحد ؟ !

وللجواب عن هذا الإشكال لا بد من تقسيم علم أهل البيت ( عليهم السلام ) .

‹ صفحة 19 ›

مراتب علم آل محمد ( عليهم السلام )

* مراتب علم آل محمد ( عليهم السلام ) وأقسامه

علم أهل البيت ( عليهم السلام ) في حقيقته على مراتب :

1 - مرتبة لم يؤمروا بالكشف عنها ولا بتبليغها لعدم احتماله وفهمه على

حقيقته ، أو لشئ أخفي عنا .

وهذا ما دلت عليه طائفة من الروايات منها الرواية المتقدمة ( 1 ) .

وفي بعض الروايات لم يوصف العلم بأنه لا يحتمل ، بل وصف بأن " أمرهم

جسيم مقنع لا يستطاع ذكره " ( 2 ) .

وهذا العلم هو ما يوصف بالعلم اللدني - كما يأتي تفصيله - والذي كان الأئمة

يشيرون إليه إشارة إجمالية ، كما روي عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) في قوله تعالى :

* ( فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما ) * .

قال : " ورب الكعبة ورب البنية ( البيت ) ثلاث مرات ، لو كنت بين موسى

والخضر لأخبرتهما اني أعلم منهما ، ولأنبأتهما بما ليس في أيديهما " ( 3 ) .

وفي أحاديث الاسم الأعظم الآتية إشارة إجمالية أيضا لهذا العلم .

2 - ومرتبة من علمهم أمروا بتبليغه ، كما دلت عليه الرواية المتقدمة في

مطلع البحث وهو أيضا على قسمين :

أ - قسم أمر أهل البيت ( عليهم السلام ) بتبليغه لكافة الناس ، وهو كل علم

صدر منهم ووصل إلى عامة الناس ، وهو المبثوث في كتبهم وكتب شيعتهم .

ب - وقسم أمروا أن يبلغوه لخواص الناس ، ومن يقدر على فهمه

وتحمله ، أو عدم افشائه .

ويدل عليه : حديث أمير المؤمنين ( عليه السلام ) مع ميثم التمار عندما سأله عن معنى

‹ صفحة 20 ›

عدم احتمال الملك والنبي لعلم آل محمد ، فأخذ الأمير بشرح معنى عدم احتماله .

والحديث طويل ( 1 ) .

وما روي عنه ( عليه السلام ) أيضا عندما سئل عن وجه الله ، قال : " أنا وجه الله " .

بينما قال للبعض الآخر عندما سأله : " أوقدوا نارا ، فسألهم أين وجه النار ؟

قالوا : كل النار وجه النار .

قال ( عليه السلام ) : " كل شئ وجه الله " ( 2 ) .

وما روي عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) : " اني لأعلم ما في السماوات وما في الأرض ،

وأعلم ما في الجنة وأعلم ما في النار ، وأعلم ما كان وما يكون " .

قال : ثم مكث هنيئة فرأى أن ذلك كبر على من سمعه منه ، فقال : " علمت

ذلك من كتاب الله ان الله عز وجل يقول : * ( فيه تبيان كل شئ ) * ( 3 ) .

وفي رواية مشابهة عن حماد قال : " فبهت انظر إليه فقال : " يا حماد إن ذلك

من كتاب الله ، ثلاث مرات " ( 4 ) .

ونحو ذلك من الروايات التي لم يكن فيها أهل البيت ( عليهم السلام ) يصرحون بكل

شئ لأصحابهم ، إلا من امتحن الله قلبه للإيمان ، وسوف يأتي بعضها .

نعم ، كما قال صادق آل محمد ( عليهم السلام ) : " لو تدبر القرآن شيعتنا لما شكوا في

فضلنا " ( 5 ) .

* ومن هذا الباب الطائفة التي تقول :

" إن حديثنا صعب مستصعب لا يعرفه إلا ملك مقرب أو نبي مرسل أو عبد

امتحن الله قلبه للايمان " ( 6 ) .

‹ صفحة 21 ›

ومنها بلفظ : أن أمرهم صعب مستصعب . وهي روايات كثيرة ( 1 ) .

وبذلك يرتفع التناقض بين الطائفتين :

1 - الأولى التي تقول : " ان حديثهم صعب - لا يحتمله لا ملك مقرب ولا

نبي " ( 2 ) .

2 - والثانية التي تقول : " ان حديثهم صعب - لا يحتمله إلا ملك مقرب أو

نبي مرسل " .

وهذا أحد الوجوه لرفع التناقض ، وخلاصته : أن تحمل الطائفة الأولى على

أعلى مراتب علمهم ، والطائفة الثانية على مرتبة أخرى وهي التي أمروا بتبليغها

للخواص .

وهناك وجوه أخرى منها :

وجوه الجمع بين أحاديثهم الصعبة

* الوجه الثاني : ان تحمل الطائفة الأولى على عدم الإيمان والاعتقاد به

على الحقيقة .

ويشهد له ألسنة الروايات القائلة : " صعب مستصعب لا يؤمن به نبي " ( 3 ) .

" لا يعرفه " ( 4 ) " لا يقر به " ( 5 ) " لا يعمل به " ( 6 ) " لا يصبر عليه " ( 7 ) .

فمن الناس من يقر به ويحتمله ومنهم من لا يقر به ، ولكن يحتمله على اجماله .

* الوجه الثالث : ان تحمل الطائفة الأولى على عدم معرفة وادراك باطن

‹ صفحة 22 ›

أحاديثهم ، وتحمل الثانية على ادراك ومعرفة ظاهرها ، ويشهد له روايات ان

لحديثنا " ظهرا وبطنا " ، أو لحديثنا " سبعين وجها " ( 1 ) .

* الوجه الرابع : ان تحمل الأولى على أن : أمرهم لا يحتمل ، والثانية أن

حديثهم يحتمل ويراد بالأمر الأعظم من الحديث .

خاصة بلحاظ ان بعض الروايات تعبر : " ان أمرنا هذا مستور مقنع بالميثاق

من هتكه أذله الله " ( 2 ) .

وفي رواية : " أمر آل محمد جسيم مقنع لا يستطاع ذكره " ( 3 ) .

* الوجه الخامس : أن تحمل الأولى على عدم إمكان احتمال الأنبياء

والملائكة والناس لكامل وجوه أحاديثهم .

وتحمل الثانية على احتمال الأنبياء لبعض أو أكثر وجوه أحاديثهم .

* ومن هنا يتضح ما ورد في تفاوت علم الصحابة ، كالمروي عن الإمام

الصادق ( عليه السلام ) قال : " والله لو علم أبو ذر ما في قلب سلمان لقتله ، ولقد آخا رسول

الله ( صلى الله عليه وآله ) بينهما فما ظنكم بسائر الخلق " ( 4 ) .

نعم أول السيد المرتضى الحديث بأن معنى : " لقتله " أي من شدة الحب ( 5 ) .

وفيه تكلف زائد ، لأن الحديث جاء في تفسير الإمام لروايات " حديثنا

صعب مستصعب لا يحتمله إلا نبي مرسل " .

خاصة أن هناك حديثا فيه : " لقال : رحم الله قاتل سلمان " .

وهنا كلام للمحدث علي بن زين الدين العاملي مفيد في دره المنثور

فليراجع ( 6 ) .

‹ صفحة 23 ›

زمان علم آل محمد ( عليهم السلام )

الجهة الثانية :

زمان علم آل محمد ( عليهم السلام )

قد يقال ان الروايات التي تحدد زمن اتصاف آل محمد بالعلم قليلة ، باستثناء

التي تأتي في طي الأبحاث الآتية .

ولعل هذا البحث مرتبط بالأبحاث الآتية ، ذلك أن في الجهة الثالثة في ماهية

علم آل محمد ( عليهم السلام ) إذا قلنا إن علمهم كسبي ، فزمانه عند التعلم ، وهو يختلف

باختلاف أحوال أهل البيت ( عليهم السلام ) .

بينما إذا قلنا إنه لدني - كما وهو الأرجح - فإنه لا يخضع لسنين التعلم ، بل

يكون زمانه هو زمان ولادة الإمام المعصوم في الظاهر ، أو زمان وجوده في الواقع

كما يأتي .

وإذا قلنا إنه مربوط بالمشيئة ، بمعنى انه إذا شاؤوا أن يعلموا علموا ، فان زمان

العلم يكون عند كل إرادة لهم .

هذا كله في الجهة الثالثة - ماهية العلم - .

وكذلك في الجهة الرابعة : مصدر حصوله ، فإنه إذا رجحنا كونه بواسطة

الوحي أو جبرائيل أو المحدث أو الإلهام أو الروح الآمرية أو مباشرة من الله ، فان

زمان العلم يكون عند اتصاف الإمام بالإمامة أو عند الاختيار اللهي عز وجل .

وإن شئت قلت : عند احتياج الإمام للعلم ، لا بمعنى تصديه لإجابة الناس ،

بل بمعنى أن خلو الإمام منه يعد نقصا ، فعند وجود الإمام في لوح الواقع إذا وجد

خاليا من العلم الرباني ، فهو محتاج إلى هذا العلم .

على أنه يحتمل أن يكون زمان العلم عالم الأنوار ، خاصة إذا اخترنا ان

المصدر الروح الآمرية أو المباشرة من الله تعالى ، كما هو الصحيح .

اما إذا اخترنا - في الجهة الرابعة - ان المصدر القرآن أو العامود النوراني ، أو

‹ صفحة 24 ›

انه وراثة من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، أو من ليلة القدر ، فان زمان العلم يكون بحسب

الاختيار هناك ، فإذا اخترنا ليلة القدر فزمان علمهم هو وقت نزولها ، وهكذا إذا

اخترنا غيرها .

وعلى كل حال سوف ننتظر الاختيار في الأبحاث الآتية .

* هذا ووردت بعض الروايات الصريحة في زمان علمهم منها :

منها ما عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) في خبر طويل في كيفية ولادة الإمام وانعقاد

نطفته جاء فيه : " فإذا استقرت في الرحم أربعين ليلة نصب الله له عمودا من نور في

بطن أمه ينظر منه مد بصره ، فإذا تمت له في بطن أمه أربعة أشهر أتاه ملك يقال له

حيوان وكتب على عضده الأيمن : * ( وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته

وهو السميع العليم ) * فإذا وقع من بطن أمه وقع واضعا يديه على الأرض رافعا

رأسه إلى السماء ، فإذا وضع يديه إلى الأرض فإنه يقبض كل علم أنزله الله من السماء

إلى الأرض " .

إلى أن قال : " فإذا قالها ( 1 ) أعطاه الله علم الأول وعلم الآخر واستوجب

زيارة الروح في ليلة القدر " ( 2 ) .

والروايات بهذا المضمون كثيرة ( 3 ) .

وفي رواية أخرى : " فإذا مضت عليه أربعون يوما سمع الصوت وهو في بطن

أمه ، فإذا ولد أوتي الحكمة . . . وزين بالعلم والوقار وألبسه الهيبة " ( 4 ) .

* أقول : فهذه الروايات وأشباهها تثبت ان زمان علم آل محمد هو عند

‹ صفحة 25 ›

ولادة كل إمام ، ولكن على ما يأتي في الأبحاث الآتية فان هذا الزمان لا يتناسب مع

ما نرجحه هناك .

خاصة أنه يمكن تأويل هذه الروايات بأن الإمام كان لديه هذه العلوم ،

ولكن عند الولادة يجدد أو يؤكد للامام ذلك ، كما قد يستفاد من لفظة " يقبض " .

على أنه قد كذب الناس بحصول العلم للامام في زمن الولادة ، أو في الصغر ،

فكيف يصدقون أن علمهم منذ عالم الأنوار ! !

فنحملها على اختلاف مستوى الصحابة .

- ومنها ما ورد في الحديث المتواتر عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) :

" نبئت وآدم بين الروح والجسد " " وجبت النبوة لي وآدم بين الروح

والجسد " " كنت نبيا وآدم بين الروح والجسد " ( 1 ) .

فكونه نبيا ينبأ في غاية الوضوح والدلالة على تلقيه العلوم في ذلك العالم ، إذ

يستحيل أن الله اتخذه نبيا ونبأه وهو فاقد للعلم .

وهذا يدل ان علم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كان قبل الخلق وفي زمان عالم الأنوار

والأظلة .

وهكذا أهل البيت ( عليهم السلام ) كما تقدم في بعض روايات عالم الأنوار من تسبيحهم

لله وتقديسهم له تعالى .

ومن المعلوم ان تحمل النبوة وعبادة الله وتقديسه لا تكون إلا بعد العلم .

والأصرح منه ما روي عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) : " ان الله أول ما خلق خلق

محمدا وعترته الهداة المهديين ، فكانوا أشباح نور بين يدي الله " .

قلت : وما الأشباح ؟

‹ صفحة 26 ›

قال : " ظل النور أبدان نورانية بلا أرواح ، وكان مؤيدا بروح واحدة هي

روح القدس " ( 1 ) .

وعن الإمام العسكري ( عليه السلام ) : " هذا روح القدس الموكل بالأئمة عليهم السلام

يوفقهم ويسددهم ويزينهم بالعلم " ( 2 ) .

وسوف يأتي روايات ان علمهم من روح القدس ، وهذا صريح ان زمان

علمهم كل علمهم ، هو عالم الأنوار قبل خلق الخلق .

وفي حديث عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال فيه : " فلما أراد أن يخلق الخلق

نشرهم بين يديه فقال لهم من ربكم ؟

فكان أول من نطق رسول الله وأمير المؤمنين والأئمة صلوات الله عليهم ،

فقالوا : أنت ربنا ، فحملهم العلم والدين ، ثم قال للملائكة : هؤلاء حملة علمي وديني

وأمنائي في خلقي وهم المسؤولون " ( 3 ) .

وعن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في حديث جاء فيه : " ثم جعلنا عن يمين العرش ، ثم

خلق الملائكة فهللنا فهللت الملائكة ، وكبرنا فكبرت الملائكة ، وكان ذلك من تعليمي

وتعليم علي ، وكان ذلك في علم الله السابق ان الملائكة تتعلم منا التسبيح والتهليل ،

وكل شئ يسبح لله ويكبره ويهلله بتعليمي وتعليم علي " ( 4 ) .

وقال ( صلى الله عليه وآله ) : " يا علي نحن أفضل ( من الملائكة ) خير خليقة الله على بسيط

الأرض وخيرة الله المقربين ، وكيف لا نكون خيرا منهم ؟ وقد سبقناهم إلى معرفة الله

‹ صفحة 27 ›

وتوحيده ؟ ! فبنا عرفوا الله وبنا عبدوا الله وبنا اهتدوا السبيل إلى معرفة الله " ( 1 ) .

وعن الإمام الصادق ( عليه السلام ) : " نحن شجرة النبوة ومعدن الرسالة ، ونحن عهد

الله ونحن ذمة الله ، لم نزل أنوارا حول العرش نسبح فيسبح أهل السماء لتسبيحنا ، فلما

نزلنا إلى الأرض سبحنا فسبح أهل الأرض ، فكل علم خرج إلى أهل السماوات والأرض

فمنا وعنا " ( 2 ) .

* أقول : معرفة الله وتوحيده أفضل العلوم وأشرفها ، بل هي أصل العلم

وأصوله .

وقال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : " ان الله مثل لي أمتي في

الطين وعلمت الأسماء كما علم آدم الأسماء كلها " ( 3 ) .

وفي رواية عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : " ان ربي مثل

لي أمتي في الطين وعلمني أسماء الأنبياء - وفي نسخة - الأشياء ، كما علم آدم الأسماء

كلها فمر بي أصحاب الرايات ، فاستغفرت لعلي وشيعته " ( 4 ) .

وعن الحسين بن علي ( عليهما السلام ) عن أبيه انه قرأ عليه أصبغ بن نباتة : * ( وإذ أخذ

ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم ) * الآية ، قال : " فبكى علي ( عليه السلام ) وقال : اني

لأذكر الوقت الذي أخذ الله تعالى علي فيه الميثاق " ( 5 ) .

وقال الإمام الجواد ( عليه السلام ) : " أنا محمد بن علي الرضا أنا الجواد ، أنا العالم

بأنساب الناس في الأصلاب ، أنا أعلم بسرايركم فظواهركم ، وما أنتم صائرون

إليه ، علم منحنا به من قبل خلق الخلق أجمعين ( 6 ) ، وبعد فناء السماوات والأرضين ،

‹ صفحة 28 ›

ولولا تظاهر أهل الباطل ودولة أهل الضلالة ، ووثوب أهل الشك ، لقلت قولا

تعجب منه الأولون والآخرون " .

ثم وضع يده الشريفة على فيه وقال : " يا محمد أصمت كما صمت آباؤك من

قبل " ( 1 ) .

وروى صاحب بستان الكرامة أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) كان جالسا وعنده

جبرائيل ( عليه السلام ) فدخل علي ( عليه السلام ) فقام له جبرائيل ( عليه السلام ) .

فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : " أتقوم لهذا الفتى .

فقال له ( عليه السلام ) : نعم انه له علي حق التعليم .

فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : كيف ذلك التعليم يا جبرائيل ؟

فقال : لما خلقني الله تعالى سألني من أنت وما أسمك ومن أنا وما اسمي ؟

فتحيرت في الجواب وبقيت ساكتا ، ثم حضر هذا الشاب في عالم الأنوار

وعلمني الجواب ، فقال : " قل : أنت ربي الجليل واسمك الجليل وأنا العبد الذليل

واسمي جبرائيل " .

ولهذا قمت له وعظمته " ( 2 ) .

* أقول : مما لا شك فيه أن الرسول كان يعلم بتعليم علي ( عليه السلام ) لجبرائيل ، انما

أراد أن يبين فضل أمير المؤمنين ( عليه السلام ) من لسان جبرائيل ، وتقدم في الكتاب الأول

ما يدل على ذلك .

وروى الصفوري قول أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : " سلوني قبل أن تفقدوني عن علم

لا يعرفه جبرائيل وميكائيل " ( 3 ) .

‹ صفحة 29 ›

وقد أشار محيي الدين ابن عربي في خطبة الفتوحات المكية إلى ذلك بقوله :

" الحمد لله الذي جعل الانسان الكامل معلم الملك وأدار بانقساره

طبقات الفلك " .

وقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فيما حدث عنه سلمان الفارسي في حديث خلقهم

أنوارا قبل السماء والأرض : " ثم خلق منا ومن صلب الحسين تسعة أئمة ودعاهم

فأطاعوه قبل أن يخلق الله سماء مبنية وأرضا مدحية ، وهواء وماء وملكا ، وأشركنا

بعلمه " ( 1 ) .

وفي حديث الإمام الصادق ( عليه السلام ) مع المفضل بعد ذكر الإمام رجعة أصحاب

الكساء وشكايتهم إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ما حل بهم قال : قال أمير المؤمنين ( عليه السلام )

لفضة : " يا فضة لقد عرفه رسول الله وعرف الحسين اليوم بهذا الفعل ( ضرب فاطمة

وإسقاط المحسن ( عليهما السلام ) ) ونحن في نور الأظلة أنوار عن يمين العرش " ( 2 ) .

هذا وروي عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قوله :

" في قاب قوسين علمني الله القرآن وعلمني الله علم الأولين " ( 3 ) .

‹ صفحة 31 ›

الجهة الثالثة :

ماهية علم آل محمد ( عليهم السلام )

ويتردد هذا البحث بين ثلاثة احتمالات :

1 - أن يكون علم آل محمد ( عليهم السلام ) علما كسبيا ، ويراد به أن علمهم بالتعلم

المتعارف بين الناس ، وإن شئت سميته بالعلم الحصولي .

2 - أن يكون علم آل محمد ( عليهم السلام ) علما لدنيا غير كسبي ، بمعنى أن الله

أعطاهم هذا العلم بلا تكسب وتجهد ، هذا بغض النظر عن كيفية الاعطاء ، والذي

هو الجهة الرابعة الآتية . وهذا العلم يسمى بالعلم الحضوري .

3 - أن يكون علم آل محمد ( عليهم السلام ) علما متعلقا بالمشيئة والإرادة ، فمتى

شاؤوا أن يعلموا علموا أو أعلموا .

وهذا البحث أيضا يخضع لما يأتي من أبحاث كما سوف نبين ذلك .

‹ صفحة 33 ›

العلم الحصولي واللدني لآل محمد ( عليهم السلام )

* الاحتمال الأول :

العلم الكسبي الحصولي

ويدل عليه طوائف :

منها ما تواتر عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : " علمني رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ألف

باب " ( 1 ) .

ومنها : روايات الازدياد الآتية في الجهة الخامسة كقول الإمام الصادق ( عليه السلام )

:

" ما من ليلة جمعة إلا ولأولياء الله فيها سرور " .

قلت : كيف ذلك ؟

قال : " إذا كان ليلة الجمعة وافى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) العرش ووافى الأئمة ( عليهم السلام )

ووافيت معهم ، فما أرجع إلا بعلم مستفاد ، ولولا ذلك لنفذ ما عندي " ( 2 ) .

وفي رواية : " انه ليحدث لولي الأمر سوى ذلك كل يوم ( من ) علم الله

الخاص والمكنون العجيب المخزون مثل ما ينزل في تلك الليلة من الأمر " ( 3 ) .

ونحوها من الروايات ( 4 ) .

ومنها : الروايات الآتية في الجهة الرابعة ان منبع علمهم من القرآن أو من ليلة

القدر أو ان علمهم وراثة من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .

كل ذلك يدل في ظاهره أن علمهم كسبي بالتعلم .

‹ صفحة 35 ›

حقيقة علم آل محمد ( عليهم السلام ) وجهاته

الآيات الدالة على العلم اللدني

* الاحتمال الثاني :

العلم اللدني

ويدل عليه آيات وروايات :

الآيات الدالة على العلم اللدني

ويدل عليه من الآيات :

* الآية الأولى قوله تعالى :

* ( وعلمك ما لم تكن تعلم ) * ( 1 ) .

قال الإمام الغزالي : ( اعلم أن العلم يحصل من طريقين : أحدهما التعلم

الإنساني ، والثاني التعلم الرباني .

الطريق الثاني : إلقاء الوحي ، وهو ان النفس إذا كملت ذاتها يزول عنها

دنس الطبيعة ودرن الحرص والأمل الفانية ، وتقبل بوجهها على بارئها ومنشئها ،

وتتمسك بجود مبدعها وتعتمد على إفادته وفيض نوره ، والله تعالى بحسن عنايته

يقبل على تلك النفس إقبالا كليا ، وينظر إليها نظرا إلهيا ويتخذ منها لوحا ، ومن

النفس الكلي قلما وينقش فيها جميع علومه ، ويصير العقل الكلي كالمعلم والنفس

القدسية كالمتعلم ، فيحصل جميع العلوم لتلك النفس ، وينتقش فيها جميع الصور ، من

غير تعلم وتفكر ، ومصداق هذا قوله تعالى لنبيه ( صلى الله عليه وآله ) : * ( وعلمك ما لم تكن تعلم ) *

) ( 2 ) .

إلى آخر كلامه ، ويأتي بعضه في الفرق بين العلم اللدني والحصولي .

وروي عن قتادة في قوله تعالى : * ( وعلمك ما لم تكن تعلم ) * قال : " علمه

‹ صفحة 36 ›

الله بيان الدنيا والآخرة " ( 1 ) .

وعن الضحاك قال : " علمه الخير والشر " ( 2 ) .

وقال العلامة الطباطبائي : * ( وعلمك ما لم تكن تعلم ) * ليس هو الذي علمه

بوحي الكتاب والحكمة فقط ، فإن مورد الآية قضاء النبي ( صلى الله عليه وآله ) في الحوادث الواقعة

والدعاوي التي ترفع إليه برأيه الخاص ، وليس ذلك من الكتاب والحكمة بشئ ،

وان كان متوقفا عليهما ، بل رأيه ونظره الخاص به .

ومن هنا ان المراد بالإنزال والتعليم في قوله : * ( وأنزل الله عليك الكتاب

والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم ) * : نوعان اثنان من العلم :

أحدهما التعليم بالوحي ونزول الروح الأمين على النبي ( صلى الله عليه وآله ) .

والآخر : التعليم بنوع من الإلقاء في القلب والإلهام الخفي الإلهي ، من غير

إنزال الملك .

وهذا هو الذي تؤيده الروايات الواردة في علم النبي ( صلى الله عليه وآله ) .

وعلى هذا ، فالمراد بقوله : * ( وعلمك ما لم تكن تعلم ) * أتاك نوعا من العلم لو

لم يؤتك إياه من لدنه لم يكفك في إتيانه الأسباب العادية ، التي تعلم الانسان ما

يكتسبه من العلوم ) انتهى ( 3 ) .

* أقول : ظاهر كلامه ان إيتاء الكتاب والحكمة بواسطة الوحي الخاص

( جبرائيل ) إيتاء كسبي غير لدني ، وان علم النبي ( صلى الله عليه وآله ) مصدره شيئان :

1 - الوحي بالكتاب والحكمة .

2 - الإلهام أو القذف بالقلب .

* والذي يقوى في النظر أن إيتاء الكتاب والحكمة لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إن كان

المراد به تذكير جبرائيل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بالآيات القرآنية والحكم الإلهية ، فهو كما

‹ صفحة 37 ›

قال علم كسبي ، ولكنه لا ينبئ عن حقيقة علم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بالكتاب والحكمة .

وان كان المراد به نزول القرآن جملة واحدة على قلب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ،

فممنوع لأنه نزول غير كسبي ، وكيف يكون كسبيا وهو من الله تعالى بالمباشرة كما

يأتي .

إن قيل : نزوله تدريجا كان بواسطة جبرائيل ، ونزوله جملة واحدة كان أيضا

بواسطته ، قال تعالى : * ( نزل به الروح الأمين على قلبك ) * ( 1 ) .

قلنا :

أولا : هذا مبني على تفسير هذه الآية بنزوله جملة واحدة ، وإلا فقد يكون

المعنى : ان الروح الأمين نزل به تدريجا على قلبك ، ولا تفسر الآية أصلا بالنزول

جملة واحدة .

والخلاصة : لا نسلم ان نزول القرآن جملة واحدة على قلب الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ،

كان بواسطة جبرائيل ، اما لعدم الدليل عليه ، واما لعدم الحاجة إليه ، واما لما يأتي

من أن زمن علم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بالقرآن وغيره ، هو عرش الرحمن وقبل خلق

جبرائيل وغيره من الخلق ، واما لما يأتي من الدليل على معرفة النبي ( صلى الله عليه وآله ) للقرآن

قبل خلق جبرائيل .

ثانيا : لو سلمنا ان الآية تشير إلى نزوله جملة واحدة بواسطة جبرائيل كما

استدل بها العلامة ، فانا لا نسلم ان هذا النزول كسبي ، فصحيح ان جبرائيل يكون

الواسطة في انتقال القرآن إلى قلب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، ولكن ليس هو المعلم له

ولتفاصيله وآياته ، انما الله هو المعلم الحقيقي وعلم الله لنبيه ( صلى الله عليه وآله ) غير كسبي ، حيث

أن العلوم الكسبية غير ثابتة ومتغيرة كما يأتي .

اما قوله ان مصدر علم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) هو الكتاب والحكمة ، إضافة إلى

الإلهام والقذف .

فبغض النظر عن ما يأتي في مصدر علم آل محمد ( عليهم السلام ) ، فانا نقول : هذا

‹ صفحة 38 ›

التفصيل حول العلم يتنافى مع حقيقة العلم الذي هو نور يقذفه الله في قلب من

يشاء .

على أنه يتنافى أيضا مع حقيقة علم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وزمان حصوله وكيفية

ذلك .

فان الحكمة والقرآن هي قسم من العلوم الإلهية التي علمها الله لنبيه بقوله : * (

وعلمك ما لم تكن تعلم ) * ، أو حتى قوله * ( فأوحى إلى عبده ما أوحى ) * .

فليس المراد أن العلم قسمان : قسم لأحكام القرآن والحكمة الإلهية ، وقسم

لبقية الأمور .

لأنه :

أولا : الآية مطلقة * ( ما لم تكن تعلم ) * فكل ما لا يعلمه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قام

الله عز وجل بتعليمه إياه مباشرة ، وبلا توسط مخلوق ، فكان لدنيا ، وهو شامل

لأحكام القرآن من حلال وحرام وقصص ومواعظ ، وحكم ومعارف إلهية ، وأمور

غيبية ، وما شابه ذلك .

قال الشيخ الطبرسي في الآية : ( ما لم تعلمه من الشرائع وأنباء الرسل الأولين

، وغير ذلك من العلوم ) ( 1 ) .

ثانيا : هذا ينافي صريح القرآن الكريم وانه فيه تبيان كل شئ ( 2 ) كما يأتي في

كثير من الروايات .

والخلاصة : علم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) علم واحد لا يتجزأ ، وهو علم لدني بكل

شئ ، الشامل للقرآن والحكمة والأمور الغيبية ونحوهم .

ولا يلزم لغوية نزول القرآن على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، لما قلنا إن المراد بالنزول

هو التدريجي ، اما لمؤانسة النبي الأعظم ( صلى الله عليه وآله ) - نظير نزوله على فاطمة ( عليها السلام ) - ، واما

لتذكيره ( صلى الله عليه وآله ) بالآيات ، لا لتعليم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) المستتبع لجهله ، وأعلمية جبرائيل

‹ صفحة 39 ›

عليه ، ولو بالواسطة .

ومرادنا بالتذكير ليس ان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قد نسي آيات القرآن والحكمة ،

انما كما قدمنا سابقا أنه لإبراز حقيقة الوحي التي كانت عند الأنبياء السابقين ، والتي

اعتاد الناس عليها في الأنبياء وصحة دعوتهم ، خاصة في المجتمع الجاهلي الذي لم

يصدق بنبوة الرسول الأعظم ( صلى الله عليه وآله ) ، فلم يستطع النبي ( صلى الله عليه وآله ) إلا أن يبرز لهم الوحي

وصفاته وأسمائه وآثاره كما تقدم ويأتي .

واما النزول الدفعي للقرآن ، فهو أيضا ليس معناه ان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كان

يجهل أحكامه وابرامه وآياته ، وذلك كما قدمناه من أن علم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الواحد

من الواحد لا يتجزأ ، وزمانه قبل زمان جبرائيل كما يأتي . والذي من ضمنه أحكام

القرآن الكريم والحكم الإلهية ، فلا تغفل .

هذا وروي عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قوله :

" في قاب قوسين علمني الله القرآن وعلمني الله علم الأولين " ( 1 ) .

‹ صفحة 41 ›

* الآية الثانية قوله تعالى :

* ( ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت

وفرعها في السماء ، تؤتي اكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله

الأمثال للناس لعلهم يتذكرون ) * ( 1 ) .

والشجرة الطيبة كما تواتر في الأحاديث هي آل محمد والأئمة منهم عليهم

صلوات المصلين ( 2 ) .

وقوله تعالى : * ( تؤتي أكلها كل حين ) * فسرت بعلم الإمام وما يفتي به من

الحلال والحرام .

قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : * ( تؤتي اكلها كل حين ) * فقال : " ما يخرج إلى

الناس من علم الإمام في كل حين يسأل عنه " ( 3 ) .

وعن الإمام الباقر ( عليه السلام ) : " هو ما يخرج من الإمام من الحلال والحرام في كل

سنة إلى شيعته " ( 4 ) .

* الآية الثالثة قوله تعالى :

* ( آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما ) * ( 5 ) .

فعن الإمام الصادق ( عليه السلام ) : " قال علينا عين ؟ "

فالتفتنا يمنة ويسرة فلم نر أحدا ، فقلنا : ليس علينا عين .

‹ صفحة 42 ›

فقال : " ورب الكعبة ورب البنية - ثلاث مرات - لو كنت بين موسى والخضر

لأخبرتهما اني أعلم منهما ولأنبئهما بما ليس في أيديهما " ( 1 ) .

ومن المعلوم ان علم الخضر لدني بقوله تعالى : * ( . . . آتيناه رحمة من عندنا

وعلمناه من لدنا علما ) * ولا يصح كون آل محمد ( عليهم السلام ) علمهم كسبيا في حال كونهم

أعلم من الخضر وأفضل .

‹ صفحة 43 ›

* الآية الرابعة قوله تعالى :

* ( علمه شديد القوى فأوحى . . . إلى عبده ما أوحى ) * ( 1 ) .

وهي الآية من آيات عديدة تصف عروج رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى ربه حتى كان

قاب قوسين أو أدنى .

والروايات كثيرة ان النبي هو الذي دنا فتدلى وكان قاب قوسين أو أدنى

رواها الفريقان من طرق ( 2 ) .

منها : ما روي عن علي بن الحسين ( عليهما السلام ) قال : " أنا ابن من علا فاستعلى فجاز

سدرة المنتهى فكان من ربه قاب قوسين أو أدنى " ( 3 ) .

ومنها : ما عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : " وذلك أنه يعني النبي ( صلى الله عليه وآله ) أقرب

الخلق إلى الله تعالى ، وكان بالمكان الذي قال له جبرائيل لما أسري به إلى السماء :

تقدم يا محمد فقد وطأت موطئا لم يطأه ملك مقرب ولا نبي مرسل ، ولولا ان روحه

ونفسه كان من ذلك المكان لما قدر أن يبلغه ، وكان من الله عز وجل كما قال الله

عز وجل * ( قاب قوسين أو أدنى ) * أي : بل أدنى " ( 4 ) .

وعنه ( عليه السلام ) قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : " كنت من ربي كقاب قوسين أو

‹ صفحة 44 ›

أدنى " ( 1 ) .

وفي تفسير القمي في قوله تعالى : * ( فأوحى إلى عبده ما أوحى ) * قال :

" وحي مشافهة " ( 2 ) .

وعن أبي عبد الله ( عليه السلام ) : " ان هذه الآية مشافهة الله لنبيه لما أسرى به إلى

السماء ، قال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : انتهيت إلى سدرة المنتهى " ( 3 ) .

ومنها الحديث المستفيض : قول جبرائيل للنبي محمد ( صلى الله عليه وآله ) : تقدم .

فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : " في هذا الموضع تفارقني " .

فقال جبرائيل : لو دنوت أنملة لاحترقت ( 4 ) .

وفي رواية : " يا جبرائيل لما تخلفت عني ؟

قال : وما منا إلا له مقام معلوم ، لو دنوت أنملة لاحترقت ، وفي هذه الليلة

بسبب احترامك وصلت إلى هذا المقام ، وإلا فمقامي المعهود عند السدرة " ( 5 ) .

وفي رواية أخرى قال له : " تقدم أمامك فوالله لقد بلغت مبلغا لم يبلغه أحد

من خلق الله قبلك " ( 6 ) .

وعن ابن عباس في قوله : * ( ثم دنا ) * قال : " هو محمد دنا إلى ربه " ( 7 ) .

ونحوه عن محمد بن كعب والإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) وأنس ( 8 ) .

‹ صفحة 45 ›

وعن أبي سعيد قال : " لما أسرى بالنبي اقترب من ربه فكان قاب قوسين أو

أدنى " ( 1 ) .

وعن الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) في قوله تعالى * ( دنا فتدلى ) * قال : " ذاك

رسول الله دنى من حجب النور " ( 2 ) .

ومن العجيب ما روى ان القصة في جبرائيل ، وانه هو الذي دنا فتدلى ،

والعجب فيه أن الله تعالى إذا يريد أن يدني جبرائيل منه لماذا يحضر النبي

الأعظم ( صلى الله عليه وآله ) ؟

وهل يراد بالإسراء والآيات مدح النبي ( صلى الله عليه وآله ) وتبيين فضله أم مدح جبرائيل

وتبيين فضله ؟ !

مع أن البعض منع ونفى ركوب جبرائيل مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) على البراق

لاختصاصه بشرف الاسراء ( 3 ) .

هذا إضافة إلى أن الآيات كلها في سياق واحد : * ( ما ينطق عن الهوى إن هو

إلا وحي يوحى علمه شديد القوى ) * إلى آخر الآيات .

اما قوله تعالى : * ( علمه شديد القوى ) * فقيل ان الذي علم النبي ( صلى الله عليه وآله ) هو

جبرائيل ، وقيل إن معلمه هو الله تعالى ( 4 ) .

ولكن بقرينة قوله تعالى : * ( فأوحى إلى عبده ما أوحى ) * والتي فيها أن الله

هو الموحي لعبده بالمباشرة والمشافهة ، يتعين كون المعلم هو الله تعالى ، وعلم الله لا

يكون إلا لدنيا ، إذ الكسبي زائل متغير كما يأتي ، وهو المطلوب .

ويؤيده ، إضافة لما مر من روايات خاصة ، وروايات تخلف جبرائيل الدالة

‹ صفحة 46 ›

على أن جبرائيل لم يكن موجودا معهما عند تعليم الله ذلك العلم الشديد القوي :

ما روي عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : * ( ثم دنا فتدلى . . . فأوحى إلى عبده

ما أوحى ) * قال : " فدفع إليه كتاب أصحاب اليمين وأصحاب الشمال ، فأخذ كتاب

أصحاب اليمين بيمينه وفتحه فنظر إليه فإذا فيه أسماء أهل الجنة وأسماء آبائهم ، ثم

طوى الصحيفة فأمسكها بيمينه وفتح صحيفة أصحاب الشمال فإذا فيها أسماء أهل

النار وأسماء آبائهم وقبائلهم ، ثم نزل معه الصحيفتان فدفعهما إلى علي " ( 1 ) .

وعن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) قال : " حتى انتهى إلى ساق العرش فدنى بالعلم

فتدلى " ( 2 ) .

وعن الحسن قال : " دنا من عبده محمد ( صلى الله عليه وآله ) فتدلى فقرب منه فأراه ما شاء

أن يريه من قدرته وعظمته " ( 3 ) .

فهذا يدل على أن الله تعالى أوحى له وحي مشافهة ، كما تقدم في لسان

الرواية السابقة ، بغير توسط جبرائيل ، لأنه لم يتقدم معه وإلا لاحترق - كما تقدم

أيضا وان ما أوحي إليه هو من العلوم والمعارف .

قال جعفر بن محمد ( عليه السلام ) : " انقطعت الكيفية عن الدنو ، ألا ترى كيف حجب

جبريل عن دنوه ودنا محمد إلى ما أودع قلبه من المعرفة والايمان ، فتدلى بسكون

قلبه إلى ما أدناه ، وزال عن قلبه الشك والارتياب " ( 4 ) .

وعنه ( عليه السلام ) أنه قال : " أوحى الله إليه بلا واسطة " ( 5 ) .

ونحوه عن الواسطي ( 6 ) .

‹ صفحة 47 ›

وقال القاضي عياض : اعلم أن ما وقع من إضافة الدنو والقرب هنا من الله

أو إلى الله ، فليس بدنو مكان ولا قرب مدى ، بل كما ذكرنا عن جعفر بن محمد

الصادق ليس بدنو حد ، وانما دنو النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من ربه وقربه منه ، أبانه عظيم منزلته

وتشريف رتبته ، واشراق أنوار معرفته ومشاهدة أسرار غيبه وقدرته ، ومن الله

تعالى مبرة وتأنيس وبسط وإكرام ( 1 ) .

وفي رواية عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال : " فسمع النداء يقول : ادن يا محمد فدنا ،

فقطرت عليه من العرش قطرة ما أخطأت فمه ، فوقعت على لسانه فكانت أحلى من

كل شئ ، فأراه الله بها علم الأولين والآخرين " ( 2 ) .

ويشير اليه ما روي عن ابن عباس ضمن حديث طويل عن رسول الله

قال ( صلى الله عليه وآله ) : " . . * ( ثم دنى فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى ) * قال : وسألني ربي فلم

أستطع أن أجيبه فوضع يده بين كتفي بلا تكييف ولا تحديد فوجدت بردها بين ثديي

فأورثني علم الأولين والآخرين وعلمني علوما شتى . . . وعلمني القرآن فكان

جبرائيل ( عليه السلام ) يذكرني به " ( 3 ) .

وتقدم الحديث الشريف " في قاب قوسين علمني الله القرآن وعلمني الله علم

الأولين " ( 4 ) .

فيتبين أن الوحي إلى النبي الأعظم ( صلى الله عليه وآله ) كان وحيا من قبل الله مباشرة ،

ووحي الله لا يكون إلا لدنيا .

‹ صفحة 49 ›

* الآية الخامسة قوله تعالى :

* ( الرحمن علم القرآن علمه البيان ) * ( 1 ) .

وهي أصرح في الدلالة من الآية السابقة ، في كون النبي الأعظم ( صلى الله عليه وآله ) قد تعلم

القرآن من الله تعالى لا بتوسط أحد ، ومما لا شك فيه أن تعليم الله لا يكون إلا لدنيا .

* الآية السادسة قوله تعالى :

* ( وجعلناهم أئمة ، وأوحينا إليهم فعل الخيرات ) * ( 2 ) .

فقد ورد انهم المرادون بهذه الآية ، كما تقدم في أدلة الولاية التكوينية من

القرآن ( 3 ) .

منها : ما روي عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال في قوله تعالى : * ( وجعلناهم أئمة

يهدون بأمرنا ) * قال أبو جعفر ( عليه السلام ) : " يعني الأئمة من ولد فاطمة يوحى إليهم

بالروح في صدورهم " ( 4 ) .

وهي واضحة الدلالة أن الله تعالى هو الذي يوحي إليهم .

* الآية السابعة قوله تعالى :

* ( وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا

الايمان ) * .

‹ صفحة 50 ›

فعن أبي حمزة قال : سألت أبا عبد الله ( عليه السلام ) عن العلم أهو علم يتعلمه العالم

من أفواه الرجال أم في الكتاب عندكم تقرؤونه فتعلمون منه ؟

قال ( عليه السلام ) : " الأمر أعظم من ذلك وأوجب ، أما سمعت قوله تعالى : * ( وكذلك

أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان ) * . . . بلى قد كان

في حالا لا يدري ما الكتاب ولا الإيمان حتى بعث الله تعالى الروح التي ذكر في

الكتاب ، فلما أوحاها إليه علم بها العلم والفهم ، وهي الروح التي يعطيها الله تعالى

من شاء فإذا أعطاها عبدا علمه الفهم " ( 1 ) .

وسوف يأتي عدة روايات حول الروح الآمرية .

‹ صفحة 51 ›

* الآية الثامنة قوله تعالى :

* ( ورحمتي وسعت كل شئ ) * ( 1 ) .

قال الإمام الباقر ( عليه السلام ) في تفسيرها : " علم الإمام ووسع علمه الذي هو من

علمه كل شئ " ( 2 ) .

وهذا أيضا صريح في أن علم الإمام ( عليه السلام ) من الله تعالى المتعين كونه لدنيا .

* الآية التاسعة قوله تعالى :

* ( ولقد آتينا داود وسليمان علما ) * ( 3 )

قال بعض المفسرين : ذلك هو الاسم الأعظم تركب من الحروف الواردة في

فواتح السور ، وكان مكتوبا على خاتم سليمان بن داود ، وبه لان الحديد لداود ،

وسخر الجن لسليمان ، وطوى الأرض للخضر وبه تعلم العلم اللدني ، وبه أوتي عرش

بلقيس ، وبه يحيي عيسى الطير ( 4 ) .

وعن علي أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في قصته مع وعمار في تحويل الحجر إلى ذهب

فقال ( عليه السلام ) : " ادع الله بي حتى تلين ، فإنه اسمي ألان الله الحديد لداود " ( 5 ) .

‹ صفحة 53 ›

الأحاديث الدالة على العلم اللدني

الأحاديث الدالة على العلم اللدني

منها : ما تقدم في الطائفة السابعة من القسم الثاني من أدلة الولاية التكوينية ،

أعني روايات اعطاؤهم علم الكتاب وتفضيلهم على الذين عندهم علم من الكتاب

.

ومنها ما تقدم ضمن تفسير الآيات المتقدمة على العلم اللدني .

وقال الإمام الرضا ( عليه السلام ) : " علمت كل لسان وكل كتاب وما كان وما سيكون

بغير تعلم ، وهذا سر الأنبياء أودعه الله فيهم ، والأنبياء أودعوه إلى أوصيائهم ، ومن

لم يعرف ذلك ويتحققه فليس هو على شئ ، ولا قوة إلا بالله " ( 1 ) .

ومن الروايات أيضا : روايات اعطاء الإمام العلم بواسطة النور ، كالمروي

عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : " ان الإمام يسمع الكلام في بطن أمه . . . حتى إذا شب رفع

الله له عمودا من نور يرى فيه الدنيا وما فيها ، لا يستر عنه منها شئ " ( 2 ) .

وفي رواية : " إذا أراد علم شئ نظر في ذلك النور فعرفه " ( 3 ) .

ونحو ذلك من روايات عامود النور الآتية ( 4 ) .

وورد عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قوله : " ليس العلم بكثرة التعلم انما هو نور يقذفه

الله في قلب من يريد الله أن يهديه " ( 5 ) .

وفي الأثر : " العلم نور وضياء يقذفه الله في قلوب أوليائه وأنطق به على

لسانهم " ( 6 ) .

‹ صفحة 54 ›

وفي آخر : " ما من عبد إلا ولقلبه عينان وهما غيب يدرك بهما الغيب " ( 1 ) .

وفي ثالث : " فإذا أراد الله بعبد خيرا فتح عيني قلبه ، فيرى ما هو غائب عن

بصره " ( 2 ) .

وفي الحديث القدسي في وصف الأولياء : " أقبل عليهم بوجهي ، أترى من

واجهته بوجهي يعلم أحد أي شئ أريد أن أعطيه ، ثم قال عز وجل : أول ما أعطيهم

أن أقذف من نوري في قلوبهم ، فيخبرون عني كما أخبر عنهم " ( 3 ) .

ومن روايات العلم اللدني روايات كونهم معدن العلم وورثته ( 4 ) .

ومنها روايات كون عندهم جميع العلوم ( 5 ) .

ومنها ما يأتي في الجهة السادسة من علمهم بالكتاب والقرآن ، وهو فيه تبيان

كل شئ .

وكذلك روايات علمهم بما كان ويكون ، وما شابه من هذه الروايات .

ومنها ما يأتي من علمهم للغيب .

ومنها : ما يأتي في الجهة الرابعة من أن علمهم بإيحاء من الله مباشرة ، أو انه

قذف ونقر في القلوب ، أو انه تحديث .

فان هذا كله يدل على كون علمهم لدنيا ويأتي توضيح الاستدلال بها في

الترجيح بين الاحتمالات .

‹ صفحة 55 ›

الدليل العقلي على العلم اللدني

هذا إضافة إلى الدليل العقلي الدال على علمهم اللدني وذلك بعدة تقاريب :

* التقريب الأول :

العلم الحضوري للإمام أكمل في اللطف

ان إرسال الرسل والأئمة لطف من الله تعالى كما هو مبين في العقائد .

واللطف هو كل ما يبعد العبد عن المعصية ، وإن شئت قلت هو ما دعا إلى فعل

الطاعة ( 1 ) .

وعليه ، فأولا : أنه من حسن الظن بالله أن يجعل حججه على أكمل وجه

وأصبغ نعمة ، وهذا هو الأنسب مع حكمة الله .

ومعلوم ان العلم اللدني أكمل من الكسبي .

ثانيا : علم الناس بأن علم الإمام لدني حاضرا في كل حال ولكل شئ ،

رادع لهم عن ارتكاب المعصية والبعد عنها ومقرب لهم إلى فعل الطاعة ، لخوفهم من

تأنيب الإمام لهم على المعصية ، ولفرحهم من مدحه لهم على الطاعات .

وفي الروايات ما يؤكد ذلك .

* التقريب الثاني :

العلم اللدني أنفع للأمة

فإن الإمام كلما كان علمه محيطا بكل الأشياء ، وعلى أكمل وجه من العلم

والإحاطة ، وكأن يعلم بما مضى وما سوف يأتي ، وعلمه بخلفيات وأسرار الكلام ،

فان كل ذلك يكون أنفع للأمة ولمصالحها الدينية والسياسية والاجتماعية ، الفردية

والنوعية .

‹ صفحة 56 ›

لأن الإمام ( عليه السلام ) بعلمه اللدني لا ينخدع ، ولا تحصل عليه المنقصة لاحتياجه

إلى السؤال فيما لو فرض ان علمه غير لدني ، ولما علم المنافقين والمخادعين وحيلهم .

وفي التاريخ شواهد جمة ان الإمام أو الخليفة إذا لا يعلم ما في الصدور كيف

ينخدع ويصبح سخرية للرعية . بينما لو كان عالما بخفايا الأمور كيف تجده يبرم

الأمور إبراما .

* التقريب الثالث :

العلم اللدني أكمل للإمام

والعلم اللدني أكمل وأفضل للامام ( عليه السلام ) وعدمه منقصة ، إذ لو لم يكن علمه

لدنيا لوجد من هو أعلم منه ، والأعلم أفضل ، والإمام يجب أن يكون أعلم

الموجودين وأفضلهم .

على أن العرف والعقل يحكمان بأن الإمام والخليفة يجب أن يكونا أكمل

المخلوقات ، ويحكمان أيضا أن العلم اللدني أكمل من الكسبي الحصولي التدريجي .

* التقريب الرابع :

العلم الحصولي علم متغير لا يفيد اليقين

العلم اللدني كما يأتي قريبا علم شريف من الله تعالى يؤدي إلى اليقين بالمعلوم

، أما العلم الحصولي الكسبي فإنه لا يفيد اليقين الجازم بالقضية .

ومعلوم أن العقل يحكم بوجوب كون الاخبار الصادرة عن الإمام ( عليه السلام )

أخبارا يقينية ، وإلا لما أفاد الاطمئنان عند الناس ، ولما وجب التصديق به .

‹ صفحة 57 ›

الفرق بين العلم اللدني والحصولي

الفرق بين العلم اللدني الحضوري والكسبي الحصولي

للعلم بالأشياء طريقان : أن يتوصل إلى الشئ بواسطة الخواص والعوارض

أو الشبح والظل وآثار الأشياء ولوازمها ، وهذا يسمى بالعلم الحصولي .

وهناك طريق آخر وهو أن يتوصل للشئ من خلال معرفة مبادئه وأسبابه ،

وهذا ما يسمى بالعلم الحضوري أو اللدني ، والذي من آثاره هو الاطلاع على

أسرار وغيب العالم ، كما حصل مع الخضر وموسى ( عليهما السلام ) .

قال المتأله السبزواري في اللآلي : العلم حصولي وحضوري ، والحصولي هو

الصورة الحاصلة من الشئ عند العقل .

والحضوري هو العلم الذي هو عين المعلوم لا صورته ونقشه ، كعلم المجرد

بذاته ، أو بمعلوله كعلم الحق تعالى بمعلولاته عند المحققين ، وليس بتصور ولا بتصديق

لأن مقسمهما العلم الحصولي ) ( 1 ) .

وقال العلامة الطباطبائي : ( وللرواية " من عرف نفسه عرف ربه " معنى آخر

أدق مستخرج من نتائج الأبحاث الحقيقية في علم النفس ، وهو ان النظر في الآيات

الآفاقية والمعرفة الحاصلة من ذلك نظر فكري وعلم حصولي ، بخلاف النظر في

النفس وقواها وأطوار وجودها والمعرفة المتجلية منها فإنه نظر شهودي وعلم

حضوري .

والتصديق الفكري يحتاج في تحققه إلى نظم الأقيسة واستعمال البرهان ، وهو

باق ما دام الانسان متوجها إلى مقدماته غير ذاهل عنها ولا مشتغل بغيرها ، ولذلك

يزول العلم بزوال الاشراف على دليله وتكثر فيه الشبهات ويثور فيه الاختلاف .

وهذا بخلاف العلم النفساني بالنفس وقواها وأطوار وجودها فإنه من العيان ،

‹ صفحة 58 ›

فإذا اشتغل الانسان بالنظر إلى آيات نفسه وشاهد فقرها إلى ربها وحاجتها في

جميع أطوار وجودها ، وجد أمرا عجيبا ، وجد نفسه متعلقة بالعظمة والكبرياء

متصلة في وجودها وحياتها وعلمها وقدرتها وسمعها وبصرها وإرادتها وحبها

وسائر صفاتها وأفعالها ، بما لا يناهى بهاء وسناء وجمالا وجلالا وكمالا من الوجود

والحياة والعلم والقدرة وغيرها من كل كمال ) ( 1 ) .

وقال صدر المتألهين في شرح أصول الكافي ( شرح الحديث العاشر ) :

( اعلم أن العلم بالأشياء الجزئية على وجهين :

أحدهما : ان يعلم الأشياء من الأشياء ، بحس أو تجربة أو سماع خبر أو شهادة

أو اجتهاد ، ومثل هذا العلم لا يكون إلا متغيرا فاسدا محصورا متناهيا غير محيط ،

فإنه يلزم ان يعلم في زمان وجودها علما ، وقبل وجودها علما آخر ، ثم بعده علما

آخر .

فإذا سئل العالم بهذا العلم عن حادث ما ، كالكسوف مثلا حين وجوده يجيب

بجواب فيقول مثلا : انكسفت الشمس ، وإذا سئل عنه قبل حدوثه يجيب بجواب آخر

فيقول : سيكون الكسوف ، ثم إذا سئل بعده فيقول : قد كان الكسوف . فعلمه بشئ

واحد تارة كان وتارة كائن وتارة سيكون ، فيتغير علمه .

ومثل هذا العلم الانفعالي متغير فاسد ليس بيقين إذ العلم اليقيني ما لا يتغير

أصلا .

وثانيهما : أن لا يعلم الأشياء من الأشياء ، بل يعلم بمباديها وأسبابها ، فيعلم

أوائل الوجود وثوانيها ، وهكذا إلى أن ينتهي إلى الجزئيات ، علما واحدا وعقلا

بسيطا محيطا بكليات الأشياء ، وجزئياتها على وجه عقلي غير متغير ، فمن عرف

المبدأ الأول بصفاته اللازمة وعرف انه مبدأ كل وجود وفاعل كل فيض وجود

عرف أوائل الموجودات عنه ، وما يتولد عنها على الترتيب السببي والمسببي ، كما

‹ صفحة 59 ›

يتولد مراتب العدد من الواحد على الترتيب ، وما من شئ من الأشياء يوجد إلا

وقد صار من جهة ما يكون واجبا بسببه وسبب سببه إلى أن ينتهي إليه تعالى .

فيكون هذه الأسباب بمصادماتها تتأدى إلى أن يوجد عنها الأمور الجزئية ) ( 1 ) .

فتحصل : ان العلم الحصولي الكسبي علم بظواهر الأشياء وجزئياتها من

طريق نفس الأشياء يتغير ولا يفيد اليقين ، وهذا العلم يتنزه عنه الأولياء فضلا عن

آل محمد ( عليهم السلام ) .

وان العلم الشهودي الحضوري علم بواقع الأشياء وأسبابها - والذي يغني

عن العلم بجزئياتها - وانه هو علم الأولياء فضلا عن أولي الأمر من آل محمد ( عليهم السلام ) .

وآثار هذا العلم إضافة إلى أنها شهودية لعين الواقع وصقع الأمر ، أنه يؤهل

العالم به أن يطلع على أسرار الكون والملكوت ، ويعطيه الأهلية لقدرة التصرف فيه ،

منتظرا منح القدرة من الله العزيز المتعال .

قال الإمام الغزالي بعد تعريف الوحي والإلهام والعلم الحاصل منهما : ( والعلم

الحاصل عن الوحي يسمى علما نبويا ، والذي يحصل عن الإلهام يسمى علما لدنيا ،

والعلم اللدني هو الذي لا واسطة في حصوله بين النفس وبين الباري ، وانما هو

كالضوء من سراج الغيب يقع على قلب صاف فارغ لطيف ، وذلك أن العلوم كلها

حاصلة معلومة في جوهر النفس الكلية الأولى ، الذي هو في الجواهر المفارقة

الأولية المحضة بالنسبة إلى العقل الأول كنسبة حواء إلى آدم ( عليه السلام ) .

وقد بين ان العقل الكلي أشرف وأكمل وأقوى وأقرب إلى الباري تعالى من

النفس الكلية ، والنفس الكلية أعز وألطف وأشرف من سائر المخلوقات ، فمن إفاضة

العقل الكلي يتولد الإلهام ( كذا - والصحيح الوحي ) ومن اشراق النفس الكلية

يتولد الإلهام ، فالوحي حلية الأنبياء ، والإلهام زينة الأولياء ( 2 ) .

‹ صفحة 60 ›

وقال القسطلاني : والعلم اللدني الرحماني هو ثمرة العبودية والمتابعة لهذا النبي

الكريم عليه أزكى الصلاة وأتم التسليم ، وبه يحصل الفهم في الكتاب والسنة بأمر

يختص به صاحبه ، كما قال علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) وقد سئل : هل خصكم رسول

الله ( صلى الله عليه وآله ) بشئ دون الناس ؟

فقال : " لا ، إلا فهما يؤتيه الله عبدا في كتابه " ( 1 ) .

وقال الفيض الكاشاني : وليعلم ان علوم الأئمة ( عليهم السلام ) ليست اجتهادية ولا

سمعية أخذوها من جهة الحواس ، بل لدنية أخذوها من الله سبحانه ببركة متابعة

النبي ( صلى الله عليه وآله ) ( 2 ) .

‹ صفحة 61 ›

العلم الإرادي

الاحتمال الثالث : ان علم آل محمد ( عليهم السلام ) علم إرادي .

ويراد به ان علم آل محمد ( صلى الله عليه وآله ) متوقفا على إرادتهم لهذا العلم متى احتاجوا

إليه ، وهذا ليس علما كسبيا لأنه لا يحتاج إلى التكسب ، وليس علما للأشياء من

الأشياء ، انما هو علم منوط بإرادة ومشيئة كل إمام ، وهذا هو فرقه عن العلم اللدني

إذ ليس علم الإمام حاضرا في كل آن آن .

ويدل على هذا الاحتمال عدة روايات :

منها ما عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) : " ان الإمام ( عليه السلام ) إذا شاء أن يعلم اعلم " ( 1 ) .

وفي رواية : " إذا شاء أن يعلم علم " ( 2 ) .

وفي ثالثة عن عمار الساباطي : سألت أبا عبد الله ( عليه السلام ) عن الإمام يعلم الغيب

؟

فقال : " لا ، ولكن إذا أراد أن يعلم الشئ أعلمه الله ذلك " ( 3 ) .

ونحوها ذلك من الروايات ( 4 ) .

وقد تقدم في الكتاب الأول روايات : " قلوبنا أوعية لمشيئة الله فإذا شاء

شئنا " ( 5 ) .

الخالية عن باب العلم .

‹ صفحة 63 ›

* تمحيص الاحتمالات

اما الاحتمال الأول : فأولا يكفي لسقوطه معارضة الاحتمال الثاني والثالث له

بل ونفيه .

ثانيا : تقدم في الدليل العقلي أن العلم الكسبي لا يليق بالامام المعصوم

المفترض الطاعة ، بل قد يعد نقصا ، وذلك لعدم افادته اليقين القطعي .

ثالثا : لا يتناسب مع حالات آل محمد المختلفة زمانا ومكانا ، ذلك أن العلم

الكسبي يحتاج إلى الزمان والمكان ، بل هو خاضع في كثرته وقلته لهما ، فالزمان الذي

قضاه أمير المؤمنين في التعلم من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أو من القرآن أكثر من الزمان

الذي قضاه الحسن والحسين ( عليهما السلام ) ، وهكذا في باقي الأئمة ( عليهم السلام ) ، والمسألة أوضح في

خاتم الأئمة الحجة القائم ( عليه السلام ) .

فروايات الازدياد ان كان المراد منها زيادة التكسب ، فإنها تجعل التفاوت

بين علم النبي والأئمة ( عليهم السلام ) أو هم فيما بينهم ، وتقدم انهم سواء .

على أن ذلك ينافي أصل علم الأئمة ( عليهم السلام ) حيث إن بعض الأئمة - على الأقل -

كان منذ صغره يعلم علم ما كان وما يكون ، كما روي عن حذيفة قال : سمعت

الحسين ابن علي ( عليهما السلام ) يقول : " والله ليجتمعن على قتلي طغاة بني أمية ويقدمهم عمر

بن سعد ، وذلك في حياة النبي ( صلى الله عليه وآله ) " .

فقلت له : أنبأك بهذا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ؟

قال ( عليه السلام ) : " لا " .

قال : فأتيت النبي فأخبرته .

فقال ( صلى الله عليه وآله ) : " علمي علمه وعلمه علمي ، لأنا نعلم الكائن قبل كينونته " ( 1 ) .

والروايات كثيرة في ذلك يأتي بعضها .

وعليه : فروايات الازدياد لابد أن تفسر :

‹ صفحة 64 ›

اما بأن الإمام يريد أن يبين ارتباطه بالله أو بالعرش - على حسب لسانها -

وان علمه من علم الله تعالى .

واما يريد ( عليه السلام ) أن يخبر عن حالاته الغيبية مع الله تعالى ولقائه رسول

الله ( صلى الله عليه وآله ) وعن عروجه إلى العرش .

واما كون الإمام في مجلس لا يستطيع أن يصرح بأكثر من ذلك اما للتقية واما

لتفاوت أصحابه - كما يأتي توضيحه - .

هذا ، ويمكن من بعض ألسنتها جعلها دليلا على العلم اللدني ، وذلك أن

الازدياد يرجع في الواقع إلى العطاء المباشر من الله تعالى ، خاصة في الرواية التي

عبرت عن العلم المستفاد " بالعلم الخاص المكنون العجيب " .

نعم تبقى مسألة تكرار العروج إلى الله للازدياد وأنه كل ليلة جمعة ، الذي

ظاهره التعلم التدريجي ، ولكن يجاب عنه بما تقدم أنه للتأكيد على ارتباط آل

محمد ( عليهم السلام ) بالعرش وأن علمهم من الله تعالى مباشرة .

على أنه لو صح لكان غير مضر ، لان العروج وان كان ظاهره التدرج ، إلا

أنه في النهاية علم من الله تعالى وعلم الله ليس كسبيا .

وأما روايات أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : " علمني رسول الله ألف باب " فإنها كانت

في مقام تبيين انه أعلم من الخلفاء ، وانه أقرب منهم إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) وكان يغذيه

بالعلم .

واما تحمل على عدم تحمل الناس لأكثر من ذلك ، خاصة وان أمير

المؤمنين ( عليه السلام ) مع كل هذه التصريحات وان علمه من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ادعوا له

الربوبية .

هذا ويمكن تفسير هذه الروايات لتدل على العلم اللدني أيضا ، وإليه أشار

الإمام الغزالي ، قال : ( وقال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) " ان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أدخل لسانه

في فمي فانفتح في قلبي ألف باب من العلم وفتح لي من كل باب ألف باب " .

وهذه المرتبة لا تنال بمجرد التعلم ، بل يتمكن المرء في هذه المرتبة بقوة العلم

اللدني ، وكذا قال ( عليه السلام ) لما حكى عن عهد موسى ( عليه السلام ) ان شرح كتابه كان أربعين

‹ صفحة 65 ›

حملا : " لو اذن الله تعالى ورسوله ( صلى الله عليه وآله ) لأشرح في شرح الفاتحة حتى يبلغ أربعين

وقرا " .

قال : وهذه الكثرة والسعة والافتتاح في العلم لا يكون إلا من لدن إلهي

سماوي ) ( 1 ) .

خاصة بعد ملاحظة انه ورد الحديث ومن طرق بلفظ : " علم رسول الله ( صلى الله عليه وآله )

عليا حرفا يفتح ألف حرف كل حرف منها يفتح ألف حرف " ( 2 ) .

وفي رواية : " علم رسول الله عليا كلمة تفتح ألف كلمة " ( 3 ) .

فهذا يدل على أنه ليس حصوليا .

اما الاحتمال الثالث : فإنه يكفي ما تقدم من أدلة في الاحتمال الثاني لرده أو

تأويله وذلك :

ان آل محمد ( عليهم السلام ) وبسبب الغلو فيهم أو بسبب الحفاظ على شيعتهم ، لم

يكونوا يصرحون بكل العلوم التي كانوا يعلمونها إلا في المجالس الخاصة ، كما تقدم

عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) عندما قال : " علينا عين " .

فقلنا : ليس علينا عين .

فقال : " ورب الكعبة ورب البنية لو كنت بين الخضر وموسى لأخبرتهما اني

أعلم منهما ولأنبئهما بما ليس في أيديهما " ( 4 ) .

وفي رواية طويلة تقدم طرفها قال فيها الإمام الصادق ( عليه السلام ) : " يا عجبا

لأقوام يزعمون انا نعلم الغيب ، ما يعلم الغيب إلا الله ، لقد هممت بضرب جاريتي

فلانة فهربت مني فما علمت في أي بيوت الدار هي " .

‹ صفحة 66 ›

قال سدير : فلما ان قام عن مجلسه صار في منزله وأعلمت دخلت أنا وأبو

بصير وميسر وقلنا له : جعلنا الله فداك سمعناك أنت تقول كذا وكذا في أمر خادمتك ،

ونحن نزعم انك تعلم علما كثيرا ، ولا ننسبك إلى علم الغيب ( 1 ) .

وذكر لهم الحديث المتقدم في مطلع الطائفة السابعة من القسم الثاني من الأدلة

التكوينية ، كيف انه يعلم الكتاب كله وانه أعلم من آصف .

وفي رواية قال ( عليه السلام ) : " اني لأعلم ما في السماوات وما في الأرض ، وأعلم ما

في الجنة وأعلم ما في النار ، وأعلم ما كان وما يكون " .

قال : ثم مكث هنيئة فرأى أن ذلك كبر على من سمعه منه .

فقال : " علمت ذلك من كتاب الله " ( 2 ) .

ونحو ذلك من الروايات كثير ( 3 ) .

هذا ويكمن أن يقال : أن روايات توقف علم الإمام على المشيئة ترجع إلى

الاحتمال الثاني أيضا ، لأنها ليست في صدد نفي العلم اللدني للإمام ولا سلب العلم

عن الإمام في بعض الأزمنة ، انما هي بصدد تبيين غزارة علمهم وانه لا يخفى عليهم

شئ في السماوات والأرض ، وانهم يعلمون كل شئ متى أرادوا .

وإن شئت قلت : آل محمد في عيش دائم مع الله ، وإرادتهم دوما مع الله تعالى ،

ولا تفكر إلا بالله وآياته وعباداته ، فلا بد للإمام أن لا يخرج عن هذا العيش إلا

للضرورة - كما تقدم - فإذا احتاج إلى علم ما لحل خصومة أو نحو ذلك استدعى

علمه المخزون بإرادته ومشيئته .

وهذا لا يستلزم النقص ، لأنه انما غاب عن هذه العلوم ( علوم تصريف

الأمور ) للانشغال بعلوم أفضل وأشرف ، لأن عيش الإمام مع الله هو التفكر في

آياته وعلم الله والعلم بصفاته وأسمائه ، وهذا أشرف العلوم وأكملها .

‹ صفحة 67 ›

وعليه : فهذا تفصيل بين علمين للامام : علم لا ينفك عن الإمام ، وهو العلم

الشريف بالله وبآياته ، وليس مربوطا بالإرادة بل إرادة الإمام كلها متجهة لهذا

العلم تستدعيه في كل آن آن ، وتعيشه لحظة بعد أخرى .

وعلم لا يرتبط بهذا الأمر ، بل يرتبط بتصريف أمور الملك والخلافة لعامة

الناس ، فان هذا العلم يستدعيه الإمام وقت الحاجة ، وهو المتوقف على الإرادة

بهذا المعنى .

على أن توقف علم الإمام على الإرادة إذا فسر بما لا يرجع للعلم اللدني ، فإنه

يستلزم النقص على الإمام ، لأنه في حالة عدم إرادته للعلم يكون جاهلا والعياذ

بالله ، ويكون غيره في تلك الفترة أعلم منه ، ولو بالنسبة ، فتأمل .

أو لا أقل يوجب عدم الكمال ، ذلك لما تقدم من أدلة عقلية على العلم اللدني

وأنه أكمل للامام وأقرب للطف .

‹ صفحة 69 ›

شبهات حول العلم اللدني

* شبهات حول العلم اللدني

اعترض على العلم اللدني لآل محمد ( صلى الله عليه وآله ) ببعض الآيات والروايات .

أما الآيات ، فبقوله تعالى :

1 - * ( وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ) * * ( لو كنت أعلم الغيب

لاستكثرت من الخير ) * * ( قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا

أقول لكم اني ملك ان اتبع ما يوحى إلي ) * * ( قل لا يعلم من في السماوات والأرض

الغيب إلا هو ) * ( 1 ) * ( لا يحيطون بشئ من علمه إلا بما شاء ) * ( 2 ) .

2 - * ( سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله ) * ( 3 ) .

3 - * ( ومن حولك من الأعراب رجال منافقون ومن أهل المدينة مردوا على

النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم ) * ( 4 ) .

4 - * ( ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان ) * ( 5 ) .

5 - * ( قل انما أنا بشر مثلكم يوحى إلي انما إلهكم إله واحد ) * ( 6 ) .

6 - * ( لا تحرك به لسانك لتعجل به ) * ( 7 ) * ( ولا تعجل بالقرآن من قبل أن

يقضى إليك وحيه ) * ( 8 ) .

ومن الروايات :

1 - ما تقدم من قول الإمام الصادق ( عليه السلام ) : يا عجبا لأقوام يزعمون انا نعلم

الغيب . ونحوها من الروايات النافية للغيب .

‹ صفحة 70 ›

2 - ما ورد في سهو النبي ( صلى الله عليه وآله ) ونومه عن صلاة الصبح .

3 - ما ورد في اقدامهم على القتل وشرب السم .

4 - ما ورد في نفي الغلو عنهم وتقريع القائل به .

5 - ما ورد في أفعال الأئمة الظاهرية كبقية الناس .

رد الشبهات

اما الآيات : فيجاب عن الجميع أولا : بأن هناك كثير من الآيات القرآنية

نزلت من باب ( إياك أعني واسمعي يا جارة ) سواء التي ذكرت في باب العلم كالمتقدم

منها ، أم التي وردت في مختلف المواضيع ، وإليك نموذجا منها :

قوله تعالى : * ( انا وإياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين ) * ( 1 ) .

ونقطع ان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وحده على الهدى والكفار على الضلال ، كما بينته

كثير من الآيات .

إلا أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أراد مجاراة الكفار لمصلحة ما .

وقوله تعالى : * ( ما كنت بدعا من الرسل وما أدري ما يفعل بي ولا بكم ) * ( 2 ) .

ولا يشك مؤمن ان النبي ( صلى الله عليه وآله ) يدري ما يفعل به بل الآيات الأخرى

مصرحة بذلك ، ونحن ندري ما يفعل بهم أيضا .

وقوله تعالى : * ( فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فسأل الذين يقرءون

الكتاب من قبلك ) * ( 3 ) .

ولا يتوهم مسلم ان النبي ( صلى الله عليه وآله ) شك في يوم من الأيام ، وأين قوله تعالى : * (

هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ) * ( 4 ) .

‹ صفحة 71 ›

ثانيا : فرق بين النبي الأعظم ( صلى الله عليه وآله ) وبين آل محمد ( عليهم السلام ) وذلك لكون زمن

النبي ( صلى الله عليه وآله ) زمن تأسيس الاسلام وتركيز دعائمه الأساسية وهم قريبوا عهد

بالجاهلية ، ويدل عليه ما روي عن الإمام الكاظم ( عليه السلام ) قال : " ان علي بن

الحسين ( عليهما السلام ) كان يقرأ القرآن فربما مر المار فصعق من حسن صوته ، وان الإمام لو

أظهر من ذلك شيئا لما احتمله الناس " .

قيل له : ألم يكن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يصلي بالناس ويرفع صوته بالقرآن ؟ .

فقال ( عليه السلام ) : " ان رسول الله كان يتحمل من خلفه ما يطيقونه " ( 1 ) .

ورواه الكليني بسند آخر ( 2 ) .

* ويجاب عن الآيات الأولى النافية لعلم الغيب : بأنه لا يراد اثبات علم

الغيب لآل محمد ( عليهم السلام ) بالاستقلال أو بعرض علم الله تعالى الغيبي ، فان المنفي من

الآيات هو علم الغيب الذي يكون بعرض علم الله تعالى ، لذا قال تعالى : * ( عالم

الغيب فلا يظهر على غيبه أحد إلا من ارتضى من رسول ) * ( 3 ) .

وقال : * ( لا يحيطون بشئ من علمه إلا بما شاء ) * ( 4 ) .

فالآيات لا تنفي أن يمنح ويمن الله عز وجل بعلمه كله أو بعضه على من يشاء

كيفما يشاء وأينما يشاء ، انما هي تنفي الغيب الذي يؤدي بصاحبه إلى الألوهية أو

الشريك لله .

وتقدم الكلام في ذلك في الكتاب الأول في الولاية التكوينية .

وسوف يأتي زيادة توضيح عند ذكر الآيات الدالة على علم للنبي

الأعظم ( صلى الله عليه وآله ) للغيب .

* ويجاب عن الآية الثانية : انها عامة لكل الناس انما خوطب النبي بها لأنه

القارئ الأول للقرآن ، والمعني بمسألة القرآن أكثر من غيره ، وإلا فرسول الله مطهر

‹ صفحة 72 ›

من هذه النواقص بآية التطهير .

على أن الآية تثبت عدم نسيان النبي للقرآن ، والاستثناء ليس اثبات لنسيانه

انما هو لبقاء قدرة الله على اطلاقها ، نظير قوله تعالى في أهل الجنة : * ( خالدين فيها ما

دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ ) * ( 1 ) .

* ويجاب عن الآية الثالثة : بحملها على أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) بالاستقلال لا يعلم

المنافقين ، فالله يريد أن ينفي علم النبي بالمنافقين بعرض علمه تعالى ، اما ان الله

أعلمه بأسمائهم فالآية لا تنفيه ، بل هو مثبت بآيات أخرى وأحاديث متعددة ،

وكيف لا يعلم النبي ( صلى الله عليه وآله ) بالمنافقين ، وكان يعلم خبر السماء والأرض ؟ !

وكيف لا يعلمهم وكان بعض صحابته يعلمهم كما هو معروف عن حذيفة ( 2 )

؟ !

هذا إضافة إلى تصريح أهل البيت ( عليهم السلام ) بعلمهم التفصيلي للمنافقين ظاهرهم

وباطنهم ( 3 ) .

ومعلوم ان ما علمه الأئمة ( عليهم السلام ) علمه الرسول ( صلى الله عليه وآله ) بالأولوية وقد تقدم

قريبا أن علمه علمهم ( عليهم السلام ) .

* ويجاب عن الآية الرابعة : بأنها واضحة في إرادة التفريق بين حالتين ،

الحالة الأولى قبل إعطاء الله الروح الآمرية ، والحالة الثانية بعد هذا العطاء ، لذا جاء

قوله تعالى : * ( وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ) * قبل هذه الآية .

نعم الآية لا تشير إلى زمن اعطائه الروح الآمرية قبل النبوة أم بعدها وتقدم

مفصلا أنها قبل النبوة ، بل في عالم الأنوار والأظلة .

ويجاب عن الآية الخامسة : أنها متعلقة بقول الكافرين : * ( قلوبنا في أكنة مما

تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ) * فكأن الكفار حاولوا أن يعتذروا من الايمان بأننا لا

‹ صفحة 73 ›

نفهم ما تقول ، فجاء الجواب : انما أنا بشر ، أتكلم بنفس الكلام الذي تتكلمون فيه

وبنفس المنطق ، وما أخبركم به ليس من عندي انما هو من عند الله تعالى .

وكونه بشرا لا ينافي اعطائه العلم اللدني ، لذا كان أمير المؤمنين يصرح بذلك

فيقول : " أنا بشر مثلكم أجرى الله على يدي المعاجز " ( 1 ) .

* ويجاب عن الآية السادسة : بما فسرها الإمام الباقر ( عليه السلام ) بقوله : * ( لا

تحرك به لسانك لتعجل به ) * فالذي أبداه فهو للناس كافة ، والذي لم يحرك به لسانا

أمر الله تعالى أن يخصنا به دون غيرنا ، فلذلك كان يناجي به أخاه عليا دون

أصحابه " ( 2 ) .

فتكون الآية مؤيدة للعلم اللدني لا نافية له .

قال الشيخ الطبرسي في الآية : لا تحرك به لسانك لتعجل قراءته بل كررها

عليهم ليتقرر في قلوبهم فإنهم غافلون عن الأدلة ، ألهاهم حب العاجلة فاحتاجوا

إلى زيادة تنبيه وتقرير ( 3 ) .

على أن الآية ظاهرة في علم النبي ( صلى الله عليه وآله ) للقرآن قبل تعليم جبرائيل له ، كما

يأتي تفصيله في آية : * ( ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه ) * ( 4 ) .

في الترجيح بين الطوائف العشرة فارتقب ( 5 ) .

* اما الروايات :

فالرواية الأولى وأمثالها النافية لعلمهم للغيب واضحة انها كانت تريد أن ترد

على الغلاة ، فهم ينفون الغيب المساوق للغلو ، لا علم الغيب الذي يكون من الله

تعالى .

‹ صفحة 74 ›

على أن الروايات هذه تحمل - كما تقدم - على اختلاف مستوى الصحابة ، فلم

يكونوا يستطيعون التصريح بكل ما يعلمون ، وقد تقدم توضيح ذلك قريبا .

- اما الطائفة الثانية : وهي روايات نسيان النبي ونومه عن صلاة الصبح ،

فردها من أمور :

أولا : ان هذه الروايات وان كان بعضها مرضي السند ، إلا أن القطع بصحتها

مشكل ، مع ما ورد من طوائف من الروايات تؤكد عصمة آل محمد عن الخطأ ،

وتثبت لهم العلم بكل الأحكام الشرعية ، وان علمهم سواء فيه ، ولا تستثنى

النسيان لمصلحة ما ، كالتعليم وعدم الغلو وما شابه ذلك من أسباب النسيان .

ثانيا : اثبات النسيان للنبي ( صلى الله عليه وآله ) أو لآل محمد ( عليهم السلام ) ينافي مضمون آية

التطهير وآية : * ( وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ) * فمن أثبت النسيان

لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقد أثبته على الوحي الموحي إليه من الله تعالى بنص هذه الآية .

ثالثا : إثبات النسيان أو ترك الصلاة الواجبة فيه نوع شين ونقص عند العرف

العام والخاص ، فأهل الصلاة في كل عصر ومكان إذا ناموا عن صلاة الصبح

يعتبرون أنفسهم مذنبين مقصرين ، ويستغفروا الله ويعتبروا ان الشيطان بال في

آذانهم - كما في بعض الروايات - ( 1 ) .

وإذا سئل البعض يحاول اخفاء هذا الأمر حياء لما فيه من المنقصة والمهانة

بترك الواجب ، وهذا شئ مسلم ، ومن ينكر ذلك فعليه أن يجرب وينام عن صلاته

ثم يعرضها أمام الناس .

فكيف يريدونا أن نتعقل ذلك في نبينا نبي الهدى وآل بيته الأطهار المصطفين

الأخيار .

ولمن أراد مزيد بيان فليراجع رسالة الشيخ المفيد ( قده ) في عدم سهو

‹ صفحة 75 ›

النبي ( صلى الله عليه وآله ) ( 1 ) .

رابعا : إن اثبات السهو أو الاسهاء يبطل نبوة النبي الأعظم وإمامة الأئمة

الطاهرين ( عليهم السلام ) ، ذلك أن النبي والإمام يجب أن يكون أفضل وأعلم الموجودين في

كل أمر أمر وفي طيلة نبوته وإمامته ، ولو وجد من هو أفضل منه للحظة واحدة ،

لوجب عقلا وشرعا أن يكون هو النبي والإمام دونه . وعليه فإذا ثبت السهو على

النبي والإمام ( عليهما السلام ) فإنه في تلك الفترة الزمنية غيره أفضل منه في صلاته مثلا ، لعدم

صدق السهو في حقه .

ان قيل : المعتبر في الأفضلية على نحو المجموع .

قلنا : إن تعقلنا ذلك في غير المعصوم ، فانا لا نحتمله فيه ( عليه السلام ) ، ذلك لما حققناه

مفصلا في النص على أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ( 2 ) ، من أن الأفضل أفضل في كل شئ ، ففي

العلم يجب أن يكون أعلم الناس ، وفي الفقه أفقه الناس ، وفي السياسة أسيس

الناس ، وفي القضاء أقضى الناس ، وهكذا في بقية صفات التفاضل ، كما يأتي مفصلا .

* وقد سمعت من بعض مراجع التقليد انه كان يتوقف في استمرار مرجعيته

على الناس فيما لو دخل في الغيبوبة أو الاغماء المتعمد منه ، كمرحلة العلاج وغير

المتعمد . مع أن العرف قد يتساهل في هذه اللحظات .

خامسا : مسألة الاسهاء وهي ان النبي ( صلى الله عليه وآله ) لا يسهو ، ولكن الله بقدرته

أسهاه ، فهي وان كانت أقل محذور من السهو ، إلا أنها أيضا بالنتيجة تؤدي لان

يكون النبي ( صلى الله عليه وآله ) نام عن صلاته الواجبة ، واحتاج إلى من يذكره في صلاته .

على أن الله عزت آلاؤه كيف يتعقل انه من أجل نفي الغلو عن النبي أو من

أجل مصلحة التشريع ، يفرض على نبيه ( صلى الله عليه وآله ) المختار أفضل المخلوقين ترك واجب

يورث عليه النقص أو لا أقل عدم الكمال ، ويعد عند الناس من المعاصي الكبيرة ،

‹ صفحة 76 ›

وهل يعبد الله من حيث يعصى ! ؟

سادسا : ان الإمام لا يحتاج إلى أحد ، بل كل الناس محتاجة إليه ، سواء في

الأمور الدينية أم الدنيوية ، أما الدينية فلوضوح اشتراط الاخلاص في الأعمال

العبادية خاصة من آل محمد ( عليهم السلام ) ، وقد حكم البعض ببطلان الوضوء إذا كان

بمساعدة الغير .

واما الدنيوية فللنهي الوارد من أهل البيت ( عليهم السلام ) في الاعتماد على غير الله ،

لأن الاستعانة بالغير في الأمور الدنيوية تنافي التوكل على الله من أئمة المسلمين .

على أن الحاجة للناس تجعل صاحب الحاجة مفضولا في مقابل الفاعل .

وقد أنبى الله نبيه يوسف ( عليه السلام ) عندما قال لرفيق سجنه : * ( اذكرني عند

ربك ) * ( 1 ) أي سيدك .

هذا وقال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : " ان عندنا ما لا نحتاج إلى الناس وان الناس

ليحتاجون إلينا " ( 2 ) .

وعليه فإذا قلنا بسهو أو اسهاء النبي والإمام لاحتاجا إلى من يذكرهما

بصلاتهما وأفعالهما ، ولذهب الوثوق بصحة صلاتهما ، لاحتمال أن كل صلاة يؤدينها

يحتمل فيها السهو والغلط ، وكفى بذلك منقصة أو عدم كمال .

سابعا : أنه وردت روايات كثيرة ان الإمام لا يسهو ولا ينسى ، كالمروي عن

الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : " قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : والإمام المستحق للإمامة له

علامات : فمنها أن يعلم انه معصوم من الذنوب كلها صغيرها وكبيرها لا يزل في

الفتيا ، ولا يخطئ في الجواب ولا يسهو ولا ينسى " ( 3 ) .

ثامنا : اثبات السهو على الإمام يعني عدم علم الإمام بما يأتي به ، وهو ينافي

‹ صفحة 77 ›

ما تقدم وما يأتي من سعة علمه وشموله لكل شئ ، وما ورد من روايات تثبت

السهو لا تقوم في مقابل تلك الروايات المستفيضة .

- اما الرواية الثالثة : وهي روايات اقدامهم على القتل وتناول السم ، وهذا لا

ينافي علمهم اللدني ، إذ وردت طائفة من الروايات تثبت علمهم الاجمالي

والتفصيلي بموتهم ( 1 ) ، وسوف نذكر بعضها في الخاتمة .

بل هو يؤكد علمهم اللدني ، نعم يبقى محذور اقدامهم مع العلم ، وجوابه

الاجمالي انهم كانوا يخيرون بين البقاء في عالم المادة والهداية ، وبين العروج إلى

القرب المطلق من الله .

وإن شئت قلت : بين الصعود والنزول ، فكانوا يختارون العروج والصعود إلى

القرب المطلق ، لأنه أقرب إلى واقعهم وحالاتهم .

ولك أن تدعي ان مهمة الإمام المعصوم كانت هداية البشر - وتقدم ان سبب

نزولهم إلى عالم المادة هو ذلك - ، فلما انتهت مهمة هذا الإمام اما بانتهاء مرحلته واما

لفسح المجال أمام الإمام اللاحق ، ليكمل مهمته ويعود إلى حيث أتى .

على أن الموت قد خط على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة ، فلا محال

سوف تأتي اللحظة لانتقال الإمام من حياته الدنيوية ، انما الخلاف في زمانها ، فيكون

الإمام المعصوم ولتلطف الله به قد أعطي اختيار زمان العروج .

وسوف يأتي في الخاتمة تفصيل الكلام في علم الإمام المعصوم بموته ( عليه السلام ) ورد

الشبهات فلا تغفل .

- اما الرواية الرابعة : وهي نفي الغلو وتقريع صاحبه ، فهي تجري مجرى

الرواية الأولى ، إذ من الطبيعي أن تكثر الرواية ضد من يدعي الربوبية لآل

محمد ( عليهم السلام ) ، والعلم اللدني ليس فيه ادعاء الربوبية ، بل انما قال به من قال لتنزيه آل

‹ صفحة 79 ›

محمد عن النقص ، مع اعترافه انهم عباد الله تعالى ، وانه هو الذي أعطاهم هذا العلم

الرباني .

- اما الرواية الخامسة : وهي روايات تعاملهم مع الناس كأنهم منهم ، فهذا من

باب تواضعهم مع الناس ، ومن باب عدم ادعاء الربوبية لهم أيضا .

على أن بعض التصرفات كانت واردة مورد التقية ، أو لاختلاف مستوى

صحابتهم كما تقدم مرارا .

منبع ومصدر حصول علم آل محمد ( عليهم السلام )

الجهة الرابعة :

منبع ومصدر حصول علم آل محمد ( عليهم السلام )

والروايات في ذلك على عدة ألسنة ظاهر أكثرها التنافي وينظمها طوائف :

* الطائفة الأولى :

ما دل أن مصدر علمهم القرآن والكتاب

فعن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : " والله اني لأعلم ما في السماوات وما في الأرض ،

وما في الجنة وما في النار ، وما كان وما يكون إلى أن تقوم الساعة ، ثم قال : اعلمه

من كتاب انظر إليه هكذا ، ثم بسط كفيه ثم قال : إن الله يقول : * ( انا أنزلنا إليك

الكتاب فيه تبيان كل شئ ) * ( 1 ) .

وفي رواية أخرى قال ( عليه السلام ) : " اني لأعلم ما في السماوات وأعلم ما كان وما

يكون " .

ثم مكث هنيئة ، فرأى أن ذلك كبر على من سمعه فقال ( عليه السلام ) : " علمته من

كتاب الله ، ان الله يقول * ( فيه تبيان كل شئ ) * " ( 2 ) .

‹ صفحة 80 ›

وتقدم نحو هذه الروايات .

* أقول : سوف يأتي في الطائفة الخامسة ان عندهم الجامعة ، وفيها كل ما

يحتاج إليه الناس إلى يوم القيامة ، وأن عندهم مصحف فاطمة ( 1 ) .

وفي رواية عنها ( عليها السلام ) : وليس من قضية إلا وهي فيها ( 2 ) .

‹ صفحة 81 ›

* الطائفة الثانية :

ان علمهم من ليلة القدر

فعن أبي عبد الله ( عليه السلام ) في حديث جاء فيه : " فإذا كانت ليلة ثلاثة وعشرين

فيها يفرق كل أمر حكيم ، ثم ينهى ذلك ويمضي " .

قلت : إلى من ؟

قال : " إلى صاحبكم ، ولولا ذلك لم يعلم ما يكون في تلك السنة " ( 1 ) .

وعنه ( عليه السلام ) قال : " ان الله يقضي فيها مقادير تلك السنة ثم يقذف به إلى

الأرض " .

فقلت : إلى من ؟

فقال لي : " من ترى يا عاجز " ( 2 ) .

وفي رواية : " كتب الله فيها ما يكون " ( 3 ) .

ونحو ذلك من الروايات ( 4 ) .

‹ صفحة 83 ›

* الطائفة الثالثة :

ان علمهم من عامود النور

فعن أبي عبد الله الصادق ( عليه السلام ) : " ان لله عامودا من نور حجبه الله عن جميع

الخلائق طرفه عند الله وطرفه الآخر في اذن الإمام ، فإذا أراد الله شيئا أوحاه في إذن

الإمام " ( 1 ) .

وفي رواية إذا أراد الإمام ( 2 ) .

وفي حديث : " إذا شب ( الإمام ) رفع الله له عمودا من نور يرى فيه الدنيا وما

فيها لا يستر عنه منها شئ " ( 3 ) .

وعن الإمامين الهادي والعسكري ( عليهما السلام ) : " إذا ولد رفع له عامود من نور في

كل مكان ينظر فيه الخلائق وأعمالهم " ( 4 ) .

وفي أخرى : " إذا وقع إلى الأرض رفع له عامود من نور يرى به أعمال

العباد " ( 5 ) .

* أقول : والروايات بنحو ذلك كثيرة فلتراجع ( 6 ) .

‹ صفحة 85 ›

* الطائفة الرابعة :

ان علمهم وراثة من رسول الله ( صلى الله عليه وآله )

فعن أبي جعفر ( عليه السلام ) في حديث عن علم الإمام علي ( عليه السلام ) قال : " وورث علم

الأوصياء وعلم من كان قبله " ( 1 ) .

وفي حديث الإمام الصادق ( عليه السلام ) : " انا ورثنا محمدا " ( 2 ) .

وعن الإمام الرضا ( عليه السلام ) قال : " اما بعد فان محمدا كان أمين الله في خلقه فلما

قبض كنا أهل البيت ورثته ، فنحن امناء الله في أرضه ، عندنا علم البلايا والمنايا

وأنساب العرب ومولد الاسلام ، وانا لنعرف الرجل إذا رأيناه بحقيقة الإيمان وحقيقة

النفاق " ( 3 ) .

وعن أبي عبد الله ( عليه السلام ) في حديث جاء فيه : " ورب الكعبة ورب البيت -

ثلاث مرات - لو كنت بين موسى والخضر لأخبرتهما اني أعلم منهما ، ولأنبئهما بما

ليس في أيديهما ، لأن موسى والخضر أعطيا علم ما كان ولم يعطيا علم ما هو كائن

إلى يوم القيامة .

وان رسول الله أعطي علم ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة ، فورثناه من

رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وراثة " ( 4 ) .

وفي رواية مشهورة في مدح آل البيت ( عليهم السلام ) : " أعطاهم فهمي وعلمي " ( 5 ) .

وعنه في رواية : " ان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لما قبض ورث علي ( عليه السلام ) علمه وسلاحه

‹ صفحة 86 ›

وما هناك ، ثم صار إلى الحسن ، ثم صار إلى الحسين ( عليهما السلام ) ، ثم صار إلى علي بن

الحسين صلوات الله عليهم جميعا " ( 1 ) .

* أقول : الروايات في ذلك كثيرة وبمختلف المضامين ( 2 ) .

‹ صفحة 87 ›

* الطائفة الخامسة :

ان علمهم بواسطة القذف والنقر

فعن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : " ان علمنا غابر مزبور ونكت في القلوب ونقر في

الأسماع .

فقال : اما الغابر فما تقدم من علمنا ، واما المزبور فما يأتينا ، واما النكت في

القلوب فإلهام ، واما النقر في الاسماع فأمر الملك " ( 1 ) .

* أقول : رواه المفيد بتفصيل أكثر جاء فيه : " . . . واما النكت في القلوب فهو

الإلهام والنقر في الاسماع حديث الملائكة نسمع كلامهم ولا نرى أشخاصهم ، واما

الجفر الأحمر فوعاء فيه سلاح رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، ولن يظهر حتى يقوم قائمنا أهل

البيت ( عليهم السلام ) .

واما الجفر الأبيض فوعاء فيه توراة موسى وإنجيل عيسى وزبور داود وكتب

الله الأولى .

واما مصحف فاطمة ( عليها السلام ) ففيه ما يكون من حادث وأسماء كل من يملك إلى

أن تقوم الساعة .

واما الجامعة فهي كتاب طوله سبعون ذراعا إملاء رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من فلق

فيه ، وخط علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) بيده فيه والله جميع ما يحتاج الناس إليه إلى يوم

القيامة ، حتى أن فيه أرش الخدش والجلدة ونصف الجلدة " ( 2 ) .

وفي رواية عن الإمام الكاظم ( عليه السلام ) : " مبلغ علمنا على ثلاثة وجوه : ماض

وغابر وحادث ، فاما الماضي فمفسر ، واما الغابر فمزبور ، واما الحادث فقذف في

‹ صفحة 88 ›

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

حقيقة علم آل محمد (ع) وجهاته - السيد علي عاشور - ص 88 - 98

القلوب ونقر في الأسماع ، وهو أفضل علمنا ولا نبي بعد نبينا " ( 1 ) .

وعن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : قلت أخبرني عن علم عالمكم ؟

قال ( عليه السلام ) : " وراثة من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ومن علي ( عليه السلام ) " .

قال : قلت : انا نتحدث انه يقذف في قلوبكم وينكت في آذانكم .

قال : " أو ذاك " ( 2 ) .

ونحوه عن أبي جعفر ( 3 ) .

وعنه ( عليه السلام ) أنه قال : " فينا والله من ينقر في اذنه وينكت في قلبه وتصافحه

الملائكة " ( 4 ) .

وعن أبي جعفر وقد سئل عن المحدث قال : " ينكت في اذنه فيسمع طنينا

كطنين الطست ، أو يقرع على قلبه فيسمع وقعا كوقع السلسلة يقع في الطست " .

فقلت : نبي ؟

فقال ( عليه السلام ) : " لا ، مثل الخضر وذي القرنين " ( 5 ) .

وعن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : " ان منا لمن يعاين معاينة ، وان منا لمن ينقر

في قلبه كيت وكيت ، وان منا لمن يسمع كما يقع السلسلة كله يقع في الطست " .

قال : قلت : فالذين يعاينون ما هم ؟

قال : " خلق أعظم من جبرئيل وميكائيل " ( 6 ) .

وفي رواية أخرى عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) : قلت له : وكيف العلم في غيرها

أيشق القلب فيه أم لا ؟

‹ صفحة 89 ›

قال ( عليه السلام ) : " لا يشق ، لكن الله يلهم ذلك الرجل بالقذف في القلب حتى يخيل

إلى الاذن انه تكلم بما شاء الله علمه ، والله واسع عليم " ( 1 ) .

وفي حديث صحيح عن الحرث قال : قلت لأبي عبد الله ( عليه السلام ) : ما علم عالمكم

جملة يقذف في قلبه وينكت في اذنه ؟

قال : فقال : " وحي كوحي أم موسى " ( 2 ) .

* أقول : وروايات القذف والنكت كثيرة جدا وفيها الصحاح ( 3 ) .

‹ صفحة 91 ›

* الطائفة السادسة :

ان علمهم ( عليهم السلام ) بالإلهام

* أقول : تقدم في الطائفة السابقة بعض الروايات الدالة عليه .

وعن الإمام الرضا ( عليه السلام ) في حديث طويل جاء فيه : " ان العبد إذا اختاره الله

عز وجل لأمور عباده شرح صدره لذلك وادع قلبه ينابيع الحكمة ، وألهمه العلم

إلهاما فلم يعي بعده بجواب " ( 1 ) .

وعن الإمام الكاظم ( عليه السلام ) عندما سئل عن علمهم قال : " قد يكون سماعا

ويكون إلهاما ، ويكونان معا " ( 2 ) .

وعن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : " أعطاني الله خمسا وأعطى عليا خمسا - وعد منها :

" وأعطاني الوحي وأعطاه الإلهام " ( 3 ) .

وعن أبي جعفر ( عليه السلام ) : " والأوصياء قد ألهموا إلهاما من العلم علما جما ، مثل

جم الغفير " ( 4 ) .

ومن أدعية الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) : " اللهم صل على محمد وآله وألهمني

علم ما يجب لهما علي إلهاما واجمع لي علم ذلك كله تماما " ( 5 ) .

‹ صفحة 93 ›

* الطائفة السابعة :

في أنهم ( عليهم السلام ) محدثون

فعن ابن أبي يعفور قال : قلت لأبي عبد الله ( عليه السلام ) : انا نقول إن عليا لينكت في

قلبه أو ينقر في صدره واذنه ؟

قال ( عليه السلام ) : " ان عليا كان محدثا " .

قال : فلما أكثرت عليه قال ( عليه السلام ) : " ان عليا يوم بني قريظة وبني النضير كان

جبرائيل عن يمينه وميكائيل عن يساره يحدثاه " ( 1 ) .

ورواه المفيد بلفظ : " ولما رآني قد كبر علي قوله قال . . . " ( 2 ) .

* أقول : نزول جبرائيل وميكائيل على الإمام علي ( عليه السلام ) في كل الحرب من

الأمور المتواترة ، خاصة من حديث الإمام الحسن ( عليه السلام ) عند خطبته بعد استشهاد

أمير المؤمنين ( عليه السلام ) كما يأتي في الطائفة الثامنة .

وقال الإمام الحسين ( عليه السلام ) : " ما ضرب أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بسيفه ذي الفقار

أحدا فنجا ، وكان إذا قاتل ، قاتل جبرائيل عن يمينه وميكائيل عن يساره وملك

الموت بين يديه " ( 3 ) .

وعن أبي جعفر ( عليه السلام ) : " ان عليا والحسن كانا محدثين " ( 4 ) .

وفي رواية : " عليا والحسن والحسين " ( 5 ) .

‹ صفحة 94 ›

وفي رواية زاد : " وفاطمة كانت محدثة " ( 1 ) .

* أقول : الرواية مستفيضة في كون علي محدثا ( 2 ) .

وفي الحديث الصحيح عن أبي الحسن ( عليه السلام ) : " الأئمة علماء صادقون مفهمون

محدثون " ( 3 ) .

وقال العلامة المجلسي : الأخبار متواترة في أنهم عليهم السلام محدثون ( 4 ) .

وهو كما قال ( 5 ) .

هذا ، واعلم أن المراد بالمحدث في الروايات أنهم يحدثون عن الله تعالى ، كما

روي عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) أنه قال في الحديث الذي روي فيه أن سلمان محدثا

قال : " انه كان محدثا عن امامه ( عليه السلام ) لا عن ربه ، لأنه لا يحدث عن الله إلا الحجة "

( 6 ) .

‹ صفحة 95 ›

حقيقة علم آل محمد ( عليهم السلام ) وجهاته

* الطائفة الثامنة :

ان علمهم ( عليهم السلام ) بواسطة الوحي وجبرائيل

منها : الحديث المتواتر عن الإمام الحسن ( عليه السلام ) في أول خطبة خطبها بعد

استشهاد أمير المؤمنين ( عليه السلام ) قال : " لقد كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يعطيه الراية فيقاتل

جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن يساره " ( 1 ) .

* أقول : تقدم في الطائفة السابعة انه كان ينزل ويحدثه لا فقط نزل لنصرته ،

وأخرج أحمد نزول جبرائيل وميكائيل وإسرافيل للسلام على علي ليلة بدر ( 2 ) .

وتقدم حديث الإمام الصادق ( عليه السلام ) الصحيح السند في علمهم انه : " وحي

كوحي أم موسى " ( 3 ) .

وعن أبي جعفر الباقر ( عليه السلام ) : " انه محدث كصاحب سليمان وموسى وذي

القرنين " ( 4 ) .

وعنه ( عليه السلام ) قال : " بيت علي وفاطمة من حجرة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وسقف بيتهم

عرش رب العالمين ، وفي قعر بيوتهم فرجة مكشوفة إلى العرش معراج الوحي ،

والملائكة تنزل عليهم بالوحي صباحا ومساء ، وفي كل ساعة وطرفة عين ، والملائكة

لا ينقطع فوجهم فوج ينزل وفوج يصعد .

وان الله تبارك وتعالى كشط لإبراهيم عن السماوات حتى أبصر العرش ، وزاد

الله في قوة ناظره ، وان الله زاد في قوة ناظرة محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين

‹ صفحة 96 ›

صلوات الله عليهم أجمعين ، وكانوا يبصرون العرش ولا يجدون لبيوتهم سقفا غير

العرش " ( 1 ) .

* أقول : لا يتوهم أحد ان كثرة نزول الملائكة هو حاجة آل محمد ( عليهم السلام )

إليهم ، وإلا لفضلوا عليهم ، وهو خلاف الأدلة والاجماع من فضل آل محمد ( عليهم السلام )

على الملائكة وجبرئيل ( 2 ) .

نعم ، القول انهم سفراء الله تعالى لنقل أخبار أو تأكيدها ، أو أي هدف آخر

لا بأس به .

وان كان الذي يقوى في النفس انها تنزل لخدمتهم أو للتبرك بهم وبصبيانهم ،

وقد دلت عليه بعض الروايات ليس هذا موضع تفصيلها ( 3 ) .

منها ما عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) في الحديث عن كثرة الملائكة : " وما منهم أحد

إلا ويتقرب كل يوم إلى الله بولايتنا أهل البيت " ( 4 ) .

وفي رواية : " ان جبرئيل زيد في جماله لأنه تشرف وأصبح من آل

محمد ( عليهم السلام ) " ( 5 ) .

وعن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : " قال جبرائيل : يا رب فاني أسألك بحقهم عليك إلا

جعلتني خادمهم .

قال تعالى : قد جعلتك .

فجبرائيل ( عليه السلام ) من أهل البيت وانه لخادمنا " ( 6 ) .

‹ صفحة 97 ›

وعنه ( صلى الله عليه وآله ) : " . . فان الملائكة لخدامنا " ( 1 ) .

* أقول : تقدم في الكتاب الأول أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) علم حملة العرش ،

وأنهم ( عليهم السلام ) الذين علموا الملائكة التسبيح والتقديس ، وأن عليا ( عليه السلام ) هو معلم

جبرائيل ، فكان له عليه حق التعليم ( 2 ) .

* وعن أبي عبد الله الصادق ( عليه السلام ) : " ان فاطمة ( عليها السلام ) مكثت بعد رسول

الله ( صلى الله عليه وآله ) خمسة وسبعين يوما ، وكان دخلها حزن شديد على أبيها وكان جبرئيل يأتيها

فيحسن عزاءها على أبيها ، ويطيب نفسها ويخبرها عن أبيها ومكانه ، ويخبرها بما

يكون بعدها في ذريتها ، وكان علي يكتب ذلك فهذا مصحف فاطمة " ( 3 ) .

وعنه ( عليه السلام ) في رواية صحيحة رواها الكليني والصفار حول الجامعة والجفر

ومصحف فاطمة ( عليها السلام ) قال : " وان عندنا لمصحف فاطمة ، وما يدريهم ما مصحف

فاطمة ؟ !

قال : مصحف فيه مثل قرآنكم وثلاث مرات ، والله ما فيه من قرآنكم حرف

واحد ، انما هو شئ أملاها الله وأوحى إليها " . وبالهامش وفي نسخة : " أملاء الله

تعالى " ( 4 ) .

وفي رواية : " ما هو قرآن ، ولكنه كلام من كلام الله أنزل عليها " ( 5 ) .

وفي ثالثة : " انما هو شئ القي عليها بعد موت أبيها صلوات الله عليهما " ( 6 ) .

‹ صفحة 98 ›

وعن أبي جعفر الباقر ( عليه السلام ) في حديث طويل : " هؤلاء أهل بيت أكرمهم الله

بسره وشرفهم بكرامته وأعزهم بالهدى وثبتهم بالوحي " ( 1 ) .

وعنه ( عليه السلام ) في حديث طويل : " وإليهم نفث ( بعث ) الروح الأمين .

وفي رواية عن الإمام علي ( عليه السلام ) في وصف الأئمة : " وإليهم بعث الأمين

جبرائيل " ( 2 ) .

وكثرت الرواية عنهم انهم : " مهبط الوحي " ( 3 ) .

وفي حديث : " نحن ولاة أمر الله وورثة وحي الله " ( 4 ) .

وعن الإمام الباقر ( عليه السلام ) : " فليذهب الحسن يمينا وشمالا لا يوجد العلم إلا عند

أهل العلم [ أهل البيت ] الذين نزل عليهم جبرائيل " ( 5 ) .

وعن أبي عبد الله ( عليه السلام ) : " فليشرق الحكم [ بن عتيبة ] وليغرب ، أما والله لا

يصيب العلم - وفي رواية : لا يوجد - إلا من أهل بيت نزل عليهم جبرائيل " ( 6 ) .

وعن عمر بن يزيد قال : قلت : لأبي عبد الله ( عليه السلام ) الذي أملاه جبرائيل على

علي ( عليه السلام ) أقرآن هو ؟

قال ( عليه السلام ) : " لا " ( 7 ) .

ويدل على هذه الطائفة روايات نزول الملائكة عليهم وإتيانها بالأخبار

إليهم ( 8 ) .

‹ صفحة 99 ›

بتقريب عدم انحصار الوحي بجبرائيل ، أو لكون جبرائيل من الملائكة

بالجملة ، فنزولها عليهم نزول لجبرائيل ( عليهم السلام ) .

وسوف يأتي في الطائفة التاسعة حديث : " انا منا لمن يعاين معاينة وانه خلق

أعظم أو أكبر من جبرائيل وميكائيل " .

وهناك روايات كثيرة منها ما هو صريح في نزول جبرائيل وميكائيل ، ومنها

أنهما تراءيا لهم ( 1 ) .

* ومما يؤكد هذه الطائفة قوله تعالى : * ( وجعلناهم أئمة ، وأوحينا إليهم فعل

الخيرات ) * ( 2 ) ، فقد ورد انهم المرادون بهذه الآية ، كما تقدم في أدلة الولاية

التكوينية من القرآن ( 3 ) .

ومنها : ما روي عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال في قوله تعالى : * ( وجعلناهم أئمة

يهدون بأمرنا ) * قال أبو جعفر ( عليه السلام ) : " يعني الأئمة من ولد فاطمة يوحى إليهم

بالروح في صدورهم " ( 4 ) .

* أقول : بعد قراءتك لهذه الروايات المتكثرة ، وقول العلماء بإمكان الوحي

لغير الأنبياء ، كأم موسى ومريم وغيرها ( 5 ) ، يتضح ان نسبة نفي الوحي عن آل

محمد ( عليهم السلام ) إلى الشيخ الأجل المفيد غير صحيحة ، جاء في كتابه أوائل المقالات :

( وانما منعت نزول الوحي عليهم والايحاء بالأشياء إليهم ، للاجماع على المنع من

ذلك والاتفاق على أنه من يزعم أن أحدا بعد نبينا يوحى إليه فقد أخطأ وكفر ) ( 6 ) .

فهو بعد اعترافه بالايحاء لام موسى منع الايحاء لآل محمد ( عليهم السلام ) ، مع

‹ صفحة 100 ›

الاعتراف انه ممكن عقلا .

وسبب عدم صحة هذه النسبة الروايات المتقدمة .

واما تكفير من يقول به فغير صحيح ، فكأنه وقع التباس بين الايحاء المساوي

والمساوق للنبوة ، وبين الايحاء غير المساوي له ، فالاجماع قائم على حرمة الوحي

بعد نبينا ( صلى الله عليه وآله ) المساوق لنبوة الموحى إليه ، اما ادعاء الوحي لغير الأنبياء كوحي أم

موسى فهو خارج عن إجماعهم .

ولسنا في صدد إثبات كرامات لآل محمد ( عليهم السلام ) بسبب نزول الوحي عليهم ،

إذ ما نعتقد به انهم أفضل من جبرائيل الذي ينزل عليهم بالوحي ، بل هم غير

محتاجين إلى وحي جبرائيل لغناهم بالله تعالى .

نعم ان كان المراد كونه واسطة بينهم وبين الله فالروايات أثبتت على أنهم

كانوا يوافون العرش كل ليلة جمعة ولا يرجعون إلا بعلم مستفاد ، وأنهم كانوا

يحدثون عن الله مباشرة وبغير وحي ، كما يأتي في الطائفة العاشرة ، فأية حاجة قد

تدعى لنزول جبرائيل ( عليه السلام ) عليهم ( عليهم السلام ) ؟ ! .

‹ صفحة 101 ›

* الطائفة التاسعة :

ان علمهم ( عليهم السلام ) بواسطة الروح

قال أبو حمزة : سألت أبا عبد الله ( عليه السلام ) عن العلم أهو علم يتعلمه العالم من

أفواه الرجال ، أم في الكتاب عندكم تقرؤونه فتعلمون منه ؟

قال ( عليه السلام ) : " الأمر أعظم من ذلك وأوجب ، أما سمعت قوله تعالى : * ( وكذلك

أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان ) * . . . بلى قد كان

في حال لا يدري ما الكتاب ولا الإيمان ، حتى بعث الله تعالى الروح التي ذكر في

الكتاب ، فلما أوحاها إليه علم بها العلم والفهم ، وهي الروح التي يعطيها الله تعالى

من شاء ، فإذا أعطاها عبدا علمه الفهم " ( 1 ) .

* أقول : لا يستفاد من هذه الرواية ان النبي ( صلى الله عليه وآله ) كان قبل النبوة أو البعثة لا

يدري ما الكتاب والايمان ذلك أن الرواية لم تحدد متى أوحى الله تعالى إليه الروح

التي علم بها ، فلعله أوحاها إليه في عالم الأنوار كما تقدم في الحديث المشهور : "

نبئت وآدم بين الطين والماء " .

وعنه ( عليه السلام ) في حديث صحيح في قوله تعالى : * ( وكذلك أوحينا إليك روحا

من أمرنا ) * قال : " خلق من خلق الله عز وجل أعظم من جبرائيل وميكائيل كان

مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يخبره ويسدده ، وهو مع الأئمة من بعده " ( 2 ) .

وفي رواية جاءت بلفظ : " هو مع الأئمة يفقههم " ( 3 ) .

وفي رواية زاد : " وهو من الملكوت " ( 4 ) .

‹ صفحة 102 ›

* أقول : روايات الروح الآمرية وانه مع الأئمة كثيرة فلتراجع ( 1 ) .

وفي الحديث الصحيح عن علي بن الحسين ( عليهما السلام ) عندما سئل بما تحكمون ؟

قال ( عليه السلام ) : " بحكم الله وحكم داود ، فإذا ورد علينا شئ ليس عندنا تلقانا به

روح القدس " .

وزاد في رواية : " تلقانا به روح القدس وألهمنا الله إلهاما "

وفي ثالثة : " ان الأوصياء محدثون يحدثهم روح القدس ولا يرونه ، وكان

علي ( عليه السلام ) يعرض ما يسأل عنه فيوجس في نفسه أن قد أصبت بالجواب ، فيخبر

فيكون كما قال " ( 2 ) .

وعن أبي جعفر ( عليه السلام ) : " ان الله خلق الأنبياء والأئمة على خمسة أرواح : روح

القوة وروح الايمان وروح الحياة وروح الشهوة وروح القدس ، فروح القدس من

الله ، وسائر هذه الأرواح يصيبها الحدثان ، فروح القدس لا يلهو ولا يتغير ولا

يلعب ، وبروح القدس علموا - يا جابر - ما دون العرش إلى ما تحت الثرى " ( 3 ) .

وفي رواية أبي عبد الله ( عليه السلام ) زاد : " فإذا قبض النبي ( صلى الله عليه وآله ) انتقل روح القدس

فصار في الإمام ، وروح القدس لا ينام ولا يغفل ولا يلهو ولا يسهو . . . وروح القدس

ثابت يرى به ما في شرق الأرض وغربها وبرها وبحرها " .

قلت : جعلت فداك يتناول الإمام ما ببغداد بيده ؟

قال : " نعم ، وما دون العرش " ( 4 ) .

وعن علي بن موسى الرضا ( عليهما السلام ) قال : " ان الله أيدنا بروح منه مقدسة مطهرة

‹ صفحة 103 ›

ليست بملك ، لم تكن مع أحد ممن مضى إلا مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وهي مع الأئمة منا

تسددهم وتوفقهم ، وهو عمود من نور بيننا وبين الله " ( 1 ) .

وعن الإمام العسكري ( عليه السلام ) : " هذا روح القدس الموكل بالأئمة عليهم السلام

يوفقهم ويسددهم ويزينهم بالعلم " ( 2 ) .

‹ صفحة 105 ›

علم آل محمد ( عليهم السلام ) مباشرة من الله

* الطائفة العاشرة :

ان علمهم بلا واسطة بل من الله بالمباشرة

* ويدل عليه آيات وروايات :

فمن الآيات :

قوله تعالى :

* ( فأوحى إلى عبده ما أوحى ) *

فعن جعفر بن محمد الصادق ( عليهما السلام ) في قوله تعالى : * ( فأوحى إلى عبده ما

أوحى ) * قال : " أوحى إليه بلا واسطة " .

ونحوه عن الواسطي ( 1 ) .

وفي تفسير القمي : * ( فأوحى إلى عبده ما أوحى ) * قال : " وحي مشافهة " ( 2 )

.

ومنها قوله تعالى :

* ( وعلمك ما لم تكن تعلم ) * ( 3 ) .

وقوله تعالى :

* ( علمه شديد القوى ) * ( 4 ) .

وهذا نص صريح أن الذي علمه هو الله تعالى بالمباشرة ، وقد تقدم الكلام

فيهما في العلم اللدني فراجعه .

‹ صفحة 106 ›

ومنها قوله تعالى :

* ( ورحمتي وسعت كل شئ ) * ( 1 )

وقد تقدم حديث الإمام الباقر في تفسيرها بقوله : " علم الإمام ، ووسع علمه

الذي هو من علمه كل شئ " ( 2 ) .

وهو صريح في المباشرية في العلم .

ومنها قوله تعالى :

* ( وكل شئ أحصيناه كتابا ) * .

* ( وكل شئ أحصيناه في امام مبين ) *

وسوف يأتي في علم الغيب شرحهما .

ومنها قوله تعالى :

* ( الرحمن علم القرآن علمه البيان ) *

وتقدم الكلام فيها في العلم اللدني .

‹ صفحة 107 ›

* ومن الروايات :

ما تقدم في الطائفة الخامسة : " ان منا لمن يعاين معاينة " ( 1 ) .

منها ما قاله الصادق ( عليه السلام ) : " ان منا لمن يعاين معاينة ، وان منا لمن ينقر في

قلبه كيت وكيت ، وان منا لمن يسمع كما يقع السلسلة كله يقع في الطست " .

قال : قلت : فالذين يعاينون ما هم ؟

قال : " خلق أعظم من جبرئيل وميكائيل " ( 2 ) .

فعلى أن المعاينة لغير جبرائيل ( عليه السلام ) تكون على وزان روايات : " فأوحى اليه

وحي مشافهة " .

وعن معاذ عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال : " سبق العلم وجف القلم ومضى القدر

بتحقيق الكتاب وتصديق الرسل " .

إلى أن قال ( صلى الله عليه وآله ) : " عن الله أروي حديثي : ان الله تبارك وتعالى يقول يا بن

آدم بمشيئتي كنت أنت الذي تشاء لنفسك ما تشاء " ( 3 ) .

وعن عبد الله بن عمر قال : " ان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كان يروي حديثه عن الله

عز وجل " ( 4 ) .

وقد عنون البخاري في صحيحة عنوانا : " باب ذكر النبي وروايته عن ربه " .

وأخرج ثلاثة أحاديث :

عن قتادة عن أنس عن النبي يرويه عن ربه قال : " إذا تقرب العبد إلي شبرا

تقربت اليه ذراعا " ( 5 ) .

‹ صفحة 108 ›

وعن محمد بن زياد نحوه قال : " . . عن النبي يرويه عن ربكم . . " ( 1 ) .

وعن ابن عباس عن النبي فيما يرويه عن ربه قال " لا ينبغي لأحد أن يقول إنه

خير من يونس " ( 2 ) .

قال القسطلاني بعد ذكر هذه الأحاديث الثلاثة : ( قال الكرماني : الرواية

عن الرب أعم من أن تكون قرآنا أو غيره بالواسطة أو بدونها ، لكن المتبادر إلى

الذهن المتداول على الألسنة كان بغير الواسطة ) ( 3 ) .

وذكر الحافظ ابن حجر العسقلاني قول الكرماني بلفظ : ( الرواية عن الرب

أعم من أن تكون قرآنا أو غيره بدون الواسطة ، وان كان المتبادر هو ما كان بغير

الواسطة والله أعلم ) ( 4 ) .

وقال القاضي عياض : اعلم أن الله جل اسمه قادر على خلق المعرفة في قلوب

عباده والعلم بذاته وأسمائه وصفاته وجميع تكليفاته ابتداء دون واسطة لو شاء ( 5 ) .

وقال الإمام الجواد ( عليه السلام ) لمن سأله عن كيفية العلم بالمغيب :

" نحن من علم الله علمنا ، وعن الله نخبر " ( 6 ) .

وعن سالم بن أبي حفصة قال : لما هلك أبو جعفر محمد بن علي الباقر ( عليه السلام )

‹ صفحة 109 ›

قلت لأصحابي : انتظروني حتى أدخل على أبي عبد الله جعفر بن محمد ( عليهما السلام ) فأعزيه

به .

فدخلت عليه فعزيته ثم قلت : انا لله وإنا إليه راجعون ، ذهب والله من كان

يقول : " قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) " فلا يسأل عن من بينه وبين رسول الله ، لا والله لا

يرى مثله أبدا .

قال : فسكت أبو عبد الله ( عليه السلام ) ساعة ثم قال : " قال الله تعالى : ان من عبادي

من يتصدق بشق تمرة فأربيها له " .

فخرجت إلى أصحابي فقلت : ما رأيت أعجب من هذا ، كنا نستعظم قول أبي

جعفر ( عليه السلام ) : " قال رسول الله . . " بلا واسطة ، فقال لي أبو عبد الله ( عليه السلام ) : " قال الله

تعالى . . " بلا واسطة ( 1 ) .

* أقول : لا يقال غاية الحديث ان الإمام الباقر ( عليه السلام ) لم يكن يسأل عن سلسلة

الحديث ورواته عن رسول الله ، وذلك لصدقه فكذلك الإمام الصادق ( عليه السلام ) .

لأنا نقول : ان صدق الإمام الباقر ( عليه السلام ) وعدم اتهامه على أحاديث رسول

الله ( صلى الله عليه وآله ) من الأمور المسلمة خاصة عند الشيعة ، بل الأمر كذلك في كل أهل

البيت ( عليهم السلام ) .

فليس لكلامه محصل ، لأن الإمام علي ( عليه السلام ) لا يسأل عن الواسطة والحسن

والحسين وزين العابدين ( عليهم السلام ) كذلك ، وهكذا بقية الأئمة ، لذا لابد أن يحمل قول

الراوي : " بلا واسطة " انه كان يعتقد ان الإمام الباقر ( عليه السلام ) يروي مباشرة عن

رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .

وهكذا في الإمام الصادق ( عليه السلام ) فإنه يروي عن الله بلا واسطة ولا يتهم بذلك .

وسوف يأتي رواية النبي الأعظم ( صلى الله عليه وآله ) عن الله بلا واسطة .

- وعن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في حديث المناجاة المشهور قال لمن اعترض عليه

‹ صفحة 110 ›

كيف يناجي يوم الطائف عليا ( عليه السلام ) : " ما أنا انتجيته بل الله تعالى انتجاه " ( 1 ) .

وفي بعض الروايات : " بل الله ناجاه " ( 2 ) .

وفي رواية : " ما أنا بمناجي له ، انما يناجي ربه " ( 3 ) .

وعن حمران بن أعين قال : قلت لأبي عبد الله ( عليه السلام ) : جعلت فداك بلغني ان الله

تبارك وتعالى قد ناجى عليا ( عليه السلام ) .

قال ( عليه السلام ) : " أجل قد كان بينهما مناجات بالطايف نزل بينهما جبرئيل " ( 4 ) .

وفي رواية عن أبي رافع عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : " نعم يا رافع ، ان الله ناجاه

يوم الطايف ويوم عقبة تبوك ويوم حنين - وفي نسخة : خيبر " ( 5 ) .

وعنه ( عليه السلام ) قال : " قال رسول الله لعلي : ان الله يوصيك ويناجيك .

قال : فناجاه يوم براءة قبل الصلاة الأولى إلى صلاة العصر " ( 6 ) .

وعنه ( عليه السلام ) : " ان الله ناجى عليا يوم غسل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) " ( 7 ) .

* أقول : والروايات كثيرة في مناجات الله لعلي عند الفريقين فلا تغفل ، بل

تكاد تصل إلى حد التواتر .

وعن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في حديث طويل جاء فيه : " والإمام يجب أن يكون

عالما لا يجهل . . فهو في البقية من إبراهيم . . . والرضى من الله ، والقول عن الله " ( 8 ) .

وعن الإمام الصادق ( عليه السلام ) : " نحن من شجرة طيبة برأنا الله من طينة واحدة

‹ صفحة 111 ›

فضلنا من الله ، وعلمنا من عند الله " ( 1 ) .

ويؤيده ما تقدم في الجهة الثالثة عروج الإمام ( عليه السلام ) كل ليلة جمعة إلى العرش

ولا يرجع إلى بعلم مستفاد .

وقال الحسن ( عليه السلام ) لعائشة عندما سألته كيف عرفت ما كان بيني وبين

النبي ( صلى الله عليه وآله ) ؟

قال : " هذا من علم الله " ( 2 ) .

وفي الروايات ما يقول : " ان الله أعطاه علمه " ونحوها من التعابير ( 3 ) .

وتقدمت رواية مصحف فاطمة ( عليها السلام ) الصحيحة الذي فيها : " هو شئ أملاها

الله وأوحى إليها " ، وفي رواية : " ولكنه كلام من كلام الله أنزل عليها " ( 4 ) .

وعن أبي عبد الله ( عليه السلام ) : " ان لله عامودا من نور حجبه الله عن جميع الخلائق ،

طرفه عند الله وطرفه الآخر في اذن الإمام ، فإذا أراد الله شيئا أوحاه في اذن

الإمام " ( 5 ) .

وفي لفظ : " هو عامود من نور بيننا وبين الله " ( 6 ) .

* أقول : وروايات عامود النور الذي بين الإمام وبين الله كثيرة تقدم بعضها ،

وكلها تفيد أن لا واسطة بين الله تعالى وبين الإمام ( عليه السلام ) في الاستلهام من العلم

الملكوتي ( 7 ) .

وعن علي بن موسى الرضا ( عليهما السلام ) قال : " ان الله أيدنا بروح منه مقدسة

‹ صفحة 112 ›

مطهرة ليست بملك ، لم تكن مع أحد ممن مضى إلا مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وهي مع

الأئمة منا تسددهم وتوفقهم ، وهو عمود من نور بيننا وبين الله " ( 1 ) .

فهنا فسر العامود بالروح .

وعن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في خطبة له : " انا أهل بيت من علم الله علمنا ومن

حكم الله الصادق قلنا ، ومن قول الصادق سمعنا " ( 2 ) .

‹ صفحة 113 ›

الترجيح بين الطوائف العشر

هذه مجموع الروايات التي تتحدث عن مصدر ومنبع علم آل محمد ، وكما

عرفت اخترنا منها ما يدل على المقصود وصنفناها على طوائف عشر خلاصتها : ان

منبع ومصدر علمهم :

1 - القرآن . 2 - ليلة القدر . 3 - عامود النور . 4 - وراثة من النبي .

5 - القذف والنقر . 6 - الإلهام . 7 - التحديث . 8 - الوحي وجبرائيل .

9 - الروح . 10 - من الله مباشرة .

والذي يقوى في النفس ان أرجح الاحتمالات هو الاحتمال العاشر ، وذلك

لأمور :

أن روايات بابه كثيرة تصل بمجموعها مع تأييدها بالآيات إلى حد التواتر

المعنوي .

وأيضا هذا الاحتمال يتناسب مع ما تقدم من الأبحاث السابقة ، فمثلا في الجهة

الرابعة رجحنا ان علمهم لدني ، وهذا يتناسب مع الاحتمال العاشر ولا يتناسب مع

البقية ، إلا إذا أرجعنا بعضها إلى الاحتمال العاشر ، كالقذف والالهام والتحديث

والوحي والروح ، فعلمهم يكون من الله مباشرة ، ولكن المباشرية تريد لا أقل ما

يدل عليها أو يشير إليها ، فيكون القذف والإلهام والتحديث ونحوها إشارة إلى أن

علمهم من الله تعالى .

وكذلك بالنسبة للجهة الخامسة الآتية ، فان المرجح فيها ان علمهم حصل

دفعة واحدة لا على دفعات ، وهو لا يتناسب إلا مع الاحتمال العاشر .

وعليه فتكون نفس الأدلة التي دلت على أن علمهم لدني ودفعة واحدة ، دليلا

على أن علمهم من الله تعالى بلا توسط معلم .

ومن هنا لا بد من توجيه بقية الاحتمالات ، وتفسير قول النبي وأهل

بيته ( عليهم السلام ) في التركيز على القرآن والوحي وانتظار جبرائيل ونحوها من الأمور .

- اما روايات القرآن الكريم ، فمما لا شك فيه أن النبي وأهل بيته لابد أن

‹ صفحة 114 ›

يركزوا على الدستور والقانون الأساسي للإسلام ، وكونه دستورا كاملا شاملا كما

قال تعالى : * ( ما فرطنا في الكتاب من شئ ) * وسوف يأتي في الجهة السادسة ان

القرآن فيه كل العلوم التي عند آل محمد ( عليهم السلام ) ، وهو لا ينافي ان علمهم من الله العزيز

القدير .

والدليل على ذلك أن الأئمة عندما كانوا يسألون عن علمهم ، كانوا يقولون :

نعلم ما كان ويكون ، فإذا اعترض عليهم أو لم يتحمله البعض ، قالوا : علمناه من

كتاب الله ( 1 ) .

وقد تقدمت هذه الروايات في الجهة الأولى .

- واما روايات ان علمهم من ليلة القدر ، فإنهم كانوا يسألون عن ليلة القدر

على من تنزل وما هي ؟ .

فيجيب الإمام ( عليه السلام ) : انها تنزل بأمر كل شئ أو مقادير تلك السنة ، فيسألون

على من تنزل ؟

أي من الأولى الذي تنزل عليه ليلة القدر .

فكان الإمام ( عليه السلام ) يقول على آل محمد أو على إمام الزمان .

لذا نجد في بعضها قال الإمام ( عليه السلام ) : " من ترى يا عاجز ! ! " كما قدم .

ويحتمل ان الإمام أراد أن يثبت إمامتهم بليلة القدر ، وان الذي تنزل عليه

ليلة القدر ويعلم كل أمر حكيم هو الإمام المفترض الطاعة ، وهو منحصر بآل

محمد ( عليهم السلام ) ، فتكون من ضمن الأدلة على إمامتهم .

هذا ويحتمل أيضا ان السائل لم يكن ليتحمل أكثر من هذا الجواب ليعطيه

الإمام ( عليه السلام ) .

- اما روايات عامود النور ، فهي اما ترجع إلى الوحي ، واما إلى الروح ، كما

في رواية الإمام الرضا ( عليه السلام ) في الطائفة التاسعة ( 2 ) .

‹ صفحة 115 ›

وإما إلى الاحتمال العاشر الصحيح ، لأن العامود من نور كناية عن طريقة

إرسال الله عز وجل العلم لآل محمد ( عليهم السلام ) .

بل روايات العامود دليل على الاحتمال العاشر ، لأنها تنفي وجود الواسطة

بين الإمام وبين مصدر علم الباري عز وجل ، فتأمل .

- واما روايات الوراثة من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فهي للتأكيد على أنهم أولى

برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من غيرهم ، لذا كانوا يستدلون على إمامتهم وأولويتهم بسلاح

رسول الله وبعض مختصاته ، وذلك للتأكيد على القرب من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ،

والمسألة واضحة لمن تأمل كلام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في احتجاجه على أبي بكر وعمر

يوم البيعة ، أو احتجاجه يوم الشورى ( 1 ) .

- واما روايات القذف ، فهي إما ترجع للإلهام ، واما للاحتمال العاشر ، لأن

القذف عبارة عن الطريق لوصول علم الله إلى آل محمد ( عليهم السلام ) .

- واما روايات الإلهام والتحديث فهي مؤيدة للاحتمال العاشر ، إذ الإلهام لا

يكون إلا من الله مباشرة ، وكذلك كونهم محدثين كما روي عن الإمام الصادق ( عليه السلام )

أنه قال في الحديث الذي روي فيه أن سلمان محدثا قال : " انه كان محدثا عن

امامه ( عليه السلام ) لا عن ربه ، لأنه لا يحدث عن الله إلا الحجة " ( 2 ) .

- واما روايات الوحي وجبرائيل ، فمن المسلم بالنسبة لروايات أهل

البيت ( عليهم السلام ) ان يقولوا ان علمهم من الوحي وجبرائيل ، لأن علم النبي ( صلى الله عليه وآله ) من

جبرائيل أو من الوحي بنص القرآن * ( إن هو إلا وحي يوحى ) * * ( نزل به الروح

الأمين على قلبك ) * ولن يكون آل محمد بأفضل من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .

وعليه فالكلام لابد أن ينصب على سبب ابراز علم النبي ( صلى الله عليه وآله ) انه من الوحي

وجبرائيل فنقول :

‹ صفحة 116 ›

* كانت الناس في الجاهلية الجهلاء ، ولن تتحمل نسبة العلم إلى النبي ( صلى الله عليه وآله )

بلا توسط الوحي بينه وبين الله ، إما لأن عادة ان الأنبياء يوحى إليهم .

واما لقرب عهدهم بالجاهلية وعدم معرفتهم المعرفة الحقيقية للنبي الأعظم ،

حتى أنهم كانوا ينادونه من وراء الحجرات باسمه .

وهم ، مع أنه ( صلى الله عليه وآله ) أبرز لهم مسألة الوحي ، كذبوه وقالوا : هذا من عنده ، أو

من عند سلمان الفارسي .

فكيف لو لم يبرز لهم الوحي وجبرائيل ( عليه السلام ) ! ؟ .

وما يشير إلى ذلك أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) عندما كان يأتيه الوحي ، كان يقول جاء

جبرائيل ، وذهب جبرائيل ، وأخبرني جبرائيل عن الله تعالى ، وما شابه ذلك ، وما

ذاك إلا للتأكيد أن هناك إلها ودينا وإسلاما ورسالة من السماء .

ومن هنا نفهم الآيات والروايات التي تحدثنا ان النبي ( صلى الله عليه وآله ) لم يكن يعطي

الجواب حتى ينزل الوحي ، فهو كان يعلم الجواب ، ولكن يريد أن يغرز في نفوسهم

فكرة الوحي من السماء .

قال تعالى : * ( ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه ) * ( 1 ) .

فالنبي ( صلى الله عليه وآله ) قبل أن ينقضي الوحي من السماء عليه ، كان مستعدا أن يقرأ على

الناس القرآن ، بل تقدم علمه للقرآن منذ عالم الأنوار .

ونسبة العجلة للنبي ( صلى الله عليه وآله ) لم يكن المراد بها حتى أن التوقيت غير مناسب ، بل

لابراز أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) كان يعلم بالقرآن وآياته قبل أن ينزل عليه جبرائيل ،

وبالتالي تكون الآية دليلا على ما نذكره وذكرناه سابقا أن جبرائيل كان يذكره

بالقرآن تذكيرا لا يجتمع مع النسيان .

ان قيل : يحتمل في الآية ان النبي ( صلى الله عليه وآله ) كان يستعجل بالقرآن فيتلو الآية

الأولى أو مطلعها قبل أن يكملها جبرائيل أو قبل أن ينتهي من السورة .

قلنا : فعل النبي الأعظم ( صلى الله عليه وآله ) هذا إما مع التفاته إلى بقية الآيات التي يكملها

جبرائيل ، وإما مع عدم التفاته لها .

‹ صفحة 117 ›

فعلى الأول لا معنى للنهي عن العجلة .

وعلى الثاني يكون النبي مفوتا للوحي ومضيعا لبعض الآيات ، ولا قائل به

إلا من سفه قوله .

قال الشيخ الطبرسي في الآية : لا تحرك به لسانك لتعجل قراءته بل كررها

عليهم ليتقرر في قلوبهم فإنهم غافلون عن الأدلة ، ألهاهم حب العاجلة فاحتاجوا

إلى زيادة تنبيه وتقرير ( 1 ) .

وقال سيد المفسرين : ويؤول المعنى إلى أنك تعجل بقراءة ما لم ينزل بعد ،

لأن عندك علما في الجملة ، لكن لا تكتف به واطلب من الله علما جديدا بالصبر

واستماع بقية الوحي . وهذه الآية مما يؤيد ما ورد من الروايات أن للقرآن نزولا

دفعة واحدة غير نزوله نجوما على النبي ( صلى الله عليه وآله ) فلولا علم ما منه بالقرآن قبل ذلك لم

يكن لعجلته بقراءة ما لم ينزل منه بعد معنى ( 2 ) .

وقد أبطل السيد الطباطبائي نسبة عجلة النبي ( صلى الله عليه وآله ) في القراءة قبل انتهاء

جبرائيل ( 3 ) .

* أقول : عندي أن معنى الآية : ان النبي ( صلى الله عليه وآله ) كان يقرأ القرآن على الناس أو

كان يبلغ بعض أحكامه ومعانيه للناس مرة واحدة ، وذلك قبل أن ينزل الوحي

عليه به وقبل أن ينقضي اليه ، فجاء الخطاب الإلهي ليقول : لا تعجل في تبليغ القرآن

، وأبلغه للناس حتى قبل نزول جبرائيل به ، أبلغهم إياه بالتأني ليفهموه ويعملوا به ،

ولك أن تقرأه عدة مرات على الناس ولا داعي للعجلة والاقتصار على المرة ، فان

قلوبهم لم تلن بعد ، واشكر الله ( وقل رب زدني علما ) لما أتاك علم القرآن قبل أن

ينزل به جبرائيل .

وبذلك ننفي محذور نسبة العجلة إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) .

ويشير اليه ما روي عن ابن عباس ضمن حديث طويل عن رسول الله

‹ صفحة 118 ›

قال ( صلى الله عليه وآله ) : " . . * ( ثم دنى فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى ) * قال : وسألني ربي فلم

أستطع أن أجيبه فوضع يده بين كتفي بلا تكييف ولا تحديد ، فوجدت بردها بين

ثديي فأورثني علم الأولين والآخرين وعلمني علوما شتى ، فعلم أخذ علي كتمانه إذ

علم أنه لا يقدر على حمله أحد غيري ، وعلم خيرني فيه ، وعلمني القرآن فكان

جبريل ( عليه السلام ) يذكرني به ، وعلم أمرني بتبليغه إلى العام والخاص من أمتي .

ولقد عاجلت جبريل ( عليه السلام ) في آية نزل بها علي ، فعاتبي ربي وأنزل علي :

* ( ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه وقل رب زدني علما ) * ( 1 ) .

وتقدم الحديث الشريف " في قاب قوسين علمني الله القرآن وعلمني الله علم

الأولين " ( 2 ) .

* هذا الهدف من التركيز على جبرائيل ، ورأينا كيف ان النبي مع نص القرآن

انه * ( وحي يوحى ) * نجد ان عمر ومن يدين بدينه ، كيف كذبوا النبي ( صلى الله عليه وآله ) يوم

الوفاة وقالوا : ان الرجل ليهجر ( 3 ) .

فكيف لو لم يكن التركيز على الوحي وجبرائيل ؟

والخلاصة : التأمل في صحابة النبي ( صلى الله عليه وآله ) وعدم اعتقادهم في كثير من الأمور

الغيبية يجعل النبي الأعظم لا يصرح بكل علمه وحقيقة حاله .

وتقدم في مطلع الكتاب سبب اخفاء النبي ( صلى الله عليه وآله ) للعلم الرباني .

- اما روايات الروح فيجري فيها ما جرى في جبرائيل أو تكون إشارة إلى

الطريق والواسطة لعلم الله تعالى .

لذا قال أبو جعفر ( عليه السلام ) في قوله تعالى : * ( وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا ) * : "

يعني الأئمة من ولد فاطمة يوحي إليهم بالروح في صدورهم " ( 4 ) .

‹ صفحة 119 ›

فجعل الروح واسطة للوحي النازل على الصدور .

كيفية حصول علم آل محمد ( عليهم السلام )

* الجهة الخامس :

كيفية حصول علم آل محمد ( عليهم السلام )

وهو مردد بين حصوله لأهل البيت بشكل تدريجي يوما بيوم أو ساعة

بساعة ، وبين حصوله دفعة واحدة .

ويدل على الاحتمال الأول طائفة من الروايات منها :

ما رواه أبو بصير قال : قلت لأبي جعفر ( عليه السلام ) بما يعلم عالمكم جعلت فداك ؟

قال ( عليه السلام ) : " يا أبا محمد ان عالمنا لا يعلم الغيب ولو وكل الله عالمنا إلى نفسه

كان كبعضكم ، ولكن يحدث إليه ساعة بعد ساعة " ( 1 ) .

وفي رواية عنه ( عليه السلام ) : " ما من ليلة جمعة إلا وافى رسول الله العرش ووافى

الأئمة ووافيت معهم ، فما ارجع إلا بعلم مستفاد ، ولولا ذلك لنفذ ما عندي " ( 2 ) .

وفي ثالثة : " لولا انا نزداد لأنفدنا " ( 3 ) .

ونحو ذلك من الروايات ( 4 ) .

* أقول : ويدل عليه أيضا ما تقدم من أن منبع علمهم عامود النور أو ليلة

القدر ، وكذلك ما دل على أن علمهم كسبي حصولي .

فهذه الروايات تفيد أن حصول العلم عندهم ( عليهم السلام ) كان بشكل تدريجي .

اما الاحتمال الثاني - كونه دفعة واحدة - فيدل عليه ما تقدم من روايات ان

علمهم ( عليهم السلام ) لدني ، لبداهة ان حصوله دفعة واحدة من الباري عز وجل .

ويدل عليه أيضا ما تقدم في زمان علمهم ، وانه في عالم الأنوار وقبل الخلق .

‹ صفحة 120 ›

وأيضا ما يأتي في الطائفة السادسة من علمهم بما هو كان ويكون ، أو علمهم

بالغيب ، أو علمهم بما في اللوح المحفوظ ، فان كل هذه الطوائف تستلزم ان يكون

حصول العلم لآل محمد ( عليهم السلام ) دفعة واحدة وتنفي كونه تدريجيا كسبيا .

وعليه : فهذا الاحتمال هو المتعين لتناسبه مع الاحتمالات الصحيحة المتقدمة في

الجهات ، ومع الاحتمالات الصحيحة أيضا الآتية في بقية الجهات .

اما الاحتمال الأول فإنه لا يتناسب مع شئ منها ، فهو لا يتناسب مع كون

زمن علمهم كل علمهم عالم الأنوار ، ولا مع كونه لدنيا ، ولا مع كون منبعه الله تعالى

ووحيه .

وسبب ابراز الأئمة للتدرج بالعلم : إما للتأكيد على عبوديتهم واحتياجهم لله

تعالى .

واما لعدم تحمل السامعين لأكثر من ذلك .

واما لإبراز علاقتهم بالله ، وانها مستمرة يوما بعد يوم وساعة بعد ساعة .

واما للتأكيد على عروجهم إلى عرش الرحمن عزة آلاؤه للزيادة كل ليلة جمعة

الدال على الربط المعنوي بالله تعالى .

هذا وقد تكون المسألة أعمق من ذلك ، وهو حاجة الممكنات لواجب

الوجود ، وان الممكن في كل آن آن يحتاج إلى الفيض الدائم من الواجب تعالى

ولولاه لما كان : * ( كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا

) * ( 1 ) .

فيكون الهدف أنهم يبرزون أمرا توحيديا .

‹ صفحة 121 ›

سعة علم آل محمد ( عليهم السلام )

* الجهة السادسة :

سعة علم آل محمد ( عليهم السلام )

الروايات مختلفة في سعة وضيق علم آل محمد ، وتمامها في احتمالات :

* الاحتمال الأول :

انهم يعلمون ما في اللوح المحفوظ

فعن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في حديث طويل جاء فيه : " أنا صاحب اللوح

المحفوظ ألهمني الله عز وجل علم ما فيه " ( 1 ) .

وقال في خطبة له من على المنبر : " أنا اللوح أنا القلم أنا العرش " ( 2 ) .

وفي لفظ عنه ( عليه السلام ) : " أنا اللوح المحفوظ وأنا القلم الأعلى " ( 3 ) .

وقال النبي الأعظم ( صلى الله عليه وآله ) لعلي ( عليه السلام ) : " ان الله خلق من نور قلبك ملكا فوكله

باللوح المحفوظ ، فلا يخط هناك غيب إلا وأنت تشهده " ( 4 ) .

وتقدم ويأتي علمهم بالكتاب كله ، وانهم المرادون من قوله تعالى :

* ( ومن عنده علم الكتاب ) * هذا ، وقد فسر الكتاب باللوح المحفوظ ( 5 ) .

فيكون المراد * ( من عنده علم الكتاب ) * من عنده علم اللوح المحفوظ ، وهم

آل محمد الأطهار ( عليهم السلام ) على ما تقدم .

‹ صفحة 122 ›

وعن الإمام الصادق ( عليه السلام ) : " يا مفضل من زعم أن الإمام من آل محمد يعزب

عنه شئ من الأمر المحتوم فقد كفر بما نزل على محمد " ( 1 ) .

‹ صفحة 123 ›

* الاحتمال الثاني :

علمهم بالكتاب والقرآن الكريم

* أقول : تقدم بعض هذه الروايات في الطائفة السابعة من النحو الأول من

أدلة الولاية التكوينية ( 1 ) .

وعن أبي جعفر الباقر ( عليه السلام ) في تشخيص الإمام : " ولا يسأل عن شئ مما في

الدفتين إلا أجاب عنه " ( 2 ) .

وعن أبي عبد الله ( عليه السلام ) : " والله اني لأعلم كتاب الله من أوله إلى آخره ، كأنه

في كفي فيه خبر السماء وخبر الأرض ، وخبر ما كان وخبر ما يكون ، قال الله تعالى :

* ( فيه تبيان كل شئ ) * ( 3 ) .

وفي رواية : " فنحن الذين اصطفانا الله ، فقد ورثنا علم هذا القرآن الذي فيه

تبيان كل شئ " ( 4 ) .

ويؤيد هذه الطائفة كل ما ورد بأنهم الراسخون في العلم ( 5 ) .

‹ صفحة 125 ›

* الاحتمال الثالث :

عندهم علم السماوات والأرض والجنة وكل غائبة فيهم

فعن أبي عبد الله ( عليه السلام ) : " ان الله أجل وأعظم من أن يحتج بعبد من عباده " .

وفي رواية : ان يفرض طاعة - ثم يخفى عنه شيئا من أخبار السماء

والأرض " ( 1 ) .

* أقول : هناك روايات كثيرة بهذا المعنى ذكرها المجلسي في بحاره والكليني في

كافيه والصفار في بصائره ( 2 ) .

وعنه ( عليه السلام ) : " اني لأعلم ما في السماوات وأعلم ما في الأرضين ، وأعلم ما في

الجنة وأعلم ما في النار ، وأعلم ما كان ويكون ، ثم مكث هنيئة فرأى أن ذلك كبر

على من سمعه .

فقال : " علمت من كتاب الله ان الله يقول : * ( فيه تبيان كل شئ ) * ( 3 ) .

وفي حديث طويل عنه ( عليه السلام ) في خلق الإمام وتحديثه في بطن أمه وولادته

قال :

" فإذا وضع يده إلى الأرض فإنه يقبض كل علم أنزله الله من السماء إلى

الأرض " ( 4 ) .

وعن أبي الحسن الأول ( عليه السلام ) في حديث طويل جاء فيه : " ان الله يقول : * (

‹ صفحة 126 ›

وما من غائبة في السماء والأرض إلا في كتاب مبين ) * ( 1 ) ثم قال جل وعز * ( ثم

أورثنا الكتاب الذي اصطفينا من عبادنا ) * ( 2 ) " فنحن الذين اصطفانا الله ، فقد

ورثنا علم هذا القرآن الذي فيه تبيان كل شئ " ( 3 ) .

وهناك روايات مشابهة ( 4 ) .

‹ صفحة 127 ›

* الاحتمال الرابع :

علمهم بما هو كائن ويكون

وقد تقدم في الاحتمال الثالث بعض رواياته .

وقال أبو عبد الله ( عليه السلام ) ابتداء منه : " والله اني لأعلم ما في السماوات والأرض ،

وما كان وما يكون إلى أن تقوم الساعة ، ثم قال : اعلمه من كتاب الله انظر إليه هكذا

. ثم بسط كفيه " ( 1 ) .

وعنه ( عليه السلام ) في كلامه عن مصحف فاطمة ( عليها السلام ) : " اما انه ليس فيه من الحلال

والحرام ، ولكن فيه علم ما كان وما يكون وما هو كائن " ( 2 ) .

وعنه ( عليه السلام ) في حديث صحيح عن الجامعة والجفر والمصحف : " ان عندنا لعلم

ما كان وما هو كائن إلى أن تقوم الساعة " .

قلت : جعلت فداك هذا والله هو العلم .

قال : " انه لعلم ، وليس بذاك " .

قلت : جعلت فداك فأي شئ هو العلم ؟

قال ( عليه السلام ) : ما يحدث بالليل والنهار ، الأمر بعد الأمر والشئ بعد الشئ إلى

يوم القيامة " ( 3 ) .

* أقول : مراد الإمام أن يثبت ان العلم ليس بالتعلم والقراءة من الكتب

والمصاحف انما هو ما يحدث لهم بالليل بإفاضة من الله ، فيكون ( عليه السلام ) يشير إلى العلم

اللدني .

لذا رويت هذه الرواية بنحو آخر : قال منصور : ان عندكم صحيفة طولها

‹ صفحة 128 ›

سبعون ذراعا فيها ما يحتاج إليه الناس وان هذا العلم .

فقال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : " ليس هذا هو العلم انما هو أثر عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ،

إن العلم الذي يحدث في كل يوم وليلة " ( 1 ) .

وهناك روايات مشابهة بذكر التوراة والإنجيل لا الصحيفة ( 2 ) .

وتقدم حديث كون الإمام أعلم من موسى والخضر ( عليهما السلام ) لأنهما لم يعطيا علم

ما هو كائن ( 3 ) .

وفي لفظ : " اللهم يا من أعطانا علم ما مضى وما بقي " ( 4 ) .

وعن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : " لولا آية في كتاب الله لأخبرتكم بما كان وما

يكون وبما هو كائن إلى يوم القيامة ، وهي هذه الآية : * ( يمحو الله ما يشاء ويثبت

وعنده أم الكتاب ) * ( 5 ) .

وتبين هذه الرواية علم آل محمد ( عليهم السلام ) بكل ذلك ولكن التحرج في ذكر ذلك

للناس ، من جهة عدم استيعابه أو تحمله ، ولا ينافيه اخباراتهم ببعض ذلك كما تقدم

، من أجل إبراز سعة علمهم .

أو يقال : أنهم ( عليهم السلام ) يخبرون بما يعلمون أن الله تعالى لا يمحوه .

‹ صفحة 129 ›

* الاحتمال الخامس :

علمهم بما يحتاج إليه الناس وبأمورهم

تقدم بعض هذه الروايات في الثالث .

وقال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : " لا يحتج الله تبارك وتعالى على خلقه بحجة لا يكون

عنده كل ما يحتاجون إليه " ( 1 ) .

والروايات في هذا المضمون كثيرة ( 2 ) .

وقال ( عليه السلام ) : " ان الله أحكم وأكرم وأجل وأعلم من أن يكون احتج على عباده

بحجة ثم يغيب عنه شيئا من أمرهم " .

وله ألفاظ أخرى ( 3 ) .

وفي حديث وقد سئل عن حال الإمام أيسأل عن الحلال والحرام والذي

يحتاج الناس إليه فلا يكون عنده شئ ؟

قال ( عليه السلام ) : " لا ، ولكن قد يكون عنده ولا يجيب " ( 4 ) .

‹ صفحة 131 ›

* الاحتمال السادس :

عندهم جوامع العلوم وأصوله

فعن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : " أعطاني الله خمسا وأعطى عليا خمسا ، أعطاني

جوامع الكلم وأعطى عليا جوامع العلم " ( 1 ) .

وعن أبي عبد الله ( عليه السلام ) في قوله تعالى :

* ( بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم ) * .

قال : " الأئمة خاصة " ( 2 ) .

ونحوه عن أبي جعفر ( عليه السلام ) ( 3 ) .

وعن الإمام الصادق ( عليه السلام ) : " عندنا أهل البيت أصول العلم وعراه وضياؤه

وأواخيه ( 4 ) " ( 5 ) .

وعن أبي جعفر ( عليه السلام ) : " انا أهل البيت عندنا معاقل العلم وأبواب الحكم

وضياء الأمر " ( 6 ) .

‹ صفحة 133 ›

* الاحتمال السابع :

عندهم علم الملائكة وجميع الأنبياء وكتبهم السابقة

فعن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : " ان الله علمني علما أظهر عليه ملائكته وأنبياءه

ورسله ، فما أظهر عليه ملائكته ورسله وأنبياءه فقد علمناه ، وعلما استأثر به فإذا بدا

لله في شئ منه أعلمنا ذلك ، وعرض على الأئمة الذين كانوا قبلنا " ( 1 ) .

ونحوه عن أبي جعفر ( عليه السلام ) .

وله ألفاظ مشابهة ( 2 ) .

وعن أبي جعفر ( عليه السلام ) : " ان الله جمع لمحمد ( صلى الله عليه وآله ) علم النبيين بأسره ، وان

رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) صب ذلك كله عند أمير المؤمنين ( عليه السلام ) " ( 3 ) .

وعن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : " ألا إن العلم الذي هبط به آدم من السماء إلى

الأرض وجميع ما فضلت به النبيون إلى خاتم النبيين في عترة خاتم النبيين " ( 4 ) .

وفي حديث ولادة الإمام علي ( عليه السلام ) وتلاوته كل كتب الأنبياء ومدح النبي له

ما يؤيد هذا الاحتمال ( 5 ) .

* أقول : الروايات في وراثتهم لعلم الأنبياء كثيرة ( 6 ) .

‹ صفحة 135 ›

* الاحتمال الثامن :

انهم أعلم من الأنبياء

فعن علي بن الحسين ( عليهما السلام ) قال : " علمت والله ما علمت الأنبياء والرسل " .

ثم قال لي : " أزيدك ؟ " .

قلت : نعم .

قال : " ونزاد ما لم تزد الأنبياء " ( 1 ) .

وعن أبي عبد الله ( عليه السلام ) : " ان الله خلق أولي العزم من الرسل وفضلهم بالعلم

وأورثنا علمهم وفضلنا عليهم في علمهم ، وعلم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ما لم يعلموا وعلمنا

علم الرسول وعلمهم " ( 2 ) .

* أقول : الروايات كثيرة في تفضيلهم على الأنبياء جميعا ، وبعضها يفضلهم

على بعض الأنبياء ( 3 ) .

وتقدم نحوها في العلم اللدني .

ويؤيد هذه الروايات روايات توسل الأنبياء بآل محمد ( عليهم السلام ) والتي تقدم

بعضها في مطلع الكتاب الأول ( 4 ) .

‹ صفحة 137 ›

* الاحتمال التاسع :

علمهم بكل شئ أو بما لا يعلمون

قال تعالى : * ( وعلمك ما لم تك تعلم ) * ( 1 ) .

وهذه الآية تفيد ان الله تعالى علم نبيه كل العلوم التي لا يعلمها بلا استثناء ،

فتكون الآية ناصة على رفع الجهل كل الجهل عن نبي الهدى ( صلى الله عليه وآله ) .

وقد تقدم معنى الآية مفصلا في العلم اللدني .

وعن الإمام الكاظم ( عليه السلام ) : " ما يخفى على الإمام شئ " ( 2 ) .

وعن الإمام العسكري ( عليه السلام ) : " ان الله أعطى حجته معرفة كل شئ " ( 3 ) .

وعن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في حديث كلام الشمس مع أمير المؤمنين وقولها له : يا

من هو بكل شئ عليم .

فقال ( صلى الله عليه وآله ) : " قالت الصدق ، هو أعلم بالحلال والحرام والسنن والفرائض

وما يشاكل على ذلك " ( 4 ) .

وعن أبي الحسن ( عليه السلام ) قال : " انما منزلة الإمام في الأرض بمنزلة القمر في

السماء وفي موضعه ، هو مطلع على جميع الأشياء كلها " ( 5 ) .

وعن أبي عبد الله ( عليه السلام ) : " انهم علموا ما خلق الله وذرأه وبرأه " ( 6 ) .

وعن أبي عبد الله ( عليه السلام ) في قوله تعالى : * ( وكل شئ أحصيناه في إمام مبين

) * ( 7 ) قال : " في أمير المؤمنين ( عليه السلام ) " ( 8 ) .

‹ صفحة 138 ›

وقال ( عليه السلام ) : " أنا رحمت الله التي وسعت كل شئ " ( 1 )

وعن أبي جعفر ( عليه السلام ) في حديث ذكر فيه كتاب الإمام الحسين ( عليه السلام ) إلى فاطمة

ابنته فدفعته إلى علي بن الحسين قلت : فما فيه يرحمك الله ؟

قال ( عليه السلام ) : " ما يحتاج إليه ولد آدم منذ كانت الدنيا إلى أن تفنى " ( 2 ) .

وقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : " معاشر الناس ما من علم إلا علمنيه ربي ، وأنا علمته

عليا " ( 3 ) .

وفي حديث : " . . فما علمني شيئا الا علمه علي " ( 4 ) .

* أقول : ويؤيد هذا الاحتمال ما تقدم في الاحتمال الثاني علمهم بالقرآن الذي

فيه تبيان كل شئ .

ويؤيده الحديث المستفيض : " لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقينا " ( 5 ) .

كان هذا ذكر للروايات التي تفيد علمهم لكل شئ بلا ذكر مصاديق العلوم ،

ولمن أراد تفصيل " علمهم لكل شئ " فليرجع لما ذكره الشيخ الأربلي في كشف

الغمة والقاضي عياض في الشفاء والسيد اللاري في كتابه ( حاجة الأنام إلى النبي

والإمام ) ( 6 ) .

‹ صفحة 139 ›

علم آل محمد ( عليهم السلام ) للغيب

* الاحتمال العاشر :

علم آل محمد ( عليهم السلام ) للغيب

قبل البدء بأدلة الاحتمال لا بأس بالإشارة إلى أن الذي يدعي علم الغيب

للإمام والنبي ( عليهم السلام ) لا يدعيه على نحو الاستقلالية ، بل يدعي ان الله أطلع نبيه وأهل

بيته على الأمور الغيبية التي لم يطلع عليها أحد .

وإن شئت قلت : علم الغيب لذات الشخص وبلا توسط من الغير هو العلم

الثابت لواجب الوجود والذي هو عين الذات ، وهذا مختص بالله ولغيره كفر .

اما العلم بالغيب الذي هو بتوسط الله تعالى وليس هو عين الذات ، فهذا الذي

علمته الأئمة ورسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .

قال تعالى : * ( ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك ) * .

وعلى هذا يحمل قوله تعالى : * ( قل لا أقول عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب

ولا أقول لكم اني ملك ان اتبع إلا ما يوحى إلي ) * فنفى امتلاكه لخزائن الله ولم ينف

امكان تمليك الله خزائنه له أو لأي بشر آخر ، وكذلك نفى كونه ملكا مع أنه أفضل

من الملك ، وقال : * ( اتبع ما يوحى إلي ) * .

وليعلم أيضا ان الغيب اما نسبي واما مطلق ، لأن الغيب هو الاطلاع على

الأمور الغيبية التي خفت عن الناس ، وتارة يطلع الله عبده على أمر غيبي واحد

وأخرى يطلعه على مائة وثالثة يطلعه على كل الأمور الغيبية .

ولذا ما يأتي من روايات تارة يدل علمهم للغيب المطلق ، وأخرى علمهم

لبعض الأمور الغيبية .

فعن أبي عبد الله الصادق ( عليه السلام ) قال : " والله لقد أعطينا علم الأولين

والآخرين " .

فقال له رجل من أصحابه : " جعلت فداك أعندكم علم الغيب ؟

فقال له ( عليه السلام ) : " ويحك اني أعلم ما في أصلاب الرجال وأرحام النساء ، ويحكم

وسعوا صدوركم ولتبصر أعينكم ولتع قلوبكم ، فنحن حجة الله تعالى في خلقه ولن

‹ صفحة 140 ›

يسع ذلك إلا صدر كل مؤمن قوي قوته كقوة جبل تهامة إلا بإذن الله ، والله لو أردت أن

أحصي لكم كل حصاة عليها لأخبرتكم " ( 1 ) .

وقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لعلي : " ان الله أطلعني على ما شاء من غيبه وحيا

وتنزيلا وأطلعك عليه إلهاما " ( 2 ) .

وقال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : " يا مفضل ان العالم منا يعلم حتى تقلب جناح

الطير في الهواء ، ومن أنكر من ذلك شيئا فقد كفر بالله من فوق عرشه ، وأوجب

لأوليائه الجهل " ( 3 ) .

وقيل لابي جعفر ( عليه السلام ) : ان شيعتك تدعي أنك تعلم كيل ما في دجلة . وكانا

جالسين على دجلة .

فقال له أبو جعفر ( عليه السلام ) : " يقدر الله عز وجل أن يفوض علم ذلك إلى بعوضة

من خلقه ؟ "

قال : نعم .

فقال ( عليه السلام ) : " أنا أكرم على الله من بعوضته ، ثم خرج " ( 4 ) .

وقال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في خطبة يصف فيها الإمام : " فهو الصدق والعدل . .

يطلع على الغيب ويعطى التصرف على الاطلاق " ( 5 ) .

وقال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : " يا مفضل من زعم أن الإمام من آل محمد يعزب

عنه شئ من الأمر المحتوم فقد كفر بما نزل على محمد ، وانا لنشهد أعمالكم ولا

يخفى علينا شئ من أمركم ، وان أعمالكم لتعرض علينا ، وإذا كانت الروح وارتاض

البدن أشرقت أنوارها ، وظهرت أسرارها وأدركت عالم الغيب " ( 6 ) .

‹ صفحة 141 ›

وقال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : " والله لو شئت أن أخبر كل رجل منكم بمخرجه

ومولجه وجميع شأنه لفعلت ، ولكن أخاف أن تكفروا في رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، ألا وإني

مفضيه إلى الخاصة " ( 1 ) .

وقال ( عليه السلام ) : " فوالذي نفسي بيده لا تسألوني عن شئ فيما بينكم وبين

الساعة ولا عن فئة تهدي مئة وتضل مئة إلا أنبأتكم بناعقها وقائدها " ( 2 ) .

وقال ( عليه السلام ) : " أيها الناس سلوني قبل أن تفقدوني فلأنا بطرق السماء أعلم مني

بطرق الأرض " ( 3 ) .

وقالت عائشة للحسن ( عليه السلام ) بعد أن أخبرها بما فعلته يوم وفاة الأمير ولم

يطلع عليه أحد سواها : يا ابن خبوت جدك وأبوك في علم الغيب ، فمن ذا الذي

أخبرك بهذا عني ! ! ( 4 ) .

وعندما أخبرها بخفايا ضميرها وما أخبرها به رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من حربها

الأمير ( عليه السلام ) قالت : جدك أخبرك بذلك أم هذا من غيبك ؟ !

قال : " هذا من علم الله وعلم رسوله وعلم أمير المؤمنين ( عليهم السلام ) " ( 5 ) .

وقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : " الغيب درجات منها سماع ومنها نبت في القلب " ( 6 )

.

وقال الإمام الحسن العسكري ( عليه السلام ) لمن سأله عن القائم المنتظر عجل الله

فرجه : " ألسنا قد قلنا لكم لا تسألونا عن علم الغيب فنخرج ما علمنا منه إليكم

فيسمعه من لا يطيق استماعه فيكفر " ( 7 ) .

وعن الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) : " ألا إن للعبد أربع أعين : عينان يبصر بهما

‹ صفحة 142 ›

أمر دينه ودنياه ، وعينان يبصر بهما أمر آخرته ، فإذا أراد الله بعبد خيرا فتح له

العينين في قلبه فأبصر بهما الغيب في أمر آخرته [ وأمر آخرته ] " ( 1 ) .

ورواه المتقي الهندي في كنز العمال بلفظ : " ما من عبد إلا وفي وجهه عينان

يبصر بهما أمر الدنيا ، وعينان في قلبه يبصر بهما أمر الآخرة ، فإذا أراد بعبد خيرا

فتح عينيه اللتين في قلبه ، فأبصر بهما ما وعده بالغيب ، فآمن بالغيب على الغيب "

( 2 ) .

وفي قصة أبو يوسف ومحمد بن الحسن صاحبا أبا حنيفة ما يؤكد علم الإمام

الكاظم ( عليه السلام ) للغيب حيث قال أحدهما لصاحبه : جئنا لنسأله عن الفرض والسنة

وهو الآن جاء بشئ من علم الغيب .

فسألاه من أين أدركت أمر هذا الرجل الموكل بك انه يموت في هذه الليلة ؟

قال الإمام ( عليه السلام ) : " من الباب الذي أخبر بعلمه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) علي بن أبي

طالب ( عليه السلام ) " ( 3 ) .

وأيضا في قصة اخبار الإمام الرضا ( عليه السلام ) ابن هذاب بما يجري عليه ما يزيل

الشك في الباب حيث قال ( عليه السلام ) له : " ان أخبرتك انك ستبلى في هذه الأيام بذي

رحم لك كنت مصدقا لي ؟ "

قال : لا ، فان الغيب لا يعلمه إلا الله تعالى .

قال ( عليه السلام ) : " أوليس الله يقول : * ( عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحد إلا من

ارتضى من رسول ) * فرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عند الله مرتضى ، ونحن ورثة ذلك الرسول

الذي أطلعه الله على ما يشاء من غيبه ، فعلمنا ما كان وما يكون إلى يوم القيامة ، وان

الذي أخبرتك يا ابن هذاب لكائن إلى خمسة أيام ، فإن لم يصح ما قلت فبهذه المدة ،

وإلا فاني كذاب مفتر ، وان صح فتعلم انك الراد على الله وعلى رسوله .

ولك دلالة أخرى فتصاب ببصرك وتصير مكفوفا فلا تبصر سهلا ولا جبالا وهذا

‹ صفحة 143 ›

كائن بعد أيام .

ولك عندي دلالة أخرى انك ستحلف يمينا كاذبة فتضرب بالبرص " .

قال محمد بن الفضل : بالله لقد نزل ذلك كله بابن هذاب ( 1 ) .

* أقول : هذه رواية صريحة في علمهم للغيب لا ينكرها إلا ناصبي .

وعن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في خطبة له : " والإمام يا طارق بشر ملكي وجسد

سماوي ، وأمر إلهي وروح قدسي ، ومقام علي ونور جلي وسر خفي ، فهو ملك الذات

إلهي الصفات ، زائد الحسنات عالم بالمغيبات ، خصا من رب العالمين ونصا من

الصادق الأمين " ( 2 ) .

وعن أبي جعفر الجواد ( عليه السلام ) لما أخبر أم الفضل بنت المأمون بما فاجأها مما

يعتري النساء عند العادة .

قالت له : لا يعلم الغيب إلا الله .

قال ( عليه السلام ) : " وأنا أعلمه من علم الله تعالى " ( 3 ) .

* أقول : وهذه رواية أخرى تنص على علمهم للغيب فلا تغفل وأزل الشك

من قلبك .

وفي خطبة لأمير المؤمنين يذكر فيها صفات الإمام جاء فيها : " ويلبس الهيبة

وعلم الضمير ، ويطلع على الغيب ويعطى التصرف على الإطلاق " ( 4 ) .

هذه روايات الغيب المطلق .

- واما روايات اخبارهم بأمور غيبية فهي كثيرة جدا ، بل هي من معاجز آل

محمد ( عليهم السلام ) ، وقد تقدم الكثير منها في الأبحاث السابقة كعلمهم بما في الضمائر وأعمال

العباد ، وكعلمهم بما يكون وما يأتي .

1 - ومنها اخبارات النبي الأعظم ( صلى الله عليه وآله ) بقتل الإمام الحسين ( عليه السلام ) وتربته

‹ صفحة 144 ›

وزواره والبكاء عليه وما يجري له ( 1 ) .

واخباراته ( صلى الله عليه وآله ) أيضا بخروج عائشة لقتال فرقة من المسلمين ونبح كلاب

الحوأب لها ( 2 ) .

وأخباراته ( صلى الله عليه وآله ) بما يجري على ابنته فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) من الظلم ( 3 ) .

* أقول : اخبارات النبي لا يمكن حصرها بهذه الرسالة ( 4 ) .

بل ادعى القاضي عياض تواتره ( 5 ) .

2 - ومنها أخبار أمير المؤمنين بقتل الحسين وقاتله ( 6 ) .

واخباره ( عليه السلام ) طلحة والزبير انهما لا يريدان العمرة انما البصرة ( 7 ) .

وأخباره ( عليه السلام ) بقضية الخوارج وصاحب الثدية ( 8 ) .

واخباره ( عليه السلام ) عن قتل نفسه ( 9 ) .

واخباره ( عليه السلام ) بقتل ميثم التمار وصلبه ( 10 ) .

‹ صفحة 145 ›

* أقول : اخبارات أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بالمغيبات كثيرة لا مجال لذكرها هنا

( 1 ) .

3 - ومنها اخبار فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) بموتها ومكان دفنها ( 2 ) .

4 - ومنها اخبار الإمام الحسن ( عليه السلام ) عائشة بما فعلته يوم وفاة الأمير ( 3 ) ،

وغيرها من اخباراته ( 4 ) .

5 - ومنها اخبار الحسين ( عليه السلام ) بقتله ( 5 ) وبكثير من الأمور الغيبية

الأخرى ( 6 ) .

6 - ومنها اخبار الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) بكثير من الغيب ( 7 ) .

7 - ومنها اخبار الإمام الباقر ( عليه السلام ) باستخلاف عمر بن عبد العزيز واخباره

بأمور أخرى ( 8 ) .

‹ صفحة 146 ›

8 - ومنها أخبار الإمام الصادق ( عليه السلام ) بصنيعة أبا كهمش مع الجارية ، وبظلم

إبراهيم بن مهزم لأمه ، وبزنا بعض الناس ، وما شابه من اخباراته ( 1 ) .

9 - ومنها اخبار الإمام الكاظم ( عليه السلام ) بكثير من الأمور الغيبية ( 2 ) .

10 - ومنها اخبار الإمام الرضا ( عليه السلام ) في عدة وقائع معروفة ( 3 ) .

11 - ومنها اخبار الإمام الجواد ( عليه السلام ) في مكان الشاة وعلمه بما أضمره محمد

ابن علي الهاشمي ونحوها ( 4 ) .

12 - ومنها اخبار الإمام علي الهادي ( عليه السلام ) في وقائع متعددة ( 5 ) .

13 - ومنها اخبار الإمام العسكري ( عليه السلام ) وهو مستفيض ( 6 ) .

14 - وآخرها أخبار من صاحب الغيبة الحجة القائم المنتظر - أرواح العالمين

لتراب مقدمه الفداء ( 7 ) .

- ونحو ذلك من اخباراتهم عليهم صلوات المصلين ( 8 ) .

هذا ويأتي في الخاتمة اخبارات الأئمة جميعا بموتهم وكيفيته ، وهو من الأمور

الغيبية أيضا .

‹ صفحة 147 ›

الآيات الدالة على علم آل محمد ( عليهم السلام ) للغيب

الآيات الدالة على علم النبي للغيب

* الآية الأولى قوله تعالى :

* ( عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول ) * ( 1 ) .

فظاهر الآية امكان اطلاع من يرتضيه الله لغيبه ، وهي لا تحدد مقدار الغيب ،

بل تبقى على اطلاقها .

وقد جاءت الرواية ان محمدا وآل محمد ارتضاهم الله لذلك :

فقال الإمام الرضا ( عليه السلام ) لعمرو بن هذاب عندما نفى عن الأئمة ( عليهم السلام ) علم

الغيب محتجا بهذه الآية : " ان رسول الله هو المرتضى عند الله ، ونحن ورثة ذلك

الرسول الذي اطلعه الله على غيبه فعلمنا ما كان وما يكون إلى يوم القيامة " ( 2 ) .

وقال أبو جعفر ( عليه السلام ) : " * ( إلا من ارتضى من رسول ) * وكان والله محمد ممن

ارتضاه " ( 3 ) .

* الآية الثانية قوله تعالى :

* ( ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك - تلك من أنباء الغيب نوحيها

إليك ) * ( 4 ) .

وهذا نص صريح في علم النبي ( صلى الله عليه وآله ) لأمور غيبية منا منه تعالى على نبي الهدى

صلوات الله عليه وآله .

* الآية الثالثة قوله تعالى :

* ( وعلمك ما لم تكن تعلم ) * ( 5 ) .

وقد تقدم الكلام في الآية في العلم اللدني .

‹ صفحة 149 ›

* الآية الرابعة قوله تعالى :

* ( وكل شئ أحصيناه في إمام مبين ) * ( 1 ) .

والإمام المبين هو أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) :

فعن الإمام الباقر ( عليه السلام ) لما نزلت هذه الآية قام رجلان فقالا : يا رسول الله من

الكتاب المبين أهو التوراة ؟

قال ( صلى الله عليه وآله ) : " لا " .

قالا : فهو الإنجيل .

قال ( صلى الله عليه وآله ) : " لا " .

قالا : فهو القرآن ؟

قال ( صلى الله عليه وآله ) : " لا " .

فأقبل أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : " هذا هو الإمام المبين الذي

أحصى الله فيه كل شئ " ( 2 ) .

وعن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أنه قال : " أنا والله الإمام المبين أبين الحق من الباطل

ورثته من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) " ( 3 ) .

وقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : " معاشر الناس ما من علم إلا علمنيه ربي وأنا علمته

عليا ، وقد أحصاه الله في ، وكل علم علمته فقد أحصيته في إمام المتقين وما من علم

‹ صفحة 150 ›

إلا علمته عليا " ( 1 ) .

وجاء في حديث الإمام الصادق ( عليه السلام ) مع المفضل وكشفه عن قبر أمير

المؤمنين ( عليه السلام ) ما يؤيد ذلك قال المفضل : ودخلنا من مزارنا منها ( بقعة أمير المؤمنين )

إلى مولانا الصادق ( عليه السلام ) فوقفنا بين يديه .

فقال ( عليه السلام ) : " والله يا مفضل ويا صفوان ما خرجتما عن البقعة عقدا واحدا ،

ولا نقصتما عنها قدما " .

فقلنا : الحمد لله ولك يا مولاي وشكرا لهذه النعمة .

وقرأ ( عليه السلام ) : * ( وكل شئ أحصيناه كتابا ) * وقوله : * ( وكل شئ أحصيناه في

إمام مبين ) * ( 2 ) .

وعن صالح بن سهل عن جعفر الصادق عليه السلام قال : " * ( وكل شئ

أحصيناه في إمام مبين ) * في أمير المؤمنين صلوات الله عليه نزلت " ( 3 ) .

وعن عمار بن ياسر قال : كنت مع أمير المؤمنين ( عليه السلام ) سائرا فمررنا بواد

مملوءة نملا فقلت : يا أمير المؤمنين ترى أحدا من خلق الله يعلم عدد هذا النمل ؟

قال ( عليه السلام ) : " نعم يا عمار أنا أعرف رجلا يعلم كم عدده وكم فيه ذكر وكم فيه

أنثى " .

فقلت : من ذلك الرجل ؟

فقال : " يا عمار أما قرأت في يس * ( وكل شئ أحصيناه في إمام مبين ) * ؟ "

فقلت : بلى يا مولاي .

قال : " أنا ذلك الإمام المبين " ( 4 ) .

‹ صفحة 151 ›

وقال المتتبع العلامة الجزائري : فقد تحقق في الأخبار العامة والخاصة ان قوله

تعالى : * ( وكل شئ أحصيناه في إمام مبين ) * المراد به علي بن أبي طالب ( 1 ) .

وعن طاهر بن الحسن في حديث انتسابه إلى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) قال : " أنا

طاهر بن الحسن بن . . . . بن علي بن أبي طالب الذي أنزل الله فيه * ( وكل شئ

أحصيناه في إمام مبين ) * هو والله الإمام المبين ، ونحن الذين أنزل الله في حقنا :

* ( ذرية بعضها من بعض ) * " ( 2 ) .

* أقول : ذكر في بعض التفاسير ان الإمام المبين هو اللوح المحفوظ ، وان الله

عبر عن اللوح بألفاظ متعددة كأم الكتاب والكتاب المبين ( 3 ) .

وروي عن مجاهد أن الإمام المبين هو أم الكتاب ( 4 ) .

وعن قتادة أن الإمام المبين هو الكتاب المبين ( 5 ) .

وإذا صح ذلك فقد تقدم ان اللوح المحفوظ هو أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ( 6 ) .

وسوف يأتي في الآية التالية انهم هم الكتاب المبين .

ومن طريق آخر تقدم في الكتاب الأول ان أول ما خلق الله اللوح المحفوظ

وان أول ما خلق الله محمد وعلي والأئمة ( عليهم السلام ) .

وهذا يشير إلى انهم اللوح المحفوظ الذي حفظ الله فيه كل شئ أحصاه بعلمه

وقدرته فتأمل .

ومن طريق ثالث تقدم في الكتاب الأول استفاضة الأخبار بأن عندهم علم

الكتاب وانهم المرادون بقوله تعالى : * ( ومن عنده علم الكتاب ) * .

‹ صفحة 152 ›

هذا وقد فسر علم الكتاب باللوح المحفوظ ، كما نقله الشوكاني في تفسيره ( 1 )

.

فينتج : كونهم ( عليهم السلام ) الإمام المبين واللوح المحفوظ والكتاب المبين الذي خص

الله فيه كل شئ ، وهذا يشمل كل الأمور الغيبية لأنها لا تخرج عن الشيئية ، بل

الآية مطلقة لكل أمر أمر .

‹ صفحة 153 ›

* الآية الخامسة قوله تعالى :

* ( ورحمتي وسعت كل شئ ) * ( 1 ) .

فروي عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) في تفسيرها : " علم الإمام ، ووسع علمه الذي

هو من علمه كل شئ " ( 2 )

وقال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : " أنا رحمت الله التي وسعت كل شئ " ( 3 ) .

* الآية السادسة قوله تعالى :

* ( وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا

أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين ) * ( 4 ) .

وقال عز من قائل :

* ( وكل شئ أحصيناه كتابا ) * ( 5 ) .

فهذه الآية تدل على إمكان كون علم كل هذه الأمور الشاملة لعلم الحاضر

والماضي والمستقبل ولعلم الغيب ، يمكن أن يحصيها حاص وهو الكتاب المبين .

وقد ورد في الأحاديث الشريفة ان آل محمد صلوات الله عليهم جميعا هم

الكتاب المبين ( 6 ) .

ومن طرق ثاني تقدم ان الكتاب المبين هو الإمام المبين ، وتقدم أيضا انهم هم

الإمام المبين في كل زمان .

‹ صفحة 154 ›

وفي المناقب سئل علي ( عليه السلام ) ان عيسى بن مريم كان يحيي الموتى وسليمان بن

داود كان يفهم منطق الطير ، هل لكم هذه المنزلة ؟

قال ( عليه السلام ) : " ان الله يقول في كتابه : * ( وما من غائبة في السماء والأرض إلا في

كتاب مبين ) * فنحن أورثنا هذا القرآن الذي فيه ما يسير به الجبال وقطعت به

البلدان ويحيى به الموتى ، وأورثنا هذا الكتاب فيه تبيان كل شئ " ( 1 ) .

ويشير إلى ذلك أيضا ما ورد عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) : فعن المفضل قال :

دخلت على الإمام الصادق ( عليه السلام ) ذات يوم فقال لي : " يا مفضل هل عرفت محمدا

وعليا وفاطمة والحسن والحسين : كنه معرفتهم ؟ " .

قلت : يا سيدي ما كنه معرفتهم ؟

قال : " يا مفضل من عرفهم كنه معرفتهم كان مؤمنا في السنام الأعلى " .

قال : قلت : عرفني ذلك يا سيدي ؟

قال ( عليه السلام ) : " يا مفضل تعلم انهم علموا ما خلق الله عز وجل وذرأه وبرأه ،

وانهم كلمة التقوى وخزان السماوات والأرضين والجبال والرمال والبحار ، وعلموا

كم في السماء من نجم وملك ، ووزن الجبال وكيل ماء البحار وأنهارها وعيونها ، وما

تسقط من ورقة إلا علموها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في

كتاب مبين ، وهو في علمهم وقد علموا ذلك " ( 2 ) .

‹ صفحة 155 ›

* تمحيص الاحتمالات

علم أن سعة علمهم مردد بين : ( العلم بما في اللوح المحفوظ - العلم بالقرآن -

العلم بما في السماوات والأرض والجنة والنار - العلم بما كان ويكون - علمهم بما

يحتاج إليه الناس - عندهم جوامع ومعدن العلوم - عندهم علم جميع الملائكة

والأنبياء - انهم أعلم من الملائكة وأولي العزم - العلم بكل شئ لا يعلمونه - العلم

بالغيب ) .

وهذه الاحتمالات ليست متنافية فيما بينها لإمكان التداخل ، فما أثبت لهم

العلم باللوح المحفوظ لم ينف العلم بالقرآن ولا بقية الاحتمالات ، وهكذا بالنسبة لكل

احتمال احتمال .

وعليه فجمعا بين هذه الاحتمالات نقول : انهم يعلمون اللوح المحفوظ

والقرآن ، وما في السماوات والأرض وما كان وما يكون وما يحتاج إليه الناس

وأمورا غيبية أخرى .

ويكون سبب هذه الاختلافات في الأجوبة : اما عدم تحمل السائل لعلمهم

كما في روايات علمهم بالقرآن .

واما لأن العلم باللوح المحفوظ يشمل كل العلوم قال تعالى : * ( وما يعزب عن

ربك من مثقال ذرة في الأرض وفي السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب

مبين ) * ( 1 ) .

وقال تعالى : * ( بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ ) * ( 2 ) .

واما لان العلم بالقرآن هو نفسه يرجع إلى علمهم بكل شئ ، لأن القرآن فيه

تبيان كل شئ ( 3 ) ، ويرجع لما يحتاج إليه الناس لأنهم يعتمدون على القرآن في

‹ صفحة 156 ›

التشريع .

والعلم بكل شئ يشمل كل الاحتمالات السابقة لأنه كانت ألسنتها ان الله

أعلمهم بما لا يعلمون ، ولم يستثن شيئا ، وبعضها انه أعلمهم بكل شئ ، وهذا يشمل

كل العلوم الغيبية وغيرها .

واما مسألة علمهم بعلوم الأنبياء ، ثم في الاحتمال الآخر انهم أعلم من

الأنبياء ، فهذا ما أشار إليه الإمام الباقر ( عليه السلام ) عندما أخبر ان الله جمع للنبي كل علوم

الأنبياء والنبي ( صلى الله عليه وآله ) جمعها لعلي .

فقال السائل : يا بن رسول الله فأمير المؤمنين أعلم أم بعض النبيين ؟

فتعجب الإمام منه ( 1 ) .

فالروايات التي قالت إنه ورث أو تعلم علم كل الأنبياء بنفسها تدل انه أعلم

منهم ، لأنه يكون قد جمع ما تفرق في كل واحد منهم ( عليهم السلام ) .

ويؤيده ما ورد انه : " من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه فلينظر إلى علي ومن

أراد أن ينظر إلى موسى في بطشه فلينظر إلى علي " ( 2 ) .

وهكذا في بقية صفات الأنبياء ( عليهم السلام ) .

فهو جمع العلم والشجاعة والحلم المتفرق بهم .

هذا ، وقد قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : " من رأى عليا فقد رأى أولي العزم من الرسل

" ( 3 ) .

ولم يكن علي ( عليه السلام ) يشبه الأنبياء بصفاته الخلقية ، فيتعين الشبه بالصفات

الخلقية .

وعلم الغيب أيضا يشمل علمهم بما يكون لأنه اخبار عن أمور غيبية .

‹ صفحة 157 ›

وعليه فالمتعين هو علمهم بكل شئ ، وبه قال العلامة الطباطبائي انه

متواتر ( 1 ) . وهو مساوق للعلم بالغيب .

وإن شئت قلت : علمهم بكل علم ممكن ، كما تقدم عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) :

" معاشر الناس ما من علم إلا علمنيه ربي وأنا علمته عليا " ( 2 ) .

وقد تقدم في العلم اللدني كلام الغزالي في الوحي والعلم الرباني للنبي ، وانه

يقتضي العلم بكل شئ قال : فيحصل جميع العلوم لتلك النفس وينتقش فيها جميع

الصور من غير تعلم وتفكر ومصداق هذا قوله تعالى لنبيه : * ( وعلمك ما لم تكن

تعلم ) * ( 3 ) .

ويأتي علم الأئمة بموتهم على التفصيل ، والتي هي أمور غيبية .

وعلم الغيب لابد أن يكون داخلا تحت هذا الشئ .

اما ما ورد في نفي علم الغيب عنهم فلما تقدم انهم ينفونه بكونه صفة لواجب

الوجود ، وانه عين الذات ، فالنفي كان لعلم الغيب الاستقلالي ، ولم ينفوه بما هو من

الله تعالى .

قال العلامة المجلسي : ( قد عرفت مرارا ان نفي علم الغيب عنهم معناه انهم لا

يعلمون ذلك من أنفسهم بغير تعليمه تعالى بوحي أو إلهام وإلا ، فظاهر أن عمدة

معجزات الأنبياء والأوصياء ( عليهم السلام ) من هذا القبيل ) ( 4 ) .

وللعلامة الأميني كلام مشابه جميل لا بأس بالرجوع إليه ( 5 ) .

ومما يؤيد ذلك قصة الإمام الجواد ( عليه السلام ) مع ابنة أم جعفر حيث علم منها ما لا

يعلمه إلا الله فسألته أم جعفر قائلة : فمن أين لك علم ما لا يعلمه إلا الله وهي ؟ .

‹ صفحة 158 ›

فقال ( عليه السلام ) : " وأنا أيضا أعلمه من علم الله " ( 1 ) .

وبعد هذا لا يصار إلى ما ذكره الشيخ المفيد ( قده ) في أوائل المقالات ( 2 ) من

نسبة علم الغيب إلى المفوضة ، حيث فسر علم الغيب بأنه من علم الأشياء بنفسها لا

بعلم مستفاد ، فكأنه وقع خلط بين العلم الثابت لله كصفة لواجب الوجود وهو علم

استقلالي نابع من ذات الباري عزت آلاؤه ، وبين العلم الذي يوصف به آل

محمد ( عليهم السلام ) والذي هو من تعليم الله تعالى ، فليس هو بالعلم الاستقلالي ولا يعد صفة

لواجب الوجود .

فالأئمة يعلمون الأمور الغيبية من علم الله ، كما بيناه .

* فينتج :

أولا : أن علم الغيب لا يؤدي إلى التفويض المحرم ، وان كان بمعنى التفويض

الصحيح ( 3 ) .

ثانيا : شمول علم الأئمة ( عليهم السلام ) لعلم الغيب كما تقدم .

ثالثا : بقية الاحتمالات في سعة علم آل محمد ( عليهم السلام ) لا تنافي علم الغيب .

رابعا : أن زمن امتلاك آل محمد ( عليهم السلام ) لعلم الغيب هو عالم الأنوار والأظلة .

خامسا : أن علمهم لدني غير كسبي مصدره الله تعالى بلا توسط مخلوق .

‹ صفحة 159 ›

الخاتمة / علم آل محمد ( عليهم السلام ) بزمان موتهم

الخاتمة في أمور

* الامر الأول :

* علم آل محمد ( عليهم السلام ) بزمان ومكان موتهم

فعن بعض أصحابنا قال : قلت للرضا ( عليه السلام ) الإمام يعلم إذا مات ؟

قال : " نعم ، يعلم بالتعليم حتى يتقدم في الأمر " .

قلت : علم أبو الحسن بالرطب والريحان المسمومين الذين بعث إليه يحيى بن

خالد .

قال : " نعم " ( 1 ) .

وعن الإمام الصادق ( عليه السلام ) : " ان أبي مرض مرضا شديدا - إلى أن قال - اني

ميت يوم كذا وكذا ، "

قال : فمات في ذلك اليوم ( 2 ) .

وكان الإمام الكاظم ( عليه السلام ) يعلم بموته على التفصيل ( 3 ) .

وكان أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) يعلم بموته وبقاتله على التفصيل ( 4 ) .

بل نقل الراوندي تواتره ( 5 ) .

وكان الإمام الحسين ( عليه السلام ) يعلم متى يموت وبأي أرض يموت ومن يستشهد

معه ( 6 ) .

‹ صفحة 160 ›

وكانت فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) كذلك ، فقامت واغتسلت وأوصت ( 1 ) .

بل ورد ان أصحاب الكساء صلوات الله عليهم يعلمون ما يحل بهم في عالم

الأظلة والأنوار ( 2 ) .

وكذلك الإمام الرضا ( عليه السلام ) حيث قال لابن جهم : " فإنه سيقتلني بالسم وهو

ظالم لي ، أعرف ذلك بعهد معهود إلي من آبائي عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فاكتم هذا علي

ما دمت حيا " ( 3 ) .

والإمام زين العابدين قال للإمام الباقر ( عليهما السلام ) : " يا بني ان هذه الليلة التي

أقبض فيها " ( 4 ) .

بل ورد ان علمهم بموتهم من علامات إمامتهم :

قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : " أي إمام لا يعلم ما يصيبه وإلى ما يصير فليس

ذلك بحجة لله على خلقه " ( 5 ) .

* أقول : هذه جملة من الأحاديث الدالة انهم يعلمون بموتهم على التفصيل ،

ولا يمكن لمنكر أن ينكر عليهم ذلك ، فان ما تقدم من أحاديث ملزم لمن كان له قلب

أو ألقى السمع وهو شهيد .

هذا وما تقدم من أحاديث في سعة علمهم وكيفيته وزمانه وجهاته ، كله يدل

انهم يعلمون بموتهم ، لأن علمهم بكل شئ شامل لذلك ، وعلمهم بالغيب شامل له

أيضا ، وكون علمهم لدنيا حاضرا فيهم شامل أيضا لذلك .

‹ صفحة 161 ›

نعم ، أنكر من أنكر العلم بموتهم من جهة اشكال معروف ، وهو أنه إذا علم

بموته بالسم والقتل كيف يقدم عليه ؟ !

وهل يكون الإمام يعين قاتله على نفسه ؟ !

وهل يعتبر ذلك رميا للنفس في التهلكة ؟ !

إلا أنه يمكن رفع هذا الإشكال بعدة إجابات ترفع حجة القول بإنكار علمهم

بموتهم ، فنقول وبالله المستعان ومن آل محمد توسط المعونة :

‹ صفحة 163 ›

* دفع اشكال معرفة الإمام بموته

* الجواب الأول : ان يقال ان حالهم حال الشهداء الأبرار ، بل هم أفضل ،

فان بعض الشهداء يعلمون بزمان ومكان استشهادهم ، والعرف لا يحكم عليهم

بالتهلكة وقتل النفس ، فان العمليات الاستشهادية التي يقوم بها أبدال أهل الشام

في ألوية حزب الله ، أكبر دليل على التضحية والفداء ، يخرجون من مقرهم

بسياراتهم المفخخة ويسير أحدهم إلى الهدف اليهودي حتى إذا ما وصل إليه أطلق

زر التفجير ، فتنفجر سيارته بالأعداء وهو في داخلها ، فعند حله لزر الأمان يعلم

بموته على التفصيل ، ومع ذلك يقدم من أجل هدف أسمى وتنفيذ الأوامر الإلهية

المأخوذة على عاتقه .

* الجواب الثاني : أن يكون الإمام ( عليه السلام ) عند موته مخيرا بين الموت والبقاء ،

ولكنه يختار الأفضل لعلمه ان الآخرة ولقاء الله تعالى خير له من البقاء في الدنيا .

ويدل عليه ما روي عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) : " نحن معشر إذا لم يرض الله

لأحدنا الدنيا نقلنا إليه " ( 1 ) .

وحديث الإمام الرضا ( عليه السلام ) : " رأيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) البارحة وهو يقول : يا

علي عندنا خير لك " ( 2 ) .

وحديث الإمام الباقر ( عليه السلام ) أيضا قال : " أنزل الله تعالى النصر على

الحسين ( عليه السلام ) حتى كان بين السماء والأرض خير : النصر أو لقاء الله فاختار لقاء الله

تعالى " ( 3 ) .

اما لماذا ما عند الله خير ؟ ولماذا لم ينقله إليه قبل هذه المدة مع أنه في كل وقت

‹ صفحة 164 ›

ما عند الله خير لآل محمد ( عليهم السلام ) ؟

فذلك لأن الإمام سفير الله تعالى في أرضه ، وله مهمة هداية الناس ، فإذا

انتهت مدته وجاءت مدة الإمام الذي بعده ، فان العلة التي اقتضت بقاءه قد ارتفعت

فيعود إلى مقره الأبدي .

وسوف يأتي توضيح ذلك في الجواب الصحيح .

* الجواب الثالث : ما ذكره العلامة المجلسي قال : ( ان التحرز عن أمثال تلك

الأمور ( كتناول السم ونحوه ) انما يكون فيمن لم يعلم جميع أسباب التقادير الحتمية ،

وإلا فيلزم أن لا يجري عليهم شئ من التقديرات المكروهة ، وهذا مما لا يكون .

والحاصل ان أحكامهم الشرعية منوطة بالعلوم الظاهرية لا بالعلوم

الإلهامية ) ( 1 ) .

مراده : ان الانسان العادي إذا علم أن ما يأكله سم يؤدي إلى الموت فإنه يمتنع

عن تناوله ويتحرز عنه لعدم علمه بالأسباب الحقيقية للموت وعدم علمه بكيفية

موته من غير السم ، إذ لعل الانسان لو يعلم ان موته سوف يقع بأمر أعظم من السم

، أو انه سوف يموت أمام أطفاله فيما بعد ، لقبل بموته بالسم هذا ولتناوله من أجل انه

اختار أهون الموتتين وأصلحهما له ولعياله .

اما أهل البيت ( عليهم السلام ) فهم يعلمون كل التقديرات المكروهة والأفعال التي

سوف تحل بهم ، فمثلا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عندما خرج إلى المسجد الحرام كان يعلم ان

كفار قريش سوف يلقون عليه أثناء الصلاة السل وفضلات الحيوان ، ومع علمه

خرج ، وهكذا في كثير من الأمور المكروهة التي تحصل لهم ( عليهم السلام ) .

وعليه فالإمام يتعامل بالظواهر في أمثال هذه الأمور كبقية الناس مع علمه

بما يحصل ، لذا ورد الحديث الشريف : " نحن صبر وشيعتنا أصبر لأننا نصبر على ما

‹ صفحة 165 ›

نعلم وهم يصبرون على ما لا يعلمون " ( 1 ) .

وعليه ، فعندما عرض على الإمام ( عليه السلام ) العنب المسموم فإنه يتعامل معه على أنه

عنب ، ولا يتعامل معه على أنه سم مميت تنزيلا لنفسه منزلة الأشخاص العاديين .

وإلا لو أراد الإمام التعامل معه على أنه سم حقيقي لما تناوله وعندها لا يقع

عليه القتل أبدا مع علمه أن الله قد كتبه عليه ! !

هذا ما يمكن أن يوجه به جواب العلامة المجلسي .

وفيه : انه إن صح لا يفسر حقيقة علمهم بموتهم .

على أنه التزم بأن فعل الإمام تهلكة إلا أن تكليفه فيها غير تكليفنا نحن فيها ،

وهذا لا ملزم لنا للقبول به ، لما يأتي في الجواب الصحيح .

* الجواب الرابع : ما ذكره العلامة المجلسي أيضا من انه يمكن أن يقال : ( لعلهم

علموا انهم لو لم يفعلوا ذلك لأهلكوهم بوجه أشنع من ذلك فاختاروا أيسر

الأمرين ) ( 2 ) .

أقول : هذا يصح بالنسبة لأمثالنا ذلك اننا إذا علمنا بشرين فإننا نختار

أيسرهما .

اما آل محمد ( عليهم السلام ) فان المسألة بالنسبة لهم تختلف ، فان الله هو الذي يقدر

أمورهم ، فلو علم الله ان تلك الموتة أنفع للإمام أو للشيعة أو لمصلحة ما ، لأوجبها

عليهم ، وهم ( عليهم السلام ) لما اختاروا غيرها .

وبعبارة أخرى : الإمام يعلم ما اختار الله له من كيفية موته ، وهو ( عليه السلام ) لا

يريد إلا ما أراد الله ، فالمسألة ليست مسألة علم الإمام بكيفية الموت فقط ، بل

المسألة تتعلق بشئ أعظم من ذلك ، والتخيير للإمام في اختيار أي الموتتين مرتبط

بمقام يستحق أن يختار الإمام لأجله فراق الشيعة .

‹ صفحة 166 ›

على أن الإمام الكاظم ( عليه السلام ) حاول الطاغية الرشيد قتله أولا بالسم فلم يفلح ،

ثم عاد وقتله بالسم نفسه ( 1 ) فالموتة الأولى كانت كالثانية .

* الجواب الخامس : ما وردت به بعض الروايات ان الله ينسى الإمام لينفذ

حكمه فيه ، كالمروي عن الإمام الرضا ( عليه السلام ) في تناول الرطب من الإمام الكاظم ( عليه السلام )

فقال : " أنساه لينفذ فيه الحكم " ( 2 ) .

وفي رواية أخرى : " غاب عنه المحدث " ( 3 ) .

* أقول : وهذا يرفع إشكال اقدام الإمام على تناول السم والرمي بالتهلكة

لأنه أكل العنب وهو لا يعلم انه مسموم .

وفيه :

أولا : انه ينافي ما تقدم من روايات وانه من علامات الإمام العلم بموته .

ثانيا : ينافي علم الإمام وسعته بما تقدم في مواضع مختلفة ومستفيضة وانه

يشمل كل شئ .

ثالثا : تقدم نفي السهو عن الإمام .

رابعا : هذا الجواب لا يتناسب مع عظمة الإمام إذ يكون الإمام لا يعلم إلى

أين يصير ، ولا يختار بنفسه ما عند الله عز وجل من المقام المحمود ، ويكون كبقية

الناس يقدم على أمر خفي مجهول .

خامسا : اننا لا نحتاج إلى هذا الجواب مع وجود الأجوبة الأخرى .

* الجواب السادس : ما ورد في رواية الإمام الكاظم ( عليه السلام ) قال : " ان الله

عز وجل غضب على الشيعة فخيرني في نفسي أو هم ، فوقيتهم والله بنفسي " ( 4 ) .

‹ صفحة 167 ›

وهذه الرواية مروية في حق الإمام الكاظم ( عليه السلام ) فقط ، فهل يمكن تعدية

الحكم لكل إمام ( عليه السلام ) ؟ !

قد يقال : إنه ممكن في حق بعض الأئمة ممن كانت الشيعة في زمانهم ، كما كانت

في زمن الإمام الكاظم ( عليه السلام ) ، ولكن ماذا نفعل في شيعة قائم آل محمد ( صلى الله عليه وآله ) ! !

نعم الرواية لا تفسر لنا حقيقة انتقال الإمام إلى جوار ربه وعودته إلى عرش

الرحمن تعالى .

فالجواب لا يخلو من ضعف .

* الجواب السابع : ما ذكره الشيخ المفيد ( قده ) قال في تخريج علم أمير

المؤمنين ( عليه السلام ) بموته :

( إذا كان لا يمتنع أن يتعبده الله بالصبر على الشهادة والاستسلام للقتل ، ليبلغه

الله بذلك من علو الدرجة ما لا يبلغه إلا به ، ولعلمه تعالى بأنه يطيعه في ذلك طاعة

لو كلفها سواه لم يؤدها ، ويكون في المعلوم من اللطف بهذا التكليف لخلق من الناس

ما لا يقوم مقامه غيره ، فلا يكون بذلك أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ملقيا بيده إلى التهلكة ولا

معينا على نفسه معونة مستقبحة في العقول ) ( 1 ) .

وعلى كلامه يكون أمير المؤمنين ( عليه السلام ) عالما بوقت استشهاده وانها في الصلاة

ويصبر على ذلك من أجل المرتبة المرجوة ، وهذا لا محذور فيه من هذه الناحية ، إذ

يحافظ على علم أمير المؤمنين ( عليه السلام ) باستشهاده ولا يدخل الجهل عليه .

ومسألة الدرجة الرفيعة أيضا لا إشكال فيها ، إذ تحمل على الدرجة المعنوية

والقرب من الله تعالى ، لأن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) يعبد الله عبادة الأحرار لا عبادة

التجار .

نعم ، مسألة صبر الأمير ( عليه السلام ) على الشهادة ، قد يفهم منها الجزع والخوف أو

لا أقل عدم الرغبة في هذا القتل ، لأن الصبر لا يكون إلا على المكروه ، نعم هو صبر

‹ صفحة 168 ›

عن علم كما تقدم في الحديث : " نحن صبر وشيعتنا أصبر لأننا نصبر على ما نعلم " .

فيكون في جواب الشيخ الأقدس محذور الصبر على المكروه ، مع أن الشهادة

بالنسبة لغير أمير المؤمنين ( عليه السلام ) عشق ، فكيف هي لأمير الموحدين علي بن أبي

طالب صلوات المصلين عليه ، وهو القائل : " لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل

بثدي أمه " ( 1 ) .

وقال ( عليه السلام ) : " لولا الآجال التي كتب الله لهم لماتوا شوقا إلى الله والثواب " ( 2 ) .

وانسه بالموت والشهادة ما هو إلا الحب وعشق لقاء الله تعالى ، نعم أمير

الموحدين ( عليه السلام ) كان صابرا على المكروه ، ولكن ليست هي الشهادة والقتل ، انما

صبره على فراق الله هو المكروه : " إلهي صبرت على عذابك فكيف أصبر على

فراقك " ( 3 ) .

وعليه فلولا مسألة الصبر على المكروه ، فان جواب الشيخ المفيد متين وعلى

كل حال هو أفضل الأجوبة المتقدمة .

نعم هذه ليست عقيدة الشيخ المفيد لأنه استبعد علم أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وغيره

من الأئمة بموتهم ووقت ذلك ، ونفى وجود أثر في ذلك ( 4 ) .

ولسنا في صدد الرد عليه ، انما أنت خبير بوجود الأثر المستفيض ، وقد تقدم

منه شيئا يسيرا ، ونقلت لك الروايات في علمهم بموتهم وعلمهم بالمغيبات .

* الجواب الثامن : ما ذكره العلامة الطباطبائي في تفسيره ملخصه بقوله :

( فلو فرض حصول علم بحقائق الحوادث على ما هي عليها في متن الواقع لم

يؤثر ذلك في اخراج حادث منها ، وان كان اختياريا عن ساحة الوجوب إلى حد

‹ صفحة 169 ›

الإمكان ) ( 1 ) .

مراده انه لو فرض علم الإمام مثلا بوقت قتله وساعته ، فان علمه بذلك لا

يؤثر ولا يمنع وقوع القتل من باب ان حدوث القتل يستند إلى علل وشرائط ، فإذا

تمت وجب تحقق الفعل والقتل ، كتحقق أي معلول عند حصول علته التامة .

* أقول : صحيح ان العلل إذا تمت وجب تحقق المعلول ، وان الشرائط إذا

توفرت وجب حصول القتل ، ولكن في ما نحن فيه من اقدام الإمام ( عليه السلام ) على القتل

مع علمه به ، وانه لا يلزم منه المساعدة على التهلكة ، في مثل هذا نحن نحاول معرفة

مدخلية علم الإمام في قتله ، وهل هو مخير أم غير مخير ، وهل هو يعلم بذلك أو لا ؟

وتقدم في الروايات كونه عالما بقتله وكونه مخيرا في ذلك ، وانه اختار

الأفضل ، وهو القتل والقرب من الله تعالى ، ولو كان الأفضل هو البقاء لاختاره .

والخلاصة : ظاهر كلامه عدم اختيار الإمام في زمن قتله ، وهذا منافي لبعض

الأخبار المتقدمة .

نعم ، لا يقال اختيار الإمام ينافي قانون العلية ، لأنا نقول لو اختار الإمام

البقاء لما قتل ، ولما انهدم قانون العلية الظاهري ، إذ يكشف عندها عن عدم تحقق

كافة العلل ، وهذا لا يلزم معه كون قبول الإمام بقتله في هذا الوقت أحد أجزاء العلة

التامة .

على أنه لو كان يحمل على عشق الإمام للقاء الله تعالى وفعله المستحيل من

أجل ذلك .

الجواب التاسع وهو الصحيح : اننا قدمنا في الكتاب الأول - الولاية التكوينية

- ان آل محمد كانوا أنوارا حول عرش الله ، وانما أنزلهم الله إلى الدنيا لهداية البشر

المتوقفة عليهم .

ومعلوم ان هذا الهبوط خلاف طبع الأولياء والعرفاء .

‹ صفحة 170 ›

والله سبحانه وتعالى أنزلهم على فترات مختلفة ابتداء برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حتى

الإمام المهدي ( عج ) ، وجعل لكل إمام ( عليه السلام ) مدة محددة يقضي فيها مع أصحابه

ليهديهم ، فإذا انتهت مدة الإمام الأول انتقلت المهمة إلى الإمام الثاني وهكذا .

وعند انتهاء مدة الإمام الأول ، فان العلة التي اقتضت هبوطهم من عالم

الأنوار وعرش الرحمن ترتفع ، وإذا ارتفعت العلة وجب ان يعودوا إلى مقرهم

الطبيعي .

ويؤيده قول رسول الله للرضا ( عليهما السلام ) : " ما عندنا خير لك " ( 1 ) .

وقد تقدم أيضا في الكتاب الأول أحاديث ان الإمام قلبه مع الله وشخصه مع

الخلق ، فهو عيشه الدائمي مع الله ، ولكن لمصلحة الهداية كان مع البشر .

ويؤيده ما تقدم في الإمام الحسين ( عليه السلام ) انه خير بين النصر ولقاء الله فاختار

لقاء الله ( 2 ) .

وما روي عن امامنا زين العابدين ( عليه السلام ) : " والله لا يشغلني شئ عن شكره

وذكره في ليل ولا نهار وسر ولا علانية ، ولولا لأهلي علي حقا ولسائر الناس في

خاصهم وعامهم علي حقوقا لا يسعني إلا القيام بها حسب الوسع والطاقة حتى

أؤديها إليهم ، لرميت بطرفي إلى السماء وبقلبي الله ثم لم أردهما حتى يقضي الله على

نفسي وهو خير الحاكمين " ( 3 ) .

ويؤيده أيضا ما روي عن الإمام الرضا ( عليه السلام ) في سبب إقدام أمير

المؤمنين ( عليه السلام ) على الصلاة في المسجد مع علمه بابن ملجم وقتله له قال ( عليه السلام ) : " ذلك

كان ولكنه خير في تلك الليلة لتمضي مقادير الله عز وجل ( 4 ) .

‹ صفحة 171 ›

وتكون مقادير الله ان مدة إمامة الإمام الأول ( عليه السلام ) انتهت ليأتي الإمام الثاني

.

وبعبارة مختصرة : ليس الإشكال في سبب موت الإمام ( عليه السلام ) وعروجه إلى

مقام قاب قوسين أو أدنى ، انما الإشكال في هبوط الإمام من مقامه إلى هذه الدنيا .

اما مسألة رمي النفس في التهلكة ، فان التهلكة هي وضع النفس في موضع

الضرر أو الخسارة ، واختيار الإمام ( عليه السلام ) للقاء الله وعودته إلى عرش الله ليس فيه

ضرر ولا خسارة ، بل هو ربح ومصلحة لمن يعلم بمقامه عند الله ، ولمن يعلم من أين

أتى وإلى أين يعود .

وإن شئت قلت : نعم الضرر هذا ، لأن الضرر من أجل مصلحة أعظم وأفضل

لا يعد ضررا ، وان عد فهو لا يلغي الإقدام عليه من أجل المصلحة الكبرى .

وكما أن الشهيد الذي يعلم انه يقتل في عمليته الاستشهادية فهو ضرر بهذا

المعنى ، ولكنه مغفور له لأنه يقدم على فعل واجب أهم من ترك هذا الضرر المحرم في

غير هكذا موضع .

وبعبارة أخرى : كون الفعل هذا مرادا لله تعالى أو للإمام ( عليه السلام ) يكفي في عدم

كونه تهلكة ، فافهم .

وهذا يتناسب مع ما ورد عن الإمام الحسين ( عليه السلام ) ان قتله قضاء محتوم وأمر

واجب ( 1 ) لا مفر منه ، فالله تعالى قدر له ذلك ، وان ولايته تنتهي إلى سنة 60 ه‍ . ولا

حاجة لوجوده الظاهري بعد هذه السنة في هداية الناس ، فيرجع إلى مكانه الأصلي

- الأبدي الأزلي - .

وأيضا يؤيده ما تقدم عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) عندما قرب أجله استدعى ابنه

الصادق ( عليه السلام ) وقال : " ان هذه الليلة التي وعدت فيها " ( 2 ) .

‹ صفحة 172 ›

وكأنه كان ينتظرها بفارغ الصبر وكذلك ما حصل من أمير المؤمنين ( عليه السلام ) عند

استشهاده : " فزت ورب الكعبة " .

وهذا الوجه يتناسب مع قوله تعالى : * ( لا يحزنهم الفزع الأكبر وتتلقاهم

الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون ) * ( 1 ) .

فالإمام الولي ينتظر لقاء الله تعالى .

* تنوير :

عزيزي القارئ لا تدع للشيطان عليك سبيلا ليقول لك إذا مات الإمام فان

موضعه التراب والقبر ! ! لأن الإمام لا يمكث في قبره أكثر من ثلاث أيام ، ثم ينقله

الله من قبره بروحه وجسده وعظمه ولحمه إلى عرشه ، إلى مقره الأبدي والطبيعي .

وقد حكى الشيخ المفيد ( قده ) إجماع فقهاء الإمامية عليه ( 2 ) وسوف نأتي

على تفصيل ذلك في الكتب القادمة وفيه روايات مستفيضة تأتي ( 3 ) .

‹ صفحة 173 ›

تساوي محمد وآل محمد ( عليهم السلام )

* الامر الثاني :

أحاديث تساوي محمد وآل محمد ( صلى الله عليه وآله )

في الروايات والتي منها ما تقدم في الكتاب الأول ومنها هنا ، نجد ان بعضها

يفضل بين رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وبين آل محمد .

وبعضها يفضل بين النبي والإمام علي وبين بقية آل محمد ( عليهم السلام ) .

وبعضها يفضل بين أصحاب الكساء وبين بقية الأئمة .

وبعضها يفضل بين أصحاب الكساء والإمام المهدي وبين بقية الأئمة .

هذا بصورة مطلقة .

وبعض الروايات تقول : " نحن في العلم سواء " وبعضها : في الحلال والحرام .

فعن الإمام الهادي ( عليه السلام ) قال : " نحن في العلم والشجاعة سواء وفي العطايا

على قدر ما نؤمر " ( 1 ) .

ولم أجد - إلى الآن - ما يستدعي الخوض في تفصيل وتفنيد هذه الروايات

لعدم الجدوى في ذلك ، لأن مقامهم جميعا معروف ، وهم في مكان واحد يوم القيامة

في قبة العرش ، ولا يتنازعون فيه ، بل ولا ينازعهم أحد في ذلك .

نعم ، ما نحن بصدد اثباته - وهو العلم - يتوقف أن نذكر بعض الروايات التي

توجب التساوي بينهما أو لا أقل في العلم بشكل مخصوص .

منها ما تقدم من طرق : " علي مني وأنا من علي - حسين مني وأنا من حسين

وأصحاب الكساء مني وأنا منهم " صلوات الله عليهم أجمعين .

ومنها الحديث المشهور : " أنا وأنت وهذا الراقد والحسن والحسين في مكان

‹ صفحة 174 ›

واحد يوم القيامة " ( 1 ) .

ومنها ما عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : " اني واثنى عشر من ولدي وأنت يا علي زر

الأرض - يعني أوتادها وجبالها - ، بنا أوتد الله الأرض أن تسيخ بأهلها فإذا ذهب

الاثنا عشر من ولدي ساخت الأرض بأهلها ولم ينظروا " ( 2 ) .

ومنها ما يأتي من طرق في حديث الأمان : " أهل بيتي أمان للأمة " .

ومنها ما روي عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أيضا قال : " اختاركما الله عز وجل مني

ومن أبيكما وأمكما ، واختار من صلبك يا حسين تسعة تاسعهم قائمهم وكلهم في

المنزلة والفضل عند الله ( سواء ) واحد " ( 3 ) .

وعن الإمام العسكري : " أولنا وآخرنا في العلم والامر سواء ، ولرسول الله

وأمير المؤمنين ( عليهما السلام ) فضلهما " ( 4 ) .

وعن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : " كلنا واحد من نور واحد " ( 5 ) .

ومنها ما تقدم أنهم جميعا من نور واحد ( 6 ) .

وعن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في وصف آل محمد ( عليهم السلام ) : " خلقهم الله من نور

عظمته " ( 7 ) .

وعن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : " والأئمة من أولادي يعلمون ويفعلون هذا إذا

‹ صفحة 175 ›

أحبوا وأرادوا ، لأنا كلنا واحد أولنا محمد وآخرنا محمد وأوسطنا محمد وكلنا محمد ،

فلا تفرقوا بيننا " ( 1 ) .

وعن الإمام الصادق ( عليه السلام ) : " علمنا واحد وفضلنا واحد ونحن شئ

واحد " ( 2 ) .

وعن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) " . . فعلمني علمه وعلمته علمي " ( 3 )

وعن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : " أولنا كآخرنا وآخرنا كأولنا " ( 4 ) .

ومنها ما روي عنهم انهم جميعا من طينة واحدة ( 5 ) .

وقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لام سلمة : " كيف تجدين عليا في نفسك ؟ " .

قلت : لا يتقدمك يا رسول الله ، ولا يتأخر عنك وأنتما في نفسي سواء .

فقال ( صلى الله عليه وآله ) : " شكر الله فعلك يا أم سلمة لو لم يكن علي في نفسك مثلي لبرئت

منك في الآخرة ولم ينفعك قربك مني في الدنيا " ( 6 ) .

* أقول : تقدم في الكتاب الأول قول النبي ( صلى الله عليه وآله ) : " كنت نبيا وآدم بين الطين

والماء " .

وقول علي ( عليه السلام ) : " كنت وليا وآدم بين الطين والماء ( 7 ) " .

وهذا يقتضي التساوي في الأظلة ، ويأتي في الكتاب الرابع نحو هذه

الأحاديث التي توجب التساوي بينهما ، وبعض أقوال العلماء في ذلك فارتقب .

‹ صفحة 176 ›

وقال الإمام الهادي ( عليه السلام ): " من فرق بيني وبين جدي ؟ ! أنا هو وهو أنا " ( 1 ).

وقال الإمام المهدي ( عجل الله فرجه ) فيما رواه عنه الإمام الصادق ( عليهما السلام ) :

" من أراد أن ينظر إلى محمد وأمير المؤمنين إليا فها أنا محمد . ومن أراد أن ينظر إلى

الأئمة من ولد الحسين فها أنا هم واحدا بعد واحد ، فها أنا هم ، فلينظر

إلي " ( 2 ) .