‹ صفحة 181 ›

الباب الرابع

باب الإمام الحسن المجتبى ( عليه السلام )

‹ صفحة 183 ›

مضى الحسن بن علي ( عليهما السلام ) وله سبع وأربعون سنة ، أقام

مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بالمدينة سبع سنين من سني الهجرة ،

وأقام مع أمير المؤمنين ( عليه السلام ) عشر سنين وكان اسمه الحسن ،

وسماه الله في التوراة : شبر .

وكناه عند العامة أبو محمد ، وعند الخاصة أبو القاسم ، لأنه كني بأخيه

المستشهد بكربلا .

الزكي ، والسبط الأول ، وسيد شباب أهل الجنة ، والأمين ، والحجة

والتقي .

وأمه الطاهرة فاطمة ابنة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، ثم أولاده

عبد الله والقاسم وزيد وعمر وعبيد الله وعبد الرحمن واحمد وإسماعيل

وعقيل والحسين وبشر .

ومن البنات أم الحسن فقط .

ومشهده البقيع بالمدينة .

‹ صفحة 184 ›

وتوفي بالسم في تمام سنة خمسين من سني الهجرة وكان سبب سمه على

يد زوجته جعدة بنت محمد بن الأشعث بن قيس الكندي لأنه بذل لها معاوية

على ذلك عشرة آلاف درهم واقطاع عشر ضياع سورا وهي من سواد

الكوفة .

ولما حضرت الحسن الوفاة قال لأخيه الحسن ( عليهما السلام ) ان

جعدة لعنها الله ولعن أباها وجدها فإن جدها خالف أمير المؤمنين ( عليه

السلام ) وقعد عنه بالكوفة بعد الرجوع من صفين معاندا منحرفا مخالفا

طاعته بعد ان خلعه بالكوفة من الامارة وبايع الضب دونه وكان لعنه الله لا

يشهد له جمعة ولا جماعة ولا يشيع جنازة لاحد من الشيعة ولا يصلي عليهم

منذ سمع أمير المؤمنين ( عليه السلام ) على منبره يقول ويح لفراخ أفراخ

آل محمد وريحانتي وقرة عيني ابني الحسن من ابنتك التي من صلبك يا أشعث

وهو ملع متمرد وجبار يملك من بعد أبيه فقام إليه أبو بحر الأحنف بن قيس

التميمي فقال له يا أمير المؤمنين ما اسمه قال يزيد بن معاوية ويؤمر على قتل

ابني الحسين ( عليه السلام ) عبيد الله بن زياد لعنه الله على الجيش السائر

إلى ابني بالكوفة فتكون وقعتهم بكربلاء غربي الفرات كأني انظر إلى مناخ

ركابهم ورحالهم وإحاطة جيوش أهل الكوفة بهم وأغماد سيوفهم ورماحهم

وسقيهم في جسومهم ودمائهم ولحومهم وسبي أولادي وذراري رسول الله

( صلى الله عليه وآله ) حملهم ناشرين الأقتاب وقتل الشيوخ والكهول

والأطفال فقام الأشعث بن قيس على قدميه وقال ما ادعى رسول الله

ما تدعيه من العلم من أين لك هذا فقال له أمير المؤمنين ( عليه

السلام ) ويلك يا من عنق النار لابنك محمد ابنك من قوادهم اي والله

وشمر بن ذي جوشن وشبث بن ربعي والزبيدي وعمرو بن حريث فاسرع

الأشعث وقطع الكلام وقال يا ابن أبي طالب افهمني ما تقول حتى أجيبك

عنه فقال له ويلك يا أشعث اما سمعت فقال يا ابن أبي طالب ما سوى

كلامك يمر وولى فقام الناس على اقدامهم ومدوا أعينهم إلى أمير المؤمنين

‹ صفحة 185 ›

ليأذن لهم في قتله فقال لهم مهلا يرحمكم الله إني أقدر على هلاكه منكم ولا

بد ان تحق كلمة العذاب على الكافرين ومضى الأشعث لعنه الله عليه بنيان

خطة وهي المعروفة بالأشعثية وبنى في داره مئذنة عالية فكان إذا ارتفعت

( أصوات ) مؤذني أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في جامع الكوفة صعد

الأشعث إلى مئذنته فنادى نحو المسجد يريد أمير المؤمنين انا كذا وكذا انك

ساحر كذاب واجتاز أمير المؤمنين في جماعة من أصحابه في خطة الأشعث

ابن قيس لعنه الله وهو على ذروة بنيانه فلما نظر أمير المؤمنين ( عليه

السلام ) اعرض بوجهه فقال له ويلك يا أشعث حسبك ما وعد الله لك

من عنق النار فقال أصحابه يا أمير المؤمنين وما معنى عنق النار ، فقال : ان

الأشعث لعنه الله إذا حضرته الوفاة دخل عليه عنق ممدودة حتى تصل إليه

وعشيرته ينظرون فتبلعه فإذا خرجت به عنق النار لم يجدوه في مضجعه

فيأخذون عليهم أثوابهم ويكتمون أمرهم ويقولون لا تقروا بما رأيتم فيشمت

بكم أصحاب أمير المؤمنين فقال له أصحابه يا أمير المؤمنين ما يصنع به عنق

النار فقال أمير المؤمنين عجلت عليه النار يكون فيها جثيا معذبا إلى أن

نورده النار بعد ذلك في الآخرة فقالوا يا أمير المؤمنين فكيف عجلت له

النار في الدنيا فقال ( عليه السلام ) لأنه كان يخالف الله ويخاف النار فيعذبه

الله بالنار وبالذي كان يخاف منه فقالوا يا أمير المؤمنين وأين يكون عنق هذه

النار قال في هذه الدنيا والأشعث فيها على كل يوم حتى تقذفه بين يديه

فيراه بصورته ويدعوه الأشعث ويستجير ويقول أيها العبد الصالح ادع ربك

لي يخرجني من هذه النار التي جعلها الله عذابي في الدنيا والآخرة أي والله

لبغضي في علي ابن أبي طالب وفي محمد ( عليهما السلام ) فيقول له المؤمن

لا أخرجك الله منها في الدنيا ولا في الآخرة وأي والله ويقذفه عند عشيرته

وأهله ممن شك ان عنق النار أخذته حتى يناجيهم ويناجونه ويقول لهم :

إذا سألوه بما صرت معذبا في هذه الدنيا ، فيقول لهم : شكي في محمد

وبغضي لعلي ( عليهما السلام ) وكراهتي لبيعته وخلافي عليه وخلافي لبيعته

‹ صفحة 186 ›

ومبايعتي ضبا دونه فيلعنونه ويتبرؤون منه ويقولون ما نحب ان نصير إلى

ما صرت إليه ، قال الحسن ( عليه السلام ) : إذا أنا مت يا أخي فغسلني

وحنطني وكفني وصل علي واحملني إلى جدي رسول الله ( صلى الله عليه وآله

) حتى تلحدني إلى جنبه فإن منعت من ذلك فبحق جدك رسول الله

( صلى الله عليه وآله ) وعلي أبيك وأمك فاطمة الزهراء ( عليهما السلام )

وبحقي يا أخي ان لا خاصمت أحدا ولا قاتلته فحسبك بما قال لك في

قتال جيش يزيد بكربلا في غربي الفرات وأرادوا تعنفي فارجع من فورك

إلى بقيع الغرقد فادفني فيه ، واعلم انك إذا حملتني إلى قبر جدي رسول

الله ( صلى الله عليه وآله ) لا يدع مروان طريد جدك لكفره ويركب بغلته

ويصير إلى عائشة مسرعا فيقول لها يا أم المؤمنين تتركين الحسين يدفن أخاه

مع جده رسول الله فتقول له يا مروان ما اصنع فيقول والله يا عائشة لئن

دفن الحسن مع جده محمد ليذهبن فخر أبيك وفخر عمر إلى يوم القيامة

فتقول له وانى لي بهم وقد سبقوني فيقول هذه بغلتي فاركبيها والحقي بالقوم

فامنعيهم من الدخول إليه ولو جزت ناصيتك وينزل عن بلغته وتركب

عائشة وتسرع إليهم فتلحق بنعشي وقد وصل إلى حرم جدي رسول الله

( صلى الله عليه وآله ) فترمي نفسها بينكم وبين القبر وتقول لا يدفن

الحسن ها هنا أو تجز ناصيتي هذه وتأخذ ناصيتها بيدها فإذا فعلت ذلك

فارددني إلى البقيع وادفني إلى جانب قبر إبراهيم ابن جدك رسول الله ( صلى

الله عليه وآله ) فلما توفي الحسن ( صلوات الله عليه ) اخذ الحسين ( عليه

السلام ) في جهازه وحمله وصلى عليه وصار به إلى قبر جده ( عليه السلام )

ووافى مروان لعنه الله مسرعا على بغلته إلى عائشة لعنها الله وقال كما حكاه

الحسن للحسين ( عليهما السلام ) وقالت له مثله ونزل مروان عن بغلته

وركبتها عائشة ولحقت القوم وقد وصلوا إلى حرم النبي ( عليه السلام )

فرمت بنفسها عن البغلة واخذت بناصيتها ووقفت بينهم وبين القبر وقالت

والله لا يدفن الحسن مع جده أو تجر ناصيتي هذه فأراد بنو هاشم الكلام

فقال الحسين ( عليه السلام ) الله الله لا تضيعوا وصية أخي واعدلوا به إلى

‹ صفحة 187 ›

البقيع فإنه اقسم علي ان منعت من دفنه مع جده رسول الله ( صلى الله

عليه وآله ) لا أخاصم أحدا وان ادفنه في البقيع فعدلوا به إليه فدفنوه فيه

فقال عبد الله بن العباس : كم لنا منكم يا حميراء يوم على جمل ويوم على

زرافة فقالت يا ابن العباس ليس قتالي لعلي بعجيب وقد رويتم ان صفراء

ابنة شعيب زوجة موسى بن عمران ( عليه السلام ) قاتلت بعده وصية

يوشع بن نون على زارفة فقال لها ابن العباس هي والله صفراء وأنت حميراء

الا انها بنت شعيب وأنت بنت عتيق ابن عبد العزى قالت إن لنا عندك يا

ابن العباس ثارا بثأر والمعاد لا تقول به فقال لها ابن عباس والله أنت ومن

أنت منه وحزبكم الضالون فكان هذا من دلائله ( عليه السلام ) .

قال الحسين بن حمدان الخصيبي حدثني جعفر بن محمد القصير

البصري عن محمد بن عبد الله بن مهران الكرخي عن محمد بن صدقة

العنبري عن محمد بن سنان عن المفضل بن عمر عن أبي عبد الله ( عليه

السلام ) ان اعرابيا خرج من قومه حاجا محرما فورد على ادحي نعام فيه

بيض فاخذه واشتواه واكل منه وذكره ان الصيد حرام فورد المدينة فقال أين

الخليفة بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقد جنيت عظيما فأرسل إلى

أبي بكر فورد عليه وعنده ملأ من قريش فيهم عمر بن الخطاب وعثمان بن

عفان وطلحة والزبير وسعد وسعيد وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة بن

الجراح وخالد بن الوليد والمغيرة بن شعبة فسلم الأعرابي ثم قال : يا خليفة

رسول الله أفتني ، فقال له أبو بكر : قل يا أعرابي ، فقال : إني خرجت

من قومي حاجا محرما فأتيت على أدحي فيه بيض نعام فأخذته واشتويته

فأذن لي من الحج ما علي فيه جلال وما علي فيه حرام من الصيد فاقبل أبو

بكر على من حوله وقال : أنتم حواري رسول الله فقال الزبير من دون

الناس أنت خليفة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأنت أحق بإجابته

فقال له أبو بكر : يا زبير علي بن أبي طالب في صدرك قال وكيف وأمي

صفية ابنة عبد المطلب عمة رسول الله ، فقال الأعرابي ما في القوم الا من

يجهد وقال له الاعرابي : ما اصنع قال له الزبير لم يبق في المدينة من نسأله

‹ صفحة 188 ›

بعد من حضر هذا المجلس الا صاحب الحق الذي هو أولى بهذا المجلس

منهم ، قال الأعرابي فترشدني إليه ، قال الزبير : إن أخباري يسومونه قوم

ويحط آخرون قال الأعرابي قد ذهب الحق وصرتم تكرهون ، قال عمر : إلى

كم تطيل الخطاب يا ابن العوام قوموا بنا والأعرابي إلى علي فلا نسمع

جواب هذه المسألة الا منه فقاموا بأجمعهم والأعرابي معهم حتى صاروا إلى

أمير المؤمنين فاستخرجوه من بيته وقالوا للأعرابي أقصص قصتك على أبي

الحسن علي قال الأعرابي فلم أرشدتموني إلى غير خليفة رسول الله ( صلى الله

عليه وآله ) فقالوا : ويحك يا أعرابي خليفة رسول الله أبو بكر وهذا وصيه في

أهل بيته وخليفته وقاضي دينه ومنجز عداته ووارث علمه قال الأعرابي :

ويحكم يا أصحاب محمد والذي أشرتم إليه بالخلافة ما فيه من هذه الخصال

خصلة واحدة ، قالوا : ويحك يا أعرابي اسأل عن مسألتك ودع عنك ما

ليس من شأنك ، قال الأعرابي يا أبا الحسن ، يا خليفة رسول الله ( صلى الله

عليه وآله ) إني خرجت من قومي حاجا محرما ، قال له أمير المؤمنين : تريد

الحج ، فوردت على أدحي فيه بيض نعام فاخذته واشتويته وأكلته ، فقال

الأعرابي : من سبقني بالخبر إليك ، فقال أمير المؤمنين عمن تحدث به في

المجلس مجلس أبي بكر خليفة رسول الله فكيف لا يسبق الخبر إليه قال له

أمير المؤمنين فافته يا أبا حفص قال له أبو حفص لو حضرت وعلمت

الفتوى ما حملنا إليك فقال أمير المؤمنين اجل يا اعرابي عليك بالصبي الذي

بين يدي معلمه ومؤدبه صاحب الرواية فإنه ابني الحسن فاسأله فإنه يفتيك

قال الأعرابي إنا لله وإنا إليه راجعون مات دين محمد ( صلى الله عليه وآله )

بعد موته فحمد وتنازع أصحاب محمد وازبد قال أمير المؤمنين حاش لله يا

اعرابي لم يمت ابدا قال الأعرابي أفمن الحق ان أسأل خليفة رسول الله

( صلى الله عليه وآله ) وحوارييه وأصحابه ولا يفتوني ويحيلوني عليك

وتحيلني وتأمرني أن أسأل الصبي الذي بين يدي معلمه لا يفصل بين الخير

والشر فقال : أمير المؤمنين ( عليه السلام ) يا اعرابي لا تقل ما ليس لك به

‹ صفحة 189 ›

علم واسأل الصبي فإنه يفتيك فقام الاعرابي إلى الحسن ( عليه السلام )

وقلمه في يده يخط في الصحيفة ومؤدبه يقول أحسنت أحسن الله إليك يا

حسن قال الأعرابي يا مؤدب يحسن للصبي من احسانه وما أسمعك تقول له

شيئا حتى كأنه بمؤدبك قال فضحك القوم من الأعرابي وصاحوا به ويحك يا

أعرابي أوجز قال الأعرابي قد نبأتك يا حسن اني خرجت من قومي حاجا

محرما فوردت على أدحي فيه بيض نعام فاشتويته وأكلته عامك هذا ناسيا

قال الحسن زدت في القول يا اعرابي قولك عامدا لم يكن هذا عبثا قال

الأعرابي ما كنت ناسيا فقال له الحسن - وهو يخط في صحيفته - يا اعرابي

خذ بعدد البيض نوقا فاحمل ( اي فاعل ) عليها فيقا يعني ذكر النوق ، فإذا

أنتجت من قابل فاجعلها هديا بالغ الكعبة كفارة لفعلك ، قال الأعرابي :

فديتك يا حسن ان من الإبل لما يزلقن .

قال الحسن ( عليه السلام ) يا اعرابي وان في البيض لما يمرقن قال

الأعرابي أنت صبي محق وفي علم الله معروف ولو جاز أن يكون ما أقول

لقلت انك خليفة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال الحسن ( عليه

السلام ) ما ترى قوما اختاروه فإذا أبغضوه عزلوه فكبر القوم وعجبوا لما

سمعوا من الحسن فقال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) الحمد لله الذي جعل في

ابني هذا كما جعله في داود وسليمان فكان هذا من دلائله ( عليه

السلام ) .

وعنه عن محمد بن علي عن علي بن محمد عن الحسين بن علي عن بن

فرقد عن علي بن الحسن العنبدي عن أبي هارون المكفوف عن الحارث

الأعور الهمداني قال : لما مضى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) جاء الناس

الحسن بن علي ( عليهما السلام ) فقالوا : يا ابن رسول الله نحن السامعون

المطيعون لك أمرنا بأمرك قال : كذبتم والله ما وفيتم لمن كان خيرا مني

يعني أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فكيف توفون لي وكيف اطمئن إليكم

‹ صفحة 190 ›

وأثق بكم ان كنتم صادقين ، فهو غدا ما بيني وبينكم أعسكر بالمدائن

فوافوني هناك .

فركب معه من أراد الخروج وتخلف عنه خلق كثير لم يوفوا له بما قالوا

وغروه كما غروا أباه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) قبله .

فقام خطيبا فحمد الله وأثنى عليه وذكر جده فصلى عليه وقال : يا أيها

الناس قد غررتموني كما غررتم أبي أمير المؤمنين قبلي فلا جزاكم الله عن

رسوله خيرا مع أبي أما انه تقاتلون بعدي مع الظالم الكافر اللعين ابن

اللعين عبيد الله بن زياد الذي لا يؤمن بالله ولا برسول الله ولا باليوم

الآخر ولا اظهر الإسلام هو ولا أبيه قاطبة الا خوفا من السيف ولو لم يبق

من بني أمية الا عجوز درداء لابتغت لدين الله عوجا هكذا قال رسول الله

( صلى الله عليه وآله ) .

ثم وجه قائدا في أربعة آلاف رجل وكان من كندة أمره أن يعسكر

بالأنبار ونزل بها ، وعلم بذلك معاوية بعث إليه رسول وكتب إليه معاوية

إنك ان أقبلت إلي وليتك بعض كور الشام والجزيرة غير ما أفيضه من

الانعام عليك ، وحمل إليه خمسمائة ألف درهم وقبضها الكندي لعنه الله

من الرسول وانقلب عن الحسن ومضى إلى معاوية لعنه الله .

فقام الحسن ( عليه السلام ) خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال يا

أيها الناس إن صاحبي بعث إليه معاوية خمسمائة ألف درهم ووعده ومناه

وولاه بعض كور الشام والجزيرة وقد توجه إليه وغدر بي وبكم وقد

أخبرتكم مرة بعد مرة إنه لا وفاء لكم ولا خير عندكم أنتم عبيد الدنيا ،

وإني موجه مكانه رجلا إن هو علم به سيفعل بي وبكم ما فعل صاحبه ولا

يراقب في ولا فيكم فبعث رجلا من مراد في أربعة آلاف رجل وتقدم إليه

فحلف بالإيمان لا تقوم لها الجبال بأنه لا يفعل كما فعل صاحبه ، وحلف

الحسن ( عليه السلام ) مثلها إنه يفعل ويغدر به ، فلما توجه وصار إلى

‹ صفحة 191 ›

الأنبار ونزل بها وعلم ذلك معاوية بعث إليه رسولا وكتب إليه كما كتب

إلى صاحبه وبعث إليه خمسمائة ألف درهم ومناه أن يوليه خيرا من كور

الشام والجزيرة فنكث على الحسن ما فعل وأخذ طريقه إلى معاوية ولم

يراقب ولم يخف ما أخذ عليه من العهد والميثاق .

وبلغ الحسن فعل المرادي لعنه الله فقام خطيبا فحمد الله وأثنى عليه

وقال : يا أيها الناس قد أخبرتكم مرة بعد مرة إنكم لا توفون بعهد الله

وإنكم قد أغررتم هذا صاحبكم المرادي وقد غدر بي وصار إلى معاوية

وكتب معاوية إلى الحسن ( عليه السلام ) يا أبن العم : الله الله فيما بيني

وبينكم ان تقطع الرحم وأن قد غدروا بيني وبينكم وبالله أستعين .

فقرأ عليهم الحسن كتاب معاوية فقالوا : يا ابن بنت رسول الله

( صلى الله عليه وآله ) إن كان الرجلان غدرا بك وغراك من أنفسهما فإنا

لك ناصحون متبعون غير غادرين ، فقال الحسن ( عليه السلام ) والله

لأعذرن هذه المرة فيما بيني وبينكم ان يعسكر بالنخيلة فوافوني هناك إن

شاء الله تعالى فوالله لا توفون ما بيني وبينكم .

ثم إن الحسن ( عليه السلام ) اخذه طريقه إلى النخيلة عشرة أيام

فوافاه عشر آلاف راجل فانصرف إلى الكوفة فدخلها وصعد المنبر فحمد الله

وأثنى عليه ثم قال : وا عجباه من قوم لا حياء لهم ولا دين يغدرون مرة بعد

مرة ، وأيم الله لو وجدت على ابن هند أعوانا ما وضعت يدي في يده ولا

سلمت إليه بالخلافة وإنها محرمة عليهم ، فإذا أنتم لا يأمن غدركم

وأفعالكم فإني واضع يدي في يده أيم الله لا ترون فرجا ابدا مع بني أمية

واني لأعلم أني عنده أحسن حالا منكم وتالله ليسؤمنكم بنو أمية سوء

العذاب ويشنون عليكم جيشا عظيما من معاوية فأف لكم وترحا يا عبيد

الدنيا وأبناء الطمع .

ثم كتب إلى معاوية إني تاركها من يومي هذا وغير طالب لها وتالله لو

وجدت عليكم أعوانا ناصرين عارفين بحقي غير منكرين ما سلمت إليك

‹ صفحة 192 ›

هذا الأمر ولا أعطيتك هذا الأمر الذي أنت طالبه أبدا ولكن الله عز وجل

قد علم وعلمت يا معاوية وسائر المسلمين إن هذا الأمر لي دونك ولقد

سمعت من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أن الخلافة لي ولأخي الحسين

وأنها لمحرمة عليك وعلى قومك وسماعك وسماع المسلمين ، والصادق

والأمين والمؤدي عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .

وانصرف إلى الكوفة فأقام بها عاتبا على أهلها مواريا عليهم حتى دخل

عليه حجر بن عدي الطائي ، فقال له يا أمير المؤمنين كيف يسعك ترك

معاوية ؟ فغضب الحسن ( عليه السلام ) غضبا شديدا ، حتى احمرت عيناه

ودارت أوداجه وسكبت دموعه وقال : ويحك يا حجر تسميني بأمرة المؤمنين

وما جعلها الله لي ولا لأخي الحسين ولا لأحد ممن مضى ولا لأحد ممن يأتي

إلا لأمير المؤمنين خاصة ؟ أو ما سمعت جدي رسول الله ( صلى الله عليه

وآله ) ، قد قال لأبي يا علي ان الله سماك بأمير المؤمنين ولم يشرك معك في

هذا الاسم أحدا فما تسمى به غيره الا وهو مأفون في عقله ، مأبون في عقبه ،

فانصرف عنه وهو يستغفر الله فمكث أياما ثم عاد إليه ، فقال له السلام عليك

يا مذل المؤمنين فضحك في وجهه وقال والله يا حجر هذه الكلمة لأسهل علي

واسر إلى قلبي من كلمتك الأولى فما شأنك ؟ أتريد أن تقول ان خيل معاوية قد

 أشرفت على الأنبار وسوادها وأتى في مائة ألف رجل في هذين المصرين يريد

 البصرة والكوفة ، فقال حجر يا مولاي ما أردت أن أقول الا ما ذكرته ،

فقال : والله يا حجر لو أني في ألف رجل لا والله الا مائتي رجل لا والله إلا في

سبع نفر لما وسعني تركه ، ولقد علمتم أن أمير المؤمنين دخل عليه ثقاته حين

 بايع أبا بكر فقالوا له مثلما قلتم لي فقال لهم مثلما قلت لكم فقام سلمان والمقداد

 وأبو الذر وعمار وحذيفة بن اليمان وخزيمة بن ثابت وأبو الهيثم مالك بن التيهان

فقالوا : نحن لك شيعة ومن قال بنا شيعة لك مصدقون الله في طاعتك فقال لهم

حسبي بكم قالوا وما تأمرنا قال إذا كان غدا فاحلقوا رؤوسكم واشهروا سيوفكم

وضعوها

‹ صفحة 193 ›

على عواتقكم وبكروا إلي فإني أقوم بأمر الله ولا يسعني القعود عنه فلما كان

من الغد بكر إليه سلمان والمقداد وأبو ذر وقد حلقوا رؤوسهم وأشهروا

سيوفهم وجعلوها على عواتقهم ومعهم عمار بن ياسر وقد حلق نصف رأسه

وشهر نصف سيفه ، فلما قعدوا بين يديه ( عليه السلام ) نظر إليهم ، وقال

لعمار يا أبا اليقظان من يشتري نفسه على نصر دينه يبقى ولا يخاف ، قال :

يا أمير المؤمنين خشيت وثوبهم علي وسفك دمي فقال اغمدوا سيوفكم

فوالله لو تم عددكم سبعة رجال لما وسعني القعود عنكم وتالله يا حجر إني

لعلى ما كان عليه أبي أمير المؤمنين لو أطعتموني ، فخرج حجر واجتمع إليه

وجوه قبائل الكوفة فقالوا انا قد امتحنا أهل مصرنا فوجدناهم سامعين

مطيعين وهم زهاء ثلاثين ألف رجل فقم بنا إلى سيدنا ابن رسول الله

( صلى الله عليه وآله ) حتى نبايعه بيعة مجددة ونخرج بين يديه ولا ندع ابن

هند يعبر علينا وقوائم سيوفنا في أيدينا فجاؤوا إلى الحسن ( عليه السلام )

فخاطبوه بما يطول شرحه فقال لهم والله ما تريدون إلا انقطاع الجبل بي حتى

تريحوا معاوية مني ولئن خرجت معكم بالله حتى أبرز عن هذا المصر

ليرغبنكم معاوية وليدبر على رجل منكم يرغبه في قتلي بالمال الكثير ويسأله

اغتيالي بطعنة أو ضربة فيضربني ضربة يجرحني بها ولا يصل إلي قالوا

بأجمعهم تالله يا أبن رسول الله لا تقل هذا فنقتل أنفسنا وقد قلدناك دمنا

فقال أبرزوا إلى المدائن حتى تنظروا فبرزوا وساروا حتى وردوا المدائن

فعسكر بها في ليلة مقمرة وقد كان معاوية كاتب يزيد بن سنان البجلي ابن

أخي جرير بن عبد الله البجلي لعنه الله وبذل له مالا على اغتيال الحسن

وقتله فأخذ له سيفا وأحتمل تحت أثوابه وتوجه نحو الحسن ( عليه السلام )

فخاف على نفسه فرجع فرمى السيف وأخذ الرمح معه فضاق به صدره

فرده خوفا وأخذ حربة مرهفة وأقبل بتوكأ عليها حتى انتهى إلى الفسطاط

المضروب للحسن بن علي ( عليهما السلام ) فوقف غير بعيد ونظر إليه

ساجدا وراكعا والناس نيام فرمى بالحربة فاثبتها فيه وولى هاربا فتمم

صلاته والحربة تهتز في بدنه ثم انتقل من صلاته ونبه من حوله وصاحوا

‹ صفحة 194 ›

الناس فجاؤوا حتى نظروا إلى الحربة تهتز في بدنه فقال لهم هل أنا يا أهل

الكوفة أخبرتكم ما تفعلونه وكذبتموني وأخذ الحربة وصاح بالرحيل وانكفأ

من المدائن جريحا وكان له بالكوفة خطبا وخطابا كثيرا يسب فيه أهل الكوفة

ويلعنهم وقال لهم أن يزيد بن سنان ابن أخي جرير بن عبد الله البجلي

رماني بحربة فاطلبوه فخرج من الكوفة وسلم ولحق بمعاوية ورحل الحسن

( عليه السلام ) من الكوفة وسلم الأمر إلى معاوية وقلدها معاوية إلى زياد

لعنه الله فكان هذا من دلائله ( عليه السلام ) .

وعنه عن أبي الحسن عن أبي قرنة عن جعفر بن يزيد الخزاز عن

محمد بن علي الطوسي الرسي عن علي بن محمد عن الحسن بن عبد الله عن

صندل عن أبي أسامة عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : خرج الحسن

ابن علي ( عليهما السلام ) إلى مكة سنة من السنين ماشيا من المدينة ، فتورمت

قدماه فقال له بعض مواليه : لو ركبت سكن عنك هذا الورم الذي برجليك ،

قال كلا إذا اتيت المنزل سيلقاك اسود معه دهن لهذا الورم فاشتره ولا

تماسكة فقال مولاه بابي أنت وأمي أتيت منزلا ليس فيه أحد يبيع هذا

الدواء قال بلى انه امامك دون المنزل فسار مليا فإذا الأسود قد قابله قال

الحسن لمولاه دونك الرجل فخذ منه الدهن واعطه الثمن فقال الأسود

ويحك يا غلام لمن أردت هذا الدهن ؟ فقال : للحسن بن علي ( عليهما

السلام ) فقال انطلق بي إليه فأخذ بيده حتى ادخله عليه فقال : بأبي أنت

وأمي لم أعلم انك محتاج إلى الدهن فلست آخذ له ثمنا انا مولاك ولكن

ادع الله لي ان يرزقني ذكرا سويا يحبكم أهل البيت ، فقد خلفت أهلي

بمحضر ، قال انطلق إلى منزلك فان الله قد وهب لك ذكرا سويا وهو لنا

شيعة فرجع الأسود فإذا أهله قد وضعت غلاما سويا ، فرجع الحسن

( عليه السلام ) فأخبره بذلك فدعا الله له وقال له خير ومسح رجله بذلك

الدهن وخرج من مجلسه وقد سكن ما به ومشى على قدميه فكان هذا من

دلائله ( عليه السلام ) .

‹ صفحة 195 ›

وعنه عن علي بن بشر عن أحمد بن هارون الوراق عن محمد بن علي

عن جابر بن يزيد الجعفي عن أبي عبد الله جعفر الصادق ( عليه السلام )

قال : جاء الناس إلى الحسن بن علي ( عليهما السلام ) قالوا أرنا ما عندك

من عجائب أبيك التي كان يرينا إياها قال : تؤمنون بذلك ؟ قالوا : نعم

نؤمن بالله تعالى ، فقال : أليس تعرفون أبي ، قالوا : بلى كلنا نعرفه ، فرفع

لهم جانب ستر فإذا بأمير المؤمنين جالس ، قال : تعرفونه ؟ قالوا بأجمعهم :

هذا والله أمير المؤمنين ، ونشهد أنك الإمام بعده ولقد أريتنا أمير المؤمنين بعد

موته ، قال لهم الحسن : ويلكم أما سمعتم قوله عز وجل : ( ولا تقولوا

لمن يقتل في سبيل الله أمواتا بل احياء عند ربهم يرزقون ) إلى آخر الآية

فإذا كان هذا فيمن قتل في سبيل الله فماذا تقولون فينا ؟ قالوا : آمنا

وصدقنا فكان هذا من دلائله ( عليه السلام ) .

وعنه عن جعفر بن محمد بن مالك عن زياد بن جعفر الوشا عن

محمد بن خالد عن الحسن بن مسكان عن داود الرقي عن أبي حمزة الثمالي

عن عبد الله بن غالب وهو أبو خالد الكابلي عن سيد العابدين علي بن

الحسين ( صلوات الله عليهما ) قال : كتب معاوية إلى عمي الحسن كتابا يقول

فيه إني قد أعددت لك بزا فدخلت في نفسي وصغرت فيما تستحقه فإن

أذنت بقبولها أنفذتها إليك وإن أجبت ان أعرفكها تختار منها ما تراه فقلت

وكان بعد وروده المدينة من الكوفة وأقبل للقائه فكتب إليه وصل كتابك بما

عندنا علمه والذي أعددته لنا فإن أخذناه أخر عنك وإن تركناه كان عليك

أعظم حمل ثقيل الوقر وإن كان المال دون الدماء التي سفكت والفتن التي

ظهرت وأما عرضك علي ما أعددته لأختار منه ما أشاء فوالله انني بفضل

الله أحيط به علما ومن ذلك انك غلطت ونسيت فرددت خاتما جعلته في

السفط الجزع من الجوهر الذي يكون عدده اثنتان وأربعون حبة قد

استأثرت بالخاتم لنفسك وأعجبك فبخلت ببعثه إلينا وجعلته في سبابتك

اليمنى وقلت في نفسك ماذا يقول أهل الشام إذا رأوا خاتمي في يده قد

‹ صفحة 196 ›

هوى عليا بعد موته وتشاغلت بما أعددت لنا من البز والحرم ، ودق مصر ،

ونسيج عدن ، ومسك تيبت ، وكافور قصورة ، وعنبر الهند ، ولو شئت

لفصلت لك كلما أعددته وزنا وعددا وكيف تعرض علينا ان نختار ما نحن

اعلم به منك ولو كنت تأدبت بآداب الله وأهديت ولم تشاور للزمنا قبول

هديتك فدع الآن إلى أن تنظر وننظر والسلام .

فلما ورد الكتاب إلى معاوية وفضه وقرأه وهم ان يخفيه ثم أظهره فقال

له اخوه ابن أبي سفيان : يا أمير المؤمنين ان صدق الحسن فيما قال فقد

أظهرت عيب نفسك باظهارك ما كتبت به إليك وإن كان كذاب فبين ذلك

من كذبه عند من حضرك . . فقال : ويحك يا عتبة قد كان ما كان في

النفس ما فيها واتيان الحق أجمل ، والكذب لا يليق بذوي الكرم ، والله

لقد صدق في كل ما ذكره فقال له عتبة أدام الله لك رعبك من بني هاشم

فلا تزال تخافهم كلما ذكرت عليا ونهض من مجلسه مغضبا فقال معاوية ان

غضبت يا عتبة فعن قليل ترضى وما سخطك ورضاك بنافعي عند الله شيئا

فخرج أكثر من في المجلس وهم يقولون لا جزاك الله يا معاوية خيرا فقد

أدخلتنا في ضلال وعاقبة خسر ، فكان هذا من دلائله ( عليه السلام ) .

وعنه عن الحسن بن علي المقري الكوفي عن محمد بن جبلة التمار عن

المخول بن إبراهيم عن زيد بن كثير الجمحي عن يونس بن ظبيان عن

المفضل بن عمر الجعفي عن المولى الصادق جعفر بن محمد ( عليهما

السلام ) قال : لما قدم الحسن بن علي ( عليه السلام ) من الكوفة التقاه

أهل المدينة معزين بأمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، ومهنئين له بالقدوم ،

ودخلت عليه أزواج رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقالت عائشة والله يا

أبا محمد ما فقد جدك الا حيث فقد أبوك ولقد قلت يوم قام عندنا ناعيه

قولا صدقت فيه ما كذبت .

قال لها الحسن ( عليه السلام ) عسى هو تمثلك بقول لبيد بن ربيعة

‹ صفحة 197 ›

حيث يقول :

وبشرتها فاستعجلت بخمارها * يحق على المستعجلين المباشر

وأخبرها الركبان ان ليس بينها * وبين قرى نجران والشام كافر

فألقت عصاها واستقرت بها النوى * كما قر عينا بالإياب المسافر

فقالت له يا ابن خبوت جدك وأبوك في علم الغيب ، فمن ذا الذي

أخبرك بهذا عني ؟

فقال لها ما هذا غيب لأنك أظهرتيه ، وسمع منك ، وعن نبشك

جزرا اخضر في وسط بيتك ليلا ، بلا قش فتترين الحديدة في كفك حتى

صار جرحا الا فاكشفي عنه ، وأريه لمن حولك من النساء ، ثم اخراجك

الجزر وما فيه وما جمعته من خيانة واخذك منه أربعين دينارا عددا لا تعلمين

وزنها وتفريقك له في ضعفة مبغضي أمير المؤمنين من تيم وعدي شكرا لقتل

أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، فقالت : والله يا حسن لقد كان ما قلت

ولله ابن هند فلقد شفا وشفا في .

فقالت لها أم سلمة زوجة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ويحك يا

عائشة ما هذا منك بعجب ، وإني لأشهد عليك أن رسول الله ( صلى الله

عليه وآله وسلم ) قال لي وأنت حاضرة صوام أم أيمن وميمونة : يا أم سلمة

كيف تجدين في نفسك ؟ فقلت يا رسول الله ما أجده قربا ولا أبلغه

وصفا ، قال كيف تجدين عليا في نفسك قلت لا يتقدمك يا رسول الله ولا

بتأخر عنك وأنتما في نفسي سواء فقال شكر الله فعلك يا أم سلمة لو لم

يكن علي في نفسك مثلي لبرئت منك في الآخرة ولم ينفعك قربك مني في

الدنيا فقلت انني يا رسول الله وكذلك أزواجك قال نعم قلت والله ما أجد

لعلي في نفسي موضعا قريبا أو بعيدا فقال لك حسبك يا عائشة ثم يا أم

سلمة يمضي محمد ويمضي الحسن عليهما ويمضي الحسين مقتولا كما اخبر

جدهما فقال لها الحسن : وأخبرك جدي رسول الله ( صلى الله عليه وآله )

‹ صفحة 198 ›

ان تموتين والى ماذا تصيرين فقالت له ( نعم ) ما اخبرني الا بخير .

فقال لها الحسن : تالله لقد أخبرك جدي رسول الله ( صلى الله عليه

وآله ) انك تموتين بالداء والدبيلة فقالت يا حسن متى قال هذا قال أخبرك

بعد لومك أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ونشائك حرما تجرين فيه عن بيتك

متأمرة على جمل أحمر ممسوخ من مردة الجن يقال له عسكر تسفكين دم خمسة

وعشرين ألفا من المؤمنين الذين يزعمون أنك أمهم قالت له جدك أخبرك

بذلك أم هذا من غيبك قال هذا من علم الله وعلم رسوله وعلم أمير

المؤمنين ( عليه السلام ) فأعرضت عنه بوجهها وقالت بنفسها والله لا

تصدقن بأربعين دينارا ونهضت فقال لها ( عليه السلام ) والله لو تصدقت

بأربعين قنطارا ما كان ثوابك الا النار . فهذا من دلائله ( عليه السلام ) .