‹ صفحة 261 ›

الباب الثاني عشر

باب الإمام علي الهادي (عليه السلام)

‹ صفحة 263 ›

مضى موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي

طالب ( صلوات الله عليهم أجمعين ) وله تسع وأربعون سنة في عام ثلاث

وثمانين ومائة سنة من الهجرة .

وكان مقامه مع أبيه جعفر الصادق أربعة عشر سنة ، وأقام بعد أبيه

خمسا وثلاثين سنة .

واسمه : موسى .

وكناه أبو الحسن ، وأبو إبراهيم ، والخاص أبو علي .

ولقبه : الكاظم ، والصابر ، والمصلح ، والمبرهن ، والبيان ، وذو

المعجزات .

وأمه حميدة البربرية ، ويقال : الأندلسية ، والبربرية أصح .

ومشهده ببغداد في مقابر قريش .

وكان له من الولد علي الرضا الامام ( صلوات الله عليه ) ، وزيد

الباز ، وإبراهيم ، وعقيل ، ومروان ، وإسماعيل ، وعبد الله ، ومحمد ،

‹ صفحة 264 ›

واحمد ، وجعفر ، والحسن ، ويحيى ، والعباس ، وحمزة ، وعبد الرحمن ،

والقاسم .

وكان له من البنات : أم فروة ، وأم أبيها ، ومحمودة ، وامامة ،

وميمونة ، وعلية ، وفاطمة ، وأم كلثوم ، آمنة وزينب ، وأم عبد الله ،

وأم القاسم ، وحليمة ، وأسماء ، وصرخة .

وكانت وفاته في زمن هارون الرشيد في دار السندي بن شاهك والي

الشرطة ببغداد في الكوفة .

وكان من دلائله وبراهينه ( عليه السلام ) :

قال الحسين بن حمدان الخصيبي قدس الله روحه حدثني جعفر بن

محمد بن مالك ، عن إبراهيم بن زيد النخعي ، عن الخليل بن محمد

عن أحمد البزاز ، وكان بزاز أبي الحسن موسى ( عليه السلام ) ، قال : لما

بعث الرشيد إليه فحمله من المدينة وجاء به إلى بغداد واعتقله في داره وفكر

في قتله بالسم فدعا برطب فاكل منه ثم اخذ صينية فوضع فيها عشرين

رطبة واخذ سلكا فركه بالسم وادخله في سم الخياط واخذ الرطبة واقبل

يردد السلك المسموم من رأس الرطبة إلى آخرها حتى علم أنه قد مكن

السم فيها واستكثر منه ثم ردها بين الرطب وقال : لخادمه احمل هذه

الصينية إلى موسى ، وقل له : ان أمير المؤمنين احمل لك من هذا الرطب

وتنغص لك به وهو يقسم عليك بحقه الا ما اكلته عن آخره فإنه اختاره

لك بيده ولا تدعه يبقى منه شيئا ولا يطعم منه أحدا فاتاه به الخادم وبلغه

الرسالة فقال : ائتني بخلال فناوله خلالا وقام بإزائه وهو يأكل من الرطب

وكانت للرشيد كلبة أعز عليه من كل مملكته فخلعت نفسها وخرجت تجر

سلاسلها وهي من فصحة حتى حاذت موسى بن جعفر ( صلوات الله عليه )

فبادر بالخلال إلى الرطبة المسمومة فغرزها ورماها إلى الكلبة فأكلتها ، فلم

تلبث ان ضربت بنفسها إلى الأرض وعوت حتى تقطعت قطعا واكل

‹ صفحة 265 ›

( عليه السلام ) باقي الرطب كله عن آخره وحمل الغلام الصينية وصار بها

إلى الرشيد ، فقال له : اكل الرطب كله قال : نعم ، قال : كيف رأيته ،

فقال ما أنكرت منه شيئا ، فقال : وورد خبر الكلبة وانها قهرت وماتت

فقلق الرشيد بذلك قلقا شديدا واستعظمه ووقف على الكلبة فوجدها

متهرأة بالسم فاخذ الخادم ودعا له بالسيف والنطع وقال له لتصدقني

الصحيح عن خبر الرطب والا قتلتك قال له : يا أمير المؤمنين اني حملت

الرطب إلى موسى وبلغته سلامك وقمت بإزائه فطلب خلالا فدفعته إليه

فاقبل يغرز الرطبة بعد الرطبة ويأكلها حتى مرت به الكلبة فغرز رطبة

ورماها إليها وأكل باقي الرطب فكان ما ترى يا أمير المؤمنين ، فقال

الرشيد : ما ربحنا من موسى بن جعفر الا ان أطعمناه جيد الرطب وضيعنا

سمنا وقتلنا كلبتنا ما في موسى حيلة .

وعنه بهذا الاسناد عن علي بن أحمد البزاز قال أمر الرشيد السندي بن

شاهك ان يبني لموسى ( عليه السلام ) مجلسا في داره وتحول إليه من دار

هارون ويقيده بثلاثة قيود من ثلاثة أرطال حديد ويلزمه ابقاءه ويطبق عليه

ويغلق الباب في وجهه الا وقت الطعام ووضوء الصلاة قال : فلما كان قبل

وفاته بثلاثة أيام دعا برجل كان فيمن وكل به يقال له المسبب وكان وليا

فقال له يا مسبب قال : لبيك قال : إني ظاعن عنك في هذه الليلة إلى

مدينة جدي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لا عهد إلى من بها عهدا

يعمل به بعدي قال المسبب كيف تأمرني والحرس معي ان افتح لك

الأبواب وأقفالها ، قال : ويحك يا مسبب ضعف يقينك في الله عز وجل

وفينا فقلت لا يا سيدي ولم أزل ساجدا قال : فمه قال : المسبب فثبتني

سيدي ، وقال : يا مسبب إذا مضى من هذه الليلة المقبلة ثلثها قف وانظر

قال المسبب : فحرمت على نفسي الانضجاع في تلك الليلة ولم أزل ساجدا

وراكعا وناظرا إلى ما وعدني به ، فلما مضى من الليلة ثلثها تغشاني النعاس

وانا جالس وإذا سيدي موسى ( صلوات الله عليه ) يجذبني برجله فقال :

‹ صفحة 266 ›

قم فقمت قائما وإذا بتلك الجدران المشيدة والأبنية المعلاة وما حولها من

القصور والدور وقد صارت كلها أرضا والدنيا من حولها فضاء فظننت ان

مولاي قد أخرجني من المسجد الذي كان فيه فقلت لمولاي أين انا من

الأرض فقال لي في مجلسي فقلت مولاي خذ بيدي من ظالمي وظالمك فقال يا

مسبب أتخاف القتل قلت مولاي انا معك فلا قال : يا مسبب كن على

جملتك فاني راجع إليك بعد ساعة فإذا وليت عنك فيعود مجلسي إلى بنيانه

قلت مولاي فالحديد لا تقطعه قال : يا مسبب بنا والله لان الحديد لداود

فكيف يصعب علينا قال المسبب : ثم خطا من بين يدي خطوة فلم أدر

أين غاب عن بصري ، ثم ارتفع البنيان وعادت القصور إلى ما كانت عليه

فاشتد هيامي فعلمت ان وعده الحق فلم أزل قائما على قدمي ولم يمض الا

ساعة كما اخبرني حتى رأيت الجدران والأبنية والدور والقصور قد خرجت إلى

الأرض ساجدة فإذا بسيدي قد عاد إلى مجلسه وعاد الحديد إلى رجليه

فخررت ساجدا لوجهي بين يديه فقال لي ارفع رأسك واعلم أن سيدك

راحل إلى الله تعالى في ثالث هذا اليوم الماضي فقلت مولاي فأين سيدي

علي الرضا قال : شاهد عندك غير غائب وحاضر غير بعيد يسمع ويرى

قلت سيدي إلى أين قصدت قال قصدت والله كل مستجيب لله على وجه

الأرض شرقا وغربا حتى صحبني من الجن في الراري والبحر ومختفي

الملائكة في مقاماتهم وصفوفهم فبكيت قال لا تبك فانا نور لا يطفأ ان غبت

عنك فهذا ابني علي الرضا بعدي هو انا فقلت الحمد لله الذي وفقني ثم

دعاني في ثالث ليلة فقال لي يا مسبب ان سيدك يصبح من ليلة يومه على ما

فرغت من الرحيل إلى الله فإذا دعوت بشربة من الماء فشربتها فرأيت قد

انتفخ بطني واصفر لوني واحمر واخضر وتلون ألوانا فخبر الطاغية هارون

بوفاتي قال المسبب لم أزل أرقب وعده حتى دعا بشربة من الماء فشربها ثم

دعاني وقال يا مسبب ان هذا الرجس السندي بن شاهك سيقول انه يتولى

امر دفني وهيهات أن يكون ذلك ابدا فإذا حملت إلى المقابر المعروفة بمقابر

قريش فالحدوني بها ، ولا تعلوا على قبري بناء وتجنبوا زيارتي ولا تأخذوا

‹ صفحة 267 ›

من تربتي ترابا لتتبركوا فان كل تربة له مجربة الا تربة جدي الحسين

( صلوات الله عليه ) فان الله تعالى جعلها شفاء لشيعتنا وأوليائنا ، قال :

ثم إني رأيته مختلفا ألوانه وينتفخ بطنه ثم رأيت شخصا أشبه الأشخاص

بشخصه جالسا إلى جانبه في مثل شبهه وكان عهدي بالرضا بن موسى

غلاما فأقبلت أريد سؤاله فصاح بي أليس قد نهيتك يا مسبب فوليت عنه

ثم لم أزل حتى قضى وغاب ذلك الشخص ثم أوصلت الخبر إلى الرشيد

لعنه الله فوافى السندي بن شاهك فوالله لقد رأيتهم بعيني وهم يظنون أنهم

يغسلونه ويحنطونه ويكفنونه وأيديهم لا تصل إليه وا يصنعون به شيئا وهو

مغسل محنط مكفن ، ثم حمل فدفن في مقابر قريش ولم يعلو عليه بناء الا

في هذا الزمان .

وعنه عن محمد بن موسى القمي عن علي بن الحكم ، عن سيف بن

عميرة ، عن إسحاق بن عمار الكوفي ، قال : سمعت سيدي أبا الحسن

موسى ( صلوات الله عليه ) ينعى إلى رجل نفسه ويخبره ساعة موته وقرب

الموت منه يوما بعينه سماه فقلت في نفسي والله انه يعلم متى يموت الرجل

من شيعته فالتفت إلي شبيه المغضب فقال لي : يا إسحاق قد كان رشيد

الهجري من المستضعفين يعلم علم الخفايا والبلايا فالامام أولى بعلم ذلك

ثم قال يا إسحاق اصنع ما أنت صانع فان عمرك فني وأنت تموت إلى

سنتين وأبوك وأخوك وأهلك لا يلبثون بعدك الا يسيرا يتفرق كلهم ويخفون

بعضهم بعضا ويصيرون عند اخوانهم ومن عرفهم رحمه الله قال إسحاق

فاني استغفر الله مما عرض في صدري فلم يلبث إسحاق بعد هذا الكلام

الا سنتين ثم مات واخوته وتفرقت كل أهل بيته وقام آل عمار بأموال

وافتقروا أقبح فقر .

وعنه بهذا الاسناد عن علي بن أحمد البزاز قال : كنت في جامع الكوفة

في شهر رمضان في العشر الأخير ، إذ جاء حبيب الأحول بكتاب مختوم من

أبي الحسن موسى ( عليه السلام ) مقداره أربع أصابع فيه :

‹ صفحة 268 ›

بسم الله الرحمن الرحيم إذا قرأت كتابي هذا فانظر الكتاب الصغير

المختوم الذي في هذا الكتاب فاحرزه عندك حتى اطلبه منك .

قال : فأخذت الكتاب فأدخلته في بيت جوف بيت فيه ثوبي ومتاعي

فجعلته في صندوق مقفل واخذت مفاتيح الأقفال فكانت معي في نهاري

وليلي ولا يأخذها غيري ولا يدخل ذلك البيت أحد سواي ، فلما حضر

الموسم خرجت إلى مكة وحملت معي كلما كان أمرني بحمله إليه فلما قدمت

عليه قال : يا علي ما فعل الكتاب الصغير الذي أمرتك باحرازه فقلت

جعلت فداءك عندي بالكوفة في بيت في جوف بيت وان لي في البيت

صندوقا فيه قمطر في القمطر حقة فيها الكتاب وكل واحد منها مفصل لا

يدخل ذلك غيري ، والمفاتيح معي بمكة قال يا علي ان رأيت الكتاب تعرفه

قلت : اي والله يا سيدي إني لأعرفه ولو أنه في وسط الف كتاب ، قال :

فرفع مصلى كان تحته فأخرج ذلك الكتاب بعينه إلي ، ثم قال يا علي هاك

هو واحتفظ به فقلت والله ما نفعني احرازي ولا أقفالي ببيت أردته يا

سيدي قال خذه : واحتفظ به والله لو علمت بما فيه لضاق به ذرعك قال

علي : فاخذته ورددته إلى الكوفة معي وقعدت وأخي محمد وكانت محيطة في

جنب جبتي القز فكان الكتاب لا يفارقني أيام حياته ( عليه السلام ) فلما

توفي لم يكن همي الا ان قمت انا وأخي إلى فروتي ففتقت جيبها وطلبت

الكتاب فلم أجده فعلمنا أنه ( عليه السلام ) أخذه كما في الكرة الأولى .

وعنه عن محمد بن جرير الطبري عن محمد بن علي ، عن علي بن أبي

حمزة الثمالي ، قال : أخبرني شعيب قال : قال لي أبو الحسن موسى

( صلوات الله عليه ) بمكة مبتدئا من غير مسالة اركب يا شعيب وسر قليلا

يلقاك رجل من أهل المغرب يسألك عني وعن إمامتي فقل له : ما تعلمه

منها وما قاله أبي في أوان سؤالك عن الحلال والحرام فافته فإنه يحتاج إلى

ذلك قلت جعلت فداءك ما علامة هذا الرجل قال : هو رجل طويل

جسيم يقال له يعقوب إذا لقيك فسالك عنا عليك ان تجيبه عما سالك عنه

‹ صفحة 269 ›

فإنه حاج قومه وملتمس معرفتي وإذا أحب ان يدخل علي فافعل ما أمرتك

به قال شعيب : فوالله لقد ركبت وسرت قليلا فإذا انا بالرجل قد اقبل

بتلك العلامات فقلت : هذا والله الرجل الذي وصفه سيدي فلما دنا مني

أراد كلامي فقلت له يا يعقوب فنظر إلي وقال : ما أعلمك باسمي فقلت له

وصفك لي وسماك من قصدت معرته فقال : أريد ان أسألك عن صاحبك

فقلت له : عن أي أصحابي تسأل قال عن أبي الحسن موسى ( صلوات الله

عليه ) فقلت له ومن أين أنت قال لي من أهل بلد المغرب قلت كذا

اخبرني سيدي فمن أين عرفتني قال لي : فما اسمك فلم أقل له فقال لي :

يا هذا الرجل اتاني آت في منامي ، فقال ألق شعيب فاسأله عن جميع ما

تحتاج إليه فإنه يخبرك قلت له : وانا شعيب والذي امرك في منامك وسماني

هو الذي سماك لي ووصفك فحمد الله وشكره ، وقال هو صاحبنا أبو

الحسن موسى ( عليه السلام ) فقلت له هو لا غير وخرجنا إلى الطواف

فطفنا فقال لي أريد أن تدخلني عليه فقلت تجلس مكانك حتى افرغ من

طوافي وأجيبك إن شاء الله تعالى فطفت ثم اتيته فكلمته فإذا به رجل عاقل

فأخذت بيده فأدخلته على أبي الحسن موسى ( عليه السلام ) فلما نظر إليه

قال له : يا يعقوب قدمت أمس ووقع بينك وبين أخي خلف في موضع

كذا وكذا حتى شتم بعضكم بعضا وليس هذا ديني ولا دين آبائي ولا نأمر

بهذا أحدا من الناس فاتق الله وحده لا شريك له فإنكما ستفرقان بالموت اما

ان أخاك سيموت في سفره قبل ان يصل إلى أهله وستندم أنت على ما كان

بينكما فإنكما تقاطعتما فبتر الله اعماركما قال له يعقوب جعلت فداءك متى

أجلي قال له : اما اجلك فإنه كان قد حضر وبتر حتى أوصلت عمتك بما

أوصلتها في المنزل الذي نزلتموه بعد المنزل الذي اختصمت أنت وأخوك فيه

فزاد الله في عمرك عشرين سنة قال شعيب : فلقيت الرجل بعينه من قابل

في الحج فقلت له ما كان من خبر أخيك فقال مات والله في الطريق قبل ان

يصل إلى أهله وندمت على ما كان بيني وبينه وقد علمت أن أجلي على ما

‹ صفحة 270 ›

قال ( عليه السلام ) .

قال الحسين بن حمدان : حدثني علي بن بشر ، عن محمد بن زيد ،

عن محمد بن علي ، عن علي بن محمد ، عن الحسن والحسين ابني العلاء

جميعا ، عن صفوان بن مهران الجمال لأبي عبد الله الصادق ( عليه السلام )

إلى باب الدار واضع عليها رحلها ففعلت ووقفت افتقد امره فإذا انا بابي

الحسن موسى ( صلوات الله عليه ) قد خرج مسرعا وله في ذلك الوقت

ست سنين مشتملا ببردته اليمانية وذوائبه تضرب على كتفيه حتى استوى في

ظهر الناقة وأثارها فلم أجسر على منعه من ركوبها وذهبت به فغاب عن

نظري فقلت انا لله وما الذي أقول لسيدي أبي عبد الله ان خرج ليركب

الناقة وبقيت متململا حتى نمت ساعة فإذا انا بالناقة قد انحنت كأنها كانت

في السما وانقضت إلى الأرض وهي تعرق عرقا جاريا ونزل عنها ولم يعرق

لها جبين وسبق دخل الدار فخرج مغيث الخادم إلي وقال لي : يا صفوان ان

مولاك يأمرك ان تحط عن الناقة رحلها وتردها إلى مربطها فقلت الحمد لله

أرجو ان الامام ندم على ركوبه إياها وقلت ذلك ووقفت في الباب فاذن لي

بالدخول على سيدي أبي عبد الله الصادق ( صلوات الله عليه ) فقال : يا

صفوان لا لوم عليك فيما أمرتك به من احضارك الناقة واصلاح رحلها

عليها وما ذاك الا ليركبها أبو الحسن موسى ( عليه السلام ) فهل علمت

أين بلغ عليها في مقدار هذه الساعة قلت : والله انه لا علم لي بذلك

قال : بلغ ما بلغه ذو القرنين وجازه اضعافا مضاعفة فشاهد كل مؤمن

ومؤمنة وعرفه نفسه وبلغه سلامي وعاد فادخل عليه يخبرك بما كان في

نفسك وما قلت لك قال صفوان : فدخلت على موسى ( صلوات الله

عليه ) وهو جالس وبين يديه فاكهة ليست من فاكهة الزمان والوقت فقال

لي : يا صفوان لما ركبت الناقة قلت في نفسك إنا لله وإنا إليه راجعون ماذا

أقول لسيدي أبي عبد الله إذا خرج ليركب فلا يجدها وأردت منعي من

‹ صفحة 271 ›

الركوب فلم تجسر فوقفت متململا حتى نزلت فخرج الامر إليك بالحط عن

الراحلة فقلت : الحمد لله أرجو بالدخول فقال : يا صفوان لا لوم عليك

هل علمت أين بلغ موسى في مقدار هذه الساعة فقلت الله وأنت يا مولاي

أعلم فقال لك : إني بلغت ما بلغه ذو القرنين وجاوزته اضعافا مضاعفة

وشاهدت كل مؤمن ومؤمنة وعرفته نفسي وبلغته سلام أبي فقال ادخل عليه

فإنه يخبرك بما كان في نفسك وما قلت لك قال صفوان : فسجدت لله

شكرا وقلت له يا مولاي هذه الفاكهة التي بين يديك في غير أوانها يأكلها

مثلي إذا اكل منها من هو مثلك قال فعد إلى دارك فقد اتاك منها رزقك

فخرجت من عنده فقال لي مولاي أبو عبد الله الصادق ( صلوات الله

عليه ) يا صفوان ما زادك كلمة ولا نقصك كلمة فقلت لا والله يا مولاي

فقال كن في دارك فاني آكل من الفاكهة واطعمه واطعم اخوانك ويأتيك

رزقك كما وعدك موسى فقلت ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم

ومضيت إلى منزلي وحضرت الصلاتان الظهر والعصر فصليتهما وإذا بطبق

من تلك الفاكهة بعينها وقال لي الرسول يقول لك مولاك فما تركنا لنا وليا

الا وأطعمناه على قدر استحقاقه .

وعنه عن محمد بن يحيى الفارسي ، عن محمد بن علي ، عن علي بن

محمد ، عن خلاد المقري ، عن أبي خالد الديالي ، عن علي بن أحمد

البزاز ، قال : لما قدم هارون الرشيد على سيدنا موسى ( صلوات الله

عليه ) من المدينة إلى بغداد امر ان لا يدخل الكوفة وأن يعدل له إلى

البصرة ويصعد به في الدجلة إلى بغداد ففعل به ذلك فلما وصل إلى بغداد

أمر به ان يكرمه فاصحب له وفرشت له الفراشات وحملت إليه الأطعمة

والأغذية واسكن أبو الحسن موسى إياها وأمر الناس بالسلام عليه ولم يزل

ثلاثة أيام تجيئه أهل الدولة بالزي وان يحضر الناس الدار ووقفوا في مراتبهم

ولا يتأخر أحد قرشي ولا هاشمي ، ولا عربي ولا عجمي الا حضر الناس

بالزي الحسن والعدد والجنس وأقيموا صفوفا من خارج الدار والشارع وإلى

‹ صفحة 272 ›

دون السرير وزخرفت الدار وجلس الرشيد على السرير وعليه البردة والتاج

والمصحف بين يديه وأقام بني هاشم صفين إلى طرف البساط وأقام محمد

الأمين وعبد الله المأمون بالسرد وسيوفهما ومناطقهما مع السرير ووقف

الوزراء والكتاب من دون بني هاشم ووقف من دونهم الخدم والحشم ووقف

من دونهم القواد والامراء الأمثل فالأمثل واستحضر أبا الحسن موسى

( عليه السلام ) على حما اسود يماني وعليه بياض وبين يديه ثلاثة نفر من

مواليه فلما ورد الباب خرج الاذن بان يدخل على حماره إلى طرف البساط

وان يشار إليه بالسلام إلى أن يصل فدخل على هذا حتى انتهى إلى طرف

البساط فصاح هارون الرشيد بابنيه الأمين والمأمون تلقيا ابن عمكما فأسرعا

يجران سيفيهما حتى تلقياه فقبلا فخذيه وأشار هارون إليه قبل ان يطأ

البساط فلم يفعل أبو الحسن موسى ذلك فنزل على البساط فلما قرب من

سريره ومحمد وعبد الله بين يديه تطاول الرشيد نحوه فلما صعد السرير قام

إليه قائما وأعتنقه وأوسع له من موضعه وفرح به وأظهر سرورا بقدومه عليه

وقال : قد رأيتك شيئا وقد قضينا وطرا من السلام والتلاقي ولا عليك يا

ابن العم اليوم جلوس أكثر من هذا فاظهر له أبو الحسن موسى صلوات الله

عليه مثلما اظهر وشكر له ونهض فقال الرشيد لابنيه يمشوا بين يديه وأشار

إلى بني هاشم ان يمشوا بين يديه وقدم حماره إلى طرف البساط فركب من

حيث نزل وسار وبني هاشم بين يديه إلى باب الدار قال عبد الله المأمون يا

أمير المؤمنين من هذا الابن العم العظيم الشأن الذي ما رأيتك فعلت بأحد

من العالمين فعلك به ، قال الرشيد : يا عبد الله هذا حجة الله عليه خلقه

وإمام المسلمين ، قال له عبد الله : يا أمير المؤمنين ألست أنت الإمام قال :

يا بني نحن أئمة الملك وهذا إمام الدين ، قال له المأمون : يا أمير المؤمنين

فهل هو أفضل أو أنت قال : والله يا بني لو قلت اني أفضل منه تعذبت في

النار ، قال له المأمون فتحبه يا أمير المؤمنين وتدين لله به قال : نعم أما في

الدين فنعم وأما في الملك فلا فكان سبب تشيع المأمون قول أبيه ، ما قاله

‹ صفحة 273 ›

في موسى قال علي ابن حمد : فلما أنساه الشيطان ذكر ربه وأمر باعتقاله

وحسبه وفكر بماذا يقتله فقال اخوه إبراهيم بن شكلة يا أمير المؤمنين أما

نفعل بموسى ما فعله جدك المنصور بأبيه جعفر قال وماذا صنع به قال

حدثني أبي المهدي انه بعث إلى قوم من الأعاجم يقال لهم البزغز فاستدعى

رجالا ينعم عليهم ويفضلهم ويطيعونه في كلما يأمرهم به فقدم عليه منهم

نحو المائة رجل فدخلوا عليه ، فلما نظر إليهم واستنطقهم وجدهم قوما لا

يفصحون بكلمة ولا يعقلون ما يقال لهم ولا يعقلون ما يقولون فقال

لترجمانهم قل لهم : من ربكم فكلمهم فسكتوا عنه فلم يجيبوه فقال

المنصور : هؤلاء يصلحون إذا كانوا لا يعرفون الله فخلع عليهم الديباج

المثقل والوشي وأقيمت لهم الانزال السرية الوافرة وفرشوا وخدموا وحملت

إليهم الأموال والألطاف تجدد عليهم في كل يوم وخلع وأموال حتى مضى

لهم نحو شهر فقالوا لترجمانهم : هذا الملك يفعل بنا هذا الفعل ولا يتخذ

منا كلمة انظر أي شئ يريد بنا فقال له الترجمان ما قالوا فقال قد

قالوا : كل هذا ، قال : نعم ، قال : فقل لهم ان لي عدوا يدخل علي الليلة

فإذا دخل فليقتلوه فعرفهم الترجمان ذلك قالوا نحن قتل كل عدو له إذا

رأيناه فقال لهم : احضروا الليلة الدار بأسلحتكم فان العدو يوافي فإذا

رأيتموه فاقتلوه قال الرشيد : ثم ماذا قتلوه قال له إبراهيم : اخوه لا لان

جدك صفح عنه ووهب له ذنبه قال له الرشيد : ليس كذا بلغني قال

إبراهيم : فما الذي بلغك يا أمير المؤمنين قال : بلغني أنه أحضرهم في

الدار في الثلث الأول من الليل فحضروا وجردوا أسلحتهم ووقفوا يزأرون

زئير السباع وبعث إلى جعفر بن محمد فاتاه فلما اقبل قد حشروا الدار قال :

يدخل وحده وقال : لتجرمانهم هو عدوي يدخل وحده فاقتلوه فلما دخل

جعفر وأشرف عليهم تعاووا مثل الكلاب ورموا أسلحتهم وكتفوا أيديهم

وخروا على وجوههم إلى الأرض نحو جعفر فلما رآه جدي المنصور قام

إليه : وتلقاه وقال : يا أبا عبد الله ما الذي جاء بك في هذا الوقت قال له

‹ صفحة 274 ›

جعفر : رسلك أتت بي إليك وما جئتك والله الا مغسلا محنطا مكفنا قال

له جدي : حاش لله أن يكون كما تقول ما كنت لاقطع رحم رسول الله

( صلى الله عليه وآله ) فيك فارجع راشدا فخرج جعفر وألقوا البزغز على

الأرض مكتفين حتى خرج جعفر قاموا كالسكارى وقالوا لترجمانهم : لا

جزاك الله خيرا تقول يدخل عليكم عدو الملك وحده فاقتلوه فيدخل علينا

إمامنا ومن يكفلنا في ليلنا ونهارنا ويدبرنا كما يدبر الرجل ولده فقال جدي

المنصور للترجمان ما يقولون فأعاد عليه قولهم فقال : أخرجهم عني فلا

حاجة لي فيهم وسيرهم من تحت ليلتهم قال إبراهيم بن شكلة لعنه الله :

ما سمعت من أبيك باقي الحديث الذي سمعته منك قال له الرشيد : أليس

أبي المهدي قال : باقي الحديث قال إبراهيم : يا أمير المؤمنين ما

قال لك قال : قالت أمي حدثها ياسر الخادم لأنه كان حاضرا ذلك قال

له إبراهيم قد كانت أمك أقرب إليه من أمي وكان ياسر الخادم يلقي إليها

سر جدك المنصور قال الرشيد ولكنني سأفعل فعلا إن تم لم يبق غيره في

موسى ثم كتب إلى عماله في الأطراف ان التمس لي قوما غتما لا دين لهم

ولا يعرفون لهم ربا ولا رسولا فأقدم عليه منهم طائفة فنظر عماله فلم

يجدوا أحدا بهذه الصفة الا قوما من وراء بحر الترك يقال لهم : العبدة

راسلوهم وحملوا إليهم ولطفوا بهم وآمنوهم إلى أن أقدموا منهم على الرشيد

خمسين رجلا قال أحمد بن علي البزاز : فلما قدموا نزلوا في حجر دار الرشيد

وحمل إليهم من الكسوة الحلي والمال والجوهر والطيب والجواري والخدم وما

يجد ذكره قولا لترجمانهم : قل لهم من ربكم فقالوا لا نعرف لنا ربا ولا

ندري ما هذه الكلمة قال لهم من انا قالوا له قل انك ما شئت حتى نقول

انك هو فقال لترجمانهم : أليس قد رأيتم ما فعلت بكم منذ قدمتم قالوا : بلى

قال : فانا أقدر أجمعكم وأفرقكم وأجيعكم وأعريكم وأقتلكم وأحرقكم

بالنار قالوا له لا ندري ما تقول الا انا نطيعك ولو في قتل أنفسنا وكان

الرشيد قد صور لهم صورة موسى ( صلوات الله عليه ) فامر الرشيد

‹ صفحة 275 ›

فنصب لهم موائد وهو جالس والخادم معه على مشرف أيديهم وينقل إليهم

الطعام الذي لا يعقلونه وخرجت عليهم الجواري بالعيدان والنايات

والطبول فوقفن صفوفا حولهم يغنين والكاسات تأخذهم من كل جانب

والخلع تطرح عليهم والأموال تنثر بين أيديهم فلما سكروا قال لترجمانهم :

قل لهم يأخذوا سيوفهم ويدخلوا على عدو لي في هذه الحجرة وقال إن كان

هؤلاء يعرفون موسى كمعرفة البزغز لجعفر بن محمد فسيفعلون فعلهم وان لم

يعرفوه سيقتلون صورته فإذا قتلوا صورته اليوم قتلوه غدا فاخذوا سيوفهم

عليه ورضوه فقال الرشيد لعنه الله : الآن قتلت موسى بهؤلاء القوم

فخلع عليهم خلعا أخرى وحمل إليهم الأموال وردهم إلى منازلهم فلما كان

من الغد قال الرشيد : أثبتوا تلك الصورة والمثال يقينا ثم أمر فصور مثالا

آخر صورة موسى ( عليه السلام ) كأنه هو في غير تلك الحجرة واحضرهم

ففعل بهم مثل ذلك الفعل وأمرهم ان يسكروا وقال لترجمانهم : فقل لهم

يأخذوا سيوفهم ويدخلوا عليه فوضعوها من أيديهم ثم قالوا : أليس هذا

الذي قتلناه بالأمس قال هو شبهه فاقتلوه فوضعوا عليه سيوفهم فرضوه

فزادهم خلعا وقال لهم : قد قتلت موسى بن جعفر بعون الله وردهم إلى

منازلهم ولم يقدم على اظهار أبي الحسن موسى ( عليه السلام ) حتى صوره

سبع مرات ويقتلونه فقال الرشيد : ما بقي لي غير اظهاري أبا الحسن

موسى لهم فامر باحضاره وجعله في حجرة مثل تلك الحجر على سبيل تلك

التماثيل وأحضرهم وقال لترجمانهم : ما بقي لي من أعدائي غير عدو واحد

فاقتلوه وأنا أسلم إليكم المملكة فاخذوا سيوفهم ودخلوا على موسى

( صلوات الله عليه ) والرشيد وخادمه على مشترف له على الحجرة يقول

للخادم أين موسى قال جالس في وسط الحجرة على بساط قال ماذا يصنع

قال : مستقبل القبلة مادا يده إلى السماء يحرك شفتيه قال الرشيد : إنا لله

ليته ما يريده ثم قال للخادم : دخل القوم عليه قال قد دخل أولهم ورومي

سيفه ودخلوا معه ورموا سيوفهم وخروا سجدا حوله وهو يمر يده المباركة

‹ صفحة 276 ›

على رؤوسهم ويخاطبهم بمثل لغتهم وهم يخاطبونه قال فغشي على الرشيد ،

وقال أغلق باب المشترف الذي نحن فيه لا يأمرهم موسى بقتلنا وقل

لترجمانهم حتى يقول لهم يخرجوا واقبل يتململ ويقول وا فضيحتاه من موسى

كدته كيدا ما نفعني فيه شيئا وصاح الخادم لترجمانهم قل لهم أمير المؤمنين

يقول لكم أخرجوا فخرجوا مكتفين الأيدي على ظهورهم وهم يمشون

القهقري حتى غابوا عنه ثم جاؤوا إلى منازلهم فاخذوا ما فيها وركبوا خيولهم

من ساعتهم وخرجوا وامر الرشيد بترك العرض لهم قال علي بن أحمد والله

لقد اتبعهم خلق كثير من شيعة أبي الحسن موسى ( صلوات الله عليه ) فما

وجدوا لهم اثرا ولا علم أحدا أين ساروا ولا اي طريق اخذوا فكان هذا

من دلائله وبراهينه ( عليه السلام ) .