‹ صفحة 277 ›

الباب العاشر

       باب الإمام علي الرضا ( عليه السلام )

‹ صفحة 279 ›

مضى علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن

أبي طالب ( عليهم السلام ) وله تسع وأربعون سنة واستشهد في عام ثلاث

ومائتين من الهجرة وكان مولده سنة ثلاث وخمسين ومائة وأم مع أبيه تسعا

وعشرين سنة وستة أشهر وأقام بعد أبيه عشرين سنة الا شهرا ، واسمه

علي وكناه أبو الحسن والخاص أبو محمد ولقبه الرضا والصابر والوفي ونور

الهدى وسراج الله والفاضل وقرة أعين المؤمنين ومكيد الملحدين واسم أمه

أم البنين وأم ولد ومشهده بطوس بخراسان ومات بالسم ( عليه السلام ) .

وكان من دلائله ( عليه السلام ) .

قال الحسين بن حمدان قدس الله روحه : حدثني محمد بن زيد

القمي ، عن محمد بن بشر ، قال : حدثني الحسين ولقيت بشر ، وحدثني

بهذا الحديث عن عبد الله بن جعفر اللافي قال : خرجت مع هرثمة بن

أعين إلى خراسان وكان مع المأمون وكان سبب سم المأمون حمله من المدينة

في طريق الأهواز يريد خرسان فلما صار بالسوس لقيه الشيعة بها وكان

علي بن أسباط الفارسي قد سار من فارس بهدايا والطاف ليلقاه بها فقطعت

اللصوص واخذوا كلما كان فيها واخذوا الهدايا والألطاف التي كانت مع

‹ صفحة 280 ›

علي بن أسباط وكان ذا مال ودنيا عريضة فطالبه القفص بان يشتري نفسه

منهم بمال عظيم وعذبوه إلى أن قال قائل منهم احشوا فاه جمرا حتى يشتري

نفسه منا ففعلوا ذلك فانتثرت نواجذه وأنيابه وأضراسه وتركته القفص

وجميع سائر من في القافلة وساروا بالغنيمة فبكي علي بن أسباط وقال والله

ما مصيبتي بغمي بأعظم من مصيبتي بما حملته إلى سيدي الرضا

( عليه السلام ) ورقد من شدة وجعه فرأى في منامه سيدنا الرضا

( عليه السلام ) وهو يقول له : لا تحزن فان هداياك والطافك عندنا

بالسوس إذا وردناها ووردتها واما فوك فأول مدينة تدخلها فاطلب السعد

المسحوق فاحش به فاك فان الله يرد عليك نواجذك وأنيابك وأضراسك

فانتبه مسرورا ، فقال : الحمد لله حق حمده على ما رأيت وحقا ما رأيت

وحمل نفسه حتى دخل أول مدينة والتمس السعد بها فاخذه وحشى فاه فرد

الله عليه جميع نواجذه وسار حتى لقي سيدنا الرضا ( عليه السلام )

بالسوس فلما دخل عليه قال له : يا علي قد وجدت جميع ما قلنا لك في

السعد حقا فادخل إلى تلك الخزانة فانظر هداياك وألطافك وجميع ما كان مما

أهديته الينا تراه بحاله وما كان لك فخذه فدخل علي بن أسباط اخزانة

فوجد جميع ما كان معه لم يفقد منه شيئا فاخذ ما كان له وترك الهدايا

والألطاف وسار الرضا ( عليه السلام ) إلى المأمون فزوجه أخته وجعله ولي

عهده وضرب اسمه على الدراهم وهي الدارهم الرضوية وجمع بني العباس

وناظرهم في فضل علي بن موسى حتى ألزمهم الحجة ورد فدكا على ولد

فاطمة ( عليها السلام ) ثم سمه بعد كيد طويل نشرح منه بعضه في كتابنا

هذا إن شاء الله تعالى .

حدثني محمد بن زيد وحدثه محمد بن منبر ، بعد ان حدثني محمد بن

زيد ، قال : حدثني محمد بن خلف الطاطري ، قال : حدثني هرثمة بن

أعين قال : دخلت على سيدي الرضا علي بن موسى ( عليه السلام )

فدخلت أريد الاذن على سيدي الرضا ( عليه السلام ) وكان يتوالى سيدنا

‹ صفحة 281 ›

الرضا ( عليه السلام ) فإذا أنا بصبيح قد خرج فلما رآني قال الست تعلم

ثقة المأمون بي على سره وعلانيته قلت بلى قال اعلم أن المأمون دعاني في

الثلث الأول من الليل فدخلنا عليه وقد صار ليله نهارا بالشمع وبين يديه

سيوف مسللة مسحوبة ومسمومة ودعانا غلاما غلاما فاخذ علينا العهد

والميثاق بلسانه ليس بحضرته أحد من خلق الله غيرنا فقال لنا هذا الغلام

لازم انكم تفعلون ما أمركم به ولا تخالفوا منه شيئا فحلفنا له فقال يأخذ

كل واحد منكم سيفا من هذه الأسياف في يده وامضوا حيث تدخلوا على

علي بن موسى في حجرته فان وجدتموه قائما أو قاعدا ضعوا أسيافكم هذه

عليه ولا تكلموه ورضوه بها حتى تخلطوا لحمه ودمه وشعره وعظمه ومحه ثم

اقلبوا عليه بساه وامسحوا أسيافكم وصيروا إلي فقد جعلت لكل واحد

منكم في هذا الفعل وكتمانه عشرة بدر دراهم وعشرة منتجبة والحظوة مني

ما عشت وبقيت فاخذنا الأسياف بأيدينا ودخلنا عليه في حجرته فوجدناه

منضجعا طرفه وهو يتكلم بكلام لم نعلمه فبادروا الأسياف والغلمان إليه

ووضعت سيفي وانا قائم حتى فعلنا به ما حدثنا به المأمون ثم طوي عليه

البساط ومسحوا أسيافهم وخرجوا حتى دخلوا على المأمون فقال ما الذي

صنعتموه فقالوا ما امرتنا يا أمير المؤمنين وانا أظن أنهم يقولون اني ما

ضربت معهم بسيف فلما تقدمت فقال أيكم المسرع إليه فقالوا صبيح

الديلمي يا أمير المؤمنين ثم قال لا تعيدوا شيئا مما فعلتم فتخسوا وتعجلوا

الفنا وتخسروا الآخرة والأولى فلما كان في تبلج الفجر خرج المأمون فجلس

مجلسه مكشوف الرأس محلل الازرار واظهر وفاته وقعد للتعزية قبل ان

يصل إليه الناس قام حافيا فمشى إلى الدار لينظر إليه وانا بين يديه فلما

دخل إليه في حجرته سمع همهمة فارتعد ثم قال من عنده فقلنا لا علم لنا

يا أمير المؤمنين فقال أسرعوا فانظروا فأسرعنا إلى البيت فإذا نحن بسيدنا

الرضا ( عليه السلام ) جالسا في محرابه مواصل بتسبيحه قلنا يا أمير المؤمنين

هوذا نرى شخصا جالسا في محرابه يصلي ويسبح فانتفض المأمون وارتعد ثم

‹ صفحة 282 ›

قال غررتموني لعنكم الله فقال يا صبيح أنت تعزيه فانظر من المصلي عنده

قال صبيح : وتولى المأمون راجعا فلما صرت بعتبة الباب قال : يا صبيح

قلت : لبيك يا مولاي وسقطت لوجهي قال : قم يرحمك الله فارجع إليه

فقل له : ( يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره

الكافرون ) قال : فرجعت إلى المأمون فوجدت وجهه كقطع الليل المظلم

فقال يا صبيح : ما وراءك فقلت : يا أمير المؤمنين جالس في محرابه وقد

ناداني باسمي وقال : كيت وكيت فشد ازراره وامر برد أثوابه وقال : قولوا

انه كان غشي عليه وقد أفاق من غشوته فلما رآني قال : يا هرثمة لا تحدث

بما حدثك به صبيح إلا من قد امتحن الله قلبه بمحبتنا وولايتنا فقلت نعم

يا سيدي وقال : والله يا هرثمة فلا يضرنا كيدهم شيئا حتى يبلغ الكتاب

اجله .

وعنه عن محمد بن ميمون الخراساني عن أبيه ميمون بن أحمد بن

هرثمة بن أعين قال ميمون كنت مع هرثمة بطوس وحضرت وفاة علي بن

موسى الرضا ( عليه السلام ) وحضرت غسله ودفنه وشاهدت ما كان ذلك

كله وسالت هرثمة فقلت له : كيف كان خبر السم الذي سم به سيدنا

الرضا فقمت من عنده فقال هرثمة كنت بين يدي المأمون إلى أن مضى من

الليل أربع ساعات ثم اذن لي بالانصراف فانصرفت فلما مضى من الليل

ساعتين قرع قارع بابي فكلمه بعض غلماني فقال : قل لهرثمة أجب سيدنا

الرضا فقمت مسرعا فأخذت علي أثوابي وأسرعت إلى سيدي فدخل الغلام

بين يدي ودخلت داره فإذا انا بسيدي الرضا في صحن داره جالس قال

هرثمة قلت : لبيك يا مولاي قال اجلس واسمع وعي هذا وان رحيلي إلى

الله عز وجل ولحوقي بآبائي وأجدادي ( عليهم السلام ) وقد بلغ الكتاب

اجله وقد عزم هذا الطاغي على سمي في عنب ورمان مفروك فاما العنب

ليحضى واما الرمان فإنه ليطرح السم في كف بعض غلمانه ويفرك بيده

ليلطخ حبه في ذلك السم وانه يستدعيني إليه في يومنا هذا المقبل ويقرب إلي

‹ صفحة 283 ›

الرمان والعنب ويسألني اكله فاكله وينفذ الحكم ويحضر القضاء فإذا انا مت

فيقول انا اغسله بيدي فإذا قال : ذلك فقل له لا يتعرض لغسلي ولا

لكفني ولا لدفني فإنه ان فعل ذلك عاجله الله من العذاب ما اخر عنه وحل

به أليم ما يحذروا شيعتي قال : فقلت يا سيدي فإذا خلى بينك وبين غسلي

فيجلس من أبنيته هذه مشرفا على موضع غسلي لنظر إلي ، قال فلا

تعرض يا هرثمة لشئ من غسلي حتى ترى فسطاطا أبيضا قد ضرب في

جانب الدار فإذا رأيت ذلك فاحملني في أثوابي التي انا فيها من وراء

الفسطاط وقف وراءه ويكون معك دونك ولا تكشف عن الفسطاط فتراني

فتهلك فإنه سيشرف عليك ويقول لك يا هرثمة أليس زعمتم ان الامام لا

يغسله الا الامام مثله فمن يغسله وابنه محمد بالكوفة أو في بلاد الحجاز

ونحن بوسط بلاد خراسان فإذا قال لك ذلك فأجبه وقل له ما يغسله أحد

غير من ذكرته فإذا ارتفع الفسطاط فسوف تراني مندرجا في أكفاني محنطا

فضعني على نعش واحملني وصل علي واعلم أن صاحب الصلاة علي محمد

ابني فإذا أرادوا ان يحتفروا قبري فإنه سيجعل قبر أبيه هارون الرشيد قبلة

لقبري ولن يكون والله ذلك ابدا فإذا ضربوا بالمعاول فستنبوء عن الأرض

ولا ينحفر كقلامة الظفر فإذا اجتهدوا في ذلك وصعب عليهم فقل له : ان

أمرتك ان تضرب معولا واحدا في قبلة قبر هارون الرشيد فإذا ضربت نفذ

في الأرض قبرا محفورا وضريحا قائما فإذا انحفر ذلك القبر مع وجه الأرض ثم

يظهر فيه حيتان صغار فخذ لقمة من خبز ففتها فإنهن يأكلنها ثم يظهر

حوت ويطول فيأكل تلك الحيتان الصغار فيقول لك ما هذا فقل له ان مثل

هذه الحيتان الصغار مثل بني العباس فإنهم يأكلون مدتهم من الدنيا ومثل

الحوت الذي أكلهم مثل القائم المهدي من ولدي فإنه إذا ظهر افنى بني

العباس فإذا كان ذلك فلا تنزلني في القبر حتى إذا غاب الحوت وغار الماء

فيسجف على قبري سجفا ابيض فخلوا بيني وبين من ينزلني في قبري

‹ صفحة 284 ›

ويلحدني فإنه محمد ابني فإذا أرادوا ترابا يلقونه في قبري فامنعهم من ذلك فان

القبر ينطبق من نفسه ويمتلئ ويتربع قال فقلت نعم يا سيدي ، ثم قال :

احفظ ما عهدت إليك واعمل به ولا تخالفه قلت أعوذ بالله يا سيدي ان

أخالف امرك قال هرثمة : فخرجت باكيا حزينا فلم أزل على ما قال لي ولا

يعلم ما في نفسي الا الله ثم دعاني المأمون إليه فدخلت فلم أزل قائما إلى

ضحى النهار ثم قال المأمون امض يا هرثمة إلى أبي الحسن فاقرأه مني

السلام وقل له : تصير إلينا أو نصير إليك فان قال بلى نصير إليه ونسأله

ان يقدم بمصيرنا قال : فجئته فلما طلعت على سيدي الرضا قال لي : يا

هرثمة أليس قد حفظت ما وصيتك به قلت بلى فقال : قدموا

نعلي فقد علمت ما سالك به فقدمت نعله ومشى إليه فلما دخل

المجلس قام إليه المأمون قائما فعانقه وقبل بين عينيه واجلسه إلى جانبه على

سريره واقبل عليه يحادثه من النهار طويلا ثم قال لبعض غلمانه أتوني بعنب

ورمان قال هرثمة قال سمعت لم أستطع الصبر ورأيت النفضة قد عرضت

في جسدي فكرهت ان يتبين ذلك فرجعت القهقري حتى رميت نفسي في

موضع من الدار فلما قرب زوال الشمس أحسست بسيدي الرضا

( عليه السلام ) قد خرج من عنده ورجع إلى داره ثم رأيت الامر قد خرج

من عند المأمون باحضار الأولياء والمتفرقين فقلت ما هذا فقال علة عرضت

لأبي الحسن علي الرضا ( عليه السلام ) فكان الناس في شك وكنت انا في

يقين لما علمته منه فلما كان في بعض الليل وهو الثلث الثاني علا الصياح

وعلت الوجبة من الدار فأسرعت فيمن أسرع فإذا نحن بالمأمون مكشوف

الرأس محلل الازرار قائما ينتحب ويتباكى فوقفت فيمن وقف وانا أحس في

نفسي أكاد أتميز من الغيظ فلما أصبحنا جلس المأمون للتعزية ثم قام يمشي

إلى الموضع الذي كان فيه سيدنا الرضا ( عليه السلام ) فقال : اصلحوا لنا

موضعا اني أريد ان اغسله فدنوت منه فقلت خلوة يا أمير المؤمنين فاخلى

نفسه فأعدت عليه ما قاله لي سيدي بسبب الغسل والكفن والدفن فقال لي

‹ صفحة 285 ›

لست اعرض في شئ من ذلك يا هرثمة قال : فلم أزل قائما حتى رأيت

ذلك الفسطاط الأبيض قد نصب إلى جانب الدار فحملته فوضعته إلى

جانب الفسطاط فعبر الفسطاط وصار داخله وقعدت في ظاهره وكل من في

الدار دوني وانا اسمع التكبير والتهليل والتسبيح وتردد الأواني وتضوع

الطيب فإذا انا بالمأمون قد أشرف على بعض داره فصاح يا هرثمة أليس

زعمتم ان الامام لا يغسله الا امام مثله فأين محمد ابنه عنه وهو في مدينة

الرسول وهذا بطوس بخراسان فقلت له والله يا أمير المؤمنين ما يغسله غير

من ذكرته فسكت عني ثم ارتفع الفسطاط فإذا انا به مدرج في أكفانه

فوضعته على نعشه ثم حملناه فاشتال النعش من أيدينا وهو يسير إلى موضع

الصلاة عليه فصلى عليه المأمون وجميع الناس فجئنا إلى موضع قبره

فوجدتهم يضربون بالمعاول من فوق الرشيد ليجعلوه قبلة لقبر علي الرضا

( عليه السلام ) والمعاول تنبو حتى ما تقلب شيئا من تراب الأرض فقال لي

ويحك يا هرثمة اما ترى الأرض كيف تمتنع من حفر قبر له فقلت يا أمير

المؤمنين إئذن لنا لأضرب معولا واحدا في قبلة قبر أبيك ولا أضرب غيره

قال : فإذا ضربت يا هرثمة يكون ماذا قلت له اخبرني انه لا يجوز أن يكون

قبر أبيك قبلة لقبره واني إذا ضربت هذا المعول نفذ القبر محفورا من

غير يد تحفره وبان الضريح في وسطه قال المأمون سبحان الله ما أعجب

هذا الكلام ، فلا عجب من امر أبي الحسن فاضرب حتى نرى قال هرثمة

فأخذت المعول في يدي فضربت في قبلة قبر هارون فنفذ القبر محفورا وبان

الضريح في وسطه قال المأمون أنزله يا هرثمة فقلت له يا سيدي لا انه

امرني لا أنزله حتى ينفجر من ارض هذا القبر ماء ابيض فيمتلئ به القبر مع

وجه الأرض ثم تظهر فيه حيتان صغار فانثر لها خبزا فتأكله ثم يظهر حوت

بطول القبر فيضطرب ويأكل الحيتان الصغار فإذا غاب الحوت وضعته على

جانب القبر وخليت بينه وبين من ينزله في يلحده ثم غاب الحوت وغار الماء

ثم جعلت النعش بجانب القبر مما يلي الرأس كما أمرني فتسجف على القبر

‹ صفحة 286 ›

سجاف ابيض لم يبيضه أحد من الناس ممن حضر فأشار المأمون إلى الناس

ان هاتوا التراب فالقوه في القبر فقلت لا تفعل يا أمير المؤمنين قال : ويحك

فمن يملأه قلت قد امرني لا يطرح التراب عليه وأن القبر سيمتلئ من

نفسه وينطبق ويتربع على وجه الأرض ويرش عليه ماء ليس من عند الناس

فأشار المأمون إلى الناس ان كفوا فرموا ما في أيديهم من التراب ثم امتلأ

القبر وانطبق وتربع على وجه الأرض ورش عليه الماء لم يدر من رشه أزكى

من المسك وابيض من اللجين ثم انصرف المأمون وانصرفنا ثم دعاني وأخذ

مجلسه ثم قال : والله يا هرثمة لتصدقني عما سمعته من أبي محمد قلت قد

أخبرتك يا أمير المؤمنين قال لي : لا والله أو تصدقني عما أخبرك من غير ما

قلته لي فقلت : يا أمير المؤمنين نعم تسألني قال : بالله يا هرثمة هل أسر

إليك شيئا غير هذا قلت نعم خبر العنب والرمان والسم فاقبل المأمون

يتلون ألوانا صفراء وحمراء وسوداء ثم مد نفسه كالمغشي عليه وسمعته يقول في

غشيته وهو يجهر ويل المأمون من الله ويل المأمون من الحسن والحسين

ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى وويل لأبيه

هارون منهم جميعا وويله من موسى بن جعفر ان هذا لهو الخسران المبين

يقول هذا القول ويكرره ، قال هرثمة : فلما رأيته قد طال عليه الكلام

وليت عنه فجلست في بعض الدار فجلس ودعاني إليه وهو كالسكران إذا

ثمل فقال لي والله يا هرثمة ما أنت أعز علي منه ولا جميع من في الأرض

والسماء والله لئن أعدت مما سمعت و رأيت شيئا ليكونن هلاكك أهون

علي مما لم يكن قلت يا أمير المؤمنين ان أظهرت على ذلك أحدا فأنت في

حل من دمي قال لا والله أو تعطيني عهدا موثقا انك تكتم هذا الامر ولا

تعيده فاخذ مني العهد والميثاق واكده فلما وليت عنه صفق بيديه ثم سمعته

يقول يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا

يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطا .

وعنه عن الحسين بن محمد بن جمهور القمي ، عن أبيه ، عن محمد بن

‹ صفحة 287 ›

عبد الله بن مهران عن أبي محمد الحسن بن نصير البصري قال أبو محمد

الكوفي : دخلت على أبي الحسن الرضا ( عليه السلام ) بالمدائن فسلمت

عليه فاقبل يحدثني بأحاديث سألته عنها إذ قال ما ابتلى الله مؤمنا ببلية صبر

عليها الا كان له اجر الف شهيد قال أبو محمد ولم يكن في حديثنا شئ من

ذكر البلوى والعلل والأمراض فأنكرت ذلك من قوله فقلت في نفسي

سبحان الله ما أجمل هذا الحديث رجل انا معه قد عنيت به إذ حدثني

بالوجع في غير موضعه فسلمت عليه وودعته ثم خرجت فلحقت بأصحابي

وقد حلوا فاشتكت رجلي من ليلتي فقلت هذا من تعبي فلما كان من الغد

تورمت رجلاي ثم أصبحت وقد اشتد الورم وضرب علي فذكرت قوله

( عليه السلام ) ووصلت الكوفة وخرج منها القيح وصار جرحا عظيما لا

أنام ولا انيم فعلمت انه ما حدثني هذا الحديث الا لهذه البلوى فبقيت

معه تسعة عشر يوما فزالت ثم أفقت فحدثت بحديثي هذا قال أبو محمد

ابن مهران البصري ثم نكس فمات .

وعنه عن محمد بن مهران عن علي بن أسباط القدسي ، عن أحمد بن

محمد بن أبي بصير الأسدي ، قال : دخلت على سيدي الرضا

( عليه السلام ) انا وعبد الله بن المغيرة وعبد الله بن جندب ، وصفوان

ومحمد بن سنان ، وهو بصاريا خارجا عن المدينة في القصر على الوادي

فجلسنا عنده ساعة ثم قمنا فقال أثبت أنت يا احمد فاجلس فجلست واقبل

علي يحدثني وأسأله فيجيبني حتى ذهل عامة الليل فلما أردت الانصراف قال

يا احمد تنصرف أو تثبت فقلت جعلت فداك ان أمرت بالمبيت بت فقال :

أقم بهذه الحجرة فقمت وقد هدأ الناس فقام ( عليه السلام ) فلما ظننت أنه

قد دخل خررت ساجدا فقلت في نفسي الحمد لله ان حجة الله ووارث

علم النبيين آثرني من بين إخواني وأجلسني عنده فبينما انا في سجودي

وشكري لله فما علمت الا وقد ركلني برجله فوثبت قائما فاخذ بيدي فغمزها

‹ صفحة 288 ›

ثم قال : يا احمد ان أمير المؤمنين عاد صعصعة في مرضه فلما قام من عنده

قال يا صعصعة لا تفتخر على اخوانك بعيادتي إياك فقد علمت ما في

نفسك فاتق الله ربك فقد علمت يا احمد ما كان في نفسك في سجودك وما

فخرت به على اخوانك من أن أسررتك من بينهم وحملتك من دونهم فقلت

كذا كان واستغفر الله .

وعنه عن جعفر بن أحمد القصير عن أبي النضر عن أبي عبد الله عن

جعفر بن محمد بن يونس قال : جاء قوم إلى باب أبي الحسن الرضا ( صلوات

الله عليه ) برقاع فيها مسائل وفي القوم رجل واقفي واقف على باب أبي

الحسن بن موسى ، فوصلت الرقاع إليه فخرجت الأجوبة في جميعها

وخرجت رقعة الواقفي بلا جواب فسألته لم خرجت رقعته بلا جواب فقال

لي الرجل ما عرفني الرضا ولا رآني فيعلم اني واقفي ولا في القوم الذين

جئت معهم من يعرفني اللهم إني تائب من الوقف مقر بامامة الرضا فما

استتم كلامه حتى خرج الخادم فاخذ رقعته من يده ودخل بها وعاد الجواب

فيها إلى الرجل فقال الحمد لله هذان برهانان في وقت واحد .

وعنه بهذا الاسناد عن جعفر بن محمد بن يونس قال : جاء رجل من

شيعة الرضا ( عليه السلام ) بكتاب منه إلى أبي الحسن الرضا

( عليه السلام ) فسألني ان أنفذه إليه فلما أنفذت الكتاب فقال جعلت فداك

سهوت ان اذكر في الكتاب عن سلاح رسول الله أين هو وعن الاحرام هل

يجوز في الثوب الملحم أم لا فقلت له قد أنفذ كتابك فتذكرني في كتاب آخر

فورد جواب كتابه في آخره إن كنت نسيت ان تسألنا عن سلاح رسول الله

( صلى الله عليه وآله ) وأين هو فنحن لا ننسى وسلاح رسول الله فينا بمنزلة

التابوت في بني إسرائيل والسلاح معنا حيث أردنا ولا باس في الاحرام في

الثوب الملحم .

وعنه عن محمد بن ميمون الخراساني ، عن محمد بن إسحاق الكوفي ،

عن علي بن مهران ، قال جاءني رجل من شيعة أبي الحسن الرضا

‹ صفحة 289 ›

( عليه السلام ) ، فقلت جعلت فداك تكتب إليه فان لي بنتا قد طلب

أبوابا ان يهب لها العافية أو يريحنا منها قال : جعفر بن محمد بن يونس

فأردت الخروج إليه فحملت برسالة الرجل فلما عاد جعفر أخبرنا انه أبقى

الرسالة واخذ بيده فغمزها ثم قال له : قد كفيت مؤونتها فحفظت منه

( عليه السلام ) فلما قدمت وجدتها قد ماتت قبل قدومي بيوم واحد .

وعنه عن الحسن بن إبراهيم ، عن جابر بن خالد البزاز الكوفي قال :

سالت الحسين بن الحسن بن موسى هل تروي عن أخيك الرضا شيئا قال :

أحدثك عنه بثلاثة أشياء رأيتها منه : خرجنا معه في يوم صائف شديد الحر

إلى بعض الأماكن فقال لنا في الطريق حملتم مماطر فقلت جعلت فداك وما

حاجتنا إليها في هذا القيظ الشديد والناس قد ماتوا بالحر فقال لكنني حملت

ممطري فما سرنا الا يسيرا حتى نشأت سحابة فجاء منها من المطر شئ

عظيم فما بقي منا أحد الا تبللت ثيابه غيره وأنا خلونا معه وعنده جماعة من

سماتنا أهل البيت بالمدينة فمر علينا جعفر بن عمر الذي غلب على المدينة

فرأيناه رث البزة جدا فضحكنا منه فقال أبو الحسن تضحكون من رثاثة بزة

جعفر فقلنا نعم يا سيدنا فقال : عن قريب ترونه عظيم الموكب جليل

البزة .

قال الحسين فما مضى لذلك الا أيام يسيرة حتى غلب جعفر على المدينة

فكان يمر بنا في موكب عظيم وبزة جليلة كما قال أخي وأتى أقوام من أهل

مصر فاستأذنوه في الزراعة في عامهم ذلك فقال لا تزرعوا في عامكم هذا

فتدمروا وأخبروا أهل مصر فزرع قوم وامسك آخرون فأصابتهم الآفة

فذهب زرعهم فقال لهم : ألم أنهكم عن الزراعة في عامكم هذا فكان هذا

مما رأيت وسمعت .

وعنه عن محمد بن موسى القمي ، عن إبراهيم بن زيد السامري عن

‹ صفحة 290 ›

جعفر بن محمد بن يونس ، قال دفع سيدنا أبو الحسن الرضا

( عليه السلام ) إلى مولى له حمارا بالمدينة وقال تبيعه بعشر دنانير ولا تنقصه

شيئا فعرفه المولى فاتاه رجل من أهل خراسان من الحاج فقال له معي ثمانية

دنانير ما أملك غيرها فقال له ارجع لمولاك ان شئت لعله يأذن لك في بيعه

بهذه الثمانية دنانير فرجع المولى إليه فأخبره بخير الخراساني فقال له : قل له

ان قبلت منا الدينارين صلة أخذنا منك الثمانية فقلت له : فقال قد قبلت

فسلمت إليه وحج أبو الحسن معه فلما كنا في بعض المنازل في المنصرف

وإذا انا بصاحب الحمار يبكي فقلت له ما لك قال سرق حماري وعليه

الخرج وفيه نفقتي وثيابي وليس معي شئ الا ما ترى فأخبرت أبا الحسن ان

هذا صاحب الحمار الذي اشتراه ذكر من قصته كذا وكذا ، فقال أبو

الحسن : أعطه عشرين درهما وقل له إذا قدمت المدينة فالقنا قال : فمضينا

فلما كنا في أوائل المدينة بعد رجوعنا من مكة نظر أبو الحسن إلى قوم

متكئين على الطريق فأشار إليهم وقال سارق الحمار معهم : والحمار معه

والرجل ما احدث فيه حدثا فامض إليه وقل له : يقول لك علي بن موسى

إما ان ترد الحمار وما كان عليه والا رفعت امرك إلى السلطان فاتيته فقلت

له : ما قال ، قال سارق الحمار يجعل عهدا وذمة ان لا يدل علي وارد الحمار

وما عليه الخرج وقدم صاحب الحمار فقال : هذا حمارك وما عليه فانظر فإنك

لا تفقد منه شيئا من متاعك فنظر وقال جعلني الله فداك ما فقدت من

متاعي قليلا ولا كثيرا .

وعنه عن محمد بن يحيى الخرقي ، عن أبي الحسن الخفاف عن

النضر بن سويد ، قال : كان أبي مريضا فدخلت المدينة على أبي الحسن

الرضا ( عليه السلام ) فقلت له : جعلت فداك اني خلفت أبي بالكوفة

مريضا فقال لي : اجرك الله فلما قدمت الكوفة وجدت أبي قد مات قبل

مسألتي إياه عن الدعاء له بالعافية .

‹ صفحة 291 ›

وعنه عن أحمد بن محمد الكوفي ، عن رشيد بن محمد الحذاء ، عن

الحسين بن بنت الأمين ، قال : أتيت خراسان في تجارة ومذهبي الوقف على

أبي الحسن موسى وكنت قد حملت بزا فيه ثوب وشئ في بعض الرزم ولم

اشعر به ولم اعرف مكانه فلما قدمت سامراء نزلت في بعض منازلها ولم اشعر

الا برجل مدني من مولدي المدينة قد اتان فقال لي مولاي الرضا علي بن

موسى ( عليهما السلام ) يقول لك ابعث بالثوب الوشي الذي معك فقلت

له ومن اخبر أبا الحسن بقدومي وإنما قدمت آنفا وما عندي ثوب وشئ

فرجع إليه وعاد إلي فقال : يقول لك الثوب معك في الرزمة الفلانية

فوجدت الرزمة التي وصفها فحللتها فوجدت الثوب الوشي فبعثت به إليه

وآمنت به وعلمت أنه الامام بعد أبيه ( عليه السلام ) والتحية والاكرام

وعلى آبائه الغرر الكرام .