‹ صفحة 245 ›

البا الثامن

      باب الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام )

‹ صفحة 247 ›

مضى مولانا جعفر الصادق بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب

 ( صلوات الله عليهم ) وله خمس وستون سنة في ثمانية وأربعين ومائة

من الهجرة .

وكان مقامه مع جده ( عليه السلام ) تسعة عشر سنة وأقام مع أبيه

اثني عشر سنة ، وأقام بعد أبيه أربعا وثلاثين سنة .

وكانت كنيته أبا عبد الله وأبا إسماعيل والخاص : أبو موسى .

ولقبه الصادق ، والفاضل ، والقاهر ، والتام ، والكامل ، والمنجي .

وأمه أم فروة وكانت تكنى أم القاسم وهي بنت القاسم بن محمد بن

أبي بكر بن أبي قحافة .

ومشهده بالبقيع إلى جانب مشهد أبيه محمد بن علي وجده علي بن

الحسين ( صلوات الله عليهما ) .

وكان له من الولد موسى الإمام الكاظم ، وإسماعيل ، ومحمد ،

وعلي ، وعبد الله ، وإسحاق ، وأم فروة ، وهي التي زوجها ابن عمها

الخارج مع زيد .

‹ صفحة 248 ›

وكان من دلائله ( عليه السلام ) .

قال الحسين بن حمدان حدثني علي بن بشر عن جعفر بن يزيد

الرهاوي عن محمد بن المفضل عن الحسن بن مسكان عن داود الرقي عن

أبي حمزة الثمالي عن ميثم التمار عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : قال

رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إذا ولد جعفر بن محمد بن علي بن

الحسين ( صلوات الله عليه ) فسموه جعفر الصادق فإنه يولد من ولده ولد

يقال له جعفر الكذاب ويل له من جرأته علي وبغيه على أخيه صاحب الحق

وإمام الخلق ومهدي أهل بيتي فلأجل ذلك سمي جعفر الصادق وجعفر

الكذاب هو جعفر بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر الصادق وهو

المعروف بزق خمر وهو الذي سعى بجارية أخيه الحسن بن علي إلى السلطان

وقال له : ان أخي توفي ولم يكن له ولد وإنما خلف حملا في بطن جاريته

نرجس وأخذت هي وورداس الكتابية جاريتا الحسن بن علي من داره في

سوق العطش وحبستا سنتين فلم يصح على نرجس ما ادعى عليها ولا

غيرها فاطلقتا .

قال الحسين بن حمدان قال حدثني أبو الحسين بن يحيى الخرقي وأبو

محمد جعفر بن إسماعيل الحسني ، والعباس بن أحمد وأحمد بن سندولا ،

وأحمد بن صالح ، ومحمد بن منصور الخراساني ، والحسن بن مسعود

الفزاري ، وعيسى بن مهدي الجوهري الجنبلاني ، والحسين بن غياث

الجنبلاني ، وأحمد بن حسان العجلي الفزاري ، وعبد الحميد بن محمد

السراج جميعا في مجالس شتى انهم حضروا وقت وفاة أبي الحسن بن محمد بن

علي بن موسى بن جعفر الصادق ( صلوات الله عليهم والصلاة ) بسر من رأى ،

فان السلطان لما عرف خبر وفاته أمر سائر أهل المدينة بالركوب إلى

جنازته وأن يحمل إلى دار السلطان حتى صلى عليه ، وحضرت الشيعة

وتكلموا ، وقال علماؤهم : اليوم يبين فضل سيدنا أبي محمد الحسن بن

عي على أخيه جعفر ، ونرى خروجهما مع النعش قالوا جميعا فلما خرج

‹ صفحة 249 ›

النعش وعليه أبو الحسن خرج أبو محمد حافي القدم مكشوف الرأس محلل

الازرار خلف النعش مشقوق الجيب مخضل اللحية بدموع على عينيه يمشي راجلا

خلف النعش ، مرة عن يمين النعش ، ومرة عن شمال النعش ولا يتقدم

النعش إليه ، وخرج جعر أخوه خلف النعش بدراريع يسحب ذيولها معتم

محبتك الازرار طلق الوجه على حمار يماني يتقدم النعش فلما نظر إليه أهل

الدولة وكبراء الناس والشيعة ورأوا زي أبي محمد وفعله ترجل الناس

وخلعوا أخفافهم وكشفوا عمائمهم ومنهم من شق جيبه وحلل ازراره ولم

يمش بالخفاف ولا الامراء وأولياء السلطان أحد فأكثروا اللعن والسب لجعفر

الكذاب وركوبه وخلافه على أخيه لما تلا النعش إلى دار السلطان سبق

بالخبر إليه فامر بان يوضع على ساحة الدار على مصطبة عالية كانت على

باب الديوان وأمر أحمد بن فتيان وهو المعتمد بالخروج إليه والصلاة عليه

وأقام السلطان في داره للصلاة عليه إلى صلاة العامة وامر السلطان

بالاعلان والتكبير وخرج المعتمد بخف وعمامة ودراريع فصلى عليه خمس

تكبيرات وصلى السلطان بصلاتهم والسلطان في ذلك الوقت المعتز وكان اسم

المعتز الزبير والموفق طلحة وكانت أم المعتز تتوالى أهل البيت فقال المعتز

وكل وقد ولد المعتز وقد سميته الزبير قالت : وكيف اخترت له هذا الاسم .

فقال هذا اسم عم النبي ( صلى الله عليه وآله ) .

قال الحسين بن حمدان : إنما ذكرت هذا ليعلم من لا يعلم ما كان

المعتز هو الزبير وجعفر المتوكل على الله المعتضد أحمد بن طلحة .

وجع الحديث إلى الجماعة الذين شهدوا الوفاة والصلاة قال : اجعلوا

النعش إلى الدار ، فدفن في داره ، وبقي الإمام أبو محمد الحسن بن علي

( عليهما السلام ) ثلاثة أيام مردود الأبواب يسمع من داره القراءة والتسبيح

والبكاء ولا يؤكل في الدار الا خبز الخشكار والملح ويشرب الشربات

وجعفر بغير هذه الصفة ويفعل ما يقبح ذكره من الافعال قالوا جميعا :

وسمعنا الناس يقولون هكذا كنا نحن جميعا نعلم ما عند سيدنا أبي محمد

‹ صفحة 250 ›

الحسن من شق جيبه ، قالوا جميعا : فخرج توقيع منه ( عليه السلام ) في

اليوم الرابع من المصيبة .

بسم الله الرحمن الرحيم اما بعد من شق جيبه على الذرية يعقوب على

يوسف ، حزنا قال : يا أسفي على يوسف فإنه قد جيبه فشقه .

قال الحسين بن حمدان : حدثني الحسن بن محمد بن جمهور عن

محمد بن علي ، عن علي بن محمد عن أبي المعز عن أبي بصير قال : دخلت

على أبي عبد الله الصادق بعد مضي والده الباقر ( صلوات الله عليه ) وقد

جامعت أهلي فاتيت إلى عند سيدي الصادق من قبل ان اغتسل لأمتحنه

وارى دلالته مثل ما أراني أبوه فلما دخلت عليه بمجلسه وانا على هذه الحال

فقال لي : يا محمد ما كان فيما كنت فيه حاجة ان تدخل على امامك وأنت

جنب فقلت له : جعلت فداك اعتمدت ذلك لأرى دلالتك فقال أولم تؤمن

قلت : بلى ، ولكن ليطمئن قلبي قال : قم اغتسل من جنابتك ففعلت

وعدت إلى مجلسه وعلمت بهذه الدلالة انه الامام حقا .

وعنه عن أحمد بن صالح عن جرير بن يزيد الشاري عن محمد بن

علي ، عن الحسن بن علي ، عن محمد غلام سعد الإسكاف قال : كنت

عند أبي عبد الله ( عليه السلام ) إذ دخل عليه رجل من أهل الجبل بهدايا

والطاف فكان مما كان أهدى إليه جراب فيه قديد وحيش فنثر أبو عبد الله

( عليه السلام ) القديد من الجراب ، قال الرجل : انا ما أتيتك الا ناصحنا ،

قال : هذا القديد ليس مزكى فرده بين يديه أبو عبد الله الصادق

( صلوات الله عليه ) في الجراب ثم تكلم عليه بكلام لم افهمه وقال

للرجل : قم بهذا الجراب فادخل في ذلك البيت وضعه في الزاوية فسمع

الرجل القديد من داخل الجراب وهو يقول ليس مثلي يأكله الامام لأني غير

مزكى فحمل الرجل الجراب وخرج إلى أبي عبد الله ( صلوات الله عليه ) ،

فقال الصادق : ان القديد اخبرني بما اخبرني بما أخبرتني به قال : انه غير مزكى فقال

‹ صفحة 251 ›

له : أبو عبد الله ( عليه السلام ) اما علمت يا هارون انا نعلم ما لا يعلم

الناس قال : بلى ، جعلت فداك فعلمت ان اسم الرجل هارون وخرج

وخرجت اتبعه حتى مر على كلب فألقاه إليه فاكله الكلب حتى لم يبق منه

شئ فكان هذا من دلائله ( عليه السلام ) .

وعنه عن أحمد بن محمد الحجالي الصيرفي ، عن محمد بن علي ، عن

علي بن الحسن ، عن أبيه ، عن أبي حمزة ، عن أبي عبد الله بن يحيى

الكاهلي ، قال : قال أبو أبو عبد الله ( عليه السلام ) يا عبد الله بن يحيى

الكاهلي إذا لقيته فاقرأ آية الكرسي ، ثم قل ه عزمت عليك بعزيمة أمير المؤمنين

والأئمة بعده ( صلوات الله عليهم أجمعين ) الا تنحيت عن طريقنا لا تؤذينا

ولا نؤذيك قال عبد الله بن يحيى : فانا وابن عمي في الطريق إذ عرض لنا

سبع فقلت له : ما امرني الصادق ( عليه السلام ) وكان السبع يزأر فانكف

وطأطأ رأسه وجمع نفسه وادخل ذنبه بين يديه ومشى على الطريق من حيث

جاء فقال لي ابن عمي ما سمعت كلاما أحسن مما قلته للسبع فقلت هذا مما

علمني أبو عبد الله ( عليه السلام ) فقال : أشهد انه الامام الذي فرض

الله طاعته ولولا ذلك ما اطاعه السبع وما كان ابن عمي يعرف قليلا ولا

كثيرا من دينه فدخلت على الصادق ( صلوات الله عليه ) من قابل فأخبرني

بما كان مني ومن ابن عمي والسبع وقال لا تكن ظننت ثم قال : ان لي مع

كل ولي اذنا سامعة وعينا ناظرة ولسانا ناطقا ، ثم قال لي : يا عبد الله

ولقيك السبع ببيداء الكوفة على شاطئ النهر واسم ابن عمك حبيب وما

كان الله ليميته حتى يعرف هذا الامر قال : فرجعت إلى الكوفة فأخبرت

ابن عمي بمقالة أبي عبد الله الصادق ( عليه السلام ) ففرح فرحا شديدا

وما زال مستبصرا حتى مات على ذلك .

وعنه عن جعفر بن أحمد القصير عن محمد بن علي ، عن علي بن

محمد ، عن الحسن بن علي ، عن أبي العلاء ، عن أبي بصير ، قال :

‹ صفحة 252 ›

دخلت على أبي عبد الله الصادق ( صلوات الله عليه ) فكان ابنه إسماعيل

موعوكا فقال : قم يا محمد فادخل على ابني إسماعيل فعده فدخلت معه ،

فإذا في جانب داره قصر فيه فاختة وهي تصيح فقال : يا بني تمسك هذه

الفاختة أما علمت أنها مشؤومة قليلة الذكر لله تدعو على أربابها وعلينا أهل

البيت ، قال أبو بصير : فقلت : وماذا دعاؤها يا سيدي ، قال : تقول

فقدتكم أهل البيت وفقدت أربابي ، قال لإسماعيل : إن كان لا بد متخذا

مثلها فاتخذ ورشانا فإنه ما زال كثيرا يذكر الله تعالى ويتولانا ويحبنا ، قال

أبو بصير : فقلت يا سيدي : فهل في الطير مثله بهذه الصفة قال : نعم ،

الزاعبي والقنابر والديك الافرق والطيطوي والبنية قلت وما البنية قال الذي

تسمونه البوم فإنه من يوم قتل الحسين يسكن نهارا ويندبنا ليلا .

وعنه عن محمد بن علي ، عن شعيب العاقرقوني ، قال : دخلت انا

وحمزة وأبو بصير ومعي ثلاثمائة دينار على أبي عبد الله الصادق ( صلوات

الله عليه ) فصببتها بين يديه فقبض منها لنفسه وقال : يا شعيب خذ

الباقي فإنه مائة دينار وارددها إلى موضعها الذي اخذتها منه فقد قبلنا منك

ما هو لك ورددنا المائة على صاحبها ، قال شعيب : فخرجنا من عنده

جميعا ، فقال لي أبو بصير : يا شعيب ما حال هذه الدنانير التي ردها أبو

عبد الله ( صلوات الله عليه ) قلت له اخذتها من غرفة أخي سرا وهو لا

يعلم فقال أبو بصير وأبو حمزة زن الدنانير وعدها لننظركم هي فزناها

وعددناها فإذا هي مائة دينار لا تنقص ولا تزيد .

وعنه عن محمد بن غالب ، عن زيد بن رياح ، عن محمد بن علي ،

عن علي بن محمد ، عن الحسين بن علي ، عن أبي حمزة ، عن أبيه علي ،

عن أبي بصير : قال : كنت عند أبي عبد الله ( صلوات الله عليه ) يوما

جالسا إذ قال يا محمد هل تعرف امامك قلت اي والله الذي لا اله الا

هو ، وأنت هو ووضعت يدي على ركبتيه وفخذيه فقال يا محمد ليس هذا

الامر معرفة ولا اقرار للامام بما جعله الله له وفيه ولكن نطالبه بعلامة

‹ صفحة 253 ›

ودلالة قلت يا سيدي قولك الحق ولكي ازداد علما ويقينا وليطمئن قلبي

قال يا محمد ترجع إلى الكوفة ويولد لك ولد تسميه عيسى ويولد لك بعد

سنتين ولد تسميه محمدا ويولد لك بعدهما ابنتان في ثلاث سنين واعلم أن

أسماء أبنائك عندنا في الصحيفة الجامعة والوسطى مثبتان مسميان مع أسماء

شيعتنا وأسماء آبائهم وأمهاتهم وقبائلهم وعشائرهم مصوران مجليان

وأجدادهم وأولادهم وما يلدون إلى يوم القيامة رجلا رجلا وامرأة امرأة

وهي صحيفة صفراء مدروجة مخطوطة بالنور لا بحبر ولا بمداد قال أبو

بصير : فرجعت من المدينة ودخلت الكوفة فولد لي والله ولدان وابنتان في

الأوقات التي قال عنها فكان هذا من دلائله ( عليه السلام ) .

وعنه بهذا الاسناد عن أبي بصير : قال دخلت على أبي عبد الله ( عليه

السلام ) فقال يا أبا محمد ما فعل أبو حمزة الثمالي فقلت له جعلت فداءك

خلفت أبا حمزة صالحا فقال لي : إذا رجعت فاقرأه مني السلام وقل له :

انك تموت يوم الجمعة من شهر رمضان من السنة الداخلة قلت جعلت

فداك لقد كان للشيعة فيه انس وكان عليهم نعم الشيعة فقال : صدقت يا

أبا محمد وما عندنا وعنه الله خير قلت : جعلت فداءك شيعتكم تعلم

قال : نعم ، إذا هم خافوا الله وراقبوه وخافونا وخافوا الذنوب فإذا هم

فعلوا ذلك كانوا معنا في درجتنا قال أبو بصير : لما رجعت بلغت أبا حمزة

كل ما قاله أبو عبد الله الصادق ( صلوات الله عليه ) فلما كانت السنة

الداخلة توفي أبو حمزة رحمة الله عليه يوم الجمعة في رمضان كما قال .

وعنه عن محمد بن خالد عن جعفر بن أحمد الصفار عن محمد بن

علي ، عن علي بن الحسين عن الحسن والحسين أبنا أبي العلاء ، عن أبي

العلاء ، عن أبي المغيرة عن أبي بصير قال سمعت أبا عبد الله الصادق

( صلوات الله عليه ) يقول وقد جرى ذكر الملي بن خنيس فقال رحم الله

المعلى بن خنيس فقلت : يا سيدي وما حاله فقال لي اكتم علي يا أبا

‹ صفحة 254 ›

محمد ما أقول في المعلى بن خنيس فقلت افعل يا سيدي فقال : ان المعلى

ما كان ينال درجتنا الا بما نال منه داود بن علي بن عبد الله بن عباس ،

قلت له : جعلت فداك وما الذي ينال داود بن علي ، قال يدعو به إذا

تقلد المدينة عليه لعنة الله وسوء الدار فيطالبه بان يثبت له أسماء شيعتنا

وأوليائنا ليقتلهم فلا يفعل فيضرب عنقه ويصلبه فقلت انا لله وإنا إليه

راجعون ومتى يكون ذلك قال قابل فلما كان من قابل ولي المدينة داود بن

علي لعنه الله فاحضر المعلى بن خنيس فسأله عن شيعة جعفر الصادق

( صلوات الله عليه ) وأوليائه ان يكتبهم له ، فقال له : المعلى ما اعرف من

شيعته وأوليائه أحدا ، وإنما انا وكيله أنفق له وأتردد في حوائجه وما اعرف

له شيعة ولا صاحبا ، قال : لا تكتمني فاقتلك قال المعلى بن خنيس :

أفبالقتل تهددني والله لو كانوا تحت قدمي ما رفعتها عنهم ولئن قتلتني

ليسعدني الله ويشقيك فامر به فضرب عنقه وصلب على باب دار الامارة

فدخل عليه أبو عبد الله الصادق ( صلوات الله عليه ) فقال له يا داود بن

علي ، قتلت مولاي ووكيلي وثقتي على عيالي ، قال ما انا قتلته ، قال فمن

قتله ، قال ما أدري قال الصادق ( صلوات الله عليه ) : ما رضيت ان

صلبته وقتلته حتى تجحد وتكذب والله ما رضيت ان قتلته ظلما وعدوانا ثم

صلبته أردت ان تشهر به وان تنوه بقتله وانه مولاي والله انه لا وجه عند

الله منك ومن أمثالك منزلته عند الله رفيعة ولك منزلة وضيعة في النار

فانظر كيف تخلص منها والله لأدعون الله فيقتلك الله كما قتلته فقال له

داود بن علي : تهددني بدعائك اصنع ما أنت صانع وادع لنفسك ، فإذا

استجيب لك فادع علي فخرج الصادق ( صلوات الله عليه ) من عنده

مغضبا ، فلما جن عليه الليل اغتسل ولبس ثياب الصلاة وابتهل إلى الله عز

وجل ، وقال يا ذاي يا ذاي يا ذويه ارم سهما من سهامك على داود بن علي

يفلق به قلبه ثم قال لغلامه : اخرج اسمع الصراخ على داود فخرج ورجع

الغلام ، وقال يا مولاي الصراخ عال عليه وقد مات فخر الصادق ( عليه

‹ صفحة 255 ›

السلام ) ساجدا وهو يقول شكرا للكريم شكرا للقائم الدائم الذي يجيب

المضطر إذا دعاه ويكشف السوء وأصبح داود بن علي ميتا لعنه الله والشيعة

يهرعون إلى أبي عبد الله الصادق ( صلوات الله عليه ) ويهنئونه بموته فقال

لهم : قد مات على دين أبي لهب ولقد دعوت الله عليه بثلاث كلمات لو

دعوت الله بها على الأرض لزالت ومن عليها فأجابني وعجل عليه إلى إمه

هاوية .

وعنه عن محمد بن إبراهيم الخياط ، عن بشار بن علي ، عن زيد

الشحام ، عن أبي سمينة ، عن محمد بن علي ، عن يونس بن ظبيان ، عن

المفضل بن عمر الجعفي ، عن سيدنا أبي عبد الله الصادق ( صلوات الله

عليه ) وهو جالس على بساط احمر في وسط داره وانا أقول إن كان داود

أوتي ملكا عظيما فالذي ائتيه محمد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأهل بيته

( عليهم السلام ) أعظم واجل وقلت في نفسي اللهم إني ما أشك في

حجتك على خلقك واما جعفر فبين لي فيه آية تزيدني ثباتا ويقينا فرفع رأسه

إلي وقال قد أوتيت سؤلك يا موسى يا مفضل ناولني النواة وأشار بيده إلى

نواة في جانب الدار فاخذتها وناولته إياها فجمع سبابته عليها وغمرها في

الأرض فغيبها ودعا بدعوات سمعت يقول : اللهم فالق الحب والنوى ،

ولم اسمع الباقي ، وإذا تلك النواة نبتت نخلة واخذت تعلو حتى صارت

بإزاء علو الدار ثم حملت حملا حسنا وتهدلت ونارت ورطبت وانا انظر إليها

فقال لي يا مفضل اهززها فهززتها فنثرت علينا في الدار رطبا جنيا ليس مما

رأى الناس ولا عرفوه ولا اكلوا أصفى منه وهو أصفى من الجوهر واعطر

من روائح المسك والعنبر توري كالمرأة فقال لي : التقط وكل فالتقطت

وأكلت فقال ضم كلما سقط من هذا الرطب واهده إلى مخلص شيعتنا الذين

أوجب الله لهم الجنة ، فلا يحل هذا الرطب الا لهم فاهد إلى كل نفس

منهم واحدة ، قال المفضل : فضممت ذلك الرطب وظننت اني لا أطيق

حمله فخف حتى حملته إلى منزلي وفرقته فيمن أمرني به ممن هو بالكوفة

‹ صفحة 256 ›

فخرج باعدادهم لا يزيد رطبة ولا ينقص رطبة فرجعت إليه فقال لي :

إعلم يا مفضل ان هذه النخلة تطاولت وانبسطت في هذه الدنيا فلم يبق

مؤمن ولا مؤمنة من شيعتنا بالكوفة وغيرها بمقدار مضيك إلى منزلك

ورجوعك إلينا الا وقد وصل إليهم منها فهذا فضل من الله أعظم إلى

جدنا محمد ( عليه السلام ) وان الكتب من شيعتنا سترد الينا واليك من

طول الدنيا وعرضها بان النخلة وصلت إليهم جميعا وطرحت إلى كل واحد

منهم رطبة ، قال المفضل : فلم تزل الكتب ترد عليه من سائر الشيعة من

سائر الدنيا بذلك فعرفت عددهم من كتبهم .

وعنه عن الحسين بن مسعود ، عن عبد الله بن زيد التمار ، عن

هشام بن جعفر الوشا ، عن الحسين بن مسكان ، عن بشار الشعيري ،

عن المفضل بن عمر ، قال : خرج أبو عبد الله الصادق ( صلوات الله

عليه ) وأنا معه إلى بعض قرى سواد الكوفة ، فلما رجعنا رأينا على الطريق

رجلا يلطم رأسه ويدعو بالويل والعويل وبين يديه حمار قد خنق ، كان

عليه رحله وزاده فنظرت إليه فرحمته فقلت : لو أدركت يا مولاي هذا

البائس رحمتك ودعوت له ان يحيي حماره ، قال يا مفضل : اني افعل هذا

به فاسأل الله تعالى فيحييه له فإذا أحييناه سألنا من نحن فنعرفه أنفسنا

فيدخل الكوفة فينادي علينا فيها ويقول للناس هاهنا رجل يعرف بجعفر بن

محمد وهو ساحر كذاب فيقولون له ما رأيت من سحره فيحدثهم بالذي

كان ، فإذا سمعوه فرحت شيعتنا واغتم أعداؤنا وينسبوننا إلى السحر

والكهانة وان الجن تحدثنا وتطيعنا ويكذبون علينا ، فادن منه وخذ عليه

العهد ان أحيينا له حماره لا يشنع علينا فإنه يعطيك ولا يفي وما تشنيعه

علينا بضار بل يشنع علينا أكثر أهل الكوفة ، من أعدائنا ، قال المفضل :

فدنوت منه فقلت له : ان أحيى سيدنا لك حمارك تكتم عليه ولا تشنع به

قال : نعم وأعطى عهد الله وميثاقه على ذلك فحلف ودنا سيدنا أبو عبد

الله الصادق ( صلوات الله عليه ) من حماره وتكلم بكلمات ، وقال

‹ صفحة 257 ›

لصاحب الحمار امدد برأسه فمده فنهض حيا وحمل عليه رحله ودخل

الكوفة ونادى وشنع في الناس والطرق ، وقال : ان ها هنا ساحر يعرف

بجعفر بن محمد مر بحماري وهو ميت فتكلم عليه بسحره فأحياه فشنع

أكثر الناس المخالفين من اجل ذلك وقال لي : من قابل اخرج يا مفضل :

فإنك تلقى صاحب الحمار سائل العينين أصم الاذنين مقطوع اليدين

والرجلين اخرس اللسان على ظهر ذلك الحمار يطاف به فكان كما قال

( صلوات الله عليه ) .

وروي عن محمد بن زيد ، عن إبراهيم بن إسحاق ، عن محمد بن

عبيد الله الجوهري ، عن علي بن إبراهيم ، عن حمران بن أعين ، عن أبي

هارون المكفوف ، عن أبي عبد الله الصادق ( عليه السلام ) ، قال أبو

هارون : خرجت أريده فلقيني بعض أعدائه فقال أعمى يسعى إلى عند

أعمى فمصيركما إلى النار يا سحرة يا كفرة فدخلت على مولاي الصادق

( صلوات الله عليه ) حزينا باكي العين ، وعرفته ما جرى فاسترجع وقال :

يا هارون لا يحزنك ما قاله عدونا فوالله ما اجترأ الا على الله وقد نزلت به

في الوقت عقوبة اندرت ناظريه من عينيه وجعلت أنت من بعده بصيرا

ومن علامة ذلك خذ هذا الكتاب فاقرأه قال أبو هارون : فأخذت الكتاب

ففضضته وقرأته إلى آخر حرف منه ثم قال : لا تنظر في امر يهمك الا رأيته

لا تحجب بعد يومك هذا الا عن ما لا يهمك ، قال أبو هارون : فصرفت

قائدي من الباب وجئت إلى بيتي انظر إلى طريقي وإلى ما يهمني وقرأت

سكك الدراهم والدنانير ونقش الفصوص وتزويق السقوف ولم احجب الا

عما لا يعنيني فاني لم أكن أراه وسالت عن الرجل فوجدته لم يبلغ بعض

طريقه إلى داره حتى فقد ناظريه من عينيه وافتقر وكان ذا مال فكان يسال

الناس عن الطريق .

وعنه عن محمد بن قاسم العطار ، وعلي بن عاصم الكوفي ، قالا

جميعا : حدثنا علي بن عبد الله الحسني ، عن أبي هاشم داود بن القاسم

‹ صفحة 258 ›

الجعفري ، عن علي بن أحمد البزاز صاحب جعفر ( صلوات الله عليه ) ،

قال هاشم : جلست بين يديه اسمع منه ولا أسال * وجلست عشرين سنة

أسأله ويجيبني ، فقلت له يوما : وقد دخل عليه عبد الله الديصاني وجماعة

معه من أصحابه وقد سأله فقال له : يا أبا عبد الله يقدر ربك يجمع

السماوات والأرض في بيضة لا تكبر البضة ولا تصغر السماوات

والأرض ، فقال أبو عبد الله ( عليه السلام ) انظر بعينيك يا ديصاني ماذا

ترى ، فقال أرى سماء وأرضا وجبالا وبحارا وأنهارا وضروبا من الخلق في

صور شتى فقال له : ويحك يا ديصاني أنت ترى هذا كله في ناظريك الذي

هو أقل من عدسة ولا يكبر ناظريك ولا يصغر ما تراه فالذي يجمع

السماوات والأرض في بيضة لا تكبر البيضة ولا تصغر السماوات والأرض

هو الذي جمع هذا كله في ناظريك ولم يصغر ما تراه فكان آخر كلامه أن

قال له : ما اسمك فسك الديصاني فهزه أصحابه فقال لهم : اسمي عبد

الله ، فقال : ويحك كيف تجحد من أنت عبده فانقطع عن الكلام وسكت

فلما خلا المجلس قلت له : يا أبا عبد الله اما رحمتك وسعت كل شئ فقد

حملتني منها عظيما فأرني دلالة من دلائلك فقال : يا ديصاني حدث هاشم

بقصتك فقلت في نفسي أوليس قد خرج الديصاني وخلا المجلس فإذا

بالديصاني وحده واقف بين يديه ينتفض ويرتعد فقال حدثه لا أم

لك فقال الديصاني : يا هاشم القدرة لله رب العالمين رب السماوات

والأرض وهي في هذا الرجل ولقد والله دعا علي سبع مرات وزجرني سبع

زجرات يقول لي بعد كل زجرة إن لم تقر بالله فكن قردا فصرت قردا

وخضعت وخشعت وبكيت بين يديه فردني بشرا سويا فلم أقر بالله فقال

لي : كن خنزيرا وكن وزغا وكن جريا وكن حديدا فكلا أكون واستقيله

فيردني ولا أقر بالله إلى غايتي هذه ولا أدري ما يفعل فقلت لا إله إلا الله

ما أعظم جرمك وأشد كفرك فقال له : الحق بأصحابك فإنهم منتظروك في

الموضع الذي اخذناك منهم فقص عليهم قصتك فغاب الديصاني فقلت له يا

‹ صفحة 259 ›

مولاي فإذا قال لهم يؤمنون فقال والله لا يزيدهم ذلك الا كفرا ولا يؤمنون

الا على ذلك ويحشرون إلى النار قال هاشم : وكنت أعرف القوم وأسأل

عنهم وأسألهم فما ماتوا الا على كفرهم .