‹ صفحة 211 ›

الباب السادس

      باب الإمام علي السجاد ( عليه السلام )

‹ صفحة 213 ›

مضى وله سبع وخمسون سنة مثل إقامة أبيه في العمر في عام خمسة

وتسعين من أول سني الهجرة .

وكان ولده ليلة الخميس لإحدى عشرة ليلة بقيت من شهر رمضان

سنة ثمان وثلاثين من الهجرة قبل وفاة جده أمير المؤمنين ( عليه السلام ) .

وكان مقامه مع جده أمير المؤمنين ( عليه السلام ) سنتين .

وأقام مع أبيه الحسين عشر سنين وبعد وفاة أبيه ( عليه السلام ) خمسة

وثلاثون سنة .

وكان اسمه علي .

وكنيته أبو الحسين والخاص أبو محمد وروي أنه كني بأبي بكر ولم تصح

هذه الكنية .

وألقابه سيد العابدين ، وزين الصالحين ، وذو الثفنات ، والزاهد ،

والخاشع ، والباكي ، والمجتهد ، والرهباني ، وإنما لقب بذي الثفنات لأنه

كان من طول سجوده وكثرة عبادته تخفى غضون جبهته فتصير ثفنات

منتصبة فيقصها إذا طالت لتستقر جبهته على الأرض في سجوده واسم أمه

‹ صفحة 214 ›

حلوة وروي حلولا بنت سيد الناس يزدجرد ملك فارس وسماها أمير

المؤمنين شازان معناه بالفارسية النساء وكان يقال لعلي بن الحسين ( عليه

السلام ) ابن الخيرتين ويقال أمه برابنة والنوسجان ويقال شهر حاجون بنت

يزدجرد وهو الصحيح .

وأسماء أولاده محمد الباقر ( عليه السلام ) والحسين وزيد المصلوب

بكناسة الكوفة وعبد الله وعبيد الله وعلي وعمر ولم يكن له ابنة غير زوجة

محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب وعقبه منها ومشهده بالبقيع في المدينة

بجانب قبر عمه الحسن بن علي ( عليهما السلام ) .

وكان من دلائله :

قال الحسين بن حمدان ( رضي الله عنه ) حدثني عتاب بن يونس

الديلمي عن عسكر مولى أبي جعفر الإمام التاسع ( عليه السلام ) عن أبيه

( عليهما السلام ) عن علي بن موسى بن جعفر عن جعفر بن محمد

( صلوات الله عليهم أجمعين ) قال : دخلت عليه طائفة من شيعة الكوفة

فقالوا : يا ابن رسول الله الأنبياء كلهم عابدون لله فكيف سمي جدك

علي بن الحسين سيد العابدين فقال الصادق ( صلوات الله عليه ) ويحكم اما

سمعتم قول الله عز وجل : ( نرفع درجات من نشاء ) وقوله تعالى : ( هم

درجات عند ربهم ) وقوله تعالى : ( ولقد فضلنا بعض النبيين على

بعض ) فماذا أنكرتم ؟ قالوا : أحببنا ان نعلم ما سألنا عنه فقال : ويحكم

ان إبليس لعنه الله ناجى ربه فقال إني قد رأيت العابدين لك من عبادك

منذ أول العهد إلى عهد علي بن الحسين ( عليه السلام ) فلم أر اعبد لك

ولا أخشع منه فأذن لي يا الهي ان اكيده وابتليه لاعلم كيف صبره فنهاه الله

عز وجل عن ذلك فلم ينته وتصور لعلي بن الحسين وهو قائم يصلي في

صلاته فتصور في صورة أفعى لها عشر رؤوس محددة الأنياب متقلبة الأعين

‹ صفحة 215 ›

بحمرة وطلع عليه من الأرض من موضع سجوده ثم تطاول في قبلته فلم

يرعه ولم يرعبه ذلك ولم ينكس رأسه إليه فانتفض إبليس لعنه الله إلى

الأرض في صورة الأفعى وقبض على عشر أنامل رجلي علي بن الحسين

( صلوات الله عليه ) وأقبل يكدمها بأنيابه وينفخ عليها من نار جوفه

وكل ذلك لا يميل طرفه إليه ولا يحول قدميه عن مقامه ولا يختلجه شك ولا

وهم في صلاته وقراءته فلم يلبث إبليس لعنه الله حتى انقض عليه شهاب

من نار محرق من السماء فلما أحس به صرخ وقام إلى جانب علي بن الحسين

في صورته الأولى ثم قال : يا علي أنت سيد العابدين كما سميت وأنا

إبليس كما جنيت والله لقد شهدت عبادة النبيين والمرسلين من عهد أبيك

آدم إليك فما رأيت مثلك ولا مثل عبادتك ولوددت انك استغفرت لي فان

الله كان يغفر لي ثم تركه وولى وهو في صلاته لا يشغله كلامه حتى قضى

صلاته على تمامها فكان هذا من دلائله ( عليه السلام ) .

وعنه بهذا الاسناد إلى أبي عبد الله ( عليه السلام ) كان قائما يصلي حتى

زحف ابنه محمد ( عليهما السلام ) وهو طفل إلى بئر كانت في داره بالمدينة

عميقة فسقط فيه فنظرت إليه أمه فصرخت وانقلبت تضرب بنفسها حول

البئر وتستغيث وتقول يا ابن رسول الله غرق ابنك محمد في قعر البئر في

الماء فلما طال عليها ذلك قالت له جزعا على ابنها ما أقسى قلوبكم يا أهل

بيت النبوة فأقبل على صلاته ولم يخرج عنها إلى غير كمالها ثم قال لها وقد

جلس على البئر ومد يده إلى قعرها وكانت لا تصل الا برشاء طويل وأخرج

ابنه على يده يناغي ويضحك ولم يتبلل له ثوب ولا جسد فقال هاك يا

ضعيفة اليقين بالله فضحكت لسلامة ابنها وبكت لقوله لها يا ضعيفة اليقين

فقال لها لا تثريب عليك اما علمت بأني كنت بين يدي جبار ولو ملت

بوجهي عنه لمال بوجه عني فمن ترين راحمي بعده فكان هذا من دلائله

( عليه السلام ) .

وعنه عن محمد بن علي الصيرفي عن علي بن محمد عن الحسن بن محمد

‹ صفحة 216 ›

عن شعيب بن عمر عن جابر عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال بينما

علي بن الحسين ( عليه السلام ) جالس مع جماعة من أصحابه إذ دخلت

عليه ظبية من الصحراء حتى قامت بين يديه فضربت بيدها على الأرض

وثغت فقال بعض القوم : يا ابن رسول الله ما تقول هذه الظبية فقال :

تزعم أن فلانا ابن القرشي أخذ خشفها بالأمس وإنها لم ترضعه اليوم شيئا

فوقع في قلب رجل منهم شك ثم إن علي بن الحسين ( عليهما السلام ) قال

لابن القرشي ما بال هذه الظبية تشكوك قال : وما تقول قال : تزعم انك

اخذت خشفها بالأمس وانها لم ترضعه اليوم شيئا منذ أخذته وقد سألتني أن

أسألك ان تبعث به إليها حتى ترضعه وترده فقال له القرشي : والذي بعث

جدك بالحق نبيا واصطفاه بالرسالة نجيا لقد صدقت في قولها فقال سيد

العابدين ( عليه السلام ) ابعث الخشف إليها فلما رأته ثغت وضربت بيدها

ثم رضع منها ، فقال علي بن الحسين بحقي عليك يا فلان الا ما وهبته لي

فوهبه القرشي فأطلق الخشف مع أمه فقال : يا ابن رسول الله ما الذي

قالت ، قال : دعت الله لكم وجزتكم خيرا فكان هذا من دلائله ( عليه

السلام ) .

وعنه عن الحسين بن محمد بن يحيى الفارسي عن محمد بن علي عن

علي بن الحسين عن سيف بن عميرة عن بكر بن محمد قال سمعت أبا

عبد الله ( عليه السلام ) يقول كان علي بن الحسين ( صلوات الله عليه ) قد

عمل سفرة لأصحابه بالكوفة يأكلون منها فبينما هم كذلك إذا أقبل ظبي من

الصحراء حتى قام بإزائه فثغى وضرب بيده فقال القوم : يا ابن رسول الله

ما يقول هذا الظبي قال يشكو انه لم يأكل شيئا منذ ثلاثة أيام فأحب ان

تحلفوا له ان لا تؤذوه ولا تصيبونه بسوء ففعلوا فكلمة علي بن الحسين

( صلوات الله عليه وآله ) مثل كلامه فاقبل الظبي حتى وضع فمه على

سفرتهم وأكل قليلا ثم إن رجلا منهم مسح يده على ظهره فذعر وقام يعدو

‹ صفحة 217 ›

فقال زين العابدين ( عليه السلام ) أليس قد حلفتم ان لا تصيبوه بسوء

فحلف الرجل بالله الذي لا اله الا هو ما أراد به غائلة ولا سوءا فكلمه

علي بن الحسين ( صلوات الله عليه ) فرجع فأكل حتى شبع وثغى وضرب

بيده وانطلق نحو الصحراء فقالوا : يا ابن رسول الله ما قال : قال دعا

لكم وجزاكم خيرا ودعا لكم بالعافية فكان هذا من دلائله ( عليه

السلام ) .

وعنه عن محمد بن علي عن علي بن الحسين عن أبيه الحسين عن زيد

ابن عاصم الخياط عن أبي حمزة الثمالي قال : كنت من املآء علي بن

الحسين زين العابدين ( صلوات الله عليه ) بين مكة والمدينة فقال إذا بلغت

جبال صيحان تقف ناقتي لأمر أخبرك به هناك قال أبو حمزة : فلما وصلنا

إلى جبال صيحان وقفت الناقة ، فقال لها : سيري والا قلت ما تعلمين

فسارت فقلت جعلت فداك الناقة وقفت فقال يا أبا حمزة جاء معاوية لعنه

الله وفي عنقه سلسلة وأصحابه معه يسألوني أسقيهم الماء فوقفت الناقة لأنها

تهواهم فهتف بي هاتف من عند الله لأسقيهم لا سقاهم الله فهم في هذا

الموضع يعذبون بأنواع العذاب إلى يوم القيامة قال أبو حمزة فما الذي قالت

الناقة وإلا فقلت ما تعلمين قال : قد قلت لها سيري والا عذبت معهم

فسارت فكان هذا من دلائله ( عليه السلام ) .

وعنه عن محمد بن يحيى الفارسي عن محمد بن علي عن علي بن محمد

عن الحسن بن أبي عشار عن أبي حمزة الثمالي قال : كنت من املاء علي بن

الحسين ( صلوات الله عليه ) بين مكة والمدينة فمررنا بشجرة فيها قنابر

تصفر فقال : يا أبا حمزة أتدري ما الذي تقول هذه القنابر فقلت والله ما

أدري ، قال : ولكني أدري ، قلت : يا سيدي ما تقول ، قال : يقدسن ربهن

ويسألنني قوت يوم بيوم فكان هذا من دلائله ( عليه السلام ) .

وعنه عن جعفر بن مالك عن محمد بن علي عن علي بن الحسين عن

‹ صفحة 218 ›

معمر بن خديجة عن ابن يزيد الجعفي عن أبي خالد عبد الله بن غالب

الكابلي قال : جاء الناس إلى سيدنا سيد العابدين ( صلوات الله عليه )

فقالوا : يا ابن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) نريد الحج إلى مكة

فأخرج أنت معنا نشكر الله قال لهم : نعم ، فدعا لهم ووعدهم يوم

الخميس فلما نزل بعسفان بين مكة والمدينة وإذا غلمانه قد سبقوه فضربوا

لهم فسطاطا في موضع عال من الأرض فلما دنا من ذلك الموضع قال

لغلمانه كيف ضربتم وفي هذا الموضع قوم من الجن لنا أولياء وشيعة قد

أضررتم بهم وضيقتم عليهم فقالوا ما علمنا يا مولانا هذا يكون ها هنا فإذا

هاتف من جانب الفسطاط نسمع كلامه ولا نرى شخصه وهو يقول يا ابن

رسول الله لا تحول فسطاطك فإنا نحب هذا ونرى ذلك علينا فرضا

وطاعتك طاعة الله وخلافك خلاف على الله وهذه ألطاف قد أهدينا لك

فنحب ان تأكل منها فنظر صلى الله عليه وإذا طبق عظيم بجانب الفسطاط

واطباق أخرى دونه فيها رطب وعنب ورمان وموز ومن سائر الفواكه فدعا

( عليه السلام ) كل من كان حوله واكلوا واكل من تلك الهدية وقال لهم

هذه هدية اخوانكم من الجن المؤمنين ثم رحل فكان هذا من دلائله ( عليه

السلام ) .

وعنه عن علي بن الطيب الصابوني عن محمد بن علي بن الحسن عن

محمد بن أبي العلاء عن أبي الفراء جميعا عن أبي بصير عن أبي عبد الله

الصادق ( عليه السلام ) قال دخل أبو هاشم محمد بن الحنفية على سيد

العابدين علي بن الحسين ( صلوات الله عليهما ) لإظهار أمر كان من شيعته

بمكة والمدينة مكتوم ما رحل عند الحسين بن علي ( صلوات الله عليه )

بالعراق وسيد العابدين ابنه معه وكانت تلك وصية من الحسين ( عليهما

السلام ) إلى أخيه محمد بن الحنفية ان يظهر للناس إمامته لئلا يرجعوا عن

محبتهم أهل البيت إلى أن يعود علي بن الحسين ( صلوات الله عليهما ) من

الشام إلى المدينة بعد أن تحمل من العراق إلى الشام فنصب محمد نفسه

‹ صفحة 219 ›

للشيعة وأظهر هم بأنه الإمام وخرج المختار بن عبيد الله الثقفي بما يريده

الحسين ( عليه السلام ) وسأل عن الإمام بعده فقالت له شيعة في المدينة :

هو محمد بن الحنفية وكان المختار حيث مات أبوه وهو طفل وتبعل عمه بأمه

وكان المختار كيسيا وحده وكان عمه يدعوه بكيسان المكتسبة فلما اتاه بدم

الحسين ( عليه السلام ) أدعى امامة محمد بن الحنفية فعرف أصحابه

بالكيسانية ولما صار بالمزار ومعه عبيد الله بن أمير المؤمنين علي وسأله وهو في

المعسكر على أيدي وجوه الشيعة الذين كانوا مع المختار إنك كنت تطلب

هذا الثأر لترد إلينا حقنا وأنا ابن أمير المؤمنين وأنا أحق منك بهذا الأمر

فسلمه إلي وإن كنت تطلبه بنفسك فانظر حتى أرحل عنك فقال له المختار

سأنظر إلى ما ذكرت ولا أؤخره فلما جن عليه الليل وهو في المعسكر احضر

القوم الذين كانوا الرسل إليه فقال لهم : قد حل قتل عبيد الله لأن الإمام

محمد بن الحنفية وقد طلب عبيد الله الإمامة لنفسه قالوا : بئسما قلت إن في

قتله تكون كيزيد بن معاوية وجنده فقال لهم انصرفوا إلى أخبيتكم حتى

انظر وتنظرون وصار بنفسه في عدة من خاصته إلى خيمة عبيد الله وأخذوه

من بين غلمانه فقتلوه ودرجوه في بساطه وجهزوه وصلوا عليه ودفنوه بالمزار

وتفرق عن المختار طوائف وأنكروا قتل عبيد الله فلما قتل الحسين بن علي

( عليهما السلام ) وحمل علي بن الحسين ( صلوات الله عليهما ) وذراري رسول

الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى يزيد بن معاوية وكان علي بن الحسين عليلا

نحيفا رده يزيد وأهله إلى المدينة وتسامعت الشيعة برجوع علي بن الحسين

في إمامة محمد بن الحنفية ودخلت أحياؤها على علي بن الحسين ( صلوات

الله عليهما ) فأراهم دلائل الإمامة وبراهينها فاستجابت الشيعة وسلمت

الامر إليه وسرت بصحيح الاخبار عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله )

وعن أمير المؤمنين وعن اللوح المنزل على فاطمة ( عليها السلام ) وأن

محمد بن الحنفية ما له شئ بالإمامة وما الأمير المؤمنين والحسن

والحسين والتسعة من ولد الحسين أولهم سيد العابدين فلما فشا ذلك

‹ صفحة 220 ›

في الشيعة ورجعت إلى علي بن الحسين فقامت طائفة على محمد بن الحنفية

أراد محمد بن الحنفية يروي الشيعة في دخوله على علي فقال يا علي بن

الحسين ألست تعلم أني إمام عليك قال له : يا عم لو علمت منك ذلك لما

خالفتك ولا وسعني جحدك وإنك لتعلم أني إمامك وامام جميع المؤمنين

والحجة على الخلق أجمعين ، وإن طاعتي عليك فرض مفترض ، يا عم أما

علمت أني وصي الحسنين وأن أبي وصي أبيه أمير المؤمنين ووصي أخيه

الحسن ، أخذ الله عليهما بعد أبيهما أمير المؤمنين ، وأن الأوصياء مني

والمهدي ، فتشاجرا مليا ، قال علي بن الحسين ( عليهما السلام ) لمحمد بن

الحنفية فمن ترضى تجعله حكما بيني وبينك ، قال له محمد بن الحنفية : من

شئت ، قال له ترضى ان تجعل بيني وبينك الحجر الأسود قال له محمد : يا

علي تجعل بيني وبينك الحجر حكم لا يسمع ولا يبصر ولا ينطق سبحان

الله ما أعجب هذا تترك الناس وتحكم الحجر ، فقال له علي بن الحسين :

يا عم وإن لم يسمع ويبصر وينطق ود علمت أن الله تعالى اخذ من بني

آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم ؟ قالوا : بلى ،

اخذ ذلك العهد فاستودعه الحجر الأسود في البيت الحرام وجعل البيت

أول بيت وضع للناس ببكة ، وأمر الناس بالحج إليه فإذا كان يوم القيامة

أتى بالحجر سميعا بصيرا فيشهد لمن وفد إليه بالوفاء وعلى من تأخر عنه

بالغدر ، فقال له محمد بن الحنفية قد رضيت والوعد أن يكون مجيئنا إليه في

وقت الحج وجمع الناس فلما حج الناس تلك السنة وهي سنة من سني حج

علي بن الحسين ( صلوات الله عليهما ) ومحمد واجتمعت الشيعة فوقفوا تجاه

الحجر فقال علي بن الحسين ( عليهما السلام ) تقوم يا عم فأنت أكبر سنا

مني فاقسم على الحجر ان يجيبك وبين امرك فدنا محمد بن الحنفية وقام

وصلى في مقام إبراهيم فقال يا حجر : أسألك بحرمة الله وحرمة رسوله

وبحق كل مؤمن ومؤمنة ان كنت تعلم إني الحجة على الناس وعلى علي بن

الحسين فانطق وبين ذلك فلم يجبه الحجر فقال تقدم أنت يا بني منه فدنا

‹ صفحة 221 ›

علي بن الحسين وقد صلى فتكلم بكلام خفي لم يفهم منه ثم قال : أسألك

أيها الحجر بحرمة الله وحرمة نبيه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وحرمة أمير

المؤمنين وحرمة فاطمة وحرمة الحسن وحرمة الحسين ( صلوات الله عليهم

أجمعين ) إن كنت تعلم أني الحجة على عمي محمد بن الحنفية وعلى الخلق

أجمعين من أهل السماوات والأرضين الا نطقت بذلك وبينته لنا وللناس

كلهم فنطق الحجر بلسان عربي مبين يقول : يا محمد بن أمير المؤمنين اسمع

واطع لعلي بن الحسين فإنه حجة الله عليك وعلى جميع خلقه من الأولين

والآخرين من أهل السماوات والأرضين فقال محمد بن الحنفية : اللهم إني

أشهد أني قد سمعت وأطعت وسلمت هذا الامر إلى إمامي وحجتي وحجة

الله علي وعلى خلقك علي بن الحسين ( صلوات الله عليهما ) فآمن به أكثر

الشيعة التي قالت محمد بن الحنفية امام وأقام عليه قوم غلبت عليهم

شقوتهم واستحوذ عليهم الشيطان ما كان محمد بن الحنفية اظهر ما أظهره

الا ليضبط الشيعة في وقت قتل الحسين ( عليه السلام ) لئلا يشكوا ويرجعوا

فكان هذا من دلائله ( عليه السلام ) .

وعنه عن علي ابن الطيب الصابوني عن محمد بن علي عن علي بن

الحسين عن أبيه عن أبي بصير قال سمعت أبا جعفر ( عليه السلام ) يقول

كان أبو خالد الكابلي ومحمد بن الحنفية دهرا وما كان يشك الا انه الامام

حتى أتاه ذات يوم فقال له : جعلت فداك ان لي حرمة ومودة وانقطاع

إليك فأسألك بحرمة الله وحرمة رسوله وحرمة أمير المؤمنين ألا أخبرتني أنت

الامام الذي فرض الله طاعتك على خلقه ، فقال لي : يا أبا خالد حلفتني

اعلم أن الإمام علي وعليك وعلى جميع الخلق ، علي بن الحسين ( صلوات

الله عليه ) فاقبل أبو خالد لما سمع مقالة ابن الحنفية إلى الإمام زين العابدين

( صلوات الله عليه ) فاستأذن عليه فأخبره أن أبا خالد في الباب ،

فاذن له فلما دخل عليه قال : مرحبا بك يا كنكر أما كنت منا فما بدا لك

فخر أبو خالد ساجدا شاكرا لله تعالى لما سمع من الإمام زين العابدين

‹ صفحة 222 ›

علي بن الحسين ( صلوات الله عليهما ) ، فقال : الحمد لله الذي لم يمتني

حتى عرفت إمامي فقال له الإمام زين العابدين : وكيف عرفت إمامك يا أبا

خالد قال لأنك دعوتني باسمي الذي سمتني أمي به وما سمعه أحد من

الناس قال له ( عليه السلام ) : وما معنى كنكر ، قال يا مولاي أنت

أعلم به مني ، قال : كنت ثقيلا في بطن أمك ، أنت حمل فكانت تقول

بلغة كابل يا كنكر تريد يا ثقيل الحمل ، قال : ودلني عليك محمد بن

الحنفية ، وكنت في غم من هذا وحيرة ولقد خدمت محمد بن الحنفية برها

من عمري ولا أشك إلا أنه إمامي حتى إذا كان سألته بحرمة الله وحرمة

رسوله وحرمة أمير المؤمنين فأرشدني إليك وقال هو الإمام علي وعليك وعلى

خلق الله أجمعين ، ثم اذنت إلي فلما دخلت إليك سميتني باسمي الذي

سمتني به أمي فقلت أنت الامام الذي فرض علي وعلى كل مسلم طاعته

فكان هذا من دلائله ( عليه السلام ) .

وعنه عن أحمد بن جعفر القصير عن محمد بن ميمون الخراساني ، قال

الحسين بن حمدان الخصيبي رضي الله عنه : سمعت هذا الخبر عن محمد بن

ميمون ، عن محمد بن علي ، عن علي بن الحسين ، عن ابن الصباح ، عن

أبي جعفر الباقر ( صلوات الله عليه ) ، قال سمعته يقول : خدم أبو خالد

الكابلي إلى علي بن الحسين ( عليهما السلام ) دهرا من عمره ثم إنه أراد أن

ينصرف إلى أهله فاتى إلى علي بن الحسين ( صلوات الله عليهما ) فشكى

إليه شوقه إلى والدته ، وإنه بلا مال ولا نفقة تحمله ، فقال يا أبا خالد

يقدم غدا رجل من أهل الشام له قدر ومال كثير وقد أصاب ابنته عارض

من الجن يريدون ان يطلبوا له معالجا يعالجها فإذا أنت سمعت بقدومه فاته

وقل له أنا أعالجها على أن تعطيني ديتها عشرة آلاف درهم ، فيقولون لك

نعم نعطيك ولا يوفون لك ولا بد ان تأخذ منها ، فقدم الرجل الشامي

بابنته وكان من عظماء أهل الشام في الحال والقدر ، فقال لأصحابه : ما

من معالج يعالج هذه ، فقال لهم أبو خالد : أنا أعالجها على أن أعطى

‹ صفحة 223 ›

ديتها عشرة آلاف درهم ، فان وفيتم وفيت لكم على أن لا يعود إليها ابدا ،

فشرطوا ذلك وضمنوه ثم أقبل إلى الإمام زين العابدين ( عليه السلام )

فأخبره بالخبر ، فقال : إني اعلم أنهم سيكذبون ولا يوفون لك فانطلق يا

أبا خالد فخذ باذن الجارية ثم قل : يا حبيب يقول لك علي بن الحسين

أخرج من هذه الجارية ولا تعود ففعل أبو خالد ما أمره فخرج عنها ،

فأفاقت الجارية فطلب الذي جعلوا له ، فلم يعطوه فخرج معه ، فقال له

الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) ما لي أراك كئيبا يا أبا خالد ، ألم أقل

لك أنهم يغدرون دعهم فإنهم سيعودون إليك لان الجني يعاودها فإذا جاؤوك

فقل لهم : قد غدرتم والآن فلست أعالجها أو تعدون العشرة آلاف درهم

عند سيد العابدين علي بن الحسين ( عليه السلام ) لأنه ثقة علي وعليكم

فعادوا الجارية العارض ففعلوا ذلك وعدوا المال على يديه ورجع أبو خالد

إلى الجارية ، فقال لها : كالأول وهو اناخذ باذنها وقال يا حبيب يقول

لك علي زين العابدين اخرج من هذه الجارية ولا تعود إليها ، فإنك ان

عدت إليها أحرقت بنار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة ، فخرج منها ولم

يعد إليها فدفع المال إلى أبي خالد فخرج إلى بلاده فكان هذا من دلائله

( عليه السلام ) .

وعنه عن محمد بن يحيى الفارسي ، عن محمد بن علي ، عن علي بن

الحسين ، عن الحسن بن سيف بن عميرة ، عن أبي الصباح ، عن أبي عبد

الله الصادق ( عليه السلام ) ، قال : لما ولي عبد الملك بن مروان

الخلافة ، كتب إلى الحجاج بن يوسف الثقفي لعنه الله بذلك ، وبعث

الكتاب مع ثقته فعلم بذلك علي بن الحسين صلوات الله عليهما ) ، وما

كتب به واسره وكتب إلى الحجاج كتابا ان الله قد شكر إلي فعلك وترك

عليك الجماعة وزادك برهة ، وكتب من ساعته كتابا إلى عبد الملك بن

مروان ، أما بعد : فإنك كتبت في يوم كذا وكذا كتابا إلى الحجاج تقول

فيه : أما بعد فانظر دماء آل عبد المطلب فاحقنها فان آل أبي سفيان لما

‹ صفحة 224 ›

ولغو فيها لم يلبثوا إلا قليلا واسررت ذلك وكتمته وقد شكر الله لك

فعلك ، وترك عليك ملكك وزادك برهة ، وبعث بالكتاب مع غلامه على

راحلة وأمره أن يوصله إلى عبد الملك بن مروان ، فلما وصل إليه نظر في

تاريخه فوجده وافق الساعة التي كتب إليه وبعث إلى الحجاج بالكتاب ، لم

يشك عبد الملك بن مروان في صدق علي بن الحسين ( عليهما السلام )

وبعث إليه بوقر راحلته فجازاه لما اسره من كتابه مالا جزيلا ليصرفه في

فقراء شيعته وأهل بيته فكان هذا من دلائله ( عليه السلام ) .

وعنه عن محمد بن يحيى الخرقي ، عن محمد بن علي ، عن علي بن

الحسين ، عن محمد بن سنان عن إسماعيل بن زكريا ، عن أبيه زكريا ، عن

أبي عبد الله الصادق ( عليه السلام ) ، عن أبيه محمد بن علي ، عن جده

علي بن الحسين ( صلوات الله عليهم ) ، ان رجلا من أهل الشيعة دخل

عليه فقال : يا ابن رسول الله ما فضلنا على أعدائنا ونحن وهم سواء ، بل

منهم من هو أجمل منا وأحسن أدبا وأطيب رائحة ، فما لنا عليهم من

الفضل ، فقال زين العابدين ( عليه السلام ) : تريد أن أريك فضلك

عليهم ، قال : نعم ، قال أدن مني فدنا منه فاخذ بلحيته ومسح عينيه

وروح بكفه على وجهه ، وقال انظر ما ترى فنظر إلى مسجد رسول الله

( صلى الله عليه وآله ) وما فيه الا قردة وخنازير ودب وضب ، فقال جعلت

فداك ردني كما كنت فان هذا نظر صعب فمسح عينيه فرده كما كان ، فكان

هذا من دلائله ( عليه السلام ) .

وعنه عن أحمد بن صالح ، عن جعفر بن يحيى عن محمد بن

خالد ، عن سعدان بن مسلم ، عن عمار ، عن أبي عبد الله الصادق

( صلوات الله عليه ) ، قال : لما كان الليلة التي فقد فيها سيد العابدين ،

قال لأبيه : أئتني بوضوء فاتاه بوضوء ، فقال له : قبل ان يصل إليه أردده

فان فيه ميتة فدعا بالمصباح ، فإذا فيه فارة ميتة فاتاه بوضوء غيره فقال له :

يا بني هذه الليلة وعدت فيها الحق لحوقي بجدي رسول الله ( صلى الله

‹ صفحة 225 ›

عليه وآله ) وجدي أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وجدتي فاطمة ( صلوات

الله عليها ) وعمي الحسن وأبي الحسين ( صلوات الله عليهم أجمعين ) فإذا

توفيت وواريتني فخذ ناقتي فاجعل لها خطاما وأقرر لها علقما فإنها تخرج إلى

قبري فتضرب بجرانها للأرض حول قبري وترغوا ، فاتها وردها إلى

موضعها فإنها تطيعك وترجع إلى موضعها ثم تعود الخروج فتفعل مثل

فعلها الأول فارفق فيها وردها ردا رفيقا فإنها تنفق بعد ثلاثة أيام ، فلما

قبض زين العابدين ( صلوات الله عليه ) في تلك السنة فعل بالناقة أبو جعفر

محمد الباقر ( صلوات الله عليه ) ما وصاه به ، فخرجت إلى القبر وضربت

الأرض حوله ورغت ، فأتاها أبو جعفر فقال لها : قومي يا مباركة فارجعي

إلى مكانك فرجعت إلى مكانها ثم مكثت قليلا وخرجت إلى القبر ففعلت

مثل فعلها الأول ، فأتاها أبو جعفر الباقر ( صلوات الله عليه ) فقال لها :

قومي الآن فلم تقم ، فصاح بها من حضر ، فقال الباقر ( صلوات الله

عليه ) : دعوها فان أبي أخبرني إنها تنفق بعد ثلاثة أيام ونفقت قال أبو

عبد الله كان جدي علي بن الحسين ( صلوات الله عليهما ) يحج إلى مكة

فيعلوا الصوت في الرحل فلا يصل إليها حتى يرجع إلى داره بالمدينة ،

فكان هذا من دلائله ( عليه السلام ) .

وعنه عن محمد بن عبد الله الشاشي ، عن محمد بن يزيد الداعي

بطبرستان ، عن أحمد بن يحيى صاحب مولانا الرضا ، عن محمد بن أبي

عميرة ، عن الحسن بن عبيدة ، عن أبي خالد الكابلي ، قال : خدمت

محمد بن الحنفية سبع سنين ، ثم قلت له : جعلت فداك ان لي إليك

حاجة قد عرفت خدمتي لك ، قال : فاسأل حاجتك ، قلت : تريني

الدرع والمغفر ، قال : ليس هما عندي ، ولكن عند ذلك الفتى ، وأشار

بيده إلى مولانا زين العابدين علي بن الحسين ( صلوات الله عليه ) ،

فنظرت إليه حتى أنصرف وأتبعته حتى عرفت منزله ، فلما كان من الغد ،

وتعالى النهار أقبلت فإذا بابه مفتوح فأنكرت ذلك لأني كنت أرى أبواب

‹ صفحة 226 ›

الأئمة ( عليهم السلام ) تطبق ابدا فقرعت الباب فصاح يا كنكر أدخل

فدخلت عليه فقلت : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله ،

وإنك حجة الله على جميع خلقه وهذا والله لقبي لقبتني به أمي وما عرفه

خلق ، قال : اجلس فانا حجة الله وخزانة وحي الله فينا الرسالة والنبوة

والإمامة ومختلف الملائكة وبنا فتح الله وبنا يختم ، قال أبو خالد : فأطلت

الجلوس ووقع على قلبي الفكر في فتح الباب ، وكانت لحيته بطيب وعليه

ثوبان موردان ، فقال يا كنكر : تعجب من فتح الباب ومن الخصلة والطبع

الذي في الثوبين قلت : نعم ، قال : يا أبا محمد أما الباب فخرجت خادمة

من الدار لا علم لها ، فتركت الباب مفتوحا ، ولا يجوز لبنات رسول الله

( صلى الله عليه وآله ) ان يبرزن فيصفقنه ، وأما الخصلة فليس أنا فعلتها ،

لكن النساء أخذن طيبا فخصلنني به واما الطبع في الثوبين فانا قريب

العهد بعرش ابن عمي ولي منذ استخرجتها أربعة أيام ثم قبض على

عضادتي الباب ، ثم قال : هات السفط الأبيض فاقبل السفط الأبيض حتى

صار بن يديه فقلت له : يا سيدي من جلب السفط ، قال : بعض

خدمي من الجن ، ثم فك الختم ، وبكى بكاءا شديدا ، ثم اخذ الدرع

والمغفر فلبسهما وقام قائما ، وقال كيف ترى قلت كأنهما افرغا عليك يا ابن

رسول الله افراغا قال : هكذا كان على جدي ( صلى الله عليه وآله ) وعلى

جدي أمير المؤمنين وعمي الحسن وأبي الحسين والله لا يراهما أحد الاعلي

وعلى القائم المهدي من ذريتي فكان هذا من دلائله ( عليه السلام ) .

وعنه قال حدثني محمد بن علي القمي قال : حدثني محمد بن أحمد بن

عيسى ، عن محمد بن جعفر البرسي ، قال : حدثني إبراهيم بن محمد

الموصلي ، عن أبيه ، عن حنان بن سدير الصيرفي ، عن جابر بن يزيد

الجعفي ، قال : لما قبض أمير المؤمنين وأفضت الخلافة إلى بني أمية سفكوا

الدماء ولعنوا أمير المؤمنين ( صلوات الله عليه ) على المنابر وتبرؤا منه

واغتالوا الشيعة في كل بلدة وقتلوهم وما يليهم من الشيعة بحطام الدنيا

‹ صفحة 227 ›

فجعلوا يمتحنون الناس في البلدان كل من لم يلعن أمير المؤمنين ويتبرأ منه

قتلوه ، فكشت الشيعة إلى زين العابدين وسيد الرهبان من المؤمنين وإمامهم

علي بن الحسين ( صلوات الله عليهما ) فقالوا : يا ابن رسول الله قد قتلونا

تحت كل حجر ومدر ، واستأصلوا شافتنا وأعلنوا لعن أمير المؤمنين على

المنابر والطرق والسكك وتبرأوا منه حتى أنهم ليجتمعون في مسجد رسول

الله ( صلى الله عليه وآله ) وعند منبره فيطلقون على أمير المؤمنين ( عليه

السلام ) اللعنة علانية لا ينكر ذلك عليهم ولا يغير فان انكر ذلك أحد منا

حملوا عليه بأجمعهم ، وقالوا : ذكرت أبا تراب بخير ، فيضربونه ويحبسونه

فلما سمع ذلك نظر إلى السماء ، وقال : سبحانك ما أحلمك ، وأعظم

شأنك ، ومن حلمك انك أمهلت عبادك حتى ظنوا انك اغفلتهم وهذا

كله لا يغالب قضاؤك ولا يرد حكمك تدبيرك كيف شئت وما أنت أعلم به

مني ، ثم قال لابنه أبي جعفر ( عليه السلام ) يا محمد قال : لبيك ، قال :

إذا كان غدا اغدوا إلى مسجد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وخذ

الخيط الذي نزل به جبريل ( عليه السلام ) على رسول الله ( صلى الله عليه

وآله ) فحركه تحريكا خفيفا ولا تحركه تحريكا شديدا فيهلك الناس كلهم ،

قال جابر فبقيت والله متعجبا من قوله وما أدري ما أقول

وكنت كل يوم أغدو إلى أبي جعفر ( عليه السلام ) فلما كان

في ذلك اليوم غدوت إلى أبي جعفر الباقر ( صلوات الله عليه )

وقد بقي من الليل جانب حرصا على أن انظر إلى الخيط وتحريكه

فبينما أنا على الباب وإذا بابي جعفر قد خرج فقمت وسلمت عليه فقال

لي : ما غدوتك ولم تأتنا في مثل هذا الوقت قلت : يا ابن رسول الله

سمعت انك بالأمس تقول في الخيط ما تعلمه فقال نعم ، يا جابر لولا

الوقت المعلوم والأجل المحتوم والقدر المقدور لخسفت والله بهذا الخلق في

طرفة عين ، لا بل في لحظة الإبل في لمحه بل اننا عباد الله المكرمون الذين

لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعلمون ، قال جابر : فقلت سيدي لم تفعل

‹ صفحة 228 ›

ذلك بهم ، قال اما حضرت بالأمس والشيعة يشكون إلى أبي ما يلقون من

الناصبة الملاعين قال جابر : قلت : بلى ، يا سيدي ومولاي قال : فإنه قد

أمرني أن أرعبهم وكنت أحب ان تهلك طائفة منهم قلت يا سيدي ومولاي

كيف ترعبهم وهم أكثر من أن يحصوا قال امضي بنا إلى مسجد رسول الله

لأريك قدرة من قدر الله عز وجل الذي خصنا بها وفضلا من فضله الذي

أعطانا إياه قال جابر فمضيت معه إلى المسجد فصلى فيه ركعتين ، ثم وضع

خده على التراب وتكلم بكلمات ثم رفع رأسه ، وأخرج من كمه خيطا تفوح

منه رائحة المسك وهو أدق من الخيط المخيط في النظر ثم قال : خذ إليك

يا جابر طرف هذا الخيط فاخذته ومشيت به رويدا فقال قف يا جابر فحرك

الخيط تحريكا لينا خفيفا ، وما ظننت أنه حركه من لينه ثم قال ويحك يا

جابر أخرج انظر ما حال الناس فيه قال فخرجت من المسجد وإذا بصياح

وولولة من كل ناحية وإذا زلزلة شديدة وهزه ورجفة قد أخربت عامة بالخلق

باكيين يخرجون من السكك ولهم بكاء وعويل وضجيج ورنة شديده وهم

يقولون انا لله وإنا إليه راجعون قد قامت الساعة ووقعت الواقعة فهلك

الناس وآخرون يقولون انا لله وإنا إليه راجعون كانت رجفة هلك فيها عامة

الناس وإذا أناس قد أقبلوا يبكون ويريدون المسجد وبعض يقولون لبعض

كيف لا يخسف بنا وقد تركنا الامر بالمعروف والنهي عن المنكر أظهرنا

الفسق والفجور وشرب الخمر واللواط وكثر الزنى وفشا الربا والله لينزل بنا

ما هو أشد وأعظم أو نصلح من أنفسنا ، قال جابر : فبقيت متحيرا أنظر

إلى الناس وهم يبكون ويتضرعون ويعدون زمرا زمرا إلى المسجد ، فرحمتهم

والله حتى بكيت معهم لبكائهم وإذا المساكين لا يدرون من أين أتوا

وأخذوا ، فانصرفت إلى الباقر ( صلوات الله عليه ) وقد حف به الناس

يقولون يا ابن رسول الله الا ترى ما قد حل بنا وبحرم رسول الله من هذه

النازلة العظمى والآية الكبرى ، قال والله لقد رأيت في هذه الآية ما أزال

‹ صفحة 229 ›

متعجبا به حتى القى الله عز وجل ، فقال : يا جابر هذه منزلة الأئمة

( عليهم السلام ) عند الله ومنزلة أوليائه المخلصين قلت يا سيدي ومولاي :

فان شياطينهم قد سألونا ان يحضر حتى يحتملون إلى عندك ويدعون إلى الله

ويتضرعون إليه ويسألونه الإقالة فتبسم ( عليه السلام ) وتلا قوله تعالى :

( أولم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى قالوا فادعوا وما دعاء

الكافرين الا في ضلال انا لننصر رسلنا والذين آمنوا معهم في الحياة الدنيا

ويوم يقوم الاشهاد ) وتلا قوله تعالى : ( ولو اننا نزلنا إليهم الملائكة

وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شئ قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء

الله ولكن أكثرهم يجهلون ) وتلا قوله تعالى : ( ولقد جئتمونا فرادى كما

خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم

شفعاءكم الذين زعمتم انهم فيم شركاء ) لقد تقطع بينكم وضل عنكم

ما كنتم تزعمون وهي اجزاها وهي والله ولايتنا وهذه اجزاها وهي ما

وصف الله عز وجل في كتابه العزيز بل نقذف بالحق على الباطل يدمغه فإذا

هو زاهق ولكم الويل مما تصفون يا جابر ما تقول بقوم أماتوا كلمة الحق

وأظهروا الباطل وهتكوا حريمنا وظلمونا حقنا وغصبونا ملكنا وفعلوا افعال

المنافقين وساروا سيرة الفاسقين قال جابر قلت يا سيدي الحمد لله الذي

من علي بمعرفتكم وألهمني فضلكم ووفقني لشيعتكم وموالاة مواليكم ومناداة

أعدائكم فقال يا جابر : أتدري ما المعرفة قلت : لا أدري قال : اثبات

التوحيد أولا ، ثم معرفة المعاني ، ثانيا ، ثم معرفة الأبواب ثالثا ، ثم

معرفة الأيتام رابعا ، ثم معرفة النقباء خامسا ، ثم معرفة النجباء سادسا ،

ثم معرفة المختصين سابعا ، ثم معرفة المخلصين ثامنا ، ثم معرفة

الممتحنين تاسعا ، وهو قوله تعالى : ( قل لو كان البحر مدادا لكلمات

ربي لنفد البحر قبل ان تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا ) وتلا قوله

تعالى : ( لو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة

ابحر ما نفدت كلمات الله ) الآية . يا جابر مولاك امرك بثبات التوحيد

‹ صفحة 230 ›

معرفة معنى المعان ، قال جابر : فقلت سيدي ومولاي وفقني على اثبات

التوحيد فهي معرفة الله الأزل القديم العلي العظيم الذي لا تدركه الابصار

وهو يدرك الابصار وهو اللطيف الخبير وهو غيب باطن ليس يتدارك كما

وصف نفسه عز وجل واما المعاني فنحن معانيه وظاهره فينا اختارنا من نور

ذاته وفوض الينا امر عباده فنحن نفعل باذنه ما نشاء ونحن لا نشاء الا ما

شاء الله وإذا أردنا أراد الله أحلنا الله هذا المحل واصطفانا من بين عباده

وخصنا بهذه المنزلة الرفيعة السنية وجعلنا عينه على عباده وحجته في بلاده

ووجه وآياته فمن انكر من ذلك شيئا ورده فقد رد على الله وأنبيائه وآياته

ورسله ، يا جابر من عرف الله بهذه الصفة فقد أثبت التوحيد لأن هذه

الصفة موافقة لكتاب الله المنزل وهو قوله : ( لا تدركه الابصار وهو يدرك

الابصار وهو اللطيف الخبير ) وقوله في كتابه العزيز : ( ليس كمثله شئ

وهو السميع البصير ) وقوله تعالى : ( لا يسال عما يفعل وهم

يسألون ) يا جابر فإذا عرفت الله بهذه الصفة ، ثم عرفت معانيه وإنهم من

نور ذاته اختصهم الله بالفضل وأعزهم بالروح التي هي منه لم يطفأ بتلك

الروح والنور الذي هو منه عزنا وأنت عارف خبير مستبصر كامل بالغ ،

قال جابر : انا لله ما أقل أصحابي ، قال : هيهات يا جابر : أتدري كم

على وجه الأرض من أصحابك ، قلت : يا ابن رسول الله كنت أظن أن

في كل بلدة ما بين المائة إلى المائتين وكل أقليم ما بين الألف إلى

الألفين ، لأنا كنا نظن أنهم أكثر من مائة الف في أطراف الأرض ونواحيها .

قال : يا جابر خاب ظنك وقصر رأيك أولئك هم المقصرة وليس من

أصحابك قلت : يا ابن رسول الله ومن المقصرة قال الذين يقصرون عن

معرفة الأئمة وعن معرفة ما فوض إليهم من روحه ، قال جابر : من علي

يا سيدي ، قال : ان تعرف كل من خصه الله بالروح فقد فوض إليه أمره

أن يخلق باذنه ويعلم ويخبر بما في الضمائر ويعلم ما كان وما يكون إلى يوم

القيامة وذلك أن هذه الروح من امر الله عز وجل خصه بهذه الروح وهو

‹ صفحة 231 ›

كامل غير ناقص يفعل ما يشاء بأمر الله يسير بإذن الله من المشرق إلى

المغرب في لحظة ويعرج إلى السماء وينزل إلى الأرض متى شاء وأراد قلت

سيدي أوجدني بيان هذه الروح من كتاب الله المنزل على نبيه المرسل

( صلوات الله عليه ) وأنها من أمر الله خص الله بها رسوله وارتضاه ،

قال : نعم ، اقرأ هذه الآية قوله تعالى : ( وكذلك أوحينا إليك روحا من

أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من

نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم ) قال جابر : قلت : يا

ابن رسول الله هل بعد هذه المعرفة تقصير ، قال : نعم ، ان قصر في

حقوق اخوانه ولم يشركهم في كل أمرهم واستأثر بحطام الدنيا دونهم

فهنالك يسلب المعرفة وينسلخ من دينه وتصيبه من آفات الدنيا وبلاياها ما

لا يطيقه من الأوجاع وإذهاب ماله وتشتيت شمله بما قصر في حقوق

اخوانه . قال جابر : فاغتممت غما شديدا وقلت : يا ابن رسول الله ما

حق المؤمن على أخيه قال يفرح بفرحه ويحزن لحزنه ، ويتفقد أموره كلها

فيصلحها ولا يغتنم بشئ من حطام الدنيا إلا واساه به حتى يكونا في

الخير والشر قرآنا واحدا قلت سيدي ومولاي كيف فرض الله هذا للأخ على

أخيه المؤمن ، قال : لان المؤمن أخو المؤمن لا أبيه وأمه يرثه ويعتقد منه

وهو أحق بملكه من ابنه إذا كان على مذهبه قلت : سبحان الله ومن

يمكنه ذلك ومن يقدر عليه قال : من أحب ان يقرع باب الجنان ويعانق

الحور الحسان ويجتمع معنا في دار السلام ، ويشتاق العلي العلام ، قال

جابر : هلكنا والله قال يا جابر ان رجلا من اخوانك شابا طريا اتاني

فسألني عن حقوق الاخوان أخبرته ببعض حقوقهم فمر متحيرا لا يهتدي

لامره من صعوبة ما مر على مسامعه من حقوق المؤمن على أخيه المؤمن .

فقال : يا ابن رسول الله هلكت والله قلت : ولم ، قال : لأني ضيعت حقوقا

وجبت علي لاخواني المؤمنين فقصرت فيها وكان يمكني أن أقضيها ولم اعلم أنه

يلزمني من التقصير كل هذا يسير قلت له هو ما أخبرتك لا أن الله عز

‹ صفحة 232 ›

وجل امتحنك بمعرفتنا وبحقوق اخوانك المؤمنين فتنفس صعدا ونظرت

إليه وقد تحول شعر رأسه ولحيته بياضا من شدة ما داخله من الأسف

والحزن وخرج وهو يبكي ويقول أتوب إلى الله يا ابن بنت رسول الله مما

كان مني من التقصير في رعاية حقوق إخواني المؤمنين تالله اني كنت في

ضلال مبين قبل يومي هذا وجعل يبكي بكاء شديدا حتى غاب عن بصري

قال جابر : فقلت يا ابن رسول الله فما حال جابر ، فيما ينفقه على أهله

وولده وهم لا يعرفون الحق وشفقتي عليهم أكثر من شفقتي على إخواني

وأنا منهم ، قال معاذ الله ما أنت منهم ولا هم منك إذا كانوا لا يعرفون

هذا ، قال جابر : قلت سيدي ومولاي قد ابتليت بهم قال : والله ما

ابتليت بهم الا بتركك بر اخوانك وتضييعك لحقوقهم ، قلت سيدي

ومولاي فاخواني إذا قليل على حسب ما وصفت قال : ذلك أوكد للحجة

عليك من حق المؤمنين فمن كان مقصرا فليس يلزمك حقه ومن كان بالغا

فهو أخوك لأبيك وأمك ترثه ويرثك وليس شئ أحق من حق أخيك

المؤمن يا جابر فقلت وللقصرة قال : عرفهم الشئ بعد الشئ وأرفعهم من

الدرجة إلى الدرجة فان يرد الله بهم خيرا ارشدهم إلى هذا الامر ومن لم

يرد به خيرا نكبه في معرفته ومن أرشدته فقد أحييته ومن أحيى ميتا فكأنما

أحيى الناس جميعا وإياك يا جابر ان تطلع على سر الله مقصرا حتى تعلم أنه

قد استبصر قال الله تعالى : ( فان أنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم

أموالهم ولا تأكلوها اسرافا وبدارا ) يعني إذا بلغوا التفويض قلت : يا

ابن بنت رسول الله فكيف صار الامر مكتوما قال : يا جابر ان الله أحب

ان يعبد سرا ذنب محمد وعلي .

وعنه عن أبي الطيب الصابوني ، عن هارون بن إسحاق المدني ، عن

الحكم بن أبان بن أبي حمزة الثمالي ، عن أبي جعفر الباقر ( عليه السلام ) ،

قال : كتب عبد الملك بن مروان إلى الحجاج بن يوسف الثقفي لعنه الله

وهو بالمدينة ان اشتري لي درع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وسيفه ،

‹ صفحة 233 ›

فبعث الحجاج إلى علي بن الحسين ( صلوات الله عليه ) بعني درع رسول

الله وسيفه ، وكان عبد الملك في ذلك الوقت أكبر من الحجاج سنا ، فقال

عبد الملك : ان ولي الأمر بعد رسول الله أمير المؤمنين ( عليه السلام )

وعلى ذريته بعده الحسن ابنه والحسين وبعده علي بن الحسين ( عليهم

السلام ) ، والسيف والدرع عند علي بن الحسين ، فبعث الحجاج لعنه الله

ان لا بد من السيف والدرع أو ضرب عنقه فاستأذنه وضمن له حمله إليه ،

وصار إلى منزله واحضر صانعا وأخرج إليه عن درع النبي رسول الله

( صلى الله عليه وآله ) وسيف غير سيفه فقبض الدرع ودار في مواضع غير

السيف ، وحملهما إلى الحجاج ، فقال الحجاج لعنه الله ما هذا سيف رسول

الله ولا درعه ، فقال له علي بن الحسين ( عليه السلام ) : القول لك فقل

ما شئت فارسلهما إلى محمد بن الحنفية ، وقال أخبرني أهذان سيف رسول

الله ودرعه ، فقال : كأنهما هما وشبههما ، قال الحجاج ، وما تعرفهما ، فقال

محمد كيف لا أعرفهما وانا أفرغت الدرع على أمير المؤمنين في يوم الجمل

ويوم صفين ويوم النهروان ، فقال له الحجاج : فلم لا تصدقني عنهما ، قال

نسيتهما على طول المكث والعهد ، فقال الحجاج لعنه الله لعلي بن الحسين

( صلوات الله عليه ) : بعني هما قال لا أبيع ، ولم ، قال : لأني لأجد

ذلك فأعطاه أربعين ألف درهم في أربع بدر وانفذهما إلى عبد الملك بن

مروان ، وكتب له بكل ما جرى بينهما ، فبعث إليه ان يحمل إليه أربعين

ألف درهم اخر وحج عبد الملك بن مروان في تلك السنة ولقيه علي بن

الحسين ( صلوات الله عليه ) فرحب به وقربه إليه فقال له علي بن الحسين

ظلامتي قال عبد الملك وما ظلامتك يا أبا محمد ، فقال سيفي والدرع ،

قال أوليس بعتنا هما وقبضت الثمن قال ما بعت ، قال : فاردد مالنا فبعث

فحمل المال مختوما فقال له عبد الملك : فهذه خمسين ألف درهم أخرى ،

وتم لنا البيع فأبى أن يفعل فاقسم عليه ثانيا ، لا بد ان يفعل فأبى فاقسم

عليه ثالثا لا بد ان يعفل ، فقال له علي بن الحسين ( صلوات الله

عليه ) : على شرط تكتب لي عليك كتابا يشهد فيه قبائل قريش أني وارث

‹ صفحة 234 ›

رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وان السيف والدرع لي دونك ودون

كل هاشمي وهاشمية قال له : ولك ذلك اكتب ما أحببت فكتب عبد

الملك ابن مروان من علي بن الحسين بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما

اشترى عبد الملك بن مروان من علي بن الحسين وارث رسول الله ( صلى

الله عليه وآله ) اشترى منه درعه وسيفه الذين ورثهما من رسول الله بمائة

وثلاثين الف درهما وقد قبض علي بن الحسين الثمن وقبض عبد الملك بن

مروان السيف والدرع ولاحق ولا سبيل لاحد من بني هاشم من رجالهم

ونسائهم عليه ولا لاحد من العالمين واحضروا قبائل قريش قبيلة بعد قبيلة

وشهدوا على علي بن الحسين ( عليه السلام ) وعلى عبد الملك بن مروان

فكانوا إذا خرجوا من الشهادة يقول بعضهم لبعض عبد الملك بن مروان

اجهل خلق الله يقر لعلي بن الحسين انه وارث رسول الله ( صلى الله عليه

وآله ) وهو أحق به منه ان هذا هو الخسران المبين يقول هذا القول مؤالفهم

ومخالفهم ثم اخذ علي ( عليه السلام ) الكتاب وخرج بالمال وهو يقول انا

أعلى العرب سيفا ودرعا يريدهما انهما غير سيف رسول الله ( صلى الله عليه

وآله ) ودرعه فكان هذا من دلائله ( عليه السلام ) .