أعيان الشيعة
الجزء: ١
السيد محسن الأمين

الكتاب: أعيان الشيعة
المؤلف: السيد محسن الأمين
الجزء: ١
الوفاة: ١٣٧١
المجموعة: مصادر التاريخ
تحقيق: تحقيق وتخريج : حسن الأمين
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر: دار التعارف للمطبوعات - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات:

الفهرست
العنوان الصفحة
مقدمة الناشر تقديم السيد حسن الأمين الجزء الأول الإمام محسن الأمين بقلم محمد جواد العلي ١١
خطبة الكتاب ١٣
المقدمة الأولى ١٦
المقدمة الثانية ١٨
البحث الأول: معنى لفظ الشيعة الإمامية المتأولة قزلباش الرافضة ٢٠
الجعفرية الخاصة ٢١
تنبيه هام البحث الثاني: مبدأ ظهور الشيعة وانتشارهم ٢٣
البحث الثالث: ما جرى لأهل البيت والشيعة من الظلم ٢٦
البحث الرابع: عدم انصاف الناس لشيعة أهل البيت ٣٠
توهم صاحب (حاضر العالم الاسلامي) ٣٢
البحث الخامس: التحامل على أهل البيت ٣٤
كلام لابن قتيبة ٣٦
البحث السادس: سبب العداوة للشيعة ٣٧
خلاصة عقيدة الشيعة الاثني عشرية ٣٩
كلام ابن حزم في حق الشيعة ٤٠
كلام الرافعي في حق الشيعة ٤٤
كلام أحمد امين في حق الامام علي (ع) والشيعة: في فجر الاسلام في ضحي الاسلام ٤٦
كلام محمد ثابت في حق الشيعة ٦٩
في النجف ٧٠
في كربلا ٧٣
في خراسان ٧٤
كلام الذهبي في تذكرة الحفاظ ٧٦
كلام في نهج البلاغة ٧٧
الذوق والأدب ٧٩
مناقشة مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق عن المسعودي ٨٠
عن ابن شهرآشوب أقوال علماء الشيعة فيه أقوال علماء السنة فيه ٨٢
المؤاخذات اللغوية ٨٣
المؤاخذات الدينية ٨٤
عدم انصاف غير الشيعة لهم ٨٦
نصيحة مهمة للمسلمين ٨٦
البحث السابع انتشار التشيع وأسبابه ٨٧
البحث الثامن خدمة أهل البيت للدين الاسلامي أول من ألف في الاسلام المصاحف المنسوبة إلى ٨٨
خطوط الامام على (ع) ٨٩
مؤلفات الامام علي (ع) ٩٠
كتاب الامام علي (ع) في التفسير ما ورد في كتاب الامام علي (ع) ٩٢
عن الأئمة ٩٣
الجعفر ٩٤
مصحف فاطمة (ع) ٩٧
ما قدمه أئمة أهل البيت للدين الاسلامي ٩٨
المأثور عن الأئمة (ع) من المواعظ والأدعية ١٠٣
ما ورد عن الأئمة في أصول الفقه ١٠٤
البحث التاسع: اعتقادهم ١٠٦
عقائد الشيعة ١٠٧
ما انفردت به الشيعة في أصول العقائد ما ورد عن الأئمة في: ١٠٨
الاجتهاد - التقليد ١١٠
أدلة الاحكام الفرعية عند الشيعة ١١١
رأي الشيعة في الصحابة ١١٣
رأي الشيعة في الفروع ١١٧
التقية رأي الشيعة في أمهات المؤمنين ١١٩
البحث العاشر ١٢١
علماء الشيعة وادباؤهم علماء الشيعة أول من الف في الاسلام ١٢٢
مفسرو الشيعة ١٢٥
مؤلفو الشيعة في غرائب القرآن مؤلفو الشيعة في متشابه القرآن مؤلفو الشيعة في أسباب النزول مؤلفو الشيعة في الناسخ والمنسوخ مؤلفو الشيعة في مجازات القرآن ١٢٨
مؤلفو الشيعة في معاني القرآن مؤلفو الشيعة في اعراب القرآن ١٢٩
مؤلفو الشيعة في فضائل القرآن مؤلفو الشيعة في علم القراءة ١٣٠
متكلمو الشيعة ١٣٢
النوبختيون ١٣٥
مؤلفو الشيعة في أصول الفقه ١٣٧
فقهاء الشيعة في الحديث ١٣٩
الفرق بين الكتاب والأصل ١٤٠
المحدثون الشيعة ١٤١
الفقهاء الشيعة ١٤٣
مؤلفات الشيعة في دراية الحديث ١٤٨
الرجاليون الشيعة ١٤٩
المؤرخون الشيعة مؤلفون الشيعة في السير و المغازي ١٥٣
النسابون الشيعة ١٥٥
مؤلفو الشيعة في الهيأة مؤلفو الشيعة في الجغرافية علماء الشيعة في المواعظ - ١٥٦
الأخلاق - الأدب - الزهد ١٥٧
مؤلفو الشيعة في الأدعية ١٥٨
المناطقة الشيعة الفلاسفة الشيعة علماء الهندسة الشيعة ١٥٩
علماء الشيعة في النجوم الأطباء الشيعة ١٦٠
العلماء الشيعة في اللغة والنحو ١٦١
أول من وضع علم النحو ١٦٢
علماء الشيعة في الصرف و الاشتقاق ١٦٣
مؤلفات الشيعة في علم البلاغة مؤلفو الشيعة في علم البديع شعراء الشيعة ١٦٦
مؤلفوا الشيعة في علم العروض ١٨١
الكتاب الشيعة ١٨٢
فضل الشيعة علي الأدب العربي ١٨٤
مؤلفات الشيعة فيما يعود إلى الشعر والأدب البحث الحادي عشر: ١٨٩
الوزراء و القضاة و الامراء الشيعة ١٩٠
نقباء الشيعة ١٩٢
البحث الثاني عشر بلدان الشيعة - المدن ١٩٤
المقدمة الثالثة مصادر الكتاب ٢٠٩
الجزء الثاني سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم نسبه - مولده ٢١٨
كفالة عبد المطلب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ٢١٩
تزوجه خديجة صفته - خلقه ٢٢٠
أخلاقه - آدابه ٢٢١
قصة زينب بنت جحش أولاده أعمامه ٢٢٣
عماته سلاحه خاتمه المبعث ٢٢٤
حالة الناس قبل الاسلام سمو التعاليم الاسلامية سهولة الشريعة الاسلامية ٢٢٥
القرآن علم الصناعات وآلات الحرب ٢٢٦
الأخوة في الاسلام العدالة والمساواة القضاء ٢٢٧
حفظ الامن والصحة في الاسلام الواجبات الاسلامية المحرمات والمناهي في الاسلام ٢٢٨
المباحات في الاسلام عناية الشرع الاسلامي بالمرأة حقوق الزوجة ٢٢٩
تعدد الزوجات الطلاق لا رهبانية في الاسلام آداب عائلية دعاؤه بني عبد المطلب إلى الاسلام ٢٣٠
الدعوة العامة لقريش ٢٣٢
الهجرة الأولى إلى الحبشة الهجرة الثانية للحبشة ٢٣٣
قصة الغرانيق ٢٣٤
حصار الشعب وأمر الصحيفة الاسراء والمعراج ٢٣٥
مؤاخاة النبي بين أصحابه الهجرة إلى المدينة مبيت الامام علي (ع) على الفراش ٢٣٦
المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار الأذان والإقامة ٢٣٩
تحويل القبلة إلى الكعبة وفادات العرب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ٢٤٠
كتب النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى الملوك يدعوهم للاسلام إلى ملك الحبشة إلى ملك الروم ٢٤٣
إلى ملك الفرس إلى الملك القبط إلى الحارث الغساني ٢٤٤
إلى صاحب اليمامة إلى صاحب عمان إلى ملك البحرين حروبه وغزواته غزوة ودان غزوة بواط ٢٤٥
غزوة سفوان غزوة العشيرة غزوة بدر الكبرى ٢٤٦
غزوة بني سليم غزوة بني قينقاع غزوة السويق غزوة قرقرة الكدر ٢٥١
غزوة بحران غزوة أحد ٢٥٢
غزوة حمراء الأسد غزوة بني النضير ٢٥٩
غزوة بدر الموعد غزوة ذات الرقاع غزوة دومة الجندل غزوة بين المصطلق ٢٦١
غزوة الخندق ٢٦٢
غزوة بني قريظة غزوة بني لحيان غزوة ذي قرد ٢٦٧
غزوة وصلح الحديبية ٢٦٨
غزوة خيبر ٢٧٠
فدك غزوة وادي القرى عمرة القضاء ٢٧٢
غزوة مؤتة ٢٧٣
غزوة فتح مكة ٢٧٤
يوم الغميضاء لخالد بن الوليد غزوة حنين ٢٧٨
غزوة أوطاس والطائف ٢٨٠
غزوة تبوك ٢٨٢
حديث الإفك آية النجوى ٢٨٣
آية إنما وليكم الله خبر مسجد الضرار سرايا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سرية حمزة بن عبد الطلب سرية عبيدة بن الحارث بن عبد الطلب سرية مقتل كعب بن الأشرف ٢٨٤
سرية قتل سلام بن أبي الحقيق سرية ذات السلسلة ٢٨٥
سرية علي بن أبي طالب (ع) إلى فدك سرية الامام علي (ع) إلى طي ء ٢٨٦
سفانة بنت حاتم الطائي نزول سورة براءة سرية الامام علي (ع) إلى اليمن ٢٨٧
نظرة اجمالية في حروبه وغزواته حجة الوداع ٢٨٨
خبر غدير خم ٢٩٠
وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم جيش أسامة ٢٩٢
ملاحظة في كتاب الدكتور هيكل ٢٩٦
بعض كلامه وخطبه مواعظه وحكمه ٢٩٨
بعض وصاياه ٢٩٩
مواعظه القصار ٣٠٠
حكمه القصيرة ٣٠١
كلامه فيما يتعلق بالأحكام الشرعية ٣٠٣
بعض أدعيته صلى الله عليه وآله وسلم سيرة فاطمة الزهراء (ع) بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ٣٠٦
كنيتها - لقبها - صفتها مناقبها - فضائلها شدة جب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لفاطمة (ع) ٣٠٧
زهدها آية التطهير وحديث الكساء ٣٠٨
حديث الثقلين أخبارها ٣١٠
تزويج زهرا بعلي (ع) خطبة النبي صلى الله عليه آله وسلم عند تزويجه فاطمة ٣١١
جهاز الزهراء عند زفافها ٣١٢
بيت فاطمة (ع) ٣١٣
خبر فدك ٣١٤
خطبة الزهراء بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ٣١٥
وفاة الزهراء (ع) حزنها بعد وفاة أبيها صلى الله عليه وآله وسلم ٣١٩
خطبتها في مرضها أوقافها وصدقاتها ٣٢٠
وصيتها (ع) ما أثر عنها من الحكم ٣٢١
ما أثر عنها من الدعاء ما أثر عنها من الشعر الكتب المؤلفة في سيرة الأئمة قديما الجزء الثالث سيرة الامام علي (ع) نسبه - مولده ٣٢٣
أبوه ٣٢٤
كنيته - أمه لقبه ٣٢٥ خاتمه زوجاته أولاده ٣٢٦
صفته في خلقه و حليته الكلام على زينب وأم كلثوم ٣٢٩
مناقبه وفضائله علمه ٣٢٩
شجاعته ٣٣٠
حلمه - عدله فصاحته زهده حسن الخلق ٣٣١
عبادته رأيه وتدبيره ٣٣٢
تربيته في حجر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ٣٣٥
سبقه في الإسلام ٣٣٥
مبيته على الفراش ٣٣٦
شجاعته ٣٣٨
علمه ٣٤٠
فصاحته و بلاغته ٣٤١
سلوني قبل ان تفقدوني ٣٤٤
زهده ٣٤٦
آية النجوى ٣٤٨
حسن الرأي ٣٤٩
حديث الكساء و آية التطهير ٣٥٢
حديث الطائر المشوي ٣٥٣
حديث من كنت مولاه فعلى مولاه ٣٥٤
سيد العرب ٣٥٦
أمير البررة ٣٥٧
قتاله الناكثين ٣٥٨
ما جاء في موالاته ٣٥٩
أدلة إمامته ٣٦١
استشهاد جماعة من الصحابة على خلافته ٣٦٦
أسانيد اثبات إمامته ٣٧٠
نصره النبي صلى الله عليه وآله وسلم في صغره ٣٧٢
اسلامه مبلغ سنه وقت اسلامه ٣٧٣
ملازمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم خبره مع أبي ذر وصية أبيه له ٣٧٤
ما جرى له عند وفاة أبي طالب الهجرة إلى الطائف ليلية الغار ومبيته ٣٧٥
هجرته إلى المدينة ٣٧٦
السنة الأولى من الهجرة المؤاخاة تزوجه بالزهراء (ع) ٣٧٧
مهر الزهراء (ع) خطبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم خطبة الامام علي (ع) ٣٧٨
جهاز الزهراء (ع) زفاف الزهراء على علي (ع) ٣٧٩
وليمة العرس كيفية الزواج ٣٨٠
أخباره في غزوات النبي صلى الله عليه وآله وسلم غزوة ودان في غزوة بدر الكبرى ٣٨١
أخباره في غزوة أحد ٣٨٥
أخباره في غزوة بني المصطلق أخباره في غزوة بني النضير ٣٩٢
حديث الإفك أخباره في وقعة الخندق ٣٩٣
قتل عمرو بن عبد ود ٣٩٤
ما فعله الامام على (ع) بعد قتله عمرو ٣٩٦
ما جرى لمن كانوا مع عمرو ٣٩٧
ما جرى لأخت عمرو بعد مقتله ٣٩٨
أخباره في غزوة بني قريظة ٣٩٩
خبره في سرية زيد بن حارثة خبره في سرية قتل كعب بن الأشرف خبره في غزوة الحديبية ٤٠٠
أخباره في غزوة خبير ٤٠١
أخباره في غزوة وادي القرى خبره في عمرة القضاء خبره في غزوة فتح مكة ٤٠٧
أخباره في يوم الغميضاء ٤٠٩
بعث علي (ع) إلى اليمن ٤١٠
قضاياه واحكامه ٤١١
أخباره في سرية ذات السلاسل ٤١٢
سرية علي (ع) إلى طيء خبر سفانة بنت حاتم الطائي ٤١٤
ما سئل علي (ع) عنه أخباره في غزوة تبوك ٤١٥
بعثة سوراء براءة أخباره في وفد نجران ٤١٦
أخباره في حجة الوداع ٤١٩
حديث الغدير ٤٢٠
حديث اليوم أكملت لكم دينكم ٤٢١
وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم اهتمامه بجيش أسامة ٤٢٢
أخباره في مرض النبي ٤٢٣
إيصاء النبي لعلي تغسيل علي (ع) للنبي صلى الله عليه وآله وسلم أول من صلى عليه صلى الله عليه وآله وسلم ما يتعلق به من خبر السقيفة ٤٢٨
أخباره في خلافة الخليفة الأول ٤٣١
أخباره في قصة بني حنيفة ٤٣٢
أخباره في امارة عمر عين أبي نيزر و البغيبغة ٤٣٣
وضع التاريخ ٤٣٥
قضاياه في امارة عمر ٤٣٦
الشورى ٤٣٧
أخباره في خلافة عثمان أخباره مع أبي ذر الغفاري ٤٣٨
خبره مع ابن مسعود خبره مع الوليد بن عقبة ٤٤٠
أخباره المتعلقة بمقتل عثمان ٤٤١
بيعته بالخلافة ٤٤٣
خطبه بعد استخلافه ارساله العمال إلى الأمصار ٤٤٦
حرب الجمل ٤٤٧
مقتل الزبير ٤٥٦
مقتل طلحة ٤٥٧
العفو العام ٤٦١
مجيئه إلى الكوفة ٤٦٤
حرب صفين ٤٦٥
تاريخ الوقعة ٤٦٦
كتب علي (ع) إلى معاوية ٤٧٠
وصايا علي (ع) للجيش ٤٧٦
القتال على الماء ٤٧٩
المراسلة بين علي (ع) ومعاوية بصفين ٤٨٢
الوقعة الكبرى يوم صفين ٤٨٤
وصايا علي (ع) لعسكره ٤٨٦
تقسيم معاوية الحرب بين أصحابه ٤٩٢
قتال مضر بصفين ٤٩٤
قتال ربيعة بصفين ٤٩٥
وقعة الخميس ٤٩٨
نكول معاوية عن مبارزة علي (ع) ٥٠١
مخادعة معاوية للأشعث ٥٠٣
مخادعة معاوية لابن عباس ٥٠٤
قتال همدان بصفين ٥٠٥
ذم معاوية للأنصار ٥٠٧
ليلة الهرير ٥١٠
رفع المصاحف ٥١١
اختيار الحكمين ٥١٢
كتاب الصلح وصورته ٥١٣
أول ظهور الخوارج ٥١٤
رجوع علي (ع) إلى الكوفة اجتماع الحكمين في دومة الجندل ٥١٥
تولية محمد بن أبي بكر مصر ٥١٧
إرسال الأشتر واليا على مصر و مقتله قتل محمد بن أبي بكر ارسال عبد الله بن الحضرمي إلى البصرة ٥١٨
غارة الضحاك بن قيس على الحجاج أخباره مع أخيه عقيل ٥١٩
وقعة النهروان مع الخوارج ٥٢١
أخبار الخوارج ٥٢٢
الخوارج بعد النهروان خبر الخريث بن راشد الناجي ٥٢٤
أخباره مع عبد الله بن العباس ٥٢٦
غارة النعمان بن بشير على عين التمر غارة سفيان بن عوف على الأنبار غارة عبد الله بن مسعدة على تيماء مسير يزيد بن شجرة إلى مكة ٥٢٨
غارة عبد الرحمن بن قبات على الجزيرة غارة الحارث بن نمر التنوخي بعث رجل إلى السماوة بعث مسلم بن عقبة إلى دومة الجندل غزو السند ولاية زياد بن أبيه فارس غارة بسر بن أرطأة على الحجاز ٥٢٩
دعوى الربوبية فيه مقتل أمير المؤمنين على (ع) ٥٣٠
سبب مقتله ٥٣١
وصية الامام علي (ع) ٥٣٣
قتل ابن ملجم موضع قبر الامام علي (ع) ٥٣٤
تعمير قبر ٥٣٦
مؤلفات الامام علي (ع) ٥٣٩
نهج البلاغة ٥٤٠
الخطبة الشقشقية ٥٤٣
شروح نهج البلاغة ٥٤٤
عهده للأشتر ٥٤٥
شعره ٥٤٩
مدائحه ٥٥٤
استدراك الجزء الرابع سيرة الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) ٥٦٢
صفته وخلقه ٥٦٣
فضائله ٥٦٤
أخباره ٥٦٥
بيعته بالخلافة ٥٦٦
المكاتبة بينه وبين ابن عباس ومعاوية ٥٦٧
مسيرة إلى معاوية ٥٦٨
شروط الصلح صورة كتاب الصلح مع معاوية ٥٧٠
ما جرى بينه وبين زياد بن أبيه ٥٧١
مناظراته مع معاوية وأصحابه ٥٧٤
رجوعه إلى المدينة وفاة الحسن (ع) ٥٧٥
وصية الحسن إلى أخيه الحسين (ع) ٥٧٦
حكمه وآدابه سيرة الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) ٥٧٧
مولده الشريف شهادته - عمره كنيته ولقبه ٥٧٨
أولاده مناقبه كرمه وسخاؤه تواضعه - حلمه ٥٧٩
فصاحته ٥٨٠
شجاعته ٥٨١
أصحابه - أخباره ٥٨٢
المكاتبة بينه وبين معاوية ٥٨٣
إقامة الذكرى له ٥٨٤
بكاء زين العابدين (ع) على أبيه ٥٨٦
الحزن يوم عاشورا خروجه من المدينة ٥٨٧
دعوة أهل الكوفة له ٥٨٩
كتاب الحسين إلى أهل البصرة مجيء ابن زياد إلى الكوفة ٥٩٠
خروج مسلم في الكوفة ٥٩١
خروج الحسين إلى العراق ٥٩٣
التقاء الحسين بالحر ٥٩٦
روائع البطولة ٥٩٧
وصوله كربلاء مجيء عمر بن سعد لقتاله ٥٩٨
منعه من الماء المراسلة بينه وبين ابن سعد لقتاله ٥٩٩
الأبطال صفته القتال ٦٠٠
مقتله ٦١٠
أنصار الحسين ٦١١
خطبة زينب (ع) في الكوفة خطبة علي بن الحسين (ع) في الكوفة ٦١٣
مسير الأسارى إلى يزيد ٦١٤
خطبة زينب (ع) بالشام في مجلس يزيد ٦١٦
إلى المدينة نعي الحسين لأهل المدينة ٦١٧
أحوال يزيد ٦١٨
كيف لم يصالح الحسين يزيدا ٦١٩
خطبه وكتبه مواعظه - حكمه ٦٢٠
ما ورد عنه في الشعر ٦٢١
مراثيه ٦٢٢
مدفن رأسه الشريف ٦٢٦
البناء على قبر الحسين (ع) هدم الرشيد قبر الحسين (ع) ٦٢٧
هدم المتوكل قبر الحسين (ع) عمارته مجددا ٦٢٨
هدم الوهابية قبره سيرة زين العابدين على بن الحسين (ع) أمه - كنيته - لقبه - خاتمه أولاده ٦٢٩
صفته أخلاقه ٦٣٠
مناقبه وفضائله ٦٣١
اخباره وأحواله ٦٣٥
ما روى عنه ٦٣٧
مؤلفاته ٦٣٨
حكمه وكلامه ٦٤٣
أدعية ٦٤٥
دعاؤه في شهر رمضان ٦٤٦
دعاؤه في مكارم الأخلاق ٦٤٧
دعاء السحر الطويل ٦٤٨
شعره سيرة أبو جعفر محمد الباقر (ع). مولده - عمره - وفاته مدفنه - لقبه ٦٥٠
أولاده - صفته مناقبه - فضائله ٦٥١
احتجاجه على الخوارج ٦٥٢
اخباره ٦٥٣
اخباره مع الشعراء الرواة عنه ٦٥٥
مؤلفاته ٦٥٦
حكمه - آدابه ٦٥٧
أدعيته شعره ٦٥٨
وصيته سيرة أبو عبد الله جعفر الصادق (ع) مولده - أمه - عمره - لقبه خاتمه أولاده - صفته ٦٥٩
أخلاقه ٦٦٠
مناقبه وفضائله احتجاجه على الصوفية ٦٦١
عصره ٦٦٤
أخباره وأحواله ٦٦٥
اخباره مع آل العباس الراوون عنه ٦٦٦
مؤلفاته ٦٦٨
حكمه - آدابه ٦٦٩
مواعظه ٦٧١
وصاياه ٦٧٤
أدعية - شعره ٦٧٦
وفاته ٦٧٧

الامام السيد محسن الأمين
أعيان الشيعة
المجلد الأول
حققه وأخرجه
حسن الأمين
دار التعارف للمطبوعات
بيروت
(٣)

بسم الله الرحمن الرحيم
(٥)

بسم الله الرحمن الرحيم
انك لو قمت بعملية مسح اجمالية لتاريخ الحضارات البشرية، لبرزت أمام
ناظريك فيه واحات غناء، تتمثل أكثر ما تتمثل في أشخاص ذوي نبوغ وشموخ، ومما
لا شك فيه، أنه بمقدار ما يكون لظاهرة النبوغ من شمول واستيعاب بمقدار ما تبقى
البنية الاجتماعية التي أفرزته منتصبة على قمة التاريخ نبراسا ينير للبشرية طريقها على
امتداد تاريخها الطويل.
وإذا كان المؤرخون للحضارة الانسانية يكتفون في تمجيد أمة من الأمم من خلال
عثورهم على رقم واحد أو أرقام قليلة جلت في حقبة وجودها الزمني في حقل ما من
الحقول، فإنك عندما تتصفح تاريخ جبل عامل تجده طافحا بعبقريات متنوعة متكاملة
ترفد الحضارة البشرية بمختلف جوانب العظمة والمجد. حتى لتقطع بأن القاعدة في
هذا الجبل الشامخ هي العطاء والنبوغ إن في تراثه أو تاريخه أو شعبه أو ترابه.
نعم، ليس من العجيب أن تكتشف في تجوالك جبلا من ياقوت أو ذهب تكون
نتيجة عوامل طبيعية، وإنما العجيب أن تكتشف جبلا دفاقا بأندر أنواع اللآلئ،
الحضارية، منها ما يتحدر من سلالة أقدم الحضارات في الدنيا ومنها - وهو الأهم
الأبقى - ما حدث نتيجة صقل الاسلام لها وطبعها بطابعه القويم.
والعلامة الإمام السيد محسن الأمين هو رقم بارز من أرقام المجد على مفرق
التاريخ الحضاري لجبل عامل. إذ لا تكاد تنظر إلى آثار هذا الرجل الجهبذ، حتى تجد
نفسك أمام موسوعة حضارية وفكرية تستوعب كل الجوانب التي تهم الباحث والمؤرخ
والفقيه والفيلسوف والمتكلم والجغرافي الخ.
وكتابه " أعيان الشيعة " مثل حي على ذلك.
فأعيان الشيعة، لم يؤرخ لأعيان طائفة إسلامية بعينها أكثر من كونه دائرة معارف
كبرى للتاريخ الاسلامي تستغرق مئات الشخصيات على امتداد مئات من السنين.
إن إحاطة شخص واحد، بهذه الدائرة الضخمة من الأشخاص والأحداث دليل
ساطع على ما يتمتع به هذا الامام المحقق من سعة أفق وسداد بصيرة وليس هذا فقط،
وإنما هو دليل قاطع على ما تميز به من صبر وجلد يؤتيهما الله سبحانه المخلصين من
عباده الصالحين. إضافة إلى ما يعطيك أسلوبه وطريقته في التدوين من مؤشرات على
موضوعية فرضتها عليه مناقبيته الاسلامية وخلقه الإلهي وهو بذلك يسجل لنا خطا واضحا
يتبين من خلال لحوبه كم عصفت بضمائر الذين تصدوا في عصور الظلم والإنحراف
وبتوجيه من الظالمين أنفسهم لكتابة فترات من تاريخ الاشخاص والأحداث من نزعات
ماكرة حاقدة مسخت وزورت ما تسنى لها التزوير والمسخ.
(٦)

ولكن الله سبحانه العادل الحكيم، يأبى أن يستقيم ظلم، وأن يستمر كذب
وبهتان، خاصة عندما يتناولان أشخاصا نذروا أنفسهم للحق، ووقفوا حياتهم على
هدف واحد هو إعلاء كلمة الله في الأرض، ولذا نراه يقيض في كل دور من أدوار
التاريخ أمثال إمامنا المحقق السيد محسن الأمين قدس سره يؤتيه التسديد والتوفيق،
ليحطم ذلك الظلم، ويكشف الكذب والبهتان ويعيد الأمور إلى نصابها، والحقيقة إلى
تألقها دون زيق أو خداع.
من هنا، كانت أهمية أعيان الشيعة
إنه مساهمة جليلة في مقام إعادة كتابة تاريخ سليم للأمة معافى لا يرقى إليه
شك، ولا يعتريه غموض.
ودار التعارف للمطبوعات، إيمانا منها بضرورة تحقيق ذلك، قررت بعون الله
سبحانه أن تساهم في هذا الإطار بإعادة نشر هذا السفر الجليل بحلة جديدة وتقدمه إلى
طلاب الحقيقة وعشاقها ليرشفوا من رحيقها العذب ما ساعدهم عليه الهيام والوجد.
والله من وراء القصد
الناشر
(٧)

تقديم هذه الطبعة
إنني وأنا أقدم هذا الجزء لطبعته الخامسة في حلته الجديدة لأشكر الله
على أن وفق لما وفق، فانهيت طبع المخطوطات التي تركها المؤلف بعد الجزء
الخامس والثلاثين، ثم استأنفت طبع ما نفد من الأجزاء الأولى، ثم عدت
لذلك مرة أخرى. وهو ما يراه القارئ ماثلا أمامه.
وبعد مشاورات مع كثير من الأعلام والمختصين اتفق الجميع على
وجوب إخراج الكتاب في حجمه الحاضر وشكله الجديد، وهو ما حققناه في
هذه الطبعة.
ونسأل الله أن يوفقنا لاخراجها كاملة تامة فهو ولي التوفيق.
حسن الأمين
(٨)

الامام السيد محسن الأمين
(٩)

الإمام محسن الأمين
وكتابة أعيان الشيعة
بقلم: الشيخ محمد جواد العلمي
قد تسمع عنه كثيرا فتعرف أنه إمام ينتفع الناس بعلمه، وأنه رجل
ذو سيرة وأن لسيرته آثارا طيبة في الناس تتناقلها الألسنة وتتداولها الأيدي،
ثم تلقى الرضى والحمد من الجميع.
وقد لا تكتفي فتقرأ له كتبا عدة فتعجب لرجل من رجال الدين يملك
هذه السعة في المعرفة وهذه الرحابة في العقل وهذا الانطلاق من ربقة
الجمود الفكري الذي ران على عقول الكثيرين من حملة العلوم الدينية في
هذا العصر العلمي المتعدد الآفاق.
ولكن كل ذلك لا يغنيك في معرفة هذا الزعيم الديني شيئا إذا أنت لم
تعرفه عن كثب ولم تلقه في " صومعته " المتواضعة بدمشق ولم تختبر بنفسك
آثار زعامته في أولئك القوم الذي ألقوا إليه بمقاليدهم الروحية وشؤونهم
الاجتماعية ونظام حياتهم كلها فأخذ بهم رويدا رويدا إلى نظام من الحياة
الفكرية والروحية والاجتماعية ليس من الغلو البتة أن أقول إنه نظام أمثل
ينبغي أن يكون نمطا عالميا يحتذى لإنشاء جماعات إنسانية تعيش في طمأنينة
ودعة وانسجام وترابط عجيب، يسود ذلك كله عدل في تبادل المعاملة
والمعونة وشوق إلى إنشاء الخير لا ينتهي.
نعم: قد لا يغنيك شيئا أن تعرف هذا الإمام مما تسمع عنه أن تقرأ
له، وإنما تعرفه حقا حين تلقاه بين أكوام الكتب في " صومعته " المتواضعة
حيث تصنع شيخوخته الشابة هذه السلاسل الذهبية من الآثار النفيسة في
الدين والأدب والتاريخ واللغة وفلسفة الأخلاق والشريعة.
هنالك ستعرف أن هذه الكتلة الهادئة المرحة المتواضعة التي تتمثل لك
شيخا من شيوخ الدين في ظاهر الأمر، إنما هي - في الواقع - إنسانية
تتجسد لتكون مثلا للرجل يرى أنه خلق ليعمل وأن عمله إنما يصدر عن
طبيعة منحتها العناية الإلهية قوة وجلدا فلا بد لها - إذن - أن تعمل، ولا بد
أن تترك في الناس آثار ما تعمل وإنه لا فضل لها في ذلك كله، وإنما الفضل
لله في أن منحها القوة والصبر والجلد، وقد تعجب حين ترى هذا الرجل في
بساطته وتواضعه كيف يمتد له هذا الجاه العريض في دنيا المسلمين في شرق
وغرب، ولكن سرعان ما تعود إلى هذا السمت الهادئ تتوسم في ملامح
الإخلاص العميق، والسماحة النفسية والاستنارة الفكرية فإذا بك تؤمن أن
الرجل أجدر أن يمتد جاهه إلى أبعد من هذه الآفاق الواسعة لأن الاخلاص
على هذه الشاكلة لا يكون إلا في رجل خليق بأن يكون واسع الجاه ولأن
السماحة النفسية على هذا الطراز جديرة أن ترفع صاحبها إلى مقام
المصلحين الأبرار، ولأن الاستنارة الفكرية على ما تراها في هذا الرجل
الديني أولى بها أن تضع بين يديه مقاليد القيادة في هذه الأمة.
وإذا رحت تبحث عن آثاره العملية في هذه الجماعة التي تعيش تحت
كنفه في دمشق ازددت يقينا بأن طبيعة الاصلاح والتنظيم في هذا الامام إنما
هي هبة من مواهب العناية الإلهية فيه، وليست طريقة مكتسبة اصطنعتها
له الظروف والحوادث، ولا وسيلة اعتمدها لكسب الشهرة والجاه.
فالسيد محسن الأمين الذي ينصرف اليوم إلى إخراج كتابه (أعيان
الشيعة) انصرافا خالصا بعد جهاد طويل عنيف ليس هو إذن صاحب
(أعيان الشيعة) وكفى، ولكنه صاحب رسالة إصلاحية يؤديها بصمت
وتواضع وبساطة، ولعل هذه البساطة التي تراها فيه حين تلقاه - أينما
تلقاه - هي أروع ما يدل على طبيعته الخيرة المصلحة العاملة من غير اعتماد
ولا تكلف ولا شعور بالفضل والمنة والارتفاع على الناس.
ولكن: أليس كتابه " أعيان الشيعة " وحده دليلا على كل ذلك؟.
بلى: أن هذا - في الحق - كتاب يدل على ما في صاحبه من بساطة
عظيمة وفكرة مستنيرة وطبيعة خيرة وعقل واسع الجوانب، فهو يبحث فيه
بحث العالم حين يقارن الروايات ويفاضل بينها ويناقشها، ويجتهد اجتهاد
المؤرخ حين يبذل أقصى الجهد في الاستقصاء والتتبع واصطياد الأخبار
وآثار، ويذهب مذهب الأديب حين يحكم على القيم الأدبية في آثار أهل
الأدب، وهو يمعن في التجرد والتسامي حين يتناسى الخصومات فيترجم
لخصمه كأنه يترجم لشخص هو ملك التاريخ وحده وهو يعلو كثيرا عن
التعقيد النفسي حين يثبت آراء ناقديه مهما اشتدت عليه بالنقد ويعترف بكل
ما فيها من صواب وصدق دون تبجح ولا تكلف.
ولا أرى بي حاجة - بعد - أن أدلك على ما سيكون لكتاب " أعيان
الشيعة " من أثر جليل في باب المصادر للباحثين: فلقد ظهر هذا الأثر منذ
الآن وبدأ الباحثون يدركون قيمة هذا الجهد الضخم وقدر حاجتهم إليه
حين يريدون تقصي السير وتتبع الآثار وها هي ذي اجزاؤه مبسوطة بين
أيدي طلاب البحث في المكتبات العامة والخاصة في الشام والعراق ومصر
وكل بلد إسلامي وفي أوساط المستشرقين جميعا.
(١١)

خطبة الكتاب
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين
وأصحابه المنتجبين، ورضي الله عن التابعين لهم باحسان وتابعي
التابعين، وعن العلماء والصالحين إلى يوم الدين.
وبعد فيقول العبد الفقير إلى عفو ربه الغني محسن ابن المرحوم
السيد عبد الكريم الأمين الحسيني العاملي عامله الله تعالى
بفضله ولطفه: إن علم الرجال الباحث عن تعديل الرجال وتضعيفهم وعلم
التراجم الباحث عن أحوال العلماء والأعيان كلاهما كثير الفائدة عظيم
المنفعة، حقيق بان تصرف إليه الهمم، وتستنفد فيه الأوقات وتؤلف فيه
الأسفار، لأن في علم الرجال معرفة الثقات من الرواة والممدوحين لأجل
قبول روايتهم، ومعرفة الضعاف والمجروحين والمجاهيل لعدم قبولها، قال
علي بن المديني: العلم به نصف علم الحديث فإنه سند ومتن وفي علم
التراجم الاطلاع على أخبار الماضين وأحوال السالفين، من الأعيان
والأماثل، وفي ذلك فائدة الاقتداء بهم والسلوك على طريقتهم، وتجنب ما
لا يستحسن من حالاتهم وصفاتهم وأقوالهم وأفعالهم. وقد ألف في ذلك
علماء الاسلام فأكثروا في كل عصر وزمان، فبعضهم اقتصر على الصحابة
كما في الاستيعاب في أسماء الأصحاب لأبي عمر يوسف بن عبد الله بن
عبد البر المالكي، والإصابة في تمييز الصحابة لأحمد بن علي المعروف بابن
حجر العسقلاني، وأسد الغابة في معرفة الصحابة لعز الدين علي بن
محمد بن الأثير الجزري وغيرهم. وبعضهم على الرواة خاصة وهو كثير،
وبعضهم على غيرهم من الأعيان. وبعضهم رتب كتابه على الطبقات
كمحمد بن سعد كاتب الواقدي في طبقاته الكبير والصغير. وبعضهم على
طبقات فرقة خاصة كالشافعية، والحنفية، والحنابلة، والمالكية،
والشيعة، والأطباء، واللغويين، والنحاة، والأدباء وغيرهم. وبعضهم
على علماء بلد خاص ممن سكنه أو ورده كتاريخ بغداد للخطيب البغدادي،
وتاريخ دمشق لابن عساكر وغيرهما. وبعضهم على الأدباء والشعراء خاصة
كمعجم الأدباء لياقوت، ومعجم الشعراء للمرزباني وغيرهما، وبعضهم
على شعراء فرقة خاصة كنسمة السحر والطليعة. وبعضهم على أدباء عصر
خاص كاليتيمة، والخريدة، والدمية، والسلافة، ووشاح الدمية، ونشوة
السلافة وغيرها. وبعضهم على أعيان عصر خاص كالدرر الكامنة في أعيان
المائة الثامنة، وخلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر، وسلك الدرر
في أعيان القرن الثاني عشر وغيرها. وبعضهم على الحفاظ خاصة كتذكرة
الحفاظ للذهبي. وبعضهم عمم كابن خلكان في وفيات الأعيان والصفدي
في الوافي بالوفيات وغيرهما.
وألف في ذلك أصحابنا الإمامية الاثنا عشرية فأكثروا وجاروا من
عداهم في ذلك فسبقوا ولم يقصروا. لكنهم صرفوا جهدهم إلى التأليف في
أحوال الرواة أكثر من غير الرواة لقولهم بالاجتهاد وعدم سد بابه عندهم.
فمست الحاجة إلى معرفة أحوال الرواة وتمييز الثقة منهم من غيره لأنه من
أهم مقدمات الاجتهاد، فألفوا فيه المؤلفات الكثيرة من مطولات
ومختصرات في كل عصر وزمان، مما ينبو عن الحصر، ولم يذكروا في
مؤلفاتهم الرجالية غير الرواة إلا نادرا، وذلك كرجال الشيخ الطوسي المرتبة
أبوابه على من روى عن النبي ص والأئمة الاثني عشر
ع ومن لم يرو عن واحد منهم لكنه شديد الاختصار.
وكفهرست الشيخ الطوسي وكتاب النجاشي وهما مختصان بأسماء المؤلفين
من الرواة دون غيرهم وذكر مؤلفاتهم والسند إليها. ورجال الكشي الجامع
لجميع ما روي في حق رجال الحديث، ومنهج المقال للميرزا محمد الاسترآبادي
الجامع لكل ما في كتب رجال الحديث من الروايات وأقوال العلماء،
ونقد الرجال للسيد مصطفى التفريشي اقتصر فيه على أقوال علماء الرجال
في الجرح والتعديل وأهمل ذكر الروايات وأكثر المصنفات وترجم جملة من
العلماء بتراجم مختصرة. وألف الشيخ فخر الدين الطريحي النجفي المتوفى
سنة ١٠٨٥ كتابا في تمييز الأسماء المشتركة للرواة، وألف مثله تلميذه الشيخ
محمد أمين الكاظمي وزاد عليه أسماء ومميزات أهملها شيخه إلا أنهما لم يأتيا
في ذلك بشئ يشفي الغليل لاقتصارهما على المميزات المستفادة من أسانيد
النجاشي في كتاب رجاله والشيخ الطوسي في فهرسته والذي استوفى
المميزات كلها لأسماء الرجال كلها إنما هو الحاج محمد الأردبيلي تلميذ
المجلسي في المائة الثانية عشرة في كتابه جامع الرواة فإنه ذكر في كل راو
جميع الذين روى عنهم والذين رووا عنه مع الإشارة إلى الباب الذي ذكرت
فيه هذه الرواية من كتب الحديث وقد سبقه إلى ذلك من علماء غيرنا
الحافظ عبد الغني المقدسي في كتابه الكمال في أسماء الرجال ثم هذبه الحافظ
يوسف بن الزكي المزي وسماه تهذيب الكمال ثم هذبه الحافظ بن حجر
العسقلاني المتوفى سنة ٨٥٢ وسماه تهذيب التهذيب وطبع في الهند وجامع
الرواة يزيد عليه بالإشارة إلى الرواية ومحلها من كتب الحديث، وألف
أصحابنا أيضا في التراجم والطبقات مما لا يختص بالرواة للمؤلفات
الجمة، سوى أنهم لاشتغالهم بالعلوم المتوقف عليها تحصيل ملكة الاجتهاد
لا سيما أصول الفقه والبحث عن أحوال الرواة، واشتغالهم بعد الفراع منها
بالفقه، وتطبيق الفروع على الأصول خصوصا مع توسع المتأخرين منهم في
أصول الفقه الذي أوجب صعوبة طرقه وصد الأكثرين عن التأليف في غير
هذين العلمين، كانت مؤلفاتهم في فن التراجم على كثرتها ما طبع منها وما
لم يطبع لا يوجد بينها كتاب واف بالمرام منقع للأوام وجميعها غير سالم من
ليت ولو فمنها غير تام التأليف ككتاب الدرجات الرفيعة في طبقات
(١٣)

الشيعة للسيد علي خان الشيرازي، فإنه لم يبرز منه إلا جزء واحد وصل
فيه إلى ترجمة كثير الشاعر المتوفي في خلافة يزيد بن عبد الملك، ولو تم لكان
من أحسن ما يمكن أن يؤلف في هذا الموضوع وأتمه استيفاء، ولكان في
عشرات المجلدات ومنها ما لم يخرج من المسودة وهو عزيز الوجود وبعض
أجزائه مفقود ككتاب رياض العلماء لملا عبد الله الأصفهاني المعروف
بالأفندي من أهل أوائل القرن الحادي عشر وهو كتاب في غاية الجودة ينقل
عنه المؤلفون في التراجم كثيرا وهم عيال عليه ومؤلفه متتبع ماهر واسع
الاطلاع، وهو في عشرة مجلدات خمسة منها في أحوال علماء الشيعة وخمسة في
أحوال علماء غيرهم، والخمسة الأولى فقد منها الأول والرابع فلم يوجد في
هذه الأعصار سوى يسير من الأول ذكر في كشكول البحراني منسوبا إلى
بعض تلاميذ المجلسي وهي خسارة عظمي على العلم لا تتلافى والباقي منه
محتاج للتهذيب والترتيب ونسخه الناسخون على علاته. وككتاب
الحصون المنيعة في طبقات الشيعة للفاضل المعاصر الشيخ علي ابن
الشيخ محمد رضا النجفي من أحفاد الشيخ جعفر صاحب كشف الغطاء في
تسعة مجلدات لم تهذب ولم ترتب وبقيت في المسودة مع اشتمالها كما يقال على
مادة غزيرة رأيناها في مكتبته بالنجف ولم نستفد منها شيئا ومنها غير واف
بالمطلوب لتقدم عصره واختصاره في بعض الموارد كفهرست ابن النديم ومع
ذلك ففيه من الفوائد الغزيرة ما لا يوجد في سواه ومنها شديد الاختصار
غير مستوف لجميع من وضع له ككتاب أمل الآمل في علماء جبل عامل
وغيرهم، وفهرست ابن بابويه، ومعالم العلماء لابن شهرآشوب وغيرها،
على أن هذه الثلاثة مع اختصارها لا سيما الأخيران فيها ما لم يوجد في غيرها
ومنها ما هو غير نقي العبارة ولا حسن الترتيب مشتمل على أمور كثيرة
كان الواجب تركها ككتاب روضات الجنات، ومع ذلك فهو أجمح الكتب
المنتشرة المطبوعة لما يطلب في هذا الفن وإن كان قد فاته عدد كثير ومنها
ما هو خاص باهل عصر واحد من الأدباء خاصة كالسلافة لصاحب
الدرجات الرفيعة وهو مع ذلك مشتمل على الأسجاع المتكلفة كعادة أهل
ذلك العصر وغير خاص بالشيعة ومنها ما هو خاص بالشعراء خاصة
كنسمة السحر فيمن تشيع وشعر لبعض الزيدية وفيه أيضا الأسجاع المتكلفة
ومنها ما هو خاص بمن له شعر في المذهب ومعلوم التاريخ ككتاب
الطليعة من شعراء الشيعة للفاضل المعاصر الشيخ محمد بن طاهر
السماوي النجفي في مجلدين لم يطبع ولم ينشر ولم يخرج من المسودة ومنها
ما يسمع باسمه ولا يرى شخصه ككثير من مؤلفات المرزباني كمعجم
الشعراء له الذي كثر نقل العلماء عنه ووجد جزؤه الأخير في أوروبا عند
المستشرقين وجدوه في جهات حلب وطبعوه في مصر وظلوا يفحصون
عن الباقي، وعندنا قطعة صغيرة في شعراء الشيعة خاصة منتخبة من بعض
مؤلفات المرزباني وكنا نظن أولا أنها منتخبة من معجم الشعراء ثم ظهر لنا
أنها ليست منه. ومنها ما لم يطبع ولم ينشر ولم يوجد منه غير نسخة
واحدة في خزانة مؤلفه ككتاب تكملة أمل الآمل للفاضل المتتبع المعاصر
السيد حسن الصدر العاملي الكاظمي في ثلاثة مجلدات، وكتاب طبقات
الشيعة للفاضل المعاصر الشيخ آقا بزرگ الطهراني نزيل سامراء جمع فيه
ثلاث عشرة طبقة من المائة الثالثة إلى هذه المائة في ثلاثة عشر مجلدا لم تخرج
من المسودة، وكتاب آثار الشيعة الإمامية للفاضل المعاصر الشيخ عبد العزيز
النجفي نزيل طهران من أحفاد صاحب جواهر الكلام في عشرين جزءا
طبع منها الثالث بالعربية والرابع بالفارسية، إلى غير ذلك. ويشترك ما
رأيناه من هذه الكتب في إهمالها لجماعات كثيرة من أعيان الشيعة قد ترجموا
في غير كتب الشيعة اطلعنا على تراجمهم أثناء تتبعاتنا على قصورها، ويرحم
الله القائل:
من قاس ما لم يره بما رأى أدنى إليه ما رآه ما نأى
ولا يعزى ذلك إلى تقصير أو قصور من أصحابنا في هذا الباب فإنهم
جزاهم الله خيرا بذلوا وسعهم في كل فن وعلم، وعذرهم في عدم
استيفاء ذلك ما مر من اشتغالهم بالاجتهاد ومقدماته، مع أن كثيرا من
مؤلفاتهم ذهبت في الفتن والغارات على بلادهم. ثم إن المعاصرين لنا
والقريبين من عصرنا ليس لكثير منهم تراجم في الكتب لتأخر عصرهم
وعدم تصدي أحد من المعاصرين للتأليف في ذلك أو عدم انتشار مؤلفه.
وقد كنت من زمن بعيد أحدث نفسي بتأليف كتاب جامع لتراجم
أعيان الشيعة الإمامية الاثني عشرية عموما، وتعوقني عن ذلك العوائق
والاشتغال بما هو أهم. ولما رأيت التشوف والتطلع أزمانا كثيرة من جميع
الطبقات إلى مثل هذا الكتاب واشتداد الحاجة إليه، ورأيت أنه لم يؤلف
ولم ينشر حتى اليوم كتاب بهذا الموضوع واف بالغرض، عقدت العزيمة بعد
الاتكال عليه تعالى والتشمير عن ساعد الجد والاجتهاد على تاليف كتاب في
ذلك جيد الترتيب مبسوط مستوف لكل ما يراد، جامع لتراجم أعيان
الشيعة كلهم من الصدر الأول إلى اليوم من الصحابة والتابعين وتابعي
التابعين والعلماء من الرواة والمحدثين والقراء والمفسرين والفقهاء والحكماء
والمتكلمين والمنطقيين والرياضيين والنحويين والصرفيين واللغويين والبيانين
والنسابين والأطباء والشعراء والأدباء والعرفاء والوعاظ والملوك والوزراء
والأمراء والكتاب والقضاة والنقباء الرجال منهم والنساء وذكر ما عرفناه من
تواريخ مواليدهم ووفياتهم ومؤلفاتهم وأخبارهم ونوادرهم ونبذ من
أشعارهم وأنثارهم وضبط ما يشتبه به من مناسبهم وأسمائهم وأسماء آبائهم
وبلدانهم حسب الوسع والطاقة، معتمدين في تذليل الصعاب بعد الله
تعالى على الجد والصبر والثبات، فأسهرنا الطرف، وأنصبنا البدن،
وأعملنا الفكر، وجانبنا الملل، وحالفنا الجد والكد، وتجشمنا الأسفار،
وواصلنا في المطالعة والتنقيب والتحرير الليل بالنهار، وتتبعنا بحسب وسعنا
المكتبات وظهور الكتب المخطوطة في سوريا والعراق وبلاد إيران، ونرجو
أن نوفق لتتبع مكتبات الهند وغيرها، كما تتبعنا جهدنا كتب غير الشيعة
وخبايا الزوايا، فاستخرجنا منها تراجم جمة خلت عنها كتب التراجم
للشيعة، ونبهنا على عدة أغلاط وقع فيها من تقدمنا وكان في النية أن
نقتصر على تراجم مطولة في الجملة ولا نذكر من لم يقل في حقه إلا عبارة
مختصرة كقولهم: ثقة، أو عين، أو صدوق، أو له كتاب، أو لا بأس
به، أو ضعيف، أو من رجال أحدهم ع، أو عالم فاضل
معاصر، أو عالم صالح، أو يروي عن فلان ويروي عنه فلان، أو نحو
ذلك. ثم رجحنا أن لا نترك ذكر أحد ممن له نباهة وذكر في كتب الرجال
والتراجم قصدا إلى أن تكون فائدته أتم ونفعه أعم وأن يستغني به عن غيره
من يريد البحث في صحة أسانيد الحديث وأن يظهر للملأ ما عليه أعيان
الشيعة من الكثرة في كل عصر وزمان من كل طبقة حتى في أزمنة الخوف
والاضطهاد، وما كان في رواتهم من الكثرة والانتشار فان كثيرا من الناس
يجهلون أن في أعيان الشيعة مثل هذا العدد ولا ينظرونهم بالنظر الذي يجب
أن ينظروا به. وترجمنا كثيرا من ملوكهم وأمرائهم ووزرائهم وإن كان
بعض هؤلاء داخلا في عداد الظلمة وأهمل جل من ألف في التراجم من
(١٤)

الشيعة ذكرهم لذلك أو لغيره قصدا إلى أن يفوتنا أحد ممن له ذكر ونباهة
للغاية المذكورة. ولا ندعي أننا أحطنا بجميع النبهاء من رجالات الشيعة
واستوفينا أخبارهم بل ربما يكون قد فاتنا ذكر جملة منهم بعضهم أحق
بالذكر من بعض من ذكرناه أو اختصرنا في حق من هو أولى بالإطالة من
بعض من أطلنا فيه لأنها لم تصل إلينا أخبارهم أصلا أو وصل إلينا منها
اليسير أو لم نعثر على الكتب التي ذكروا فيها مع بخل البعض علينا بما
عندهم من الكتب الحديثة أو القديمة أو المعلومات مع انتشار علماء الشيعة
وأعيانهم ومؤلفاتهم في الأقطار فان المرء لا يكلف فوق طاقته ومن بذل
جهده فقد أعذر والإحاطة بالكل مستحيلة لغير علام الغيوب. ونخص
بالشكر قوما ساعدونا جهدهم وجادوا علينا بما عندهم من كتاب أو فائدة أو
أرشدونا إلى مظان ذلك أو ساعدونا بنوع من أنواع المساعدة وإن قلوا:
- إن الكرام كثير في البلاد وإن * قلوا كما غيرهم قل وإن كثروا -
فجاء بحمده تعالى كتابا فريدا في بابه لم يسبق سابق إلى تأليف مثله
سادا لفراغ عظيم في تاريخ الشيعة وسميناه كتاب أعيان الشيعة والله
المسؤول أن يعصمنا من الخطا والخطل وأن يجعله مكتوبا في ديوان الحسنات
مكفرا لما اجترحناه من السيئات. وعليه نتوكل وهو حسبنا ونعم الوكيل.
ولا بد قبل الشروع في المقصود من ذكر مقدمات.
(١٥)

المقدمة الأولى
في ذكر طريقتنا في هذا الكتاب وهي أمور:
١ نقتصر في كتابنا هذا على تراجم الشيعة الإمامية الاثني عشرية
ولا نذكر غيرهم إلا نادرا أو مع جهل الحال. لكننا ذكرنا جميع من ذكرهم
الشيخ الطوسي في رجاله من الصحابة وإن لم يكونوا من شرط كتابنا حتى لا
يفوتنا أحد ممن ذكره أصحابنا مع التنبيه.
٢ لا نترجم أحدا من المعاصرين الأحياء.
٣ إننا نتحرى الحقيقة ما أمكن ونتجنب ما لا يلائم ذوق المطالعين
جهدنا ولكننا نعلم مع ذلك صعوبة الجمع بين هذين الأمرين وأن ترجمة
من لهم أحفاد أحياء مازق حرج مع ما قيل: أن من ألف فقد استهدف
لا سيما التأليف في هذا الموضوع لمن يريد تحري الحقيقة فمعذرة إلى القراء
إن رأوا ما لعله لا يوافق ذوقهم فليس شئ منه عن سوء نية.
٤ إذا ذكرنا اسم أحد من الكبراء في أثناء الكلام للنقل عنه أو من
كتاب له أو لبعض المناسبات كتلمذ أحد عليه أو تلمذه على أحد أو روايته
عن أحد أو رواية أحد عنه أو غير ذلك نذكره مجردا عن الألقاب والأوصاف
ونكل ذلك إلى ترجمته، وذكره في غيرها موجب للإطالة بلا موجب فلا
يظنن أحد أن ذلك عن تقصير منا في حقهم.
٥ نذكر الأسماء مرتبة على حرف المعجم بحسب الحروف الأول
والثاني وما بعده وبحسب أسماء الآباء والأجداد والألقاب والأوصاف
فادم بن إسحاق مقدم على آدم بن الحسين وأبان بن أرقم الطائي مقدم على
أبان بن أرقم العنزي وهكذا.
٦ من اسمه مركب نذكره باعتبار جزئه الأول ونعتبر جزأه الثاني بمنزلة
اسم الأب فمحمد باقر ومحمد بن باقر سيان وكذلك محمد مهدي ومحمد بن
مهدي ومحمد حسن ومحمد بن حسن ومحمد علي ومحمد بن علي.
٧ من عرف باسمين مثل باقر ومحمد باقر وجواد ومحمد جواد
ومهدي ومحمد مهدي وغير ذلك لنا الخيار في ترجمته بأحدهما ومن اشتهر
بكنية أو لقب أو صفة نترجمه باسمه ونشير إليه في غيره.
٨ من اشتهر بنسبته إلى أحد أجداده نترجمه مع ذكر المحذوف ونشير
إليه كما هو المشهور.
٩ نذكر أولا تاريخ الولادة ثم الوفاة إن عرفناهما ثم بيان النسبة إن
عرفناها ثم أقوال العلماء في المترجم أو ما نريد نحن أن نصفه به ثم سيرته
ثم أحواله ما ذكره المترجمون منهما أو ما نعلمه منهما ثم ما يدل على تشيعه إن
كان غير معروف التشيع ثم مؤلفاته ثم شعره ونثره هذا في التراجم المطولة
التي تجمع هذه الأمور أو بعضها دون المختصرة.
١٠ من له شعر كثير لا نتوقف عن الإطالة بذكر قدر كاف من
شعره خصوصا إذا كان غير مجموع أو غير مطبوع ولا منشور وكذلك من
تقتضي الحال الإطالة في ترجمته بنقل شئ من آثاره من نثر أو احتجاج أو
شئ ذكره في مؤلفاته مما يناسب نقله وإن طالت الترجمة فان التاريخ
والتراجم يناسبهما التطويل أكثر من الاختصار.
١١ الترجمة التي تقتضي الحال فيها بيان محاكمة أو استنباط أمور من
مجرى للحوادث وغيرها أو نحو ذلك لا نتوقف عن بيان ذلك بحسب
الوسع والطاقة ومساعدة الفرصة.
١٢ إذا أطلقنا كلمة الفهرست فالمراد به كتاب فهرست أسماء
مصنفي الامامية للشيخ أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي وإذا أطلقنا
كلمة رجال الشيخ فالمراد به كتاب الرجال للمذكور الذي رتبه على أبواب
ذكر فيها من روى عن الرسول ص ثم من روى عن
كل إمام ثم من لم يرو عن واحد منهم ع وإذا أطلقنا كلمة
الشيخ فالمراد به مصنف الفهرست وكتاب الرجال المذكورين.
١٣ جرت عادة أصحاب كتب الرجال أن يرمزوا لأسماء الكتب
والأبواب وجملة من أسماء المؤلفين روما للاختصار كما هو معروف مشهور
مذكور في محله ونحن نصرح بأسماء ما رمزوا إليه روما للايضاح وتسهيلا
على القراء.
١٤ جرت عادة المؤلفين في الرجال أن يفردوا أبوابا للكنى والألقاب
وما بدئ بابن أو بنت أو نحو ذلك وللنساء ونحن لم نجر على هذه العادة
بل ذكرناها كلها مع الأسماء فالألقاب فرقناها على الأبواب على ترتيب
حروف المعجم فالأحمري في حرف الألف والبلالي في حرف الباء والتقي في
حرف التاء والثمالي في حرف الثاء والجاموراني في حرف الجيم والصيمري
في حرف الصاد والمسعودي في حرف الميم وهكذا، والأحمري قبل الأسدي
والبقباق قبل البلالي والصولي قبل الصيمري وماجيلويه قبل المسعودي
والنخعي قبل النوفلي وهكذا. والكنى وما بدئ بابن أو أخ أو
أخت أو أم ذكرناها في حرف الألف مراعين في ترتيبها أول الاسم الذي بعد الأب
أو الابن أو غيرهما وما بعد ذلك فأبو إبراهيم قبل أبو إسماعيل وأبو إبراهيم
الأسدي قبل أبو إبراهيم البصري وأبو ولاد قبل أبو الوليد وأم البراء قبل
أم حبيبة وابن أبي الجعد قبل ابن أبي جيد وابن أخي شهاب قبل ابن أخي
(١٦)

طاهر وهكذا. وما بدئ ببنت ذكرناه في حرف الباء وبينا مع كل كنية أو
لقب أو ما بدئ بابن أو بنت ما هو الاسم إن عرفناه وترجمناه باسمه في بابه
وإن لم نعرف الاسم ترجمناه بكنيته أو لقبه أو بابن كذا أو بنت كذا، مثلا
نذكر الأحنف في باب الألف ونقول اسمه صخر بن قيس أو الضحاك
مقتصرين عل ذلك ونترجمه في صخر ونشير إليه في الضحاك أو بالعكس
وأبو الأسود الدؤلي نذكره في باب الألف ونقول اسمه ظالم بن عمرو ونترجمه
في ظالم. وابن أبي عقيل نذكره في باب الألف ونقول اسمه الحسن ونترجمه
في الحسن. والنوفلي في باب النون ونقول اسمه الحسين ونترجمه في الحسين
وهكذا. والنساء نذكرها مع الرجال على هذا الترتيب.
١٥ نستدرك ما يفوتنا في الأجزاء السابقة في أواخر اللاحقة وكان
ينبغي إفراده في جزء أو أجزاء تسمى المستدرك لكن لأنه لا يؤمن الحدثان
عجلنا باثباته في آخر الأجزاء.
(١٧)

المقدمة الثانية
في الكلام على معنى الشيعة وأول من أطلق عليه هذا الاسم في
الاسلام ومتى حدث اسم العلوية والعثمانية وبقية الأسماء التي تطلق على
الشيعة وفرقها المعروفة وخطا جماعة أو تحاملهم عند بيان فرق الشيعة.
ومبدأ ظهورهم وانتشارهم وما وقع على أهل البيت وأتباعهم من الظلم في
الدول الاسلامية وعدم انصاف الناس لهم وكثرة التحامل عليهم والنسب
الباطلة إليهم والبحث عن السبب الحقيقي في ذلك وخلاصة عقيدتهم وخطأ
جماعة في بيانها جهلا أو تحاملا والإشارة إلى علمائهم ونبهائهم وشعرائهم
وأدبائهم وكتابهم ومصنفيهم في فنون الاسلام في كل عصر وفضلهم على
الأدب العربي واللغة العربية وتفصيل عقائدهم في الأصول والفروع
وعددهم وبلدانهم التي وجدوا فيها بكثرة وغير ذلك مما يتعلق بهم ليكون
ذلك ترجمة إجمالية لهم قبل الشروع في تراجم آحادهم التفصيلية وليعرف
الناظر في كتابنا هذا حقيقة ما هم عليه فان التحامل كاد أن يطمس كثيرا
من حقائق أحوالهم كما سنوضحه في البحثين الرابع والسادس ونذكر ذلك في
ضمن اثني عشر بحثا.
البحث الأول
في معنى لفظ الشيعة ومشتقاته ومتفرعاته وأول من أطلق عليه هذا
الاسم في الاسلام ومتى حدث اسم العلوية والعثمانية وبقية الأسماء التي
تطلق على الشيعة وفرقها المعروفة.
الشيعة
في القاموس: شيعة الرجل بالكسر أتباعه وأنصاره والفرقة على حدة
ويقع على الواحد والاثنين والجمع والمذكر والمؤنث وقد غلب هذا الاسم
على من يتولى عليا وأهل بيته حتى صار اسما لهم خاصا والجمع أشياع وشيع
كعنب اه‍ وفي تاج العروس: كل قوم اجتمعوا على أمر فهم شيعة
وكل من عاون إنسانا وتحزب له فهو شيعة له وأصله من المشايعة وهي
المتابعة والمطاوعة وقيل عينه واو من شوع قومه إذا جمعهم اه‍ وفي لسان
العرب: الشيعة القوم الذين يجتمعون على الأمر وكل قوم اجتمعوا على أمر
فهم شيعة إلى أن قال والشيعة أتباع الرجل وأنصاره وجمعها شيع.
وأشياع جمع الجمع ويقال شايعه كما يقال والاه من الولي إلى أن قال:
وأصل الشيعة الفرقة من الناس ويقع على الواحد والاثنين والجمع والمذكر
والمؤنث بلفظ واحد ومعنى واحد، وقد غلب هذا الاسم على من يتوالى
عليا وأهل بيته رضوان الله عليهم أجمعين، حتى صار لهم اسما خاصا، فإذا
قيل فلان من الشيعة عرف أنه منهم وفي مذهب الشيعة كذا أي عندهم
واصل ذلك من المشايعة وهي المتابعة والمطاوعة اه‍ وقال الأزهري:
معنى الشيعة الذين يتبع بعضهم بعضا وليس كلهم متفقين والشيعة قوم
يهوون هوى عترة النبي ص ويوالونهم اه‍ فمن إطلاقها على الواحد
المذكر والمؤنث قولهم فلان شيعة لعلي وكانت فلانة شيعة لعلي: ومن
إطلاقها على الجمع قوله تعالى: هذا من شيعته وهذا من عدوه فاستغاثه
الذي من شيعته على الذي من عدوه، وقوله تعالى: وإن من شيعته
لإبراهيم، في الكشاف: من شيعته ممن شايعه على أصول الدين وإن
اختلفت شرائعهما أو شايعه على التصلب في دين الله ومصابرة المكذبين
ويجوز أن يكون بين شريعتيهما إتفاق في أكثر الأشياء وعن ابن عباس رضي
الله عنه من أهل دينه وعلى سنته اه‍ ومن إطلاقها على الجمع قول
الكميت:
وما لي إلا آل احمد شيعة وما لي إلا مشعب الحق مشعب
فجعل الآل شيعة له على عكس المتعارف أي أنصارا وأعوانا،
وقولهم ع شيعتنا منا، وما ورد عن النبي ص
علي وشيعته هم الفائزون، وجاء في القرآن الكريم أشياع وشيع كما
فعل بأشياعهم من قبل، في لسان العرب أي بأمثالهم من الأمم الماضية
ومن كان مذهبه مذهبهم اه‍ ولقد أهلكنا أشياعهم أي أمثالهم من
الماضين. الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا أي فرقا. إن فرعون علا في
الأرض وجعل أهلها شيعا أي فرقا. وكانت هذه اللفظة تقال على من
شايع عليا ع قبل موت النبي ص وبعده قال الشيخ أبو محمد
الحسن بن موسى النوبختي من أهل القرن الرابع في كتاب الفرق
والمقالات (١) ما لفظه: جميع أصول الفرق أربع فرق: الشيعة. والمعتزلة.
والمرجئة. والخوارج. فالشيعة هم فرقة علي بن أبي طالب المسمون بشيعة
علي في زمان النبي ص وما بعده معروفون بانقطاعهم إليه والقول
بإمامته، منهم المقداد بن الأسود وسلمان الفارسي وأبو ذر جندب بن جنادة
الغفاري وعمار بن ياسر ومن وافق مودته مودة علي ع وهم أول
من سمي باسم التشيع من هذه الأمة لأن اسم التشيع قديما لشيعة إبراهيم
وموسى وعيسى والأنبياء ص اه‍. وعن كتاب
الزينة تاليف أبي حاتم سهل بن محمد السجساني المتوفى سنة ٢٠٥ كما في
كشف الظنون في الجزء الثالث من كتاب الزينة: إن لفظ الشيعة على عهد
رسول الله ص كان لقب أربعة من الصحابة سلمان الفارسي وأبي ذر

(١) عندنا منه نسخة مخطوطة وطبع في إسطنبول.
(١٨)

الغفاري والمقداد بن الأسود وعمار بن ياسر اه‍ ثم بعد مقتل عثمان
وقيام معاوية وأتباعه في وجه علي بن أبي طالب وإظهاره الطلب بدم عثمان
واستمالته عددا عظيما من المسلمين إلى ذلك صار أتباعه يعرفون بالعثمانية
وهم من يوالون عثمان ويبرأون من علي أما من يوالونهما فلا يطلق عليهم
اسم العثمانية وصار أتباع علي يعرفون بالعلوية مع بقاء إطلاق اسم الشيعة
عليهم واستمر ذلك مدة ملك بني أمية. وفي دولة بني العباس نسخ اسم
العلوية والعثمانية وصار في المسلمين اسم الشيعة واسم السنة إلى يومنا هذا
ولم يبق في فرق المسلمين اليوم من يبرأ من علي سوى الخوارج الذين
يبرأون منه ومن عثمان معا، وبناء على ما مر عن كتاب الزينة وعن كتاب
الفرق والمقالات فما يظهر من فهرست ابن النديم من أن تسمية أتباع علي
ع باسم الشيعة كان ابتداؤه من يوم الجمل ليس بصواب بل
تسميتهم بذلك من زمن الرسول ص قال محمد بن إسحاق النديم في
الفهرست ما لفظه: ذكر السبب في تسمية الشيعة بهذا الاسم: قال
محمد بن إسحاق لما خالف طلحة والزبير على علي وأبيا إلا الطلب بدم
عثمان بن عفان وقصدهما علي ع ليقاتلهما حتى يفيئا إلى أمر الله
جل اسمه تسمى من اتبعه على ذلك الشيعة فكان يقول شيعتي وسماهم
ع:
الأصفياء الأولياء
طبقة طبقة
شرطة الخميس (١) الأصحاب
طبقة طبقة
وسواء أ كان إطلاق هذا الاسم عليهم يوم الجمل أم في حياة رسول
الله ص أو بعد يوم الجمل فالقول بتفضيل علي ع وموالاته
الذي هو معنى التشيع كان موجودا في عهد الرسول ص واستمر بعده إلى
اليوم. وفي كتاب غاية الاختصار في أخبار البيوتات العلوية المحفوظة
من الغبار تاليف السيد تاج الدين بن حمزة بن زهرة الحسيني نقيب حلب (٢)
المطبوع بمصر ما لفظه: حديث تسمية الشيعة بهذا الاسم كل قوم
أمرهم واحد يتبع بعضهم رأي بعض فهم شيع. وشيعة الرجل أتباعه
وأنصاره ويقال شايعه كما يقال والاه من الولي والمشايعة وكان الشيعة لما
اتبعوا هؤلاء القوم واعتقدوا فيهم ما اعتقدوا سموا بهذا الاسم لأنهم
صاروا أعوانا لهم وأنصارا وأتباعا فاما من قبل حين أفضت الخلافة من بني
هاشم إلى بني أمية وتسلمها معاوية بن صخر من الحسن بن علي وتلقفها من
بني أمية رجل فرجل نفر كثير من المسلمين من المهاجرين والأنصار عن بني
أمية ومالوا إلى بني هاشم وكان بنو علي وبنو العباس يومئذ في هذا شرع فلما
انضموا إليهم واعتقدوا أنهم أحق بالخلافة من بني أمية وبذلوا لهم النصرة
والموالاة والمشايعة سموا شيعة آل محمد ولم يكن إذ ذاك بين بني علي وبني
العباس افتراق في رأي ولا مذهب فلما ملك بنو العباس وتسلمها سفاحهم
من بني أمية نزع الشيطان بينهم وبين بني علي فبدا منهم في حق بني علي ما
بدا فنفر عنهم فرقة من الشيعة وأنكرت فعلهم ومالت إلى بني علي واعتقدت
أنهم أحق بالأمر وأولى وأعدل فلزمهم هذا الاسم فصار المتشيع إلى اليوم
الذي يعتقد إمامة أئمة الامامية من بني علي ع إلى القائم المهدي
محمد بن الحسن لا الموالي لبني علي والعباس كما كان من قبل اه ومما
تقدم يظهر فساد ما يتوهمه البعض من أن مذهب الشيعة والتشيع حادث
والله الهادي.
والشيعي نسبة إلى الشيعة يقال للواحد منهم شيعي. في أنساب
السمعاني: الشيعي هذه النسبة إلى الشيعة ثم ذكر جماعة ممن اشتهر بهذه
النسبة من شيعة بني العباس ثم قال: وثم جماعة من شيعة أمير المؤمنين
علي بن أبي طالب ويتولون إليه وفيهم كثرة يقال لهم الشيعة منهم محمد بن
علي بن عبدك الشيعي أه قال أبو تمام في محمد بن عبد الملك الزيات
وزير المعتصم:
وزير حق ووالي شرطة ورجا * ديوان ملك وشيعي ومحتسب
وقال محمد بن هانئ الأزدي الأندلسي الشاعر المشهور:
لي صارم وهو شيعي كحامله * يكاد يسبق كراتي إلى البطل
إذا المعز معز الدين سلطه * لم يرتقب بالمنايا مدة الاجل
وقال الأخرس البغدادي الشاعر المعاصر المشهور:
وأني لشيعي لآل محمد * وأن أرغمت أناف قومي وعذلي
وأشهد أن الله لا رب غيره * وإن ولي الله بين الورى علي
وقال مهيار الديلمي يصف قصائده في أمير المؤمنين ع:
غرا أقد من الجبال معانيا * فيها وألتقط النجوم قوافيا
وتعصبا ومودة لك صيرا * في حبك الشيعي من اخوانيا
وتشيع صار شيعيا وهو متشيع، قال ابن أبي الحديد في بعض
علوياته:
- ورأيت دين الاعتزال وأنني * أهوى لأجلك كل من يتشيع -
وفي لسان العرب: شيع الرجل إذا ادعى دعوى الشيعة اه‍ وفي
كتاب بشارات الشيعة للشيخ محمد بن الحسين بن محمد رضا المازندراني
الشهير بإسماعيل شرع في تاليفه سنة ١١٥٥ قال في موثق أبي بصير عن أبي
جعفر ع أنه قال ليهنئكم الاسم قلت وما هو جعلت فداك قال
وإن من شيعته لإبراهيم وقوله عز وجل فاستغاثه الذي من شيعته على الذي
من عدوه فليهنئكم الاسم اه وفي مجمع البيان روى أبو بصير عن أبي

(١) في فهرست ابن النديم معنى شرطة الخميس إن عليا قال لهذه الطائفة تشرطوا إنما أشارطكم
على الجنة ولست أشارطكم على ذهب ولا فضة، إن نبيا من الأنبياء فيما مضى قال لأصحابه
تشرطوا فطني لست أشارطكم إلا على الجنة " اه‍ " وروى الكشي بإسناده عن الأصبغ بن
نباتة في تسميتهم شرطة الخميس قال ضمنا له الذبح وضمن لنا الفتح يعني أمير المؤمنين
عليه السلام (وفي رواية أخرى) عنه كان يقول لنا تشرطوا تشرطوا فوالله ما أشترطكم
لذهب أو فضة ولا أشترطكم إلا للموت إلا إن قوما من قبلكم شارطوا نبيهم فما مات أحد
منهم حتى كان نبي قومه أو نبي قريته وإنكم لبمنزلتهم غير إنكم لستم بأنبياء وذكرنا
الروايتين في ترجمة أصبغ (وروى) الكشي بسنده عن غياث الهمداني قال مر بنا أمير
المؤمنين عليه السلام فقال البثوا في هذه الشرطة فوالله لا غنى بعدهم إلا شرطة النار إلا من
عمل بمثل أعمالهم. وقال البرقي في رجاله شرطة الخميس ستة آلاف رجل قال علي ابن
الحكم: قال أمير المؤمنين عليه السلام لهم تشرطوا إلى آخر ما مر عن الفهرست (أقول)
الشرطة بوزن غرفة جماعة مخصصون من الجيش جعلوا لأنفسهم علامة يعرفون بها والخميس
الجيش لأنه مركب من خمسة أقسام القلب والجناحان والمقدمة والساقة أو لأنه يأخذ خمس
الغنيمة، ويظهر مما تقدم ان شرطة الخميس كان في زمن علي عليه السلام اسما لجماعة
خاصة مخلصة في ولائه وإن سبب تسميتهم بذلك قوله لهم تشرطوا أو إنهم تشرطوا على
أنفسهم القتل في الحرب كما تدل عليه رواية الأصبغ وغيرها والله أعلم.
(٢) هو حفيد السيد أبي المكارم حمزة بن زهرة صاحب الغنية فقيه الشيعة بحلب. وحفيده المذكور
من علماء الشيعة والكتاب المذكور مطبوع ببولاق ولكنه قد زيد عليه زيادات من بعض من
لا خلاق لهم لتدل على أن مؤلفه ليس من الشيعة كما فعلوا بكتاب مكارم الأخلاق الطبرسي.
(١٩)

جعفر ع قال ليهنئكم الاسم قلت وما هو قال الشيعة قلت الناس
يعيروننا بذلك قال أما تسمع قوله سبحانه وإن من شيعته لإبراهيم وقوله
فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه. وفي مجمع البيان أيضا:
روى أبو بصير عن أبي عبد الله ع قال ليهنئكم الاسم قلت وما
الاسم قال الشيعة أما سمعت الله سبحانه يقول فاستغاثه الذي من شيعته
على الذي من عدوه اه مجمع البيان. وفي حسن المحاضرة
للسيوطي: اخرج ابن عبد الحكم عن يزيد بن أبي حبيب ان تبيعا قال كان
السحرة من أصحاب موسى عليه الصلاة والسلام ولم يفتتن منهم أحد مع
من افتتن من بني إسرائيل في عبادة العجل. ثم روى عن ابن عبد الحكم
بسنده عن تبيع قال استأذن جماعة من الذين كانوا آمنوا من السحرة موسى
ع في الرجوع إلى أهلهم ومالهم بمصر فاذن لهم فترهبوا في
رؤوس الجبال فكانوا أول من ترهب وكان يقال لهم الشيعة الحديث.
الامامية
قال المرتضى في كتاب العيون والمحاسن من كتاب المجالس للمفيد:
هم القائلون بوجوب الإمامة والعصمة ووجوب النص وانما حصل لها هذا
الاسم في الأصل لجمعها في المقالة هذه الأصول اه‍ وقال السمعاني في
الأنساب: الامامية جماعة من غلاة الشيعة وانما لقبوا بهذا اللقب لأنهم
يرون الإمامة لعلي وأولاده ويعتقدون أنه لا بد للناس من الامام وينتظرون
إماما سيخرج في آخر الزمان يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا اه‍
أقول تبرأ الامامية الاثنا عشرية من كل غال في أحد من أهل البيت
مخرج له عن درجة العبودية ومن كل ناصب لهم العداوة إلا أن يكون
السمعاني يرى أن هذا الاعتقاد الذي نقله عنهم غلوا وهو عين
القصد. والامامية فرق منهم الاثنا عشرية وهم الذين وضع كتابنا هذا
لتراجمهم ولا نذكر غيرهم إلا قليلا ومنهم الكيسانية القائلون بامامة
محمد بن الحنفية وهم أصحاب المختار الذي كان يلقب كيسان وقد انقرضوا
ومنهم الزيدية القائلون بامامة زيد بن علي بن الحسين ع
وكل من خرج بالسيف من ولد علي وفاطمة ع وكان عالما
شجاعا. وفي خطط المقريزي: أن يكون فيه ست خصال العلم والزهد
والشجاعة حسنيا أو حسينيا وزاد بعضهم صباحة الوجه وعدم الآفة
اه‍. ومنهم الإسماعيلية القائلون بامامة إسماعيل بن جعفر الصادق
بعد أبيه، ويسوقون الإمامة في ولده وهم في بلاد الهند ويسمون اليوم
بهرة ولهم تكايا منظمة في جميع البلاد التي يقصدونها للحج والزيارة،
وهم غير الإسماعيلية الباطنية أتباع آغا خان ومنهم الفطحية القائلون
بامامة عبد الله الأفطح ابن الإمام جعفر الصادق ع، بعد أبيه
لقب بذلك لأنه كان أفطح الرأس أي عريضه أو الرجلين أي عريضهما وقد
انقرضوا ومنهم الواقفة الواقفون على الكاظم ع وربما يطلق
على غيرهم وقد انقرضوا أيضا ومنهم الناووسية. عن الملل والنحل
للشهرستاني: انهم من وقف على جعفر بن محمد الصادق ع اتباع
رجل يقال له ناووس وقيل نسب إلى قرية ناووسا قالوا إن الصادق لم يمت
و لن يموت حتى يظهر ويظهر امره وهو القائم المهدي اه‍ وقد انقرضوا
أيضا.
والموجود اليوم من فرق الشيعة هم الامامية الاثنا عشرية وهم الأكثر
عددا والزيدية والإسماعيلية البهرة.
المتأولة
يطلق في الاعصار الأخيرة على شيعة جبل عامل وبلاد بعلبك وجبل
لبنان وهو جمع متوالي اسم فاعل من توالى مأخوذ من الولاء والموالاة وهي
الحب لموالاتهم أهل البيت واتباعهم طريقتهم، قال مهيار:
بالطالبيين اشتفى من دائه ال‍ * مجد الذي عدم الدواء الشافيا
شرعوا المحجة للرشاد وأرخصوا * ما كان من ثمن البصائر غاليا
وأما وسيدهم علي قولة * تشجي العدو وتبهج المتواليا
وعن الشيخ محمد عبده العالم المصري الشهير انهم كانوا يقولون في
حروبهم مت وليا لعلي فسمي الواحد منهم متواليا لذلك اه‍ وقال
الفاضل الشيخ احمد رضا العاملي النباطي المعاصر فيما أدرجه في كتاب
خطط الشام للفاضل المعاصر محمد كرد علي الدمشقي ما حاصله: الظاهر
أن تلقيبهم بذلك في جبل عامل لم يتقدم عن القرن الثاني عشر للهجرة لأن
المؤرخين قبله لم يعرفوا لهم هذا اللقب فالمحبي في خلاصة الأثر في أعيان
القرن الحادي عشر ينبزهم بالرافضة، والمرادي في سلك الدرر في أعيان
القرن الثاني عشر يسميهم في جبل عامل المتأولة. وجاء في بعض
السالنامات التركية ان ابتداء ظهور المتأولة سنة ١١٠٠ للهجرة. وبالجملة
سموا بذلك لما اظهروا وجودهم السياسي وخلعوا طاعة امراء لبنان
واجتمعوا جملة واحدة في جبل عامل بقيادة آل نصار الوائليين، وفي بعلبك
تحت لواء بني حرفوش، وفي شمالي لبنان بزعامة المشايخ آل حمادة: كانوا
يومئذ ينتخون باسم بني متوال فعرفوا به واشتهر عنهم ويدل عليه ان هذا
اللقب لم يكن الا للذين دخلوا غمار تلك الحروب من شيعة جبل عامل
وبعلبك وجبل لبنان دون شيعة حلب وحمص وحماه ودمشق إلا من تدير
الصالحية والميدان من مهاجرة جبل عامل وبعلبك ولبنان اه‍.
قزلباش
لفظ تركي معناه ذو الرأس الأحمر. في بستان السياحة ما ترجمته: انه
اسم الطائفة من طوائف الترك والتركمان واصل هذه الطائفة يتفرع
إلى خمس فرق (شاملو) و (استجلو) و (تكلو) و (تركمان) و (ذو القدر)
وكل فرقة من هذه الفرق تنسب إلى عدة وجاقات وهؤلاء التركمان غير
طائفة التركمان المعروفة (بصاين خاني) التي في نواحي جرجان ودشت
قبجاق وخراسان وهم سنيون لأن أهل قزلباش شيعة إمامية إثنا عشرية،
وقيل وجه تسميتهم بذلك إن السلطان حيدر ابن السلطان جنيد الصفوي
رأى في منامه أمير المؤمنين مع سائر الأئمة ع في مجلس ونظر إليه
بعين العطف والرحمة وأمره أن يجعل علامة مميزة لأصحابه فوقع في نفسه انه
اخترع تاجا من السقرلاط الأحمر له إثنا عشر ركنا ولبسه على رأسه وحيث
أن اسم الأحمر بالتركية قزل والرأس باش سماه أتباعه قزلباش
أي ذو الرأس الأحمر وأطلق هذا الاسم أيضا على سائر أتباعه ومريديه وبقي
رسم هذا التاج معمولا به إلى زمن الشاه حسين الصفوي ثم ترك والآن
اسم قزلباش في بلاد إيران مشهور. وفي مملكة التورانيين وبلاد الهند يسمى
كل شيعي وكل إيراني قزلباش. وفي بلاد الروم والشام يسمون كل شيعي
بذلك وفي بلاد إيران يسمون الجندي قزلباش اه‍.
الرافضة
لقب ينبز به من يقدم عليا ع في الخلافة، وأكثر ما
(٢٠)

يستعمل للتشفي والانتقام وإذا هاجت هائجة العصبية لم يتوقف في إطلاقه
على كل شيعي وقد أدى حب الانتقام إلى اختلاق الروايات في ذلك عن
صاحب الرسالة ص في حق محبي أهل بيته ومواليهم الذين أكد الوصاية بهم
وجعلهم أحد الثقلين الذين لا يضل المتمسك بهما. وشاع في جملة من
المؤلفات أن أصل هذا اللقب من عهد زيد بن علي بن الحسين ع
لما سئل عن الشيخين بالكوفة فقال هما صاحبا جدي وضجيعاه في
قبره أو ما يشبه ذلك فرفضوه فسموا بذلك ولا يبعد أن يكون هذا من
المختلقات فلم يذكره أبو الفرج الأصبهاني في مقاتل الطالبين عند ذكره
مقتل زيد واحاطته غير منكورة وجماعة غيره لم يذكروه عند ذكر واقعة زيد
ومقتله ولم يذكروا ان جماعة من أهل الكوفة تركوه لذلك بل ذكروا انه بايعه
منهم جمهور كبير ثم خذلوه على عادتهم في الخذلان لجده أمير المؤمنين وعم
أبيه الحسن وجده الحسين ع. وفي كتاب بشارات الشيعة: ما أحسن ما
ذكره الثعلبي باسناده قال أنشدني أحمد بن إبراهيم الجرجاني قال
أنشدني منصور الفقيه لنفسه:
إن كان حبي خمسة * زكت بهم فرائضي
وبغض من عاداهم * رفضا فاني رافضي
وأحسن منه ما نقل عن الإمام الشافعي رض حيث يقول:
يا راكبا قف بالمحصب من منى * واهتف بساكن خيفها والناهض
سحرا إذا فاض الحجيج إلى منى * فيضا كمرفض الفرات الفائض
إن كان رفضا حب آل محمد * فليشهد الثقلان أني رافضي
اه‍ وللامام الشافعي أيضا كما عن كتاب الجوهر اللماع:
إذا في مجلس ذكروا عليا * وسبطيه وفاطمة الزكية
فاجرى بعضهم ذكرا سواهم * فأيقن انه لسلفلقية
إذا ذكروا عليا أو بنيه * تشاغل بالروايات العلية
وقال تجاوزوا يا قوم هذا * فهذا من حديث الرافضية
برئت إلى المهيمن من أناس * يرون الرفض حب الفاطمية
على آل الرسول صلاة ربي * ولعنته لتلك الجاهلية
اه‍ وقال العبدي شاعر آل محمد ص من قصيدة:
لقبت بالرفض لما ان منحتكم * ودي وأفضل ما أدعى به لقبي
قال المرزباني كما في قطعة مخطوطة عندنا منتخبة من بعض مؤلفاته
خاصة بشعراء الشيعة: لما ولي الرشيد رفع إليه في السيد الحميري أنه
رافضي فقال إن كان الرافضي هو الذي يحب بني هاشم ويقدمهم على سائر
الخلق فما اعتذر منه ولا أزول عنه وإن كان غير ذلك فما أقول به وأنشد:
شجاك الحي إذ بانوا * فدمع العين هتان
كأني يوم زموا العيس * للرحلة نشوان
وفوق العيس إذا ولوا * بها حور وغزلان
إذا ما قمن فالاعجاز * في التشبيه كثبان
وما جاوز للأعلى * فأقمار وأغصان
إلى أن قال:
علي وأبو ذر * ومقداد وسلمان
وعمار وعباس * وعبد الله اخوان
دعوا فاستودعوا علما * فادوه وما خانوا
أدين الله ذا العز * ة بالدين الذي دانوا
وما يجحد ما قد قلت * في السبطين انسان
وإن أنكر ذو النصب * فعندي فيه عرفان
وإن عدوه لي ذنبا * وحال الوصل هجران
فلا كان لهذا الذنب * عند القوم غفران
وكم عدت اساءات * لقوم وهي إحسان
وسري فيه يا داعي * دين الله اعلان
فحبي لك إيمان * وميلي عنك كفران
فعد القوم ذا رفضا * فلا عدوا ولا كانوا
وحكى المرزباني أيضا في القطعة المذكورة عن شريك بن عبد الله
القاضي قال سعي بي إلى المهدي باني رافضي إلى أن قال فقلت إن كان
الرافضي من أحب رسول الله وعليا وفاطمة والحسن والحسين ع
فانا أشهد بان أمير المؤمنين رافضي أفتبغضهم أنت قال معاذ الله
اه‍.
الجعفرية
اشتهر به في هذا العصر أصحابنا الإمامية الاثنا عشرية باعتبار أن
مذهبهم في الفروع هو مذهب الإمام جعفر بن محمد الصادق ع
ونسب مذهبهم في الفروع إليه باعتبار أن أكثره مأخوذ عنه وإن كان اخذهم
عن أئمة أهل البيت الاثني عشر بالسواء لكن لما كانت الروايات عنه في
فروع الفقه أكثر منها عن غيره بكثير لكون عصره في آخر عصر الدولة
الأموية عندما بدأت بالضعف وأول عصر الدولة العباسية التي لم يكن قد
بدأ فيها التعصب الشديد لكونها دولة هاشمية في أول نشأتها فكان للأئمة
من أهل البيت يومئذ شئ من الحرية وعدم الخوف فاخذوا في نشر مذهبهم
الذي تلقوه عن جدهم الرسول ص وكثرت الرواة عنهم فيه، أما في
عصر المنصور والرشيد ومن ضارعهما من جبابرة ملوكهم فقل الرواة عنهم
لمكان الضغط والخوف الشديدين كما في عصر الدولة الأموية ابان قوتها بل
أشد، وقال لي عالم من علماء المغاربة بدمشق ينسب إلى الحسن السبط ع
: أنا لو علمت مذهب الإمام جعفر الصادق لما عدوته ولكن لا
سبيل لي إلى العلم به لأن الشيعة يكذبون في نسبة مذهبهم إليه، فقلت له
من المحقق ان مذهب كل شخص يعلم من أتباعه ويؤخذ منهم فكيف
علمنا مذهب الرسول ص مما اتفق عليه المسلمون وعلمنا مذهب الامام
أبي حنيفة ما نقله الحنفية عنه ومذهب الإمام الشافعي مما حكاه الشافعية عنه
ولم نعلم مذهب الإمام جعفر مما رواه شيعته وأتباعه عنه فقال لا بد من حكم
خارج عن الفريقين فقلت إذا نحكم عالما من أهل الذمة فقال كيف تقول
هذا فقلت أنت تقوله فانقطع وسكت.
الخاصة
وهذا يطلقه أصحابنا على أنفسهم مقابل العامة الذين يسمون بأهل
السنة لأن أصحابنا يرون أنفسهم أحق من اخذ بالسنة ولأنهم فرقة خاصة
بين عموم فرق المسلمين المتكثرة.
تنبيه هام
يوجد في كتب الملل والنحل من تاليف غير الشيعة وفيما ذكره
المقريزي في خططه عند ذكر الفرق واختلاف عقائدها أسماء لمسميات
(٢١)

ادرجوها في فرق الشيعة لم نسمع بها من غيرهم وبالغوا في تكثير فرقها حتى
قال بعضهم ان الثلاثة والسبعين فرقة أكثرها من الشيعة وكأنهم لما نقص
عليهم العدد اضطروا إلى اختراع فرق لا وجود لها ووضعوا لها أسماء من
عندهم كما سنبرهن على ذلك مع أن المقريزي الذي زعم أن فرقها بلغت
الثلاثمائة لم يستطع ان يعد منها غير عشرين زعم أنها المشهور، على أننا
سنثبت أن جملة من هذه العشرين مختلق مخترع، وإننا وأيم الله لنتحامى
ونتجافى عن كل ما يستشم منه التحيز ونبتعد جهدنا عن الرد والنقض ما
أمكن ولكن ما نصنع وقد طبع من هذه الكتب الألوف وانتشرت في الآفاق
وقرأها العام والخاص واعتقدها الكثيرون صوابا حتى وصلت إلى أهل هذا
الزمان أمثال الرافعي وغيره وبنوا عليها القصور والعلالي وأودعوها مؤلفاتهم
وتصدوا لذم الشيعة فيها لمناسبة وغير مناسبة وأنكروا كل فضيلة لهم لأجل
هذه النسب الباطلة فالضرورة وواجب الدين وتمحيص الحق والمحاماة عنه
المفروضة توجب علينا بيان ما فيها من الباطل لا سيما إن السكوت عنها يعد
كالاقرار بها سائلين من خلص اخواننا الساعين في تاليف الكلمة أن يقبلوا
عذرنا في ذلك.
قال المقريزي في خططه: إن فرق الرافضة بلغت ثلثمائة والمشهور
منها عشرون وهي الامامية. أقول مع أن جل هذه الفرق التي ذكرها
هو وغيره لا يعرف لأسمائها مسميات حتى في عصر ناقلها فهي اما منقرضة
أو لم توجد في الدنيا فوجودها وعدمها لا يضرنا بعد ما كانت طائفتنا الامامية
الاثنا عشرية الجعفرية منزهة عما زعم فيها. إنما نريد أن نلفت الأنظار إلى
جملة منها نسبت عقائدها إلى أجلاء أصحاب أئمة أهل البيت وثقاتهم
المنزهين في عقائدهم مما نسب إليها وذلك دليل على أنها مختلقة مكذوبة
بدون شك.
منها الزرارية قال المقريزي: وقالت الزرارية اتباع زرارة بن
أعين: الامام بعد جعفر ابنه عبد الله إلا أنه سأله عن مسائل فلم يمكنه
الجواب عنها فادعى امامة موسى بن جعفر من بعد أبيه. ثم قال بعد نحو
من ورقة والفرقة العاشرة الزرارية اتباع زرارة بن أعين أحد الغلاة في
الرفض وزعم مع ذلك إن الله تعالى لم يكن في الأول عالما ولا قادرا حتى
اكتسب لنفسه جميع ذلك وعد من فرق المشبهة.
الهشامية قال: أتباع هشام بن الحكم ويقال لهم أيضا الحكمية
ومن قولهم: الاله تعالى كنور السبيكة الصافية يتلألأ من جوانبه. قال
والجولقية أتباع هشام بن سالم الجولقي وهو من الرافضة أيضا ومن شنيع
قوله أن الله تعالى على صورة الإنسان نصفه الأعلى مجوف ونصفه الأسفل
مصمت وليس بلحم ودم بل هو نور ساطع وله خمس حواس كحواس
الإنسان ويد ورجل وفم وعين وأذن وشعر اسود ثم قال: والفرقة التاسعة
الهشامية وهم صنفان: أحدهما اتباع
هشام بن الحكم. والثاني اتباع هشام الجولقي وهما يقولان لا تجوز المعصية على الامام وتجوز على الأنبياء
وإن محمدا عصى ربه في أخذ الفداء من اسرى بدر. قال:
والمفضلية أتباع المفضل بن عمر قالت الامام بعد جعفر ابنه
موسى وإنه مات فانتقلت الإمامة إلى ابنه محمد بن موسى. قال:
واليونسية اتباع يونس بن عبد الرحمن القمي وكلهم من
الروافض. ثم قال والخامسة عشرة اليونسية اتباع يونس بن عبد الرحمن
القمي أحد الغلاة المشبهة، فجعله تارة ابن عبد الرحمن وتارة ابن عبد الله
والصواب ابن عبد الرحمن والتعدد معلوم العدم. قال:
والسابعة عشرة الشيطانية اتباع محمد بن النعمان شيطان الطاق
وقد شارك المعتزلة والرافضة في جميع مذهبهم وانفرد بأعظم الكفر قاتله الله
وهو أنه زعم أن الله لا يعلم الشئ حتى يقدره وقبل ذلك يستحيل علمه.
وقال عند ذكر فرق المعتزلة: والفرقة العشرون من المعتزلة الشيطانية أتباع
محمد بن نعمان المعروف بشيطان الطاق وهو من الروافض شارك كلا من
المعتزلة والروافض في بدعهم وقلما يوجد معتزلي إلا وهو رافضي، انفرد
بطامة وهي أن الله لا يعلم الشئ إلا ما قدره وأراده وأما قبل تقديره
فيستحيل أن يعلمه ولو كان عالما بأفعال عباده لاستحال أن يمنحنهم
ويختبرهم اه‍.
قال المؤلف: إن زرارة بن أعين والهشامين ويونس بن عبد
الرحمن ومحمد بن النعمان الملقب بمؤمن الطاق كلهم ثقات صحيحو العقيدة
متكلمون حذاق من أجلاء تلاميذ وأصحاب الامامين جعفر بن محمد
الصادق وابنه موسى بن جعفر الكاظم ع وعنهما أخذوا ومنهما
تعلموا وبهما اقتدوا في كل علم لا سيما وصف الباري تعالى بصفات الكمال
وتنزيهه عن صفات النقص وعصمة سيد الأنبياء ص،
لا يمكن أن يعتقدوا أمثال هذه الخرافات في حقه تعالى ولا في حق نبيه
ص وقد أخذوا عقائدهم عن أئمة أهل البيت الطاهر معادن العلم
والحكمة ولم ينقل عنهم هذه الخرافات ناقل يوثق به فما نسب إليهم محض
افتراء واختلاق وتأتي تراجمهم في أبوابها وهم مترجمون في كتب رجال الشيعة
بكل وصف جميل وهم إمامية اثنا عشرية ليس لهم مذهب ولا نحلة خاصة
سوى ذلك ولا أتباع ينسبون إليهم. مع أن كلامه في حق زرارة يناقض
بعضه بعضا فإذا كان زرارة سال عبد الله عن مسائل عجز عن جوابها فقال
بامامة أخيه الكاظم دونه فكيف يكون صاحب مذهب ونحلة في عبد الله
وله اتباع ينسبون إليه وهذا لو وقع لكان قبل اعتقاده بإمامته بان يكون سأله
ليعرف مبلغ علمه فكيف يكون صاحب مذهب ونحلة فيه وله اتباع ينسبون
إليه. والذي زعم أنها تنسب إليه الشيطانية التي لم يخلقها الله تعالى هو من
أصحاب الإمام موسى الكاظم لقب بشيطان الطاق لأنه كان صيرفيا بطاق
المحامل في الكوفة كان يرجع إليه في النقد فيخرج كما ينقد فيقال شيطان
الطاق مبالغة في حذقه، وأصحابه يلقبونه مؤمن الطاق وله من الامام أبي
حنيفة نوادر مذكورة، وأما جعله رئيسا لفرقة من المعتزلة تنسب إليه
فطريف جدا وفيه من الخبط والخلط ما لا يخفى كقوله قلما يوجد معتزلي الا
وهو رافضي، فالرجل امامي اثنا عشري وأين الامامي من المعتزلي وإن
وافقت المعتزلة الإمامية في بعض العقائد إلا أنها تخالفها في أكثر الأصول
والفروع وتوافق الأشاعرة في الأصول والفروع أكثر من موافقتها للامامية
ولكن عدم المبالاة بالكذب والاختلاق يجر إلى أكثر من هذا ولا شئ
أعجب من جرأته على هذا الرجل العظيم بالشتم والنسبة إلى أعظم الكفر
بدون مبرر إلا قلة الحياء ورقة الدين. وأما المفضل بن عمر فاختلف
أصحابنا في وثاقته وعدمها بل في صحة عقيدته وعدمها ونسب إلى الغلو بل
قيل إنه كان خطابيا فمن زعم عدم وثاقته لم يقبل روايته ومن زعم فساد
عقيدته بالغلو تبرأ منه وهذا دأب أصحابنا مع كل غال وهو مما نفاخر به
وكيف كان فليس له اتباع ينسبون إليه على أن الذي رجحه المحققون من
أصحابنا وثاقته وبراءته من الغلو.
(٢٢)

ثم إن المقريزي وغيره عدوا في فرق الشيعة فرقا أخرى لم نحققها
وهي اما منقرضة أو لم توجد في الدنيا كالمباركية اتباع
مبارك والشميطية اتباع يحيى بن شميط الأحمسي صاحب المختار وغيرهما وبعد ما وجدناهم كالتي
سبق ذكرها لم يبق لنا وثوق بوجود غيرها ما لم نعلمه. على أن ابن شميط
كان من أتباع المختار على امارته لا صاحب نحلة ومذهب خاص حتى يكون
له اتباع على نحلته ينسبون إليه.
ثم إنهم عدوا في فرق الشيعة الغلاة وغيرهم ممن هم خارجون عن
الاسلام كالخطابية والسبائية أصحاب عبد الله بن سبا وغيرهم. وهذا جهل
أو تجاهل فالخارج عن الاسلام لا يصح عده من فرق المسلمين. والشيعة
الامامية الاثنا عشرية الجعفرية تبرأ من كل غال وكل مؤله لمخلوق.
قال المقريزي: ومن فرق الروافض الحلوية والشاعية والشريكية
يزعمون أن عليا شريك محمد ص والتناسخية القائلون
ان الأرواح تتناسخ واللاعنة والمخطئة الذين يزعمون أن جبرئيل أخطأ
والإسحاقية والخلفية الذين يقولون لا تجوز الصلاة خلف غير الامام
والرجعية القائلون سيرجع علي وينتقم من أعدائه والمتربصة الذين يتربصون
خروج المهدي والآمرية والجبية والجلالية والكريبية اتباع أبي كريب الضرير
والحزنية اتباع عبد الله بن عمر الحزني اه‍.
أقول: يعلم الله أن هذه الأسماء كلها لم نسمع بها ولم نرها في
كتب الشيعة وما هي إلا مختلقة لا يقصد من ذكرها غير التشنيع والتهجين
وهي أسماء بلا مسميات ولم يذكرها أحد من المؤرخين ولا نقلها من كتب في
الملل والنحل من الشيعة كالشيخ أبي محمد الحسن بن موسى النوبختي من
أهل القرن الرابع في كتاب الفرق والمقالات المتكفل لذكر فرق الشيعة وغيره
... ووجود بعض النحل الباطلة بين من ينسب إلى التشيع وإن كان لا
يضرنا ونحن بريئون منه كما لا يضر الدين الاسلامي الحق وجود بعض
النحل الباطلة فيمن ينسب إليه وكذا لا تضر دعوى النبوة الباطلة الحقة إلا
أن الحقيقة يجب أن تظهر وتعرف.
ثم اننا نسأل المقريزي كيف لم يذكر بين المشبهة والمجسمة أقوال من
يقول من أهل نحلته ان الله تعالى ينزل في كل ليلة جمعة على سطوح
المساجد راكبا على حماره بصورة غلام أمرد قطط الشعر في رجليه نعلان من
ذهب. وقول من قال من أهل نحلته دعوني من الفرج واللحية وسلوني
عما شئتم، وقول ابن تيمية على منبر جامع دمشق ان الله تعالى ينزل إلى
سماء الدنيا كنزولي هذا ونزل درجة من درج المنبر كما حكاه مشاهدة ابن
بطولة في رحلته، وكيف لم يعد المعتزلة مع فرق أهل السنة وجعلهم أقرب
إلى الشيعة وعد الغلاة وغيرهم مع فرق الشيعة مع أن المعتزلة أقرب إلى
أهل السنة من الغلاة إلى الشيعة كما لا يخفى.
البحث الثاني
في مبدأ ظهور الشيعة إلى وقت
انتشارهم وكثرتهم
قد عرفت في البحث الأول انه في عهد رسول الله ص
كان جماعة يتشيعون لعلي ع ثم ظهر التشيع له عند حدوث
الاختلاف في أمر الخلافة يوم وفاة النبي ص فقالت
الأنصار للمهاجرين منا أمير ومنكم أمير واحتج عليهم المهاجرون بأنهم
عشيرته وقومه وقال ع لما بلغه ذلك ما معناه: ان يكن ما قاله
المهاجرون حقا فالحجة لنا دونهم وإلا فالأنصار على حجتهم وتشيع يومئذ
لعلي جميع بني هاشم وبني المطلب وانضم إليهم الزبير بن العوام وثلاثة عشر
رجلا أو اثنا عشر من المهاجرين والأنصار فأرادوا عليا للخلافة فقام هؤلاء
الاثنا عشر فاحتجوا على تأخيره في الخلافة وهم ستة من المهاجرين خالد بن
سعيد بن العاص من بني أمية، وسلمان الفارسي. وأبو ذر الغفاري.
والمقداد بن الأسود. وعمار بن ياسر. وبريدة الأسلمي. وستة من
الأنصار أبو الهيثم بن التيهان. وسهل وعثمان ابنا حنيف. وخزيمة بن ثابت
ذو الشهادتين. وأبي بن كعب. وأبو أيوب الأنصاري، روى ذلك
الطبرسي في كتاب الاحتجاج عن أبان بن تغلب عن الإمام جعفر بن محمد
الصادق ع. ورواه الصدوق في الخصال قال: حدثنا علي بن أحمد
بن عبد الله بن أحمد بن أبي عبد الله البرقي قال حدثني أبي عن جده
أحمد بن أبي عبد الله البرقي قال حدثني النهيكي عن عثمان بن المغيرة عن
زيد بن وهب قال كان الذين أنكروا التقدم على علي بن أبي طالب في
الخلافة إثنا عشر رجلا من المهاجرين والأنصار وعدهم بنحو ما مر عن
الاحتجاج مع بعض الاختلاف وذكر عبد الله بن مسعود بدل عثمان بن
حنيف وزاد زيد بن وهب فصاروا ثلاثة عشر. وسنذكر كلامهم عند ذكر
تراجمهم في أبوابها. وكان الزبير في بيت فاطمة ع مع بني هاشم
لما امتنع علي ع من البيعة ولما اخذ علي ليبايع شهر الزبير سيفه
فأخذوه منه وضربوا به الحائط فكسروه. ولما دفنت فاطمة ع ليلا
سرا كان الزبير في جملة من حضر دفنها ولم يزل مشايعا لعلي ع
حتى صرفه عند ولده عبد الله فخرج إلى حرب الجمل ثم ذكره علي بأمور
قالها له رسول الله ص فترك الحرب ورجع فقتله عمرو بن جرموز في
وادي السباع ولذلك قال علي ع ما زال الزبير منا أهل البيت حتى
نشا ابنه عبد الله. وكان أخلصهم في ولائه أربعة سلمان والمقداد وعمار
وأبو ذر. وفي الدرجات الرفيعة: اما الذين كانوا معه ع اي عند
وفاة النبي ص فقيل إنهم لم يبلغوا الأربعين حتى أنه روي عنه أنه قال
لو وجدت أربعين رجلا لقاتلت. وقيل بل كانوا سبعمائة من أكابر
الصحابة كلهم مريد إمامته حامل له على الطلب. قال وهذا ان صح
فالمانع له عن الطلب والقتال اما علمه بأنهم لا يثبتون معه أو اتقاء الفتنة في
زمان عدم استقرار الدين كما روي أن فاطمة ع لامته على قعوده
وهو ساكت حتى أذن المؤذن فلما بلغ أشهد أن محمدا رسول الله قال لها
أ تحبين ان تزول هذه الدعوة من الدنيا قالت لا قال فهو ما أقول لك
اه‍.
قال ابن أبي الحديد في أوائل شرح نهج البلاغة: ان القول بتفضيل علي
ع قول قديم قد قال به كثير من الصحابة والتابعين. فمن
الصحابة عمار والمقداد وأبو ذر وسلمان وجابر بن عبد الله وأبي بن كعب وحذيفة
وبريدة وأبو أيوب وسهل بن حنيف وعثمان بن حنيف وأبو الهيثم بن التيهان
وخزيمة بن ثابت وأبو الطفيل عامر بن واثلة والعباس بن عبد المطلب وبنوه
وبنو هاشم كافة وبنو المطلب كافة وكان الزبير من القائلين به في بدء الامر
ثم رجع. وكان من بني أمية قوم يقولون بذلك منهم خالد بن سعيد بن
العاص ومنهم عمر بن عبد العزيز اه ثم ذكر خبر الرجل الذي حلف
بطلاق زوجته في الكوفة ان لم يكن علي بن أبي طالب أفضل الناس بعد
(٢٣)

رسول الله ص ومخالفة أبيها له في ذلك وترافعهما إلى عمر بن عبد العزيز
وحكمه بأنها زوجته بمحضر بني أمية وهو خبر طويل من رواية ابن الكلبي
من اراده فليرجع إلى الشرح المذكور. ثم قال ابن أبي الحديد: فاما من
قال بتفضيله على الناس كافة من التابعين فخلق كثير كأويس القرني
وزيد بن صوحان وصعصعة أخيه وجندب الخير وعبيدة السلماني وغيرهم
ممن لا يحصى كثرة اه. وكان عمر بن عبد العزيز من بين ملوك بني
أمية سوى ما يحكى عن معاوية الأصغر متظاهرا بالميل إلى العلويين فرفع
السب عن أمير المؤمنين ع ورد فدكا إلى أولاد فاطمة ع
وجرى له في خبر المرأة المحلوف على طلاقها ما سمعت، وقال
الشريف الرضي حين مر بقبره في دير سمعان:
يا ابن عبد العزيز لو بكيت العين فتى من أمية لبكيتك
أنت نزهتنا عن السب والشتم فلو أمكن الجزاء جزيتك
غير اني أقول انك قد طبت وان لم يطب ولم يزك بيتك
دير سمعان لا عدتك الغوادي خير ميت من آل مروان ميتك
وقول ابن أبي الحديد أن الزبير كان يقول بذلك ثم رجع ليس
بصحيح فالزبير لم يرجع عن قوله بتفضيل علي وإنما خرج لحربه رغبة في
الامارة أو طلبا بدم عثمان واجتهادا في الرأي أخطأ فيه كما يقولون.
وفي الدرجات الرفيعة: إعلم أن كثيرا من الصحابة رجع إلى أمير
المؤمنين ع وليس إلى استقصائهم جميعا سبيل وقد اتفقت نقلة
الأخبار على أن أكثر الصحابة كانوا معه ع في حروبه. قال
المسعودي في مروج الذهب: كان ممن شهد صفين مع علي بن أبي طالب
ع من أصحاب بدر سبعة وثمانون رجلا منهم سبعة عشر من المهاجرين وسبعون من
الأنصار وشهد معه ممن بايع تحت الشجرة وهي بيعة
الرضوان من المهاجرين والأنصار ومن سائر الصحابة تسعمائة وكان جميع
من شهد معه من الصحابة ألفين وثمانمائة اه‍ وفي السيرة الحلبية: قال
بعضهم شهدنا صفين مع علي بن أبي طالب ثمانمائة من أهل بيعة الرضوان
وقتل منهم ثلاثة وستون منهم عمار بن ياسر اه‍ وفي مروج الذهب
أيضا أن عليا ع خرج إلى حرب الجمل في سبعمائة راكب منهم
أربعمائة من المهاجرين والأنصار منهم سبعون بدريا وباقيهم من الصحابة
إلى أن قال ولحق بعلي من أهل المدينة جماعة من الأنصار فيهم خزيمة بن
ثابت ذو الشهادتين. ثم ذكر في مروج الذهب صفة دخول علي ع
البصرة فقال: فيما حدث به أبو خليفة الفضل بن الحباب الجمحي
عن ابن عائشة عن معن بن عيسى عن المنذر بن الجارود قال لما قدم علي
البصرة خرجت أنظر إليه فورد موكب نحو ألف فارس يقدمهم فارس على
فرس أشهب (١) عليه قلنسوة وثياب بيض متقلد سيفا معه راية وإذا تيجان
القوم (٢) الأغلب عليها البياض والصفرة مدججين في الحديد والسلاح فقلت
من هذا فقيل أبو أيوب الأنصاري وهؤلاء الأنصار وغيرهم ثم تلاهم فارس
عليه عمامة صفراء وثياب بيض متقلد سيفا متنكب قوسا معه راية على
فرس أشقر في نحو ألف فارس فقلت من هذا فقيل خزيمة بن ثابت
الأنصاري ذو الشهادتين ثم مر بنا فارس على فرس كميت معتم بعمامة
صفراء تحتها قلنسوة بيضاء عليه قباء أبيض مصقول متقلد سيفا متنكب
قوسا في نحو ألف فارس معه راية فقلت من هذا فقيل أبو قتادة بن ربعي
ثم مر بنا فارس على فرس أشهب عليه ثياب بيض وعمامة سوداء قد سدلها
بين يديه ومن خلفه شديد الأدمة (٣) عليه سكينة ووقار رافع صوته بقراءة
القرآن متقلد سيفا متنكب قوسا معه راية بيضاء في ألف من الناس مختلفي
التيجان حوله مشيخة وكهول وشباب كان قد أوقفوا للحساب في جباههم
أثر السجود فقلت من هذا فقيل عمار بن ياسر في عدة من المهاجرين
والأنصار وأبنائهم. ثم مر بنا فارس على فرس أشقر عليه ثياب بيض
وقلنسوة بيضاء وعمامة صفراء متنكب قوسا متقلد سيفا تخط رجلاه في
الأرض في ألف من الناس الغالب على تيجانهم الصفرة والبياض معه راية
صفراء قلت من هذا قيل قيس بن سعد بن عبادة في الأنصار وأبنائهم
وغيرهم من قحطان. ثم مر بنا فارس على فرس أشعل (٤) ما رأينا أحسن
منه عليه ثياب بيض وعمامة سوداء قد سدلها بين يديه بلواء قلت من هذا
قيل عبد الله بن العباس في عدة من أصحاب رسول الله ص
. ثم تلاه موكب آخر فيه فارس أشبه الناس بالأولين قلت من هذا
قيل قثم بن العباس أو سعيد بن العاص. ثم أقبلت الموكب والرايات
يقدم بعضها بعضا واشتبكت الرماح، ثم ورد موكب فيه خلق عليهم
السلاح والحديد مختلفو الرايات كأنما على رؤوسهم الطير في أوله راية كبيرة
يقدمهم الطير كأنما كسر وجبر (٥) نظره إلى الأرض أكثر من نظره إلى فوق
عن يمينه شاب حسن الوجه وعن يساره شاب حسن الوجه قلت من هؤلاء
قيل هذا علي بن أبي طالب وهذان الحسن والحسين عن يمينه وشماله وهذا
محمد بن الحنفية بين يديه معه الراية العظمى وهذا الذي خلفه عبد الله بن
جعفر بن أبي طالب وهؤلاء ولد عقيل وغيرهم من فتيان بني هاشم وهؤلاء
المشايخ أهل بدر من المهاجرين والأنصار. انتهى محل الحاجة منه ومنه يعلم
أن العمائم في صدر الاسلام لم يكن لها لون مخصوص.
وأحصى السيد علي خان الشيرازي المدني الشيعة من الصحابة في
كتابه الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة وعقد لذلك بابين الباب الأول في
الشيعة من الصحابة من بني هاشم، والباب الثاني في الشيعة من الصحابة
من غيرهم، فذكر في الباب الأول: أبا طالب بن عبد المطلب واستدل
لتشيعه بعد ما أثبت إسلامه بان النبي ص قد أخبر عشيرته في حياته أن
عليا ع وصيه وخليفته بمحضر أبي طالب وغيره من بني المطلب
فاذعن أبو طالب له بذلك ويأتي ذلك في ترجمته انش. وطالب
وإخوته: جعفر. وعقيلا. وأم هاني. وجمانة. وحمزة بن عبد المطلب وابنيه
عمارة ويعلى. والعباس بن عبد المطلب وأبناءه. عبد الله. والفضل.
وعبيد الله. وقثما. وعبد الرحمن. ومعبدا. وكثيرا. وتماما. وأبا سفيان بن
الحارث بن عبد المطلب. وأخاه نوفل بن الحارث. وعبد الله بن الزبير بن
عبد المطلب. وعبد الله بن جعفر بن أبي طالب وأخويه. عونا ومحمدا.
وربيعة بن الحارث بن عبد المطلب. وأخاه. الطفيل بن الحارث.
والحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب. وأخاه المغيرة بن
نوفل. وعبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب.
وعبد الله بن أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب. والعباس بن ربيعة بن
الحارث بن عبد المطلب. والعباس بن عتيبة بن أبي لهب بن عبد المطلب.

(١) الأشهب الذي غلب بياضه على سواده.
(٢) اي عمائمهم.
(٣) أي شديد السمرة.
(٤) الفرس الأشعل الذي في ذنبه أو ناصيته بياض.
(٥) قال ابن عائشة هذه صفة رجل شديد الساعدين كذلك تخبر العرب في وصفها إذا أخبرت عن
الرجل إه كسر وجبر
- المؤلف -
(٢٤)

وعبد المطلب بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب. وجعفر بن أبي
سفيان بن الحارث بن عبد المطلب.
وذكر في الباب الثاني: عمر بن أبي سلمة ربيب النبي ص.
وسلمان الفارسي. والمقداد بن الأسود الزهري. وأبا ذر
الغفاري. وعمار بن ياسر. وحذيفة بن اليمان. وخزيمة بن ثابت ذا
الشهادتين وأبا أيوب الأنصاري. وأبا الهيثم مالك بن التيهان. وأبي بن
كعب. وسعد بن عبادة. وابنه قيس بن سعد. وعدي بن حاتم
الطائي. وعبادة ابن الصامت. وأبا رافع مولى رسول الله ص.
وهاشم بن عتبة بن أبي وقاص. وعثمان بن حنيف. وأخاه
سهل بن حنيف. وحكيم بن جبلة العبدي. وخالد بن سعيد بن
العاص بن أمية بن عبد شمس. والوليد بن جابر بن ظالم الطائي.
وأبا سعيد الخدري. والبراء بن مالك، وبريدة الأسلمي.
وخباب بن الأرت. وكعب بن عمرو السلمي. ورفاعة بن رافع
الأنصاري. ومالك بن ربيعة الساعدي. وعقبة بن عمرو أبو مسعود
البدري. وهند بن أبي هالة التميمي ربيب النبي ص
وجعدة بن هبيرة المخزومي. وأبا عمرة الأنصاري وأبا محمد مسعود بن
أرس. وأبا برزة الأسلمي ومرداس بن مالك الأسلمي. والمسور بن شداد
الفهري. وعبد الله ابن بديل بن ورقاء الخزاعي. وحجر بن عدي الكندي
قتيل مرج عذراء. وعمرو بن الحمق الخزاعي. وأسامة بن زيد بن
حارثة. وأبا ليلى الأنصاري. وزيد بن أرقم. والبراء بن عازب. انتهى
اجمال ما أورده صاحب الدرجات الرفيعة من أسماء الشيعة من الصحابة من
بني هاشم وغيرهم وممن لم يذكره من الصحابة الشيعة: الأحنف صخر أو
الضحاك بن قيس كان في عصر النبي ص وآمن به
ولم يره ودعا له النبي ص وقيس بن خرشة قدم على
رسول الله ص وبايعه على الاسلام وقول الحق وله خبر
عجيب مع ابن زياد يأتي في ترجمته انش وقرظة بن كعب الأنصاري شهد
مع علي ع مشاهده كلها. هذا نموذج من شيعة الصحابة ذكرناه
في هذه المقدمة وبقي منهم عدد كثير تجده في محاله من هذا الكتاب.
وكان الشيعة يزيدون ويكثرون بالتدريج في صدر الاسلام حتى بلغوا
ألفا أو أكثر. ولما نفي أبو ذر إلى الشام تشيع منها جماعة كثيرة ويقال أن
تشيع أهل جبل عامل من ذلك الوقت وإنه لما أخرجه معاوية إلى القرى وقع
في جبال بني عاملة فتشيعوا وفي الصرفند وميس من قرى جبل عامل
مسجدان ينسبان إلى أبي ذر غير مساجد القريتين الجامعة ويحكى عن كتاب
روضة الكافي وفضائل شاذان بن جبرائيل القمي أن فيهما رواية مسندة إلى
عمار بن ياسر وزيد بن أرقم تدل على أنه كان زمن خلافة علي ع قرية
في الشام عند جبل الثلج تسمى أسعار أهلها شيعة. قال بعض الفضلاء:
وأسعار هذه قرية خربة بين مجدل شمس وجباثا الزيت وهناك نهر يعرف بنهر
اسعار اه‍.
ولما وقعت الفتن في الاسلام وقتل عثمان ووقع حرب الجمل ثم
حرب صفين ثم وقعة النهروان كان أكثر الصحابة مع علي ومن أشياعه
وجماعة منهم مع معاوية وقليل منهم اعتزلوا الفريقين منهم سعد بن أبي
وقاص وعبد الله بن عمر فقال علي ع أن سعدا وعبد الله لم ينصرا
الحق ولم يخذلا الباطل.
ولما سكن علي ع العراق تشيع كثير من أهل الكوفة
والبصرة وما حولهما ولما تفرقت عماله وشيعته في البلاد كان من دخل منهم
بلادا تشيع كثير من أهلها وكان في مكة والمدينة والطائف واليمن ومصر كثير
من الشيعة مضافا إلى من بالعراق وفارس بل كان جل أهل اليمن شيعة
واليوم الغالب على اليمن التشيع على مذهب زيد الشهيد وفيها عدد كثير من
الشيعة الإمامية الاثني عشرية وكذلك أهل مصر كان أكثرهم في ذلك العصر
علوية ومنهم طائفة عثمانية.
ولما قتل الحسين ع استعظم أكثر المسلمين ذلك حتى بعض
الأمويين وتنبهوا لفضل أهل البيت وما أصابهم من الظلم وعلموا بتقصيرهم
في نصرهم وانحرف كثير عن بني أمية ومالوا إلى بني هاشم وخاصة إلى
العلويين وكثرت شيعتهم وكانت وقعة الحرة ووقعة التوابين ووقعة نهر الخازر
وغيرهما مما أوجب انحراف الناس عن بني أمية مضافا إلى ما تأسس في
نفوسهم من أفعال بسر بن أرطأة وغيره أيام معاوية.
وكثر عدد الشيعة في التابعين وتابعي التابعين كثرة مفرطة فقد سمعت
قول ابن أبي الحديد أن القائلين بتفضيل علي على الناس كافة من التابعين
خلق كثير. وستعرف في البحث التاسع قول الذهبي في ميزان الاعتدال أن
التشيع كثر في التابعين وتابعيهم بحيث لو رد حديث هؤلاء لذهب جملة
الآثار النبوية.
وما زال عدد الشيعة يزداد حينا فحينا إلى أواخر الدولة الأموية
فظهرت شيعة بني هاشم من العلويين والعباسيين، وفي الدولة العباسية
كثرت شيعة العلويين كثرة مفرطة في الحجاز واليمن والعراق لا سيما الكوفة
والبصرة وفي مصر وخراسان وسائر بلاد فارس لا سيما قم وغير ذلك من
البلدان وأكثرهم في الكوفة وخراسان.
ورغما عما وقع من الاضطهاد والخوف على أهل البيت وشيعتهم في
الدولتين الأموية والعباسية الموجب لتسترهم واختفائهم وكتمان أهل البيت
علومهم إلا عن خواص أصحابهم خوفا وكثرة المائلين إلى الأمويين
والعباسيين وما أيدوه ونصروه من المذاهب وكثرة المتقربين منهم رغبا أو رهبا
وكون الناس على دين ملوكهم وحب المال والجاه والرياسة أمر مجبولة عليه
النفوس والحق مر والصبر على الأذى صعب رغما عن ذلك كله فقد كثر
اتباع أهل البيت وشيعتهم وانتشرت علومهم كثرة وانتشارا لا يتناسبان مع
مجرى العادة في مثل هذه الأحوال خصوصا في أواخر الدولة الأموية وأوائل
الدولة العباسية لقلة الخوف كما هو الشأن في انتهاء دولة وابتداء أخرى لا
سيما مع كون الثانية هاشمية ففي عهد السفاح والمنصور اشتهر مذهب أهل
البيت في الناس وخاصة في عصر الإمام جعفر بن محمد الصادق ع
ولذلك نسب مذهبهم إليه فقيل المذهب الجعفري.
وفشا التشيع في الأمة حتى سرى إلى الملوك والأمراء فمال إليه من
ملوك بني أمية معاوية الأصغر ومال إليه وناصره عمر بن عبد العزيز عادل
بني مروان كما مر وكان المأمون من بني العباس متظاهرا بالمشايعة لعلي ع
وولده وتفضيله، وجعله الرضا ع ولي عهده وإحسانه إلى
العلويين معروف مشهور وإذا صح سمه للرضا ع يكون قد أفسد
ما أصلح كما قال أبو فراس:
- باؤوا بقتل الرضا من بعد بيعته * وأبصروا بعض يوم رشدهم فعموا -
(٢٥)

وكان بعده الامام الناصر من بني العباس شيعيا وكان الملك الأفضل
علي بن صلاح الدين يوسف الأيوبي المعاصر للناصر شيعيا. وكبراء وزراء
الدولة العباسية وكتابها كانوا شيعة ولما خرج الإمام علي بن موسى الرضا
ع إلى خراسان في زمن المأمون تشيع كثير من أهلها مضافا إلى من كان فيها من
الشيعة. وعند حدوث الضعف في الدولة العباسية وخروج
أكثر الأمصار عن يدهم واستبداد الأمراء بها حتى لم يبق لهم غير الخطبة
ظهرت في العراق وفارس دولة البويهيين وفي الموصل وحلب والعواصم
ودمشق دولة الحمدانيين وفي أفريقيا والمغرب ومصر والشام والحجاز دولة
الفاطميين حتى أصبح جل بلاد الاسلام بيد الملوك والأمراء الشيعة وكثرت
الشيعة في هذه البلاد كثرة مفرطة فبعضها كان أكثرها شيعة كمصر والمغرب
وبعض سواحل سورية ومدنها وكثير من مدن العراق وبعضها كحلب
وطرابلس الشام وجبل عامل كان كل أهلها شيعة إلا ما ندر ودخل التشيع
إلى بلاد الأندلس وكثر في إيران في ذلك العصر مضافا إلى ما كان فيها من
الشيعة ولم يزل في زيادة وفي عهد الملوك الصفوية أصبح جل أهلها شيعة
ودخل التشيع في جميع بلاد خراسان وما وراء النهر وأفغانستان قبل عصر
الصفوية وكثر في هذه البلاد في عصرهم كبلخ وبخارى وسمرقند وجرجان
وهراة وكابل وقندهار وغيرها وامتد إلى بلاد الهند والسند والتبت وظهرت في
بلاد الهند دولة العادل شاهية والنظامشاهية والقطبشاهية وغيرها من الدول
الشيعية وما زال التشيع يفشو فيها حتى أصبح فيها اليوم ما يزيد على ثلاثين
مليونا من الشيعة. وأهل البحرين وهي هجر قديمو التشيع وليها إبان ابن
سعيد بن العاص في مبدأ الاسلام وكان من الشيعة فغرس فيهم التشيع
ووليها أيضا عمر بن أبي سلمة ربيب رسول الله ص وكان من الشيعة
ووليها أيضا معبد بن العباس بن عبد المطلب الهاشمي وانتشر التشيع في
الأعصار الأخيرة في بلاد الأناضول وفي ألبانيا وغيرها. ومما يستلفت النظر
ما قرأناه في كتاب حاضر العالم الاسلامي حيث قال وأما عن هرار مدينة
في الحبشة فيقول المسيو فال أن أهلها ٣٥ ألف نسمة مسلمون شيعة أما في
دائرة المعارف الاسلامية فيقول إن أهلها ٥٠ ألف نسمة اه‍.
ومما ذكرناه من أن انتشار التشيع في خراسان كان بعد خروج الرضا
ع إليها وزاد انتشاره في إيران في عصر الملوك الصفوية يظهر
بطلان ما يقوله جملة من القشريين المتعصبين على الشيعة من أن الفرس
دخلوا في التشيع كيدا للاسلام الذي أزال دولتهم. فان الفرس الذين
دخلوا في الاسلام أولا لم يكونوا شيعة حتى يقال في حقهم ذلك ومن دخل
في الاسلام بعد هذا وتشيع فحاله حال كل من تشيع من سائر الأمم
كالعرب والترك والروم وغيرهم لم يكن باعثه على ذلك إلا حب الاسلام
وحب مذهب أهل البيت ع، والملوك الصفوية الذين نصروا
التشيع في إيران هم سادة أشراف من نسل الإمام موسى الكاظم بن جعفر
الصادق ع وهم عرب صميميون فلا يمكن أن يتعصبوا للأكاسرة
والذين يمكن في حقهم ذلك هم قدماء الفرس وهؤلاء جلهم كان على
مذهب التسنن بل عظماء علماء السنة هم من الفرس فمن هم الذين دخلوا
في التشيع كيدا للاسلام يا ترى، وقبلهم نشر الأشعريون التشيع في قم
وأطرافها وهم عرب صميميون هاجروا إليها في عصر الحجاج وغلبوا عليها
واستوطنوها. ويأتي لهذا مزيد تفصيل في الأمر السادس من البحث
الرابع (١).
وما زال التشيع يفشو ويقل ويظهر ويخفي ويوجد ويعدم في بلاد
الاسلام على التناوب وغيره بحسب تعاقب الدول الغاشمة وغيرها وتشددها
وتساهلها حتى أصبح عدد الشيعة اليوم في أنحاء المعمور يناهز الخمسة
والسبعين مليونا (٢) أي بأكثر من خمس المسلمين بثلاثة ملايين منها نحو اثنين
وثلاثين مليونا في الهند ونحو خمسة عشر مليونا في إيران ونحو عشرة ملايين
في روسيا وتركستان ونحو خمسة ملايين في اليمن ونحو مليونين ونصف في
العراق ونحو مليون ونصف في بخارى والأفغان ونحو مليون في سوريا
ومصر والحجاز ونحو سبعة ملايين في الصين والتبت والصومال وجاوا ونحو
مليون في ألبانيا وتركيا. ومرادنا بشيعة الهند وسوريا خصوص الامامية غير
الإسماعيلية الآغاخانية وبشيعة اليمن ما يعم الزيدية والامامية الاثني عشرية
وبشيعة الألبان غير البكتاشية. وكان بعض أفاضل جبل عامل عدهم في
مجلة المقتبس تسعين مليونا مريدا بهم ما يعم الاثني عشرية والزيدية
والإسماعيلية والبكتاشية وغيرهم فقال صاحب المقتبس إن في العدد مبالغة
ورجح أنهم عشرون مليونا وقدرهم عبد الله مخلص الحيفاوي باثني عشر
مليونا وعدهم صاحب المقتطف أربعين مليونا أي الامامية. وعدهم
إبراهيم حلمي البغدادي سبعين مليونا وهو قريب مما قدرناه. أما تقادير
المقتبس والحيفاوي والمقتطف فبعيدة عن الصواب لا سيما الأولان.
البحث الثالث
في الإشارة إلى بعض ما وقع على أهل البيت وشيعتهم من الظلم
والاضطهاد في الدول الاسلامية
قال السيد علي خان في كتاب الدرجات الرفيعة في طبقات الامامية
من الشيعة: روي عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر ع أنه قال
لبعض أصحابه يا فلان ما لقينا من ظلم قريش أيانا وتظاهرهم علينا وما
لقي شيعتنا ومحبونا من الناس أن رسول الله ص قبض وقد أخبر أنا أولى
الناس فمالأت علينا قريش حتى أخرجت الأمر عن معدنه واحتجت على
الأنصار بحقنا وحجتنا ثم تداولتها قريش واحدا بعد واحد حتى رجعت إلينا
فنكثت بيعتنا ونصبت الحرب لنا ولم يزل صاحب الأمر في صعود كؤود حتى
قتل فبويع الحسن ابنه وعوهد ثم غدر به وأسلم ووثب عليه أهل العراق
حتى طعن بخنجر في جنبه وانتهب عسكره وعوجلت خلاخل أمهات أولاده
فوادع معاوية وحقن دمه ودم أهل بيته وهم قليل حق قليل ثم بايع الحسين
من أهل العراق عشرون ألفا غدروا به وخرجوا عليه وبيعته في أعناقهم
فقتلوه ثم لم نزل أهل البيت نستذل ونستضام ونقصى ونمتهن ونحرم ونقتل
ونخاف ولا نأمن على دمائنا ودماء أوليائنا ووجد الكاذبون الجاحدون
لكذبهم وجحودهم موضعا يتقربون به إلى أوليائهم وقضاة السوء في كل بلدة
فحدثوهم بالأحاديث الموضوعة المكذوبة ورووا عنا ما لم نقله وما لم نفعله
ليبغضونا إلى الناس وكان عظم ذلك وكبره زمن معاوية بعد موت الحسن
فقتلت شيعتنا بكل بلدة وقطعت الأيدي والأرجل على الظنة، من ذكر
بحبنا والانقطاع إلينا سجن أو نهب ماله أو دهمت داره ثم لم يزل البلاء
يشتد ويزداد إلى زمان عبيد الله بن زياد قاتل الحسين ثم جاء الحجاج

(١) أول استقلال سياسي لإيران هو الذي قام به السامانيون، إذ هم الذين أعلنوا انفصال إيران
وإنشاء دولتهم السامانية فيها، والسامانيون سنة وليسوا شيعة. " ح ".
(٢) كان هذا يوم تأليف الكتاب أي منذ أكثر من خمسين سنة والعدد اليوم أكثر من ذلك بكثير في
جميع البلاد التي ذكرها المؤلف. " ح "
(٢٦)

فقتلهم كل قتلة وأخذهم بكل ظنة وتهمة حتى أن الرجل ليقال له زنديق أو
كافر أحب إليه من أن يقال شيعة علي.
قال وروى أبو الحسن علي بن محمد بن أبي سيف المدايني في كتاب
الأحداث قال: كتب معاوية نسخة واحدة إلى عماله بعد عام الجماعة أن
برئت الذمة ممن روى شيئا من فضل أبي تراب وأهل بيته فقامت الخطباء في
كل كورة وعلى كل منبر يلعنون عليا ويبرؤون منه ويقعون فيه وأهل بيته
وكان أشد الناس بلاء حينئذ أهل الكوفة لكثرة من بها من شيعة علي ع
فاستعمل عليهم زياد بن سمية وضم إليه البصرة وكان يتتبع الشيعة
وهو بهم عارف لأنه كان منهم أيام علي ع فقتلهم تحت كل حجر
ومدر وأخافهم وقطع الأيدي والأرجل وسمل العيون وصلبهم على جذوع
النخل وطردهم وشردهم عن العراق فلم يبق بها معروف منهم وكتب
معاوية إلى عماله في جميع الآفاق أن لا يجيزوا لأحد من شيعة علي وأهل بيته
شهادة وكتب إليهم أن انظروا من كان قبلكم من شيعة عثمان ومحبيه وأهل
بيته والذين يروون فضائله ومناقبه فأدنوا مجالسهم وقربوهم وأكرموهم
واكتبوا إلي بكل ما يروي كل رجل منهم واسمه واسم أبيه وعشيرته ففعلوا
ذلك حتى أكثروا في فضائل عثمان ومناقبه لما كان يبعثه إليهم معاوية من
الصلات والكساء والحباء والقطائع ويفيضه في العرب منهم والموالي فكثر
ذلك في كل مصر وتنافسوا في المنازل والدنيا فليس يجئ أحد من الناس
عاملا من عمال معاوية فيروي في عثمان فضيلة أو منقبة إلا كتب اسمه
وقربه وشفعه فلبثوا بذلك حينا ثم كتب إلى عماله أن الحديث في عثمان قد
كثر وفشا في كل مصر وفي كل وجه وناحية فإذا جاءكم كتابي هذا فادعوا
الناس إلى الرواية في فضائل الصحابة والخلفاء الأولين ولا يتركوا خبرا يرويه
الناس في أبي تراب إلا وائتوني بمناقض له في الصحابة فان هذا أحب إلي
وأقر لعيني وادحض لحجة أبي تراب وشيعته وأشد عليهم من مناقب عثمان
وفضله فقرئت كتبه على الناس فرويت أخبار كثيرة في مناقب الصحابة
مفتعلة لا حقيقة لها وجد الناس في رواية ما يجري هذا المجرى حتى
أشادوا بذكر ذلك على المنابر والقي إلى معلمي الكتاتيب فعلموا صبيانهم وغلمانهم
من ذلك الكثير الواسع حتى رووه وتعلموه كما يتعلمون القرآن وحتى علموه
بناتهم ونساءهم وخدمهم وحشمهم فلبثوا بذلك ما شاء الله ثم كتب إلى
عماله نسخة واحدة إلى جميع البلدان: انظروا من قامت عليه البينة أنه
يحب عليا وأهل بيته فامحوه من الديوان وأسقطوا عطاءه ورزقه وشفع ذلك
بنسخة أخرى: من اتهمتموه بموالاة هؤلاء القوم فنكلوا به واهدموا داره،
فلم يكن البلاء أشد ولا أكثر منه بالعراق ولا سيما بالكوفة حتى أن الرجل
من شيعة علي ع ليأتيه من يثق به فيدخل بيته فيلقي إليه سره
ويخاف من خادمه ومملوكه ولا يحدثه حتى يأخذ عليه الايمان الغليظة ليكتمن
عليه فظهر حديث كثير موضوع وبهتان منتشر ومضى على ذلك الفقهاء
والقضاة والولاة وكان أعظم الناس في ذلك بلية القراء المراؤون
والمستضعفون الذين يظهرون الخشوع والنسك فيفتعلون الأحاديث ليحظوا
بذلك عند ولاتهم ويقربوا مجالسهم ويصيبوا به الأموال والضياع والمنازل حتى
انتقلت تلك الأخبار والأحاديث إلى أيدي الديانين الذين لا يستحلون
الكذب فقبلوها ورووها وهم يظنون أنها حق ولو علموا أنها باطلة لما رووها
ولا تدينوا بها فلم يزل الأمر كذلك حتى مات الحسن بن علي ع
فازداد البلاء والفتنة فلم يبق أحد من هذا القبيل إلا خائف على دمه أو
طريد في الأرض ثم تفاقم الأمر بعد قتل الحسين ع وولي
عبد الملك بن مروان فاشتد على الشيعة وولى عليهم الحجاج بن يوسف
فتقرب إليه أهل النسك والصلاح ببغض علي ع وموالاة أعدائه
فأكثروا من الرواية في فضلهم وسوابقهم ومناقبهم وأكثروا من الغض من
علي ع وعيبه والطعن فيه والشنان له حتى أن إنسانا وقف للحجاج
ويقال أنه جد الأصمعي عبد الملك بن قريب فصاح به أيها الأمير إن أهلي
عقوني فسموني عليا وإني فقير بائس وأنا إلى صلة الأمير محتاج فتضاحك له
الحجاج وقال للطف ما توسلت به وقد وليتك موضع كذا وروى ابن
عرفة المعروف بنفطويه وهو من أكابر المحدثين وإعلامهم في تاريخه ما
يناسب هذا الخبر وقال إن أكثر الأحاديث الموضوعة في فضائل الصحابة
افتعلت في أيام بني أمية تقربا إليهم بما يظنون أنهم يرغمون به أنوف بني
هاشم انتهى.
ومما فعله معاوية بعد عام الجماعة بشيعة علي ع بعد ما
أمنهم وأعطى على نفسه العهود في كتاب الصلح بينه وبين الحسن ع
أن لا يتعرض لهم بسوء أنه أرسل إلى زياد بعد ما ولاه الكوفة
والبصرة أن يبعث إليه عبد الله بن هاشم المرقال وأن يحلق رأسه ويلبسه جبة
شعر ويقيده ويغل يديه بغل إلى عنقه ويحمله على قتب بعير بغير وطاء ولا
غطاء ففعل به زياد ذلك وانفذه إليه فوصله وقد غيرت الشمس وجهه ولقي
تعبا كثيرا وكان من أمره معه ما هو معروف.
وطلب عمرو بن الحمق الخزاعي فراع منه فأرسل إلى امرأته آمنة بنت
الشريد فحبسها في سجن دمشق سنتين ثم إن عبد الرحمن بن الحكم ظفر
بعمرو بن الحمق في بعض الجزيرة فقتله وبعث برأسه إلى معاوية وهو أول
رأس حمل في الاسلام فبعث بالرأس إلى زوجته آمنة وهي في السجن وأمر
أن يطرح في حجرها.
وأرسل إليه زياد وهو على الكوفة حجر بن الأدبر الكندي ومعه ثلاثة
عشر رجلا من أصحابه مسلسلين فحبسوا بمرج عذرا قرب دمشق فتشفع
أصحاب معاوية في ستة منهم فاطلقوا وتشفع بعضهم في حجر فلم يطلقه
وكان حجر من الصحابة وممن شهد فتح عذرا وطلب اثنان منهم أن
يرسلوهما إلى معاوية فقال لأحدهما أ تبرأ من دين علي الذي يدين الله به
فسكت فشفع فيه بعض الحاضرين فنفاه إلى الموصل وقال للآخر ما تقول في
علي قال أشهد أنه كان من الذاكرين الله كثيرا من الآمرين بالحق والقائمين
بالقسط والعافين عن الناس فرده إلى زياد وأمره أن يقتله شر قتلة فدفنه حيا
وأرسل ريجر وباقي أصحابه هدبة القضاعي ورجلين معه فقالوا إنا أمرنا
أن نعرض عليكم البراءة من علي واللعن له فان فعلتم تركناكم وإن أبيتم
قتلناكم فأبوا فحفرت لهم القبور وأحضرت الأكفان وقتل عبد الرحمن
بن حسان العنزي وكريم بن عفيف الخثعمي من أصحاب حجر وقال حجر لا
تحلوا قيودي فاني اجتمع أنا ومعاوية على هذه المحجة ثم قال لهدبة إن كنت
أمرت بقتل ولدي فقدمه فضربت عنقه فقيل له تعجلت الثكل فقال خفت
أن يرى ولدي هول السيف على عنقي فيرجع عن ولاية علي ثم قتل حجر
وباقي أصحابه، ذكر ذلك مفصلا المرزباني في تلخيص أخبار شعراء الشيعة
كما وجدناه في قطعة منه مخطوطة وذكره غيره من المؤرخين.
وجرى على الحسن بن علي ع بعد قتل أبيه من خذلان
الناس له وتجرئهم عليه ونقضهم لعهده ما الجاه إلى مصالحة معاوية الذي لم
يف بشئ من شروط الصلح ثم قتله بالسم.
(٢٧)

وأخذ زياد بن سمية بعد ما ولاه معاوية الكوفة رشيدا الهجري وكان
من أصحاب علي ع فقال له ما قال لك صاحبك إنا فاعلون بك
قال تقطعون يدي ورجلي وتصلبوني قال والله لأكذبن حديثه خلوا سبيله
فأراد أن يخرج فقال زياد والله ما نجد له شيئا شرا مما قال له صاحبه افعلوا
به ذلك فقال رشيد بقي لي عندكم شئ اخبرني به قال زياد اقطعوا لسانه
قال رشيد الآن والله جاء التصديق.
وقال علي ع لجويرية بن مسهر والذي نفسي بيده لتعتلن
إلى العتل الزنيم وليقطعن يدك ورجلك ثم تصلب فلما ولي زياد في أيام
معاوية قطع يده ورجله ثم صلبه إلى جذع ابن معكبر. كما فعل مثل ذلك
وأشد منه بميثم التمار.
وكان سعيد بن سرح شيعة لعلي بن أبي طالب ع فلما تقدم
زياد الكوفة واليا عليها لمعاوية طلبه وأخافه فاتى سعيد الحسن بن علي ع
مستجيرا به فوثب زياد على أخيه وولده وامرأته فحبسهم وأخذ ماله
ونقض داره وكتب إليه الحسن ع فيه فاجابه بأقبح جواب حتى
امره معاوية بتركه وخبره مشهور. ولهذا الذي ذكرناه وأمثاله: لما وصف
معاوية بالحلم عند الحسن البصري قال وهل أغمد سيفه وفي نفسه على أحد
شئ.
وجرى على الحسين بن علي ع وأنصاره من القتل الفظيع
ومنع الماء وسبي الأطفال والنساء ورض الأجسام وحمل الرؤوس على
الرماح ما هو معروف مشهور.
وجرى الامر على هذا المنوال في سائر ملك بني أمية وكان الرجل من
الشيعة إذا حدث عن علي ع لا يجسر على ذكر اسمه فيقول
حدثني أبو زينب وبلغ الحال من الضيق والشدة إلى أن منع أن يسمى أحد
باسم علي أو الحسن أو الحسين ع.
ولما وفد زيد بن الحسين بن علي بن أبي طالب ع على
هشام بن عبد الملك جفاه وامر أصحابه ان يتضايقوا في المجلس حتى لا يجد
مكانا يجلس إليه ولما دخل قال له في جملة كلامه: أخوك البقرة فقال له زيد
سماه رسول الله ص باقر العلم وتسميه أنت البقرة
لشد ما اختلفتما، اختلفتما في الدنيا ولتختلفان في الآخرة ثم خرج وهو
يقول ما كره قوم حد السيف الا ذلوا وخرج إلى العراق فقتل ونبش بعد
الدفن وقطع رأسه وأرسل إلى هشام وصلب منكوسا عاريا ثلاث سنين
والجنود تحرسه حتى عشعشت الفاختة في جوفه ثم انزل وأحرق وذري في
الفرات.
وقتل الحجاج سعيد بن جبير على التشيع وطلب سليم بن قيس
الهلالي ليقتله لأنه من أصحاب علي ع فهرب إلى ناحية من ارض
فارس ومات مستترا.
وطلب قنبرا مولى أمير المؤمنين ع فقال أنت مولى علي بن
أبي طالب فقال الله مولاي وأمير المؤمنين علي ولي نعمتي قال أبرأ من دينه
قال إذا فعلت تدلني على دين أفضل منه قال إني قاتلتك فاختر اي قتلة
أحب إليك قال قد جعلت ذلك إليك قال لم قال لأنك لا تقتلني قتلة الا
قتلك الله مثلها ولقد اخبرني أمير المؤمنين ع ان ميتتي تكون ظلما
فامر به فذبح.
وطلب الحجاج كميل بن زياد صاحب أمير المؤمنين ع
فهرب منه فحرم قومه عطاءهم فقال كميل انا شيخ كبير ولا ينبغي لي ان
أحرم قومي عطاءهم فسلم نفسه للحجاج فقال له كنت أحب ان أجد
عليك سبيلا فقال كميل لا تصرف علي انيابك فوالله ما بقي من عمري الا
اليسير فاقض ما أنت قاض فامر بضرب عنقه فقتل.
وقتل يحيى بن زيد بن علي بن الحسين بالجوزجان واحتز رأسه وبعث
به إلى نصر بن سيار فبعثه الوليد إلى المدينة فجعل في حجر امه ريطة
فنظرت إليه فقالت شردتموه عني طويلا وأهديتموه إلي قتيلا وكان عمره ثماني
عشرة سنة وصلب بدنه على باب مدينة الجوزجان فلم يزل مصلوبا حتى
جاءت المسودة.
ثم جاءت الدولة العباسية، فكان العباسيون أكثر تشددا على
العلويين واضطهادا وظلما لهم ولشيعتهم من الأمويين، وكانت دولتهم
عليهم أدهى وأمر كما قال الشاعر:
والله ما فعلت أمية فيهم * معشار ما فعلت بنو العباس
وقال الأمير أبو فراس الحارث الحمداني:
ما نال منهم بنو حرب وإن عظمت * تلك الجرائم الا دون نيلكم
وقال الشريف الرضي رضي الله عنه:
ألا ليس فعل الأولين وإن علا * على قبح فعل الآخرين بزائد
وتظاهر ملوكهم بمذهب التسنن وأيدوه ونصروه وأدروا الأرزاق
وأغدقوا الأموال على العلماء المنتسبين إليه وولوهم القضاء والفتوى وأعرضوا
عن مذهب أهل البيت وتشددوا على من ينتسب إليه وأقصوهم وحرموهم
وردوا شهادتهم وسجنوهم وساموهم الخسف والقتل، كل ذلك مراغمة
للعلويين وخوفا منهم على الملك والخلافة لما رأوا من مكانتهم في قلوب
الناس حتى أن إبراهيم بن هرمة الشاعر لما قال:
مهما ألام على حبهم * فاني أحب بني فاطمة
بني بنت من جاء بالبينات * والدين والسنن القائمة
وسئل عن قائلها قال قائلها من عض ببظر أمه فقال له ابنه أ لست
أنت قائلها قال بلى قال أ تقول هذا عن نفسك فقال يا بني لأن يعض الرجل
ببظر امه خير له من أن يأخذه ابن قحطبة.
وفعل المنصور ببني الحسن السبط الأفاعيل فحملهم من المدينة إلى
الهاشمية بالعراق مقيدين مغللين وحبسهم في سجن لا يعرفون فيه الليل من
النهار وإذا مات منهم واحدا ترك معهم ثم هدم السجن عليهم. ثم حمل
الإمام جعفر بن محمد الصادق ع مرارا إلى العراق ووبخه وأراد
قتله فنجاه الله منه.
وقتل دواد بن علي بن عبد الله بن العباس أمير المدينة في عهد المنصور
المعلى بن خنيس مولى الإمام جعفر بن محمد الصادق ع بعد ما
حبسه لأجل التشيع واستصفى ماله.
وروى الصدوق في عيون أخبار الرضا ع بسنده عن الحاكم
أبي أحمد بن محمد بن إسحاق الأنماطي النيسابوري ان المنصور لما بنى الأبنية
ببغداد جعل يطلب العلوية طلبا شديدا ويجعل من ظفر به منهم في
الأسطوانات المجوفة المبنية من الجص والآجر الحديث.
واستتر عيسى بن زيد بن علي بن الحسين في الكوفة بعد مقتل محمد
وإبراهيم ابني عبد الله بن الحسن خوفا على نفسه من بني العباس وذلك في
(٢٨)

عصر المهدي العباسي وسكن دار علي بن صالح بن حي وتزوج ابنته وهو لا
يعرفه فجعل يستقي الماء على بعير له ويقتات من كسبه، روى أبو الفرج في
المقاتل ما حاصله: ان يحيى بن الحسين بن زيد قال: قلت لأبي اني أشتهي
أن أرى عمي عيسى بن زيد فدافعني مدة وقال إن هذا يثقل عليه وأخشى
ان ينتقل عن منزله كراهية للقائك إياه فتزعجه، فلم أزل به حتى أذن لي
ووصف لي داره بالكوفة وقال إنه سيقبل عليك عند المغرب كهل طويل
مسنون الوجه قد أثر السجود في جبهته عليه جبة صوف يستقي الماء على
جمل لا يضع قدما ولا يرفعها إلا ذكر الله ودموعه تنحدر فقم إليه فإنه
سيذعر منك كما يذعر الوحش فعرفه بنفسك فاتيت الكوفة فكان كما وصف
لي فعانقته فذعر مني كما يذعر الوحش من الإنس فقلت يا عم أنا يحيى بن
الحسين بن زيد فضمني إليه وبكى حتى قلت قد جاءت نفسه وجعل يسألني
عن أهله وأنا أشرح له وهو يبكي وقال يا بني انني استقي على هذا الجمل
الماء فاصرف اجرة الجمل إلى صاحبه وأتقوت باقيه وربما عاقني عائق فاخرج
إلى البرية فالتقط ما يرمي الناس من البقول فأتقوته وتزوجت إلى هذا
الرجل ابنته وهو لا يعلم من انا إلى اليوم فولدت مني بنتا فنشأت وهي لا
تعرفني فقالت لي أمها زوجها بابن فلان السقا فإنه أيسر منا وألحت علي فلم
أزل أستكفي الله امرها حتى ماتت فما أحد آسي على شئ من الدنيا أساي
على انها ماتت ولم تعلم بموضعها من رسول الله ص ثم أقسم علي ان
انصرف ولا أعود إليه ثم صرت إلى الموضع فلم أره وكان آخر عهدي به
اه‍.
وغدر الرشيد بيحيى بن عبد الله المحض بن الحسن المثنى بعد ما أمنه
لما ظهر ببلاد الديلم وكتب له أمانا بخطه ثم طلب يحيى أمانه فسلمه الرشيد
إلى أبي يوسف القاضي وقيل إلى محمد بن الحسن الشيباني صاحب أبي
يوسف فقرأه وقال هذا أمان صحيح لا حيلة فيه فاخذه أبو البختري من يده
فقرأه وقال هذا فاسد من جهة كذا وكذا قال الرشيد فخرقه فاخذ السكين
فخرقه ويده ترتعد فوهب له الرشيد ألف ألف وستمائة ألف درهم وولاه
القضاء وصرف الآخرين ومنه محمد بن الحسن من الفتيا مدة طويلة وامر
بيحيى إلى السجن ثم قتله خفية فلم يعرف بعد ذلك خبره وفي ذلك يقول
أبو فراس الحمداني:
- يا جاهدا في مساويهم يكتمها * غدر الرشيد بيحيى كيف ينكتم -
وقبض الرشيد على الإمام موسى بن جعفر الكاظم بالمدينة لغير ذنب
سوى فضله وعلمه وميل الناس إليه ثم حمله إلى البصرة فحبسه بها ثم في
بغداد مدة طويلة ثم قتله بالسم أو بغيره ثم وضعه على الجسر ببغداد وامر
ان ينادى عليه بنداء فظيع فلما سمع عمه سليمان بذلك أمر ان ينادى عليه
بضد ذلك وهو: من أراد ان ينظر الطبيب ابن الطيب فليحضر جنازة
موسى بن جعفر ومشى في جنازته حافيا وصلى عليه ودفنه باحتفال عظيم.
وبالغ الرشيد في ظلم العلويين وشيعتهم واضطهادهم فقبض بعد
قتل موسى بن جعفر على أحد أصحابه من أجلاء رواة الحديث المسمى
محمد بن أبي عمير وسجنه وضربه أشد الضرب ليدله على أصحاب
موسى بن جعفر فكاد يبوح لما لحقه من الألم ثم عصمه الله ودفنت أخته كتبه
لما علمت بذلك فتلفت فكان يحدث من حفظه، وحكى الكشي عن
الفضل بن شاذان انه ضرب مائة وعشرين خشبة بأمر هارون وتولى ضربه
السندي بن شاهك على التشيع وحبس فادى مائة وأحد وعشرين ألفا حتى
خلي عنه وكان متمولا.
وحضر هشام بن الحكم أحد متكلمي الشيعة ومشاهيرهم مجلسا فيه
المتكلمون من كل فرقة والرشيد يسمع كلامهم ولا يرونه فقال لوزيره
يحيى بن البرمكي اشدد يدك بهذا وأصحابه وشعر هشام بذلك فخرج
واختفى بالكوفة حتى مات مختفيا
. ولما علم الرشيد أن منصورا النمري قال شعرا في أهل البيت ع
ارسل إليه إلى الرقة من يقتله فوجده مريضا قد أشفى على الموت
فانتظره ثلاثا حتى مات ودفن وأخبر الرشيد بموته فامر بنبش قبره واحراق
ديوانه.
وروى الصدوق في عيون أخبار الرضا بسنده عن عبيد الله البزاز
النيسابوري عن حميد بن قحطبة الطائي في خبر طويل انه قتل في ليلة واحدة
بأمر الرشيد في طوس ستين نفسا من العلويين طرح أجسادهم في بئر
هناك.
وروى الصدوق في الكتاب المذكور بسنده عن ياسر الخادم في خبر
طويل ان الجلودي أحد قواد الرشيد كان قد بعثه الرشيد لما خرج محمد بن جعفر بن
محمد بالمدينة وأمره إن ظفر به أن يضرب عنقه وأن
يغير على دور آل أبي طالب وان يسلب نساءهم ولا يدع على
واحدة منهن إلا ثوبا واحدا ففعل الجلودي ذلك وهجم على دار أبي
الحسن الرضا ع بخيله وذلك بعد وفاة الكاظم ع فجمع الرضا
ع النساء كلهن في بيت واحد ووقف على باب البيت فقال
وحلف له أنه يسلبهن ولا يدع عليهن شيئا ولم يزل يطلب إليه ويحلف له
حتى سكن فدخل أبو الحسن وأخذ جميع ما عليهن من حلي وحلل وجميع ما
في الدار وسلمه إليه، وهذا الجلودي كان ممن أنكر بيعة المأمون للرضا
ع هو وعلي بن عمران وابن مؤنس فحبسهم المأمون ثم دعا بابن عمران
فوجده على إنكاره فامر بضرب عنقه ثم أدخل ابن مؤنس فرأى الرضا
ع بجنب المأمون فقال يا أمير المؤمنين هذا الذي بجنبك والله صنم يعبد
من دون الله فامر بضرب عنقه ثم ادخل الجلودي فقال الرضا ع يا أمير
المؤمنين هب لي هذا الشيخ كأنه أراد ان يكافئه فقال المأمون يا سيدي
هذا الذي سلب بنات رسول الله ص فظن الجلودي حين رأى الرضا
ع يكلم المأمون انه يعين عليه فقال يا أمير المؤمنين أسألك بالله
وبخدمتي للرشيد أن لا تقبل قوله في فقال والله لا أقبل قوله فيك ألحقوه
بصاحبيه فضربت عنقه.
وكثرت الوشايات والسعايات من الناس على عادتهم في مثل هذه
الحال. ولم يزل الامر في شدة على العلويين وشيعتهم إلى عهد المأمون
فسلك معهم على خلاف سيرة أبيه واقتفى سيرته في ذلك ابن أخيه
الواثق بن المعتصم فإنه بالغ في إكرام العلويين والاحسان إليهم والتعهد لهم
بالأموال ثم جاء من بعده فعادوا إلى سنة أسلافهم حتى أن المتوكل بن
المعتصم أدى به الحال إلى حرث قبر الحسين ع والسخرية به في مجالس
اللهو وقصته مع ولده المنتصر مشهورة حيث أدت إلى قتله، وقتله لابن
السكيت العالم اللغوي المشهور لأجل التشيع معلوم معروف. وبلغ من
اضطهاد العباسيين للعلويين ان هجروا مذاهبهم وأقوالهم في المسائل الفقهية
(٢٩)

ومنعوا القضاة أن يقضوا بها كما كان ذلك في الدولة الأموية وقبلها حتى أن
القضاة في خلافة علي ع لم يتمكنوا من القضاء طبق قوله في جملة
من المسائل وكتبوا إليه بما ذا نقضي فكتب إليهم اقضوا كما كنتم تقضون أو
أموت أنا وأصحابي وحصر العباسيون المذاهب في أربعة ولم يجعلوا مذهب
أئمة أهل البيت منها مع أنهم إن لم يكونوا أعلم من أصحاب المذاهب
الأربعة فلا ينقضون عنهم ولم يكن لأهل مذهبهم محراب بين محاريب أهل
المذاهب الأربعة في المسجد الحرام وحاول ذلك نادر شاة الأفشاري في عهد
الدولة العثمانية بشتى الوسائل فلم يفلح.
وحتى أن المنصور الدوانيقي لما احتاج إلى استفتاء الصادق جعفر بن
محمد ع في مسالة من مسائل المقادير التي لم يجد من يفتيه بها
بعث إلى عامله بالمدينة أن يجمع الفقهاء ويسألهم ويكون في جملة المسؤولين
جعفر بن محمد مع أنه هو المقصود لا سواه.
نعم في عهد المعتضد العباسي أمر برد سهام المواريث إلى ذوي
الأرحام وأبطل ديوان المواريث لكنه لم يكن لذلك أثر مستمر.
وحتى انه كان من يروي خبرا في فضائل علي ع لا يوافق ما
اعتاده الناس يهدد بالقتل. قال ابن النديم في الفهرست: إن أبا بكر
محمد بن يحيى بن العباس الصولي عاش إلى سنة ٣٣٠ وروى خبرا في علي
ع فطلبته الخاصة والعامة لتقتله اه‍.
ولما ضعفت دولة بني العباس وظهرت الدولة البويهية في العراق
والحمدانية في الشام والجزيرة والفاطمية في إفريقية ومصر والشام ذهب
الاضطهاد عن الشيعة ولما انقرضت هذه الدول وخلفتها الدولة السلجوقية
في العراق وفارس وبعض الشام والدولة النورية في باقي الشام والأيوبية في
مصر والشام عاد الامر إلى ما كان عليه، وحبس صلاح الدين بقايا
الفاطميين في مصر وفرق بين الرجال والنساء حتى لا يتناسلوا وذلك هو
الظلم الفاحش، وأعيد اتخاذ يوم قتل الحسين ع عيدا الذي كان
قد سنه بنو أمية والحجاج بالشام وغيرها واحدث جعله عيدا بمصر ولم يكن
معروفا فيها بنص المقريزي وقال المقريزي أيضا إن صلاح الدين حجر على
العاضد وأوقع بأمراء الدولة وعساكرها وصرف قضاة مصر الشيعة كلهم
وفوض القضاء لصدر الدين عبد الملك بن درباس المادراني الشافعي
واختفى مذهب الشيعة حتى فقد من أرض مصر كلها.
وارتفع الاضطهاد عن الشيعة في إيران في عهد الدولة الصفوية وما
بعدها إلى اليوم في بلادهم خاصة.
وفي سنة ٤٠٧ قتلت الشيعة في المغرب قتلا عاما أيام المعز بن باديس
كما يأتي في البحث التاسع عند الكلام على إفريقية وفي أواخر القرن
السادس قتلت الشيعة في حلب قتلا عاما وتشرد من بقي منهم في البلاد
وخلت حلب من أحد معروف منهم حتى اليوم إلا ما كان في بعض قراها
كما هو مشهور يتناقله الخلف من الشيعة عن السلف منهم.
وفي عهد الامراء الشهابية امراء وادي التيم ولبنان استحصل أحدهم
فتوى الشيخ نوح المعروفة بقصد الاستيلاء على جبل عامل وجرت حروب
كثيرة بين الشهابيين والعامليين وبين العامليين والصفديين وبينهم وبين
الدمشقيين في الأردن الصغير الحولة وغير ذلك، كان العامل الأكبر فيها
التعصبات المذهبية وذكرناها مفصلة في كتابنا في تاريخ جبل عامل.
وكان سلاطين بني عثمان لا يزالون في حروب مع سلاطين الفرس
الصفوية. وقتل السلطان سليم العثماني من الشيعة في الأناضول أربعين
ألفا وقيل سبعين ألفا لم يكن لهم ذنب سوى انهم شيعة وفي عصر الشاه
عباس الصفوي قتل عبد المؤمن خان ملك الأوزبك أهل مشهد الرضا
بخراسان قتلا عاما لأجل التشيع.
وكان شيعة العراق وسورية ملزمين في سلطنة العثمانيين بالتحاكم إلى
القضاة الأحناف مع أن لهم مذهبا معروفا مدونا وفيهم المجتهدون النزهاء
العارفون بالقضاء على مذهب أهل البيت وبالرغم عن ذلك كان فصل
الخصومات بين الشيعة يجري في العراق وسورية عند المجتهدين إلا ما
ندر. بل في عهد امراء جبل عامل الشيعة من قبل العثمانيين. وفي جبل
لبنان بعد امتيازه عقيب حادثة الستين المعروفة جعل مذهب الشيعة فيه
رسميا وعين لهم قاض شيعي وكذا في العراق ولبنان عقب انقضاء الحكم
العثماني.
البحث الرابع
في عدم إنصاف جماعة لشيعة أهل
البيت وأتباعهم وذلك من وجوه
الأول أنها أدمجت أحوال الامامية الاثني عشرية منهم مع المذاهب
الباطلة المستهجنة كالغلاة والسبائية واشباههم أو المختلفة التي لا وجود لها
قصدا للتشنيع والتهجين ولم تفرد أحوالهم على حدة فابن حزم في كتابه
الفصل مع ما أظهره من بذاءة اللسان وسوء القول والتحامل العظيم على
أهل البيت وشيعتهم خلط مقالة الامامية بمقالة الغالية والمجسمة بحيث لا
تكاد تميز مقالة الامامية من غيرها ولا يعرفها المطالع بعينها ويتوهمها مثل
إحدى مقالات الغلاة والمجسمة وتبعه على ذلك الشهرستاني في الملل
والنحل، وذلك ظلم فاحش وقلة انصاف وأنت إذا راجعت ما يأتي في
البحث الثامن من عقائد الإمامية في الأصول والفروع تعلم أن خلطها مع
المجسمة والمشبهة وغيرها ظلم وتحامل.
والثاني أنها كثيرا ما ذكرت أحوالهم على غير ما هي عليه بحسب
الأهواء والأغراض وكثرت الافتراءات والنسب الباطلة إليهم وتبع في ذلك
المتأخر المتقدم وقلد اللاحق السابق وبنى على أساسه من غير تحقيق
وساعدت على ذلك الأحوال السياسية والتمشي مع ميول العامة وأيدته
ونصرته السلطات الدولية المتعاقبة وساعدت عليه التعصبات الدينية وعلماء
السوء تحببا إلى الملوك والامراء وإلى العوام وقواه غاية التقوية ما أودعه علماء
السوء في كتبهم التي انتشرت في الآفاق من تصوير الشيعة فيها بأبشع صورة
وتلقاها من تأخر بالقبول لحسن ظنه بهم من غير تحقيق ولا تمحيص ولا
تبصر ويأتي لذلك مزيد إيضاح في البحث السادس (انش).
الثالث أنه نسب إلى بعض الاجلاء من تلاميذ أئمة أهل البيت
وثقات رواتهم وفحول المتكلمين منهم الاعتقاد بالمذاهب الباطلة كما نسب
الشهرستاني في الملل والنحل وغيره القول بالتجسيم والتشبيه إلى هشام
بن الحكم تلميذ الإمام جعفر الصادق ع وإلى محمد بن النعمان
المعروف بمؤمن الطاق وهما منه بريئان براءة الذئب من دم يوسف وكما نسب
المقريزي في خططه وغيره إلى زرارة والهشامين ويونس بن عبد الرحمن
(٣٠)

ومؤمن الطاق وغيرهم العظائم وهم منها براء كما مر بيانه مفصلا في البحث
الأول.
الرابع تجاوز بعضهم الحد في هذه الاعصار فزعم أن الشيعة جمعية
سياسية وطريقتها ليست مذهبا من المذاهب، فيا لله للعجب كيف تكون
جمعية سياسية من لها مذهب مدون في الأصول والفروع وكتب مؤلفة في
ذلك لا تعد ولا تحصى فيها الحجج والبراهين على معتقداتها وفيها الفقه من
الطهارة إلى الديات ولها المؤلفات الكثيرة التي لا تحصى في الأصولين أصول
الدين وأصول الفقه وسائر فنون الاسلام فما هذا الزعم الا هذر.
الخامس ذكر المقريزي في خططه ما يفهم منه أن أصل التشيع
مأخوذ من مقالة عبد الله بن سبا حيث قال: وحدث في زمن الصحابة ر
ض مذهب التشيع لعلي بن أبي طالب والغلو فيه فلما بلغه ذلك أنكره
وحرق بالنار جماعة ممن غلا فيه وانشد:
- لما رأيت الأمر أمرا منكرا * أججت ناري ودعوت قنبرا -
وقام في زمنه عبد الله بن وهب بن سبا المعروف بابن السوداء السبائي
وأحدث القول بوصية رسول الله ص لعلي بالإمامة والقول برجعة علي
بعد موته وبرجعة رسول الله ص وإن عليا لم يقتل وأنه حي وأن فيه
الجزء الإلهي وإنه يجئ في السحاب والرعد صوته والبرق سوطه وأنه لا بد
أن ينزل إلى الأرض فيملأها عدلا. قال ومن ابن سبا تشعب أصناف
الغلاة من الرافضة وصاروا يقولون بالوقف يعنون ان الإمامة موقوفة على
أناس معنيين كقول الامامية بأنها في الأئمة الاثني عشر والإسماعيلية بأنها في
ولد إسماعيل وعنه أخذوا القول برجعة الامام بعد الموت إلى الدنيا كما
اعتقده الامامية إلى اليوم في صاحب السرداب وهو القول بتناسخ الأرواح
وعنه أخذوا القول بان الجزء الإلهي يحل في الأئمة بعد علي وإنهم بذلك
استحقوا الإمامة بطريق الوجوب كما أستحق آدم سجود الملائكة وعلى هذا
الرأي كان اعتقاد دعاة الخلفاء الفاطميين بمصر اه‍.
أقول فيه من الخبط والكذب والبهتان ما لا يخفى أما قوله أن
مذهب التشيع لعلي حدث في زمن الصحابة فباطل بل هو موجود من زمن
النبي ص كما عرفت في البحث الأول من أن الحسن بن موسى النوبختي
ذكره في كتاب الفرق والمقالات وأن أبا حاتم السجستاني ذكره في كتاب
الزينة، بل أن النبي ص هو باذر بذره الأول ونكتفي في ذلك بايراد
كلام للفاضل المعاصر الشيخ محمد حسين الجعفري النجفي في رسالته أصل
الشيعة وأصولها فإنه كاف واف في هذا المقام قال ما حاصله: أول من
وضع بذر التشيع في حقل الاسلام هو صاحب الشريعة الاسلامية ص
أي أن بذرة التشيع وضعت مع بذرة الإسلام جنبا إلى جنب ولم يزل باذرها
يتعاهدها حتى نمت وأزهرت في حياته وأثمرت بعد وفاته وشاهدي أحاديث
علماء السنة وأعلامهم مثل ما رواه السيوطي في الدر المنثور في تفسير كتاب
الله بالمأثور في تفسير أولئك هم خير البرية قال: أخرج ابن عساكر عن
جابر بن عبد الله قال كنا عند النبي فاقبل علي ع فقال النبي
ص والذي نفسي بيده إن هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة ونزلت
إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية. وأخرج
ابن عدي عن ابن عباس قال لما نزلت إن الذين آمنوا وعملوا
الصالحات، قال رسول الله ص لعلي أنت وشيعتك يوم القيامة
راضون مرضيون. وأخرج ابن مردويه عن علي ع قال لي رسول
الله ص أ لم تسمع قول الله إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك
هم خير البرية، أنت وشيعتك وموعدي وموعدكم الحوض إذا جاءت
الأمم للحساب تدعون غرا محجلين. انتهى الدر المنثور وروى بعض هذه
الأحاديث ابن حجر في صواعقه عن الدارقطني. وحدث أيضا عن أم
سلمة أن النبي ص قال يا علي أنت وأصحابك في الجنة أنت وشيعتك
في الجنة وفي نهاية ابن الأثير ما نصه في مادة قمح وفي حديث علي ع
قال له النبي ص ستقدم على الله أنت وشيعتك راضين مرضيين
ويقدم عليه عدوك غضابا مقمحين ثم جمع يديه إلى عنقه يريهم كيف
الاقماح اه‍ وروى الزمخشري في ربيع الأبرار عن النبي ص إنه قال
يا علي إذا كان يوم القيامة أخذت بحجزة الله تعالى واخذت أنت بحجزتي
وأخذ ولدك بحجزتك وأخذ شيعة ولدك بحجزهم فترى أين يؤمر بنا، ثم إن
صاحب الشريعة لم يزل يتعاهد تلك البذرة بالماء النمير العذب من
كلماته في أحاديث مشهورة عند أئمة الحديث من علماء السنة فضلا عن
الشيعة وأكثرها مروي في الصحيحين مثل: يا علي أنت مني بمنزلة هارون
من موسى. ومثل: لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق. وحديث
الطائر: اللهم أئتني بأحب خلقك إليك. لأعطين الراية غدا رجلا يحب
الله ورسوله. إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي. علي مع
الحق والحق مع علي إلى غير ذلك. انتهى ما أردنا نقله من الرسالة فلنعد
إلى كلام المقريزي فنقول: وأما الغلو في أمير المؤمنين ع بدعوى
الإلهية من ابن سبا فإذا صح لا ينبغي أن يعد ذلك تشيعا لأنه خروج عن
الاسلام وأما القول بالوصية له بالإمامة فلم يحدثه ابن سبا المزعوم سل
كل من دعا إلى إمامته بعد وفاة النبي ص كان يرى ذلك وكل من حضر
يوم الغدير كان يعلمه. وإما الرجعة ففيها اخبار فمن صحت عنده لزمه
القول بها، ومن لا فلا. وأما ان الإمامة موقوفة على أناس معينين فلا
يختص بالشيعة بل قال ذلك جميع المسلمين فقد اتفقوا على وجوب كون
الامام من قريش ففي العقائد النسفية ويكون الامام من قريش ولا يجوز من
غيرهم ولا يختص ببني هاشم. وقال سعد الدين التفتازاني في شرحه: يعني
يشترط ان يكون الامام قرشيا لقوله ع الأئمة من قريش وهذا وأن
كان خبر واحد لكن لما رواه أبو بكر محتجا به على الأنصار ولم ينكره أحد
فصار مجمعا عليه لم يخالف فيه إلا الخوارج وبعض المعتزلة اه‍ ويأتي
ذلك مفصلا في البحث الثامن وكل ذلك يدل على أن الإمامة موقوفة على
أناس معينين فيلزم على قول المقريزي ان يكون المهاجرون الذين احتجوا
بذلك على الأنصار يوم السقيفة وأن يكون المسلمون كلهم أخذوا هذا
الأصل الديني من ابن سبا لا خصوص الامامية وقوله كما اعتقده
الإمامية في صاحب السرداب طريف جدا فاللامامية لا تعتقد أنه في
السرداب ولا انه مات ثم يرجع إلى الدنيا. والمهدي المنتظر متفق عليه بين
جميع المسلمين وانما اختلفوا في التفاصيل. وأما قوله: وهو القول بتناسخ
الأرواح فأطرف واطرف، إذ يلزم على قياس قوله إن يكون اعتقاد المسلمين
وغيرهم بالمعاد الجسماني قولا بتناسخ الأرواح، وأما القول بحلول الجزء
الإلهي في أي بشر كان فهو كفر عند الإمامية الاثني عشرية سواء أ أخذ
ذلك عن ابن سبا أم كان مبتكرا ابتكارا كما إن من قال أن استحقاق الإمامة
بذلك لو فرض وجود القائل به مخطئ ولكن هذه الدعوى بهت وافتراء فإننا
لم نسمع هذا القول من أحد ولم ينقله ناقل، وأصحابنا يقولون إن
استحقاقها بالنص. وإما أن دعاة الخلفاء الفاطميين بمصر كان اعتقادهم
(٣١)

على هذا فافتراء محض ودعوى تحتاج إلى الاثبات فالخلفاء المصريون كانوا
على ظاهر الاسلام والتمسك بضروريات الشرع واحكامه إلا ما يحكى من
بعض الشذوذات عن الحاكم ولا يمكننا التصديق بذلك مع العداوة
والعصبية.
قال المقريزي: وابن سبا هو الذي أثار فتنة أمير المؤمنين عثمان
رض حتى قتل كما ذكر في ترجمة ابن سبا من كتاب التاريخ الكبير المقفى
وكان له عدة أتباع في عامة الأمصار وأصحاب كثيرون في معظم الأقطار
فكثرت لذلك الشيعة وصاروا ضدا للخوارج وما زال أمرهم يقوى وعددهم
يكثر اه‍.
وهذا الكلام أكثر خلطا وأشد خبطا من سابقه، بل أثار فتنة أمير
المؤمنين عثمان رض من كان يخرج قميص رسول الله ص ويقول ما
هو معروف مشهور، ومن صلى بالناس صلاة الصبح ثلاث ركعات في
مسجد الكوفة وهو سكران وتقيا الخمر في محراب المسجد، ومن كان يكتب
الكتب عن لسان أمير المؤمنين عثمان ويختمها بخاتمه ويرسلها مع غلامه على
راحلته ولا يعلم بذلك عثمان، ومن ترك عثمان محصورا وخرج من المدينة، ومن
كان كلما وعد عثمان أحدا بإزالة شكاية أفسد عليه، ومن
استنجد به عثمان فلم ينجده بل أرسل قوما لنجدته فاقاموا بأمره دون
المدينة حتى قتل، فهؤلاء الذين أثاروا فتنة عثمان لا ابن سبا اليهودي فإنه
أقل وأذل من ذلك، ووا عجبا كيف استطاع ابن سبا اليهودي الملحد أن
يؤثر على جميع المسلمين وفيهم جمهور الصحابة الكرام وأهل الحل والعقد
فيوقعهم في فتنة عمياء تؤدي إلى قتل خليفتهم وتشعب أمرهم ونشوب
الفتن بينهم وهم لا يشعرون، أن هذا ما لا يكون هذا إن وجد ابن سبأ.
السادس رأينا جماعة من المتعصبين على الشيعة ذكروا ما حاصله:
إن أصل التشيع كان من الفرس كيدا للاسلام الذي أزال ملكهم وسلطانهم
فأرادوا الانتقام منه فلم يستطيعوا فتستروا بالتشيع لهدم الاسلام وادخال
البدع والضلال فيه باسم التشيع. وهذا كلام من لا خبرة له بالتاريخ
وأحوال الأمم أو من يتعامى عن الحقائق فالفرس الذين دخلوا في الاسلام
أولا لم يكونوا شيعة حتى يقال في حقهم ذلك إلا القليل منهم واستمروا على
غير مذهب الشيعة الأحقاب الطويلة والعصور المتمادية وجل علماء أهل
السنة واجلاؤهم هم من الفرس كالبخاري والترمذي والنسائي وابن ماجة
القزويني والامام الرازي والقاضي البيضاوي وأبو زرعة الرازي والامام فخر
الدين الرازي والفيروزآبادي الكازروني صاحب القاموس والزمخشري
والتفتازاني وأبي القاسم البلخي والقفال المروزي والشاشي والنيسابوري
والبيهقي والجرجاني والراغب الأصفهاني والخطيب التبريزي وغيرهم ممن لا
يمكن احصاؤهم ومن دخل من الفرس في الاسلام وتشيع فحاله حال كل
من تشيع من سائر الأمم كالعرب والترك والروم وغيرهم لم يكن باعثه على
ذلك إلا حب الاسلام وحب مذهب أهل البيت فدخل في الاسلام وتشيع
عن رغبة واعتقاد. وإذا جاز أن يقال عن الفرس أنهم تشيعوا كيدا للاسلام
جاز أن يقال عن العرب أنهم خالفوا التشيع كيدا للاسلام الذي قهرهم
وأخرجهم عن عبادة الأوثان أو يقال إن الفرس خالفوا التشيع كيدا للاسلام
فأدخلوا فيه ما يزعم الشيعة خروجه عن تعاليم الاسلام. ولكن الحقيقة أن
بعض الفرس دان بالتشيع للسبب الذي دان به غيرهم بالتشيع وبعضهم
دان بالتسنن للسبب الذي دان به غيرهم بالتسنن، سنة الله في خلقه وهذه
التأويلات والاستنباطات لا تستند إلى مستند وإنما ساقت إليها العداوة
للشيعة وقصد التشنيع عليهم بكل طريق ليس إلا وقد نشر التشيع في قم
وأطرافها الأشعريون وهم عرب صميمون هاجروا إليها من الكوفة في عصر
الحجاج وغلبوا عليها واستوطنوها وانتشر التشيع في خراسان بعد خروج
الرضا ع إليها كما مر ثم زاد انتشاره في عصر الملوك الصفوية الذين
نصروا التشيع في إيران وهم سادة أشراف من نسل الإمام موسى بن جعفر
ع وهم عرب صميمون لا يمكن أن يتعصبوا للأكاسرة والذين
يمكن في حقهم ذلك هم قدماء الفرس وهؤلاء جلهم كان على مذهب
التسنن كما مر فمن هم إذا الذين دخلوا من الفرس في التشيع لكيد
الاسلام؟...
توهم صاحب حاضر العالم الاسلامي والمعلق عليه
بعد كتابة ما مر عثرنا على كلام في كتاب حاضر العالم الاسلامي
تاليف لوثروب تودارد الأميركي وتعريب عجاج نويهض وتعليق الأمير
شكيب ارسلان عليه، يناسب ما مر في الأمر السادس فأثبتناه هنا، وبعض
ما اشتمل عليه وإن كنا قد أشرنا إليه في الأمر السادس المتقدم إلا أننا نذكره
هنا ببيان أوسع. وقد علمنا من هذا الكلام أن الافتراءات على الشيعة لم
تقتصر على اخصامهم من فرق المسلمين بل تجاوزتهم إلى غيرهم من الفرنج
الذين قلدوا أخصام الشيعة من غير تحقيق ولا تمحيص. قال المعرب ج ١
ص ٨ في جملة كلام له ما ملخصه: إنه قام مقام الأبطال حاملي لواء
الاسلام الأولين امراء دينيون اتخذوا الخلافة وسيلة للجور والظلم والتباهي
بمتاع الدنيا وكانت الخلافة في الحجاز شوروية قائمة على قواعد الاسلام
الصحيحة اما في دمشق وبغداد فقد تحولت الأحوال وتبدلت الأمور ولما
نقلت الخلافة إلى بغداد ازدادت كلمة الفرس نفوذا وما الخليفة الأعظم
هارون الرشيد إلا الملك العربي على شاكلة ملوك الفرس وفي بغداد كما في
غيرها كان الاستبداد مقوضا لأركان الدولة فغدا خلفاء النبي وهم على هذه
الحال طغاة موسوسين وألاعيب بين أيدي الحظايا.
فلما دخلت شعوب مختلفة غير عربية في الاسلام أخذ كل شعب منها
يفسر بوحي غريزته رسالة النبي ص على ما يلائم منازعه الشعبية
ويوافق روح التهذيب الذي كان عليه فنتج عن جميع ذلك أن الاسلام
الحقيقي الذي شاهده العالم في أول منشئه قد أعوج والتوى، قال: ولنا
أجلى دليل على هذا ما حدث في بلاد فارس حيث استحالت الوحدانية التي
نادى بها محمد إلى مذهب الشيعة فبات أهل فارس الشيعة على صلات
واهية تكاد لا ترتبط بعالم السنة الاسلامي اه‍.
وقال الأمير شكيب فيما علقه على هذا المقام ما لفظه: يذهب بعضهم
إلى كون استيلاء العرب على فارس وإبادتهم ملك كسرى مع ما كان من
العداوة بين الأمتين منذ أحقاب كان من نتائجها إيغار صدور العجم على
العرب وتربصهم بهم الدوائر حتى يأخذوا منهم بثارهم. ولما كان دين
الفرس المجوسية قد تلاشى أمام الدين العربي المبين انتهز الفرس أول فرصة
وقعت في الاسلام نفسه ونصروا الفئة التي وجدوا أكثر العرب ضدها وهي
الشيعة ولعبوا دورا عظيما في توسيع هذه الفتنة بين العرب من طريق الدين
فشفوا أحنتهم من العرب بدون أن يقاوموا نفس الاسلام الذي رأوا برهانه
أسطع من أن يكابر بل بمقاومة إحدى فئتيه التي هي السنة والجماعة لهذا
(٣٢)

نجد الفارسي يحتقر العرب ويحتقر كل شئ لهم إلا الدين وترى مهيارا
الديلمي يقول:
- قد جمعت المجد من أطرافه * نسب الفرس ودين العرب -
ومع كون الدين الاسلامي يمنع العصبية للأجناس ويضع فوقها أخوة
المؤمنين خاصة كانت لا تزال ترى آثار العصبية الفارسية في بلاد الفرس
بالرغم من مزج الاسلام للأجناس حتى قال الصاحب بن عباد وهو فارسي
الأصل خالص العقيدة الاسلامية عندما جاء أحد الفرس وتلا الأبيات التي
يفتخر بها على العرب وجاوبه عليها بديع الزمان الهمذاني: ما رأيت رجلا
يفضل الفرس على العرب إلا وفيه عرق من المجوسية. ولما رسخت قدم
الاسلام في الفرس وزال كل عرق للمجوسية منهم عشقوا التشيع عشقا كان
أعظم عوامله كره العرب إلى أن كان الإنسان يراهم شيعة قبل كل شئ
ومما ينسب إلى الفيلسوف الفرنساوي رنان أن الفرس شيعة أولا
ومسلمون ثانيا ولا شك أن في هذا القول مبالغة وإنما يصدق على كثير من
عامتهم اه‍.
أقول: وفي أصل هذا الكلام والتعليق عليه من الخبط والخلط
ومخالفة الحقيقة ما لا يخفى. ومن المؤسف المخجل جدا أن الانحطاط قد
بلغ بالمسلمين إلى حد أن صاروا يأخذون تاريخهم وفلسفة دينهم عن الفرنج
كأنه ليس في الاسلام مؤرخ ولا فيلسوف نأخذ تاريخنا وفلسفة ديننا عنه كلا
والله لسنا بحاجة إلى المؤرخ الأميركي والفيلسوف الفرنساوي وما علمهما
بذلك، ولكن التقليد والاستسلام للغربيين في كل شئ وصغر النفوس
أدى بهؤلاء إلى ذلك حتى أنهم اتبعوا في تقسيم آيات القرآن الكريم إلى
أقسامها بعض الفرنج في كتاب يسمى تفصيل آيات الذكر الحكيم مطبوع
بمصر، وجاء الدور إلى مؤلف كتاب حاضر العالم الاسلامي والمعلق عليه،
وإذا أردنا أن نرفع التبعة فيما اشتمل عليه هذا الكلام الذي سمعته عن
المؤلف وعن المعلق بان الأول يجهل السبب الحقيقي لانقسام المسلمين لأنه
ليس منهم والثاني إنما كان ناقلا لما لا يعتقده أو أنه قد تبع فيه غيره من
الذين أمالتهم العصبية المذهبية عن إدراك الحقائق، ولذا قال يذهب
بعضهم، مما دل على عدم ارتضائه له أو توقفه في صحته يصدنا عن ذلك
أن هذا الأمر ليس مما يخفى على متتبع منصف لا تصده ميوله الخاصة أو
تقليده عن إدراك الحقائق.
ومواقع الخلل فيما قاله صاحب الأصل من وجوه: أولا قوله:
لما نقلت الخلافة إلى بغداد ازدادت كلمة الفرس نفوذا فالفرس الذين
عناهم ينبغي أن يكونوا هم البرامكة وقد قضى عليهم الرشيد ولم يتغير
بفقدهم شئ من أحوال الرشيد ولا من أحوال دولته فبأن أن ما كان عليه
الرشيد ودولته ليس من أثر نفوذ البرامكة، وكون الرشيد على شاكلة ملوك
الفرس ليس من أثر نفوذ الفرس فقد ابتدأ ذلك من عهد معاوية ولما عابه
عليه عمر اعتذر بمجاورته للروم المقتضي لاظهار أبهة الملك فقبل عذره.
ثانيا أن ما ذكره من أن الاسلام الحقيقي سبب اعوجاجه والتوائه هو
دخول الشعوب غير العربية فيه الخ غير صحيح فان أراد الاعوجاج
السياسي فهذا كان مبدؤه وجله بل كله لا مدخل فيه لأحد من الشعوب
الأخرى فأول نزاع وقع بعد موت النبي ص النزاع في أمر الخلافة وكان
بين العرب. روى الطبري في تاريخه قال اجتمع الأنصار في سقيفة بني
ساعدة ليبايعوا سعد بن عبادة فبلغ ذلك أبا بكر فاتاهم ومعه عمر وأبو
عبيدة فقال ما هذا فقالوا منا أمير ومنكم أمير إلى أن قال فبايعه عمر وبايعه
الناس فقالت الأنصار أو بعض الأنصار لا نبايع إلا عليا وروى الطبري
أيضا قال أتى عمر بن الخطاب منزل علي وفيه طلحة والزبير ورجال من
المهاجرين فقال والله لأحرقن عليكم أو لتخرجن إلى البيعة فخرج عليه
الزبير مصلتا بالسيف فعثر فسقط السيف من يده فتواثبوا عليه فأخذوه
اه‍ ثم وقعت الفتنة بقتل الخليفة الثالث وهي بين العرب ثم حصل حرب
الجمل ثم حرب صفين ثم وقعة النهروان ثم حروب الخوارج في عهد
معاوية وبعده وكلها بين العرب أنفسهم ثم وقعة كربلاء ووقعة الحرة وحرب
التوابين والمختار وفتنة ابن الزبير وكلها بين العرب ثم حرب بني العباس مع
بني أمية وأخذ الملك منهم وكلهم من العرب.
وإن أراد الاعوجاج الديني بدخول البدع في دين الاسلام ودخول
الظلم والجور والفواحش والمنكرات في دولة الاسلام فأقل نظرة في تاريخ
الاسلام توضح لنا أن ذلك لم يكن من الشعوب الأخرى فالبدع ابتدأ
ظهورها في العصر الأول والظلم والجور وارتكاب الفواحش والمنكرات كان
يقع ممن تربعوا على سرير الخلافة وتسموا بإمرة المؤمنين في الدولتين الأموية
والعباسية وقد اعترف بذلك صاحب الكتاب بقوله: اتخذوا الخلافة
وسيلة للجور والظلم والتباهي بمتاع الدنيا وقوله: أما في دمشق وبغداد
فقد تحولت الأحوال وتبدلت الأمور وقوله: وفي بغداد كما في غيرها كان
الاستبداد مقوضا لأركان الدولة إلى قوله: الخطايا. فهل كان الباعث
على ذلك دخول شعوب غير عربية في الاسلام؟ كلا فان دخول شعوب غير
عربية في الاسلام لم يحمل ملوك بني أمية ولا ملوك بني العباس على الظلم
والاستبداد وشرب الخمور وارتكاب الفجور وسفك الدماء. ومن يتشدق
بهذه الأقوال يقول إن دولة بني أمية دولة عربية لم يدخلها غير العرب
بخلاف الدولة العباسية مع أن دولة بني أمية أول دولة أذلت العرب
وقوضت أركانهم وفرقت شملهم وبثت الفتن بينهم وأثارت العصبية القبلية
الجاهلية فيهم (١) وكانت مع الدولة العباسية كفرسي رهان في الظلم
والقبائح.
رابعا استدلاله على ذلك باستحالة الوحدانية التي نادى بها النبي
ص في بلاد فارس إلى مذهب الشيعة الموجب لضعف الصلة بينهم وبين
السنيين بعيد عن الحقيقة بعد السماء عن الأرض، فالوحدانية لم تستحل إلى
مذهب الشيعة في بلاد فارس في وقت من الأوقات، فبلاد فارس بعد الفتح
الاسلامي لم يكن فيها اسم شيعي وسني لأن هذا الاصطلاح قد حدث في
دولة بني العباس، وقبل ذلك كان يشمل الكل اسم الاسلام ولما حدث
هذا الاصطلاح كان الغالب على بلاد فارس التسنن وذلك بعد انتشار

(١) والأمويون هم الذين بذروا بذرة الشعوبية وتعهد ها حتى نمت وتأصلت، قال العلامة
الآلوسي في كتاب بلوغ الأرب، وقال الأستاذ حسن السندوبي المصري في حواشي كتاب
البيان والتبيين للجاحظ: الشعوبيون يذهبون إلى تحقير شأن العرب، ومنشأ ذلك إن زياد
ابن أبيه لما استلحقه معاوية بأبي سفيان علم إن العرب لا تقر له بذلك مع علمهم بنسبه
فعمل كتاب المثالب وألصق بالعرب كل نقيصة.
ويقول العلامة الزنجاني: كان سبب تأليف هذا الكتاب معاوية لأنه أدعى أن زياد بن أبي
سفيان وأخو معاوية. وقال الأستاذ السندوبي أيضا: وكان هشام بن عبد الملك قد أمر
النضر أبن شميل وخالد بن سلمة المخزومي فوضعا كتابا في مثالب العرب ومناقبها
" ح ".
(٣٣)

الاسلام فيها، وإنما كان التشيع في بعض بلدانها كقم وبعض بلاد
خراسان، والأكثرية الساحقة كانت للسنيين، وأهل أصفهان كانوا
متعصبين في التسنن قبل عصر الصفوية، وفي عهد البويهيين حوالي القرن
الرابع كان للتشيع انتشار في بلاد فارس ولكن الأكثرية لغيره، وفي عهد
الملوك الصفوية كثر التشيع في بلاد فارس في بعض أقطارها ومع ذلك كان
لا يزال فيها من السنيين عدد غير قليل. أما الأقطار الأخرى كبلاد الأفغان
وبخارى وبلخ وما وراء النهر وغيرها فجل أهلها على التسنن ويندر فيها
التشيع وكلهم فرس، ولم يعلم أن الشيعة في مجموع هذه البلاد هم أكثر
من السنيين إن لم يكونوا أقل، فبأن أن الوحدانية المذكورة لم تستحل إلى
مذهب الشيعة في بلاد فارس كما زعم حتى يكون سبب استحالتها دخول
شعوب غير عربية في الاسلام، وإن أهل فارس لم يزل كثير منهم سنيين من
عهد الفتح الاسلامي إلى اليوم.
ومواقع الخلل فيما ذكره صاحب التعليق أيضا من وجوه:
أولا أن أول فرصة شقاق وقعت في الاسلام هي حرب الجمل
والذين نصروا عليا وشيعته فيها هم من العرب لا من الفرس ولم يكن أكثر
العرب ضد علي وشيعته فيها كما زعم بل الأمر بالعكس. ثانيا إن الذين لعبوا الدور العظيم ووسعوا نطاق الفتنة بين العرب
من طريق الدين هم الذين أظهروا الطلب بدم الخليفة الثالث وهم من
العرب الصميمين لا من الفرس، وأين كان الفرس من هذه الفتن.
فحصل من ذلك حرب الجمل وصفين وما بعدهما من الحروب وضربوا
الاسلام بسيفه وحاربوه تحت رايته وتسنم بعضهم بذلك عرش الخلافة
وقبض على زمام الأمر والنهي على المسلمين واتسعت بذلك شقة الخلاف بين
المسلمين من العرب وغيرهم، ولم يسمع في جميع هذه الأدوار أن الفرس
نصروا الشيعة الذين هم الأقلية، فمتى هو هذا الزمان الذي يدعي
صاحب التعليق أن الفرس نصروا الشيعة فيه ليوقعوا الفتنة وينتقموا من
الاسلام.
نعم الحق الذي لا محيد عنه أن الذين انتهزوا أول فرصة شقاق
وقعت في الاسلام ولعبوا دورا عظيما في توسيع الفتنة بين المسلمين من طريق
الدين هم الذين قتلت آباؤهم وأبناؤهم وذوو قراباتهم يوم بدر وغيرها
ودخلوا في الاسلام كارهين وعليه حاقدين وللانتقام منه متحفزين فشفوا
أحنتهم ممن قام الاسلام بسيفه بدون أن يقاوموا نفس الاسلام الذي رأوا
برهانه أسطع من أن يكابر بل قاوموا مؤسسيه ومن لهم المكانة السامية فيه.
هذه هي الحقيقة الملموسة لا ما يزخرفه المزخرفون ويموهه المعاندون.
ثالثا استشهاده على ذلك بان الفارسي يكره العرب ويحتقر كل
شئ لهم إلا الدين، فيه إنه إن صح كره الفارسي للعرب فهو ليس
مستندا إلى إرادة الانتقام من الاسلام للمجوسية كما زعم بل إلى الغرائز
والطبائع الموروثة في كره الشعوب بعضها لبعض ولذلك ترى هذا الكره بين
الترك والعرب أكثر منه بين الفرس والعرب أو مثله، لا ينكر ذلك إلا
مكابر، كما نراه بين الفرس والترك أيضا بل بين أهل بلادين وإن كانوا
كلهم عربا، وبين القبائل العربية بعضها مع بعض. وقوله يحتقر كل شئ
لهم إلا الدين اعتراف منه أن هذا الاحتقار إن صح هو للعصبية الجنسية
لا للدين ومعناه أنه يحتقرهم لأنهم من غير جنسية لا لأنهم مسلمون.
والحاصل أن القول بان الفرس نصروا التشيع للانتقام من الاسلام
للمجوسية من السخافة بمكان فإنه حين فتح بلاد الفرس ودخول أهلها في
الاسلام لم يكن للمسلمين اسم مذهبين تسنن وتشيع كما مر وفي عصر بني
أمية وبني العباس وبعدهم إلى أول القرن العاشر كان الغالب على بلاد
الفرس التسنن وكل أهلها مسلمون مخلصون للاسلام فمتى كان هذا الزمان
الموهوم الذي نصر فيه الفرس التشيع انتقاما لمجوسيتهم.
رابعا إن استشهاده ببيت مهيار على كره الفارسي للعرب واحتقاره
كل شئ لهم إلا الدين لا شاهد فيه، فمهيار لما كان فارسيا وآباؤه ملوك
الفرس افتخر بهم ولم يفضلهم على العرب ولم يحتقر العرب ولم يقل أنا أكره
العرب، وليس هو عربيا حتى يفتخر بالعرب، وإذا لم يفتخر بآبائه الفرس
فبما ذا يفتخر، وحاصل مراده أنه يفتخر بدين العرب وهو الاسلام
وبالانتساب إلى الفرس، وهذا لا مساس له باحتقار العرب وكراهتهم.
خامسا حصره العصبية للاجناس بالفرس ليس بصحيح،
فالأنصار والمهاجرون ظهرت فيهم العصبية حتى قال سيد الأنصار من
الخزرج: منا أمير ومنكم أمير وظهرت العصبية بين الأنصار أنفسهم
فسارعت الأوس وفيهم أسيد بن حضير إلى بيعة أبي بكر يوم السقيفة حسدا
للخزرج، ذكره الطبري بمعناه. وظهرت في العرب عصبية المضرية
واليمانية وفي قريش عصبية الهاشمية والأموية وهم بنو أعمام مع أن
العصبية لم تختص بالفرس على العرب بل كانت من الطرفين.
أما قول الصاحب ما رأيت رجلا يفضل الفرس الخ... فلا مساس
له بالموضوع.
ومن ذلك يعلم فساد قوله: لما رسخت قدم الاسلام في الفرس
عشقوا التشيع عشقا كان أعظم عوامله كره العرب، فإنك قد عرفت أنه لما
رسخت قدم الاسلام في الفرس كان الغالب على أهله التسنن وقد عشقوه
عشقا ولم يعشقوا التشيع حتى يترتب على ذلك أن أعظم عوامله كره
العرب.
سادسا قوله كاد الإنسان يراهم شيعة قبل كل شئ واستشهاده
على ذلك بقول رنان كأنه قرآن، من الوهن بمكان فهم مسلمون أولا
قبل كل شئ، وشيعة ثانيا، وكيف لا يكونون كذلك عامتهم
وخاصتهم، وعقيدتهم التي يدينون الله بها ويعلمونها أولادهم ويرددونها في
وقت ذكرهم هي: رضيت بالله ربا وبالاسلام دينا وبمحمد ص نبيا
وبالقرآن كتابا وبالكعبة قبلة وبعلي إماما. وكيف لا يكونون كذلك والتشيع
فرع على الاسلام والفرع لا يزيد عن أصله ولا يتقدم عليه.
نعم هم راسخو العقيدة في التشيع وولاء أهل البيت ع
ثابتو القدم فيه عن بصيرة وهدى وبيان وحجة وبرهان. وقول المعلق أن
هذا إنما يصدق على عامتهم لا يخرج عن المبالغة فلم تكن لتعتقد عامتهم إلا
ما يلقنها إياه خاصتهم وهو الشهادة لله بالوحدانية ولرسوله بالرسالة أولا
ولأوليائه بالولاية ثانيا.
البحث الخامس
كثر التحامل على أهل البيت علي أمير المؤمنين وزوجته البضعة الزهراء
سيدة النساء وولديهما السبطين الحسن والحسين ريحانتي رسول الله ص
وذريتهم الأئمة الطاهرين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
(٣٤)

فمن التحامل على الآل عموما أنه إذا ذكر ذاكر فضيلة لأحدهم أو
مزية امتاز بها امتقعت الوجوه وجاشت الصدور. وإذا روى راو شيئا من
هذا القبيل رمي بالكذب والغلو. وإذا استدل مستدل بما روته الأئمة من
علماء المسلمين في فضلهم ومناقبهم عمدوا أولا إلى سنده فقدحوا فيه جهد
الاستطاعة ولو كان صحيحا ثم إلى تأويله ولو بالوجوه الضعيفة والتأويلات
البعيدة ولو كانت دلالته واضحة وإذا مروا بالآيات الواردة فيهم ع
صرفوها عنهم كما قالوا في آية التطهير إنها واردة في نسائه ص
رغما عن تذكير الضمير وعن الأخبار الكثيرة الدالة على ورودها في الآل،
وفي آية المباهلة أنها معارضة باجماع مزعوم كما فعله الرازي أو هونوا من
شأنها.
ومن التحامل عليهم ع عدم ذكرهم في الصلاة على النبي
ص من الأكثر، نطقا وكتابة فإذا ذكروا ذكر معهم الصحب مع ورود
النهي عن عدم ذكرهم وتسميتها بالصلاة البتراء.
ومن التحامل عليهم انه إذا روى راو شيئا من خوارق العادة لهم
ع قيل هذا غلو وهذا حديث منكر وصاحبه يروي المناكير ورمي
بالانكار عن قوس واحد. وإذا روى صاحب إرشاد الساري في شرح
صحيح البخاري أن بعض الصحابة كانت تحدثه الملائكة حتى اكتوى فلما
ترك ذلك عادت، تلقي بالقبول ولم يقل أحد أنه منكر أو فيه غلو أو
مبالغة. وإذا ذكر ابن خلدون في مقدمته أن النبي ص قال إن فيكم
محدثين لم يستنكر ذلك أحد وإذا روى الحافظ ابن حجر العسقلاني في
تهذيب التهذيب أن الخضر كان يمشي مع عمر بن عبد العزيز يسدده يراه هو
ولا يراه الناس إلا بعض الصلحاء عدوا ذلك منقبة لعمر بن عبد العزيز ولم
ينكره أحد وإذا قال قائل إن المهدي من آل محمد ص عاش طويلا
كالخضر يراه الناس ولا يعرفونه بشخصه إلا بعض الصلحاء نسب إلى
السخف كل ذلك خارج عن دائرة الإنصاف داخل في حيز التحامل
والاعتساف.
ومن التحامل عليهم ع أنه لم يعد مذهبهم ومذهب فقهائهم
مع المذاهب التي حصر التقليد فيها مع أن أئمة أهل البيت إن لم يكونوا أعلم
من أهل المذاهب الأربعة فلا ينقصون عنهم بل مذهبهم أولى بالاتباع من
بقية المذاهب لأنهم أخذوه عن آبائهم عن جدهم أمير المؤمنين علي بن أبي
طالب عن رسول الله ص عن جبرائيل عن الله تعالى كما قال الشيخ
البهائي:
- ووال أناسا قولهم وحديثهم * روى جدنا عن جبرائيل عن الباري -
وفيهم الذين اشتهروا بالفقه والتبحر في سائر علوم الدين كالإمام محمد
الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب وأبنه
الإمام جعفر الصادق ع. وروى جابر الجعفي عن الباقر ع
سبعين ألف حديث وسمي الباقر لأنه بقر العلم بقرا أي توسع فيه سماه
بذلك جده رسول الله ص. وروى أبان بن تغلب عن
الصادق ع ثلاثين ألف حديث. وقال الوشاء من أصحاب حفيده
الإمام الرضا ع أدركت في مسجد الكوفة تسعمائة شيخ كل يقول
حدثني جعفر بن محمد. هذا ما أدركه راو واحد في عصر متأخر. وجمع
الحافظ ابن عقدة أربعة آلاف رجل من الثقات الذين رووا عن جعفر ع
ونقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان وانتشر ذكره في
البلدان ومع ذلك لم يعدوا مذهبهما ومذاهب سائر أئمة أهل البيت في عداد
مذاهب الفقهاء بل ولا سووهم على الأقل بمحمد بن الحسن الشيباني وأبي
يوسف وأمثالهم مع أنهم مفاتيح باب مدينة العلم ومن علماء العترة التي لا
يضل المتمسك بها، كما لا يضل المتمسك بكتاب الله تعالى بنص الرسول
ص وفي هذا من التحامل وقلة الإنصاف ما لا يحتاج إلى بيان: وقالوا
في علماء المذاهب الأربعة:
- وكلهم من رسول الله ملتمس * فيضا من البحر أو قطرا من النديم -
ولم يجعلوا أحدا من أئمة أهل البيت ملتمسا من علوم جده لا فيضا
من البحر ولا قطرا من الديم مع أن أباهم باب مدينة علم جدهم وهم
دخلوا تلك المدينة من ذلك الباب والتمسوا من ذلك البحر العباب.
وصور الشعراني في ميزانه عين الشريعة وجعل لها سواقي إلى كل من
الأئمة الأربعة وإلى الثوري وابن عيينة وابن جرير وعمر بن عبد العزيز
والأعمش والشعبي وأسحق وعائشة وابن عمر وابن مسعود وعطاء ومجاهد
والليث وداود فكل هؤلاء يستقي من عين الشريعة ولم يذكر أحدا من أئمة
أهل البيت كالسجاد والباقر والصادق والكاظم والرضا وغيرهم ولا أمهم
الزهراء البتول بضعة الرسول ص ولا ابن عباس حبر الأمة الذي قيل
فيه أنه يحفظ ثلثي علم رسول الله ص وجعلهم محرومين من عين شريعة
جدهم مطرودين عنها وهم أهلها وأحق بها من الثوري والأعمش وابن
عيينة وضرابهم، وهل كان السجاد يقصر عن الثوري والصادق عن أبي
حنيفة والباقر عن الشافعي والكاظم عن ابن حنبل والرضا عن مالك
والجواد عن ابن عيينة والهادي عن عمر بن عبد العزيز والعسكري عن
الأعمش والشعبي وأسحق واضرابهم والزهراء عن عائشة وابن عباس عن
ابن عمر وابن مسعود، فأي قلة انصاف وتحامل أشد من هذا مع أن
المنفلوطي في منامه الصادق لم ير هذه العين.
ومن التحامل على أمير المؤمنين ع انكار سبقه إلى الاسلام
وانفراده بسد الأبواب إلا بابه وعدم الاعتناء بمبيته على الفراش ليلة الغار
وعدم التنويه بذلك. ورواية ما يقتضي مشاركته في الفضائل التي انفرد
بها. مثل انا مدينة العلم وعلي بابها. ومثل أقضاكم علي فأضيف إليها
وأقرأكم زيد وتشريك غيره معه في الشجاعة فيقال كشجاعة علي وخالد
والتهوين من شجاعته وبلائه يوم بدر ومناظرة ذلك بالعريش وتطلب
الاعذار لمن نازعه وحاربه وسبه على المنابر بالاجتهاد وإنكار تفضيله على
جميع الصحابة تارة بالاجماع وأخرى بروايات مصادمة للبديهة وثالثة بتأويل
الفضل بأكثرية الثواب وحمل قصة براءة على عادات العرب التي جاء
الاسلام لمحوها إلى غير ذلك مما يجده المتتبع المنصف.
ومن التحامل على الزهراء ع تفضيل إحدى أمهات
المؤمنين عليها مع ما ورد إنها سيدة نساء العالمين.
ومن التحامل على السبطين ع رواية ما يعارض حديث
إنهما سيدا شباب أهل الجنة إلى غير ذلك.
ولسنا نريد بما ذكرناه استقصاء مواقع التحامل على أهل البيت ع
فان ذلك أمر يطول شرحه ولا تفي به هذه العجالة وإنما نريد ذكر
نموذج من ذلك.
(٣٥)

وإذا ساقت التقادير أحدا إلى الاعتراف ببعض هذه الحقائق ومزجه
بالتحامل على شيعتهم وأتباعهم وأساء القول فيهم ولم يتفطن إلى أن بغض
التابع نوع من بغض المتبوع وإن من أحب شخصا أحب محبه.
كلام لابن قتيبة يرتبط بالمقام
هذا عبد الله بن مسلم بن قتيبة الكاتب العالم الإمام المشهور أراد
الاعتراف بما وقع من التحامل العظيم على أمير المؤمنين علي ع
لكنه صدره بالتحامل العظيم على شيعته ومحبيه وأتباعه فافسد أكثر مما
أصلح وأساء أزيد مما أحسن. قال في كتاب الاختلاف في اللفظ والرد على
الجهمية والمشبهة المطبوع بمصر عام ١٣٤٩ ه‍ ص ٤٧ بعد ما ذم حالة
العلماء في عصره بما لا حاجة بنا إلى ذكره ما لفظه: وقد رأيت هؤلاء أيضا
حين رأوا غلو الرافضة في حب علي وتقديمه على من قدمه رسول الله ص
وصحابته عليه وادعاؤهم له شركة النبي ص في نبوته وعلم الغيب
للأئمة من ولده وتلك الأقاويل والأمور السرية التي جمعت إلى الكذب
والكفر إفراط الجهل والغباوة ورأوا شتمهم خيار السلف وبغضهم و تبرأهم
منهم قابلوا ذلك أيضا بالغلو في تأخير علي كرم الله وجهه وبخسه حقه
ولحنوا في القول وإن لم يصرحوا إلى ظلمه واعتدوا عليه بسفك الدماء بغير
حق ونسبوه إلى الممالأة على قتل عثمان رض وأخرجوه بجهلهم من أئمة
الهدى إلى جملة أئمة الفتن ولم يوجبوا له أسم الخلافة لاختلاف الناس عليه
وأوجبوها ليزيد بن معاوية لاجماع الناس عليه واتهموا من ذكره بخير وتحامى
كثير من المحدثين أن يحدثوا بفضائله كرم الله وجهه أو يظهروا ما يجب له
وكل تلك الأحاديث لها مخارج صحاح وجعلوا ابنه الحسين ع
خارجيا شاقا لعصا المسلمين حلال الدم لقول النبي ص: من خرج على
أمتي وهم جميع فاقتلوه كائنا من كان، وسووا بينه في الفضل وبين أهل
الشورى لأن عمر لو تبين له فضله لقدمه عليهم ولم يجعل الامر شورى
بينهم وأهملوا من ذكره أو روى حديثا من فضائله حتى تحامى كثير من
المحدثين أن يتحدثوا بها وعنوا بجمع فضائل عمرو بن العاص ومعاوية
كأنهما لا يريدونهما بذلك وإنما يريدونه. فان قال قائل: أخو رسول الله
ص علي وأبو سبطيه الحسن والحسين وأصحاب الكساء علي وفاطمة
والحسن والحسين تمعرت الوجوه وتنكرت العيون وطرت حسائك الصدور
وإن ذكر ذاكر قول النبي ص: من كنت مولاه فعلي مولاه. وأنت مني
بمنزلة هارون من موسى وأشباه هذا التمسوا لتلك الأحاديث الصحاح
المخارج لينقصوه ويبخسوه حقه بغضا منهم للرافضة وإلزاما لعلي ع
بسببهم ما لا يلزمه وهذا هو الجهل بعينه والسلامة لك ان لا تهلك
ببغضه وأن لا تحتمل ضغنا عليه بجناية غيره فان فعلت فأنت جاهل
مفرط في بغضه وإن تعرف له مكانه من رسول الله ص بالتربية والاخوة
والصهر والصبر في مجاهدة أعدائه وبذل مهجته في الحروب بين يديه مع
مكانه في العلم والدين والباس والفضل من غير أن تتجاوز به الموضع الذي
وضعه به خيار السلف لما تسمعه من كثير من فضائله فهم كانوا اعلم به
وبغيره ولأن ما اجمعوا عليه هو العيان الذي لا يشك فيه والأحاديث المنقولة
قد يدخلها تحريف وشوب ولو كان إكرامك لرسول الله ص هو الذي
دعاك إلى محبة من نازع عليا وحاربه ولعنه إذ صحب رسول الله ص
وخدمه وكنت قد سلكت في ذلك سبيل المستسلم لأنت بذلك في علي ع
أولى لسابقته وفضله وخاصته وقرابته والدناوة التي جعلها الله بينه
وبين رسول الله ص عند المباهلة حين قال الله تعالى فقل تعالوا ندع
أبناءنا وأبناءكم فدعا حسنا وحسينا، ونساءنا ونساءكم، فدعا فاطمة
ع وأنفسنا وأنفسكم فدعا عليا ع ومن أراد الله تبصيره
بصره ومن أراد به غير ذلك حيره انتهى كلام ابن قتيبة.
أقول: قد أنطق الله ابن قتيبة بالحق فيما ذكره من تحامل أصحابه
القبيح على أهل البيت الطاهر بما سمعت مع أنه معروف بالانحراف عن
أهل البيت ع، قال الفاضل الكوثري المعاصر في حاشية كتابه
المذكور انه في مؤلفاته السابقة يشف من ثنايا نقوله ما شجر بين الصحابة
الانحراف والنصب حتى أن الحافظ ابن حجر قال في حق حمل السلفي كلام
الحاكم فيه على المذهب ان مراد السلفي بالمذهب النصب فان في ابن قتيبة
انحرافا عن أهل البيت والحاكم على ضد من ذلك اه‍.
أما زعمه غلو الشيعة في حب علي وتقديمه الخ فلو أنصف لعلم انهم
ما زادوا في حبه على قوله ص لا يحبك إلا مؤمن. حبك حبي. وإنهم
ما قدموا إلا من قدمه الله ورسوله ص وأما صحابته فكانوا مختلفين ولله
در مهيار حيث يقول:
وكيف صيرتم الاجماع حجتكم * والناس ما اتفقوا يوما ولا اجتمعوا
أمر علي بعيد عن مشورته * مستكره فيه والعباس يمتنع
وتدعيه قريش بالقرابة * والأنصار لا رفع فيه ولا وضع
فأي خلف كخلف كان بينكم * لولا تلفق اخبار وتصطنع
وأما قوله وادعائهم له شركة النبي ص في نبوته فهو محض كذب
وافتراء وأما قوله وعلم الغيب للأئمة من ولده فان عنى ما قد يروى عنهم
في بعض الأخبار فهذا لا يزيد عما رواه القسطلاني في إرشاد الساري شرح
صحيح البخاري عن بعض الصحابة من إنه كان يقول كنت أحدث أي
تحدثه الملائكة حتى اكتويت ولا يعدون ذلك غلوا. وأما قوله وتلك
الأقاويل والأمور السرية الخ. فمن يسمع يخل لا أقاويل ولا أمور سرية
إلا التمسك بكتاب الله تعالى وسنة رسوله ص وأقوال أئمة أهل البيت
الطاهر ولكن العداوة وإفراط الجهل والغباوة والتعصب للباطل أدى إلى هذه
الافتراءات وأما قوله: التي جمعت إلى الكذب والكفر وإفراط الجهل
والغباوة، فاما الكذب: فالشيعة منزهون عنه ولم يرثوا من سلفهم كابي ذر
الذي ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء على ذي لهجة أصدق منه بنص
الرسول ص وإمامة جعفر الصادق الذي لقب بذلك لصدق حديثه
وسائر أئمة أهل البيت إلا الصدق لا ممن أقاموا أربعين شاهدا أو أكثر
يشهدون زورا لأم المؤمنين أن هذا ليس ماء الحوأب. وأما الكفر فقد قال
رسول الله ص من كفر مسلما فقد باء به أحدهما وكيف ينسب للكفر من
يشهد لله بالوحدانية ولنبيه ص بالرسالة وإن جميع ما جاء به من عند الله
حق فمن كفر مثل هذا فقد باء بالكفر بحكم الرسول ص وأما الجهل
والغباوة: فأحق بهما من لا يتحاشى عن التناقض في كلامه فيثبت لله تعالى
الرؤية والتجلي والعجب والنزول إلى السماء والاستواء على العرش والنفس
واليدين من غير كيفية أو حد كما صرح به في كتابه فإنه إن أراد المعاني
الحقيقية فهي ليست بدون كيفية أو حد وإن أراد معنى مجازيا فهو لم يثبت
هذه الأشياء أو غيرها. وأما قوله وشتمهم خيار السلف فحاش الله ان
يشتم الشيعة خيار السلف ولكننا نسأله عن تولية من نازع عليا وحاربه
ولعنه كما اعترف به في كلامه السابق وعلي من خير خيار السلف ما هو
(٣٦)

المبرر له؟ وهذا غيض من فيض وقليل من كثير لا يتسع مجال لاستقصائه.
البحث السادس
كثرت الافتراءات على الشيعة ورميهم بسئ القول ونسبتهم إلى
الكذب والابتداع بل أعظم من ذلك وإذا ذكرهم مؤلف من غيرهم فقلما
يذكرهم إلا بأوصاف الذم والألقاب المستكرهة مع الاطلاق والتعميم.
وإذا بحثنا عن السبب الحقيقي في ذلك وخلعنا ربقة التعصب والتقليد
وجدناه يرجع إلى أمر واحد وهو ما يسمونه في هذا العصر بالسياسة ونحن
نريد أن نبحث عن ذلك بحثا دقيقا ونشرحه شرحا مفصلا لا يبقى معه
شك ولا ريب فنقول: لا يشك من نظر في التاريخ وتأمله بغير البصيرة وأنعم
النظر في الآثار والاخبار وجرد نفسه عن شوائب التقليد إنه لما جاء الاسلام
كان في مبدأ امره ضعيفا وأتباعه ضعفاء وإن أكثر العرب ومن رؤسائها
البارزين قريش تألبت ضد الاسلام وضد النبي الذي جاء به وحاربته
وقاومته جهدها لأنه سفه احلامها وأهان أصنامها وسب آلهتها ولم تدع وسيلة
لمقاومته إلا استعملتها حتى ظهر أمر الله وهم كارهون. وكان علي بن أبي
طالب قطب رحى هذه الحروب وكشاف داجية تلك الخطوب حتى قام
الاسلام وتوطدت أركانه بسيفه وقتل صناديد المشركين ووتر القبائل
فامتلأت بالحسد له والعداوة له القلوب وإذا قلنا إن العصر الأول كان خاليا
من العداوة والبغضاء والحسد لأنه خير القرون كما يقولون وخالفنا المحسوس
فلا يمكننا أن نقول ذلك في العصر الأموي والعباسي عصر الملك
العضوض. وكان علي أول من آمن برسول الله ص ومع ذلك كان ابن
عمه وربي في حجره وأوصاه أبوه أبو طالب بنصره وكان ينيمه في حصار
الشعب في فراشه فنشأ على حب الرسول ونصره وبالغ في نصر الاسلام مع
ما أوتيه من قوة وشجاعة فائقة وصبر وجلد وبات ليلة الهجرة وهي ليلة
الغار على فراشه وفداه بنفسه وأوصاه بأداء أماناته وحمل الفواطم إليه بالمدينة
ولما هاجر بالفواطم ولحقه الفوارس الثمانية ليردوه فحاربهم راجلا وقتل
مقدمهم وعاد الباقون عنه اشتهر ذلك منه وبدأت هيبته تقع في النفوس. ولما
فعل يوم بدر ما فعل وقتل من قتل إزداد شهرة وتسامعت به العرب وعظم
محله في النفوس. ولما كانت وقعة أحد وانهزم الناس عن النبي ص
وثبت هو وأبلى بلاء عظيما وقتل حملة اللواء وحامى عن رسول الله ص
وواساه بنفسه ازدادت شهرته وعظم محله وتحدثت العرب بشجاعته. ولما
كانت وقعة الخندق وقتل عمرو بن عبد ود بعد ما جبن عنه الناس بلغ درجة
عالية من الشهرة والعظمة في نفوس الناس ولما قتل مرحبا يوم خيبر واقتلع
باب الحصن وتترس به وفعل ما فعل يوم حنين بلغ أعلى درجات الشهرة
بالشجاعة والعظمة وتأسس الحسد له في النفوس مع الشهرة فكان ينمو
بنموها ويزداد بزيادتها وتأسست البغضاء له في نفوس جماعة ممن دخلوا في
الاسلام كرها بما قتله من آبائهم وأبنائهم وعشائرهم في هذه الوقائع.
وانضاف إلى ذلك ما كان يقوله النبي ص في حقه تنويها بشأنه كقوله
أنت مني بمنزلة هارون من موسى، علي مني وأنا من علي، علي مني بمنزلة
الذراع من العضد. علي مني بمنزلة الصنو: علي مع الحق والحق مع علي
يدور معه كيفما دار، وما كان من حديث الطائر المشوي وإرساله بسورة
براءة إلى مكة. ومؤاخاته له حين آخى بين أصحابه وما كان منه في حقه
يوم الغدير وإيصائه إليه بقضاء دينه وجميع أموره حتى كان يعرف بالوصي
سواء أ كان أوصى إليه بالخلافة كما تقوله الشيعة أم لا وتزويجه بكريمته
وأفضل بناته وأحبهن إليه وسيدة نساء العالمين ومنعها من غيره ممن خطبها
وقوله ما أنا زوجته إياها بل الله أمرني بذلك أو ما هذا معناه إلى غير ذلك مما
هو معروف مشهور فازداد نمو بذر الحسد والكراهة له في النفوس مما جبلت
عليه طبائع البشر. والقول بان الأمة المحمدية خالفت نظام الكون فلم
يكن بينها منافسة ولا محاسدة وكانت كلها على التالف والتصافي مخالف
للحس والوجدان بما هو غني عن البيان ومناف لما تواترت به الاخبار وقضى
به الاعتبار، وما أحسن ما قاله بديع الزمان الهمذاني من كتاب له إلى
شيخه أحمد بن فارس، نقله في معاهد التنصيص، قال والشيخ يقول قد
فسد الزمان أ فلا يقول متى كان صالحا؟ أ في الدولة العباسية فقد رأينا آخرها
وسمعنا بأولها أم في الدولة المروانية؟ وفي أخبارها لا تكسع الشول باغبارها
أم السنين الحربية:
- والسيف يغمد في الطلى * والرمح يركز في الكلأ -
- ومبيت حجر في الفلا * والحرتين وكربلا -
أم البيعة الهاشمية؟ والعشرة براس من بني فراس أم الأيام الأموية؟
والنفير إلى الحجاز والعيون إلى الاعجاز، أم الامارة العدوية؟ وصاحبها
يقول: وهل بعد النزول إلا النزول أم الخلافة التيمية؟ وصاحبها يقول:
طوبى لمن مات في نأنأة الاسلام، أم على عهد الرسالة؟ ويوم الفتح قيل
اسكتي يا فلانة فقد ذهبت الأمانة، أم في الجاهلية ولبيد يقول: في خلف
كجلد الأجرب أم قبل ذلك؟ وأخو عاد يقول:
- بلاد بها كنا وكنا نحبها * إذ الناس ناس والزمان زمان -
أم قبل ذلك ويروى عن آدم ع: تغيرت البلاد ومن
عليها أم قبل ذلك وقد قالت الملائكة أ تجعل فيها من يفسد فيها ويسفك
الدماء. ما فسد الناس إنما اطرد القياس ولا أظلمت الأيام انما امتد الظلام
وهل يفسد الشئ إلا عن صلاح ويمسي المرء إلا من صباح اه‍.
ولما توفي النبي ص واختلف الناس في أمر الخلافة بما هو معروف
مشهور أخر علي ع عنها وكان يرى نفسه أحق بها وأتباعه وعشيرته يرون
ذلك سواء أ قلنا أنه منصوص عليه كما تقوله الشيعة أم لا فإنه كان فيه من
الصفات ما يؤهله أن يرى نفسه ويراه أتباعه كذلك، وتلا ذلك امتناعه من
البيعة مدة والخلاف بين الخليفة والزهراء في أمر فدك وانتهاء الأمر بمنعها منه
ثم دفن علي لها سرا بوصية منها. وأعقبه تنحيه أو تنحيته عن أمور المسلمين
العامة مثل الامارة والجهاد مع أنه فارس العرب وفارس المسلمين ومؤسس
الاسلام بسيفه فهل جهل ما كان يعلمه من فضل الجهاد أو جبن بعد
الشجاعة كلا وهذه شجاعته يوم الجمل وصفين والنهروان تضرب بها
الأمثال كل ذلك يدلنا على أنه كان هناك شئ لا سبيل لمنكر إلى إنكاره ثم
أعقب ذلك العهد بالخلافة إلى غيره وتلاه أمر الشورى وجعلها بين ستة كان
علي يرى نفسه خيرهم وانتهت الشورى باسناد الخلافة إلى غيره بطريق
رسمي محكم كان علي يرى نفسه فيه مهضوم الحق لا سيما بعد أن كان
القانون الذي سن الشورى هو في جانب غيره أقوى منه في جانبه وهو
الأخذ بأكثرية الآراء ومع التساوي بالجانب الذي فيه عبد الرحمن بن عوف
مع العلم بان الأكثرية لن تكون في جانب علي وإن عبد الرحمن من
خصومه. ولسنا نريد بما تقدم توجيه لوم أو نقد إلى أحد فالله تعالى أعلم
بالسرائر ولكنا نريد أن ننبه على حقيقة راهنة ومقدمات نصل منها إلى نتيجة
ملموسة. ثم حصلت الفتن وقتل الخليفة الثالث وبويع علي ونجم من قتل
(٣٧)

الخليفة من الفتن ما ليس بخاف على أحد واستغل قوم قتل الخليفة لنقض
بيعة علي فألصقوا به قتله وحصلت حرب الجمل وحرب صفين وأوغرت
الصدور وثار ثائر الأضغان وانتهى حرب صفين بالتحكيم وفعل الحكمان ما
هو معروف مما زاد إيغار الصدور والنفرة من بني أمية واتساع شقة الخلاف
بين المسلمين وسن معاوية سب علي على المنابر في الأعياد والجمعات وبقي
ذلك مدة ملك بني أمية إلا في عهد عمر بن عبد العزيز ورويت الروايات
المكذوبة وبذلت عليها الأموال الجليلة كما مر في البحث الثالث وحدثت فتنة
الخوارج وقتل علي وبويع الحسن ع وحورب فخانه من خانه
فاضطر إلى الصلح الذي لم يوف له بشئ من شروطه ثم مات مسموما
بدسيسة خصمه ليبايع لابنه وولى زيادا العراق فظلم شيعة أهل البيت
وقتلهم وتلا ذلك قتل الحسين ع من قبل يزيد وحمل ذريته ونسائه
كالسبايا مما أثار الحفائظ على بني أمية زيادة على ذي قبل واستمرت الخلافة
في الأمويين ونحي عنها الهاشميون مع أنهم يرون أنفسهم ويراهم الناس
أحق بها وصدر من يزيد التهتك في الدين مما أوجب وقعة الحرة واستباحة
المدينة ثلاثا من عسكر الشام وقتل من لم يبايع على أنه عبد رق ليزيد
فازدادت نفرة الناس من بني أمية وميلهم لبني هاشم وقام في الحجاز ابن
الزبير وأساء إلى العلويين وقام التوابون يطلبون بثار الحسين ع فقتلوا
وتلاهم المختار فملك الكوفة وقتل قتلة الحسين ع وقتل ابن زياد بيد ابن
الأشتر وصدرت قبائح اخر من ملوك بني أمية مثل ما صدر من يزيد
صاحب حبابة ومثل قتلهم لمن فتح لهم الأندلس وإلقاء رأسه في حجر أبيه
وتسليطهم الحجاج على أهل العراق وإسرافه في سفك الدماء وإحراقه
الكعبة المشرفة إلى غير ذلك مما حفظه التاريخ وكان علي وذريته في كل هذه
الأدوار محافظين على نواميس الشرع والعدل والاحسان حتى إلى أعدائهم
وعلى الزهد والورع فمالت الناس إليهم إلا حسودا أو معاندا ومالت عن
سواهم فخافهم ملوك وقتهم على ملكهم فبالغوا في إقصائهم وإيصال الأذى
إليهم وإلى أتباعهم وجاءت الدولة العباسية فكانت الحال فيها مثلها في
أشد خوفا من العلويين على ملكهم من الأمويين فبنوا على ما
أسسه الأمويون وزادوا وبالغوا في عداوة أهل البيت وسجنوا بعضهم
وقتلوه بالسم وشردوهم عن أوطانهم مرارا وتهددوهم بالقتل وجاءوا
بهم من الحجاز إلى العراق وأسكنوهم سامراء خوفا منهم وجعلوا
عليهم الجواسيس والرقباء ونفروا الناس منهم ومن شيعتهم ما استطاعوا
ونصروا المذاهب المخالفة لمذهبهم وأخافوا المنتسبين إليهم فاضطر
من ينتسب إليهم إلى كتمان مذهبه واستخدموا الدين في تنفيذ سياستهم
وأثار الأمويون والعباسيون ثائر التعصبات الدينية بين المسلمين ليستغلوها
وعظموا بين الناس القول بتقديم علي في الخلافة وساعدهم على ذلك
العلماء الطالبون للدنيا فبذلوا لهم الأموال ورووا لهم فيه الأحاديث
المختلفة خصوصا في أول عهد الأمويين كما سبق ميلا إلى
الدنيا والناس على دين ملوكهم وجعلوا القول بذلك موبقة وفسوقا وجاء من
بعدهم ممن لم يعلموا حقيقة الحال فرأوا أحاديث مروية وفتاوى منقولة
فاحسنوا الظن برواتها ونقلتها فأودعوها الكتب وجاء اللاحق فوجدها مودعة
في كتب تنسب لعظماء الرجال فلم يستطع إلا قبولها فانتشرت بين الناس
وتداولها الخاصة وعلموها العامة و تحدثوا بها في مجتمعاتهم وأملوها في حلقات
دروسهم ومضت على ذلك الأعوام والأحقاب وتناولته السنة العامة والخاصة
وزاد العوام فيه وبعض الخواص موافقة لهوى العامة سخافات كثيرة لا يليق
ذكرها حتى أصبح ذلك عقيدة راسخة وحتى تربى الناس على عداوة شيعة
أهل البيت ورأوها دينا غير ملتفتين إلى أن أساس ذلك السياسة من الملوك
للخوف على ملكهم، والتقليد أمر قريب إلى طباع البشر أنكر بسببه الخالق
وعبدت الأحجار والأشجار وكانت حجج أمم الأنبياء على الرسل قولهم:
إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون. أ تنهانا عما كان يعبد
آباؤنا. وغير ذلك مما حكي عنهم في القرآن الكريم وكلهم أصحاب عقول
وألباب ولكن التقليد داء عضال، وساعد على ذلك خلو جملة من الأقطار
من الشيعة المحامين عن جوزتهم أو قلتهم وعدم تمكنهم من المجاهرة
بحجتهم ومبادرة خصومهم إلى التكفير والأذى وسوء القول فقالوا في
خلواتهم وجلواتهم ما شاؤوا وامنوا عادية من يرد عليهم إلا قليلا خصوصا
إن كان السيف والسلطان في يدهم، والمطالع للكتب يرى من ذلك شيئا
غير قليل. كل ذلك يوصلنا إلى نتيجة ملموسة هي أن السياسة وخوف
الملوك الحاملين لقب امارة المؤمنين على ملكهم من أهل البيت
بعث على التنفير منهم ومن أتباعهم ورمي أتباعهم بالعظائم وهجر
مذهبهم حتى انتشر ذلك في الناس وأصبح عقيدة راسخة ومع
ذلك فلم يقصر علماء الشيعة في كل عصر وزمان في رد الشبهات عن
مذهبهم والدفاع عن حوزتهم بالقلب واللسان وكتبهم في ذلك ومباحثاتهم
تنبو عن الحصر ومناظرات هشام بن الحكم ومؤمن الطاق في عصر
الرشيد ومناظرات علي بن ميثم وابن قبة والمفيد لشيوخ المعتزلة في
بغداد مشهورة معروفة وغيرهم مما لا يحصى والشافي للمرتضى وكتب
العلامة الحلي والبحار المغرقة للصواعق المحرقة وغيرها كثيرة حتى أنه يوجد
في أشعار شعرائهم أمثال الكميت والسيد الحميري وأبي تمام الطائي
والعبدي وأبي فراس الحمداني ومهيار الديلمي والصفي الحلي وغيرهم
الشئ الكثير من ذلك. وقد استمر ذلك الذي ذكرناه إلى هذا العصر بل
زاد عن الأعصار السالفة التي كانت علماؤها أوسع اطلاعا وأغزر علما مع
أن هذا العصر قد كثرت فيه المطبوعات وانتشرت الكتب وأمكن لكل أحد
معرفة العقائد بحقائقها ومع ذلك فما رسخ في الأذهان ونشر في الكتب يصد
الكثيرين عن النظر بعين الإنصاف ومعرفة الحقائق كما هي حتى أن بعض
من ينسب إلى العلم قام في بعض المدن السورية هذه الأيام بدعاية ضد
الشيعة ونسب إليهم أمورا لا صحة لها ولقنها تلاميذه وجعلوا يبثونها بين
عوام الناس مما ساء عقلاء المسلمين ورواد الاصلاح منهم وكادت أن تقع
بسبب ذلك الفتن لولا أن تداركها العقلاء، هذا والبلاد تحت النفوذ
الأجنبي ولا يملك المسلمون من أمرهم شيئا. ولا نزال نسمع ونقرأ في
كتب بعض الإخوان المصريين الباحثين من أهل العصر أمثال الرافعي وأحمد
أمين وغيرهما ألفاظ الذم والنقد والرمي بالعظائم في حق الشيعة بدون
مسوع ولا مبرر بل تقليدا لما قرأوه وسمعوه ورسخ في أذهانهم وتشويها
لوجه التاريخ وسنشير إلى بعضه في آخر البحث فظهر لك أن ما يقال عن
الشيعة من النسب الباطلة ليس سببه إلا السياسة.
وإذا كانت السياسة هي التي شتتت كلمة المسلمين في الأزمنة السالفة
فلتكن السياسة اليوم حاملة للمسلمين على جمع الكلمة والانضمام
والاتحاد، ولكن غفلة الكثيرين عن أن هذه المنابذة كان أصلها السياسة
وظنهم أن ذلك من الدين لما نشأوا وتربوا عليه يصدهم عن معرفة الحقيقة
ونبذ التقليد ونرجو أن يكون بياننا هذا نبراسا لهم إلى معرفة الصواب.
والذي يدلنا على أن المنابذة للشيعة أصلها السياسة وأن الدين
(٣٨)

الاسلامي منها برئ إننا إذا رجعنا إلى مبدأ الدعوة الاسلامية التي قام بها
نبينا محمد ص وجدنا أنه كان يقبل في الاسلام إظهار الشهادتين
والالتزام بالصلاة والصيام وسائر ضروريات الاسلام بل كان يقبل ذلك من
قوم أظهروا الشهادتين والسيف على رؤوسهم فقبله من المغيرة بن شعبة وقد
قتل رجلا بمكة وهرب إلى النبي ص وأظهر الاسلام وقبله من مسلمة
الفتح وقد أسلموا والجيش الاسلامي متسلط عليهم مع عدم قدرتهم على
المقاومة وعلمهم بأنهم إن لم يسلموا قتلوا وقتل رجل من أصحابه في بعض
الحروب مشركا أظهر الاسلام فلامه على ذلك فاعتذر بأنه إنما أظهره
والسيف على رأسه فقال له ما معناه: هلا شققت عن قلبه، والحاصل أن
الاكتفاء باظهار الشهادتين والالتزام بضروريات الدين مما لا ريب فيه،
وبهذه المساهلة ظهر الاسلام وانتشر. ولم نجد في الآثار والأخبار ولا في متن
الدين وحواشيه أنه ص كان يشترط في الاسلام الاعتقاد في أصحابه
ودرجات فضلهم ومنزلتهم والاعتقاد بخلق القرآن وعدم خلقه وبالكلام
النفسي وخلق الأفعال ورؤية الباري تعالى يوم القيامة وعينية الصفات
وعدمها وغير ذلك أو أن النبي ص أخرج أحدا من ربقة الاسلام بسبب
شئ من ذلك ولو كان لنقل لتوفر الدواعي إليه وإنما هذا شئ حدث بعد
ذلك في الدولتين الأموية والعباسية وكان الباعث عليه السياسة لا غير،
والأخبار التي تروى في هذا الباب وضعها من لا حريجة له في الدين تقربا
إلى الملوك والأمراء وتلقاها بالقبول من لم يعلم حقيقتها أو حمله رسوخ
التقليد في نفسه على عدم انعام النظر في صحتها وبطلانها.
وإذا وصلنا إلى هنا فلننظر ولندقق في عقائد الشيعة الإمامية الاثني
عشرية.
خلاصة عقيدة الشيعة الجعفرية
الاثني عشرية
الشيعة الإمامية الجعفرية الاثنا عشرية يشهدون أن لا إله إلا الله وأنه
واحد أحد فرد صمد لم يلد ولم يولد وإنه متصف بجميع صفات الكمال منزه
عن جميع صفات النقص وإنه ليس كمثله شئ وإن محمدا رسول الله
ص جاء بالحق من عنده وصدق المرسلين. ويوجبون معرفة ذلك
بالدليل والبرهان ولا يكتفون بالتقليد. ويؤمنون بجميع أنبياء الله ورسله
وبجميع ما جاء به من عند ربه. أ فهؤلاء أقل في إسلامهم وإيمانهم من
المغيرة بن شعبة الذي أسلم خوفا من القتل وممن أسلم والسيف
على رأسه؟ ويقولون أن عليا وولده الأحد عشر أحق الخلافة
من كل أحد وأنهم أفضل الخلق بعد رسول الله ص وإن فاطمة
الزهراء سيدة نساء العالمين، فان كانوا مصيبين في ذلك وإلا لم يوجب
قولهم هذا كفرا ولا فسقا لا سيما أن إمامة شخص بعينه ليست من
أصول الاسلام بالاتفاق من الشيعة وغيرهم أما غيرهم فواضح لأنهم
لا يوجبون إمامة شخص بعينه وإنما يوجبون أصل الإمامة ويحصرونها
في قريش وأما الشيعة فإنهم وأن أوجبوا إمامة الأئمة الاثني عشر لكن منكر
إمامتهم عندهم ليس بخارج عن الاسلام وتجري عليه جميع أحكامه.
ويقولون بوجوب أخذ أحكام الدين من كتاب الله بعد معرفة ناسخه من
منسوخه وعامه من خاصه ومطلقه من مقيده ومحكمه من متشابهه وما ثبت
من سنة رسول الله ص بالتواتر أو رواية الثقات ومذاهب الأئمة الاثني
عشر أو أقوال المجتهدين الثقات الأحياء، وهذا على فرض خطئهم فيه لا
يوجب الخروج عن الاسلام، ويقولون بعصمة الأئمة الاثني عشر وسواء
أخطأوا في ذلك أم أصابوا فهو لا يوجب كفرا ولا خروجا عن الاسلام.
ويقولون أن كل من شك في وجود الباري تعالى أو وحدانيته أو في نبوة النبي
ص أو جعل له شريكا في النبوة فهو خارج عن دين الاسلام وكل من
غالى في أحد من الناس من أهل البيت أو غيرهم وأخرجه عن درجة
العبودية لله تعالى أو أثبت له نبوة أو مشاركة فيها أو شيئا من صفات الإلهية
فهو خارج عن ربقة الاسلام. ويبرأون من جميع الغلاة والمفوضة
وأمثالهم.
وعمدة ما ينقمه غير الشيعة عليهم دعوى القدح في السلف أو أحد
ممن يطلق عليه اسم الصحابي. والشيعة يقولون أن احترام أصحاب نبينا
ص من احترام نبينا فنحن نحترمهم جميعا لاحترامه وذلك لا يمنعنا من
القول بتفاوت درجاتهم وأن عليا ع أحق بالخلافة من جميعهم وأن
بعضهم قد أخطأ:
وأنتم تقولون: أن بعضهم وإن شهر السيف في وجه البعض وقتل
بعضهم بعضا وسب بعضهم بعضا وبغى بعضهم على بعض، فكلهم
مجتهدون معذورون والقاتل والمقتول والظالم والمظلوم والباغي والمبغي عليه
كلهم في الجنة وللمصيب منهم اجران وللمخطئ أجر واحد. ونحن
نقول: أمرهم إلى ربهم العالم بسرهم وجهرهم، وعلينا أن نحترمهم
احتراما لنبينا ص وليسعنا من العذر في قولنا بتفاوت درجاتهم وتقديمنا
عليا عليهم في استحقاق الخلافة ما وسعهم من العذر في شهر بعضهم
السيف في وجوه بعض وقتل بعضهم بعضا وسب بعضهم بعضا وبغي
بعضهم على بعض، وإذا ساع لهم الاجتهاد في ذلك ساع لنا، فاحكام الله
في الناس واحدة وشرائعه عادلة ورحمته واسعة تسع الجميع ولا تسع قوما
وتضيق عن آخرين فان أصبنا فيما قلناه فلنا أجران وإن أخطأنا فلنا أجر
واحد والمخطئ والمصيب منا ومنكم في الجنة، ولا يسوع في قانون العدل
وأحكام العقل أن يفتح الله باب الاجتهاد للسلف على مصراعيه يستحلون
به سفك الدماء وقتل النفوس ونهب الأموال ويكونون بذلك مأجورين
ويغلقه في وجوه غيرهم فلا يفتح لهم منه ولو مثل سم الخياط، إن هذا
مناف لعدله وشمول فضله وإنه ليس لأحد عنده هوادة.
فبأن إنه لا مساع لتضليل الشيعة وإخراجهم عن ربقة الاسلام من
هذه الجهة وهي أهم ما في الباب إلا إذا تمسكنا بذيل التقليد للآباء
والأجداد وعرفنا الأقوال بالرجال وهذا مما نهانا عنه الله ورسوله وعقولنا.
وتعتقد الشيعة بالبعث والحساب والجنة والنار والصراط والميزان وكل
ما أخبر به الصادق الأمين ص أما فروع الدين وواجباته ومحرماته التي
هي من الضروريات فكلنا فيها شرع سواء وكلنا نؤمن بكتاب واحد لا
يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ونصلي
مستقبلين الكعبة ونقول بوجوب خمس صلوات باعداد ركعاتها: الظهر
وتقوم مقامها الجمعة إذا صليت صحيحة جامعة للشرائط والعصر والمغرب
والعشاء والصبح، وبوجوب الوضوء لها والغسل من الجنابة والنفاس
والحيض ويقوم مقامهما التيمم عند عدم وجود الماء وبوجوب الحج إلى بيت
الله الحرام من استطاع إليه سبيلا وبوجوب الزكاة بشروطها المقررة وبوجوب
صوم شهر رمضان ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر، إلى
غير ذلك من الواجبات والمحرمات الثابتة بضرورة الدين. وتقول الشيعة
بوجوب الزكاة في الأنعام الثلاث الإبل والبقر والغنم وفي النقدين الذهب
(٣٩)

والفضة وفي الغلات الأربع الحنطة والشعير والتمر والزبيب كل ذلك
بشروطها المذكورة في محلها وبوجوب الجهاد لحفظ بيضة الاسلام وبوجوب
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والبر بالوالدين وصلة الأرحام وأداء الأمانة
وبحرمة الزنا واللواط وشرب الخمر والغيبة والنميمة وقذف المحصنات
ونكاح المحارم وتزوج ما زاد عن أربع نسوة وشهادة الزور وأكل المال
بالباطل وإيذاء الناس وتعطيل الحدود وأكل الميتة والدم ولحم الخنزير وعقوق
الوالدين وقطيعة الرحم وأكل مال اليتيم والغش والخيانة والكذب والظلم
وأخذ الربا والقول على الله بغير علم والتنابز بالألقاب وغير ذلك من
الواجبات والمحرمات التي ثبتت في دين الاسلام.
فبما ذا تضللوننا أيها الإخوان وتعادوننا وتنابذوننا وتنابزوننا بالألقاب؟
أ لم تسمعوا قوله ص: من كفر مسلما فقد باء به أحدهما.
فهل أنكرنا الخالق أو جعلنا له شريكا أو عبدنا غير الله أو وصفناه
بغير ما يجب أن يوصف به أو أنكرنا رسول الله ص أو عصمته أو أنكرنا
شيئا من ضروريات الدين الثابتة عند جميع المسلمين؟ أ ليس إلهنا وإلهكم
واحدا وكتابنا واحدا وقبلتنا واحدة وصلاتنا وحجنا إلى كعبة واحدة
وصومنا في شهر واحد وصلاتنا واحدة وواجباتنا واحدة ومحرماتنا واحدة؟
وإذا جاز لكم أن تجتهدوا في صحة المسح على الخفين وهو غير
مذكور في القرآن جاز لنا أن نجتهد في صحة المسح على الرجلين مع
اعتقادنا أنه مذكور في القرآن، فهل تعبدون الله ونحن نعبد الأصنام،
وهل نبيكم محمد ونبينا شعيب، وكتابكم القرآن وكتابنا التوراة،
وصلواتكم خمس وصلواتنا ست، وقبلتكم الكعبة وقبلتنا بيت المقدس،
وحجكم إلى مكة وحجنا إلى عكا، وصلاة الظهر والعصر والعشاء عندكم
أربع وعندنا خمس أو ثلاث، وصلاة المغرب عندكم ثلاث وعندنا أربع أو
اثنان، وصلاة الصبح عندكم اثنان وعندنا واحدة أو ثلاث، وهل صومكم
في شهر رمضان وصومنا في شعبان؟! كلا والله لسنا كذلك ولكننا داخلون
في قوله تعالى: إنما المؤمنين أخوة وقوله ص: المؤمن أخو المؤمن.
المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا.
نسأله تعالى أن يلهم المسلمين ما فيه الائتلاف والاتحاد لا سيما في هذه
الأعصار العصبية عليهم وهو ولي التوفيق.
وأعلم أننا لو أردنا استقصاء الافتراءات على الشيعة والسخافات التي
قيلت عنهم بغير صحة وما عيب به عليهم وما خطئوا به بغير حق ورد
عليهم بالباطل وبيان الصواب فيه وقلة إنصاف الخصم وتهجمه على ما لا
يحل له لخرجنا عن موضوع هذه المقدمة واحتجنا إلى عدة مجلدات لكننا لا
نخلي هذه المقدمة من التعرض لشئ من ذلك ورده ليكون نموذجا لما أشرنا
إليه وشاهد صدق على ما قلناه.
كلام ابن حزم في حق الشيعة
وأمامنا الآن الجزء الثالث من كتاب ابن حزم المسمى بالفصل في
الملل والنحل المطبوع بمصر وقد وجدنا فيه من الكذب والافتراء على الشيعة
ومصادمة الحقائق بالانكار وإظهار النصب والعداوة لأهل البيت وشيعتهم
وأتباعهم وإطلاق لسانه بالسوء ما تقشعر منه الأبدان فاكتفينا بايراد شئ
من ذلك وتفنيده، لأن استقصاء سخافاته كلها وتفنيدها يطول به الكلام
وأكثرها واضحة البطلان. وإذا كان ابن حزم من أصل أموي فلا يستنكر
منه نصب العداوة لأهل البيت وشيعتهم، وقد أوضح ابن خلكان حال ابن
حزم بقوله في حقه: كان ابن حزم كثير الوقوع في العلماء المتقدمين لا يكاد
يسلم أحد من لسانه فنفرت عنه القلوب واستهدف لفقهاء وقته فتمالأوا
على بغضه وردوا قوله وأجمعوا على تضليله وشنعوا عليه وحذروا سلاطينهم
من فتنته ونهوا عوامهم عن الدنو إليه والأخذ عنه، وفيه قال أبو العباس بن
العريف كان لسان ابن حزم وسيف الحجاج شقيقين وإنما قال ذلك لكثرة
وقوعه في الأئمة اه فإذا كانت حال ابن حزم مع أهل مذهبه وحالهم
معه هكذا فما ظنك بالشيعة والله يجزي كلا بعمله. وأتبعناه بشئ مما صدر
من بعض أهل العصر ممن يدعي الفضل واستنارة الفكر مما هو من هذا
البحر وعلى هذه القافية وبالله نستعين.
وقع نظرنا صدفة في الجزء المذكور على قوله: قال أبو محمد جميع فرق
أهل القبلة ليس منهم أحد يجيز امامة امرأة ولا إمامة صبي لم يبلغ إلا
الرافضة فإنها تجيز إمامة الصغير الذي لم يبلغ والحمل وهذا خطا لأن من لم
يبلغ فهو غير مخاطب والامام مخاطب بإقامة الدين اه‍.
وفات أبا محمد قوله تعالى في حق يحيى ع: وآتيناه
الحكم صبيا وما سواه كذب وافتراء، وقال تحت عنوان شنع الشيعة:
إن أهل الشنع من هذه الفرقة ثلاث طوائف: الجارودية من الزيدية ثم
الامامية من الرافضة ثم الغالية، فالجارودية قالت طائفة منهم أن محمد بن
عبد الله بن الحسن حي لا يموت يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا إلى أن
قال وقالت الكيسانية أصحاب المختار وهم شعبة من الزيدية مثل ذلك في
محمد بن الحنفية وإنه بجبال رضوى وقال بعض الروافض الامامية مثل ذلك
في موسى بن جعفر وهي الفرقة التي تدعى الممطورة وقالت الناووسية
أصحاب ناووس المصري مثل ذلك في جعفر بن محمد وقالت السبائية
أصحاب عبد الله بن سبا الحميري اليهودي مثل ذلك في علي بن أبي طالب
وزادوا انه في السحاب إلى أن قال: وإذا سئلوا عن الحجة قالوا الالهام
وإن من خالفنا ليس لرشده إلى أن قال: والقوم بالجملة ذوو أديان
فاسدة وعقول مدخولة وعديمو حياء ونعوذ بالله من الضلال.
ونقول من الظلم الفاحش وعدم الإنصاف وقصد التشنيع بالباطل
حشر السبائية وطوائف الغلاة مع الشيعة الإمامية الاثني عشرية وهم
يبرؤون من السبائية ومن كل غال ويضللونهم ويكفرونهم ثم إن السبائية
يقولون بإلهية علي ع فعدهم مع الإمامية وتشبيههم بهم لا معنى له
ولا يقصد به غير التشنيع بالباطل فهل يتصور ظلم واجتراء على الله وقلة
مبالاة بالدين أعظم من هذا. ثم إن جعله الكيسانية القائلين بامامة
محمد بن الحنفية شعبة من الزيدية القائلين بامامة المتأخر عن ابن الحنفية
جهل منه.
ومن عظيمات ابن حزم المهلكة افتراؤه على الشيعة بأنهم إذا سئلوا
عن الحجة قالوا الالهام وإن من خالفنا ليس لرشده، فمتى قالت الشيعة
ذلك وفي أي كتاب وجده ابن حزم ومن رواه له؟! سبحانك اللهم هذا
بهتان عظيم، وما يدعو الشيعة إلى هذه السخافة وفيهم المتكلمون والنظارون
باعتراف ابن حزم وعندهم الحجج البالغة ولهم البراهين الدامغة التي لا
يستطيع ابن حزم ولا غيره الوقوف امامها وفيهم أمثال ابن قبة والمفيد
والمرتضى والعلامة الحلي وغيرهم وكتبهم مطبوعة مشهورة مثل الشافي في
الإمامة للمرتضى ومختصره وكتب المفيد والعلامة وغيرها فهل يستطيع ابن
(٤٠)

حزم أو غيره أن يجد في شئ منها ان الشيعة الإمامية تستدل بالالهام وهي
التي سنت للناس طرق النظر والاستدلال فهذه الفرية السخيفة قد أظهرت
ان ابن حزم عديم الحياء مدخول العقل لا الشيعة.
أما قوله: ذوو أديان فاسدة فكيف يكون فاسد الدين من دخل
مدينة العلم من بابها وائتم بمن هو مع الحق والحق معه يدور معه كيفما دار
وأخذ معالم دينه عن أهل بيت نبيه الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم
تطهيرا والذين أمر الرسول ص باتباعهم والاقتداء بهم وجعلهم بمنزلة
القرآن لا يضل المتمسك به ولا بهم وبمنزلة باب حطة في بني إسرائيل من
دخله كان آمنا وبمنزلة سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها هوى، لا
بالمقاييس والاستحسانات وآراء الرجال.
ثم قال وذكر عمرو بن بحر الجاحظ وهو وإن كان أحد المجان ومن
غلب عليه الهزل وأحد الضلال المضلين لأنه معتزلي فانا ما رأينا له في
كتبه تعمد كذبة وإن كان كثير الإيراد لكذب غيره قال اخبرني إبراهيم
النظام وبشر بن خالد أنهما قالا لمحمد بن جعفر الرافضي المعروف بشيطان
الطاق ويحك أ ما استحيت من الله إن تقول في كتابك في الإمامة إن الله لم
يقل قط في القرآن ثاني اثنين إذ هما في الغار الآية فضحك والله ضحكا
طويلا كانا نحن الذين أذنبنا.
ونقول: مؤمن الطاق الملقب شيطان الطاق اسمه محمد بن علي
ابن النعمان ويوصف بالأحوال ويقال محمد بن النعمان ويكنى أبا جعفر وقد
سماه ابن حزم محمد بن جعفر فمن لم يعرف اسمه كيف يعرف حاله وذكرنا
في البحث الأول انه كان صيرفيا بطاق المحامل في الكوفة يرجع إليه في
النقد فيخرج كما يقول فيقال شيطان الطاق لحذقه، وروي في عدة روايات
عن الإمام جعفر بن محمد الصادق ع أنه قال في أربعة نفر هو
أحدهم: انهم أحب الناس إليه احياء وأمواتا، قال أهل الرجال في حقه:
كان كثير العلم حسن الخاطر وكان ثقة متكلما حاضر الجواب له كتب
اه وله أجوبة مسكتة ومحاورات لطيفة مع الامام أبي حنيفة تدل على
حضور جوابه وسعة علمه. ومن كان كذلك لا يمكن أن يدرج في كتابه أو
يقول بلسانه أن هذه الآية ليست من القرآن، وكتبه معروفة عند الشيعة لو
قال ذلك في بعضها لنبذوه وقدحوا فيه لأجله ولنقلوا ذلك عنه، ولكن ابن
حزم بعد ما ظهر كذبه واختلافه في موارد كثيرة مما نقلناه وما ننقله نصرة
لمزاعمه لا نستعبد منه هذه الفرية، والعجب منه كيف يستحل القدح في
أعراض المسلمين بنقل من يعترف أنه من المجان وأنه ضال مضل، ولا
عجب بعد ما عرفت وستعرف من استشهاده بالكذب والزور لترويج هواه،
والظاهر أن ضحك مؤمن الطاق الطويل ان صحت الحكاية ولا نظنها
صحيحة هو من كلام النظام وصاحبه كيف توهما أنه يقول ذلك.
ثم قال: قال النظام كنا نكلم علي بن ميثم الصابوني وكان من شيوخ
الرافضة ومتكلميهم فنسأل أرأي أم سماع عن الأئمة فينكر أن يقوله برأيه
فنخبره بقوله منها قبل ذلك فوالله ما رأيته خجل من ذلك ولا استحيى.
ونقول علي بن إسماعيل بن شعيب بن ميثم التمار صاحب أمير
المؤمنين ع من أصحاب الإمام موسى الكاظم وابنه الرضا ع
قال أهل الرجال في حقه أول من تكلم على مذهب الإمامية وصنف
كتبا في الإمامة وكان من وجوه المتكلمين من الشيعة كلم أبا الهذيل العلاف
والنظام اه وكيف يقبل قول النظام فيه وهو خصمه أم كيف يقبل ابن
حزم قوله وهو ضال مضل عنده لأنه من شيوخ المعتزلة كالجاحظ، وقد قال
ابن حزم في كتابه: كان إبراهيم بن سيار النظام أبو إسحاق البصري مولى
بني بجير بن الحارث بن عباد الضبعي أكبر شيوخ المعتزلة ومقدم علمائهم
يقول إن الله تعالى لا يقدر على ظلم أحد أصلا ولا على شئ من الشر وإن
الناس يقدرون عليه فكان الناس عنده أتم قدرة من الله وهذا الكفر المجرد
الذي نعوذ بالله منه اه‍ فمن كان بهذه المثابة كيف يقبل نقله لكنه قبله
لأنه وافق هواه، على أن تلك الحكاية ان صحت فهي مجملة لا ظهور فيها
فكيف يستحل القدح في الناس بمثلها لولا قلة الحياء ورقة الدين.
قال: ومن قول الإمامية كلها قديما وحديثا أن القرآن مبدل، زيد
فيه ما ليس منه كثير وبدل منه كثير حاشا علي بن الحسين بن موسى بن
محمد بن إبراهيم بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن
علي بن أبي طالب وكان اماميا يظاهر بالاعتزال مع ذلك فإنه كان ينكر هذا
القول ويكفر من قاله وكذلك صاحباه أبو يعلى ميلاد الطوسي وأبو القاسم
الرازي.
ونقول: لا يقول أحد من الامامية لا قديما ولا حديثا إن القرآن مزيد
فيه قليل أو كثير فضلا عن كلهم بل كلهم متفقون على عدم الزيادة، ومن
يعتد بقوله من محققيهم متفقون على أنه لم ينقص منه ويأتي تفصيل ذلك عند
ذكر كلام الرافعي، ومن نسب إليهم خلاف ذلك فهو كاذب مفتر مجترئ
على الله ورسوله، والذين استثناهم وقال أنهم ينكرون الزيادة والنقصان في
القرآن ويكفرون من قال بذلك هم أجلاء علماء الإمامية وإن كذب في
دعوى التكفير الذي يكيله للناس في كتابه بالصاع الأوفى وقد تعود عليه
قلمه ولسانه، وعلي بن الحسين المذكور في كلامه هو الشريف المرتضى علم
الهدى ذو المجدين من أجلاء علماء الإمامية وأئمتهم ومشاهيرهم وأسقط من
أجداده موسى بن محمد وإبراهيم، وقوله كان اماميا يظاهر بالاعتزال
طريف جدا فالامامي كيف يكون معتزليا وكتاب الشافي للمرتضى هو رد
على المغني للقاضي عبد الجبار من أشهر شيوخ علماء المعتزلة، لكن اعتاد
جماعة ان ينسبوا جملة من محققي علماء الإمامية إلى الاعتزال بموافقتهم
للمعتزلة في بعض المسائل كمسألة الرؤية والحسن والقبح ونحوهما وهذا
خطا وغلط من قائله فالمعتزلة أقرب إلى من يسمون أهل السنة منهم إلى
الشيعة لموافقتهم أياهم في أمر الخلافة وفي اخذ فروع الدين من الأئمة
الأربعة وأما أبو يعلى ميلاد الطوسي فاسم محرف وصوابه أبو يعلى سلار
ولكن وصفه بالطوسي خطا بل هو سلار الديلمي، وللمرتضى تلميذ آخر
اسمه الشريف أبو يعلى محمد بن الحسن الجعفري، ومن تلامذة المرتضى
الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي، ولكن ابن حزم لشدة تثبته
حرف الاسم والوصف. أما أبو القاسم الرازي فالظاهر أنه محرف أيضا إذ
لا نعلم في أصحاب المرتضى أحدا بهذا الاسم. وذكرنا في البحث الثامن
أن الصدوق جعل من اعتقاد الامامية عدم النقص وعدم الزيادة في القرآن
وبذلك علم أن كلام ابن حزم محض افتراء. على أن الاختلاف في بعض
آيات القرآن كان موجودا في عصر الصحابة فقد قرأ ابن مسعود فما استمتعتم به
منهن إلى أجل مسمى، حكاه الطبري في تفسيره، ويأتي عند ذكر كلام ابن
حزم قول بعض من يسمون أهل السنة بوقوع النقص في القرآن، واختلف
المسلمون في البسملة هل هي جزء من السور فنفى ذلك الإمام أبو حنيفة
وأثبته الإمام الشافعي وأئمة أهل البيت وقال علماء الأصول ما نقل آحادا
(٤١)

فليس بقرآن وهو اعتراف منهم بوقوع الخلاف ولكن ذلك كله شاذ مسبوق
وملحوق بالاجماع على عدم النقص والزيادة.
قال: وقالت طائفة من الكيسانية بتناسخ الأرواح وبهذا يقول السيد
الحميري الشاعر ثم لعنه وافترى عليه بما يخجل القلم من نقله.
ونقول الكيسانية فرقة كانت تقول بامامة محمد بن الحنفية وانقرضت
والإمامية تقول ببطلان هذا المذهب أما نقله عنها من القول بالتناسخ فزور
وافتراء لم يسمع به سامع والسيد الحميري كان كيسانيا في أول امره ثم قال
بامامة جعفر الصادق ع المعاصر له مع ولايته لقسيم الجنة والنار ولم يترك
فضيلة لأمير المؤمنين ع إلا نظم فيها شعرا ومثل هذا لا يستحق اللعن
كما فعله ابن حزم على عادته في المسارعة إلى اللعن والتكفير وسيلقى سوء
قوله.
قال وجمهور متكلميهم كهشام بن الحكم الكوفي وتلميذه أبي علي
الصكاك وغيرهما يقول إن علم الله تعالى محدث وإنه لم يكن يعلم شيئا حتى
أحدث لنفسه علما وهذا كفر صريح وكان داود الجوازي من كبار متكلميهم
يزعم أن ربه لحم ودم على صورة الإنسان.
ونقول: هشام بن الحكم من أصحاب الإمامين الصادق والكاظم
ع قال أصحاب الرجال في حقه كان ثقة في الرواية حسن
التحقق بهذا الامر رفيع الشأن عظيم المنزلة رويت مدايح له جليلة عن
الامامين الصادق والكاظم ع وكان ممن فتق الكلام في الإمامة
وهذب المذهب بالنظر وكان حاذقا بصناعة الكلام حاضر الجواب وقال
الإمام أبو جعفر محمد بن علي الجواد في حقه: رحمه الله ما كان أذبه عن
هذه الناحية اه وله في نصرة الحق مواقف مشهودة ومشاهد معدودة تأتي
في محلها من ترجمته إن شاء الله. ولا يضره بعد ذلك افتراء من افترى عليه
أنه يقول أن علم الله محدث وليس الباعث على هذا الافتراء إلا العداوة
والبغضاء ولو علم أئمة أهل البيت وشيعتهم منه شيئا من هذا لتبرأوا منه
ولا يمكن عادة أن يخفى عليهم حاله ويطلع عليه غيرهم.
أما أبو علي الصكاك فاسم لا مسمى له أو محرف إذ ليس له أثر في
كتب رجال الشيعة، نعم يوجد فيها أبو جعفر محمد بن خليل البغدادي
السكاك من تلاميذ هشام بن الحكم ويأتي ذكره في البحث السابع عند ذكر
متكلمي الشيعة وهو كأستاذه هشام منزهان عما نسب إليهما وما أخذا
عقائدهما إلا من الإمام جعفر الصادق ع. فانظر كيف حرف أبا جعفر
بأبي علي والسكاك بالصكاك ومن يكون هذا حاله في قلة الضبط كيف
يعتمد على نقله وكم له من تحريف في كتابه هذا وقد أشرنا في مواضع أخر
إلى بعضه. وكذلك داود بن الجوزي الذي يقول عنه انه من كبار متكلمي الإمامية
لا وجود له. وعقائد الشيعة الاثني عشرية منزهة عن التجسيم
والتشبيه بالخلق وهي تبرأ من كل قائل بذلك، نعم التجسيم منسوب إلى
فرقة من أهل نحلة ابن حزم معروفة كان أحد علمائها ابن تيمية يقول وهو
على المنبر أن الله ينزل إلى سماء الدنيا كنزولي هذا ونزل درجة من درج المنبر
كما مر في آخر البحث الأول. تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا.
قال: وطائفة منهم تقول ان الله تعالى يريد الشئ ويعزم عليه ثم
يبدو له فلا يفعله وهذا مشهور للكيسانية.
ونقول: البداء الذي تقول به الشيعة إظهار إخفاء لا ظهور بعد
خفاء وهو نسخ في التكوين نظير النسخ في التشريع الذي يقول به جميع
المسلمين فكما ان النسخ في الاحكام لا يتحقق إلا فيما ظاهره الدوام ثم
ينسخ وإلا لكان توقيتا فالبداء يكون فيما ظاهره الوقوع ثم يظهر خلافه ولو
قال قائل إن البداء ظهور بعد خفاء فالشيعة منه براء.
قال: ومن الامامية من يجيز نكاح تسع نسوة، وكذب في ذلك هذه
كتب الامامية بين أيدينا ليس لذلك فيها عين ولا أثر بل من الضروريات
عند الإمامية عدم جواز نكاح ما زاد على أربع لغير النبي ص.
قال: ومنهم من يحرم الكرنب لأنه إنما نبت على دم الحسين ولم يكن
قبل ذلك وهذا في قلة الحياء قريب مما قبله اه.
وهذه أيضا فرية وأضحوكة لا أصل لها دعاه إليها قلة الحياء فانظر
واعجب وتأمل إلى أي حد بلغ الجهل بالانسان.
قال: وكما يزعم كثير منهم أن عليا لم يكن له سمي قبله وهذا جهل
عظيم وذكر جماعة يسمون بعلي في الجاهلية ثم قال ومجاهراتهم أكثر مما ذكرنا
اه‍.
ونقول: لم نسمع بذلك من أحد ولا رأيناه في كتاب قبل كتبه ككثير
مما ذكره وإن صح لم يثبت به فضل لعلي وإن لم يصح لم يكن نقصا وما هي
إلا مسالة تاريخية لا علاقة لها بالمذهب ولا توجب كل هذا التهويل ولكن
الله تعالى أنطقه بهذا وأمثاله ليظهر للناس مبلغ صدقه وإنصافه.
قال: ومنهم طائفة تسمى النحلية نسبوا إلى الحسن بن علي بن
ورصند النحلي كان من أهل نفطة من عمل قفصه وقسطيلية من كور
إفريقية ثم نهض هذا الكافر إلى السوس في أقاصي بلاد المصامدة فاضلهم
وأضل أمير السوس أحمد بن إدريس بن يحيى بن إدريس بن عبد الله بن
الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب فهم هنالك كثير سكان في ربض
مدينة السوس يعلنون بكفرهم، وصلاتهم خلاف صلاة المسلمين لا يأكلون
شيئا من الثمار زبل أصله ومن قولهم إن الصحابة كفروا بجحدهم إمامة
علي وعلي كفر بتسليمه لهم ثم قال جمهورهم ان عليا وأتباعه رجعوا إلى
الاسلام بعد قتل عثمان ومنهم من يرد الذنب في ذلك إلى النبي ص إذ
لم يبين الامر بيانا كافيا.
ونقول: بعد ما ظهر مما ذكرناه مرارا عدم تثبت هذا الرجل في النقل
وأخذه بالأوهام ونقله أشياء لم تقع في الكون لا يمكن التصديق من كلامه
بان من ذكرهم قد وجدوا في الدنيا فضلا عن أن يكونوا من فرق الامامية
وما سمعنا ولا رأينا ولا نقل لنا ناقل وجود من ذكرهم بين فرق الامامية ولو
فرض جدلا وجود أناس هذه صفتهم فالشيعة تبرأ منهم ومن معتقدهم
ولكن أنى لنا بالتصديق انهم وجدوا ويمكن كونهم من المسلمين الشيعة
الصحيحي الاعتقاد ونسبت إليهم هذه الخرافات تشنيعا وتهجينا وحشروا في
زمرة الشيعة الإمامية لهذه الغاية بدليل انهم يصلون ويقول إن صلاتهم
خلاف صلاة المسلمين ولم يبين وجه مخالفتها لصلاة المسلمين.
ثم قال: فهذه مذاهب الامامية وهي المتوسطة في الغلو وأما الغالية
من الشيعة فقسم أوجبت النبوة بعد النبي ص لغيره وقسم أوجبوا الإلهية
لغير الله فمن القسم الأول الغرابية قالوا إن محمدا ص كان أشبه بعلي
من الغراب بالغراب وإن جبرائيل بعث بالوحي إلى علي فغلط بمحمد وقال
طائفة بل تعمد وفرقة قالت الأئمة الاثني عشر عليا والأحدى عشر من ولده
(٤٢)

أنبياء وفرقة قالت بنبوة محمد بن إسماعيل وهم طائفة من القرامطة وفرقة
قالت بنبوة علي وبنيه الثلاثة وهم طائفة من الكيسانية وقد حام المختار
حول ان يدعي النبوة لنفسه وقد سجع اسجاعا وأنذر بالغيوب.
واتبعه على ذلك طوائف من الشيعة الملعونة وقال بامامة محمد بن الحنفية
وفرقة قالت بنبوة المغيرة بن سعيد وقد قيل إن جابر بن يزيد الجعفي كان
خليفة المغيرة بن سعيد وفرقة قالت بنبوة بيان بن سمعان التميمي وفرقة
قالت بنبوة أبي منصور المستنير العجلي الملقب بالكسف وأباح المحرمات وقال
إنما هي أسماء رجال وجمهور الرافضة اليوم على هذا وذكر هشام بن الحكم
الرافضي في كتابه المعروف بالميزان وهو أعلم الناس بهم لأنه جارهم بالكوفة
وجارهم في المذهب إنهم يقتلون من كان منهم ومن يخالفهم ويقولون نعجل
المؤمن إلى الجنة والكافر إلى النار، ثم عد ابن حزم من فرقهم السبائية
القائلين بإلهية آدم والأنبياء بعده وعلي وولده إلى جعفر بن محمد والقائلين
بإلهية أبي الخطاب والشلمغاني وأبي جعفر المنصور والنصيرية القائلين بإلهية
علي ع، قال: وقد غلبوا في وقتنا هذا على جند الأردن وعلى
مدينة طبرية ومن قولهم لعن فاطمة والحسنين ع وإن ابن ملجم
أفضل أهل الأرض لأنه خلص روح اللاهوت من ظلمة الجسد، إلى آخر
ما ذكره وأطال به، ثم قال: واعلموا أن كل من كفر هذه الكفرات
الفاحشة ممن ينتمي إلى الاسلام فإنما عنصرهم الشيعة والصوفية اه‍.
ونقول من الظلم الفاحش عد فرق الغلاة والقرامطة وأمثالهم من
فرق الشيعة وحشرهم معهم والشيعة تبرأ من كل غال ومؤله لأحد من
البشر أو قائل بنبوة أحد بعد النبي ص سواء الأئمة الاثنا عشرية
وغيرهم ومن كل قائل بشئ يخالف ضرورة دين الاسلام وتبرأ من القرامطة
وتجعله خارجين من الاسلام وهب أن بعض أهل المذاهب الفاسدة نسبوا
أنفسهم إلى أهل البيت الطاهر، وأهل البيت وشيعتهم يبرؤون منهم
أ فيسوع هذا حشرهم مع طوائف الشيعة لولا إرادة التشنيع بالباطل،
وهؤلاء الخوارج الذين يضللهم ابن حزم ويجعلهم من أهل العظائم
المخرجة إلى الكفر والمحال والمارقين من الدين عنصرهم الاسلام فهل يسوغ
لأحد أن يقدح في دين الاسلام بأنه عنصر للخوارج. وكذلك المعتزلة
الذين يجعلهم من أهل العظائم المخرجة إلى الكفر أو المحال ويرميهم
بتعجيز الله وينسب أمامهم أبا الهذيل إلى الكفر والكفرات الصلع اقتداء
بمن قال عن أحد أصحاب علي أنه كفر كفرة صلعاء وانه امام ضلال
وينسبهم وينسب أئمتهم كالنظم وغيره إلى قول أهل الالحاد محضا بلا تأويل
وإلى الكفر والرد على الله جهارا والكفر الصريح وأمثال ذلك من العظائم
مع أن عنصرهم عنصر أهل السنة فهل يسوع لأحد أن يعيب على أهل
السنة بان عنصر هؤلاء كان منهم وكذلك المرجئة صرح ابن حزم مرارا
بتكفيرهم وتشريكهم والحادهم ونسبتهم إلى أعظم الكفر وأمثال ذلك فهل
يسوع لأحد أن يعيب على أهل السنة بان عنصرهم منهم. والصوفية الذين
جعلهم عنصر الكفرات الفاحشة جلهم أو كلهم من السنيين كما أن جميع
أهل هذه المذاهب الفاسدة كلها تنتسب إلى الاسلام فهل يمكن لأحد ان
يعيب مذهب الاسلام بان هناك مذاهب فاسدة تنسب إليه والله تعالى
يقول: ولا تزر وازرة وزر أخرى. مع أن كثيرا من هذه الفرق التي زعمها
ابن حزم لم يسمع بها سامع ولا يمكنا الوثوق بنقله لها بعد ما رأينا من عدم
تثبته في النقل وأخذه بالأوهام وتسرعه إلى التكفير وسوء القول كما سمعت
الكثير من ذلك فيما مر.
أما الغرابية فلم نسمع بها في تاريخ ولم نسمعها إلا منه ومن أمثاله ولو
فرض أن قائلا قال أن محمدا ص أشبه بعلي من الغراب وأراد أن عليا
ع يشابه النبي ص في فضائله ومناقبه وصفاته عدا النبوة
أصاب في ذلك أم أخطأ ما كان يوجب هذا اعتقاده بان عليا ع
نبيا. ولو فرض أنه وجد في الكون من يقول أن جبرائيل أخطأ أو تعمد في
أمر النبوة فهل يستسيغ ذو دين ومن عنده أدنى خوف من الله تعالى أن يحشر
هذا القائل في زمرة الشيعة ويدرجه في عدادهم وهم يبرؤن من هذا القول
وقائله، فكيف واصل وجود هذا القول فرية واختلاق يقصد به التشنيع
على الشيعة افتراه مفتر وصدقه من بعده من غير تحقيق وتمحيص، وجملة من
عوام الناس وجهلتهم يعتقد بوجود هذا القول في هذه الأزمان وقبلها مع أننا
إن كنا نشك في وجود مكة نشك في أن هذا كذب وافتراء وبعض جهلة العوام
يقول أن الشيعة حيث تكبر التكبيرات الثلاث بعد الصلاة برفع اليدين التي
هي أول التعقيب حسبما صح عن أئمة أهل البيت ع تقول خان
الأمين ثلاثا مع أن هذه التكبيرات مسطورة في كتب الشيعة الفقهية المطبوعة
والمخطوطة بالملايين والمنتشرة في أقطار الأرض فما ظنك بغيرها مما أدرجه ابن
حزم المعدود في العلماء في كتابه الموضوع لبيان الملل والنحل مع مساعدة
العداوة والعصبية.
أما المختار فكان طالب امارة وملك والله تعالى قيضه للأخذ بثأر
الحسين الشهيد ع سبط الرسول ع وأحد ريحانتيه وانتقم به من
أعدائه. وقد قتل جماعة ممن شرك في دم الحسين ع أو أعان عليه وسر
بذلك الرسول وأقر عين الزهراء البتول، أما إنه حاول دعوى النبوة فافتراء
وتخرص على الغيب. وأما سجعه وإنذاره بالغيب فلا يدل على ذلك بل
كان من بعض التدابير لترويج أمره وكيف يحاول دعوى النبوة مع عقله
ودهائه وعلمه أن ذلك يوجب تفرق الناس عنه. وأما أن طوائف من
الشيعة اتبعوه على ذلك فيناقض ما سبق فإذا كان حاول ولم يدع فكيف
اتبعوه على أمر لم يدعه وإن كان يقول أنهم حاولوا جعله نبيا ففساده أظهر إذ
لم ينقل ذلك ناقل والذي ذكره جميع أهل الأخبار أن الشيعة اتبعته على
الطلب بثار الحسين ع لا غير. أما قوله الشيعة الملعونة فالشيعة اتباع
أهل البيت الطاهر والمؤتمون بهم والمدعوون بهم يوم يدعى كل أناس
بامامهم لا يستحقون شتما ولا لعنا وشاتمهم أحق بذلك.
أما المغيرة بن سعيد فورد عن الباقر ع أنه قال: كان يكذب علينا
وورد عن الصادق ع أنه كان مشعوذا يكذب على أبي وقد تبرأ منه الباقر
والصادق وأمروا شيعتهم بالبراءة منه فنبذوه وتبرأوا منه أ فيحسن بعد هذا
أن يقال وفرقة قالت بنبوة المغيرة بن سعيد وتعد في عداد الشيعة لو كان في
القلوب خوف من الله تعالى ولو جاز ذلك لجاز لغير المسلمين أن يعدوا في
طوائف الاسلام أصحاب مسيلمة وسجاح لأنهم كانوا من المسلمين وارتدوا
كما جاز لابن حزم أن يعد في طوائف الشيعة أصحاب المغيرة بن سعيد
الذين تبرأ منهم الشيعة.
وأما جابر بن زيد الجعفي فهو من أصحاب الباقر والصادق ع
وثقه بعض علماء الرجال من الشيعة كابن الغضائري وروى العقيقي
وابن عقدة ترحم الصادق عليه وقوله كان يصدق علينا ووثقه شعبة من
علماء السنة وروى عنه كما روى عنه السفيانان وهو يشعر بوثاقته عندهما،
قال الذهبي في مختصره: روى عنه شعبة والسفيانان من أكبر علماء الشيعة
(٤٣)

وثقه شعبة فشذ وتركه الحفاظ اه وقال ابن حجر في التقريب ضعيف
رافضي من الخامسة اه ومن ذلك يعلم كذب ما نقله ابن حزم من أنه
كان خليفة المغيرة بن سعيد الذي تبرأ منه الشيعة وأنه كان ثقة باعتراف أهل
الرجال من السنة والشيعة وإن القدح فيه إنما وقع للتشيع فقط.
وإما بنان أو بيان بن سمعان النهدي التميمي فالشيعة تبرأ
منه كما تبرأ من كل غال فعده أتباعه من الشيعة ظلم وسفاهة كالملقب بالكشف إن صح
ما حكاه عنه.
ولكن لا شئ أعجب من قوله وجمهور الرافضة اليوم على هذا فان
ابن حزم مات سنة ٤٥٦ فعصره مفعم بفحول علماء الشيعة ومحققيهم أمثال
المرتضى والشيخ الطوسي والقاضي ابن البراج وغيرهم لا يحصون كثرة وقد
ملأت مؤلفاتهم ومصنفاتهم الأقطار ولو لم يكن فيهم غير المرتضى لكفاهم،
وهذه الفرق التي نسبها إلى الشيعة والشيعة تبرأ منها ومن كل غال كانت قد
انقرضت في ذلك العصر، عصر ابن حزم فكيف استحل أن يقول وجمهور
الرافضة اليوم على هذا وليس في عصره من أهل هذه الاعتقادات التي
ذكرها أحد وعموم الشيعة في ذلك العصر يبرأون من هذه المقالات
ويكفرون قائلها. ولهذا الرجل في كتابه المذكور سخافات كثيرة من قبيل ما
مر لا نطيل باستقصائها وردها ونكتفي بهذا القدر ففيه كفاية لمن تبصر
واعتبر.
كلام الرافعي في حق الشيعة
ورأينا كتابا ألف في هذا العصر اسمه إعجاز القرآن لمصطفى
صادق الرافعي طبع في مصر مرتين أكثر فيه مؤلفه من التحامل على الشيعة
والسب والشتم وتعرض لهم في عدة مواضع من كتابه بمناسبة وبغير مناسبة
وافترى عليهم افتراءات كثيرة ونقل عنهم سخافات هم بريئون منها تقليدا
منه وقلة تمحيص للحقائق وعدم مبالاة بما يقول، والكتاب ليس فيه شئ
من علم ما فيه إلا ألفاظ مزوقة وعبارات منمقة.
فمن ذلك ما ذكره في صفحة ٤٧ بقوله: القرآن أصل هذا الدين وما
اختلفوا فيه إلا من بعد اتساع الفتن وحين رجع بعض الناس من النفاق إلى
أشد من الاعرابية الأولى وضربتهم الفتن والشبهات مقبلا بمدبر ومدبرا
بمقبل فصار كل من نزع إلى الخلاف يريد أن يجد من القرآن ما يختلف معه
أو يختلف به وهيهات ذلك إلا أن يتدسس في الرواية بمكروه يكون معه
التأويل والأباطيل إلى آخر ما سطره من هذا القبيل وتحذلق وتفيهق فيه ثم
قال: ونحسب أن أكثر ذلك مما افترته الملحدة وتزيدت به الفئة الغالية وهم
فرق كثيرة يختلفون فيه بغيا بينهم وكلهم يرجع إلى القرآن بزعمه اه‍
وقال في الحاشية: نجمت في الأمة من غير أهل السنة فرق كثيرة يكفر
بعضها بعضا ومن رؤوس الفرق المعروفة المعتزلة وهم عشرون فرقة والشيعة
اثنتان وعشرون والخوارج سبع فرق الخ. ثم قال: ولولا حفظ الله لكتابه
وأنه المعجزة الخالدة لما بقي منه بعد هؤلاء حرف واحد فضلا عن أن يبقى
بجملته على الحرف الواحد اه‍.
ولا يخفي ما في كلامه: أولا قوله وما اختلفوا فيه إلا من بعد
اتساع الفتن الخ. ينافيه أن الخلاف بين الصحابة في عهد الخلفاء الراشدين
في عدة من المسائل كان معروفا مشهورا وكلهم يرجعون إلى القرآن وهو بين أيديهم.
ثانيا قوله نجمت في الأمة من غير أهل السنة الخ فيه أنه كيف
أخرج فرق المعتزلة عن أهل السنة وأدخل فرق الغلاة في
بعض كلامه في الشيعة فإن كان بجامع الانتساب إلى علي ع فهذا موجود في المعتزلة
بجامع الانتساب إلى غيره والموافقة في الفروع كلها وإن كان لمخالفة المعتزلة
لأهل السنة في أمور يخطئهم أهل السنة فيها فهذا موجود بين الشيعة وباقي
الفرق الغالية.
ثالثا سوق كلامه يدل على أنه جعل الشيعة ممن وصفهم ووصمهم
بتلك القبائح التي في كلامه وهو ظالم لهم في ذلك مفتر عليهم وانى يوسم
بالنفاق وبالرجوع إلى أشد من الاعرابية الأولى من يشهد لله بالوحدانية ولنبيه
محمد ص بالرسالة ويقيم شرائع الاسلام كلها ويعظم القرآن ويأخذ
بنصوصه وظواهره ويكل علم متشابهه إلى ربه ويعظم أهل بيت نبيه
ويواليهم ويقدمهم على من سواهم. وأولى بالنفاق والرجوع إلى أشد من
الاعرابية الأولى من يجترئ على اعراض المسلمين ويرميهم بالعظائم بغير
حجة ولا برهان تقليدا للمتعصبين ويقرنهم بالمارقين من الدين وقد قال ص
من كفر مسلما فقد باء به أحدهما، ولا يرجع في دقائق
العقائد التي يسميها بالشبهات والتي هي من أدق مسائل علم الكلام إلا إلى
التقليد ويزعم أنه متمسك بالقرآن وغيره مخالف له وهو لا يعلم من
استدلال غيره ولا من كلامه شيئا سوى انقال اجمالية وافتراءات وأكاذيب
رآها في بعض الأساطير بدون أن يعلم صدقها وكذبها ويكتفي في أنه على
الحق وغيره على الباطل بجعل نفسه من أهل السنة وتسميته بهذا الاسم
وغيره من الفئة الغالية على اطلاقه ويزعم أنه لولا حفظ كتاب الله لما بقي
بعد هؤلاء حرف واحد. ولما ذا؟ أ فأنت أيها الرافعي أشد محافظة على كتاب
الله تعالى وتعظيما له من الشيعة فانظر إذا شئت إلى ما أجملناه عنهم في علوم
القرآن تجد أنهم سبقوا الناس إلى ذلك وأنهم أشد الخلق محافظة عليه
واعظاما له قديما وحديثا وإن كلامك هذا قد كتب عليك في صحيفة
السيئات وإنك مسؤول عنه يوم لا تجد إلا ما قدمت يداك وما ربك بظلام
للعبيد.
وقال الرافعي أيضا في كتابه المذكور ص ١٨٥: أما الرافضة أخزاهم
الله فكانوا يزعمون أن القرآن بدل وغير وزيد فيه ونقص منه وحرف عن
مواضعه وإن الأمة فعلت ذلك بالسنن أيضا وكل هذا من مزاعم شيخهم
وعالمهم هشام بن الحكم لأسباب لا محل لشرحها هنا وتابعوه عليها جهلا
وحماقة اه.
ونقول: أما مسارعته إلى الشتم والسباب فكل إناء بالذي فيه
ينضح.
وقديما ما سب الذين كفروا رب العزة وسبت الأنبياء والمرسلون وسب
سلفه بنو أمية الذين يشيد بذكرهم سلف الشيعة وإمامهم أمير المؤمنين
علي بن أبي طالب أخا الرسول ص وصنوه فما ضرهم ذلك شيئا، وأما
قوله أنهم يزعمون أن القرآن الخ فهو كذب وافتراء تبع فيه ابن حزم فيما مر
من كلامه في هذا البحث. ونص كبراء علماء الشيعة ومحدثيهم على خلافه
وقد بينا هناك اتفاق الشيعة عموما على عدم الزيادة واتفاق المحققين ومن
يعتد بقوله منهم على عدم النقص وأشرنا إلى أن القول بالنقص وقع من شاذ
من أهل السنة والشيعة ولا يختص بالشيعة وأنه مسبوق وملحوق بالاجماع
من الفريقين على عدم النقص فلا يعتد به فأين موضع العيب والنقد علينا
أيها المنصفون. ونزيد هنا بيانا بنقل كلمات بعض الأجلاء من علماء الشيعة
الناصة على ما قلناه. هذا ابن بابويه محمد بن علي بن الحسين الملقب
(٤٤)

بالصدوق من أشياخ رواة الشيعة وعلمائهم جعل في
كتابه المؤلف في اعتقادات الامامية من اعتقاداتهم عدم الزيادة والنقصان في القرآن كما أشرنا
إليه في هذا البحث عند ذكر كلام ابن حزم ويأتي نقل كلامه في البحث
الثامن إن شاء الله.
وهذا الشيخ أبو علي أمين الاسلام الفضل بن الحسن الطبرسي قدوة
المفسرين يقول في مقدمة كتابه في تفسير القرآن المسمى بمجمع البيان: فاما
الزيادة فيه فمجمع على بطلانها وأما النقصان منه فقد روى جماعة من
أصحابنا وقوم من حشوية أهل السنة أن في القرآن نقصانا والصحيح من
مذهب أصحابنا خلافه وهو الذي نصره المرتضى قدس الله روحه واستوفى
الكلام فيه غاية الاستيفاء في جواب المسائل الطرابلسيات وذكر في مواضع
أن العلم بصحة نقل القرآن كالعلم بالبلدان والحوادث العظام والكتب
المشهورة وإشعار العرب فان العناية اشتدت والدواعي توفرت على نقله
وحراسته وبلغت إلى حد لم تبلغه فيما ذكرناه لأن القرآن معجزة النبوة ومأخذ
العلوم الشرعية والأحكام الدينية، وعلماء المسلمين قد بلغوا في حفظه
وحمايته الغاية حتى عرفوا كل شئ اختلف فيه من إعرابه وقراءته وحروفه
وآياته فكيف يجوز أن يكون مغيرا أو منقوصا مع العناية الصادقة والضبط
الشديد، قال: وقال أيضا أن العلم بتفصيل القرآن، وأبعاضه في صحة
نقله كالعلم بجملته وجرى ذلك مجرى ما علم ضرورة من الكتب المصنفة
ككتاب سيبويه والمزني فان أهل العناية بهذا الشأن يعلمون من جملتهما ما
يعلمون من تفصيلهما حتى لو أن مدخلا أدخل بابا من النحو في كتاب
سيبويه أو من غيره في كتاب المزني لعرف وميز وعلم أنه ملحق ليس من
أصل الكتاب ومعلوم أن العناية بنقل القرآن وضبطه أكثر من العناية بضبط
كتاب سيبويه ودواوين الشعراء، قال: وذكر أيضا أن القرآن كان على عهد
رسول الله ص مجموعا مؤلفا على ما هو عليه الآن واستدل على ذلك بان
القرآن كان يدرس ويحفظ جميعه في ذلك الزمان حتى عين على جماعة من
الصحابة في حفظهم له وأنه كان يعرض على النبي ص ويتلى عليه وإن
جماعة من الصحابة مثل عبد الله بن مسعود وأبي بن كعب وغيرهما ختموا
القرآن على النبي ص عدة ختمات كل ذلك يدل بأدنى تأمل على أنه كان
مجموعا مرتبا غير مبتور ولا مبتوت، وذكر أن من خالف في ذلك من
الامامية والحشوية من أهل السنة لا يعتد بخلافهم فان الخلاف في ذلك
مضاف إلى قوم من أصحاب الحديث نقلوا أخبارا ضعيفة ظنوا صحتها لا
يرجع بمثلها عن المعلوم المقطوع على صحته اه وعن الشيخ الطوسي
في أول كتابه التبيان أنه قال: أما الكلام في زيادته ونقصه فمما لا يليق به
لأن الزيادة فيه مجمع على بطلانها وأما النقصان فالظاهر أيضا من مذهب
المسلمين خلافه وهو الأليق بالصحيح من مذهبنا وهو الذي نصره المرتضى
وهو الظاهر في الرواية غير أنه رويت روايات كثيرة من جهة الشيعة وأهل
السنة بنقصان كثير من آي القرآن ونقل شئ منه من موضع إلى موضع،
طريقها الآحاد التي لا توجب علما ولا عملا والأولى الاعراض عنها اه
وقال الشيخ جعفر النجفي فقيه عصره في كشف الغطاء: لا ريب أن
القرآن محفوظ من النقصان بحفظ الملك الديان كما دل عليه صريح القرآن
وإجماع العلماء في كل زمان ولا عبرة بالنادر اه وقال الشيخ البهائي:
والصحيح أن القرآن العظيم محفوظ عن ذلك زيادة كان أو نقصانا ويدل
عليه قوله تعالى وإنا له لحافظون. وعن السيد محسن البغدادي في شرح
الوافية: الاجماع على عدم الزيادة وإن المعروف بين أصحابنا حتى حكي
عليه الاجماع على عدم النقيصة اه‍ وصنف الشيخ علي بن عبد العال
الكركي رسالة في نفي النقيصة، وقال الفاضل المعاصر الشيخ جواد
البلاغي النجفي صاحب كتاب الهدى إلى دين المصطفى في مقدمة كتابه
آلاء الرحمن في تفسير القرآن: لم يزل القرآن الكريم بحسب حكمة التشريع
والمقتضيات المتجددة آنا يتدرج في نزوله نجوما وكلما نزل شئ هتفت إليه
قلوب المسلمين وانشرحت له صدورهم وهبوا إلى حفظه بأحسن الرغبة
والشوق وأكمل الاقبال وتناوله حفظهم بما امتازت به العرب وعرفوا به من
قوة الحافظة واثبتوه في قلوبهم كالنقش في الحجر وكان شعار الاسلام وسمة
المسلم هو التجمل بحفظ ما ينزل من القرآن لكي يتبصر بحججه وشرائعه
وأخلاقه الفاضلة وتاريخه المجيد وحكمته الباهرة وأدبه العربي الفائق المعجز
واستمروا على ذلك حتى صاروا في زمان الرسول ص يعدون بالألوف
وعشراتها وكلهم من حملة القرآن وحفاظه ولما توفي الرسول ص فلا
يرجى للقرآن نزول تتمة رأي المسلمين أن يسجلوه في مصحف جامع
فجمعوا مادته على حين إشراف الألوف من حفاظه فاستمر على هذا
الاحتفال العظيم جيلا بعد جيل ولم يتفق لأمر تاريخي من التواتر وبداهة
البقاء ما اتفق للقرآن كما وعد الله جلت آلاؤه بقوله: إنا نزلنا الذكر وإنا له
لحافظون. وقوله: إن علينا جمعه وقرآنه. ولئن سمعت في الروايات
الشاذة شيئا في ضياع بعضه فلا تقم له وزنا وقل ما يشاء العلم في اضطرابها
ووهنها وضعف رواتها ومخالفتها للمسلمين وما ألصقته بكرامة القرآن مما
ليس به شبه اه.
ثم أورد شيئا من تلك الروايات وذكر في الحاشية ما روي من أنه
جمعه في زمان النبي ص معاذ بن جبل وعبادة بن الصامت وأبي بن كعب
وأبو أيوب الأنصاري وأبو الدرداء وزيد بن ثابت وسعد بن عبيد وأبو زيد،
وإن ممن ختمه والنبي ص حي عثمان وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن
مسعود، وقول زيد بن ثابت كنا عند رسول الله أو حول رسول الله ص
نؤلف القرآن من الرقاع اه.
وبذلك تعلم ما هي قيمة هذه الأراجيف التي يرجف بها هؤلاء على
الشيعة وإن هذه الروايات الشاذة التي لا يعول عليها قد رواها شاذ من
الفريقين.
ويدل على ذلك ما عن الجزء الخامس عن مسند أحمد بن حنبل عن
أبي بن كعب قال أن رسول الله ص قال أن الله أمرني أن أقرأ عليك
القرآن فقرأ: لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب. فقرأ فيها: لو أن ابن
آدم سال واديا من مال فاعطيه لسال ثانيا فلو سال ثانيا فاعطيه لسال ثالثا
ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب وإن ذلك الدين
القيم عند الله الحنيفية غير المشركة ولا اليهودية ولا النصرانية ومن يعمل
خيرا فلن يكفره. وذكر رواية أخرى في المسند بعدها بهذا النحو. ونحوه
عن جامع الأصول لابن الأثير الجزري. وعن كنز العمال أنه روى هذه
الروايات أبو داود الطيالسي وسعيد بن منصور في سننه والحاكم في
مستدركه. وعن السيوطي في الاتقان والدر المنثور انه اخرج الطبراني
والبيهقي وابن الضريس أن من القرآن سورتين وقد سماهما الراغب في
المحاضرات سورتي القنوت ونسبوهما إلى تعليم علي وقنوت عمر ومصحفي
ابن عباس وزيد بن ثابت وقراءة أبي وأبي موسى إحداهما بسم الله
الرحمن الرحيم اللهم أنا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك الخير ولا نكفرك
ونخلع ونترك من يفجرك. والثانية بسم الله الرحمن الرحيم اللهم إياك
(٤٥)

نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد ونرجو رحمتك ونخشى
عذابك الجد أن عذابك بالكافرين ملحق اه إلى غير ذلك. فإذا كان
شذاذ منا ومنكم سبقهم الاجماع ولحقهم رووا ما اتفق المحققون والجمهور
منا ومنكم على بطلانه ودلت ركاكته على أنه ليس من القرآن فكيف
تلصقون بنا عيبه وتبرؤون أنفسكم؟ ما هذا بانصاف.
وأعاد الرافعي هذه المهزلة في كتابه تحت راية القرآن فقال في
صفحة ١٩٠ وقديما ما أفسد شيخ الرافضة هشاما كذا ابن الحكم
الاصحبة أبي شاكر الديصاني أمام الديصانية وكان هذا أبو شاكر رجلا يظهر
الاسلام ويبطن الزندقة كما يظهر بعض المستشرقين الميل إلى العربية وينطوي
على هدم الاسلام بهذا الميل وعلى استعمار أرضه واستعباد أهله والعجب أن
مذهب الرافضة هو بعينه مذهب هذه الفئة من المستشرقين فان أكبر شأنهم
جحد الرسالة لمحمد ص والتكذيب بالقرآن ورد ما أجمعت عليه الأمة
اه‍.
ونقول: هشام بن الحكم من أجلاء أصحاب الإمام أبي عبد الله
جعفر بن محمد الصادق إمام أهل البيت الطاهر لا من أصحاب الديصاني
إمام الديصانية كما زعم الرافعي ولا غيره ويبرأ من الديصاني ومن كل
زنديق. وعلى الصادق ع تلمذ ومنه تعلم ولكن الرافعي ما أفسده
إلا التقليد الأعمى والتعصب الذميم فليدلنا الرافعي على ماخذ ما يدعيه إن
كان من الصادقين وقد أشرنا عند ذكر كلام ابن حزم وسنبين في ترجمة هشام
في بابه إن شاء الله جلالة قدره وكذب ما افترى به عليه.
أما قوله إن بعض المستشرقين يظهر الميل إلى العربية وينطوي على
هدم الاسلام واستعمار أرضه واستعباد أهله فالله يعلم أنه ما مهد
للمستشرقين ودولهم ومكنهم من هدم الاسلام واستعمار أرضه واستعباد
أهله إلا أمثال الرافعي الذين لا يفترون جهدهم عن تفريق الكلمة وتشتيت
شمل المسلمين حتى في مثل هذا العصر الذي استعمرت فيه بلاد المسلمين
واستعبد أهلها ويسئ إلى تسعين مليونا من المسلمين ومحافظين على أصول
الاسلام وفروعه أضعاف ما يدعيه الرافعي لنفسه ويجعل مذهبهم بعينه
مذهب من ينطوي على هدم الاسلام ويفتري عليهم بان أكبر شأنهم جحد
الرسالة والتكذيب بالقرآن ورد ما أجمعت عليه الأمة، وحاشا الشيعة أن
يكون أكبر شأنهم جحد الرسالة فهم الذين اعترفوا بنبوة محمد ص
وقالوا بعصمته وعصمة جميع الأنبياء ص عن الصغائر
والكبائر قبل البعثة و بعدها وعن السهو والنسيان وعن الهجر وبأنه لم يظن
إذا أبطا عنه جبرائيل أنه بعث إلى غيره وعن أن يجري الشيطان على لسانه
ويزيد في قراءته تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى، وصدقوا
بكتاب ربهم وجعلوا ما أجمعت عليه الأمة دليلا قاطعا كالكتاب والسنة كما
تشهد به كتبهم في أصول الفقه ولم يدعوا الاجماع في محل الخلاف والنزاع.
هؤلاء هم الشيعة أيها الرافعي ولو افتريت عليهم ألف افتراء فقديما
ما افتري على الأنبياء والمرسلين ونسبوا إلى السحر والكذب والجنون فما
ضرهم ذلك شيئا.
ومن غرائب الرافعي في كتابه هذا الذي سماه تحت راية القرآن أنه قال
: ما يزال المسلمون يروون إلى اليوم قول ابن الزبعري:
- حياة ثم موت ثم نشر * حديث خرافة يا أم عمرو -
وقال في الحاشية ينسب هذا البيت لأبي نواس أيضا ولديك الجن
اه‍ ونسبة البيت إلى ابن الزبعري كنسبة قفا نبك إلى امرئ القيس
وبانت سعاد إلى كعب بن زهير لا مساس له بشعر أبي نواس ولا ديك الجن
المسلمين باتفاق المسلمين ولكنهما من الشيعة.
وأورد في كتابه المذكور أن طه حسين قال في حق أبي سفيان عند فتح
مكة أنه نظر فإذا هو بين اثنتين اما أن يمضي في المقاومة فتقنى مكة واما ان
يصانع ويصالح ويدخل فيما دخل فيه الناس وينتظر لعل هذا السلطان السياسي
الذي انتقل من مكة إلى المدينة ومن قريش إلى الأنصار أن يعود إلى قريش
وإلى مكة مرة أخرى وألقى الرماد على هذه النار التي كانت متأججة بين
قريش والأنصار وأصبح الناس جميعا في ظاهر الامر إخوانا مؤتلفين في
الدين وقد طال انتظار أبي سفيان حتى قام حفيده يزيد بن معاوية فانتقم من
غزوة بدر في وقعة الحرة ويزيد صورة صادقة لجده أبي سفيان في السخط على
الاسلام وما سنه للناس من سنن اه.
ثم قام الرافعي يدافع عن أبي سفيان ويعدد مناقبه ثم قال: على أن
الذي ما يقضى منه العجب ان رأي طه حسين هذا هو بعينه ونصه رأي
الرافضة ومذهبهم فقد زعموا أن الصحابة كانوا منافقين في حياة رسول الله
ص فكيف يتفق كل هذا في كتاب الجامعة وهل الذي فيها أستاذ
للآداب أم هو أستاذ للكفر والرفض اه.
ونقول لندع للرافعي مناظرته مع طه حسين ورده عليه ولكنا نسأل
الرافعي لما ذا لم يذكر في مناقب أبي سفيان حديث الراكب والسائق والقائد
وما قاله أبو سفيان لما بويع عثمان وما قاله لما وقف على قبر حمزة وما جرى له
مع علي بن أبي طالب بعد وفاة النبي ص وما كان يقوله في حرب الروم
مما حفظه التاريخ ورواه أهل نحلته ولما ذا نسي ذلك وغاب عن ذاكرته
ونقول أيضا: إن الشيعة لم يقولوا ولن يقولوا ان الصحابة كانوا منافقين
ولكنهم يقولون إنهم لم يكونوا كلهم على صفة واحدة ووتيرة واحدة بل
كانت درجاتهم متفاوتة ويقولون كما قال الله تعالى في كتابه العزيز: ومن
أهل المدينة مردوا على النفاق الآية.
ومن دلائل انصاف الرافعي وتحريه الحقيقة انه جعل اتباع أهل البيت
وشيعتهم مثلا يستشهد به لأقواله بغير ربط ولا مناسبة مما دل على اتقاد نار
العداوة والعصبية في قلبه الذي أنطق لسانه بكل هذا الفحش وأخرجه إلى
سوء القول ونعم الحكم الله.
كلام احمد امين المصري في حق
علي وشيعته
تكلم احمد امين في علي وشيعته في كتابه فجر الاسلام وفي كتابه
ضحى الاسلام ونحن ننقل كلامه في الكتابين ثم نعلق عليه ما يصل إليه
نظرنا سائلين منه تعالى الهداية والتوفيق:
كلامه في فجر الاسلام في علي.
قال في كتاب فجر الاسلام (١): وشخصية رابعة هي أصعب ما
يكون تصويرا دخلها من المبالغات والأكاذيب ما وقف المؤرخ حائرا تلك
هي شخصية علي بن أبي طالب فليس هناك من الشخصيات في ذلك العصر
ما دار حوله الجدل وأفرط فيه المحبون والكارهون واختلق حوله المختلقون

(١) ج ١ ص ١٨٢ الطبعة الرابعة..
(٤٦)

وتأسست من أجله المذاهب الدينية كالذي كان لشخصية علي.
ونقول: هذا دليل على عظم شخصية علي ع وانها لا تماثلها
شخصية في ذلك العصر فلذلك دار الجدل حولها وأفرط فيها
المحبون والكارهون وتأسست من أجلها المذاهب الدينية وكان عليه ان يعترف
بذلك وقد اعترف به ضمنا وأما انه دخلها المبالغات والأكاذيب واختلق
حولها المختلقون فمع تسليمه هو من أوضح الأدلة على عظم تلك
الشخصية لجريان العادة بان من اشتهر بشئ أضيف إليه كثير مما هو من
سنخ ذلك الشئ. ولكن ما يزعمونه مبالغات وأكاذيب واختلاق لعله دون
الواقع لأنهم لا ينظرون عليا بالعين التي يجب ان ينظر بها. والعداوة له
والتحامل عليه الذي نما ونشأ في الناس مع نشاة علي كما بيناه في الجزء
الثالث في سيرته وخوف أوليائه أوجب اخفاء كثير من مميزاته وكان الظاهر
منها دون الواقع لا أزيد منه كما أشار إليه من قال: ما أقول في رجل أخفى
فضائله أعداؤه حسدا وأولياؤه خوفا وظهر من بين ما ملأ الخافقين. فليس
الذي يوقف المؤرخ حائرا هو كثرة ما ورد لعلي من الفضائل والمزايا الذي
زعمه مبالغة وكذبا، إنما الذي يوقف المؤرخ حائرا إنه كيف ظهرت هذه
الفضائل والمزايا بين تحامل الأعداء وخوف الأولياء. وبعد فلا موجب
لوقوف المؤرخ حائرا فالشمس الضاحية لا يمكن أحد اخفاءها وجحدها
وإن لم ترها وجحدتها عين عمياء أو رمداء رأتها عيون كثيرة صحيحة. وإذا
وقف مؤرخ جاء في زمن متأخر حائرا مدهوشا أمام شخصية علي واستكبر
واستعظم ما ورد لعلي من الفضائل والمزايا فالمؤرخون السالفون من جميع
مذاهب المسلمين قد رووها واعترفوا بها ولم يمكنهم اخفاؤها ولا انكارها
حتى قال الإمام أحمد بن حنبل والقاضي إسماعيل بن إسحاق والنسائي: لم
يرو في فضائل أحد من الصحابة بالأسانيد الحسان ما روي في فضائل
علي بن أبي طالب، حكاه في الاستيعاب، إلى أن جاء في هذا الزمان من
يزعم أن فيها مبالغات وأكاذيب تقليدا لأمثال ابن حزم المعلوم حالهم في
التحامل الشديد على علي وأتباعه. وإن قال قائل بوقوع المختلقات
والأكاذيب ضد علي في زمن بني أمية بما كانوا يبذلونه من الأموال وفي زمن
غيرهم إلى يومنا هذا كان مصيبا ولكن ذلك لا يوقف المؤرخ موقف الحيرة
فالعداوة والحسد تبعث على أكثر من ذلك.
قال: فقد رووا عنه ٦٨٦ حديثا مسندا إلى رسول الله ص لم
يصح منها إلا نحو خمسين. وذكر في الحاشية أن قائل ذلك ابن حزم في
الملل والنحل.
ونقول: علي ع كان ملازما للنبي ص من صغره وبلوغه
سن التمييز إلى ساعة وفاة النبي ص في سفره وحضره وليله ونهاره
وحربه وسلمه فلا شك انه سمع منه وروى عنه ألوف الأحاديث لا هذا
المقدار وحده ولكن الخوف الشديد أوجب الكثيرين ان يكتموا ما سمعوه
منه فلم يكن يجسر أحد أيام الملك العضوض أن يروي عنه حديثا،
وبعضهم كان يقول إذا حدث عنه أخبرني أبو زينب. وابن حزم المعلوم
حاله في التحامل والتعصب في كتبه في الملل والنحل لا يستغرب منه أن يقول
لم يصح عنه إلا نحو خمسين. وصاحب الفجر لم يكن له بد من أن
يقلده في ذلك.
قال: ونسبوا إليه ديوان شعر ويقول المازني انه لم يصح انه تكلم
بشئ من الشعر غير بيتين.
ونقول: هذا أيضا من ذلك الروي وعلى تلك القافية فقد بلغ
الحال ان ينكر كل فضل لعلي يمكن انكاره حتى الشعر الذي لا يؤبه له وقد
صح انه تكلم بشعر كثير غير البيتين المحكيين عن المازني، روى ذلك ثقات
المؤرخين أمثال نصر بن مزاحم وغيره مثل: لمن راية حمراء يخفق ظلها.
لهمدان أخلاق ودين يزينها وغير ذلك مما جمعناه في ديوانه على الرواية
الصحيحة. نعم الديوان المنسوب إليه لم يصح أنه جميعه له بل علم أن
بعضه ليس له.
قال: (١) ونسبوا إليه ما في نهج البلاغة وقد شك في مجموعة النقاد
قديما وحديثا كالصفدي وهوار الفرنجي في كتابه الأدب العربي
واستوجب هذا الشك ما في بعضه من سجع منمق وصناعة لفظية لا تعرف
لذلك العصر كقوله: أكرم عشيرتك فإنهم جناحك الذي به تطير واصلك
الذي إليه تصير. وما فيه من تعبيرات إنما حدثت بعد ان نقلت الفلسفة
اليونانية إلى العربية وبعد أن دونت العلوم كقوله: الاستغفار على ستة معان
الايمان على أربع دعائم، وكالذي فيه من وصف الدار وتحديده بحدود هي
أشبه بتحديد الموثقين كقوله: وتجمع هذه الدار حدود أربعة الحد الأول
ينتهي إلى دواعي الآفات الخ هذا إلى ما فيه من معان دقيقة منمقة على
أسلوب لم يعرف إلا في العصر العباسي كما ترى في وصف الطاووس.
ونقول: الحق ان الذين اظهروا الشك فيه ليسوا هم النقاد
فالنقاد يجزمون لأول وهلة بان هذا الدر لم يكن ليخرج إلا من ذلك البحر
وهذا الجوهر ليس إلا من ذلك المعدن فنهج البلاغة له منه عليه شواهد.
وإن الذي استوجب اظهار الشك ليس هو الأمور التي ذكرها وإنما الذي
استوجبه كما قاله الأمير شكيب ارسلان في مجمع بدمشق هو اشتماله على
بعض الكلام في حق الصحابة المقدسين في نظرهم والذي لا تقبل عقولهم
أن يقول علي فيهم مثل هذا الكلام فالتجأوا إلى اظهار التشكيك في الكتاب
كله. أما المستشرقون المبشرون أمثال هوار فالذي استوجب تشكيكهم فيه
معروف معلوم يرجع إلى التبشير. وليس شئ أغرب واعجب من
استشهاد المسلمين مثل مؤلف الفجر بأقوال أمثال هوار فما الذي يعرفه هوار
وغيره من المستشرقين من أساليب اللغة العربية وبلاغتها مهما بلغوا في
تعلمها حتى يشككوا في نهج البلاغة وهم لا تزال العجمة غالبة عليهم.
ومن المؤسف أن يعمد المسلمون إلى أعظم مفخرة للاسلام فيشككوا فيها
وتبلغ بهم الغفلة إلى أن يمشوا وراء المبشرين في ذلك. ومن الغريب
الاستناد في التشكيك إلى هذه الأمور الواهية التي ذكرها فالسجع والصناعة
اللفظية إذا جاءت عفوا بلا تكلف هي من أقوى أنواع البلاغة وهي
موجودة في القرآن الكريم وفي خطب ذلك العصر وكتبه. ومثل الاستغفار
على ستة معان والإيمان على أربع دعائم ليس من الأمور الغامضة التي لا
يمكن الاهتداء إليها إلا بالتعلم من فلسفة اليونان وتدوين العلوم. وكذلك
وصف الدار وتحديدها وهل علمنا أن من كان يشتري دارا أو عقارا في ذلك
العصر لا يكتب به وثيقة ولا يحدده بتحديد الموثقين. واشتماله على المعاني
الدقيقة المنمقة أحرى بان يكون شاهدا لكونه من كلام أمير المؤمنين، ومن
أكثر غوصا على المعاني الدقيقة وأعرف بتنميقها منه.
قال: وحكايته مع أبي الأسود الدئلي في وضع النحو معروفة مشهورة كل

(١) فجر الاسلام ص ١٨٣ الطبعة الرابعة.
(٤٧)

هذا ما يجعل من العسير على المؤرخ الناقد وصف شخصيته العلمية وصفا
يطمئن إليه. ما في نهج البلاغة وما روي عنه من الحكم والأمثال أيه له
وأيه ليس له. وما صدر عنه من الأحكام وما استشاره فيه الخلفاء أيه يصح
عنه وأيه لا يصح، كل هذه الأشياء لا تزال مجالا للبحث.
ونقول: كل هذا الذي قال عنه انه يجعل من العسير على المؤرخ
الناقد وصف شخصية علي العلمية. الحق انه يجعل من السهل جدا على
المؤرخ الناقد المجرد عن التقليد وصف شخصية علي من جميع نواحيها لا في
العلم فقط بأنها شخصية فذة لا تدانيها شخصية بعد شخصية الرسول
ص فان ما رواه المؤالف والمخالف من فضائله في العلم وغيره وشاع
وذاع عنه من أعدائه قبل أوليائه إن لم يكن كل واحد منه متواترا تواترا لفظيا
فمجموعه متواترا تواترا معنويا ونهج البلاغة قد عرفت الكلام فيه وما روي
عنه من الحكم وما صدر عنه من الأحكام والاستشارة حاله ما روي عنه من
الفضائل وليس شئ من ذلك كله مجالا لبحث ولا لتشكيك بل هو أجلي
من الشمس الضاحية لولا ربقة التقليد.
ثم حكى (١) عن الطبقات في المقارنة بينه وبين ابن عباس بان ابن
عباس كان اعلمهما بالقرآن وكان علي اعلمهما بالمبهمات.
ونقول هذا من أنواع الغض من علي بكل وسيلة فابن عباس
تلميذ علي وخريجه وأين مرتبته العلمية من مرتبة علي؟.
قال: (٢) وكذلك كان يفعل جعفر الصادق بالمدينة أي له حلقة في
المسجد بالمدينة يؤخذ عنه فيها العلم قالوا وكان يشتغل بالكيمياء والزجر
والفأل.
ونقول اشتغاله بذلك من الأكاذيب التي لا تستند إلى مستند.
وقال: (٣) أكثر من روي عنه في تفسير القرآن علي بن أبي طالب
وعبد الله بن عباس وعبد الله بن مسعود وأبي بن كعب. وترتيبهم بحسب
كثرة ما روي عنهم لا بالنسبة لما صح، أولهم ابن عباس ثم ابن مسعود ثم
علي ثم أبي ويظهر انه وضع على ابن عباس وعلي أكثر مما وضع على غيرهما
لأسباب أهمها أن عليا وابن عباس من بيت النبوة فالوضع عليهما يكسب
الموضوع ثقة وتقديسا ومنها انه كان لعلي من الشيعة ما لم يكن لغيره فاخذوا
يضعون وينسبون له ما يظنون أنه يعلي من قدره العلمي وابن عباس كان
من نسله الخلفاء العباسيون يتقرب إليهم بكثرة المروي عن جدهم. أنظر
إلى ما روى ابن أبي حمزة عن علي: لو شئت أن أوقر سبعين بعيرا من أم
القرآن الفاتحة لفعلت وما روي عن أبي الطفيل شهدت عليا يخطب وهو
يقول سلوني فوالله لا تسألوني عن شئ إلا أخبرتكم وسلوني عن كتاب الله
فوالله ما من آية إلا وأنا اعلم أ بليل نزلت أم بنهار أم في سهل أم في جبل،
ومجرد رواية هذين الحديثين يغني عن التعليق عليهما.
ونقول في هذا الكلام: أولا إنه جعل المروي عن ابن مسعود
أكثر من المروي عن علي وقال إنه وضع على علي وابن عباس أكثر مما وضع
على غيرهما وإذا كان ما وضع على علي أكثر مما وضع على ابن مسعود فكيف
صار ما روي عن ابن مسعود أكثر مما روي عن علي وعلي أكثر ملازمة
للنبي ص من ابن مسعود وكل واحد فلا بد أن تكون روايته عنه أكثر
وإذا انضاف إليها ما وضع عليه بزعمه صار أكثر وأكثر فكيف صار ما رواه
ابن مسعود أكثر؟ ما هذا إلا تناقض!.
ثانيا إذا كان الوضع على علي وابن عباس يكسب الموضوع ثقة
وتقديسا لكونهما من بيت النبوة فأولى ان يضع الواضع على الرسول لأنه
يكسب الموضوع ثقة وتقديسا أكثر وإذا كان الواضع ليس صحابيا يمكنه
إسناد الحديث إلى الرسول ص بواسطة الصحابي.
ثالثا كما أن لعلي شيعة فلعثمان شيعة لا تقل عن شيعة علي فلم لم
يضعوا وينسبوا إليه ما يظنون أنه يعلي من قدره العلمي؟
رابعا قدر علي العلمي علي بنفسه بما تواتر وشاع وذاع وملأ بطون
الدفاتر لا يحتاج إلى أن يضع شيعته له ما يرفع من قدره وإنما يحتاج إلى ذلك
من كان يرجع إلى علي في المشكلات.
خامسا ابن عباس صحب عليا وتخرج عليه وصحب النبي
ص وأخذ عنه فإذا روي عنه في التفسير شئ كثير لم يكن مستبعدا ولا
مستغربا حتى يدعى ان ذلك موضوع للعلة المذكورة.
سادسا علي باب مدينة علم الرسول ص فلا يستبعد منه ان
يوقر سبعين بعيرا من تفسير الفاتحة وهي أم الكتاب والقرآن الكريم فيه
تبيان كل شئ وهو قد ذكر سابقا (٤) نقلا عن طبقات ابن سعد ان عليا كان
يهتم بالقرآن ويعرف معانيه وفيم نزل حتى زعموا انه كتبه على تنزيله هذا
مع شيوع المبالغة في لسان العرب.
سابعا قول علي لا تسألوني عن شئ إلا أخبرتكم قد استفاض
عنه وكذلك قوله سلوني عن كتاب الله الخ رواه أصحاب الاستيعاب
والإصابة والاتقان وغيرهم كما يأتي في الجزء الثالث عند ذكر مناقبه
وفضائله، والسنن لا ترد بهوى النفوس والاستنكار بلا مبرر وإذا كان علي
قد لزم الرسول ص من طفولته إلى آخر عمر النبي ص فهل يستنكر
ويستبعد ان يعلم كل آية أ بليل نزلت أم بنهار أم في سهل أم في جبل حتى
يكون مجرد روايتها مغنيا عن التعليق عليها لولا العصبية والهوى؟.
وقال (٥) نقلا عن ابن أبي الحديد ان الشيعة وضعت أحاديث في
الفضائل عداوة لخصومهم فوضعت البكرية أحاديث في مقابلتها فلما رأت
الشيعة ذلك أوسعوا في وضع الأحاديث فقابلتهم البكرية بمطاعن كثيرة في
علي وولديه ولقد كان الفريقان في غنية عن ذلك ولقد كان في فضائل علي
الثابتة الصحيحة وفضائل أبي بكر المحققة المعلومة ما يغني عن تكلف
العصبية لهما.
ونقول: سواء أ كان ما أدعاه ابن أبي الحديد على الشيعة حقا أو
باطلا فقد شاركتهم البكرية فيه وكون الشيعة هم المبتدئين بذلك يحتاج إلى
تحقيق فعلي كان غنيا بفضائله باعتراف خصوم الشيعة انه لم يرد لأحد من
الصحابة من الفضائل ما ورد له كما مر عن الإمام أحمد بن حنبل وغيره
وبذلك يصعب التصديق بأنهم وضعوا أو ابتدأوا بالوضع مع ما ذكره (٦) عن

(١) فجر الاسلام ص ١٨٤ الطبعة الرابعة.
(٢) فجر الاسلام ص ٢٠٣ الطبعة الرابعة.
(٣) فجر الاسلام ص ٢٤٩ الطبعة الرابعة.
(٤) فجر الاسلام ص ١٨٤ الطبعة الرابعة.
(٥) فجر الاسلام ص ٣٦٠ - ٣٦١ الطبعة الرابعة.
(٦) فجر الاسلام ص ٢٦١ الطبعة الرابعة.
(٤٨)

ابن عرفة ان أكثر الأحاديث الموضوعة في فضائل الصحابة افتعلت في أيام
بني أمية تقربا إليهم بما يظنون أنهم يرغمون به أنوف بني هاشم. فان ذلك
يرشدنا إلى أن الواضعين أو المبتدئين بالوضع من غيرهم لا منهم. وبعد فلو
صح أن الشيعة وضعت شيئا في الفضائل فما أخفي منها عداوة وحسدا
شئ كثير وما وضع في فضائل غيره أكثر وأكثر.
وذكر (١) كلاما طويلا حاصله انه بعد انقطاع الوحي واتساع المملكة
الاسلامية واجه المسلمون مسائل كثيرة في كل شأن من شؤون الحياة
واحتاجوا إلى تشريع لم يكونوا يحتاجون إليه وهم في جزيرة العرب إلى أن
قال وأحوال في الزواج لم يكن يعرفها العرب وأنواع في طريقة التقاضي لم
يكن لهم بها عهد وجنايات ترتكب لم يرتكبها العرب في حياتهم البسيطة ولم
يدع أحد ان القرآن والسنة الصحيحة نصا في المسائل الجزئية على كل ما
كان وما هو كائن فنتج عن هذا إن كان أصل آخر من أصول التشريع وهو
الرأي الذي نظم بعد وسمي بالقياس.
ونقول: لو سلمنا ان الكتاب والسنة لم ينصا على جميع جزئيات
المسائل ففي الكتاب والسنة وحكم العقل القطعي والاجماع قواعد كلية
يمكن ارجاع جميع تلك الجزئيات إليها مثل أصل الإباحة الثابت بقبح
العقاب بلا بيان وبقوله تعالى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا فيعلم
منه حكم كل ما شك في وجوبه أو تحريمه مما لا ضرر فيه. ومثل الناس
مسلطون على أموالهم. لا يحل مال امرئ الا عن طيب نفسه إلى غير ذلك
من القواعد الثابتة في الشرع التي يمكن ارجاع جميع الجزئيات إليها ولذلك
لما اعترض الإمام أبو حنيفة على محمد بن النعمان الأحول المعروف بمؤمن
الطاق بأنكم حيث لا تعملون بالقياس تبقون متحيرين في بعض الفروع فلو
خرج بعير من البحر ما تصنعون به؟ قال: إن كان له فلس أكلناه وإلا فلا
سواء أ كان بعيرا أم ناقة.
قال: (٢) جرى على هذا كثير من الصحابة فكانوا يستعلمون رأيهم
حيث لا نص كما جرى يوم السقيفة فالمحضر الذي ذكره المؤرخون لاجتماع
السقيفة يدلنا على كيفية استعمال رأيهم وتقليب الأمر على وجهه.
ونقول: أولا بعد أن نعتقد أن الصحابة يجوز عليهم الخطأ
فمع تسليم أنهم عملوا بآرائهم ليس لنا أن نقلدهم ولم يقم دليل على جواز
تقليدهم فليس لنا العمل بالرأي لكون بعض الصحابة عمل به سواء أ كان
من نوع القياس أم لا.
ثانيا إن الذي جرى يوم السقيفة لم يكن من نوع القياس ولا
علاقة له بالقياس كما هو ظاهر.
ثالثا النبي الذي لم يترك صغيرا ولا جليلا من أحكام الشرع إلا
بينه في العبادات والمعاملات والسياسيات والأخلاقيات والاجتماعيات
والحدود والديات حتى بين حكم من يقتل حيوانا في حال الاحرام وكيف
يجب أن يدخل الولد على أبيه لا يمكن أن يهمل أمرا هو أهم أمور الاسلام
وهو الخلافة ويكله إلى آراء الناس المختلفة المتضاربة المتأثرة بالشهوات
وحب الذات.
رابعا إن الذي جرى يوم السقيفة لم يدلنا على أنهم استعملوا
رأيهم بل كانت هناك أحزاب ثلاثة كل يطلب الامارة لنفسه كما مر بيانه فيما
مضى ثم تغلب أحد الثلاثة على الآخرين وتهددوا من تخلف بالقتل كما
جرى لسعد أو بالتحريق عليه كما جرى لعلي فأين هو الرأي والقياس؟
خامسا القياس لم يستطع مثبتوه أن يقيموا عليه دليلا مقنعا كما بين
في الأصول.
قال: (٣) في مسالة الجد مع الإخوة أن ابن عباس قال الجد يحجبهم
كالأب وقال علي وعمر يرث معهم.
ونقول: إن كانوا قالوا ذلك بآرائهم فليس لهم ذلك لأن الدين
يكون بالوحي لا بالرأي وعندنا أن النبي لا يقول برأيه بل بما أوحي إليه
فكيف بالصحابي، والمروي عن أهل البيت في ذلك أن الجد كالأخ وقد
رووه عن جدهم الرسول ص ولم يقولوه بآرائهم.
وقال أيضا في مسالة من ماتت عن زوج وأبوين: أعطى زيد بن
ثابت الأم ثلث ما بقي فقال ابن عباس أين وجدت في كتاب الله ثلث ما
بقي فقال زيد أقول برأيي وتقول برأيك.
ونقول في هذه المسألة للزوج النصف وللأم الثلث والباقي وهو
السدس للأب وقول زيد أن للأم ثلث النصف وللأب الثلثين مردود عليه
ولذلك قال له ابن عباس أين وجدت في كتاب الله ثلث ما بقي لأن القرآن
دال على أنه ثلث الأصل فهو لم يقل برأيه وإن كان زيد قال أقول برأيي
فليس له ذلك.
واستشهد بقول عمر بن عبد العزيز لعياض قاضي مصر حين كتب
إليه يسأله عن مسالة فاجابه لم يبلغني فيه شئ فاقض فيه برأيك.
ونقول: إن كان أراد بالقضاء برأيه الاستنباط من أدلة الشرع وإلا
فهو مخطئ.
وقال: الأمثلة الواردة في ذلك كثيرة جدا.
ونقول: الحق لا يثبت بكثرة الأمثلة.
وقال: (٤) والمتتبع يرى أنهم كانوا يستعملون كلمة الرأي بالمعنى
الذي نفهمه الآن من كلمة العدالة وبعبارة أخرى ما يرشد الذوق السليم
مما في الأمر من عدل وظلم وفسره ابن القيم بأنه ما يراه القلب بعد فكر
وتأمل وطلب لمعرفة وجه الصواب ثم استشهد بما روي أن عمر بن الخطاب
لما استشار في ميراث الجد والإخوة قال زيد وكان رأيي أن الجد أولى
فضربت له مثلا بشجرة تشعب من أصلها غصن ثم تشعب في ذلك خوطان
ألا ترى أن أحد الخوطين أقرب إلى أخيه من الأصل وهو يأبى إلا أن الجد
أولى من الأخوة.
ونقول سواء أ كانوا يستعملون الرأي في معنى كلمة العدالة أو
غيرها أم لا فالرأي ليس من أدلة الأحكام الشرعية والعدالة لا تكون
بالحكم بالرأي الذي يخطئ ويصيب بل ذلك عين الظلم والأحكام لا
تدرك بالأذواق والعدل الحكم بما حكم الله والظلم الحكم بخلافه والذوق
ليس معبرا عن إرادة الله والقلب في الأحكام الشرعية أعمى إلا من طريق
الدليل ولا يفيده الفكر والتأمل إلا في تحصيل الدليل لا في الأخذ بالرأي.
ومعرفة وجه الصواب لا تكون إلا بالنظر في الدليل من وجوهه الخاصة لا

(١) فجر الاسلام ص ٢٨٨ الطبعة الرابعة.
(٢) فجر الاسلام ص ٢٨٩ الطبعة الرابعة.
(٣) فجر الاسلام ص ٢٩٠ الطبعة الرابعة.
(٤) فجر الاسلام ص ٢٩٠ - ٢٩١ الطبعة الرابعة.
(٤٩)

من الرأي وتمثيل زيد بالشجرة إن صح لا يرتكز على أساس فليست
الأحكام الشرعية بضرب الأمثال وإن كان الأمر كذلك فكيف ورث الأخ
مع البنت بالتعصيب على أن هذا ينافي ما مر من أن عمر وعليا قالا بإرث
الإخوة مع الجد.
واستشهد (١) بقصة رجل قتلته امرأة أبيه وخليلها فتردد عمر هل يقتل
الكثير بالواحد فقال له علي أ رأيت لو أن نفرا اشتركوا في سرقة جزور فاخذ
هذا عضوا وهذا عضوا أ كنت قاطعهم قال نعم قال كذلك هذا فعمل عمر
برأيه.
ونقول: هذا استنباط من الدليل لا عمل بالرأي فالقاتل يصدق
على كليهما كالسارق.
وقال في المسألة المشتركة وهي المعروفة بالحمارية وهي امرأة
توفيت عن زوج وأم وأخوة لأم وأخوة أشقاء كان عمر يعطي للزوج النصف
وللأم السدس وللأخوة لأم الثلث فلا شئ للأخوة الأشقاء فقيل له هب
إن أبانا كان حمارا أ لسنا من أم واحدة فعدل رأيه وأشرك بينهم.
ونقول: للأم هنا الثلث لأنها ليست بمحجوبة إذ من شرط
الحجب وجود الأب وإن صحت هذه القصة كانت أدل على بطلان العمل
بالرأي.
قال: (٢) ولما سئل علي في عقوبة شارب الخمر قال من شرب هذى
ومن هذى افترى فأرى عليه حد المفترى وهو القاذف.
ونقول: إن كان شارب الخمر ورد له حد في الشرع وقد ورد له
في السنة فليس هذا رأيا من علي إنما هو استنباط حكمة تناسب علم علي
وإن لم يرد له كان تعزيره موكولا إلى رأي الامام وما استنبطه في ذلك يدل
على علم غزير وكيف كان فلا دلالة له على العمل بالرأي.
قال: (٣) ولعل عمر كان أظهر الصحابة في استعمال الرأي وكان هذا
من توفيق الله للمسلمين بل يظهر أنه كان يستعمل الرأي في أوسع من
المعنى الذي ذكرناه وهو استعمال الرأي حيث لا نص من كتاب ولا سنة
ولكننا نرى عمر سار أبعد من ذلك فكان يجتهد في تعرف المصلحة التي
لأجلها كانت الآية أو الحديث ثم يسترشد بتلك المصلحة في أحكامه مثل ما
روي عنه أنه منع المؤلفة قلوبهم ومزق كتاب أبي بكر الذي كتبه بأرض
لعيينة بن حصن والأقرع بن حابس وقال إن الله أعز الاسلام فان ثبتم عليه
وإلا فبيننا وبينكم السيف وبعدم قطعه أيدي غلمة حاطب وقد أقروا
بالسرقة لما علم أنهم كانوا جياعى لو أكلوا ما حرم الله عليهم حل لهم.
ونقول: بعد ما عرفت أن استعمال الرأي في الدين غير صواب لم
يعقل أن يكون استعماله توفيقا للمسلمين بل هو من عدم توفيقهم، وقول
الصحابي لم يقم دليل على أنه حجة ولا عد من أدلة الأحكام وأما استشهاده
بقصة الكتاب للأقرع و عيينة فخرج عن الموضوع لأن حاصل القصة أن أبا
بكر كان يتألفهما وفي زمن عمر لم يبق موجب لتألفهما فأين هذا من استعمال
الرأي في مورد النص وكذلك عدم قطع أيدي غلمة حاطب لأن من كان
يحل له أكل الميتة لجوعه لا يقطع في السرقة فإن كان الغلمة كذلك لم يكن
عملا بالرأي وإلا وجب قطعهم، نعم إسقاط حي على خير العمل من
الأذان بعد ما كانت على عهد رسول الله ص لئلا يترك الناس الجهاد
وجعل الطلاق الثلاث ثلاثا بعد ما كان على عهد الرسول وأبي بكر وسنتين
من خلافة عمر واحدة كما سيأتي في الذي بعده وغير ذلك هو من العمل
بالرأي مقابل النص.
قال: (٤) ومثل ذلك ما جاء في صحيح مسلم عن ابن عباس: كان
الطلاق الثلاث على عهد رسول الله ص وأبي بكر وسنتين من خلافة
عمر طلاق الثلاث واحدة فقال عمر بن الخطاب: إن الناس قد استعجلوا
في أمر كانت لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم فأمضاه.
ونقول: كان من أثر هذا الرأي الذي هو من جملة توفيق الله
للمسلمين عند الأستاذ أحمد أمين أن الرجل إذا غضب على زوجته وقال لها
أنت طالق ثلاثا أن تحرم عليه ولا تحل له حتى تنكح زوجا غيره فيضطر هذا
المسكين بعد أن يؤوب إليه رشده إلى أن يستدعي رجلا مستورا إلى بيته
فيعشيه ويزوجه بزوجته ويدخله عليها لأنه وقع بين مصائب: إما فراق
زوجته التي عليها قيام بيته وتربية أولاده وإما بقاؤه معها الذي يعتقد أنه زنا
وإما تزويجها برجل في بيته وعلى فراشه فيختار الأخير وإن نافى مروءته
وشهامته لا سيما إذا كان الطلاق يصح باللفظ العامي الملحون لأنه من
الآراء التي فيها التوفيق للمسلمين وفي حال الحيض وإن كان بدعة وفي طهر
المواقعة وبدون شاهدين عدلين وإن خالف قوله تعالى: واشهدوا ذوي
عدل منكم. وهذا هو الذي لا يحتاج إلى تعليق عليه ويكتفي بمجرد نقله
لا ما قاله في بعض الأحاديث الواردة في فضل علي كما مر.
ومن عجيب آراء الأستاذ أحمد أمين قوله في فجر الاسلام: (٥) أن
الأحاديث الموضوعة نفسها كان لها فضل في التشريع فإنها لم توضع اعتباطا
ولا كانت مجرد قول يقال إنما كانت في الغالب نتيجة تفكير فقهي وبحث
واجتهاد ثم وضع هذا الرأي وهذا الاجتهاد في قالب حديث. وهذا هو
الذي لا يحتاج إلا لمجرد نقله بدون تعليق عليه لا ما زعمه من بعض
الأحاديث الواردة في فضل علي كما مر. وما كنا نحسب أن نصل إلى زمان
يعد فيه لوضع الأحاديث على الرسول ص فضل على التشريع. ولعل
المتتبع لكتابه الفجر والضحى يجد من هذا القبيل شيئا كثيرا.
وقال: (٦) كانت البذرة الأولى للشيعة الجماعة الذين رأوا بعد وفاة
النبي ص أن أهل بيته أولى أن يخلفوه.
ونقول: بل البذرة الأولى للشيعة كانت في عهد النبي ص وقد
بذرها النبي ص بما كان ينوه به من فضله مثل أنت مني بمنزلة هارون
من موسى وغيره.
قال: وظهرت فكرة الدعوة لعلي بسيطة كما يدل عليه التاريخ
وتتلخص في أن لا نص على الخليفة فترك الأمر لأعمال الرأي فالأنصار
أداهم رأيهم إلى أنهم أولى بها والمهاجرون كذلك وأصحاب علي إلى أن
الخلافة ميراث أدبي ولو كان النبي يورث في ماله لكان أولى به قرابته
فكذلك الإرث الأدبي.

(١) فجر الاسلام ص ٢٩١ الطبعة الرابعة.
(٢) فجر الاسلام ص ٢٩١ الطبعة الرابعة.
(٣) فجر الاسلام ص ٢٩٢ الطبعة الرابعة.
(٤) فجر الاسلام ص ٢٩٣ الطبعة الرابعة.
(٥) فجر الاسلام ص ٣٠١ الطبعة الرابعة.
(٦) فجر الاسلام ص ٣٢٦ الطبعة الرابعة.
(٥٠)

ونقول: فكرة الدعوة لعلي سواء أ كانت بسيطة أم مركبة هي فكرة
في أمر من أهم أمور الاسلام والحق أن التاريخ لم يدل على أنها بسيطة ولا
تتلخص فيما ذكره بل تتلخص في أن النبي ص نص على علي يوم الغدير
ولما أحس بدنو أجله أراد انفاذ جيش بامرة أسامة وأمره على وجوه المهاجرين
والأنصار لئلا يبقى عند موته في المدينة من يطمع في منازعة علي فلم ينفذ
ذلك الجيش وأراد أحكام الأمر بان يكتب لهم كتابا لا يضلون بعده أبدا فقال
بعضهم حسبنا كتاب ربنا ونسبوه إلى الهجر وتحامل إلى المحراب وهو في أشد
المرض ليدفع الشبهة.
والخلافة عرفها أهل الكلام بأنها رياسة عامة في أمور الدين
والدنيا لشخص من الأشخاص نيابة عن النبي ص فالخليفة نائب عن
النبي وقائم مقامه والنبي جاء بالشريعة من عند ربه والخليفة حافظ لها من
الزيادة والنقصان حاكم بين الناس بالعدل حافظ للثغور وكما يجب على الله
تعالى من باب اللطف بعباده أن يرسل إليهم رسولا يعرفهم الحلال من
الحرام ويحكم بينهم بالعدل ويحمي ثغورهم كذلك يجب أن ينصب لهم إماما
بعد النبي يقوم بذلك وكما يجب في النبي أن يكون معصوما ليقبل قوله ولا
يسقط من القلوب محله كذلك يجب في الامام أن يكون معصوما للعلة
نفسها، ولقوله تعالى لا ينال عهدي الظالمين. والخلافة عهد من الله
والعاصي ظالم لنفسه فلا ينالها.
والأنصار أو بعض الأنصار قالوا لا نبايع إلا عليا رواه الطبري.
والمهاجرون كان كثير منهم موتورين من بني هاشم وخصوصا من علي
ومنافسين له فمالوا عنه والأنصار مال أحد رؤسائهم أسيد بن حضير رئيس
الأوس مع المهاجرين حسدا لسعد رئيس الخزرج لما رأوا سعدا لم ينجح في
طلبها وأصحاب علي كانوا يرون أن عليا أحق بها كغيرهم بالنص والفضل
ولا يرونها ميراثا أدبيا كما زعم وأين الميراث الأدبي من أمر هو من أهم
الأمور الدينية لكنهم لما رأوا الأكثر مالوا عن علي كانوا مقهورين على
أتباعهم وكذلك علي. والنبي يورث في ماله بنص القرآن ولذلك طالبت
بإرثه ابنته ولم تقنع بخبر الواحد: نحن معاشر الأنبياء لا نورث، وظلت
مصرة على المطالبة وماتت غاضبة بنص رواية البخاري، وأوصت أن تدفن
سرا ودفنت سرا ولو كان النبي لا يورث لوجب أن يعلمها بذلك لئلا
تطالب بغير حقها وإلا كان النبي وحاشاه مقصرا في التبليغ ولو أعلمها
لما طالبت فهي كانت أورع وأتقى من أن تطالب بما ليس لها بحق وتبقى
مصرة على المطالبة. سواء أ كان النبي ص يورث أم لا فالخلافة ليست
بالميراث فكون النبي يورث في ماله أو لا يورث لا دخل له بالخلافة كما
توهم.
قال: ولم يرد من طريق صحيح أن عليا ذكر نصا من آية أو
حديث يفيد أن رسول الله ص عينه للخلافة ولو كان لديه نص وذكره لما
بقي الأنصار والمهاجرون على رأيهم ولبايعوه.
ونقول: النص على أن النبي ص عينه للخلافة يوم الغدير
ثابت موجود ذكرناه مفصلا في الجزء الثاني والجزء الثالث أما أنه ذكره أو لم
يذكره فالله أعلم بذلك وأما أنه لو كان لديه نص وذكره لبايعه المهاجرون
والأنصار فقد كان لديه نص يوم الغدير كما سمعت وسمعوه ومع ذلك لم
يبايعوه للسبب الذي مر وما يفيد ذكره للنص وهم يتهددونه بتحريق البيت
عليه إن لم يخرج للبيعة فيقال لهم إن فيه فاطمة فيقولون وإن.
قال: بل ما بأيدينا من تاريخ يدل على أن عليا بايع أبا بكر وإن
كان بعد تلكؤ كما بايع عمر وعثمان من بعده. وكل ما صح عن علي أنه كان يرى أنه
كان أولى بالأمر منهم ويحتج بأنه وأهل بيته الثمرة وقريش
الشجرة والثمرة خير ما في الشجرة.
ونقول: نعم بايع أبا بكر لكن بعد ما ذا وهل في وسعه أن لا يبايع
عمر بعد ما نصبه الخليفة السابق خليفة من بعده أو في وسعه أن لا يبايع
عثمان بعد ما أمر الخليفة الثاني بقتل من خالف نتيجة الشورى،
واحتجاجه بأنهم حفظوا الشجرة وضيعوا الثمرة ردا على ما احتج على
الأنصار بان قريشا شجرة النبي ما كان إلا تألما وتوجعا وبيانا لوهن هذا
الاحتجاج لا إنه ليس له حجة سواه وما يفيد الاحتجاج وقد سبق السيف
العذل.
وقال: ويروي البخاري عن ابن عباس أن عليا خرج من عند
النبي ص في وجعه الذي توفي فيه إلى أن قال فاخذ بيده العباس
وقال أنت والله بعد ثلاث عبد العصا وإني والله لأرى رسول الله ص
سيتوفى من وجعه هذا فاذهب بنا إليه نسأله فيمن هذا الأمر فإن كان فينا
علمناه وإن كان في غيرنا كلمناه فاوصى بنا فقال علي ان سألناها فمنعناها لا
يعطيناها الناس بعده وإني والله لا أسألها.
ونقول: الثابت في ذلك ما رواه المفيد في ارشاده من أنه لما طلب
الدواة والكتف ليكتب لهم كتابا لن يضلوا بعده أبدا وقالوا ما قالوا أعرض
بوجهه عنهم فنهضوا وبقي عنده العباس وابنه الفضل وعلي بن أبي طالب وأهل
بيته خاصة فقال له العباس يا رسول الله إن يكن هذا الأمر فينا مستقرا من
بعدك وإن كنت تعلم أنا نغلب عليه فأوص بنا فقال أنتم المستضعفون من
بعدي الحديث. أما الحديث الذي ذكره فلا يكاد يصح فالخلافة إن
كانت أمرا إلهيا وجب على النبي بيانها ولم يحتج إلى السؤال عنها وإن كانت
باختيار الناس فلا معنى لسؤاله عنها لأنها تكون فيمن اختارته الأمة وكيف
يقول علي وإن سألناها فمنعناها لا يعطيناها الناس بعده فاعطاؤها ومنعها
عندكم ليس بيد الرسول ص حتى يعطيها أو يمنعها. وكيف يقول علي
وإني والله لا أسألها وهو يرى نفسه أحق بها كما اعترف به في كلامه
السابق.
وقال: (١) كان جمع من الصحابة يرى أن عليا أفضل من أبي بكر
وعمر وغيرهما، كعمار وأبي ذر وسلمان وجابر والعباس وبنيه وأبي وحذيفة
إلى كثير غيرهم.
ثم قال ناقلا عن مقدمة ابن خلدون: ونرى بعد هذا العصر أن
الفكرة تطورت فقال شيعة علي أن الإمامة ليست من المصالح العامة التي
تفوض إلى نظر الأمة بل هي ركن الدين ولا يجوز لنبي إغفالها ولا تفويضها
إلى الأمة بل يجب عليه تعيين الامام لهم ويكون معصوما من الكبائر
والصغائر وإن عليا هو الذي عينه بنصوص ينقلونها ويؤولونها على مقتضى
مذهبهم لا يعرفها جهابذة السنة ولا نقلة الشريعة بل أكثرها موضوع أو
مطعون في طريقه أو بعيد عن تأويلاتهم الفاسدة.
ونقول: فكرة الإمامة لم تتطور عند الشيعة بل هي عندهم في

(١) فجر الاسلام ص ٣٢٢ الطبعة الرابعة.
(٥١)

عصر النبي ص مثلها بعد عصره وهي من أهم المصالح العامة بعد
النبوة ولم يكن الله تعالى بحكمته ولطفه ورأفته بالعباد ليكلها إلى نظر الناس
المتفرقي الأهواء المختلفي الطباع وكما يجب في النبي المبعوث لهداية الأمة أن
يكون معصوما من الصغائر والكبائر لتقبل الأمة قوله ولا تنفر عنه كذلك
يجب في الإمام القائم مقامه والنائب عنه في حفظ الشريعة التي جاء بها من
الزيادة والنقصان وحفظ الثغور والحكم بين الناس بالعدل لتقبل الأمة قوله
فالدليل الدال على وجوب عصمة النبي دال على وجوب عصمة الامام وقوله
بنصوص ينقلونها ويؤولونها على مقتضى مذهبهم يرده أنها صريحة غير
محتاجة إلى التأويل وإنما يؤولها غيرهم على مقتضى مذهبهم بتأويلات فاسدة
هي بعيدة عنها. وجهابذة السنة هم الذين رووها وصححوا طرقها كما
ذكرناه في الجزء الثاني في أدلة إمامته.
قال: ومن هنا نشأت فكرة الوصية ولقب علي بالوصي يريدون
أن النبي اوصى لعلي بالخلافة من بعده إلى أن قال: وانتشرت كلمة
الوصي بين الشيعة واستعملوها ثم ذكر قول أبي الهيثم بن التيهان وكان
بدريا في أبياته: أن الوصي امامنا وولينا وقول غلام من جيش عائشة:
نحن بني ضبة أعداء علي ذاك الذي يعرف قدما بالوصي
قال: وسقنا هذا لبيان إن كلمة الوصي شاعت في إطلاقها على
علي وإن كنا نشك في نسبة هذه الأبيات إلى قائليها.
ونقول: أخطأ في قوله إنهم يريدون ان النبي اوصى لعلي
بالخلافة فوصاية علي كانت على قضاء دينه ووفاء وعوده والقيام بأمر أهله
ولكن ذلك يومي إلى أنه لم يكن ليأتمن غيره على أمور أمته العامة كما لم يأتمن
غيره على أموره الخاصة وهو يقول إنه يشك في نسبة هذه الأبيات إلى قائليها
بالطبع لأنها تثبت الوصاية لعلي وإن رواها ثقات المؤرخين. أما ما يفيد
الغض من علي وشيعته فلا يتطرقه الشك مهما كان ناقله. وتلقيب علي
بالوصي كان شائعا مشهورا وقد أورد ابن أبي الحديد على اشتهاره عدة
شواهد واشتهر حتى عند أعداء علي فقاله الغلام الذي في جيش عائشة كما
سمعت، والمؤلف لما كانت نفسه لا تطاوعه على تلقيب علي بالوصي
شككها في أصل الشعر.
ثم نقل (١) عن ابن أبي الحديد كلاما في حق علي وقال إنه يعد من
معتدلي الشيعة.
ونقول ابن أبي الحديد معتزلي وأين المعتزلي من الشيعي فلا يصح
عده في معتدلي الشيعة ولا في متجاوزيهم.
قال: (٢) فمنهم من اقتصر على القول بان الخلفاء الثلاثة ومن
شايعهم أخطأوا ومنهم من تعالى فكفرهم وكفر من شايعهم.
ونقول مذهب الشيعة إن الاسلام هو ما عليه جميع أهل المذاهب
فضلا عن الخلفاء وعليه يجري التناكح والتوارث وسائر أحكام الاسلام حتى
إن من قال بالتجسيم من الحنابلة ولكنه لم يلتزم بلوازم قوله لا يحكم عليه
بالكفر ولكن تكفير الخلفاء بدأ من الصدر الأول ومن الصحابة المقدسين
فقد كانت أم المؤمنين تقول اقتلوا نعثلا فقد كفر وكان معاوية يقول عن
أحد أصحاب علي إنه كفر كفرة صلعاء أو ما هذا معناه وكان علي يسب على
منابر الاسلام في جميع البلدان حتى على منبر رسول الله ص بالمدينة في
الأعياد والجمعات نحوا من سبعين سنة.
قال: (٣) وانحدروا من ذلك إلى شرح حوادث التاريخ على وفق
مذهبهم وتأويل الوقائع تأويلا غريبا أسوق لك مثلا منه فزعموا أن رسول
الله ص كان يعلم موته وإنه سير أبا بكر وعمر في بعث أسامة لتخلو
المدينة منهما فيصفو الامر لعلي فلم يتم ما قدر وتثاقل أسامة بالجيش أياما مع
شدة حثه على نفوذه.
ونقول: حوادث التاريخ في ذلك بينة لا تحتاج إلى شرح وتأويل
والنبي ص حينما أحس بدنو أجله كان في شغل بنفسه عن تسيير الجيوش
لحرب الروم الذين يعدون بمئات الألوف وعن الحث على تنفيذ جيش أسامة
مرارا والتشدد فيه وهو في أشد المرض ونرى المؤلف لم يبين وجه الغرابة فيما
زعمه تأويلا واقتصر على مجرد الدعوى.
قال: ولم يكتف غلاة الشيعة في علي بأنه أفضل الخلق بعد النبي
وإنه معصوم بل منهم من ألهه.
ونقول: تفضيل علي وعصمته لا غلو فيه فقد قام البرهان
الساطع عليه وسنفصله هنا وفي الجزء الثالث وكذلك وجوب الإمامة
وعصمة الامام قد مرت الإشارة إليها وذكرنا أن الدليل الدال على وجوب
النبوة ووجوب عصمة النبي دال عليها وأما خلط من أله عليا مع الشيعة
فهو خطا وظلم فالشيعة تبرأ من كل غال ومؤله.
قال: وقد ذكروا إن أول من دعا إلى تاليه علي عبد الله بن سبأ
اليهودي في حياة علي وهو الذي حرك أبا ذر الغفاري للدعوة الاشتراكية
وكان من أكبر من ألب الأمصار على عثمان والآن أله عليا.
ونقول: أبو ذر الذي شهد له الرسول ص بأنه ما أظلت
الخضراء ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق منه. والذي وصفه
علي ع بأنه وعى علما عجز عنه الناس ثم أوكأ عليه ولم يخرج
شيئا منه لم يكن ليدعو إلى الاشتراكية الباطلة بضرورة دين الاسلام
ولم يكن ليتبع فيها رأي ابن سبا اليهودي الأصل وأولى به أن يتبع
رأي علي بن أبي طالب الذي اشتهر بولائه واتباعه وهيهات أن يدعه
علي يعتقد ذلك وأبو ذر انما كان يعيب على الذين يكنزون الأموال من مال
الأمة وينفقونها على ذوي قراباتهم ومن لهم فيه هوى ويمنعونها غيرهم فتوهم
البعض من بعض أقواله إنه يدعو للاشتراكية. اما تأليب ابن سبا الأمصار
على عثمان فهو أقل وأذل من ذلك وإنما الذي ألب الأمصار على عثمان هو
مروان الذي كان يكتب الكتب عن لسان عثمان ويختمها بخاتمه ويرسلها
مع غلامه على ناقته وعثمان لا يعلم بذلك، والوليد بن عقبة الذي تقيأ
الخمر في محراب مسجد الكوفة وصلى الصبح ثلاثا وهو سكران، ومن كان
يخرج قميص رسول الله ص ويقول ما يقول ويصف عثمان بما يصف
والذين خرجوا من المدينة إلى مكة وعثمان محصور وألبوا عليه ولم ينصروه ثم
خرجوا يطلبون بثاره وهم ثاره. هؤلاء الذين ألبوا الأمصار على عثمان
وكان لتأليبهم الأثر الفعال لا ابن سبا وإن موه المموهون.
قال: والذي يؤخذ من تاريخه أي ابن سبا أنه وضع تعاليم
لهدم الاسلام وألف جمعية سرية لبث تعاليمه نزل البصرة بعد أن أسلم
ونشر فيها دعوته فطرده واليها ثم أتى الكوفة فاخرج منها ثم جاء مصر

(١) فجر الاسلام ص ٣٢٨ الطبعة الرابعة.
(٢) فجر الاسلام ص ٣٢٩ الطبعة الرابعة.
(٣) فجر الاسلام ص ٣٣٠ الطبعة الرابعة.
(٥٢)

فالتف حوله ناس من أهلها، وأشهر تعاليمه الوصاية والرجعة وكان قوله
في الوصاية أساس تأليب أهل مصر على عثمان بدعوى أنه أخذ الخلافة من
علي بغير حق وأيد رأيه بما نسب إلى عثمان من مثالب.
ونقول: هذا تضليل في التاريخ وقلب للحقائق فابن سبأ
سواء أ صح أنه وضع تعاليم وألف جمعية أم لم يصح فأهل مصر وغير مصر إنما
تألبوا على عثمان فيما ذكره الطبري في التاريخ وغيره لأنه أحدث احداثا
مشهورة نقمها الناس عليه من تأمير بني أمية لا سيما الفساق منهم وأرباب
السفه وقلة الدين وإخراج مال الفئ إليهم وما جرى في أمر عمار وأبي ذر
وابن مسعود وغير ذلك. وقال الطبري كان عمرو بن العاص ممن يحرض
على عثمان ويغري به كان يقول والله أني لألقى الراعي فأحرضه على عثمان
فضلا عن الرؤساء فلما سعر الشر بالمدينة خرج إلى منزله بفلسطين حتى قتل
عثمان فخرج مع معاوية يطلب بدمه في صفين. وقال الطبري: كتب
جمع من أهل المدينة من الصحابة وغيرهم إلى من بالآفاق إن كنتم تريدون
الجهاد فهلموا إلينا فان دين محمد قد أفسده خليفتكم فجاء المصريون
وغيرهم إلى المدينة حتى حدث ما حدث. قال ابن أبي الحديد: روى
الواقدي والمدائني وابن الكلبي وأبو جعفر الطبري في التاريخ وغيرهم من
جميع المؤرخين إن عليا لما رد المصريين رجعوا بعد ثلاث فاخرجوا صحيفة
في أنبوبة رصاص وقالوا وجدنا غلام عثمان بالموضع المعروف بالتويت على
بعير من ابل الصدقة ففتشنا متاعه فوجدنا هذه الصحيفة ومضمونها أمر
عبد الله بن سعد بن أبي سرح بجلد اثنين وحلق رؤوسهما ولحاهما وحبسهما
وصلب قوم آخرين من أهل مصر فاقسم عثمان بالله ما كتبته ولا علمته ولا
أمرت به فقيل هذا من عمل مروان فقال لا أدري الحديث.
هذا أساس تأليب أهل مصر على عثمان لا قول ابن سبا في الوصاية
سواء أ صح قوله في الوصاية أم لم يصح، على أن الوصاية قد عرفت
اشتهارها وانتشارها بين الناس حتى قاله بعض أعدائه في شعره ولا أثر لابن
سبا في ذلك أبدا مع أنك قد عرفت أن الوصاية لا يراد بها الوصاية بالخلافة
وإن أمكن ان يستدل بها على الإمامة فكلامه اشتباه.
قال: وأما الرجعة فقد بدأ قوله بان محمدا يرجع ثم تحول إلى
القول بان عليا يرجع وفكرة الرجعة أخذها ابن سبا من اليهودية فعندهم أن
النبي الياس صعد إلى السماء وسيعود فيعيد الدين والقانون ووجدت الفكرة
في النصرانية أيضا في عصورها الأولى.
ونقول: سواء أ كان ابن سبا أخذ فكرة الرجعة من اليهودية أم
من غيرها، فان صحت الرواية بها كانت كأمر تاريخي لا علاقة له
بالعقائد الدينية وإن لم تصح لم يقل أحد بها فليست الرجعة مما يجب اعتقاده
أو يضر عدم الاعتقاد به كما ستعرف عند تعرضه لها مرة ثانية، ولكن فكرة
الرجعة أول من قال بها عمر بن الخطاب: روى ابن سعد في الطبقات
بسنده عن ابن عباس ان النبي ص قال ائتوني بدواة وصحيفة أكتب
لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا قال عمر من لفلانة وفلانة مدائن الروم إن
رسول الله ليس بميت حتى نفتحها ولو مات لانتظرناه كما انتظرت بنو
إسرائيل موسى الحديث.
وقال الطبري وابن سعد وغيرهما: لما توفي رسول الله ص قال
عمر إن رسول الله ما مات ولكنه ذهب إلى ربه كما ذهب موسى بن عمران
فغاب عن قومه أربعين ليلة ثم رجع بعد أن قيل قد مات والله ليرجعن
رسول الله فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم يزعمون أنه قد مات اه‍.
قال (١) الاعتراف بالامام والطاعة له جزء من الايمان في نظر
الشيعة والامام في نظرهم ليس كما ينظر إليه أهل السنة فعند أهل السنة هو
نائب عن صاحب الشريعة في حفظ الدين فهو يحمل الناس على العمل بما
أمر الله وهو رئيس السلطة القضائية والإدارية والحربية وليس لديه سلطة
تشريعية إلا تفسيرا لأمر أو اجتهاد فيما ليس فيه نص. أما عند الشيعة
فللامام معنى آخر هو أنه أكبر معلم فالامام الأول قد ورث علوم النبي
ص وهو ليس شخصا عاديا بل هو فوق الناس لأنه معصوم من الخطأ.
ونقول: الاعتراف بالامام والطاعة له واجب في نظر جميع
المسلمين وإذا وجب كان جزءا من الايمان قال السعد التفتازاني في شرح
العقائد النسفية: الاجماع على أن نصب الإمام واجب وإنما الخلاف في أنه
يجب على الله أو على الخلق بدليل سمعي أو عقلي والمذهب أنه يجب على
الخلق سمعا لقوله ع: من مات ولم يعرف امام زمانه مات ميتة
جاهلية اه. والامام لا يختلف معناه عند جميع المسلمين ممن تسموا
بالسنيين والشيعيين لأن علماء الكلام من الفريقين عرفوا الإمامة بأنها رياسة
عامة في أمور الدين والدنيا لشخص من الاشخاص نيابة عن النبي
ص. ثم هو في تفرقته بين الامام في نظر الشيعة وبينه في نظر السنيين
بأنه عند السنيين نائب عن صاحب الشرع إلى قوله ليس لديه سلطة
تشريعية لم يأت بفارق لأنه في نظر الفريقين نائب عن صاحب الشريعة في
حفظها ويحمل الناس على العمل بأوامر الله وهو رئيس السلطات الثلاث
وليس لديه سلطة تشريعية ولكن إذا كان شخصا عاديا كما هو عند غير
الشيعة فليس له ان يفسر أمرا بغير ما يفهم منه ولا ان يجتهد فيما ليس فيه
نص خصوصا إذا كان غيره اعلم منه فإنه لا يلزم كونه اعلم عند غير
الشيعة. وفي العقائد النسفية: لا يشترط أن يكون
معصوما ولا ان يكون أفضل أهل زمانه ولا ينعزل بالفسق اه. وإذا كان غير معصوم ولا
أعلم فما الذي سوع له الاجتهاد فيما لا نص فيه وما الذي
أوجب على الناس قبول اجتهاده واستثناؤه التفسير والاجتهاد من
نفي السلطة التشريعية في الأمرين واختيار الناس له لم يغير من ذاته شيئا إنما
أكسبه لقب الخليفة أو أمير المؤمنين ولم يكسبه رفع الخطا عن تفسيره
واجتهاده. وإذا جاز أن يترك أمر الله لعدم عصمته فكيف يحمل الناس على
العمل بما أمر الله وكيف يقبلون قوله. ثم الامام عند الشيعة كما أنه ليس
لديه سلطة تشريعية بل هو تابع لتشريع النبي كذلك ليس له أن يجتهد في
الأحكام الشرعية فإذا حكم بحكم فيما لم نجد به نصا فليس حكمه
باجتهاده بل بالنقل عن النبي عن الله تعالى فان النبي والإمام ليس لهما
الاجتهاد في أحكام الشرع عند الشيعة وكذلك إذا فسر الامام شيئا من أمور
الشرع خفي علينا فما هو إلا ناقل، إذا فحاصل الفرق الصحيح بين الامام
في نظر الفريقين إن الشيعة يشترطون أن يكون أفضل أهل زمانه معصوما
من الذنوب ويقولون إن نصبه من قبل النبي. ومن تسموا بالسنيين لا
يشترطون كونه أفضل أهل زمانه ويجوزون اجتهاده فيما لا نص فيه وتفسيره
الأمور برأيه. وإذا كان ليس له سلطة تشريعية فلما ذا قبل قوله فيما كان
على عهد رسول الله ص فقال أنا أحرمه أعاقب عليه وفي إسقاطه حي
على خير العمل من الأذان والإقامة وزيادته الصلاة خير من النوم في آذان
الصبح.

(١) فجر الاسلام ص ٣٣٢ الطبعة الرابعة.
(٥٣)

قال: (١) وهناك نوعان من العلم علم الظاهر وعلم الباطن وقد
علمهما النبي ص لعلي فكان يعلم باطن القرآن وظاهره وأطلعه على
أسرار الكون وخفايا المغيبات وكل أمام ورث هذه الثروة العلمية لمن بعده.
ونقول: الشيعة كسائر المسلمين لا تعتقد التكليف بالعمل إلا
بظاهر القرآن والأمور التي يزعم الباطنية إنها في القرآن يبرأ الشيعة منها ومن
مدعيها وقد أخرج أبو نعيم في حلية الأولياء عن ابن مسعود أنه قال القرآن
أنزل على سبعة أحرف ما منها حرف إلا وله ظهر وبطن وإن علي بن أبي
طالب عنده من الظاهر والباطن اه فبأن ان الشيعة إن فرض انها روت
ذلك فلم تروه وحدها بل شاركها في روايته غيرها. وعند غير الشيعة ممن
تسموا بالسنيين عقائد أعظم من هذه في القطب والغوث وأشباه ذلك مع
عدم اعتقادهم بعصمتهم.
قال: ولا يؤمنون بالعلم والحديث إلا إذا روي عن هؤلاء
الأئمة.
ونقول: هذا كذب وافتراء فأدلة الفروع عندهم الكتاب والسنة
والاجماع ودليل العقل ولا يقبل في الأصول إلا الدليل والبرهان دون التقليد
ولا يؤمنون بالحديث إلا إذا روته الثقات ولا يعدلون مائة ألف أو يزيدون
لأنهم وسموا بالصحبة مع ما ظهر من بعضهم من منافيات العدالة فأي
الفريقين أقرب إلى الصواب وأحق بالعذر؟!.
وقال: عند ذكر الزيدية أنهم أتباع زيد بن حسن بن علي بن
الحسين بن علي بن أبي طالب.
ونقول: بل هو زيد بن علي بن الحسين فجعله زيد بن حسن.
وقال: إن مذهب الزيدية أعدل مذاهب الشيعة وأقربها إلى أهل
السنة ولعل ذلك لأن زيدا تلمذ لواصل بن عطاء رأس المعتزلة فزيد يرى
جواز إمامة المفضول مع وجود الفاضل.
ونقول: زيد لم يتلمذ لواصل ولم يأخذ العلم إلا عن أهل بيته
وإذا كانت الزيدية ترى جواز إمامة المفضول مع وجود الفاضل فلا يدل على أن
زيدا كان كذلك.
قال عن الزيدية: وهم لا يؤمنون بالخرافات التي ألصقت بالامام
فجعلت له جزءا إلهيا.
ونقول: من الخرافة زعم أن الشيعة تؤمن بالخرافات والمتأمل
المنصف المطلع على أقوال غيرهم في الأولياء والأقطاب يعلم أن الخرافات من
غيرهم ظهرت وإنهم بريئون منها. ومن الخرافة أيضا القول بأنهم جعلوا
للامام جزءا إلهيا فهم بريئون ممن يقول ذلك مجاهرون بتكفيرهم ولكن
الشبهات متى استحكمت وصقلها التقليد صارت صبغا ثابتا لا يزيله الماء ولا
الشمس.
وعد (٢) من فرق الشيعة الإسماعيلية وقصرها على الباطنية وقال إنهم
أخذوا مذهب الأفلاطونية الحديثة وطبقوه على مذهبهم الشيعي إلى آخر ما
ذكره ثم قال وكان من آثار دعايتهم الدولة الفاطمية في المغرب وفي مصر.
ونقول: أولا قصره الإسماعيلية على الباطنية خطأ
فالإسماعيلية منهم الباطنية ومنهم غير الباطنية والأخيرون قائمون بشرائع
الاسلام وأحكامه سواء أ كان مذهب الباطنية مأخوذ من مذهب الأفلاطونية
أم لا.
ثانيا جعله الخلفاء الفاطميين في المغرب ومصر من الباطنية خطأ
فقد خدموا العلم والاسلام خدمة كبرى ولم يكونوا من الباطنية وتوجهت
إليهم العداوة لأنهم شيعة لا لاخلالهم بشئ من أصول الاسلام وفروعه.
ثالثا الشيعة تبرأ من كل عقيدة تخرج عن الاسلام فحشر العقائد
الباطلة مع عقائد الشيعة ليس بصواب كما كررنا ذكره ولا عيب فيها على
الشيعة كما إن انشقاق مذاهب باطلة من الاسلام لا يعيب الاسلام.
قال: (٣) والامامية على العموم تقول بعودة إمام منتظر إلى أن
قال ولهم في ذلك سخافات يطول شرحها وأساس هذه العقيدة قول ابن
سبا بالرجعة ونقلها عن اليهودية وإن الشيعيين فشلوا أول امرهم في تكوين
مملكة ظاهرية على وجه الأرض وعذبوا وشردوا كل مشرد فخلقوا لهم أملا
من الإمام المنتظر والمهدي ونحو ذلك.
ونقول: ليس الشيعة وحدها تقول بامام منتظر بل عموم
المسلمين. ومهما يكن من شئ فالسخافات التي تقال في الغوث والقطب
والولي والوتد وشبه ذلك لا تقدر. وأما ان أساس ذلك قول ابن سبا فكذب
وافتراء وما نسبة ذلك إلى ابن سبا إلا كنسبة أعداء الاسلام إن النبي ص
تعلم من بحيرا الراهب ومن بلعام وأخذ اخبار الماضين من أهل الكتاب،
كلاهما كذب وافتراء. وأما أن الشيعيين فشلوا أولا في تكوين مملكة، فإمام
الشيعيين لو كان طالب ملك لبايع ابن عوف على الكتاب والسنة وسيرة
الشيخين ولم يدع الملك يفوت من يده، وشيعته يسيرون على مناهجه،
والملك بيده تعالى يؤتيه من يشاء ويمنعه ممن يشاء، ولما شاء الله أن تكون لهم
مملكة ملكوا أكثر بلاد الاسلام المئات من السنين في مصر والمغرب والشام
والعراق وإيران وغيرها سنة الله في خلقه، وأما إنهم عذبوا وشردوا فما كان
لهم في ذلك ذنب إلا تشيعهم لأهل بيت نبيهم الذين جعل الله مودتهم أجر
الرسالة وذلك يعد سعادة لا شقاء وفوزا لا فشلا فقديما ما عذبت الأنبياء
والرسل وشردوا.
وذكر (٤) اضطهاد بني أمية وبني العباس للشيعة. ثم قال: هذه
الاضطهادات كان من نتائجها أحكام الشيعة للسرية ونظامها. ثم قال (٥):
وهذه السرية استلزمت الخداع والالتجاء إلى الرموز والتأويل.
ونقول: الخداع والرموز والتأويل نسبته للشيعة نسبة باطلة.
قال: وكان من أثر هذا الاضطهاد اصطباغ أدبهم بالحزن
العميق والنوح والبكاء وذكرى المصائب والآلام.
ونقول: لم يصطبغ أدبهم بشئ من ذلك وما هذا القول إلا
وهم وخيال فلهم في الشعر من الغزل والنسيب والحماسة والمديح والرثاء
وغير ذلك من أقسام الشعر ما لذ وطاب وسحر الألباب وكثر وطال ولهم في
النثر من الخطب والرسائل والمقامات وسائر فنون النثر الشئ الكثير الذي
لم يصطبغ شئ منه بما ذكره، نعم لهم في الرثاء لأهل البيت ولا سيما
الحسين عليه وعليهم السلام القصائد الكثيرة وهذا لا يقال عنه ان أدبهم
اصطبغ بالحزن والنوح والبكاء كما إن رثاء الحسين ع لم يقتصر
عليهم.

(١) فجر الاسلام ص ٣٣٣ الطبعة الرابعة.
(٢) فجر الاسلام ص ٣٣٤ الطبعة الرابعة.
(٣) فجر الاسلام ص ٣٣٥ الطبعة الرابعة.
(٤) فجر الاسلام ص ٣٣٦ الطبعة الرابعة.
(٥) فجر الاسلام ص ٣٣٧ الطبعة الرابعة.
(٥٤)

قال: (١) فكما وضع الأمويون الحديث في فضائل الصحابة ما عدا
عليا والهاشميين وخاصة عثمان وضع الشيعة أحاديث كثيرة في فضائل علي
وفي المهدي المنتظر فاشتغل بعض علمائهم بعلم الحديث وسمعوا الثقات
وحفظوا الأسانيد الصحيحة ثم وضعوا بهذه الأسانيد أحاديث تتفق
مذهبهم وأضلوا بهذه الأحاديث كثيرا من العلماء لانخداعهم بالاسناد.
ونقول: إن عليا ع غني بفضائله المتواترة الظاهرة
ظهور الشمس الضاحية التي أخفاها أعداؤه حسدا وأولياؤه خوفا وظهر من
بين ذين ما ملأ الخافقين فلا يحتاج شيعته أن يضعوا أحاديث في فضله بل
هم كانوا في عصر بني أمية بل وغيرهم لا يجسرون أن يرووا فضائله الثابتة
فضلا عن أن يضعوا له فضائل وإنما يحتاج إلى وضع الأحاديث الفقير في
الفضائل. وأما المهدي المنتظر فلا يختص بالشيعة حتى يضعوا فيه الأحاديث
وقد روى أحاديثه الفريقان اللذان اتفقا على وجوده ولم يختلفا الا في
تقدم وجوده وتأخره ولم يشتغل بعض علمائهم فقط بعلم الحديث بل
أكثر المسلمين اشتغلوا به في كل عصر وزمان من الصدر الأول
إلى اليوم وألفوا فيه المؤلفات الجمة، وما في كتبهم من الأحاديث يزيد
على ما في الصحاح الستة وبحثوا عن الجرح والتعديل وألفوا فيه من
أول يوم وجد التأليف فيه في الاسلام وبحثوا في علم دراية الحديث
وألفوا فيه بل هم أول من ألف فيه كما ستعرف عند الكلام على
المؤلفين فيه، وأما قوله وسمعوا الثقات إلى قوله بالاسناد فمما يضحك الثكلى
أولا إن مذهبهم الاسلام وولاية أهل البيت الطاهر وتقديمهم والأخذ
عند اختلاف المسلمين بأقوالهم أ فهذا يحتاج إلى وضع أحاديث تتفق
مذهبهم فالاسلام براهينه جلية وفضل أهل البيت على سواهم لا يحتاج أن
يتكلف فيه سوى مراجعة ما رواه من تسموا باهل السنة وقالوه في حقهم.
ولزوم الأخذ عنهم عند الاختلاف لا يحتاج إلا إلى النظر في أنهم ان لم
يكونوا أقرب إلى الصواب لأخذهم عن آبائهم عن جدهم فليسوا دون
غيرهم فما هو المحوج لهم إلى وضع الأحاديث لتأييد مذهبهم وإنما يحتاج
لذلك من حكم بعدالة مئات الألوف ممن يسمى بالصحابة مع ظهور أشياء
من البعض تنافي ذلك ومن يزعم أن اختلاف الأمة رحمة ويلزمه أن يكون
اتفاقها عذابا ومن يزعم أنه يرى الله بعيني رأسه بلا كيف. ومن يزعم أن
الله يجبر العبد على الفعل ويعاقبه عليه وغير ذلك.
ثانيا هذه الأسانيد الصحيحة التي وضعوا بها الأحاديث عمن
تلقاها هؤلاء العلماء الكثيرون الذين انخدعوا بها؟ لا بد أن يكونوا
أخذوها من الشيعة وهم كثيرا ما قدحوا في الراوي بالتشيع فكيف انخدعوا
بها؟.
ثالثا هذا الرجل مقلد لأقوال المتعصبين على الشيعة وليس هو من
أهل هذا الشأن فليدلنا من قلدهم على حديث واحد وضعه الشيعة على
اسناد صحيح رجاله من غيرهم وانخدع به كثير من العلماء. ما هو إلا
التحامل بالباطل واختلاق العيوب لمن لا يجدون فيه عيبا.
رابعا الشيعة أبعد الناس عن الاختلاق والوضع، ورثوا الصدق
والأمانة من أئمتهم الذين اشتهروا بذلك لا من وضعوا أربعين أو سبعين
شاهدا يشهدون كذبا لأم المؤمنين أن هذا ليس ماء الحواب.
قال: (٢) بل كان منهم من سمي بالسدي وابن قتيبة فكانوا يروون
عنهما فيظن أهل السنة أنهما المحدثان الشهيران مع أن كلا منهما الذي ينقل
عنه الشيعة إنما هو رافضي غال وقد ميزوا بينهما بالسدي الكبير والسدي
الصغير والأول ثقة والثاني شيعي وضاع وكذلك ابن قتيبة الشيعي غير
عبد الله بن مسلم بن قتيبة.
ونقول: السدي الكبير إسماعيل بن عبد الرحمن شيعي والصغير
محمد بن مروان الظاهر أنه ليس بشيعي كما يأتي في طبقات المفسرين من
هذا الجزء وهو قد عكس وابن قتيبة علي بن محمد النيشابوري من فضلاء
الشيعة والحكم بأنه وضاع جزاف من القول شأن من لا يبالي ما يقول
وعبد الله بن مسلم هو صاحب المعارف والإمامة والسياسة. وإذا كان كل
من السدي وابن قتيبة اثنين أحدهما شيعي والآخر يسمى سنيا فما أدري ما
ذنب الشيعة في ذلك؟!.
قال: (٣) بل وضعوا الكتب وحشوها بتعاليمهم ونسبوها لأئمة
أهل السنة ككتاب سر العارفين الذي نسبوه للغزالي.
ونقول: الكتاب المنسوب إلى الغزالي اسمه سر العالمين لا
سر العارفين فمن عدم معرفته باسمه يعرف مبلغ تثبته في الأمر، ومن
أين عرف ان كتاب سر العالمين ليس للغزالي وإنهم حشوه بتعاليمهم
ونسبوه إليه فهل شافه الغزالي وأخبره أن الكتاب ليس له أو نزل عليه وحي
بذلك؟ ما هذا إلا تخرص وسوء ظن نهى الله عنه وتهجم على القدح بغير
مسوع ويمكن أن يكون الغزالي اثنين أحدهما صاحب الإحياء والآخر
صاحب سر العالمين. والشيعة ليست بحاجة إلى أن تنتصر بالغزالي فتضع
كتابا على لسانه فلديها من الحجج والبراهين ما فيه كفاية واحتجاجها بكتاب
الله وكتب خصومها المشهورة يغنيها عن الاحتجاج بكتاب مجهول ينسب
للغزالي. على أن الحافظ ابن حجر في لسان الميزان جزم بأنه للغزالي
فقال (٤): قال أبو حامد الغزالي في كتاب سر العالمين.
قال: (٥) ومن هذا القبيل ما نراه مثبوتا في الكتب من إسناد كل فضل وكل
علم إلى علي بن أبي طالب إلى أن قال: وعلى الجملة فليس
هناك من علم إلا واصله علي بن أبي طالب كان العقول كلها أجدبت
وأصيبت بالعقم إلا علي بن أبي طالب وذريته وعلي من ذلك براء.
ونقول: العقول مهما أخصبت لا تصل إلى درجة من كان مربيه
ومعلمه ومخرجه الرسول الأعظم ص فليخفف الأستاذ أحمد أمين من
غلوائه وليهدأ روعه ولا يعظم عليه أن يكون كل علم أصله علي بن أبي
طالب.
وقال: (٦) ومما يؤسف له أن التشيع كان مأوى يلجأ إليه من أراد
هدم الاسلام لعداوة أو حقد ومن كان يريد إدخال تعاليم آبائه من يهودية
ونصرانية وزرادشتية وهندية ومن كان يريد استقلال بلاده والخروج على
مملكته كل هؤلاء كانوا يتخذون حب أهل البيت ستارا يضعون وراءه كل
ما شاءت أهواؤهم فاليهودية ظهرت في التشيع بالقول بالرجعة وقالت
الشيعة أن النار محرمة على الشيعي إلا قليلا كما قال اليهود لن تمسنا النار إلا
أياما معدودات والنصرانية ظهرت في التشيع في قول بعضهم إن نسبة الإمام

(١) فجر الاسلام ص ٣٣٧ الطبعة الرابعة.
(٢) فجر الاسلام ص ٣٣٧ الطبعة الرابعة.
(٣) فجر الاسلام ص ٣٣٨ الطبعة الرابعة.
(٤) ج ٢ ص ٢١٥.
(٥) فجر الاسلام الطبعة الرابعة.
(٦) فجر الاسلام ص ٣٣٩ الطبعة الرابعة.
(٥٥)

إلى الله كنسبة المسيح إليه. إن اللاهوت اتحد بالناسوت في الامام وإن
النبوة والرسالة لا تنقطع أبدا فمن اتحد به اللاهوت فهو نبي وتحت التشيع
ظهر القول بتناسخ الأرواح وتجسيم الله والحلول ونحو ذلك من الأقوال التي
كانت معروفة عند البراهمة والفلاسفة والمجوس من قبل الاسلام.
ونقول: مما يؤسف له غاية الأسف أن جماعة من الناس جعلوا
دينهم انتقاص اخوانهم الشيعة بالأباطيل فتارة ينسبون إليهم ما هم منه
بريئون ويتشبثون في ذلك بالاستنباطات البعيدة والتخرصات الكاذبة وتارة
يحشرون معهم فرق الغلاة الذين تبرأ منهم الشيعة وتارة كما تعلمه مما مر
ويأتي، ولا تمضي فترة من الزمان إلا ويظهر علينا شئ من هذا القبيل،
ونحن معهم كما يحكى عن رجل كان يبغض زوجته ويتحين الفرص ليجد
منها شيئا يتجنى عليها به فقال لها يوما اطبخي لي حلوا فطبخت فقال
اطبخي حامضا فطبخت فقال افرشي لي جوا ففرشت فقال لي افرشي لي
برا ففرشت فلما رأى أنها لم تخالفه في شئ ليتجنى عليها به نظر إلى السماء
فرأى نهر المجرة ويسميه العامة درب التبان لأن فيه ما يشبه التبن المنثور
فقال لها يا عدية نفسها فرشت لي تحت درب التبان وهذا التبن قد وقع في
عيني فقالت له: حلوا وحامضا طبخت لك. وجوا وبرا فرشت لك أما
درب التبان فما حسبته لك. ونحن إذا قلنا لهؤلاء إننا مسلمون موحدون
مقرون بما جاء به محمد ص من عند ربه قالوا إن فرقة من الناس
يعتقدون في إمامكم الذي تنتسبون إليه إنه إله كما تعتقد النصارى ذلك في
المسيح فنقول لهم فما ذنبنا نحن؟ وهكذا كلما أجبناهم عن أمر جاءوا بغيره
وقلد اللاحق السابق بدون تمحيص ولا مراقبة لله تعالى إلى أن انتهت النوبة
إلى الأستاذ أحمد أمين في هذا العصر فجاءنا بما سمعت من الدعاوى
المجردة التي قلد في أكثرها غيره ولم يأتوا عليها ببينة ولا برهان.
وفي كلامه هذا الذي نقلناه مواقع للنظر أولا جعله التشيع مأوى
يلجا إليه من يريد هدم الاسلام يجعل الذنب في ذلك على صاحب
الرسالة وحاشاه فقد عرفت في البحث الرابع أن باذر بذرة التشيع الأول
هو صاحب الرسالة ص، بما كان ينوه به من فضله، مثل أنت مني
بمنزلة هارون من موسى وغيره. فهل كان رسول الله ص بما ألقاه من
بذر التشيع في القلوب أراد هدم الاسلام.
ثانيا قد عرفت في البحث الأول أن التشيع وجد في عهد رسول
الله ص وإن لفظ الشيعة كان لقب أربعة سلمان وأبي ذر والمقداد وعمار
وعرفت في البحث الثاني أن عددا عظيما من الصحابة من بني هاشم وغيرهم
كانوا من الشيعة فهل كان تشيع هؤلاء الأربعة مأوى يلجا إليه من أراد
هدم الاسلام وإدخال التعاليم المذكورة فيه والنبي ص يقول سلمان منا
أهل البيت. ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء على ذي لهجة أصدق من
أبي ذر. أمرني ربي بحب أربعة من أصحابي وأخبرني أنه يحبهم علي والمقداد
وسلمان وأبو ذر. أخرجه الترمذي وابن ماجة ورواه في الاستيعاب. وفي
الإصابة سنده حسن. عمار جلدة ما بين عيني. أو كان تشيع العدد
العظيم من الصحابة من بني هاشم وغيرهم مأوى يلجا إليه من أراد هدم
الاسلام أو هم أرادوا هدم الاسلام وإدخال التعاليم المذكورة فيه وهم من
إجلاء الصحابة وبهم قام الاسلام.
ثالثا قد عرفت في البحث الثاني أن التشيع فشا في التابعين وتابعي
التابعين وستعرف في البحث التاسع عند ذكر طبقات المحدثين اعتراف
الذهبي بان التشيع فشا في الفريقين وأنه لو رد حديثهم لذهب جملة الآثار
النبوية فهل يمكن أن يكون هؤلاء أرادوا هدم الاسلام وتشيعهم مأوى لمن
أراد هدمه وإدخال تلك التعاليم فيه وهم حملة الآثار النبوية بحيث لو رد
حديثهم لذهب جملتها باعتراف الحافظ الذهبي.
رابعا لا يمكن أن يكون الذين يزعم أنهم أرادوا هدم الاسلام
وإدخال تلك التعاليم فيه هم الشيعة الذين جاءوا بعد ذلك فإنهم حفظوا
الدين الاسلامي وألفوا في جميع فنون الاسلام وسبقوا الناس إلى التأليف في
جملة منها ودرسوها وعلموها الناس: من علم الكلام والتفسير والقراءة
والحديث والأصولين والفقه والأخلاق وغيرها في كل عصر وزمان إلى اليوم
بدون فصل ولا انقطاع وسيأتي ذكر أسماء كثير من مؤلفيهم ومؤلفاتهم في
البحث التاسع ففي أي عصر وزمان كان التشيع مأوى يلجا إليه كل من
أراد هدم الاسلام لعداوة أو حقد؟ كلا بل ليس الحامل على هذا الكلام
إلا العداوة للشيعة والحقد أو الجهل.
خامسا الحق أن منابذة علي وشيعته هو الذي كان مأوى يلجا إليه
من أراد هدم الاسلام لعداوة أو حقد أو حسد. ولو اتسع لنا المجال لبينا له
من هم الذين أرادوا هدم الاسلام لعداوة أو حقد بما قتل سيف الاسلام من
آبائهم وأجدادهم يوم بدر وغيره ومن هم الذين أرادوا هدم الاسلام حسدا
لأهل البيت بما رأوا من فضائلهم وميل الناس إليهم.
سادسا الحق أن التشيع هو الذي حفظ البقية الباقية من دين
الاسلام وكان مأوى يلجا إليه من أراد اتباع الاسلام الكامل ونثبت هذا
بأجلى بيان وأقوى برهان. كانت السياسة ولم تزل في كل عصر وزمان
تستعين بالدين لأنها وجدت منه أقوى معين فالمرء قد يسمح بدمه ولا يسمح
بدينه وقد رأى طلاب الملك والامارة من الأمويين والعباسيين ميل الناس إلى
العلويين لما كان لهم من الفضل في أنفسهم وما كان من تنويه النبي ص
بفضلهم والوصاية بالتمسك بحبلهم فجهدوا في تنفير
الناس عنهم. أما الأمويون فتارة باللعن على المنابر عشرات السنين
وأخرى بالمنع من الرواية عنهم واتباع مذهبهم بل من أن يسمى أحد
باسمهم وثالثة ببذل الأموال لمن يختلق لهم الأحاديث في ذمهم ومدح
أعدائهم ورابعة بمنع الحقوق والأذى وغير ذلك. وأما العباسيون
فعمدوا إلى نحو ذلك ومنعوا الناس من اتباع مذهبهم والرواية عنهم وقربوا
من يعاديهم وأبعدوا من يواليهم وحملوا الناس على اتباع من يخالفهم وقربوا
من الفقهاء من يخالفهم فعمل بالرأي والاجتهاد وكثرت الفتاوى والآراء ولا
سيما لما دخل في المآخذ القياس والاستحسان والمصالح المرسلة والميل إلى هوى
الأمراء والملوك حتى أنه في زمن بني العباس أفتي في مسالة واحدة اثنتا عشرة
فتوى متخالفة وكان ذلك سببا في منع الاجتهاد وحصر المذاهب في أربعة.
أما أئمة أهل البيت ع فكانت مذاهبهم مأخوذة عن آبائهم عن
أجدادهم عن النبي ص فكانت أقرب المذاهب إلى الصواب وحفظ بها
القسم الأعظم من أحكام الاسلام.
الرجعة
سابعا قوله فاليهودية ظهرت في التشيع بالقول بالرجعة الذي قلد
فيه من قبله ممن يريدون التضليل. باطل حملت عليه العداوة وقلة الخوف
من الله تعالى.
(٥٦)

وقد سئل الشريف المرتضى علم الهدى رضي الله عنه في المسائل التي
وردت عليه من الري عن حقيقة الرجعة، فأجاب بما معناه أن هناك من
يرى فيها أن الله تعالى يعيد عند ظهور المهدي قوما ممن كان تقدم موته.
وإن غيرهم يرى أن المقصود بها رجوع الدولة والأمر والنهي من دون رجوع
الأشخاص وإحياء الأموات انتهى.
فظهر من ذلك أن القول بالرجعة ليس اتفاقيا عند الشيعة بنص
السيد المرتضى، وليس معناها متفقا عليه عندهم ولا يأثم منكرها الذي لم
تثبت عنده، وإنما هي شبه أمر تاريخي وحادث من حوادث المستقبل، فمن
صحت أخبارها عنده لم يسعه إنكارها ولم يكن في اعتقادها ضرر ديني.
ومن لم ير أخبارها أو لم تصح عنده فهو في سعة من عدم الاعتقاد بها. هذه
هي الرجعة التي يطبل القوم بها ويزمرون.
ثامنا قوله: وقالت الشيعة أن النار محرمة على الشيعي إلا قليلا
الخ. انا نسأل أحمد أمين في أي كتاب وجد هذا من كتب الشيعة وأي
شاهد يشهد له بصدق هذه الدعوى التي ادعاها. إن الشيعة تقول وتروي
عن أئمتها أن الله خلق الجنة لمن أطاعه ولو كان عبدا حبشيا والنار لمن
عصاه ولو كان سيدا قرشيا وتقرأ كتاب ربها الذي فيه أن النار للعاصين
والجنة للمطيعين وتقول ان المؤمن العاصي لا يخلد في النار كما يقول بذلك
أهل السنة.
تاسعا قوله أن النصرانية ظهرت في التشيع في قول بعضهم أن
نسبة الامام إلى الله كنسبة المسيح إليه وإن اللاهوت اتحد بالناسوت في
الامام عار عن الصحة. فالشيعة تعتقد في الامام أنه نائب عن الرسول وإن
نسبته إلى الله أنه عبد لله كما أن نسبة المسيح إلى الله انه عبد لله وهذا الذي
حكاه كله كذب وافتراء لا تقول به الشيعة كلها ولا بعضها. وإن وجد بين
الناس من يقول بان اللاهوت اتحد بالناسوت في علي بن أبي طالب فلا
يصح عده من الشيعة ولا القول بان النصرانية ظهرت في التشيع من قول
هذا القائل لأن الشيعة تبرأ من كل قائل بهذا وأمثاله وتعده خارجا عن دين
الاسلام وليس هو من التشيع في شئ.
عاشرا قوله: وإن النبوة والرسالة لا تنقطع أبدا الخ هذا أيضا
كسابقه كذب وزور وافتراء وبهتان. نعم روى غير الشيعة أن الرسول ص
قال: ما أبطا عني جبرائيل إلا وظننت أنه بعث إلى
فلان، وهو يوجب أن النبي حين يبطئ عنه جبرائيل يظن أن الله تعالى
عدل عن نبوته إلى غيره وشك في استمرار نبوته وفي صدق أخبار الله له أنه
خاتم النبيين.
وقد ظهر في هذا العصر قول ممن ينتسب إلى التسنن وكان أصله من
المتسمين باهل السنة بان النبوة والرسالة لم تنقطع وأنه هو المسيح وأن محمدا
ص ليس هو آخر الأنبياء فهل لأحد أن يعيب السنيين
بذلك؟
والحاصل أن الشيعة تبرأ من كل من يؤله البشر أو يقول أن النبوة
والرسالة لا تنقطع أبدا أن فرض وجوده وتكفره وتضلله. فهل يستحل
ذو دين أن ينسب من يقول بهذين إلى الشيعة وهي تبرأ منه. كما لا يجوز
نسبة المجسمة والمشبهة إلى الاسلام ولا يجوز أن يعاب به المسلمون وإن
فرض أن أحدا ممن يقول بهذه الضلالات نسب نفسه إلى الشيعة أو كان
أصله من الشيعة والشيعة تبرأ منه فما ذنبها في ذلك وأي عيب يلحقها به كما
أن من ينسب نفسه إلى التسنن ويقول بأقوال بعض الصوفية من وحدة
الوجود ويشطح شطحهم مما قد يؤدي إلى الحلول أو يترك الواجبات
ويكتفي عنها ببعض الاذكار محتجا بقوله تعالى: وأعبد ربك حتى يأتيك
اليقين أو يقول ببعض المقالات المنسوبة إلى المعتزلة الذين هم أقرب إلى
أهل السنة منهم إلى الشيعة أو يقول بان الله ينزل إلى سماء الدنيا كنزولي
هذا عن المنبر أو أن الله ينزل على سطوح المساجد كل ليلة جمعة في صورة
غلام أمرد قطط الشعر راكبا على حمار أو يقول دعوني من الفرج واللحية
وسلوني عما شئتم المؤدي إلى تجسيم الله تعالى ونحو ذلك من الأقوال التي
كانت معروفة عند البراهمة والفلاسفة والمجوس قبل الاسلام ليس لنا أن
نلحق التبعة في ذلك باهل السنة كما أن وجود الفرق الضالة المتشعبة من
الاسلام ليس لغير المسلمين أن يعيبوا بها المسلمين ولا وجودها في بني آدم
يعاب به أبونا آدم وأمنا حواء. لا تزر وازرة وزر أخرى. وإذا عذرنا
القائل بان الله تعالى يرى يوم القيامة بالعين الباصرة بلا كيف ومن يقول:
- وقد رأى الله بعيني رأسه * في ليلة المعراج لما صعدا -
ومن يقول بأنه ينزل إلى سماء الدنيا كنزول ابن تيمية عن المنبر وأنه
استوى على العرش بمعنى الاستواء الحقيقي كالاستواء على المنبر. وقلنا أن
ذلك لا يؤدي إلى التجسيم مع وجود القائل بأنه تجسيم أو محال. فالشيعة
أولى بالعذر إذا نسب المجسم والقائل بالحلول نفسه إليها وهي تبرأ منه.
حادي عشر قوله: وتحت التشيع ظهر القول بتناسخ الأرواح
الخ... الذي جعله شاهدا لقوله وزرادشتية وهندية هو كسابقيه زور وبهتان
وكذب وافتراء وتشنيع بالباطل.
قال: (١) وتستر بعض الفرس بالتشيع وحاربوا الدولة الأموية وما
في نفوسهم إلا الكره للعرب ودولتهم والسعي لاستقلالهم (٢).
ونقول: جعل هذا شاهدا لما سبق من قوله ومن كان يريد
استقلال بلاده والخروج على مملكته. وهو رأي لا يخرج عن الخطل فالذين
حاربوا الدولة الأموية هم بنو العباس الذين كانوا يرون أنفسهم أحق
بالخلافة من الأمويين وهم عرب صميمون وساعدهم أبو مسلم الخراساني
والله أعلم بما في نفسه أ هو الكره للعرب ودولتهم أم حب الامارة كما فعل
السامانيون والسلاجقة ومماليك مصر وغيرهم ولم يكونوا شيعة، سنة الله في
الكون، أم الإخلاص لبني العباس والتشيع لهم ظاهرا وباطنا أم ظاهرا
فقط أم الكره لبني أمية ودولتهم التي ظهر فيها من الظلم والقبايح ما ظهر لا
لأنهم عرب بل لأعمالهم؟... لسنا نجزم بشئ من ذلك ولا يطلع على ما
في النفوس إلا الله لكننا نرجح أن داعي أبي مسلم وأتباعه لحرب الأمويين
ليس كره العرب ودولتهم لأنه حاربهم ليأخذ الملك منهم ويعطيه للعرب وان
سبب الحرب للأمويين من أبي مسلم وغيره كره أعمال الأمويين فظنوا أن
بني العباس سيكونون خيرا منهم فخاب ظنهم ويدل عليه أن الناس كانوا
يشتمون مروان بن محمد ويقولون الحمد لله الذي جاءنا باهل بيت نبينا
يعنون بني العباس. أما قوله والسعي لاستقلالهم فأي استقلال حازه
الفرس بحرب بني أمية وزوال دولتهم وانتقال الدولة إلى العباسيين؟ ما

(١) فجر الاسلام ص ٣٣٩ الطبعة الرابعة.
(٢) مر إن أول استقلال سياسي للفرس هو الذي أعلنه السامانيون، والسامانيون سنة وليسوا شيعة. " ح "
(٥٧)

حازوا إلا قتل أبي مسلم وتفرق أصحابه، وأي استقلال يكون لبلادهم
وهي في حكم الخليفة العباسي العربي. وإذا كان من يريد استقلال بلاده
يلجا إلى التشيع فهو من المحامد لا من المذام.
ثم حكى (١) عن المقريزي إنه قال: السبب في خروج أكثر الطوائف
عن ديانة الاسلام إن الفرس كانت من سعة الملك وجلالة الخطر في أنفسها
بحيث أنهم كانوا يسمون أنفسهم الأحرار والأسياد ويعدون سائر الناس
عبيدا لهم فلما زالت دولتهم على أيدي العرب والعرب أقل الأمم خطرا
عندهم راموا كيد الاسلام بالمحاربة في أوقات شتى وفي الكل يظهر الله الحق
فرأوا إن كيده على الحيلة أنجح فاظهر قوم منهم الاسلام واستمالوا أهل
التشيع باظهار محبة أهل البيت واستبشاع ظلم علي ثم سلكوا بهم مسالك
شتى حتى أخرجوهم عن طريق الهدى.
ونقول: هذه المقالة وهذا الاستنباط قد تكرر في كلام الكثيرين
ولسنا ندري متى حدث ويمكن أن يكون أول من قال ذلك المقريزي وتبعه
من بعده بدون تأمل ولا تفهم لأنه وافق هواهم في كره الشيعة وهو شئ لا
نصيب له من الصحة ولا ظل له من الحقيقة وقد بينا فساده وسخافته بيانا
مفصلا في البحث الرابع من هذا الجزء ونقول هنا أن الفرس لما فتح
العرب بلادهم ودخلها الاسلام منهم من دخل في الاسلام عن رغبة
وطواعية ومنهم من بقي على دين المجوسية لأنهم لم يجبروا على الإسلام
واسم التشيع يومئذ وإن كان معروفا لفئة من الصحابة إلا أن اسم التسنن لم
يكن معروفا وكان من يسلم من الفرس كلهم أو جلهم خاضعا لدولة
الخلافة القائمة يومئذ وأحكامها بالطبع ولا يعرف عن التشيع شيئا وكذلك
بعد حدوث اسم العلوية والعثمانية كان جل ذلك أو كله بين العرب خاصة
من أهل الحجاز والعراق والشام ومصر ولا يعرف أكثر الفرس عن ذلك
شيئا ولما حدث اسم التسنن في الدولة العباسية كان أكثر الفرس لا القليل
على غير مذهب الشيعة واستمر ذلك أحقابا وقرونا فمتى هو هذا الزمان
الذي أظهر فيه قوم من الفرس الاسلام واستمالوا أهل التشيع بإظهار
التشيع ثم سلكوا بهم مسالك شتى حتى أخرجوهم عن طريق الهدى لا
شك أنه لم يوجد إلا في مخيلة المقريزي.
ثم اخذ (٢) يستشهد بأقوال علماء الفرنجة عن الشيعة على حسب عادة
هذا الزمان فحكى عن الأستاذ ولهوسن إن العقيدة الشيعية نبعت من
اليهودية أكثر مما نبعت من الفارسية لأن مؤسسها عبد الله بن سبا وهو يهودي
وحكي عن الأستاذ دوزي إنه يميل إلى أن أساسها فارسي فالعرب تدين
بالحرية والفرس بالملك والوراثة في البيت المالك فأولى الناس بمحمد ابن
عمه علي فمن أخذ الخلافة عد غاصبا وقد اعتاد الفرس أن ينظروا إلى الملك
نظرة فيها معنى إلهي فنظروا هذا النظر إلى علي وذريته وقالوا إن طاعة الامام
أول واجب وإن إطاعته إطاعة الله.
وقال هو: الذي أرى كما يدلنا التاريخ إن التشيع لعلي بدأ قبل
دخول الفرس في الاسلام ولكن بمعنى ساذج وهو إن عليا أولي من غيره
لكفايته الشخصية وقرابته للنبي وهذا الحزب وجد بعد وفاة النبي ص
ونما بمرور الزمان وبالمطاعن في عثمان ولكن هذا التشيع أخذ صبغة جديدة
بدخول العناصر الأخرى في الاسلام من يهودية ونصرانية ومجوسية وكل قوم
من هؤلاء كانوا يصبغون التشيع بصبغة دينهم فاليهود بلون يهودي
والنصارى بلون نصراني وهكذا وإذ كان أكبر عنصر دخل في الاسلام هو
العنصر الفارسي كان أكبر الأثر في التشيع إنما هو للفرس.
ونقول: ما لنا ولو لهوسن ودوزي حتى نأخذ عنهما فلسفة ديننا
الذي نحن أعرف به منهما ومن كل أحد وقد عرفت ان الصاق مقالة ابن
سبا بالشيعة سخافة متناهية وكذلك علاقة الفرس بالتشيع، وإن التشيع
لعلي كان في حياة الرسول ص كما عرفت مما مر ان ما ذكره في اليهودية
والنصرانية أسخف وأسخف وإذا كان يعترف بان التشيع بدأ بعد وفاة النبي
ص قبل دخول الفرس في الاسلام ولا بد أن يكون أيضا قبل دخول
الروم واليهود فلما ذا صبغ هؤلاء العناصر الثلاثة التشيع وحده بصبغة دينهم
ولم يصبغوا غيره.
ومن العجيب أن الأستاذ أحمد أمين زار العراق بعد ما انتشر كتابه
فجر الاسلام في زهاء ثلاثين رجلا من المصريين وحضر في بغداد مجلس
وعظ الشيخ كاظم الخطيب فتعرض لكلام أحمد أمين في كتابه المذكور وفنده
بأقوى حجة وأوضح برهان ثم حضروا في النجف مجلس الشيخ محمد
حسين الجعفري أحد أعاظم علماء العراق فعاتبه على ما جاء في كتابه وبين
له إنه لا أصل له وهو مجرد اختلاق فاعتذر بعدم الاطلاع وقلة المصادر فقال
له وهذا أيضا غير سديد لأن من يريد أن يكتب عن شئ فعليه ان يفحص
عنه الفحص التام وإلا فلا يجوز له الخوض فيه. فوعده ان يستدرك ذلك
في الطبعة الثانية ولكنه أعاد الكرة في كتابه ضحى الاسلام ولم يرجع عن
كلامه الأول وأشار إلى ما جرى بينه وبين الشيخ إشارة اجمالية ولم يصرح،
وعمل الشيخ في رده رسالة سماها أصل الشيعة وأصولها طبعت وانتشرت.
ومن الافتراءات على الشيعة ما ذكره فؤاد حمزة في كتابه قلب جزيرة
العرب المطبوع بمصر من أن في القطيف وواحة الأحساء قرامطة مع أن جميع
أهل القطيف والأحساء مسلمون شيعة إثنا عشرية يبرؤون من كل قرمطي
ولا أثر للقرامطة بينهم أصلا. وظهر في هذه الأوقات كتاب في العراق من
هذا البحر وعلى هذه القافية سماه صاحبه العروبة في الميزان ومن
الحكمة ما حصل من منع انتشاره.
وهكذا لا نزال نسمع كل يوم من أمثال هؤلاء نغمة جديدة ونرى
حامل معول لهدم بنيان الاتفاق والجامعة الاسلامية بما يسطره من الأباطيل
نسأله تعالى أن يلهم المسلمين ما فيه لم الشعث وجمع الكلمة انه قريب
مجيب.
كلام أحمد أمين في ضحى الإسلام في حق الشيعة.
قال: (٣) وأما التشيع فقد كان عش الشعوبية الذي يأوون إليه
وستارهم الذي يستترون به.
ونقول: الشعوبية هم الذين لا يفضلون العرب على العجم أو
يفضلون العجم عليهم ولا ندري كيف قال إن التشيع كان عشها والشيعة
أول من تفضل العرب على غيرهم وبني هاشم على سائر العرب وآل علي
على سائر بني هاشم وهذا مضاد للشعوبية. والصاحب بن عباد المجاهر
بالتشيع والذي هو من الفرس يقول: ما فضل العجم على العرب أحد إلا
وفيه عرق من المجوسية. ولما أنشد بعض الشعوبية الصاحب أبياتا يفضل

(١) فجر الاسلام ص ٣٣٩ الطبعة الرابعة.
(٢) فجر الاسلام ص ٣٤٠ الطبعة الرابعة.
(٣) ضحى الاسلام ج ١ ص ٦٣.
(٥٨)

بها العجم على العرب أولها: غنينا بالطبول عن الطلول طلب من بديع
الزمان الهمذاني وهو فارسي على الظاهر أن يعارضه فعارضه بأبيات
أولها: أراك على شفا خطر مهول.
وقال (١): العقد الفريد عن الشعبي قال لمالك بن معاوية
أحذرك الأهواء المضلة وشرها الرافضة فإنها يهود هذه الأمة يبغضون
الاسلام كما يبغض اليهود النصرانية ولم يدخلوا في الاسلام رغبة ولا رهبة
من الله ولكن مقتا لأهل الاسلام وبغيا عليهم وقد حرقهم علي
بن أبي طالب وذلك إن محبة الرافضة محبة اليهود قالت اليهود لا يكون الملك إلا في
آل داود وقالت الرافضة لا يكون الملك إلا في آل علي بن أبي طالب وقالت
اليهود لا يكون جهاد حتى يخرج المسيح المنتظر وقالت الرافضة لا جهاد حتى
يخرج المهدي واليهود يؤخرون صلاة المغرب حين تشتبك النجوم وكذلك
الرافضة واليهود لا ترى الطلاق الثلاث شيئا وكذا الرافضة واليهود لا ترى
على النساء عدة وكذا الرافضة واليهود تستحل دم كل مسلم وكذلك
الرافضة واليهود حرفوا التوراة والرافضة حرفت القرآن واليهود تنتقص
جبرائيل وتقول هو عدونا من الملائكة والرافضة تقول غلط جبرائيل في
الوحي إلى محمد بترك علي بن أبي طالب واليهود لا تأكل لحم الجزور
وكذلك الرافضة.
ونقول: هذا الكلام لا يحتاج بيان جهل قائله وسخافته وسخافة
قائله وناقله إلى أكثر من ذكره بدون تعليق عليه، وإذا كان صاحب العقد
الفريد ينقل في كتابه قول بعضهم إنه يكره الشيعة للشين التي في اسمهم
لأنها توجد في الشر والشؤم ويصح لغيره أن يقول أكره سواهم للسين التي
في اسمهم لوجودها في السوء والسم فليس بعجيب منه ان ينقل مثل هذا
الكلام ولكن العجب من الأستاذ أحمد أمين كيف نقله في كتابه ولوثه به
ولكننا مع وضوح سخافته تضطرنا الحال إلى التعليق عليه فالذين ينبزهم
هؤلاء بالرافضة هم اتباع أهل البيت ومحبوهم والمقدمون لهم على من
سواهم كما قدمهم الله تعالى في كتابه وقدمهم الرسول ص فيما صح
وتواتر عنه. والأهواء المضلة ما خالفهم وحاد عن طريقهم فقد جعلهم
النبي ص بمنزلة سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها هوى وبمنزلة
باب حطة من دخله كان آمنا وقال أن المتقدم لهم مارق والمتأخر عنهم
زاهق. وشر من يهود هذه الأمة من قال إنهم يهود هذه الأمة. وكيف
يبغضون الاسلام وبهم قام الاسلام وبسيف إمامهم أسس الاسلام وثبتت
دعائمه وهم قد بنوا على هذا الأساس واتبعوا طريقة أهل بيت نبيهم
واهتدوا بهداهم. وما أبغض الاسلام إلا من عابهم وانتقصهم فإنه بذلك
راد على الله ورسوله. والذين لم يدخلوا في الاسلام رغبة ولا رهبة من الله
ولكن مقتا لأهله هم من يواليهم صاحب هذا المقال إن صح إن قائله
الشعبي فهو قد كان نديم عبد الملك بن مروان وقاضيه على الكوفة وما عفا
عنه الحجاج لما خرج مع محمد بن الأشعث إلا لعلمه بولائه لبني أمية وهو
القائل كما في العقد الفريد لقد بغضت إلينا الرافضة حديث علي بن أبي
طالب. والذين حرقهم علي بن أبي طالب هم السبائية، والشيعة تبرأ منهم
ومن مقالتهم. وقد اعتاد هؤلاء المنصفون ان ينبزوا بالرافضة شيعة علي
كلهم. وإذا كان شبه الشيعة باليهود لأنهم يحصرون الخلافة في آل علي
فجميع المسلمين شبيهون باليهود لأنهم يحصرون الخلافة في قريش لأنها
عشيرة النبي. وجهاد الدفاع عند الشيعة واجب إلى يوم القيامة وقد
جاهدت شيعة العراق في حرب الإنكليز تطوعا بفتوى علمائها. والشيعة
تصلي المغرب حين تغيب الشمس وتذهب الحمرة المشرقية ونسبة غير ذلك
إليهم كذب وافتراء. ومن المضحك المبكي نسبته إلى الشيعة أنها لا ترى
الطلاق الثلاث شيئا فهي تقول كما قال أئمة أهل البيت: من قال لزوجته
أنت طالق ثلاثا وقعت واحدة، ولا عيب عليها في ذلك بل العيب والشناعة
على من يقول إن الواحدة تصير ثلاثا بقوله ثلاثا (٢). وقد تقدم عند التعليق
على كلامه في فجر الاسلام إنه نقل عن صحيح مسلم أن الطلاق الثلاث
كان طلقة واحدة على عهد رسول الله ص وأبي بكر وسنتين من خلافة
عمر ثم أمضاه عليهم عمر فجعله ثلاثا فانظر واعجب. والذين استحلوا
دماء المسلمين هم أولياء الشعبي من بني أمية وغيرهم إن صح نسبة هذا
الكلام إليه لا الشيعة والذين حرفوا القرآن وحملوه على أهوائهم هم غير
الشيعة. ونقله إن الشيعة لا ترى على النساء عدة وتقول غلط جبرائيل ولا
تأكل لحم الجزور هل يجده مصدقا قوله في آخر الجزء الثالث من ضحى
الاسلام: جاهدت نفسي أن لا أتأثر بألفي وعادتي ومذهبي وقوله في مقام
آخر: وسنعتمد في وجهة نظرهم على كتبهم فهو أنصف لهم فهل يرى نفسه
غير متأثر بألفة وعادته في تقليد من دأبهم الافتراء على الشيعة فينقل عنهم
هذه الأكاذيب ويودعها كتابه غير متأثم ولا متحرج أو أن عادته وألفه قد
تغلبا عليه ولم يكن جهاده إلا بالقول فقط. وهل وجد شيئا من هذه
الافتراءات المخجلة في كتبهم ليكون قد انصفهم؟ كلا:
كضرائر الحسناء قلن لوجهها حسدا وبغيا إنه لدميم
وقال (٣): وقالت الشيعة في الرجعة على نحو ما قال اليهود كان عند
اليهود إن الياس صعد إلى السماء وسيعود فيعيد الدين فقال ابن سبأ
اليهودي كما حكى ابن حزم لو أتيتمونا بدماغه ألف مرة ما صدقنا موته
ولا يموت حتى يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا ونمت هذه الفكرة عند
الشيعة فقالوا كذلك في بعض الأئمة الذين اختفوا ثم قالوا كذلك في
المهدي المنتظر.
ونقول: في هذا الكلام المنقول عن ابن حزم مضافا إلى الكذب
الخبط والخلط. وابن حزم قد عرفت حاله عند الرد على كلامه في هذا
الجزء وابن سبا اليهودي ان وجد يبرأ الشيعة منه ومن مقالته والمهدي
المنتظر لا تختص الشيعة باعتقاده.
وقال (٤): قد جد علماء السوء في وضع الأحاديث للحط من شأن الأمويين وإعلاء شأن
العباسيين الخ.
ونقول: إذا كان علماء السوء جدوا في وضع الأحاديث في ذم
الأمويين ومدح العباسيين في دولتهم فما أحراهم أن يجدوا في الدولتين في
وضع الأحاديث في ذم العلويين وشيعتهم وقد فعلوا.
وقال (٥): إن الشيعة هاجموا العباسيين كما هاجموا الأمويين من قبل
وأخذوا يكبرون مساويهم ويختلقون عليهم كما ترى أحيانا في تاريخ اليعقوبي
وابن طباطبا وغيرهما.
ونقول: قبائح الأمويين والعباسيين قد ملأت كتب التاريخ غير

(١) ضحى الإسلام ج ١ ص ٣٥٣ الطبعة الثالثة.
(٢) في حال إعادة طبع هذا الجزء في طبعته الرابعة هذه كانت المحاكم المصرية قد أخذت بوجهة النظر الشيعية في الطلاق وطبقتها في احكامها.
(٣) ضحى الإسلام ج ١ ص ٣٥٦ الطبعة الثالثة.
(٤) ضحى الاسلام ج ٢ ص ٣٠ الطبعة الثالثة.
(٥) ضحى الاسلام ج ٢ ص ٣١ الطبعة الثالثة.
(٥٩)

تاريخ اليعقوبي وابن طباطبا كتاريخ الطبري وابن الأثير فهل يرى إن ما فيها
من فضائح الدولتين وقبائحهما وظلمهما ينقص عما ذكره اليعقوبي وابن
طباطبا كلا بل يزيد وأي فعل يزيد على أن يعلق الخليفة اللاحق أم الخليفة
السابق برجليها ويضربها على المواضع الغامضة ليستخرج منها الأموال كما
فعل القاهر ولكن المرء متى جعل لنفسه خطة إنه لا بد أن يتفلسف في
التاريخ ويستخرج منه غوامض فلا بد ان يقع في مثل هذا.
قال (١): وإلى ذلك رووا الروايات الكثيرة في فضل علي وآل علي
ورفعوا من شأن الأئمة إلى ما يقرب من التقديس. وكان الأولى لهم أن
يقتصروا على فضائلهم الثابتة.
ونقول: أولا علي وآل علي كانوا في الدولتين لا يجسر أحد أن
يروي لهم فضيلة بل في الدولة الأموية كان لا يجسر أحد ان يسمي
بأسمائهم فمتى كان الشيعة يقدرون على رواية فضائلهم الثابتة فضلا عن
غيرها. ومن خوارق العادات ان يوجد لهم في الدنيا فضيلة تذكر، فقوم
تعاقبت على عداوتهم ومحو فضلهم الدول الغاشمة نحو ستمائة سنة بل وإلى
اليوم لا تجري عادة بان تنقل لهم فضيلة أو يذكرهم أحد بخير.
ثانيا شأن علي وآله رفيع في نفسه مقدس من ربه بما رواه ونقله
المخالف قبل المؤالف لا يحتاج إلى رفع الشيعة وتقديسهم ولا حاجة بهم إلى
أن يضيف أحد إلى فضائلهم الثابتة فضائل غير ثابتة ولعل ما لم ينقل من
فضائلهم الثابتة خوفا أو حسدا شئ كثير. ولكن أقواما نظروا إليهم
فاستعظموا واستكبروا ما يذكر من فضلهم.
قال: وأضافوا أساطير حول آيات من القرآن الكريم كما فعلوا عند
قوله تعالى: ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا فقد رووا
عن ابن عباس والرواية عن ابن عباس لها مغزاها إن الحسن والحسين
مرضا وذكر تمام الرواية الدالة على أن الآية نزلت في أهل البيت ع.
ثم قال: وذكر الترمذي وابن الجوزي ان الخبر موضوع وآثار
الوضع ظاهرة عليه لفظا ومعنى.
ونقول: هذا الخبر ذكره الزمخشري في الكشاف وقال السيوطي في
الدر المنثور: أخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله تعالى ويطعمون
الطعام على حبه الآية قال نزلت في علي وفاطمة وقال الواحدي في
أسباب النزول قال عطاء عن ابن عباس إنها نزلت في علي مع اختلاف في
الألفاظ وسواء أ صح هذا الحديث أم لم يصح فالذين رووا هذا الحديث
ليسوا هم الشيعة وسواء أ كانت روايته عن ابن عباس لها مغزاها أم لم يكن
لها مغزى فالشيعة لم يضيفوا أساطير حول آيات من القرآن في حق علي وآل
علي ففضائلهم الكثيرة المستفيضة تغنيهم عن الإضافة ولكن من في نفسه أمر
لا يتأخر عن الاستشهاد له في كل مناسبة بما يشهد وما لا يشهد.
قال: (٢) وهكذا ضاعت معالم الحق بين العصبية العباسية والعصبية
العلوية وصعب على المؤرخ الصادق النزيه أن يصل إلى الحقيقة.
ونقول: معالم الحق ظاهرة بينة لا يمكن ان تضيع بين العصبيتين
لمن إهتدى بنور البصيرة وهل يمكن لمؤرخ عنده شئ من الإنصاف أن
يقيس بني العباس بال علي بل الحق إن معالم الحق ضاعت بسبب التعصب
على الشيعة وصعب على كثير من المؤرخين الصادقين النزيهين أن يصلوا إلى
الحقيقة ولكن الشمس مهما خفيت عن عين أو عيون لا بد ان تراها عين أو
عيون أخرى.
وقال (٣) ما حاصله: إن مسالة التحسين والتقبيح العقليين لها اتصال
كبير بمسألة الرأي والقياس وإن في نظره أنهما مسألتان متساندتان فمن كان
يقول بالتحسين والتقبيح يرى العمل بالرأي والقياس ومن لا فلا.
ونقول: لا ربط لأحدى المسألتين بالأخرى ولا تساند بينهما فان
جميع من نفى التحسين والتقبيح وهم الأشاعرة قال بالقياس وعلى
موجب قوله يلزم أن لا تقول الأشاعرة بالقياس وكلها قائلة به والشيعة تقول
بالتحسين والتقبيح وتنفي القياس. والقول بالقياس مستند إلى أدلة معلومة
لا تعلق لها بالتحسين والتقبيح والقول بنفي القياس مستند إلى عدم
الدليل. نعم من نفى التحسين والتقبيح ومن نفى القياس كلاهما يستدلان
بانا نرى الشريعة قد فرقت بين المتماثلين وجمعت بين المختلفين وهذا لا
يوجب ان يكون من قال بالقياس أخذه من القول بالتحسين والتقبيح كما لا
يخفى.
وقال: (٤) اختلف المسلمون بعد مقتل عثمان وانقسموا احزابا وهي
في الواقع أحزاب سياسية فحزب يرى أن عليا أولي بان يكون خليفة.
وحزب يرى أن معاوية هو الذي يحقق هذا الغرض. وحزب يرى أن لا
حاجة إلى الخلافة. وحزب محايد إلى أن قال ولكن رأينا في ذلك العصر
أن الحزب الأول تسمى الشيعة والثاني الأمويين والثالث الخوارج والرابع
المرجئة.
ونقول: ان المسلمين بعد مقتل عثمان بايعوا عليا بيعة يرونها
دينية كما كان يراها من قبلهم ولكن عليا كان وتر الناس وتأصلت العداوة له
بذلك في قلوب الكثيرين وفاق بفضله فامتلأت النفوس حسدا له سنة
الكون فلم يبايعه بعض الصحابة لشئ من ذلك أو نحوه فلم يجبرهم
واجتمعت أم المؤمنين مع طلحة والزبير وابنه على السعي في هدم خلافته،
أما أم المؤمنين فتريد الخلافة لابن عمها طلحة التيمي كما يشير إليه قولها لما
بلغها قتل عثمان ايه ذا الإصبع وكان ذلك هو الباعث لها على التحريض
على عثمان في حياته والطلب بثاره بعد قتله والزبير أفسد رأيه في علي ابنه
وأطمع الاثنين في الخلافة أمر الشورى. واغتنم معاوية فرصة قتل عثمان
الذي كان قد شحذ هو مدية قتله ليستغله عند سنوح الفرصة ومعاوية لم
يكن أحد يراه انه يحقق الغرض المقصود من الخلافة وإنما تغلب عليها بما لا
يرضاه الدين والحزب الذي جعله الأول ان صح لنا أن نسميه حزبا
كانوا يسمون العلوية لا الشيعة والثاني العثمانية لا الأمويين. والخوارج
كانت نزعتهم دينية صرفة لا سياسية ولكنهم دعموها بالسيف وهم قد
نشأوا بعد حرب صفين والمرجئة نزعتهم دينية لا سياسية فالذي يصح ان
يسمى حزبا سياسيا هو حزب أصحاب الجمل ولم يعده في الأحزاب وحزب
معاوية. وبعد فعد الشيعة حزبا سواء أ كان دينيا أم سياسيا ليس بصواب
كما لا يصح عد المسلمين حزبا في مقابل الموسوية والمسيحية.
وذكر (٥) لتشيع الموالي والفرس أسبابا:
١ تشيع كثير من الموالي لأنهم رأوا حكم الأمويين مصبوغا

(١) ضحى الإسلام ج ٢ ص ٣١ الطبعة الثالثة.
(٢) ضحى الاسلام ج ٢ ص ٣٢ الطبعة الثالثة.
(٣) ضحى الاسلام ج ٢ ص ١٥٤ الطبعة الثالثة.
(٤) ضحى الاسلام ج ٣ ص ١٥ الطبعة الثالثة.
(٥) ضحى الاسلام ج ٣ ص ٢٠٩ الطبعة الثالثة.
(٦٠)

بالإرستقراطية العربية وأنهم لم يعاملوهم معاملتهم للعرب ولم يعدلوا بينهم
فأيدوا بحكم الطبيعة البشرية ولو سرا عدوهم ولا أعدى لهم من
الشيعة.
٢ وتشيع قوم من الفرس خاصة لأنهم مرنوا أيام الحكم الفارسي
على تعظيم البيت المالك وتقديسه وإن دم الملوك ليس من دم الشعب فلما
أسلموا نظروا إلى النبي ص نظرة كسروية ونظروا إلى أهل بيته نظرتهم
إلى البيت المالك فإذا مات النبي ص فأحق الناس بالخلافة أهل بيته.
٣ واعتنق الاسلام قوم أرادوا الانتقام من الاسلام فتظاهروا بالغلو
فيه خديعة ومكرا ومن ضروب الغلو الغلو في التشيع.
وهكذا اعتنق التشيع طوائف مختلفة لأسباب مختلفة.
ونقول: الحق أن هذه الأقوال كلها تخرص غير مصيب وإن كل
من دخل في التشيع لم يدخل فيه إلا لمعرفته بفضل من تشيع لهم من أقوال
النبي ص المتكررة في حقهم ومن النظر إلى ما اتصفوا به من صفات
الكمال وإن كل من حاد عن حب أهل البيت وموالاتهم فهو إما لحسد لحقه
أو ضغن في نفسه أو حب للدنيا. ومن هم هؤلاء الموالي الذين تشيعوا
بغضا بالإرستقراطية الأموية العربية وكرها لجور بني أمية ولم يكن في العلوية
قوة في مقابل الأمويين حتى يلجأوا إليها فيقهروا أعداءهم الأمويين بل هم
في مثل هذه الحال أقرب إلى أن يؤيدوا بحكم الطبيعة البشرية ولو
مداهنة الأمويين فهذا التعليل تخرص لا يخرج عن أن يكون خيالا وهميا.
ومثله السبب الثاني فالفرس الذين أسلموا علموا من حالة الاسلام
والمسلمين أنها ليست على الطريقة الكسروية فهو لا يخرج عن التخرص
بالأوهام.
أما السبب الثالث فاظهر وهنا من الأولين وأن تكرر ذكره في كلام
كثيرين لكنه هو نسبه إلى قوم وغيره نسبه إلى الفرس فقالوا انهم نصروا
التشيع انتقاما من الاسلام. والحق أن ذلك لم يقع من أحد وإن من تشيع
لم يتشيع إلا حبا باهل البيت ومعرفة بفضلهم وقد بينا فيما مضى من هذا
الجزء في غير موضع سخافة القول بان تشيع الفرس للانتقام من الاسلام
فراجع.
والطوائف المختلفة التي تشيعت ما اعتنقت التشيع إلا لسبب واحد
وهو تنويه النبي ص والقرآن بفضل أهل البيت وظهور فضلهم، لم يكن
لذلك سبب آخر فضلا عن أسباب مختلفة.
وقال (١): يبلغ الامامية الآن نحوا من سبعة ملايين في فارس ونحو
مليون ونصف في العراق وخمسة ملايين في الهند.
ونقول: المحقق أنهم في هذه البلاد وغيرها أكثر من ذلك
بكثير.
وقال: (٢) أهم مسالة يدور عليها كلام الامامية مسالة الامام
وسنعتمد في شرح وجهة نظرهم على كتبهم وذلك انصف لهم فننقل خلاصة
ما ورد عن الامام في كتاب الكافي للكليني فهو من أوثق كتبهم ثم نقل (٣)
عن الكافي: كتب الحسن بن العباس المعروفي إلى الرضا ما الفرق بين
الرسول والنبي والامام فكتب: الرسول ينزل عليه جبرائيل فيراه ويسمع
كلامه. والنبي ربما سمع الكلام وربما رأى الشخص والامام يسمع الكلام
ولا يرى الشخص قال فالامام بهذا النص يوحى إليه وإن اختلف طريق
الوحي عن النبي والرسول اه.
ونقول: أولا الكافي كتاب أخبار فيه الصحيح والموثق والحسن
والضعيف والمقطوع والمجهول والمرسل وغيره من أقسام الحديث سواء أ كان
من أوثق الكتب عند الشيعة أم لم يكن وهذا الحديث الذي نقله عنه في
سنده إسماعيل بن مرار وهو مهمل لم يذكر في كتب الرجال بمدح ولا قدح
والحسن بن العباس المعروفي مجهول فالحديث الذي هذا حاله كيف ينسب
للشيعة اعتقاد مضمونه.
ثانيا العقائد تؤخذ من كتب العقائد لا من كتب الأخبار التي فيها
الغث والسمين وما يجب أن يعتقد وما لا يجوز أن يعتقد وما يمكن أن يعتقد
ويمكن أن لا يعتقد ولو أخذنا العقائد من كتب الأخبار لصدقنا قول من
قال: إن النبي يهجر والله تعالى يقول وما ينطق عن الهوى. وما آتاكم
الرسول فخذوه. فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا
يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما.
ثالثا قد روى صاحب إرشاد الساري في شرح صحيح البخاري
عن بعض الصحابة أنه قال كنت أحدث أي تحدثه الملائكة حتى اكتويت
فلما اكتويت انقطع عني ذلك. وذكر ابن خلدون في مقدمته أن النبي
ص قال أن فيكم محدثين وهذا نظير ما في تلك الرواية الذي استنكره
صاحب الضحى.
ثم نقل (٤) عن الكافي اخبارا جعلها ميزانا لعقيدة الشيعة في الامام
لأنها مستمدة من أوثق كتبهم الكافي ومعتمدة على ما روي من أقوال
الأئمة أنفسهم.
ونقول: من المعلوم الواضح عند الشيعة وغيرهم أن العقائد يلزم
فيها القطع واليقين بالدليل والبرهان ولا يكفي فيها الظن ولا يجوز فيها
التقليد كما صرحت به كتب الكلام وهذه الأخبار المنقولة في الكافي هي
أخبار آحاد وربما كان فيها الضعيف المقدوح في أحد رواته بالذم أو الجهالة
أو غيرهما والمرسل أو المعارض بدليل أقوى منه سمعي أو عقلي فمجرد
وجودها في الكافي لا يدل على اعتقاد الشيعة بمضامينها سواء أ كان الكافي من
أوثق كتبهم أم لم يكن ولم يثبت بمجرد روايتها عن الأئمة أنها أقوال الأئمة
حتى تكون متواترة عنهم وأين التواتر. والآحاد على فرض صحة السند لا
تفيد إلا الظن وإنما تؤخذ عقائد الشيعة في الامام من كتبهم في الكلام بل
ومن كتب السنيين أنفسهم الكلامية التي نقلوا فيها أقوال الشيعة مثل عقائد
النسفي وشرح المواقف المطبوعين وغيرهما.
ومما جعله (٥) من الفوارق بين الامام في نظر السنيين وبينه في نظر
الشيعة أنه في نظر السنيين شخص عادي وليس له سلطة روحية إنما هو
منفذ للقانون الاسلامي وليس له أن يشرع إلا في حدود القوانين الاسلامية

(١) ضحى الاسلام ج ٣ ص ٢١٣ الطبعة الثالثة.
(٢) ضحى الإسلام ص ٢١٣ الطبعة الثالثة.
(٣) ضحى الإسلام ج ٣ ص ٢١٤ الطبعة الثالثة.
(٤) ضحى الاسلام ج ٣ ص ٢١٣ - ٢١٤ الطبعة الثالثة.
(٥) ضحى الاسلام ج ٣ ص ٢٢١ الطبعة الثالثة.
(٦١)

ثم قد يجور وقد يعدل وقد يتهتك ويشرب الخمر. وفي نظر الشيعة هو فوق
أن يحكم عليه وهو مشرع ومنفذ وله سلطة روحية تفوق حتى سلطة البابا.
ونقول: الامام واجب الطاعة عن السنيين بمقتضى قوله تعالى:
أطيعوا الله والرسول وأولي الأمر منكم وهو ينصب القضاة ويقيم
الحدود وتقام الجمعات باسمه وباذنه ويجهز الجيوش ويقسم الفئ ويتصرف
في بيت المال. ويتصرف في جميع أمور الرعية بالحبس والنفي والضرب
والتأديب وغير ذلك حتى كان يقال درة عمر أهيب من سيف الحجاج فأي
سلطة روحية تفوق هذه. ولو لم يكن له سلطة إلا وجوب الطاعة بنص
القرآن لكفى وأما التشريع: فهو في نظر الشيعة لله وحده لا للنبي
فضلا عن الامام وإنما النبي يتلقى التشريع من الله تعالى بواسطة الوحي
وليس له أن يشرع من قبل نفسه إن هو إلا وحي يوحى وكذلك الامام
يتلقى التشريع من النبي وليس له أن يشرع من قبل نفسه وحينئذ فسلطته
الروحية لا تصل إلى حد التشريع من نفسه وبذلك يبطل قوله تفوق حتى
سلطة البابا الذي ما أحله في الأرض يحل في السماء ولكن إذا كان الامام
ليس بمعصوم وليس له أن يشرع عند غير الشيعة فلما ذا قبلوا تشريعه في
إسقاط حي على خير العمل من الأذان وزيادة الصلاة خير من النوم في صلاة
الصبح وفي إثبات العول وغير ذلك مما هو مشهور معروف وجعلوا له سلطة
تفوق حتى سلطة البابا، وإذا كانت الشيعة تشترط في الامام أن يكون
معصوما من الذنوب منزها عن العيوب وأن يكون أفضل أهل زمانه.
وغيرها يجوز أن يكون ظالما جائرا متهتكا شاربا للخمر فأي الفريقين أقرب
إلى الصواب في نظر العقلاء وهل يستحسن في نظر أهل العقل والدين أن
يكون المتهتك الشارب الخمر واجب الإطاعة على الخلق من الله تعالى
متصرفا في جميع أمورهم ومن مات ولم يعرفه مات ميتة جاهلية؟!...
قال (١): وظاهر أن عقيدة الشيعة على هذا المنوال تشل العقل وتميت
الفكر وتعطي للخليفة أو الامام سلطة لا حد لها فيعمل ما يشاء وليس لأحد
أن يعترض عليه وهي أبعد ما تكون عن الديموقراطية الصحيحة التي تجعل
الحكم للشعب في مصلحة الشعب وتزن التصرفات بميزان العقل ولا تجعل
الخليفة والامام والملك إلا خادما للشعب فيوم لا يخدمهم لا يستحق البقاء
في الحكم.
ونقول: ظاهر أن عقيدة أن الامام يجور ويتهتك بالمعاصي
ويشرب الخمر ويجب علينا طاعته وتسليم جميع أمورنا إليه يحكم في دمائنا
وأموالنا وأعراضنا لهي التي تشل العقل وتميت الفكر وتعطي للفساق
المتهتكين سلطة من الله تعالى.
قال (٢): حكم الامام في نظر الشيعة حكم ديني معصوم وفي
هذا إفناء لعقليتهم وتسليم مطلق لتصرفات أئمتهم وأين هذا النظر من النظر
المستند إلى الطبيعة وهو أن الله لم يخلق فرعا أو أسرة من الناس تمتاز كلها
متسلسلة بامتياز لا حد له.
ونقول: إذا كان الامام في نظر الشيعة حكما دينيا معصوما فليس
في التسليم له إفناء للعقلية وإنما يكون إفناء العقلية في التسليم المطلق
لتصرفات من يجوز عليه الفسق. والإمامة ليست كما يتصورها هو أنها
كسلطنة فلان وإمارة فلان. الإمامة عند المسلمين رياسة عامة في أمور
الدين والدنيا لشخص من الأشخاص نيابة عن النبي ص فمن يرى هذا
المنصب الديني العظيم الذي هو أعظم المناصب الدينية لا يكون إلا لمعصوم
فليس في هذا إفناء للعقلية وإنما القول بان هذا المنصب يستحقه حتى
الفساق هو الأفناء للعقلية والاستسلام لتصرفات الفاسقين، وإذا كان
الشيعة يعتقدون في أئمتهم العصمة وسلموا تسليما مطلقا لتصرفاتهم فلا لوم
عليهم إنما اللوم على من يسلم تسليما مطلقا لمن يجوز عليه المعصية
والفسق.
ومتى قالت الشيعة أن تقويم الأشخاص بالقرابة والنسب حتى يورد
عليها أن ذلك لا مدخل له ومتى قالت أن الصلاح والتقوى والعلم تورث
حتى يورد عليها بأنها لا تورث، نعم إذا اجتمع حسن الأفعال مع شرف
النسب كان نورا على نور. الشيعة تقول: إن استحقاق الإمامة كان
بالفضائل النفسية عطاء من الله لا بالنسب، نعم أن هذا الفضل وجد في
العترة دون غيرهم. وإنما الذي قال أن الإمامة بالقرابة والنسب هم غير
الشيعة وهم الذين احتجوا على الأنصار بأنهم عشيرة النبي ص، ولئن
قالت الشيعة بحصر الإمامة في ولد علي وفاطمة فقد قال من تسموا بالسنيين
بحصرها في قريش فإن كانت القرابة والنسب لا مدخل لهما في تقويم
الأشخاص فلما ذا احتج المهاجرون على الأنصار بأنهم من قريش ودفعوا
حق الأنصار من الخلافة وإذا كانت القرابة لا مدخل لها فقد أخطأ السنيون
في حصرها في قريش كما أخطأ الشيعة في حصرها في العترة فلم خص الخطأ
بأحد الفريقين. وإذا كان الإنسان يوزن باعماله رجح علي وأولاده الأحد
عشر على جميع من يوزن معهم بأعمالهم، ولم يدع أحد من الشيعة أن
الإمامة ارث حتى يورد عليه بان ذلك قلب لنظام الاسلام وهدم لأهم
مبادئه. وأما إن الايمان بالامام يجب المعاصي فلا يجب المعاصي غير التوبة
وعفو الله عند الشيعة.
قال (٣): لو كان لعلي كل هذا الذي يدعونه للامام من عصمة وعلم
ببواطن الأمور ونتائجها لتغير وجه التاريخ ولما قبل التحكيم ولدبر الحروب
خيرا مما دبر والنبي نفسه يقول: لو كنت أعلم الغيب الآية.
ونقول: أما بواطن الأمور ونتائجها فلا يعلمها إلا الله. وأما
العصمة فقد دل عليها الدليل في الامام كما دل عليها في النبي. وأما قوله:
ولما قبل التحكيم، ففيه أنه لم يقبل التحكيم وإنما أكره عليه وهذا من
بديهيات التاريخ، وأمر التحكيم لم يكن محتاجا إلى عصمة أو علم ببواطن
الأمور بل كان ظاهرا لكل فطن أنه حيلة وخديعة ولم يكن ليخفى على مثل
أمير المؤمنين سواء أ كان معصوما أم لا وإنما اغتر به أهل الجباه السود
وساعد عليه الأشعث عن علم بحاله وتبعته عشيرته ولم يبق ممن لم يغتر به
ولم يساعد عليه نفاقا أو كراهة للحرب إلا القليل. وأما قوله ولدبر الحروب
خيرا مما دبر فتدبيره للحروب لم يكن فوقه تدبير، والنبي ص الذي لا
شك في عصمته قد هزم جيشه يوم أحد ولم يكن ذلك لقلة تدبير منه.
قال (٤): الحق أن هذه أوهام جرت على الناس البلاء وجعلتهم
يذلون ويخضعون خضوعا مطلقا للظلم والفساد ويرضون به ولا يرفعون
صوتهم بالنقد بل ولا يقومون بأضعف الايمان وهو الاستنكار بالقلب.
ونقول: بل الحق أن الأوهام التي جرت البلاء إلى آخر ما ذكره:

(١) ضحى الاسلام ج ٣ ص ٢٢١ الطبعة الثالثة.
(٢) ضحى الاسلام ج ٣ ص ٢٢٢ الطبعة الثالثة.
(٣) ضحى الاسلام ج ٣ ص ٢٢١ الطبعة الثالثة.
(٤) ضحى الاسلام ج ٣ ص ٢٢٣ الطبعة الثالثة.
(٦٢)

هي القول بعدالة ما يزيد عن مائة ألف وتقديسهم لأنهم سموا صحابة
وقبول حديثهم جميعا فإذا وصل السند إليهم لم يبحث إلا فيمن قبلهم،
وعدم جواز نقدهم ولا التكلم فيما شجر بينهم. هذا هو الذي جر على
الناس البلاء وجعلهم يذلون ويخضعون خضوعا مطلقا للظلم والفساد
ويرضون به ولا يرفعون صوتهم بالنقد ولا يستنكرون بالقلب.
قال (١): وهذا النظر الشيعي إلى الامام يلقي على تاريخ الفاطميين
وعلى كل الدول الشيعية ضوءا قويا فتعرف السر لم كان يخضع الناس
للخلفاء وكيف ينظرون إليهم نظر تقديس وكيف كانت تقابل أعمالهم مهما
جارت وظلمت بالقبول والاستحسان واستشهد لذلك بأبيات من شعر ابن
هانئ الأندلسي في المعز.
ونقول: خضوع الناس للخلفاء والملوك إنما هو لكون السيف
بأيديهم، شيعة كانوا أم غيرها، هذا هو السر فيه لا السر الذي زعم أنه
عرفه من إلقاء النظر الشيعي إلى الامام ضوءا على تاريخ الفاطميين والدول
الشيعية، فان الحال في جميع الدول واحد، فالدولة الأموية والدولة
العباسية والدولة العثمانية التي رأيناها كانت غير شيعية وكانت الناس تخضع
لها وتقابل أعمالها الجائرة مهما بلغت بالقبول والاستحسان ولا يستطيع أحد
أن يتناولها بنقد أو إنكار، والدولة الفاطمية وكل الدول الشيعية لم يكن
خضوع الناس لها زائدا عن خضوعهم لهذه الدول.
أما أشعار ابن هانئ فكاشعار سائر الشعراء الذين يمدحون للهى في
مبالغاتهم وإن كان ابن هانئ زاد على ذلك بما لا يستحسن. هذا الفرزدق
يمدح ملوك بني أمية ويبالغ في مدحهم فيقول في هشام:
دعوت أمين الله في الأرض دعوة * ليفرج عن ساقي خير الخلائف
فيا خير أهل الأرض إنك لو ترى * بساقي آثار القيود النواسف
وهذان أبو تمام والبحتري يمدحان ملوك بني العباس ويبالغان في
مدحهم فيقول أبو تمام في المعتصم:
فبين أيامك اللاتي نصرت بها * وبين أيام بدر أقرب النسب
ويقول في الواثق:
هي بيعة الرضوان يشرع وسطها * باب السلامة فأدخلوا بسلام
ويقول في المأمون:
الله أكبر جاء أكبر من جرت * فتعثرت في كنهه الأوهام
من لا يحيط الواصفون بوصفه * حتى يقولوا وصفه إلهام
ويقول في ملوك بني العباس:
فيهم سكينة ربهم وكتابه * وإمامتاه واسمه المخزون
ويقول البحتري في المتوكل:
نصلي وإتمام الصلاة اعتقادنا * بأنك عند الله خير إمام
ويقول فيه:
ذكروا بطلعتك النبي فهللوا * لما طلعت من الصفوف وكبروا
ويقول فيه:
وشبيه النبي خلقا * وخلقا ونسيب النبي جدا فجدا
ثم قال: وازن بين قوم يرون أن إمامهم أحد الناس وقوم يرون أن
إمامهم معصوم وأنظر كيف يسعد الأولون وتتحرر عقولهم ويخشاهم إمامهم
ويسعون دائما نحو الكمال بما يثيرون من نقد ويعالجون من إصلاح وكيف
يفسد أمر الآخرين وتشل عقولهم ويتدهورون في شؤونهم (٢). لكنه ما برح
أن أجاب نفسه بنفسه وكفانا مؤونة الجواب فقال: إن أهل السنة يؤاخذون
مؤاخذة شديدة على أنهم لم يطبقوا نظريتهم تطبيقا جريئا (٣) فلم ينقدوا
الأئمة نقدا صريحا (٤) ولم يقفوا في وجوههم إذا ظلموا ولم يقوموهم إذا جاروا
بل استسلموا لهم استسلاما معيبا فجنوا بذلك على الأمة أكبر جناية الخ.
ونقول: بل زادوا على ذلك والتمسوا لهم الاعذار (٥).
قال: (٦) ومما ردوا به عليهم ما عن علي في الكافي أنه قال لأصحابه لا
تكفوا عن مقالة بحق أو مشورة بعدل فاني لست آمن أن أخطئ وما
روي أن الحسين كان يظهر الكراهة من صلح أخيه الحسن مع معاوية
ويقول: لو جز أنفي كان أحب إلي مما فعله أخي.
ونقول: لا ندري مبلغ هذه الرواية من الصحة فلم تتسع فرصتنا
الآن لمراجعتها وعلى فرض ثبوتها فليست العصمة علم الغيب بل هي عن
الذنوب وقد أراد النبي ص أن يعطي ثلث ثمار المدينة لغطفان يوم
الخندق وكتب بينه وبينهم في ذلك كتابا فسأله رؤساء الأنصار أ ذلك أمر من
الله أم هو الرأي والتدبير فقال بل هو الرأي والتدبير، أو كما قال، فلم
يرضوا فرجع إلى رأيهم ومزق الكتاب واستشار أصحابه يوم أحد في الخروج
عن المدينة أو البقاء فرغب الأكثر في الخروج وكان رأيه البقاء فوافقهم
وخرج ولم يلزمهم بالبقاء ولو كانت الدنيوية كالدينية لألزمهم. وعاتب الله
تعالى على أخذ الفداء يوم بدر بقوله ما كان لنبي ان يكون له اسرى حتى

(١) ضحى الإسلام ج ٣ ص ٢٢٣ الطبعة الثالثة.
(٢) هذا الذي ذكره احمد أمين هو من أشد ما ذكره ظلما واعتسافا، فالتشيع هو الذي علم الناس
مقارعة الطلم ومكافحة الظالمين، وظلم الحاكمين. وغلطة احمد امين إنه ينظر إلى أئمة
الشيعة كما ينطر إلى أصحاب السلطان فيحسب إن الشيعة ينسبون إلى مثل هؤلاء العصمة
في حكمهم وتصرفاتهم، ولذلك قال فيما تقدم أن لهم أعظم من سلطة الباباوات، في حين
أن الأئمة الاثني عشر فيما عدا أمير المؤمنين وولده الحسن لم يمارسوا حكما ولم يتوالوا سلطة،
بل كانوا حملة علم ودعاة تثقيف ورجال هداية وارشاد، فلا مجال لقول ما قاله في هذا
المقام، وعندما يقول اليسعة بعصمة هؤلاء الأئمة لا يقولونها كما تقامل للباباوات الذين كانوا
في نفس الوقت حكاما وملوكا، واما يقولونها وهم يعون أن آراء أئمتهم في الدين وفتاواهم
في الشرع آراء مأخوذ بها معمول بمضمونها وهي الفيصل في كل خلاف ونقاش. وقد أثبت
الأئمة الاثنا عشر في تاريخهم انهم كانوا أكفياء هذه الثقة العظمى، وانهم كانوا في العلم
والصلاح في الدرجة التي لا تبعدهم قيد شعرة عما يصفهم به اتباعهم من أنهم أكمل أهل
زمانهم المعصومون في احكامهم واعمالهم. ومهما كان رأي احمد امين وغير احمد امين في
هذا، فان هذا أفضل الف مرة م القول بعدالة جميع الصحابة، اي بعدالة الألوف ممن
رأى النبي، واعطائهم صفة لا تقل عن العصمة، وممن يرون التسليم لكل سلطة
والخضوع لكل حاكم مهما اتصفت به هذه السلطة وهذا الحاكم من جور وفساد وانحراف،
ويرون الخروج على هذا اللون من الحكم شقا لعصا المسلمين وإثارة للفتن، وقد كفانا احمد
أمين نفسه القول بما ذكره بعد هذا الكلام عمن لم يأخذوا بآراء الشيعة كيف كانت مواقفهم
من السلطات والمتسلطين.
ومن العجيب أن أحمد امين حين يذكر المعتزلة وآراءهم يعجب بها ويأسف على
انقراضهم، وينسى أن هذا الذي يعجب به من آراء المعتزلة هو نفس ما وافقوا فيه الشيعة
واتفقوا معهم عليه وان الشيعة لا يزالون بهذه الآراء، وسواء كان الآخذ هم
الشيعة من المعتزلة أو المعتزلة من الشيعة فإن الفريقين متفقان، فما باله يذكر هذا الفضل
للمعتزلة ولا يذكره للشيعة. وينسى احمد امين ما في الفقه الشيعي من تقدمية وانطلاق
أصبحت في هذا العصر القدوة التي تحتذى، فمن ذلك مثلا آراء الشيعة في الطلاق وهي
الآراء التي تعمل بها اليوم المحاكم المصرية ويرجع إليها كثير من المسلمين الذين يقعون في
ورطات مردية. وينسى كذلك أن الشيعة لم يمنعوا الاجتهاد بل اطلقوه. " الناشر ".
(٣) ولا غير جرئ.
(٤) ولا غير صريح.
(٥) بل واعتبروهم مجتهدين فيما ارتكبوه فلهم على ذلك أجر واحد.
(٦) ضحى الإسلام ج ٣ ص ٢٢٧ الطبعة الثالثة.
(٦٣)

يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم
لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم وعاتب رسوله
ص على الإذن للمتخلفين في غزاة تبوك بقوله عفا الله عنك لم أذنت
لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكافرين.
وليست درجة علي في العصمة أعلى من درجة النبي ص واما
إظهار الحسين الكراهة من صلح الحسن ع فلأنه صلح مجحف
بحقهم ارغموا عليه إرغاما فحق للحسين ان يكرهه ويكون جز الأنف
أحب إليه منه وليس معنى هذا انه خطا أخاه فيما صنعه بل هو عين المصلحة
والصواب وإن كرهه وصعب عليه وكان غيره أحب إليه لو أمكن.
قال (١): ويتصل بهذه العصمة قولهم بان الأئمة وسطاء بين الله والناس
وشفعاء وإن الاعتقاد فيهم كاف في محو السيئات ورفع الدرجات،
المفضل بن عمر: قلت لأبي عبد الله لم صار علي قسيم الجنة والنار، قال:
لأن حبه إيمان وبغضه كفر وإنما خلقت الجنة لأهل الايمان، والنار لأهل
الكفر فهو قسيم الجنة والنار، لا يدخل الجنة إلا محبوه ولا يدخل النار إلا
مبغضوه.
ثم قال: وكتب الشيعة مملوءة بالأحاديث والأخبار الدالة على هذا
المبدأ وفيه هدم لمبدأ الاسلام الجميل وهو مسؤولية الإنسان وإن قيمة كل
إنسان عمله. ففي الاعتقاد بذلك إهدار ركن من أعظم أركان الاسلام
وهو المطالبة بالعمل الصالح والنهي عن العمل السئ وارتباط الثواب
والعقوبة بهما إذ يكفي حب آل البيت ثم ترتفع التكاليف.
ونقول: الشفاعة وطلب الدعاء من المؤمنين وما جرى هذا
المجرى من ضروريات دين الاسلام ولا يختص بالشيعة بل ورد أن من المؤمنين من
يشفع في مثل ربيعة ومضر وليس متصلا بالعصمة كما قال،
حتى أن الوهابيين لم ينكروا الشفاعة ولكن قالوا إنه لا يصح طلبها من العبد
وإن كان له الشفاعة بل يقول اللهم اقبل شفاعته في، وحتى أن ابن تيمية
ترقى عن ذلك فقال إن النبي ص طلب الدعاء من عمر فقال لا تنسنا
من دعائك يا أخي. وإما أن الاعتقاد بهم كاف في محو السيئات ورفع
الدرجات فكذب وافتراء. أنه لا يمحو السيئات إلا التوبة. ولا يرفع
الدرجات إلا العمل الصالح عندهم. وفي روايتهم عن الأئمة إن الله خلق
الجنة لمن أطاعه ولو كان عبدا حبشيا والنار لمن عصاه ولو كان سيدا قرشيا.
وأما أن عليا قسيم الجنة والنار فلم تروه الشيعة وحدها بل رواه
غيرها أيضا حتى أن صاحب تاج العروس نقله في كتابه في مادة قسم عن
النبي ص يا علي أنت قسيم النار تقول هذا لي وهذا لك. وأما إن حبه
ايمان وبغضه كفر فلم تختص بروايته الشيعة فقد روى الجميع قول النبي
ص إنه لا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق. رواه مسلم في صحيحه
والنسائي في الخصائص والطبراني في المعجم والترمذي في سننه وأحمد بن
حنبل في مسنده وابن الأثير في أسد الغابة وابن عبد البر في الاستيعاب عن
طائفة من الصحابة وغيرهم. وأما أنه لا يدخل النار إلا مبغضوه فلا يقول
به الشيعة بل النار للعاصين من مبغضيه ومحبيه وهو بديهي من أقوال
الشيعة. وكتب الشيعة إن كانت مملوءة بالأحاديث الدالة على مبدأ الشفاعة
وإن عليا قسيم الجنة والنار وإن حبه إيمان وبغضه كفر فكتب من تسموا
باهل السنة مملوءة به أيضا، فإن كان فيه هدما لمبدأ الاسلام الجميل كما
زعم فهو عند الفريقين، ولكن الصواب ان فيه توطيدا لمبدأ الاسلام
الجميل وهو الرأفة بالعبد وفتح باب الشفاعة له والتنويه بفضل علي الذي
هو أهل لكل فضيلة بان حبه إيمان وبغضه كفر، وليس في ذلك منافاة لمبدأ
الاسلام الجميل من مسؤولية الإنسان وإن قيمة كل إنسان عمله وارتباط
الثواب والعقاب بالعمل الصالح والعمل السئ. وأما إنه يكفي حب آل
البيت وترتفع التكاليف فتهويل بارد وكذب وافتراء مشين لقائله، فالشيعة
أكثر الناس محافظة على الطاعات والعبادات والأعمال الصالحة وأشد محافظة
على ترك المحرمات والأعمال السيئة. وإنما يكون أقرب إلى هذا الذي قاله
من قال: إن العبد مجبور على أفعاله، وإن الله تعالى لو أراد أن يدخل
محمدا النار وإبليس الجنة لم يكن ذلك قبيحا ولا ظلما.
قال (٢): دخل على المسلمين من جراء العصمة والمبالغة في الشفاعة
ضرر كبير ولم يقتصر على الشيعة إذ تسربت تعاليمهم إلى غيرهم فكان
السنيون إذا رأوا الشيعة ينسبون عملا وفضلا لأمام نسبوا مثله للأنبياء على
الأقل فغلا بعضهم في القول بعصمة الأنبياء وهو مخالف لصريح القرآن.
ورأوا الشيعة يقولون بان للامام نورا فقال بعضهم أن رسول الله ص لم
يكن له ظل ورأوا الشيعة تقول إن الإمامة تورث فزعم بعض الصوفية إن
مشيخة الطرق تورث ورأوا الشيعة تقول بعصمة الأئمة فاعتقد العامة بعصمة
الأولياء ولو شربوا الخمر وكم فسد الإسلام من هذه الأوهام. ومن سن
سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة.
ونقول: الشفاعة ثابتة بضرورة دين الاسلام كما مر وبالنقل
المتواتر فلا يعقل أن يدخل على الاسلام منها ضرر لا كبير ولا حقير ومن
بالغ فيها أو لم يبالغ لم يتبع إلا النص فان طريقها النقل والعصمة ثبتت
بالأدلة والبراهين القاطعة فلا يمكن أن يدخل بها ضرر على الاسلام أيضا
وانما دخل الضرر الكبير على المسلمين من جراء تجويز الإمامة لكل أحد حتى
للفساق:
- حتى إذا أصبحت في غير صاحبها * باتت تنازعها الذؤبان والرخم -
فصار الحاكم في دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم الفساق والمعلنون
بالفجور. وأما جعله القول بعصمة الأنبياء غلوا مخالفا لصريح القرآن وإنه
تسرب إلى السنيين من الشيعة فلو تم له القول بعدم عصمة الأنبياء لكان
القول بعدم عصمة الأئمة أحق واولى. وأنى له ذلك وحكمة الله البالغة
تأبى أن يرسل الله إلى العباد عاصيا ويامرهم بطاعته، ومعصيته توجب
سقوط محله من القلوب وعدم طاعته وهو نقض للغرض المقصود من إرساله
وهو قبيح يجب تنزيه الله عنه، وظاهر القرآن إذا خالف حكم العقل
القاطع وآيات القرآن الأخرى، مثل: لا ينال عهدي الظالمين، لم يجز
الاستناد إليه فكما تركنا ظاهر الآيات الدالة على التجسيم لمخالفتها حكم
العقل القاطع وظاهر الآيات الأخرى يلزمنا ترك ظواهر هذه الآيات. وكون
السنيين تسربت إليهم هذه العقيدة من الشيعة تخرص على الغيب واعتماد
على الأوهام ومتى كان السنيون يتبعون الشيعة في عقيدة أو غيرها. وهكذا
الكلام في أن الامام له نور والنبي ليس له ظل، ولسنا ندري ما يريد بكون
الامام له نور، فانا لا نعرف ذلك من عقيدة الشيعة، نعم روى غير
الشيعة إن رجلين من الصحابة كانا إذا فارقا النبي ص ليلا ذاهبين إلى
منازلهما أضاءت لهما عصا أحدهما فإذا افترقا أضاءت لكل واحد عصاه،

(١) ضحى الاسلام ج ٣ ص ٢٣٤ الطبعة الثالثة.
(٢) ضحى الاسلام ج ٣ ص ٢٣٥ الطبعة الثالثة.
(٦٤)

وفي ترجمة معاوية بن حرمل: خرجت نار بالحرة فجاء عمر إلى تميم فقال
أخرج فقال وما أنا فصغر نفسه ثم قام فحاشها حتى أدخلها الباب الذي
خرجت منه ثم اقتحم في أثرها ثم خرج فلم تضره. والشيعة لا تقول بأن
الإمامة تورث حتى يتبعهم في ذلك الصوفية وإنما هي بالنص لا بالميراث.
ولئن كان حصرها في علي وذريته يجعلها إرثا فحصرها في قريش لا يخرجها
عن ذلك، والشيعة إذا قالوا بعصمة الأئمة فهو لأنهم:
- مطهرون نقيات ثيابهم * تجري الصلاة عليهم أينما ذكروا -
فلا يقاس بهم من قال بعصمة الأولياء ولو شربوا الخمر، ولم يكن
ذلك منهم أتباعا للشيعة فلم تكن عادتهم أتباعهم بل مخالفتهم:
- سارت مشرقة وسرت مغربا * شتان بين مشرق ومغرب -
شتان بين خضابها وخضابي. وليس للشيعة المقتدين باهل بيت
نبيهم سنة سيئة حتى يستشهد لها بالحديث المذكور.
قال (١): ومن عقائد الشيعة البارزة الاعتقاد في المهدي وقال (٢) وهو
امام منتظر يأتي فيملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا. وأول ما نعلم من
إطلاقها بهذا المعنى ما زعمه كيسان مولى علي بن أبي طالب في محمد بن
الحنفية.
ونقول: الاعتقاد بالمهدي وأنه يأتي في آخر الزمان فيملأ الأرض
عدلا كما ملئت جورا لا يختص بالشيعة بل قد اتفق عليه جميع المسلمين
وإنما اختلفوا في التفاصيل.
ثم تكلم في التقية فقال (٢): التقية معناها ان يحافظ المرء على عرضه
أو نفسه أو ماله مخافة عدوه فيظهر غير ما يضمر فهي مداراة وكتمان وتظاهر
بما ليس هو الحقيقة، وهي عند الشيعة النظام السري في شؤونهم فإذا أراد
امام الخروج والثورة على الخليفة وضع لذلك نظاما وتدابير وأعلم أصحابه
بذلك فكتموه فهذه تقية، وإذا أحسوا ضررا من أحد داروه وأظهروا له
الموافقة فهذه أيضا تقية. والتقية عند الشيعة جزء مكمل لتعاليمهم تواصوا
به وعدوه مبدأ أساسيا في حياتهم وركنا من دينهم ورووا فيه الشئ الكثير
عن أئمتهم وانبنى عليه تاريخهم فالاحداث التاريخية كلها أساسها أمام مختف
أو متستر يدعو إلى نفسه في الخفاء ويبث دعاته في الأمصار فيتخذون البيعة
من انصارهم ويطالبونهم بالكتمان إلى أن يحين الوقت الملائم فيعلنوا الخروج
ويحملوا السلاح في وجه الدولة ثم نقل عن الكافي عدة أخبار في التقية لا
ضرورة إلى نقلها.
ونقول: في كلامه هذا أخطاء من وجوه أولا إن التقية عند
الشيعة هي كما عرفها وهي كذلك عند قومه لا تزيد عنها قيد شعره فقوله
هي عند الشيعة النظام السري الخ غير صواب والتقية مما جبلت عليه
نفوس البشر واعتمده جميع العقلاء من جميع الملل في كل عصر وزمان.
ومن لا يعمل بها يعد متهورا ناقص العقل والشيعة لم تزد في التقية شيئا عما
يفعله العقلاء حتى الأستاذ احمد أمين حينما يلجئه الخوف إليها ولا يحتاج
ذلك إلى آية أو رواية ومع هذا فقد نص القرآن على جوازها وجوز إظهار
كلمة الكفر وسب النبي لأجلها وهو أعظم ما يتصور وذلك يهدم كل ما
يعيبونه على الشيعة في أمر التقية ويهولون به وإنما كثر ذكرها عند الشيعة
لشدة الخوف والظلم، ولكن هؤلاء الاخوان الذين جعلوا نصب أعينهم
ستر محاسن الشيعة والتنقيب والبحث عما لعلهم يجدون فيه تنقيصا للشيعة
لا يزالوان يثيرون كل مسالة يأملون ان يجدوا فيها بغيتهم من تنقيص
الشيعة ويتبع اللاحق السابق بدون تفكير ولا تمحيص.
ثانيا جعلها عند الشيعة النظام السري في شؤونهم تهويل بارد
فإنها لا تخرج عما ذكرناه قيد شعره.
ثالثا تمثيله لذلك بأنه إذا أراد الامام الخروج الخ غير صحيح
فائمة الشيعة الاثني عشرية الذين يتبادرون عند اطلاق لفظ الشيعة لم يجر
لأحد منهم شئ مما ذكره حتى يعد نظاما سريا في شؤونهم فما هو إلا
التهويل بغير معنى.
رابعا إذا كانوا عندما يحسون ضررا من أحد يدارونه ويظهرون له
الموافقة فهل هذا يخرج عن التعريف الذي ذكره وعما هو عند قومه حتى
يذكره في مميزات الشيعة.
خامسا جعله التقية عند الشيعة جزءا مكملا لتعاليمهم ومبدأ
أساسيا في حياتهم وركنا من دينهم كلها تهويلات فارغة فالتقية عندهم كما
هي عند سائر العقلاء وعند أحمد أمين نفسه المحافظة على العرض والنفس
والمال عند الخوف باظهار خلاف الحقيقة. وحيث كثر الخوف على الشيعة
من أعدائهم فلا جرم أن تواصوا بالتقية ورووا فيها الشئ الكثير.
سادسا إسناده الاحداث التاريخية كلها إلى التقية واستدلاله لذلك
بان الامام يدعو إلى نفسه في الخفاء ويبث دعاته فيأخذون البيعة له من
أنصاره ويوصونهم بالكتمان إلى حين فيخرجون ويحملون السلاح في وجه
الدولة عار عن الصحة. فائمة الشيعة الاثني عشر لم يخرج أحد منهم
بالسيف إلا الحسين أما الباقون فلم يأخذ لهم أحد البيعة ولم يحمل أحد من
اتباعهم السلاح في وجه الدولة وإنما الذي ذكره كان مظهرا من مظاهر غير
الشيعة.
قال (٣): كانت التقية عند الشيعة سببا في تحميل الكلام معاني خفية
وجعلهم للكلام ظاهرا يفهمه كل الناس وباطنا يفهمه الخاصة.
ونقول: روى أبو نعيم الأصفهاني في حلية الأولياء إن القرآن
أنزل على سبعة أحرف ما منها حرف إلا وله ظهر وبطن. فليست الشيعة
هي التي حملت الكلام معاني خفية وجعلت له ظاهرا وباطنا والله تعالى قد
حمل القرآن الكريم معاني خفية وجعل له ظاهرا وباطنا فجعل فيه المحكم
والمتشابه. والقرآن نزل في بيوت أئمة أهل البيت وعلى جدهم الرسول
ص وتلقوا علمه عنه لاحقا عن سابق فلا غرو أن علموا خفيه وجليه
وظاهره وباطنه.
قال: وفسر بعضهم بعض آيات القرآن على هذا النحو جعلوا
كثيرا من الآيات رمزا لعلي والأئمة مثل يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليك
من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته قال بعضهم المراد بما أنزل إليك
خلافة علي.
ونقول: هذا التفسير لهذه الآية لم تروه الشيعة وحدها فقد روى

(١) ضحى الإسلام ج ٣ ص ٢٣٥ الطبعة الثالثة.
(٢) ضحى الاسلام ج ٣ ص ٢٤٧ الطبعة الثالثة.
(٣) ضحى الاسلام ج ٣ ص ٢٤٨ الطبعة الثالثة.
(٦٥)

الواحدي في كتاب أسباب النزول بسنده عن أبي سعيد الخدري ان هذه
الآية نزلت يوم غدير خم في علي بن أبي طالب. وبعد فما علاقة هذا
التفسير بالتقية صح أم فسد وعلي والأئمة قد ملأ فضلهم الخافقين فلا يحتاج
الشيعة في إثباته إلى تفسير الآيات بغير ما تدل عليه وإنما يحتاج إلى ذلك
غيرهم الذين تكلف اتباعهم القول بنزول بعض الآيات فيهم.
قال: وقالوا إن وراء هذه العلوم اسرارا خفية أشار إليها علي
زين العابدين بقوله أني لأكتم من علمي جواهره وذكر الأبيات.
ونقول: هذه كلها تهويلات فارغة فلا يمتنع عند العقل ان يكون
علي زين العابدين تلقى عن أبيه عن جده رسول الله علوما لا يرى إظهارها
لكل أحد وأني وهم معادن العلم النبوي.
قال (١): وجرى على هذا النمط بعض الصوفية قال إن وراء علم
الظاهر علم الباطن الخ.
ونقول: إن كان الصوفية من أهل نحلته ادعوا علم الباطن
بالالهام والكشف فالشيعة لا تدعي شيئا إلا بما يحكم به العقل ويرويه
الثقات عن الثقات.
قال (٢): أدى الشيعة إلى الاعتقاد بالإمامة وأنها جزء من الايمان
والعصمة وما إليها إلى اعتقادهم أن المؤمنين حقا هم علي ومن ناصره ووالاه
ومن تبع الأئمة بعد علي في الأجيال المتعاقبة.
ثم قال (٣): أداهم هذا النظر الذي ذكرناه إلى أن يروا انهم لا
يأخذون الحديث ولا يأخذون علما ولا يثقون برواية تاريخ إلا ممن كان
شيعيا ولذلك كانت كتب أحاديثهم وفقههم وأصول فقههم ورواية تاريخهم
محصورة كلها في المتشيعين.
ونقول: اما الحديث فيأخذونه من رواية الثقات ولو كانوا من غير
الشيعة ولا يأخذونه من غير الثقات ولو كانوا شيعة فقد قبلوا كثيرا من
روايات من تسموا بالسنيين لكونهم كانوا ثقات وسموا حديثهم بالموثق وتركوا
كل حديث رواه من ليس بثقة وإن كان شيعيا وسموه ضعيفا كما يظهر من
كتب رجالهم وكتب فقههم الاستدلالية وكتب حديثهم. وأما العلم
فيأخذونه من كل أحد وكتبهم التي يدرسونها في اللغة وعلوم العربية وعلوم
البلاغة والمنطق ونحوها جلها تاليف غير الشيعة وكذلك التاريخ يثقون
بروايته عمن يوثق به ولو كان غير شيعي أمثال الطبري وابن الأثير، ولا
لوم عليهم إذا لم يثقوا برواية التاريخ عن الذين ظهر منهم التعصب وقلب
التاريخ وتحريفه على حسب أهوائهم وقد ظهر في هذا العصر من ذلك شئ
كثير. وأما كتب فقههم فمشحونة بأقوال الفقهاء الأربعة وغيرهم مثل
محمد بن الحسن الشيباني تلميذ أبي حنيفة وغيره فقد يوافقونهم في الرأي وقد
يخالفونهم. وأما أصول فقههم فكلها مشحونة بأقوال من تسموا باهل السنة
كابن الحاجب والقاضي عضد الدين وسعد الدين التفتازاني والآمدي
وغيرهم فيوافقونهم فيما أداهم الدليل إلى موافقتهم ويخالفونهم في غيره،
وإلى عهد قريب كانت تدرس كتب هؤلاء في المدارس الدينية للشيعة،
وكلامه هذا يدل على قلة اطلاعه على كتب أصول الفقه. فمما ذكرناه ظهر
بطلان قوله لا يأخذون الحديث الا ممن كان شيعيا وكتب أحاديثهم محصورة
في المتشيعين وبطلان قوله لا يأخذون علما ولا يثقون برواية تاريخ إلا ممن
كان شيعيا وأصول فقههم ورواية تاريخهم محصورة كلها في المتشيعين.
قال (٤): وفي الحق أن كثيرا من أهل السنة وقفوا نفس موقف الشيعة
فلم يرض كثير من المحدثين ان يرووا أحاديث الشيعة ولم يرض كثير من
الفقهاء ان يعدوا خلافات الشيعة بين اختلافات الفقهاء.
ونقول: بل كان جل فقهاء السنيين ان لم يكن كلهم على ذلك
وإذا كان الشيعة عنده أداهم نظرهم في الإمامة إلى أن لا يأخذوا شيئا عن
السنيين كما ذكره سابقا فما هو الذي حمل السنيين على أن يقفوا من الشيعة
نفس هذا الموقف.
ثم تكلم على فقه الشيعة فقال: (٥) منحى الفقه الشيعي يشبه منحى
الفقه السني من اعتماد على الكتاب والسنة ثم قال إنهم وقد منعوا
أنفسهم من أن يأخذوا حديثا أو رأيا إلا عن إمام من أئمة الشيعة وعالم
شيعي وراو شيعي اضطروا ان يبنوا أحكامهم على الكتاب بالتفسير
الشيعي والأحاديث بالرواية الشيعية فقط. وهذا يستتبع حتما ضيقا في
التشريع من جهة ومخالفة للتشريع السني في بعض المسائل من جهة
أخرى.
ونقول: قد عرفت انهم لا يحصرون الرواية إلا في الثقة وإن
خالف مذهبهم. وأما الكتاب فدعوى إنهم بنوا أحكامهم عليه بالتفسير
الشيعي دعوى باطلة كما يظهر من مؤلفاتهم في آيات الاحكام ككنز العرفان
وفقه القرآن وزبدة البيان وغيرها وفي تفسير القرآن كمجمع البيان والتبيان
وجوامع الجامع وغيرها فإنها لا تفترق عن تفاسير غيرهم إلا بمثل ما تفترق
به تفاسير غيرهم بعضها عن بعض ولم يحصل عندهم ضيق في التشريع كما
توهم بل كل فرع من الفروع التي يمكن تصورها لها حكم في فقههم ودليل
ترجع إليه.
قال (٦): الشيعة أنكروا الاجماع العام كأصل من أصول التشريع
لأن هذا يسلم الأخذ بأقوال غير الشيعة وانكروا القياس لأنه رأي والدين لا
يؤخذ بالرأي وإنما يؤخذ عن الله ورسوله وعن الأئمة المعصومين.
ونقول: أما الاجماع فهو أحد الأدلة الأربعة التي يعتمد عليها
الفقه عند الشيعة وهي الكتاب والسنة والاجماع ودليل العقل. ولكن دليل
الاعتماد على الاجماع عندهم يختلف عنه عند غيرهم فنسبته إليهم أنهم
ينكرونه للعلة التي ذكرها غير صواب بل لا يكاد يفهم لتلك معنى وهم طالما
استدلوا باجماع المسلمين وإما القياس فكما ذكره.
قال: من أهم المسائل التي خالف فيها الشيعة السنية وأشهرها
نكاح المتعة وقد وردت في المتعة نصوص مختلفة ذهب فيها العلماء مذاهب
مختلفة. ثم ذكر آية فما استمتعتم به منهن وذكر قول من استدل بها
على الحلية ومن نفى ذلك بما لا حاجة إلى نقله فقد استوفينا الكلام عليه فيما
كتبناه في الحصون المنيعة وفي نقض الوشيعة وغيرها مما سيأتي بعضه وبينا

(١) ضحى الاسلام ج ٣ ص ٢٤٩ الطبعة الثالثة.
(٢) ضحى الاسلام ج ٣ ص ٢٤٨ الطبعة الثالثة.
(٣) ضحى الاسلام ج ٣ ص ٢٤٩ الطبعة الثالثة.
(٤) ضحى الاسلام ج ٣ ص ٢٥٣ الطبعة الثالثة.
(٥) ضحى الاسلام ج ٣ ص ٢٥٤ الطبعة الثالثة.
(٦) ضحى الاسلام ج ٣ ص ٢٥٥ الطبعة الثالثة.
(٦٦)

بأوضح برهان نزولها في المتعة ووهن ما تمسكوا به لعدم نزولها فيها.
قال (١): الدليل على أن المتعة ليست بنكاح إنها ترتفع بغير طلاق.
ونقول: ليس بأيدينا من أدلة الشرع ما يفيد أن كل نكاح لا
يرتفع إلا بالطلاق بل بأيدينا ما يفيد عدمه كالفسخ وغيره.
ثم أشار (٢) إلى الأحاديث الواردة في المتعة تحليلا وتحريما ونحن قد
استوفينا الكلام عليها فيما أشرنا إليه آنفا وبينا أنه لو صح ما قيل من نسخ
إباحتها لكانت قد أحلت وحرمت سبع مرات وذلك كالتلاعب في الأحكام
ولا نظير له في الشرع.
قال وقد أكد عمر بن الخطاب تحريمها في خلافته ثم انقطع الخلاف
باجماع الأئمة الأربعة وفقهاء الأمصار على تحريمها ما عدا فقهاء الشيعة.
ونقول: لم يتحقق إجماع على تحريمها من فقهاء الأمصار في عصر
من الأعصار حتى من غير الشيعة وكان ابن جريح فقيه مكة يفتي بحليتها
وغيره أفتوا بذلك كما بيناه فيما أشرنا إليه آنفا.
قال (٣): ربما كان من الأسباب التي حملت الشيعة على التمسك بالمتعة
نهي عمر عنها.
ونقول: الشيعة أبر واتقى وأشد خوفا لله تعالى ومحافظة على
شرائع دينها من أن تتمسك بشئ ليس من دين الله مخالفة لشخص من
الأشخاص. بل الذي حملهم على التمسك بها دلالة كتاب الله وسنة نبيه
على حليتها وعدم صلاحية اجتهاد من حرمها لنسخ الكتاب والسنة. وإنما
الذي حمل غير الشيعة على التمسك بتحريمها نهي من حرمها ومخالفة
الشيعة.
قال وبعد فان حكمنا العقل في هذا النوع من النكاح لم نجده يفترق
كثيرا عن الزنا. روي عن علي أنه قال لولا أن عمر نهى عن المتعة ما زنى
إلا شفى وقد أصاب عمر وجه الصواب بادراكه أن لا كبير فرق بين متعة
وزنا. ثم أن عد المتعة من باب استئجار بضع المرأة شناعة يمجها الذوق
السليم وفيه تسهيل لعيشة الإباحة التي لا تتقيد بقيود ولا تتحمل عب ء
الزواج مع ما يستتبعه نظام إباحة المتعة من فساد المرأة واستهتارها وكثرة
الضحايا منهن فاستئجار المرأة أياما وتركها يعرضها لأشد أنواع الخطر وهذا
ما حدث فعلا وضج بالشكوى منه عقلاء فارس. وإذا كان المثل الأعلى
للأسرة زوجا واحدا وزوجة واحدة وعروة وثقى باقية أبدا في سعادة ينشأ في
أحضانها الأولاد فما أبعد نكاح المتعة من هذا المثل.
ونقول: في هذا الكلام وجوه من الخلل أولا أن الأحكام
تؤخذ من نص الشارع لا من عقول الرجال وإلا لوقعت الفوضى في الدين
فالزنا ما حرمه الشرع والنكاح الصحيح ما أباحه ولا مدخل لعقولنا في ذلك
وهل بلغ التسافل بالمسلمين في هذا العصر إلى أن يحكموا عقولهم المتباينة في
الدين ويستغنوا عن نصوص الشرع ثانيا إذا حكمنا العقل أدركنا خطأ
من قال أنها لا تفترق كثيرا عن الزنا بعد ما أحلها الكتاب والسنة وإن
تحريمها هو الذي كثر الوقوع في الزنا ثالثا كان عبد الله بن عمر أقرب
عهدا منه بالرسول وأعرف باحكام الله حين سئل عن متعة النساء فقال والله
ما كنا على عهد رسول الله ص زانين ولا مسافحين (٤) رابعا علي
يقول لولا النهي عنها ما زنا إلا شفى بالفاء أي قليل وإن كتبت في كتابه
بالقاف وقد أصاب وجه الصواب بادراكه أن تحريم المتعة يؤدي إلى شيوع
الزنا وإنه لولا تحريمها ما زنى إلا قليل وعمر يقول: متعتان كانتا على عهد
رسول الله انا أحرمهما، فأيهما أحق أن يكون أصاب وجه الصواب
خامسا تعبيره بالاستئجار ليس بصواب بل هي قسم من النكاح لكنه إلى
أجل سادسا جعلها شناعة يمجها الذوق السليم يشبه قول من امتنع من
الصلاة وقال لا أحب أن يعلوني استي، ولا شناعة فيما أحله الله إنما
الشناعة كل الشناعة جعل ما أحله الشرع شناعة سابعا الأذواق لا تدرك
بها أحكام الشرع والذوق الذي يمج الأحكام الشرعية لا يكون سليما
ثامنا الذي يسهل عيشة الإباحة هو تحريمها لأن الأسفار من ضروريات
الوجود وشهوة النكاح أقوى الشهوات وليس كل أحد يمكنه النكاح الدائم
فإذا حرمت المتعة اضطر إما إلى عيشة المشقة الشديدة أو عيشة الإباحة التي
لا تتقيد بقيود النكاح المحلل ولا تتحمل عب ء الزواج ولهذا قال ابن عباس
ما كانت المتعة إلا رحمة رحم الله بها أمة محمد لولا نهيه عنها ما احتاج إلى
الزنا إلا شفى تاسعا الذي يستتبع فساد المرأة واستهتارها وكثرة الضحايا
منهن هو نظام تحريم المتعة فينساق من لا يستطيع النكاح الدائم من النساء
والرجال إلى دور الفحش وتكثر الضحايا منهم ومنهن وهذا هو الذي
يعرضهما لأشد أنواع الخطر وهو الذي حدث فعلا كما هو المشاهد وليس
نظام إباحة المتعة هو الذي يستتبع ذلك فكم من فرق بين من تتزوج بزوج
سنين أو أشهرا ولا تتزوج بغيره حتى تعتد وبين سواها ممن ذكرنا عاشرا
الذي غضب منه الله وضج بالشكوى منه رسوله وعقلاء البشر هو تحريم ما
أحله الله الذي لولا تحريمه ما زنى إلا شفى وفتح دور الفحش في جميع
عواصم الاسلام حادي عشر المثل الأعلى للأسرة وغيرها اتباع ما أحله
الله واجتناب ما حرمه.
قال (٥): ومن أغرب مسائلهم في الإرث أنهم يقولون أن ابن العم
الشقيق مقدم على العم لأب ولعلهم يرمون بذلك أن يكون علي بن أبي
طالب متقدما في إرث رسول الله ص على العباس.
ونقول: كونهم يرمون إلى ذلك غير صواب فان الأنبياء إن كانت
تورث فالإرث لفاطمة دون علي والعباس. والشيعة إن قالت بذلك لا
تقوله إلا بالنص من أئمة أهل البيت الطاهر شركاء القرآن ولا تقوله بالرأي
والقياس والاستحسان والمصالح المرسلة كما يقوله غيرها فجعل ذلك من
أغرب المسائل هو من أغرب الأمور.
قال (٦): كما ذكروا أنه أي الصادق ع كان له معرفة بالتنجيم
والكيميا.
ونقول: هذا من المزاعم الباطلة ولم يذكره أحد من الشيعة.
وجعل (٧) من جملة اختلاف التشريع بين السنيين والشيعة اختلافهم
في فهم القرآن قال وللشيعة تأويلات في بعض الآيات خاصة بهم.
ونقول: لا يحتج الشيعة بغير الظاهر في الكتاب والسنة ولا
يحتجون بالمؤول فما ندري ما يريد بهذه التأويلات الخاصة بهم.

(١) ضحى الاسلام ج ٣ ص ٢٥٦ الطبعة الثالثة.
(٢) ضحى الاسلام ج ٣ ص ٢٥٦ - ٢٥٨ الطبعة الثالثة
(٣) ضحى الاسلام ج ٣ ص ٢٥٩ الطبعة الثالثة.
(٤) مسند أحمد بن حنبل ٢ - ٩٥ (٥) ضحى الاسلام ج ٣ ص ٢٦٠ الطبعة الثالثة.
(٦) ضحى الاسلام ج ٣ ص ٢٦٣ الطبعة الثالثة.
(٧) ضحى الاسلام ج ٣ ص ٢٦٧ الطبعة الثالثة.
(٦٧)

وذكر (١) أن بعض الشيعة يزعم أن المعتزلة أخذوا عنهم وإن
واصل بن عطاء رأس المعتزلة تتلمذ لجعفر الصادق قال وإنا أرجح أن
الشيعة هم الذين أخذوا عن المعتزلة تعاليمهم وزيد الذي تنسب إليه
الزيدية تتلمذ لواصل وكان جعفر يتصل بعمه زيد وفي مقاتل الطالبيين أن
جعفرا كان يمسك بركاب زيد فإذا صح ما ذكره الشهرستاني وغيره من
تتلمذ زيد لواصل فلا يعقل كثيرا أن يتتلمذ واصل لجعفر وكثير من المعتزلة
كان يتشيع فالظاهر أنه عن طريق هؤلاء تسربت أصول المعتزلة إلى
الشيعة.
ونقول: الشيعة لم يأخذوا عن المعتزلة لا سابقا ولا لاحقا وردود
ابن قبة والمرتضى وغيرهما ممن تقدم وتأخر على المعتزلة لا تحصى ومناظرة
هشام بن الحكم لهم ورده عليهم معروفة والشيعة ما أخذوا إلا عن أئمتهم
وعما أرشدهم إليه العلم الصحيح المستفاد من النقل والعقل في المسائل
المشهورة الخلافية بينهم وبين الأشاعرة. وأئمتهم لم يكونوا بحاجة إلى الأخذ
عن أحد مثل واصل وغيره بما تداولوه من علم جدهم الرسول ص
سواء أ صح تتلمذ زيد لواصل أم لم يصح كما هو الظاهر وسواء أ صح تتلمذ
واصل لجعفر الصادق أم لم يصح. وإمساك جعفر بركاب عمه زيد إن صح
فليس إلا مجرد احترام وإلا فليس لزيد درجة جعفر. وتشيع كثير من
المعتزلة كان بقولهم بالتفضيل فقط فكانوا مع ذلك أقرب إلى التسنن منهم
إلى التشيع وكان المعتزلة غير مرضيين لا عند الشيعة ولا عند السنيين
لمخالفتهم كلا الطائفتين في بعض العقائد وإن وافقوا إحداهما في بعض
والأخرى في بعض وبذلك يبطل تسرب أصول المعتزلة إلى الشيعة من هذا
الطريق.
وقال (٢) عن هشام بن الحكم: يظهر أنه كان يميل إلى الجبر كما كان
يميل إلى التجسيم.
ونقول: ميله إلى الجبر غير صحيح كميله إلى التجسيم فهو تلميذ
الإمام جعفر الصادق الذي بين مذهبه ومذهب الجبر والتجسيم أبعد مما بين
السماء والأرض وقد بينا في مقام آخر فساد نسبة التجسيم إليه.
وقال (٣): بعد قتل علي ظل العراق وخاصة الكوفة شيعي
النزعة. وظلت حركات الغلو في التشيع تنبع منه كحركة عبد الله بن سبأ
والمختار الثقفي.
ونقول: أولا العراق لم يكن كله شيعي النزعة فالبصرة وهي
تضاهي الكوفة كان جل أهلها عثمانية كما يدل عليه خروج أهل الجمل
إليها وواقعة ابن الحضرمي الذي أرسله إليها معاوية، نعم الكوفة كان
يغلب على أهلها التشيع بعد اتخاذ علي لها عاصمة خلافته لأن التشيع قريب
إلى النفوس ما لم يصد عنه صاد.
ثانيا شيعة الكوفة كانوا يعدون بمئات الألوف ولم يكن فيهم غلو
في التشيع فإذا صح أنه وجد بينهم رجل واحد أصله يهودي حجازي وأسلم
ثم خرج عن الإسلام وادعى في علي ما ادعت النصارى في المسيح وتبعه
أفراد قتلهم علي في حياته لا يصح لنا أن نقول أن حركات الغلو في التشيع
تنبع من العراق فأين هي هذه الحركات وهذه الينابيع.
ثالثا الشيعة صارت في العرف اسما لفرقة خاصة من المسلمين
تتولى عليا وأهل بيته وتتبعهم وهي تبرأ من كل من غلا فيهم وتعده خارجا
عن الاسلام وعن التشيع الذي هو فرع الاسلام فعد مقالة ابن سبا غلوا في
التشيع غير لائق ولا مناسب كما لا يناسب عد دعوى الآلهية في محمد
ص غلوا في الاسلام.
أما المختار الثقفي فكان طالب ملك لا غاليا في التشيع وقيضه الله
تعالى للأخذ بثار الحسين ع فاستعان بالشيعة على ذلك.
وقال (٤): وانضم إلى حركة التشيع كثير من الموالي وخاصة موالي
الفرس لما بينا قبل من أسباب فكانت فارس ولا سيما خراسان أميل إلى
التشيع كالعراق.
ونقول: حركة التشيع كان يميل إليها الموالي والسادات من العرب
والفرس والترك والبربر وسائر أمم الاسلام إلا من غرست في قلبه العداوة
للعلويين بعامل الحسد أو تذكر الثارات. وما بينه من الأسباب قد بينا أنه
ليس بصواب وأهل خراسان كان تشيعهم لبني العباس مع داعيتهم أبي
مسلم الخراساني ولم يسمع أنهم تشيعوا للعلويين والذي تشيع للعلويين هو
أبو سلمة الخلال الكوفي العربي فقتله بنو العباس على يد أبي مسلم.
وقال (٥): تستر الشيعة وأخذوا يعملون في الخفاء واصطنعوا مبدأ
التقية.
ونقول: مبدأ التقية طبيعي في جميع العقلاء بل في كل ما يدب على
الأرض لم تصطنعه الشيعة وحدها فمؤمن آل فرعون كان يكتم إيمانه تقية
وأخت موسى ع بصرت به عن جنب وهم لا يشعرون تقية وبعض
الصحابة أظهر كلمة الكفر أمام مشركي قريش لما أكرهوه تقية، وهو نفسه
إذا خاف اصطنع مبدأ التقية. على أن الشيعة في العصر الأموي كانوا أقل
تقية منهم في العصر العباسي كما يظهر من حال حجر بن عدي وأصحابه
وغيرهم.
وقال (٦): عبد الله بن عباس ناصر عليا أولا ثم تحول إلى معاوية
وسالم الأمويين وإن كرههم في أعماق نفسه.
ونقول: ابن عباس لم يتحول إلى معاوية إلا بعد قتل علي وصلح
الحسن ع ومفارقته عليا في حياته لم تصح وإن صحت فهو لم يتحول إلى معاوية يومئذ ولم
يزل مناصرا لعلي طول حياته إلا ما اقتضته
الضرورة في الوفادة على معاوية بعد قتل علي، وكتابه إلى يزيد بعد قتل
الحسين معروف مشهور.
قال (٧): سال المأمون علي بن موسى الرضا بم تدعون هذا الأمر
قال: بقرابة علي من النبي ص وبقرابة فاطمة فقال المأمون في خلف
رسول الله ص من أهل بيته من هو أقرب إليه من علي ومن هو في
القرابة مثله. وإن كان بقرابة فاطمة فالحق بعدها للحسنين فيكون علي قد
ابتزهما فما أحار علي بن موسى نطقا اه ملخصا.

(١) ضحى الاسلام ج ٣ ص ٢٦٩ الطبعة الثالثة.
(٢) ضحى الاسلام ج ٣ ص ٢٧٨ الطبعة الثالثة.
(٣) ضحى الاسلام ج ٣ ص ٢٦٨ الطبعة الثالثة.
(٤) ضحى الاسلام ج ٣ ص ٢٧٧ الطبعة الثالثة.
(٥) ضحى الاسلام ج ٣ ص ٢٧٨ الطبعة الثالثة.
(٦) ضحى الاسلام ج ٣ ص ٢٨١ الطبعة الثالثة.
(٧) ضحى الاسلام ج ٣ ص ٢٨٤ الطبعة الثالثة عن عيون الانباء ٢ - ١٤١.
(٦٨)

ونقول: في هذا الخبر ما يوجب الريب في صحته أولا إن
الأئمة ع يدعون هذا الأمر بالنص عليهم من الرسول ص
على أبيهم يوم الغدير وكل واحد من بعده ولا يدعونه بالقرابة فقط ثانيا
أن أبا طالب أخا عبد الله لأبيه وأمه والعباس أخوه لأبيه فعلي إن كان أبعد
في الدرجة فهو أقرب بتعدد الوصلة ثالثا إن الأقربية المدعاة هي بالنسبة إلى بني العباس لا بالنسبة
إلى علي وولديه بل تقديمه عليهما لفضله، ويرشد
إلى أن المراد الأقربية من بني العباس أن الرشيد لما حج وزار قبر الرسول
ص ومعه الإمام موسى بن جعفر الكاظم تقدم إلى القبر الشريف وقال
السلام عليك يا رسول الله يا ابن عمي افتخارا على من حوله فتقدم
الكاظم فقال السلام عليك يا أبة فتغير وجه الرشيد وقال هذا الفخر يا أبا
الحسن حقا، رواه الخطيب في تاريخ بغداد مسندا، وقال له الرشيد مرة لم
جوزتم أن ينسبكم الناس إلى رسول الله وإنما أنتم بنو بنته والأم وعاء فقال
يا أمير المؤمنين لو أن النبي ص نشر فخطب إليك كريمتك هل كنت
تجيبه فقال سبحان الله ولم لا أجيبه بل كنت افتخر على العرب وقريش
بذلك فقال لكنه لا يخطب إلي ولا أزوجه فقال ولم فقال لأنه ولدني ولم يلدك
فقال أحسنت. وما كان الإمام الرضا عاجزا عن أن يجيبه بمثل هذا الجواب
وهو الذي أجابه في مشكلات المسائل العديدة.
وذكر (١) خروج محمد بن عبد الله بن الحسن المثنى على المنصور ولم
يذكر أن المنصور كان قد بايعه في دولة بني أمية مع أنه لا بد من ذكره لأنه
السبب الأهم فكيف يبايع من بيعته في عنقه.
كلام محمد ثابت المصري في حق الشيعة
ومن الافتراءات على الشيعة ما ذكره السائح المصري محمد ثابت
المدرس الأول للعلوم الاجتماعية بمدرسة القبة الثانوية بمصر في كتابه جولة
في ربوع الشرق الأدنى المطبوع بمصر الطبعة الثانية سنة ١٣٥٤ ه
١٩٣٦ م فان فيه بالنسبة إلى ما يتعلق بالشيعة من الأغلاط والاشتباهات
العجيبة في بديهيات التاريخ والافتراءات ما كنت أربا به عن مثله وهو
المدرس الأول للعلوم الاجتماعية بإحدى مدارس مصر الكبرى. وها أنا
أنبه على هذه الأغلاط وأبين الصواب فيها ولا غرض لي في غيرها.
في النجف
قال: بدت النجف وضاءة وسط البادية في رواء وبريق يراه المشاة
من الحجاج محط آمالهم وموضع عقيدتهم وفخارهم وكثير منهم يقوم من
بغداد على الأقدام وكم أجهد منهم الإعياء والجوع فماتوا في الطريق.
وأقول: يراه المشاة والركبان من الزوار محط آمالهم وموضع
عقيدتهم وفخارهم من جميع المسلمين ولا غرو أن يروه كذلك وهو مرقد
صنو الرسول وزوج البتول ومن قام الاسلام بسيفه ومن هو مجمع الفضائل
والمناقب فحق له أن يكون محط الآمال وموضع العز والفخار لكل مسلم.
وتعبيره بالحجاج مناف لعرف الاسلام فالحج عند المسلمين إنما يكون
لبيت الله الحرام، وغيره لا يسمى حجا وإنما يقصده الزوار كما يقصدون
ضريح السيد أحمد البدوي والرفاعي وغيرهما في مصر. وضريح الشيخ
عبد القادر والامام أبي حنيفة وغيرهما في بغداد. وضريح أمير المؤمنين علي
أولى بالزيارة والقصد من كل مقصود.
ولم نسمع أن أحدا قام من بغداد على الأقدام لزيارة النجف ولا
سمعه سامع ولا قاله قائل قبله فضلا عن أن يكون الكثير منهم كذلك.
وإذا كان قيام الكثيرين منهم من بغداد على الأقدام كذبا فلا واحد ولا كثير
كان ما فرعه عليه من اجهاد الإعياء والجوع لهم وموتهم في الطريق كذبا
واختلافا كأصله.
والذين يزورون النجف من البغداديين كانوا يزورونه ركبانا قبل
السكة الحديدية والسيارات وفي العهد الذي جاء فيه إلى النجف هم
يزورونه في القطار الحديدي والسيارات فزعمه هذا شئ صورته له المخيلة
أو اختلقه بأدبه وأمانته أو أخبره به كاذب.
قال: وكيف لا يراها الأتقياء آمالهم وهي مقر أول خليفة للنبي
ص.
وأقول: إن لم يكن أول خليفة وكان رابع الخلفاء فلا شك أنه
أول من آمن بالرسول ص ونصره بسيفه ولسانه وشاركه في محنة وهاجر
وجاهد أمامه بسيفه وكان النصر به وبجهاده في المواقف كلها وقاتل بعده
الناكثين والقاسطين والمارقين وكان منه بمنزلة الصنو من الصنو والذراع من
العضد وبمنزلة هارون من موسى وكان باب مدينة علمه وزوج ابنته سيدة
النساء وأبا سبطيه ووصيه وأخاه عند المؤاخاة ونفسه في آية المباهلة وثاني
أصحاب الكساء إلى ما يحصى من فضائله ومناقبه فلا غرو أن يكون محط
الآمال لجميع أتقياء المسلمين.
قال وفي زعم بعضهم هي مقر من كان أحق بالرسالة من النبي
نفسه.
وأقول: هذا البعض الذي أسند إليه هذا الزعم لا وجود له وإن
إشاعة اخصامنا فانا نطالبهم ونقول لهم في أي كتاب وجدوه من كتبنا ومن
أي شخص سمعوه منا فليأتوا به إن كانوا صادقين ولكننا نسألهم عن
روايتهم: ما أبطا عني جبرائيل إلا ظننت أنه بعث إلى عمر، أ تستلزم شك
النبي في نبوة نفسه وفي أنه خاتم النبيين أم لا؟!. وما حكم من شك في
ذلك.
قال: وللقوم قصة يروونها عن نشاة النجف وذكر قصة تتضمن
كيفية دفن أمير المؤمنين علي ع وإظهار الرشيد قبره ضمنها الحق
والباطل لا حاجة بنا إلى نقلها.
وأقول: هؤلاء الذين عبر عنهم بلفظ القوم وما كان ينبغي له
لم يقل علماؤهم ومؤرخوهم في دفن علي ع وظهور قبره أيام
الرشيد إلا ما قاله سائر مؤرخي الاسلام من أنه دفن ليلا سرا خوفا من بني
أمية ومن الخوارج ولم يكن يعرف قبره سوى أبنائه وأتباعهم ثم ظهر أيام
الرشيد بكرامة وأول من بناه الرشيد. ودفنه ليلا سرا لا يشك فيه أحد حتى
أن بعض أهل نحلة هذا الرجل ينكر معرفة قبره وبعضهم يقول أن المزور
بظاهر الكوفة هو قبر المغيرة بن شعبة.
قال ص ١٠٥: وطائفة النقباء يقودون الزوار ويتكالبون على
مصاحبتهم مقابل أجر يتقاضونه جبرا.
وأقول: طائفة النقباء في النجف كطائفة النقباء في أقطار الدنيا:

(١) ضحى الاسلام ج ٣ ص ٢٨٥ الطبعة الثالثة.
(٦٩)

في القدس عند المسجد الأقصى وعند مشهد النبي داود وفي بلد الخليل
ع وفي المدينة المنورة عند قبر الرسول ص وعند قبر السيد
أحمد البدوي بمصر حتى الذين عند الاهرام بمصر يطلبون الاكرام والأجر من
الزوار.
قال: ويقول العلماء هناك أن المدافن عشرة آلاف لا تزيد ولا تنقص
لأن سيدنا عليا يرسل ما زاد من الجثث بعيدا فلا يعرف أحد مقرها.
وأقول: هذه أيضا كذبة أخرى معطوفة على ما سبق ومعطوف
عليها ما يأتي فمن هو من العلماء قال ذلك ولعله سمعه من بعض الكذابين
أعداء الشيعة الذين يريدون عيبهم بكل شئ. وما يضره من هذه الخرافة
فلعله لو مات بالنجف يكون زائدا على عشرة آلاف فيرسله سيدنا علي إلى
مصر إلى القرافة فيدفن فيها.
قال: والمقابر تباع بأثمان هي من الموارد الرئيسية للحرم. وتختلف
قيمتها حسب قدسية الموقع.
وأقول: رسوم الدفن في المشاهد في العراق من مبتدعات الدولة
العثمانية تدخل صندوق الدولة ولا يصيب الحرم منها شئ فقوله هي من
الموارد الرئيسية للحرم اشتباه والدفن بجوار الأنبياء والخلفاء والصلحاء
مرغوب فيه عند جميع المسلمين وإلا لما عد دفن الشيخين بمكانهما منقبة.
قال ص ١٠٦: وكم من جثث كان تحملها السيارات وبعد الغسل
والصلاة عليها تدفن وتظل كذلك حتى يتراءى لسيدنا علي أن يكشف عن
مكنونها فتختفي ويدفن في مكانها غيرها.
وأقول: هذه أيضا كذبة معطوفة على ما سبق. ومن باب الفكاهة
نقول: لا باس بذلك فهي كجنائز مشايخ الطرق التي يحملها الحاملون
وتأبى أن تذهب وتقف في مكانها حتى يجئ شيخ آخر من مشايخ الطرق
فيقنعها بضرورة الذهاب إلى القبر فتطيعه وتذهب أو يتراءى لها أن تطيع
الحاملين وتذهب معهم كما يتراءى لسيدنا علي أن يكشف عن مكنونها
فتختفي. أوليس من المصيبة أن تسطر الأوهام التي لا أساس لها في الكتب
وتطبع وتنشر بقصد التشنيع على من هو برئ منها في مثل هذا الزمان الذي
يزعمون أنه ترقى فيه الانسان.
قال: وفي النجف فئتان من الأهلين متباغضتان حزب السجورت
وهم الفقراء وحزب الشمورت وهم الأغنياء والكلمتان من أصل تركي
ولقد آثارهما الأتراك يوم أن كان حكمهم السني مبغضا لدى الشيعة هناك
فلجأوا إلى سياسة الأحزاب والتفريق بينهم كما يفعل المحتلون اليوم لكن في
مكر سئ ودهاء كبير كثيرا ما يقتتلون تحت إمرة مجتهديهم.
وأقول: في كلامه هذا عدة أغلاط بعضها لا قيمة له
وبعضها لها قيمتها لكننا نذكرها كلها لنعلم أن جل كلامه عن الشيعة مبني على الغلط
أولا الفئتان المتباغضتان يسميان الزقرت والشمرت لا ما ذكره ثانيا
يغلب الفقر والغنى إن كان بعكس ما ذكره ثالثا كون الكلمتين من
أصل تركي لا مستند له رابعا كون الأتراك أثاروهما ليس بصواب بل
أثارهما قتل رجل شريف في قصة معروفة ليس هذا موضع شرحها.
والأتراك كانوا عاجزين عن إخماد ثوراتهم أو متهاونين على عادتهم في سوء
الإدارة. خامسا الشيعة لا يبغضون حكم من تسمى بالسني إن كان
عادلا وقد قاتلوا معهم جنبا لجنب في العراق ضد الأجنبي في الحرب العامة
سادسا قوله كثيرا ما يقتتلون تحت إمرة مجتهديهم ليس بصواب فقتال
هؤلاء لم يكن مما يرضى به الله. ومجتهدو الشيعة أبر واتقى وأورع من أن
يرضوا بذلك أو أن يكون تحت إمرتهم، وكانت الدولة كثيرا ما تعجز عن
ردعهم فكيف بالمجتهدين.
قال: ويلي المجتهدين في النفود طبقة الكلدار وبيدهم ثروة الحرم
وهي لا تقدر وكلها من فيض إحسان الزائرين حتى قيل أن الصندوق لما
فتح عقيب زيارة نصر الدين شاة كان وزن الذهب والفضة سبعة أطنان إلى
ذلك مصباح نحت في زمردة واحدة وماثله شمعدان للشمع من ذهب
ترصعها اليواقيت وبساط تزينه اللآلئ وقد أمر أن تكسى القباب
والمآذن من ظاهرها بالذهب الخالص. وأقول: في هذا الكلام
أيضا عدة أغلاط. فالكليتدار شخص واحد وليس طبقة من
الطبقات وهي كلمة فارسية معناها من بيده المفاتيح لأن كليت
بالفارسية معناه المفتاح وقد حرفه بكلدار، والحرم له خزانة خاصة
فيها أنواع التحف والجواهر وهي من موقوفات ملوك الاسلام على
تطاول الأيام ومن الموقوفات شمعدانان من فضة ملبسان بالذهب من وقف
السلطان عبد العزيز العثماني وليست من فيض إحسان الزائرين كما زعم
وليست للحرم ثروة غير ذلك. وكون وزن الذهب والفضة كان سبعة
أطنان عقيب زيارة ناصر الدين شاة من المبالغات الخارجة عن حد العقل
كان يجب أن لا تذكر في كتاب لسائح يجب عليه تحري الحقائق. ذكرناه
لتعلم أن كتابه مبني على الأوهام لا الحقائق. وأبدل ناصر الدين بنصر
الدين هنا وفي جميع المواضع وهو اسم ملك معاصر تولى الملك نحو ستين
سنة فلم يحقق اسمه فكيف بغيره. ولا ندري كيف يكون المصباح منحوتا
في زمردة واحدة. والذي أمر أن تكسى القباب والمآذن من ظاهرها بالذهب
الخالص هو نادر شاة لا ناصر الدين شاة. فمن أغلاطه في هذه الأمور
الواضحة يتضح لك حال أغلاطه في الأمور المذهبية فيما مر ويأتي التي
يساعد عليها التقليد والهوى. ومما عجبنا له في كلامه أنه كلما ذكر نهر
الزاب الذي بالموصل ذكره بالذال المعجمة مع أنه بالزاي.
ثم ذكر السراديب في النجف وقال وهم يختبئون فيها من وهج
الصيف ويدبرون فيها ثوراتهم ويكتمون أسرارهم.
قد غلط فالسراديب ليست إلا لاتقاء حر الصيف أما تدبير
الثورات فلا يحتاج إلى سراديب والأسرار تكتم في الصدور لا في
السراديب.
قال ص ١٠٧: وقد خيل إلي أن أهل النجف كلهم من العلماء
يسيرون وحول طرابيشهم العمامة الخضراء ويعيشون عالة على أموال
الصدقات والحجاج.
وأقول: العلماء لا يلبسون الطرابيش والذين حول طرابيشهم
العمامة الخضراء هم الأشراف من غير العلماء. والعلماء وطلبة العلم لا
(٧٠)

يعيشون عالة على أموال الصدقات كما رعم بل هم كسائر الناس منهم
من له من يعود عليه من ملك وعقار ومنهم من يستعين بما يبذله أهل الخير
لأمثاله لاشتغاله عن الكسب بخدمة العلم والدين. وليفرضهم إن شاء
كطلاب الأزهر وعلمائه الذين يعيشون عالة على أموال الأوقاف وتعبيره
بالحجاج تعبير سئ كما مر.
قال ص ١٠٨ ١٠٩: إن الشيعة أي في العراق أغلبية وإن
كانوا أكثر جهلا أما الحكومة فتعاضد السنيين لأنهم أكثر ثقافة من جهة
ولأن الإنجليز أميل إلى معاضدة الأقليات من جهة أخرى لذلك ترى أن
أكثر المتصرفين والوزراء من السنيين وقال في الحاشية سكان العراق دون
ثلاثة ملايين منهم مليون وربع من الشيعة ومليون من السنيين وربع مليون
أكراد والباقي يهود ومسيحيون ويزيديون وصابئة.
وأقول: الحقيقة أن الشيعة في العراق يشكلون سبعين في الماية
والباقي من السنيين وبقية الطوائف. والأكراد سنيون فلا وجه لمقابلتهم
بهم. وجعله الشيعة أكثر جهلا هو من الجهل.
وقال ص ١١٠: عند التكلم على الشيعة وكان الخوارج هم
الذين حرضوا على قتل عثمان وأيدوا عليا لكنهم خرجوا عليه هو أيضا لما
رضي بمهادنة خصومه ومن ثم سموا الخوارج ودبروا مؤامرة لقتل علي
ومعاوية وعمرو بن العاص فقتل علي بيد عبد الرحمن بن ملجم وبايع الناس
الحسن بن علي وكان معاوية قد بويع في الشام فزحف لقتال الحسن وتأهب
الحسن للقتال في العراق لكن ثار عليه جنوده وانفضوا من حوله فهادن
معاوية وتنازل له عن الخلافة وفر وقتل ثم بايع الجميع معاوية إلا الخوارج
والشيعة شيعة آل البيت وآل علي وقد اجتمعوا حول الحسين بن علي في مكة
فقتله جنود معاوية في كربلاء هو وأفراد أسرته وأتباعه جميعا إلا ابن واحد
للحسين أمكنه الهرب.
وأقول: في هذا الكلام من الخلط والخبط المخجل في بديهيات
التاريخ ما لا يخفي. فهو يقول أن الخوارج هم الذين حرضوا على قتل
عثمان وأيدوا عليا. ومعلوم أن مذهب الخوارج إنما حدث بعد حرب
صفين والتحكيم، وفي خلافة عثمان وعند قتله لم يكن في الدنيا من
اسمهم خوارج حتى يحرضوا على قتل عثمان ويؤيدوا عليا والذين صاروا
خوارج بعد ذلك ليس فيهم أحد ممن حرض على قتل عثمان وأيد عليا.
والذين حرضوا على قتل عثمان كان منهم الذين طلبوا بثاره وحاربوا عليا،
والحسن بن علي بعد صلح معاوية لم يفر ولم يقتل وإذا صالح معاوية فلماذا
يفر ويقتل؟!. ذلك لا يخفى على عجايز العوام فكيف بالمدرس الأول
للعلوم الاجتماعية بإحدى مدارس مصر الكبرى. وإنما دس إليه السم بعد
ذهابه إلى المدينة فمات منه لأنه كان شرط على معاوية في شروط الصلح إن
لا يعهد لأحد بالخلافة من بعده. وأطرف شئ وأعجبه قوله وقد اجتمعوا
حول الحسين بن علي في مكة فقتله جنود معاوية في كربلاء إلا ابن واحد له
أمكنه الهرب. فالحسين بن علي دعاه أهل الكوفة بعد موت معاوية وخلافة
ابنه يزيد والذين قتلوه هم جنود يزيد لا جنود معاوية. والشيعة لم تجتمع
حوله في مكة. وابن الحسين الذي بقي بعده هو زين العابدين كان عليلا
وحمل أسيرا إلى الكوفة فالشام وسلم من القتل لمرضه لا لهربه.
وتذكرنا هذه المعرفة العجيبة بتاريخ الاسلام ما حكاه بعض القراء
قال دخلت مسجد حمص فرأيت رجلا مكشوف الرأس فقلت له سلام
عليكم فلم يرد علي. ثم التفت إلي فقال أظنك من هؤلاء الصفاعنة الذين
يأتون من أسفل الشام فقلت ما شأنهم قال إنهم يبغضون أبا بكر الصناديقي
وعمر القواريري وعثمان بن أبي سفيان ومعاوية بن العاص فقلت ومن
معاوية قال رجل أرسله الله إلى قوم ليعلمهم أن عصا موسى كانت من
شجر التوت فلقيه محمود النبي فزوجه ابنته عائشة فولدت له الحسن
والحسين في أيام الحجاج بن المهدي فقلت له أراك خبيرا بالتواريخ فهل
قرأت القرآن قال أقرأ باللغات السبع قلت اقرأ لي شيئا منه قال بسم الله
الرحمن الرحيم وكانوا إذا جاءهم بشير أو نذير استغششوا استغشاشا وجاءوا
إلى ناقة الله فذبحوها ومكروا مكرا كبارا فبأي آلاء ربكما تكذبان. فقلت له
هل دخلت بغداد ليعرفوا قدرك وفضلك قال بغداد دار الجهلة والمجانين ما
اصنع بها فتركته وانصرفت. وصاحبنا في هذه المعلومات التاريخية يعيد لنا
ذكرى هذا الرجل المكشوف الرأس في مسجد حمص.
قال: وأخذت طوائف الشيعة تتشعب وعاونها الفرس سيرا على ذلك
لأن فارس رأت فيهم خير هادم للاسلام وملك بني العباس أولئك الذين
قضوا على استقلال فارس وحاولوا القضاء على قوميتها.
وأقول: كون الفرس عاونت الشيعة سرا انتقاما من الاسلام
الذي قضى على استقلالها كلمة قالها شخص جهلا عن غير بصيرة أو عن
سوء نية عداوة للشيعة فتلقفها من بعده وتلقوها بالقبول تقليدا لأنها وافقت
هوى في نفوسهم وما زال يحكيها اللاحق عن السابق حتى وصلت إلى
صاحبنا السائح المصري. وإذا تأملنا قليلا لم نجد لها نصيبا من الصحة ولو
بمقدار ذرة ومن العجيب وما ذا عسى أن نعجب أن تشتهر هذه الكلمة
التي لا أصل لها ولا فصل وتقود إلى قبولها العصبية والجهل فمن هم الفرس
الذي عاونوا الشيعة على دعوتهم سرا انتقاما من الاسلام ليبينوهم لنا إن
كانوا صادقين. فتحت فارس في خلافة الخليفة الثاني ودخلها الاسلام
وانتشر فيها واسلم كثير من أهلها رغبة في الاسلام عن بصيرة لا لقصد
الانتقام من الاسلام ولم نسمع أن أحدا منهم عاون الشيعة لا سرا ولا جهرا
وكان أهل فارس جلهم ممن تسموا بالسنيين في جميع الأعصار وانتشرت في
بلاد فارس العلوم الاسلامية كغيرها من البلدان وجل علمائها ممن تسموا
بالسنيين كالبخاري والنسائي وابن ماجة القزويني والسرخسي والنيسابوري
والفيروز آبادي والامام الرازي والقفال المرزوي وغيرهم ممن يعسر
احصاؤهم وظهرت في دولة بني العباس دول غير عربية بعضها شيعية كدولة
آل بويه وبعضها منسوبة إلى السنية كالسلاجقة والسامانية وغيرهما وكل منهما
كان طالب ملك وامارة ويعتنق مذهبه عن عقيدة لا لغرض العداء للاسلام
ولا الصداقة وظهرت في إيران دولة الصفوية الشيعية في أوائل القرن التاسع
وهم سادة أشراف من نسل الإمام موسى بن جعفر وكان في عهدهم دولة
العثمانيين على مذهب من تسموا بالسنيين وكلاهما أيضا طالب ملك
وإمارة. فهؤلاء الفرس الذين خلقتهم مخيلة القوم وزعمت أنهم عاونوا
الشيعة سرا على هدم الاسلام لم يوجدوا إلا في مخيلتهم ولم يخلقهم الله.
وقد قدمنا مثل هذا مفصلا عند الكلام على ما جاء في كتاب حاضر العالم
الاسلامي وأعدناه هنا لاقتضاء المقام وإن لزم بعض التكرار. وقوله أن فارس وجدت فيهم خير هادم للاسلام ولملك بني العباس أولئك الذين
قضوا على استقلال فارس خطا في خطا، فالشيعة التي اشتهرت بهذا الاسم
(٧١)

هي بانية صرح الاسلام بما ورثته من علوم آل محمد الذين قام الاسلام
بسيف أبيهم وبعلمه الذي أخذه عن الرسول ص أخذه عنه أبناؤه وهي
تبرأ من كل غال وقرمطي وهادم للاسلام:
- وما أفسد الاسلام إلا عصابة * تأمر نوكاها ودام نعيمها -
- وأمست قناة الدين في كف ظالم * إذا مال منها جانب لا يقيمها -
كما قاله أبو دهبل الجمحي في دولة بني أمية. والذين قضوا على ملك
فارس ليسوا هم بني العباس كما لا يخفى على أحد من الناس.
قال: ومن فرق الشيعة من يقول بان الصحابة كلهم كفروا إذ
جحدوا إمامة علي وعلي كفر لتنازله لأبي بكر لكنه عاد له إيمانه لما تولى
الإمامة. وهذه فرقة الامامية.
وأقول: هذه الفرقة مما خلقته المخيلات وربته العصبيات
والعداوات لا وجود لها وإدخالها في فرق الشيعة لم يقد إليه ممن سبق هذا
الرجل إلا حب التشنيع وتبعه هو عن تقليد وفرقة الامامية إن لم تكن خاصة
بالإثني عشرية فهي ظاهر فيها وليس فيها أحد يتوهم هذه الخرافة فهذه
معرفة صاحبنا بأصحاب الفرق والمقالات معطوفة على معرفته بالأمور
التاريخية التي عرفت حالها فيما مر ويأتي.
قال: ومن الشيعة قسم أوجب النبوة بعد النبي فقالوا بان الشبه بين
محمد وعلي كان قريبا لدرجة أن جبرائيل أخطأ وتلك فئة الغالية أو الغلاة.
ومنهم من قال بان جبرائيل تعمد ذلك.
أقول: مر أن هذا القسم لا وجود له حتى عند الغلاة وإننا
نطالب من أشاعه أن يبينوا لنا في أي كتاب وجدوه من كتب الغلاة ومن أي
شخص سمعوه منهم إن كانوا صادقين. وعلى كل حال فادخاله في فرق
الشيعة لم يقد إليه إلا ما مر في الذي قبله.
وعد في صفحة ١١١ القرامطة من فرق الشيعة.
والشيعة تبرأ من القرامطة ومن كل من خالف شيئا من شرائع
الاسلام.
قال: ولقد استرعى نظري في النجف كثير من الأطفال الذين
يلبسون في آذانهم حلقات خاصة هي علامة أنهم من ذرية زواج المتعة
المنتشرة بين الشيعة جميعا وبخاصة في بلاد فارس.
وأقول: أهل النجف خاصة وكل بلاد الشيعة يرون المتعة عيبا
وإن كانت حلالا فليس كل حلال يفعل وما خلقته له المخيلة من أن
الحلقات في آذان الأطفال علامة على أنهم من زواج المتعة هو كسائر الأمور
الباطلة المتقدمة والآتية التي خلقتها له مخيلته، ومن يقول أن الحسن بن علي
فر وقتل وإن الحسين قتله جنود معاوية وإن زين العابدين فر فسلم كما تقدم
ذلك منه ويجهل مثل هذا من بديهيات التاريخ لا يستعظم منه هذا الكلام.
فإلى متى يا قوم تفترون وترجفون بالباطل على إخوانكم وأهل دينكم
الذين نبيكم ونبيهم واحد وكتابكم واحد وقبلتكم واحدة وعباداتكم واحدة
تفعلون ذلك في كل مناسبة وكلما سنحت فرصة أ ما آن لكم أن تتدبروا
الأمور لتعرفوا حقائقها أما آن لكم أن تخافوا الله في قذفكم إخوانكم
بالباطل وأنت أيها السائح المصري المدرس الأول للعلوم الاجتماعية
بإحدى مدارس مصر أ ما كان يجب عليك في كتابك هذا الذي تريد أن
تنشره للملأ أن تتحرى الحقائق وتستقي الأخبار من أهل الصدق لا من
مخيلتك أو من أفواه الكذابين. أ هذه كانت نتيجة علومك الاجتماعية التي
تدرسها أسفا وألف أسف أن يتسافل الزمان إلى هذا الحد فينشر من ينسب
إلى العلم الأباطيل والأكاذيب المخزية لناقلها على صفحات الكتب التي
تنشر في أقطار العالم بلا خجل ولا استحياء ولا مراقبة لرب الأرض
والسماء.
قال: ففي موسم الحج إذا ما حل زائر فندقا لاقاه وسيط يعرض
عليه أمر المتعة مقابل أجر معين فان قبل أحضر له الرجل جمعا من الفتيات
لينتقي منهن وعند عندئذ يقصد معها إلى عالم لقراءة صيغة عقد الزواج وتحديد
مدته.
وأقول: وهذا من الكذب الصراح والباطل المحض، والشيعة
في كل مكان ترى المتعة عيبا وإن كانت حلالا فليس كل حلال يفعل.
وقال ص ١١٢: وللفتاة أن تتزوج مرات في الليلة الواحدة إلى أن
قال عند انتهاء مدة الزواج يفترق الزوجان ولا تنتظر المرأة أن تعتد بل
تتزوج المرأة بعد ذلك بيوم واحد.
وأقول: كذب في ذلك كله وافترى وأثم وأبطل بل ليس لها أن
تتزوج حتى تعتد وتنقضي العدة. قال العلامة في التبصرة وتعتد بحيضتين
إن كانت ممن تحيض أو بخمسة وأربعين يوما إن كانت لا تحيض وهي في
سن من تحيض وفي الموت بأربعة أشهر وعشرة أيام اه وفي الحامل بوضع
الحمل وهذه الأحكام موجودة في جميع كتب الفقه للشيعة المطبوع منها
عشرات الألوف فكان عليه ان يرجع إلى واحد منها على الأقل ليهتدي
إلى الصواب ولا يأخذ الأشياء من مخيلته ولكنه يا للأسف لم يفعل وظل
يخبط في نقل الأشياء خبط عشواء في ليلة ظلماء.
قال: ويرى أهل السنة في ذلك الزواج وزرا كبيرا إذ حرمه النبي
ص. وكان مباحا في الجاهلية وفي الحروب في الاسلام.
وأقول: ليست الاحكام بالآراء بل بنصوص الشرع وقد ثبت
بالكتاب والسنة والاجماع إنه شرع في الاسلام في الحرب والسلام. ومات
النبي ص ولم يحرمه. وإنما حرمه بعض الصحابة اجتهادا ولم يدل
دليل على أنه كان في الجاهلية. وليس المقام مقام تفصيل ذلك ومن أراده
فليرجع إلى رسالتنا الحصون المنيعة المطبوعة وإلى نقض الوشيعة
المطبوعة.
قال: ويخال البعض إن منشأ تلك العادة بابل يوم إن كان الفتيات
يستأجرن للحجاج في معابد أشتر. ومردوك.
وأقول: هذا من الخيالات الفاسدة التي تصورها أفكار
الماليخوليا فالمسألة ليست مسالة عادة بل أحكاما متلقاة من صاحب
الشرع.
قال: اما الفلاحون المستقرون في جنوب العراق الذين تجري في
عروقهم بقية من دماء زراع بابل القديمة فكلهم من الشيعة البسطاء الذين
يتبعون فتاوى المجتهدين وهم الذين أوتوا حق تفسير القرآن وفق ما قرره
الأئمة.
وأقول: أتباعهم لفتاوى المجتهدين على مذهب الإمام جعفر
(٧٢)

الصادق وبقية أئمة أهل البيت ع كاتباع غيرهم لفتاوى المفتين
على مذاهب الأئمة الأربعة. والمجتهدون ليسوا هم الذين أوتوا حق تفسير القرآن بل حق تفسير
القرآن ثابت لكل من له أهلية التفسير فلينظر هذا
الرجل إن شاء إلى تفسير مجمع البيان المطبوع مرتين في إيران وثالثة في صيدا
ليرى هل فيه مخالفة لطريقة المفسرين من جميع علماء الاسلام حتى يكون له
حق التشدق بمثل هذا الكلام، والأئمة إن فسروا القرآن فلا يفسرونه إلا
بما طابق اللغة والعقل وسنة جدهم الرسول ص وهم أعلم بتفسيره من
كل أحد فعليهم نزلت آياته وفي بيوتهم نزل به الروح الأمين على قلب سيد
المرسلين وتفسيرهم أقرب التفاسير إلى الصواب عند اختلاف المفسرين.
قال: ولعل تعصبهم الشديد راجع إلى خضوعهم طوال السنين
الغابرة لسلطان الأجنبي من غير دينهم فهم أبدا ضد كل حكومة.
وأقول: إن كان تعصبهم الشديد راجعا إلى ذلك بزعمه
فتعصبه هو الخفيف الذي دعاه إلى كل هذه التقولات والافتراءات وتعصب
أكثر أهل نحلته الذي بلغ في الشدة أقصى حد إلى أي شئ يرجع.
والشيعة في العراق في عهد الدولة العثمانية لم يكونوا خاضعين لحكمها
الخضوع التام وهي التي ينبغي أن تكون مرادة بقوله لسلطان الأجنبي لكنه
أخطأ بقوله من غير دينهم فدينهم الاسلام ودينها الاسلام ولو قال من غير
مذهبهم لكان لكلامه وجه وقوله فهم أبدا ضد كل حكومة فيه أنهم لا
يزيدون عن أهل مصر الذين كانوا ابدا ضد حكومة الأتراك كما يعرفه من
يطلع على تاريخ الجبرتي وغيره، ولا عن غير أهل مصر في كرههم لحكم
غيرهم. ولكن العراقيين أهل شمم وإباء وعزة نفس ولعله رأى شيئا من
ذلك فسماه تعصبا.
قال: ويرون كل السلطان والنفوذ في طائفة مجتهديهم ليس غير.
وأقول: نفوذ مجتهديهم لا يزيد عن نفوذ شيخ الأزهر أو علماء
مصر كالشيخ الدواخلي والشيخ محمد الأمير في عصره وغيرهم وسلطان
العلم والدين فوق كل سلطان عند جميع الأمم لا عند الشيعة خاصة ولا
عند المسلمين خاصة.
قال: وجل أولئك المجتهدين يرجعون إلى أصل فارسي ويطمحون
إلى ضم العراق لحظيرة فارس يوما وحينذاك تتولاهم حكومة شيعية.
وأقول: لا شك إن هذه الأقوال استقاها من أقوال أعداء الشيعة في
العراق الذين يرومون وصمهم بكل باطل وجلهم من أصل تركي فلا
المجتهدون يطمحون إلى ضم العراق لحظيرة فارس سواء أ كانوا من أصل
فارسي أم عربي ولا يخطر ذلك لهم ببال ولا يدور في خيال. ولكن شياطين
الأنس يصورون للناس هذه الأساليب الشيطانية الباطلة لينفروهم عن
الشيعة، والشيعة العراقيون عرب لا يميلون بطبيعتهم إلى الفرس
والعراقيون اليوم من شيعيين وغيرهم على أتم ألفة ووفاق يسعون جميعا
لخدمة وطنهم رغم من يريد التفريق بينهم من المفسدين.
قال: وقد بلغ شكهم في الغير أنهم يحتمون غسل كل شئ دخل
بيتهم ثلاث مرات خشية أن يكون قد لمسه غير شيعي وهم يغيرون
ملابسهم قبل الصلاة.
وأقول: من القواعد المسلمة عند الشيعة التي لا يجهلها صغار
الأطفال كل شئ طاهر حتى تعلم أنه نجس فقوله انهم يحتمون غسل
كل شئ دخل بيتهم ثلاث مرات كذب وافتراء معطوف على الافتراءات
السابقة واللاحقة. وأفحش كذبا من ذلك قوله خشية ان يكون قد لمسه غير
شيعي فالسكر الذي يجئ من مصر قد لمسه غير شيعي فهل رآهم يغسلونه
ثلاث مرات والسكر الذي يجئ من بلاد الإفرنج قد لمسه غير شيعي فهل
يغسلونه أيضا ثلاث مرات وهم يغيرون ملابسهم قبل الصلاة إن كانت
نجسة ولا يغيرونها إن كانت طاهرة فهل يرى في ذلك نقصا وعيبا.
قال: وقد حدث اني لما قمت من خراسان عائدا إلى العراق كان
يرافقني شيخان شيعيان من العراق وكان معي بعض الحلوى والفطير قدمها
إلي صديق مسيحي فدعوتهما أن يأكلا منه شيئا فابتعدا لأنه من يد كافر.
وأقول: إن كانا لا يأكلان منه لأنه من يد كافر فلما ذا يأكلان
السكر وهو من يد كافر وهل فتش قلوبهما فاطلع على أن علة عدم أكلهما
ذلك ولعل له علة أخرى لم يطلع عليها أقلها عدم شهوة الطعام خوف
ضرره ولا يطلع على ما في القلوب إلا علام الغيوب.
في كربلاء
قال ص ١١٣: عند ذكر كربلاء وهي ثانية معاقل الشيعة فان
قلنا إن النجف هي الرأس المفكرة للشيعة فكربلاء قلب الشيعة النابض
فهي أكثر قدسية لديهم من النجف.
وأقول: لا ينبغي أن تكون النجف وكربلاء من معاقل الشيعة
وحدهم بل من معاقل جميع المسلمين. والمكانة العظيمة التي هي لمن دفن
فيها ثابتة عند جميع المسلمين. لا عند الشيعة وحدهم وزعمه إن كربلاء
أكثر قدسية لدى الشيعة من النجف زعم فاسد فشرف المكان وقدسيته
بشرف المكين وعلي أفضل من ولديه ع.
قال: هنا يبكي القوم نساء ورجالا وأطفالا موت الحسين الذي
تثير ذكرى فاجعته لديهم حماسة فائقة أشبه بحماسة أهل بابل وبكائهم على
موت تموز.
وأقول: إن ذكرى فاجعة قتل الحسين ع يجب أن تثير
الأشجان في قلب كل مسلم صادق الحب والولاء لمحمد وأهل بيته عليه
وعليهم أفضل الصلاة والسلام لا في قلوب الشيعة خاصة وعلى كل مسلم
صادق في إسلامه أن يواسي نبيه في حزنه ومصابه في قتل ولده وسبطه بأفظع
صورة من أشقى شقي، وتشبيهه ذلك بحماسة أهل بابل وبكائهم على
موت تموز قد كنا نربا به عن مثله ولا نرضى له أن يشبه المسلمين
بالكفار وسبط رسول المسلمين بتموز وان لا يكون تشيعه بمبادئ الفرنجة
يقوده لمثل ذلك وان لا يكون وصفه لأحوال المسلمين كوصف الفرنجة لها.
قال: هنا زرت مدفن الحسين تحت قبة من ذهب يسمونها
الحضرة الكبيرة يؤمها خلق كثير وبخاصة في محرم شهر الحج.
وأقول: يؤمها خلق كثير في كل وقت وقوله وبخاصة في محرم غير
صواب لا لفظا ولا معنى أما لفظا فلأن المحرم لا يستعمل بغير الألف
واللام وأما معنى فلان قصدها في المحرم ليس بأكثر من غيره إن لم يكن
أقل وقوله شهر الحج: جهل معوج فشهور الحج عند الشيعة كسائر
المسلمين هي ذو القعدة وذو الحجة والحج لا يكون إلا لمكة المكرمة. ولله
(٧٣)

على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا. ولكن هؤلاء أبى لهم
تعصبهم وعداوتهم للشيعة الممزوجة بالجهل إلا أن يصادموا الحقائق وينكروا
البديهات.
قال: قد يحنث الواحد هناك في يمين الحسين لكنه لا يحنث قط
إن أقسم بالعباس وقد ابصرنا بصورة لرأس رجل في سقف مسجد العباس
قالوا أنه حنث في يمينه بالعباس.
وأقول: أمثال هذه العقائد عند العوام لا تختص بالشيعة وتوجد
عند كل أمة من الأمم. وإذا كان الخدم صوروا هذه الصورة في السقف
تهويلا على بسطاء العوام فكم مثل ذلك في جميع البلدان مصر وغيرها.
وفي كلامه عدة أغلاط عند الكلام على طهران وغيرها أعرضت عنها
طلبا للاختصار.
إلى خراسان
قال ص ١٥٠: اعتزمت القيام إلى ارض خراسان حيث مقر
الامام الرضى أحد أئمة الشيعة وابن الإمام موسى الكاظم وضريحه في
مشهد ثانية مدن فارس وأولى البلاد المقدسة فهي كعبتهم.
وأقول: الإمام الرضى ليس هو إمام الشيعة وحدهم وشأنه
عظيم عند جميع المسلمين. ولما ورد نيسابور استملى حديثه المعروف بسلسلة
الذهب أبو زرعة الرازي ومحمد بن أسلم الطوسي من أكابر علماء السنيين
فعدوا أهل المحابر والدوى الذين كانوا يكتبون فأنافوا على عشرين ألفا،
وقوله فهي كعبتهم من التعبيرات الردية التي ساقت إليها العصبية فلا كعبة
لهم إلا في مكة كعبة جميع المسلمين.
قال ص ١٥٢: يقولون بان هذا الخط على وعورته أكثر البلاد
حركة في نقل المسافرين لأن مشهد خير لديهم من مكة المكرمة تغنيهم عن
بيت الله الحرام في زعمهم.
وأقول: حسبنا الله ونعم الوكيل من افتراءات هؤلاء وأكاذيبهم
فلا تمر لهم فرية حتى يشفعوها بمثلها أو أعظم منها وإنا نبرأ إلى الله من
أكاذيبهم وافتراءاتهم ليست مشهد ولا غير مشهد خيرا من مكة المكرمة عند
الإيرانيين ولا غيرهم ولا مغنية عن بيت الله الحرام وهذه حجاجهم في كل
عام إلى بيت الله الحرام تملأ الأقطار والبلدان وهو أمر محسوس يكذب هذه
الافتراءات والاختلافات.
وذكر ص ١٥٥: قصة خرافية عند ذكر نيسابور تتعلق بالسيد محمد
المحروق لا نراها إلا من جملة أباطيل كتابه التي لم يحققها.
وقال ص ١٥٨: عند ذكر زيارته لمشهد الرضا ع:
وهنا رأيت عجبا نواح وصياح ولطم وتقبيل واستلقاء على الأرض ولمس
للأعتاب بالخدود وما إلى ذلك ما تقشعر له الأبدان.
وأقول: لا نواح ولا صياح ولا لطم ولا استلقاء على الأرض مما
يزعمه، غاية الأمر زوار تدخل المشهد فتسلم على الإمام الرضا وهي دائما
كثيرة لا بد ان يسمع لأصواتها صياح وضوضاء وتصلي لله تعالى وتقرأ القرآن
وتدعو الله تعالى وتطلب منه حوائجها وتبكي وتتضرع إليه تعالى وهذا تقشعر
منه أبدان المؤمنين رهبة من الله تعالى وقد تقشعر منه أبدان من لم يتعودوه
وتعودوا سماع غناء أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب. وعجب ممن رأى ما يقع
من الزوار في مشهد رأس الحسين ع بمصر وغيره أن يعجب مما رآه
في مشهد الرضا ع.
وقال ما حاصله: ناولني شيخ أدعية مطبوعة يجب أن أقرأها
وأركع وأسجد وأقبل فتخلصت منه بفضل زميل فارسي وقد علمت بعد اني
لو رفضت الإذعان للأمر وحدي لظن أني ملحد وكان ما لا تحمد عقباه.
وأقول: هذا تهويل بغير معنى فإذا أعطاه رجل أدعية ليقرأها
ويدعو الله بها ويركع ويسجد لله تعالى لظنه انه جاء لهذا لا للتفرج فأي
عيب في ذلك وعلمه الذي علمه بعد هو جهل مركب لا علم فلا يجبر أحد
هناك على أخذ كتاب دعاء ولا غيره حتى يظن إذا رفض أخذه انه ملحد.
قال: خرجت إلى الفناء فإذا في كل ركن من أركانه عالم يرتقي
منبرا حوله خلق كثير جلوس في وجوم وشبه ذهول وهو يقص عليهم أنباء
علي والحسن والحسين والأسرة الشريفة كلها وجميعهم يبكون وكنت أعجب
لبكائهم.
وأقول: هؤلاء الذين رآهم كلهم وعاظ يعظون الناس ويخوفونهم
الله تعالى ويوم المعاد ويامرونهم بالمعروف وينهونهم عن المنكر ويذكرون
فضائل أهل البيت والأسرة الشريفة وينشرونها بين الملأ ويذكرون لهم فاجعة
كربلاء التي بكى النبي ص لها وأصحابه وفيهم أبو بكر وعمر قبل
وقوعها فيما ذكره الماوردي الشافعي في أعلام النبوة المطبوع بمصر والتي
ذكرها يجسم الشمم والآباء ويعلم عزة النفس ومقاومة الظلم والجور والتي
ذكرها يبكي الصخور فضلا عن العيون فيبكون لذلك ومن خشية الله
تعالى، وتعجبه من بكائهم في غير محله ولا غرو إذا تعجب من بكائهم وهو
لم يتعود في عمره إلا سماع الملاهي والأغاني وحضور دور السينما.
وأشار إلى النقارة خانه التي تصنع صباحا ومساء كما يفعل على
أبواب الملوك والأمراء.
وأقول: إنها مما يظنون إنهم يعظمون بها الامام الرضى، والحق
انها من فعل الجاهلين وليقسها إن شاء على الطبول والدفوف في مجالس
الذكر.
قال ص ١٥٩: وفي وقت الآذان ترى عددا كبيرا كل يصيح في
ناحية ثم تقوم الصلاة ويجلس صبية صغار على المنابر يصيحون بعبارات
التبليغ والقوم يصلون. جهل فادح واعتقاد في الترهات والبدع ما كنت
أخاله بلغ هذا الحد فكانهم يعبدون الرضى من دون الله فما مر من الأبواب
أحد إلا واجه الضريح وانحنى وتمتم ويرمقون شزرا من لم يفعل ذلك فقلت
في نفسي أ هكذا يفعل رؤساء الدين بأذهان البسطاء لا ابتغاء مراضاة الله
بل لملء جيوبهم وهل خلقنا للبكاء والعويل واهاجة الشجون بتكرار
أقاصيص ما أنزل الله بهما من سلطان تأخر معيب وتدهور يعطي الأجنبي
عن البلاد أسوأ الفكر.
وأقول ليس في تعدد الآذان في وقته ولا في تبليغ أفعال الإمام إلى
المصلين مع كثرة عددهم ما يعاب به أنه مناف للشرع وأما نسبة الجهل
والاعتقاد بالترهات والبدع وقوله فكانهم يعبدون الرضى من دون الله
والاستشهاد عليه بالسلام على الرضى كلما مر أحد من الأبواب الذي سماه
(٧٤)

تمتمة فالسلام على الرضى عند المرور من باب مشهده ليس فيه عبادة له بل
تعظيم لمن هو أهل للتعظيم حيا وميتا. ورؤساء الدين لم يفعلوا بأذهان
البسطاء ولا غير البسطاء إلا ما امرهم به الدين من الوعظ والإرشاد ونشر
فضائل أهل البيت وذكر مصائبهم ابتغاء لمرضاة الله تعالى وقد خلقنا لعمل
ولقضاء جزء من الوقت نذكر فيه الله تعالى ونبكي من خشيته ونعول ونسمع
فضائل أهل بيت نبينا ونبكي لما أصابهم من طواغيت زمانهم مما ثبت وصح
وأنزل الله به سلطانا ولم نخلق للهو والمرح والسينما وسماع المغنات
والعوادين والعوادات مما يبعد عن الله تعالى ويلهي عن طاعته ما خلقت
الجن والأنس إلا ليعبدون والتأخر المعيب والتدهور الذي يعطي الأجنبي
عن البلاد أسوأ الفكر هو تركنا ما أمر الله تعالى به بقوله وأعدوا لهم ما
استطعتم واشتغالنا باللهو واللعب والتأنق في الطعام وتحسين الهندام لا
نذكر الآخرة والبكاء من خشية الله.
قال: وفي وسط أحد الأفنية مصلى يسمونها كذا جوهر شاة
وكانت كذا بيتا لسيدة اسمها جوهر فلما أراد الشاه إقامة المسجد رفضت
أن تبيعه إياه فتركه لها وأقام مسجده حوله وبعد إتمامه أقامت هي في مكان
منزلها مصلى ولذلك سميت جوهر شاة.
وأقول: لم يكتف هنا بالأغلاط التاريخية حتى أضاف إليها
أغلاطا نحوية. هناك مسجدان أحدهما اسمه مسجد گوهرشاد لا جوهر
شاة وهو منسوب إلى زوجة شاهرخ ابن تيمورلنك وكان اسمها گوهرشاد
وهو مسجد معظم له أوقاف جمة لها إدارة خاصة غير إدارة أوقاف الرضى
وله منارتان غاية في الطول والإتقان والآخر مسجد صغير أسمه مسجد
العجوز يقولون إنه كان بيتا لعجوز فلما أرادوا بناء الحرم وطلبوا منها بيعة
فابت وجعلته مسجدا. ومن ذلك تعلم أنه كما لم
يحقق الأمور التاريخية لم يحقق الأمور الدينية.
قال ص ١٦٠: وهم يمقتون السنيين مقتهم الكفار وكلما شرب
أحدهم قال لعن الله عمر ابن سعد وبني أمية عصبية عمياء وإيمان في
غير تفكير ولا تعقل.
وأقول: إن كانوا يمقتون السنيين مقتهم للكفار فالسنيون
يمقتونهم أكثر من مقتهم للكفار وهو وأمثاله بكتاباتهم هذه يزيدون في إشعال
النار ولا يخشون من غضب الجبار حتى وصل المسلمون إلى ما هم فيه من
العداء والنفار والهلاك والدمار وإذا كانوا عند شرب الماء يلعنون بني أمية
وعمر بن سعد الذين منعوا الحسين شرب الماء فليس في ذلك كبير أثم.
والعصبية العمياء عد ذلك عصبية عمياء والقوم آمنوا بالله وبرسوله وبكل ما
جاء به من عند ربه ووالوا أهل بيت نبيهم أحد الثقلين الذين لا يضل
المتمسك بهما أبدا عن تفكير وتعقل يعلم ذلك كل من عنده أدنى تفكير
وتعقل ثم عاد إلى ذكر المتعة وعقدها ثم قال: والأمراض السرية
كذا لا يكاد يخلو منها أحد وجل موتى الغرباء بسبب الزهري. وقد
حاولت الحكومة جعل البغاء رسميا لتخفف من ويلات تلك الإباحة فلم
يقبل علماء الدين ذلك.
وأقول: كون الأمراض السارية لا يكاد يخلو منها أحد ليس
بصحيح ككون جل موتى الغرباء بسبب الزهري وإن صح ذلك فلا يزيد
عما في بلده مما يحدث من البغاء الرسمي الذي عاب علماء الدين في إيران
على منعه وإذا كان علماء الدين لم يقبلوا جعل البغاء رسميا فلهم الفخر
بذلك. وعد ما أحله الشرع إباحة من أقبح الوقاحة.
قال ص ١٦١: وبعد صلاة الغروب اخذ العلماء يقصون على الناس
نبا فاجعة علي والحسين والجماهير حولهم عرايا الصدور يضربونها بأكفهم
تارة وبسلاسل ثقلية تارة أخرى وفق نغمات موحدة في شكل بشع مرعب.
وهكذا تتحكم الشعوذة في قلوب القوم تحكما معيبا.
وأقول: قد ذكرنا فيما مر أن هؤلاء الوعاظ يعظون الناس
ويرشدونهم وينشرون فضائل أهل البيت ويذكرون مصائبهم للملأ. وأما
ضرب الصدور بالأكف أو السلاسل فمن فعل الجهال ولا يزيد عما يفعله
مشايخ الطرق من ضرب الشيش ونقر الدفوف والتمايل يمينا وشمالا وفق
نغمات موحدة في شكل بشع يشبه أصوات بعض الحيوانات، مرعب أو
مطرب وهكذا تتحكم هذه الشعوذة وغيرها من أمثالها في قلوب القوم تحكما
معيبا.
ثم تعرض لقبر الرشيد واحتقار القوم له ولعنهم إياه وقال إن ذلك
لأنه سني أولا ولأنه والد المأمون الذي أتهم بسم الإمام ثانيا.
وأقول: قد أخطأ في قوله إنهم يبغضون الرشيد لأنه سني فالرشيد
كان أقرب إلى التشيع بمعرفته حق الإمام الكاظم ومنزلته في الدين والعلم
ولذلك قال ولده المأمون في بعض أخباره أ تدرون من علمني التشيع قالوا لا
قال علمنيه الرشيد. ومن يبغضه إنما يبغضه لظلمه الطالبيين وقتلهم ظلما
ولحبسه الإمام الكاظم وقتله بالسم ظلما مع معرفته بحقه. وفي قوله
يبغضونه لكونه والد المأمون فمتى كان الوالد يؤخذ بجرم الولد فما هذا إلا
سخف.
قال: وقد سافر الرشيد إلى هناك في حملة ضد أحد الحكام الذين
مالئوا بني أمية فوافته منيته هناك فاوصى بان يدفن في هذا المكان الذي أقام
عليه الإسكندر المقدوني علما وتنبأ بأنه سيكون مدفن رجل عظيم.
وأقول: هذه هي المعرفة بالتاريخ. أحد الحكام مالأ بني أمية
وأين كان بنو أمية يمالئهم أحد الحكام وأي مؤرخ ذكر ذلك وإنما سافر
الرشيد لقتال رجل خرج عليه وكون الإسكندر المقدوني أقام علما على ذلك
المكان وتنبأ بما تنبأ لعله من هذا النمط.
قال: ولما جاء المأمون ولى الرضى حاكما على تلك البلاد من قبله ولما
عاد إلى بغداد وهزم أخاه الأمين وتم له الأمر دس للرضي فمات ودفن إلى
جوار الرشيد.
وأقول: بخ بخ لعلم التاريخ فقد جاء هذا الرجل في هذا العصر
يغير بديهيات التاريخ فيما لا يجهله أقل الطلاب. المأمون لم يول الرضى
حاكما على تلك البلاد ولا غيرها وإنما استدعاه إلى مرو وجعله ولي عهده
وذلك بعد قتل أخيه الأمين واستتباب الأمر له فلما فعل ذلك اضطربت عليه
بغداد وبايع العباسيون عمه إبراهيم المغني فاضطر المأمون لمغادرة مرو إلى
بغداد ومعه الرضى فلما وصل طوس توفي الرضى ودفن بجنب قبر الرشيد
وعوده إلى بغداد وتمام الأمر له كان بعد أن هزم طاهر بن الحسين الأمين
وقتله لا قبله كما مر فمن يجهل هذا وأمثاله مما مر كيف يركن إلى شئ من
أقواله ولا سيما فيما يتعلق بالعقائد التي تعتورها العصبيات والأهواء.
(٧٥)

قال ص ١٦٢: وقد مات أحد العلماء ويسمونهم مولاه.
وأقول: ليس أحد يسمي العلماء مولاه ومن خطئه في هذا
الأمر الصغير لا نعجب من كثرة أخطائه فيما سواه.
وقال: إن مناجم الفيروز في قرية فيروز آباد في جنوب شيراز.
وأقول: مناجم الفيروز في جبل قرب مشهد الرضا ع
لا في قرية فيروز آباد وتوهم من كون اسمها فيروز آباد أن فيها مناجم
الفيروز والحال أن فيروز آباد معناها عمارة فيروز وفيروز اسم رجل وكل
ذلك يدل على قلة تحقيقه.
قال: والذي شجع الفرس على اتخاذ مشهد كعبة مقدسة الشاه
عباس أكبر الصفويين إلى أن قال: صرف قومه عن زيارة مكة المكرمة
لكراهتهم للعرب ولكي يوفر على قومه ما كانوا ينفقون من أموال طائلة في
بلاد يكرهونها وكثير من الحجاج كانوا من السراة فاتخذ مشهد كعبة وجه
إليها الشعب ولكي يزيدها قدسية حج إليها بنفسه ماشيا فتحول إليها
الناس جميعا ويندر من يزور الحجاز اليوم وهم يحترمون كلمة مشهدي عن
كلمة حجي لأن من زار مشهد أكثر قدسية واحتراما ممن زار مكة وكم كنت
أسمعهم ينادون بعضهم باسم مشهدي فلان حتى في مشهد نفسها.
وأقول: ما كنا نتصور أن تبلغ العداوة والتعصب إلى هذا الحد
فتحمل المرء على تغيير بديهيات التاريخ وقلب الحقائق في الأمور التي لا
تخفى على أحد لا سيما من سائح منسوب إلى العلم يجب أن يتحرى الحقيقة
ولا يتعصب فيدرج هذه الأباطيل والأكاذيب في كتابه ويطبعه وينشره على
الملأ.
يقول: إن الشاه عباس شجع الفرس على اتخاذ مشهد كعبة
مقدسة. والحال أن المشهد مزور مقدس عند جميع طبقات المسلمين الفرس
والعرب والترك والكرد والبربر وجميع الطوائف قبل أن يخلق الله الشاه
عباس بمئات السنين، من اليوم الذي دفن فيه الامام الرضى ع
إلى اليوم يقصده الزوار من بلخ وبخارى وأفغانستان وبلاد العرب من جميع
المسلمين الشيعيين والمسمين بالسنيين لأن الجميع يعلمون أنه من أئمة العترة
الطاهرة وعلمائها وزهادها وعبادها لا يختلف في ذلك أحد من طوائف
المسلمين مهما كانت نحلته. ولمشهده أوقاف في بخارى وغيرها من غالب
أهلها ممن تسمى بالسنيين فإذا كان هذا الرجل بتمدنه الجديد يجهل فضل
الرضى فالمسلمون جميعا في جميع الأعصار يعرفونه ولا يجهلونه وتعظيم
مشاهد الأئمة والأولياء وزيارتها لا يختص بفرقة من المسلمين ولا بزمان دون
زمان قبل الوهابية فزعمه إن الشاه عباس هو الذي شجع الفرس على اتخاذ
مشهد الرضى مزارا زعم فاسد وخرافة باطلة. كزعمه أنه صرف قومه عن
زيارة مكة المكرمة فقومه ما انصرفوا عن زيارة مكة المكرمة في عصر من
الأعصار، يزورونها ويحجون إليها بعشرات الألوف في عصر الشاه عباس
وقبله وبعده مع ما يلاقون في ذلك من الأخطار والأذايا والأهوال ويصرفون
من جلائل الأموال وكان العلماء ومشايخ الاسلام في عصر الشاه عباس إذا
أرادوا الخروج من المملكة الإيرانية وخافوا أن لا يأذن لهم الشاه لحاجته
إليهم طلبوا الذهاب إلى الحج فحينئذ لا يتوقف عن الإذن لهم كما فعل
الشيخ البهائي لما أراد السياحة وكما فعل أبوه الشيخ حسين بن عبد الصمد
قبله وقد كان شيخ الاسلام في هراة فطلب الإذن بالحج وسكن البحرين.
ومما يضحك الثكلى تعليله ذلك بكراهتهم للعرب. فلو فرض فرضا فاسدا
كراهة الفرس للعرب للعنصرية فلا يمكن أن يكرهوا دين العرب الذي هو
دينهم أيضا ومن أهم فروضه الحج، والأتراك كانوا يكرهون العرب
للعنصرية فهل حملهم ذلك على ترك الحج. ومثله تعليله بالتوفير على قومه
ما ينفقونه في بلاد يكرهونها وكيف يكرهونها وهي موضع كعبتهم الواجب
عليهم حجها ومدفن نبيهم الأعظم الذي يتسابقون إلى زيارته وكذلك ما
فرعه عليه بقوله فاتخذ مشهد كعبة وجه إليها الشعب إذ كيف يتصور عاقل
ان ملكا كالشاه عباس متدينا بالاسلام قائما بفروضه واحكامه يتخذ مشهد
كعبة ويوجه إليها الشعب وكيف يتصور من عنده ذرة من عقل أن شعبا
مسلما يعد بالملايين متمسكا بشرائع الدين قويا في إيمانه يقبل من الشاه
عباس أن يوجهه إلى مشهد بدلا عن الكعبة ولو فعل ذلك لثار عليه الشعب
وقتلوه وفي مقدمتهم جنده. وإذا كان زار مشهد الرضى ع ماشيا
تواضعا منه واحتراما لأهل البيت الذين يتفرع منهم ويفتخر بالانتساب
إليهم فليس ذلك لأنه أراد أن يزيدها قدسية فهي مقدسة عند جميع
المسلمين زارها ماشيا أم راكبا أم لم يزرها لا تزيدها زيارته قدسية ولا
ينقصها عدم زيارته من قدسيتها نعم هو يتشرف بذلك الفعل. ومن
الكذب الصراح قوله فتحول إليها الناس جميعا، فالناس لم يتحول واحد
منهم إليها عن حج بيت الله الحرام فضلا عن الجميع وكيف يمكن أن
يتحولوا إليها وهم مسلمون متمسكون بشرائع الاسلام معتقدون بوجوب
الحج على من استطاع إليه سبيلا يتلون ذلك في كتاب ربهم بكرة وعشيا.
وإذا كانوا ينادون بعضهم باسم مشهدي فذلك لمن لم يحج ومن حج فلا
ينادونه إلا باسم حجي فاستنباطه من ذلك أن من زار مشهد أكثر قدسية
واحتراما ممن زار مكة استنباط فاسد سخيف كسائر استنباطاته. وإنا نسأله
لم ترك هو حج بيت الله الحرام وقصر حجه على عواصم أوروبا ولم يصرفه
الشاه عباس عن حج مكة.
وختم كلامه عن مشهد في صفحة ٦٥ ٦٦ بأكاذيب نسبها إليهم
لم نر فائدة في نقلها وتكذيبها.
وهو كلما ذكر هراة يسميها هيرات بالياء والمعروف من اسمها هراة
بدون ياء.
هذا ما أردنا التعليق عليه من كتابه ولا غرض لنا يتعلق بغيره.
كلام للذهبي في تذكرة الحفاظ
وللذهبي في كتابه تذكرة الحفاظ كلام ينخرط في هذا السلك لا بأس
بذكره وبيان ما فيه قال: لما قتل الأمين واستخلف المأمون على رأس
المائتين نجم التشيع وأبدى صفحته وبزغ فجر الكلام ومنطق اليونان وعمل
رصد الكواكب وغريب حكمة الأوائل ونشأ للناس علم جديد مرد مهلك
لا يلائم علم النبوة ولا يوافق توحيد المؤمنين قد كانت الأمة منه في عافية
وقويت شوكة الرافضة والمعتزلة وحمل المأمون المسلمين على القول بخلق
القرآن ودعاهم إليه فامتحن العلماء فلا حول ولا قوة إلا بالله إن من البلاء
أن تعرف ما كنت تنكر وتنكر ما كنت تعرف ويقدم عقول الفلاسفة ويعزل
منقول أتباع الرسل ويماري في القرآن و يتبرم بالسنن والآثار. تقع في الحيرة
فالفرار قبل حلول الدمار وإياك ومضلات الأهواء ومجاراة العقول ومن
(٧٦)

يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم اه.
أقول: عد الذهبي علم الكلام والمنطق ورصد الكواكب علما
جديدا مرديا ولم يصب في ذلك وفتح الباب لمن يريد أن يعيب الاسلام بأنه
دين جمود وجهل وحاشاه من ذلك فهو الذي حث على العلم والنظر
والاستدلال وأمر بطلب العلم من المهد إلى اللحد وبطلب العلم ولو في
الصين: هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون، إنما يخشى الله من
عباده العلماء. فعلم الكلام والاستدلال، به تقوم الحجة على إثبات
العقائد الحقة التي لا يجوز فيها التقليد وتجب معرفتها بالدليل وعلم المنطق
معين على قوة الاحتجاج وصحة الاستدلال ورصد الكواكب مطلع على
آثار قدرة الله وعظيم صنعه وعجائب خلقه مندوب إليه: بمقتضى قوله
تعالى أ ولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شئ.
أ ولم يفكروا في أنفسهم ما خلق الله السماوات والأرض وما بينهما إلا
بالحق. إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي
الألباب إلى قوله ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت
هذا باطلا. أ فلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من
فروج. وليس في شئ من ذلك ما ينافي علم النبوة ولا توحيد المؤمنين بل
يصدق علم النبوة وعلم القرآن الذي فيه تبيان كل شئ ويؤيد توحيد
المؤمنين ويشد قلوبهم بالايمان. وما دعا إليه الذهبي من الجمود والتقليد في
العقائد هو المردي المهلك الذي لا يلائم علم النبوة ولا توحيد المؤمنين
فعلم النبوة دعا إلى البحث والاستدلال. أما قوة شوكة الرافضة والمعتزلة
التي ساءت الذهبي لأنه يرى عقيدته وحيا منزلا ويريد حمل الناس عليها
شاؤوا أم أبوا مع أن ما يخالفهم فيه هو من الأمور الاجتهادية التي يجوز فيها
الخطا وليست من ضروريات الدين ولا من أركان الاسلام مثل مسألة
الإمامة ورؤية الباري تعالى يوم القيامة وإن العباد مجبورون على أفعالهم
وإنكار الحسن والقبح العقليين وخلق القرآن وإن صفات الله غير ذاته.
وهذه هي عمدة المسائل المختلف فيها بين الأشاعرة والشيعة والمعتزلة كما
سيأتي في البحث العاشر ويجوز أن يكون الحق فيها مع الشيعة والمعتزلة إذ
للنظر والرأي والاجتهاد فيها مجال ولا يجوز فيها التقليد، والذهبي وغيره
إنما يتبعون فيها قول الأشعري الذي يجوز عليه الخطا ولم يرد في ذلك من
نص النبوة ما يجعله ضروريا والخصم يدعي ورود النص فيها على ما يوافقه
كما أشار إليه من قال من المعتزلة بلا ولن والقدقفة في الأبيات المشهورة
ولذلك لم يحمل النبي ص من يريد الاسلام على الاقرار بها بل اكتفى
منه باظهار الشهادتين والالتزام بضروريات احكام الشرع. وهكذا خلق
القرآن أمر اجتهادي ليس من ضروريات الدين ولعل الصواب فيه مع
المثبتين وإذا كان العقل المنزه عن شوائب التقليد هو الحكم في أمثال ذلك
فلا وجه لعزله عن الحكم وتقليد من يجوز عليه الخطا ومن قال بعدم خلق
القرآن إنما اعتمد على إثبات الكلام النفسي الذي هو غير الحروف
والأصوات والذي هو معنى قائم بالنفس غير الإرادة والكراهة والعلم، مع
أنه ليس من المعقول شئ وراء هذه كما ستعرف في البحث العاشر، وإذا
عرفت ما كنت تنكر أو أنكرت ما كنت تعرف بدليل وبرهان فليس ذلك من
البلاء بل من البلاء البقاء على ما كنت تعرف وهو باطل أو على إنكار ما
كنت تنكر وهو حق إنا وجدنا آباءنا إما تقديم عقول الفلاسفة وعزل
منقول اتباع الرسل فكلام روحه التمويه أو الجهل فعقول الفلاسفة كعقول
غيرهم يلزم إتباعها فيما تصل إلى ادراكه كبطلان المحال وعدم إمكان
اجتماع النقيضين، وعزلها فيما لا يمكنها إدراكه كاحكام الشرع التعبدية،
فان نقل عن اتباع الرسل ما ظاهره أن الله جسم تعالى عن ذلك وأنه
يرى بلا كيف بالعين الباصرة مع حكم العقل باستحالة ذلك فلا بد من
تأويل ما يوهم ظاهره المحال، بل لو نقل ذلك عن الرسل المعصومين من
الخطأ أو كان في القرآن الكريم مثل الرحمن على العرش استوى لوجب
تأويله لقبح أن يكلفنا الله بما نراه محالا وأما المماراة في القرآن فلا ندري
ما يريد بها فالقرآن فيه النص والظاهر والمأول والمحكم والمتشابه والعام
والخاص والناسخ والمنسوخ والمجمل والمبين وأكثر هذه تختلف فيها الأنظار
وتحتاج إلى البحث والاستدلال فمن لا يماري ولا يجادل في القرآن ويريد أن
يتبع طريقة الذهبي ما يصنع في هذه الموارد إذا اختلفت فيها الأنظار وبأيها
يعمل حتى لا يكون مماريا؟! أ يختار ما تلقفه عمن يجوز عليهم الخطا فلا
يكون معذورا أم يبحث ويجتهد فيكون مماريا؟! أما السنن والآثار فلا يتبرم
بها مسلم بعد ثبوتها ولكن إذا خالفت ظواهرها أحكام العقول وجب تأويلها
وليس ذلك تبرما بها بل حفظا لها عن
اعتراض المعترضين. وأما نهيه عن مضلات الأهواء فليس في المسلمين من يعتقد في أمر أنه من مضلات
الأهواء ويتبعه الا أن يكون معاندا ولكن ربما يكون ما يراه الذهبي هوى
مضلا سنة هادية وما يراه سنة هادية هوى مضلا إذا كانت طريقته الحث
على التقليد والنهي عن النظر وحكم العقل. أما نهيه عن مجاراة العقول فإذا
عزل العقل عن وظيفته فبما ذا يميز بين الحق والباطل وبما ذا يعلم صدق
الدعوى من مدعي النبوة أو كذبها؟!
كلام في نهج البلاغة
ومن التحامل على أمير المؤمنين ع التماس الوجوه والطرق
والوسائل لانكار نسبة نهج البلاغة إليه وأنه من تاليف السيد الرضي كله أو
بعضه تارة بأنه ركيك العبارة ونفسه لا يوافق نفس القرشيين كما يقول
الذهبي في ميزان الاعتدال وتارة بان فيه اسجاعا والسجع لم يكن معروفا في
ذلك العصر وتارة بان خطبته في وصف الطاووس تناسب مذاق المتأخرين لا
القدماء وتارة بمجرد الإنكار العاري عن الحجة إلى غير ذلك مما فساده
وسخافته أوضح من أن يبين. ففي كتاب تاريخ الأدب العربي للأستاذ احمد
حسن الزيات المصري صفحة ٩٠ ما لفظه: ولا نعلم بعد رسول الله
ص فيمن سلف وخلف أفصح من علي في المنطق ولا ابل منه ريقا في
الخطابة كان حكيما تتفجر الحكمة من بيانه وخطيبا تتدفق البلاغة على لسانه
وواعظا ملء السمع والقلب ومترسلا بعيد غور الحجة ومتكلما يضع لسانه
حيث شاء وهو بالاجماع أخطب المسلمين وإمام المنشئين وخطبه في الحث
على الجهاد ورسائله إلى معاوية ووصف الطاووس والخفاش والدنيا وعهده
للأشتر النخعي إن صح تعد من معجزات اللسان العربي وبدائع العقل
البشري وما نظن ذلك قد تهيا له إلا لشدة خلاطه الرسول ومر انه منذ
الحداثة على الكتابة له والخطابة في سبيله، ثم قال: كلام أمير المؤمنين
يدور على أقطاب ثلاثة الخطب والأوامر والكتب والرسائل والحكم والمواعظ
وقد جمعها على هذا النسق الشريف الرضي في كتاب سماه نهج البلاغة لأنه
كما قال بحق يفتح للناظر فيه أبوابها ويقرب عليه طلابها فيه حاجة العالم
والمتعلم وبغية البليغ والزاهد ويضئ في أثنائه من الكلام في التوحيد
والعدل ما هو بلال كل غلة وجلاء كل شبهة والصحيح أن أكثر ما في
الكتاب منحول مدخول انتهى.
(٧٧)

أقول: التقليد آفة للعقول ليس مثلها آفة وهو الذي حمل الأمم على
عبادة الأحجار والحيوانات الصامتة والكواكب المسخرة وهم ذوو ألباب
راجحة وإفهام حادة وعقول صحيحة وهو الذي حمل مشركي قريش على
إنكار القرآن العظيم مع ما فيه من معجز البلاغة والفصاحة الذي بهر
عقولهم حتى سموه سحرا وعلى القدح في ذات النبي ص أكمل الخلق
مع ما عرفوه قبل النبوة من علو صفاته ورجاحة عقله فقالوا: ساحر أو
مجنون وهو الذي حدا بالأمم السالفة إلى إنكار نبوة الأنبياء مع سطوع
برهانهم فكانت أكبر حجة لهم إنا وجدنا آباءنا... التقليد. التقليد آفة
للأفهام وأي آفة وحجاب لنور العقل وأي حجاب، الصبي في صباه إذا
قال شيئا وسئل عن حجته فيه يقول هكذا قال أبي أو قالت أمي والتلميذ
أكبر حجة له هكذا قال معلمي. جمع السيد الرضي وهو من أهل بغداد
كتابا من كلام أمير المؤمنين ع سماه نهج البلاغة اختاره من كلامه
اختيار اليتيمة من بيت الجواهر في عصر كانت فيه مكاتب بغداد حافلة
بملايين المخطوطات من كتب الاسلام التي جمعت في قرون وكانت مكتبة
أخيه المرتضى التي له النظر فيها الوحيدة من بينها مع ما اجتمع عنده وعند
أخيه في مكاتبهما الخاصة من مئات الألوف من نفائس الكتب. ولم يكن
اسم أحق بمعناه من هذا الاسم بمسماه وقد اشتهر الكتاب في عصر جامعه
وانتشر ولم يكن جامعه من الخاملين في عصره ولا الكتاب مما يستهان به ولا
منشئه من المغمورين فلو كان أكثر ما فيه منحول مدخول كما يقول الأديب
الزيات في تاريخ الأدب العربي لرده علماء ذلك العصر وما قبلوه وبينوا وجه
الانتحال فيه وأظهروه فشاع وذاع لكنا لم نجدهم نبسوا ببنت شفة بل تلقوه
بالقبول والاعظام حتى خلف من بعدهم خلف رأوا فيه الخطبة الشقشقية
التي إن لم تزد عن سائره فصاحة وبلاغة وحسن أسلوب فلا تنقص والتي
يعلم كل ناظر منصف فيها أن هذا الثمر من ذلك الشجر وهذه الدرة من
تلك الدرر فوجدوا فيها ما يخالف تقليدهم الموروث من تصريحه بأنه أحق
ممن تقدمه بالخلافة والإمامة فقامت لذلك قيامتهم ورأوا أحسن وسيلة
للدفاع عن تقليدهم إنكار أن تلك الخطبة من كلامه. ثم رأى قوم أن
إنكارها وحدها يوجب الظن والتهمة فحاولوا إنكار الكتاب برمته وجاء
آخرون فرأوا أن إنكاره برمته قد لا يمكن فلجأوا إلى القول بان فيه المدخول
وسرى هذا الداء إلى أدباء العصر وفضلائه والذين أخذوا على أنفسهم نبذ
التقليد ولكنهم وقعوا فيه من حيث لا يعلمون فليس كل من يريد نفي صفة
عنه يمكنه ذلك حتى قال الشيخ محيي الدين الخياط وهو من الممتازين في هذا
العصر بالفضل والأدب والتنقيب: لولا مازج فيه....
وجاء الفاضل الزيات الذي يريد أن يحيي تاريخ الأدب العربي
فحكم حكما جازما قاطعا باتا بان أكثر ما فيه منحول مدخول ولم يأت على
ذلك ببينة ولا برهان سوى اعترافه بأنه بحق يفتح للناظر فيه أبواب البلاغة
ويقرب عليه طلابها وسوى نقلة الاجماع على أنه أخطب المسلمين وإمام
المنشئين وبان خطبه وعهده للأشتر تعد من معجزات اللسان العربي وبدائع
العقل البشري لكن قلمه لم يطاوعه على الجزم بنسبة عهد الأشتر إليه فاردفه
بقوله إن صح وليت شعري ما الذي رابه من صحته أ كونه من معجزات
اللسان العربي؟ ومن أحق بمعجزاته من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب؟
أم كون ناقله الشريف الرضي ومن أثبت منه نقلا وأصدق قيلا وأثبت
عدالة وتقوى؟ وليس في العهد ما في الشقشقية لينافي التقليد الموروث
وليت شعري كيف صح له أن يحكم هذا الحكم الجائر ونهج البلاغة مجموع
من كتب تفوت الحصر ومنتخب جل كلامه القصير من كلام طويل فهل
أطلع على جميع الكتب والخطب والرسائل وبحث عنها فوجدها مكذوبة.
وهذه شهادة على النفي غير مقبولة ومن ذا الذي يستطيع الجزم بكذب كلام
كثير كهذا بمجرد رؤيته. وقد أدى حب نصرة المعتقد إلى أن يقول الذهبي
الدمشقي في ميزانه البعيد عن الاعتدال أن كلام نهج البلاغة ركيك وأنه لا
يشابه كلام القرشيين مع أنه لم يعرف أن جامعه الرضي أو المرتضى وهذا
ليس بعجيب أن يقع مثله من البشر بعد ما رأينا من جعل كلام الله تعالى
القرآن باطلا وشعرا، وهكذا عمد أخواننا هؤلاء إلى أعظم مفخرة من
مفاخر الاسلام فانكروها وأبطلوها وبرئوا منها. سامحكم الله أيها الإخوان
أنكم لم تستطيعوا ولن تستطيعوا إخمال ذكر نهج البلاغة والحط من قدره كما
لم يستطع أحد الحط من قدر القرآن لا في عصر النبي ص ولا من
المبشرين في هذا العصر فالشمس لا تحتاج بعد نورها إلى شاهد ومعرف.
إن نهج البلاغة المكذوب على علي ع بزعمكم أو الذي هو ركيك
العبارة عند الذهبي الدمشقي أو الذي أكثره منحول مدخول على رأي
الفاضل الزيات قد شرح حتى اليوم بعشرات الشروح وطبع منها الألوف
وطبع منه الملايين.
ليس في إمكان الشريف الرضي مع علو قدره ولا غيره أن يأتي بما
يضارع نهج البلاغة وكلام الرضي كثير معروف مشهور لا يشبه شئ منه
نهج البلاغة ولا يدانيه.
إننا نرى الفاضل الزيات لم يخل من شبه التدافع في كلامه فهو يسلم
بان نهج البلاغة بحق يفتح للناظر فيه أبواب البلاغة ويقرب عليه طلابها
وإن فيه حاجة العالم والمتعلم وبغية البليغ الزاهد ويضئ في أثنائه من
الكلام في التوحيد والعدل نور ساطع يجلو كل شبهة وإن عليا بالاجماع
أخطب المسلمين وإمام المنشئين وإن خطبه في الحث على الجهاد ورسائله إلى
معاوية ووصفه الطاووس والخفاش والدنيا وعهده للأشتر تعد من معجزات
اللسان العربي ثم يحكم حكما جازما بان كثيرا مما فيه منحول مدخول.
وإذا رأينا رجلا قاده انصافه وطبعه إلى الاعتراف بنهج البلاغة والثناء
عليه علقت على كلامه الشروح والحواشي بأكثر مما يعلق على الأقوال
الباطلة وكتب الضلال بل كثير من ذلك نشر واشتهر ولم يعلق عليه أحد
حرفا واحدا.
هذا الفاضل الآلوسي يقول في كتابه بلوع الإرب في معرفة أحوال
العرب ج ٣ ص ١٨٠: هذا كتاب نهج البلاغة قد أستودع من خطب
الإمام علي بن أبي طالب سلام الله عليه ما هو قبس من نور الكلام الإلهي
وشمس تضئ بفصاحة المنطق النبوي اه‍.
ولكن المعلق على الكتاب المذكور الشيخ محمد بهجة الأثري لم تهضم
طبيعته هذا الكلام ولم يستطع السكوت عليه فعلق عليه بهذه العبارة: كان
ابن سيرين يرى عامة ما يروون عن علي رضي الله عنه كذبا لا أصل له ولا
سند، قال الشيخ العلامة المقبلي في العلم الشامخ وصدق ابن سيرين
رحمه الله فان كل قلب سليم وعقل غير زائغ عن الطريق القويم ولب تدرب
في مقاصد سالكي الطريق المستقيم يشهد بكذب كثير مما في نهج البلاغة
الذي صار عند الشيعة عديل كتاب الله بمجرد الهوى الذي أصاب كل عرق
منهم ومفصل، وليتهم سلكوا مسلك جلاميد الناس وأوصلوا ذلك إلى علي
(٧٨)

برواية تسوع عند الناس وجادلوا عن رواتها ولكنهم لم يبلغوا بها مصنفها...
الخ اه.
فهذا نموذج من انصاف هؤلاء وتثبتهم وتخرجهم، هو يروي عن ابن
سيرين بغير أصل ولا سند حكما عاما لا يقبل العقل صدقه وشهادة على
النفي ويروي عمن يسميه العلامة المقبلي تصديقا لهذا الحكم بغير حجة غير
التشجيع البارد بل بمجرد الهوى الذي خالط عقل المقبلي وقلبه ولحمه ودمه
فضلا عن عروقه ومفاصله.
الشيعة لا ترسل ما ترويه إرسالا كما يقتضيه هذيان المقبلي ولا تقبل
إلا ما أسنده ثقة عن ثقة وعدل عن عدل ضابط حتى يتصل بالامام ولا
تزعم عدالة مائة ألف أو يزيدون ممن يجوز عليهم الذنب وشوهد منهم،
وكتب رجالها شاهدة بذلك.
ليس مدار الصدق والكذب بالتسجيع بالعقل السليم والطريق القويم
والصراط المستقيم وزمزم والحطيم فهذا سهل على كل أحد أن يثبته لنفسه.
أما أن نهج البلاغة قد صار عند الشيعة عديل كتاب الله فهذا كذب
وافتراء بمجرد الهوى فالشيعة لا تعدل بكتاب الله شيئا ولا بكلام نبيه
ص.
نهج البلاغة بعد كلام النبي ص فوق كلام المخلوق ودون كلام
الخالق لا يرتاب فيه إلا من غطى الهوى على بصيرته. ليس نهج البلاغة
مرجعا للأحكام الشرعية حتى نبحث عن أسانيده ونوصله إلى علي ص
إنما هو منتخب من كلامه في المواعظ والنصائح وأنواع ما يعتمده الخطباء من مقاصدهم.
ولم يكن غرض جامعه إلا جمع قسم من الكلام السابق في ميدان
الفصاحة والبلاغة على حد ما جمع غيره من كلام الفصحاء والبلغاء
الجاهليين والاسلاميين الصحابة وغيرهم بسند وبغير سند ولم نركم
تعترضون على أحد في نقله لخطبة أو كلام بدون سند وهو في الكتب يفوق
الحد، إلا على نهج البلاغة، ليس هذا إلا لشئ في النفس مع أن جل ما
فيه مروي بالأسانيد في الكتب المشهورة المتداولة.
إن جلاميد الصخور لتستحي لو كانت تعقل ان ينسب لها ما تفوه به
هذا المسمى بالمقبلي ومع هذا يصفه الأثري بالعلامة.
إن نهج البلاغة مع صحة أسانيده في الكتب وجلالة قدر جامعه
وعدالته ووثاقته لا يحتاج إلى شاهد على صحة نسبته إلى إمام الفصاحة
والبلاغة بل له منه عليه شواهد.
ولا يكاد ينقضي عجبي من هؤلاء الذين قادهم الوهم إلى أن
الشريف الرضي أنشأ نهج البلاغة أو بعضه لا كثيرا منه أو أكثره ونسبه إلى
أمير المؤمنين ع مع اعترافهم بان عليا ع هو السابق في ميدان
الفصاحة والبلاغة.
إن الحسناء الباهرة الحسن والجمال لا تحتاج إلى تبييض وجهها
بالبودرة وتحمير شفتيها وتقويس حاجبيها وإنما تحتاجه القبيحة الوجه
لتستر معائبها، والغني المثري لا يحتاج ان يدعي ملك ما ليس له ليعتقد
الناس فيه الغنى إنما يحتاج ذلك قليل المال. ومن عنده من الأثاث والرياش
ما يفوت الحصر لا يحتاج أن يستعير الطنافس من جاره ليفرشها في داره،
وحاتم كريم العرب لا نحتاج في إثبات كرمه إلى أن ننسب إليه ما لم
يفعله، فعلي ليس بحاجة إلى أن ينسب إليه الشريف الرضي ما ليس من
كلامه وله الحظ الوافر من أفصح الكلام. ولو نسب كلام دون نهج البلاغة
إلى من يقدسهم الأثري والمقبلي والمدبري لبذلوا النفس والنفيس في اثبات
صحته وسبحوا بحمد من نسب إليه.
قلنا إن نهج البلاغة لا يحتاج إلى شاهد بل هو شاهد بنفسه لنفسه كما
لا تحتاج الشمس إلى شاهد أنها الشمس.
ونذكر لك شاهدا بسيطا وإن كان غنيا عن الشواهد.
قرأنا في مجلة تنويها عن كتاب يسمى المدهش لابن الجوزي العالم
الواعظ المشهور في الخطب والمواعظ ومواضيع أخر يحتاج إليها فلم نشك
في نفاسة هذا الكتاب نظرا لما لمؤلفه من الشهرة ولاسمه ومواضيعه من
استلفات النظر فأرسلنا إلى بعض أصدقائنا في بغداد التي طبع فيها الكتاب
وطلبنا نسخة منه فإذا هو مطبوع طبعا جيدا على ورق جيد وإذا المدهش
ليس بمدهش بل من المدهش تسميته بالمدهش وقد فسد رونق خطبه
بالتسجيع والتصنع والتكلف. وبذلك يعرف قدر كلام نهج البلاغة
وبضدها تتبين الأشياء.
فإذا كان ابن الجوزي الذي صرف عمره في الخطابة والوعظ وكان
لخطبه التأثير العظيم في نفوس السامعين وكانت تجري لها الدموع وترجف
القلوب هذا حاله. وقس على ذلك خطب ابن نباتة وغيره من الخطباء
الذين دون كلامهم واشتهر فإذا تأملتها عرفت مكانة كلام نهج البلاغة وإن
هذا النوع من الكلام بعد كلام الله تعالى ورسوله، مرتفع عن درجة كلام
الناس.
الذوق والأدب
قرأنا في جريدة الاستقلال العربي في عددها الصادر ١٦ شوال سنة ١٣٦٣
نص الكلمة التي أنشأها الأستاذ سليم الجندي وألقيت في الجامعة السورية
في إحدى جلسات مهرجان المعري بعنوان دين المعري قال فيها ما
نصه: فقد وصموه بأنه كان برهميا زنديقا وملحدا وكافرا ودهريا وقرمطيا
وشيعيا.
فقد جعل الأستاذ الجندي التشيع وصمة وحشره مع من سمعت وقد
كان من مقتضى حسن الذوق ورعاية الأدب وإكرام الضيف عند العرب
مراعاة شعور كافة الشيعة ولا سيما الضيوف العراقيين منهم من وزراء
وأعيان وأدباء وشعراء وفيهم الوفد العراقي الذين أموا دمشق لمشاركة
إخوانهم السوريين والمصريين والفلسطينيين في مهرجان المعري وهم حضور
في ذلك المحفل، تجنب أمثال هذه الألفاظ الجارحة للعواطف لو كان فيها
شئ من الحق والصدق فكيف وهي لا تمت إليهما بصلة أبدا. التشيع
لأهل البيت الطاهر النبوي ولمفخرة الاسلام والعرب علي بن أبي طالب يا
حضرة الأستاذ ليس وصمة بل هو مفخرة لكل عربي ولكل مسلم صحيح
الاسلام. وأبو العلاء المعري إذا صحت نسبة التشيع إليه فذلك مما يدخل
في تقريضه ومدحه لا مما يعيبه ويصمه، والذين نسبوا أبا العلاء إلى التشيع
إنما أخذوا ذلك من أمثال قوله:
- أرى الأيام تفعل كل نكر * فما أنا في الحوادث مستزيد -
- أ ليس قريشكم قتلت حسينا * وكان على خلافتكم يزيد -
وسواء أ كان قصد المعري بذلك نصر التشيع أم أمر آخر فلا يستطيع
أحد رد هذا القول عليه.
(٧٩)

فإلى متى أيها الاخوان تهيجون الأضغان وتنبشون الدفائن وتثيرون
الحفائظ وتوغرون الصدور وتفرقون الكلمة بنشر مثل هذه الأباطيل في
المجامع والصحف بلا مبرر ولا مسوع في نفس الوقت الذي يسعى
المخلصون فيه لتحقيق الوحدة ويعقدون المجتمعات لذلك ونحن وأنتم
اليوم أحوج إلى الألفة والمحبة وجمع الكلمة وتوحيد الهدف منا إلى أمثال
هذه السفاسف والله الهادي إلى سواء السبيل.
وختاما ما كان أجدر بالأستاذ الجندي المحتفل بذكرى المعري ان
يهتدي بقوله قبل أكثر من ألف عام:
- سلام هو الإسلام زار بلادكم * ففاض على السني والمتشيع -
مناقشة مع مجلة المجمع العلمي
العربي بدمشق
ذكرنا في القسم الأول من هذا المجلد جملة من المتحاملين على الشيعة بغير
حق ورددنا أقوالهم بأجلى بيان. ومرادنا هنا المناقشة مع بعض من وصموا
الشيعة بما هم براء منه حيث فاتنا ذكره هناك. فنقول في آخر صفحة ٣٩٥
والتي بعدها من المجلد ٢٢ من مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق ما
لفظه: ولشيعية المسعودي مدخل كبير في آرائه لأن من جوزوا الكذب على
مخالفيهم وغلوا في حب الطالبيين حتى جعلوهم فوق البشر وجعلوا لهم
الكمال المطلق وإن المعاصي حلال لهم حرام على غيرهم لا يؤتمنون على
التاريخ والمتعصب لفئة يجب الاحتياط في الاخذ عنه بخلاف المتسامح الذي
لا ضلع له مع أحد وما خدم به المسعودي التشيع لم يرض به الشيعة (١) فهو
مخالف للاماميين والخاصيين وكل فريق يريده ان يكون له وحده وأن يقبل
مذهبه بحذافيره ويدافع عنه بالحق والباطل والتشيع ما كان بادئ ذي بدء
إلا بتفضيل علي بالإمامة على الشيخين حتى أن الشريف الرضي من أكبر
أئمتهم كان يترضى عن الشيخين ويشمئز ممن ينالهما بسوء ويقول إنهما وليا
وعدلا وكذلك شأن جده الأعلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله
وجهه كان يقول إنهما ما ظلماني ذرة وإن اولهما أسلم وأنا جذعة أقول فلا يسمع
لقولي فكيف أكون أحق بمقامه عفا الله عن قوم أعمتهم السياسة فأنشأوا من
حزب سياسي مذهبا دينيا وكفروا كل من لم يوافقهم على هواهم وجاء
متأخروهم فأدخلوا في معتقداتهم ما لم يقل به متقدموهم فيمن أخلص
الناس لدعوتهم وفرقوا بين اجزاء القلوب. وأشد ما يرمض النفوس في هذا
الباب أن يعبث بالتاريخ من أجل المذهب ويموه على السخفاء ليصوروا
الاحداث على ما يشاؤون لتأييد مذهبهم.
وفي الهامش ما صورته: ومن سفهائهم رجل اسمه شهرآشوب من
أهل القرن السادس كتب كتابا في مناقب آل أبي طالب حشاه كذبا واختلاقا
ما نظن عاقلا في الأرض وافقه عليه وكتابه من أسخف ما اثر من سلسلة
تلك السخافات شتم فيه الصحابة الكرام كلهم ما عدا بضعة منهم كانوا
مع علي واختلق كل قبيح ألصقه برجال لا يدين الاسلام لغيرهم في انتشاره
وأورد فيه من الشعر لاثبات أباطيله ما هو سبة على قائله وناقله على وجه الدهر
اه.
ونقول: الأستاذ رئيس المجمع مشغوف بحب الأمويين ونشر
فضائلهم ومدائحهم. ولسنا نريد تحويله عن عقيدته هذه فالانسان في هذه
الحياة يختار ما يشاء إذا لم يكن له رادع من نفسه ومجنون ليلى لا يرجع عن
حبها ولو كانت سوداء غير ذات منظر حسن ولكننا نلومه على حمله الناس
على حبهم وعلى أن يروا مقابحهم محاسن فهو ينتقد صاحب كتاب عصر
المأمون على ذكره الأمويين بصورة باهتة. ولكنه لم يتعرض لأعمالهم
الفظيعة في الاسلام ولم يعتذر عنها ليجعلها منيرة وضاءة وهل باستطاعة غيره
ان يبدي لها عذرا ونلومه على رمي شيعة أهل البيت ومحبيهم بالعظائم بغير
حجة ولا برهان كما سيتضح لك من جواباتنا عما جاء في المجلة.
المسعودي
صاحب مروج الذهب وما نظن الأستاذ أطلع على غيره من
مؤلفاته، قد ملأت شهرته الخافقين، وكتابه مروج الذهب مرجع كل
مؤلف وناقل من السنيين أكثر من الشيعيين ذلك لأنه لم يتحزب في كتابه
لفريق دون فريق وهو ينافي قول الأستاذ إنه لم يرض الفريقين وكيف يقال
إنه لم يرض الفريقين ولم يبق مؤلف ولا مؤرخ من الفريقين لم ينقل أقواله
ويعتمد على نقله وكتابه كتاب تاريخ لا كتاب مذاهب وآراء فكيف كان
لشيعيته مدخل كبير في آرائه ولم يذكر ذلك الأستاذ إلا ليربط به قوله ومن
جوزوا الكذب على مخالفيهم الخ الذين لا ربط بينهما وهل رأى الأستاذ في
كتاب المسعودي أو غيره من كتب الشيعة إنها تجوز الكذب على مخالفيها
سبحانك اللهم هذا بهتان عظيم وفقهاؤنا جميعا يجعلون الكذب من الكبائر
الناقضة للعدالة سواء أ كان على المخالف أو الموافق وكتبنا في الفقه والحديث
والأخلاق المنتشرة في كل مكان ناطقة بذلك وعندنا أن الكذب في الحديث
الشريف من المفطرات ولم يبين الأستاذ مستنده في هذه الدعوى لنعلم موقفنا
منها اللهم إنا نشهدك إنها دعوى كاذبة مفتراة علينا.
أما الغلو في الطالبيين وجعلهم فوق البشر وجعل الكمال المطلق لهم
فالشيعة لا تعدو في الطالبيين قوله تعالى إن أكرمكم عند الله أتقاكم.
وقول الحديث الشريف إن أحد خير من أحد الا بالتقوى ولا تجعلهم
فوق البشر أنى وجدهم الرسول ص الذي تشرفوا بالانتساب
إليه يقول له الله تعالى قل إنما أنا بشر مثلكم. والعبد
الحبشي إذا كان مطيعا لله خير من الشريف العلوي إذا كان عاصيا
لله والكمال المطلق عندهم ليس إلا لله تعالى فنسبة هذا إليهم كسابقه
نسبة باطلة لا نصيب لها من الصحة إنما يقولون بلزوم مودة قربى
النبي ص عملا بقوله تعالى قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في
القربى. وامتياز علي وفاطمة والحسنين ع بان الله تعالى
أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا للأخبار الكثيرة التي لا يتسع المقام
لنقلها الواردة من طريق أهل السنة الناصة على أن الآية نزلت فيهم لا في
الأزواج وإن كان ما قبلها وما بعدها نازلا فيهن لأن الانتقال من أمر إلى
آخر بدون مناسبة في القرآن الكريم غير عزيز ولتذكير الضمير المانع عن
تخصيص الآية بالأزواج. كما يقولون بان الأئمة الاثني عشر معصومون عن
الذنوب كعصمة الأنبياء بالدليل الذي دل على عصمة الأنبياء وإنهم خلفاء
رسول الله ص واحدا بعد واحد ولهم على ذلك الأدلة القاطعة والبراهين
الجلية التي لا يتسع لها المقام ومحلها كتب الكلام وإن من أخرجهم عن
صفة العبودية والبشرية أو نسب إليهم شيئا من صفات الربوبية فهو كافر
خارج عن ملة الاسلام. كما يقولون بان المطيع ممن ينتسب إلى هذا النسب
الشريف له زيادة أجر الطاعة وعاصيهم عليه زيادة عقاب العصاة وإن
تعظيمهم واحترامهم لأزم بشرط إطاعة الله تعالى تعظيما للرسول الأكرم
(٨٠)

ص الذين هم من ذريته وإذا عصوا الله تعالى كان من يطيعه من غيرهم
خيرا منهم وإن الله أكرمهم بمنع أخذ الزكاة من غيرهم وباخذ الخمس بقوله
تعالى وأعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه ولذي القربى
الآية ولا نعلم من أي كتاب من كتب الشيعة أخذ الأستاذ هذه
الأراجيف ونسبها إليهم. إنما الأحق بهذا من قدم قول الصحابي على قول
الله ورسوله وتوعد بالعقاب عليه مع اعترافه بأنه كان على عهد رسول الله
ص وأسقط من الأذان والإقامة ما خاف من ترك الجهاد ببقائه وزاد في
أذان الصبح ما زاد كان الله ورسوله كانا غافلين عنه. أما أن المعاصي
حلال للطالبيين حرام على غيرهم فهو من أفحش الأراجيف فالشيعة تعتقد
في الأئمة الاثني عشر انهم معصومون من المعاصي بما دل على عصمة
الأنبياء فكيف تعتقد أن المعاصي حلال لهم وفي غيرهم إن معصيتهم
مضاعفة العقاب وطاعتهم مضاعفة الثواب وهذا لا يجتمع مع كون المعاصي
حلالا لهم.
وإن الشيعة لأغزر علما وأرجح عقلا من أن يتوهموا شيئا من هذه
السخافات وفيهم العلماء الراسخون وهم الذين علموا الناس طرق
الاحتجاج ومعرفة الخطا من الصواب أ فيمكن ان يتوهموا هذه السخافات.
التي لا يتوهمها صغار الصبيان وهم يقرأون قوله تعالى وإن كلا لما
ليوفينهم ربك أعمالهم. وكان على الأستاذ المنصف المتتبع الباحث عن
الحقائق الهادي إلى معرفة الصواب أن يبين مستنده في هذه الأراجيف البالغة
أقصى حد السخافة لا أن يرسل الكلام على عواهنه ويطبعه في مجلة مجمع
علمي أنشئ لتهذيب العقول لا لنشر مثل هذه السخافات. والتفريق بين
صفوف المسلمين. ومن سخافة هذه النسبة تظهر سخافة ما بناه عليها من
قوله لا يؤتمنون على التاريخ والله تعالى وملائكته وأنبياؤه ورسله يشهدون
بأنهم آمن الناس على التاريخ ولو اتسع لنا المجال لبينا من هو الذي لا
يؤتمن على التاريخ ومن هو الذي شوه وجه التاريخ وقلب حقائقه، ولما
طبع كتاب مكارم الأخلاق في مصر حرف في مواضح كثيرة ونسب ما لأهل
البيت إلى غيرهم حتى طبع في إيران ونبه على مواضع التحريف. وكان
معاوية يبذل الأموال الطائلة لمن يختلق له رواية في ذم علي ومدح اخصامه
وبذل لرجل من الصحابة مالا جزيلا ليروي له أن هذه الآية نزلت في علي بن
أبي طالب وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث
والنسل، فلم يقبل فما زال يزيد له حتى قبل وأمر مروان بن أبي حفصة
معلوم.
وقد صدق في قوله المتعصب لفئة يجب الاحتياط في الأخذ عنه الخ
فهو بتعصبه لبني أمية وتعصبه على العلويين وأتباعهم الذي جاهر به في
محاوراته ومحاضراته وكتاباته يجب الاحتياط في الأخذ عنه أما أن التشيع لم
يكن بادئ ذي بدء إلا بتفضيل علي بالإمامة وإن متأخريهم أدخلوا في
معتقداتهم ما لم يقل به متقدموهم فكلام خال عن التحصيل فالتشيع من
بادئ ذي بدء إلى منتهى النهاية كان ولم يزل ولن يزال قائما على تفضيل علي
وإنه أحق بالخلافة والإمامة العامة وكذلك الأحد عشر من ولده ووجوب
التمسك بالثقلين كتاب الله والعترة والرجوع إليهما في الأحكام الشرعية
وموالاة وليهم في الله ومعاداة عدوهم في الله.
أما ما نسبه إلى أمير المؤمنين علي ع أنه كان يقول ما ظلماني فيكذبه ما
شاع عنه وذاع وملأ الكتب والاسماع من تظلمه منهما
وإنهما دفعاه عن حقه وأزالاه عن مقامه الذي جعله الله له وقد اشتمل نهج
البلاغة على الشئ الكثير من ذلك الذي لأجله أنكر نهج البلاغة مفخرة
الاسلام. وحسبك بقوله ع لقد تقمصها فلان وهو يعلم أن محلي
منها محل القطب من الرحى. فوا عجبا بينا هو يستقيلها في حياته إذ عقدها
لآخر بعد وفاته. ثم قام ثالث القوم نافجا حضنيه يخضم مال الله خضم
الإبل نبته الربيع، أما نسبته إليه أنه قال: إن أولهما أسلم وإنا جذعة فمع
أنه يكذبه ما مر من تظلمه في مواطن لا تحصى ينافيه أن النبي ص دعاه
إلى الاسلام وقبله منه فكان أول من أسلم هو وخديجة وقام في نصر النبي
ص من ذلك الحين يجاهد المشركين بسيفه الذي لا ينبو وعزمه الذي لا
يكبو حتى قتل الشجعان وأذل الله به جبابرة قريش حتى قيل لا سيف إلا
ذو الفقار ولا فتى إلا علي فكيف يكون من هذا شانه: يقول فلا يسمع
لقوله، والجذعة الذي له هذا المقام لا غرو أن يكون خيرا من القارح الذي
لم ينل مثل هذه الصفات وكيف يقول علي ع أقول فلا يسمع
لقولي وقد سمع لقوله سيد الأنام لما نزل قوله تعالى وانذر عشيرتك
الأقربين فدعاهم رسول الله ص فأكلوا ولم يبين في الطعام إلا أثر
أصابعهم وكانوا نحوا من أربعين رجلا وشربوا شنة من قدح كفاهم جميعا
وزاد عنهم فلما فرغوا قال لهم في آخر كلامه إني والله ما أعلم شابا في العرب
جاء قومه بأفضل مما جئتكم به فأيكم يؤازرني على أمري هذا على أن يكون
أخي ووصيي وخليفتي فيكم فسكتوا جميعا فقام علي ع وقال أنا يا رسول
الله أؤازرك عليه فاخذ رسول الله ص برقبته وقال إن هذا أخي ووصيي
وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا فقاموا يضحكون ويقولون لأبي طالب قد
أمرك أن تسمع لابنك وتطيع، رواه الطبري في التفسير والتاريخ بسند
واحد، ولكنه في التفسير الذي طبع بعد التاريخ قد أبدل قوله وخليفتي
فيكم بلفظ كذا وكذا من المؤتمنين على التاريخ وحديث الرسول الأعظم
ص في رأي الأستاذ، لكنهم أبقوا فاسمعوا له وأطيعوا وهي كافية،
ففضحوا بهذا الابدال أنفسهم وأبانوا عن عدم أمانتهم. ولما ألف الدكتور
محمد حسين هيكل المصري كتابه في السيرة النبوية ذكر هذا الحديث في
الطبعة الأولى فلما أراد طبعه ثانيا أوعز إليه باسقاطه فأسقطه منها. فمن هو
الذي لا يؤتمن على التاريخ بنظر الأستاذ؟ أما قوله عفا الله عن قوم أعمتهم
السياسة فالشيعة لم تعمهم السياسة وإنما اتبعوا مضامين ما جاء في كتاب
ربهم والنصوص المتواترة التي جاءت عن نبيهم ص فكانوا على بصيرة
من أمرهم وبرهان ساطع من ربهم وإنما أعمت السياسة من خالف مضامين
الكتاب ونصوص الرسول ص وعفا الله عن قوم أعماهم التعصب
الأعمى واتباع الهوى والتقليد وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا. وأما قوله
فأنشأوا من حزب سياسي مذهبا دينيا فنغمة نعق بها ناعق حملته عليها
العصبية وبغض الشيعة بدون تثبت ولا تحقيق وتبعه من بعده بدون تثبت
ولا تحقيق لأنها وافقت هواهم وعصبيتهم الهوجاء وكيف يكون التشيع حزبا
سياسيا لا مذهبا دينيا وهو قد نشا من عصر النبوة وأول عصر الصحابة إلى
اليوم فقد كان في الصحابة عدد كثير من الشيعة أثبتنا تراجمهم في مطاوي
هذا الكتاب وما أخذ الشيعة مذهب التشيع إلا من النبي ص الذي قال:
علي وشيعته هم الفائزون ومر قول ابن نوبخت في كتاب الفرق والمقالات:
الشيعة هم فرقة علي بن أبي طالب المسمون بشيعة علي في زمان النبي
ص وما بعده اه ثم من وصيه وخليفته علي بن أبي طالب الذي
علمهم التشيع بأقواله وأفعاله ثم من سائر الأئمة بعده وهو كما كان في عصر
الرسالة إلى اليوم لم يتغير ولم يتبدل لكن الأستاذ بما حمل نفسه عليه وجنح
(٨١)

من الرأي إليه اتبع قول من قال إن التشيع حزب سياسي لا مذهب ديني.
وكيف لا يكون مذهبا دينيا وقد أخذت أصوله وفروعه عن الرسول الأعظم
ص وعن ابن عمه وباب مدينة علمه وعن أئمة أهل البيت الطاهر
ع لا سيما عن الامامين الباقر وابنه الصادق ع بالنقل
الصحيح أو المتواتر والنص الصريح لا بالقياس والاستحسان والمصالح
المرسلة ودون من العصر الأول وألفت فيه المؤلفات العظام وضبطت
وحررت أحاديثه وما زالت توضع في أصوله وفروعه المؤلفات وتدرس من
العصر الأول إلى اليوم كما بيناه مفصلا في المقدمات ورواها الخلف عن
السلف حتى وصلت إلينا وقد بينا في هذا الجزء خلاصة عقيدة الشيعة
وأشياء تتعلق بالمقام فليرجع إليه من أراد. وأما أنهم كفروا كل من لم
يوافقهم على هواهم فالشيعة بعيدة عن اتباع الأهواء بما ورثته وتعلمته من
أئمتها أهل البيت الطاهر والشيعة لا تكفر أحدا من أهل القبلة. وتقول
بحرمة المال والدم وجواز التناكح وثبوت التوارث بين جميع فرق المسلمين
وإن اختلفوا في المذاهب والنحل حتى إن من يكون لازم اعتقادهم التجسيم
يجري في حقهم ذلك إذا لم يصرحوا بالتجسيم وكتبهم الفقهية المطبوعة
المنتشرة في أقطار العالم مصرحة بذلك ومكذبة لهذه النسبة وإنما ذلك دأب
غيرهم ويصدق في المقام التمثل بقول من قال زمتني بدائها وانسلت.
وأما أن متأخريهم أدخلوا في معتقداتهم ما لم يقل به متقدموهم
فمتقدموهم ومتأخروهم في العقيدة شرع سواء وهي التي أشرنا إليها آنفا وذكرنا
خلاصتها في المقدمات لا يحيدون عنها قيد أنملة. ولم يدخلوا في معتقداتهم
أن الله تعالى ينزل كل ليلة جمعة إلى سطوح المساجد ولا أنه يرى بالعين
الباصرة يوم القيامة ولا أن النبي ص رآه ليلة المعراج بعيني رأسه كما قال
قائلهم عند بيان العقيدة:
- وقد رأى الله بعيني رأسه * في ليلة المعراج لما صعدا -
ولا أن العبد مجبور على أفعاله ومثاب ومعاقب على ما أجبر عليه ولا
غير ذلك مما يطول الكلام بنقله.
وأما قوله: فيمن أخلص الناس لدعوتهم فالناس لم تخلص في زمان
لأحد اختيارا وبكل رغبة وحرية، بل بعضها أخلص لما قيل له قد ولى
ابنك فقال وصلته رحم، وقبلها كان يدعو إلى منابذته، وبعضها وهم
الأوس أخلص لما رأى موقف سعد حسدا له، وبعضها لما رأى موقف
الخزرج فخاف تقدم الأوس عليهم في المكانة، وبعضها أخلص بعضا
لعلي بن أبي طالب الذي قتل أبناءهم وآباءهم وإخوانهم وقراباتهم في جهاد
الايمان مع الشرك وبقي سعد على إصراره فنفي إلى حوران وقتله الجن
بسهم المغيرة بن شعبة!! وبعضها لما هدد باحراق البيت على من فيه. أما
قوله وفرقوا بين أجزاء القلوب فالذين فرقوا بين أجزاء القلوب وضربوا
الاسلام في صميمه حرصا على الرئاسة وحطام الدنيا هم الذين لا يزال
الأستاذ يشيد بذكرهم ويتغنى بمدائحهم. ولسنا نحتاج في إثبات ذلك إلى
أزيد من مراجعة ما اتفق عليه جميع المؤرخين من أخبارهم حتى صار من
ضروريات التاريخ، والشيعة أورع وأتقى لله بما ورثوه وأخذوه عن أئمة
أهل البيت الطاهر من أن يعبثوا بالتاريخ من أجل المذهب ويموهوا على
السخفاء ليصوروا الأحداث على ما يشاؤون لتأييد مذهبهم وإنما ذلك دأب
غيرهم وهو أشد ما يرمض النفوس في هذا الباب وإلا فلأي حال ألحدت
بالليل فاطمة الشريفة والنبي ص لم يخلف سواها وانحصرت ذريته
فيمن تولد منها وإن كانت دفنت جهارا لا سرا فلا يعقل أن يغيب عن
تشييع جنازتها أحد من المسلمين وإذا كان الأمر كذلك فلا يعقل أن يجهل
موضع قبرها حتى اليوم ويقع الخلاف فيه أنه في بيتها أو بين القبر والمنبر أو
في البقيع.
ابن شهرآشوب
أما ابن شهرآشوب الذي سماه شهرآشوب تسرعا وقلة مبالاة به فهو
رشيد الدين أبو جعفر محمد بن علي بن شهرآشوب بن أبي نصر بن أبي
الجيش السروي المازندراني المتوفى ليلة ٢٢ من شعبان سنة ٥٨٨ بحلب
والمدفون بظاهرها في جبل الجوشن وهو ممن اتفق علماء الفريقين من السنيين
والشيعيين على مدحه وتبجيله وتبحره في العلوم ولم يخالف في ذلك إلا مجلة
المجمع العلمي بدمشق عند ذكر كتابه مناقب آل أبي طالب وأظن أنه لو كان
كتابه في مناقب بني أمية لاستحق كل تعظيم وتبجيل لكن كون كتابه في
مناقب آل أبي طالب أوجب استحقاقه كل هذا الذم والتحقير.
أقوال علماء الشيعة فيه
حكى الحافظ ابن حجر العسقلاني في لسان الميزان عن ابن أبي طي في
تاريخه أنه اشتغل بالحديث ولقي الرجال ثم تفقه وبلغ النهاية في فقه أهل
البيت وتتبع في الأصول ثم تقدم في القراءة والغريب والتفسير والعربية
وصنف في المتفق والمفترق والمؤتلف والمختلف والفصل والوصل وفرق بين
رجال الخاصة ورجال العامة وكان كثير الخشوع وفي نقد الرجال شيخ هذه
الطائفة وفقيهها وكان شاعرا بليغا منشئا له كتب منها كتاب الرجال وفي أمل
الآمل كان عالما فاضلا ثقة محدثا محققا عارفا بالرجال والأخبار أديبا شاعرا
جامعا للمحاسن له كتب وحكى المجلسي في مقدمات البحار عنه أنه قال
في كتابه المناقب حدثني الفتال بالتنوير في معاني التفسير وبكتاب روضة
الواعظين وأنبأني الطبرسي بمجمع البيان وإعلام الورى وأجاز لي أبو الفتوح
رواية روض الجنان وناولني أبو الحسن البيهقي حلية الاشراف وأذن لي
الآمدي في غرر الحكم ووجدت بخط أبي طالب الطبرسي كتابه
الاحتجاج. وقال أبو علي في رجاله هو شيخ الطائفة لا يطعن في فضله
صرح بذلك جملة من المشايخ أقول وقد عد المترجمون له ثلاثة عشر
مؤلفا.
أقوال علماء السنة فيه
قال العلامة شمس الدين محمد بن علي بن أحمد الداودي تلميذ
السيوطي في كتابه طبقات المفسرين في حقه: أحد شيوخ الشيعة اشتغل
بالحديث ولقي الرجال ثم تفقه وبلغ النهاية في فقه أهل مذهبه وتتبع في
الأصول حتى صار رحلة ثم تقدم في علوم القرآن والقراءات والتفسير
والنحو وكان إمام عصره وواحد دهره غلب عليه علم القرآن والحديث وهو
عند الشيعة كالخطيب البغدادي لأهل السنة وتصانيفه في تعليقات الحديث
ورجاله ومراسيله ومتفقه ومفترقه إلى غير ذلك من أنواعه واسع العلم كثير
الفنون قال ابن أبي طي ما زال الناس بحلب لا يعرفون الفرق بين ابن بطة
الحنبلي وابن بطة الشيعي حتى قدم الرشيد فقال ابن بطة الحنبلي بالفتح وابن
بطه الشيعي بالضم وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني في لسان الميزان انه
من دعاة الشيعة ثم نقل كلام ابن أبي طي السابق وقال الفيروزآبادي في
كتاب البلغة بلغ النهاية في أصول الشيعة وتقدم في علم القرآن واللغة
(٨٢)

والنحو ووعظ أيام المقتفي فأعجبه وخلع عليه كان واسع العلم كثير العبادة
دائم الوضوء ثم ذكر مؤلفاته وذكره السيوطي في بغية الوعاة ثم نقل ما يأتي
عن الصفدي في الوافي بالوفيات وعد مؤلفاته ومنها المناقب وقال الصفدي
في الوافي بالوفيات هو أحد شيوخ الشيعة حفظ أكثر القرآن وله ثمان سنين
وبلغ النهاية في أصول الشيعة كان يرحل إليه من البلاد ثم تقدم في علوم
القرآن والغريب والنحو ووعظ على المنبر أيام المقتفي ببغداد فأعجبه وخلع
عليه كان بهي المنظر صدوق اللهجة مليح المحاورة واسع العلم كثير
الخشوع والعبادة والتهجد لا يكون الا على وضوء اثنى عليه ابن أبي طي في
تاريخه ثناء كثيرا اه.
هذا هو ابن شهرآشوب الذي حملت عليه مجلة المجمع هذه الحملة
الخرقاء وهو من أجلة العلماء وانفردت بوصفه بأنه من سفهاء الشيعة وأنه
حشا كتابه المناقب كذبا واختلاقا ولا ذنب له عندها إلا تاليفه في مناقب أهل
البيت واستشهاده بالاشعار المتضمنة لذلك وقالت ما نظن عاقلا في الأرض
وافقه عليه، وأنت تعلم مما تلوناه عليك من كلمات علماء الفريقين أنه لا
عاقل في الأرض وافق المجلة على ما قالته، وإن ما ذكر في المجلة على ما
قالته، وإن ما ذكر في المجلة من أسخف ما أثر من سلسلة سخافات
أصحابها. وأما شتم الصحابة الكرام فالله تعالى يعلم وملائكته ورسله
وصالحو عباده من هو الذي سن شتم سادات الصحابة على المنابر في الأعياد
والجمعات وعلى منبر المدينة وجعله كفرض الصلاة حتى أبطله ابن
عبد العزيز فتنادى بعض أهل المدن الاسلامية: السنة السنة يا أمير، ثم
أعيد بعده واستمر إلى انقراض دولة الملك العضوض أ ليس الذي سنه هو
من ينافح الاسناد عنه جهده ويخطب ويكتب ويطنب بمناقبه وفضائله. ومن
هم الذين اختلفوا كل قبيح ألصقوه برجل لا يدين الاسلام لغيره في انتشاره
بسيفه وجهاده العظيم وليس الشعر الذي أورده هو حجته على الحق الذي
انتحاه بل أثبته بالبراهين الواضحة واستشهد ببعض الأبيات جريا على عادة
المؤلفين وفي بعضها بعض الحجج البينة وليست الأباطيل إلا خلاف ما قاله
مما هو سبة على قائله وناقله على وجه الدهر.
شبه مناظرة لنا لا تتنافى مع موضوع هذا الجزء
طلب إلينا المجمع العلمي العربي بدمشق إهداء مؤلفاتنا المطبوعة إلى
مكتبة المجمع فأجبنا الطلب فكتب الأستاذ المغربي كلمة عنها في مجلة
المجمع فأرسلنا إليه الكلمة الآتية لينشرها في المجلة فلم يفعل وهذه
صورتها:
الأستاذ المغربي وهديتنا للمجمع
الشيخ عبد القادر المغربي نائب رئيس المجمع أستاذ بحاثة منقب عن
دقائق العربية وغيرها أطرانا وأطرى هديتنا إلى مكتبة المجمع مصنفاتنا
المطبوعة في مجلة المجمع الصادرة في شوال وذي القعدة سنة ١٣٦١
فوصف مصنفاتنا المهداة وصفا إجماليا واعتذر عن ذلك بقوله ولما لم تكن
موضوعاتها أي مصنفاتنا من موضوعات مجلة مجمعنا تركنا التعرض
لتقريظها ووصف مضامينها فلم ننقل منها إلى القراء شيئا تفاديا من المناقشة
والجدل الممقوتين لدينا. ثم قال: نعمد إلى ذكر بعض المؤاخذات اللغوية
يتخللها شئ من المعاتبات العاطفية التي أردنا من ذكرها جمع الشمل لا
نكت الحبل والحض على العمل لا المناقشة والجدل.
ونقول: إن مجلة المجمع لا يلزم أن تكون لها موضوعات خاصة
بل يجب أن تكون موضوعاتها كل ما فيه فائدة للمطالعين. والمناقشة
والجدل مع الإنصاف فيهما اظهار الحق وبهما قامت الدنيا والآخرة فلا يلزم
أن يكونا ممقوتين لديه. على أنه إذا لم ينقل من مصنفاتنا ما فيه المناقشة
والجدل لأنه ليس من موضوعات المجلة لا يكون ذلك عذرا عن تقريظها.
ثم ما باله لم ينقل من مصنفاتنا التي ليس فيها مناقشة ولا جدل شيئا كمعادن
الجواهر وأعيان الشيعة وغيرها وترك التعرض لتقريظها ووصف مضامينها
واقتصر على ذكر أسمائها فقط. وإذا كان ما فيه المناقشة والجدل ليس من
موضعات المجلة وهما ممقوتان لديه فما باله تناول الجزء الثاني من الرحيق
المختوم ديوان شعر لنا بالمناقشة والجدل الممقوتين لديه وزاد على ذلك
الكلام الجارح بغير مسوع مما ستعرفه فليسمح لنا الأستاذ أن نقول له أن
هذا عين التناقض. ولما كانت مؤاخذته منها لغوية ومنها دينية أو شبيهة بها
ذكرنا كلا على حدة واجبنا عنها بما ساعدت عليه الفرصة أردنا بذلك جمع
الشمل لا نكت الحبل والفائدة والعمل لا المناقشة والجدل. ونحن نشكره
على مؤاخذته اللغوية وما فيها من الفائدة وإن لمناه في غيرها.
المؤاخذات اللغوية
١ قال إنه لاحظ علينا تتبع الرخص والضعيف من لغة العرب فان
يك ذلك كذلك فليس هو عن تتبع ولا قصد بل عن اتفاق ومصادفة. قال من
ذلك قوله: من نظم ونثر الفقير والأفصح من نظم الفقير ونثره وما
قاله إنما يجوز لضرورة الشعر وجعله بعضهم لغة ضعيفة لا ضرورة.
ونقول: صرح ابن مالك وهو من أئمة النحو بجوازه قياسا
وسماعا ولم يخصه بضرورة الشعر بقوله في ألفيته:
- ويحذف الثاني فيبقى الأول * بحاله إذا به يتصل -
- بشرط عطف وإضافة إلى * مثل الذين له أضفت أولا -
ومثل له في أوضح المسالك بقولهم: خذ ربع ونصف ما حصل.
٢ قال وقوله: وقد كاد في مسراه أن يسبق الصبا ادخل أن على
كاد المضارع وهو ضعيف ونقول ليس هو بضعيف لكنه قليل بمعنى أنه
ورد في كلام العرب بان وبدونها أكثر قال ابن مالك:
- ككان كاد وعسى لكن ندر * غير مضارع لهذين خبر -
- وكونه بدون أن بعد عسى * نزر وكاد الأمر فيه عكسا -
فهو صريح في جوازه في النثر وإن كان قليلا فكيف بضرورة الشعر
وعن كتاب البيان والتعريف في أسباب ورود الحديث الشريف ص ٩ عند
ذكر أمية بن أبي الصلت: فقال النبي ص إن كان ليسلم في شعره وفي
رواية: فلقد كاد أن يسلم في شعره.
٣ وما انتقده الجمع بين واو الجماعة أو نون الإناث والفاعل الظاهر
وأورد منه أمثلة وقال: كل ذلك جاء على حد ما يسميه النحاة لغة
البراغيث وهي لغة ترتكب مرة لضرورة شعرية وارتكابها مرارا في ديوان
شعر صغير بل في قصيدة واحدة أحيانا يدل على رفق الشاعر بلغة ممقوتة هي
والبراغيث المنسوبة إليهن.
ونقول: وهو أيضا جائز بنص علماء العربية في النثر فكيف
بضرورة الشعر وهو أحد الوجوه في وأسروا النجوى الذين ظلموا ذكره
(٨٣)

الإمام الرازي في تفسيره وغيره وورد أيضا في الحديث الشريف يتعاقبون
فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار فإذا هو لغة القرآن الكريم والسنة
المطهرة لا لغة البراغيث وقد ارتكب هذه اللغة فحول الشعراء في شعرهم
مرارا لا نحن وحدنا قال الشريف الرضي:
- سلوا مضجعي عني وعنها فإننا * رضينا بما يخبرن عنا المضاجع -
وكان يمكنه أن يقول ترويه أو تحكيه عنا وقال أيضا:
- وما زلن العواطل كل يوم * من العلياء يذممن الحوالي -
وقال أيضا:
- كم من نظام قد نثرن هواجسي * حتى نظمت العذر فيه فصولا -
وقال الأمير أبو فراس الحمداني:
- وما سفرت عن ريق الحسن إنما * نممن على ما تحتهن المعاجر -
- فلا طبن يوم الافتخار العناصر * يطان به القتلى خفاف حواذر -
وهو في شعره كثير جدا يقف عليه المتتبع. وهما وإن لم يكونا من
العرب العاربة لكن معرفتهما بالاستعمالات العربية الصحيحة لا تنكر.
٤ كلمة مبغوض قال الأفصح مبغض إما مبغوض فهي لغة رديئة.
ونقول المنقول عن ثعلب وهو أحد أئمة النحو واللغة جوازها ولم
يقل رديئة فقال يقال أبغضه وبغضه. وقال في قوله عز وجل اني
لعملكم من القالين أي الباغضين فدل على أن بغض عنده لغة صحيحة
نقله صاحب تاج العروس وغيره. ومع سعة اللغة العربية وتشعب أعرافها
يجوز أن يطلع أحد الأئمة فيها على ما لم يطلع عليه غيره
٥ ومما لم يعجبه في كلامنا قولنا: بيد أنه تعرضه أي الشعر
المقبحات. قال وصوابه تعرض له لأن عرض لا يتعدى بنفسه.
ونقول: التضمين وارد في الكلام الفصيح فلنا أن نضمن عرض
معنى أصاب قال الحماسي وهو تأبط شرا:
- بزني الدهر وكان غشوما * بأبي جاره ما يذل -
ضمن بزني معنى فجعني أو نحوه.
٦ رزؤه شك في حشا الدين سهما قال صوابه شك حشا الدين
بسهم.
ويجاب عنه بما أجيب به عن سابقه بتضمين شك معنى أثبت.
٧ وقد أجنب الخيل العتاق أمامه قال إن فيه سهوين استعمال
أجنب وصوابه جنب وقوله أمامه والمجنوب لا يكون امام الراكب بل في
جنبه.
ونقول: الفعل الثلاثي المتعدي إلى مفعول واحد يجوز تعديته إلى
مفعولين بالهمزة كقولنا أجنبت زيدا الفرس أي أمرته بان يقوده إلى جنبه
وجعلته جنيبا له والمفعول الأول في البيت محذوف أي أجنب خدامه الخيل
العتاق فقولنا أجنب ليس فيه سهو أيضا فاجنب الخيل العتاق معناه أمر غيره
أن يقودها إلى جنب القائد ويمشي أمامه. على أنه يمكن كون زيادة الألف
خطا مطبعيا وإسناد الجنب إليه من باب الاسناد إلى السبب.
٨ ويمسي الصبح ليلا بالجعود جمع جعد. قال ولم نسمع هذا
الجمع في لغة الغزل قط. يعني أن الصواب في جمعه جعاد.
ونقول: جعد في الأصل وصف ولكثرة استعماله في وصف
الشعر صار بمنزلة الجماد كالأدهم الذي هو في الأصل وصف فلما كثر
استعماله صار بمنزلة الجامد ولذلك احتاج علماء النحو أن يخرجوا له وجها
لمنعه من الصرف بعد ما صار جامدا فإنه لما كان وصفا كان فيه الوصف
ووزن الفعل فلما صار جامدا لم يبق فيه ما يوجب منعه الصرف قال ابن
مالك في ألفيته:
- والأدهم القيد لأنه وضع * في الأصل وصفا انصرافه منع -
وقد جاء في شعر الشريف الرضي جمع سمك سموك قال:
بانيا ترفع السموك إلى أين * المراقي وقد بلغت السماكا
٩ بحوب مع النسائم كل ارض قال النسيم جمعه أنسام ولم ترد
نسيمة بمعنى النسيم حتى تجمع على نسائم.
ونقول ورد جمع فعيل على فعائل كضمير وضمائر وأفيل وأفائل.
والنسيم أسم جنس فلا مانع من دخول الهاء عليه للنص على الوحدة
فيصح حينئذ جمعه على نسائم.
المؤاخذات الدينية وما يشبهها
١٠ ومن المعاتبات العاطفية التي تخللت مؤاخذاته اللغوية ما علقه
على قولنا كما أن منعه عليه الصلاة والسلام من الخط لحكمة لا يدل على ذم
الخط فقال قوله منعه يشعر بان سيدنا الرسول لا يجهل الخط وإنما هو
ممنوع منه منعا ونعيذ الأستاذ أن يكون رأيه في هذه المسألة رأي بعض أهل
مذهبه الذين احتجوا برواية عن بعضهم لا تصلح بحال من الأحوال ان
تقيد أو تخصص صريح آية وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه
بيمينك أذن لأرتاب المبطلون ونحن نعيذ الأستاذ من أن يستشعر من
كلامنا مثل هذا الاستشعار فالآية الكريمة دالة دلالة واضحة على أن النبي
ص لم يكن قبل نزول القرآن الكريم عليه يقرأ ولا يكتب وانه من
صغره إلى وقت نزول القرآن الشريف عليه لم يتعلم قراءة ولا كتابة
ولو كان يقرأ ويكتب لارتاب المبطلون فظنوا أن هذا مما تعلمه بقراءته وكتابته
ومرادنا بمنعه من الخط اقتضاء الحكمة الإلهية أن ينزل الله تعالى
كتابه على غير كاتب وأما أهل مذهبنا الذين قال عنهم انهم احتجوا
برواية الخ فلا نعلم من أراده بهم ولم يطرق سمعنا إلى الآن ان
أحدا من أهل مذهبنا احتج برواية تقيد أو تخصص الآية وما هو دخل
المذاهب في هذا الأمر انا نربا بعلم الأستاذ وفضله عن التعريض
بالمذاهب وأمر كهذا يشبه أن يكون تاريخيا لا علاقة له بالمذاهب وهو الذي
قال في أول كلامه انه ترك التعرض لتقريظ تصانيفنا في العلوم الدينية
والجدلية تفاديا من المناقشة والجدل الممقوتين لديه فما عتم أن عاد إليه بأقوى
لهجة وأشدها وبعد كتابة هذا وطبعه عثرنا على كلام للشيخ المفيد فقيه
الامامية يثبت فيه ان النبي ص كان يحسن الكتابة بعد النبوة لا قبلها
ويحتج لذلك بأن الكتابة صفة كمال وعدمها صفة نقص وهو عليه السلام
جامع لجميع صفات الكمال وبأنه حاكم بين الناس والحاكم محتاج إلى
معرفة الكتابة وبأنه لو كان لا يحسن الكتابة لكان محتاجا في فهم ما تضمنته
الكتب من العقود إلى رعيته وبقوله تعالى: ويعلمهم الكتاب والحكمة
ومحال ان يعلمهم الكتاب وهو لا يحسنه. ويحمل آية وما كنت تتلو من قبله
من كتاب على ما قبل النبوة وسواء أ صح ما قاله المفيد أم لم يصح فليس هو
بالأمر الذي يوجب كل هذا التهويل بقوله ونعيذ الأستاذ الخ.
(٨٤)

١١ ثم هاجت بالأستاذ عاصفة أخرجته من المعاتبات العاطفية إلى
المعاتبات العاصفية فقال عن قولنا في علي ع بقول:
- سلوني قبل ما تفقدونني * أنبئكم ما بالغيوب تحجبا -
وقولنا:
- مدينة علم أحمد وهو بابها * أحاط بما يأتي وما هو سالف -
هذا القول في الإمام علي يذكرنا بقول ابن هانئ الأندلسي:
- حاضر عند علمه كل شئ * فطوال الدهور مثل فواق -
ومن يقرأ هذا الشعر يشم منه القتار أعني رائحة اللحم المشوي في
حادثة حرق ابن سبا ولعمري انه لم تقم عقيدة في البشر أضر على البشر
من تاليه البشر. وإن التساهل في وصف الامام بما ذكر هو الذي جعل
فرق التشيع خصبة بقيام الآلهة من البشر الواحد تلو الآخر ولا نقول آخرهم
البهاء لأنا لا ندري من يأتي بعده.
ونقول: أولا إذا كان من يقرأ هذا الشعر يشم منه رائحة القتار
في حادثة ابن سبا، فمن يقرأ كلامه يشم منه رائحة القتار في حادثة حرق
ابن ملجم.
ثانيا إذا كان التساهل في وصف الامام بما ذكر هو الذي جعل
فرق التشيع خصبة بقيام الآلهة من البشر فيجب ان يكون وصف الله تعالى
عيسى ع بقوله: وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم هو
الذي جعل فرق البشر خصبة بقيام الآلهة من البشر.
ثالثا وصف الإمام علي بن أبي طالب ع بذلك ليس فيه شئ
من التساهل بل هو نفس الحق والحقيقة. في الاستيعاب بسنده عن
سعيد بن المسيب ما كان أحد من الناس يقول سلوني غير علي بن أبي طالب
وفي الاستيعاب أيضا: روى معمر عن وهب بن عبد الله عن أبي الطفيل
شهدت عليا يخطب وهو يقول سلوني فوالله لا تسألوني عن شئ إلا
أخبرتكم الحديث ورواه السيوطي في الإتقان بهذا السند مثله وروى أبو
جعفر الإسكافي في كتاب نقض العثمانية عن ابن شبرمة إنه قال ليس لأحد
من الناس أن يقول على المنبر سلوني إلا علي بن أبي طالب إلى غير ذلك مما
يطول استقصاؤه فهذا هو مضمون البيت الذي أنكره الأستاذ واستكبره
وعده تساهلا مؤديا إلى تاليه البشر.
رابعا قوله ولا نقول آخرهم البهاء فللبهاء الذي وجد في عكا
أسوة بجاره الذي وجد في طير شيحا بساحل عكا ولا نقول لا ندري من
يأتي بعده لأننا رأينا من جاء بعده من الأحمدية الذين هم من أصل سني،
وليس تشعب فرق من الشيعة بأكثر من تشعب فرق من غيرها وإن زعم
الزاعمون، وإذا كان تشعب فرق من أهل ملة يعد عيبا لتلك الملة فلتكن
هذه الفرق عيبا على الاسلام!! كلا وما من دين في الدنيا إلا تشعب منه
فرق غير محقة منذ بعث الله الأنبياء إلى اليوم.
١٢ ومن معاتباته العاطفية إننا قلنا في رثاء الحسين ع: يا أمة
السوء ما هذا الجزاء له، أ هم يا لقومي في الورى خير أمة، شاهت
وجوه المسلمين هكذا. ثم قال أمة السوء هذه التي أنكر عليها أن تكون
خير أمة هي التي خاطبها الوحي الإلهي بقوله تعالى كنتم خير أمة
أخرجت للناس وهي تقول للأستاذ الجليل كما قالت تلك العجوز للملك
الضليل عندما أغار على قومها ظانا إنهم هم بنو أسد لسنا بثارك أيها
الملك. وهكذا المسلمون يقولون للسيد المجتهد لسنا معشر المسلمين نحن
الذين ارتكبنا فضيحة الحسين ويلاه من تلك الفضيحة التي لا تكاد تطوى
حتى تنشر وإنما هم فئة ضالة شريرة نبرأ إلى الله منها كما برئ منها ذاك
الذي زعمت تلك الفئة انها فعلت ما فعلت باسمه على ما حقق بعضهم
وقد انقرضت تلك الفئة وكادت تنقرض الأمة بشؤمها ولم تزل سكين التعيير
بها تفري قلوب المسلمين والمعيرون عن سوء نتائجها جد غافلين.
ونقول: الأمة التي تقتل ابن بنت نبيها ويكون مدمن السكر
والفجور واللعب بالقرود والفهود والطنبور امامها وخليفتها لا يمكن أن
يخاطبها الوحي الإلهي بأنها خير أمة أخرجت للناس وإلا كان ذلك قدحا في
الوحي الإلهي وإنما تلك الصفة لها بمعنى عدم خروجها عنها لا إنها صفة
لجميعها. وإذا قالت لنا قول العجوز لامرئ القيس، نقول لها: أخطأت
فمن الذي مهد ليزيد ومكنه من رقاب المسلمين غيرك ومن الذي قتل
الحسين سواك وارتكب تلك الفضيحة عداك وقلنا لها ما قاله الشاعر:
- أ تراك كنت بريئة مما جرى * تالله ما قتل الحسين سواك -
ومسلمو ذلك العصر كانوا إلا القليل بين ساكت ومباشر فهل يرى
الأستاذ لهم عذرا لنتبعه في المدافعة عنهم. أما قوله لسنا معشر المسلمين
نحن الذين ارتكبنا فضيحة الحسين، فنقول له: قد صدق، الذين
ارتكبوا هذه الفضيحة كان قسم منهم من المجوس وقسم من اليهود وقسم
من النصارى وقسم من الصائبة وقسم من الدهرية ولم يكونوا من المسلمين
ولم يكن ذلك في دولة الاسلام ولا في عصر الجالسين في دست الخلافة
والمتلقبين بامارة المؤمنين ولم يكن المسلمون في ذلك العصر بين ساكت
ومباشر وخاذل للحق وناصر للباطل. اما قوله ويلاه من تلك الفضيحة الخ
الذي أشار به إلى بيت من الشعر طوى ذكره ونحن أيضا نطوي ذكره
فهيهات ان تطوى تلك الفضيحة مهما حاول المحاولون طيها مدافعة عن
مرتكبيها ومسببيها وإذا كان يجب طيها فلما ذا لم يطو القرآن الكريم الذي
يتلى على كر الدهور ومر الأعوام ذكر فضائح الأمم السالفة وأهل الجاهلية
والمنافقين من المسلمين. قوله: وإنما هم فئة ضالة شريرة نبرأ إلى الله
منها. فنقول له: تلك الفئة الشريرة الضالة التي ارتكبت هذه الفضيحة
ارتكبتها بسيف الاسلام وتحت لواء الاسلام وباسم الخلافة الاسلامية وبأمر
أمراء الاسلام وباموال بيت المسلمين وجمهور المسلمين بين ساكت ومعاون.
اما مدافعته عن يزيد وقوله إنه برئ من فعلها ونسبته ذلك إلى تحقيق
بعضهم فقد كنا نبرأ بفضل الأستاذ وتحقيقه عن أن يصدر منه مثل هذا
ويودعه في مجلة مجمع علمي في عاصمة سوريا. وإن كان يزيد بريئا من
ذلك فما باله يحمل نساء الحسين وصبيانه ومن بقي من أهل بيته كالأسارى
إليه بالشام ويوقفهم على درج باب المسجد حيث يقام السبي ويدخل النساء
والبنات إلى مجالس الرجال حتى يقوم إليه رجل شامي أحمر أزرق ويقول له
هب لي هذه الجارية لبنت من بنات الحسين (١) وما باله يضع رأس الحسين
بين يديه وينكت ثناياه بالقضيب حتى يقوم إليه أبو برزة الأسلمي فيقول له
ما يقول (٢) وإذا كانت تلك الفئة قد انقرضت فلن ينقرض قبيح فعلها وما
بالنا ندافع وننافح عنها وقد كادت الأمة تنقرض بشؤمها. وأما سكين

(١) تاريخ الطبري ج ٦ ص ٢٦٥.
(٢) تاريخ الطبري ج ٦ ص ٢٠٧.
(٨٥)

التعيير فلا تصل إلا إلى من هو أهل لها وليس لنا أن ندافع ونحامي عنهم
لئلا نكون مثلهم. والمسلمون تفري قلوبهم مصيبة الحسين ولا تفريها سكين
التعبير. والمعيرون ليسوا غافلين عن نتائجها ولم يعيروا إلا من هو أهل
للتعيير من مرتكبي تلك القبائح والراضين بها.
١٥ قال وللغزل في ديوان شيخنا الجليل نصيب وافر ولو ترك الغزل
في موطن من المواطن لتركه في يوم النفر من عرفات ولتركه في أشد المواقف
غضبا ونعرة بينما كان يرد على مروان بن أبي حفصة.
ولما كنا نرد على ابن أبي حفصة افتتحنا شعرنا بالغزل كما افتتحه هو،
والنعرة التي ذكرها والغضب، مما نفتخر به ونحمد الله عليه، والله
المستعان.
جواب اعتراض مقدر
وقد يعترض معترض من الذين يسعون جهدهم لجمع كلمة المسلمين
وتأليف قلوبهم فيقول اي فائدة لهذه المباحث اليوم ولم تبق للمسلمين إمامة
ولا خلافة.
فنقول في جوابه: إننا وأيم الله أول من سعى ويسعى لجمع الشمل
وتأليف القلوب بين المسلمين ورقيهم ورفع المنابذة والخرافات من بينهم،
ولكن الأولى بمن يريد أن يعترض هذا الاعتراض أن يوجهه إلى من يعدون
أنفسهم كتاب العصر ويسعون في ترقية مدارك المسلمين ومعارفهم وهم
يبثون أمثال هذه السموم بينهم ويسيئون إلى تسعين مليونا من الشيعة
ويوغرون صدورهم ويحاولون إخراجهم عن حظيرة الاسلام بزعمهم
بغير برهان ولا دليل سوى الأباطيل. يطبعون الكتب المشتملة على ذلك
بعشرات الألوف وينشرونها في الأقطار بين الخاص والعام وجميع الأمم غير
مبالين ولا ملتفتين إلى ما يحل بالمسلمين مما جعلهم غرباء في أوطانهم،
ويضيفون ذلك إلى ما تقدم من غيرهم في الاعصار السالفة وطبع ونشر منه
عشرات الألوف!. فهل يمكننا بعد هذا إلا الدفاع عن ديننا ومذهبنا وحماية
حوزتنا بما عندنا من قوة برهان؟. وهل يسوع للائم ومفند أن يلومنا على
ذلك ويرانا غير معذورين إذا أوتي شئ من الإنصاف، والله ولي عباده
والمطلع على خفيات نفوسهم.
عدم إنصاف غير الشيعة لهم
ومما يعجب له في المقام ان إخواننا من غير الشيعة بلغت بهم قلة
الإنصاف إلى حد جعلوا دأبهم التنقيب عن معايب الشيعة ونشرها وبثها في
الناس بكل حيلة وكل وسيلة وستر محاسن الشيعة وتناسيها فلا يشيرون إلى
شئ منها ولا تتناولها أقلامهم هذا إن لم يلبسوها ثوب المعايب. أما
الأول: فتراهم تارة ينسبون إليهم معايب لا أصل لها ولا وجود، توهمها
متوهم أو اختلقها مختلق وتبعه من بعده بدون تحقيق ولا تحرج وحمله
على التصديق بها ما انغرس في نفسه من سوء الظن بالشيعة فصار يصدق كل ما
يقال عنهم ولا يبحث عنه وتارة يعمدون إلى أمر يسير رأوه عيبا في
نظرهم فيكبرونه ويجسمونه ويزيدون فيه ويجعلون له الشروح والحواشي
ويلبسونه غير لباسه ليشنعوا به. وتارة يعمدون إلى ما فيهم مثله أو أكبر منه
فيعيبون به الشيعة وقد تكون بريئة منه وينسون أنفسهم وبتصفح ما مضى
تستطيع إخراج الأمثلة لهذه التي ذكرناها وغيرها. وأما الثاني فمن أمثلته
تنزيه الباري تعالى عن الظلم والقبيح وتكليف المحال والرؤية بالبصر والجبر
وتنزيه الأنبياء والأئمة عن المعاصي، ومثل أن قول القائل: أنت طالق
ثلاثا واحدة، وعدم صحة الطلاق بالملحون واللفظ العامي وفي الحيض وفي
طهر المواقعة ونفي التعصيب والعول وطهارة روث مأكول اللحم وبوله
والطمأنينة في الصلاة والتريث في الإفطار حتى يعلم دخول الليل وعدم كون
الخراج بالضمان وإن حكم الحاكم لا يغير الواقع وعدم التصويب ولزوم
كون السجود على الأرض وما نبتت عليها وعدم المسح على الخفين إلى غير
ذلك.
نصيحة مهمة
يجب درسها والتدبر فيها للمسلمين
خصوصا وللعرب عموما
إن المسلمين اليوم يقدرون بثلثمائة وخمسين مليونا منهم تسعون مليونا
من الشيعة والباقون من أهل السنة وهي قوة في الكون لا يستهان بها.
ولكن تفكك عرى المودة والاتفاق وفقد الرابطة بينهم أضعف قوتهم المعنوية
والمادية فأصبحوا عيالا على غيرهم وفقدوا استقلالهم والدول التي لها شبه
استقلال منهم فاقدة للاستقلال الصناعي والاقتصادي الذي هو من مقومات
الاستقلال في الحكم ومع هذا كله فهم غافلون عن حاضر أمرهم ومستقبله
مشتغلون بالسفاسف والعداوات المذهبية والجنسية والطائفية متهاونون بأهم
فروضهم الدينية مضيعون لمحاسن دينهم الأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية
التي استفادت منها جميع الأمم وسعدت باتباع بعضها وإذا حصل لأحدهم
شئ من حكم موهوم أو إمارة مستمدة من الغير استأثر بها على إخوانه وأثار
أضغانهم وحفائظهم ولم يلتفت إلى أنه بهم حصل له ما بيده وعما قليل ينتقل
إلى غيره وأكثر ذوي الملك والإمارة منهم ينحون نحو العادات الأخرى
ويعادون التعاليم الاسلامية ويسعون جهدهم لأبادتها بالقهر والقوة ظنا منهم
أن أصحاب الدول يميلون إليهم ويوالونهم بسبب ذلك وانهم يذهبون بذلك
شوطا بعيدا في اللحاق بهم والاقتباس من قوتهم ومدنيتهم التي غلبوا بها
الأمم. وهيهات الذي ظنوا فان العطف والحنان والسيادة والمنعة هي اليوم
وقبل اليوم ليست لترك العادات الجميلة والأخلاق النبيلة والتعاليم الإلهية
والعدل والإنصاف بل من كان ذا قوة نال العطف والحنان وأحرز السيادة
والمنعة ومن ظن إن الأغيار تحترمه وتراعيه وتقر به بترك تقاليده الاسلامية
فقد ظن خطا وارتكب شططا بل هو يخسر بذلك عطف شعبه ورعيته ولا
ينال من غيره إلا السخرية به، فأنتم أيها الإخوان السنيون كفوا عن معاداة
إخوانكم الشيعة وعن القدح فيهم وتضليلهم وإثارة حفائظهم والاستئثار
عليهم بما هم شركاؤكم فيه فقد آن لكم أن تعلموا ان الذي فرق بينكم
وبينهم هو السياسة كما أوضحناه في البحث السادس، والسياسة اليوم
تقضي عليكم وعليهم باتفاق الكلمة، والتأمل الصحيح، وترك التقليد
الذميم يعلمكم انهم إخوانكم في الدين، وأنتم أيها الكتاب وحملة الأقلام
ولسان حال الأمة إلى متى تقدحون في إخوانكم الشيعة بالحق وبالباطل
وتنتقصونهم وترمونهم بالعظائم وتنابزونهم بالألقاب في مؤلفاتكم
ومنشوراتكم وتثيرون الأضغان وتزيدون الأحقاد وتوسعون شقة الخلاف
تقليدا لبعض من حملتهم على ذلك السياسة وأنتم في هذا الزمن العصيب
أحوج إلى الاتفاق منكم إلى النزاع والشقاق.
وأنتم أيها الإخوان الشيعيون عليكم أن تعملوا بما أمركم به إمامكم
إمام أهل البيت جعفر بن محمد الصادق من التحبب إلى إخوانكم أهل
(٨٦)

السنة من زيارتهم والصلاة في جماعاتهم وتشييع جنائزهم وعيادة مرضاهم
وتجنب كل ما يوغر صدورهم حتى يقولوا رحم الله جعفر بن محمد ما أحسن
ما أدب به أصحابه، وهذه الوصية القيمة من الإمام جعفر بن محمد
الصادق هي لشيعته المعروفين عند أهل السنة بالتشيع بدليل قوله حتى يقولوا
رحم الله جعفر بن محمد ما أحسن ما أدب به أصحابه فإنهم لو لم يكونوا
معروفين بذلك لم يكن فعلهم هذا سببا لذلك القول. وأنتم أيها الأخوان
من السنيين والشيعيين لا تتركوا العمل بوصية نبيكم ص من اللين
والتساهل مع كل أحد ولما أمر به ربكم في كتابه العزيز نبيه الأكرم ص
من معاملة الخارجين عن ملة الاسلام بالرفق واللين تعليما لكم وتهذيبا
لأخلاقكم بقوله تعالى وجادلهم بالتي هي أحسن وغيرها من الآيات
البينات. إن الذي يدخلكم في حوزة الاسلام عند المتأمل المنصف حاصل
لكل منكم وما اختلفتم فيه لا يخرج واحدا منكم عن هذه الحوزة وحساب
كل منكم على ربه والله تعالى يقول لنبيه ص ما عليك من حسابهم
من شئ أ فرفع الله تعالى حسابكم عن نبيه وأوكله إليكم نسأله تعالى
أن يوفق الجميع لما فيه الصلاح والاصلاح.
كما إننا نستميح العذر ممن يطالع كتابنا هذا ان عثر منا على هفوة أو
كلمة تخالف ما سطرناه في هذه النصيحة قد تدعو إليها غفلة أو ثوران
غضب أو عاطفة أو يضطرنا إليها بيان حقيقة فينسبنا إلى مخالفة القول
للعمل فان الإنسان محل الغلط والنسيان، والمعصوم من عصمة الله. ولسنا
نرمي في مقاصدنا إلا إلى لم الشعث وإصلاح ذات البين إن شاء الله وبالله
التوفيق.
البحث السابع
في سبب انتشار التشيع في بلاد
الاسلام
من مبدأ الدعوة الاسلامية إلى اليوم
قد عرفت في البحث الأول أن التشيع لعلي ع وجد في عهد النبي
ص فكان جماعة من الصحابة يتشيعون له وعرفت في البحث الثاني إنه
ظهر التشيع له عند حدوث الاختلاف في أمر الخلافة يوم وفاة النبي ص
فتشيع له جميع بني هاشم وبني المطلب وانضم إليهم الزبير ورجال من
المهاجرين ورجال من الأنصار فاحتجوا على تأخره في الخلافة حتى إنه كان
منهم من بني أمية أعداء بني هاشم وخصوصا العلويين خالد بن سعيد بن
العاص وكان أخوه أبان أيضا من الشيعة ومر ان كثيرا من الصحابة رجعوا
إلى أمير المؤمنين وكانوا معه في حروبه فكان معه في صفين سبعة وثمانون
رجلا من أهل بدر منهم سبعة عشر من المهاجرين وسبعون من الأنصار
وشهد معه من أهل بيعة الشجرة تسعمائة وكان جميع من شهد معه ألفين
وثمانمائة وسيأتي في البحث التاسع عند الكلام على الفقهاء والمحدثين أنه
كثر التشيع في التابعين وتابعي التابعين كثرة مفرطة وقد انتشر التشيع في
جميع أقطار الأرض فلم يبق منها قطر إلا وقد دخله التشيع فكان في
الحجاز: في المدينة ومكة والطائف، وفي العراق: في الكوفة والبصرة
وغيرهما، وفي البحرين ونواحيها، وفي الموصل والجزيرة وبلاد الشام كلها
واليمن وفي مصر وبلاد المغرب وأفريقية وبلاد الأندلس وبلاد البربر وبلاد
فارس وخراسان وما وراء النهر وأفغانستان والهند والسند والتبت وبلاد
الترك والأناضول.
وقد كان أكثر أهل بلاد الشام شيعة في عصر ابن جبير كما ذكره في
رحلته.
وأهل حلب وطرابلس الشام وأكثر سواحل سورية كان الغالب
عليهم التشيع وفقهاء حلب من الشيعة حالهم معلوم حتى قيل إنهم كانوا
يقولون بوجوب الاجتهاد عينا، وبنو زهرة الاشراف كانوا نقباء حلب وفيهم
عدة من الفقهاء. وبقي التشيع في حلب منتشرا إلى حوالي المائة السادسة
فقتلت الشيعة فيها قتلا عاما وتفرق من سلم منهم في الأقطار وجملة منهم
جاءوا إلى دمشق وسكنوها إلى اليوم منهم آل الواسطي وآل اللحام. وربما
دل هذا على أن الخوف كان في دمشق أقل منه في حلب أو لا خوف فيها.
وابن البراج تولى قضاء طرابلس الشام ثلاثين سنة وذلك في أواسط المائة
الخامسة. وانتشر التشيع في جبل عامل وسواء أ كان مبدأه من وقت نفي أبي
ذر أم لا فمما لا يشك فيه أنه في المائة السادسة كان جل أهلها شيعة
ويستفاد من رحلة ناصر خسرو التي كانت في القرن الرابع انتشار التشيع
فيها في ذلك العصر.
وأما صيدا فكان أكثر أهلها شيعة في المائة الرابعة
وأهل حمص كان الغالب عليهم التشيع في ذلك العصر وما قاربه.
ويرجع السبب في انتشار التشيع في جميع البلدان هذا الانتشار إلى أنه
مذهب الفطرة فكان ينتشر بأقل دعاية بل وبدون دعاية إذا وجد من يحميه
بل مع عدم وجود من يحميه فكما أن الاسلام أصله هو دين الفطرة تقبله
النفوس لأول وهلة لأنه يدعو إلى عبادة رب واحد لا شريك له ونبذ عبادة
الأصنام والأحجار والبشر وإلى العدل والمساواة وكل عمل وخلق حسن
وينهى عن كل عمل وخلق قبيح كذلك التشيع في الاسلام هو مذهب
الفطرة تقبله النفوس لأول وهلة لأن قطبه الذي يدور عليه بعد الاقرار
بالشهادتين والاعتقاد بضروريات الاسلام هو موالاة أهل البيت ع
وتقديمهم على من سواهم. وهذا أصبح لكثرة ما يدل عليه
كالبديهي فان نظرنا إلى أولهم وسيدهم علي بن أبي طالب وجدنا له من
الفضائل والمزايا ما لا يشاركه فيه غيره عند ذي النظر الصحيح الخالي من
شوائب الهوى والتقليد كما يظهر من سيرته المتكفل بها الجزء الثالث من هذا
الكتاب وإن نظرنا إلى ذريته الأحد عشر وجدناهم أفضل أهل زمانهم في
جمعهم لكل ما يوجب الكمال والفضل كما يظهر من سيرتهم الآتية في أجزاء
هذا الكتاب أيضا فلهذا انتشر التشيع بسرعة في أقطار الدنيا مع الضغط
والخوف الشديدين البالغين أقصاهما في جل الدول الاسلامية على الدم
والعرض والمال وهي كل ما يحافظ عليه المرء في حياته. ولهذا كان التشيع
يقل أو يعدم في بعض البلاد عند اشتداد الخوف والمجازاة عليه بالقتل فما
دونه كما وقع في حلب وإفريقية وغيرهما ويفشو وينتشر عند وجود من يحميه
من دولة شيعية أو عدم الخوف من الدولة الحاكمة وإن لم تكن شيعية
فأوجب ذلك قبول التشيع بسرعة وسهولة حيث كان موافقا للفطرة
والمنطق، والخوف مرتفع فوجد المقتضي لقبوله وفقد المانع. فلما سكن علي
ع العراق تشيع كثير من أهل الكوفة والبصرة وما حولهما ولما تفرقت
عماله وشيعته في البلاد كان كل من دخل منهم بلادا تشيع كثير من أهلها
وانتشر التشيع في الموصل والجزيرة لما حكمها الحمدانيون ولما ذهب علي ع
إلى اليمن في زمن النبي ص فاتحا أولا وقاضيا ثانيا وغازيا ثالثا كان جل
أهلها على التشيع. أما مصر فإنه وإن كان الكثير من أهلها شيعة في
وقت فتنة عثمان دخلوا في التشيع لا لسبب غير معرفتهم الفضل لأهله إلا
(٨٧)

أنه في زمن الفاطميين زاد وقوي، ودخل التشيع إلى بلاد المغرب وبلاد
البربر في زمنهم أيضا وفي زمن الأدارسة، ودخل إلى بلاد الأندلس في
زمنهم. ودخل التشيع بعض بلاد إيران من حين الفتح الاسلامي عفوا
وإيمانا وعقيدة لا لما زعمه المقريزي وتبعه الكثيرون من أهل هذا العصر
وغيره وبدون تحقيق ولا تمحيص من أن ذلك كان للانتقام من الاسلام
تحت ستار التشيع لما بيناه مفصلا مرارا في هذا الجزء وغيره من أن أهل
إيران كان الغالب عليهم خلاف التشيع إلى عصر الصفوية الذي ابتدأ في
المائة العاشرة، وإن زعم كون تشيع الإيرانيين للانتقام من الاسلام خيال
فاسد. ولما دخل الرضى ع خراسان في عصر المأمون تشيع كثير من أهلها
مضافا إلى من كان فيها من الشيعة وكان المأمون عارفا بفضل علي وتقدمه
على غيره محتجا في ذلك على علماء عصره كما دل على ذلك انتصاره له في
موارد عديدة منها ما ذكره صاحب العقد الفريد من جمعه علماء عصره
والاحتجاج عليهم في ذلك بما حملهم على الاذعان به. وكثر التشيع في قم
وآوة وغيرهما في عصر الباقر والصادق ع وسكن في قم
الأشعرون من العرب وكانوا شيعة فانتشر التشيع فيها وفي عهد البويهيين
ظهر التشيع في إيران في البلاد التي حكموها ودخل التشيع جميع بلاد
خراسان وما وراء النهر وأفغانستان قبل عصر الصفوية وكثر في هذه البلاد
في عصرهم وامتد التشيع إلى بلاد الهند والسند والتبت وظهرت في الهند
دول العادل شاهية والنظامشاهية وغيرها من الدول الشيعية وحكمها من ملوك
الشيعة أكبر خان جلال الدين محمد بن همايون من أحفاد تيمور وأحفاده قرونا متطاولة وهو الذي أدخل إليها اللسان الفارسي ومزجه بالهندي
وأخرج منهما لسانا سماه لسان أردو وهو اللسان الرسمي إلى اليوم. وأهل
البحرين قديمو التشيع وليها إبان بن سعيد بن العاص في مبدأ الاسلام
وكان من الشيعة فغرس فيهم التشيع ووليها عمر بن أبي سلمة ربيب رسول
الله ص وكان من الشيعة ووليها أيضا معبد بن العباس بن عبد المطلب
الهاشمي. وانتشر التشيع في بلاد الأناضول وغيرها من بلاد الترك وفي بلاد
الألبان والظاهر أنه تسرب إلى هذه البلاد من دعاة الصفوية حتى أن
السلطان سليم العثماني قتل من الشيعة أربعين ألفا أو سبعين ألفا في
الأناضول في عصر الشاه عباس الصفوي.
البحث الثامن
فيما لأهل البيت ع من
فضل وخدمة للدين الاسلامي
فأولهم أمير المؤمنين علي بن أبي
طالب ع
قام الاسلام بسيفه ولم يفارق رسول الله ص في سفر ولا حضر
وشاركه في محنة كلها وشدائده وبات على فراشه ليلة الغار يقيه بنفسه ولما
توفي النبي ص لم يأل الاسلام والمسلمين نصحا مع أنه كان يرى نفسه
مغموط الحق مؤخرا عن مقامه ولما عاتبته الزهراء في سكوته قال لها وقد
سمع صوت المؤذن أ تريدين أن يبطل هذا النداء فسكتت وهو الذي أشار
على عمر بالنصيحة والصواب في حرب الفرس والروم وفي حلي الكعبة كما
يأتي في سيرته في الجزء الثالث وقضى بين المسلمين بالقضايا العجيبة التي
أوضح بها المشكلات وأزاح الشبهات في عصر الرسالة وأعصار الخلفاء
الثلاثة وعصر خلافته وأرشدهم إلى ما فيه الصواب حتى قال أحدهم لولا
علي لهلك عمر، قضية ولا أبو حسن لها أي ولا مثل أبي حسن لها وأفتى
في كثير من المسائل الغامضة بفتاوى تداولها المسلمون وعملوا بها إلى اليوم
واستنبط الحكم بان أقل الحمل ستة أشهر من الجمع بين قوله تعالى
والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين وقوله وحمله وفصاله ثلاثون شهرا
فعمل به الصحابة والتابعون وتابعو التابعين وعلماء المسلمين إلى اليوم وإلى
آخر الدهر. وأفتى في الزانية
الحامل وفيمن حملت وهي بكر وفي الزانية المجنونة وفي غير ذلك مما ستعرفه عند ذكر أحكامه وقضاياه في الجزء
الثالث. وتكلم في توحيد الباري وصفاته بما بهر به العقول وتضمنته جملة
من خطب نهج البلاغة. وتضمن بعضها الكلام على بطلان القياس
بأوضح بيان وبرهان. وعلم الناس العدل والمساواة وبث من الحكم
والمواعظ والآداب وسياسة الملك والرعية ما تستمد منه الناس إلى يوم القيامة
وعهده للأشتر شاهد صدق بذلك. وأخذ عنه الناس علم التفسير وعلوم
القرآن فستعرف أنه أملى كتابا فيه ستون نوعا من أنواع علوم القرآن وذكر
لكل نوع مثالا يخصه وأنه الأصل لكل من كتب في أنواع علوم القرآن.
وفي كتاب محاضرة الأوائل عن السيوطي في الاتقان في النوع الثمانين في
طبقات المفسرين أنه قال: اشتهر بالتفسير من الصحابة عشرة وعد منهم
الخلفاء الأربعة ثم قال وأكثر من روي عنه علي بن أبي طالب قال في خطبته
سلوني عن كتاب الله فوالله ما من آية تسألوني عنها إلا أخبرتكم وما من آية
إلا وأنا أعلم أ بليل نزلت أم بنهار أم في سهل أو جبل وقال والله ما نزلت آية
إلا وقد علمت فيم أنزلت وأين أنزلت إن ربي وهب لي قلبا عقولا ولسانا
سؤولا اه‍.
وفي مناقب ابن شهرآشوب عن تفسير النقاش (١) قال ابن عباس جل
ما تعلمت من التفسير من علي بن أبي طالب وابن مسعود أن القرآن أنزل
على سبعة أحرف ما منها إلا وله ظهر وبطن وإن علي بن أبي طالب علم
الظاهر والباطن. وفي المناقب أيضا عن فضائل العكبري ما أحد أعلم
بكتاب الله بعد نبي الله من علي بن أبي طالب. وفي المناقب أيضا: سأله
ابن الكواء وهو على المنبر ما الذاريات ذروا فقال الرياح قال وما الحاملات
وقرأ قال السحاب قال فالجاريات يسرا قال الفلك قال فالمقسمات أمرا قال
الملائكة، فالمفسرون كلهم على قوله، وجهلوا تفسير: أن أول بيت
وضع للناس فقال له رجل هو أول بيت قال لا قد كان قبله بيوت ولكنه
أول بيت وضع للناس مباركا فيه الهدى والرحمة والبركة الحديث.
أول من ألف في الاسلام
وفي عصره ابتدأ التصنيف والتآليف فكان هو أول من ألف في
الاسلام يدل على ذلك ما عن السيوطي في تدريب الراوي قال: كان بين
السلف من الصحابة والتابعين اختلاف كثير في كتابة العلم فكرهها كثير
منهم وأباحها طائفة وفعلوها منهم علي وابنه الحسن اه‍ ولا يخفى أن
الصواب رجحانها بل وجوبها وكفى دليلا عليه فعل علي وابنه الحسن ع
ولولاها لضاع العلم النبوي وعليه فأمير المؤمنين ع هو السابق في
ذلك. وقال رشيد الدين محمد بن علي بن شهرآشوب السروي المازندراني

(١) قال ابن النديم في الفهرست: النقاش أبو بكر محمد بن الحسن الأنصاري من أهل الموصل
أحد القراء بمدينة السلام يرحل إليه توفي ببغداد سنة ٣٥١ وذكر له عدة مصنفات منها كتاب
التفسير.
- مؤلف -
(٨٨)

رضي الله عنه في كتابه معالم العلماء ما لفظه: قال الغزالي أول كتاب صنف
في الاسلام كتاب ابن جريج في الآثار. وحروف التفاسير عن مجاهد وعطاء
بمكة. ثم كتاب معمر بن راشد الصنعاني باليمن ثم كتاب الموطأ بالمدينة
لمالك بن انس. ثم جامع سفيان الثوري. قال ابن شهرآشوب: بل
الصحيح أن أول من صنف في الاسلام أمير المؤمنين علي ع جمع كتاب
الله جل جلاله. ثم سلمان الفارسي رضي الله عنه. ثم أبو ذر الغفاري
رحمه الله. ثم الأصبغ بن نباتة. ثم عبد الله بن أبي رافع. ثم الصحيفة
الكاملة عن زين العابدين ع.
قال المحقق السيد محسن ابن السيد حسن الأعرجي الكاظمي في
كتابه عدة الرجال بعد نقل هذا عن المعالم: قلت كأنه إنما عد جمع القرآن
المجيد في التصنيف لأنه أراد بالتصنيف مطلق التأليف أو لأنه ع لم يقتصر
فيما جمع وجاءهم به على التنزيل بل ضم إليه البيان والتأويل فكان أعظم
مصنف اه أو أن المراد جمعه على ترتيب النزول فعن السيوطي في
الاتقان: قال ابن حجر وقد ورد عن علي أنه جمع القرآن على ترتيب النزول
عقيب موت النبي ص أخرجه ابن أبي داود، وقال محمد بن سيرين لو
أصبت ذلك الكتاب كان فيه العلم وأخرج أبو نعيم في الحلية والخطيب في
الأربعين من طريق السدي عن عبد خير عن علي قال لما قبض رسول الله
ص أقسمت أو حلفت أن لا أضع ردائي على ظهري حتى أجمع ما بين
اللوحين فما وضعت ردائي حتى جمعت القرآن اه‍ واخرج ابن سعد
وابن عبد البر في الاستيعاب عن ابن سيرين قال نبئت أن عليا أبطا عن بيعة
أبي بكر فقال أكرهت إمارتي فقال آليت بيميني أن لا ارتدي برداء إلا
للصلاة حتى أجمع القرآن قال فزعموا أنه كتبه على تنزيله قال محمد فلو
أصبت ذلك الكتاب كان فيه علم قال ابن عوف فسالت عكرمة عن ذلك
الكتاب فلم يعرفه اه وفي فهرست ابن النديم ما لفظه: ترتيب سور
القرآن في مصحف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب قال ابن المنادي حدثني
الحسن ابن العباس قال أخبرت عن عبد الرحمن بن أبي حماد عن الحكم بن
ظهير السدوسي عن عبد خير عن علي ع أنه رأى من الناس طيرة عند وفاة
النبي ص فاقسم أن لا يضع عن ظهره رداءه حتى يجمع القرآن فجلس
في بيته ثلاثة أيام حتى جمع القرآن فهو أول مصحف جمع فيه القرآن من قلبه
وكان المصحف عند أهل جعفر قال ورأيت أنا في زماننا عند أبي يعلى
حمزة الحسيني رحمه الله مصحفا قد سقط منه أوراق بخط علي بن أبي طالب
يتوارثه بنو حسن على مر الزمان وهذا ترتيب السور من ذلك المصحف...
اه وقد سقط ترتيب السور من نسخة الفهرست المطبوعة. وعد ابن
النديم في الفهرست قبل ذلك من الجماع للقرآن على عهد النبي ص
علي بن أبي طالب ع.
وفي مناقب ابن شهرآشوب ما صورته: وفي أخبار أهل البيت ع
أنه آلى أن لا يضع رداءه على عاتقه إلا للصلاة حتى يؤلف القرآن
ويجمعه فانقطع عنهم مدة إلى أن جمعه الحديث. وفيها أيضا ما
صورته: ذكر الشيرازي إمام أهل السنة في الحديث والتفسير في نزول
القرآن وأبو يوسف يعقوب في تفسيره عن ابن عباس في قوله لا تحرك به
لسانك كان النبي ص يحرك شفتيه عند الوحي ليحفظه وقيل له لا
تحرك به لسانك يعني بالقرآن لتعجل به من قبل أن يفرع من قراءته
عليك أن علينا جمعه وقرآنه قال ضمن الله محمدا أن يجمع القرآن بعد
رسول الله ص علي بن أبي طالب قال ابن عباس فجمع الله القرآن في
قلب علي وجمعه علي بعد موت رسول الله ص بستة أشهر. قال وفي
أخبار ابن رافع أن النبي ص قال في مرضه الذي توفي فيه لعلي يا علي
هذا كتاب الله خذه إليك فجمعه علي في ثوب فمضى به إلى منزله فلما قبض
النبي ص جلس علي فألفه كما أنزله الله وكان به عالما. قال وحدثني أبو
العلاء العطار والموفق خطيب خوارزم في كتابيهما بالاسناد عن علي بن رباح
أن النبي ص أمر عليا بتأليف القرآن فألفه وكتبه اه.
المصاحف المنسوبة إلى خطوط أمير
المؤمنين والأئمة من ولده ع
ومما يناسب ذكره في المقام المصاحف المنسوبة إلى خطوط بعض أئمة
أهل البيت ع.
١ قرآن منسوب إلى شريف خط مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي
طالب ع موجود في الخزانة الشريفة الغروية رأيناه فيها في جمادى
الثانية سنة ١٣٥٣ وفي آخره كتبه علي بن أبي طالب في سنة أربعين من
الهجرة. وهي سنة شهادته.
٢ جزء من القرآن المجيد منسوب إلى خطه الشريف أيضا من أول
سورة هود إلى آخر سورة الكهف بشكل ما نسميه سفينة ويسميه الفرس
بياضا أي أن أسفل كراريسه من جهة العرض لا من جهة الطول وكذلك
باقي المصاحف التي رأيناها. رأيناه في خزانة الكتب الشريفة الرضوية في
١٢ ربيع الثاني ١٣٥٣ عند تشرفنا بزيارة مشهد الرضا ع مكتوب على
الجلد الرقيق الذي لا يفترق كثيرا عن الكاغد بخط كوفي غير منقط وعليه
نقط بالحمرة مدورة هي علامات على الشكل والظاهر تاخرها عن كتابته
فللكسرة نقطة تحت الحرف وللفتحة نقطة فوقه وللضمة نقطة أمامه وإذا كان
في وسط الكلمة توضع النقطة بجانبه وللتنوين نقطتان فوقه للمنصوب وتحته
للمخفوض وأمامه للمرفوع أما الحرف الساكن فليس عليه علامة. وقد
كانت المصاحف أولا غير منقطة لا للاعجام ولا للشكل وأول من نقطها
للشكل أبو الأسود الدئلي في إمارة زياد كان يقول للكاتب إذا رأيتني فتحت
فمي
بالحرف فانقط نقطة فوقه على أعلاه وإن ضممت فمي فانقط نقطة بين
يدي الحرف وإن كسرت فاجعل النقطة من تحت الحرف ذكره ابن النديم في
الفهرست وزاد ابن الأنباري في نزهة الألباء فان اتبعت شيئا من هذه
الحركات غنة فانقط نقطتين وهذا بعينه تنقيط المصاحف التي رأيناها وهو
يؤيد أنها بخطوطهم ع. وفي آخره في سطرين هكذا:
كتبه علي بن
أبي طالب
وجلده مذهب موضوع في صندوق مذهب كلاهما في غاية الاتقان
مكتوب على جلده وقف الشاه عباس الصفوي سنة ١٠٠٨ عدد أوراقه ٦٨
سطور كل صفحة ١٥ طوله ٣٤ سانتيما عرضه ٢٣ سانتيما قطره ٣
سانتيمات وكتب الشيخ البهائي على ظهره بخط يده ما صورته:
هذا الجزء من القرآن المجيد الذي هو بشريف خط سيد الأوصياء
وحجة الله على أهل الأرض والسماء نفس الرسول وزوج البتول وأبي
السبطين وإمام الثقلين والمخصوص باختصاص إنما وليكم الله المعزز باعزاز
من كنت مولاه فعلي مولاه:
(٨٩)

سلام من الرحمن نحو جنابه فان سلامي لا يليق ببابه
وقف على الحضرة المنورة المقدسة المطهرة الرضية الرضوية على ساكنها
ألف صلاة وسلام وتحية والواقف هو تراب اعتابها والمفتخر بخدمة بابها أعني
سيد سلاطين الزمان وأشرف خواقين الدوران صاحب النسب الطاهر
النبوي والحسب الظاهر العلوي أبو المظفر شاة عباس الحسيني الموسوي
الصفوي خلد الله تعالى ملكه وأجرى في بحار النصر والتأييد فلكه بمحمد
وآله الطاهرين وكان ذلك في شهر جمادى الأولى سنة ١٠٠٨ من الهجرة.
حرره تراب أقدام خدام
العتبة المقدسة الرضوية
بهاء الدين محمد العاملي
عفي عنه
٣ جزء من المصحف المجيد منسوب إلى خط مولانا أمير المؤمنين
ع أيضا هو كالجزء السابق بجميع مميزاته سوى أن سوره غير
سوره وعليه نقط قليلة خضر من تحت وفوق وأقل منها زرق غير نقط
الشكل الحمر لم نتحقق المراد منها وفي آخره في سطرين هكذا.
كتبه علي بن
أبي طالب
عدد أوراقه ٩٢ سطور كل صفحة ٧ طوله ٢٧ سانتيما عرضه ١٨
سانتيما قطره ٣ سانتيما وكتب الشيخ البهائي على ورقة ملحقة بأوله نحو ما
كتب الذي قبله بتاريخ رجب سنة ١٠٠٨ ويوجد مصاحف أخر منسوبة إلى
خط مولانا أمير المؤمنين ع في الخزانة الغروية وعلى ضريح الإمام الرضا
ع.
٤ مصحف منسوب لخط مولانا الحسن بن علي ع
موجود في المكتبة المباركة الرضوية فيه جزءان من القرآن الكريم من أول
الجزء ٢٣ من سورة يس إلى الآية ٤٥ من سورة فصلت التي هي الجزء ٢٤
بالخط الكوفي المقارب في الرسم لخطوط المصاحف السابقة وباقي مميزاته
كالمصاحف السابقة وقف الشاه عباس الصفوي والوقفية بخط الشيخ
البهائي بالفارسية سنة ١٠٠٨ عدد أوراقه ١٢٢ كل صفحة ٧ أسطر طوله
١٦ سانتيما عرضه ١٢ قطره ٥ وفي آخره في سطرين هكذا.
كتبه حسن بن علي بن
أبي طالب في سنة إحدى أربعين
٥ مصحف منسوب لخط مولانا زين العابدين ع رأيناه في
المكتبة المباركة الرضوية في السنة المذكورة بالخط الكوفي سقط منه من أول
سورة الفاتحة إلى الآية ١٧٩ من سورة البقرة ومن أول الآية ١٨٠ موجود
إلى آخر القرآن واقفه غير معلوم وخطه أدق من خطوط المصاحف السابقة
الذكر منقط بالسواد للاعجام وبالحمرة للشكل والاعراب وباقي مميزاته
كالمصاحف السابقة وفي آخره بعد سورة الناس هكذا في أربعة سطور.
قوله الحق وله الملك ان الله لا يخلف الميعاد كتبه المنتظر بوعده علي بن
الحسين بن علي بن أبي طالب.
ويلاحظ إن كلمة ابن كتبت بدون ألف في مصحفي علي ع
ومصحف زين العابدين ع مع أنها ليست بين علمين وبالألف في
مصحف الحسن ع مع أنها بين علمين وأربعين بدون واو
العطف.
مؤلفات أمير المؤمنين ع
١ جمع القرآن الكريم وتأويله كما ذكره المحقق الكاظمي فيما مر أو
جمعه على ترتيب النزول كما أخرجه أبو داود وذكره غيره كما مر أيضا.
٢ كتاب أملى فيه أمير المؤمنين ع ستين نوعا من أنواع
علوم القرآن وذكر لكل نوع مثالا يخصه وهو الأصل لكل من كتب في أنواع
علوم القرآن. وهذا الكتاب أورده المجلسي في بحاره نقلا عن أبي عبد الله
محمد بن إبراهيم بن جعفر النعماني في تفسيره للقرآن ورواه النعماني عن
الحافظ ابن عقدة بسنده المتصل إلى الصادق جعفر بن محمد ع أنه
نسبه إلى أمير المؤمنين ع. ويبلغ ثلاث عشرة ورقة إلا ربع
بالقطع الكامل كل صفحة منها ٢٧ سطرا كل سطر ٢٣ كلمة.
وأشار إلى هذا الكتاب الرافعي في كتابه إعجاز القرآن فقال: وتزعم
الشيعة أن عليا أملى ستين نوعا من أنواع علوم القرآن وذكر لكل نوع منها
مثالا يخصه. وان ذلك في كتاب يروونه عنه من طرق عدة وهو في أيديهم
إلى اليوم. وذلك وإن كان قريبا فيما يعطيه ظاهره غير أنه بالحيلة على تقريبه
من الحقيقة صار أبعد منها وأمحض في الزعم اه.
ونخاله يشير بذلك إلى ما في كتاب الشيعة وفنون الاسلام المذكور فيه
هذه العبارة في موضعين ولكن نفسه لم تطاوعه على الاعتراف بهذا الكتاب
والاذعان بان عليا ع أملى ستين نوعا من أنواع علوم القرآن في كتاب
ترويه الشيعة بأسانيدها وهو في أيديها إلى اليوم. وجعل ذلك حيلة على
تقريبه من الحقيقة يا سبحان الله كيف يمكن أن يصدر مثل هذا الكتاب من
أمير المؤمنين وسيد العلماء والموحدين ووارث علوم خير النبيين ص ومن
قال في حقه رسول الله ص أنا مدينة العلم وعلي بابها وكيف يمكن أن
يصدق به الرافعي ورواته من الشيعة وهو بأيديهم بل هو بالحيلة على تقريبه
من الحقيقة صار أبعد منها. لا يصدق الرافعي بهذا ويقول في حاشية كتابه
المذكور أن لبعض المحققين من مشايخ الصوفية دقائق في التفسير لا تتفق
لغيرهم لسمو أرواحهم ونور بواطنهم ومنهم كان الامام السلطان الحنفي
صاحب المقام المشهور في القاهرة سمعه يوما شيخ الاسلام البلقيني يفسر آية
فقال لقد طالعت أربعين تفسيرا فما وجدت فيها شيئا من تلك الدقائق
اه‍.
وحكى الرافعي في حاشية كتابه المذكور عن بعض العلماء أنه
استخرج من القرآن الكريم أن قوله تعالى أ لم تر إلى ربك كيف مد الظل
ولو شاء لجعله ساكنا ثم جعلنا الشمس عليه دليلا إشارة إلى التصوير
الشمسي وان قوله تعالى ثم استوى إلى السماء وهي دخان إشارة إلى
أن مادة الكون هي الأثير. وإن قوله تعالى في السماوات والأرض كانتا
رتقا ففتقناهما إشارة إلى أن الأرض انفتقت من النظام الشمسي. وان
قوله تعالى وجعلنا من الماء كل شئ حي إشارة إلى أن للجمادات
حياة قائمة بماء التبلور. وان قوله فأخرجنا به أزواجا من نبات شتى
دال على تلاقح النبات إلى غير ذلك وهذا ليس ببعيد عما حواه القرآن من
العلوم. وإن فيه تبيان كل شئ، ولكن من يصدق بذلك كيف يعظم
(٩٠)

عليه أن يصدق بان عليا أمير المؤمنين أملى ستين نوعا من علوم القرآن...
وقد رأينا من المناسب أن نذكر هنا سندنا إلى هذا الكتاب الذي
نرويه به إجازة عن مشايخنا المتصل إلى أهل بيت النبوة ع ونورد
نبذا منه وإن طال الكلام وخالف ما نتوخاه في هذه المقدمة من الاختصار
فنقول:
لنا عدة طرق إلى ابن عقدة راوي هذا الكتاب بسنده إلى الإمام جعفر
الصادق الذي أسنده إلى أمير المؤمنين ع نذكر منها هنا
طريقا واحدا لاتصال السند به. فانا نروي إجازة عن شيخنا واستاذنا
الفقيه المحقق المدقق الزاهد العابد الشيخ محمد طه بن الشيخ مهدي نجف
النجفي قدس سره عن شيخه الفقيه الزاهد العابد الملا علي بن ميرزا خليل
الطبيب الطهراني النجفي عن شيخه الامام الفقيه العلامة الشيخ محمد
حسن النجفي صاحب جواهر الكلام عن شيخه الفقيه المتبحر العلامة
السيد محمد الجواد ابن محمد العاملي النجفي صاحب مفتاح الكرامة عن
شيخه الامام العلامة السيد محمد مهدي الطباطبائي النجفي المعروف ببحر
العلوم عن شيخه المحقق الوحيد محمد باقر بن محمد أكمل البهبهاني
الحائري عن أبيه محمد أكمل عن العلامة المجلسي عن أبيه. وعن بحر
العلوم عن المولى محمد باقر الهزار جريبي عن شيخه محمد بن محمد زمان
عن الأمير محمد حسين بن الأمير محمد صالح عن العلامة محمد باقر
المجلسي الثاني عن والده المولى محمد تقي المجلسي الأول عن الشيخ بهاء
الدين محمد العاملي المعروف بالبهائي عن والده الشيخ حسين
بن عبد الصمد الحارثي الهمداني العاملي عن شيخه الشيخ زين الدين بن علي
العاملي الجبعي المعروف بالشهيد الثاني عن شيخه الفاضل نور الدين
علي بن عبد العالي الميسي عن الشيخ شمس الدين محمد بن داود الشهير
بابن المؤذن العاملي الجزيني عن الشيخ ضياء الدين علي ابن الشيخ الجليل
السعيد الشهيد شمس الملة والدين محمد بن مكي العاملي الجزيني عن والده
المذكور عن الشيخ فخر الدين أبي طالب محمد ابن الشيخ جمال الدين أبي
منصور الحسن بن المطهر الحلي عن والده المعروف بالعلامة الحلي عن
شيخه الامام الجليل المحقق نجم الدين أبي القاسم جعفر بن الحسن
ابن سعيد المعروف بالمحقق الحلي عن السيد شمس الدين فخار
ابن معد الموسوي عن الشيخ أبي الفضل شاذان بن جبرائيل القمي
عن الشيخ أبي جعفر محمد بن أبي القاسم العماد الطبري عن
الشيخ أبي علي الحسن ابن شيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن
الطوسي عن أبيه عن أبي الحسن أحمد بن محمد بن موسى الأهوازي عن
أبي العباس أحمد بن محمد بن سعيد المعروف بابن عقدة بجميع رواياته
وكتبه قال حدثنا أحمد بن يوسف بن يعقوب الجعفي عن إسماعيل بن مهران
عن الحسن بن علي بن أبي حمزة عن أبيه عن إسماعيل بن جابر قال سمعت
أبا عبد الله جعفر بن محمد الصادق ع يقول إن الله تبارك وتعالى بعث
محمدا ص فختم به الأنبياء فلا نبي بعده وأنزل عليه كتابا فختم به
الكتب فلا كتاب بعده أحل فيه حلالا وحرم حراما فحلاله حلال إلى يوم
القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة فيه شرعكم وخبر من قبلكم وبعدكم
وجعله النبي ص علما باقيا في أوصيائه فتركهم الناس وهم الشهداء على
أهل كل زمان ثم قتلوهم إلى أن قال وهو يشير إلى من خالفوا أهل
البيت وذلك أنهم ضربوا بعض القرآن ببعض واحتجوا بالمنسوخ وهم
يظنون أنه الناسخ واحتجوا بالمتشابه وهم يرونه المحكم واحتجوا بالخاص
وهم يقدرون أنه العام واحتجوا بأول الآية وتركوا السبب في تأويلها ولم
ينظروا إلى ما يفتح الكلام وإلى ما يختمه ولم يعرفوا موارده ومصادره واعلموا
رحمكم الله أن من لم يعرف من كتاب الله عز وجل الناسخ من المنسوخ
والخاص من العام والمحكم من المتشابه والرخص من العزائم والمكي والمدني
وأسباب التنزيل وما فيه من علم القضاء والقدر والتقديم والتأخير والابتداء
والانتهاء والسؤال والجواب والقطع والوصل والمستثنى منه فليس بعالم
بالقرآن ولقد سال أمير المؤمنين ص شيعته عن مثل هذا
فقال: إن الله تبارك وتعالى أنزل القرآن على سبعة أقسام كل منها شاف
كاف وهي: أمر. وزجر. وترغيب. وترهيب. وجدل. ومثل.
وقصص. وفي القرآن: ناسخ، ومنسوخ، ومحكم، ومتشابه، وخاص،
وعام، وعزائم، ورخص، وحلال، وحرام، وفرائض، وأحكام،
وحرف مكان حرف، ومنه ما لفظه خاص، ومنه ما لفظه عام محتمل
العموم، ومنه ما لفظه واحد ومعناه جمع، ومنه ما لفظه جمع ومعناه
واحد، ومنه ما لفظه ماض ومعناه مستقبل، ومنه ما لفظه على الخبر
ومعناه حكاية عن قوم آخرين، ومنه ما تأويله في تنزيله، ومنه ما
تأويله قبل تنزيله، ومنه ما تأويله بعد تنزيله، ومنه آيات بعضها في
سورة وإتمامها في سورة أخرى، ومنه آيات نصفها منسوخ ونصفها
متروك على حاله، ومنه آيات
مختلفة اللفظ متفقة المعنى، ومنه آيات متفقة اللفظ مختلفة المعنى، ومنه آيات فيها رخصة واطلاق بعد العزيمة،
ومنه مخاطبة لقوم والمعنى لآخرين، ومنه مخاطبة للنبي ص
ومعناه واقع على أمته، ومنه لا يعرف تحريمه إلا بتحليله، ومنه رد من الله
تعالى واحتجاج على جميع الملحدين والزنادقة والدهرية والثنوية والقدرية
والمجبرة وعبدة الأوثان وعبدة النيران، ومنه احتجاج على النصارى في
المسيح ع، ومنه الرد على اليهود، ومنه الرد على من زعم أن الايمان لا
يزيد ولا ينقص وإن الكفر كذلك، ومنه رد على من زعم أن ليس بعد
الموت وقبل القيامة ثواب وعقاب، ومنه رد على من أنكر فضل النبي
ص على جميع الخلق، ومنه رد على من أنكر الاسراء به ليلة المعراج،
ومنه رد على من أثبت الرؤية، ومنه صفات الحق وأبواب معاني الايمان
ووجوبه ووجوهه، ومنه رد على من وصف الله تعالى وحده، ومنه رد
على من أنكر الرجعة ولم يعرف تأويلها، ومنه رد على من زعم أن الله عز وجل
لا يعلم الشئ حتى يكون، ومنه رد على من لم يعلم الفرق بين المشيئة
والإرادة والقدرة، ومنه ما بين الله فيه شرائع الاسلام والسبب في بقاء
الخلق ومعايشهم ووجوه ذلك، ومنه أخبار الأنبياء وشرائعهم وهلاك أممهم
ومنه ما بين الله تعالى في مغازي النبي ص وحروبه وغير ذلك إلى تمام
ستين نوعا اختصرنا بعضها.
فمما سالوه عن الناسخ والمنسوخ فقال ص أن الله تبارك
وتعالى بعث رسوله ص بالرأفة والرحمة فكان من رأفته ورحمته أنه لم ينقل
قومه في أول نبوته عن عادتهم حتى استحكم الاسلام في قلوبهم وحلت
الشريعة في صدورهم فكان من شريعتهم في الجاهلية أن المرأة إذا زنت
حبست في بيت وأقيم بأودها حتى يأتيها الموت وإذا زنى الرجل نفوه عن
مجالسهم وشتموه وآذوه وعيروه ولم يكونوا يعرفوا غير هذا قال الله تعالى في
أول الاسلام واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة
منكم فان شهدوا فامسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله
لهن سبيلا واللذان يأتيانها منكم فاذوهما فان تابا واصلحا فاعرضوا عنهما ان
(٩١)

الله كان توابا رحيما فلما كثر المسلمون وقوي الاسلام واستوحشوا أمور
الجاهلية أنزل الله تعالى الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة
جلدة إلى آخر الآية فنسخت هذه الآية آية الحبس والأذى.
ومن ذلك العدة كانت في الجاهلية على المرأة سنة كاملة وكان إذا مات
الرجل ألقت المرأة خلف ظهرها شيئا بعرة وما جرى مجراها ثم قالت البعل
أهون علي من هذه فلا اكتحل ولا امتشط ولا أتطيب ولا أتزوج سنة فكانوا
لا يخرجونها من بيتها بل يجرون عليها من تركة زوجها سنة فأنزل الله تعالى
في أول الاسلام والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم
متاعا إلى الحول غير اخراج فلما قوي الاسلام أنزل الله تعالى والذين
يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا فإذا
بلغن أجلهن فلا جناح عليهن إلى آخر الآية.
ومن ذلك أن الله تبارك وتعالى لما بعث محمدا ص امره في بدو
أمره أن يدعو بالدعوة فقط وأنزل عليه يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا
ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله باذنه وسراجا منيرا وبشر المؤمنين بان لهم من
الله فضلا كبيرا ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهم وتوكل على الله
وكفى بالله وكيلا فبعثه الله بالدعوة فقط وأمره أن لا يؤذيهم فلما أرادوه بما
هموا به من تبييته أمره الله تعالى بالهجرة وفرض عليه القتال فقال سبحانه
أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير فلما أمر
الناس بالحرب جزعوا وخافوا فأنزل الله تعالى أ لم تر إلى الذين قيل لهم
كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فلما كتب عليهم القتال إذا فريق
منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية وقالوا ربنا لم كتبت علينا
القتال لولا أخرتنا إلى أجل قريب إلى قوله سبحانه أينما تكونوا يدرككم
الموت ولو كنتم في بروج مشيدة فنسخت آية القتال آية الكف فلما كان
يوم بدر وعرف الله حرج المسلمين أنزل على نبيه وان جنحوا للسلم
فاجنح لها وتوكل على الله فلما قوي الاسلام وكثر المسلمون أنزل الله
تعالى ولا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم ولن يتركم
أعمالكم فنسخت هذه الآية الآية التي أذن لهم فيها أن يجنحوا للسلم ثم
أنزل الله سبحانه في آخر السورة واقتلوا المشركين حيث وجدتموهم
وخذوهم واحصروهم إلى آخر الآية.
ومن ذلك أن الله تعالى فرض القتال على الأمة فجعل على الرجل
الواحد أن يقاتل عشرة من المشركين فقال إن يكن منكم عشرون
صابرون يغلبوا مائتين إلى آخر الآية ثم نسخها سبحانه فقال الآن
خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فان يكن منكم مائة صابرة يغلبوا
مائتين إلى آخر الآية فنسخ بهذه الآية ما قبلها فصار من فرض المؤمنين في
الحرب إن كانت عدة المشركين أكثر من رجلين لرجل لم يكن فارا من
الزحف وإن كانت العدة رجلين لرجل كان فارا من الزحف.
ومن ذلك نوع آخر وهو أن رسول الله ص لما هاجر إلى المدينة
آخى بين أصحابه من المهاجرين والأنصار وجعل المواريث على الإخوة في
الدين لا في ميراث الأرحام وذلك قوله تعالى إن الذين آمنوا وهاجروا
وجاهدوا في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض
إلى قوله سبحانه والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شئ
حتى يهاجروا فاخرج الأرقاب من الميراث وأثبته لأهل الهجرة وأهل الدين
خاصة ثم عطف بالقول فقال تعالى والذين كفروا بعضهم أولياء بعض
إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير فكان من مات من المسلمين
يصير ميراثه وتركته لأخيه في الدين دون القرابة والرحم الوشيجة فلما قوي
أمر الاسلام أنزل الله تعالى النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه
أمهاتهم وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين
والمهاجرين الا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا كان ذلك في الكتاب
مسطورا فهذا المعنى نسخ آية الميراث.
ثم ذكر آيات نسخ القبلة وفسرها وآيات القصاص ونسخها لما في
التوراة ونسخ الأحكام الشاقة التي كانت على بني إسرائيل ثم قال:
ومنه انه تعالى لما فرض الصيام فرض أن لا ينكح الرجل أهله في
شهر رمضان بالليل ولا بالنهار على معنى صوم بني إسرائيل في التوراة فكان
ذلك محرما على هذه الأمة وكان الرجل إذا نام في أول الليل قبل أن يفطر
فقد حرم عليه الأكل بعد النوم أفطر أو لم يفطر وكان رجل من أصحاب
رسول الله ص يعرف بمطعم بن جبير شيخا فكان في الوقت الذي حفر
فيه الخندق حفر في جملة المسلمين وكان ذلك في شهر رمضان فلما فرغ من
الحفر وراح إلى أهله صلى المغرب وأبطأت عليه زوجته بالطعام فغلب عليه
النوم فلما أحضرت إليه الطعام أنبهته فقال لها استعمليه أنت فاني قد نمت
وحرم علي وطوى وأصبح صائما فغدا إلى الخندق وجعل يحفر مع الناس
فغشي عليه فغدا عليه رسول الله ص فسأله عن حاله فأخبره وكان في
المسلمين شبان ينكحون نساءهم بالليل سرا لقلة صبرهم فسال النبي
ص الله سبحانه في ذلك فأنزل الله عليه: أحل لكم ليلة الصيام
الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن علم الله انكم كنتم
تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب
الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من
الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل فنسخت هذه الآية ما تقدمها.
ثم ذكر جملة من الآيات المنسوخة ثم قال وسئل صلوات الله عليه عن
أول ما أنزل عز وجل من القرآن فقال أول ما أنزل بمكة سورة اقرأ باسم
ربك الذي خلق وأول ما أنزل بالمدينة سورة البقرة.
ثم ذكر المحكم ومثله بآية الوضوء وآية حرمت عليكم الميتة.
حرمت عليكم أمهاتكم والمتشابه فقال وإنما هلك الناس في المتشابه ولم
يعرفوا حقيقته فوضعوا له تأويلات من عند أنفسهم.
ومثله بالآيات التي فيها ذكر الضلال والاضلال وغيرها ثم ذكر أنهم
سالوه عن لفظ الوحي وعن متشابه الخلق وعن المتشابه في تفسير الفتنة وعن
المتشابه في القضاء وعن أقسام النور وعن أقسام الأمة فذكر أقسامها
واختلاف موارد استعمالها في القرآن الكريم.
ثم ذكر ما ظاهره العموم ومعناه الخصوص. نذكرها باختصار مثل
يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وإني فضلتكم على
العالمين وإنما فضلهم على عالم أزمانهم بأشياء خصهم بها مثل المن
والسلوى والعيون التي فجرها لهم من الحجر وأشباه ذلك إن الله اصطفى
آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين أراد أنه فضلهم على عالمي
زمانهم. وأوتيت من كل شئ ولها عرش عظيم وهي مع هذا لم تؤت
أشياء كثيرة مما فضل الله به الرجال على النساء تدمر كل شئ بأمر ربها
وقد تركت أشياء كثيرة لم تدمرها ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس وإنما
(٩٢)

أراد الله سبحانه بعض الناس وذلك أن قريشا كانت في الجاهلية تفيض من
المشعر الحرام ولا يخرجون إلى عرفات كسائر العرب فأمرهم الله سبحانه أن
يفيضوا من حيث أفاض رسول الله ص وأصحابه وهم في هذا الموضع
الناس على الخصوص يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا
أماناتكم نزلت في أبي إمامة بن عبد المنذر وآخرون اعترفوا بذنوبهم
خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا نزلت في أبي لبابة يا أيها الذين آمنوا لا
تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة نزلت في حاطب بن
أبي بلتعة الذين قال لهم الناس أن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم
فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل نزلت في نعيم بن مسعود
الأشجعي وذلك أن رسول الله ص لما رجع من غزاة أحد وقد قتل عمه
حمزة وقتل من المسلمين من قتل وجرح من جرح وانهزم من انهزم أوحى الله
تعالى إليه أن اخرج في وقتك هذا لطلب قريش ولا تخرج معك إلا كل من
كانت به جراحة فخرجوا معه حتى نزلوا منزلا يقال له حمراء الأسد وكانت
قريش قد جدت السير فرقا فلما بلغهم خروج رسول الله ص في طلبهم
خافوا فاستقبلهم رجل من أشجع يقال له نعيم بن مسعود يريد المدينة فقال
له أبو سفيان صخر بن حرب يا نعيم هل لك أن أضمن لك عشر قلائص
وتجعل طريقك على حمراء الأسد فتخبر محمدا أنه قد جاء مدد كثير من
حلفائنا من العرب كنانة وعشيرتهم والأحابيش وتهول عليهم ما استطعت
فلعلهم يرجعون عنا فاجابه إلى ذلك وقصد حمراء الأسد فأخبر رسول الله
ص بذلك وإن قريشا يصبحونكم بجمعهم الذي لا قوام لكم به فاقبلوا
نصيحتي وارجعوا فقال أصحاب رسول الله ص حسبنا الله ونعم الوكيل
اعلم انا لا نبالي بهم فأنزل الله سبحانه على رسوله الذين استجابوا لله
والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم
الذين قال لهم الناس أن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا
حسبنا الله ونعم الوكيل وإنما كان القائل لهم نعيم بن مسعود فسماه الله
تعالى باسم جميع الناس. ومثله قوله تعالى إنما وليكم الله ورسوله والذين
آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون.
ثم ذكر ما لفظه ماض ومعناه مستقبل وذكر آيات العزائم والرخص
والاحتجاج على الملحدين. والرد على عبدة الأصنام والتنويه والزنادقة
والدهرية وغير ذلك مما فصله.
٣ من مؤلفات أمير المؤمنين ع الجامعة وهي كتاب طوله سبعون
ذراعا من إملاء رسول الله ص وخط علي ع مكتوب على الجلد المسمى
بالرق وكان غالب الكتابة عليه في ذلك العصر لقلة الورق في عرض الجلد
جمعت الجلود بعضها إلى بعض حتى بلغ طولها سبعين ذراعا بذراع اليد
الذي هو من المرفق إلى رؤوس الأصابع وعدها من مؤلفات علي ع
باعتبار أنه كتبها ورتبها من قول رسول الله ص وإملائه. وهي
أول كتاب جمع فيه العلم على عهد رسول الله ص وتكرر ذكرها في
أخبار الأئمة عموما وأخبار المواريث خصوصا. وكانت عند الامام أبي
جعفر محمد الباقر وابنه الامام أبي عبد الله جعفر الصادق ع رآها
عندهما ثقات أصحابهما وتوارثها الأئمة من بعدهم. والظاهر أنها هي المعبر
عنها في جملة من الأخبار الآتية بكتاب علي ع وبالكتاب الذي
باملاء النبي ص وخط علي ع وبكتاب علي ع الذي
هو سبعون ذراعا وبالصحيفة التي طولها سبعون ذراعا وبالصحيفة التي فيها
ما يحتاج إليه حتى أرش الخدش وبالصحيفة العتيقة من صحف علي ع
وشبه ذلك.
فممن رأى الجامعة عند الباقر ع سويد بن أيوب وأبو
بصير. روى محمد بن الحسن الصفار في كتاب بصائر الدرجات عن علي بن
إسماعيل عن علي بن النعمان عن سويد بن أيوب عن أبي جعفر ع
قال كنت عنده فدعا بالجامعة فنظر فيها أبو جعفر الحديث.
البصائر عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن علي بن أبي حمزة عن أبي
بصير قال أخرج إلينا أبو جعفر ع صحيفة فيها الحلال والحرام
والفرائض قلت ما هذه قال هذه إملاء رسول الله ص وخط علي بيده
إلى أن قال هي الجامعة أو من الجامعة.
وممن رأى الجامعة عند الصادق ع أبو بصير. روى الشيخ
أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي عن الحسين بن سعيد عن النضر
عن يحيى الحلبي عن أيوب بن الحر عن أبي بصير قال كنت عند أبي عبد الله
ع فدعا بالجامعة فنظر فيها الحديث.
ما ورد في كتاب علي عن الباقر
ع
البصائر عن إبراهيم بن هاشم عن جعفر بن محمد عن عبد الله بن
ميمون عن جعفر عن أبيه ع قال في كتاب علي كل شئ يحتاج
إليه حتى أرش الخدش.
ما ورد في كتاب علي عن الصادق
ع
روى الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي باسناده عن علي بن
الحسن بن فضال عن محمد بن عبد الله بن زرارة عن محمد بن مسلم عن
يونس عن القاسم بن سليمان قال حدثني أبو عبد الله ع قال إن في
كتاب علي ع إن الإخوة من الأم الحديث. وباسناده عن الحسن بن
محمد بن سماعة عن الحسن بن محبوب عن أبي أيوب عن أبي عبد الله ع
قال إن في كتاب علي ع ان العمة بمنزلة الأب الحديث.
وروى الكليني عن عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد. وعن محمد بن يحيى
عن أحمد بن محمد جميعا عن ابن محبوب عن عبد الرحمن بن الحجاج قال:
سألت أبا عبد الله ع، وذكر حديثا، ثم قال: كذلك هو في كتاب
علي ع وفي رواية أخرى: كذلك وجدناه في كتاب علي وروى
محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي المعروف بالصدوق باسناد عن
الحسن بن محبوب عن خالد بن جرير عن أبي عبد الله ع في الجد
مع الإخوة لأم قال إن في كتاب علي ع ان الإخوة من الأم يرثون مع
الجد الثلث. أقول: المراد بكتاب علي ع في هذه الأخبار هو
الجامعة ويحتمل على بعد أن يراد به هنا صحيفة الفرائض الآتية.
رؤية كتاب علي عند الباقر ع
مثل فخذ الرجل
البصائر: عن محمد بن الحسين عن جعفر بن بشير عن الحسين بن
أبي مخلد عن عبد الملك قال: دعا أبو جعفر بكتاب علي فجاء به جعفر مثل
(٩٣)

فخذ الرجل مطويا، إلى أن قال: فقال أبو جعفر هذا والله خط علي بيده
وإملاء رسول الله ص.
ما ورد عن الصادق في كتاب علي
ع إنه سبعون ذراعا
البصائر: عن علي بن الحسين عن أبيه عن مروان قال سمعت أبا
عبد الله ع يقول عندنا كتاب علي سبعون ذراعا.
ما ورد عن الصادق في الصحيفة
العتيقة من صحف علي ع
البصائر: عن محمد بن عبد الحميد عن يونس بن يعقوب عن معتب
قال: أخرج إلينا أبو عبد الله ع صحيفة عتيقة من صحف علي ع فإذا
فيها ما نقول إذا جلسنا لنتشهد.
ما ورد عن الباقر ع في الصحيفة
التي طولها سبعون ذراعا
البصائر: عن ابن يزيد عن ابن أبي عمير عن إبراهيم بن عبد
الحميد وأبي المعزا عن حمران بن أعين عن أبي جعفر ع إنه أشار
إلى بيت كبير وقال يا حمران إن في هذا البيت صحيفة طولها سبعون ذراعا
بخط علي وإملاء رسول الله ص الحديث. البصائر: عن أحمد بن
محمد عن الأهوازي عن فضالة عن القاسم بن يزيد عن محمد بن مسلم قال
قال أبو جعفر ع إن عندنا صحيفة من كتب علي ع
طولها سبعون ذراعا فنحن نتبع ما فيها لا نعدوها إلى أن قال: إن عليا
ع كتب العلم كله القضاء والفرائض والحديث.
بعض ما ورد عن الصادق ع في
الصحيفة التي طولها سبعون ذراعا
البصائر: عن محمد بن عبد الحميد عن يونس بن يعقوب عن
منصور بن حازم عن أبي عبد الله ع قال: قلت إن الناس يذكرون ان
عندكم صحيفة طولها سبعون ذراعا فيها ما يحتاج إليه الناس وإن هذا لهو
العلم، فقال أبو عبد الله ع إنما هو أثر عن رسول الله ص
الحديث.
فظهر من ملاحظة مجموع هذه الأخبار وضم بعضها إلى بعض أن
الجامعة وكتاب علي على الاطلاق والذي طوله سبعون ذراعا والكتاب الذي
باملاء رسول الله ص وخط علي ع والصحيفة التي طولها سبعون
ذراعا والجلد الذي هو سبعون ذراعا والصحيفة العتيقة كلها يراد بها كتاب
واحد.
٤ من مؤلفات أمير المؤمنين ع الجفر. في مجمع
البحرين في الحديث: أملى رسول الله ص على أمير المؤمنين ع الجفر
والجامعة، وفسرا في الحديث باهاب ماعز وأهاب كبش فيهما جميع العلوم
حتى أرش الخدشة والجلدة ونصف الجلدة، ونقل عن المحقق الشريف في
شرح المواقف ان الجفر والجامعة كتابان لعلي ع قد ذكر فيهما على طريقة
علم الحروف الحوادث إلى انقراض العالم. وكان الأئمة المعروفون من
أولاده يعرفونهما ويحكمون بهما اه‍. وفي القاموس الجفر من أولاد الشاء
ما عظم واستكرش وبلغ أربعة أشهر اه. وفي الصحاح الجفر من
أولاد المعز ما بلغ أربعة أشهر وجفر جنباه وفصل عن أمه والأنثى جفرة
اه‍ فالجفر في الحديث على حذف مضاف اي جلد الجفر ولعله صار
كالعلم على جلد مخصوص لثور أو شاة لكثرة الاستعمال.
والأخبار الواردة في الجفر فيها بعض الاختلاف ونحن نشير إليها وإلى
الجمع بينها فمنها ما يدل عليه بوجه الاجمال مع احتماله لجلد البعير وجلد
الشاة. مثل ما رواه محمد بن الحسن الصفار في بصائر الدرجات عن
محمد بن الحسين عن البزنطي عن حماد بن عثمان عن علي بن سعيد قال كنت
جالسا عند أبي عبد الله ع إلى أن قال فقال رجل من أصحابنا
جعلت فداك ان عبد الله بن الحسن يقول لنا في هذا الأمر ما ليس لغيرنا
فقال أبو عبد الله ع إلى أن قال والله و أهوى بيده إلى صدره ان عندنا
سلاح رسول الله ص وسيفه ودرعه ثم قال والجفر ما يدرون ما هو
مسك شاة أو مسك بعير الحديث والضمير في وما يدرون راجع إلى بني
الحسن أو إلى الناس أي فكيف يدعون العلم وفي حديثين آخرين عن
الصادق ع وعندنا الجفر
أ يدري عبد الله بن الحسن ما الجفر مسك بعير أم مسك شاة ومنها ما يدل على إنه أديم عكاظي كتب فيه
العلم مثل ما رواه في بصائر الدرجات عن علي بن الحسن عن الحسن بن
الحسين عن محول بن إبراهيم عن أبي مريم في حديث قال لي أبو جعفر
أي الباقر ع وعندنا الجفر وهو أديم عكاظي قد كتب فيه حتى ملئت
أكارعه فيه ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة دل على أن الجفر أديم
مدبوغ كتبت عليه الحوادث الماضية والآتية أو أحكامها وملئ كتابة حتى
أكارعه وكانت الكتابة في العصر السابق غالبا على الجلد أو الكتف لقلة
الورق وهذا وما قبله لا ينافي ما دل على أنه جلد واحد أو جلدان جلد بعير
أو ثور أو شاة أو ماعز. ومنها ما يدل على أنه جلد ثور مثل ما رواه في
البصائر عن أحمد بن محمد ومحمد بن الحسين عن ابن محبوب عن ابن رئاب
عن أبي عبيدة قال سال أبا عبد الله ع بعض أصحابنا عن الجفر فقال هو
جلد ثور مملوء علما، الحديث. والمراد انه كتب فيه العلم فلا ينافي ما مر أو
جعل وعاء لكتب العلم أو كتب فيه وجعل وعاء فيكون غير الأول ومنها
ما يدل على أنه جلد ثور مدبوغ كالجراب مثل ما رواه في البصائر عن ابن
يزيد ومحمد بن الحسن عن ابن أبي عمير عن ابن أذينة عن علي بن سعيد
قال كنت قاعدا عند أبي عبد الله ع إلى أن قال فقال
محمد بن عبد الله بن علي العجب لعبد الله بن الحسن انه يهزأ
ويقول هذا في جفركم الذي تدعون فغضب أبو عبد الله ع
إلى أن قال وأما قوله في الجفر فإنما هو جلد ثور مدبوغ كالجراب
فيه كتب وعلم ما يحتاج الناس إليه إلى يوم القيامة من حلال
وحرام إملاء رسول الله وخط علي بيده إلى أن قال وان عندي
خاتم رسول الله ص ودرعه وسيفه ولواءه وعندي الجفر على رغم
أنف من رغم. ورواه في البصائر بسند آخر صحيح عن الصادق ع إلى
قوله وخط علي. والمراد إنها كتبت فيه كتب وكتب فيه علم ما يحتاج إليه أو
جعل وعاء لكتب فيها ذلك أو اجتمع فيه الأمران فهو كالذي قبله
ومنها ما يدل على أنه جلد شاة مثل ما رواه في البصائر عن أحمد بن
موسى عن علي بن إسماعيل عن صفوان بن المغيرة عن عبد الله بن سنان
عن أبي عبد الله ع قال سمعته يقول ويحكم أ تدرون ما الجفر إنما
هو جلد شاة ليست بالصغيرة ولا بالكبيرة فيها خط علي ع وإملاء
رسول الله ص من فلق فيه ما من شئ يحتاج إليه الا وهو فيه حتى
أرش الخدش وظاهره انه مكتوب فيه ذلك وعليه يحمل ما في رواية
البصائر بسنده عن محمد بن مسلم قال أبو عبد الله ع لأقوام كانوا
(٩٤)

يأتونه ويسألونه عما خلف رسول الله ص ودفعه إلى علي وعما خلف علي
ودفعه إلى الحسن ولقد خلف رسول الله ص عندنا جلدا ما هو جلد جمال
ولا جلد ثور ولا جلد بقرة إلا أهاب شاة فيه كلما يحتاج إليه حتى أرش
الخدش والظفر الحديث وهذا القسم يمكن انطباقه على ما في الأحاديث
الأول التي لم يبين فيها انه جلد أي شئ هو ومنها ما يدل على أنهما
جفران مثل ما رواه في البصائر عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن
الحسين بن أبي العلاء قال سمعت أبا عبد الله ع يقول عندي
الجفر الأبيض قلنا وأي شئ فيه قال زبور داود وتوراة موسى وإنجيل
عيسى وصحف إبراهيم والحلال والحرام ومصحف فاطمة وفيه ما يحتاج
الناس إلينا ولا نحتاج إلى أحد حتى أن فيه الجلدة بالجلدة ونصف الجلدة
وثلث الجلدة وربع الجلدة وأرش الخدش وعندي الجفر الأحمر قلنا جعلنا
فداك وأي شئ في الجفر الأحمر قال السلاح وذلك أنه يفتح للدم بفتحة
صاحب السيف للقتل الحديث دل على أن هناك جفرين أبيض وأحمر
فالأبيض وعاء لكتب سماوية وغيرها ولكتاب فيه الحلال والحرام وما يحتاج
إليه ويحتمل انه كتب عليه الحلال والحرام وجعل وعاء لتلك الكتب ويحتمل
ان ما في تلك الكتب كلها كتب عليه مع الحلال والحرام وما يحتاج إليه
وبهذا التفسير يمكن اتحاده مع الجفر الذي في حديث الباقر ع والأحمر
وعاء للسلاح فقط ولعل وصفه بالأحمر لذلك لا لكونه أحمر اللون كما
يشير إليه قوله وذلك أنه يفتح للدم ولعل المراد بصاحب السيف
المهدي ع ومثل ما رواه في البصائر عن أحمد بن محمد
عن الحسين بن سعيد عن أحمد بن عمر عن أبي بصير عن أبي عبد الله
ع في حديث قال: إن عندنا الجفر وما يدريهم ما الجفر مسك
شاة أو جلد بعير قلت جعلت فداك ما الجفر قال وعاء أحمر وأديم
أحمر فيه علم النبيين والوصيين الحديث والمراد بان فيه علم النبيين والوصيين
إنه كتب فيه ذلك أو فيه كتب فيها ذلك فيوافق ما تقدم ومنها ما يدل
على أنه جلدا ماعز وضان كرواية البصائر عن أحمد بن محمد عن الحسن بن
علي عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله ع قال ذكروا ولد
الحسن فذكروا الجفر فقال والله ان عندي لجلدي ماعز وضان أملاه رسول
الله ص وخطه علي ع بيده الحديث وظاهره انه مكتوب في نفس
الجلدين وفي رواية أخرى عن الصادق ع إلى أن قال وذكرنا
الجفر فقال والله إن عندنا لجلدي ماعز وضان إملاء رسول الله ص وخط
علي ع الحديث وظاهره كالأول. ورواية البصائر عن محمد بن أحمد عن
ابن معروف عن أبي القاسم الكوفي عن بعض أصحابه قال ذكر ولد الحسن
الجفر فقالوا ما هذا بشئ فذكر ذلك لأبي عبد الله ع فقال نعم هما
أهابان أهاب ماعز وأهاب ضان مملوءان كتبا فيهما كل شئ حتى أرش
الخدش والمراد بملئهما كتبا إنهما جعلا وعاء لها أو كتبت فيهما. ورواية
البصائر عن أحمد بن الحسن عن أبيه عن أبي المعزا عن عنبسة بن مصعب
قال كنا عند أبي عبد الله ع إلى أن قال قلت أصلحك الله وما
الجفر قال هو والله مسك ماعز ومسك ضان مطبق أحدهما بصاحبه فيه
سلاح رسول الله ص والكتب ومصحف فاطمة الحديث والمراد باطباق
أحدهما بصاحبه أنه جعل أحدهما كالبطانة والآخر كالظهارة وصنع منهما
وعاء واحد أو خيط أحدهما إلى الآخر وجعل منهما وعاء واحد أحد جانبيه
جلد ماعز والجانب الآخر جلد ضان ووضع فيه السلاح والكتب أو وضع
فيه السلاح وكتبت فيه الكتب.
فتلخص من هذه الأخبار ان بعضها دال على أن الجفر أديم عكاظي
كتب فيه العلم وبعضها على أنه جلد ثور مملوء علما وبعضها على أنه جلد
ثور مدبوغ كالجراب فيه كتب وعلم ما يحتاج إليه إملاء رسول الله ص
وخط علي وبعضها على أنه جلد شاة فيه ما يحتاج إليه بخط علي وإملاء
النبي ص وبعضها على أنه لا يدري أ جلد شاة أو جلد بعير وبعضها على أنهما
جفران أبيض فيه الكتب وعلم ما يحتاج إليه وأحمر فيه السلاح وبعضها
على أنه وعاء أحمر وأديم أحمر فيه العلم وبعضها على أنه جلدا ماعز وضأن
إملاء النبي وخط الوصي وبعضها على أنهما جلد ماعز وجلد ضان مملوءان
كتبا وبعضها على أنه جلدا ماعز وضان مطبق أحدهما بصاحبه فيه السلاح
والكتب، والمستفاد من المجموع ان الجفر منه كما كتب فيه العلم ومنه ما
جعل وعاء للسلاح أو له وللكتب وان منه جلد ماعز ومنه جلد ضأن ومنه
جلد ثور فهو ثلاثة بل أربعة والرابع المطبق من جلدين الماعز والضأن أو
الأولان عبارة عن الرابع والله أعلم.
وفي كشف الظنون: ادعى طائفة ان الإمام علي بن أبي طالب وضع
الحروف الثمانية والعشرين على طريق البسط الأعظم في جلد الجفر
يستخرج منها بطرق مخصوصة وشرائط معينة وألفاظ مخصوصة ما في لوح
القضاء والقدر وهذا علم توارثه أهل البيت ومن ينتمي إليهم ويأخذ منهم
من المشائخ الكاملين وكانوا يكتمونه عن غيرهم كل الكتمان وقيل لا يفقه
في هذا الكتاب حقيقة إلا للمهدي ع المنتظر خروجه في آخر الزمان
وورد هذا في كتب الأنبياء ع السالفة كما نقل عن عيسى بن مريم ع
: نحن معاشر الأنبياء نأتيكم بالتنزيل وأما التأويل
فسيأتيكم به البارقليط الذي سيأتيكم بعدي. نقل ان الخليفة المأمون لما
عهد بالخلافة من بعده إلى علي بن موسى الرضا ع وكتب إليه كتاب
عهده كتب هو في آخر ذلك الكتاب نعم إلا أن الجفر والجامعة يدلان على
أن هذا الأمر لا يتم وكان كما قال لأن المأمون استشعر فتنة من بني هاشم
فسمه كذا في مفتاح السعادة (١) قال ابن طلحة الجفر والجامعة كتابان
جليلان أحدهما ذكره الإمام علي بن أبي طالب وهو يخطب بالكوفة على المنبر
والآخر أسره إليه رسول الله ص وأمره بتدوينه فكتبه حروفا متفرقة على
طريق سفر آدم في جفر يعني في رق قد صنع من جلد البعير فاشتهر بين
الناس به لأنه وجد فيه ما جرى للأولين والآخرين الخ ما ذكره انتهى ما
أردنا نقله من كشف الظنون ثم قال ومن الكتب المصنفة فيه أي في علم
الجفر الجفر الجامع والنور اللامع للشيخ كمال الدين أبي سالم محمد بن
طلحة النصيبي الشافعي المتوفى سنة ٦٥٢ مجلد صغير ذكر فيه ان الأئمة من
أولاد جعفر يعرفون الجفر فاختار من أسرارهم فيه اه‍.
وقال ابن خلدون في مقدمته في فصل ابتداء الدول والأمم. وقد
يستندون في حدثان الدول على الخصوص إلى كتاب الجفر ويزعمون ان فيه
علم ذلك كله من طريق الآثار والنجوم لا يزيدون على ذلك ولا يعرفون
أصل ذلك ولا مستنده قال واعلم أن كتاب الجفر كان أصله أن هارون بن
سعيد العجلي وهو رأس الزيدية كان له كتاب يرويه عن جعفر الصادق وفيه
علم ما سيقع لأهل البيت على العموم ولبعض الأشخاص منهم على
الخصوص وقع ذلك لجعفر ونظائره من رجالاتهم على طريق الكرامة

(١) قال في حرف الميم مفتاح السعادة ومصباح السيادة في موضوعات العلوم للمولى أحمد بن مصطفى المعروف بطاش كبري زاده الخ.
- المؤلف -
(٩٥)

والكشف الذي يقع لمثلهم من الأولياء وكان مكتوبا عند جعفر في جلد ثور
صغير فرواه عنه هارون العجلي فكتبه وسماه الجفر باسم الجلد الذي كتب
منه لأن الجفر في اللغة هو الصغير وصار هذا الاسم علما على هذا الكتاب
عندهم وكان فيه تفسير القرآن وما في باطنه من غرائب المعاني مروية عن
جعفر الصادق وهذا الكتاب لم تتصل روايته ولا عرف عينه وإنما يظهر منه
شواذ من الكلمات لا يصحبها دليل ولو صح السند إلى جعفر الصادق لكان
فيه نعم المستند من نفسه أو من رجال قومه فهم أهل الكرامات وقد صح
عنه انه كان يحذر بعض قرابته بوقائع تكون لهم فتصح كما يقول وقد حذر
يحيى ابن عمه زيد من مصرعه وعصاه فخرج وقتل بالجوزجان كما هو
معروف وإذا كانت الكرامة تقع لغيرهم فما ظنك بهم علما ودينا وآثارا من
النبوة وعناية من الله بالأصل الكريم تشهد لفروعه الطيبة وقد ينقل بين أهل
البيت كثير من هذا الكلام غير منسوب إلى أحد وفي أخبار دولة العبيديين
كثير منه وانظر ما حكاه ابن الرقيق في لقاء أبي عبد الله الشيعي لعبيد الله
المهدي مع ابنه محمد الحبيب وما حدثاه به وكيف بعثاه إلى ابن حوشب
داعيتهم باليمن فامره بالخروج إلى المغرب وبث الدعوة فيه على علم لقنه ان
دعوته تتم هناك وان عبيد الله لما بني المهدية بعد استفحال دولتهم بإفريقية
قال بنيتها ليعتصم بها الفواطم ساعة من نهار وأراهم موقف صاحب الحمار
أبي يزيد بالمهدية وكان يسال عن منتهى موقفه حتى جاءه الخبر ببلوغه إلى
المكان الذي عينه جده عبيد الله فأيقن بالظفر وبرز من البلد فهزمه واتبعه
إلى ناحية الزاب فظفر به وقتله ومثل هذه الأخبار عندهم كثير اه وقال
قبل ذلك بقليل في أوائل هذا الفصل بعد ما ذكر أمر الأخبار عن الحوادث
الآتية ما لفظه: ووقع لجعفر وأمثاله من أهل البيت كثير من ذلك مستندهم
فيه والله أعلم الكشف بما كانوا عليه من الولاية وإذا كان مثله لا ينكر من
غيرهم من الأولياء في ذويهم وأعقابهم وقد قال ص إن فيكم محدثين فهم
أولي الناس بهذه الرتب الشريفة والكرامات الموهوبة اه‍، وقال
مصطفى صادق الرافعي المصري في كتابه بلاغة القرآن: انه لا يعرف في
تاريخ العالم كتاب بلغت عليه الشروح والتفاسير ما بلغ من ذلك على القرآن
الكريم حتى فسرته الروافض بالجفر على فساد ما يزعمون وسخافة ما
يقولون وعلى سوء الدعوى فيما يدعون من علم باطنه بما وقع إليهم من ذلك
الجفر واستنبط منه غيرهم إشارات من الغيب بضروب من الحساب كهذا
الذي ينسبونه إلى الحسن بن علي من أن رسول الله ص رأى في رؤياه
ملوك بني أمية فساءه ذلك فأنزل الله عليه ما يسري عنه من قوله ليلة
القدر خير من ألف شهر، وهي مدة الدولة الأموية فقد كانت أيامها
خالصة ثلاثا وثمانين سنة وأربعة أشهر مجموعها ألف شهر سواء اه‍
وقال في الحاشية على لفظ الجفر: قال ابن قتيبة هو جلد جفر ادعوا انه قد
كتب لهم الامام فيه كل ما يحتاجون إلى علمه وكل ما يكون إلى يوم
القيامة. ثم نقل عنه أمثلة من تفسيرهم هي من الأكاذيب المختلفة لا نطيل
بنقلها ثم أشار إلى ما في كشف الظنون ومقدمة ابن خلدون ثم قال وعندنا
ان كل ذلك موضوع وباطل وان الكلام فيه أسلوب من أساليب القصص
والمبالغة ولا تظن أن علم ما كان وما يكون شئ يسعه أو يسع الرمز إليه
جلد ثور الخ اه‍.
أقول الظاهر من الأخبار أن الجفر كتاب فيه العلوم النبوية من
حلال وحرام وأحكام وأصول ما يحتاج الناس إليه في أحكام دينهم وما
يصلحهم في دنياهم والأخبار عن بعض الحوادث ويمكن أن يكون فيه تفسير
بعض المتشابه من القرآن المجيد وأما عد الجفر علما من العلوم ويستنبط منه
علم الحوادث المغيبة كما يفهم من كشف الظنون وغيره مما مر وكما ارتكز في
أذهان بعض الناس فلم نطلع على ما يؤيده وكيف كان فوجود كتاب يسمى
بالجفر منسوب إلى أمير المؤمنين علي ع متسالم عليه بين الشيعة وأهل السنة
كما يعلم مما سبق فقول الرافعي حتى فسرته الروافض بالجفر إلى آخر ما
نضح به اناؤه الذي لا يمكن أن ينضح إلا بما فيه سخافة منه وسوء دعوى
فيما يدعيه أولا أن الشيعة لم تفسر القرآن بالجفر وإنما فسرته كما يفسره
علماء المسلمين ولم يدعوا علم باطنه بما وقع إليهم من ذلك الجفر بل لم يدع
أحد منهم أنه وقع إليه ذلك الجفر ولا أنه رآه نعم رووا أنه كان عند أئمة
أهل البيت ع فليأتنا الرافعي برجل واحد من الشيعة قال إن
الجفر عنده أو برجل منهم فسر القرآن بالجفر إن كان من الصادقين وهذه
تفاسير الشيعة للقرآن الكريم معروفة وأكثرها مطبوعة كتفسير القمي ومجمع
البيان وجمع الجوامع وتفسير أبي الفتوح الرازي والبرهان للسيد هاشم
البحراني والتبيان للشيخ الطوسي وتفسير العياشي وغيرها فهل يستطيع
الرافعي أن يجد في واحد منها أن الشيعة فسرت القرآن بالجفر وأما قوله
واستنبط منه غيرهم إشارات من الغيب الخ فهو كسابقه لا حقيقة له
والحديث الذي أشار إليه بقوله كهذا الذي ينسبونه إلى الحسن الخ معبرا
عنه بعبارة التوهين والاستخفاف هو حديث يرويه الثقات عن النبي ص
في أن الآية الشريفة نزلت في مدة ملك بني أمية وليس ذلك مستنبطا من
الجفر ولا بضروب من الحساب فهذا الذي ساء الرافعي وعظم عليه أن
تكون الآية نازلة في ملك أسياده بني أمية الأبرار الأتقياء أهل الأعمال
المشهورة في الاسلام فطفق يعبر بعبارة الاستخفاف بقوله كهذا الذي
ينسبونه واما ما نقله عن ابن قتيبة وقلده فيه كما هو الشأن في أكثر هذه
التقولات التي يودعونها كتبهم فيقلد فيها اللاحق السابق من دون تحقيق ولا
تمحيص فقوله إنهم ادعوا أنه كتب لهم الامام فيه كل ما يحتاجون إلى علمه
الخ غير صحيح إذ لم يدع أحد منهم ذلك وانما رويت روايات مسندة ومر
طرف منها تتضمن وجود ذلك عند أمير المؤمنين والأئمة من ولده ع
فنقلوها كما رويت لهم ونقلها علماء أهل السنة وأيدوها كما
سمعت عن كشف الظنون وابن خلدون ولكن الشنشنة الأخزمية فيما إذا
ورد شئ فيه كرامة لأهل البيت ع أبت أن تقبل ذلك أو تسكت عنه أو
تتناوله بغير التكذيب أو الاستبعاد أو القدح أو نحو ذلك
فحملت الرافعي على أن يقول: وعندنا أن كل ذلك موضوع وباطل الخ
معرضا عن كل ما نقله العلماء وأيد به ابن خلدون مما ليس قابلا للدفع مما
عرفت ولا يظن الرافعي إن علم ما كان ويكون يسعه أو يسع الرمز إليه
جلد ثور كأنه يريد جميع ما يحدث في الكون حتى النفخ في الرماد ولا يكتفي
بالرمز إلى مهمات الأمور لا يظن الرافعي ذلك لأنه منقول عن أهل البيت
مفاتيح باب مدينة العلم ويقول في حاشية كتابه المذكور بعد هذا الكلام بلا
فاصل ما حاصله أن الملك نور الدين محمود بن زنكي عمل منبرا لبيت
المقدس قبل فتحه بنيف وعشرين سنة وإن صاحب الروضتين ذكر أن هذا
قد يكون كرامة وأنه أطلع على ما ذكره أبو الحكم بن يرجان الأندلسي في
تفسيره فإنه أخبر عن فتح القدس في سنة كذا وعمر نور الدين إحدى عشرة
سنة فكان كما أخبر، وأنه من عجائب ما اتفق لهذه الأمة المرحومة. كل
هذا يعتقده الرافعي ويجزم به ولا يظن أن النبي ص يمكن أن يملي على
(٩٦)

ابن عمه وباب مدينة علمه علم ما كان وما يكون في جلد ثور وما أحسن ما
قال المعري:
- لقد عجبوا لأهل البيت لما * أروهم علمهم في مسك جفر -
- ومرآة المنجم وهي صغرى * أرته كل عامرة وقفر -
٥ صحيفة الفرائض أو صحيفة كتاب الفرائض أو فرائض علي ع
كما وقع التعبير بذلك كله عنها في الأخبار، ويحتمل أن تكون هي
المراد بكتاب علي الوارد في بعض الأخبار ويحتمل غيره وهذه أيضا كانت
عند الأئمة ع ورآها عندهم ثقات أصحابهم ونقل كثير من
محتوياتها في كتب الشيعة برواية الثقات عن الثقات إلى اليوم. فكانت عند
الباقر ع روى الشيخ أبو جعفر محمد بن يعقوب الكليني في الكافي عن
محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن علي بن حديد عن جميل بن دراج عن
زرارة قال أمر أبو جعفر أبا عبد الله فاقرأني صحيفة الفرائض فرأيت جل ما
فيها على أربعة أسهم. وروى الكليني أيضا عن أبي علي الأشعري عن عمر
ابن أذينة عن محمد بن مسلم قال أقرأني أبو جعفر صحيفة كتاب الفرائض
التي هي املاء رسول الله ص وخط علي ع بيده فإذا فيها أن السهام
لا تعول. وروى الصدوق محمد بن علي بن بابويه باسناده عن ابن أبي عمير
عن ابن أذينة عن محمد بن مسلم قال أقرأني أبو جعفر ع صحيفة
الفرائض التي هي املاء رسول الله ص وخط علي ع بيده فقرأت فيها
الحديث. وروى الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير
وعن محمد بن عيسى عن يونس بن عبد الرحمن جميعا عن عمر بن أذينة عن
محمد بن مسلم قال أقرأني أبو جعفر صحيفة كتاب الفرائض التي هي املاء
رسول الله ص وخط علي بيده فوجدت فيها الحديث. وروى
الكليني عن عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن الحسن بن محبوب عن
علي بن رئاب عن زرارة قال وجدت في صحيفة الفرائض الحديث
وروى الشيخ أبو جعفر الطوسي باسناده عن الحسين بن سعيد عن
القاسم بن محمد وفضالة جميعا عن أبان بن عثمان عن أبي بصير قال قرأ علي
أبو عبد الله فرائض علي ع فإذا فيها الحديث وكانت بعد
الإمام الباقر عند ولده الإمام جعفر الصادق ع. روى الشيخ
أبو جعفر الطوسي باسناده عن علي بن الحسن بن فضال عن علي بن أسباط
عن محمد بن عمران عن زرارة قال أراني أبو عبد الله ع صحيفة الفرائض
فإذا فيها الحديث والظاهر أنها هي الصحيفة التي كانت عند الباقر
ع. روى الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن أبي
أيوب عن محمد بن مسلم قال نشر أبو جعفر ع صحيفة فأول ما تلقاني
فيها: ابن أخ وجد، المال بينهما نصفان إلى أن قال فقال إن هذا
الكتاب بخط علي ع وإملاء رسول الله ص. وروى الكليني أيضا عن محمد
بن يحيى عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن أبي أيوب الخزار
عن محمد بن مسلم قال نظرت إلى صحيفة ينظر فيها أبو جعفر فقرأت فيها
مكتوبا ابن أخ وجد، المال بينهما سواء إلى أن قال فقال أبو جعفر: أما
انه املاء رسول الله ص من فيه وخط علي ع بيده.
٦ كتاب في زكاة النعم رواه عنه ربيعة بن سميع ذكره النجاشي في
أول كتابه فروى بسنده عن ربيعة هذا عن أمير المؤمنين ع أنه كتب له
في صدقات النعم وما يؤخذ من ذلك وذكر الكتاب.
٧ كتاب في أبواب الفقه رواه عنه علي بن أبي رافع وسيأتي ذكره.
٨ كتاب آخر في الفقه رواه عنه محمد بن قيس وسيأتي ذكره أيضا.
٩ عهده للأشتر جامع لأنواع السياسة وكلما يلزم الوالي مذكور في
نهج البلاغة رواه عنه أصبغ بن نباتة كما يأتي في ترجمته.
١٠ وصيته لمحمد بن الحنفية رواها عنه أصبغ بن نباتة كما يأتي في
ترجمته ورواها غيره أيضا بأسانيد متعددة ذكرت في تضاعيف هذا الكتاب.
١١ كتاب عجائب أحكامه رواه عنه أصبغ بن نباتة كما يأتي في
ترجمته، وجمع عبيد الله بن أبي رافع قضاياه ع في كتاب كما يأتي. ومر في
الكلام على صحيفة الفرائض احتمال أن يكون له كتاب قضايا مدون وكان
موجودا في عصر الصادق ع، وكتاب عجائب أحكامه وكتاب قضاياه وان
لم يكونا من تاليفه لكنهما بمنزلته لروايتهما عنه.
وجاء في بعض روايات أهل البيت ع أن كتب علي ع
توارثها الأئمة من ولده وكانت عندهم روى ذلك الصفار في بصائر
الدرجات بسنده عنهم ع استشهد سنة ٤٠ وعمره ٦٣.
أما فاطمة ع فقد تضمنت خطبتاها الطويلتان اللتان خطبت بهما
بعد وفاة أبيها من أحكام الشرع وفلسفة الدين شيئا كثيرا باهرا.
ومصحف فاطمة ع
تكرر ذكره في أخبار أهل البيت ع. فعن الارشاد
والاحتجاج في حديث: كان الصادق ع يقول وإن عندنا الجفر الأحمر
والجفر الأبيض ومصحف فاطمة الحديث.
وروى محمد بن الحسن الصفار في بصائر الدرجات عن أحمد بن محمد
عن علي بن الحكم عن الحسين بن أبي العلاء قال سمعت أبا عبد الله ع
يقول عندي الجفر الأبيض إلى أن قال ومصحف فاطمة ع ما أزعم أن
فيه قرآنا. البصائر: بسنده عن علي بن الحسين عن الصادق ع في
حديث قال: وعندنا مصحف فاطمة، أما والله ما فيه حرف من القرآن
ولكنه املاء رسول الله ص وخط علي ع.
ولا يخفى أنه تكرر نفي أن يكون فيه شئ من القرآن والظاهر أنه
لكون تسميته بمصحف فاطمة يوهم أنه أحد نسخ المصاحف الشريفة فنفى
هذا الايهام وفي بعض الأحاديث أن فيه وصيتها ولعلها أحد محتوياته. ثم
أن بعضها دال على أنه من املاء رسول الله ص وخط علي عليه
السلام.
والظاهر أن مصحف فاطمة هو المراد بكتاب فاطمة الوارد في بعض الأخبار
. روى الكليني في الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن سلمة
ابن الخطاب عن الحسن بن راشد عن علي بن إسماعيل الميثمي عن حبيب
الخثعمي قال كتب أبو جعفر المنصور إلى محمد بن خالد وكان عامله على
المدينة أن يسال أهل المدينة عن الخمسة في الزكاة من المائتين كيف صارت
وزن سبعة ولم يكن هذا على عهد رسول الله ص وأمره أن يسال فيمن
يسال عبد الله بن الحسن وجعفر بن محمد فسال أهل المدينة فقالوا أدركنا
من كان قبلنا على هذا فبعث إلى عبد الله بن الحسن وجعفر بن محمد فسال
عبد الله بن الحسن فقال كما قال المستفتون من أهل المدينة فقال ما تقول يا
أبا عبد الله فقال إن رسول الله ص جعل في كل أربعين أوقية أوقية فإذا
حسبت ذلك كان على وزن سبعة وقد كانت وزن ستة وكانت الدراهم خمسة
(٩٧)

دوانيق قال حبيب فحسبناه فوجدناه كما قال فاقبل إليه عبد الله بن الحسن
فقال من أين أخذت هذا قال قرأت في كتاب أمك فاطمة ثم انصرف فبعث
إليه محمد بن خالد ابعث إلي بكتاب فاطمة فأرسل إليه أبو عبد الله إني إنما
أخبرتك إني قرأته ولم أخبرك أنه عندي قال حبيب فجعل محمد بن خالد
يقول لي ما رأيت مثل هذا قط اه قال المجلسي في رسالته ميزان
المقادير: حاصل السؤال أنه قد كان في عهد النبي ص النصاب
الأول من الفضة مائتي درهم فيه خمسة دراهم والآن النصاب مائتان
وثمانون درهما فيه سبعة دراهم. وحاصل الجواب أن الدرهم كان في
زمانه ص ستة دوانيق فكان النصاب مائتين فيها خمسة
ثم تغير الدرهم فصار خمسة دوانيق فصار النصاب الأول مائتين وأربعين
درهما لأنك إذا أخذت من كل درهم دانقا حصل مائتا دانق فإذا كان كل
درهم خمسة دوانيق بلغت أربعين درهما وفيه ستة دراهم لأنه لما كان الدرهم
ستة دوانيق كان في النصاب الأول خمسة دراهم ثلاثون دانقا فلما صار
الدرهم خمسة دوانيق صارت الثلاثون دانقا ستة دراهم ثم تغير وصار وزن
الدرهم أربعة دوانيق وسبعي دانق أي خمسة أسباع الدرهم الذي كان في
عهده ص فصار النصاب الأول مائتين وثمانين درهما
فيه سبعة دراهم. وهذا الدرهم كان شايعا في عهد المنصور ثم نبههم على
ذلك بالأوقية لأنها كانت مضبوطة لم تتغير عن زمن النبي ص إلى ذلك
الزمان وكان معلوما أنها كانت أربعين درهما في عهد النبي ص وكانت
على وزن ستة وخمسين درهما في زمن المنصور فلما حسبوا ذلك علموا أن
الاختلاف نشا من تغيير الدرهم قوله فإذا حسبت ذلك أي مقدار الأوقية
في زمن النبي ص والآن علمت أن كل خمسة دراهم في زمانه ص
تعادل وزن سبعة اليوم. وقوله وقد كانت
على وزن ستة يعني كانت الخمسة قبل هذا التغيير الأخير ستة لأن الدرهم كان خمسة دوانيق اه
توفيت سنة ١١ وعمرها ١٨.
وجاء بعد علي ولداه الحسنان ع في مدة تقرب من
عشرين سنة من سنة ٤٠ إلى أول سنة ٦١.
فكانا في حرج وضيق من دولة بني أمية. ومع ذلك فقد ألف الحسن
ع في العلم كما يظهر من كلام السيوطي في تدريب الراوي المتقدم أنه
وأباه أول من كتب في العلم وظهر عنهما من علوم الاسلام ونفع المسلمين ما
ساعدهما الوقت على نشره. ولم يكن للحسنين ع حرية القول
في ملك بني أمية العضوض فلذلك قل ما روي عنهما في الفقه وأمور الدين
وقد روي عن الحسن ع كلام في صفة الله تعالى يأتي في سيرته في الجزء
الرابع إن شاء الله. ومر عن تدريب الراوي للسيوطي ما يدل على أن عليا
وابنه الحسن أول من كتب في العلم ومر ذكر القرآن المنسوب إلى خط
الحسن ع الموجود في المكتبة الرضوية. ولقي الفرزدق حين حج بأمه
الحسين ع في مكان يسمى الصفاح أو بستان بني عامر قال: وسألته عن
أشياء من نذور ومناسك فأخبرني بها وحرك راحلته وقال السلام عليك.
وهذا يدلنا على أنهم كانوا محلا لاستفتاء المستفتين ومرجعا في أحكام
الدين.
وكفى من خدمة الحسين لدين جده أنه فداه بنفسه وأهله وأولاده
وعياله لئلا يقضي عليه يزيد الفاسق الفاجر الخمير السكير اللاعب بالقرود
والفهود. فأبان بذلك فضايح بني أمية ومن مهد لهم ونبه الأفكار إلى
معايبهم ومخازيهم ومعاداتهم ووجه الأنظار إلى أهل البيت وفضلهم ومكانتهم
في الاسلام. استشهد الحسن سنة ٥٠ وعمره ٤٧ واستشهد الحسين سنة
٦١ وعمره ٥٦.
واشتغل أئمة أهل البيت بعد الحسنين بالهداية والارشاد ونشر علوم
الدين وإقامة الحجج على التوحيد وأصول الدين وعلى استحقاقهم الإمامة
وبالاحتجاج على الدهرية وعلى مخالفيهم بما أمكنهم فكونوا بذلك سلسلة
دعاية متينة كان لها أثرها النافع وبذلك كثر أتباعهم ومحبوهم والمتشيعون لهم
وانتشروا في أقطار الأرض رغم ما أسسه الأمويون والعباسيون من الدعاية
ضدهم في نحو من ستمائة سنة بل إلى اليوم مع كون الدنيا في يدهم ومع
ذلك لم يستطيعوا محو فضلهم ولا إخماد ذكرهم ولم يزل ذكرهم وفضلهم
ينتشر ويشتهر حتى ملأ أقطار الأرض وكانت الدعوة لهم تشربها القلوب
والأذهان ولا تمجها الطباع والاسماع فإنها موافقة للعقول والأذواق كأصل
الدعوة الاسلامية فان وصفهم واصف بصفات الفضل والكمال كانوا أهلها
ومستحقيها لا يمكن لأحد أن ينازعهم فيها وان فضلهم على سواهم كانت
حجته ظاهرة وأدلته بينة ولم يخالفها إلا مكابر أو معاند لذلك انتشرت الدعوة
لهم في جميع البلدان والشعوب ولم يكن يصدها ولا يقف في طريقها إلا
الخوف وما كانت معاداة الناس لهم إلا حسدا أو خوفا على الملك.
وجاء من بعد الحسين ولده زين العابدين ع فأسدى إلى الاسلام
منافع جلى في مدة تقرب من ٣٥ سنة من سنة ٦١ إلى سنة ٩٥ عاصر فيها
خمسة من ملوك بني أمية يزيد بن معاوية ومعاوية بن يزيد ومروان بن الحكم
وعبد الملك بن مروان والوليد بن عبد الملك بما كان قدوة للمسلمين في زهده
وورعه وعبادته حتى لقب زين العابدين والسجاد وحلمه وجميل صفاته.
وروى عنه فقهاء الاسلام من العلوم ما لا يحصى كثرة وحفظ عنه من
المواعظ والأدعية وفضائل القرآن والحلال والحرام والمغازي والأيام ما هو
مشهور بين العلماء وقلما يوجد كتاب زهد وموعظة لم ينقل فيه عنه.
وقد كان لزين العابدين ع بعض السعة لنشر علومه التي ورثها عن
أبيه عن أجداده عن النبي ص وإن كان في دولة الملك العضوض ملك
بني أمية ألد الأعداء لبني هاشم عامة ولآل علي خاصة إلا أن بني أمية بعد
قتل الحسين ع لما رأوا نقمة الناس عليهم كفوا عن المجاهرة بظلم أهل
البيت شيئا ما ففسح لهم المجال في نشر علومهم، وقد أمنوا أيضا بعض
الأمن من مطالبتهم بالخلافة والخروج عليهم ويدل على ذلك أيضا أن أهل
المدينة وفدوا على يزيد بن معاوية بعد ما بويع بالخلافة وقتل الحسين فبالغ في
إكرامهم لكنهم لما رأوا فسقه وسمعوا عن قبيح أعماله مقتوه ولما عادوا إلى
المدينة قالوا جئناكم من عند أكفر الناس وخرجوا عليه وأخرجوا بني أمية من
المدينة فكانت وقعة الحرة التي بايع مسلم بن عقبة أهل المدينة على أنهم عبيد
رق ليزيد بن معاوية إلا علي بن الحسين فإنه بايعه على أنه اخوه وابن عمه
بوصية من يزيد.
فلذلك كثرت تلاميذ زين العابدين والآخذون عنه في أنواع العلوم
وكانت مدرسته في داره وفي المسجد، وأخذ عنه فقهاء الحجاز وعلماؤه ومن يأتي
من الآفاق للحج ودونوا ما أخذوه عنه ورواه عنهم الناس. وستعرف في
سيرته أنه روى عنه الزهري وسفيان بن عيينة ونافع والأوزاعي ومقاتل
والواقدي ومحمد بن أسحق وروى عنه بالواسطة الطبري وابن البيع وأحمد بن
حنبل وابن بطة وأبو داود وأصحاب الحلية والأغاني وقوت القلوب وشرف
(٩٨)

المصطفى وأسباب النزول والفائق والترغيب والترهيب. ومن
رجاله من الصحابة جابر الأنصاري وأبو الطفيل عامر بن واثلة وسعيد بن المسيب
وغيرهم ومن التابعين سعيد بن جبير وأبو خالد الكابلي وسلمة بن دينار
وغيرهم كثيرون ومن أصحابه يحيى بن أم الطويل وأبو حمزة الثمالي وعلي بن
رافع والسدي والضحاك وطاوس وأبان بن تغلب وسدير الصيرفي وقيس بن
رمانة وغيرهم.
وكان موئلا في حل المشكلات وكشف الكربات، عاقب الزهري وهو
عامل لبني أمية رجلا فمات في العقوبة فخرج هاربا وتوحش فقال له
علي بن الحسين إني أخاف عليك من قنوطك ما لا أخاف عليك من ذنبك
ابعث بدية إلى أهله واخرج إلى أهلك ومعالم دينك فقال فرجت عني يا
سيدي والله أعلم حيث يجعل رسالته. ومن مؤلفاته رسالة الحقوق
جمعت آداب الدين والدنيا. والصحيفة السجادية الباهرة ببلاغتها وسمو
مضامينها ومر ذكر القرآن المنسوب إلى خطه الذي رأيناه في المكتبة
الرضوية، وقال له الزهري تذاكرنا الصوم فاجمع رأينا على أنه ليس من
الصوم بشئ واجب إلا شهر رمضان فقال له ليس كما قلتم الصوم على
أربعين وجها عشرة منها واجبة وعد منها ثمانية. النذر. الاعتكاف. شهر
رمضان. صيام شهرين متتابعين في قتل الخطا. ثلاثة أيام في كفارة
اليمين. حلق الرأس في الاحرام. دم المتعة. جزاء الصيد. رواه أبو
نعيم في الحلية. وتوفي زين العابدين سنة ٩٥ من الهجرة في دولة الوليد بن
عبد الملك وعمره ٥٥.
وجاء بعده ولده محمد الملقب بالباقر لقب بذلك لأنه بقر العلم وعرف
أصله واستنبط فرعه وتوسع فيه وقال ابن حجر في الصواعق أظهر من
مخبات كنوز المعارف وحقائق الاحكام والحكم واللطائف ما لا يخفى إلا على
منطمس البصيرة أو فاسد الطوية والسريرة ومن ثم قيل فيه هو باقر العلم
وجامعه وشاهر علمه ورافعه. وعاصر من ملوك بني أمية خمسة أو ثمانية
الوليد وسليمان ويزيد وهشام أولاد عبد الملك بينهم عمر بن عبد العزيز
وأخذ عنه عظماء المسلمين من الصحابة والتابعين والفقهاء والمصنفين والعلماء
من جميع نحل الاسلام واقتدوا به واتبعوا أقواله واستفادوا من فقهه
وحججه البينات في التوحيد والفقه والكلام وغيرها. وفي مناقب ابن شهرآشوب
: يقال لم يظهر على أحد من ولد الحسن والحسين من العلوم ما ظهر
منه من التفسير والكلام والفتيا والأحكام والحلال والحرام. وفي إرشاد
المفيد: لم يظهر عن أحد من ولد الحسن والحسين من علم الدين والآثار
والسنة وعلم القرآن والسيرة وفنون الآداب ما ظهر عنه وروى عنه معالم الدين
بقايا الصحابة ووجوه التابعين ورؤساء فقهاء المسلمين وصار بالفضل علما
لأهله تضرب به الأمثال وتسير بوصفه الآثار والأشعار ثم ذكر شعر القرطي
وشعر مالك بن أعين فيه الآتي في سيرته، قال ابن شهرآشوب: فمن
الصحابة نحو جابر الأنصاري ومن التابعين نحو جابر الجعفي وكيسان
السختياني صاحب الصوفية. ومن الفقهاء نحو ابن المبارك والزهري
والأوزاعي وأبي حنيفة ومالك والشافعي وزياد بن المنذر النهدي. ومن
المصنفين نحو الطبري والبلاذري والسلامي والخطيب في تواريخهم وفي
الموطأ وشرف المصطفى والإبانة وحلية الأولياء وسنن أبي داود والألكاني
ومسندي أبي حنيفة والمروزي وترغيب الأصفهاني وبسيط الواحدي وتفسير
النقاش والزمخشري ومعرفة أصول الحديث ورسالة السمعاني. وفي حلية
الأولياء: روى عنه من التابعين عمرو بن دينار وعطاء بن أبي رباح وجابر
الجعفي وأبان بن تغلب. وروى عنه في الأئمة والاعلام ليث بن أبي سليم
وابن جريح وحجاج بن أرطاة في آخرين. وقال المفيد في الإختصاص:
أصحاب محمد بن علي ع جابر بن يزيد الجعفي حمران وزرارة
أبنا أعين. عامر بن عبد الله بن
جذاعة. حجر بن زائدة. عبد الله بن شريك العامري. فضيل بن يسار. سلام بن المستنير. بريد بن معاوية
العجلي. الحكيم بن أبي نعيم اه ومن أصحابه الذين اجتمعت
العصابة على أنهم أفقه الأولين: زرارة بن أعين له مصنفات أخذ عن الباقر
وابنه الصادق وابنه الكاظم. ومعروف بن خربوذ أخذ عن الباقر وأبيه زين
العابدين وأبو بصير عبد الله بن محمد الأسدي. والفضيل بن يسار النهدي
اخذ عنه وعن ابنه الصادق. ومحمد بن مسلم الطائفي مؤلف أخذ عنه وعن
ابنه الصادق وكان الصادق يرجع الناس إليه في المسائل. وبريد بن معاوية
العجلي من المؤلفين أخذ عنه وعن ابنه الصادق. ومن أصحابه حمران
بن أعين تابعي وإخوته بكير وعبد الملك وعبد الرحمن. أخذ الأربعة عنه وعن
ابنه الصادق.
وكانت مدرسته بالمدينة في داره وفي المسجد يأتيه فقهاء الحجاز
وعلماؤه فيأخذون عنه ويدونون ما أخذوه ويأتيه الناس من جميع الآفاق من
العراق ومن قم وغيرهما في موسم الحج فيقيمون مدة في المدينة ويأخذون
عنه ويسألونه عما أشكل عليهم وإذا عادوا إلى بلادهم حدثوا عنه بما سمعوه
منه ودونوه وكانوا في بحر السنة يحفظون ما أشكل عليهم فإذا وردوا المدينة
سالوه عما حفظوه من المسائل ومن لم يحج أوصى من يحج أن يسال له عما
أشكل عليه.
وكان علماء الصحابة يستفتونه ويرجعون إليه. أخرج أبو نعيم في
الحيلة ان رجلا سال ابن عمر عن مسالة فلم يدر ما يجيبه فقال اذهب إلى
ذلك الغلام وأشار إلى الباقر فسله وأعلمني بما يجيبك فسأله وأجابه فأخبر
ابن عمر فقال إنهم أهل بيت مفهمون.
وأخرج أبو نعيم في الحلية أيضا عن مالك بن عطاء المكي: ما رأيت
العلماء عند أحد قط أصغر منهم عند أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين
ولقد رأيت الحكم بن عتيبة مع جلالته في القوم وكان عالما نبيلا جليلا في
زمانه بين يديه كأنه صبي بين يدي معلمه. وفي رواية كأنه عصفور
مغلوب وقد قال عنه أبو زرعة الرازي من أعاظم علماء السنة: لعمري
إن أبا جعفر لمن أكبر العلماء وإنهم أهل الذكر. وقال محمد بن مسلم
الثقفي الطائفي سألته عن ثلاثين ألف حديث حكاه ابن شهرآشوب في
المناقب. وقال جابر الجعفي حدثني أبو جعفر سبعين ألف حديث رواه
المفيد في الإختصاص بسنده عن جابر وقد رجع إلى قوله ابن أبي ليلى
القاضي لما اختصم إليه في الجارية التي ليس على ركبها شعر بان ذلك عيب
لأن العيب كلما زاد في الخلقة أو نقص وهو الذي أشار على عبد الملك بن
مروان بضرب الدراهم والدنانير في الاسلام لما أحرجه ملك الروم في خبر
رواه البيهقي في المحاسن والمساوي ويأتي مفصلا في سيرته وحاصله ان
القراطيس كانت للروم وكانت تعمل بمصر وتطرز بالرومية أبا وابنا وروحا
قديسا فلما كان زمن عبد الملك رأى الطراز فأنكره فامر ان تطرز بسورة
التوحيد والشهادة بالوحدانية فبلغ ذلك ملك الروم فغضب وبعث إلى عبد
الملك لتأمرن برد الطراز إلى ما كان أو لآمرن بنقش الدراهم والدنانير بشتم
نبيك وكانت لا تنقش إلا ببلاد الروم فعظم ذلك على عبد الملك واستشار
(٩٩)

الناس فلم يكن عندهم مخرج فقال له روح بن زنباع إنك لتعلم الرأي
والمخرج قال من؟. قال الباقر من أهل بيت النبي ص فاستحضره فقال
لا يعظمن هذا عليك وأشار عليه بضرب الدراهم والدنانير وبين له كيفيته
فعمل به ودفع الله عن الاسلام والمسلمين بذلك شرا عظيما. ومن مؤلفاته
تفسير القرآن ذكره ابن النديم كما سيأتي سنة وفاته ١١٤ وعمره
٥٧.
وجاء بعده ولده جعفر الصادق وعاصر خمسة من ملوك بني أمية
هشام بن عبد الملك والوليد بن يزيد بن عبد الملك ويزيد بن الوليد بن عبد
الملك الملقب بالناقص وإبراهيم بن الوليد ومروان بن محمد الحمار واثنين
من ملوك بني العباس السفاح والمنصور فحدث في فنون الاسلام ونشر علمه
بشئ من الحرية وروى عنه العلماء كثيرا وألفوا الكتب الجمة من مروياتهم
عنه وذلك لأن حرية الرأي وإظهار المذهب كانت تختلف باختلاف الأوقات
فقبل خلافة أمير المؤمنين ع لم يكن لاظهار التشيع كما الحرية وفي خلافته
صار لذلك نوع حرية ودعاية فيما عدا الشام ولا سيما في الكوفة وبعد
شهادته إلى آخر عصر بني مروان اشتد الامر والخوف على الشيعة ولكنهم لم
يتعرضوا لزين العابدين وابنه الباقر بأذى ظاهر فكان لهما بعض الفسحة في
نشر علمهما ولا سيما في عصر الباقر وأما في عصر الصادق فكان ذلك العصر
آخر دولة بني أمية في حين ضعفها وأول دولة بني العباس التي هي دولة
هاشمية فتمكن من نشر علومه لا سيما إنه لم يظهر منه تعرض لطلب ملك
أو معارضة أحد في ملكه وكان الامر أخف وطأة في دولة السفاح وشئ من
دولة المنصور. ثم رام المنصور أن يناله بأذى لما رأى ميل الناس إليه
وظهور فضله في الكافة مع الوشاية عليه فطلبه مرارا إلى بغداد ورام إيقاع
مكروه به فدفعه الله عنه. وقال له المنصور يوما وقد آذاه الذباب لم خلق
الله الذباب يا أبا عبد الله قال ليذل به الجبابرة فسكت المنصور
وبالجملة: كان عصره أقل عصور أهل بيته خوفا فكثرت الرواة
والمصنفون في الحديث من الشيعة في زمانه أكثر من زمان أبيه ولم يرو عن
أحد من أهل بيته ما روي عنه حتى قال الحسن بن علي الوشاء من أصحاب
الرضي ع أدركت في هذا المسجد يعني مسجد الكوفة تسعمائة شيخ
كل يقول حدثني جعفر بن محمد. هذا ما أدركه راو واحد في عصر متأخر
وروى عنه راو واحد وهو أبان بن تغلب ثلاثين ألف حديث. وأفرد الحافظ
أبو العباس أحمد بن عقدة الزيدي الكوفي كتابا فيمن روى عنه ع جمع فيه
أربعة آلاف إنسان وذكر مصنفاتهم ولم يذكر جميع من روى عنه ويدل كلام
المفيد في الإرشاد على أن هذه أسماء الثقات منهم خاصة حيث قال عند ذكر
الصادق ع: ونقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان وانتشر
ذكره في البلاد ولم ينقل العلماء عن أحد من أهل بيته ما نقل عنه فإن
أصحاب الحديث نقلوا أسماء الرواة عنه الثقات على اختلافهم في الآراء
والمقالات فكانوا أربعة آلاف رجل اه. وأحصاهم الشيخ أبو جعفر
محمد بن الحسن الطوسي أربعة آلاف في باب أصحاب الصادق ع من
كتاب رجاله أي قال إنهم أربعة آلاف لا إنه ذكر أسماء أربعة آلاف في باب
أصحاب الصادق ع من كتاب رجاله أي قال إنهم أربعة آلاف لا إنه ذكر
أسماء أربعة آلاف رجل، منهم في كتابه. وقال الطبرسي في إعلام
الورى: قد تظافر النقل بان الذين رووا عن أبي عبد الله جعفر بن محمد
الصادق ع من مشهوري أهل العلم أربعة آلاف انسان. وقال المحقق
في المعتبر: انتشر عن جعفر بن محمد من العلوم الجمة ما بهر به العقول
وروى عنه ما يقارب أربعة آلاف رجل وبرز بتعليمه من الفقهاء الأفاضل
جم غفير كزرارة بن أعين وأخويه بكير وحمران وجميل بن
صالح وجميل بن دراج ومحمد بن مسلم وبريد بن معاوية والهشامين وأبي بصير وعبيد الله
ومحمد وعمران الحلبيين وعبد الله بن سنان وأبي الصباح الكناني وغيرهم من
أعيان الفضلاء اه. وفي الذكرى: دون من رجاله المعروفين أربعة
آلاف رجل من أهل العراق والحجاز وخراسان والشام اه. والمراد انها
دونت أسماؤهم في كتب الرجال وقال المحقق في المعتبر كما يأتي: كتب من
أجوبة مسائله أربعمائة مصنف لأربعمائة مصنف سموها أصولا. وكانت
مدرسته في داره بالمدينة وفي المسجد وأينما وجد وكان من يرد المدينة من
الآفاق في الموسم وغيره يسأله ويأخذ عنه ويهئ له المسائل إلى أن يتهيأ له
الوصول إليه. وأثر عنه في علم الكلام الشئ الكثير وروى عنه المفضل بن
عمر كتابا يعرف بتوحيد المفضل هو أجود كتاب في رد الدهرية توفي سنة
١٤٨ وعمره ٦٨.
وجاء بعده ولده الإمام موسى بن جعفر الكاظم. عاصر أربعة
من ملوك بني العباس المنصور والمهدي والهادي والرشيد وكانت أيامه أيام
شدة وضيق وبلاء ولا سيما في عهد هارون الملقب بالرشيد فلذلك كانت
الرواية عنه أقل من أبيه الصادق ومع ذلك فقد روى عنه الناس فأكثروا
وروى عنه من علوم الدين الشئ الكثير وكان أفقه أهل زمانه وأجلهم
وروى عنه العلماء في فنون العلم من علم الدين وغيره ما دون وملأ بطون
الدفاتر وألفوا في ذلك المؤلفات الكثيرة وكان يعرف بين الرواة بالعالم. وفي
مناقب ابن شهرآشوب: بابه المفضل بن عمر الجعفي ومن ثقاته حسن بن
علي بن فضال الكوفي مولى لتيم الرباب وعثمان بن عيسى وداود بن كثير
الرقي مولى بني أسد وعلي بن جعفر الصادق. ومن خواص أصحابه علي بن
يقطين مولى بني أسد وأبو الصلت عبد السلام بن صالح الهروي
وإسماعيل بن مهران و علي بن مهزيار من قرى فارس ثم سكن الأهواز
والريان بن الصلت الخراساني وأحمد بن محمد الحلبي وموسى بن بكير
الواسطي وإبراهيم بن أبي البلاد الكوفي وفي المناقب أيضا عن اختيار
الرجال للطوسي: إنه اجتمع أصحابنا على تصديق ستة نفر من فقهاء
الكاظم والرضا ع وهم يونس بن عبد الرحمن وصفوان بن يحيى
بياع السابري ومحمد بن أبي عمير وعبد الله بن المغيرة والحسن بن محبوب
السراد وأحمد بن محمد بن أبي نصر. وفي المناقب أيضا: أخذ عنه العلماء ما
لا يحصى كثرة وذكر عنه الخطيب في تاريخ بغداد والسمعاني في الرسالة
القوامية وأبو صالح أحمد المؤذن في الأربعين وأبو عبد الله بن بطة في الإبانة
والثعلبي في الكشف والبيان. وكان أحمد بن حنبل إذا روى عنه قال حدثني
موسى بن جعفر حدثني أبي جعفر بن محمد حدثني أبي محمد بن علي حدثني
أبي علي بن الحسين حدثني أبي الحسين بن علي حدثني أبي علي بن أبي طالب
قال قال رسول الله ص ثم قال أحمد وهذا إسناد لو قرئ على المجنون
لأفاق اه.
وكانت مدرسته في داره بالمدينة وفي المسجد كما كان آباؤه عليه
وعليهم السلام وكانت ترد إليه المسائل وهو في السجن ببغداد فيجيب عنها.
ومن مؤلفاته وصيته لهشام بن الحكم وصفته للعقل وهي وصية طويلة
اوردها الحسن بن علي بن شعبة في تحف العقول. وقال له الإمام أبو حنيفة
بالمدينة في حياة أبيه وهو غلام يا غلام ممن المعصية فقال لا تخلو من إحدى
ثلاث أما أن تكون من الله وليست منه فلا ينبغي للرب أن يعذب العبد
(١٠٠)

على ما لا يرتكب، واما أن تكون منه ومن العبد وليست كذلك فلا
ينبغي للشريك القوي ان يظلم الشريك الضعيف واما أن تكون من العبد
وهي منه فان عفا فبكرمه وجوده وإن عاقب فبذنب العبد وجريرته. ولما
حج الرشيد وجاء لزيارة قبر رسول الله ص تقدم إلى القبر الشريف وقال
السلام عليك يا ابن عم مدلا بذلك فدنا موسى بن جعفر وقال السلام
عليك يا أبة فتغير وجه الرشيد وقال هذا الفخر يا أبا الحسن حقا، رواه
الخطيب في تاريخ بغداد. وقال له الرشيد لم جوزتم ان ينسبكم الناس إلى
رسول الله وأنتم بنو علي فقال يا أمير المؤمنين لو إن النبي نشر فخطب إليك
كريمتك هل كنت تجيبه فقال سبحان الله ولم لا أجيبه بل أفتخر على العرب
والعجم وقريش بذلك فقلت لكنه لا يخطب إلى ولا أزوجه قال ولم قلت
لأنه ولدني ولم يلدك قال أحسنت. ولما رأى الرشيد علمه وفضله وتعظيم
الناس له خافه على ملكه فحبسه ببغداد أربع سنين أو سبع سنين ثم قتله
بالسم وكتب إلى الرشيد من الحبس إنه لن ينقضي عنك معه يوم من الرخاء
حتى نفضي جميعا إلى يوم ليس له انقضاء. توفي سنة ١٨٣ وعمره
٥٥.
وجاء بعده ولده الإمام علي بن موسى الرضا ع عاصر ثلاثة
من ملوك بني العباس الرشيد والأمين والمأمون وكانت أيامه فيها شئ من
الحرية لما كان من ميل المأمون إليه ومعرفته بفضله وكان أعلم أهل زمانه
وأفقههم وأجلهم وروى عنه العلماء من أنواع العلوم الشئ الكثير وأودعوه
في مؤلفاتهم قال إبراهيم بن العباس الصولي ما رأيت الرضا سئل عن شئ
إلا علمه ولا رأيت أعلم منه بما كان في الزمان إلى عصره وكان المأمون
يمتحنه بالسؤال عن كل شئ فيجيب عنه وكان جوابه كله وتمثله انتزاعات
من القرآن المجيد وقال أيضا ما رأيت ولا سمعت بأحد أفضل من أبي
الحسن الرضا فمن زعم إنه رأى مثله في فضله فلا تصدقوه وقال ابن ماجة
كان سيد بني هاشم وكان المأمون يعظمه ويجله وعهد له بالخلافة وأخذ له
العهد وقال الحاكم في تاريخ نيسابور كان يفتي في مسجد رسول الله
ص وهو ابن نيف وعشرين سنة وقال رجاء بن أبي الضحاك الذي بعثه
المأمون لأشخاص الرضا كان لا ينزل بلدا إلا قصده الناس يستفتونه في
معالم دينهم فيجيبهم ويحدثهم الكثير عن أبيه عن آبائه عن علي ع
عن رسول الله ص فلما وردت به على المأمون سألني عن حاله في طريقه
فأخبرته فقال هذا خير أهل الأرض وأعلمهم. وفي إعلام الورى عن أبي
الصلت الهروي: ما رأيت أعلم من علي بن موسى الرضا ولا رآه عالم إلا
شهد له بمثل شهادتي ولقد جمع المأمون في مجلس له عددا من علماء الأديان
وفقهاء الشريعة والمتكلمين فغلبهم عن آخرهم حتى ما بقي منهم أحد إلا
أقر له بالفضل وأقر على نفسه بالقصور ولقد سمعته يقول كنت أجلس في
الروضة والعلماء بالمدينة متوافرون فإذا أعيا الواحد منهم عن مسالة أشاروا
إلي بأجمعهم وبعثوا إلي المسائل فأجبت عنها. وفي مناقب ابن شهرآشوب
عن كتاب الجلاء والشفاء عن محمد بن عيسى اليقطيني جمعت من مسائل
أبي الحسن الرضا مما سئل عنه وأجاب فيه ثمانية عشر ألف مسالة أو خمسة
عشر ألف مسالة وفي المناقب عن عيون أخبار الرضا إن المأمون جمع علماء
سائر الملل مثل الجاثليق ورأس الجالوت ورؤساء الصابئين منهم عمران
الصابي والهربذ الأكبر وأصحاب زردشت ونطاس الرومي والمتكلمين منهم
سليمان المروزي ثم أحضر الرضا فسألوه فقطع الرضا واحدا بعد واحد
وكان المأمون أعلم خلفاء بني العباس ومع ذلك انقاد له اضطرارا حتى
جعله ولي عهده وزوجه ابنته. في مناقب ابن شهرآشوب روى عنه جماعة
من المصنفين منهم أبو بكر الخطيب في تاريخه والثعلبي في تفسيره والسمعاني
في رسالته ومن ثقاته أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي ومحمد بن الفضيل
الكوفي الأزدي وعبد الله بن جندب البجلي وإسماعيل بن سعد الأحوص
الأشعري. وأحمد بن محمد الأشعري ومن أصحابه الحسن بن علي الخزار
ويعرف بالوشا ومحمد بن سليمان الديلمي بصري وعلي بن الحكم الأنباري
وعبد الله بن مبارك النهاوندي وحماد بن عثمان الناب وسعد بن سعد
والحسن بن سعيد الأهوازي ومحمد بن الفضل الرجحي وخلف البصري
ومحمد بن سنان وبكر بن محمد الأزدي وإبراهيم بن محمد الهمداني ومحمد بن
أحمد بن غيلان وإسحاق بن معاوية الخصيبي. وعن معالم العترة للجنابذي
روى عنه عبد السلام بن صالح الهروي وعبد الله بن العباس القزويني
وطبقتهم وفي تهذيب التهذيب روى عنه ابنه محمد وأبو عثمان المازني النحوي
وعلي بن علي الدعبلي وأيوب بن منصور النيسابوري والمأمون بن الرشيد
وعلي بن مهدي بن صدقة له عنه نسخة وأبو أحمد داود بن سليمان بن
يوسف والقاري القزويني له عنه نسخة وعامر بن سليمان الطائي له عنه نسخة
كبيرة وأبو جعفر محمد بن محمد بن حبان التمار وآخرون وقال الحاكم في
تاريخ نيسابور روى عنه من أئمة الحديث آدم بن أبي أياس ونصر بن علي
الجهضمي ومحمد بن رافع القشيري وغيرهم.
ويكفي في جلالة قدره وعظم شانه بين العلماء أن الحديث المسمى
بحديث سلسلة الذهب الذي رواه عن أبيه عن أجداده عن رسول الله
ص استملاه منه أهل الدوي والمحابر ما يزيد على عشرين ألفا وفي
رواية عد من المحابر أربعة وعشرون ألفا سوى الدوي، والمحبرة هي
الدواة الكبيرة وصاحبها لا يكون إلا عالما كبيرا، والدوي جمع دواة
وصاحبها أقل درجة من صاحب المحبرة وذلك حينما مر بنيسابور في سفره
إلى المأمون وهو في قبة مستورة بالسقلاط على بغلة شهباء وقد شق نيسابور
فعرض له الإمامان أبو زرعة الرازي ومحمد بن أسلم الطوسي وهما من
أجلاء علماء أهل السنة ورواتهم ومعهما خلائق لا يحصون من طلبة العلم
وأهل الحديث فقالا أيها السيد الجليل ابن السادة الأئمة بحق آبائك
الأطهرين إلا ما أريتنا وجهك الميمون المبارك ورويت لنا حديثا عن آبائك
عن جدك محمد ص نذكرك به فاستوقف البغلة وأمر غلمانه بكشف
المظلة عن القبة والناس كلهم قيام على طبقاتهم ينظرون إليه وهم ما بين
صارخ وباك ومتمرع في التراب ومقبل لحافر بغلته وعلا الضجيج فصاحت
الأئمة والعلماء والفقهاء أيها الناس اسمعوا وعوا وانصتوا لسماع ما ينفعكم
ولا تؤذونا بكثرة صراخكم وبكائكم وكان المستملي أبو زرعة ومحمد بن
أسلم وكان من جملة الحاضرين محمد بن رافع وأحمد بن الحار ث ويحيى
وإسحاق بن راهويه وهم أيضا من أجلة علماء أهل السنة ورواتهم وقد ذكرنا
هذا الحديث وما يتعلق به ومن أورده مفصلا في سيرة الرضا ع من هذا
الكتاب.
وسئل عن رجل أعتق كل مملوك قديم فقال يعتق من مضى له في
ملكه ستة أشهر لقوله تعالى والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون
القديم وبين العرجون القديم والحديث ستة أشهر.
وسأله الفضل بن سهل في مجلس المأمون: الناس مجبرون فقال: الله
أعدل من أن يجبر ثم يعذب قال فمطلقون؟ قال الله أحكم من أن يهمل
عبده ويكله إلى نفسه.
(١٠١)

وسئل أ يكلف الله العباد ما لا يطيقون قال هو أعدل من ذلك قال
يستطيعون أن يفعلوا ما يريدون قال هم أعجز من ذلك.
ورأى المأمون يوما يتوضأ والغلام يصب على يده الماء فقال يا أمير
المؤمنين لا تشرك بعبادة ربك أحدا فصرف الغلام.
وسأله المأمون عن جملة من الآيات المشكلة فأجاب عنها وفسرها
أحسن تفسير كما ذكرناه في سيرته من هذا الكتاب.
وقال له المأمون ما مضمونه بم فضلتم علينا والطينة واحدة فقال
أ رأيت لو كان رسول الله ص حيا وخطب إليك ابنتك أ كنت مزوجه إياها
فقال ومن يرغب بنفسه عن رسول الله نعم كنت أزوجه وافتخر بذلك على
جميع الناس فقال أما أنا فلا يخطب إلي ولا أزوجه فسكت المأمون ومر نظيره
عن أبيه الكاظم مع الرشيد.
وأثرت عنه مؤلفات كثيرة في علوم الدين وفي الطب رواها عنه أكابر
العلماء بأسانيدهم المتصلة أشرنا إليها في سيرته منها الرسالة الذهبية
والصحيفة الرضوية وكتاب الإهليلجة ونسب إليه الفقه الرضوي وذكرنا
الخلاف في صحة نسبته هناك. وروي عنه كثير من المواعظ والحكم
والأدعية توفي سنة ٢٠٣ وعمره ٤٨.
وجاء بعده ولده محمد الجواد عاصر اثنين من ملوك بني العباس
المأمون وأخاه المعتصم وكانت أيامه فيها نوع من الحرية كأيام أبيه لكونه كان
في زمن المأمون والمعتصم وكان فيهما لين على آل أبي طالب لكنه لم تطل
أيامه. وكان أعلم أهل زمانه وأفقههم وأفضلهم وأجلهم. ومع قصر مدته
فقد روي عنه من أنواع العلوم وأجوبة المسائل المشكلة الشئ الكثير ومنها
ما كان في مجالسه مع يحيى بن أكثم. وروي عنه من المواعظ والحكم
والآداب والأدعية الشئ الكثير. وقد شغف به المأمون لما رأى من فضله
فزوجه ابنته. وكان بابه عثمان بن سعيد السمان ومن ثقاته أيوب بن
نوح بن دراج الكوفي وجعفر بن محمد بن يونس الأحول والحسين بن
مسلم بن الحسن والمختار بن زياد العبدي البصري ومحمد بن الحسين بن
أبي الخطاب الكوفي. ومن أصحابه شاذان بن الخليل النيسابوري ونوح بن
شعيب البغدادي ومحمد بن أحمد المحمودي وأبو يحيى الجرجاني وأبو القاسم
إدريس القمي وعلي بن محمد وهارون بن الحسن بن محبوب وإسحاق بن
إسماعيل النيسابوري وأبو حامد أحمد بن إبراهيم المراغي وأبو علي بن بلال
وعبد الله بن محمد الحصيني ومحمد بن الحسن بن شمون البشري. وروى
عنه المصنفون نحو أبي بكر أحمد بن منده في كتابه.
واختلف الفقهاء بحضرة المعتصم في قطع يد السارق من أي موضع
يكون فقال القاضي أحمد بن أبي داود من الكرسوع وهو طرف الزند وقال
بعضهم من المرفق فسال الجواد عن ذلك فقال إنهم أخطأوا فيه السنة ويجب
أن يكون القطع من مفصل أصول الأصابع فقال له المعتصم وما الحجة في
ذلك قال قول رسول الله ص: السجود على سبعة أعضاء وعد منها
اليدين والله يقول وأن المساجد لله وما كان لله لم يقطع فاعجب المعتصم
ذلك وأمر بقطع يد السارق من مفصل الأصابع توفي سنة ٢٢٠ وعمره
٢٥.
وجاء بعده ولده علي الهادي. وعاصر ستة من ملوك بني العباس
المعتصم والواثق والمتوكل والمستنصر والمستعين والمعتز وكانت أيامه أيام عسر
وشدة وضيق منهم وسعي به إلى المتوكل فأحضره إلى سامرا وأبقاه فيها خوفا
على ملكه منه لما رأى ميل الناس إليه لفضله وعلمه وكان المتوكل شديدا على
آل أبي طالب. وكان الهادي أفضل أهل زمانه وأعلمهم. وقد روي عنه في
تنزيه الباري وتوحيده وفي أجوبة المسائل والحكم والآداب والمواعظ والأدعية
وأنواع العلوم الشئ الكثير.
وكان بابه محمد بن عثمان العمري ومن ثقاته أحمد بن حمزة بن اليسع
وصالح بن محمد الهمداني ومحمد بن جوك الجمال ويعقوب بن يزيد الكاتب
وأبو الحسن بن هلال وإبراهيم بن إسحاق وخيران الخادم والنضر بن محمد
الهمداني. ومن وكلائه جعفر بن سهيل الصيقل. ومن أصحابه داود بن
زيد وأبو سليمان زنكان والحسين بن محمد المدائني وأحمد بن إسماعيل بن
يقطين وبشر بن بشار النيسابوري الشاذاني وسليم بن جعفر المروزي
والفتح بن يزيد الجرجاني ومحمد بن سعيد بن كلثوم وكان متكلما ومعاوية بن
حكيم الكوفي وعلي بن معد بن معبد البغدادي وأبو الحسن بن رجاء
العبرتائي.
ونذر المتوكل أن يتصدق بمال كثير فسال الفقهاء فاختلفوا فقال
بعضهم ألف درهم وقال بعضهم عشرة آلاف وقال بعضهم مائة ألف
فأرسل حاجبه فسال الهادي ع فقال يتصدق بثمانين درهما فسأله عن العلة
فقال قوله تعالى لقد نصركم الله في مواطن كثيرة فعددناها فكانت
ثمانين.
وسال يحيى بن أكثم عن مسائل فعرضت على الهادي ع فأجاب
عنها. سال عن قوله تعالى قال الذي عنده علم من الكتاب انا آتيك به
قبل أن يرتد إليك طرفك نبي الله كان محتاجا إلى علم آصف.
فأجاب لم يعجز سليمان عن معرفة ما عرف آصف ولكنه أحب
أن يعرف أمته أنه الحجة من بعده.
وسال عن قوله ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا كيف
سجد يعقوب وهو نبي وولده ليوسف وهو نبي ولا يجوز السجود لغير الله.
فأجاب إن السجود لم يكن ليوسف وإنما كان شكرا وطاعة لله
ومحبة ليوسف كما أن السجود من الملائكة لم يكن لآدم وإنما كان طاعة لله
ومحبة لآدم، أي وخروا سجدا لله لأجل يوسف، وقعوا ساجدين لله لأجل
آدم.
وعن قوله فان كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسال الذين يقرؤون
الكتاب والنبي لا يشك.
وأجاب بان المخاطب الرسول والمقصود الجهلة حيث قالوا كيف لم
يبعث الله نبيا من الملائكة.
وألف رسالة في الرد على أهل الجبر والتفويض وله أجوبة يحيى بن
أكثم وقطعة في أحكام الدين رويت كلها عنه بالأسانيد المتصلة توفي سنة
٢٥٤ وعمره ٤٠.
وجاء بعده ولده الحسن العسكري عاصر ثلاثة من ملوك بني العباس
المعتز والمهتدي والمعتمد وكانت أيامه أيام شدة وضيق وخوف ومع ذلك أخذ
عنه من العلوم الشئ الكثير. قال أحمد بن عبيد الله بن خاقان وكان عامل
الخراج بكورة قم وكان شديد النصب والانحراف عن أهل البيت كما يأتي
(١٠٢)

في سيرة العسكري: ما رأيت ولا عرفت بسر من رأى رجلا من العلوية
مثل الحسن بن علي بن محمد بن الرضا ولا سمعت به في هديه وسكونه
وعفافه ونبله وكرمه عند أهل بيته والسلطان وجميع بني هاشم وتقديمهم إياه
على ذوي السن منهم والخطر وكذلك القواد والوزراء والكتاب وعوام الناس
وما سالت عنه أحدا من بني هاشم والقواد والكتاب والقضاة والفقهاء وسائر
الناس إلا وجدته عندهم في غاية الاجلال والاعظام والمحل الرفيع والقول
الجميل والتقديم له على أهل بيته ومشايخه وغيرهم ولم أر له وليا ولا عدوا
إلا وهو يحسن القول فيه والثناء عليه.
وقال أبوه عبيد الله بن خاقان من وزراء المعتمد: لو زالت الخلافة
عن خلفاء بني العباس ما استحقها أحد من بني هاشم غيره في فضله وعفافه
وهديه وصيانة نفسه وزهده وعبادته وجميل أخلاقه وصلاحه والفضل ما
شهدت به الأعداء.
وقد روي عنه من أنواع العلوم ومن المواعظ والحكم والآداب وغيرها
ما ملأ بطون الدفاتر ونسب إليه كتاب في تفسير القرآن وله رسالة المنقبة
وغيرها كما يأتي في سيرته.
وفي مناقب ابن شهرآشوب عن كتاب التبديل ما حاصله إن أسحق
الكندي فيلسوف العراق في زمانه أخذ في تاليف تناقض القرآن فقال الإمام الحسن
العسكري لبعض تلاميذه قل له حضرتني مسالة أسألك عنها: إن
هذا المتكلم بهذا القرآن هل يجوز أن يكون مراده بما تكلم به غير المعاني التي
قد ظننت أنك ذهبت إليها فسيقول لك إنه من الجائز لأنه رجل يفهم فقل
له فما يدريك لعله قد أراد غير الذي ذهبت أنت إليه فقال له التلميذ ذلك
فقال أعد علي فأعاد عليه ففكر في نفسه ورأى ذلك محتملا في اللغة فقال
أقسمت عليك من أين لك هذا قال شئ عرض بقلبي قال كلا ما مثلك
من اهتدى لهذا فعرفني من أين لك هذا فقال أمرني به أبو محمد فقال الآن
جئت به وما كان ليخرج مثل هذا إلا من ذلك البيت وأحرق جميع ما كان
ألفه.
وروى عنه عدة من العلماء والثقات ففي أنساب السمعاني أن أبا
محمد أحمد بن إبراهيم بن هاشم الطوسي البلاذري الحافظ الواعظ كتب
بمكة عن إمام أهل البيت أبي محمد الحسن بن علي بن محمد بن علي بن
موسى الرضا. وفي مناقب ابن شهرآشوب من ثقاته علي بن جعفر قيم لأبي
الحسن وأبو هاشم داود بن القاسم الجعفري وداود بن أبي يزيد النيسابوري
ومحمد بن علي بن بلال وعبد الله بن جعفر الحميري القمي وأبو عمرو
عثمان بن سعيد العمري وإسحاق بن الربيع الكوفي وأبو القاسم جابر بن
يزيد الفارسي وإبراهيم بن عبيد الله بن إبراهيم النيسابوري. ومن وكلائه
محمد بن أحمد بن جعفر وجعفر بن سهيل الصيقل ومن أصحابه محمد بن
الحسن الصفار وعبدوس العطار وسندي بن النيسابوري وأبو طالب
الحسن بن جعفر الفأفاء. وأبو البختري مؤدب ولد الحجاج وبابه الحسين
ابن روح النوبختي. وجاء بعده ولده محمد بن الحسن الملقب بالمهدي،
وكانت تخرج توقيعاته في مشكلات المسائل. ولد سنة ٢٥٥.
وألف أصحاب الأئمة والراوون عنهم من عهد أمير المؤمنين علي ع
إلى عهد أبي محمد الحسن العسكري ع وذلك نحو ٢٥٠ سنة في علوم
الدين ما يزيد عن ٦٦٠٠ كتاب. وامتاز من بينها ٤٠٠ كتاب عرفت
بالأصول الأربعمائة وهي مروية عن جعفر الصادق خاصة يأتي الكلام عليها
عند الكلام على مؤلفات الشيعة في الفقه والحديث.
ما أثر عن أئمة أهل البيت في الحكم والمواعظ والآداب والدعاء.
وقد أثر عن الأئمة الاثني عشر من الحكم والمواعظ والآداب والنصائح
والخطب الشئ الكثير حتى أفرد بالتأليف فجمعه الكليني في جزء من كتابه
الكافي سماه الروضة وجمع الحسن بن علي بن شعبة الحلبي من ذلك كتابا
سماه تحف العقول وجمع المجلسي ما جاء عنهم من ذلك في جزء من كتابه
البحار إلى غير ذلك وأثر عنهم من صنوف الأدعية والمناجاة الشئ الكثير
الغزير ودون وجمع.
ما أثر عن أئمة أهل البيت في أصول الفقه
وقد أثر عن أئمة أهل البيت من الباقر إلى الحسن العسكري أكثر
قواعد أصول الفقه. قال السيوطي في الأوائل: أول من صنف في أصول
الفقه الإمام الشافعي رحمه الله اه بل أول من فتح باب أصول الفقه
قبل الإمام الشافعي وبين أصول مسائله هو الإمام محمد بن علي الباقر وابنه
الإمام جعفر بن محمد الصادق ع فبينا لأصحابهما مهمات مسائله
ثم بعدهما الإمام موسى بن جعفر الكاظم وابنه الإمام علي الرضا ع
ثم الإمامان الهادي والعسكري كما يأتي بيان ذلك كله وقد تقدم في
ذلك أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع فذكر أن في القرآن الناسخ
والمنسوخ والمحكم والمتشابه والعام والخاص وأنواعا كثيرة إلى تمام ستين نوعا
من علوم القرآن كما مر في أوائل هذا البحث وهذه هي عمدة مباحث هذا
الفن. وقد جمع الشيخ محمد بن الحسن بن الحر العاملي صاحب الوسائل
كتابا في القواعد الكلية المروية عن أئمة أهل البيت ع أصولية
كانت أو فقهية سماه الفصول المهمة في أصول الأئمة. وجمع السيد هاشم
ابن زين العابدين الموسوي الخوانساري الأصفهاني كتاب أصول آل الرسول
الأصلية رتبه على ترتيب كتب الأصول الموجودة اليوم. وجمع السيد عبد الله
الشبري كتاب الأصول الأصلية من هذا القبيل وكلها بالروايات المسندة عن
أئمة أهل البيت ع.
وجمع ملا محسن الكاشي كتابا سماه الأصول الأصلية المستفادة من
الكتاب والسنة. وهذه الأصول المشار إليها أمثال: كل شئ مطلق حتى
يرد فيه نهي، كلما غلب الله عليه من أمره فالله أعذر لعبده. كل شئ أمر
الناس به فهم يسعون له وكل شئ لا يسعون له فهو موضوع عنهم. كل
مجهول ففيه القرعة. كل طلاق لا يكون على السنة فليس بشئ. كل
يابس ذكي. كل شئ طاهر حتى تعلم أنه نجس الماء كله طاهر حتى تعلم
أنه قذر، كل ما ليس له دم فميتته طاهرة. كل شئ يجتر فسؤره حلال
ولعابه حلال كل ما كان فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام
منه بعينه فتدعه. كل ما اسكر كثيره فقليله حرام كل مسكر خمر. الحج
عرفة، ما على الأمين إلا اليمين. وغير ذلك مما يوجد في طي كتب الفقه.
فمما ورد عن الصادق ع
في الاجتهاد
ما رواه الكليني عن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن محمد بن
عيسى عن صفوان بن يحيى عن داود بن الحصين عن عمر بن حنظلة
(١٠٣)

قال: سألت أبا عبد الله ع عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة
في دين أو ميراث فقال ينظران إلى من كان منكم قد روى حديثنا ونظر في
حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فليرضوه حكما الحديث، فان من هذه
صفته هو الفقيه المجتهد الذي يجوز العمل بفتواه والتحاكم إليه.
ومما ورد عن الصادق ع في
التقليد وشرائط من يصح تقليده
ما رواه أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي صاحب الاحتجاج قال
حدثني السيد العالم العابد أبو جعفر مهدي بن أبي حرب الحسيني المرعشي
رضي الله عنه قال حدثني الشيخ الصدوق أبو عبد الله جعفر بن محمد بن أحمد
الدوريستي رحمة الله عليه قال حدثني أبي محمد بن أحمد قال حدثني
الشيخ السعيد أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي ره
قال حدثني أبو الحسن الحسين خ ل محمد بن القاسم المفسر الاسترآبادي
قال حدثني أبو يعقوب يوسف بن محمد بن زياد وأبو الحسن الحسين خ ل
علي بن محمد بن سيار وكانا من الشيعة الإمامية قالا حدثنا أبو محمد الحسن
ابن علي العسكري ع في قوله تعالى ومنهم أميون لا يعلمون
الكتاب الآية أنه قال رجل للصادق ع فإذا كان هؤلاء القوم
من أهل الكتاب لا يعرفون الكتاب إلا بما يسمعون من علمائهم لا سبيل
لهم إلى غيره فكيف ذمهم بتقليدهم والقبول من علمائهم وهل عوامهم إلا
كعوامنا يقلدون علماءهم فإن لم يجز لأولئك القبول من علمائهم لم يجز لهؤلاء
القبول من علمائهم ثم ذكر ما حاصله: أن أولئك عرفوا علماءهم بالكذب
وأكل الحرام والرشا وتغيير الاحكام بالشفاعات و المناسبات والمصانعات
والتعصب الشديد واضطروا بمعارف قلوبهم أن من يفعل مثل ذلك فهو فاسق
لا يجوز أن يصدق على الله وعلى الوسائط بين الله تعالى والخلق فلذلك ذمهم
في تقليدهم لهم وكذلك عوام أمتنا إذا عرفوا من فقهائهم الفسق الظاهر
والعصبية الشديدة والتكالب على حطام الدنيا فمن قلد من عوامنا مثل هؤلاء
فهم مثل اليهود الذين ذمهم الله تعالى بالتقليد لفسقة فقهائهم فاما من كان
من الفقهاء صائنا لنفسه حافظا لدينه مخالفا على هواه مطيعا لأمر مولاه فللعوام
أن يقلدوه وذلك لا يكون إلا بعض فقهاء الشيعة لا جميعهم فاما من ركب من
القبائح والفواحش مراكب فسقة الفقهاء فلا تقبلوا منهم عنا شيئا ولا كرامة
الحديث.
ومما جاء عن الباقر والصادق والكاظم ع في وجوب الرد إلى
الكتاب والسنة وأخذ الأحكام منهما وحجية ظواهر الكتاب والعموم
ما رواه الكليني بأسانيده المتصلة في أصول كتابه الكافي وعقد لذلك
بابا وهو باب الرد إلى الكتاب والسنة. مثل قول الصادق ع إن
الله تعالى أنزل في القرآن تبيان كل شئ وإنه لم يدع شيئا تحتاج إليه الأمة
إلا أنزله في كتاب وبينه لرسوله ص وقوله ما من شئ إلا وفيه كتاب الله
عز وجل ولكن لا تبلغه عقول الرجال. وقول الكاظم ع كل
شئ في كتاب الله وسنة نبيه ص.
وروى الكليني عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد عن أبيه عن
النضر بن سويد عن يحيى الحلبي عن أيوب بن الحر قال سمعت أبا
عبد الله ع يقول كل شئ مردود إلى الكتاب والسنة الحديث وفي حديث
آخر عنه ع من خالف كتاب الله وسنة محمد ص
فقد كفر. وروى الكليني عن علي بن محمد عن أحمد بن محمد البرقي عن
علي بن حسان عن محمد بن يحيى عن سلمة بن الخطاب عن علي بن
حسان عن موسى بن بكر عن زرارة بن أعين عن أبي جعفر الباقر ع
قال كل من تعدى السنة رد إلى السنة. وروى الشيخ محمد بن
الحسن الطوسي بسنده عن أحمد بن محمد عن ابن محبوب عن علي بن رباط
عن عبد الأعلى مولى آل سام قال قلت لأبي عبد الله ع عثرت
فانقطع ظفري فجعلت على إصبعي مرارة فكيف اصنع بالوضوء فقال
يعرف هذا وأشباهه من كتاب الله قال الله تعالى ما جعل عليكم في الدين
من حرج امسح عليه. وفيه دلالة على حجية ظواهر الكتاب والعمل
بالعموم.
ومما جاء عن الصادق ع في حجية ظواهر الألفاظ
ما رواه الشيخ الطوسي باسناده عن موسى بن القاسم عن عبد الرحمن
يعني ابن أبي نجران عن حماد عن حريز عن أبي عبد الله ع أنه قال
في حديث كل شئ في القرآن أو فصاحبه بالخيار يختار ما شاء وكل شئ في
القرآن فمن لم يجد فعليه كذا فالأول الخيار ووردت عدة أحاديث بنحو
ذلك.
ومما جاء عن الصادق والرضا ع في جواز العمل بالعام والمطلق
ونحوهما وجواز التفريع على الأصول والقواعد الكلية
ما رواه ابن إدريس في أواخر السرائر نقلا من كتاب هشام بن سالم
عن أبي عبد الله ع قال إنما علينا أن نلقي إليكم الأصول وعليكم
التفريع وروى فيه نقلا من كتاب أحمد بن محمد بن أبي نصر عن الرضا
ع قال علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع.
ومما جاء عن الصادق ع في أصل البراءة
ما ذكره الصدوق قال: قال الصادق ع كل شئ مطلق
حتى يرد فيه نهي. وروى الصدوق في الخصال عن أبيه عن سعد بن
عبد الله عن يعقوب بن يزيد عن حماد بن عيسى عن حريز بن عبد الله عن
أبي عبد الله ع قال: قال النبي ص وضع عن أمتي ستة أشياء
وعد منها ما لا يعلمون. وروى الصدوق في كتاب التوحيد عن أحمد بن
محمد بن يحيى عن أبيه عن ابن فضال عن داود بن فرقد عن زكريا بن يحيى
عن أبي عبد الله ع قال ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع
عنهم. وعن أبيه عن سعد عن القاسم بن محمد عن المنقري عن حفص بن
غياث قال قال أبو عبد الله ع من عمل بما علم كفي ما لم يعلم.
وما رواه الشيخ الطوسي باسناده عن موسى بن القاسم عن عبد الصمد بن
بشير عن أبي عبد الله ع في حديث من أحرم في قميصه قال أي
رجل ركب أمرا بجهالة فلا شئ عليه. وروى الكليني عن محمد بن يحيى
وغيره عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسين بن سعيد عن ابن أبي عمير
عن ابن الطيار عن أبي عبد الله ع قال إن الله احتج على الناس بما
آتاهم وعرفهم. وعن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن أبي شعيب
المحاملي عن درست بن أبي منصور عن بريد بن معاوية عن أبي عبد الله
ع قال ليس على خلقه أن يعرفوا وللخلق على الله أن يعرفهم ولله
على الخلق إذا عرفهم أن يقبلوا، إلى غير ذلك.
(١٠٤)

ومما ورد عن الباقر والصادق ع في أصالة الحل في المشتبه مع
عدم العلم
ما رواه الصدوق والشيخ الطوسي باسنادهما عن الحسن بن محبوب
عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله ع قال كل شئ فيه حلال
وحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه. وروى الكليني
عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن أبي أيوب عن
عبد الله بن سنان عن عبد الله بن سليمان قال سألت أبا جعفر ع
عن الجبن فقال سأخبرك عن الجبن وغيره كل ما كان فيه حلال وحرام فهو
لك حلال حتى تعرف الحرام بعينه فتدعه. وعن أحمد بن محمد الكوفي عن
محمد بن أحمد النهدي عن محمد بن الوليد عن أبان بن عبد الرحمن عن
عبد الله بن سليمان عن أبي عبد الله ع في الجبن قال كل شئ
لك حلال حتى يجيئك شاهدان يشهدان أن فيه ميتة وعن علي بن إبراهيم
عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله ع
قال سمعته يقول كل شئ هو لك حلال حتى تعلم الحرام بعينه فتدعه من
قبل نفسك وذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته وهو سرقة أو المملوك
يكون عندك ولعله حر قد باع نفسه أو خدع فبيع قهرا أو امرأة تحتك وهي
أختك أو رضيعتك والأشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك أو
تقوم لك به البينة، وما رواه أحمد بن أبي عبد الله البرقي في المحاسن عن
أبيه عن محمد بن سنان عن أبي الجارود قال سألت أبا جعفر ع
عن الجبن وقلت أخبرني من رأس أنه يجعل فيه الميتة فقال أ من أجل مكان
واحد يجعل فيه الميتة حرم في جميع الأرضين إذا علمت أنه ميتة فلا تأكله
وإن لم تعلم فاشتر وبع الحديث وعن اليقطيني عن صفوان عن معاوية
بن عمار عن رجل من أصحابنا قال كنت عند أبي جعفر عليه السلام
سأخبرك عن الجبن وغيره كل شئ فيه الحلال والحرام فهو لك حلال حتى
تعرف الحرام بعينه فتدعه.
ومما ورد عن الهادي والعسكري ع في حجية خبر
الواحد الثقة
ما رواه الكليني عن محمد بن عبد الله ومحمد بن يحيى جميعا عن
عبد الله بن جعفر الحميري عن أحمد بن إسحاق عن أبي الحسن ع
قال سألته وقلت من أعامل و عمن آخذ وقول من أقبل؟ فقال
العمري ثقتي فما أدى إليك عني فعني يؤدي وما قال لك عني فعني يقول
الحديث. وبالاسناد عن أحمد بن إسحاق أنه سال أبا محمد ع
عن مثل ذلك فقال العمري وابنه ثقتان فما أديا إليك عني فعني يؤديان وما
قالا لك فعني يقولان الحديث. وروى الكشي في كتاب الرجال عن
محمد بن نصير عن محمد بن عيسى عن عبد العزيز بن المهتدي والحسن بن
علي بن يقطين عن الرضا ع قال قلت لا أكاد أصل إليك أسألك
عما احتاج إليه من معالم ديني أ فيونس بن عبد الرحمن ثقة آخذ عنه ما احتاج
إليه من معالم ديني قال نعم إلى غير ذلك.
ومما جاء عن الصادق ع في جواز نقل الحديث بالمعنى
ما رواه الكليني عن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن ابن أبي
عمير عن ابن أذينة عن محمد بن مسلم قال قلت لأبي عبد الله ع
اسمع الحديث منك فأزيد وانقص قال إن كنت تريد معانيه فلا بأس.
ومما ورد عن الصادق ع في عدم جواز تكليف ما لا يطاق
ما رواه الكليني عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد البرقي عن
علي بن الحكم عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله ع قال إن الله
أكرم من أن يكلف الناس ما لا يطيقون الحديث. وبالاسناد عن
علي بن الحكم عن إبان الأحمر عن حمزة بن الطيار عن أبي عبد الله ع
في حديث قال وما أمروا إلا بدون سعتهم وكل شئ أمر الناس به
فهم يسعون له وكل شئ لا يسعون له فهو موضوع عنهم. وروى الشيخ
الطوسي باسناده عن الحسين بن سعيد عن زرعة عن سماعة قال سألته عن
المريض لا يستطيع الجلوس إلى أن قال ولن يكلفه الله ما لا طاقة له به.
أقول: ومن فروع ذلك عدم جواز الأمر بالشئ مع العلم بانتفاء
شرطه.
ومما جاء عن الصادق ع في وجوب الاجتناب عن الشبهة المحصورة
ما رواه الكليني عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن عثمان بن
عيسى عن سماعة قال سألت أبا عبد الله ع عن رجل معه إناءان
فيهما ماء وقع في أحدهما قذر لا يدري أيهما هو وليس يقدر على ماء غيره قال
يهريقهما جميعا ويتيمم. وجاء في الشاة الموطوءة المشتبهة في قطيع أنها
تستخرج بالقرعة وهو من موارد الشبهة المحصورة ومصاديق العلم الاجمالي
بالتكليف والشك في المكلف به.
ومما جاء عن الصادق ع في الاستصحاب
ما رواه الصدوق باسناده عن عمار بن موسى الساباطي أنه سال أبا
عبد الله ع عن رجل يجد في إنائه فارة وقد توضأ من ذلك الإناء
مرارا أو اغتسل منه أو غسل ثيابه فقال إن كان رآها في الإناء قبل أن يغتسل
أو يتوضأ أو يغسل ثيابه ثم يفعل ذلك بعد ما رآها في الإناء فعليه أن يغسل
ثيابه ويغسل كل ما أصابه ذلك الماء ويعيد الوضوء والصلاة وإن كان إنما
رآها بعد ما فرع من ذلك وفعله فلا يمس من الماء شيئا وليس عليه شئ
لأنه لا يعلم متى سقطت فيه ثم قال لعله أن يكون إنما سقطت فيه تلك
الساعة التي رآها. وروى الشيخ الطوسي باسناده عن سعد بن عبد الله عن
محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن أبي داود المنشد عن جعفر بن محمد
عن يونس عن حماد بن عيسى عن أبي عبد الله ع قال الماء كله
طاهر حتى يعلم أنه قذر أقول الحكم بالطهارة في الروايتين ليس إلا من
جهة الاستصحاب لأن الماء طاهر بأصل الخلقة وشك في عروض النجاسة
عليه وإن كان اشتهر أن هذا من جهة أصالة الطهارة لكن الوجه أنه من
جهة الاستصحاب ولا يكاد يفهم من الروايتين أصل آخر غير الاستصحاب
وروى الشيخ الطوسي باسناده عن الحسين بن سعيد عن حماد عن حريز عن
زرارة قال قلت له الرجل ينام وهو على وضوء ولا ينام القلب والإذن وإذا
نامت العين والإذن والقلب وجب الوضوء قلت فان حرك إلى جنبه شئ ولم
يعلم به قال لا حتى يستيقن أنه قد نام حتى يجئ من ذلك أمر بين وإلا فإنه
على يقين من وضوئه ولا ينتقض اليقين أبدا بالشك وإنما ينقضه بيقين
آخر. وروى الصدوق باسناده عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله أنه قال
للصادق ع أجد الريح في بطني حتى أظن أنها قد خرجت فقال
ليس عليك وضوء حتى تسمع الصوت أو تجد الريح الحديث، وروى
الكليني عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد عن العباس بن عامر عن
عبد الله بن بكير عن أبيه قال قال لي أبو عبد الله ع إذا استيقنت
(١٠٥)

أنك قد أحدثت فتوضأ وإياك أن تحدث وضوءا أبدا حتى تستيقن أنك قد
أحدثت. وروى الشيخ الطوسي باسناده عن الحسين بن سعيد عن حماد
عن حريز عن زرارة قال قلت له أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شئ من
مني إلى أن قال فان ظننت أنه قد أصابه ولم أتيقن ذلك فنظرت فلم أر
شيئا ثم صليت فرأيت فيه قال تغسله ولا تعيد الصلاة قلت لم ذلك قال
لأنك كنت على يقين من طهارتك ثم شككت فليس ينبغي لك أن تنقض
اليقين بالشك أبدا قلت فهل علي إن شككت في أنه أصابه شئ أن أنظر
فيه قال لا الحديث. وفيه دلالة على عدم وجوب الفحص في الشبهات
الموضوعية وهي من مسائل أصول الفقه وباسناده عن محمد بن أحمد بن
يحيى عن أحمد بن الحسن عن عمرو بن سعيد عن مصدق بن صدقة عن
عمار عن أبي عبد الله ع في حديث قال كل شئ نظيف حتى
تعلم أنه قذر فإذا علمت فقد قذر وما لم تعلم فليس عليك شئ إلى غير
ذلك.
مناظرة الصادق مع أبي حنيفة في القياس
روى الصدوق محمد بن علي بن بابويه في علل الشرائع عن أحمد بن
الحسن القطان عن عبد الرحمن بن أبي حاتم عن أبي زرعة عن هشام بن
عمار عن محمد بن عبد الله القرشي عن ابن شبرمة قال دخلت أنا وأبو
حنيفة على أبي عبد الله ع فقال لأبي حنيفة: أيهما أعظم قتل
النفس أو الزنا؟ قال قتل النفس؟ قال فان الله قد قبل في قتل النفس
شاهدين ولم يقبل في الزنا إلا أربعة، ثم قال أيهما أعظم الصلاة أو الصوم
قال الصلاة قال فما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة فكيف
يقوم لك القياس فاتق الله ولا تقس.
ومما جاء عن الباقر والصادق ع في التعادل والترجيح بين الأخبار
المتعارضة
ما روي في عدة روايات من الترجيح بالأعدلية والأفقهية والأصدقية
والأورعية وموافقة المشهور وموافقة الكتاب والسنة وموافقة الاحتياط وتأخر
الصدور وقوة الدلالة وغير ذلك والتخيير مع التساوي من كل وجه. وهذه
الأخبار مذكورة في محالها فلتطلب من كتب الأصول.
وقد بين أمير المؤمنين ع وجوه اختلاف الحديث وأسبابه في
خبر طويل رواه عنه سليم بن قيس الهلالي وذكره الكليني مسندا إليه في
أصول الكافي في باب اختلاف الحديث وبين فيه أن في أيدي الناس حقا
وباطلا وصدقا وكذبا وناسخا ومنسوخا وعاما وخاصا ومحكما ومتشابها وحفظا
ووهما.
البحث التاسع
في عقائد الشيعة الإمامية الاثني عشرية الجعفرية ومذهبهم في
الأصول والفروع وقد مرت خلاصة عقيدتهم ونريد أن نذكرها هنا
مفصلة: عقائد الشيعة في الأصول الاعتقادية
الشيعة الإمامية الجعفرية مسلمون موحدون يشهدون لله تعالى
بالوحدانية ولمحمد ص بالرسالة ويؤمنون بكل ما جاء به من عند الله
تعالى.
اعتقادهم في الاسلام والإيمان
هو إن الاسلام الاقرار بالشهادتين والالتزام باحكام الشرع وإن ذلك
هو الذي عليه مدار الاحكام من التوارث والتناكح والتكافؤ وغير ذلك
والايمان أعلى درجة منه قالت الاعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا
أسلمنا ولما يدخل الايمان في قلوبكم.
اعتقادهم في أصول الدين
إنه يجب معرفتها بالدليل والعلم واليقين لا بالتقليد والظن
والتخمين.
اعتقادهم في صفات الله تعالى
هو أنه تعالى متصف بجميع صفات الكمال منزه عن جميع صفات
النقص وعن كل ما يقتضي الحدوث.
وإن صفاته الثبوتية ثمانية: ١ قادر مختار ٢ عالم ٣ حي ٤
مريد كاره ٥ مدرك ٦ قديم أزلي باق أبدي ٧ متكلم ٨ صادق.
وأما الخالق والرازق والمحيي والمميت وأمثالها فهي من صفات الأفعال،
وصفاته السلبية سبعة ١ ليس بمركب ٢ ليس بجسم ٣ ليس محلا
للحوادث ٤ ليس بمرئي لا في الدنيا ولا في الآخرة ٥ ليس له شريك
٦ ليس بمحتاج ٧ نفي المعاني والصفات عنه ومعنى حياته أنه ليس
مثل الجمادات لا أنه ذو روح ومعنى مدرك أنه يبصر لا بعين ويسمع لا
بإذن بل يدرك جميع المبصرات والمسموعات ومعنى متكلم أنه ينطق لا
بلسان بل يوجد الكلام في بعض مخلوقاته كالشجرة حين كلم موسى
وكجبرائيل حين أنزله بالقرآن ومعنى أنه ليس محلا للحوادث أي للأمور
والصفات الحادثة ومعنى نفي المعاني والصفات عنه أن صفاته ليست
مغايرة لذاته بل هي عين ذاته لئلا يلزم تعدد القدماء. ويعتقدون أنه تعالى
منزه عن المكان والجهة والأعضاء والجوارح والشم والذوق واللون وكل
لوازم الجسم وعن اللذة والألم وأدلتهم على ذلك مبسوطة في كتب الكلام
والتوحيد فلا نطيل بنقلها وليس غرضنا هنا إلا مجرد نقل العقيدة لا
الاستدلال عليها إلا بالعرض، ويعتقدون أن كل ما ورد من النقل مما
ظاهره خلاف ذلك مثل الرحمن على العرش استوى. إلى ربها ناظرة. وجاء
ربك. يد الله فوق أيديهم. ومكروا ومكر الله. ولو شاء ربك لآمن من
في الأرض. ولو شاء الله ما اقتتلوا وغير ذلك يجب تأويله ورده إلى ما حكم
به العقل أو إيكال علمه إليه تعالى.
اعتقادهم في العدل والحسن والقبح العقليين
العدل هو تنزيه الباري تعالى عن فعل القبيح وعن الاخلال بالواجب
وبه تعتقد الامامية. وأما الحسن والقبح العقليان فالحسن ما يستحق على
فعله المدح عاجلا والثواب آجلا والقبيح ما يستحق على فعله الذم
عاجلا والعقاب آجلا وعندهم أن العقل يحكم بان في الأفعال ما هو حسن
بهذا المعنى وقبيح بهذا المعنى وإن لم يحكم به الشرع.
اعتقادهم في أفعاله تعالى وأوامره ونواهيه
إنها معللة بالعلل والأغراض لئلا يكون عابثا وليس الغرض الإضرار
لقبحه بل النفع وأنه يستحيل عليه تعالى فعل القبيح وأنه لا يأمر إلا بما فيه
مصلحة ولا ينهى إلا عما فيه مفسدة وقد تكون المصلحة في نفس التكليف
لا في المكلف به.
اعتقادهم في اللطف
إنه واجب عليه تعالى وهو فعل ما يقرب العبد إلى الطاعة ويبعده عن
(١٠٦)

المعصية زيادة على الاقدار والتمكين بحيث لا يبلغ حد الالجاء وإنما وجب
لئلا يكون ناقضا لغرضه ويكون تركه قبيحا والقبيح محال عليه تعالى ومن
اللطف ارسال الرسل والأنبياء ونصب الأئمة.
اعتقادهم في أفعال العباد
إنها صادرة عنهم باختيارهم وليسوا مجبورين عليها وأنها ليس فعلا لله
تعالى ولا مخلوقة له خلق تكوين بل خلق تمكين بمعنى أنه تعالى خلق في
العبد القدرة على الفعل والترك وخلق فيه الجوارح التي يقدر بها على الفعل
والأدوات التي يتوصل بها إليه ولو شاء منعه لمنعه وبين له طريق الخير وأمره
باتباعه وطريق الشر ونهاه عن سلوكه فإذا عصاه فبسوء اختياره وإذا أطاعه
فبتوفيقه وإقداره.
اعتقادهم في النبوة
إنه يجب عليه تعالى إرسال نبي إلى العباد يعلمهم الأحكام ويبين لهم
الحلال من الحرام ويحكم بينهم بالعدل وينتصف للمظلوم من الظالم لأن
ذلك لطف واللطف واجب عليه تعالى كما مر.
اعتقادهم في الأنبياء عامة
صلوات الله عليهم
إنهم رسل الله تعالى أرسلهم إلى عباده ليبلغوهم أحكامه التي أوحاها
إليهم بواسطة ملائكته وبغير ذلك وإنهم معصومون من الذنوب كلها الكبائر
والصغائر طول أعمارهم قبل البعثة وبعدها وعن السهو والنسيان في
الشرعيات وغيرها لأن صدور الذنوب منهم أو السهو يؤدي إلى عدم الوثوق
بأقوالهم وسقوط محلهم من القلوب وذلك ينافي الغرض المطلوب من
إرسالهم. وإنهم أفضل أهل زمانهم في كمال العقل والذكاء والفطنة وعدم
السهو وقوة الرأي والشهامة والنجدة والعفو والشجاعة والكرم والسخاوة
والجود والايثار والغيرة والرأفة والرحمة والتواضع واللين وغير ذلك. وإنهم
منزهون عن كل ما يوجب التنفير عنهم فيمن يتعلق بهم كدناءة الآباء وعهر
الأمهات والأزواج وأنه يجوز في زوجة النبي أن تكون كافرة كما في امرأتي
نوح ولوط ولا يجوز كونها زانية. وفي أفعالهم كالأكل على الطريق ومجالسة
الأرذال. وصناعاتهم ككونه حائكا أو حجاما أو زبالا. وفي أخلاقهم
كالحسد والحقد والفظاظة والغلظة والجبن والبخل والمجون والحرص. وفي
خلقتهم كالبرص والجذام والبكم والبله وغير ذلك من النقص الموجب
سقوط محلهم من القلوب وقد يورد على الصناعات الدانية بالحياكة التي قيل
أن أول من استعملها إدريس وبالرعي الذي كان يقع من الأنبياء ولعل
ذلك يختلف باختلاف الأزمان.
اعتقادهم في النبي محمد ص خاصة
إنه خاتم الأنبياء فلا نبي بعده ولا شريك له في النبوة وأفضل الأنبياء
و أنه يجب الايمان والتصديق بكل ما جاء به من عند ربه وإن أقواله وأفعاله
حجة وطاعته مفروضة وأنه لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى وأنه
يبلغ الأحكام الشرعية بالوحي لا بالاجتهاد وإنه لا يجوز عليه الاجتهاد في
شئ منها وأنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأن أزواجه أمهات المؤمنين وأنه
يحرم تزويجهن من بعده وأن شريعته ناسخة لجميع الشرائع التي قبلها باقية
إلى يوم القيامة.
اعتقادهم في الإمامة والخلافة
إنها واجبة وإنها رئاسة عامة في أمور الدين والدنيا لشخص من
الأشخاص نيابة عن النبي ص وإنما وجبت لأنها لطف واللطف واجب
كما تقدم في النبوة وإنما كانت لطفا لأن الناس إذا كان لهم رئيس مطاع
مرشد يردع الظالم عن ظلمه ويحملهم على الخير ويردعهم عن الشر كانوا
أقرب إلى الصلاح وأبعد عن الفساد وهو اللطف فالدليل الدال على وجوب
النبوة يدل على وجوب الإمامة. وإن الامام يجب أن يكون منصوبا من الله
تعالى لأنه لو كان غير ذلك لم يؤمن من الفساد واتباع الأهواء ولأن الامام
يجب أن يكون معصوما كما يأتي والعصمة لا يطلع عليها إلا الله تعالى.
وإن الامام بعد رسول الله ص هو ابن عمه علي بن أبي طالب لنصه
عليه يوم الغدير بأمر الله تعالى له وبعده ابنه الحسن ثم أخوه الحسين بن
علي ثم ابنه علي زين العابدين ثم ابنه محمد الباقر ثم ابنه جعفر الصادق ثم
ابنه موسى الكاظم ثم ابنه علي الرضا ثم ابنه محمد الجواد ثم ابنه علي
الهادي ثم ابنه الحسن العسكري ثم ابنه محمد بن الحسن المهدي بنص كل
واحد على من بعده. وما يتوهم من أنهم يقولون بوجود المهدي في سرداب
سامراء فهو توهم فاسد وإنما يتبركون بهذا السرداب ويتعبدون فيه من باب
التبرك بآثار الصالحين لأنه قد سكنه ثلاثة من أئمة أهل البيت ع
وكان سرداب دارهم التي في سامراء. وأدلتهم على إمامة الأئمة الاثني عشر
مذكورة تفصيلا في كتب التوحيد والكلام فليرجع إليها من أرادها.
واعتقادهم أن من أنكر نبوة النبي محمد ص أو قال بوجود نبي بعده أو
بمشاركة أحد له في النبوة فهو خارج عن الاسلام ومن أنكر إمامة الأئمة
الاثني عشر لا يخرج بذلك عن الاسلام لأن إمامتهم ليست من ضروريات
الدين بل من ضروريات المذهب.
إعتقادهم في صفات الإمام
إنه يجب أن يكون معصوما حافظا للشرع فلو لم يكن معصوما لم
يؤمن من الزيادة فيه والتنقيص منه ولأنه معلم للأمة ما يجهلونه من أحكام
الشرع وصدور الذنب منه يؤدي إلى عدم الوثوق بأقواله وذلك ينافي
الغرض المطلوب من إمامته فالدليل الدال على عصمة النبي دال على عصمة
الامام لأنه خليفته والقائم مقامه في حفظ الشرع وتأديته إلى الأمة ولقوله
تعالى خطابا لإبراهيم ع إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي
قال لا ينال عهدي الظالمين. وغير المعصوم ظالم لنفسه فلا ينال عهد الإمامة
الذي هو من الله تعالى. وإنه يجب ان يكون أفضل أهل زمانه وأكملهم
لأن تقديم المفضول على الفاضل قبيح.
إعتقادهم في المعاد
إنه الوجود الثاني للأجسام وإعادتها بعد تفرقها وإنه حق واقع وإن
سؤال منكر ونكير في القبر حق وإن عذاب القبر لمستحقه حق.
إعتقادهم في أمور المعاد
من الصراط والميزان والحساب وإنطاق الجوارح وتطاير الكتب
وأحوال القيامة وكيفية حشر الأجسام وكيفية الحساب وخروج الناس من
قبورهم عراة حفاة وكون كل نفس معها سائق وشهيد وأحوال الناس في
الجنة وتباين طبقاتهم وكيفية نعيمها وأحوال النار وكيفية العقاب فيها إنها
كلها كما أخبر به الصادق الأمين وأجمع عليه المسلمون.
إعتقادهم في الجنة والنار
إن الجنة هي دار البقاء لا موت فيها ولا هرم ولا سقم ولا غم ولا
(١٠٧)

حاجة ولا فقر لا يمسهم فيها نصب ولا يمسهم فيها لغوب. فيها ما
تشتهي الأنفس وتلذ الأعين وهم فيها خالدون، وإن النار هي دار
الهوان والانتقام.
إعتقادهم في العفو والشفاعة
ويعتقدون إن من مات مصرا على ذنبه استحق العقاب إلا أن يتغمده
الله بعفوه وغفرانه إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن
يشاء أو تدركه شفاعة النبي ص أو أحد الأئمة أو المؤمنين ولا
يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون.
إعتقادهم فيما لم تعلم حقيقته
مثل اللوح والقلم والعرش وغيرها إنه يجب الاعتقاد به إجمالا على ما
هو عليه في الواقع ولا يجب أزيد من ذلك لا يكلف الله نفسا إلا ما
آتاها.
ما انفردت به الشيعة الإمامية عن
الأشاعرة في أصول العقائد
وهو أمور: الأول قالت الامامية والمعتزلة إن صفات الله تعالى
عين ذاته بمعنى إن ذاته تعالى تسمى باعتبار التعلق بالمعلومات عالما
وبالمقدورات قادرا إلى غير ذلك لأنها إن كانت غير ذاته وكانت قديمة كقدم
الذات لزم تعدد القدماء وإن كانت حادثة لزم كونه تعالى محلا للحوادث
وكلاهما باطل ومرجعه إلى العجز عن إدراك حقيقة الصفات كحقيقة الذات
وإن صفاته الثبوتية ثمان كما تقدم.
وقالت الأشاعرة إنه تعالى قادر بقدرة عالم بعلم حي بحياة إلى غير
ذلك من الصفات وهي معان قديمة أزلية زائدة على ذاته قائمة بها وهي
ليست عين الذات ولا غير الذات.
قال عمر النسفي في العقائد النسفية: وله صفات أزلية قائمة بذاته
وهي لا هو ولا غيره اه وقال سعد الدين التفتازاني في شرحها وله
صفات لما ثبت من أنه عالم حي قادر إلى غير ذلك ومعلوم ان كلا منها يدل
على معنى زائد على مفهوم الواجب وليست ألفاظا مترادفة وإن صدق المشتق
على الشئ يقتضي ثبوت ماخذ الاشتقاق له وهي لا هو ولا غيره يعني
ليست عين الذات ولا غير الذات اه وقال أيضا في شرحها: لا يلزم
من قدم الصفات قدم تعلقاتها بالمخلوق والمعلوم المقدور لكون تعلقاتها
حادثة، وعد النسفي صفات الذات الأزلية فقال وهي العلم والقدرة
والحياة والقوة والسمع والبصر والإرادة والمشيئة والفعل والتخليق والترزيق
والكلام اه وقال السعد: القوة بمعنى القدرة وفسر الفعل والتخليق
والترزيق بالتكوين ثم قال فثبت أن لله تعالى صفات ثمان هي العلم
والقدرة والحياة والسمع والبصر والإرادة والتكوين والكلام اه.
الثاني الكلام النفسي ثبته الأشاعرة ونفاه الشيعة والمعتزلة وهو
من متفرعات مغايرة الصفات للذات وفسروه بأنه معنى قائم بالذات أزلي
وهو غير العلم وغير الإرادة وغير الألفاظ والحروف الدالة عليه قال السعد
التفتازاني في شرح العقائد النسفية الكلام صفة أزلية عبر عنها بالنظم
المسمى بالقرآن المركب من الحروف وذلك لأن كل من يأمر وينهى ويخبر
ويجد من نفسه معنى ثم يدل عليه بالعبارة أو الكتابة أو الإشارة وهي غير
العلم إذ قد يخبر الإنسان عما لا يعلمه بل يعلم خلافه وغير الإرادة لأنه قد
يأمر بما لا يريده كأمر العبد لقصد إظهار عصيانه ويسمى هذا كلاما نفسيا
على ما أشار إليه الأخطل بقوله:
- إن الكلام لفي الفؤاد وإنما * جعل اللسان على الفؤاد دليلا -
وقال عمر: اني زورت في نفسي مقالا وكثيرا ما تقول لصاحبك:
إن في نفسي كلاما أريد أن أذكره لك اه.
وفيه إن الذي يجده الإنسان في نفسه والذي أشار إليه الأخطل والذي
أخبر عمر انه زوره في نفسه والذي تقوله لصاحبك هو الصورة الحاصلة في
العقل لمعاني تلك الألفاظ أولها وللألفاظ وليس وراء العلم والإرادة شئ
سوى تلك الصورة وهي لا تسمى كلاما فالكلام النفسي غير متصور ولو
قلنا بمغايرة الصفات للذات.
الثالث خلق القرآن وهو من متفرعات الكلام النفسي قالت الشيعة
والمعتزلة القرآن مخلوق لأنه عندهم عبارة عن الألفاظ والحروف التي نزل بها
جبرائيل على رسول الله ص بعد ما ألهمه إياها الله أو رآها في اللوح
المحفوظ أو غير ذلك وقالت الأشاعرة غير مخلوق ولا حادث لأنه كلام الله
وكلام الله قديم كما مر في الأمر الثاني أما الألفاظ والحروف التي تقرأ وتكتب
في المصاحف فاتفق الفريقان على حدوثها وحكى السعد في شرح العقائد
النسفية عن الحنابلة القول بقدم الأصوات والحروف قال: ذكر المشايخ إنه
يقال القرآن كلام الله غير مخلوق ولا يقال القرآن غير مخلوق لئلا يسبق إلى
الفهم إن المؤلف من الأصوات والحروف قديم كما ذهب إليه الحنابلة جهلا
وعنادا اه وفي العقائد النسفية القرآن كلام الله تعالى غير مخلوق وهو
مكتوب في مصاحفنا محفوظ في قلوبنا مقروء بألسنتنا مسموع باذاننا غير حال
فيها اه وقال السعد في الشرح اي ليس حالا في المصاحف ولا في
القلوب والألسنة والآذان بل هو معنى قديم قائم بذات الله تعالى يلفظ
ويسمع بالنظم الدال عليه ويحفظ بالنظم المخيل ويكتب بنقوش وصور
وأشكال موضوعة للحروف الدالة عليه كما يقال النار جوهر محرق تلفظ
وتكتب ولا يلزم منه كون حقيقة النار صوتا وحرفا وتحقيقه إن للشئ وجودا
في الأعيان ووجودا في الأذهان ووجودا في العبارة ووجودا في الكتابة والكتابة
تدل على العبارة وهي على ما في الأذهان وهو على ما في الأعيان فحيث
يوصف القرآن بالقدم يراد حقيقته الموجودة في الخارج وحيث يوصف بلوازم
الحدوث يراد به الألفاظ المنطوقة المسموعة كقرأت نصف القرآن أو المخيلة
كحفظت القرآن أو النقوش كيحرم مس القرآن اه ثم حكى عن
الأشعري أنه ذهب إلى أن الكلام القديم الذي هو صفة الله يجوز أن يسمع
قال ومنعه الأستاذ أبو إسحاق الأسفرايني وهو اختيار الشيخ أبي منصور
اه.
أقول مسالة خلق القرآن راج أمرها في عصر المأمون فقال بخلقه
وألزم العلماء بذلك فأبوا فحبس من أبى وضربه وورى بعضهم فسلم وحذا
حذوه أخوه المعتصم بعده ومن ذلك يعلم استعظامهم للقول بخلق القرآن
حتى تحملوا لأجله الضرب والحبس وإنهم كانوا يعدونه بمنزلة الكفر وعدوا
ذلك من مساوئ المأمون. وسبب ذلك ما رووه عن النبي ص إنه قال
القرآن كلام الله تعالى غير مخلوق ومن قال إنه مخلوق فقد كفر بالله العظيم
وفي صحة هذا الحديث نظر ظاهر فان مسالة قدم القرآن من دقائق المسائل
الكلامية صعب على فحول العلماء تصورها فضلا عن إثباتها فان وجود
شئ يسمى الكلام خارج عن الألفاظ والعبارات والعلم والإرادة ليس
(١٠٨)

بمتصور كما مر في الأمر الثاني ولذلك اختلفت فيه الأنظار والآراء حتى زعم
الحنابلة قدم الأصوات والحروف والأشعري جواز سماع الكلام القديم
ومنعه الأسفرايني وأبو منصور. وأنكر الشيعة والمعتزلة الكلام النفسي وفيهم
فحول العلماء وقال به الأشاعرة على كثرتهم وكثرة العلماء فيهم فمثل هذه
المسألة هل يمكن أن يكون الإذعان والتصديق بها من شرائط الاسلام
والايمان أو أركانه ويكلف بذلك الأعراب والعوام بحيث يكفر منكرها مع
كون جل من يقول بها لا يخرج عن التقليد. إن هذا مناف للعقل
والعدل.
الرابع إنه تعالى منزه عن المكان والجهة لأنهما من لوازم الجسمية
المقتضية للحدوث ويحكى عن الكرامية إنه من جهة الفوق.
الخامس إنه تعالى يستحيل عليه الرؤية بالبصر في الدنيا والآخرة
ووافقهم على ذلك المعتزلة لأن الرؤية تستلزم الكم والكيف من الطول
والقصر واللون وغيرها والوجود في جهة دون جهة وكل ذلك من لوازم
الحدوث. وقالت الأشاعرة إن رؤيته تعالى بالبصر جائزة في العقل ممكنة في
الدنيا والآخرة واجبة بالنقل في الآخرة فيرى بلا كيف لا في مكان ولا على
جهة مقابلة ولا اتصال شعاع ولا ثبوت مسافة بين الرائي وبينه تعالى.
وبعضهم يقول إن النبي ص رآه ليلة المعراج قال شاعرهم:
- وقد رأى الله بعيني رأسه * في ليلة المعراج لما صعدا -
فقال بعض المعتزلة:
- لجماعة سموا هواهم سنة * وجماعة حمر لعمري مؤكفه -
- قد شبهوه بخلقه وتخوفوا * شنع الورى فتستروا بالبلكفه (١) -
- الوحي والتنزيل أعظم شاهد * فيما أقول بلا ولن والقدقفة (٢) -
- وتكيف المرئي أمر لازم * فتبين القول الصحيح من السفه -
السادس إثبات الحسن والقبح العقليين قالت الامامية والمعتزلة
العقل يحكم بان في الأشياء ما هو حسن بمعنى أن فاعله يستحق على فعله
المدح عاجلا والثواب آجلا وفيها ما هو قبيح يستحق فاعله الذم عاجلا
والعقاب آجلا فالحسن حسن بنفسه والقبيح قبيح في نفسه سواء أحكم
الشارع بذلك أم لا.
وقالت الأشاعرة ليس في العقل ما يدل على الحسن والقبح بهذا المعنى
بل في الشرع فما حسنه فهو الحسن وما قبحه فهو القبيح.
السابع قالت الامامية والمعتزلة والزيدية إن الأفعال الصادرة من
العبد و صفاتها كلها واقعة بقدرة العبد واختياره وإنه ليس بمجبور على أفعاله
بل هو فاعل بالاختيار وله ان يفعل وله ان لا يفعل.
وقال أبو الحسن الأشعري ومن تابعه إن الافعال كلها واقعة بقدرة
الله تعالى وإنه لا فعل للعبد أصلا وقال بعض الأشعرية ذات الفعل من الله
والكسب من العبد وفسروا الكسب بأنه كون الفعل طاعة أو معصية وقال
بعضهم معناه إن العبد إذ عزم على الشئ خلق الله الفعل عقيبه وقال سعد
الدين التفتازاني في شرح العقائد النسفية صرف العبد قدرته وإرادته إلى
الفعل كسب وإيجاد الله تعالى عقيب ذلك خلق.
الثامن استحالة القبيح عليه تعالى قالت الامامية والمعتزلة
يستحيل عليه تعالى فعل القبيح وقالت الأشاعرة هو فاعل الكل الحسن والقبيح قال
التفتازاني في شرح العقائد النسفية إن قيل كيف كان كسب القبيح قبيحا
سفها موجبا لاستحقاق الذم والعقاب بخلاف خلقه قلنا لأنه قد ثبت ان
الخالق حكيم لا يخلق شيئا إلا وله عاقبة حميدة وإن لم نطلع عليها فجزمنا
بان ما نستقبحه من الأفعال قد يكون له فيها حكم ومصالح كما في خلق
الأجسام الخبيثة الضارة بخلاف الكسب فإنه قد يفعل الحسن وقد يفعل
القبيح اه‍.
التاسع استحالة تكليف ما لا يطاق. قالت الامامية والمعتزلة
يستحيل عقلا أن يكلف الله تعالى بما لا يطاق لأنه قبيح وقالت الأشاعرة
إن ذلك ليس بمستحيل عقلا ولا قبيح لكنه غير واقع وهذا بناء على إنكارهم
الحسن والقبح العقليين.
العاشر إن أفعاله تعالى معللة بالعلل والأغراض قال به الإمامية
والمعتزلة لئلا يكون عابثا وقالت الأشاعرة إنه تعالى لا يفعل لغرض وإلا
لكان ناقصا مستكملا بذلك الغرض.
الحادي عشر عصمة الأنبياء ع قالت الشيعة: إن
الأنبياء معصومون عن الذنوب من الكفر والصغائر والكبائر بعد البعثة
وقبلها عمدا وسهوا والمحكي عن أكثر المعتزلة موافقتهم على ذلك لكن
السيد المرتضى حكى عن المعتزلة خلاف ذلك وإن كان أخيرا أرجع أقوال
المعتزلة إلى قول الشيعة كما ستعرف وما ورد في الكتاب العزيز والاخبار مما
يوهم صدور الذنب منهم فمحمول على ترك الأولى جمعا بين دلالة العقل
وصحة النقل مع أن جميع ذلك قد ذكر له وجوه ومحامل في مواضعه وألف
الشريف المرتضى علم الهدى في ذلك كتابا سماه تنزيه الأنبياء والأئمة
وصنف في ذلك غيره أيضا.
قال المرتضى في الكتاب المذكور: اختلف الناس في الأنبياء ع
فقالت الشيعة الإمامية لا يجوز عليهم شئ من المعاصي والذنوب
كبيرا كان أو صغيرا لا قبل النبوة ولا بعدها وجوز أصحاب الحديث
والحشوية على الأنبياء الكبائر قبل النبوة ومنهم من جوز ذلك في حال النبوة
بشرط الاستتار دون الاعلان ومنهم من جوز على الأحوال كلها ومنعت
المعتزلة من وقوع الكبائر والصغائر المستخفة من الأنبياء ع قبل
النبوة وفي حالها وجوزت في الحالين وقوع ما لا يستخف من الصغائر ثم
اختلفوا فمنهم من جوز على النبي الاقدام على المعصية الصغيرة على سبيل
العمد ومنهم من منع ذلك وقال إنهم لا يقدمون على الذنوب التي يعلمونها
ذنوبا بل على سبيل التأويل وحكى عن النظام وجعفر بن مبشر وجماعة ممن
تبعهما إن ذنوبهم لا تكون إلا على سبيل السهو والغفلة وإنهم مؤاخذون
بذلك وإن كان موضوعا عن أممهم لقوة معرفتهم وعلو مرتبتهم ثم قال
واعلم أن الخلاف بيننا وبين المعتزلة في تجويزهم الصغائر على الأنبياء
ص يكاد يسقط عند التحقيق لأنهم إنما يجوزون من الذنوب
ما لا يستقر له استحقاق عقاب وإنما يكون حظه تنقيص الثواب على
اختلافهم أيضا في ذلك لأن أبا علي الجبائي يقول إن الصغير يسقط عقابه
بغير موازنة فكانهم معترفون بأنه لا يقع منهم ما يستحقون به الذم والعقاب
وهذه موافقة للشيعة في المعنى لأن الشيعة إنما تنفي عن الأنبياء ع
جميع المعاصي من حيث كان كل شئ منها يستحق به فاعله الذم

(١) البلكفة القول بأنه يرى بلا كيف.
(٢) لا - إشارة إلى قوله تعالى لا تدركه الإبصار (ولن) إشارة إلى قوله تعالى لن تراني (والقدقفة)
إشارة إلى قول أم المؤمنين عائشة لما ذكر عندها رؤية الباري تعالى: قد وقف شعري
استنكارا لذلك واستعظاما له.
- المؤلف -
(١٠٩)

والعقاب لأن الاحباط باطل عندهم وإذا بطل الاحباط فلا معصية إلا
يستحق فاعلها الذم والعقاب فإذا كان استحقاق الذم والعقاب منفيا عن
الأنبياء ع وجب أن ينفى عنهم سائر الذنوب ويصير الخلاف بين
الشيعة والمعتزلة متعلقا بالاحباط فإذا بطل الاحباط فلا بد من الاتفاق
على أن شيئا من المعاصي لا يقع من الأنبياء من حيث يلزمهم استحقاق
الذم والعقاب اه‍.
وقال السعد التفتازاني في شرح العقائد النسفية: الأنبياء معصومون
عن الكذب خصوصا فيما يتعلق بتبليغ الأحكام أما عمدا فبالإجماع وأما
سهوا فعند الأكثرين ومعصومون عن الكفر قبل الوحي وبعده بالاجماع وكذا
عن تعمد الكبائر عند الجمهور خلافا للحشوية وإنما الخلاف في امتناعه
بدليل السمع أو العقل وأما سهوا فجوزه الأكثرون وأما الصغائر فتجوز
عمدا عند الجمهور خلافا للجبائي وأتباعه وتجوز سهوا بالاتفاق إلا ما يدل
على الخسة كسرقة لقمة والتطفيف بحبة لكن المحققين اشترطوا أن ينبهوا
عليه فينتبهوا هذا كله بعد الوحي أما قبله فلا دليل على امتناع لأنها توجب
النفرة المانعة عن اتباعهم فتفوت مصلحة البعثة. والحق منع ما يوجب
النفرة كعهر الأمهات والفجور والصغائر الدالة على الخسة. ومنع الشيعة
صدور الصغيرة والكبيرة قبل الوحي وبعده لكنهم جوزوا إظهار الكفر تقية
اه.
الثاني عشر إن النبي ص لم يكن متعبدا بالاجتهاد فيما لا نص
فيه بل لا يتعبد إلا بالوحي وما لم يوح إليه في أمره ينتظر فيه الوحي قال
بذلك الشيعة وقال العضدي في شرح مختصر المنتهى لابن الحاجب هل كان
النبي ص متعبدا بالاجتهاد فيما لا نص فيه اختلف في جوازه ووقوعه
المختار وقوعه وبه قال أبو يوسف وغيره اه‍.
الثالث عشر الإمامة قالت الشيعة الاثنا عشرية: الامام يجب ان
يكون منصوبا من قبل الله ويجب ان يكون معصوما وأن يكون أكمل أهل
زمانه وأفضلهم كما مر. وقالت الأشاعرة والمعتزلة والزيدية الإمامة تكون
بالاختيار فمن اختير صار إماما واجب الطاعة ولا يشترط أهل زمانه وإنما
يشترط عند الزيدية ان يكون من ولد علي وفاطمة وأن يكون شجاعا عالما
يخرج بالسيف وشرطين آخرين قال السيد في شرح العقائد النفسية:
الاجماع على أن نصب الإمام واجب وإنما الخلاف في أنه يجب على الله تعالى
أو على الخلق بدليل سمعي أو عقلي والمذهب أنه يجب على الخلق سمعا
بقوله ع: من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية ولأن
الأمة قد جعلوا أهم المهمات بعد وفاة النبي ع نصب الإمام حتى
قدموه على الدفن ولتوقف كثير من الواجبات الشرعية عليه كإقامة الحدود
وسد الثغور وغيرها. وفي العقائد النسفية وشرحها للسعد: الخلافة ثلاثون
سنة ثم بعدها ملك وإمارة لقوله ع: الخلافة بعدي ثلاثون سنة
ثم تكون ملكا عضوضا وقد استشهد علي ع على رأس ثلاثين سنة
من وفاته ص فمعاوية ومن بعده ملوك لا خلفاء ويشكل بان أهل الحل
والعقد اتفقوا على خلافة العباسية وبعض المروانية كعمر بن عبد العزيز.
وأيضا يلزم أن يكون الزمان بعد الراشدين خاليا عن الامام فتكون ميتة
أهله كلها جاهلية إلا أن يراد الخلافة الكاملة أو انقضاء دور الخلافة دون
الإمامة بناء على أن الامام أعم لكن هذا الاصطلاح لم نجده بل من الشيعة
من يزعم أن الخليفة أعم ولهذا يقولون بخلافة الأئمة الثلاثة دون إمامتهم
أما بعد العباسية فالامر مشكل. قال: ويكون الإمام من قريش ولا يجوز
من غيرهم ولا يختص ببني هاشم وأولاد علي يعني يشترط ان يكون الامام
قرشيا لقوله ع الأئمة من قريش وهذا وإن كان خبر واحد لكن لما
رواه أبو بكر محتجا به على الأنصار لم ينكره أحد فصار مجمعا عليه لم يخالف
إلا الخوارج وبعض المعتزلة ويشترط أن يكون من أهل الولاية المطلقة
الكاملة أي مسلما حرا ذكرا عاقلا بالغا ولا ينعزل بالفسق والجور وعن
الشافعي إنه ينعزل بالفسق والجور وكذا القاضي والمسطور في كتب الشافعية
إن القاضي ينعزل بالفسق بخلاف الامام اه.
وفي تنزيه الأنبياء والأئمة: جوز المعتزلة والحشوية وأصحاب الحديث
على الأئمة الكبائر والصغائر إلا أنهم يقولون إن بوقوع الكبيرة من الامام
تفسد إمامته ويجب عزله والاستبدال به اه‍.
مذهب الشيعة في أصول الفقه
الفقه عندهم هو العلم بالأحكام الشرعية الفرعية عن أدلتها
التفصيلية والعالم بها كذلك هو الفقيه ويقال له المجتهد والأحكام المذكورة
خمسة الوجوب والندب والتحريم والكراهة والإباحة فالواجب ما يثاب على
فعله ويعاقب على تركه والحرام بالعكس والمندوب ما يثاب على فعله ولا
يعاقب على تركه والمكروه بالعكس والمباح ما لا يثاب على فعله ولا يعاقب
على تركه وأدلة الأحكام المذكورة أربعة: الكتاب والسنة والاجماع والعقل
واقتصر الاخبارية منهم على الكتاب والسنة وعلم الأصول هو الباحث عن
هذه الأدلة الأربعة.
مذهبهم في الاجتهاد
إن بابه مفتوح وأنه ممكن في كل زمان وواقع لمن جمع شروطه الآتية
وأنه واجب على الكفاية وإن من بلغ درجة الاجتهاد وجب عليه العمل برأيه
ولم يجز له تقليد غيره وجاز للعوام تقليده ويحكى عن فقهاء حلب من الشيعة
أنهم أوجبوا الاجتهاد عينا وهو قول متروك. ومذهبهم أنه ليس كل مجتهد
مصيب بل لله تعالى في كل واقعة حكم أصابه من أصابه وأخطاه من اخطأه
فان أصابه المجتهد وإلا فهو ومقلده معذوران مع عدم التقصير. وإنه لا
يجوز الاجتهاد فيما قابل النص من ظاهر كتاب أو نصهما ولا فيما خالف
اجماع المسلمين ولا فيما خالف ما استقل به العقل. واقفل غيرنا باب
الاجتهاد واكتفوا بالرجوع إلى أحد المذاهب الأربعة المعروفة إلا حيث
يضطرهم الحال كما في بعض مسائل الوقف. وحسنا فعلوا فإنه لو بقي باب
الاجتهاد مفتوحا عندهم على مصراعيه مع القول بالقياس والاستحسان
والمصالح المرسلة لتغير الكثير أو الأكثر من احكام الشرع. أما الشيعة فلما
كانت دائرة الاجتهاد عندهم ضيقة لعدم استنادهم إلى القياس ورفيقيه لم
يقع من فتحهم باب الاجتهاد ضرر.
مذهبهم في التقليد
إنه يجب على العامل تقليد المجتهد العدل الحي وبعضهم يوجب
تقليد الأعلم عند تعدد المجتهدين ولا يجوز تقليد غير المجتهد ولا المجتهد
الفاسق ولا تقليد الميت ابتداء إلا عند الأخباريين منهم واختلفوا في جواز
البقاء على تقليد الميت. وقالت الاخبارية منهم لا يجوز الاجتهاد ولا التقليد
بل يجب الرجوع إلى قول المعصوم للقادر عليه لكونه من أهل العلم وغيره
يرشده العالم إلى اخذه من الاخبار وهذا في الحقيقة قول بالاجتهاد والتقليد
فهو شبيه بالنزاع اللفظي ولذلك نسبنا إليهم القول بجواز تقليد الميت ابتداء
(١١٠)

ولا يجوز العمل بدون اجتهاد ولا تقليد في غير الضروريات.
مذهبهم في محل الاجتهاد والتقليد
هو إن ما كان من هذه الأحكام الأربعة المتقدمة ضروريا بحيث
يعرفه النساء والصبيان والعوام كوجوب الصلاة والصيام والزكاة والحج وإن
الصلوات اليومية خمس وعدد ركعاتها وتحريم الخمر والزنا واللواط والكذب
والميتة وإباحة لحوم الغنم والبقر والإبل وغير ذلك لا يحتاج إلى اجتهاد ولا
تقليد ومن أنكر شيئا منه فهو خارج عن الاسلام وما كان منها لم يصل إلى
حد الضرورة كاحكام الشكوك في الصلاة وسجود السهو ومقدار ما تجب فيه
الزكاة وجملة من أحكام الطهارة والصلاة والصوم والحج وتحريم التدخين
وإباحته وكل ما لا نص فيه وجملة من احكام البيع والإجارة والنكاح
والطلاق والميراث وغير ذلك فهذا تجب معرفته أما بالاجتهاد أو التقليد.
شروط الاجتهاد عند الشيعة
المبيحة للقضاء والإفتاء
ذكر العلامة في القواعد أن شرطه معرفة تسعة أشياء الكتاب والسنة
والاجماع والخلاف وأدلة العقل من البراءة الأصلية وغيرها ولسان العرب
وأصول العقائد وأصول الفقه وشرائط البرهان.
أما الكتاب فيحتاج إلى معرفة عشرة أشياء: العام والخاص
والمطلق والمقيد والمحكم والمتشابه والمجمل والمبين والناسخ والمنسوخ في
الآيات المتعلقة بالأحكام وهي نحو خمسمائة آية ولا يلزم معرفة جميع آيات
القرآن العزيز.
وأما السنة فيلزم معرفة ما يتعلق منها بالأحكام دون غيرها
ويعرف المتواتر والآحاد والمسند والمتصل والمنقطع والمرسل ويعرف الرواة
ويعرف مسائل الاجماع والخلاف وأدلة العقل وتعارض الأدلة والترجيح
ويعرف من لسان العرب من اللغة والنحو والصرف قدر ما يتعلق بالقرآن
المحتاج إليه والسنة المفتقر إليها ويشترط كونه ذا قوة يتمكن بها من
استخراج الفروع من الأصول ولا يكفيه حفظ ذلك كله من دون قوة
الاستخراج ولا يشترط معرفة المسائل التي فرعها الفقهاء واختلفوا في تجزي
الاجتهاد.
مذهبهم في أدلة الأحكام الفرعية الأربعة
أما الكتاب فهو القرآن الكريم واعتقادهم أنه كلام الله ووحيه
وتنزيله وأنه ما بين الدفتين وهو ما في أيدي الناس ليس بأكثر من ذلك ولا
أقل. قال الشيخ محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي المعروف
بالصدوق في رسالته في اعتقادات الشيعة الإمامية: اعتقادنا في القرآن انه
كلام الله ووحيه وتنزيله وقوله وكتابه وأنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا
من خلفه تنزيل من حكيم حميد وإن الله تبارك وتعالى محدثه ومنزله وحافظه
وأنه ما بين الدفتين وهو ما في أيدي الناس ليس بأكثر من ذلك ومن نسب
إلينا إنا نقول أنه أكثر من ذلك فهو كاذب اه‍. وبذلك قال المرتضى
في المسائل الطرابلسيات واحتج عليه وحكى عليه اجماع المسلمين عدى شاذ
من الشيعة وحشوية أهل السنة سبقهم الاجماع ولحقهم كما مر مفصلا في
البحث السادس وإن في القرآن النص والظاهر والمأول والمجمل والناسخ
والمنسوخ والعام والخاص والمطلق والمقيد وإن الحجة منه النص والظاهر دون
المأول والمجمل والمنسوخ.
وأما السنة وهي قول المعصوم أو فعله أو تقريره فما نقل منها
فالحجة منه بحسب السند ما كان متواترا أو محفوفا بقرائن توجب العلم
بصدوره أما خبر الواحد وهو ما لم يقطع بصدوره ففيه خلاف والمشهور
والذي استقرت عليه الكلمة إن ما كان منه صحيحا روته العدول عن
العدول أو محفوفا بقرائن توجب الوثوق بصدوره فهو حجة وما كان ضعيف
السند لم يصل إلى هذه المرتبة أو صحيح السند ولكن خلف المشهور أو
أعرض عنه العلماء فليس بحجة أما من حيث الدلالة ففيه ما مر في
الكتاب.
وأما الاجماع وهو اتفاق أهل الحل والعقد من أمة محمد ص
على أمر ديني فهو حجة عندهم لاعتقادهم بعدم خلو عصر عن المعصوم وأنه
رئيس أهل الحل والعقد واجماع علماء الأمة أيضا حجة عندهم لكشفه عن
رأي المعصوم أو وجود دليل معتبر من باب استكشاف قول المتبوع باتفاق
اتباعه الذين لا يصدرون إلا عن قوله كما يعلم قول الإمام الشافعي باتفاق
الشافعية وقول الإمام أبي حنيفة باتفاق الحنفية وغير ذلك.
وأما دليل العقل فهو على ما في المعتبر والذكرى قسمان الأول
ما لا يتوقف على الخطاب والثاني ما يتوقف على الخطاب أما القسم
الأول فهو على أقسام أحدها ما يستفاد من قضية العقل لاستقلاله
بحسنه أو قبحه أو غيرهما كوجوب قضاء الدين ورد الوديعة والعدل
والإنصاف وحسن الصدق النافع وقبح الظلم وحرمته والكذب مع عدم
الضرورة وحسن الاحسان واستحبابه وكراهة اقتباس الناس النار (١) وإباحة
تناول النافع الخالية عن الضرر وورود السمع في هذه مؤكد. وقال المحقق
في المعتبر والشهيد في الذكرى أن كل واحد منها كما يكون ضروريا فقد
يكون كسبيا ومثل له في المعتبر برد الوديعة مع الضرر وقبح الكذب مع
النفع وفي الذكرى بالصدق النافع والضار ومرادهما أن الصدق النافع
والكذب مع عدم الضرورة ورد الوديعة مع عدم الضرر يحكم بها العقل
حكما ضروريا لا يحتاج إلى النظر والاستدلال أما قبح الصدق الضار وعدم
قبح الكذب النافع وعدم وجوب رد الوديعة مع الضرر فحكم العقل به
كسبي لا ضروري لأنه يحتاج إلى النظر والاستدلال ثانيها البراءة
الأصلية فيما لا نص فيه بوجوب ولا تحريم بعد الفحص لاستقلال العقل
بقبح العقاب بلا بيان ومنه قولهم عدم الدليل على كذا فيجب انتفاؤه وهذا
يكون مع الشك في الوجوب. ومثل له المحقق في المعتبر بقولنا ليس الوتر
واجبا لأن الأصل براءة العهدة قال ومنه أن يختلف الفقهاء في حكم
بالأقل والأكثر فنقتصر على الأقل كما يقول بعض الأصحاب في عين الدابة
نصف قيمتها ويقول الآخر ربع قيمتها فيقول المستدل ثبت الربع اجماعا فينتفي
الزائد نظرا إلى البراءة الأصلية ويكون مع الشك في التحريم كالشك في حرمة
التدخين وحرمة شرب قهوة البن فيقال لم يقم دليل على التحريم والأصل براءة
الذمة.
وأنكر الاخبارية من الامامية البراءة الأصلية وأوجبوا الاحتياط في
مواردها للاخبار الآمرة بالاحتياط الحاثة عليه المحمولة على الاستحباب أو
مورد العلم بالتكليف والشك في المبرئ المعارضة بقولهم ع كل
شئ فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه

(١) هكذا ذكره الشهيد في الذكرى والظاهر أن المراد به أخذ قبس من النار فإن العقل يحكم
بكراهته بمعنى إن تركه أولي من فعله لأحتمال أن تعلق النار بصيابه أو بغيرها وهو معنى
الكراهة.
(١١١)

وأمثاله ثالثها ما قيل أن الأصل في المنافع الإباحة.
وأما القسم الثاني من أقسام دليل العقل وهو ما يتوقف على
الخطاب فهو أقسام الأول مقدمة الواجب المطلق أو مقدمة ترك المعلوم
وجوبه أو حرمته سواء أ توقف عليه وجوده أم لا كالطهارة للصلاة وقطع
المسافة للحج أو العلم بوجوده كتكرير الصلاة عند اشتباه الفائتة أو اشتباه
القبلة أو العلم بنجاسة أحد الثوبين المنحصر فيهما الساتر وغسل زيادة على
الحد في الوضوء والغسل الترتيبي وستر أقل الزائد على العورة وستر شئ
من الوجه للمرأة في الصلاة وترك الإنائين المعلوم نجاسة أحدهما واشتبها
وتسمى هذه بالمقدمة العلمية وإنما وجبت لأن العلم بالتكليف حاصل فيلزم
الخروج من عهدته ولا يحصل العلم بالخروج إلا بذلك والحاكم بذلك
العقل الثاني استلزام الأمر بالشئ النهي عن ضده كما يستدل على
بطلان الواجب عند مزاحمته لواجب مضيق متعلق بحق الله تعالى أو بحق
آدمي فيقال ببطلان الصلاة في الوقت الموسع عند ترك إزالة النجاسة عن
المسجد المضيق وجوبها وببطلانها كذلك عند ترك أداء الدين المطالب به.
الثالث لحن الخطاب وهو ما استفيد من المعنى ضرورة كقوله
تعالى: إن اضرب بعصاك الحجر فانفلق. أي فضرب به فانفلق.
الرابع فحوى الخطاب وهو أن يكون المسكوت عنه أولى بالحكم
كقوله تعالى: ولا تقل لهما أف. فيحكم العقل بحرمة الضرب من
حرمة التأفيف.
الخامس دليل الخطاب ويسمى بالمفهوم كمفهوم الشرط والوصف
والعدد والغاية والحصر وفيه كلام وخلاف محرر في الأصول. والمتأخرون
على القول به أدخلوه في دلالة اللفظ دون العقل.
السادس تزاحم الواجبين والمحرمين والواجب والمحرم فيحكم
العقل بتقديم المعلوم أهميته من العقل أو الشرع كتزاحم حرمة قطع الصلاة
أو وجوبها مع وجوب انقاذ الغريق وحرمة استقبال القبلة عند التخلي مع
حرمة كشف العورة وحرمة لمس بدن الأجنبية مع انقاذها من الغرق أو
الحرق أو تطبيبها إلى غير ذلك، ومع عدم العلم بالأهمية بالتخيير.
أما الاستصحاب فاعتبر جماعة من قدماء الشيعة حجيته بالعقل
فيدخل في الأدلة العقلية المتوقفة على الخطاب وهو المسمى باستصحاب حال
الشرع كالمتوضئ يشك في انتقاض وضوئه. والذي استقرت عليه الكلمة
في هذا العصر أن حجيته بدلالة الأخبار فلا يكون من الأدلة العقلية.
وأما القياس وهو الحاق الفرع بالأصل لجامع بينهما كالحاق النبيذ
بالخمر في النجاسة وحرمة الشرب وإيجاب الحد بجامع الاسكار وكإلحاق
القتل بالمثقل بالقتل بالمحدد بجامع شدة التأثير فهو ليس بداخل في حكم
العقل عند الشيعة إذا كانت العلة مستنبطة أما إذا كانت منصوصة فالأكثر
على الحجية كما إذا ورد حرمت الخمر لاسكارها. وورد عن أئمة أهل
البيت لا سيما عن الإمام جعفر الصادق إنكار العمل بالقياس ويحكى عن
الحسن بن أبي عقيل العماني من قدماء علماء الشيعة في أوائل المائة الرابعة
أنه عمل بالقياس. قال المحقق في المعتبر أما القياس فلا يعتمد عليه عندنا
لعدم اليقين بثمرته فيكون العمل به عملا بالظن المنهي عنه ودعوى الاجماع
من الصحابة على العمل به لم تثبت بل أنكره جماعة منهم اه‍.
وأما الاستحسان وعرفوه بأنه دليل ينقدح في ذهن الفقيه يعجز
عن التعبير عنه وقيل في تعريفه عبارات أخرى كثيرة لا حاجة بنا إلى نقلها
فهو أيضا ليس بحجة عند الشيعة.
وأما المصالح المرسلة وهي مصالح لا يشهد لها أصل بالاعتبار في
الشرع فلا معول عليها عند الشيعة ما لم ينص عليه الشرع أو يحكم بها
العقل.
ما انفردت به الشيعة الإمامية في أصول الفقه
قد عرفت أن أدلة الفقه عند الشيعة أربعة الكتاب والسنة والاجماع
ودليل العقل كما هي عند أهل السنة. ولكن الاجماع عند الشيعة ليس
حجة بنفسه بل إما لدخول المعصوم في المجمعين أو لكشفه عن رأيه من
باب استكشاف قول الرئيس بقول اتباعه أو عن وجود دليل معتبر، فهو في
الحقيقة داخل في السنة.
ودليل العقل عند الشيعة لا يدخل فيه القياس والاستحسان والمصالح
المرسلة فكل ذلك ليس حجة عندهم كما مر. وقال بحجية القياس
أصحاب المذاهب الأربعة وأكثر الفقهاء. ولعدم عمل الشيعة بالقياس لم
تنتشر الأقوال ولم تكثر في مسائل الفقه عندهم مع فتحهم باب الاجتهاد
لعدم عملهم بهذه الثلاثة ولولا سد باب الاجتهاد عند غيرهم لانتشرت
الأقوال انتشارا عظيما فسده عند غيرهم كان أقرب إلى المصلحة. ووافق الشيعة في عدم العمل بالقياس النظام وجماعة من معتزلة بغداد
كيحيى الإسكافي وجعفر بن مبشر وجعفر بن حرب ووافقهم أيضا غير هؤلاء ممن لم
تحضرنا أسماؤهم حال التحرير.
وأما الاستحسان فقال به أصحاب أبي حنيفة وأحمد بن حنبل
وأنكره الباقون حتى نقل عن الشافعي أنه قال: من استحسن فقد شرع
ذكره الآمدي في الأحكام وابن الحاجب في المنتهى.
وأما المصالح المرسلة فنقل عن مالك القول بها وأنكرها باقي
الفقهاء كما في الأحكام للآمدي.
مذهب الشيعة في اجتهاد المجتهد
مذهبهم أنه ليس كل مجتهد مصيب بل لله في كل واقعة حكم أصابه
من أصابه واخطاه من اخطاه فإن لم يكن المجتهد مقصرا في اجتهاده فأخطأ
فهو معذور.
وقال القاضي أبو بكر الباقلاني وأبو الهذيل العلاف والجبائي وابنه
وهم رؤساء المعتزلة: المسائل الظنية من الفقهيات التي ليس فيها نص كل
مجتهد فيها مصيب وإن حكم الله فيها لا يكون واحدا بل هو تابع لظن
المجتهد وقال آخر: المصيب فيها واحد ومن عداه مخطئ. ومنهم من نقل
عنه القولان التخطئة والتصويب كالشافعي وأبي حنيفة وأحمد بن حنبل
والأشعري، نقل ذلك كله الآمدي في الأحكام وابن الحاجب في المنتهى.
مذهبهم في حكم الحاكم
أنه ينفذ ظاهرا في فصل الخصومات ما لم يعلم فساده بمعنى أنه لا
يجوز نقضه ولا الرد عليه وليس بنافذ واقعا وعلى كل حال فمن علم أن
دعواه باطلة ليس له أخذ الحق وإن حكم به الحاكم وإن اخذه فهو آثم ومن
أقام شاهدي زور على طلاق امرأة فحكم به الحاكم ليس له أن يتزوجها،
وإذا علم الحاكم بذلك وجب عليه نقض الحكم، وقال الإمام أبو حنيفة
(١١٢)

ينفذ ظاهرا وواقعا وهو نظير التصويب في الاجتهاد، فلو أن شاهدين شهدا
زورا عند قاض أن فلانا طلق زوجته وهما يعلمان أن شهادتهما زور ففرق
القاضي بينهما فلأحد الشاهدين أن يتزوجها، ولو علم القاضي بعد ذلك
ليس له أن يفرق بينهما لكن المدعي بذلك آثم وشهوده آثمون. نقله الطيب
في تاريخ بغداد في ترجمة الامام أبي حنيفة وأقره عليه صاحب حاشيته في
النسخة المطبوعة.
وقالت الشيعة والامام الرازي والمعتزلة لا يجوز التكليف بما علم الآمر
انتفاء شرط وقوعه عند وقته وجوزه جمهور الأشاعرة حكاه العضد في شرح
مختصر ابن الحاجب.
مذهبهم في الصحابة
وقالت الشيعة حكم الصحابة في العدالة حكم غيرهم ولا يتحتم
الحكم بها بمجرد الصحبة وهي لقاء النبي ص مؤمنا به ومات على
الاسلام على ما قال ابن حجر في الإصابة أنه أصح ما وقف عليه في
تعريف الصحابي. وإن ذلك ليس كافيا في ثبوت العدالة بعد الاتفاق على
عدم العصمة المانعة من صدور الذنب فمن علمنا عدالته حكمنا بها وقبلنا
روايته ولزمنا له من التعظيم والتوقير بسبب شرف الصحبة ونصرة الاسلام
والجهاد في سبيل الله ما هو أهله، ومن علمنا منه خلاف ذلك لم تقبل
روايته، أمثال مروان بن الحكم والمغيرة بن شعبة والوليد بن عقبة وبسر بن
أرطاة وبعض بني أمية وأعوانهم ومن جهلنا حاله في العدالة توقفنا في قبول
روايته.
وقال ابن حجر في الإصابة: اتفق أهل السنة على أن جميع الصحابة
عدول ولم يخالف في ذلك إلا شذوذ من المبتدعة. قال: وقد ذكر
الخطيب في الكفاية فصلا نفيسا في ذلك فقال: عدالة الصحابة ثابتة معلومة
بتعديل الله لهم: كنتم خير أمة أخرجت للناس. وكذلك: جعلناكم أمة
وسطا. لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة. السابقون
الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم باحسان رضي الله عنهم
ورضوا عنه. يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين. للفقراء
المهاجرين الذين اخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا
وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون. في آيات كثيرة وأحاديث
شهيرة على أنه لو لم يرد من الله ورسوله فيهم شئ لأوجبت الحال التي كانوا
عليها من الهجرة والجهاد ونصرة الاسلام القطع على تعديلهم، ثم روي
عن أبي زرعة الرازي أنه قال إذا رأيت الرجل ينتقص أحدا من أصحاب
رسول الله ص فاعلم أنه زنديق لأن الرسول حق والقرآن حق وما جاءا
به حق وإنما أدى ذلك كله إلينا الصحابة وهؤلاء يريدون أن يجرحوا شهودنا
ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى وهم زنادقة اه‍ ثم حكى
ابن حجر عن ابن حزم أنه قال: الصحابة كلهم من أهل الجنة قطعا قال
الله تعالى: لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم
درجة من الذين انفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى وقال تعالى
إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون. قال والأحاديث
الواردة في تفضيل الصحابة كثيرة وأورد منها قوله ص الله الله في
أصحابي لا تتخذوهم غرضا فمن أحبهم فبحبي أحبهم ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم
ومن آذاهم فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ومن آذى
الله فيوشك أن يأخذه والذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما
أدرك مدى أحدهم ولا نصيفه. خير الناس قرني ثم الذين يلونهم. أنتم
توفون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله عز وجل. إن الله اختار
أصحابي على الثقلين سوى النبيين والمرسلين اه.
وعن أبي المعالي الجويني أنه قال: إن رسول الله ص نهى عن
الكلام فيما شجر بين أصحابه وقال إياكم وما شجر بين صحابتي وقال دعوا
إلي أصحابي الحديث السابق وقال أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم
اهتديتم وقال: خيركم القرن الذي أنا فيه ثم الذي يليه ثم الذي يليه
وقال: وما يدريك لعل الله أطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم
فقد غفرت لكم قال: ثم أن تلك الأحوال قد غابت عنا وبعدت
أخبارها على حقائقها فلا يليق بنا أن نخوض فيها ولو كان واحد من هؤلاء
قد أخطأ لوجب أن يحفظ رسول الله ص فيه فمن المروءة أن يحفظ
رسول الله ص في زوجته وابن عمته وفي الذي وقاه بيده وما الذي
أوجب علينا البراءة من أحد وأي ثواب في ذلك وإن الله تعالى لا يقول
للمكلف يوم القيامة لم لم تبرأ من فلان بل قد يقول لم برئت ولو أن إنسانا لم
يلعن إبليس طول عمره لم يكن آثما ولو جعل عوض اللعن استغفر الله لكان
خيرا له قال: ثم كيف يجوز للعامة أن تدخل أنفسها في أمور الخاصة
وأولئك قوم كانوا امراء هذه الأمة وقادتها أ ليس يقبح من الرعية أن تخوض
في دقائق أمور الملك وشؤونه التي تجري بينه وبين أهله ومن الأدب أن تحفظ
أم حبيبة وهي أم المؤمنين في أخيها معاوية وقد قال الله تعالى، عسى الله
أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة فكانت هذه المودة مصاهرته
ص أبا سفيان فكيف يجوز ذم من جعل الله بينه وبين رسوله مودة على
أن جميع ما ينقله الشيعة من الاختلاف بينهم والمشاجرة لم يثبت ولم يكن
القوم إلا كبني أم واحدة ولم يتكدر باطن أحد منهم على صاحبه قط ولا وقع
بينهم اختلاف ولا نزاع اه‍.
أقول: دعوى ابن حجر إتفاق أهل السنة على عدالة جميع
الصحابة ينافيه تصريح ابن الحاجب في مختصر الأصول والعضدي في شرحه
بنسبة ذلك إلى الأكثر قال وقيل كغيرهم وقيل إلى حين وقوع الفتن فلا يقبل
الداخلون من الطرفين اه. وقال الآمدي في الأحكام في أصول
الاحكام: اتفق الجمهور من الأئمة على عدالة الصحابة وقال قوم ان
حكمهم في العدالة حكم من بعدهم في لزوم البحث عن عدالتهم عند
الرواية ومنهم من قال إلى حين ما وقع من الاختلاف والفتن فيما بينهم
اه.
ومما يمكن أن يذكر في المقام ان النبي ص توفي ومن رآه وسمع منه
زيادة على مائة ألف إنسان من رجل وامرأة على ما حكاه ابن حجر في
الإصابة عن أبي زرعة الرازي. وقيل مات ص عن مائة وأربعة عشر
ألف صحابي ومن الممتنع عادة ان يكون هذا العدد في كثرته وتفرق أهوائه
وكون النفوس البشرية مطبوعة على حب الشهوات كلهم قد حصلت لهم
ملكة التقوى المانعة عن صدور الكبائر والإصرار على الصغائر بمجرد رؤية النبي
ص والايمان به ونحن نعلم أن منهم من أسلم طوعا ورغبة في
الاسلام ومنهم من أسلم خوفا وكرها ومنهم المؤلفة قلوبهم. وما كانت
هذه الأمة إلا كغيرها من الأمم التي جبلت على حب الشهوات وخلقت فيها
الطبائع القائدة إلى ذلك إن لم يردع رادع والكل من
بني آدم وقد صح عنه ص إنه قال لتسلكن سنن من قبلكم حذو النعل
بالنعل والقذة بالقذة حتى لو دخل أحدهم جحر ضب لدخلتموه. ولو
(١١٣)

منعت رؤية النبي ص من وقوع الذنب لمنعت من الارتداد الذي حصل
من جماعة منهم كعبد الله بن جحش وعبيد الله بن خطل وربيعة بن أمية بن
خلف والأشعث بن قيس (١) وغيرهم. هذا مع ما شوهد من صدور أمور
من بعضهم لا تتفق مع العدالة كالخروج على أئمة العدل وشق عصا
المسلمين وقتل النفوس المحترمة وسلب الأموال المعصومة والسب والشتم
وحرب المسلمين وغشهم والقاح الفتن والرغبة في الدنيا والتزاحم على
الإمارة والرياسة وغير ذلك مما كفلت به كتب الآثار والتواريخ وملأ
الخافقين. وأعمال مروان بن الحكم في خلافه عثمان معلومة مشهورة
وكذلك بسر بن أرطاة والمغيرة بن شعبة والوليد بن عقبة وكلهم من
الصحابة.
وحمل ذلك كله على الخطا في الاجتهاد لا يقبله عاقل ويشبه خدعة
الصبي عن اللبن ويفتح باب العذر لكل من يريد ارتكاب أمثال ذلك وما
الذي سوع الاجتهاد لأولئك في قتل النفوس ونهب الأموال والقاح الفتن
مقابل النص وحظره على من بعدهم وكيف يقبل عقل عاقل ان يكون سل
السيف في وجه علي بن أبي طالب يوم صفين وقتل الألوف من المسلمين
وسبه على المنابر السنين المتطاولة وقتل من لا يتبرأ منه وإعطاء الجوائز العظام
وتولية الولايات لمن يختلق حديثا في ذمه وإعطاء مصر طعمة للمعونة على
حربه وإفساد أمره ومعاونة عمرو له وقوله: حرك لها حوارها تحن. وخداعه
لأبي موسى الأشعري يوم الحكمين وخلع أبي موسى عليا وقد بايعه
المهاجرون والأنصار وقول معاوية لأهل الكوفة لما ملكها ما قاتلتكم لتصوموا
وتصلوا انكم لتفعلون ذلك وإنما قاتلتكم لأتأمر عليكم، ونقضه ما شرطه
للحسن و عدم وفائه له وغدر أهل الجمل بعثمان بن حنيف الأنصاري
الصحابي ونتفهم شعر لحيته وشاربيه وحاجبيه وإرادتهم قتله والإتيان بأربعين
شاهدا يشهدون لأم المؤمنين إن هذا ليس ماء الحوأب إلى غير ذلك مما
يضيق عنه نطاق البيان كان كله اجتهادا مخطئا صادرا عن حسن نية وصفاء
قلب وإرادة المصلحة للمسلمين. إن هذا ما لا يكون وهو إلى أن يكون
سخرية وخداعا أقرب منه إلى أن يكون حقيقة. بل هم كغيرهم من الناس
من لدن آدم إلى يومنا هذا فيهم التقي المخلص الذي هو في درجة عالية من
التقوى والكمال وفيهم المتوسط وفيهم من هو دون ذلك ولم يخلقهم الله تعالى
خلقا خاصا لا يشاركهم فيه غيرهم.
ومما يدل على مساواتهم لغيرهم في الطباع وإن انفردوا بشرف الصحبة
ما حدث مرارا عند مجئ العير من الشام إلى المدينة فترك الأكثر النبي ص
وهو يخطب يوم الجمعة وخرجوا إلى العير حتى عاتبهم
الله تعالى بقوله: وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها الآية في
الكشاف: فما بقي معه إلا يسير قيل ثمانية وقيل أحد عشر وقيل أربعون
وكانوا إذا أقبلت العير استقبلوها بالطبول والتصفيق فهو المراد باللهو قال
وعن قتادة فعلوا ذلك ثلاث مرات في كل مقدم عير اه‍. ومما يدل على
ذلك ما رواه محمد بن إسحاق صاحب المغازي وغيره ان رسول الله ص
نهى يوم بدر أن يقتل أحد من بني هاشم وقال من لقي
العباس فلا يقتله فإنه إنما خرج مستكرها فقال أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة
أ نقتل آباءنا وإخواننا وعشائرنا ونترك العباس والله لئن لقيته لألجمنه السيف
فقال عمر دعني يا رسول الله أضرب عنقه بالسيف فوالله لقد نافق، وأبو
حذيفة كان مسلما من الصحابة وأبوم قتله حمزة ببدر. واستقصاء أمثال
ذلك يطول أمره وقد استفاض عنه ص إنه قال كثرت علي الكذابة أو
القالة فمن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار.
أما الآيات التي أستدل بها لذلك فكون الأمة المحمدية خير أمة
أخرجت للناس لا يدل على ذلك بشئ من الدلالات إذ يكفي في كونها
خير أمة وجود قوم فيها لا يوجد مثلهم في الأمم السابقة ولو دل ذلك على عدالة
جميع الأمة وقداستها لدل على نفي النفاق والارتداد عنها ولدل على عدالتها
في كل زمان لشمول خطاب المشافهة للغائبين حقيقة أو حكما كما قرر في
الأصول وقد قال أحد أئمة أهل البيت ع كيف تكون خير أمة
قتلت ابن بنت نبيها، على إنه لو سلم الشمول لجميع الأمة فالعقل والنقل
يخصص ذلك بمن لم يصدر منهم ما يزيد قبحه على ما صدر من الأمم
السالفة ومثله جعلهم أمة وسطا.
أما آية بيعة الرضوان فلا عموم فيها فمن العجيب الاستدلال بها
مع أن تخصيص العام شائع واستعمال الجمع في المفرد كثير كما في آية إنما
وليكم الله الآية واشتراط عدم صدور المنافي للمدح وسلامة العاقبة ثابت
بالعقل والنقل وبقوله تعالى في تلك الآية ومن نكث فإنما ينكث على نفسه
وكذا الكلام في باقي الآيات على إنه قد نزل الذم في حق مشركي قريش
الذين جعلوا ربح العير لحرب رسول الله ص بقوله تعالى إن الذين
كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فينفقونها ثم
تكون عليهم حسرة، مع أن أكثرهم أسلموا بعد ذلك وصاروا من
الصحابة. فكما إن هذا الذم مشروط بالبقاء على الشرك كذلك
هذا المدح مشروط بسلامة العاقبة بغير فرق. وأما ما حكاه عن أبي
زرعة فعلى إطلاقه غير مسلم فانتقاص من ظهرت منه معاندة الله
ورسوله وغش الاسلام والمسلمين هي محض الإيمان وأما تعليله بان الرسول
حق والقرآن حق وما جاء به حق الخ ففيه إن من لا يقبل في تأدية ذلك إلا
أقوال الثقات العدول لا يريد إبطال الكتاب والسنة بل الذي يقبل في ذلك
قول كل أحد ويزعم أن مائة وأربعة عشر ألفا كلهم عدول ويأخذ دينه عن
أي واحد كان منهم مع ظهور المعاصي من بعضهم هو الذي يريد إبطال
الكتاب والسنة وجرح شهود المسلمين. اما آية لا يستوي منكم
الآية فلا تدل على أكثر من إنه تعالى وعد المنفقين أموالهم والمجاهدين
بالحسنى وذلك مشروط بالتقوى وإخلاص النية إنما يتقبل الله من المتقين.
إنما الأعمال بالنيات. ولكل امرئ ما نوى. ومن كانت هجرته إلى الله
ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى امرأة يتزوجها أو مال
يصيبه فهجرته إلى ما هاجر إليه والآية الثانية تدل على إن من سبقت له
من الله الحسنى أي كان مطيعا لله أو شمله عفو الله فهو مبعد عن النار فأين
هذا من المطلوب. أما حديث: الله الله في أصحابي الخ فبعد تسليم
سنده والغض عن أمثال هذه الأحاديث التي رويت في عهد بني أمية
لأغراض خاصة وبذلت عليها الأموال ووليت الولايات والغض عن أن
الاستدلال به دوري لانتهاء سنده إلى من يجب النظر في عدالته وعدمها.
فيه أن لفظ أصحابي وإن كان ظاهره العموم إلا إنه مخصص بمن لم يعلم منه
مخالفة الرسول ص وغش الاسلام والمسلمين فهؤلاء لا يعقل ان يوصي
بهم النبي ص بقول من أحبهم فبحبي أحبهم ومن أبغضهم فببغضي
أبغضهم لأنه لا يحب من أبغضه الله وكون جميعهم ليس فيهم هذه الصفة

(١) الثلاثة الأولون ارتدوا وماتوا على الردة والأشعث ارتد فأتي به إلى أبي بكر (رض) أسيرا فعاد
إلى الاسلام وزوجه أخته وكانت عوراء فأولدها محمدا أحد قتلة الحسين عليه السلام.
(١١٤)

مع مخالفته للمحسوس هو محل النزاع وقوله ومن آذاهم فقد آذاني لا يمكن
شموله لمن كانت صفته ما ذكرنا لأن من كانت هذه صفته فهو مؤذ لله
ولرسوله فمؤذيه غير مؤذ لله ولرسوله وهو نفسه داخل في هذا الذم وقد
علمنا أن بعضهم قد آذى البعض فيكون مؤذيا له ص.
وأما حديث: لو أنفق أحدكم الخ فنقول بموجبه لأن من أنفق
من سعة ليس كمن أنفق من ضيق ومن أنفق لنصر الإسلام أول ظهوره
وعند ضعفه ليس كمن أنفق بعد ظهوره وعند قوته لكن ذلك كله مشروط
بخلوص النية والتقوى كما مر ولا يدل على أن من لم ينفق أو صدرت منه
المعاصي هو من العدول وأما حديث خير القرون قرني وما بمعناه فلا
يدل على إن جميع أمته عدول كما مر في كنتم خير أمة وكذا حديث أنتم
خيرها ويأتي الكلام في مثله في رد كلام الجويني وإما حديث ان الله
أختار أصحابي الخ فلا يمكن شموله لمن صدر منهم ما قدمناه وهو خاص
بالصالحين منهم.
وأما ما ذكره الجويني من إنه ص نهى عن الكلام فيما شجر بين
أصحابه فمع إنه أرسله ولم يسنده ولم يذكره الحافظ ابن حجر وحفظه وتبحره
غير منكور ولو كان صحيحا عنده لما تركه. فيه إن الصحابة أنفسهم لم
يتركوا الكلام فيما شجر بينهم فقد كان معاوية لا يزال يذكر وقعة الجمل
وصفين لعلي وأصحابه ويندد بهما فاما ان يكون هذا النهي ليس بواقع أو
واقعا وخالفه فينافي عدالته مع إنه غير ظاهر الدلالة لأحتمال أن يراد إياكم
ان يشجر بينكم من الحرب والقتال مثل ما شجر بينكم من الحرب والقتال
مثل ما شجر بين صحابتي واما رواية أصحابي كالنجوم الخ فلا يراد به
جميع أصحابه قطعا وإلا لكان لنا أن نقتدي بمن شق عصا المسلمين وخرج
على الإمام العادل وأرسل بسر بن أرطاة يسفك الدماء ويفسد في الأرض
حتى قتل ما يزيد على ثلاثين ألفا من المسلمين بغير ذنب وذبح ولدي عبيد
الله بن العباس الصغيرين على درج صنعاء تحت ذيل أمهما فذهب عقلها
ووسوست وسبى نساء همدان فكن أول مسلمات سبين في الاسلام وأقمن
في السوق يبعن بيع الإماء. وبسر هذا من الصحابة روى حديثين عن
النبي ص. ومن أرسله وأمره بما فعله هو أيضا من الصحابة فهل إذا
اقتدينا بهما اهتدينا ولكان لنا ان نقتدي بمن قنت بلعن علي بن أبي طالب
وحسن وحسين وابن عباس في الصلاة فنكون مهتدين وكيف لا يكون
مهتديا من اقتدى بعلي بن أبي طالب في قنوته على معاوية وعمرو بن العاص
وصحة الاقتداء به في ذلك يبطل دلالة الحديث على عدالة الجميع. مع إن
هذا الحديث من الأحاديث الموضوعة صرح به الحافظ الذهبي في ميزان
الاعتدال فقال في ترجمة جعفر بن عبد الواحد انه كان يصنع الحديث إلى
أن قال ومن بلاياه عن وهب بن جرير عن أبيه عن الأعمش عن أبي صالح
عن أبي هريرة عن النبي ص أصحابي كالنجوم من اقتدى بشئ منهم
أهتدي اه‍ وحديث أهل بدر أن صح لا يعم جميع الصحابة وهو
مشروط بسلامة العاقبة كما مر في غيره مع إنه مخالف لقوله تعالى فمن
يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره والحديث
المخالف للكتاب مردود ولا يجوز ان يخبر الحكيم مكلفا بأنه لا عقاب عليه
فليفعل ما يشاء.
وأعلم إنه قد تكلم في هذه المسألة العلامة الحلي في نهاية الأصول
بما لا مزيد عليه. وحكى ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة انه جرى
ذكر هذه المسألة في مجلس النقيب أبي جعفر يحيى بن يزيد العلوي فذكر
بعض الشافعية نحوا مما ذكره الجويني فقال النقيب: عندي رسالة في هذا
الموضوع لبعض الزيدية وقام وأتى بها وقد استوفى فيها الكلام بنحو مما ذكره
العلامة الحلي والظاهر أن تلك الرسالة هي للنقيب ولكنه لم يجسر ان ينسبها
إلى نفسه فتستر ببعض الزيدية، وفي الرسالة فصول نفيسة هي أنفس بكثير
من الفصل الذي نقله ابن حجر عن الخطيب.
ومما ذكر فيها أنه لولا إن الله تعالى أوجب معاداة أعدائه كما أوجب
موالاة أوليائه بقوله تعالى لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون
من حاد الله ورسوله الآية. ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما انزل
إليه ما اتخذوهم أولياء. لا تتولوا قوما غضب الله عليهم ولولا الإجماع على
أن البغض في الله والحب في الله واجب لما تعرضنا لمعاداة أحد في الدين ولو
ظننا إن الله يعذرنا إذا قلنا يا رب غاب عنا أمرهم لاعتمدنا على هذا العذر
ولكنا نخاف أن يقول لنا إن كان أمرهم غاب عن أبصاركم فلم يغب عن
قلوبكم وأسماعكم قد أتتكم به الأخبار الصحيحة التي بمثلها أقررتم بالنبي
ص وأمرتم بتدبر القرآن فهلا حذرتم ان تكونوا من أهل هذه الآية
القائلين غدا ربنا إنا أطعنا سادتنا الآية. وإذا كان الله تعالى قد أوجب
البراءة من أعدائه فهو يقول للمكلف يوم القيامة لم لم تبرأ ومن لم يلعن
إبليس طول عمره وهو يعتقد استحقاقه اللعن فهو مخطئ، ولو قال قائل
قد غاب عنا أمر يزيد والحجاج فليس ينبغي ان نخوض في قصتهما ونبرأ
منهما هل كان هذا إلا كقولكم قد غاب عنا أمر بعض بني أمية والمغيرة بن
شعبة وأضرابهم فليس لخوضنا في قصتهم معنى وكيف أدخلتم أنفسكم في أمر
عثمان وخضتم فيه وقد غاب عنكم وبرئتم من قتلته، وكيف لم تحفظوا أبا
بكر الصديق في ابنه محمد وعائشة أم المؤمنين في أخيها المذكور فلعنتموه
وفسقتموه ومنعتمونا أن نخوض وندخل أنفسنا في أمر علي والحسن والحسين
ومن ظلمهم وتغلب على حقهم وكيف صارت البراءة من ظالم عثمان سنة
ومن ظالم علي وولديه تكلفا وكيف لزمنا حفظ أم حبيبة في أخيها ولم تلزم
الصحابة أنفسها حفظ رسول الله ص في أهل بيته وفي صهره وابن عمه
عثمان فكانوا بين قاتل وخاذل، وقد لعن معاوية عليا وابنيه الحسنين وهم
أحياء يرزقون بالعراق وهو يلعنهم بالشام على المنابر ويقنت عليهم في
الصلوات ولو كان يلزم ان يحفظ زيد لأجل عمرو لوجب ان يحفظ سعد بن
أبي وقاص في ابنه عمر بن سعد قاتل الحسين ع وأن يحفظ معاوية في ابنه
يزيد صاحب وقعة الحرة وقاتل الحسين ع ومخيف المسجد الحرام فلا يلعن
يزيد ولا عمر بن سعد. وليست محبة رسول الله ص لأصحابه كمحبة
الجهال تابعة للعصبية بل لطاعتهم لله تعالى ولذلك قال ص لو سرقت
فاطمة لقطعتها وقد جلد أصحاب الإفك وفيهم مسطح وهو بدري. ولم
تكن الصحابة عند أنفسها بهذه المنزلة وإذا نظرت أفعال بعضهم ببعض
دلتك على إن القصة كانت على ما سبق إلى قلوب الناس اليوم هذا علي
وعمار وأبو الهيثم وخزيمة وجميع من كان مع علي من المهاجرين والأنصار لم
يروا أن يتغافلوا عن طلحة والزبير وابنه ومن معهم حتى فعلوا بهما وبمن
معهما ما يفعل بالشراة في عصرنا وهؤلاء أصحاب الجمل لم يروا ان يمسكوا
عن علي حتى قصدوا له كما يقصد للمتغلبين في زماننا وهذا معاوية وعمرو لم
يريا عليا ع بالعين التي يرى بها العامي صديقه أو جاره ولم يقصرا
دون ضرب وجهه بالسيف ولعنه ولعن أولاده وكل من كان حيا من أهله
وقتل أصحابه وقد لعنهما هو أيضا في الصلوات المفروضات ومعهما أبا الأعور
(١١٥)

السلمي وأبا موسى الأشعري وهما من الصحابة وهذا سعد بن أبي وقاص
ومحمد بن مسلمة وأسامة بن زيد وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل
وعبد الله بن عمر وحسان بن ثابت وأنس بن مالك لم يروا ان يحاربوا مع علي
ولا مع طلحة والزبير. وعثمان نفى أبا ذر إلى الربذة كما يفعل باهل الفساد
وهذا عمر يقول في سعد بن عبادة رئيس الأنصار أقتلوا سعدا قتل الله
سعدا أقتلوه فإنه منافق وهذه عائشة أم المؤمنين خرجت بقميص رسول الله
ص وقالت للناس ما قالت وبدون هذا لو قال إنسان
اليوم يكون عند العامة زنديقا وقد حصر عثمان وحضره أعيان الصحابة فما
كان أحد ينكر ذلك ولا يسعى في إزالته وإنما أنكروا على من أنكر على
المحاصرين له وعثمان كما علمتم من وجوه الصحابة وأشرافهم وأقرب إلى
الرسول ص ممن سبقه وهو الخليفة وللامام حق عظيم
على الرعية فان كانوا قد أصابوا فاذن ليست الصحابة في الموضع الذي
وضعتها بها العامة وإن كانوا ما أصابوا فهذا الذي نقوله ان الخطا جائز على
آحادهم كما يجوز على آحادنا اليوم وهذا المغيرة بن شعبة وهو صحابي أدعي
عليه بالزنا وشهد عليه قوم بذلك ولم ينكر ذلك عمر ولا قال هذا محال
وباطل لأنه صحابي لا يجوز عليه الزنا وهلا أنكر على الشهود وقال هلا
تغافلتم عنه فان الله قد أوجب الإمساك عن مساوي أصحاب رسول الله
ص والرسول ص قال دعوا لي أصحابي، ما رأيناه
إلا قد أنتصب لسماع الدعوى وإقامة الشهادة وأقبل يقول يا مغيرة ذهب
ربعك ذهب نصفك ذهب ثلاثة أرباعك حتى إضطرب الرابع فجلد الثلاثة
وهلا قال المغيرة لعمر كيف تسمع في قول هؤلاء وليسوا صحابة وأنا
صحابي ورسول الله ص قد قال أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم
ما رأيناه قال ذلك بل استسلم لحكم الله تعالى وههنا من هو أمثل من المغيرة
وأفضل قدامة بن مظعون لما شرب الخمر في أيام عمر أقام عليه الحد وهو
من علية الصحابة من أهل بدر ولم يقل إن الله أطلع على أهل بدر فقال
اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ولا قال نهى النبي ص عن ذكر مساوي
أصحابه وقد ضرب عمر ابنه وهو صحابي حدا فمات وقد قال علي في أبي
هريرة غير مرة ما قال ثم الذي كان بين أبي بن كعب وعبد الله بن مسعود
من السباب حتى نفى كل واحد منهما الآخر عن أبيه وقول عبد الرحمن بن
عوف ما كنت أرى أن أعيش حتى يقول لي عثمان يا منافق وقيل
لابن عباس إن عبد الله بن الزبير يزعم إن موسى صاحب الخضر ليس
موسى بني إسرائيل فقال كذب عدو الله وقالت عائشة أخبروا زيد بن أرقم
إنه قد أحبط جهاده مع رسول الله ص وأما حديث خيركم القرن
الذي انا فيه الخ فمما يدل على بطلانه ان القرن الذي جاء بعده
بخمسين سنة شر قرون الدنيا قتل فيه الحسين وأوقع بالمدينة وحوصرت
مكة ونقضت الكعبة وشرب خلفاؤه الخمور وارتكبوا الفجور كما جرى
ليزيد بن معاوية ويزيد بن عاتكة والوليد بن يزيد وأريقت الدماء الحرام وقتل
المسلمون وسبي الحريم واستعبد أبناء المهاجرين والأنصار ونقش على أيديهم
كما ينقش على أيدي الروم وذلك في خلافة عبد الملك وإمرة الحجاج وإذا
تأملت كتب التواريخ وجدت الخمسين الثانية شرا كلها لا خير فيها ولا في
رؤوسها وأمرائها والناس برؤسائهم وأمرائهم والقرن خمسون سنة فكيف
يصح هذا الخبر وإنما هذا وأمثاله من موضوعات متعصبة الأموية فان لهم
من ينصرهم بلسانه وبوضعه الأحاديث إذا عجز عن نصرهم بالسيف
قال ومن انصف وتأمل أحوال الصحابة وجدهم مثلنا يجوز عليهم ما
يجوز علينا ولا فرق بيننا وبينهم إلا بالصحبة لا غير فان لها منزلة وشرفا
ولكن لا إلى حد يمتنع على كل من رأى الرسول ص أو صحبه يوما أو
شهرا أو أكثر من ذلك ان لا يخطئ ولا يزل. ولو كان هذا صحيحا ما
احتاجت عائشة إلى نزول براءتها من السماء بل كان رسول الله ص من
أول يوم يعلم كذب أهل الإفك لأنها زوجته وصحبتها له آكد من صحبة
غيرها وصفوان بن المعطل الذي رمى أهل الإفك به عائشة من الصحابة
أيضا فكان ينبغي ان لا يضيق صدر رسول الله ص ولا يحمل ذلك الهم
والغم الشديدين ويقول صفوان من الصحابة وعائشة من الصحابة والمعصية
عليهما ممتنعة وأمثال هذا كثير وأكثر من الكثير لمن أراد أن يستقرئ أحوال
القوم وقد كان التابعون يسلكون في الصحابة هذا المسلك ويقولون في
العصاة منهم مثل هذا القول وإنما اتخذهم العامة أربابا بعد ذلك قال
ومن أحب ان ينظر اختلاف الصحابة وما طعن به بعضهم في بعض ورد
بعضهم على بعض وما رد به التابعون عليهم واختلاف التابعين فيما بينهم
وقدح بعضهم في بعض فلينظر في كتاب النظام. وذكر الجاحظ في كتابه
المعروف بكتاب التوحيد ان أبا هريرة ليس بثقة في الرواية عن رسول الله
ص قال ولم يكن علي يوثقه بل يتهمه ويقدح فيه وكذلك عمر وعائشة.
وكيف يجوز ان نحكم حكما جزما ان كل واحد من الصحابة عدل ومن جملة
الصحابة الحكم بن أبي العاص وكفاك به عدوا مبغضا لرسول الله ص
ومن الصحابة الوليد بن عقبة الفاسق بنص الكتاب ومنهم
حبيب بن سلمة وبسر بن أرطاة اللذين فعلا ما فعلا بالمسلمين في دولة
معاوية. هذه خلاصة ما ذكر في تلك الرسالة التي نسبها النقيب أبو جعفر
إلى بعض الزيدية والمظنون انها له. وفعل معاوية بحجر بن عدي قتيل مرج
عذرا ما فعل وكلاهما صحابي.
ومما ينتظم في هذا السلك ما في صحيح مسلم بسنده عن
عائشة: قدم رسول الله ص لأربع مضين من ذي
الحجة أو خمس فدخل علي وهو غضبان فقلت من أغضبك يا رسول الله
أدخله الله النار فقال أ وما شعرت أني أمرت الناس بأمر فإذا هم يترددون،
لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي معي حتى اشتريه
ثم أحل كما أحلوا.
فهذه عائشة أم المؤمنين التي رويتم الأمر بأخذ ثلثي ديننا عنها دعت
على من أغضب الرسول ص بدخول النار وهم من الصحابة وأقرها
الرسول ص على ذلك ولم ينهها وكان الذي أمرهم به هو الاحلال من
الاحرام لمن لم يسق الهدي فلم يفعلوا وكان هو ص قد
ساق الهدي. قال النووي في شرح صحيح مسلم عند شرح هذا
الحديث: أما غضبه ص فلانتهاك حرمة الشرع
وترددهم في قبول حكمه وقد قال تعالى فلا وربك لا يؤمنون حتى
يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا
تسليما فغضب ص لما ذكرنا من انتهاك حرمة الشرع
والحزن عليهم في نقص إيمانهم وفيه دلالة لاستحباب الغضب عند انتهاك
حرمة الدين وفيه جواز الدعاء على المخالف لحكم الشرع اه فهل ما
نقوله في هذا الباب زائد على ما ذكره النووي.
على أن أحاديث أصحابي كالنجوم ودعوا لي أصحابي وما بمعناه مما ذكر
فيه لفظ أصحابي معارضة بما رواه البخاري في صحيحه في باب الحوض
(١١٦)

بأسانيد متعددة من قوله ص: وليرفعن رجال منكم
ثم ليختلجن دوني. ليردن علي ناس من أصحابي الحوض حتى إذا عرفتهم
اختلجوا دوني. يرد علي الحوض رجال من أصحابي فيحلؤن عنه فأقول
أصحابي أو يا رب أصحابي أو أنهم مني فيقال انك لا تدري ما
أحدثوا بعدك أو فيقول انك لا علم لك بما أحدثوا بعدك انهم ارتدوا
على أدبارهم القهقرى وفي بعضها فأقول سحقا لمن غير بعدي وفي
رواية للبخاري بينا أنا قائم فإذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني
وبينهم فقال هلم فقلت إلى أين قال إلى النار والله قلت وما شأنهم قال أنهم
ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى ثم إذا زمرة وذكر كالأول ثم قال فلا
أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم.
وما رواه الإمام مسلم في صحيحه بسنده عن أبي حازم عن سهل عن
النبي ص ليردن علي أقوام أعرفهم ويعرفوني ثم يحال
بيني وبينهم قال أبو حازم فسمع النعمان بن أبي عياش وأنا أحدثهم بهذا
الحديث فقال هكذا سمعت سهلا يقول فقلت نعم قال فانا أشهد على أبي
سعيد الخدري لسمعته يزيد فيقول انهم مني فيقال إنك لا تدري ما عملوا
بعدك فأقول سحقا سحقا لمن بدل بعدي ورواه بسند آخر عن أبي سعيد
الخدري مثله وفي رواية لمسلم أني على الحوض حتى أنظر من يرد علي
منكم وسيؤخذ أناس دوني فأقول يا رب مني ومن أمتي فيقال أ ما شعرت ما
عملوا بعدك والله ما برحوا بعدك يرجعون على أعقابهم. فكان ابن أبي
مليكة يقول: اللهم إني أعوذ بك أن نرجع على أعقابنا أو أن نفتن عن ديننا
وبسنده عن عائشة سمعت رسول الله ص يقول
وهو بين ظهراني أصحابه إني على الحوض انتظر من يرد علي منكم فوالله
ليقتطعن دوني رجال فأقول أي رب مني ومن أمتي فيقول إنك لا تدري ما
عملوا بعدك ما زالوا يرجعون على أعقابهم وبسنده إني لكم فرط على
الحوض فإياي لا يأتين أحدكم فيذب عني كما يذب البعير الصاد فأقول فيم
هذا فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول سحقا وبسنده إنا
فرطكم على الحوض ولأنازعن أقواما ثم لأغلبن عليهم فأقول يا رب
أصحابي أصحابي فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك وبسنده ليردن
علي الحوض رجال ممن صاحبني حتى إذا رأيتهم ورفعوا إلي اختلجوا دوني
فلأقولن أي ربي أصحابي أصحابي فليقالن لي أنك لا تدري ما أحدثوا
بعدك.
وروى النسائي في سننه الصغرى بسنده عن وكيع ووهب بن
حرب وأبي داود وساق السند عن ابن عباس قال قام رسول الله ص
بالموعظة إلى أن قال وأنه سيؤتى قال أبو داود يجاء
وقال وهب ووكيع سيؤتى برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول
رب أصحابي فيقال انك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول كما قال العبد
الصالح وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني الآية فقال إن
هؤلاء لم يزالوا مدبرين قال أبو داود مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم.
وروى هذه الأحاديث الحميدي في الجمع بين الصحيحين في
مسند سهل بن سعد في الحديث ٢٨ من المتفق عليه وفي الحديث ٦٠ من
المتفق عليه من مسند عبد الله بن عباس وفي الحديث ١٣١ من المتفق عليه
من مسند انس بن مالك وفي الحديث ٢٦٧ من المتفق عليه من مسند أبي
هريرة من عدة طرق ومن مسند أم سلمة من عدة طرق ومن مسند سعيد بن
المسيب ومن مسند عبد الله بن مسعود.
وروى بعضها ابن عبد البر في الاستيعاب بأسانيده في ترجمة بسر بن
أرطأة مشيرا بذلك إلى أن بسرا من مصاديق هذه الروايات ثم قال والآثار في
هذا المعنى كثيرة جدا قد تقصيتها في ذكر الحوض في باب حبيب من كتاب
التمهيد اه.
مذهب الشيعة الإمامية الاثني عشرية في الفروع
تنقسم الأحكام الفرعية عندهم إلى عبادات ومعاملات والمعاملات
إلى عقود وإيقاعات وأحكام.
العبادات
ويدخل فيها أحكام المياه والوضوء وآداب التخلي وأحكام الغسل
وأقسامه والحيص والاستحاضة والنفاس وأحكام الأموات والتيمم
والنجاسات والمطهرات والصلاة والزكاة والخمس والصوم والاعتكاف والحج
والعمرة وأعمال المدينة المنورة والجهاد ويدخل فيها أيضا الوقف والصدقة
لاعتبار نية القربة فيهما ويدخلان في العقود باعتبار آخر.
العقود
ويدخل فيها التجارة وآدابها والبيع وأقسامه من النقد والنسيئة
والسلف والصرف والربا وبيع الثمار والحيوان والخيارات والشفعة والإجارة
و المزارعة والمساقاة والجعالة والسبق والرماية والشركة والمضاربة والوديعة
والعارية والضمان والحوالة والكفالة والدين والرهن والصلح والوكالة والهبة
والصدقة والوقف والسكنى والعمرى والوصية والنكاح وتوابعه من الرضاع
والقسم والنشوز وأحكام الأولاد والنفقات والخلع والمباراة والمكاتبة.
الايقاعات
ويدخل فيها الاقرار والطلاق وتوابعه من أحكام العدة والظهار
والايلاء واللعان والعتق والتدبير والايمان والنذور والعهود.
الأحكام
ويدخل فيها اللقطة والغصب وإحياء الموات والحجر والكفارات
والصيد والذباحة والأطعمة والأشربة والميراث والقضاء والشهادات والحدود
والتعزيرات والقصاص والديات.
ما انفردت به الشيعة الإمامية عن المذاهب الأربعة في المسائل الفقهية
الفرعية أو اتفقت على عدم جوازه وإن وافقها بعض المذاهب.
إما ما انفردت به بحيث لم يكن لها موافق من أهل المذاهب الأربعة
ولا ممن تقدمهم فأقل قليل وإما ما انفردت به عن المذاهب الأربعة خاصة
فإنما هو في مسائل معدودة محدودة فإنها في جل المسائل الفقهية لا بد أن
توافق واحدا من المذاهب الأربعة أو غيرها من فقهاء أهل السنة. وقد جمع
السيد الشريف المرتضى علم الهدى ذو المجدين قدس الله روحه ما انفردت
به الإمامية أو ظن انفرادها به ولها موافق فيه في جميع أبواب الفقه من
الطهارة إلى الديات في كتاب سماه الانتصار جمع فيه ما يزيد عن ثلثمائة
مسالة واستدل عليها. والظاهر أنه ألفه بأمر عميد الجيوش أبي علي
الحسن بن أستاذ هرمز وزير بهاء الدولة الديلمي لأنه قال في أوله إني محتمل
ما رسمته الحضرة السامية الوزيرية العميدية أدام الله سلطانها وأعلى أبدا
(١١٧)

شأنها ومكانها من بيان المسائل الفقهية التي يشنع فيها على الشيعة الإمامية
وأدعي عليهم فيها مخالفة الاجماع وأكثرها يوافق فيه الشيعة غيرهم من
العلماء والفقهاء والمتقدمين والمتأخرين وما ليس لهم فيه موافق من غيرهم
فعليه من الأدلة الواضحة والحجج اللائحة ما يغني عن وفاق الموافق ولا
يوحش معه خلاف المخالف. ثم قال ما حاصله أن الشناعة إنما تكون في
المذهب الذي لا دليل عليه فان الباطل هو العاري من الحجج والبينات فاما
ما عليه دليل فهو الحق اليقين ولا يضره الخلاف وقلة عدد القائل به كما لا
ينفع في الأول الاتفاق عليه وكثرة عدد الذاهب إليه مع أنه لا أحد من
فقهاء الأمصار إلا وهو ذاهب إلى مذاهب تفرد بها فكيف شنع على الشيعة
بذلك ولم يشنع على كل فقيه كابي حنيفة والشافعي ومالك ومن تأخر عنهم
بما تفرد به ولا موافق له فيه والشيعة أيضا تدعي وتروي أن مذاهبها التي
انفردت بها هي مذاهب جعفر بن محمد الصادق ومحمد بن علي الباقر
وعلي بن الحسين زين العابدين ع بل تروي هذه المذاهب عن
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع وتسندها إليه فاجعلوا لهم من
ذلك ما جعلتم لأبي حنيفة و الشافعي وفلان وفلان وأنزلوهم على أقل
الأحوال منزلة ابن حنبل وداود الأصفهاني ومحمد بن جرير الطبري فيما
انفردوا به فإنكم تعدونهم خلافا ولا تعدون الشيعة خلافا وهذا ظلم وحيف
إلى أن قال: وكيف لا يعد خلافا من يرجع في مذاهبه إلى أقوال أهل
البيت الذي جعل النبي ص أقوالهم كالكتاب الذي لا
يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه في قوله ع إني مخلف
فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي وإنهما لن
يفترقا حتى يردا علي الحوض ولهذا ذهب كثير من علماء المعتزلة ومحصليهم
إلى أن إجماع أهل البيت وحدهم حجة فمن يكون إجماعهم حجة بشهادة
النبي ص كيف لا يكون قولهم خلافا أن هذا لعجب
اه.
ونحن نذكر شيئا من المعروف المشهور من هذه المسائل لا على وجه
الاستقصاء، مجردة عن الاستدلال غالبا بل نكل أدلتها إلى محلها فمنها
الابتداء بالمرافق في غسل اليدين وجوبا أو استحبابا وباقي الفقهاء
يقولون بالتخيير ومسح الرجلين في الوضوء. قال المرتضى انفردت
الامامية بوجوبه في هذه الأزمنة أما قبلها فقد روي المسح عن جماعة من
الصحابة والتابعين كابن عباس رضي الله عنه وعكرمة وأنس وأبي العالية
والشعبي وغيرهم وقال الحسن البصري ومحمد بن جرير الطبري و أبو علي
الجبائي بالتخيير بين الغسل والمسح اه وفي ميزان الشعراني ورحمة الأمة
الاتفاق على أن غسل القدمين في الوضوء مع القدرة فرض قال وحكي عن
أحمد والأوزاعي والثوري وابن جرير التخيير بين غسل القدمين ومسحهما
قال ويروى عن ابن عباس أنه قال فرضهما المسح اه ومسح الأذنين
أو غسلهما في الوضوء فهو غير مشروع عند الإمامية وباقي الفقهاء على
خلاف ذلك ووجوب مسح الرأس ببلة اليد دون ماء جديد ومنها
عدم جواز المسح على الخف والعمامة عند الإمامية. وفي ميزان الشعراني
أجمع الأئمة على أن المسح على الخفين في السفر جائز اه ولم يذكره
المرتضى في متفردات الامامية وجوز أحمد المسح على العمامة إذا كان تحت
الحنك منها شئ وليس هذا من متفردات الامامية ولذلك لم يذكره المرتضى
فيها وإن مسح الوجه في التيمم إنما هو إلى طرف الأنف وباقي الفقهاء
يوجبون الاستيعاب أما مسح اليدين ففي الانتصار أن الامامية وإن
اقتصرت على ظاهر الكف فلم تنفرد بذلك لأنه قد روي عن الأوزاعي مثله
اه وفي ميزان الشعراني قال أبو حنيفة والشافعي في الجديد أن مسح
اليدين بالتراب إلى المرافق كالغسل في الوضوء وقال مالك وأحمد إلى المرافق
مستحب وإلى الكوعين جائز والكوع طرف الزند الذي يلي الابهام وقال
الزهري إلى الآباط اه.
وقول حي على خير العمل في الآذان والإقامة بعد حي على
الفلاح قال المرتضى في الانتصار روت العامة أن ذلك كان يقال في بعض
أيام النبي ص وإنما ادعي أن ذلك نسخ وعلى من
ادعى النسخ الدلالة ولا يجدها وحكي أن البيهقي من الشافعية رواه في
سننه الكبرى وإن الطحاوي من الحنفية رواه، وفي السيرة الحلبية ج ٢
ص ١٥: ونقل عن ابن عمر وعن علي بن الحسين رضي الله عنهما أنهما
كانا يقولان في آذانهما بعد حي على الفلاح حي على خير العمل اه
وكتب إلينا أحد أجلاء العلماء المفتين على مذهب أهل السنة بعد إطلاعه
على ما ذكرناه هنا في الطبعة الأولى بما نصه:
استغربت ما جاء في آخر صفحة ٤٩٩ من قولكم عن حي على خير
العمل: وحكي أن البيهقي من الشافعية رواه مما يدل على عدم جزمكم
بذلك مع أنه مؤكد.
قال البيهقي في سننه: أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ أي
الحاكم أنا أبو بكر بن إسحاق أنا بشر بن موسى أنا موسى بن داود أنا
حاتم بن إسماعيل عن جعفر بن محمد عن أبيه أن علي بن الحسين كان
يقول في آذانه إذا قال حي على الفلاح حي على خير العمل ويقول هو
الآذان الأول.
ونقل في الروض عن التحرير بعدة أسانيد في مسند ابن أبي شيبة عن
عبد الله بن عمر أنه كان يقول في آذانه حي على خير العمل. وروى
البيهقي عن عبد الله بن عمر مثله بعدة أسانيد.
وقال المحب الطبري الشافعي في كتاب أحكام الأحكام: ذكر
الحيعلة بحي على خير العمل عن صدقة بن يسار عن أبي إمامة سهل بن
حنيف أنه كان إذا أذن قال حي على خير العمل أخرجه سعيد بن
منصور. وروى ابن حزم في كتاب الاجماع عن ابن عمر أنه كان يقول
في آذانه حي على خير العمل وقال مغلطاي الحنفي في كتاب التلويح شرح
الجامع الصحيح: وأما حي على خير العمل فذكر ابن حزم أنه صح عن
عبد الله بن عمر وأبي إمامة سهل بن حنيف أنهما كانا يقولان في آذانهما حي
على خير العمل وكان علي بن الحسين يفعله قال في الروض النضير: وذكر
سعد الدين التفتازاني في حاشية شرح عضد الدين على المختصر في
الأصول: حي على خير العمل كان ثابتا على عهد رسول الله ص وإن
عمر هو الذي أمر أن يكف الناس عن ذلك مخافة أن يثبط الناس عن الجهاد
ويتكلوا على الصلاة اه ج ١ ص ٣٧٢.
والعبارة التي هي أمامي الآن في الكتاب المذكور للسعد: وكانه اعتبر
ما يروى أن عمر رضي الله عنه كان يقول ثلاث كن على عهد رسول الله
ص أنا أحرمهن وأنهى عنهن متعة الحج ومتعة النكاح وحي على خير
العمل اه ج ٢ صفحة ٤٢ اه ما كتبه إلينا هذا العالم الجليل.
والتثويب في آذان الصبح بقول الصلاة خير من النوم بعد حي
(١١٨)

على الفلاح. في الانتصار: أنه مما ظن انفراد الامامية بكراهته وقد وافقهم
على ذلك جماعة من أصحاب أبي حنيفة وقالوا التثويب تكرير الحيعلات لأنه
مأخوذ من العود إلى الشئ وحكي عن الشافعي في الجديد أنه غير مسنون
اه وفي ميزان الشعراني أجمع المسلمون على أن التثويب مشروع في آذان
الصبح اه.
وعدم جواز الصلاة في الحرير المحض قال به الإمامية وفي
الانتصار باقي الفقهاء يخالفون في ذلك ومنها عدم جواز الصلاة في وبر
الأرانب والثعالب وجلدوها وعدم جواز السجود على غير الأرض وما
أنبتت سوى المأكول والملبوس. وفي الانتصار كره مالك الصلاة على
الطنافس والبساط والشعر والأدم.
والتكفير المسمى في هذا الزمان بالتكتف وهو وضع اليمين
على الشمال في الصلاة قالت الامامية لا يستحب. وفي رحمة الأمة: أجمعوا
على أنه يسن إلا في رواية عن مالك وهي المشهورة أنه يرسل يديه وقال
الأوزاعي بالتخيير اه وفي الانتصار حكى الطحاوي في اختلاف
الفقهاء عن مالك إن ذلك إنما يفعل في صلاة النوافل في طول القيام وتركه
أحب إلي قال وحكى الطحاوي أيضا عن الليث بن سعد أنه قال سدل
اليدين في الصلاة أحب إلي إلا أن يطيل القيام فيعيا اه ويقال أن
الخليفة الثاني أمر بادخاله في الصلاة لما جئ إليه باسارى الفرس فكفروا
أمامه فسألهم فقالوا شئ نعظم به أمراءنا. وترك آمين بعد الفاتحة لأنها
موضوعة لطلب استجابة الدعاء ولم يتقدمها دعاء وقوله إهدنا الصراط
المستقيم الخ لا يصح قصد الدعائية به بل التلاوة والقرآنية وقصد الدعائية
به مخرج له عن القرآنية فلا يكون مجزيا في الصلاة وإذا لم يكن دعاء لم يصح
قصد طلب الإجابة بأمين فيكون كلاما خارجا عن الصلاة وقال باقي
الفقهاء أنه سنة. ووجوب قراءة سورة كاملة بعد الفاتحة في الفرائض
خاصة على غير المريض والمستعجل ومن ضاق وقته في الصبح وأولتي الظهرين
والعشائين ولا يجوز التبعيض وقال باقي الفقهاء أن السورة سنة
ويجوز التبعيض واشتراط العدالة في إمام الجماعة وقال باقي الفقهاء
تجوز الصلاة خلف الفاسق وعدم جواز الجماعة في نافلة شهر رمضان
ولا غيرها من النوافل إلا الاستسقاء والعيدين مع عدم اجتماع شرائط
الوجوب ووجوب القصر والإفطار على المسافر سفرا شرعيا ووجوب
الجلوس مطمئنا بين السجدتين ووجوب جلسة الاستراحة أو استحبابها بعد
السجود الأخير، وفي رحمة الأمة: قال أبو حنيفة الجلوس بين السجدتين
سنة وقال الشافعي وأحمد واجب وجلسة الاستراحة سنة على الأصح من
قول الشافعي وقال الثلاثة لا تستحب بل يقوم من السجود وينهض.
ومنها عدم ثبوت الشفعة في البيع إلا إذا كانت الشركة بين اثنين فحسب
و استحباب الاشهاد في النكاح ووجوبه في الطلاق وعدم وقوع
الثلاث بقوله أنت طالق ثلاثا بل تقع واحدة وعدم صحة الطلاق في
الحيض وفي طهر المواقعة وعدم ثبوت العول في الميراث بل يدخل
النقص على بعض معين من الورثة وعدم ثبوت التعصيب بل يرد
الفاضل على ذوي الفروض إلا ما استثني وإن الأنبياء كغيرهم يرثون
ويورثون لقوله تعالى وورث سليمان داود. وإني خفت الموالي الآية
وعمومات أدلة الإرث. وقال الباقون الأنبياء ترث ولا تورث بل يكون ما
تركوه لبيت المال لحديث نحن معاشر الأنبياء لا نورث رواه الخليفة الأول
واحتج به فلم تعترف به الزهراء وماتت وهي واجدة عليه كما رواه البخاري
وطالبت بالإرث مع أنها كانت أولى الناس أن تعرف ذلك لتعلق الإرث بها
وكانت شفقة النبي ص عليها وقوله فاطمة بضعة مني توجب أن يفضي
إليها بهذا الحكم لئلا تطالب بالإرث فيقع نزاع أو تأخذ ما ليس لها بحق،
بل ذلك مقتضى وجوب تبليغ الأحكام عليه ص وهذا الحكم مختص بها
فيجب إبلاغها إياه لا أقل من اشتراكها فيه ولا يكفي إبلاغه الخليفة وحده
وحسن الظن بها ينفي أن يكون بلغها وخالفته وحسن الظن بالخليفة ينفي
أن يكون قال ذلك من نفسه فالواجب محافظة على صدقه وصدقها جعل ما
مفعولا لتركناه والخليفة جعلها مبتدأ. والغرقى والمهدوم عليهم يرث
كل واحد منهم من الآخر وينتقل ما ورثه إلى ورثته دون ورثة الآخر أما من
اشتبه حالهم بغير الغرق والهدم فلا يرث أحدهم من الآخر. وأحمد في
إحدى الروايتين عنه وافق الامامية لكنه عمم الحكم للحرقى والقتلى
والمطعونين وحكى علماء أهل السنة موافقته الامامية لكنه عمم الحكم
للحرقى والقتلى والشعبي والنخعي ولهذا لم يذكرها المرتضى في متفرداتهم.
وحرمة أكل الثعلب والأرنب والضب والجري وكل ما لا فلس له من
السمك وعدم حلية ذبائح أهل الكتاب ووجوب استقبال القبلة
بالذبيحة عند الذبح مع الإمكان وتحريم أكل الطحال والقضيب
والخصيتين والرحم والمثانة وتحريم الفقاع وعدم طهارة جلد الميتة
بالدبغ. إلى غير ذلك وما ذكرناه هو عمدة المسائل التي انفرد بها الامامية
عن جمهور الفقهاء أو عن جميعهم.
التقية
وهي إظهار خلاف الواقع عند الخوف وهي مما يظن اختصاصها
بالشيعة بل قد يعابون بها، ولكن ذلك من قلة الإنصاف فإنها لا تختص
بالشيعة، وإنما اشتهرت عنهم لكثرة ما وقع عليهم من الاضطهاد الذي
حملهم على التقية، وإلا فالتقية واقعة من كل أحد عند الخوف وليس فيها
مغمز فقد دل عليها العقل وورد بها الشرع واخذها الشيعة عن أئمة أهل البيت
ع والذين يعيبون بها لا نراهم يتركونها عند عروض
سببها وتقودهم عقولهم وما فطروا عليه إليها. وقبض المشركون على بعض
إجلاء الصحابة فلم يتركوه حتى سب النبي ص وأظهر
الارتداد عن دين الاسلام فجاء إلى النبي يبكي وذكر له ما جرى فقال إن
عادوا فعد لهم. ويمكن الاستدلال عليها بأمور حكم العقل لاستقلاله
بوجوب دفع الضرر وارتكاب أخف الضررين قوله تعالى: لا يتخذ
المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في
شئ إلا أن تتقوا منهم تقاة قوله تعالى: من كفر بالله من بعد إيمانه إلا
من أكره وقلبه مطمئن بالايمان قوله تعالى: وقال رجل مؤمن من آل
فرعون يكتم إيمانه قوله تعالى ولا تسبوا الذين كفروا فيسبوا الله عدوا بغير
علم فعل النبي ص فإنه بقي بعد البعثة ثلاث سنين لا يجاهر بالدعوة.
رأي الشيعة في أمهات المؤمنين
وبخاصة في عائشة
كتب الأستاذ سعيد الأفغاني لمناسبة ما يقوم به من بحث عن عائشة
كتب كتابا إلى المؤلف جاء فيه:
١ ما هو رأي الشيعة المتفق عليه في أمهات المؤمنين عامة مستندا
(١١٩)

إلى المصادر الموثوق بها المجمع على احترامها عندهم.
٢ رأيهم في السيدة عائشة خاصة، وجميع ما كان منها.
رأيكم الخاص في الأمرين على التفصيل بصفتكم أبرز مجتهدي
الشيعة اليوم أثرا في الاصلاح.
٤ ما هي المراجع المعتمدة عند الشيعة التي يحسن بالباحث الرجوع
إليها كلما أراد معرفة رأيهم الرسمي في قضية ما لأنه قد ثبت عندي أن
الاعتماد في ذلك على ما حكي من آرائهم في كتب غيرهم كابن تيمية
وابن حزم في المتقدمين والنشاشيبي مثلا في المعاصرين مخالف لأصول
البحث العلمي المجرد.
٥ هل صحيح ما حكي عنهم في كتاب الاسلام الصحيح
للنشاشيبي؟ وخاصة ما جاء في ذيل الصفحتين ٨٦ و ٨٧ منه بحق السيدة
عائشة.
وقد أجابه المؤلف على كتابه بجواب وجدت مسودته بين مخطوطاته
فرأيت ضمه إلى هذه الطبعة من الكتاب لمساسه بمواضيعه وإن كان الأستاذ
الأفغاني نشره في كتابه وهذا هو الجواب:
حسن الأمين
قلتم انكم تريدون أن تكون دراستكم حيادية شاملة وجهات النظر
كلها، وقد أعوزكم ان تدرسوها من وجهة النظر الشيعية وإنكم لم تقتنعوا
بما رأيتم من آرائهم في كتب غيرهم ابن تيمية مثلا في منهاج السنة
والإنصاف يقتضي دراستها في مظانها وطلبتم ان أدلكم على مصادر شيعية
وتعيين ما نراه محترما موثوقا يعبر في نظرنا عن وجهة النظر الشيعية لتستطيعوا
الاعتماد عليها وإن أبين لكم رأيي الخاص في الموضوع وطلبتم في كتابكم
الثاني الجواب عن خمسة أمور لا تخرج عما طلبتم في الكتاب الأول الجواب
عنه.
فأقول مجيبا وسائلا منه تعالى التوفيق والتسديد لصواب القول: اما
قولكم إن في نيتكم أن تكون الدراسة حيادية فنعم ما تفعلون إذا أمكنكم
ذلك. فان ما في الكتب الإسلامية مما يرجع إلى الآراء والديانات قد اختلط
فيه الحابل بالنابل والحق بالباطل واعتورتها العصبيات والأهواء، ومضى
على المسلمين أحقاب وقرون دخلت فيها السياسة في الدين، واستغل
الدين لتوطيد الملك واختلقت الأحاديث والأقوال حسب رغبة الملوك
والأمراء والسلاطين وبعض من يحملون لقب الخلافة. فعل ذلك خوفا وطمعا
ولارغام فريق وتأييد فريق كما هو الشأن في كل عصر وزمان واقتضت
السياسة في غالب العصرين الأموي والعباسي الغض من العلويين
وإرغامهم واقصاءهم وإخمال ذكرهم واختلاق كل ما فيه إرغامهم
وتأييده وتشييده لا سيما من طريق الدين والناس عبيد الدنيا إلا
من عصمه الله وقليل ما هم. ومهما بذل العلماء جهودهم في تنقية الأخبار
لم يستطيعوا وإن تخيلوا ذلك لأن العصبيات المذهبية والعداوات
الدينية تأصلت في النفوس وتوارثها الخلف عن السلف ومن أراد تجريد
نفسه عنها لم يوفق لكثرة ما في الامر من الاختلاط إلا ما شاء الله ولا يمكننا
تنزيه ما عند فريق دون فريق عن ذلك فما علينا إلا أن ننعم النظر ونأخذ بما
أتفق عليه الكل وتوافقت عليه الأخبار من الطرفين وأيده الكتاب العزيز
والسنة الثابتة عند الجميع.
أما عدم إقتناعكم بما ترونه من آراء الشيعة في كتب غيرهم فهو
الصواب لأنها قد كثرت النسب الباطلة إلى الشيعة في كتب غيرهم وتداولها
الناس ولا سيما ما في كتب ابن تيمية الذي غلب عليه التعصب وأتى في
كتابه الذي سماه منهاج السنة بما تشمئز منه النفوس وعاب مسلكه كثيرون
من علماء أهل السنة كالامام السبكي وغيره بما لا يتسع المقام لبيانه. وشهد
عليه ابن بطوطة بان في عقله شيئا. أما الجواب عن السؤال الأول
فيمكنني في هذه العجالة ان أبين لكم خلاصة عقيدة الشيعة المتفق عليها في
نساء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام عامة وفي أمهات المؤمنين نساء النبي
ص خاصة:
يعتقد الشيعة وجوب تنزيه الأنبياء عن جميع العيوب والنقائص سواء
كان ذلك في أفعالهم كالاكل على الطريق ومجالسة الأرذال أو صناعاتهم
ككونه حجاما أو زبالا أو أخلاقهم كالحقد والحسد والجبن والبخل أو في
أجسامهم كالبرص والجذام أو عقولهم كالجنون والبله أو في الخارج عنهم
كدناءة الآباء وعهر الأمهات أو الأزواج فتحصل من ذلك أن زوجة النبي
يجوز أن تكون كافرة كما في امرأتي نوح ولوط ع ولا يجوز أن تكون
زانية لأن ذلك من النقائص التي تلحق النبي فتوجب سقوط محله من
القلوب وعدم الانقياد لأقواله وأفعاله وذلك ينافي الغرض المقصود من
إرساله. وحينئذ فقوله تعالى في حق امرأتي نوح ولوط: فخانتاهما يراد منه
الخيانة بغير ذلك ولا عموم في لفظ الخيانة.
أما إعتقادهم في خصوص أزواج النبي ص فهو ما نطق به القرآن
الكريم وأتفق على نقله أهل الآثار والاخبار دون ما أنفرد به بعضهم ولم يقم
برهان على صحته ما روي لأمور سياسية في عصر الملك العضوض أو انفرد
به شذاذ لا عبرة بهم. هذا هو إعتقادهم ومن نسب إليهم سوى ذلك فقد
أخطأ. فأزواج النبي ص أمهات المؤمنين في لزوم الاحترام والتكريم احتراما
للنبي ص وحرمة نكاحهن من بعده، النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه
أمهاتهم، ما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده.
وإن الزوجية للنبي ص لا ترفع عقاب المعصية بل تضاعفه كما
تضاعف ثواب الطاعة: يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة
يضاعف لها العذاب ضعفين، ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا
نؤتها أجرها مرتين، يا نساء النبي لستن كأحد من النساء ان اتقيتن. وإن
زوجية المرأة للنبي لا تنفعها مع سوء عملها كما أن زوجيتها للكافر المدعي
الربوبية لا تضرها مع حسن عملها: ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح
وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما
من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين وضرب الله مثلا للذين آمنوا
امرأة فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون
وعمله.
وإن بعض أزواجه ص أفشت سره وإن اثنتين منهما قد صغت
قلوبهما ومالت عن طريق الطاعة وفعلتا ما يوجب التوبة وأنهما تظاهرتا عليه
وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا فلما نبات به وأظهره الله عليه عرف
بعضه وأعرض عن بعض. ثم قال: إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما
وإن تظاهرا عليه فان الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد
ذلك ظهير عسى ربه ان طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن الآية
(١٢٠)

وروى الطبري في تفسيره روايات كثيرة والبخاري في صحيحه ان
المتظاهرتين كانتا عائشة وحفصة.
وان نساء النبي ص فعلن ما يوجب اعتزاله إياهن تسعة وعشرين
يوما حتى نزلت آية التخيير: يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة
الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا وإن كنتن تردن الله
ورسوله والدار الآخرة فان الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما.
ويعتقدون ان أفضل أمهات المؤمنين خديجة بنت خويلد وان من المحسنات
أم سلمة.
وأما الجواب عن السؤال الثاني: فهو ان السيدة عائشة أم المؤمنين
كانت راوية للحديث بصيرة بالفقه جريئة على النبي ص ظهر ذلك منها
في عدة مواضع حفظها التاريخ لا يتسع المقام لذكرها، منها قولها له في غزاة
فتح مكة: إنك تزعم إنك رسول الله فما لك لا تعدل كما في السيرة
الحلبية ج ٣ ص ٢٩٣ ومنها إنه لما أراها ولده إبراهيم لترى ما بينه وبين
ولده من عظيم الشبه قالت إنها لا ترى بينهما شبها كما في كتاب حياة محمد
للدكتور هيكل ص ٤٢٩ ولتكاد تتهم مارية بما يعرف النبي ص براءتها
منه كما في ص ٤٣١ منه.
ويرون إنها أخطأت بخروجها على الإمام العادل مظهرة الطلب بدم
عثمان، وهي كانت من أعظم المحرضين عليه، وكانت تقول ما هو
معروف مشهور وتخرج قميص رسول الله ص وتقول ما هو معروف
مشهور أيضا لا حاجة بنا إلى ذكره وقد تركت عثمان وهو محصور لم تنصره
ولم تحرض على نصره وخرجت إلى مكة فبقيت فيها حتى قتل ثم خرجت من
مكة تريد المدينة وهي لا تعلم بقتله، روى الطبري (١) وابن الأثير (٢) أنها لما
كانت بسرف لقيها ابن أم كلاب وهو من أخوالها فقالت له: مهيم؟ قال
قتل عثمان قالت ما صنعوا قال أخذها أهل المدينة بالاجتماع فجازت بهم
الأمور إلى خير مجاز وحارت بهم خير محار اجتمعوا على بيعة علي، فقالت:
ليت هذه انطبقت على هذه ان تم الامر لصاحبك ردوني ردوني فانصرفت
إلى مكة وهي تقول: قتل والله عثمان مظلوما، والله لأطلبن بدمه. فقال
لها ولم والله أن أول من أمال حرفه لانت ولقد كنت تقولين اقتلوا نعثلا فقد
كفر قالت إنهم استتابوه ثم قتلوه وقد قلت وقالوا وقولي الأخير خير من قولي
الأول، فقال لها ابن أم كلاب:
- منك البداء ومنك الغير * ومنك الرياح ومنك المطر -
- وأنت امرت بقتل الإمام * وقلت لنا أنه قد كفر -
- فهبنا أطعناك في قتله * وقاتله عندنا من أمر -
- ولم يسقط السقف من فوقنا * ولم ينكسف شمسنا والقمر -
- وقد بايع الناس ذات تدرء * يزيل الشبا ويقيم الصعر -
- ويلبس للحرب أثوابها * وما من وفى مثل من قد غدر -
وقد أمرت أن تقر في بيتها بقوله تعالى: وقرن في بيوتكن ولا تبرجن
تبرج الجاهلية الأولى. ويعتذر المعتذرون لها بأنها اجتهدت فأخطأت أو
أذنبت فتابت، ورحمة الله واسعة، ويصعب علينا التصديق بان هذا كان
اجتهادا وإذا جردنا أنفسنا عن التقليد ونظرنا نظرا لم يتأثر بشئ وجدناه
بعيدا عن الاجتهاد غاية البعد وقد قال بعض علماء الأعصار الأخيرة من
الشيعة:
- عائش ما نقول في قتالك * سلكت فيه سبل المهالك -
- ويا حميرا سبك محرم * لأجل عين ألف عين تكرم -
وروى أبو الفرج الأصبهاني في مقاتل الطالبيين بسنده إنه لما جاءها
قتل علي بن أبي طالب سجدت وروى فيه أبو الفرج أيضا ومحمد بن سعد
في الطبقات الكبير وذكره المرزباني في معجم الشعراء والطبري في تاريخه
وابن أثير في الكامل: انه لما أتاها نعيه تمثلت:
- فألقت عصاها واستقرت بها النوى * كما قر عينا بالإياب المسافر -
ثم قالت: من قتله؟ قيل: رجل من مراد فقالت:
- فان يك نائيا فلقد نعاه * غلام ليس في فيه التراب -
قال أبو الفرج: ثم تمثلت:
- ما زال اهداء القصائد بيننا * شتم الصديق وكثرة الألقاب -
- حتى تركت كان قولك فيهم * في كل مجتمع طنين ذباب -
وان ما جاء من أن النبي ص كان يستمع إلى الغناء وهي معه
وانه كان عنده نساء يلعبن بالدفوف وهي عنده فجاء بعض أكابر الصحابة
فقال اسكتي فقد جاء رجل لا يحب الباطل أو ما هذا معناه لست أحفظ
لفظ الحديث ولم تمكنني الفرصة لمراجعته باطل مختلق وان ذكر في كتب
مشهورة لمنافاته مقام النبوة وشرف الرسالة. وسبيل هذه الأخبار سبيل كثير
مما جاء في هذا الباب.
وأما الجواب عن السؤال الثالث فيعلم مما ذكر في جواب
السؤالين الأول والثاني.
وأما الجواب عن السؤال الرابع فالمراجع المعتمدة عند الشيعة
هي كتب السيد المرتضى وأمثاله. وتجدون كثيرا من آرائه وأقواله منقولة في
شرح النهج الحديدي. ومن المراجع المعتمدة في التفسير مجمع البيان
للطبرسي المطبوع ومروج الذهب للمسعودي في التاريخ. والاعتماد عليها
لا يعني ان جميع ما فيها صواب فلا ينزه عن الخطا غير كتاب الله العزيز.
وأما الجواب عن السؤال الخامس فكتاب النشاشيبي لم أره ولا
كلفت نفسي رؤيته وما فيه ان طابق ما قلناه فصواب وإلا فلا.
البحث العاشر
في الإشارة إلى علماء الشيعة وشعرائهم وأدبائهم وكتابهم ومصنفيهم
في فنون الإسلام في كل عصر وزمان وسبقهم الناس إلى التأليف في كثير منها
في عصر الصحابة والتابعين وتابعي التابعين وما بعدهم إلى اليوم وما أسدوه
من خدمة جلى إلى الاسلام وإلى الأدب العربي.
وهو مفصل في تراجمهم الآتية في أبوابها وإنما نريد ان نشير إليه هنا
إشارة إجمالية ونذكر منه نموذجا فقط لندل بذلك على ما عليه الشيعة من
الجد والاجتهاد في تحصيل العلوم ونشرها والتآليف والتصنيف فيها في عصر
السعة والضيق والعسر واليسر والخوف والأمن، وعلى تسلسل ذلك بدون
انقطاع من صدر الإسلام إلى اليوم مع الكثرة المفرطة في كل عصر في العلماء
والمؤلفات بالنسبة إلى عددهم. قال الشيخ أبو جعفر محمد ابن الحسن

(١) ج ٥ ص ١٧٢.
(٢) ج ٢ ص ١٠٢ الطبعة الثانية.
(١٢١)

الطوسي المعروف بالشيخ الطوسي في مقدمة كتابه فهرست أسماء مصنفي
الشيعة: فإنه أي الفهرست يطلع على أكثر ما عمل من التصانيف ويعرف
به قدر صالح من الرجال ولم أضمن أني أستوفي ذلك إلى آخره فان تصانيف
أصحابنا لا تكاد تضبط لكثرة انتشار أصحابنا في البلدان وأقاصي الأرض
اه.
وقد كانت كلمة تصدر من أحد خصومهم أو أمر يحدث يكون سببا
في تاليف كتاب. فالنجاشي صنف فهرست أسماء المصنفين من الشيعة
وكتبهم لما سمع من يقول: إنه لا سلف لكم ولا مؤلف. والشيخ أبو
جعفر محمد بن الحسن الطوسي صنف المبسوط في الفقه لما كان يسمع ما
يقوله المتفقهة من غير الشيعة من نسبتهم الإمامية إلى قلة الفروع وقولهم إن
من ينفي القياس والاجتهاد لا طريق له إلى كثرة المسائل ولا التفريغ على
الأصول، لأن جل ذلك مأخوذ من هذين الطريقين، وأبان فيه أن جل ما
ذكروه من المسائل موجود في أخبارنا خصوصا أو عموما، تصريحا أو
تلويحا، وإنه لا فرع مما ذكروه في كتبهم من مسائل الفروع إلا وله مدخل
في أصولنا ومخرج على مذاهبنا، إلا على وجه القياس بأعلى طريقة توجب
علما يجب العمل عليها من البناء على الأصل وبراءة الذمة وغير ذلك.
فجاء كتابا لا نظير له في كتب الشيعة ولا غيرهم. ولما بلغ هذا الشيخ ان
بعض الناس استنكر تعارض الأخبار الواردة عن أئمة أهل البيت ع
صنف كتاب الاستبصار في الجمع بين ما تعارض من الاخبار.
وعلي بن محمد الخزاز القمي من أهل القرن الرابع لما سمع من يقول إنه لم
يرد شئ في امامة الأئمة الاثني عشر عن الصحابة والعترة صنف كتاب
كفاية الأثر في النصوص على الأئمة الاثني عشر ذكر فيه ما ورد من ذلك عن
الصحابة والعترة بأسانيده. والطبرسي لما سمع من ينكر الاحتجاج جمع
كتابا فيما أمر الله به من الاحتجاج في القرآن وفي احتجاجات النبي ص
والزهراء والأئمة ع وجماعة من الصحابة وبعض العلماء وهو
المعروف باحتجاج الطبرسي. والشيخ زين الدين بن علي العاملي الجبعي
المعروف بالشهيد الثاني لما رأى ندرة الشروح المزجية في مؤلفات
الشيعة ألف عدة شروح مزجية كشرح اللمعة الدمشقية وشرح ألفية الشهيد ونفليته
وشرح الدراية وغيرها. والشهيد الأول محمد بن مكي العاملي الجزيني جمع
ألف حكم من أحكام الصلاة الواجبة في كتاب سماه الألفية لأجل حديث
مروي وجمع مستحبات الصلاة في كتاب سماه النفلية. والشيخ فخر الدين
الطريحي النجفي المتوفى سنة ١٠٨٥ لما رأى أنه ليس للشيعة مؤلف في
غريب القرآن والحديث لا سيما أحاديث الشيعة ألف كتابه مجمع البحرين.
والصدوق محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي لما رأى كتاب من لا
يحضره الطبيب صنف كتاب من لا يحضره الفقيه وألف فيما ورد في الخصال
العددية وفيما ورد في علل الأحكام الشرعية وما ورد في ثواب الأعمال وعقاب
الأعمال وما ورد في التوحيد وغير ذلك من المصنفات المتنوعة.
وقد ألف علماء الشيعة في جميع فنون الاسلام وجملة منها لم يسبقهم
إلى التأليف فيها سابق من التفسير والقراءة والحديث. والفقه من الطهارة
إلى الديات. ومناسك الحج. والفرائض والمواريث بالخصوص. وأصول
الدين وعلم التوحيد. وأصول الفقه ودراية الحديث. وشرح الاخبار.
وشرح الأربعين حديثا وعمل اليوم والليلة وعمل الأسبوع. وأعمال السنة
وأعمال شهر رمضان بالخصوص. والمزارات. والدعوات. والاحتجاج.
ورد الدهرية وغيرهم. والأخلاق. والمواعظ والحكم والآداب. والتاريخ
والمغازي والمقاتل والأنساب والشعر والآداب. وعلم الرجال والتراجم
وفهرست المصنفات والاجازات والجغرافيا وتقويم البلدان. والهيئة.
وتشريح الأفلاك. وعلم النجوم. والهندسة. والحساب والجبر والمقابلة
والطب. والمنطق والكلام من الطبيعيات والإلهيات. والمناظرة والجدل
وآداب المعلمين والمتعلمين. والنحو. والصرف. وعلوم البلاغة. ومتن
اللغة وغير ذلك فألفوا في ذلك كله المؤلفات التي لا تحصى كثرة من
مطولات ضخمة ومتوسطات ومختصرات ومتون وشروح وحواش ومنثور
ومنظوم مما ستقف عليه في تراجمهم (انش) وكتب الرجال والفهارس كافلة
ببيان ذلك وقد صنف عدة كتب في أسماء المصنفين منهم خاصة كفهرست
الشيخ أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي. ورجال النجاشي. وفهرست
منتجب الدين بن بابويه. ومعالم العلماء لابن شهرآشوب. وفي فهرست ابن النديم قسم وافر من مؤلفيهم وصنف معاصرنا الشيخ آقا بزرك
الطهراني كتابا سماه الذريعة إلى مؤلفات الشيعة في ست مجلدات مخطوطة
نظير كشف الظنون طبع منه أربعة أجزاء وصل فيها إلى آخر حرف التاء
وستكون اجزاؤه المطبوعة على ضعف الستة أو أزيد ويزيد ما فيه على كشف
الظنون كثيرا. وقبله صنف بعض علماء الهند كتاب كشف الحجب عن
أسماء المؤلفات والكتب.
أول من ألف في الاسلام من العلماء هم علماء الشيعة
قد عرفت قول الغزالي أول كتاب صنف في الاسلام كتاب ابن جريح
وحروف التفاسير عن مجاهد وعطاء بمكة. ثم كتاب معمر بن راشد
الصنعاني بمكة ثم موطأ مالك بالمدينة ثم جامع سفيان الثوري. وقال
الذهبي في تذكرة الحفاظ أول من صنف الكتب ابن جريح اه
وستعرف قول السيوطي في الأوائل أن أول من صنف في الفقه بعد المائة
الأولى أبو حنيفة. وقد عرفت قول ابن شهرآشوب بعد نقل كلام الغزالي:
بل الصحيح أن أول من صنف في الاسلام أمير المؤمنين ع ثم سلمان
الفارسي ثم أبو ذر ثم الأصبغ بن نباتة ثم عبد الله بن أبي رافع ثم الصحيفة
الكاملة. وقال النجاشي في أول كتابه المعمول لذكر المؤلفين من الشيعة:
أذكر المتقدمين في التصنيف من سلفنا الصالحين وهي أسماء قليلة ثم قال:
ذكر الطبقة الأولى وعدهم هكذا: أبو رافع مولى رسول الله ص وابناه
عبيد الله وعلي كاتبا أمير المؤمنين ع ويأتي الكلام على الثلاثة مفصلا
قريبا وربيعة بن سميع عن أمير المؤمنين ع له كتاب في زكاة النعم،
وذكر سنده إليه، وسليم بن قيس الهلالي له كتاب، وذكر سنده إليه
والأصبغ بن نباتة المجاشعي كان من خاصة أمير المؤمنين ع وعمر بعده
روى عنه عهده إلى الأشتر ووصيته إلى ابنه محمد، وذكر سنده إليهما،
وعبد الله بن الحر الجعفي الفارس الفاتك له نسخة يرويها عن أمير المؤمنين
ع اه ولم يعين السابق ولا ذكر ترتيبا كما ذكر ابن شهرآشوب. وبيان
السابق من مؤلفي الشيعة وغيرهم يتوقف على ذكر تواريخ وفياتهم. أما
غير الشيعة فمجاهد مات سنة ١٠١ على الأقل و ١٠٤ على الأكثر
وعطاء ١١٠ على الأقل و ١١٤ على الأكثر وابن جريح والامام أبو
حنيفة ١٥٠ ومعمر بتخفيف الميم ابن راشد ١٥٢ على الأقل
و ١٥٤ على الأكثر وسفيان الثوري ١٦١ ومالك ١٧٩ وأما
الشيعة فسلمان مات سنة ٣٦ أو ٣٧ وقيل قبل سنة ٣٤ وأبو
(١٢٢)

ذر مات سنة ٣١ أو ٣٤ والأصبغ كان في عصر أمير المؤمنين ع
الذي استشهد سنة ٤٠ وأبو رافع مات بعد قتل عثمان وقيل
مات في خلافة علي وعبيد الله وعلي ابنا أبي رافع كانا كاتبي علي ع.
وربيعة بن سميع من أصحاب علي وسليم بن قيس توفي في إمارة
الحجاج حدود ٩٠ والأصبغ يروي عنه محمد بن السائب الكلبي المتوفى
١٤٦ وعبيد الله بن الحر يروي عن أمير المؤمنين ع فهؤلاء
كلهم في المائة الأولى في أواسطها عدى الأصبغ ومع ذلك فهو متقدم على
جملة منهم وأولئك كلهم في المائة الثانية فبأن أن أول من ألف في الاسلام
حتى في الفقه هم علماء الشيعة أما بيان تشيعهم ومؤلفاتهم فنقول أما أبو
رافع فقال النجاشي: أخبرنا محمد بن جعفر الأديب أخبرنا أحمد بن
محمد بن سعيد في تاريخه: أسلم أبو رافع قديما بمكة وهاجر إلى المدينة
وشهد مع النبي ص مشاهده ولزم أمير المؤمنين ع من بعده
وكان من خيار الشيعة وشهد معه حروبه وكان صاحب بيت ماله بالكوفة.
ثم روى بسنده عن أبي رافع: دخلت على رسول الله ص وهو نائم أو
يوحى إليه إلى أن قال فاستيقظ وهو يتلو: إنما وليكم الله ورسوله
والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ثم قال
الحمد لله الذي أكمل لعلي منيته وهنيئا لعلي بتفضيل الله إياه إلى أن قال
ثم أخذ بيدي فقال كيف أنت وقوما يقاتلون عليا وهو على الحق وهم على
الباطل يكون في حق الله جهادهم فمن لم يستطع جهادهم فبقلبه فقلت ادع
لي أن أدركهم أن يعينني الله ويقويني على قتالهم فقال اللهم ان أدركهم فقوه
وأعنه إلى أن قال فلما بويع علي وخالفه معاوية بالشام وسار طلحة
والزبير إلى البصرة قال أبو رافع هذا قول رسول الله ص سيقاتل عليا
قوم يكون حقا في الله جهادهم فباع أرضه بخيبر وداره ثم خرج مع علي
وهو شيخ كبير له خمس وثمانون سنة وقال الحمد لله لقد أصبحت لا أحد
بمنزلتي لقد بايعت البيعتين بيعة العقبة وبيعة الرضوان وصليت القبلتين
وهاجرت الهجر الثلاث مع جعفر إلى أرض الحبشة ومع رسول الله ص
إلى المدينة وهذه الهجرة مع علي بن أبي طالب إلى الكوفة فلم يزل مع علي
حتى استشهد علي فرجع إلى المدينة مع الحسن ولا دار له بها ولا أرض
فقسم له الحسن دار علي بنصفين وأعطاه سنح أرض أقطعه إياها فباعها ابنه
عبيد الله من معاوية بمائة ألف وسبعين ألفا إلى أن قال ولأبي رافع كتاب
السنن و الأحكام والقضايا. أخبرنا محمد بن جعفر النحوي حدثنا أحمد بن
محمد بن سعيد هو أبو العباس بن عقدة حدثنا حفص بن محمد بن سعيد
الأحمسي حدثنا حسن بن الحسين الأنصاري حدثنا علي بن القاسم الكندي
عن محمد بن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه عن جده أبي رافع عن علي بن
أبي طالب أنه كان إذا صلى قال في أول الصلاة. وذكر الكتاب إلى آخره بابا
بابا الصلاة والصيام والحج والزكاة والقضايا قال وروى هذه النسخة من
الكوفيين أيضا زيد بن محمد بن جعفر بن المبارك يعرف بابن أبي الياس عن
الحسين بن حكيم الحيري قال حدثنا حسن بن حسين باسناده وذكر شيوخنا
ان بين النسختين اختلافا قليلا ورواية أبي العباس أتم اه أي ان
الاختلاف بالزيادة والنقصان والروايات التي في النسخة التي رواها أبو
العباس يعني ابن عقدة أتم وأما علي بن أبي رافع فقد قال النجاشي
بعد ما ذكر كتاب أبي رافع المتقدم ما لفظه: ولابن أبي رافع كتاب آخر وهو
علي بن أبي رافع تابعي من خيار الشيعة كانت له صحبة من أمير المؤمنين
ع وكان كاتبا له وحفظ كثيرا وجمع كتابا في فنون الفقه الوضوء
والصلاة وسائر الأبواب ثم ذكر سنده إليه إلى عمر بن محمد بن عمر بن
علي بن الحسين قال حدثني أبو محمد عبد الرحمن بن محمد بن عبيد الله بن أبي
رافع وكان كاتب أمير المؤمنين ع انه كان يقول يعني عليا ع
إذا توضأ أحدكم للصلاة فليبدأ باليمين قبل الشمال من جسده
وذكر الكتاب. قال عمر بن محمد وأخبرني موسى بن عبد الله بن الحسن
عن أبيه أنه كتب هذا الكتاب عن عبيد الله بن علي بن أبي رافع وكانوا
يعظمونه ويعلمونه وقال أبو العباس بن سعيد يعني ابن عقدة وذكر
السند إلى موسى بن عبد الله بن الحسن قال سال أبي رجل عن التشهد فقال
هات كتاب ابن أبي رافع فأخرجه واملاه علينا قال وقد طرق عمر بن محمد
هذا الكتاب إلى أمير المؤمنين ع وذكر السند إلى علي بن
عبيد الله بن محمد بن عمر بن علي حدثني أبي محمد عن أبيه عن جده
عمر بن علي بن أبي طالب عن أمير المؤمنين ع وذكر أبواب
الكتاب ثم قال النجاشي قال ابن سعيد يعني ابن عقدة وذكر سنده إلى
علي أمير المؤمنين ع من ابتداء باب الصلاة في الكتاب وذكر خلافا
بين النسختين اه
أقول لا يبعد أن يكون وقع سقط في عبارة النجاشي عند ذكر
السند الأول إلى كتاب علي بن أبي رافع ففي آخر السند كما سمعت حدثني
أبو محمد عبد الرحمن بن محمد بن عبيد الله بن أبي رافع وكان كاتب أمير
المؤمنين الخ فأول الكلام كان في كتاب علي بن أبي رافع ولم يجر لعلي ذكر
وقوله وكان كاتب أمير المؤمنين لا يصح رجوعه إلى عبد الرحمن لأنه لم يكن
كاتبه ولا إلى عبيد الله لأن الكلام في أخيه علي لا فيه فذكر كونه كاتبا لعلي
هنا لا وجه له فلا يبعد أن يكون أصل الكلام: حدثني أبو محمد
عبد الرحمن بن محمد بن عبيد الله بن أبي رافع عن علي بن أبي رافع وكان
كاتب أمير المؤمنين أنه كان يقول الخ وكذا قوله عند ذكر السند الثاني إليه
أنه كتب هذا الكتاب عن عبيد الله بن علي بن أبي رافع لا يبعد أن يكون
سقط منه عن أبيه علي بن أبي رافع والله أعلم وأما عبيد الله بن أبي رافع
فقد صرح النجاشي بأنه كان كاتب أمير المؤمنين كأخيه علي فقال بعد ذكر
أبي رافع: وابناه عبيد الله وعلي كاتبا أمير المؤمنين ع وبذلك
صرح البرقي في رجاله والشيخ في رجاله وفهرسته وقال في الفهرست له
كتاب قضايا أمير المؤمنين ع وذكر سنده إليه عن محمد بن
عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه عن جده عن علي ع وذكر الكتاب
بطوله. فيمكن كونه كتاب أبي رافع المتقدم ويمكن كونه غيره ونسب إلى
عبيد الله باعتبار روايته له عن أبيه قال في الفهرست وله اي لعبيد الله كتاب
تسمية من شهد مع أمير المؤمنين ع الجمل وصفين والنهروان من
الصحابة وذكر سنده إليه إلى عون بن عبيد الله ابن أبي رافع عن أبيه قال
وكان كاتبه ع اه وستعرف عند الكلام على مؤلفي الشيعة
في الحديث أنه قد صنف قدماء الشيعة الاثني عشرية المعاصرين للأئمة
ع من عهد أمير المؤمنين علي ع إلى عهد أبي محمد
الحسن العسكري ما يزيد على ستة آلاف وستمائة كتاب في الأحاديث
المروية من طريق أهل البيت ع المستمدة من مدينة العلم النبوي
في علوم الدين من أصول الاعتقاد والتفسير والفقه والمواعظ والآداب
وأعمال السنة ونحو ذلك وذلك في مدة تقرب من مائتي سنة وخمسين
سنة وامتاز من بين هذه الستة آلاف والستمائة كتاب أربعمائة كتاب عرفت
(١٢٣)

بالأصول الأربعمائة ثم جمع قدماء الشيعة من أوائل المائة الرابعة إلى أواسط
المائة الخامسة مما في هذه الكتب أربعة كتب مبوبة حاوية للفقه كله من
الطهارة إلى الديات وبعضها حاو لجملة من الأصول ومجموع ما فيها يزيد
على ما في الصحاح الستة لأهل السنة ثم جمع ما فيها في كتابي الوسائل
والوافي وستعرف أنه اشتهر ثمانية عشر رجلا من أصحاب الأئمة بالفقه
والحديث من أواخر المائة الأولى إلى أوائل المائة الثالثة وعرفوا بأصحاب
الاجماع لأن الكشي ادعى اجماع العصابة على تصحيح ما يصح عنهم
والاقرار لهم بالفقه ثم اتسع باب التصنيف عند الشيعة في المائة الثانية
وبعدها في الكلام والفقه وغيرهما فممن ألف منهم في الكلام عيسى بن
روضة كان متكلما جيد الكلام له كتاب في الإمامة وكان صاحب المنصور
والمنصور توفي سنة ١٥٨. وأبو جعفر محمد بن علي بن النعمان يعرف
بشيطان الطاق لحذقه أو مؤمن الطاق له في الكلام كتب كثيرة وهو من
أصحاب الصادق والصادق توفي سنة ١٤٨ وغيرهما كثيرون ألفوا في
الكلام في أواسط المائة الثانية وأواخرها كما سيأتي عند ذكر طبقات المتكلمين
وازداد باب التأليف اتساعا عندهم في المائة الثالثة وما بعدها فصنفوا في المائة
الثالثة وأوائل الرابعة التصانيف الجليلة في علم الكلام وهي كثير جدا كما
يعلم من مراجعة طبقات المتكلمين منهم أمثال إبراهيم بن محمد الثقفي
٢٨٣ ومحمد بن قبة الرازي الذي رد على أبي القاسم البلخي بعدة كتب
وصنفوا في المائة الرابعة التصانيف الفائقة في علم الفقه على الطراز الموجود
اليوم من الطهارة إلى الديات وفي علم الكلام فمن متقدميهم في التصنيف
في جميع أبواب الفقه الحسن بن أبي عقيل العماني أول من هذب الفقه وبوبه
على الكتب المعروفة اليوم له في الفقه كتاب المتمسك بحبل آل الرسول
معاصر لجعفر بن محمد بن قولويه كتب إليه يجيزه بالكتاب المذكور وابن
قولويه توفي سنة ٣٦٩.
ومنهم محمد بن أحمد بن الجنيد له كتاب تهذيب الشيعة لاحكام
الشريعة فيه جمع كتب أبواب الفقه معاصر للسلطان معز الدولة المتوفى سنة
٣٥٦ جعله بحر العلوم في رجاله من كبار الطبقة السابعة وجعل ابن أبي
عقيل أعلى منه بطبقة والظاهر أن ذلك لكون المفيد يروي عن ابن الجنيد بلا
واسطة ويروي عن ابن أبي عقيل بواسطة شيخ المفيد جعفر بن محمد بن
قولويه.
وبعد هذه الطبقة طبقة الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان
٤١٣ وتلميذه المرتضى ٤٣٦ وتلميذ المرتضى الشيخ أبو جعفر
الطوسي ٤٦٠ وبعد الطوسي تلاميذه الذين انتشروا في أقاصي
الأرض. وبعد ذلك إلى اليوم ألف الامامية في كل عصر في أنواع
العلوم: التفسير والحديث وعلومه وآيات الأحكام والأصولين والفقه
والرجال وغير ذلك مما انتشر في أقطار الأرض وجاروا غيرهم ولم يقصروا بل
سبقوا سواهم في كثير منها ولم يؤخروا ولا سيما في أصول الفقه وفي الفقه
نظرا إلى قولهم بالاجتهاد وسد بابه عند غيرهم وقد سبقوا إلى التأليف في
الفقه والأحكام من صدر الاسلام كما عرفت.
وكذا في علم الكلام والجدل نظرا إلى احتياجهم إلى رد الخصوم
الكثيرة في كل عصر وزمان وكان منهم من القراء عاصم والكسائي وغيرهما
ومؤلفاتهم في الفقه والحديث والتفسير تنبو عن الحصر. بل أن لهم في
العلوم الاسلامية مؤلفات لم يؤلف مثلها أبدا من يوم ابتداء التأليف في
الاسلام إلى اليوم وكانت هي وحدها المتميزة بين جميع ما ألف في ذلك
وجملة منها كانوا هم أول من ابتدأها وألف فيها فعلم النحو اخترعه أبو
الأسود الدئلي بتعليم أمير المؤمنين علي ع ولما انتشر علم النحو
واتسع كان فحول علمائه من الشيعة كالخليل بن أحمد والكسائي والمازني
وأبو علي الفارسي وغيرهم ولما كثرت المؤلفات في علم النحو في الأعصار
الأخيرة كان خير مؤلف فيه شرح الشيخ الرضي على كافية ابن الحاجب جمع
فلسفة علم النحو وتحقيق مسائله ولم يؤلف مثله لا قبله ولا بعده وعكف
عليه العلماء والطلاب من العرب والفرس والترك وعلق عليه حاشية السيد
الشريف الجرجاني طبعت معه في مصر وطبع في إيران عدة طبعات وقد أثنى
على مؤلفه وعليه السعد التفتازاني في مطوله ثناء بليغا وعلم الصرف اخترعه
منهم معاذ بن مسلم الهراء الكوفي وأفرده عن علم النحو. وعلم العروض
اخترعه منهم الخليل بن أحمد ووضع كتاب العين الذي جمع فيه لغة العرب
بتمامها وألف الصاحب بن عباد المحيط في اللغة يكثر النقل عنه في كتب
اللغة وأول من عمل المقامات بديع الزمان كان من الشيعة وبه اقتدى
الحريري وكان كتاب الدنيا أربعة عبد الحميد وابن العميد والصاحب
والصابي والاثنان المتوسطان من الشيعة. ونوابغ الشعراء هم من الشيعة
وحدهم كابي نواس وأبي تمام والبحتري والمتنبي والشريف الرضي وابن
هانئ الأندلسي متنبي الغرب وغيرهم وطبقة أخرى بعد هؤلاء مثل محمد
ابن وهيب الحميري والسري الرفا والخالديين وأبي فراس الحمداني والناشي
وغيرهم حتى قيل: وهل رأيت أديبا غير شيعي وفي التاريخ نبغ
المسعودي فألف أخبار الزمان والأوسط ومروج الذهب الذي جمع على صغر
حجمه ما لم يجمعه غيره. وفي الرجال والتراجم نبغ ابن النديم فجمع
فهرسته على اختصاره ما لم يجمعه غيره وقطب الدين الشيرازي دفين صالحية
دمشق وخريج مدارسها والمدرس فيها شرح الشمسية في المنطق فكان عليه
المعول في تدريس علم المنطق في جميع بلاد الدنيا من حين تاليفه إلى اليوم
وألف شرح المطالع في المنطق لم يؤلف مثله وألف المحاكمات كذلك،
وألف علماء الشيعة في علم الكلام المؤلفات الجمة التي لم يؤلف مثلها
كالشافي للمرتضى وغيره كما ألفوا في الحكمة العقلية من الطبيعيات
والإلهيات ما لم يسبقوا إلى مثله فالتجريد للمحقق نصير الدين الطوسي عليه
المعول عند أرباب هذا الفن وشرحه القوشجي من السنيين والعلامة
الحلي من الشيعة وهو المرجع لعلماء الطرفين وعمل النصير الطوسي الزيج بمراغة
لرصد النجوم واثره باق لليوم. وكان النوبختيون من المنجمين وألف
الرئيس ابن سينا وهو شيعي إسماعيلي القانون في الطب لم يؤلف مثله كان
يدرس في أوروبا إلى عهد قريب وألف الشيخ البهائي العاملي الخلاصة في
الحساب طبعت بإيران مرارا وبمصر وترجمها إلى الألمانية الأستاذ نسلمان
وطبعت الترجمة في برلين وألف تشريح الأفلاك. ومن تسمى بالمعلم من
الحكماء ثلاثة أحدهم من اليونان والاثنان من الشيعة فالمعلم الأول أرسطو
وهو يوناني والمعلم الثاني الرئيس ابن سينا شيعي والمعلم الثالث أبو نصر
الفارابي شيعي. وممن نبغ منهم في المنطق والحكمة المحقق الديواني، وبرع
منهم في الكلام في المائة الثانية علي بن إسماعيل بن شعيب بن ميثم التمار
الأسدي الكوفي البصري كان من أجلاء متكلمي الإمامية كلم أبا الحسن
العلاف والنظام وهما من رؤساء المعتزلة وله مجالس مع هشام بن الحكم
المتوفى ١٧٩ ومن أجلاء متكلميهم إسماعيل بن علي النوبختي له مجالس
مع الجبائي المتوفى ٣٠٣.
(١٢٤)

وبالجملة فالشيعة جاروا غيرهم في جميع فنون الاسلام وكانوا
السابقين إلى جملة منها والسابقين في جملة منها والمجارين في باقيها.
مفسرو الشيعة ومؤلفوهم في التفسير من الصحابة
أولهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع سيد الشيعة وإمامها فقد
مر ان له جمع القرآن وتأويله أو جمعه على ترتيب النزول وان له كتابا أملى
فيه ستين نوعا من أنواع علوم القرآن وذكر لكل نوع مثالا يخصه وانه الأصل
لكل من كتب في أنواع علوم القرآن. ومر قول السيوطي انه أكثر من روي
عنه في التفسير من الصحابة، ومر قول ابن عباس ان علي بن أبي طالب
علم من القرآن الظاهر والباطن، ورواية العكبري ما أحد أعلم بكتاب الله
بعد نبي الله من علي بن أبي طالب، وإن المفسرين كلهم على قوله في تفسير
أول الذاريات قتل سنة ٤٠.
ومنهم أبي بن كعب الأنصاري عده السيوطي في الاتقان من جملة
العشرة الذين اشتهروا بالتفسير من الصحابة من الطبقة الأولى من المفسرين
المار إليهم الإشارة في البحث الثامن وذكرنا دلائل تشيعه في بابه مات سنة
٣٠.
وعبد الله بن عباس أول من أملى في تفسير القرآن وينقل عنه جميع
المفسرين وعده السيوطي في الاتقان من الطبقة الأولى من المفسرين طبقة
الصحابة من جملة العشرة الذين اشتهروا بالتفسير منهم المتقدم إليهم
الإشارة وقال إن اعلم الناس بالتفسير بعد الصحابة من التابعين أهل مكة
لأنهم أصحاب ابن عباس اه، وذكر أهل السير ان ابن عباس أجاب
نافع بن الأزرق الخارجي عن مائتي سؤال في تفسير كتاب الله تعالى وأتى
على كل جواب بشاهد من الشعر، وعد ابن النديم في الفهرست من
الكتب المصنفة في تفسير القرآن كتاب ابن عباس قال رواه مجاهد ورواه عن
مجاهد حميد بن قيس وورقاء عن أبي نجيح عن مجاهد وعيسى بن ميمون عن
أبي نجيح عن مجاهد اه وتشيعه أشهر من أن يبين مات سنة ٦٨.
ومن التابعين ومن بعدهم
ميثم بن يحيى التمار خطيب الشيعة بالكوفة ومتكلمهم تابعي روى
الكشي في رجاله أنه قال لابن عباس سلني ما شئت من تفسير القرآن فاني
قرأت تنزيله على أمير المؤمنين وعلمني تأويله فقال يا جارية الدواة
والقرطاس الحديث استشهد ٦٠.
وسعيد بن جبير تابعي له كتاب في تفسير القرآن ينقل عنه المفسرون
وذكر تفسيره السيوطي في الاتقان وحكى عن قتادة أنه كان أعلم التابعين
بالتفسير اه وذكر تفسيره أيضا ابن النديم في الفهرست عند ذكر الكتب
المصنفة في التفسير ولم يذكر تفسيرا لأحد قبله نص على تشيعه العلامة في
الخلاصة والكشي في رجاله وقال ما كان سبب قتل الحجاج إياه الا ذلك
استشهد ٩٤.
وأبو صالح ميران البصري تلميذ ابن عباس في التفسير تابعي معدود
في أئمة علوم القرآن وأكثر محمد بن السائب الكلبي من الرواية عنه في
تفسيره نص على تشيعه ووثاقته المفيد في المحكي عن كتابه الكافئة في ابطال
توبة الخاطئة بعد ذكر حديث عنه عن ابن عباس توفي بعد المائة (١).
وطاوس اليماني تلميذ ابن عباس تابعي عده ابن تيمية فيما حكي عنه
من اعلم الناس بالتفسير وعده ابن قتيبة في المعارف من الشيعة وعده الشيخ
الطوسي في رجاله من أصحاب علي بن الحسين ع قال وكان منقطعا إليه
١٠٦.
ومنهم الإمام محمد الباقر ع قال ابن النديم عند ذكر الكتب
المصنفة في تفسير القرآن كتاب الباقر محمد بن علي بن الحسين ع
رواه عنه أبو الجارود زياد بن المنذر رئيس الزيدية الجارودية أه وروته
عن أبي الجارود ثقات الشيعة قبل أن يتزيد ١١٤.
وجابر بن يزيد الجعفي له كتاب التفسير ذكره النجاشي والشيخ في
الفهرست ١٢٧.
والسدي الكبير إسماعيل بن عبد الرحمن أبو محمد القرشي مولاهم
الكوفي تابعي له كتاب التفسير مشهور ينقل عنه المفسرون كثيرا قال
السيوطي في الاتقان تفسيره أمثل التفاسير أه‍ وقال ابن النديم في
الفهرست عند تعداد الكتب المصنفة في تفسير القرآن: كتاب تفسير السدي
ونحن نذكره فيما بعد أه‍ وذكره الشيخ الطوسي في رجاله في أصحاب
علي بن الحسين وأصحاب الباقر والصادق ع، و في انساب
السمعاني أنه أدرك جماعة من الصحابة قال وكان إسماعيل بن أبي خالد
يقول السدي اعلم بالقرآن من الشعبي وحكى عن ابن مردويه وصفه
بالحافظ صاحب التفسير وعن ابن حجر في التقريب صدوق متهم رمي
بالتشيع، وفي تهذيب التهذيب أنه مر إبراهيم النخعي بالسدي وهو يفسر
لهم القرآن فقال اما أنه يفسر تفسير القوم يعني الشيعة وحكى فيه عن
الشعبي أنه قيل له أن السدي قد أعطي حظا من علم القرآن فقال قد
أعطي حظا من جهل القرآن وحكى فيه عن العجلي أنه قال ثقة عالم
بالتفسير رواية له وقال قد اخرج الطبري وابن أبي حاتم وغيرهما في
تفاسيرهم تفسير السدي مفرقا في السور وحكى في تهذيب التهذيب ما يدل
على غلوه في التشيع وهو الذي دعا الشعبي إلى قول ما سمعت اما السدي
الصغير محمد بن مروان فالظاهر أنه ليس من الشيعة وهو يروي عن السدي
الكبير ١٢٧.
ومحمد بن السائب بن بشر الكلبي الكوفي تابعي من علماء الكوفة
بالتفسير له كتاب التفسير مشهور وينقل عنه المفسرون كثيرا، قال ابن
النديم عند ذكر الكتب المصنفة في تفسير القرآن: كتاب تفسير الكلبي
محمد بن السائب أه‍ وعن ابن عدي في الكامل هو معروف بالتفسير
وليس لأحد تفسير أطول من تفسيره ولا أشبع وحدث عنه ثقات من الناس
ورضوه في التفسير أه‍ وذكر تفسيره ابن قتيبة في المعارف وقال كان عالما
بالتفسير أه‍ وفي انساب السمعاني: صاحب التفسير من أهل الكوفة
كان سبائيا يقول بالرجعة (٢) وابنه هشام صاحب النسب كان غاليا في التشيع
اه‍ وأقول كونه سبائيا كذب بل هو من أصحاب الإمامين زين
العابدين وابنه الباقر ع، وقال ابن سعد كان عالما بالتفسير
وأنساب العرب وأحاديثهم، وفي تهذيب التهذيب قال الساجي متروك
الحديث كان ضعيفا جدا لفرطه في التشيع أه‍ ١٤٦.
وأبو حمزة الثمالي تابعي قال ابن النديم في الفهرست عند ذكر الكتب

(١) أعلم إننا سنذكر فيما سيأتي تاريخ الوفاة في آخر الترجمة مقتصرين عليه بدون ذكر توفي في روما
للاختصار.
(٢) النسخة مغلوطة والمظنون ان فيها هكذا.
(١٢٥)

المصنفة في تفسير القرآن: كتاب تفسير أبي حمزة الثمالي واسمه ثابت بن
دينار من أصحاب علي ع يعني زين العابدين من النجباء الثقات
وصحب أبا جعفر اه ١٥٠.
وأبو جنادة الحصين بن مخارق السلولي من أصحاب الصادق والكاظم
ع قال النجاشي له كتاب التفسير والقراءات كتاب كبير اه‍
وقال ابن النديم كان من الشيعة المتقدمين له كتاب التفسير كتاب جامع العلوم
اه‍ أواسط المائة الثانية.
وأبو علي وهيب بن حفص الحريري الأسدي مولاهم من أصحاب
الصادق والكاظم ع ذكر النجاشي له كتاب تفسير القرآن
أواسط المائة الثانية.
وأبو علي الحسن بن علي بن فضال قال ابن النديم من خاصة
أصحاب أبي الحسن الرضا ع له كتاب التفسير اه‍.
وأبو طالب عبد الله بن الصلت روى عن الرضا ع قال النجاشي
له كتاب التفسير اه أواخر المائة الثانية.
ومحمد بن خالد البرقي قال النجاشي له كتاب التفسير وذكر سنده إليه
أواخر المائة الثانية.
وهشام بن محمد السائب الكلبي قال ابن النديم في الفهرست عند ذكر
الكتب المصنفة في تفسير القرآن: كتاب تفسير الآي التي نزلت في أقوام
بأعيانهم لهشام الكلبي صاحب التفسير اه ذكره الشيخ الطوسي في
رجال الصادق ع ونص على تشيعه النجاشي في رجاله والذهبي في تذكرة
الحفاظ والسمعاني في الأنساب ٢٠٦.
والواقدي محمد بن عمر الأسلمي مولاهم المؤرخ المشهور قال ابن
النديم كان يتشيع حسن المذهب له كتاب الترغيب في علم القرآن وغلط
الرجال، كتاب ذكر القرآن اه ويأتي بابسط في علماء الرجال والتاريخ
٢٠٧.
ويونس بن عبد الرحمن مولى آل يقطين ذكر النجاشي في مؤلفاته
كتاب التفسير ٢٠٨.
وعلي بن أسباط بن سالم بياع الزطي أبو الحسن المقري الكوفي قال
النجاشي له كتاب التفسير وذكر سنده إليه أوائل المائة الثالثة.
والحسن بن محبوب السراد قال ابن النديم له كتاب التفسير
٢٢٤.
وأبو عثمان المازني بكر بن محمد النحوي المشهور نص على تشيعه
النجاشي وغيره، في بغية الوعاة له كتاب في القرآن اه ٢٤٨.
ومحمد بن مسعود العياشي له تفسير القرآن المعروف بتفسير العياشي
قال ابن النديم من فقهاء الشيعة الإمامية أوحد دهره وزمانه في غزارة العلم
ثم ذكر مؤلفاته ومنها كتاب التفسير وله أكثر من مائتي مصنف المائة
الثالثة.
وفرات بن إبراهيم الكوفي له تفسير كبير يروي عنه وعن كتابه
علماؤنا أواسط المائة الثالثة.
وعلي بن مهزيار الأهوازي أبو الحسن عد النجاشي في مصنفاته كتاب
التفسير وذكر سنده إليه وقال الشيخ في الفهرست أن له ثلاثة وثلاثين كتابا
مثل كتب الحسين بن سعيد التي منها تفسير القرآن وزيادة كتاب حروف
القرآن أوسط المائة الثالثة.
والحسين بن سعيد بن حماد الأهوازي عد الشيخ في الفهرست في
مؤلفاته كتاب التفسير وقال ابن النديم فيه وفي أخيه الحسن أوسع أهل
زمانهما علما وعد من مؤلفات الحسين كتاب التفسير، وقال النجاشي في
الحسن بن سعيد أنه شارك أخاه الحسين في الكتب الثلاثين المصنفة وانما كثر
اشتهار أخيه الحسين بها وعد منها كتاب التفسير أواسط المائة الثالثة.
والحسن بن خالد البرقي، قال ابن شهرآشوب في معالم العلماء: من
كتبه تفسير العسكري من املاء الامام ع مائة وعشرون مجلدا
اه‍ أواسط المائة الثالثة.
وإبراهيم بن محمد بن سعيد الثقفي الكوفي صاحب كتاب الغارات له
كتاب التفسير ذكره الشيخ في الفهرست وذكر سنده إليه ٢٨٣.
وأبو عبد الله أحمد بن صبيح الأسدي الكوفي قال الشيخ والنجاشي له
كتاب التفسير وذكرا سندهما إليه أواخر المائة الثالثة أو أوائل الرابعة.
وعلي بن إبراهيم بن هاشم القمي له كتاب التفسير المعروف بتفسير
علي بن إبراهيم أواخر المائة الثالثة أو أوائل الرابعة.
وأبو عبد الله محمد بن العباس بن علي بن مروان المعروف بابن الجحام
قال الشيخ في الفهرست له كتاب التفسير الكبير اه‍ المائة الرابعة.
وعلي بن الحسين بن بابويه القمي والد الصدوق عد النجاشي
والشيخ في الفهرست من كتبه كتاب التفسير وذكرا سندهما إليه ٣٢٩.
وعبد العزيز بن يحيى الجلودي البصري قال النجاشي له كتاب
التفسير عن علي ع، كتاب التفسير عن ابن عباس، كتاب تفسيره عن
الصحابة وفاته بعد ٣٣٠ أو ٣٥ أو ٣٦.
وأبو بكر الصولي محمد بن يحيى قال ابن النديم له كتاب الشامل في
علم القرآن لم يتمه اه‍ ٣٣٠ أو ٣٣٥ أو ٣٣٦.
ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد القمي شيخ القميين وفقيههم
ومقدمهم ووجههم له تفسير القرآن ذكره ابن النديم والنجاشي والشيخ في
الفهرست ٣٤٣.
وأحمد بن محمد بن الحسين بن الحسن بن دول القمي قال النجاشي له
مائة كتاب وعد منها كتاب التفسير ٣٥٠.
ومحمد بن علي بن عبدك الجرجاني نص على تشيعه الشيخ والنجاشي
والسمعاني له تفسير القرآن عشر مجلدات توفي بعد ٣٦٠.
والسيد الرضي الموسوي محمد بن الحسين له تفسير القرآن كبير اسمه
حقائق التنزيل ودقائق التأويل اتى فيه بما لم يسبق إليه توجد بعض اجزائه
بالعراق واصل هذا الجزء كان في المكتبة الرضوية في طوس وعنه نقلت
النسخة العراقية وطبعت. ونسخة المكتبة الرضوية قديمة استنسخت عن
نسخة عليها خط المصنف وهي من أول آل عمران إلى أواسط سورة النساء
وهو الجزء الخامس من الكتاب وتاريخ تاليفه سنة ٤٠٢ وتاريخ كتابة هذه
(١٢٦)

النسخة ٢١ رجب سنة ٥٣٣ توفي في شبابه ٤٠٦.
والشيخ المفيد محمد بن النعمان البغدادي أستاذ المرتضى والرضي
قال النجاشي وغيره له كتاب البيان في تاليف القرآن اه ولم يعلم
موضوعه على التحقيق وبعض المعاصرين سماه كتاب البيان في أنواع علوم
القرآن ولم نعلم ماخذه ٤٠٩.
والشريف المرتضى علي بن الحسين الموسوي فسر كثيرا من الآيات
المشكلة في أماليه ٤٦٣.
والشيخ الطوسي محمد بن الحسن شيخ الطائفة له التبيان في تفسير
القرآن استمد منه صاحب مجمع البيان كما ذكر في أوله في عشر مجلدات
كبار رأينا جملة منها في بعض مكتبات طهران وتوجد منه نسخة تامة في مكتبة
الحاج آقا حسين ملك التجار في طهران وهي من أعظم مكتبات إيران فيها
نحو خمسين ألف مجلد وقد طبع وله مختصر التبيان أيضا ٤٦٠.
ومحمد بن إبراهيم بن جعفر أبو عبد الله الكاتب النعماني له تفسير
مشهور يعرف بتفسير النعماني المائة الخامسة.
وأبو الفتوح الحسين بن علي بن محمد بن أحمد الخزاعي الرازي
النيسابوري له روض الجنان في تفسير القرآن في عشرين جزءا فارسي يطبع
الآن في طهران بعد المائة الخامسة.
وأمين الدين أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي له مجمع البيان
لعلوم القرآن مطبوع مرارا في إيران وطبع في صيدا جمع فاوعى معاصر
للزمخشري صنفه قبل اطلاعه على الكشاف فلما اطلع عليه صنف جوامع
الجامع مختصرا منه تدارك فيه فوائد الكشاف مطبوع أيضا ٥٤٨.
وقطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي تلميذ صاحب مجمع البيان
له خلاصة التفاسير عشر مجلدات وتفسير القرآن في مجلدين ٥٧٣.
ومحمد بن الحسن الفتال النيسابوري أستاذ ابن شهرآشوب له التنوير
في معاني التفسير المائة السادسة.
والسيد فضل الله بن علي الحسيني الراوندي له الكافي في التفسير
ذكره منتجب الدين وصاحب أمل الآمل المائة السادسة.
والأمير غياث الدين منصور الحسيني الشيرازي من أجداد صاحب
السلافة له تفسير القرآن ٩٤٨.
والمولى حسين الكاشفي السبزواري له كتاب جواهر التفسير حدود
٩١٠.
والمولى علي بن الحسن الزواري له تفسير كبير فارسي المائة
العاشرة.
والشيخ بهاء الدين العاملي محمد بن الحسين له مشرق الشمسين في
التفسير لم يتم ١٠٣١.
والميرزا محمد بن عبد الحسين النصيري الطوسي الأصفهاني من
تلاميذ السيد علي بن حجة الله الشولستاني له تفسير الأئمة أكثر من ثلاثين
مجلدا المائة الحادية عشرة.
ومحمد حسين بن محمد القمي أخو القاضي سعيد القمي وتلميذ
رجب علي التبريزي الحكيم له تفسير القرآن فارسي كبير يدل على تبحره
أواخر المائة الحادية عشرة.
والميرزا محمد المشهدي بن محمد رضا القمي له كنز الدقائق وبحر
الغرائب في تفسير القرآن المائة الثانية عشرة.
والشيخ محمد رضا بن محمد أمين الهمداني له الدر النظيم في تفسير
القرآن الكريم لم نتحقق عصره لكنه متأخر.
والسيد هاشم بن سليمان البحراني له البرهان في تفسير القرآن ست
مجلدات وكتاب الهادي وضياء النادي في تفسير القرآن مجلدان ١١٠٧.
والشيخ جواد بن حسن البلاغي النجفي له آلاء الرحمن في تفسير
القرآن طبع منه الجزء الأول ولم تمهله المنية لاكماله توفي في شعبان
١٣٥٢.
المصنفون في آيات الأحكام خاصة من الشيعة وهي الآيات المستفاد
منها احكام شرعية وقد تسمى بفقه القرآن.
وأول من صنف في أحكام القرآن محمد بن السائب الكلبي من
أصحاب الباقر ع قال ابن النديم في الفهرست: الكتب المؤلفة
في أحكام القرآن وعد منها كتاب احكام القرآن للكلبي قال رواه عن ابن
عباس اه والمراد به محمد بن السائب لا ابنه هشام لأن محمدا هو الذي
أدرك ابن عباس وروى عنه، وقال السيوطي في الأوائل: أول من صنف
احكام القرآن الإمام الشافعي اه وفيه أن الإمام الشافعي توفي
٢٠٤ عن ٥٤ سنة فمحمد بن السائب متقدم عليه لأنه توفي ١٤٦
على أنه لو كان مراد ابن النديم بالكلبي هشاما لم يصح ما قاله السيوطي
أيضا لأن هشاما توفي في السنة التي توفي فيها الإمام الشافعي ٢٠٤ ومر
تشيع محمد بن السائب في المفسرين ١٤٦.
وممن صنف في آيات الأحكام من علماء الشيعة عباد بن عباس والد
الصاحب بن عباد، قال ابن النديم في الفهرست في ترجمة ولده: كان عباد
من أهل العلم والفضل وصنف كتابا في احكام القرآن نصر فيه الاعتزال
جود فيه اه‍ وهذا مبني على ما وقع من كثيرين من الخلط بين عقائد
الشيعة والمعتزلة كما نسب الصاحب بن عباد والسيد المرتضى وغيرهم إلى
الاعتزال المائة الرابعة.
وقطب الدين سعد بن هبة الله الراوندي صنف في آيات الأحكام وله
أيضا فقه القرآن ولعلهما واحد ٥٧٣.
والمقداد بن عبد الله السيوري له كنز العرفان في فقه القرآن
٧٩٢.
وملا أحمد بن محمد الأردبيلي له زبدة البيان في فقه القرآن ٩٩٣.
والشيخ جواد بن سعد الله الكاظمي له مسالك الأفهام في شرح آيات
الأحكام المائة الحادية عشرة.
والميرزا السيد محمد بن علي بن إبراهيم الاسترآبادي الرجالي المشهور
له شرح آيات الأحكام ١٠٢٦.
والشيخ أحمد بن إسماعيل الجزائري النجفي له قلائد العقيان في فقه
القرآن ١١٥١.
(١٢٧)

مؤلفو الشيعة في متشابه القرآن
منهم حمزة بن حبيب الزيات الكوفي أحد القراء السبعة قال ابن
النديم عند ذكر الكتب المؤلفة في متشابه القرآن: كتاب حمزة اه‍
١٥٦ وعن السيوطي في الاتقان أول من صنف فيه الكسائي اه
١٨٢.
والشريف الرضي له حقائق التأويل في متشابه التنزيل ذكره ابن
شهرآشوب في المعالم ومر انه حقائق التنزيل ودقائق التأويل ٤٠٦
والشريف المرتضى له رسالة المحكم والمتشابه ٤٣٦.
ومحمد بن أحمد الوزير له كتاب متشابه القرآن ٤٣٣.
ورشيد الدين محمد بن شهرآشوب المازندراني له كتاب متشابه القرآن
ذكره في أمل الأمل ٥٨٨.
مؤلفو الشيعة في غريب القرآن
أول من صنف فيه أبان بن تغلب قال الشيخ في الفهرست: صنف
كتاب الغريب في القرآن وذكر شواهده من الشعر وقال النجاشي له كتب
منها تفسير غريب القرآن وذكر سنده إليه. وقال السيوطي في الأوائل: أول
من صنف غريب القرآن أبو عبيدة معمر بن المثنى أخذ ذلك من أسئلة
نافع بن الأزرق لابن عباس اه‍ والصواب أن أول من ألف فيه ابان كما
قلناه لأن أبانا توفي ١٤١ وأبو عبيدة توفي ٢٠٨ وقيل أكثر (١) فأبان
متقدم عليه بسبع وستين سنة على الأقل كما ذكرناه في ترجمته والعجب من
السيوطي كيف يقول ذلك مع أنه ذكر في بغية الوعاة أن أبان بن تغلب
صنف غريب القرآن وذكر وفاته ١٤١ مع أن أبا عبيدة أخذ ذلك من
أسئلة نافع بن الأزرق الخارجي لابن عباس فالأصل فيه ابن عباس وهو من
رؤساء الشيعة وأبو عبيدة كان من الخوارج الصفرية نص عليه الجاحظ في
كتاب الحيوان فكانه لذلك اخذه من أسئلة نافع ١٤١.
والمفضل بن سلمة له ضياء القلوب في معاني القرآن وغريبه ومشكله
نيف وعشرون جزءا ذكرناه في الكتب المؤلفة في معاني القرآن المائة
الثالثة.
وأبو بكر محمد بن الحسن بن دريد قال ابن النديم والسيوطي له
كتاب غريب القرآن لم يتمه ٣٢١.
وأبو الحسن علي بن محمد العدوي الشمشاطي ذكر النجاشي في
مؤلفاته كتاب غريب القرآن أوائل المائة الرابعة.
مؤلفو الشيعة في أسباب النزول
منهم ابن عباس قال ابن النديم في الفهرست: الكتب المؤلفة في
نزول القرآن. ثم ذكر منها كتاب عكرمة عن ابن عباس (٦٧).
ومحمد بن خالد البرقي قال النجاشي له كتاب التنزيل والتعبير
أواخر المائة الثانية.
وإبراهيم بن محمد بن سعيد الثقفي له ما نزل من القرآن في أمير
المؤمنين ع ذكره الشيخ في الفهرست والنجاشي ٢٨٣.
وعبد العزيز بن يحيى الجلودي قال النجاشي له كتاب ما نزل في علي
ع من القرآن، كتاب التنزيل عن ابن عباس اه بعد
٣٣٠.
ومحمد بن العباس المعروف بابن الجحام قال النجاشي له كتاب ما
نزل من القرآن في أهل البيت ع قال جماعة من أصحابنا في
الفهرست له كتاب ما نزل في النبي وآله ص. كتاب تأويل
ما نزل في شيعتهم. كتاب تأويل ما نزل في أعدائهم المائة الرابعة.
مؤلفو الشيعة في الناسخ والمنسوخ
أول من ألف في ذلك عبد الرحمن الأصم المسمعي البصري قال
النجاشي له كتاب الناسخ والمنسوخ وذكر سنده إليه أواسط المائة
الثانية.
وبعده أبو الحسن دارم بن قبيصة بن نهشل بن مجمع التميمي الدارمي
قال النجاشي له كتاب الناسخ والمنسوخ وذكر سنده إليه أواخر المائة
الثانية.
وابن الكلبي، قال ابن النديم الكتب المؤلفة في ناسخ القرآن
ومنسوخه وعد منها كتاب ابن الكلبي والظاهر إن المراد به محمد بن
السائب المتوفي ١٤٦ أو ابنه هشام المتوفى ٢٠٦.
وبعده الحسن بن علي بن فضال قال النجاشي له كتاب الناسخ
والمنسوخ ٢٢٤.
وبعده أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري القمي قال النجاشي له
كتاب الناسخ والمنسوخ وذكر سنده له المائة الثالثة.
قيل يظهر من السيوطي إن أول من ألف في ذلك أبو عبيد القاسم بن
سلام توفي ٢٢٤ مع أن المسمعي والدارمي متقدمان عليه وابن فضال
والأشعري معاصران له.
وعلي بن إبراهيم بن هاشم القمي قال الشيخ في الفهرست
والنجاشي: له كتاب الناسخ والمنسوخ اه أواخر المائة الثالثة
أو أوائل الرابعة.
ومحمد بن العباس المعروف بابن الجحام قال الشيخ في الفهرست له
كتاب الناسخ والمنسوخ المائة الرابعة.
وعبد العزيز بن يحيى الجلودي قال النجاشي له كتاب الناسخ
والمنسوخ عن ابن عباس بعد ٣٣٠.
والصدوق محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي له كتاب الناسخ
والمنسوخ ٣٨١.
مؤلفو الشيعة في مجازات
القرآن (٢)
منهم قطرب النحوي محمد بن أحمد بن المستنير له كتاب مجازات
القرآن ٢٠٦.
والشريف الرضي محمد بن الحسين له تلخيص البيان من مجازات

(١) يوجد في كلام بعض المعاصرين ان أبا عبيدة توفي (٢٢٤) وهو اشتباه فان ذلك تاريخ وفاة
أبي عبيد القاسم بن سلام لا أبي عبيدة معمر بن المثنى.
(٢) عد بعض المعاصرين من المؤلفين في مجاز القرآن الفراء محيى بن زياد النحوي ولم نجد أحدا
ذكر له مؤلفا في ذلك بعد مزيد التتبع.
- المؤلف -
(١٢٨)

القرآن ذكره ابن شهرآشوب في المعالم وذكره مؤلفه في خطبة كتاب المجازات
النبوية الذي هو في مجاز الحديث خاصة دون مجاز القرآن ٤٠٦.
مؤلفو الشيعة في أجزاء القرآن
منهم حمزة بن حبيب الزيات له أسباع القرآن ١٥٦. والكسائي
علي بن حمزة قال ابن النديم في الفهرست عند ذكر الكتب المؤلفة في أجزاء
القرآن: كتاب أسباع القرآن لحمزة. كتاب الكسائي اه ١٧٩.
مؤلفات الشيعة في عدد آي
القرآن منها كتاب ابن عباس في عدد المدني الأول. كتاب العدد لحمزة
الزيات. كتاب العدد، كتاب اختلاف العدد كلاهما للكسائي ذكرها كلها
ابن النديم في الفهرست.
مؤلفو الشيعة في معاني القرآن
وقع في فهرست ابن النديم وكشف الظنون ذكر المؤلفات في معاني
القرآن والظاهر أن المراد بها المعاني المتنوعة المشتمل عليها القرآن الكريم من
القصص والحكايات والأحكام والمواعظ والأمثال ونحو ذلك وتفسيرها وما
يتعلق بها فالمراد به تفسير القرآن لكن باعتبار ما فيه من الأنواع أو أن المراد
بمعاني القرآن المعاني التي يشكل فهمها بحيث يقال فيها معنى كذا هو كذا
نظير معاني الأخبار الذي ألفه الصدوق وذكر ابن النديم في الفهرست
الكتب المؤلفة في معاني القرآن ومشكله ومجازه ثم ذكر نحو عشرين مؤلفا في
معاني القرآن وذكر بينها كتاب الرد على من نفى المجاز من القرآن. جوابات
القرآن. ضياء القلوب في معاني القرآن وغريبه ومشكله. رياضة الألسنة في
إعراب القرآن ومعانيه. معاني القرآن وتفسيره ومشكله اه وهو يرشد
إلى إرادة المعنى الأول فان المجاز والجوابات والغريب والمشكل والأعراب
كلها معان يتضمنها القرآن يشكل فهمها. ويرشد إلى ذلك أيضا أن
صاحب كشف الظنون ذكر معاني الشعر والمؤلفات فيها. والمراد بها الأنواع
التي ينظم فيها الشعر من المديح والرثاء والهجاء والغزل والحماسة ونحوها،
وقد طبعت مطبعة الجوائب مجموعة المعاني فيها مائة معنى اي مائة نوع من
معاني الشعر فالظاهر إن المراد بمعاني القرآن نظير ذلك. وعد في كشف
الظنون من الكتب المؤلفة في معاني القرآن كتاب قطرب قال وعليه اعتماد
القراء اه وربما دل على أنه راجع إلى القراءة فقط ويمكن ان يكون ذكر
فيه القراءات عند ذكر أنواع المعاني والله أعلم. وعد منها أيضا كتاب
الزجاج النحوي إبراهيم بن السري وقال شرح أبياته السيرافي اه فدل
على أنه في تفسير الآيات باعتبار معانيها المتنوعة فيمكن انطباقه على كلا
الاحتمالين.
فمن مؤلفي الشيعة في معاني القرآن أبان بن تغلب قال ابن النديم في
الفهرست عند ذكر فقهاء الشيعة ومحدثيهم له كتاب معاني القرآن لطيف
اه ١٤١.
والكسائي علي بن حمزة قال ابن النديم عند ذكر الكتب المؤلفة في
معاني القرآن كتاب معاني القرآن للكسائي اه ١٨٩ أو ١٨٢ أو
١٨٣.
والرؤاسي محمد بن الحسن بن أبي سارة، في بغية الوعاة له معاني
القرآن اه قال ابن النديم عند ذكر الكتب المؤلفة في معاني القرآن:
كتاب معاني القرآن للرؤاسي، وقال في ترجمة الرؤاسي له معاني القرآن
يروى إلى اليوم اه المائة الثانية.
والفراء النحوي يحيى بن زياد الديلمي الكوفي نص على تشيعه
صاحب رياض العلماء والسيد مهدي بحر العلوم الطباطبائي في رجاله قال
ابن النديم في الفهرست عند ذكر الكتب المؤلفة في معاني القرآن: كتاب
معاني القرآن للفراء ألفه لعمر بن بكير وقال في موضع آخر أربعة أجزاء
وقال السيوطي في بغية الوعاة: صنف الفراء معاني القرآن اه
٢٠٧.
ومحمد بن يزيد المبرد النحوي في بغية الوعاة. له كتاب معاني القرآن
٢٨٥.
ومحمد بن أحمد أبو الفضل الجعفي الكوفي المعروف بالصابوني قال
النجاشي له كتاب تفسير معاني القرآن وتسمية أصناف كلامه اه
٣٠٠.
ومحمد بن الحسن الشيباني شيخ المفيد له نهج البيان عن كشف معاني
القرآن ونوع علوم القرآن ستين نوعا صنفه باسم المستنصر العباسي وينقل
عنه المرتضى في كتاب المحكم والمتشابه كما في كتاب الشيعة وفنون الإسلام
وأما الحسن بن محمد الشيباني فلعله أبوه أواخر المائة الرابعة.
والشريف الرضي محمد بن الحسين الموسوي. في معالم العلماء له
معاني القرآن يتعذر وجود مثله اه ٤٠٦.
مؤلفو الشيعة في مقطوع القرآن
وموصوله
منهم حمزة بن حبيب الزيات قال ابن النديم عند ذكر الكتب المؤلفة
في مقطوع القرآن وموصوله: كتاب حمزة بن حبيب اه ١٥٦.
والكسائي علي بن حمزة عد ابن النديم في مؤلفاته كتاب مقطوع
القرآن وموصوله ١٨٩
وعد ابن النديم الكتب المؤلفة في مقطوع القرآن وموصوله ثلاثة:
كتاب حمزة بن حبيب وكتاب الكسائي وكتاب عبد الله بن عمار اليحصبي
فالمؤلفون في ذلك ثلاثة اثنان منهم من الشيعة.
الكتب المؤلفة في الوقف والابتداء
في القرآن والشيعة
والظاهر أنه يرجع إلى مقطوع القرآن وموصوله والعبارة مختلفة قال
ابن النديم في الفهرست عند ذكر الكتب المؤلفة في الوقف والابتداء في
القرآن: كتاب الوقف والابتداء عن حمزة. كتاب الوقف والابتداء عن
الفراء. كتاب الوقف والابتداء لابن سعدان. وذكر في ترجمة الرؤاسي ان
له كتاب الوقف والابتداء الكبير. كتاب الوقف والابتداء الصغير، وذكر له
النجاشي كتاب الوقف والابتداء. أقول: وهؤلاء كلهم من الشيعة.
مؤلفو الشيعة في إعراب القرآن
منهم محمد بن الحسن بن أبي سارة الرؤاسي قال النجاشي له كتاب
إعراب القرآن اه المائة الثانية.
وقطرب محمد بن المستنير النحوي له إعراب القرآن ذكر تشيعه في
النحويين ٢٠٦.
ومحمد بن يزيد المبرد النحوي له إعراب القرآن ٢٨٥.
(١٢٩)

وابن خالويه الحسين بن أحمد قال ابن النديم في الفهرست له إعراب
ثلاثين سورة من القرآن ٣٧٠.
النقط والشكل والقرآن
قال السيوطي في الأوائل أول من نقط المصحف أبو الأسود الدئلي
بأمر عبد الملك وقيل أول من نقطه الحسن البصري ويحيى بن يعمر وقيل
نصر بن عاصم الليثي اه والأصح إنه أبو الأسود في إمارة زياد على ما
ذكره ابن النديم في الفهرست وأبو البركات عبد الرحمن بن محمد الأنباري
في نزهة الألباء في طبقات الأدباء اي النحاة وقد أشرنا إلى كلامهما عند ذكر
المصاحف المنسوبة إلى خطوط الأئمة ع وتنقيطه له عبارة عن
وضع نقط لعلامات الحركات لا نقط الاعجام كما مر هناك ويحيى بن يعمر
تلميذ أبي الأسود أيضا من الشيعة. وفي فهرست ابن النديم: الكتب
المؤلفة في النقط والشكل للقرآن كتاب الخليل في النقط. ثم ذكر في ترجمته
من مصنفاته كتاب النقط والشكل. وعن الاتقان أول من وضع الهمزة
والتشديد والروم والأشمام الخليل النحوي اه والخليل من الشيعة.
المؤلفون في لغات القرآن من
الشيعة
قال ابن النديم في الفهرست عند ذكر الكتب المؤلفة في لغات
القرآن: كتاب لغات القرآن للفراء. كتاب لغات القرآن لابن دريد لم يتم
اه وللشيخ فخر الدين الطريحي كتاب لغات القرآن ١٠٨٥.
مؤلفو الشيعة في معان شتى من
القرآن
منهم الفراء النحوي قال ابن النديم في الفهرست والسيوطي في
الطبقات له المصادر في القرآن الجمع والتثنية في القرآن اه ٢٠٧.
وابن الجنيد له كتاب أمثال القرآن. والعياشي له كتاب سجود القرآن
ذكرهما ابن النديم في الفهرست.
وأبو الحسن محمد بن أحمد بن محمد بن الحارث الحارثي الخطيب
بساوة له كتاب نوادر علم القرآن ذكره النجاشي المائة الرابعة (١).
وأحمد بن محمد بن خالد البرقي له: كتاب الأمثال. كتاب الشواهد
من كتاب الله عز وجل ذكرهما الشيخ في الفهرست ٢٧٤.
وأبو بكر محمد بن يحيى بن العباس الصولي قال ابن النديم له كتاب
الشامل في علم القرآن لم يتمه ومر ذكره في كتب التفسير ٣٣٠.
وأبو سعيد محمد بن أحمد الوزير له كتاب انتزاعات القرآن ذكره
ياقوت في معجم الأدباء ٤٣٣.
مؤلفو الشيعة في فضائل القرآن
قال ابن النديم في الفهرست: الكتب المؤلفة في فضائل القرآن. ثم
عد أثني عشر كتابا وعد منها: كتاب أبي بن كعب الأنصاري ثم قال:
كتاب علي بن إبراهيم بن هاشم في نوادر القرآن شيعي. كتاب علي بن
حسن بن فضال من الشيعة. كتاب أبي النضر العياشي من الشيعة اه
وربما ظهر من كلامه أن أبيا أول من ألف في فضائل القرآن لأن الذين
ذكرهم معه طبقتهم متأخرة عنه ولكن علي بن إبراهيم وابن فضال والعياشي
الظاهر إن مؤلفاتهم في تفسير القرآن لا في خصوص فضائله وإن ذل كلامه
على ذلك فإنه لم يذكر لهم الرجاليون غير كتب التفسير. وعن السيوطي إن
أول من صنف في فضائل القرآن الإمام محمد بن إدريس الشافعي توفي
٢٠٤ اه والصواب إن أول من صنف في ذلك أبي كما سمعت توفي
٣٠.
وممن ألف في ذلك أبان بن تغلب على احتمال. ذكر النجاشي
والشيخ في الفهرست من مؤلفاته كتاب الفضائل وذكرا سنديهما إليه فيحتمل
إن المراد فضائل القرآن ويؤيده إن التأليف في فضائل أهل البيت لم يكن
متعارفا يومئذ ولكن هذه العبارة أظهر في إرادة فضائل أهل البيت
١٤١.
والحسن بن علي بن أبي حمزة البطائني له كتاب فضائل القرآن ذكره
الشيخ والنجاشي أواخر المائة الثانية.
وإسماعيل بن مهران بن أبي نصر السكوني قال الشيخ في الفهرست له
كتاب ثواب القرآن أواخر المائة الثانية أو أوائل الثالثة.
وأحمد بن محمد بن سيار الكاتب قال النجاشي له كتاب ثواب القرآن
المائة الثالثة.
وأحمد بن محمد بن خالد البرقي قال الشيخ في الفهرست له ثواب
القرآن. فضل كتابة القرآن وقال النجاشي له فضل القرآن عن ابن بطة
٢٧٤.
ومحمد بن مسعود العياشي له كتاب فضائل القرآن ذكره ابن النديم
المائة الثالثة.
وأبو علي أحمد بن محمد بن عمار الكوفي قال النجاشي: له كتاب
فضل القرآن وحملته ٣٤٦.
قراء الشيعة ومؤلفوهم في علم
القراءة
فمن الصحابة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع سيد
الشيعة وامامها له قراءة معروفة ٤٠.
وأبي بن كعب الأنصاري. روى محمد بن سعد في الطبقات إن النبي
ص قال إقرأ أمتي أبي بن كعب وإنه ص قال له إن الله تبارك وتعالى
امرني أن أقرأ عليك اه ٣٠.
وعبد الله بن عباس تلميذ أمير المؤمنين ع له قراءة معروفة
٦٧.
ومن التابعين ومن بعدهم حمران بن أعين الكوفي تابعي لأنه
روى عن أبي الطفيل كان ماهرا في علم القراءة من أصحاب زين العابدين
والباقر ع قرأ عليه حمزة كما يأتي بعد المائة.
وأبو جعفر محمد بن الحسن بن أبي سارة الكوفي النيلي المعروف
بالرؤاسي لكبر رأسه أستاذ الكسائي والفراء ذكره أبو عمرو الداني فيما

(١) عد بعض المعاصرين من المؤلفين في نوادر القرآن
علي بن الحسن بن فضال وعلي بن إبراهيم والعياشي وأحمد بن محمد السياري
ومحمد بن أحمد الحارثي وهو سهو فليس لأحد منهم تأليف
في نوادر القرآن غير الحارثي له نوادر علم القرآن فابن فضال له التفسير لا النوادر وكذلك
علي بن إبراهيم وإن كانت عبارة ابن النديم الآتية تدل على أن له النوادر والعياشي
والسياري لكل منهما كتاب النوادر وليس هو نوادر القرآن فلاحظ. - المؤلف -
(١٣٠)

حكي عنه في طبقات القراء وقال روى الحروف عن أبي عمرو وسمع
الحروف منه خلاد بن خالد المنقري وعلي بن محمد الكندي اه قال ابن
النديم في الفهرست له كتاب الوقف والابتداء الكبير. كتاب الوقف
والابتداء الصغير اه وذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق ع
وذكره النجاشي في أصحاب الباقر والصادق ع وذكر له كتاب
الوقف والابتداء وذكر سنده إليه بعد المائة بقليل.
وأبو عبد الرحمن السلمي عبد الله بن حبيب بن ربيعة بالتصغير
الكوفي القارئ التابعي شيخ قراءة عاصم روى عنه ابن سعد في الطبقات
إنه قال أخذت القراءة عن علي. وعد في تهذيب التهذيب عاصم بن بهدلة
في جملة من روى عن أبي عبد الرحمن. وفيه قال أبو إسحاق السبعي إقرأ
القرآن في المسجد أربعين سنة وثقه العجلي والنسائي وقال محمد بن عمر
كان ثقة كثير الحديث، وقال ابن عبد البر هو عند جميعهم ثقة اه،
وعن البرقي في رجاله إنه عده في خواص علي ع من مضر وفي
فهرست ابن النديم قرأ عاصم على أبي عبد الرحمن السلمي. وفي مجمع
البيان قرأ أبو عبد الرحمن على أمير المؤمنين ع. وفي المعارف لابن
قتيبة عند ذكر أصحاب القراءات: أبو عبد الرحمن السلمي هو عبد الله بن
حبيب من أصحاب علي ع وكان مقرئا ويحمل عنه الفقه اه
وفي تهذيب التهذيب عن الواقدي شهد مع علي صفين ثم صار عثمانيا
اه وهذا شئ انفرد به والاعتبار يكذبه وهو الذي علم بعض ولد
الحسين ع صورة الحمد فأعطاه ألف دينار وألف حلة وحشا فاه
درا رواه ابن شهرآشوب في المناقب ١٠٥ أو أقل.
وزيد الشهيد بن علي بن الحسين ع قال الشيخ في
الفهرست في ترجمة عمر بن موسى الوجيهي الزيدي له كتاب قراءة زيد بن
علي وذكر سنده إليها إلى عمر بن موسى الوجيهي قال هذه القراءة سمعتها من
زيد بن علي بن الحسين قال وسمعت زيد بن علي يقول هذه قراءة أمير
المؤمنين علي بن أبي طالب ع اه قتل ١٢١.
وأبو بكر عاصم بن بهدلة أبي النجود أحد القراء السبعة تابعي
عده ابن النديم في الفهرست من القراء السبعة في الطبقة الثالثة من الكوفيين
قرأ عاصم على أبي عبد الرحمن السلمي القارئ على أمير المؤمنين ع
ولذا كانت قراءة عاصم أحب القراءات إلى علمائنا. نص على
تشيعه وإنه كان مقتدى الشيعة الشيخ عبد الجليل الرازي في نقض الفضائح
على ما حكي عنه. والقاضي نور الله في مجالس المؤمنين. قال ابن النديم
في الفهرست عند تسمية من روى عن عاصم. روى عنه أبو بكر بن
عياش وروى عنه حفص بن سليمان وكانت القراءة التي أخذها عن عاصم
مرتفعة إلى علي بن أبي طالب ع من رواية أبي عبد الرحمن السلمي
١٢٨.
ويحيى بن يعمر العدواني قال ابن خلكان هو أحد قراء البصرة وعنه
أخذ عبد الله بن إسحاق القراءة وكان عالما بالقرآن الكريم وكان شيعيا من
الشيعة الأولى القائلين بتفضيل أهل البيت من غير تنقيص لذي فضل من
غيرهم ثم ذكر خبره مع الحجاج في إثبات أن الحسنين ع من
ذرية رسول الله ص في معجم الأدباء كان يحيى يتشيع
ويقول بتفضيل أهل البيت من غير تنقيص لغيرهم اه ١٢١.
وأبان بن تغلب تابعي قال ابن النديم له كتاب القراءات. وقال
النجاشي كان مقدما في كل فن من العلم وذكر منها القرآن قال وله قراءة
مفردة مشهورة عند القراء ثم ذكر سنده إلى كتاب القراءة إلى أن قال
حدثنا محمد بن موسى بن أبي مريم صاحب اللؤلؤ قال سمعت أبان بن
تغلب وما رأيت أحدا أقرأ منه قط يقول إنما الهمز رياضة وذكر قراءته إلى
آخرها وقال الشيخ في الفهرست: كان قارئا له قراءة مفردة وذكر سنده إليها
حتى انتهى إلى محمد بن موسى بن أبي مريم صاحب اللؤلؤ قال سمعت
أبان بن تغلب وما أحد أقرأ منه يقرأ القرآن من أوله إلى آخره وذكر القراءة
وسمعته يقول إنما الهمزة رياضة اه.
وأول من دون علم القرآن أبان. وقال السيوطي في الأوائل أول من
جمع القراءة وألفها حفص بن عمرو الدوري وأول من تتبع وجوه القراءات
وألفها وتتبع الشاذ منها وبحث عن إسناده وجمع القراءات السبع الموجودة
الآن هارون القارئ الأعور اه والصواب إن أول من ألف فيه أبان كما
ذكرنا لأن ابن الفاصح في شرح الشاطبية قال إن حفص بن عمرو أخذ عن
اليزيدي يحيى بن المبارك واليزيدي اخذ عن عمرو بن العلاء ومات أبو
عمر بن العلاء ١٥٤ أو ١٥٥ اه وأبان مات ١٤١ فهو
متقدم على أبي عمرو بن العلاء بإحدى عشرة سنة فلا بد ان يكون متقدما
على من تأخر عن أبي عمرو بطبقتين وأما هارون القارئ الأعور فقد ذكر
السيوطي في بغية الوعاة انه توفي حدود ١٠٧ فأبان متقدم عليه أيضا
١٤١.
وسليمان بن مهران الأعمش ذكره ابن قتيبة في المعارف في أصحاب
القراءات وقال: وذكرناه في أصحاب الحديث لأن الحديث كان أغلب عليه
من القراءة وعده في مكان ثالث من الشيعة ونص على تشيعه الشهرستاني في
الملل والنحل والشهيد الثاني في حواشي الخلاصة وغيرهم وقال ابن النديم
في الفهرست عند ذكر القراء: طلحة بن مصرف الايامي من أهل الكوفة لما
رأى الناس كثروا عليه مشى إلى الأعمش فقرأ عليه فمال الناس إلى
الأعمش وتركوا طلحة وله قراءة الأعمش اه ١٤٨.
وزرارة بن أعين كان قارئا ١٥٠.
وحمزة بن حبيب الزيات الكوفي أحد القراء السبعة له كتاب في
القراءة قال ابن النديم عند ذكر القراء السبعة: أحد السبعة حمزة بن حبيب
الزيات له من الكتب كتاب قراءة حمزة وذكر عند تعداد مؤلفات ابن مجاهد
أن له كتاب قراءة حمزة. وقال ابن سعد في الطبقات حمزة الزيات بن عمارة
ويكنى أبا عمارة وكان صاحب قراءة القرآن انتهى، وذكره الشيخ في
رجاله في أصحاب الصادق ع. وفي سراج القارئ شرح
الشاطبية لابن الفاصح كان حمزة متورعا متحرزا عن أخذ الأجرة على القرآن
مرتلا لم يلقه أحد إلا وهو يقرأ القرآن قرأ على جعفر الصادق على أبيه محمد
الباقر على أبيه زين العابدين على أبيه الحسين على أبيه علي بن أبي طالب
رضي الله عنهم وقرأ حمزة أيضا على الأعمش على يحيى بن وثاب على
علقمة على ابن مسعود وقرأ حمزة أيضا على محمد بن أبي ليلى على أبي المنهال
على سعيد بن جبير على عبد الله بن عباس على أبي بن كعب وقرأ حمزة أيضا
على حمران بن أعين على أبي الأسود على عثمان وعلي رض وقرأ عثمان
وعلي وابن مسعود وأبي على النبي ص اه. ووجد بخط الشهيد
محمد بن مكي عن الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن الحداد الحلي ما
صورته: قرأ الكسائي القرآن على حمزة وقرأ حمزة على أبي عبد الله الصادق
(١٣١)

وقرأ على أبيه وقرأ على أبيه وقرأ على أبيه وقرأ على أمير المؤمنين علي ع
اه ١٥٦.
ومحمد بن فضيل بن غزوان الضبي من أصحاب الصادق ع ومن
مشايخ الإمام أحمد بن حنبل نص على تشيعه السمعاني في الأنساب
والذهبي وابن قتيبة في المعارف وابن حجر في تهذيب التهذيب وقال إنه قرأ
القراءات على حمزة الزيات ١٩٥ (١).
والكسائي النحوي علي بن حمزة أحد القراء السبعة المشهورين قال
ابن النديم من القراء السبعة من أهل الكوفة ومنشؤه بها قرأ على
عبد الرحمن بن أبي ليلى وكان ابن أبي ليلى يقرأ بحرف علي ع وكان
الكسائي من قراء مدينة السلام وكان أولا يقرئ الناس بقراءة حمزة ثم
اختار لنفسه قراءة فاقرأ بها الناس اه ثم ذكر من روى عن الكسائي
وأسماء الكتب التي ألفها العلماء في قراءته وذكر في موضع آخر أن له كتاب
القراءات أقول سمعنا تشيعه من المشايخ ولم يصل إلينا من ذكره من
المؤلفين. وفي كتاب الشيعة وفنون الاسلام: ذكرت في الأصل من نص
على تشيعه اه (٢) ١٩٧.
والواقدي محمد بن عمر قال ابن النديم في الفهرست عند ذكر الكتب
المؤلفة في القراءات: كتاب القراءات للواقدي وقال في ترجمته إنه كان
يتشيع ٢٠٧.
وعبيد الله بن عبد الله (٣) بن موسى العبسي عده ابن النديم في
الفهرست ممن روى عن حمزة وعده ابن قتيبة في أصحاب القراءات وقال قرأ
على عيسى بن عمرو وعلى علي بن صالح بن حي وكان يقرئ القرآن في
مسجده والأغلب عليه الحديث فذكرناه مع أصحاب الحديث اه
وصرح هناك وفي موضع ثالث بتشيعه وذكر ابن النديم عيسى بن عمرو
الثقفي في قراء البصرة ٢١٣.
وابن سعدان أبو جعفر محمد بن سعدان الضرير في فهرست ابن
النديم أحد القراء بقراءة حمزة ثم اختار لنفسه قراءة بغدادي المولد كوفي
المذهب له من الكتب كتاب القراءة اه وقال عند ذكر الكتب المؤلفة في
القراءات كتاب القراءات لابن سعدان. ومراده بكوفي المذهب أنه شيعي
لاشتهار أهل الكوفة بالتشيع قال أبو تمام:
- وكوفني ديني على أن منصبي * شام ونجري آية ذكر النجر -
٢٣١.
وابنه إبراهيم بن محمد بن سعدان قال ياقوت في معجم الأدباء: أحد
من كتب وصحح ونظر وحقق وروى وصدق وصنف كتبا حسنة منها كتاب
حروف القرآن اه والظاهر أن المراد بحروف القرآن القراءات.
والفضل بن شاذان النيسابوري من أصحاب الهادي والعسكري
ع قال ابن النديم عند ذكر الكتب المؤلفة في القراءات: كتاب
القراءات للفضل بن شاذان ٢٦٠.
ومحمد بن العباس المعروف بابن الجحام قال الشيخ في الفهرست له
كتاب قراءة أمير المؤمنين وكتاب قراءة أهل البيت ع اه
المائة الرابعة.
وعبد العزيز بن يحيى الجلودي قال ابن النديم له كتاب القراءات عن
علي ع. كتاب القراءات عن ابن عباس وقال ابن النديم أيضا له مجموع
قراءة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب توفي بعد ٣٣٠.
وأبو عبد الله أحمد بن محمد بن سيار الكاتب السياري قال النجاشي
له كتاب القراءة ٣٦٨.
وابن خالويه الحسين بن أحمد له كتاب القراءات ذكره ابن النديم في
الفهرست وفي بغية الوعاة له البديع في القراءات السبع ٣٧٠.
والبارع بن الدباس الحسين بن محمد بن عبد الوهاب بن أحمد الحارثي
البكري. في بغية الوعاة قال ابن النجار ثم الصفدي كان مقرئا أقرأ القرآن
وصنف في القراءات قال ابن الجوزي: قرأ القرآن على أبي علي بن البنا
وغيره اه مذكور في إجازات البحار ٥٢٤.
المؤلفون في التجويد من الشيعة
منهم السيد جواد العاملي صاحب مفتاح الكرامة له رسالة في التجويد
مطبوعة ١٢٢٦ والشيخ محمد رضا القارئ من تلاميذ بحر العلوم له
التحفة الجعفرية في التجويد ١٢٣٢ ومحمد بن حيدر القارئ له تحفة
القارئ في التجويد فارسي مطبوع.
متكلمو الشيعة ومؤلفوهم في
علم الكلام والجدل والحكمة
العقلية والطبيعية وأصول الدين
فمنهم من أئمة أهل البيت وأبنائهم وسائر بني هاشم من الصحابة
والتابعين ومن بعدهم: أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع مقتدى الشيعة
وإمامهم وأول من سن ما يسمى علم الكلام والاحتجاج في الاسلام وكفى
في ذلك خطبه واحتجاجاته في أمر الخلافة وغيرها لا سيما أيام السقيفة
والشورى والجمل وصفين واحتجاجه على معاوية والخوارج وغير ذلك مما لا
يحصى كثرة.
والبضعة الزهراء سيدة النساء على أبيها وعليها أفضل الصلاة
والسلام فقد احتجت على المهاجرين والأنصار وعلى الخليفة الأول في أمر
الخلافة وفدك وميراثها من أبيها ص بمحضر نسائهم
وبمحضرهم في المسجد احتجاجات جليلة وخطبت خطبا طويلة بهرت
العقول وحيرت الألباب.
والحسن بن علي ع فقد احتج على معاوية عام الجماعة
على المنبر بالكوفة وفي غير ذلك من المواقف وعلى غيره بما شاع ذكره واشتهر
امره.
والحسين بن علي ع فقد احتج على معاوية وعلى طواغيت
الكوفة يوم كربلا وعلى غيرهم في مواقف عديدة بما شاع وذاع.
والإمام زين العابدين علي بن الحسين ع اثر عنه من
الاحتجاجات ومسائل علم الكلام الشئ الكثير وفي احتجاجه على عبيد
الله بن زياد بالكوفة وعلى الشامي على درج باب المسجد بدمشق وعلى يزيد
في مجلسه وفي خطبته التي خطبها بدمشق وقوله ليزيد لما قال المؤذن أشهد أن

(١) ما في نسخة تهذيب التهذيب المطبوعة انه توفي ٢٩٥ غلط.
(٢) ليته ذكر من نص علي تشيعه ولم يحل إلى كتاب غير منتشر مع خفاء تشيعه ولم يطل في ذكر من
نص على من تشيعهم مشهور.
(٣) ذكره مصغرا ابن قتيبة في المعارف ومكبرا أن النديم في الفهرست. - المؤلف -
(١٣٢)

محمدا رسول الله: محمد هذا جدي أم جدك إلى آخر كلامه: غنى وكفاية
٩٥.
والسيدة زينب بنت علي بن أبي طالب على أبيها وعليها السلام ففي
احتجاجها في خطبها بالكوفة وبدمشق في مجلس يزيد ما بهر العقول وحير
الألباب.
وأم كلثوم بنت علي بن أبي طالب على أبيها وعليها السلام التي
خطبت بالكوفة بعد قتل أخيها واحتجت خطبتها ببالغ الحجج.
ومسلم بن عقيل بن أبي طالب الذي احتج على ابن زياد وهو أسير
وأجابه بما أجابه.
وقد ذكر الطبرسي في كتاب الاحتجاج قدرا كافيا من احتجاجات
أئمة أهل البيت ع.
ونحن أيضا قد ذكرنا قدرا وافيا من احتجاجاتهم ومناظراتهم في
سيرتهم من هذا الكتاب أغنانا عن ذكر كل واحد منهم في طبقته لكننا لا
نخلي هذا الموضع من الإشارة إلى شئ مما أثر عنهم من هذا القبيل تيمنا
وتبركا بذكرهم.
منهم الإمام محمد الباقر ع اثر عنه من جميع العلوم ما لا
يحيط به الحصر وسماه جده الرسول ص باقر العلم ومن علومه علم
الكلام والاحتجاج. احتج على محمد بن المنكدر من مشاهير زهاد عصره
وعباده واحتج على هشام بن عبد الملك وعلى نافع بن الأزرق وولده
عبد الله بن نافع من الخوارج وعلى الامام أبي حنيفة وعلى قتادة بن دعامة
البصري وعلى عبد الله بن معمر الليثي وغيرهم كما يأتي في سيرته ع
١١٤.
والإمام جعفر بن محمد الصادق ع أثر عنه من جميع العلوم
ما ملأ الطوامير وسارت به الركبان ومنها علم الكلام فقد أثر عنه منه
الكثير. وروى المفضل بن عمر أحد أصحابه كتابا عنه في ذلك يعرف
بتوحيد المفضل مطبوع هو أجود كتاب في رد الدهرية وإثبات الصانع
وصنف الصدوق محمد بن علي بن بابويه القمي كتابا فيما أثر عنه وعن أهل
بيته في التوحيد والكلام يعرف بتوحيد الصدوق مطبوع ١٤٨.
والإمام موسى الكاظم ع اثر عنه من أنواع الاحتجاجات
ما شاع وذاع ١٨٣.
والإمام علي بن موسى الرضا ع. له مناظرات
واحتجاجات كثيرة على المتكلمين وغيرهم وأجوبة مسائل سأله عنها المأمون
في الكلام وغيره معروفة مشهورة وله كتاب الإهليلجة فيه حجج بالغة
ومطالب جليلة من علم الكلام ٢٠٣.
والإمام محمد الجواد له احتجاج باهر على يحيى بن أكثم قاضي
القضاة ٢٢٠.
والإمام علي بن محمد الهادي ع أثر عنه من الاحتجاجات
البالغة الشئ الكثير ويأتي في طبقات الشعراء أن المتوكل سأله عن أشعر
الناس فقال الحماني حيث يقول:
فلما تنازعنا الحديث قضى لنا عليهم بما نهوى نداء الصوامع فقال وما نداء الصوامع
يا أبا الحسن قال أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله
٢٥٤.
ونبغ من تلاميذ أئمة أهل البيت جماعة امتازوا بالحذق والمهارة وقوة
الحجة في علم الكلام مثل هشام بن الحكم وهشام بن سالم ومؤمن الطاق
وأمثالهم يأتي ذكر عدد غير قليل منهم في الطبقات الآتية.
ومن الهاشميين الصحابة عبد الله بن عباس حبر الأمة فقد احتج
على أم المؤمنين بعد حرب الجمل وطلب أمير المؤمنين أن يكون أحد
الحكمين لما يعلمه من كفاءته فلم يرض أصحاب الشقاق من أهل العراق
وأرسله ليحتج على الخوارج علما بأنه قوي الحجة عضب اللسان واضح
البرهان فرجع منهم عدد غير قليل وفي احتجاجه على ابن الزبير وغيره وعلى
من سمعهم يسبون عليا ع ما سار ذكره في الآفاق وتكفلت بنشره
الأقلام في الأوراق.
ومن الصحابة أم المؤمنين أم سلمة زوج النبي ص وفي
احتجاجها على أم المؤمنين عائشة يوم دعتها إلى الخروج للبصرة في حرب
الجمل ما يرن صداه في الآذان إلى اليوم حتى اضطرتها إلى العدول عن
الخروج فجاء ابن أختها عبد الله فقلبها عن رأيها.
ومنهم قيس بن سعد بن عبادة والأحنف بن قيس وأبو الطفيل
عامر بن واثلة وصعصعة بن صوحان وغيرهم.
ومنهم اثنا عشر رجلا من الصحابة المذكورون في البحث الثاني
وهم أول من قام من الشيعة بما يسمى علم الكلام والاحتجاج بعد موت
النبي ص وكان أحدهم أبو ذر وقد قام بذلك أبو ذر في
خلافة عثمان وإمارة معاوية واستمر على ذلك حتى مات منفيا بالربذة بعد ما
نفي إلى الشام.
ومن التابعين وتابعيهم ومن بعدهم
الكميت بن زيد الأسدي الشاعر وهو القائل في قصيدته المشهورة:
- يقولون لم يورث ولولا تراثه * لقد شركت فيها بكيل وأرحب (١)
- فان هي لم تصلح لحي سواهم * فان ذوي القربى أحق وأوجب -
حكى السيد المرتضى في الفصول المختارة من مجالس المفيد ومن
العيون والمحاسن له عن الجاحظ في بعض كتبه أن الكميت أول من ناظر في
التشيع أقام فيه الحجج وأنه لولا الكميت وما احتج به في هذا الشعر لما
عرف الشيعة وجه الحجة في تقديم آل محمد ص وقد عرفت أنه تقدم
الكميت في ذلك عدد كثير من الصحابة، وقوله لولاه لما عرفوا مبالغة منه
غير صحيحة وقد رد عليه المفيد ذلك بان ما نظمه الكميت هو ما احتج به
أمير المؤمنين ع على معاوية في جواب كتاب ذكره واحتج به آل محمد بعد
ذلك واحتج به متكلمو الشيعة قبل الكميت وبعده وفي زمانه ١٢٦.
وعبد الرحمن بن أحمد بن جبرويه أبو محمد العسكري قال النجاشي
متكلم من أصحابنا جيد الكلام وقد كلم عباد بن سليمان ومن في طبقته له
كتاب الكامل في الإمامة حسن اه أوائل المائة الثانية.
وزرارة بن أعين قال ابن النديم أكبر رجال الشيعة معرفة بالكلام
والتشيع ١٥٠.

(١) بكيل وأرحب قبيلتان.
- المؤلف -
(١٣٣)

وعيسى بن روضة صاحب المنصور قال النجاشي كان متكلما جيد
الكلام وله كتاب في الإمامة وقد وصفه أحمد بن أبي طاهر في كتاب بغداد
وذكر أنه رأى الكتاب وقال بعض أصحابنا أنه رأى هذا الكتاب قال وقرأت
في بعض الكتب أن المنصور لما كان بالحيرة تسمع على عيسى بن روضة
وكان مولاه وهو يتكلم في الإمامة فاعجب به واستجاد كلامه اه قال
السيوطي في الأوائل: أول من صنف في الكلام واصل بن عطاء اه
وتوفي واصل ١٨١ فهو غير متقدم على عيسى بن روضة صاحب المنصور
لأن المنصور توفي ١٥٨ لا أقل من عدم العلم بتقدمه عليه أواسط
المائة الثانية.
وقيس الماصر كان معروفا بعلم الكلام ناظر رجلا متكلما من أهل
الشام بحضرة الصادق ع فغلب الشامي كما في حديث يونس
الطويل في الكافي في باب الاضطرار إلى الحجة وفيه أن الصادق ع
قال ليونس أخرج إلى الباب فانظر من ترى من المتكلمين فادخله فادخل
حمران بن أعين والأحول وهشام بن سالم وقيس الماصر قال يونس وكان
عندي أحسنهم كلاما وكان قد تعلم الكلام من علي بن الحسين ع
اه وقال الصادق ع في ذلك المجلس لقيس تتكلم
وأقرب ما تكون من الخبر عن رسول الله ص أبعد ما تكون منه تمزج
الحق مع الباطل وقليل الحق يكفي عن كثير الباطل أنت والأحوال قفازان
حاذقان أواسط المائة الثانية.
والأحول أبو جعفر محمد بن علي بن النعمان يعرف بشيطان الطاق أو
مؤمن الطاق قال ابن النديم: كان متكلما حاذقا. وقال العلامة في الخلاصة
كان كثير العلم حسن الخاطر ونحوه قال النجاشي. كلم الشامي المتكلم
المقدم ذكره بحضرة الصادق ع فظهر على الشامي وقال له الصادق
ع قياس رواع تكسر باطلا بباطل إلا أن باطلك أظهر وقال له
ولقيس الماصر قفازان حاذقان كما مر وله احتجاجات على الخوارج وعلى
المرجئة وعلى الدهرية وله مع الامام أبي حنيفة محاورات كثيرة وله في الكلام
كتب كثيرة منها كتاب الاحتجاج على إمامة أمير المؤمنين ع أواسط
المائة الثانية.
وحمران بن أعين. كان معروفا بعلم الكلام في عصره له كتاب
الإمامة وكتاب المعرفة كلم الشامي الآنف الذكر فظهر عليه فقال له الصادق
ع تجري بالكلام على الأثر فتصيب أواسط المائة الثانية.
وهشام بن سالم الجواليقي. كان معروفا بعلم الكلام في عصره كلم
رجلا من بني مخزوم في الإمامة في عصر الصادق ع وكلم الشامي
المار ذكره فظهر عليه فقال له الصادق ع تريد الأثر ولا تعرفه
أواسط المائة الثانية.
وأبو إسحاق إبراهيم بن سليمان بن أبي داحة المزني. قال النجاشي
كان وجه أصحابنا البصريين في علوم عد منها الكلام والجاحظ يحكى عنه
اه ونحوه قال الشيخ في الفهرست أواسط المائة الثانية.
وهشام بن الحكم. قال ابن النديم من متكلمي الشيعة ممن فتق
الكلام في الإمامة وهذب المذهب والنظر وكان حاذقا بصناعة الكلام حاضر
الجواب اه ونحو قال النجاشي والعلامة في الخلاصة. ناظر الشامي
المذكور آنفا فاسكته واضطره إلى موافقته فقال له الصادق ع يا
هشام لا تكاد تقع تلوي رجليك إذا هممت بالأرض طرت مثلك فليكلم
الناس وله مناظرات كثيرة وعدة كتب في الإمامة وعلم الكلام ١٩٩.
وفضال بن الحسن بن فضال متكلم له مناظرة مع الامام أبي حنيفة
ذكرها المفيد في الفصول المختارة والطبرسي في الاحتجاج المائة الثانية.
وأبو جعفر محمد بن الخليل السكاك البغدادي تلميذ هشام بن الحكم
قال الشيخ والنجاشي كان متكلما وله كتاب في الإمامة المائة الثانية
وعلي بن إسماعيل بن شعيب بن ميثم التمار. معاصر هشام بن
الحكم ناظر ببغداد أبا الهذيل العلاف وضرار بن عمرو الضبي والنظام في
الإمامة وفلج عليهم نقل ذلك المرتضى في الفصول المختارة قال ابن النديم
أنه أول من تكلم في مذهب الإمامية له كتاب الإمامة وكتاب الاستحقاق
وجده ميثم من جلة أصحاب أمير المؤمنين ع اه وقال النجاشي
كان من وجوه المتكلمين من أصحابنا كلم أبا الهذيل والنظام له
كتاب الإمامة وكتاب مجالس هشام بن الحكم وقال الشيخ في الفهرست:
علي هذا أول من تكلم على مذهب الإمامية وصنف كتابا في الإمامة سماه
الكامل وله كتاب الاستحقاق وقال في رجاله: الميثمي متكلم من أصحاب
الرضا ع.
ولكن عيسى بن روضة المار ذكره وأنه كان في عصر المنصور كان
أسبق منه لأن هذا كان في عصر الرشيد والمأمون. والكميت أيضا أسبق
منه هذا أن أريد ما بعد عصر الصحابة وأن أريد مطلقا فمتكلمو الصحابة
الشيعة متقدمون عليه المائة الثانية.
وأبو مالك الضحاك الحضرمي. قال النجاشي كان متكلما له كتاب
في التوحيد اه وعده ابن النديم في متكلمي الشيعة أواسط المائة
الثانية.
والسيد الحميري إسماعيل بن محمد شعره مملوء بالاحتجاج وله
مناظرة مع سوار القاضي بحضرة الرشيد ذكرت في البحث السادس وله
مناظرات جمة ذكرت في ترجمته ١٩٩.
وأبو عبد الله محمد بن عبد الله بن مملك الأصفهاني. قال ابن النديم
في الفهرست من متكلمي الشيعة وله مع أبي علي الجبائي مجلس في الإمامة
بحضرة أبي محمد القاسم بن محمد الكرخي له كتاب الإمامة وكتاب نقض
الإمامة على أبي علي لم يتمه اه ومثله في فهرست الشيخ في باب ما
صدر بابن إلا أنه قال من متكلمي الإمامية وقال النجاشي له كتاب الجامع
في سائر أبواب الكلام وكتاب المسائل في الإمامة وكتاب مجالسه مع أبي علي
الجبائي اه أواخر المائة الثانية.
المتكلمون من النوبختيين
قال ابن النديم في الفهرست آل نوبخت معروفون بولاية علي وولده
اه وفي رياض العلماء بنو نوبخت طائفة معروفة من متكلمي علماء
الشيعة اه وقد جمع بعض الفضلاء أسماء المتكلمين منهم فنحن
نذكرهم هنا مجتمعين نقلا عنه والعهدة في ذلك عليه مع ما ذكرناه منهم
مفرقا على السنين لما في جمعهم من الفائدة وهم:
الحسن بن موسى النوبختي أبو محمد. موسى بن الحسن بن عباس
(١٣٤)

ابن إسماعيل بن أبي سهل بن نوبخت. الفضل بن أبي سهل بن نوبخت.
عبد الله بن أبي سهل. أبو سهل الفضل بن أبي سهل بن نوبخت له كتاب
في الإمامة كبير. إسحاق بن أبي سهل بن نوبخت. أبو إسحاق إسماعيل بن إسحاق
بن أبي سهل بن نوبخت. يعقوب بن إسحاق بن أبي سهل بن
نوبخت. علي بن إسحاق بن أبي سهل بن نوبخت يكنى أبا سهل له كتب
كثيرة. إسحاق بن نوبخت الكاتب. أبو عبد الله أحمد بن عبد الله
النوبختي. أبو الحسن علي بن أحمد بن عبد الله النوبختي. أبو الحسين
علي بن العباس النوبختي. أبو يعلى بن جعفر المعروف بابن رهومة
النوبختي. أبو جعفر أحمد بن إبراهيم بن نوبخت. أبو جعفر عبد الله بن
إبراهيم أخو أحمد بن إبراهيم بن نوبخت. أبو الحسن بن كثير النوبختي.
روح بن أبي القاسم. الحسين بن روح بن أبي روح النوبختي. سليمان بن
أبي سهل بن نوبخت. الحسن بن محمد بن علي بن العباس بن إسماعيل بن
أبي سهل بن نوبخت. إبراهيم بن جعفر بن أحمد بن إبراهيم بن نوبخت
اه.
وأبو الفضل بن نوبخت. قال ابن النديم كان في خزانة الحكمة
لهارون الرشيد اه وقال ابن القفطي في تاريخ الحكماء أنه مذكور مشهور
من أئمة المتكلمين وذكر في كتب المتكلمين وكان في زمن هارون الرشيد
وولاه القيام بخزانة كتب الحكمة اه أواخر المائة الثانية.
وولده إسحاق بن أبي سهل بن نوبخت. في كتاب خاندان
نوبختي متكلم معروف اه المائة الثالثة.
وأبو محمد الحجال عبد الله بن محمد. عن الفضل بن شاذان أنه كان
متكلما من أصحابنا جيد الكلام أجدل الناس أوائل المائة الثالثة.
والقاسم بن يوسف الكاتب. قال المرزباني في النخبة المختارة من
شعراء الشيعة وأبو بكر الصولي في كتاب الأوراق أنه أحد متكلمي الشيعة
وشعرائهم اه أوائل المائة الثالثة.
وأبو عثمان المازني بكر بن محمد النحوي البصري المشهور. روى
النجاشي بسنده عن محمد بن يزيد المبرد النحوي أنه قال: ومن علماء الإمامية
أبو عثمان بكر بن محمد وكان من غلمان إسماعيل بن ميثم اه
وإسماعيل هو ابن ميثم التمار أحد متكلمي الشيعة المشهورين وفي بغية
الوعاة كان المازني لا يناظره أحد إلا قطعه لقدرته على الكلام اه
٢٤٨.
والفضل بن شاذان النيسابوري قال الشيخ في الفهرست متكلم وقال
النجاشي جليل أصحابنا المتكلمين اه ٢٦٠.
ومحمد بن أبي إسحاق القمي. قال الشيخ في الفهرست له كتب في
الكلام وقال النجاشي متكلم ذكره ابن بطة المائة الثالثة.
وإبراهيم بن محمد بن سعيد الثقفي. له كتاب في الإمامة كبير.
كتاب في الإمامة صغير ذكرهما الشيخ في الفهرست والنجاشي ٢٨٣.
ويعقوب بن إسحاق بن أبي سهل بن نوبخت متقدم في الحكمة
والكلام والنجوم المائة الثالثة.
واخوه علي بن إسحاق. متكلم منجم متقدم فيهما المائة الثالثة.
وأبو محمد يحيى بن الحسين العلوي النيسابوري من بني زيادة. قال
ابن شهرآشوب: متكلم له كتب كثيرة في الإمامة كان حيا ٣٠٥.
وأبو جعفر محمد بن عبد الرحمن بن قبة الرازي. قال ابن النديم:
من متكلمي الشيعة وحذاقهم له كتاب الإنصاف في الإمامة. كتاب الإمامة
اه. وقال النجاشي قوي في الكلام كان معتزليا ثم صار اماميا له
كتب في الكلام ثم حكى عن ابن بطة أن له كتاب الإنصاف في الإمامة وان
الحمدوني قال مضيت إلى أبي القاسم البلخي ببلخ ومعي كتاب الإنصاف
فنقضه بالمسترشد فقدمت الري فدفعته إلى ابن قبة فنقضه بالمستثبت فحملته
إلى أبي القاسم فنقضه بنقض المستثبت فقدمت الري فوجدت ابن قبة قد
مات اه أوائل المائة الرابعة.
وأبو الحسين محمد بن بشر السوسنجردي ويعرف بالحمدوني. تلمذ
على أبي القاسم البلخي وكان معتزليا ثم صار اماميا ورد على أبي القاسم قال
النجاشي متكلم جيد الكلام له المقنع والمنقذ كلاهما في الإمامة وقال الشيخ
وابن النديم في فهرستيهما أنه من غلمان أبي سهل النوبختي له كتاب الإنقاذ
في الإمامة وقال ابن بطة في فهرسته: من عيون أصحابنا وصالحيهم
المتكلمين له كتاب في الإمامة معروف به، حج على قدميه خمسين حجة
اه أوائل المائة الرابعة.
والحسن بن أبي عقيل العماني. متكلم له في الكلام كتاب الفر والكر
مسالة وقلبها وعكسها اثنى عليه وعلى كتبه أعاظم علماء الشيعة أوائل المائة
الرابعة.
وأبو محمد الحسن بن موسى النوبختي ابن أخت أبي سهل
إسماعيل بن علي الآتي قال ابن النديم والشيخ في فهرستيهما والنجاشي:
متكلم فيلسوف وذكروا له كتبا في الكلام وهو صاحب الفرق والديانات
المذكور هناك ويحتمل كون نسبته إلى آل نوبخت من طرف امه ٣١٠.
وأبو سهل إسماعيل بن علي بن إسحاق بن أبي سهل بن نوبخت
ممدوح البحتري. قال الشيخ في الفهرست والنجاشي: كان شيخ
المتكلمين من أصحابنا ببغداد و وجههم وذكر له عدة كتب في الكلام وقال ابن
النديم إنه من كبار الشيعة وكان فاضلا عالما متكلما وله مجالس بحضرة جماعة
من المتكلمين وذكر له عدة كتب في الإمامة وعلم الكلام ٣١١.
وأخوه أبو جعفر محمد بن علي بن إسحاق. في كتاب خاندان
نوبختي أنه معدود في المتكلمين تعلم الكلام من أخيه أبي سهل.
والمسعودي علي بن الحسين. معدود في المتكلمين له اثبات الوصية
وله الصفوة في الإمامة. الاستنصار. الزاهي. ذكرها في مروج الذهب
٣٤٦.
وكشاجم محمود بن الحسين الشاعر المشهور. في معالم العلماء كان
متكلما ٣٥٠.
وأبو جعفر بن محمد جرير بن رستم الطبري الآملي قال النجاشي:
من أصحابنا كثير العلم حسن الكلام له كتاب المسترشد في الإمامة وذكر
سنده إليه ونحوه في فهرست الشيخ، وهو غير أبي جعفر محمد بن جرير بن
يزيد بن خالد الطبري صاحب التاريخ والتفسير المتوفي ٣١٠ وأبو بكر
الخوارزمي هو ابن أخت الأول لا الثاني كما توهم أواسط المائة الرابعة.
وأبو اسحق إبراهيم بن إسحاق بن أبي سهل بن نوبخت صاحب
كتاب الياقوت في علم الكلام شرحه العلامة الحلي واثنى على مؤلفه في أول
شرحه الثناء البليغ منتصف المائة الرابعة.
(١٣٥)

وأبو القاسم علي بن أحمد الكوفي. قال ابن النديم: من الامامية من
أفاضلهم له كتاب الأوصياء. وقال الشيخ في الفهرست كان اماميا مستقيم
الطريقة وصنف كتبا كثيرة سديدة منها كتاب الأوصياء ثم خلط ٣٥٢.
ومحمد بن علي بن عبدك الجرجاني. في انساب السمعاني عن الحاكم
أنه كان من الموصوفين بحسن النظر يعني في علم الكلام وقال النجاشي
جليل القدر متكلم. وقال الشيخ في الفهرست من كبار المتكلمين في
الإمامة بعد ٣٦٠.
والناشي الأصغر أبو الحسين علي بن عبد الله بن وصيف الشاعر
المشهور. قال ابن خلكان تلميذ أبي سهل إسماعيل بن علي بن إسحاق بن
أبي سهل بن نوبخت في الكلام وقال النجاشي والشيخ في الفهرست له
كتاب في علم الكلام. وعده ابن النديم في المتكلمين من الشيعة وقال كان
متكلما بارعا ٣٦٥.
والصاحب إسماعيل بن عباد. له في علم الكلام كتاب أسماء الله
وصفاته. الأنوار في الإمامة. الإبانة عن الامام ٢٨٥.
وعلي بن أحمد الخزاز. قال الشيخ في رجاله متكلم جليل المائة
الرابعة.
ومحمد بن أحمد الحارثي. قال الشيخ والنجاشي له كتاب في الإمامة
وذكرا سنديهما إليه المائة الرابعة.
وأبو الحسن علي بن محمد العدوي الشمشاطي. قال النجاشي له
الرسالة الجامعة وهي الفاضحة والرسالة الكاشفة عن خطا العصبة المخالفة
ورسالة الانتصاف من ذوي البغي والاقتراف وغيرها المائة الرابعة.
والفضل بن عبد الرحمن البغدادي. قال النجاشي متكلم جيد
الكلام قال أبو عبد الله الحسين بن عبد الله الغضائري كان عندي كتابه
في الإمامة وهو كتاب كبير المائة الرابعة.
والشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان. المعروف بابن المعلم الذي
سن طريق الكلام لمن بعده إلى اليوم قال ابن النديم انتهت رياسة متكلمي
الشيعة إليه اه له الافصاح عن الإمامة. العيون والمحاسن. المجالس
٤١٣.
ومهيار الديلمي الشاعر في قصائده كثير من الاحتجاج والبراهين
القوية العلمية ٤٢٨.
والسيد المرتضى علي بن الحسين الموسوي علم الهدى. قال العلامة
في الخلاصة متوحد في علوم كثيرة مجمع على فضله متقدم في علوم وعد منها
الكلام له الشافي في الإمامة ردا على المغني للقاضي أبي بكر الباقلاني عديم
النظير وله الفصول المختارة من المجالس والعيون والمحاسن للمفيد ٤٣٦.
وأبو الفتح محمد بن عثمان الكراجكي. متكلم ماهر ٤٤٩.
وأبو يعلى محمد بن الحسن بن حمزة الجعفري. قال النجاشي متكلم
فقيه قيم بالأمرين ٤٦٣.
وأبو محمد يحيى بن محمد الحسني العلوي. قال النجاشي كان فقيها
عالما متكلما وذكر له كتبا منها كتاب الإمامة. والظاهر أنه هو المذكور في بغية
الوعاة ومعجم الأدباء بعنوان يحيى بن محمد بن طباطبا العلوي أبو محمد أو
أبو عمارة وأنه كان شيعيا ٤٧٨.
ومحمد بن أحمد بن علي الفتال النيسابوري صاحب روضة الواعظين.
قال الحسن بن داود في رجاله متكلم جليل القدر المائة الخامسة.
وأبو العباس أحمد بن محمد الإشبيلي الأزدي المعروف بابن الحاج.
قال السيوطي له مصنف في الإمامة أثبت فيه امامة الاثني عشر.
وسديد الدين محمود بن علي الحمصي الرازي الحلي المشهور. متكلم
حاذق له مؤلفات في الكلام في غاية الجودة ونقل فخر الدين الرازي بعض
احتجاجاته في تفسير آية المباهلة وفي القاموس محمود بن علي الحمصي
متكلم أخذ عنه الامام فخر الدين اه المائة السادسة.
ونصير الدين محمد بن محمد الطوسي أستاذ الحكماء والمتكلمين
وصاحب المصنفات الشهيرة في الحكمة العقلية والكلام منها التجريد الذي
طار ذكره في الآفاق وشرح عدة شروح من أعاظم العلماء ومؤلف شرح
المجسطي الذي لم يؤلف مثله وصانع الزيج في مراغة ٦٧٢.
وسديد الدين سالم بن محفوظ بن عزيزة الحلي السورائي. له المنهاج
في علم الكلام المائة السابعة.
وعلي بن سليمان البحراني. له الإشارات في الكلام المائة
السابعة.
وتلميذه ميثم بن علي بن ميثم البحراني شارح نهج البلاغة المتكلم
الفيلسوف له شرح إشارات أستاذه المذكور وله القواعد في علم الكلام
والنجاة في القيامة في أمر الإمامة واستقصاء النظر في امامة الأئمة الاثني عشر
٦٧٩.
والحسن بن داود الحلي صاحب الرجال له الدر الثمين في أصول
الدين نظما والخريدة العذراء في العقيدة الغراء نظما المائة السابعة أو
الثامنة.
والعلامة الحسن بن يوسف الحلي. له المؤلفات الجمة في الكلام
والحكمة كشرح التجريد ومنهاج الكرامة ونهج الحق ونهج المسترشدين
والرسالة السعدية واسرار الملكوت في شرح الياقوت وكتاب الألفين وغيرها
واحصي له في الكلام والحكمة أربعون مصنفا ٧٢٦.
وولده فخر المحققين محمد بن الحسن. له الكافية الوافية في الكلام
٧٧١.
وصفي الدين عبد العزيز بن سرايا الحلي متكلم في جملة من شعره
كقصيدته التي يرد فيها على ابن المعتز وقصيدته التي يقول فيها في أمير
المؤمنين ع:
- أنت سر النبي والصنو وابن ال‍ * - عم والصهر والأخ المستجاد -
- لو رأى مثلك النبي لأخاه * والا فأخطأ الانتقاد -
٧٥٢.
والشريف جمال الدين عبد الله بن محمد بن أحمد النيسابوري نزيل
حلب. في بغية الوعاة عن الدرر الكامنة كان أحد أئمة المعقول بارعا في
الأصول والعربية ٧٧٦.
والمقداد بن عبد الله السيوري الحلي الأسدي. له ارشاد الطالبين
شرح نهج المسترشدين للعلامة وشرح الباب الحادي عشر من مختصر
المصباح ٧٩٢.
والحسن بن محمد بن محمد بن راشد الحلي. في رياض العلماء:
(١٣٦)

المتكلم الفاضل الجليل له مصباح المهتدين في أصول الدين كان حيا سنة
٨٢٤.
وجلال الدين محمد بن أسعد الدواني. حكيم متكلم له عدة
مؤلفات في الكلام والحكمة منها رسالة أنوار الهداية صرح فيها بتشيعه
٩٠٨.
وآقا محمد رضا بن الحسن القزويني صاحب ضيافة الاخوان في علماء
قزوين. كان من المتكلمين ١٠٩٦.
والشيخ كاظم الأزري البغدادي الشاعر. متكلم بارع ١٢١٢.
والميرزا هداية الله الأورشيجي المشهدي. من المتكلمين ١٢١٨.
والشيخ علي بن عبد الله بن علي البحراني. له لسان الصدق في الرد على
كتاب ميزان الحق لبعض علماء النصارى بلغ فيه الغاية وطبع مرتين أولا في
الهند ثم في مصر أوائل المائة الرابعة عشرة.
والسيد حامد حسين الهندي اللكهنوئي صاحب كتاب عبقات الأنوار
في اثبات امامة الأئمة الاطهار بالفارسية يزيد عن عشرة مجلدات كبار لم
يؤلف نظيره من صدر الاسلام إلى اليوم ويذكر في رجال الأسانيد كلام
الموثقين لهم والموثقين للموثقين مع تمام الاستيفاء بما لم يسمع بمثله
١٣٠٦.
وولده السيد ناصر حسين. قام مقام أبيه في اتمام العبقات
١٣٦١.
والسيد علي ابن عمنا السيد محمود. له أرجوزة كبيرة في رد أبيات
البغدادي الرائية في المهدي ع تتضمن كثيرا من مباحث علم
الكلام ١٣٢٨.
ولجماعة من فضلاء العصر في رد الأبيات المذكورة عدة قصائد لو
جمعت لكانت كتابا في الكلام. فممن نظم في ذلك الشيخ محمد حسين آل
صاحب كشف الغطاء والشيخ جواد البلاغي النجفي والسيد رضا ابن
السيد محمد الهندي النجفي والشيخ رشيد العاملي الزبديني والفقير مؤلف
هذا الكتاب نظم قصيدة طويلة وشرحها وسمى المجموع بالبرهان مطبوع
وله الحصون المنيعة والشيعة والمنار ورسالة من هو المفرق بين المسلمين
والقول الصادق في رد مجلة الحقائق وكشف الارتياب وكتاب الردود والنقود
وغيرها. وألف الشيخ ميرزا حسين النوري يومئذ في جواب الأبيات
المذكورة رسالة مطبوعة.
والشيخ مهدي الخالصي الكاظمي له كتاب في الكلام ١٣٤٣.
والشيخ جواد ابن الشيخ حسن البلاغي النجفي. افنى عمره في
الذب عن الدين وألف في الرد على المبشرين كتبا فريدة في بابها ككتاب
الهدى إلى دين المصطفى والرحلة المدرسية وأعاجيب الأكاذيب ورسالة
التوحيد والتثليث وترجم بعضها إلى غير العربية وفي الرد على الدهرية وعلى
الوهابية وغير ذلك ١٣٥٢.
ومن الأحياء المعاصرين الشيخ محمد حسين ابن الشيخ علي آل
صاحب كشف الغطاء النجفي له مؤلفات ومواقف مشهودة في الذب عن
الاسلام وعن المذهب.
والسيد عبد الحسين آل شرف الدين الموسوي العاملي. له مؤلفات
ومناظرات في الذب عن المذهب.
والسيد عبد الحسين آل نور الدين الموسوي العاملي النباطي. له
مؤلف في الذب عن المذهب اسمه الكلمات.
علماء الشيعة ومؤلفوهم في أصول الفقه أما من أئمة أهل البيت
فقد عرفت في البحث الثامن ان أول من تكلم في أصول الفقه أمير
المؤمنين علي بن أبي طالب ع فاملى ستين نوعا من أنواع علوم
القرآن وذكر أن في القرآن الناسخ والمنسوخ والمحكم والمتشابه والعام
والخاص وهذه هي عمدة مباحث هذا الفن وأن الامامين الباقر والصادق
أول من فتح باب أصول الفقه بعد أمير المؤمنين وقبل الإمام الشافعي فبينا
لأصحابهما مهمات مسائله فبين الصادق شروط الاجتهاد وجواز التقليد
وشروط من يصح تقليده وحجية ظواهر الألفاظ وجواز العمل بالعام
والمطلق ونحوها وجواز التفريع على الأصول والقواعد الكلية والعمل بأصل
البراءة وجواز نقل الحديث بالمعنى وعدم جواز تكليف ما لا يطاق ووجوب
الاجتناب عن الشبهة المحصورة وحجية الاستصحاب وعدم حجية القياس
وبين الباقر والصادق أصالة الحل في المشتبه مع عدم العلم وعلاج الأخبار
المتعارضة وهو مبحث التعادل والترجيح وبين الباقر والصادق والكاظم
وجوب الرد إلى الكتاب والسنة وأخذ الأحكام منهما وحجية ظواهر الكتاب
والعموم وبين الصادق والكاظم عدم جواز العمل بالقياس والرأي وبين
الصادق والرضا جواز العمل بالعام والمطلق ونحوهما وجواز التفريع على
الأصول والقواعد الكلية وبين الهادي والعسكري حجية خبر الواحد الثقة
وبين المهدي حجية الخبر ومر نقل تلك الروايات مفصلة في البحث
الثامن.
وأما من غير أئمة أهل البيت
عليهم السلام
فقد قال بعض المعاصرين أن أول من أفرد بعض مباحثه بالتصنيف
هشام بن الحكم تلميذ أبي عبد الله الصادق ع صنف كتاب الألفاظ
ومباحثها وهي أهم مباحث هذا العلم اه. أقول: ذكروا في
مؤلفات هشام كتاب الألفاظ وموضوعه غير معلوم وكونه في مباحث الألفاظ
التي هي قسم من علم أصول الفقه غير ظاهر ولا دلالة عليه في كلامهم
والصواب أن أول من أفرد بعض مباحثه بالتصنيف يونس بن عبد
الرحمن مولى آل يقطين له كتاب اختلاف الحديث وهو بعينه مبحث
التعادل والترجيح في الأخبار المتعارضة من مباحث أصول الفقه أوائل
المائة الثالثة.
وأحمد بن محمد بن خالد البرقي. له كتاب اختلاف الحديث
٢٧٤.
ومحمد بن عبد الرحمن بن قبة الرازي. له قول في خبر الواحد
معروف أوائل المائة الرابعة.
ومحمد بن محمد بن النعمان الملقب بالمفيد. له كتاب صغير في علم
الأصول مطبوع.
والشريف المرتضى علم الهدى علي بن الحسين. قال العلامة في
الخلاصة متوحد في علوم كثيرة مجمع على فضله متقدم في علوم وعد منها
أصول الفقه له الذريعة في علم أصول الشريعة وغيره وأقواله في الأصول معروفة في كتب الفريقين ٤٣٦.
(١٣٧)

والشيخ أبو جعفر محمد بن الحسين الطوسي شيخ الطائفة والشيخ
على الاطلاق له العدة في الأصول مطبوع ٤٦٠.
وسديد الدين محمود بن علي الحمصي من علماء الأصول المائة
السادسة.
والمحقق جعفر بن الحسن بن يحيى بن سعيد الحلي. له معارج
الوصول إلى علم الأصول مطبوع وجمع قواعد الأصول باختصار في أول
كتابه المعتبر ٦٧٦.
وابن عمه ومعاصره يحيى بن سعيد الحلي. له المدخل في أصول
الفقه ٦٩٠.
وتلميذ المحقق العلامة الحلي الحسن بن يوسف بن المطهر له فيه
النكت البديعة. غاية الوصول. مبادئ الوصول. تهذيب الوصول.
نهاية الوصول في مجلدين. نهج الوصول. ما بين مختصر ومطول ومبسوط
٧٢٦.
وتلميذ العلامة وابن أخته السيد عميد الدين عبد المطلب بن محمد
الأعرجي الحسيني له شرح تهذيب الوصول لخاله المائة الثامنة.
وعلى التهذيب المذكور شروح كثيرة منها نهاية التقريب في شرح
التهذيب في مجلدين عندي منه نسخة ناقصة من أولها لا اعلم مؤلفه.
وتلميذ العلامة أيضا الشيخ الجليل محمد بن علي الجرجاني
له كتاب غاية البادي في شرح المبادي في أصول الفقه لشيخه المذكور صنفه في
حياته باسم النقيب عميد الدين عبد المطلب بن النقيب شمس الدين
علي بن المختار الحسيني عندي منه نسخة المائة الثامنة.
والشهيد محمد بن مكي العاملي الجزيني. جمع قواعد الأصول في أول
كتابه الذكرى وصنف كتاب القواعد في القواعد الفقهية وبعض القواعد
الأصولية على ترتيب لم يسبق إليه. شهادته ٧٨٦.
واقتفى أثره في ذلك الشيخ زين الدين بن علي العاملي الجبعي
الشهيد الثاني فصنف تمهيد القواعد. شهادته ٩٦٦.
واقتفى أثرهما صاحب العناوين كما يأتي.
والشيخ حسن بن زين الدين الشهيد الثاني العاملي خطيب الأصوليين
له المعالم في الأصول وكان الناس قبل تاليفها يدرسون في شرح العميدي
على التهذيب الآنفة الذكر وفي أصول ابن الحاجب والعضدي ثم صارت
المعالم المعول في التدريس ١٠١١.
وكتب على المعالم حواش كثيرة منها حاشية الشيخ محمد ولد المؤلف
١٠٣٠.
ومن الحواشي عليها المدونة حاشية السيد حسين المعروف بخليفة
سلطان ١٠٦٦.
وحاشية ملا صالح المازندراني ١٠٨١.
وحاشية محمد بن الحسن الشيرواني المعروف بملا ميرزا ١٠٩٩
وعليها حواش غير ذلك يأتي ذكرها.
والملا عبد الله التوني. له الوافية في الأصول اشتهرت كثيرا وشرحت
عدة شروح من أفاضل العلماء أواسط المائة الحادية عشرة.
والشيخ البهائي محمد بن الحسين له زبدة الأصول ١٠٣١.
وتلميذه الشيخ جواد بن سعد الله الكاظمي. المعروف
بالفاضل الجواد له غاية المأمول في شرح زبدة الأصول المائة الحادية عشرة.
والشيخ أسد الله بن إسماعيل التستري الكاظمي. له كشف القناع
عن وجوه حجية الاجماع استدرك فيه على من تقدمه وعاصره قولهم بحجية
الاجماع المنقول وتبعه من تأخر عنه إلى اليوم ١٢٢٠.
والسيد محمد الجواد بن محمد الحسيني العاملي النجفي صاحب مفتاح
الكرامة. له شرح الوافية للتوني ١٢٢٦.
والسيد محسن الأعرجي البغدادي خطيب الأصوليين المعروف
بالمحقق الكاظمي. له المحصول في الأصول. وشرح الوافية للتوني سماه
الوافي ١٢٢٧.
والشيخ جعفر ابن الشيخ خضر النجفي. حقق مسائل الأصول
بوجه الاختصار في مقدمات كتابه كشف الغطاء عن محاسن الشريعة الغراء
١٢٢٨.
والسيد حسين بن أبي الحسن موسى الحسيني العاملي الشقرائي أخو
جد والد المؤلف. أشهر الأصوليين في العراق في عصره وقع عليه اختيار
علماء النجف لمناظرة الميرزا القمي في حجية الظن المطلق حين زار العراق
وطلب مناظرتهم في ذلك. وما في قوانينه من الأسئلة الكثيرة وجوابها بقوله
فان قلت قلت هي أجوبة ما أورده عليه ١٢٣٠.
والميرزا أبو القاسم القمي. له قوانين الأصول صار عليها وعلى المعالم
المعول في التدريس وكتب عليها عدة حواش مدونة يأتي ذكر أكثرها
١٢٣٣.
والشيخ محمد تقي بن عبد الرحيم الطهراني الحائري. له كتاب كبير
في الأصول بعنوان الحاشية على المعالم ١٢٤٨.
وأخوه الشيخ محمد حسين بن عبد الرحيم الأصفهاني الحائري. له
الفصول في الأصول ١٢٦١.
والميرزا عبد الفتاح بن علي الحسيني المراغي من تلاميذ أبناء الشيخ
جعفر الجناجي النجفي. له العناوين على طراز قواعد الشهيد وطرز تمهيد
القواعد أواسط المائة الثالثة عشرة. والشيخ مرتضى بن محمد أمين التستري الأنصاري مربي العلماء. له
الكتاب المعروف بالرسائل فيما عدا مباحث الألفاظ صار عليه المعول في
التدريس مع المعالم والقوانين واستدرك فيه على من تقدمه في جملة من مسائل
الأصول المهمة وتبعه فيها من تأخر عنه وحقق مسائله وصارت أنظاره قدوة
لمن بعده وكتب عليه حواش كثيرة مدونة مطبوعة مشهورة. وجمعت عدة
كتب من تقريرات بحثه في الأصول انتفع بها الناس ١٢٨١.
والسيد مهدي القزويني الحلي النجفي. له تاليف في الأصول
١٣٠٠.
(١٣٨)

والشيخ موسى بن امين آل شرارة العاملي. له فيه منظومة فريدة في
بابها ١٣٠٤.
والميرزا موسى التبريزي من المعاصرين. له حاشية على رسائل
الشيخ مرتضى كبيرة مدونة مطبوعة المائة الرابعة عشرة.
والميرزا السيد محمد حسن الشيرازي نزيل سامراء من مشاهير
المدرسين في الأصول مربي العلماء تلميذ الشيخ مرتضى ومن تاليفه فيه
رسالة في المشتق ١٣١٢.
والميرزا حبيب الله الرشتي تلميذ الشيخ مرتضى من مشاهير المدرسين
في الأصول. له بدائع الأصول ١٣١٣.
والميرزا الشيخ محمد حسن الآشتياني الطهراني تلميذ الشيخ مرتضى.
له حاشية على الرسائل كبيرة مدونة مطبوعة ١٣١٤.
وشيخنا وأستاذنا الشيخ آقا رضا الهمداني تلميذ الميرزا الشيرازي. له
حاشية على الرسائل مدونة مطبوعة ١٣٢٢.
وشيخنا وأستاذنا الشيخ ملا كاظم الخراساني النجفي أشهر المدرسين
في الأصول في عصرنا هذب مطالبه واختصرها. له حاشية على رسائل
الشيخ مرتضى مدونة وله الكفاية في الأصول جمع فيها جميع مطالبه باختصار
فصار عليها مع المعالم والقوانين والرسائل المعول في التدريس وفي عصرنا
اليوم هجرت القوانين وصار المعول على المعالم والرسائل والكفاية
١٣٢٩.
والشيخ مهدي الخالصي الكاظمي من تلاميذ الشيخ ملا كاظم
الخراساني له حاشية على الكفاية وله العناوين في الأصول ١٣٤٣.
ومن الأحياء المعاصرين السيد أبو الحسن الأصفهاني النجفي تلميذ
الشيخ ملا كاظم الخراساني من مشاهير المدرسين فيه ولادته ١٢٨٤.
والشيخ ميرزا حسين النائيني النجفي تلميذ الشيخ ملا كاظم من
مشاهير المدرسين والمؤلفين فيه ١٣٥٥.
والشيخ عبد الكريم اليزدي نزيل قم مدرس تناهز تلاميذ مدرسته
تسعمائة تلميذ. وله فيه مؤلف ١٣٥٥.
والشيخ ضياء الدين العراقي النجفي. تلميذ الشيخ ملا كاظم من
مشاهير المدرسين فيه وله حاشية على الكفاية ١٣٦١.
والفقير مؤلف هذا الكتاب له حاشيتا القوانين والمعالم وله كتاب
حذف الفضول عن علم الأصول نسأله تعالى إتمامه.
وألف غير هؤلاء من علماء عصرنا وغيره فيه مؤلفات عديدة أكثرها
مشهورة مطبوعة واستقصاء ما ألفه علماء الشيعة في أصول الفقه يضيق عنه
نطاق البيان فضلا عن استقصاء علمائه والمدرسين فيه.
فقهاء الشيعة ومؤلفوهم في الحديث
والفقه من الصحابة
أولهم سيد الشيعة وإمامها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع
باب مدينة علم المصطفى ص الذي كان يقول سلوني قبل أن
تفقدوني والذي قال فيه رسول الله ص أقضاكم علي والذي قال فيه
الخليفة الثاني لولا علي لهلك عمر. قضية ولا أبو حسن لها. وقد عرفت في
البحث الثامن إن من مؤلفاته الجفر والجامعة وصحيفة الفرائض وكتابا في
زكاة النعم وكتابين في الفقه وكتاب قضاياه وأحكامه.
ومنهم البضعة الزهراء وولداها الحسنان ع وقد أثر عنهم
من علوم الدين ما ملأ بطون الكتب وحسبك في ذلك بخطب الزهراء بعد
وفاة أبيها وما تضمنته من فلسفة الشرع وأحكام الدين وعرفت في البحث
الثامن الكلام على مصحف فاطمة أو كتاب فاطمة وعرفت هناك أيضا ان
الحسن وأباه أمير المؤمنين ع أول من كتب في العلم.
ومنهم ابن عباس حبر الأمة وفقيهها والمرجوع إليه في الحديث والفقه
و أحكام الدين. في أسد الغابة كان يسمى البحر لسعة علمه ويسمى حبر
الأمة ٦٧.
ومنهم سلمان الفارسي وأبو ذر الغفاري وهما أول من جمع حديثا إلى
مثله في باب وعنوان واحد. ومر في أول البحث عند الكلام على أول من
ألف في الاسلام قول ابن شهرآشوب إن أول من صنف في الاسلام أمير
المؤمنين علي ع ثم سلمان ثم أبو ذر ثم الأصبغ بن نباتة ثم
عبد الله بن أبي رافع ثم الصحيفة الكاملة. ولسلمان كتاب حديث
الجاثليق. قال الشيخ في الفهرست: روى خبر الجاثليق الرومي الذي بعثه
ملك الروم بعد النبي ص ثم ذكر سنده إليه، وفي معالم العلماء:
سلمان الفارسي روى خبر الجاثليق اه ولأبي ذر كتاب كالخطبة يشرح
فيه الأمور بعد رسول الله ص قال الشيخ في الفهرست وابن شهرآشوب
في المعالم: جندب بن جنادة أبو ذر الغفاري له خطبة يشرح فيها
الأمور بعد النبي ص وذكر الشيخ سنده إليها توفي أبو ذر ٣١
وسلمان ٣٥.
ومنهم أبو رافع إبراهيم أو أسلم مولى رسول الله ص قال
النجاشي عند ذكر الطبقة الأولى من مؤلفي الشيعة: أبو رافع أسلم قديما
بمكة وهاجر إلى المدينة وشهد مع النبي ص مشاهده ولزم أمير المؤمنين
ع من بعده وكان من خيار الشيعة وشهد معه حروبه وكان
صاحب بيت ماله بالكوفة ثم قال ولأبي رافع كتاب السنن والاحكام
والقضايا ثم ذكر سنده إليه حتى انتهى إلى محمد بن عبيد الله بن أبي رافع عن
أبيه عن جده أبي رافع عن علي بن أبي طالب إنه كان إذا صلى قال في أول
الصلاة وذكر الكتاب إلى آخره بابا بابا الصلاة والصيام والحج والزكاة
والقضايا اه. وهو أول من جمع الحديث ورتبه بالأبواب لأن المذكورين
إنهم أول من جمع الحديث كلهم في أثناء المائة الثالثة كما عن تدريب الراوي
للسيوطي. وعن ابن حجر ان أول من دونه بأمر عمر بن عبد العزيز
محمد بن شهاب الزهري وخلافة عمر بن عبد العزيز كانت ٩٨ ومات
١١١.
مات ابن أبي رافع في أول خلافة علي ع كما صححه ابن
حجر ٣٥.
وأما من التابعين وتابعيهم
ومن بعدهم
فقد ذكر الذهبي في ميزان الاعتدال إن التشيع قد كثر في التابعين
وتابعيهم كثرة مفرطة فقال في ترجمة أبان بن تغلب بعد ما نقل توثيقه عن
(١٣٩)

جماعة من الاعلام كابن حنبل وابن معين وأبي حاتم: لقائل أن يقول كيف
ساع توثيق مبتدع وحد الثقة العدالة والاتقان وجوابه إن البدعة ضربان
صغرى كغلو التشيع أو التشيع بلا غلو ولا تحرق فهذا كثر في التابعين
وتابعيهم مع الدين والورع والصدق فلو رد حديث هؤلاء لذهب جملة
الآثار النبوية وهذه مفسدة بينة ثم بدعة كبرى إلى آخر كلامه. وهذه شهادة
من هذا الحافظ الكبير بتفرد الشيعة من التابعين وتابعيهم بحفظ جملة الآثار
النبوية ولو كان قد رواها غيرهم لما أوجب رد حديثهم ذهاب شئ منها.
بل إن أئمة المذاهب الأربعة وأئمة المحدثين قد أخذ أكثرهم عن فقهاء
الشيعة فالامام أبو حنيفة أخذ عن جعفر الصادق. وإبراهيم بن محمد بن
سمعان المدني الأسلمي مولاهم كان شيخ الإمام الشافعي وكان من الشيعة
ومحمد بن فضيل بن غزوان الضبي كان شيخ الإمام أحمد بن حنبل كما مر في
القراء ويأتي في الفقهاء. وعبيد الله بن موسى العبسي الكوفي شيخ الامام
البخاري كان من الشيعة كما نص عليه السمعاني في الأنساب والذهبي في
المختصر وميزان الاعتدال وتذكرة الحفاظ وصاحب كتاب دول الإسلام وابن
الأثير في الأنساب وأبو داود وابن سعد وابن حبان. ويعقوب بن سفيان وأبو
مسلم البغدادي الحافظ وابن قانع والساجي وغيرهم.
الستة الآلاف والستمائة الكتاب في
الحديث للشيعة
وصنف قدماء الشيعة الاثني عشرية المعاصرين للأئمة من عهد أمير
المؤمنين ع إلى عهد أبي محمد الحسن العسكري ع في
الأحاديث المروية من طريق أهل البيت ع المستمدة من مدينة
العلم النبوي ما يزيد على ستة آلاف وستمائة كتاب مذكورة في كتب الرجال
على ما ضبطه الشيخ محمد بن الحسن بن الحر العاملي صاحب الوسائل من
أهل المائة الثالثة عشرة في آخر الفائدة الرابعة من وسائله وأخذه من التراجم
لأصحاب المؤلفات. فجمع ما ذكره الرجاليون لكل واحد فكان بهذا
المقدار. وحيث وصل الكلام بنا إلى هذا الموضع فلنذكر أيضا الأصول
الأربعمائة والكتب الأربعة المجموعة منها وإن خالف ذلك ما التزمناه من
التوزيع على الطبقات لئلا يكون الكلام على كتب الحديث مبتورا ولتنساق
كلها في مساق واحد فنقول:
الأصول الأربعمائة
وامتاز من بين هذه الستة الآلاف والستمائة الكتاب أربعمائة كتاب
عرفت عند الشيعة بالأصول الأربعمائة. قال الشيخ المفيد: صنف
الامامية من عهد أمير المؤمنين ع إلى عهد أبي محمد الحسن
العسكري ع أربعمائة كتاب تسمى الأصول قال فهذا معنى قولهم
له أصل. وقال الطبرسي في كتاب إعلام الورى: صنف من جوابات
الصادق ع في المسائل أربعمائة كتاب معروفة تسمى الأصول رواها
أصحابه وأصحاب أبيه موسى. وقال المحقق في المعتبر: كتب من أجوبة
مسائل جعفر بن محمد أربعمائة مصنف لأربعمائة مصنف سموها أصولا
ومثله في الذكرى إلا إنه لم يقل سموها أصولا. ويدل كلام المفيد السابق على أن
الأصول الأربعمائة مروية عن جميع الأئمة وكلام الطبرسي والمحقق
والشهيد على انها مروية عن الإمام الصادق خاصة. ويمكن الجميع بالتعدد
فهناك أصول أربعمائة مروية عن جميع الأئمة وأخرى مروية عن الصادق
خاصة.
الفرق بين الكتاب والأصل
ومن ذلك يعلم أن الكتاب أهم من الأصل لأن الكتب أربعة آلاف
أو ستة آلاف والأصول أربعمائة. وخصوصية الأصول التي امتازت بها أما
زيادة جمعها أو كون أصحابها من الأعيان أو غير ذلك وقد قيل في الفرق
بينهما ان الأصل ما اقتصر فيه على الأخبار دون المباحث للمصنف والكتاب
يعمهما أو الأصل مجمع أخبار من دون تبويب يشتمل السؤال والجواب على
عدة مسائل من أبواب شتى فيذكر كما هو والكتاب أعم أو الأصل مجمع
أخبار تناولها المؤلف من الامام أو الراوي دون ما جمع من الكتب المتناولة
منهما. وكل ذلك حدس وتخمين. وهذه الأصول الأربعمائة قد بقي
بعضها إلى الاعصار الأخيرة بل إلى هذا العصر في خزائن الكتب عند علماء
الشيعة فقد كان بعضها عند المحدث الشيخ محمد بن الحسن بن الحر
العاملي وعند المجلسي وعند معاصرنا الميرزا حسين النوري وعند غيرهم
وأكثرها قد تلف لكن مضامينها محفوظة في الكتب المجموعة منها لأن قدماء
أصحابنا من أوائل المائة الرابعة إلى أواسط المائة الخامسة قد جمعوا مما فيها
وما في غيرها مما جمع منها مما صحت روايته عندهم أو لم يثبت بطلانها أربعة
كتب مبوبة حاوية للفقه كله من الطهارة إلى الديات وبعضها حاو لجملة من
الأصول وغيرها صار عليها المعول وإليها المرجع فاستمد منها فقهاء الشيعة
وعلماؤهم قديما وحديثا بحسب ما أدى إليه بحثهم ونظرهم في حجية الخبر
من الصحيح والموثق والحسن والمجبور بالشهرة وغير ذلك مما فصل في كتب
أصول الفقه وسنأتي على ذكر الكتب الأربعة المذكورة في طبقة مؤلفيها
أنش.
فمن التابعين علي بن أبي رافع مولى رسول الله ص
وصاحب أمير المؤمنين علي ع وكاتبه وخازنه قال
النجاشي عند ذكر الطبقة الأولى من مؤلفي الشيعة بعد ذكر أبي رافع وإن
له كتاب السنن والأحكام والقضايا: ولابن أبي رافع كتاب آخر وهو علي بن
أبي رافع تابعي من خيار الشيعة كانت له صحبة من أمير المؤمنين ع
وكان كاتبا له وله حفظ كثير وجمع كتابا في فنون من الفقه الوضوء
والصلاة وسائر الأبواب وذكر سنده إليه وإنه يعني عليا ع كان
يقول إذا توضأ أحدكم للصلاة فليبدأ باليمين قبل الشمال من جسده وذكر
الكتاب ثم قال قال عمر بن محمد أخبرني موسى بن عبد الله بن الحسن عن
أبيه انه كتب هذا الكتاب عن عبيد الله بن علي بن أبي رافع و (١) كانوا
يعظمونه ويعلمونه. وروى النجاشي بسنده عن موسى بن عبد الله بن
الحسن إنه قال سال رجل أبي عن التشهد فقال هات كتاب ابن أبي رافع
فأخرجه وأملاه علينا قال وقد طرق عمر بن محمد هذا الكتاب إلى أمير
المؤمنين ع وذكر السند حتى انتهى إلى علي بن عبيد الله بن
محمد بن عمر بن علي عن أبيه محمد عن جده عمر بن علي بن أبي طالب
أمير المؤمنين ع وذكر أبواب الكتاب اه وبذلك يصلح أن
يعد من مؤلفات أمير المؤمنين ع لأنه لا فرق بين من يؤلف كتابا
ويكتبه بيده وبين من يمليه على تلميذه فيؤلفه ويكتبه. وعليه فعلي بن أبي
رافع أول من صنف في علم الفقه ودونه ورتبه على الأبواب. قال السيوطي
في الأوائل: أول من صنف في الفقه بعد المائة الأولى أبو حنيفة ره
اه وتصنيف علي بن أبي رافع كان في زمن علي ع في الثلث
الأول من المائة الأولى قبل ولادة الامام أبي حنيفة بزمن طويل المائة
الأولى.

(١) الظاهر أنه سقط هنا من النسخة قوله عن أبيه أبي رافع.
- المؤلف -
(١٤٠)

وعبيد الله بن أبي رافع. له كتاب قضايا أمير المؤمنين ع
وذكره الشيخ في الفهرست وذكر سنده إليه عن محمد بن عبيد الله بن أبي
رافع عن أبيه عن جده عن علي ع وذكر الكتاب بطوله فنسبته إلى
عبيد الله باعتبار روايته له عن أبيه أبي رافع عن علي ع. فهو
أيضا من أول من صنف في الفقه ومر الكلام في البحث التاسع على أبي
رافع وولديه بابسط من هذا أواسط المائة الأولى.
وأصبغ بن نباتة تابعي. قال النجاشي من خاصة أمير المؤمنين ع
وعمر بعده روي عنه عهده إلى الأشتر ووصيته إلى محمد ابنه وذكر
سنده إليهما أقول وله كتاب عجائب أحكام أمير المؤمنين ع
رواية محمد بن علي بن إبراهيم بن هاشم القمي عن أبيه عن جده عن
محمد بن الوليد عن محمد بن الفرات عن أصبغ بن نباتة. عندنا منه نسخة
مخطوطة أواسط المائة الأولى.
وربيعة بن سميع تابعي. ذكره النجاشي في أول كتابه في الطبقة
الأولى من مصنفي الشيعة وذكر أن له كتابا في زكاة النعم يرويه عن أمير
المؤمنين ع وذكر سنده إليه عن ربيعة بن سميع عن أمير المؤمنين
ع أنه كتب له كتابا في صدقات النعم وما يؤخذ من ذلك وذكر
الكتاب ومرت الإشارة إليه في مؤلفات أمير المؤمنين ع المائة
الأولى.
ويعلى بن مرة تابعي. له نسخة يرويها عن أمير المؤمنين ع
رواها عنه النجاشي في كتابه مسندة المائة الأولى.
والحارث الأعور المهداني تابعي من أصحاب علي ع. له
كتاب يروي فيه المسائل التي أخبر بها أمير المؤمنين ع اليهودي
ذكر سندها إليه الشيخ الطوسي في الفهرست المائة الأولى.
وميثم بن يحيى التمار الكوفي. من خواص أمير المؤمنين ع
وأصحاب الأسرار. له كتاب في الحديث ينقل عنه كثيرا الشيخ الطوسي
والكشي والطبري في بشارة المصطفى قتل سنة ٦٠.
وعبد الله بن الحر الجعفي الكوفي الشاعر الفارس الفاتك. ذكره
النجاشي في الطبقة الأولى من مؤلفي الشيعة وقال له نسخة يرويها عن
أمير المؤمنين ع اه أقول ولكنه لم ينصر الحسين ع
حين استنصره ثم طلب بثاره و مات أيام المختار حدود ٦٦.
وأبو صادق سليم بن قيس الهلالي صاحب أمير المؤمنين ع
ذكره النجاشي في الطبقة الأولى من مؤلفي الشيعة وقال له كتاب وذكر
سنده إليه أقول وهذا الكتاب فيه أحاديث يرويها سليم بن قيس عن علي
ع وجماعة من كبار الصحابة وقال الشيخ أبو عبد الله محمد بن
إبراهيم بن جعفر الكاتب النعماني في كتاب الغيبة الذي نقل فيه عدة
أحاديث عن كتاب سليم بن قيس ما لفظه: وليس بين جميع الشيعة ممن
حمل العلم ورواه عن الأئمة ع خلاف في أن كتاب سليم بن
قيس الهلالي أصل من أكبر كتب الأصول التي رواها أهل العلم وحملة
حديث أهل البيت ع وأقدمها لأن جميع ما اشتمل عليه هذا
الأصل انما هو عن رسول الله ص وأمير المؤمنين ع
والمقداد وسلمان الفارسي وأبي ذر ومن جرى مجراهم ممن شهد
رسول الله ص وأمير المؤمنين ع وسمع منهما
وهو من الأصول التي ترجع الشيعة إليها وتعول عليها اه ٧٥.
والإمام زين العابدين علي بن الحسين ع امام أهل البيت
في زمانه وقدوة المسلمين في الفقه والأحكام في أقواله وأفعاله ٩٤.
وسعيد بن المسيب تابعي من أصحاب علي بن الحسين ع.
روى الكشي ما يدل على أنه من حواري زين العابدين ع.
في حديث عن الكاظم ع: ثم ينادي المنادي أين
حواري علي بن الحسين فيقوم جبير بن مطعم إلى أن قال وسعيد. وحكى
الكشي عن الفضل بن شاذان انه لم يكن في زمن علي بن الحسين ع
في أول امره إلا خمسة أنفس وعد منهم سعيد بن المسيب وقال رباه
أمير المؤمنين ع وروى الكليني في باب مولد الصادق ع أن الصادق ع
قال كان سعيد بن المسيب من ثقات علي بن
الحسين ع وذكر الحميري في آخر الجزء الثالث من قرب الإسناد
أنه ذكر عند الرضا ع سعيد بن المسيب فقال كان على هذا الأمر
يعني التشيع وقيل أنه صحب أمير المؤمنين ع ولم يفارقه وشهد معه
حروبه وروي عنه و عن ابن عباس وذكره الشيخ في رجاله في أصحاب
علي بن الحسين ع وصرح ابن حجر في تهذيب التهذيب بروايته
عن أبي جعفر الباقر ع وحكى فيه عن ابن المديني أنه قال لا اعلم
في التابعين أوسع علما منه هو عندي أجل التابعين وعن تقريب ابن حجر
أنه أحد العلماء الاثبات الفقهاء الكبار وعن مختصر الذهبي أحد الاعلام
وسيد التابعين ثقة حجة فقيه رفيع الذكر رأس في العلم والعمل ٩٤.
وأبو عبد الرحمن عبد الله بن حبيب السلمي مر ذكره في القراء وأنه
من خواص أمير المؤمنين علي ع وأن ابن قتيبة قال ويحمل عنه
الفقه ١٠٥.
والإمام محمد الباقر الذي بقر العلم وتوسع فيه وأدرك جابر بن
عبد الله الأنصاري وكثر الرواة والمصنفون في الحديث من الشيعة في عهده
وعهد ولده الصادق ع فقد روى جابر بن يزيد الجعفي سبعين
ألف حديث عن الباقر عن آبائه عن رسول الله ص
١١٣.
ومن تابعي التابعين ومن بعدهم جابر بن يزيد الجعفي روى عن
الباقر ع سبعين ألف حديث كما مر. وكان يقول عندي خمسون
ألف حديث ما حدثت منها بشئ كلها عن النبي ص من طريق أهل
البيت. وكان المانع له عن التحديث بها أنها لا تتحملها بعض العقول
الضعيفة فيكذب فيها ويسري التكذيب إلى أغلب الناس ١٢٧.
والحافظ المحدث العابد البكاء منصور بن المعتمر الكوفي ١٣٢.
وأبان بن تغلب. له كتاب الفضائل وله أصل من الأصول على
مذهب الشيعة قال النجاشي كان متقدما في كل فن من العلم وعد منها
الفقه والحديث. وقال الشيخ في الفهرست كان فقيها نبيلا اه روى
عن الصادق ع ثلاثين ألف حديث كما مر ١٤١.
وأبو عبد الله عبد المؤمن بن القاسم بن قيس بن قهد بالقاف
الأنصاري الكوفي ١٤٧.
(١٤١)

والإمام جعفر بن محمد الصادق ع. كثرت الرواة عنه
والمصنفون في حديثه في زمانه ولم يرو عن أحد من أهل بيته ما روي عنه
حتى قال الحسن بن علي الوشاء أدركت في مسجد الكوفة تسعمائة شيخ كل
يقول حدثني جعفر بن محمد وروى عنه راو واحد وهو أبان بن تغلب ثلاثين
ألف حديث وأفرد الحافظ ابن عقدة كتابا فيمن روي عنه من الثقات دون
غيرهم فكانوا أربعة آلاف رجل وكتب من أجوبة مسائله أربعمائة مصنف لأربعمائة مصنف
تعرف بالأصول الأربعمائة كما مر في البحث الثامن
١٤٨.
وسليمان بن مهران الأعمش. عده ابن قتيبة في المعارف في أصحاب
الحديث وأصحاب القراءات وقال إن الحديث كان أغلب عليه من القراءة
وعده في موضع آخر من الشيعة ١٤٨.
وأبو عبيدة الحذاء زياد بن عيسى توفي قبل ١٤٨.
وآل أعين. قال ابن النديم في الفهرست عند ذكر فقهاء الشيعة
ومحدثيهم وما ألفوه من الكتب زرارة بن أعين بن سنبس سنسن ظ
واسمه عبد ربه أكبر رجال الشيعة فقها وحديثا ومعرفة بالكلام والتشيع
وأخوه حمران بن أعين وابنه حمزة بن حمران ومحمد بن حمران وبكير بن أعين
وابنه عبد الله بن بكير وعبد الرحمن بن أعين وعبد الملك بن أعين وابنه
ضريس بن عبد الملك من أصحاب أبي جعفر محمد بن علي ع
ومن ولد زرارة الحسين بن زرارة والحسن بن زرارة من أصحاب جعفر بن
محمد وروى عن زرارة عبيد بن زرارة اه فهؤلاء اثنا عشر رجلا من
أهل بيت واحد وفي عصر واحد مات زرارة ١٥٠.
ومنهم في كثرة التأليف والرواية أبو حمزة الثمالي ثابت بن دينار.
صحب السجاد والباقر والصادق وأدرك برهة من عصر الكاظم ع
١٥٠.
ومحمد بن مسلم الطائفي من أجل فقهاء الشيعة ورواتهم ١٥٠.
وأبو بصير يحيى بن القاسم الأسدي مولاهم. روى عن الباقر
والصادق والكاظم ع ١٥٠ أو ١٥١.
ومحمد بن إسحاق بن يسار صاحب السيرة والمغازي. قال ابن المديني
مدار حديث رسول الله ص على اثني عشر هو أحدهم نص على تشيعه
الخطيب في تاريخ بغداد ويأتي بابسط من هذا في المؤرخين ١٥٠.
وعبيد الله بن علي بن أبي شعبة الحلبي أبو علي. قال النجاشي: آل
أبي شعبة مذكورون في أصحابنا روى جدهم أبو شعبة عن الحسن والحسين
ع وكانوا كلهم ثقات مرجوعا إلى ما يقولون وكان عبيد الله
كبيرهم ووجههم له الكتاب الذي يقال له كتاب عبيد الله بن أبي شعبة
عرضه على الصادق ع فصححه وقال عند قراءته أ ترى لهؤلاء مثل هذا
وقال وقد روى هذا الكتاب خلق عن عبيد الله والطرق إليه كثيرة ونحن
ذاكرون منها طريقا واحدا الخ وقال الشيخ في الفهرست له كتاب مصنف
معمول عليه وذكرا أسانيدهما إليه وقال البرقي في رجاله له كتاب وهو
أول ما صنفه الشيعة أواسط المائة الثانية.
وحمزة بن حبيب وفي بعض القيود ابن عمارة الزيات. قال محمد بن
سعد في الطبقات إنه كان صاحب فرائض وإن سفيان الثوري قال له اما
الفرائض فلا نعرض لك فيها وأنه كان عنده أحاديث وكان صدوقا صاحب
سنة ١٥٦.
ومعاوية بن عمار الدهني مولاهم. له عدة مؤلفات في الفقه
والحديث ذكرها الشيخ الطوسي في الفهرست والنجاشي بأسانيدهما إليها
١٧٥.
والإمام موسى الكاظم بن جعفر الصادق ع ألف أصحابه
في علوم الدين التي اخذوها عنه المؤلفات الكثيرة روتها الشيعة بأسانيدها
المتصلة وأودعتها جوامعها العظام ١٨٣.
وإبراهيم بن محمد بن أبي يحيى المدني مولى أسلم بضم اللام ابن
أفصى بالفاء شيخ الإمام الشافعي من أصحاب الباقر والصادق ع.
قال الشيخ في الفهرست وغيره له كتاب مبوب في الحلال والحرام
عن جعفر بن محمد الصادق وذكر سنده إليه ١٨٤.
ومحمد بن قيس البجلي. له كتاب يرويه عن علي ع ولم يكن في
عصره بل في عصر الباقر والصادق ع وروي عنه قال النجاشي
له كتاب القضايا المعروف وقال الشيخ في الفهرست له كتاب قضايا أمير
المؤمنين ع وذكرا سنديهما إليه ثم قال في الفهرست وله أصل أيضا وتقدم
في عبيد ابنه وقال في عبيد له كتاب يرويه عن أبيه قال عرضنا هذا الكتاب
على أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين ع فقال هذا قول
علي بن أبي طالب ع أنه كان يقول إذا صلى في أول الصلاة وذكر الكتاب
١٥١.
ونصر بن نصير البحراني. من الرواة الأقدمين يروي عن أبيه عن
جابر بن عبد الله الأنصاري.
والحافظ المحدث أبو عبد الرحمن محمد بن فضيل بن غزوان الضبي
مولاهم شيخ الإمام أحمد بن حنبل ١٩٥.
ويونس بن عبد الرحمن مولى آل يقطين من أصحاب الكاظم ع
قال ابن النديم في الفهرست: علامة زمانه كثير التصنيف والتآليف على
مذاهب الشيعة وعد له مؤلفات في الفقه والحديث ٢٠٨.
والبزنطي أحمد بن محمد بن أبي نصر عده ابن النديم من علماء الشيعة
من الفقهاء والمحدثين وذكر مؤلفاته ٢٢١.
أصحاب الاجماع
وهم ثمانية عشر رجلا من أصحاب الأئمة ع اشتهروا
بالفقه والحديث من أواخر المائة الأولى إلى أوائل المائة الثالثة.
وعرفوا بأصحاب الاجماع لأن الكشي ادعى اجماع العصابة على
تصحيح ما يصح عنهم وتصديقهم والاقرار لهم بالفقه. ستة من أصحاب
الباقر والصادق وستة من أصحاب الكاظم والرضا ع ونذكرهم
هنا تباعا كما ذكرهم الكشي ولا نوزعهم على الطبقات لئلا يكون الكلام
فيهم مبترا. قال أبو عمرو الكشي في كتاب رجاله وهو من علماء المائة
الثالثة ما صورته:
(١٤٢)

تسمية الفقهاء من أصحاب أبي جعفر
وأبي عبد الله ع
أجمعت العصابة على تصديق هؤلاء الأولين من أصحاب أبي جعفر
وأبي عبد الله ع وانقادوا لهم بالفقه فقالوا أفقه الأولين ستة زرارة
ومعروف بن خربوذ وبريد وأبو بصير الأسدي والفضيل بن يسار ومحمد بن
مسلم الطائفي. قالوا وافقه الستة زرارة وقال بعضهم مكان أبي بصير
الأسدي أبو بصير المرادي وهو ليث بن البختري ثم قال:
تسمية الفقهاء من أصحاب
أبي عبد الله ع
أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عن هؤلاء وتصديقهم بما
يقولون وأقروا لهم بالفقه من دون أولئك الستة الذين عددناهم وسميناهم
وهم ستة نفر جميل بن دراج وعبد الله بن مسكان وعبد الله بن بكير وحماد بن
عيسى وحماد بن عثمان وأبان بن عثمان. قالوا وزعم أبو إسحاق الفقيه وهو
ثعلبة بن ميمون أن أفقه هؤلاء جميل بن دراج وهم احداث أصحاب أبي
عبد الله ثم قال:
تسمية الفقهاء من أصحاب أبي
إبراهيم وأبي الحسن ع
أجمع أصحابنا على تصحيح ما يصح عن هؤلاء وتصديقهم والاقرار
لهم بالفقه والعلم وهم ستة نفر آخرون دون الستة النفر الذين ذكرناهم في
أصحاب أبي عبد الله ع منهم يونس بن عبد الرحمن وصفوان بن يحيى
بياع السابري ومحمد بن أبي عمير وعبد الله بن المغيرة والحسن بن محبوب
وأحمد بن أبي نصر وقال بعضهم مكان الحسن بن محبوب الحسن علي بن
فضال وفضالة بن أيوب وقال بعضهم مكان فضالة عثمان بن عيسى وافقه
هؤلاء يونس بن عبد الرحمن وصفوان بن يحيى اه.
ومنهم الإمام علي بن موسى الرضا ع الذي لما مر بنيسابور في
طريقه إلى خراسان عرض له الإمامان أبو زرعة الرازي ومحمد بن أسلم
الطوسي وكلاهما من أعاظم علماء المسلمين ومعهما خلائق لا تحصى من
العلماء والمحدثين وطلبوا منه أن يحدثهم بحديث فاملى عليهم وهو راكب
في قبة حديث سلسلة الذهب فعد أهل المحابر والدوي الذين كتبوا
هذا الحديث فأنافوا على عشرين ألفا وفي رواية عد من المحابر أربعة وعشرون
ألفا سوى الدوي وكان المستملي أبو زرعة ومحمد بن أسلم. عده ابن الأثير
في جمع الأصول من مجددي مذهب الإمامية على رأس المائة الثانية
٢٠٣.
ومحمد بن مسعود العياشي قال ابن النديم من فقهاء الشيعة الإمامية
أوحد دهره وزمانه في غزارة العلم اه وصنف أكثر من مائتي مصنف
في الفقه والحديث وسائر الفنون المائة الثالثة.
والواقدي محمد بن عمر. قال ابن النديم كان يتشيع عالما باختلاف
الناس في الحديث والفقه والأحكام له كتاب الاختلاف يحتوي على اختلاف
أهل المدينة والكوفة في أبواب الفقه ٢٠٧.
وصفوان بن يحيى البجلي. قال النجاشي صنف ثلاثين كتابا كما ذكر
أصحابنا وذكر منها كتبا على ترتيب كتب الفقه ٢١٠.
وأبو محمد عبد الله بن المغيرة البجلي الكوفي. حكى النجاشي
أنه صنف ثلاثين كتابا وعد جملة منها في الفقه المائة الثالثة.
وأبو محمد عبيد الله بن موسى بن أبي المختار الكوفي العبسي. ذكره
الشيخ في رجال الصادق ع. عن مختصر الذهبي: الحافظ أحد الاعلام
على تشيعه وبدعته ثقة اه‍ وعن ابن حجر أنه قال محدث الكوفة الحافظ
المتعبد لكنه شيعي اه‍ وذكره ابن قتيبة في المعارف في أصحاب الحديث
وفي أصحاب القراءات وقال كان الأغلب عليه الحديث وكان يتشيع ويروي
في ذلك أحاديث منكرة فضعف بذلك عند كثير من الناس اه‍ ونص
على تشيعه ابن الأثير والسمعاني في كتاب الأنساب وغيرهما ٢١٣.
والإمام محمد بن علي الجواد. الذي سال يحيى بن أكثم قاضي
القضاة في محضر المأمون عن مسائل في الفقه اعجزه جوابها وظهر لعامة
الناس عذر المأمون في تقديمه على الخلق كلهم ٢٢٠.
وأبو علي الحسن بن محبوب السراد. قال الشيخ في الفهرست له
كتاب المشيخة. الحدود. الديات. الفرائض. النكاح. الطلاق. وزاد
ابن النديم. العتق ٢٢٤.
والإمام علي بن محمد الهادي. الوارث علوم آبائه الموروثة عن جدهم
ص ٢٥٤.
وابنه الإمام الحسن بن علي العسكري وارث علم جده رسول الله
ص عن أبيه عن أجداده ٢٦٠.
والفضل بن شاذان النيسابوري. قال الشيخ في الفهرست فقيه وقال
النجاشي ثقة جليل من أصحابنا الفقهاء ذكر الكجي (١) أنه صنف مائة
وثمانين كتابا ٢٦٠.
وأبو الحسن علي بن محمد بن شيرة القاشاني. قال النجاشي له كتاب
الجامع في الفقه وذكر سنده إليه المائة الثالثة.
وأحمد بن محمد بن خالد البرقي. له كتاب تفسير المكاسب وغيرها.
الحديث. علل الحديث. معاني الحديث. وغيرها ٢٧٤.
وإبراهيم بن محمد بن سعيد الثقفي الكوفي الأصفهاني. ذكر الشيخ
في الفهرست والنجاشي من مؤلفاته: الجامع الكبير، الجامع الصغير في
الفقه قال النجاشي كان سبب خروجه من الكوفة أنه عمل كتاب المعرفة في
المناقب والمثالب فاستعظمه الكوفيون وأشاروا عليه بان يتركه ولا يخرجه
فقال أي البلاد أبعد من الشيعة قالوا أصفهان فحلف أن لا يرويه الا بها
ثقة منه بصحة ما رواه فيه فانتقل إليها ورواه بها اه‍ ٢٨٣.
ومحمد بن إبراهيم بن حبون الحجاري الأندلسي. في تذكرة
الحفاظ: الامام الحافظ محدث الأندلس من كبار حفاظ عصره لكن فيه
تشيع ٢٠٥.
والحسن بن أبي عقيل العماني. أول من هذب الفقه وبوبه على

(١) كتب في بعض المواضع بالحاء المهملة وصوابه بالجيم منسوب إلى الكج وهو الجص بالفارسية
ذكره ابن النديم في الفهرست وقال إنه سمي بذلك لأنه بنى دارا بالبصرة بالآجر والجص
فكان يقول كج كج وهو الجص.
- المؤلف -
(١٤٣)

الكتب المعروفة اليوم واستعمل النظر وفتق البحث عن الأصول والفروع.
له في الفقه كتاب المتمسك بحبل آل الرسول اثنى عليه وعلى كتبه أعاظم
علماء الشيعة كالمفيد والشيخ الطوسي وابن إدريس وغيرهم أوائل المائة
الرابعة.
ومحمد بن مزيد بن محمود البوشنجي المعروف بابن أبي الأزهر. ذكره
الشيخ فيمن لم يرو عنهم ع وذكره الخطيب في تاريخ بغداد وذكر
جماعة رووا عنه وجماعة روى عنهم وضعفه في حديث أ ما ترضى أن تكون
مني بمنزلة هارون من موسى وكذبه في أحاديث في فضل أهل البيت
٣٧٥.
ومحمد بن يعقوب الكليني صاحب الكافي في الحديث صنفه في
عشرين سنة. قال النجاشي أوثق الناس في الحديث وأثبتهم وقال الشيخ في
الفهرست ثقة عارف بالأخبار وقال ابن الأثير في جامع الأصول أنه من
مجددي مذهب الإمامية على رأس المائة الثالثة ٣٢٨.
وعبد العزيز بن يحيى الجلودي. قال ابن النديم: له في الفقه كتاب
المرشد والمسترشد كتاب المتعة، وذكر له النجاشي عدة كتب في أكثر أبواب
الفقه عن علي وعن ابن عباس، بعد ٣٣٠.
وأحمد بن محمد بن سعيد الحافظ المعروف بابن عقدة الزيدي قال
الشيخ الطوسي سمعت جماعة يحكون عنه أنه قال احفظ مائة وعشرين ألف
حديث بأسانيدها وأذاكر بثلثمائة ألف حديث ٣٣٣.
ومحمد بن الإسكافي. قال النجاشي شيخ أصحابنا ومتقدمهم له
منزلة عظيمة كثير الحديث وقال الشيخ في الفهرست جليل القدر ثقة له
روايات كثيرة ٣٣٦.
وأبو علي محمد بن وشاح مولى أبي تمام الزينبي. ذكره الذهبي في
تذكرة الحفاظ في ترجمة ابن عبد البر ووصفه بالمسند وقال رافضي
٣٤٦.
وأبو بكر محمد بن عمر المعروف بابن الجعابي من مشايخ المفيد،
حكى الذهبي في تذكرة الحفاظ انه لم ير أحفظ منه في زمانه كان يحفظ
أربعمائة ألف حديث ويذاكر بستمائة ألف حديث وكان يذكر له السند
فيذكر المتن ويذكر له المتن فيذكر السند في أحاديث كثيرة فلا يخطئ وضاع
له قمطر كتب فيها مائتا ألف حديث فقال لغلامه لا تغتم فإنه لا يشكل علي
حديث منها لا متنا ولا سندا وكان إماما في معرفة علل الحديث وثقات
الرجال وضعفائهم وتواريخهم وأحوالهم وانتهى إليه هذا العلم في زمانه حتى
لم يبق من يتقدمه فيه في الدنيا من جميع المسلمين اه‍ وقال ابن النديم
كان من أفاضل الشيعة وقال النجاشي كان من حفاظ الحديث وأجلاء أهل
العلم وقال الشيخ في الفهرست أحد الحفاظ والنقادية للحديث ٣٥٥.
ومحمد بن الجنيد. في رجال بحر العلوم الطباطبائي إنه وابن أبي
عقيل من كبار السابعة وابن أبي عقيل أعلى منه بطبقة اه‍ له في الفقه
تهذيب الشيعة لأحكام الشريعة عشرون مجلدا فيه جميع أبواب الفقه
ومختصره المعروف بالأحمدي في الفقه المحمدي ينقل عنه العلماء كثيرا وأثنى
عليه وعلى كتابه عظماء علماء الشيعة أواسط المائة الرابعة.
والقاضي أبو حنيفة النعمان بن محمد المصري قاضي الفاطميين.
قال ابن خلكان كان مالكيا ثم انتقل إلى مذهب الإمامية له كتاب الاخبار في
الفقه وكتاب الاقتصار في الفقه ذكره الأمير مختار المسبحي في تاريخه فقال
كان من الفقه والدين والنبل على ما لا مزيد عليه وقال ابن زولاق كان في
غاية الفضل عالما بوجوه الفقه اه‍ ومن مؤلفاته في الحديث كتاب دعائم
الاسلام ٣٦٣.
والحسن بن علي أبو محمد الحجال. قال النجاشي له كتاب الجوامع
في أبواب الشريعة كبير اه‍ المائة الرابعة.
والصدوق محمد بن علي بن بابويه القمي. لم ير في القميين مثله في
حفظه وكثرة علمه محدث فقيه له نحو ثلثمائة مصنف تفنن فيها فعمل كتاب من لا
يحضره الفقيه نظير كتاب من لا يحضره الطبيب. وكتاب التوحيد للأحاديث
الواردة فيه. وعلل الشرائع للأحاديث المعللة. ومعاني الاخبار التي فيها
معنى كذا هو كذا. والخصال العددية التي في الأخبار من أواحد فما فوق.
وثواب الأعمال وعقاب الأعمال وغير ذلك ٣٨١.
الكتب الأربعة المؤلفة في الحديث
من المائة الرابعة إلى المائة الخامسة
الأول الكافي لأبي جعفر محمد بن يعقوب الكليني جمعه في ثلاثين
سنة عدد أحاديثه ١٦٠٩٩ حديثا بأسانيد في الأصول والفروع ٣٢٨.
الثاني كتاب من لا يحضره الفقيه لأبي جعفر محمد بن علي بن
بابويه القمي المعروف بالصدوق ألفه نظيرا لكتاب من لا يحضره الطبيب كما
مر عدد أحاديثه ٩٠٤٤ حديثا وله أربعمائة كتاب في الحديث ٣٨١.
الثالث تهذيب الأحكام للشيخ أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي
بوبه على ٣٩٣ بابا عدد أحاديثه ١٣٥٩٠ حديثا ٤٦٠.
الرابع الاستبصار في الجمع بين ما تعارض من الأخبار له أيضا
أبوابه ٩٢٠ بابا أحاديثه ٥٥١١ حديثا وهذه الثلاثة في الفروع خاصة فيكون
مجموع أحاديث الكتب الأربعة ٤٤٢٤٤ حديثا.
قال الشيخ البهائي في الوجيزة ان ما تضمنته كتبنا من هذه الأحاديث
يزيد على ما في الصحاح الستة بكثير كما يظهر لمن تتبع أحاديث الفريقين
اه‍ وقد الكتب الأربعة عدة شروح وحواش وتعليقات ليس هذا محل
استقصائها وذكرت في تراجمهم مثل شرح الاستبصار للشيخ محمد ابن
الشيخ حسن صاحب المعالم المشتمل على فوائد رجالية كثيرة ومرآة العقول
في شرح الكافي للمجلسي وشرح أصول الكافي لملا صالح المازندراني
وشرحه الآخر لملا صدرا وشروح التهذيب والفقيه لجماعة كثيرين يطول
الكلام باستقصائهم وجلها مذكور في تضاعيف الطبقات الآتية وجمع من
هذه الكتب الأربعة عدة كتب يأتي ذكرها عند ذكر علماء المائة الرابعة عشرة
أنش.
ومنهم الحافظ محمد بن عبد الله الضبي النيسابوري المعروف بالحاكم
وبابن البيع. في تذكرة الحفاظ: الحافظ الكبير امام المحدثين صاحب
التصانيف سمع من نحو ألفي شيخ ثم حكى عن عبد الغافر إنه قال:
الحاكم امام أهل الحديث في عصره العارف به حق معرفته واتفق له من
التصانيف ما لعله يبلغ قريبا من ألف جزء من تخريج الصحيحين وغيره
وسمعت مشايخنا يحكون إن مقدمي عصره يقدمونه على أنفسهم ويراعون حق
(١٤٤)

فضله ويعرفون له الحرمة الأكيدة ثم أطنب في تعظيمه وقال هذه جمل يسيرة
وهو غيض من فيض سيره وأحواله ومن تأمل كلامه في تصانيفه وتصرفه في
أماليه ونظره في طرق الحديث أذعن بفضله واعترف له بالمزية على من تقدمه
وأتباعه من بعده وتعجيزه اللاحقين عن بلوغ شأوه عاش حميدا ولم يخلف في
وقته مثله اه‍ ونص هو والسمعاني على تشيعه ٤٠٥.
ومحمد بن محمد بن النعمان اليعربي القحطاني البغدادي الملقب بالمفيد
يعرف بابن المعلم فقيه الشيعة في عصره ومتكلمهم ماهر في الكلام
والأصول والفقه والحديث والرجال والتفسير وغيرها له قريب مائتي مصنف
منها المقنعة في الفقه ٤١٣.
وتلميذه المرتضى علي بن الحسين قال العلامة في الخلاصة متوحد في
علوم كثيرة مجمع على فضله متقدم في علوم وعد منها الفقه وجل مؤلفاته لم
يسبق إليها له في الفقه الناصريات شرح مسائل لجده الناصر. الانتصار فيما
انفردت به الإمامية. الجمل ٤٣٦.
وأبو الفتح محمد بن علي بن عثمان الكراجكي صاحب كنز الفوائد
٤٤٩.
والشيخ الطوسي محمد بن الحسن شيخ الطائفة وفقيهها ومربي
علمائها والمؤلف في كل فن من علوم الدين المؤلفات المشهورة تلميذ
المرتضى له التهذيب والاستبصار في الحديث، والنهاية متون أخبار،
والمبسوط استقصى فيه الفروع الفقهية المذكورة في كتب الإسلام واستمد
الناس منه إلى اليوم ٤٦٠.
وسديد الدين محمود بن علي الحمصي الرازي الحلي أستاذ فخر الدين
الرازي صاحب التفسير من مشاهير فقهاء الشيعة له قول معروف في
المواريث المائة السادسة.
ومنتجب الدين علي بن عبد الله الحسن بن بابويه صاحب الفهرست
له كتاب الأربعين عن الأربعين في فضائل أمير المؤمنين بعد ٥٨٥.
ومحمد بن يوسف الأزدي الأندلسي الغرناطي نص على تشيعه
الذهبي في تذكرة الحفاظ وقال عمل معجما في ثلاثة مجلدات كبار يعني في
الحديث وتوسع في العلوم وتفنن وله معرفة بالفقه ٦٦٣.
والحسن بن علي بن داود الحلي صاحب الرجال له تصانيف كثيرة في
الفقه نظما ونثرا المائة السابعة.
ونصير الدين محمد بن محمد بن الحسن الطوسي له الفرائض
النصيرية وشرح أصول الكافي ٦٧٣.
وأبو القاسم جعفر بن الحسن بن يحيى بن سعيد الحلي المعروف
بالمحقق على الاطلاق فقيه الشيعة يضرب المثل بفقاهته ويستمد المجتهدون
من كتبه وفقهه إلى اليوم. له الشرائع والمعتبر والمختصر النافع في الفقه
وشرح النهاية ووضعت الشروح التي لا تحصى على شرائعه ومختصرها
٦٧٦.
وابن عمه يحيى بن أحمد بن سعيد الحلي له جامع الشرائع في الفقه
٦٩٠.
والحسن بن يوسف بن علي بن المطهر الحلي المعروف بالعلامة على
الاطلاق صاحب المؤلفات المتنوعة في الفقه كالتذكرة الجامعة لأقوال فقهاء
أهل السنة والمختلف الجامع لأقوال فقهاء الشيعة والمنتهى الجامع لأقوال
الفريقين ونهاية الاحكام في معرفة الاحكام والتحرير والقواعد التي لا تنتهي
فروعها وعني بشرحها أعاظم العلماء والإرشاد كثرت شراحه والإيضاح
والتبصرة وهو أخصرها وغيرها وله في شرح الأحاديث كتب كثيرة
٧٢٦.
وولده محمد بن الحسن المعروف بفخر المحققين. له في الفقه إيضاح الفوائد
في حل مشكلات القواعد والفخرية في النية وغير ذلك المائة
الثامنة.
ومحمد بن مكي العاملي الجزيني المطلبي المعروف بالشهيد وبالشهيد
الأول مفخرة جبل عامل الجامع لفنون العقليات والنقليات ويضرب به المثل
في الفقاهة والذي قال عنه شيخه فخر المحققين استفدت منه أكثر مما استفاد
مني يروي اجازة عن نحو أربعين شيخا من علماء أهل السنة صاحب
المؤلفات النفيسة المتنوعة الشهيرة له في الفقه الدروس والذكرى وغاية المراد
والبيان والألفية والنفلية وغيرها وجمع أربعين حديثا مسندة وشرح بعض ما
أشكل فيها قتل ظلما بدمشق للتشيع ٧٨٦.
والمقداد بن عبد الله السيوري الحلي له التنقيح في الفقه مشهور
٧٩٢.
وشمس الدين محمد بن شجاع القطان الأنصاري الحلي المعروف بابن
القطان تلميذ المقداد السيوري. له معالم الدين في فقه آل ياسين عندنا منه
نسخة مخطوطة كتبت عن خط المصنف المائة التاسعة.
وأحمد بن فهد الحلي تلميذ تلامذة الشهيد له المهذب البارع في الفقه
مشهور وله غيره ٨٤١.
والشيخ علي بن عبد العالي الكركي المعروف بالمحقق الثاني حاز هذا
اللقب بعد صاحب الشرائع ولم يشاركهما غيرهما إلى اليوم صاحب جامع
المقاصد في الفقه وله الرسالة الجعفرية لا تحصى شروحها أذعن له علماء
الإمامية بالتحقيق وعلو الشأن وكانت له الرياسة التامة في بلاد إيران في عهد
الصفوية ٩٣٧.
وسميه الشيخ علي بن عبد العالي العاملي الميسي المعروف بالمحقق
الميسي صاحب الرسالة الميسية في الفقه المشهورة وشيخ الشهيد الثاني توفي
ودفن بقرية صديق قرب تبنين ٩٣٣.
والشيخ إبراهيم القطيفي صاحب المناقضات مع المحقق الكركي
المائة الثامنة.
والشيخ زين الدين بن علي العاملي الجبعي المعروف بالشهيد الثاني
صاحب المصنفات الكثيرة النافعة المتداولة أكبرها في الفقه المسالك اشتهرت
اشتهارا تاما واستفاد بها الناس وهو أول من ألف من الإمامية في دراية
الحديث تصنيفا جامعا مفصلا وإن سبقه غيره في أصل التصنيف وأول من
صنف منهم الشروح المزجية وكانت غير معروفة بينهم فصنف شروح اللمعة
الدمشقية والألفية في الفقه والنفلية والدراية كلها مزجية غيرة على الشيعة ان
ينفرد غيرهم بذلك وصنف رسائل في أسرار الصلاة وخصائص الجمعة
(١٤٥)

وكشف الريبة في أحكام الغيبة ومسكن الفؤاد في فقد الأحبة والأولاد
والحبوة وميراث الزوجة وغيرها وكلها مما لم يسبق إليه إلى غير ذلك من
مصنفاته استشهد على التشيع بطريق إسلامبول وحمل رأسه إليها ٩٦٦.
وتلميذه الشيخ حسين بن عبد الصمد العاملي الحارثي الهمداني والد
الشيخ البهائي من مشاهير فقهاء الشيعة ومحدثيهم له شرح الأربعين حديثا
وغيره ٩٨٤.
والشيخ حسن بن زين الدين الشهيد الثاني العاملي الجبعي. له المعالم
في الفقه وله منتقى الجمان في الأحاديث الصحاح والحسان ١٠١١.
والشيخ محمد ابن الشيخ حسن صاحب المعالم. له شروح الاستبصار
والتهذيب والاثني عشرية لوالده وحواش على أصول الكافي والفقيه
والمختلف والمدارك وغير ذلك ١٠٣٠.
والشيخ بهاء الدين محمد بن الحسين العاملي الفقيه المحدث الجامع
لجميع الفنون. كان شيخ الاسلام بأصفهان في دولة الشاه عباس الصفوي
فترك ذلك وساح في الدنيا ثلاثين سنة بزي الدراويش له شرح الأربعين
حديثا والحبل المتين في الحديث والجامع العباسي في الفقه وغيرها
١٠٣١.
والشيخ حسن بن علي بن أحمد العاملي الحانيني. في أمل الأمل كان
فقيها محدثا صدوقا معتمدا جليل القدر اه‍ ١٠٣٥.
والسيد محمد باقر الداماد الأصفهاني معاصر البهائي فقيه متبحر في
العلوم العقلية والنقلية ١٠٤١.
وصدر الدين الشيرازي المعروف بملا صدرا. له شرح أصول الكافي
١٠٦٠ ونيف.
والمولى محمد تقي الأصفهاني الشهير بالمجلسي الأول أول من نشر
الحديث في دولة الصفوية. له شرحان على الفقيه ١٠٧٠.
وملا محسن الكاشي. له الوافي في الحديث والمفاتيح في الفقه وله
مؤلفات كثيرة شهيرة ١٠٩١.
ومحمد بن الحسن بن الحر العاملي. له الوسائل في الحديث عليه
معول فقهاء الشيعة ١١٠٤.
والسيد هاشم بن سليمان البحراني. محدث متبحر مؤلف مكثر ١١٠٧.
والعلامة المجلسي محمد باقر بن محمد تقي الأصفهاني. له البحار في
٢٥ مجلدا كبارا يبلغ أكثرها عشرات المجلدات وله مرآة العقول في شرح
الكافي وله شروح على التهذيب وغيره من كتب الحديث ١١١٠.
والمولى عبد الله بن نور الله البحراني معاصر للمجلسي. له العوالم في
الحديث مائة مجلد أوائل المائة الحادية عشرة.
والسيد نعمة الله بن عبد الله الجزائري تلميذ المجلسي. له الأنوار
النعمانية في الحديث وغيرها ١١١٢.
وابنه السيد نور الدين بن نعمة الله الجزائري. فقيه محدث
١١٥٨.
والشيخ يوسف بن أحمد بن إبراهيم الدرازي البحراني الحائري. له
الحدائق في الفقه لم يؤلف مثله وله الدرة النجفية وغيرها ١١٨٧.
والسيد أبو الحسن موسى بن حيدر الحسيني العاملي جد جد المؤلف
فقيه محدث كانت مدرسته تحوي نحو ٤٠٠ طالب ١١٩٤.
والآقا محمد باقر بن محمد أكمل البهبهاني أستاذ العلماء وأحد مشاهير
الرؤساء في الفقه والحديث وغيرهما ١٢٠٨.
وتلميذه السيد محمد مهدي الطباطبائي الشهير ببحر العلوم مربي
الفقهاء. له المصابيح في الفقه وله المنظومة فيه لم يعمل مثلها ومن تقرير
بحثه في الوافي صنف صاحب مفتاح الكرامة كتابه شرح الوافي ١٢١٢.
والشيخ أسد الله بن إسماعيل التستري الكاظمي أحد أعلام ذلك
العصر فقها وأصولا وغيرهما له في الفقه المقابيس والوسائل مطبوعان وله
انظار ابتكرها وتبعه فيها من تأخر عنه ١٢٢٠.
والسيد محمد الجواد بن محمد الحسيني العاملي تلميذ بحر العلوم
وأستاذ صاحب الجواهر. له مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلامة في الفقه
لم يصنف مثله في جمع الأقوال واستيفاء الشهرة والاجماع، وشرح الوافي
وحواشي الروضة ١٢٢٦.
والشيخ جعفر ابن الشيخ خضر الجناجي النجفي تلميذ بحر العلوم
أعجوبة الزمان في قوة الفقاهة. له كشف الغطاء عن محاسن الشريعة
الغراء وشرح القواعد ١٢٢٨.
والسيد حسين ابن السيد أبي الحسن موسى الحسيني العاملي النجفي
أخو جد والد المؤلف. كان من أعاظم علماء عصره وفقهائهم ١٢٣٠.
والسيد محسن الأعرجي خطيب العلماء المعروف بالمحقق الكاظمي له
الوسائل في الفقه وغيرها ١٢٣١.
والشيخ محمد علي الأعسم النجفي من فقهاء عصره وتلميذ بحر
العلوم ١٢٣٤.
والشيخ موسى ابن الشيخ جعفر النجفي الجناجي فقيه عصره
١٢٤١.
والشيخ حسين بن محمد بن نجف علي التبريزي النجفي أحد عظماء
فقهاء ذلك العصر وزهاده ١٢٤٧.
وجدنا السيد علي ابن السيد محمد الأمين الحسيني العاملي فقيه عصره
انتهت إليه الرياسة في جبل عامل في عصره له شرح منظومة بحر العلوم
١٢٤٩.
والشيخ حسن القبيسي العاملي الكوثراني من فقهاء عصره
١٢٥٨.
والسيد علي بن إبراهيم العاملي الكوثراني من مشاهير علماء عصره في
جبل عامل له شرح منظومة بحر العلوم ١٢٦٠.
والشيخ محمد حسن بن باقر النجفي. صاحب جواهر الكلام في
الفقه الذي كان تاليفه من معجزات عصره وصار عليه معول العلماء إلى
اليوم ١٢٦٦.
(١٤٦)

والحافظ الشيخ محسن بن خنفر النجفي من مشاهير فقهاء عصره.
قال تلميذه السيد محمد الهندي في نظم اللآل كان يحافظ على متن الحديث
ويستدرك على صاحب الوسائل تحريف الواو بالفاء وبالعكس ١٢٧٠.
والشيخ مرتضى بن محمد امين الأنصاري فقيه عصره صاحب
المؤلفات الشهيرة في الفقه كالمكاسب وغيرها ١٢٨١.
والشيخ راضي ابن الشيخ محمد النجفي فقيه عصره ١٢٩٠.
والسيد حسين الكوهكمري النجفي المعروف بالسيد حسين الترك من
مشاهير فقهاء عصره ١٢٩٩.
والشيخ نوح بن قاسم النجفي من فقهاء عصره ١٣٠٠.
والسيد مهدي القزويني الحلي النجفي من مشاهير فقهاء عصره
١٣٠٠.
والشيخ عبد الله بن علي آل نعمة العاملي الجبعي فقيه جبل عامل في
عصره ١٣٠٣.
والشيخ محمد بن علي آل عز الدين العاملي أحد فقهاء عصره
ومدرسيه وزهاده وعباده ١٣٠٣.
والشيخ موسى بن أمين آل شرارة العاملي فقيه مدرس له منظومة في
المواريث ١٣٠٤.
والملا محمد الإيرواني النجفي أحد مشاهير فقهاء عصره ومدرسيه
١٣٠٦.
والشيخ محمد حسين بن هاشم العاملي الكاظمي النجفي صاحب
هداية الأنام في شرح شرائع الاسلام أحد مشاهير فقهاء عصره ومدرسيه
وزهاده وعباده ١٣٠٨.
والشيخ محمد حسن بن ياسين الكاظمي أحد مشاهير فقهاء عصره ١٣٠٨
والشيخ زين العابدين المازندراني الحائري من مشاهير فقهاء عصره
وعظمائهم ١٣٠٩.
والسيد الميرزا محمد حسن الشيرازي نزيل سامراء انتهت إليه رياسة الإمامية
في عصره وتخرج على يده أكثر فقهائه وهو الذي أفتى بحرمة تدخين
التنباك لما أعطى امتياز حصره الشاه ناصر الدين للانكليز فامتنع عن تدخينه
جميع الإيرانيين واضطر الإنكليز إلى فسخ الامتياز ١٣١٢.
والشيخ ميرزا حبيب الله الرشتي النجفي أحد مشاهير فقهاء عصره
ومدرسيهم وعبادهم ومربي الفقهاء صاحب المصنفات الكثيرة في الفقه وغيره
١٣١٣.
والميرزا محمد حسن الآشتياني الطهراني أحد رؤساء العلماء في بلاد
إيران له عدة مؤلفات في الفقه ١٣١٤.
وأستاذنا الشيخ آقا رضا بن محمد هادي الهمذاني صاحب مصباح
الفقيه أحد مشاهير فقهاء عصره ومدرسيهم وزهادهم وعبادهم وأوثق الناس
في نفوس الخاصة والعامة ١٣٢٢.
والشيخ حسن المامقاني النجفي أحد مشاهير الفقهاء وصاحب
المؤلفات في الفقه ١٣٢٣.
والملا محمد الشرابياني النجفي فقيه له مؤلفات في الفقه ١٣٢٣.
وأستاذنا الشيخ محمد طه نجف التبريزي النجفي أحد فقهاء عصره
وزهاده وعباده صاحب كتاب الإنصاف في الفقه وغيره ١٣٢٣.
والسيد علي ابن عمنا السيد محمود العاملي الشقرائي فقيه معتدل
السليقة مدرس ١٣٢٨.
وأستاذنا الشيخ ملا كاظم الخراساني مربي العلماء والفضلاء له شرح
التبصرة وغيره في الفقه ١٣٢٩.
والسيد حسن ابن السيد علي آل إبراهيم الحسيني العاملي الكوثراني
الأنصاري ١٣٢٩.
والسيد نجيب الدين ابن السيد محيي الدين آل فضل الله الحسني
العاملي العيناثي ١٣٣٦.
والسيد مهدي آل السيد حيدر الكاظمي ١٣٣٦.
والسيد كاظم بن عبد العظيم الطباطبائي الحسني اليزدي النجفي من
مشاهير فقهاء عصره ومدرسيه له العروة الوثقى اشتهرت اشتهارا لا مزيد
عليه لحسن ترتيبها وكثرة فروعها وحاشية المكاسب ١٣٣٧.
والميرزا محمد تقي الشيرازي من مشاهير فقهاء عصره انتهت إليه
الرياسة بعد وفاة اليزدي ١٣٣٨.
واستاذنا الشيخ فتح الله بن محمد جواد الأصفهاني الملقب بشريعة
مدار انتهت إليه الرياسة بعد الشيرازي في آخر عمره ١٣٣٩.
ومن الفقهاء المعاصرين الأحياء الشيخ ميرزا حسين النائيني
النجفي فقيه مقلد مدرس رئيس مؤلف ١٣٥٥.
والسيد أبو الحسن الأصفهاني النجفي فقيه مقلد مدرس رئيس عين
الجراية لطلاب العلم مولده ١٢٨٤.
والشيخ عبد الكريم اليزدي القمي فقيه مؤلف مدرس تحتوي مدرسته
في قم على نحو تسعمائة طالب يجري على أكثرهم الرزق ١٣٥٥.
وشريكنا في الدرس الشيخ حسين ابن الشيخ علي مغنية العاملي من
مشاهير علماء جبل عامل وشيوخه مولده ١٢٨٠ وفاته ١٣٥٩.
والشيخ آغا ضياء الدين العراقي من عراق فارس شريكنا في الدرس
فقيه مدرس مؤلف ١٣٦١.
والسيد حسن ابن عمنا السيد محمود من المشار إليهم بالبنان فقها
وفضلا.
والسيد محمد والسيد مهدي ولدا السيد حسن ابن السيد علي بن
إبراهيم الحسيني العاملي من أفاضل العلماء والفقهاء.
إلى غير ذلك من فضلاء وفقهاء جبل عامل وغيرهم المعاصرين الذين
لا تتسع لاستقصائهم هذه العجالة، وجل من عددناهم في القرن الثاني

(١) هؤلاء كانوا كلهم أحياء عند طبع هذا الجزء للمرة الأولى وعند طبعه هذه المرة كانوا قد توفوا
ونبغ بعدهم الكثيرون. " ح ".
(١٤٧)

عشر وما بعده قد ملأت تلاميذهم ومن تخرج عليهم من فحول العلماء
الأقطار، وما ذكرناهم قطرة من بحر، فان مشاهير العلماء والمصنفين منهم
في الفقه والحديث وغيرهما لا يحصى عددهم.
كتب الحديث للشيعة المجموعة من الكتب الأربعة وغيرها في المائة الحادية
عشرة إلى الرابعة عشرة
الأول الوافي تاليف الشيخ محمد بن مرتضى المدعو بملا محسن
الكاشي جمع فيه ما في الكتب الأربعة من أحاديث الأصول والفروع ورتبها
وبوبها وشرح بعض ما يلزمه الشرح والتفسير من المهمات وبين بعض وجوه
الجمع بين المتعارضات وله نحو مائتي مصنف ١٠٩١.
الثاني وسائل الشيعة إلى أحاديث الشريعة تاليف الشيخ محمد بن
الحسن بن الحر العاملي جمع فيه ما في الكتب الأربعة وغيرها في الفروع
خاصة من ثمانين كتابا كانت عنده وسبعين نقل عنها بالواسطة ورتبه وبوبه
على ترتيب كتب الفقه أحسن ترتيب وشرح بعض المهمات وجمع بين
المتعارضات فصار كتابه هذا هو المعول والمرجع ولم يرزق الوافي ما رزقته
الوسائل من الحظ لأن ترتيبها أسهل مع أن تفسيرات الوافي أوفى وله مع
ذلك الحظ الوافي لكن حظ الوسائل أوفى وبقية الكتب الأربعة يرجع إليها
أيضا ١١٠٤.
الثالث بحار الأنوار في أحاديث النبي والأئمة الاطهار تاليف
الشيخ محمد باقر ابن الشيخ محمد تقي المعروف بالمجلسي في ستة وعشرين
مجلدا ضخما كثير منها وحده عشرات المجلدات ويستغرق نسخه فقط العمر
فضلا عن تاليفه جمع فيه فنونا من العلم جلها في غير الأحكام الفرعية وقليل
منها في الفروع ومن جملتها تواريخ النبي والزهراء والأئمة الاثني عشر ص
وأحوالهم ومناقبهم وما أثر عنهم من المواعظ والحكم
والآداب جمعه من كل ما عثر عليه بدون انتقاء كما هو شأن البحار ولم ينقل
فيه من الكتب الأربعة المتقدمة إلا قليلا لأن غرض مؤلفيها الأهم الفروع
وغرضه الأهم غيرها فهو أجمع كتاب في فنون الحديث وأنواع العلوم
ومتفرقات الاخبار يستمد منه العالم والمؤلف والواعظ وتستخرج منه الدرر
والجواهر فالمحمدون الثلاثة الأولون مع المحمدين الثلاثة الآخرين هم
الذين حفظوا أخبار أهل البيت وآثارهم عن الضياع وجمعوها ورتبوها
والأولون منهم انتقوها واختاروها بحسب أسانيدها وكذا الأولان من
الآخرين ١١١٠.
الرابع العوالم في الحديث تاليف المحدث المتبحر المولى عبد الله بن
نور الله البحراني في مائة مجلد ولم يرزق من الحظ ما رزق البحار أوائل
المائة الثانية عشرة.
الخامس الشفا في حديث آل المصطفى جامع كبير يشتمل على عدة
مجلدات للمتضلع في الحديث الشيخ محمد الرضا بن الفقيه الشيخ عبد الله
التبريزي فرع منه ١١٥٨.
السادس جامع الأحكام في الحديث تاليف السيد عبد الله الشبري
في خمسة وعشرين مجلدا كبارا مؤلفه من أكثر الناس تأليفا ١٢٣٢.
السابع مستدركات الوسائل تاليف المحدث المتتبع البصير
بالحديث والرجال الميرزا حسين النوري المعاصر جمع فيه ما فات صاحب
الوسائل ورتبه على أبوابها في قريب من مجلداتها لكنه أدرج فيه الفقه
الرضوي الذي لم يثبت أنه تصنيف الإمام الرضا ع وكثيرا مما هو من هذا
القبيل مما لم يكن معتبر الاسناد عند صاحب الوسائل فليس هو في الحقيقة
استدراكا عليه في كثير مما فيه وأفاد في آخره فوائد رجالية لا توجد في غيره
والظاهر أن معظمها مأخوذ من جامع الرواة للحاج محمد الأردبيلي معاصر
المجلسي ١٣٢٠.
الثامن البحر الزخار في شرح أحاديث الأئمة الاطهار في الفروع
خاصة تاليف الفقير مؤلف هذا الكتاب برز منه ثلاثة مجلدات في المياه وفق
الله لاكماله.
مؤلفات الشيعة في أربعين حديثا
روى علماء الاسلام أهل السنة والشيعة بأسانيدهم إلى النبي ص
أنه قال: من روى على أمتي أربعين حديثا في أمر دينهم ودنياهم بعث يوم
القيامة فقيها عالما، أو كما قال، فلأجل هذا الحديث صنف علماء الاسلام
كتب الأربعين جمعوا في كل واحد منها أربعين حديثا اختاروها بحسب ما
أدت إليه اختياراتهم وشرحوها شروحا مطولة ومختصرة رجاء أن يدخلوا فيما
تضمنه هذا الحديث وجرى علماء الشيعة في هذا المضمار فلم يقصروا فألفوا
كتبا كثيرة في شرح الأربعين حديثا لأسعد بن إبراهيم بن حسن بن علي
الأربلي ويوجد في بعض المواضع الحلي والظاهر أنه خطا كان حيا
٦١٠.
وكتاب الأربعين حديثا للشهيد محمد بن مكي العاملي الجزيني شهادته
٧٨٦.
وكتاب الأربعين حديثا لتلميذه المقداد بن عبد الله السيوري الحلي
الأسدي ٧٩٢.
وشرح الأربعين حديثا للشيخ حسين بن عبد الصمد والد البهائي
٩٨٤.
وشرح الأربعين حديثا للشيخ البهائي محمد بن الحسين العاملي
١٠٣١.
وشرح الأربعين حديثا للمجلسي الأصفهاني محمد باقر بن محمد تقي
١٠٧٠.
مؤلفات الشيعة في دراية الحديث
أول من تصدى له الحاكم أبو عبد الله النيسابوري المعروف بابن البيع
صنف فيه كتابا اسمه معرفة علوم الحديث. ففي كشف الظنون في باب
العين: معرفة علوم الحديث. أول من تصدى له الحاكم أبو عبد الله
محمد بن عبد الله الحافظ النيسابوري وهو خمسة أجزاء مشتملة على خمسين
نوعا وتبعه في ذلك ابن الصلاح فذكر من أنواع الحديث ٦٥ نوعا اه‍
ثم قال في كشف الظنون: علوم الحديث. كتاب لأبي عمرو عثمان بن
عبد الرحمن المعروف بابن الصلاح الشهرزوري الحافظ الشافعي الدمشقي
توفي ٦٤٣ اه‍ قال السيوطي في تدريب الراوي في الفائدة الثالثة:
قال شيخ الاسلام أول من صنف في الاصطلاح أي اصطلاح الحديث
القاضي أبو محمد الرامهرمزي لكنه لم يستوعب والحاكم أبو عبد الله
النيسابوري لكنه لم يهذب ولم يرتب وتلاه أبو نعيم الأصبهاني: ثم قال إلى
(١٤٨)

أن جاء أبو عمرو عثمان بن الصلاح الشهرزوري فهذب فنونه اه‍
أقول أبو نعيم الأصفهاني أحمد بن عبد الله صاحب حلية الأولياء ليس
بشيعي وتشيعه محتمل إنما الشيعي أبو نعيم الفضل بن دكين. وفي أوائل
السيوطي: أول من رتب أنواع الحديث ونوعها الأنواع المشهورة الآن ابن
الصلاح في مختصره المشهور اه‍.
ومراده أن ابن الصلاح أول من هذبه ورتبه كما مر نقله عن شيخ
الاسلام لا أول من صنف فيه بل أول من صنف فيه الحاكم كما مر عن
شيخ الاسلام أيضا والحاكم أسبق من ابن الصلاح بنحو ٢٣٨ سنة نص
على تشيع الحاكم السمعاني في الأنساب في البيع والذهبي في تذكرة الحفاظ
٤٠٥.
ومن علماء الشيعة فيه السيد جمال الدين أحمد بن موسى بن جعفر بن
طاووس الحسني قال تلميذه الحسن بن داود الحلي في رجاله: حقق الرجال
والرواية والتفسير تحقيقا لا مزيد عليه اه‍ وهو واضع الاصطلاح الجديد
في تقسيم الحديث عند الإمامية إلى أقسامه الأربعة الصحيح، والحسن،
والموثق، والضعيف، مضافا إلى غيرها من المرسل، والمضمر، والمرفوع،
والمقطوع، والمتواتر، والآحاد، والمشهور، والمقبول، وغيرها ٦٧٣.
ومن المؤلفين فيه السيد علي بن عبد الحميد الحسني. له شرح أصول
دراية الحديث كما قيل المائة الثامنة.
ومنهم الشهيد الثاني الشيخ زين الدين بن علي العاملي الجبعي أول
من صنف فيه من أصحابنا على الطرز المألوف. له فيه رسالة سماها البداية
في علم الدراية ثم شرحها شرحا مفصلا مطبوعة مع الشرح وله غنية
القاصدين في معرفة اصطلاحات المحدثين ٩٦٦.
ثم ألف فيه تلميذه الشيخ حسين بن عبد الصمد العاملي الجبعي
الحارثي المهداني والد الشيخ البهائي رسالة سماها وصول الأخيار إلى أصول
الاخبار مطبوعة ٩٨٤.
وللشيخ حسن ابن الشهيد الثاني مقدمة كتابه منتقى الجمان في
الأحاديث الصحاح والحسان ذكر فيها أصول علم الحديث ١٠١١.
وللشيخ بهاء الدين العاملي الوجيزة في علم دراية الحديث مطبوعة
لكنها مختصرة جدا ١٠٣١.
والشيخ ملا علي الكني الطهراني استوفي فن الدراية في كتابه توضيح
المقال ١٠٦٣.
والسيد حسن آل صدر الدين العاملي الكاظمي له شرح وجيزة
البهائي مبسوط مطبوع ولد ١٢٧٢ وتوفي ١٣٥٤.
مؤلفو الشيعة في علم الرجال
والطبقات والتراجم
فمن التابعين عبيد الله بن أبي رافع كاتب أمير المؤمنين ع قال
الشيخ في الفهرست له كتاب من شهد معه الجمل وصفين والنهروان من
الصحابة المائة الأولى.
وممن ألف فيه هشام بن محمد بن السائب الكلبي. عد ابن النديم في
مؤلفاته: كتاب أولاد الخلفاء، أمهات النبي ص، أمهات الخلفاء،
العواقل، تسميه ولد عبد المطلب، كنى آباء الرسول ص ٢٠٦.
والواقدي محمد بن عمر قال ابن النديم كان يتشيع، له الطبقات،
تاريخ الفقهاء ٢٠٨.
وأبو القاسم نصر بن الصباح البلخي، قال النجاشي له كتاب معرفة
الناقلين المائة الثالثة.
ومحمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي الرجالي المشهور صاحب
الكتاب المعروف برجال الكشي يروي عن نصر المذكور المائة الرابعة.
وأبو يعلى حمزة بن القاسم العلوي من ذرية العباس بن علي بن أبي
طالب ع قال النجاشي له كتاب من روى عن جعفر بن محمد ع من
الرجال وهو كتاب حسن المائة الثالثة.
وأبو عبد الله محمد بن الحسن بن علي المحاربي. قال النجاشي له
كتاب الرجال سمعت جماعة من أصحابنا يصفون هذا الكتاب وذكر سنده
إليه المائة الثالثة أو الرابعة.
وأبو محمد عبد الله بن جبلة بن حيان بن أبجر الكناني الكوفي. قال
النجاشي له كتاب الرجال اه‍ وهو أو اليقطيني الآتي أو محمد بن خالد
البرقي أول من ألف في علم الرجال لأنهم في عصر واحد، قال السيوطي
في الأوائل: أول من تكلم في الرجال من الرواة جرحا وتعديلا شعبة
اه‍ ومات شعبة ٢٦٠ وابن جبلة متقدم عليه لأنه مات ٢١٩.
وأبو جعفر محمد بن عيسى بن عبيد بن يقطين العبيدي اليقطيني قال
النجاشي له كتاب الرجال المائة الثالثة.
والحسن بن علي بن فضال له كتاب الرجال ذكره الشيخ في الفهرست
والنجاشي ٢٢٤.
وابنه علي بن الحسن بن علي بن فضال. في التعليقة كثيرا ما
يعتمدون عليه في الرجال اه‍ وربما ظهر من ذلك أن له كتابا في الرجال
المائة الثالثة.
ودعبل بن علي الخزاعي له كتاب طبقات الشعراء ذكره ابن النديم
٢٤٦.
والفضل بن شاذان. ينقل عنه الرجاليون كثيرا مما دل على أن له
تأليفا في الرجال ٢٦٠.
ومحمد بن مسعود العياشي، قال النجاشي واسع الاخبار بصير
بالرواية مضطلع بها له كتب كثيرة تزيد على مائتي مصنف المائة الرابعة.
وأبو عبد الله محمد بن خالد البرقي القمي. قال ابن النديم في
الفهرست له كتاب الرجال فيه ذكر من روى عن أمير المؤمنين اه‍ وقيل
فيه من روى عن أمير المؤمنين ع ومن بعده وكتابه موجود للآن يعرف
برجال البرقي المائة الثالثة.
وابنه أبو جعفر أحمد بن محمد بن خالد. عد محمد بن جعفر بن بطة
في فهرسته في مؤلفاته كتاب طبقات الرجال نقله عنه النجاشي والشيخ في
الفهرست وذكرا سنديهما إليه ٢٧٤.
ومحمد بن جعفر بن بطة القمي له فهرست أسماء من رآه من العلماء
٢٧٤.
(١٤٩)

وعلي بن الحكم من قدماء الأصحاب يظهر أن له كتابا في الرجال
ينقل عنه ابن حجر في لسان الميزان في أحوال رجال الشيعة.
وأبو بكر الصولي محمد بن يحيى بن العباس، قال ابن النديم: من
الأدباء الظرفاء له: كتاب الوزراء. أخبار
أبي تمام. أخبار الجبائي. أخبار أبي عمرو بن العلاء. أخبار الخلفاء والشعراء اه‍ والظاهر أن الأخير
هو الذي ذكره في كشف الظنون باسم اخبار الشعراء وأنه هو كتاب الأوراق
الذي طبع حديثا بمصر ففي فهرست ابن النديم أيضا في موضع آخر: له
كتاب الأوراق في أخبار الخلفاء والشعراء، وفيه أيضا: روى خبرا في علي
فطلب ليقتل ٣٣٠.
وعبد العزيز بن إسحاق الزيدي. له طبقات الشيعة المائة
الرابعة.
وأبو محمد عبد العزيز بن يحيى الجلودي البصري ذكر له النجاشي
طبقات العرب والشعراء توفي بعد ٣٣٠.
وأحمد بن محمد بن سعيد الحافظ المعروف بابن عقدة الزيدي. قال
الشيخ في الفهرست له كتاب من روى الحديث من الناس كلهم السنة
والشيعة وأخبارهم. كتاب من روى عن أمير المؤمنين ع. من روى عن
الحسنين. من روى عن علي بن الحسين. من روى عن الباقر. من روى
عن زيد. من روى عن جعفر بن محمد ع ٣٣٣.
وعباد بن يعقوب الرواجني. له: معرفة الصحابة. أخبار المهدي.
نص على تشيعه ابن حجر في التقريب والذهبي في المختصر والسمعاني في
الأنساب وغيرهم ٢٥٠ أو ٢٧١ (١).
وأبو علي أحمد بن محمد عمار الكوفي. قال النجاشي له كتاب
الممدوحين والمذمومين وهو كتاب كبير ٣٤٦.
وأبو بكر بن الجعابي محمد بن عمر (٢) بن محمد بن سلام أو سالم.
قال ابن النديم: له كتاب من كان يتدين بمحبة أمير المؤمنين علي من أهل
العلم والفضل والدلالة على ذلك وذكر شئ من أخباره وقال النجاشي له
كتاب الشيعة من أصحاب الحديث بطبقاتهم وهو كتاب كبير. الموالي
والاشراف موالي الاشراف خ ل وطبقاتهم. من روى الحديث من بني
هاشم ومواليهم. أخبار آل أبي طالب. أخبار بغداد وطبقات أصحاب
الحديث بها. وذكر له كتبا أخرى في الرجال وذكر سنده إليها، وقال الشيخ
في الفهرست: له تسمية من روى الحديث وغيره من العلوم ومن كانت له
صناعة ومذهب ونحلة وذكر سنده إليه ٣٥٥.
وأبو الفرج الأصبهاني علي بن الحسين الأموي المرواني. له الأغاني لم
يؤلف مثله ومقاتل الطالبيين عديم النظير يشتملان مع التاريخ على التراجم
٣٥٥.
وأبو الحسن محمد بن أحمد بن داود بن علي القمي. عد النجاشي
والشيخ في الفهرست في مؤلفاته كتاب الممدوحين والمذمومين ٣٦٨.
وأبو عبد الله محمد بن عمران المرزباني. قال ابن النديم: واسع
المعرفة بالروايات كثير السماع وقال غيره كان راوية للأدب صاحب اخبار
ومجاميع عجيبة ومؤلفات كثيرة. في فهرست ابن النديم له كتاب عشرة
آلاف ورقة فيه أخبار الشعراء المشهورين ومختار أشعارهم أولهم بشار
وآخرهم ابن المعتز، وله كتاب المفيد أكثر من خمسة آلاف ورقة، الفصل
الأول منه في اخبار المقلين من شعراء الجاهلية والاسلام، الفصل الثاني
فيما روي من نعوت الشعراء وعيوبهم في أجسامهم من شعر الرأس إلى
القدمين. الفصل الثالث في مذاهب الشعراء كالشيعة وأهل الكلام
والخوارج واليهود والنصارى. الفصل الأخير فيمن ترك قول الشعر ومن
انفذ شعره في معنى واحد كالسيد الحميري والعباس بن الأحنف، والمعجم
وذكر فيه الشعراء على حروف المعجم من الألف إلى الياء نحو خمسة آلاف
اسم وشئ من مشهور شعر كل واحد ألف ورقة، والمونق أكثر من خمسة
آلاف ورقة في أخبار الشعراء المشهورين من امرئ القيس إلى أول الدولة
العباسية اه‍. أقول كتابه معجم الشعراء لم يبق أحد لم ينقل عنه وعثر
الغربيون على الجزء الثاني منه في جهات حلب وطبعوه في مصر وظلوا
يبحثون عن الباقي وأ علنوا في الجرائد أنهم يشترونه بالقيمة الزائدة وعندنا
قطعة من كتابه تلخيص اخبار شعراء الشيعة فيها ترجمة ٢٨ شاعرا.
ومن مميزاتها أنه ذكر فيها في أحوال المترجمين حتى المشهورين منهم ما
لم يذكره غيره ٣٧٨.
ومحمد بن علي بن بابويه القمي المعروف بالصدوق. قال النجاشي:
له المصابيح خمسة عشر مصباحا في ذكر من روى عن النبي ص
والزهراء والأئمة الاثني عشر. من خرجت إليهم التوقيعات.
من لقيه من أصحاب الحديث. المعرفة برجال البرقي. وعد له في
الفهرست المصابيح. الرجال لم يتمه ٣٨١.
وابن النديم محمد بن إسحاق صاحب الفهرست العديم النظير نص
على تشيعه ياقوت في معجم الأدباء ٣٨٥.
والصاحب إسماعيل بن عباد. له: كتاب الوزراء. كتاب الزيدية.
عنوان المعارف وذكر الخلائف في تاريخ النبي ص ومن
خوطب بالخلافة إلى عصره أدرجناه في الجزء الثاني من معادن الجواهر.
أخبار أبي العيناء ٣٨٥.
وعيسى بن مهران المعروف بالمستعطف. قال الشيخ الطوسي في
الفهرست: ذكر له ابن النديم كتاب المحدثين المائة الرابعة.
وأحمد بن علي العلوي العقيقي. له كتاب الرجال المائة الرابعة.
وابنه علي بن أحمد. له كتاب الرجال مشهور.
وأحمد بن محمد بن عبد الله بن الحسن بن عياش. له كتاب
الاشتمال على معرفة الرجال ٤٠١.
ومحمد بن علي بن يعقوب بن إسحاق الكاتب القناني شيخ النجاشي.

(١) هذا كان ينبغي تقديمه وأخر سهوا لأنه كان في الطبعة الأولى معدودا خطأ من أهل المائة
الرابعة - كما إن العياشي قدم سهوا لأنه في الطبعة الأولى كان معدودا خطأ من أهل المائة
الثالثة.
(٢) هكذا في رجال النجاشي وتذكره الحفاظ وفي فهرست ابن النديم: عمر بن محمد بن سلام
والظاهر إنه تحريف من الناسخ بإسقاط لفظ محمد. - المؤلف -
(١٥٠)

قال النجاشي: له كتاب رجال أبي المفضل المائة الخامسة.
والشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان. له الارشاد في أحوال
الأئمة الاثني عشر اخذ عنه كل من ألف في ذلك ممن تأخر عنه ٤١٣.
وأحمد بن الحسين بن عبيد الله الغضائري. له كتابان في الرجال
أحدهما في الممدوحين والآخر في المجروحين وقال الشيخ الطوسي: أحدهما
في المصنفات والآخر في الأصول أواسط المائة الخامسة.
وأحمد بن علي النجاشي صاحب الرجال المشهور. ذكر فيه المؤلفين
من الامامية ٤٥٠.
والشيخ الطوسي محمد بن الحسن. له كتاب الرجال فيه من روي
عن الرسول ص وعن كل واحد من الأئمة الاثني عشر
وله فهرست أسماء المصنفين من الامامية ٤٦٠.
وأبو العباس السيرافي أحمد بن محمد بن نوح. قال الشيخ في
الفهرست له كتاب الرجال الذين رووا عن أبي عبد الله ع وزاد
على ما ذكره ابن عقدة كثيرا وقال النجاشي كان بصيرا بالحديث والرواة له
كتاب المصابيح فيمن روى عن الأئمة ع. كتاب الزيادات عن
أبي عباس بن سعيد في رجال جعفر بن محمد اه‍ مع أن أبا عباس بن
عقدة ذكر أربعة آلاف ممن روي عن الصادق ع من الثقات المائة الخامسة.
ورشيد الدين محمد بن علي بن شهرآشوب المازندراني. له معالم
العلماء في الرجال والتراجم مطبوع ٥٨٨.
ومنتجب الدين علي بن عبيد الله بن بابويه. له فهرست أسماء
المعاصرين للشيخ الطوسي إلى زمان وفاته بعد ٥٨٨.
والحافظ أبو عبد الله محمد بن عبد الله القضاعي المعروف بابن الأبار
الأندلسي. له التكملة لكتاب الصلة لابن بشكوال. المعجم في أصحاب
القاضي أبي علي الصدفي. الحلة السيراء. اعتاب الكتاب. في نفح
الطيب ما يدل على تشيعه ٦٥٨.
والحسن بن علي بن داود الحلي. له كتاب الرجال المشهور وهو أول
من رتب كتابه على الحروف في الأسماء وأسماء الآباء والأجداد مع ضبط
الأسماء ونقل كل ما في كتب الرجال وإن كان فيه أغلاط في العز ولا في
اعتراضاته على العلامة كما ظن في الأمل المائة السابعة.
وأحمد بن موسى بن جعفر بن طاوس العلوي الحسني. له حل
الأشكال في معرفة الرجال ٣٧٦.
وعلي بن انجب المعروف بابن الساعي البغدادي. له: تاريخ شعراء
عصره. اخبار المصنفين. اخبار الخلفاء. اخبار قضاة بغداد وغير ذلك
٦٧٤.
والسيد عبد الكريم بن أحمد بن طاوس الحسني. له الشمل المنظوم
في مصنفي العلوم لم يصنف مثله ٦٠٣.
وكمال الدين عبد الرزاق بن أحمد الشيباني المعروف بابن الفوطي.
له مجمع الآداب في معجم الأسماء على معجم الألقاب في التراجم بطرز
عجيب وإحاطة فائقة في خمسين مجلدا منه مجلد ضخم بخط المؤلف في
المكتبة الظاهرية بدمشق. الدرر الناصعة في شعراء المائة السابعة عدة
مجلدات ذكره الذهبي في تذكرة الحفاظ. وهو شيعي كما بيناه في ترجمته
واشتبه مصحح طبع كتابه الحوادث الجامعة في استنباط أنه كان شافعيا أو
حنبليا ٧٢٣.
والعلامة الحلي الحسن بن يوسف بن المطهر. له خلاصة الأقوال في
الرجال. كشف المقال في أحوال الرجال. ايضاح الاشتباه في ضبط أسماء
الرجال ٧٢٦.
والشهيد الثاني الشيخ زين الدين بن علي العاملي الجبعي. له
حواشي الخلاصة مشتملة على فوائد جمة شهادته ٩٦٦.
والسيد يوسف بن محمد الحسيني العاملي. له جامع الأقوال في علم
الرجال المائة العاشرة.
والشيخ حسن صاحب المعالم ابن الشيخ زين الدين الشهيد الثاني
العاملي الجبعي. له التحرير الطاووسي مختصر. كتاب حل الأشكال في
معرفة الرجال للسيد أحمد بن طاوس واشتمل كتابه منتقى الجمان على فوائد
رجالية كثيرة ١٠١١.
والسيد الميرزا محمد بن علي بن إبراهيم الاسترآبادي الرجالي المشهور
له منهج المقال في أحوال الرجال ويعرف برجال الميرزا الكبير لا يوجد أجمع
منه ومختصره يعرف بالوسيط واخصر منه يعرف بالصغير، في أمل الآمل ما
صنف في الرجال أحسن من تصنيفه ولا أجمع. وفي نقد الرجال حقق
الرجال تحقيقا لا مزيد عليه وكتاب رجاله حسن الترتيب يشتمل على جميع
أسماء الرجال ويحتوي على جميع أقوال القوم في المدح والذم الا شاذا اه‍
١٠٢٦.
وتلميذه الشيخ محمد بن جابر بن عباس العاملي المشغري النجفي.
له كتاب في علم الرجال ورسالة في الكنى والألقاب المائة الحادية
عشرة.
والسيد مصطفى بن الحسين التفريشي. له نقد الرجال معروف
مشهور محتو على فوائد جمة وامتاز بذكره من تأخر عن الشيخ الطوسي المائة
الحادية عشرة.
وشريكه في الدرس عند المولى عبد الله التستري خداويردي له
زبدة الرجال المائة الحادية عشرة.
والمولى عناية الله بن شرف الدين علي الأصبهاني القهباني النجفي.
له مجمع الرجال. وحواش على نقد الرجال المائة الحادية عشرة.
والشيخ حسن بن علي بن أحمد الحانيني. له نظم الجمان في تاريخ
الأكابر والأعيان ١٠٣٥.
والشيخ فرج الله الحويزي. له كتاب ايجاز المقال في علم الرجال
حدود ١٠٣٥.
والسيد محمد الباقر الداماد الأصفهاني. له الرواشح السماوية
وحواشي منتهى المقال ١٠٤١.
ونظام الدين محمد بن الحسين القرشي الساوجي تلميذ البهائي. له
(١٥١)

نظام الأقوال في معرفة الرجال رأيت منه نسخة بخط المؤلف في جبل عامل
المائة الحادية عشرة.
والشيخ عبد النبي الجزائري. له حاوي الأقوال في علم الرجال
أوائل المائة الحادية عشرة.
والشيخ فخر الدين الطريحي النجفي. له جامع المقال فيما يتعلق
بالحديث والرجال ١٠٨٥.
وشرحه تلميذه الشيخ محمد أمين بن محمد علي الكاظمي يعرف
شرحه بالمشتركات ولتلميذه المذكور في الرجال أيضا هداية المحدثين إلى
طريقة المحمدين المائة الحادية عشرة.
ومحمد بن ملا محسن الكاشي المدعو بعلم الهدى. له نضد الايضاح
وهو كالتتمة لايضاح الاشتباه للعلامة الحلي كان حيا سنة ١١٠٠.
والشيخ محمد بن الحسن بن الحر العاملي. له كتاب في الرجال ذكره
في آخر الوسائل وله أمل الآمل في علماء جبل عامل وغيرهم ١١٠٤.
وتلميذه مهذب الدين أحمد بن رضا. له فائق المقال في الحديث
والرجال المائة الحادية عشرة.
والشيخ محمد باقر بن محمد تقي الأصفهاني الشهير بالمجلسي.
له الوجيزة في الرجال ١١١٠.
ومعاصره الحاج محمد بن علي الأردبيلي. له جامع الرواة على نحو
كتاب تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني المائة الثانية عشرة.
والسيد علي خان الشيرازي. له سلافة العصر في أدباء العصر.
والدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة ١١٢٠ أو ١١١٨.
والميرزا عبد الله الأصفهاني المعروف بالأفندي. له رياض العلماء في
عشرة مجلدات خمسة في علماء الشيعة من الغيبة الصغرى إلى زمانه وخمسة في
علماء السنة ١١٢٠ ونيف.
والشيخ سليمان ابن الشيخ عبد الله البحراني الماحوزي. له المعراج
في شرح فهرست الشيخ الطوسي والبلغة في الرجال ١١٢١.
والسيد عبد الله بن نور الدين بن نعمة الله الجزائري له اجازة كبيرة
تتضمن جملة من التراجم وذيلها بترجمة علماء ٤١ سنة من ١٠٩٧ إلى ١١٦٨
المائة الثانية عشرة.
والشيخ يوسف بن أحمد بن إبراهيم البحراني له لؤلؤة البحرين
جمعت كثيرا من تراجم العلماء ١١٨٧.
والسيد يوسف بن يحيى الحسني اليماني الزيدي. له نسمة السحر
فيمن تشيع وشعر في مجلدين. عندنا منه نسخة. من أهل العصر المتأخر،
ولم نتحقق عصره الآن.
والسيد محمد حسن بن عبد الرسول الحسيني الزنوزي. له رياض
الجنة في التراجم والبلدان فارسي منه نسخة في مكتبة وزارة الخارجية
الإيرانية أواسط المائة الثالثة عشرة.
والآقا محمد باقر البهبهاني له التعليقة الشهيرة على منهج المقال ذات
الفوائد الجمة في الرجال ١٢٠٨.
والسيد حسين ابن الأمير إبراهيم ابن الأمير محمد معصوم القزويني له
كتاب في تراجم العلماء عندنا منه قطعة ١٢٠٨.
وتلميذه السيد محمد مهدي الطباطبائي الشهير ببحر العلوم. له
كتاب في الرجال فيه فوائد لا توجد في غيره ١٢١٢.
ومحمد بن إسماعيل الحائري المدعو بأبي علي له منتهى المقال في
أحوال الرجال المائة الثالثة عشرة.
والشيخ عبد النبي القزويني تلميذ بحر العلوم. له تتمة أمل الآمل
عندنا منه نسخة نسخناها في طهران سنة ١٣٥٣ المائة الثالثة عشرة.
والسيد محسن الأعرجي الكاظمي المعروف بالمحقق البغدادي. له
العدة في الرجال عندنا منه نسخة. حدود ١٢٣١.
والشيخ عبد النبي الكاظمي نزيل جبل عامل. له تكملة الرجال
كالحاشية على نقد الرجال للسيد مصطفى التفريشي عندنا منه نسخة
١٢٥٦.
والشيخ محسن بن خنفر النجفي. قال تلميذه السيد محمد الهندي في
نظم اللآل كان وحيد زمانه في علم الرجال ١٢٧٠.
والشيخ مرتضى بن محمد أمين الأنصاري الشوشتري له كتاب في
الرجال رأيت نسخته في الخزانة الرضوية ١٢٨١.
والشيخ محمد حسن البارفروشي المازندراني. له نتيجة المقال في علم
الرجال فرع منه ١٢٨٤.
والميرزا محمد علي بن صادق بن مهدي الكشميري اللكنهوئي. له
كتاب نجوم السماء في تراجم العلماء فارسي مطبوع بدأ بتاليفه ١٢٨٦.
وميرزا محمد بن سليمان التنكابني له قصص العلماء فارسي مطبوع
١٣٠٢.
والشيخ محمد علي آل عز الدين العاملي. له كتاب في تراجم العلماء
رأيته بخطه فقد في حوادث جبل عامل في عصرنا ١٣٠٣.
والشيخ علي بن محمد السبيتي العاملي الكفراوي مؤرخ جبل عامل له
الجوهر المجرد في شرح قصيدة علي بك الأسعد فيه تراجم أكثر علماء جبل
عامل المعاصرين له والسابقين على عصره ممن لم يترجم وتاريخ العائلات
المشهورة فيه وأكثر وقائعه الشهيرة ولكنه يسمع به ولا يرى فاما أنها تناولته
يد الضياع مع قرب العهد كاكثر نفائس جبل عامل المنكود الحظ أو ضن به
وارثوه فسيكون نصيبه الضياع أيضا ١٣٠٣.
والشيخ ملا علي الكني الطهراني النجفي. له توضيح المقال في علم
الرجال ١٣٠٦.
والسيد محمد باقر الأصفهاني. له روضات الجنات في أحوال العلماء
والسادات كبير مطبوع ١٣١٣.
والشيخ ميرزا حسين النوري. رجالي متبحر. في كتابه دار السلام
كثير من التراجم وفي آخر كتابه مستدركات الوسائل فوائد رجالية نادرة
وتراجم كثيرة ١٣٢٠.
(١٥٢)

والشيخ محمد طه آل نجف التبريزي النجفي. له اتقان المقال في
أحوال الرجال مطبوع ١٣٢٣.
والسيد محمد بن هاشم الهندي النجفي. له نظم اللآل في علم
الرجال ١٣٢٣.
والشيخ محمد بن عبود الكوفي الخطيب الحائري. له الشجرة الطيبة
في أحوال العلماء المنتجبة فرع منه ١٣٣٨.
والشيخ علي بن حسن بن علي بن سليمان البلادي البحراني. له نور
البدرين في علماء الأحساء والقطيف والبحرين عندنا نسختان منه إحداهما
نسخة الأصل ١٣٤٠.
ومؤلفو كتاب دانشوران ناصري في تراجم العلماء بالفارسية في
عدة مجلدات كبار مطبوعة ألفه أربعة من العلماء بأمر الشاه ناصر الدين
القاجاري وفرغوا من الجزء الأول منه وطبع ١٢٩٦.
ومحمد حسن خان وزير المعارف في إيران في عهد القاجارية له
الخيرات الحسان في تراجم المشهورات من النسوان فارسي مطبوع.
والسيد محمد باقر المدرس الرضوي له الشجرة الطيبة في أحوال
السادات الرضوية فارسي رأينا منه نسخة الأصل في المشهد المقدس
الرضوي.
والشيخ محمد بن مهدي آل مغنية العاملي له جواهر الحكم فيه تراجم
كثير من معاصريه وغيرهم وأدبيات وتاريخيات لو رتب وهذب لم يكن العقد
المفصل للسيد حيدر الحلي أحسن منه حدود ١٣٢٥.
والميرزا عبد الحسين خان التبريزي الطبيب من أهل هذا العصر له
مطرح الأنظار في تراجم أطباء الأعصار فارسي مطبوع.
والشيخ علي ابن الشيخ محمد رضا النجفي من آل صاحب كشف
الغطاء له الحصون المنيعة في طبقات الشيعة تسعة مجلدات لم تخرج من
المسودة ١٣٥٠.
والسيد حسن آل صدر الدين العاملي الكاظمي. له تكملة أمل الآمل
ثلاثة مجلدات. تأسيس الشيعة الكرام لفنون الاسلام. مختصرة
الشيعة وفنون الاسلام مطبوع وغير ذلك ١٣٥٤.
ومن المعاصرين الأحياء الشيخ آقا بزرگ الطهراني نزيل سر من رأى
له كتاب طبقات الشيعة ثلاثة عشر مجلدا. الذريعة إلى معرفة مؤلفات
الشيعة ستة مجلدات.
والشيخ محمد بن طاهر السماوي النجفي له الطليعة من شعراء
الشيعة مجلدان. وأبصار العين في أنصار الحسين كثير الفوائد مطبوع.
والسيد محمد مهدي الأصفهاني الكاظمي له أحسن الوديعة في علماء
الشيعة مطبوع.
والشيخ محمد علي ابن الشيخ محمد رضا الناييني الكاظمي. له
طبقات الامامية أعطانا إياه أيام اقامتنا بالكاظمية سنة ١٣٥٢ ونقلنا منه.
والشيخ عبد العزيز الجواهري النجفي. له آثار الشيعة الإمامية
عشرون جزءا طبع منه جزءان.
والسيد عبد الحسين آل شرف الدين الموسوي العاملي. له بغية
الراغبين في آل شرف الدين.
وميرزا عباس اقبال الآشتياني أستاذ في دار المعلمين في طهران.
له كتاب خاندان نوبختي أحوال النوبختيين مطبوع.
وبديع الزمان بشرويه الخراساني الطهراني. له كتاب سخن
وسخنوران في جملة من شعراء الفرس مطبوع.
مؤلفو الشيعة في التاريخ والسير
والمغازي
منهم أصبغ بن نباتة تابعي من خواص أصحاب أمير المؤمنين
ع. قال الشيخ في الفهرست: روى عنه الدوري مقتل
الحسين بن علي ع وذكر سنده إليه المائة الأولى.
وأول من صنف في التاريخ الاسلامي أبان بن عثمان الأحمر
التابعي له كتاب المبدأ والمبعث والمغازي والوفاة والسقيفة والردة كتاب واحد
ذكره الشيخ في الفهرست والنجاشي وذكرا أسانيدهما إليه وقالا أخذ عنه
أهل البصرة أبو عبيدة معمر بن المثنى وأبو عبيد محمد بن سلام وأكثروا
الحكاية عنه في اخبار الشعراء والنسب والأيام ١٤٠.
ومنهم محمد بن السائب الكلبي. قال ابن النديم في الفهرست من
علماء الكوفة بالأخبار وأيام الناس ١٤٦.
وأبو مخنف لوط بن يحيى الأزدي الغامدي. قال النجاشي: من
أصحاب الأخبار بالكوفة ووجههم وصنف كتبا كثيرة منها: المغازي، فتوح
الشام، العراق، خراسان، الجمل، صفين، النهر، الغارات، مقتل
الحسين ع، وغيرها. وقال ابن النديم في الفهرست: قرأت بخط
أحمد بن الحارث الخزاز قالت العلماء: أبو مخنف بأمر العراق واخبارها
وفتوحها يزيد على غيره، والمدايني بأمر خراسان والهند وفارس، والواقدي
بالحجاز والسيرة. وقد اشتركوا في فتوح الشام اه‍ واثنان من الثلاثة
شيعة أبو مخنف والواقدي المائة الثانية.
ونصر بن مزاحم المنقري. قال ابن النديم في الفهرست من طبقة أبي
مخنف له: الغارات، صفين، الجمل، مقتل حجر، مقتل الحسين ع
اه‍ وله غير ذلك في التاريخ المائة الثانية.
ومحمد بن إسحاق بن يسار المدني صاحب السير والمغازي. نص على
تشيعه ابن حجر في التقريب وذكره أصحابنا في علماء الشيعة وقال العلماء انه
اعلم الناس بالمغازى واحفظهم واعرفهم بفنون العلم. قال ابن كثير
الشامي في تاريخه في غزوة بني لحيان: ان البيهقي ذكرها سنة أربع والأشبه
ما ذكره ابن إسحاق انها كانت سنة ست اتباعا لامام أصحاب المغازي في
زمانه وبعده كما قال الشافعي: من أراد المغازي فهو عيال على محمد بن إسحاق
اه‍. وهو أول من كتب سيرة النبي ص. في كشف
الظنون: علم السير. أول من صنف فيه الامام المعروف بمحمد بن إسحاق
رئيس أهل المغازي. وقال في حرف الميم: علم المغازي والسير. مغازي
رسول الله ص جمعها محمد بن إسحاق أولا ويقال أول من صنف فيها
عروة بن الزبير اه‍. وقال السيوطي في الأوائل: أول من صنف في
(١٥٣)

المغازي عروة بن الزبير. أول من جمع مغازي رسول الله ص محمد بن إسحاق
اه‍. وقوله إن أول من ألف فيه عروة شاذ إذ لا يعرفه أهل
العلم ولذلك ذكره صاحب كشف الظنون بلفظ القيل مشيرا إلى تضعيفه
مع أنه ينافيه قول السيوطي نفسه كما سمعت: أول من جمع المغازي
محمد بن إسحاق ولو أريد الجمع بان ابن إسحاق جمع مغازي رسول الله
ص خاصة وعروة صنف في الأعم لنافاه أن ابن إسحاق صنف في مطلق
المغازي في الاسلام ١٥١ أو ١٥٠.
ومنهم هشام بن محمد بن السائب الكلبي. حكى ابن النديم في
الفهرست عن محمد بن سعد كاتب الواقدي أنه قال عالم باخبار العرب
وأيامها ومثالبها ووقائعها ثم ذكر مؤلفاته في جميع أنواع التاريخ الثمانية وذكر
في كل نوع منها عدة مؤلفات وفي جملة منها ما يزيد على ثلاثين مؤلفا وهي
١ الأحلاف جمع حلف بمعنى المحالفة بين القبائل ٢ المآثر والبيوتات
والمنافرات والموؤدات ٣ اخبار الأوائل ٤ فيما يقارب الاسلام من
أمر الجاهلية ٥ اخبار الاسلام ٦ اخبار البلدان ٧ الشعر وأيام
العرب ٨ الأخبار والأسمار، وقال ابن خلكان كان من الحفاظ المشاهير
وذكر له مؤلفات كثيرة في التاريخ ٢٠٦.
ومحمد بن عمر الواقدي. قال ابن النديم: كان يتشيع حسن
المذهب يلزم التقية وهو الذي روى أن عليا ع كان من معجزات
النبي ص كالعصا لموسى ص واحياء الموتى لعيسى بن مريم ع
وغير ذلك من الأخبار. عالما بالمغازي والسير والفتوح والأخبار
خلف ٦٠٠ قمطر كتبا كل قمطر حمل رجلين وقبل ذلك بيع له كتب بألفي
دينار وكان له غلامان مملوكان يكتبان الليل والنهار. له: التاريخ الكبير،
المغازي، المبعث، اخبار مكة، فتوح الشام، فتوح العراق، الجمل،
مقتل الحسين ع، السيرة، إلى غير ذلك من الكتب الكثيرة في
السير والتاريخ ٢٠٧.
واليعقوبي أحمد بن أبي يعقوب واضح. له التاريخ
المعروف بتاريخ اليعقوبي مطبوع في ليدن في مجلدين من ابتداء الخليقة إلى ٢٥٩.
وأحمد بن محمد بن خالد البرقي. له كتاب التاريخ. كتاب اخبار
الأمم ولعلهما واحد. أنساب الأمم. المغازي ذكرها النجاشي والشيخ في
الفهرست ٢٧٤.
وإبراهيم بن محمد بن سعيد الثقفي. ذكر له النجاشي والشيخ في
الفهرست كتبا كثيرة في التاريخ وغيره مع سندهما إليها مثل: المغازي.
السقيفة. الجمل. صفين. الحكمين. النهر. الغارات. المقاتل.
وغيرها ٢٨٣.
وأبو عبد الله محمد بن زكريا بن دينار مولى بني غلاب البصري قال
النجاشي كان وجها من وجوه أصحابنا بالبصرة وكان اخباريا واسع العلم
ثم ذكر كتبه في التاريخ وغيره وسنده إليها ٢٩٨.
ومحمد بن مسعود العياشي. له كتب في سيرة أبي بكر وعمر وعثمان
ومعاوية المائة الثالثة.
وأبو محمد أحمد بن أغثم الكوفي الأخباري. في معجم الأدباء: كان
شيعيا له كتاب الفتوح ذكر فيه إلى أيام الرشيد وكتاب التاريخ إلى أيام
المقتدر اه‍ أوائل المائة الرابعة.
وفي دائرة المعارف الاسلامية: ابن أغثم الكوفي محمد بن علي مؤرخ
عربي كتب تاريخا قصصيا متأثرا بمذهب الشيعة وفاته حدود ٣١٤ (١).
ومحمد بن مزيد بن محمود البوشنجي. في بغية الوعاة: صنف الهرج
والمرج في أخبار المستعين والمعتز وأخبار عقلاء المجانين اه‍ وذكره
الشيخ في رجاله ٣٢٥.
وأبو أحمد بن عبد العزيز يحيى الجلودي البصري. قال النجاشي
شيخ البصرة وأخباريها وذكر له كتبا كثيرة جدا في التاريخ والسير يطول
الكلام بنقلها وقال ابن النديم في الفهرست من أكابر الشيعة الإمامية
والرواة للآثار والسير. وقال في موضع آخر: اخباري صاحب سير
وروايات توفي بعد ٣٣٠ اه‍.
وأبو بكر الصولي محمد بن يحيى بن العباس. له مؤلفات كثيرة في
الأدب والتاريخ ذكرها ابن النديم وقال روى خبرا في علي فطلب ليقتل
٣٣٠ أو ٣٣٥.
ومحمد بن همام الكاتب الإسكافي. له تاريخ الأئمة ذكره النجاشي
وذكر سنده إليه ٣٣٦.
والمسعودي علي بن الحسين الامام في التاريخ صاحب مروج الذهب
وأخبار الزمان ٣٤٦.
وأبو بكر الجعابي عمر بن محمد أو محمد بن عمر. قال النجاشي له
كتاب اخبار آل أبي طالب. أخبار بغداد. أخبار علي بن الحسين ع
٣٥٥.
وأبو الفرج الأصبهاني علي بن الحسين المرواني الزيدي صاحب
الأغاني الذي لم يؤلف مثله واستغنى به الصاحب بن عباد عن حمل ثلاثين
بعيرا وأهداه إلى سيف الدولة فاجازه بألف دينار وله مقاتل الطالبيين
٣٥٥.
والحسن بن محمد بن الحسن القمي. له تاريخ قم صنفه للصاحب
ابن عباد وترجمه بالفارسية الحسن بن علي بن عبد الملك القمي سنة ٨٦٥
أواخر المائة الرابعة.
والصدوق محمد بن علي بن بابويه القمي. له كتاب التاريخ
٣٨١.
والصاحب إسماعيل بن عباد. له كتاب الأعياد. الوزراء.
الخلائف. أخبار أبي العيناء. تاريخ الملك واختلاف الدول ٣٨٥.
وأبو الحسن علي بن محمد العدوي الشمشاطي. قال النجاشي له
مختصر تاريخ الطبري والزيادة عليه إلى وقته. تتميم كتاب الموصل في
التاريخ إلى وقته. نسب ولد معد بن عدنان وأخبارهم وآبائهم المائة
الرابعة.
وأبو النضر العتبي محمد بن عبد الجبار. له تاريخ الديالمة.
والحاكم النيسابوري محمد بن عبد الله. له تاريخ نيسابور. في

(١) الظاهر أنه هو الأول وإن صاحب دائرة المعارف اشتبه بين أبو محمد ومحمد
- المؤلف -
(١٥٤)

تذكرة الحفاظ: لم يسبقه إليه أحد نص هو والسمعاني على تشيعه
٤٠٥.
وأبو سعيد منصور بن الحسين الآبي وزير مجد الدولة بن بويه صاحب
نثر الدرر وتاريخ الري. وقال الثعالبي في تتمة اليتيمة له كتاب التاريخ لم
يسبق إلى تصنيف مثله ٤٢٢.
وأبو الحسن البيهقي علي بن زيد المنتهي نسبه إلى خزيمة بن ثابت ذي
الشهادتين. له تاريخ بيهق المسماة اليوم سبزوار فارسي رأينا منه نسخة في
طهران مأخوذة بالتصوير الشمسي في أوروبا بنفقة وزارة المعارف الإيرانية
وهو أول من شرح نهج البلاغة لا القطب الراوندي كما توهم ابن أبي
الحديد وله تواليف كثيرة مذكورة في معجم البلدان وكشف الظنون
٥٦٥.
وقطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي. له منهاج البراعة شرح
نهج البلاغة المائة السادسة.
وابن الأبار الأندلسي محمد بن عبد الله. في نفح الطيب له: درر
السمط في خبر السبط اه‍ وفي دائرة المعارف الاسلامية ألف عدة كتب
في التاريخ اه‍ وأورد في نفح الطيب ما يدل على تشيعه كما ذكرنا في
ترجمته ٦٥٨.
وعلي بن أنجب المعروف بابن الساعي البغدادي له التاريخ المعروف
بتاريخ ابن الساعي. في كشف الظنون أنه يزيد على ثلاثين مجلدا
٦٧٤.
وصفي الدين محمد بن علي بن طباطبا العلوي المعروف بابن
الطقطقي. له منية الفضلاء في تواريخ الخلفاء والوزراء المعروف بالفخري
لأنه صنفه باسم فخر الدين عيسى بن إبراهيم صاحب الموصل طبع مرارا
في مصر وطبع في ألمانيا بسعي آهلوارد المستشرق الألماني ١٨٦٠ م
طبع في فرنسا بسعي دارنبورك المستشرق الافرنسي ١٨٩٥ م وترجمه
آمار إلى الافرنسية. وترجمه إلى الفارسية وزاد عليه هندو شاة فرع منه
٧٢٤ وسماه تجارب السلف وطبع في طهران وفاته ٧٠٩.
وكمال الدين عبد الرزاق بن أحمد الشيباني المعروف بابن الفوطي له
الحوادث الجامعة في تاريخ المائة السابعة طبع ببغداد وفي تذكرة الحفاظ
كتب من التواريخ ما لا يوصف ٧٢٣.
ومحمد بن محمود المعروف بابن النجار البغدادي له تاريخ المدينة وذيل
تاريخ بغداد للخطيب عصره مجهول لكنه من القدماء.
والشيخ حسن بن علي بن الحسن بن أحمد العاملي الحانيني له حقيبة
الأخيار وجهينة الأخبار في التاريخ ١٠٣٥.
واسكندر بك له تاريخ عالم آراي عباسي فارسي المائة الحادية
عشرة.
وأحمد بن الحسن بن علي بن الحر العاملي المشغري له الدر المسلوك في
أخبار الأنبياء والأوصياء والخلفاء والملوك نسخته في مكتبة البرلمان بطهران
وتوجد منه نسخة في بعض مكتبات المشهد الرضوي المائة الحادية
عشرة.
والشيخ محمد بن مجير العنقاني. له تاريخ جبل عامل مختصر من
١٠٤٣ إلى ١١٥٢ كان حيا ١١٥٣.
وميرزا تقي خان سبهر معاصر الشاه ناصر الدين وابنه مظفر الدين.
له ناسخ التواريخ فارسي كبير مطبوع لم يعمل مثله المائة الرابعة عشرة.
والشيخ نوروز علي بن محمد باقر المعروف بالفاضل البسطامي. له
پفردوس التواريخ مطبوع ١٣٠٩.
والشيخ راضي آل يسين الكاظمي حي معاصر له تاريخ الكاظمية
والفقير مؤلف هذا الكتاب له البدر الكامل في تاريخ جبل عامل وهناك
تواريخ اخر كثيرة فارسية مثل تاريخ قم الحديث وتاريخ بيهق وتاريخ رويان
وغيرها في أعصار مختلفة.
جماعة من الشيعة امتازوا عن غيرهم
في الرجال والتاريخ والأنساب
أبو مخنف بأمر العراق وأخبارها وفتوحها والواقدي بالحجاز والسيرة
كما مر ومحمد بن السائب الكلبي مقدم الناس بعلم الأنساب وابنه هشام بن
محمد أعلم الناس بعلم الأنساب كما ذكر في النسابين من الشيعة.
مؤلفو الشيعة في الأوائل والأواخر
أول من صنف في الأوائل هشام بن محمد بن السائب الكلبي عد ابن
النديم في مصنفاته أخبار الأوائل ٢٠٦.
وبعده أحمد بن محمد بن خالد البرقي قال النجاشي له كتاب الأوائل
٢٧٤.
وبعده الصدوق محمد بن علي بن بابويه القمي له كتاب الأوائل
وكتاب الأواخر ذكرهما النجاشي والشيخ في الفهرست ٣٨١.
فما في محاضرة الأوائل من أن أول من صنف في علم البدء والأوائل الإمام العسكري
صنف رسالة في الأوليات ثم لخصها السيوطي وزاد عليه
نحو ثلاثة كراريس، غير صحيح لأن أبا هلال العسكري توفي ٣٩٥
فهشام متقدم عليه بمائة وتسع وثمانين سنة وكذا البرقي والصدوق متقدمان
عليه. على أن أبا هلال العسكري من الشيعة كما قيل فلينظر.
والفقير مؤلف هذا الكتاب له كتاب الأوائل والأواخر.
النسابون من الشيعة
منهم عقيل بن أبي طالب قال ابن النديم في الفهرست في ترجمة
محمد بن السائب الكلبي قال هشام بن محمد قال لي أبي أخذت نسب
قريش عن أبي صالح وأخذه أبو صالح عن عقيل بن أبي طالب. وفي
الإصابة اعلم قريش بالنسب عشر الستين أو الخمسين.
والكميت بن زيد الأسدي الشاعر. ذكروا أنه كان نسابة قال
السيوطي في شرح الشواهد أخرجه ابن عساكر ١٢٦.
والكلبي النسابة محمد بن السائب ابن بشر قال ابن النديم مقدم

(١) من طريف ما وقع لمصحح طبع هذا الكتاب أن المؤلف ذكر عن الخواجة نصير الدين
الطوسي إنه وضع الرصد بمراغة وعين فيه جماعة إلى أن قال إنتهى سنة ٧٢٠ فأبدل المصحح
كلمة (انتهى) بكلمة (انتحر) ثم لما وصل إلى تاريخ الوفاة علق عليه حاشية وقال تقدم
انه انتحر.
- المؤلف -
(١٥٥)

الناس بعلم الأنساب وقال ابن قتيبة في المعارف كان نسابا ١٤٦.
وأبو مخنف لوط بن يحيى الأزدي. في القاموس: اخباري شيعي
اه‍ وفي معارف ابن قتيبة صاحب اخبار وأنساب والأخبار عليه أغلب
اه‍ أواسط المائة الثانية.
وأبو المنذر هشام بن محمد بن السائب الكلبي أول من ألف في الأنساب
قال ابن سعد في الطبقات: عالم بالنسب وقال ابن قتيبة في المعارف اعلم
الناس بالانساب وقال ابن خلكان كان أعلم الناس بعلم الأنساب تصانيفه
تزيد على ١٥٠ أحسنها وأنفعها الجمهرة في النسب لم يصنف مثله في بابه
والمنزول في النسب أكبر من الجمهرة والموجز في النسب والفريد صنفه للمأمون
في الأنساب والملوكي صنفه لجعفر بن يحيى البرمكي في النسب اه‍ وقال
ابن النديم له جمهرة الجمهرة رواية ابن سعد اه‍ ٢٠٦.
وأحمد بن محمد بن خالد البرقي قال النجاشي له كتاب الأنساب وقال
الشيخ في الفهرست كتاب أنساب الأمم ٢٧٤.
ويحيى النسابة ابن الحسن بن جعفر بن عبيد الله الأعرج بن الحسين
ابن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ٢٧٧.
ومحمد بن يزيد المبرد النحوي. له نسب عدنان وقحطان ٢٨٥.
والسيد كاظم العميدي الشريف النجفي النسابة المائة الثالثة.
والحسين النسابة ابن أحمد المحدث بن عمر بن يحيى بن الحسين ذي
الدمعة بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب المائة الرابعة.
والسيد نجم الدين أبو الحسن علي بن أبي الغنائم محمد العلوي
العمري النسابة المعروف بابن الصوفي معاصر للسيدين المرتضى والرضي
المائة الخامسة.
ومحمد بن أحمد الأبيوردي الأموي الشاعر. نسابة مؤلف في النسب
٥٠٧.
والشريف أبو علي عمر بن الحسين بن عبد الله بن محمد الصوفي
المائة السادسة.
وأحمد بن علي العلوي النسابة. في
أنساب السمعاني كان غاليا في التشيع معروفا به ٥٣٩.
ويحيى بن الحسين بن إسماعيل الحسيني النسابة الحافظ، له كتاب
أنساب آل أبي طالب المائة السادسة.
وأحمد بن محمد بن علي العلوي النسابة المائة السابعة.
وأحمد بن محمد بن علي بن محمد الديباج البخاري النسابة ويمكن
اتحاده مع السابق المائة السابعة.
وجلال الدين أبو القاسم علي بن عبد الحميد بن فخار النسابة أستاذ
صاحب عمدة الطالب المائة السابعة.
وأحمد بن محمد بن المهنا بن علي بن المهنا الحسيني العبيدلي تلميذ
أحمد بن محمد بن علي المتقدم له التذكرة للأنساب المطهرة والمشجر في
أنساب آل أبي طالب أواخر المائة السابعة.
وجلال الدين أبو علي عبد الحميد بن التقي الحسيني يروي عنه
النسابة شيخ الشرف فخار بن معد بن فخار بن أحمد جد علم الدين المرتضى بن جلال الدين
عبد الحميد الآتي المائة الثامنة.
وعلم الدين المرتضى علي ابن
النسابة جلال الدين عبد الحميد ابن النسابة شيخ الشرف فخار بن معد بن فخار بن أحمد بن محمد بن أبي
الغنائم محمد بن الحسين الموسوي الحائري المائة الثامنة.
والشريف أبو عبد الله تاج الدين محمد بن القاسم بن الحسين الحسني
الديباجي الحلي المعروف بابن معية الذي انتهى إليه علم النسب في زمانه
٧٧٩.
وتلميذه جمال الدين أحمد بن علي بن الحسين الحسني صاحب عمدة
الطالب في انساب آل أبي طالب ٨٢٨.
والسيد تقي الدين محمد الشيرازي الحسني النسابة ١٠١٩.
والسيد مهدي البحراني الغريفي النسابة ١٣٤٣.
إلى غير ذلك مما لا يحصى ويجده المتتبع في تضاعيف التراجم.
وهناك جماعة من النسابين الشيعة لم يتيسر لنا الآن معرفة أعصارهم
منهم سهل بن عبد الله النسابة أبو نصر البخاري. والشريف ابن طباطبا
النسابة الأصفهاني ذكره ابن شهرآشوب في شعراء أهل البيت. والسيد أبو
المعالي إسماعيل بن الحسن بن محمد الحسني له كتاب انساب الطالبية ذكره
الجبعي الشيخ محمد بن علي جد البهائي وتلميذ الشهيد في مجموعته.
والسيد أبو جعفر محمد بن هارون الموسوي النيسابوري نسابة المشرق
والمغرب كما وصفه صاحب الشجرة الطيبة. والشريف عز الدين أبو القاسم
أحمد بن محمد بن عبد الرحمن بن زهرة الحسيني الحلبي الحافظ النسابة نقيب
حلب مذكور في تاج العروس. وغيرهم مما يجده المتتبع.
مؤلفو الشيعة في الهيئة
منهم الشيخ البهائي محمد بن الحسين العاملي له تشريح الأفلاك في
الهيئة مطبوع مرارا وعليه شروح لا تحصى ١٠٣١.
وملا محسن الفيض له تشريح العالم في الهيئة وحركات الأفلاك
١٠٩١.
والمولى حسن بن حسن المشهدي له التعريفات في علم الهيئة مجهول
العصر.
والسيد محمد علي المعروف بالسيد هبة الدين الشهرستاني المعاصر له
كتاب الهيئة والاسلام مطبوع جمع فيه بين الشرع والفن.
مؤلفو الشيعة في فن الجغرافية
وتقويم البلدان
منهم هشام بن محمد بن السائب الكلبي قال ابن النديم في الفهرست
عند ذكر مؤلفات هشام المذكور: كتبه في أخبار البلدان. كتاب الأقاليم.
البلدان الكبير. البلدان الصغير. تسمية الأرضين. الأنهار. الحيرة.
منازل اليمن. العجائب الأربعة. أسواق العرب. الحيرة. تسمية البيع
والديارات ٢٠٦.
والعجب أن ياقوتا الحموي في مقدمة كتابه معجم البلدان عند
(١٥٦)

تعرضه للكتب المؤلفة في ذلك وارادته استقصاء طبقات المؤلفين فيه لا سيما
الاسلاميين لم يذكر شيئا من مؤلفات هشام المذكورة سوى أنه قال وهشام
بن محمد الكلبي وقفت له على كتاب سماه اشتقاق البلدان اه‍ مع أن
هشاما من أشهر المشهورين ومؤلفاته كذلك ككتاب ابن النديم الذي ذكرت
فيه ومؤلفه وقد كان فهرست ابن النديم عند ياقوت كما صرح به في ترجمة
محمد بن إسحاق بن النديم من معجم الأدباء.
وابن السكيت أبو يوسف يعقوب بن إسحاق له كتاب الشجر
والغابات ٢٤٤.
ومحمد بن خالد البرقي أوائل المائة الثالثة.
وابنه أحمد بن محمد بن خالد ذكرهما ابن النديم عند ذكره فقهاء
الشيعة وما ألفوه من الكتب فقال أبو عبد الله محمد بن خالد البرقي القمي
وابنه أحمد بن أبي عبد الله محمد بن خالد البرقي له كتاب البلدان أكبر من
كتاب أبيه اه‍ فدل ذلك على أن لأبيه كتاب البلدان أيضا وإن لم يذكره
في مؤلفاته وقال النجاشي أن لأحمد كتاب الأرضين وكتاب البلدان والمساحة
٢٧٤.
واليعقوبي أحمد بن أبي يعقوب واضح له كتاب البلدان طبع في ليدن
وفاته حدود ٢٧٨.
وابن حمدون الكاتب النديم أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل. قال
الشيخ في الفهرست والنجاشي: له كتاب أسماء الجبال والمياه والأودية
اه‍ أواسط المائة الثالثة.
وأبو الحسن علي بن محمد العدوي الشمشاطي. قال النجاشي: له
كتاب الأديرة والإعمار في البلدان والأقطار قال لي سلامة بن دكا هو أكبر
كتاب عمل، فيه بضعة وثلاثون ديرا وعمرا وقال ابن النديم له كتاب
الديارات كبير المائة الرابعة.
وعلي بن الحسين المسعودي. له كتاب المسالك والممالك ٣٤٦.
والحسين بن محمد بن جعفر الرافقي المعروف بالخالع. نص على
تشيعه النجاشي وفي معجم الأدباء وبغية الوعاة له كتاب الأودية والجبال
والرمال ٣٨٨.
مؤلفو الشيعة في الفرق والديانات
أول من ألف في ذلك منهم هشام بن محمد بن السائب الكلبي. في
فهرست ابن النديم له كتاب أديان العرب ٢٠٦.
وابن السكيت أبو يوسف يعقوب بن إسحاق له كتاب الفرق
٢٤٤.
وأبو القاسم نصر بن الصباح البلخي قال النجاشي له كتاب فرق
الشيعة المائة الثالثة.
والحسن بن موسى النوبختي. له كتاب الفرق والديانات عندنا منه
نسخة مخطوطة وطبع في استانبول ٣١٠.
وأبو الحسن علي بن الحسين المسعودي صاحب مروج الذهب. له
كتاب المقالات في أصول الديانات ذكره في مروج الذهب وذكر له النجاشي
أيضا الإبانة في أصول الديانات نص على تشيعه الشيخ الطوسي والنجاشي
وغيرهما وله مؤلفات في إثبات إمامة الأئمة الاثني عشر ووهم التاج السبكي
في ذكره في طبقات الشافعية كما ذكر فيها الشيخ أبا جعفر محمد بن الحسن
الطوسي المعروف عند الشيعة بشيخ الطائفة ٣٤٦.
وهؤلاء كلهم متقدمون على جميع من ألف في ذلك من غير الشيعة
مثل أبي بكر الباقلاني ٤٠٣ وأبي منصور عبد القادر بن طاهر البغدادي
٤٢٩ وابن فورك الأصفهاني ٤٥١ وابن حزم ٤٥٦ وأبي المظفر
طاهر بن محمد الأسفرايني المتأخر عن هؤلاء الشهرستاني ٥٤٨.
وصنف في ذلك من أصحابنا أيضا محمد بن أحمد النعيمي قال
النجاشي: رجل من أصحابنا اخباري له كتاب فرق الشيعة اه‍ ويمكن
أن يكون متقدما على من ذكر.
والشيخ سليمان بن عبد الله الماحوزي البحراني المعروف بالمحقق
البحراني له النكت البديعة في فرق الشيعة ١١٢١.
علماء الشيعة ومؤلفوهم في الأخلاق
والآداب والزهد والمواعظ
أول من ألف فيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع. له
كتاب عهده إلى الأشتر يجمع آداب الوالي وما يجب أن يعمله عديم النظير
مذكور في الجزء الثالث من هذا الكتاب. حق على كل وال يريد درس
السياسة ويحب العدل أن يحفظه ويعمل به. وكتاب وصيته لولده محمد بن
الحنفية جامع لجميع أبواب هذا العلم قال النجاشي رواهما عنه اصبغ بن
نباتة المجاشعي ثم ذكر سنديه إليهما. وكتاب وصيته لولده الحسن ع
طويل مذكور في نهج البلاغة كتبه إليه بحاضرين منصرفا من صفين
وقيل فيه لو كان من الحكمة ما يجب أن يكتب بالذهب لكانت هذه. وفيما
حواه نهج البلاغة جمع الشريف الرضي وغرر الحكم ودرر الكلم جمع
الآمدي وغيرهما من مواعظه وآدابه وخطبه ووصاياه غني وكفاية فقد بزغت
بزوغ الشمس الضاحية ودلت بنفسها على نفسها أنها بعد الكلام النبوي
فوق كلام المخلوق ودون كلام الخالق ولا يضر الشمس انكار الأرمد.
ومن المؤلفات فيه رسالة الحقوق للامام زين العابدين ع
مدرجة بسندها في بعض كتب الشيعة الأخلاقية المطبوعة وقد لخصها بعض
أفاضل العلماء المعاصرين وطبعت وحدها مرارا وأدرجناها في سيرته من هذا
الكتاب.
وتشتمل كتب الحديث للشيعة على أبواب تتعلق بذلك جامعة لكل ما
يحتاج إليه.
وأول من ألف فيه من علمائنا إسماعيل بن مهران بن نصر
السكوني. قال النجاشي: له كتاب صفة المؤمن والفاجر اه‍ أواخر
المائة الثانية.
وممن ألف فيه الحسن بن شعبة الحراني. له كتاب تحف العقول فيما
جاء في الحكم والمواعظ ومكارم الأخلاق عن آل الرسول لم يؤلف مثله
مطبوع المائة الثالثة.
ومحمد بن مسعود العياشي له كتاب حقوق الاخوان. كتاب محاسن
(١٥٧)

الأخلاق. عشرة النساء. صانع المعروف المائة الثالثة.
ومحمد بن عمر الواقدي المؤرخ المشهور قال ابن النديم كان يتشيع له
كتاب الآداب ٢٠٧.
وأحمد بن محمد بن خالد البرقي له أدب النفس. آداب المعاشرة
مكارم الأخلاق. مكارم الأفعال.
مذام الأخلاق. مذام الأفعال. التراحم والتعاطف. الزهد والمواعظ. ذكرها الشيخ في الفهرست
والنجاشي عن ابن بطة ٢٧٤.
ومحمد بن أحمد بن طباطبا العلوي الحسني في معاهد التنصيص له
كتاب تهذيب الطبع وذكره في نسمة السحر فيمن تشيع وشعر ٣٢٢.
وعلي بن محمد العدوي الشمشاطي له كتاب النزه والابتهاج.
وعبد العزيز بن يحيى الجلودي. قال النجاشي له كتاب الزهد.
كتاب المواعظ. كتاب الأدب عن علي ع بعد ٣٣٠.
وأبو محمد الحسن بن عبد الله أو عبيد الله بن سعيد العسكري.
له كتاب الزواجر والمواعظ ٣٨٢ أو ٨٣ أو ٨٧.
وأحمد بن مسكويه. له فيه أدب الصغير. أدب الكبير. تهذيب
الأخلاق وتطهير الأعراق وغيرها ٤٢١.
والحسن بن الفضل بن الحسن الطبرسي ابن صاحب مجمع البيان.
له كتاب مكارم الأخلاق طبع في مصر عدة مرات لكن طابعه الأول حرفه
غير مبال بغضب الله تعالى وطبع في طهران صحيحا ونبه على مواضع
التحريف المائة السادسة.
ومحمد بن الحسن الفتال الفارسي النيسابوري. له روضة الواعظين
المائة السادسة.
والشيخ ورام بن أبي فراس الحلي. له كتاب تنبيه الخواطر ونزهة
النواظر المعروف بمجموعة ورام طبع مرارا ٦٠٥.
والسيد علي بن موسى بن جعفر بن طاوس الحسني. له كشف
المحجة لثمرة المهجة في الأخلاق ٦٦٤.
والخواجة نصير الدين محمد بن محمد بن الحسن الطوسي. له
الأخلاق الناصرية ٦٧٢.
وأحمد بن فهد الحلي. له عدة الداعي جله في الأخلاق ٨٤١.
وجلال الدين محمد بن أسعد الدواني. له الأخلاق الجلالية
٩٠٨.
والحسين بن علي الواعظ الكاشفي. له أخلاق محسني ٩١٠.
والسيد محمد بن محمد بن حسن بن قاسم الحسيني العاملي العيناثي له
كتاب أدب النفس وكتاب الاثني عشرية في المواعظ العددية مطبوع المائة
الحادية عشرة.
والجزء السابع عشر من البحار للمجلسي محمد باقر بن محمد تقي
الأصفهاني خاص بالمواعظ والأخلاق ١١١٠.
والشيخ مهدي بن أبي ذر النراقي. له جامع السعادات في الأخلاق
مطبوع ١٢٠٩.
وولده الشيخ أحمد بن مهدي بن أبي ذر النراقي له معراج السعادة
فارسي مطبوع وهو شرح على كتاب والده المذكور حدود ١١٤٤.
واشتهر في عصرنا بهذا الفن ملا حسين قلي الهمداني كان يدرس
فيه درسا نافعا وتخرج على يده تلاميذ متميزون ولا أدري هل ألف فيه أو لا
وهل كان أحد من تلاميذه يكتب دروسه حضرت عليه أياما حين ورودي
للنجف الأشرف سنة ١٣٠٨ وفاته ١٣١١.
والفقير مؤلف هذا الكتاب له الترياق في تطهير الأفعال وتهذيب
الأخلاق وله جوامع المواعظ.
مؤلفات الشيعة في آداب المعلم
والمتعلم وأدب البحث
وردت عدة روايات عن أئمة أهل البيت ع تتضمن المهم
من أدب المعلم والمتعلم.
وأول من ألف فيه محمد بن مسعود العياشي له كتاب العالم والمتعلم
ذكره ابن النديم المائة الثالثة.
والمحقق الخواجة نصير الدين محمد بن محمد بن الحسن الطوسي. له
فيه كتاب مختصر مطبوع ٦٧٢.
والشيخ ميثم البحراني. له رسالة في آداب البحث ٦٧٩.
وألف الشهيد الثاني الشيخ زين الدين بن علي العاملي الجبعي منية
المريد في آداب المفيد والمستفيد كتاب مبسوط جمع فاوعى لم يؤلف نظيره
وهو وإن كان خاصا بالمفيد والمستفيد لكنه جمع جميع علم الأخلاق والآداب
طبع مرتين شهادته ٩٦٦.
مؤلفات الشيعة في الأدعية والأذكار
والزيارات والصلوات ونحوها
منها الصحيفة العلوية من أدعية مولانا أمير المؤمنين ع،
والصحيفة الحسينية من أدعية مولانا الحسين بن علي ع،
والصحيفة الكاملة من أدعية مولانا زين العابدين ع المسماة زبور
آل محمد والصحيفة الثانية السجادية جمع محمد بن الحسن بن الحر العاملي،
والصحيفة الثالثة السجادية جمع الميرزا عبد الله الأصفهاني المعروف
بالأفندي، والصحيفة الرابعة السجادية جمع الميرزا حسين النوري
المعاصر، والصحيفة الخامسة السجادية جمع المؤلف.
ومنها كتاب يوم وليلة لمعاوية بن عمار الدهني ١٧٥.
ومنها كتاب عمل يوم وليلة ليونس بن عبد الرحمن عرض على الإمام الحسن
العسكري ع فقال أعطاه الله بكل حرف نورا يوم القيامة
أوائل المائة الثالثة.
وكتاب عمل يوم وليلة لمحمد بن خالد البرقي من أهل ذلك العصر
أيضا.
(١٥٨)

وكتاب عمل يوم وليلة لمحمد بن أبي عمير من أهل ذلك العصر
أيضا.
وكتاب الدعاء لأحمد بن محمد بن خالد البرقي ذكره الشيخ في
الفهرست والنجاشي عن ابن بطة ٢٧٤.
ومحمد بن مسعود العياشي له كتاب
يوم وليلة ومختصره. كتاب الدعاء. المزار المائة الثالثة.
وكتاب الدعاء عن علي ع. كتاب الدعاء والعوذ عن ابن
عباس، كتاب العوذ كتاب الرقي كلها لعبد العزيز بن يحيى الجلودي ذكرها
النجاشي بعد ٣٣٠.
وكتاب المزار أو جامع الزيارات وكتاب يوم وليلة لجعفر بن محمد بن
قولويه ٣٦٩.
ومناسك المشاهد للشيخ المفيد ٤١٣.
ومصباح المتهجد ومختصره كلاهما للشيخ الطوسي ٤٦٠.
وكتاب عمل يوم الجمعة وكتاب عمل الشهور لمحمد بن علي بن
يعقوب الكاتب القناني المائة الخامسة.
وكتاب المزار لمحمد بن المشهدي المائة السادسة.
وكتاب اختيار المصباح للسيد علي بن الحسين بن باقي القرشي المائة
السابعة.
والاقبال. وجمال الأسبوع. ومهج الدعوات، والدروع الواقية،
وربيع الأسابيع وغيرها. كلها للسيد علي بن موسى بن جعفر بن طاوس
الحسني ٦٦٤.
وكتاب عمل اليوم والليلة. وكتاب الأخبار في أدعية الليل والنهار
للسيد أحمد بن موسى بن جعفر بن طاوس الحسني ٦٧٣.
وكتاب المزار للشهيد محمد بن مكي العاملي الجزيني شهادته ٧٨٦
والبلد الأمين. والجنة الواقية المعروف بالمصباح كلاهما للشيخ إبراهيم بن
علي العاملي الكفعمي ٩٠٥.
وأنيس العابدين للمولى محمد بن محمد الطبيب من علماء الدولة
الصفوية.
ومفتاح الفلاح في عمل اليوم والليلة للشيخ بهاء الدين محمد بن
الحسين العاملي ١٠٣١.
وزاد المعاد. وتحفة الزائر للمجلسي محمد باقر الأصفهاني ومن
مجلدات بحاره مجلد الدعاء كبير جدا ١١١٠.
وخلاصة الأذكار لملا محسن الكاشي ١٠٩١.
وعمل اليوم والليلة والأسبوع والشهر والسنة للسيد محمد الأصفهاني
النجفي ١٢٩٠ ونيف.
ومفتاح الجنات ثلاثة اجزاء كبار للمؤلف مطبوع إلى غير ذلك مما ينبو
عنه الحصر.
علماء الشيعة ومؤلفوهم في المنطق
والفلسفة وعلم النفس والهندسة
والحساب ونحوها
منهم قدامة بن جعفر قال ياقوت برع في صناعة الحساب وقال
المطرزي قيل هو أول من وضع الحساب ٣٣٧.
وأبو نصر الفارابي محمد بن أحمد المعلم الثاني ٣٣٩.
وأحمد بن مسكويه. له تأليفات في المنطق ومقالات جليلة في الحكمة
والرياضي ٤٢١.
والرئيس ابن سينا المعلم الثالث إن صح تشيعه كما يقوله صاحب
مجالس المؤمنين والظاهر أنه إسماعيلي ٤٢٨.
ونصير الدين محمد بن محمد بن الحسن الطوسي امام أهل المعقول له
تجريد الاعتقاد والتذكرة في الهيئة والرسالة المعينية في الهيئة وشرحها وتحرير
أقليدس وتحرير المجسطي وشرح الإشارات والفصول النصيرية ورسالة
الأسطرلاب ورسالة الجواهر وغيرها وهو الذي عمل زيج مراغة لهولاكو
٦٧٢.
والحسن بن داود الحلي صاحب الرجال له مؤلفات في المنطق المائة
السابعة أو الثامنة.
والحسن بن يوسف بن المطهر الحلي الشهير بالعلامة شارح
التجريد والفصول النصيرية وصاحب اسرار الملكوت في شرح الياقوت وغيرها
٧٢٦.
وقطب الدين محمد الرازي البويهي الدمشقي شارح الشمسية
والمطالع في المنطق وصاحب المحاكمات مات بصالحية دمشق ٧٦٦.
وجلال الدين محمد بن أسعد الدواني له مؤلفات في المنطق والعلوم
العقلية ٩٠٨.
وداود بن عمر الأنطاكي البصير نزيل جبل عامل. عالم بالفلسفة
وعلم النفس ١٠٠٨.
والشيخ بهاء الدين محمد بن الحسين العاملي. له الخلاصة في
الحساب ترجمت إلى عدة لغات أجنبية وشرحت عدة شروح وله تشريح
الأفلاك وله اليد الطولى في الهندسة وسائر العلوم الرياضية ١٠٣١.
وتلميذه الشيخ جواد بن سعد الله الكاظمي. له شرح الخلاصة
المائة الحادية عشرة.
والسيد نعمة الله بن نور الدين بن نعمة الله الجزائري. عالي القدر
في الهندسة والعلوم الرياضية وهو الوحيد في رصد زيج محمد شاة الجديد
١١٥١.
وصدر الدين الشيرازي المعروف بملا صدرا. ماهر في الحكمة
العقلية وله فيها شعر كثير وله الأسفار المشهور ١٠٦٠ ونيف.
وملا هادي السبزواري الحكيم. صاحب المنظومة المشهورة في
الحكمة ١٢٨٩.
(١٥٩)

والشيخ هادي البغدادي المعاصر. له منتقى الجمان في علم الميزان
منظومة وشرحها ١٣٣١.
وكامل بن علي صباح العاملي النباطي رياضي ومهندس كهربائي
له سبعون اختراعا في الكهرباء ١٣٥٤.
والفقير مؤلف هذا الكتاب له شرح ايساغوجي.
علماء النجوم من الشيعة
ونكتفي من ذلك بما نقله صاحب رياض العلماء عن السيد ابن
طاوس في كتاب فرج المهوم في الحلال والحرام من علم النجوم أنه بعد ذكر
صحة النجوم ذكر أسامي جماعة من علماء علم النجوم ولا سيما الامامية
فقال في بيان الامامية منهم: إن جماعة من بني نوبخت كانوا علماء بالنجوم
وقدوة في هذا الباب ووقفت على عدة مصنفات لهم في النجوم وانها دلالات
على الحادثات منهم: الحسن بن موسى النوبختي من علماء المنجمين من
الشيعة. وأحمد بن محمد بن خالد البرقي ذكر النجاشي والشيخ في
الفهرست في كتبه كتاب النجوم. وأحمد بن محمد بن أحمد بن طلحة عد
الشيخ والنجاشي من كتبه كتاب النجوم. قال: ومن أفضل الموصوفين
بعلم النجوم الشيخ الفاضل الشيعي علي بن الحسين بن علي المسعودي
مصنف كتاب مروج الذهب الخ. والنجاشي كان له تصنيف في النجوم
قال ومن المذكورين بعلم النجوم الجلودي البصري وعلي بن محمد
العدوي الشمشاطي ذكر النجاشي أن له رسالة في ابطال احكام النجوم.
وعلي بن محمد بن العباس ذكر النجاشي في كتبه كتاب الرد على المنجمين.
ومحمد بن أبي عمير. ومحمد بن مسعود العياشي ذكر في تصانيفه كتاب
النجوم. وموسى بن أبي سهل بن نوبخت قال النجاشي كان حسن المعرفة
بالنجوم وله مصنفات فيه. والفضل بن أبي سهل بن نوبخت وصل إلينا من
تصانيفه ما يدل على قوة معرفته بالنجوم. والسيد الفاضل علي بن أبي
الحسن المعروف بابن الأعلم وكان صاحب الزيج وأبو الحسن النقيب الملقب
بأبي قيراطو إبراهيم الفزاري صاحب القصيدة في النجوم وكان منجما
للمنصور وأحمد بن يوسف بن إبراهيم المصري كاتب آل طولون. ومحمد بن
عبد الله البازيار القمي تلميذ أبي معشر. وأبو الحسين بن أبي الخصيب
القمي. وأبو جعفر السقا المنجم ذكره الشيخ في الرجال. ومحمد بن
أحمد بن سليم الجعفي مصنف كتاب الفاخر ومحمود بن الحسين بن
سندي بن شاهك المعروف بكشاجم ذكر ابن شهرآشوب أنه كان منجما.
قال وممن أدركته من علماء الشيعة العالمين بالنجوم وعرفت بعض إصاباته
الفقيه العالم الزاهد الملقب خطير الدين محمود بن محمد. وممن رأيته الشيخ
الفاضل الحسن بن علي القمي رحمه الله. ثم عد من اشتهر بعلم النجوم
وقيل إنه من الشيعة فقال: ومنهم أحمد بن محمد السجزي والشيخ الفاضل
علي بن أحمد العمراني. والفاضل إسحاق بن يعقوب الكندي. قال وجدت
فيما وقفت عليه أن علي بن الحسين بن بابويه القمي كان ممن اخذ طالعه في
النجوم وأن ميلاده بالسنبلة. ثم حكى عن الكشي بسنده إلى أبي خالد
السجستاني أنه لما مضى أبو الحسن ع ووقف عليه نظر في نجومه
فزعم أنه مات فقطع على موته. قال وممن اشتهر بعلم النجوم من بني
نوبخت عبد الله بن أبي سهل. ومن العلماء بالنجوم محمد بن إسحاق
النديم كان منجما للعلوي المصري. ومن المذكورين بالتصنيف في علم
النجوم أحمد بن محمد بن عاصم المعروف بالعاصمي المحدث الكوفي فمن
كتبه كتاب النجوم ذكر ذلك ابن شهرآشوب في معالم العلماء قال وممن اشتهر
بعلم النجوم من المنسوبين إلى مذهب الإمامية الفضل بن سهل وزير
المأمون. وممن كان عالما بالنجوم من المنسوبين إلى الشيعة الحسن بن سهل
ثم ذكر حديث الحمام وقتل الفضل فيه اه‍.
كتب الشيعة في تعبير الرؤيا
قال ابن النديم في الفهرست عند تعداد الكتب المؤلفة في تعبير
الرؤيا كتاب تعبير الرؤيا على مذاهب أهل البيت ع. كتاب
تعبير الرؤيا لأهل البيت لطيف اه‍.
ومن المؤلفين فيه أحمد بن محمد بن خالد البرقي. قال الشيخ في
الفهرست له كتاب التعبير. كتاب التأويل. قال هو والنجاشي له كتاب
تعبير الرؤيا ٢٧٤.
ومحمد بن مسعود العياشي. له كتاب الرؤيا ذكره ابن النديم
أواخر المائة الثالثة أو أوائل الرابعة.
والكليني محمد بن يعقوب له كتاب تعبير الرؤيا ٣٢٨
الأطباء والمؤلفون في الطب من
الشيعة
كتب الإمام علي بن موسى الرضا ع رسالة للمأمون فيما
يتعلق بحفظ الصحة جامعة ٢٠٣.
ومنهم الحسن بن علي بن فضال. له كتاب الطب ذكره ابن النديم
أوائل المائة الثالثة.
وأبو جعفر أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري القمي. له كتاب
الطب الكبير. كتاب الطب الصغير ذكرهما ابن النديم في الفهرست
أواسط المائة الثالثة.
وأحمد بن محمد بن سيار الكاتب من كتاب آل طاهر. قال النجاشي
له كتاب الطب أواسط المائة الثالثة.
وأحمد بن محمد بن خالد البرقي. له كتاب الطب ٢٧٤.
ومحمد بن مسعود العياشي. له كتاب الطب ذكره ابن النديم
أواخر المائة الثالثة أو أوائل الرابعة.
والمعلم الثالث الرئيس أبو علي بن سينا إن صح تشيعه كما يقوله
صاحب مجالس المؤمنين والظاهر أنه إسماعيلي كما مر له القانون مشهور
٤٢٨.
وشمس الدين محمد بن مكي العاملي الشامي من مشايخ الشهيد
الثاني له الموجز النفيسي وغاية القصد في معرفة الفصد المائة التاسعة.
وداود الأنطاكي نزيل جبل عامل. من المشاهير في الطب له التذكرة
١٠٠٨.
ومحمد الطبيب صاحب كتاب الدعاء معاصر للصفوية.

(١) قال بان النديم: أبو أحمد عبد العزيز بن يحيى الجلودي من أكابر الشيعة الإمامية.
(١٦٠)

والميرزا محمد نصير الحسيني ١١٩١.
والميرزا محمد تقي النجفي الطبيب. معاصر بحر العلوم أوائل المائة
الثالثة عشرة.
والميرزا خليل الطهراني النجفي ١٢٨٠ وولده الميرزا حسن حدود
١٣٠٠ وولده الآخر الميرزا باقر بن الميرزا خليل ١٣٣٢.
وولده الميرزا صادق ابن الميرزا باقر ١٣٤٣.
والميرزا محمد الكرمانشاهي الطبيب نزيل طهران له كتاب أمراض
الأطفال ترجم إلى الافرنسية وطبع في فرنسا ١٣٣٠.
إلى الجم الغفير من أمثالهم لا سيما في هذا العصر.
العلماء والمؤلفون في اللغة والنحو
من الشيعة
أول من وضع أصول علم النحو باتفاق الرواة وأهل العلم أمير
المؤمنين علي بن أبي طالب ع ألقاها إلى أبي الأسود الدؤلي ظالم بن
عمرو أحد سادات التابعين وزاد عليه أبو الأسود وفرع بارشاد علي ع
وإشارته.
وإنما سمي هذا العلم نحوا لأنه لما القي أصوله إلى أبي الأسود قال له
انح هذا النحو وأضف إليه ما وقع إليك. أو لأنه لما زاد عليه واتي به إليه
قال له نعم ما نحوت أو ما أحسن هذا النحو الذي نحوت كما يأتي عن ابن
الأنباري ويمكن ان يكون قال له جميع ذلك. وقال ابن النديم في الفهرست
قال أبو جعفر بن رستم الطبري: إنما سمى النحو نحوا لأن أبا الأسود
الدؤلي قال لعلي ع وقد القى إليه شيئا من أصول النحو قال أبو
الأسود فاستاذنته ان اصنع نحو ما صنع فسمى ذلك نحوا اه‍ قال ابن
أبي الحديد في أول شرح نهج البلاغة: ومن العلوم علم النحو والعربية وقد
علم الناس كافة انه يعني أمير المؤمنين هو الذي ابتدعه وأنشاه وأملى على
أبي الأسود الدؤلي جوامعه وأصوله من جملتها: الكلام كله ثلاثة أشياء.
اسم وفعل وحرف. ومن جملتها تقسيم الكلمة إلى معرفة ونكرة وتقسيم
وجوه الاعراب إلى الرفع والنصب والجر والجزم وهذا يكاد يلحق بالمعجزات
لأن القوة البشرية لا تفي بهذا الحصر ولا تنهض بهذا الاستنباط اه‍
وقال عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري في كتاب الشعر والشعراء: أبو
الأسود الدئلي ظالم بن عمرو يعد في النحويين لأنه أول من عمل كتابا في
النحو بعد علي بن أبي طالب اه‍. وقال ابن حجر في الإصابة قال أبو
علي القالي حدثنا أبو إسحاق الزجاج حدثنا أبو العباس المبرد قال أول من
وضع العربية ونقط المصاحف أبو الأسود وقد سئل أبو الأسود عمن نهج له
الطريق فقال تلقيته عن علي بن أبي طالب اه‍ وقال ابن الأنباري في
نزهة الألباء قال أبو عبيدة معمر بن المثنى وغيره اخذ أبو الأسود الدؤلي
النحو عن علي بن أبي طالب قال وحكى أبو حاتم السجستاني اخذ أبو
الأسود النحو عن علي بن أبي طالب ثم قال ابن الأنباري وقرأ أبو الأسود
على علي فكان أستاذه في القراءة والنحو اه‍ وعن محاضرات الراغب عند
ذكره لأبي الأسود: هو أول من نقط المصحف وأسس أساس النحو بارشاد
علي ع وكان شيعيا اه‍ وعن اليافعي في مرآة الجنان: ظالم بن
عمرو أبو الأسود من سادات التابعين وأعيانهم وهو أول من دون علم النحو
بارشاد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب اه‍. وروى السيد المرتضى
في كتاب الفصول المختارة من كتاب العيون والمحاسن وكتاب المجالس كلاهما
للمفيد قال اخبرني الشيخ أدام الله عزه يعني المفيد مرسلا عن محمد بن
سلام الجمحي إن أبا الأسود الدئلي دخل على أمير المؤمنين ع
فرمى إليه رقعة فيها: بسم الله الرحمن الرحيم الكلام ثلاثة أشياء اسم
وفعل وحرف جاء لمعنى فالاسم ما أنبأ عن المسمى والفعل ما أنبأ عن
حركة المسمى والحرف ما أوجد معنى في غيره. فقال أبو الأسود يا أمير
المؤمنين هذا كلام حسن فما تأمرني ان اصنع به فإنني لا أدري ما
أردت بايقافي عليه فقال أمير المؤمنين ع اني سمعت في بلدكم
هذا لحنا فاحشا فأحببت أن ارسم كتابا من نظر فيه ميز بين كلام العرب وكلام
هؤلاء فابن على ذلك فقال أبو الأسود وفقنا الله بك يا أمير
المؤمنين للصواب اه‍ وعن أبي القاسم الزجاج في أماليه عن أبي جعفر الطبري عن أبي
حاتم السجستاني عن يعقوب بن إسحاق الحضرمي
عن سعيد بن مسلم الباهلي عن أبيه عن جده عن أبي الأسود الدئلي
قال دخلت على علي بن أبي طالب فرأيته مطرقا مفكرا فقلت فيم تفكر يا أمير
المؤمنين قال إني سمعت ببلدكم هذا لحنا فأردت ان أضع كتابا في أصول العربية فقلنا إن
فعلت هذا أحييتنا وبقيت فينا هذه اللغة ثم أتيته بعد ثلاث
فالقى إلي صحيفة فيها بسم الله الرحمن الرحيم الكلام كله اسم وفعل
وحرف فالاسم ما أنبأ عن المسمى والفعل ما أنبأ عن حركة المسمى والحرف
ما أنبأ عن معنى ليس باسم ولا فعل ثم قال لي تتبعه وزد فيه ما وقع لك
واعلم أن الأشياء ثلاثة ظاهر ومضمر وشئ ليس بظاهر ولا مضمر
فجمعت منه أشياء وعرضتها عليه فكان من ذلك حروف النصب فذكرت
فيها ان وان وليت ولعل وكان ولم أذكر لكن فقال لي لم تركتها فقلت لم
أحسبها منها فقال هي منها فزدتها فيها اه‍ وقال السيوطي في الأوائل:
أول من وضع النحو علي بن أبي طالب قال أبو الأسود دخلت على أمير
المؤمنين علي فرأيته مطرقا مفكرا وذكر ما مر إلى قوله فزدتها فيها. وقال أبو
بالبركات عبد الرحمن بن محمد الأنباري في أول كتابه نزهة الألباء: أول من
وضع علم العربية وأسس قواعده وحد حدوده أمير المؤمنين علي بن أبي
طالب ع واخذ عنه أبو الأسود الدئلي. ثم قال وسبب وضع علي
ع ما روى أبو الأسود، قال: دخلت على أمير المؤمنين علي بن
أبي طالب ع فوجدت في يده رقعة فقلت ما هذه يا أمير المؤمنين
فقال اني تأملت كلام العرب فوجدته قد فسد بمخالطة هذه الحمراء يعني
الأعاجم فأردت ان أضع شيئا يرجعون إليه ويعتمدون عليه ثم القى إلي
رقعة وفيها مكتوب: الكلام كله اسم وفعل وحرف، الاسم ما أنبأ عن
المسمى والفعل ما أنبئ به والحرف ما أفاد معنى وقال لي انح هذا النحو
وأضف إليه ما وقع إليك واعلم أن الأسماء ثلاثة ظاهر ومضمر واسم لا
ظاهر ولا مضمر وإنما يتفاضل الناس فيما ليس بظاهر ولا مضمر وأراد بذلك
الاسم المبهم قال ثم وضعت بأبي العطف والنعت ثم بأبي التعجب
والاستفهام إلى أن وصلت إلى باب إن وأخواتها ما خلا لكن فلما عرضتها
على علي ع أمرني بضم لكن إليها وكنت كلما وضعت بابا من
أبواب النحو عرضته عليه إلى أن حصلت ما فيه الكفاية قال ما أحسن هذا
النحو الذي قد نحوت فلذلك سمي النحو ثم قال: ويروى إن سبب
وضع علي ع لهذا العلم انه سمع إعرابيا يقرأ لا يأكله إلا
الخاطئين فوضع النحو. ثم قال ما حاصله: ويروى أيضا إن إعرابيا أقرأه
رجل في خلافة عمر رضي الله عنه إن الله برئ من المشركين ورسوله
(١٦١)

بالكسر فامر ان لا يقرأ القرآن إلا عالم باللغة وأمر أبا الأسود ان يضع النحو
اه‍ ولا يخفى ان رواية امره أبا الأسود بوضع علم النحو مخالفة لما اتفق
عليه العلماء من أن الذي امره بذلك علي ع وكذلك ما ذكره أيضا
مما حاصله انه يروى ان زياد بن أبيه قال لأبي الأسود إن هذه الحمراء
قد كثرت وأفسدت من السن العرب فلو وضعت لهم شيئا يقيمون به كلامهم
فأبى فبعث من يقرأ على طريقه ان الله برئ من المشركين ورسوله بالجر
فاستعظم ذلك وأجابه وقال رأيت أن أبدأ باعراب القرآن فاعربه بالنقط ثم
وضع المختصر المنسوب إليه بعد ذلك اه‍ وإعراب القرآن لا دخل له
بوضع علم النحو الذي كان في زمن أمير المؤمنين ع وبامره لا
بأمر زياد ويجوز ان يكون أبو الأسود أظهر كتابه يومئذ وكان ألفه قبل ذلك
أو رتب يومئذ ما كان تلقنه من أمير المؤمنين ع وأضافه هو إليه
فجعله كتابا. كما أن الغالب على الظن ان التعبير عن الفرس بهذه الحمراء
هو من كلام زياد لا من كلام أمير المؤمنين فإنه بكلام زياد أشبه والتعبير
عن المسلم بعبارة يستشم منها الاحتقار بعيد عن أخلاق أمير المؤمنين الذي
لم يرض ان تباع بنات كسرى والذي اثنى على الأعاجم قبل ان يسلموا
فكيف بعد ما دخلوا الاسلام وإن الاشتباه في ذلك وقع من بعض الرواة والله
العالم.
ويرشد إلى ما ذكرناه من أن أبا الأسود أظهر في زمن زياد ما كان ألفه
قبل وتلقنه من أمير المؤمنين ما ذكره ابن النديم في الفهرست قال اختلف
الناس في السبب الذي دعا أبا الأسود إلى ما رسمه من النحو فقال أبو
عبيدة اخذ النحو عن علي بن أبي طالب أبو الأسود وكان لا يخرج شيئا
اخذه عن علي إلى أحد حتى بعث إليه زياد ان اعمل شيئا يكون للناس إماما
ويعرف به كتاب الله فاستعفاه حتى سمع أبو الأسود من يقرأ إن الله برئ
من المشركين ورسوله بالكسر فقال ما ظننت ان أمر الناس آل إلى هذا
ووضع النقط للشكل اه‍ ووضع النقط للشكل وإن كان لا دخل له
بوضع النحو إلا أنه يشير إلى أن أبا الأسود كان أخفى ما أخذه عن علي
ع إلى ذلك الوقت ثم أظهره. ثم قال ابن النديم: قال أبو
سعيد رضي الله عنه ويقال إن السبب في ذلك أنه مر بأبي الأسود سعد
وكان رجلا فارسيا وهو يقود فرسه فقال له ما لك يا سعد لا تركب فقال إن
فرسي ضالعا أراد ضالع فقال أبو الأسود إن هؤلاء الموالي قد رغبوا في
الاسلام ودخلوا فيه فصاروا لنا أخوة فلو عملنا لهم الكلام فوضع باب
الفاعل والمفعول به اه‍ باختصار وفي هذا الكلام من قصور الدلالة ما
لا يخفى فان بعضه يدل على إرادة وضع جميع أبواب النحو وبعضه على
وضع باب الفاعل والمفعول خاصة مع عدم ارتباطه باللحن المذكور. وقال
ابن شهرآشوب في المناقب: أمير المؤمنين علي ع هو واضع النحو
لأنهم يروونه عن الخليل بن أحمد عن عيسى بن عمر الثقفي عن عبد الله بن
إسحاق الحضرمي عن أبي عمرو بن العلاء عن ميمون الأقرن عن عنبسة
الفيل عن أبي الأسود الدؤلي عنه ع والسبب في ذلك ان قريشا
كانوا يتزوجون بالأنباط فوقع فيما بينهم أولاد ففسد لسانهم حتى أن بنتا
لخويلد الأسدي كانت متزوجة في الأنباط فقالت إن أبوي مات وترك علي
مالا كثيرا فلما رأى علي ع فساد لسانها أسس النحو قال وروي إن
إعرابيا سمع من سوقي يقرأ إن الله برئ من المشركين ورسوله بالكسر
فشج رأسه فخاصمه إلى أمير المؤمنين ع فقال الأعرابي كفر بالله
فقال علي ع إنه لم يتعمد قال وروي ان أبا الأسود كان في بصره
سوء وله بنية تقوده إلى علي ع فقالت يا إبناه ما أشد حر الرمضاء
تريد التعجب وضمت الدال فأخبر أمير المؤمنين ع بذلك
فأسس النحو قال وروي إن أبا الأسود كان يمشي خلف جنازة فقال له رجل
من المتوفي بالياء فقال الله وهو يريد المتوفى بالألف ثم أخبر عليا ع
فأسس ذلك ودفعه إلى أبي الأسود وقال ما أحسن هذا النحو أحش له
بالمسائل فسمي نحوا قال قال ابن سلام كانت الرقعة: الكلام ثلاثة أشياء
اسم وفعل وحرف جاء لمعنى فالاسم ما أنبأ عن المسمى والفعل ما أنبأ عن
حركة المسمى والحرف ما أوجد معنى في غيره اه‍. وذكر غيره ان امرأة
دخلت على معاوية في زمن عثمان وقالت أبوي مات وترك مالا فبلغ ذلك
عليا فرسم لأبي الأسود فوضع أبو الأسود أولا باب الياء والإضافة ثم سمع
رجلا يقرأ إن الله برئ من المشركين ورسوله بالجر فصنف بأبي العطف
والنعت ثم قالت ابنته يوما ما أحسن السماء بضم النون وكسر الهمزة فقال
نجومها فقالت إنما أتعجب من صنعتها فصنف بأبي التعجب والاستفهام
اه‍ وهذه الروايات لا تنافي بينها لجواز وقوع كل ما فيها وكونه داعيا إلى
وضع باب من النحو.
بطلان القول بان أول من وضع
النحو عبد الرحمن بن هرمز أو
نصر بن عاصم
قال ابن النديم في الفهرست قال محمد بن إسحاق زعم أكثر العلماء
إن النحو اخذ عن أبي الأسود الدؤلي وإن أبا الأسود اخذ ذلك عن أمير
المؤمنين علي بن أبي طالب ع وقال آخر رسم النحو نصر بن
عاصم الدؤلي ويقال الليثي قرأت بخط أبي عبد الله بن مقلة عن ثعلب قال
روى ابن لهيعة عن أبي النضر قال كان عبد الرحمن بن هرمز أول من وضع
العربية اه‍ وقال ابن الأنباري في النزهة: زعم قوم ان أول من وضعه
نصر بن عاصم والأول ليس بصحيح لأن عبد الرحمن اخذ عن أبي الأسود
ويقال عن ميمون الأقرن والصحيح إن أول من وضع النحو علي بن أبي
طالب لأن الروايات كلها تسند إلى أبي الأسود وأبو الأسود يسند إلى علي
فإنه روي عن أبي الأسود إنه سئل فقيل له من أين لك هذا النحو فقال
لفقت حدوده من علي بن أبي طالب وأخذ عن أبي الأسود عنبسة الفيل
وميمون الأقرن ونصر بن عاصم وعبد الرحمن بن هرمز ويحيى بن يعمر
اه‍ وقال ابن النديم قال بعض العلماء إن نصر بن عاصم أخذ عن أبي
الأسود وفي بغية الوعاة عن ياقوت قال كان
نصر يسند إلى أبي الأسود في القرآن والنحو اه‍.
ويحكى عن أبي الأنباري في خطبة شرح كتاب سيبويه انه ذكر ان
قراءة إن الله برئ من المشركين ورسوله بالجر وقعت في عصر النبي ص
وإنه أشار إلى أمير المؤمنين ع بوضع علم
النحو فعلم أبا الأسود العوامل والروابط وحصر الحركات الاعرابية والبنائية
فألف ذلك وإذا أشكل عليه شئ راجع أمير المؤمنين واتى به إلى أمير
المؤمنين ع فاستحسنه وقال نعم ما نحوت اي قصدت فللتفاؤل
بلفظ علي ع سمي هذا العلم نحوا اه‍ باختصار وكون ذلك
في عصر النبي ص مع أنه انفرد به ينافيه إنه في ذلك
العصر كانت اللغة العربية محروسة من اللحن وإنما حدث هذا بعد اختلاط
العرب بغيرهم. قال ابن النديم في الفهرست رأيت ما يدل على أن النحو
(١٦٢)

عن أبي الأسود ما هذه حكايته، وهي أربع أوراق احسبها من ورق الصين
ترجمتها هذه فيها كلام في الفاعل والمفعول من أبي الأسود رحمة الله عليه
بخط يحيى بن يعمر وتحت هذا الخط بخط عتيق هذا خط علان النحوي
وتحته هذا خط النضر بن شميل اه‍.
فقد تحقق ان أول من وضع علم النحو وألف فيه أمير المؤمنين
علي بن أبي طالب ع استشهد ٤٠.
وأخذ عن علي ع وألف فيه أبو الأسود ظالم بن عمرو الدؤلي
٦٩.
وأخذ عن أبي الأسود ابنه عطاء قال ابن حجر في محكي التقريب أبو
حرب بن أبي الأسود الدؤلي البصري قيل اسمه محجن وقيل عطاء من الثالثة (١)
اه‍ وهو يدل على أن أبا حرب وعطاء واحد وكذلك كلام النجاشي
فإنه قال: أبو حرب عطاء بن أبي الأسود الدؤلي كذا في كتاب الشيعة وفنون
الاسلام ولكننا لم نجد ذلك في كتاب النجاشي. وكلام ابن قتيبة في
المعارف صريح في أن عطاء وأبا حرب اثنان فإنه قال: فولد أبو الأسود
عطاء وأبا حرب ولا عقب لعطاء وأما أبو حرب بن أبي الأسود فكان عاقلا
شاعرا اه‍ ويمكن ان يكون أبو حرب اسمه محجن وكذا ما يحكى عن
ركن الدين علي بن أبي بكر في كتابه الركني في النحو قال أخذ النحو عن أبي
الأسود خمسة وهم ابناه عطاء وأبو حرب الخ ١٠٨.
وأخذ عن أبي الأسود أيضا يحيى بن يعمر العدواني نص على تشيعه
ابن خلكان وقال كان عالما بالنحو ولغات العرب أخذ النحو عن أبي الأسود
اه‍ وقال ابن قتيبة في المعارف كان عطاء ويحيى بعجا العربية بعد أبي
الأسود اه‍ وقال ابن النديم في الفهرست: اخذ النحو عن أبي الأسود
جماعة منهم يحيى بن يعمر من عدوان اه‍ ١٢٩.
ومنهم أبان بن تغلب قال النجاشي كان مقدما في كل فن منها الأدب
واللغة والنحو وقال الشيخ في الفهرست كان لغويا نبيلا سمع من العرب
وحكى عنهم اه‍ ١٤١.
وحمران بن أعين تابعي. قال الشيخ في الفهرست في ترجمة أخيه
زرارة كان حمران نحويا اه‍ المائة الثانية.
وأول من نشر النحو وبسطه وحققه في المصرين البصرة والكوفة علماء
الشيعة.
ففي البصرة الخليل بن أحمد الفراهيدي البصري أستاذ سيبويه وشيخ
نحاة البصرة أول من هذب النحو وتوسع فيه وبين علله ومنه اخذ سيبويه
فصنف كتابه الذائع الصيت العديم النظير. قال ابن النديم اخذ سيبويه
النحو عن الخليل وهو أستاذه وعمل كتابه الذي لم يسبقه إلى مثله أحد قبله
ولم يلحقه بعده قرأت بخط أبي العباس ثعلب: اجتمع على صنعة كتاب
سيبويه اثنان وأربعون إنسانا منهم سيبويه، والأصول والمسائل للخليل
اه‍. وفي بغية الوعاة في ترجمة سيبويه عمرو بن عثمان ما يدل على أن
سيبويه ألف كتابا في ألف ورقة من علم الخليل. قال ابن الأنباري:
الخليل سيد أهل الأدب قاطبة في علمه وزهده والغاية في تصحيح القياس
واستخراج مسائل النحو وتعليله اخذ عنه سيبويه. وعامة الحكاية في كتاب
سيبويه عن الخليل وهو أول من ضبط اللغة وحصر أشعار العرب قال
السيرافي كان الخليل الغاية في استخراج مسائل النحو وتصحيح القياس فيه
وعمل أول كتاب العين المعروف المشهور الذي به يتهيأ ضبط اللغة وهو
أستاذ سيبويه وعامة الحكاية في كتابه عنه وكلما قال سيبويه وسألته أو قال من
غير أن يذكر قائله فهو الخليل اه‍ وقال ابن النديم في الفهرست: كان
الخليل غاية في استخراج مسائل النحو وتصحيح القياس اه‍ وقال ابن
خلكان كان إماما في علم النحو ثم حكى عن حمزة بن الحسن الأصبهاني أنه قال
صنع الخليل ما لم يصنعه أحد منذ خلق الله الدنيا من تأسيسه كتاب
العين الذي يحصر لغة أمة من الأمم قاطبة ثم من إمداده سيبويه من علم
النحو بما صنف منه كتابه الذي هو زينة لدولة الاسلام اه‍ وقال
السيوطي في الأوائل: أول من وضع اللغة على الحروف الخليل بن أحمد
اه‍ له في النحو العوامل ذكره ابن خلكان. الجمل ذكره السيوطي.
الشواهد ذكره الاثنان وابن النديم ١٧٥.
وفي الكوفة أبو جعفر محمد بن الحسن بن أبي سارة الرؤاسي الكوفي
النيلي النحوي. قال النجاشي. روى عن الباقر والصادق ع
وهو ابن عم معاذ بن مسلم بن أبي سارة وهم أهل بيت فضل وأدب وعلى
معاذ ومحمد فقه الكسائي علم العرب. والكسائي والفراء يحكون في كتبهم
كثيرا. قال أبو جعفر الرؤاسي ومحمد بن الحسن اه‍. وقال ابن الأنباري
يحكى عن ثعلب إن الرؤاسي كان أستاذ الكسائي والفراء اه‍.
ولكن في نزهة الألباء وبغية الوعاة إنه ابن أخي معاذ. وعليه فيكون
محمد بن الحسن بن مسلم بن أبي سارة فأبو سارة جد أبيه لا جده والنسبة
إلى الجد غير عزيزة في الكلام فظن النجاشي من ذلك أنه ابن عمه. قال
ابن النديم في الفهرست: إن الرؤاسي أول من وضع من الكوفيين كتابا في
النحو وحكى ذلك ابن الأنباري عن ثعلب وعن المزهر للسيوطي ان اسم
كتابه الفيصل المائة الثانية.
والكسائي أبو الحسن علي بن حمزة إمام الكوفيين في النحو واللغة
وأعلم الناس بالنحو وأوحدهم بالغريب. في بغية الوعاة: قال ابن
الأعرابي كان الكسائي اعلم الناس ضابطا عالما بالعربية وقال الخطيب:
تعلم النحو على كبر. جاء إلى قوم وقد أعيا فقال قد عييت فقالوا تجالسنا
وأنت تلحن، إن أردت من انقطاع الحيلة فقل عييت ومن التعب أعييت
فقام من فوره إلى معاذ الهراء فلزمه حتى انفذ ما عنده ثم أتى البصرة فجلس
في حلقة الخليل فقال له من أين أخذت علمك هذا فقال من بوادي الحجاز
ونجد وتهامة فخرج ورجع وقد أنفد خمس عشرة قنينة حبرا في الكتابة
عن العرب سوى ما حفظ فقدم البصرة فوجد الخليل قد مات وفي موضعه
يونس فجرت بينهما مسائل أقر له فيها يونس وصدره في موضعه وقيل للفراء
ما اختلافك إلى الكسائي وأنت مثله في النحو قال فأعجبتني نفسي فناظرته
مناظرة الأكفاء فكأني كنت طائرا يغرف بمنقاره من البحر ومات الكسائي
ومحمد بن الحسن في يوم واحد فقال الرشيد دفنت الفقه والنحو في يوم
واحد. له مختصر في النحو. المصادر. الحروف اه‍ ١٨٢.
ومعاذ بن مسلم الهراء الكوفي النحوي المشهور. في بغية الوعاة: من
قدماء النحويين وله كتب في النحو روى عن جعفر الصادق وكان شيعيا قال

(١) أي من الطبقة الثالثة فإنهم يقسمون الطبقات والقرن عندهم أربعون سنة وليس المراد
من الثالثة المائة الثالثة لأن ابن حجر في التقريب وغيره ذكروا ان عطاء مات ١٠٨ فهو من أهل
المائة الثانية لا الثالثة وهذا مما يقع فيه الاشتباه فتفطن.
(١٦٣)

ابن النجار في ذيل تاريخ بغداد كان من أعيان النحاة أخذ عنه أبو
الحسن الكسائي وغيره اه‍ وفي فهرست ابن النديم ولا كتاب له يعرف
اه‍ فكانه لم يطلع على كتبه المذكورة في بغية الوعاة ١٨٧.
وقطرب النحوي محمد بن المستنير بن أحمد. ذكره السيد مهدي بحر ا
لعلوم الطباطبائي النجفي في رجاله من رجال الشيعة. وفي تعليقة
البهبهاني على منهج المقال محمد بن المستنير في الكافي عنه الحسن بن محبوب
في الصحيح اه‍ فمن المحتمل أن يكون هو المراد. له العلل في
النحو. الأضداد. الهمز. المثلث. المصنف الغريب في اللغة ٢٠٦.
والفراء يحيى بن زياد الأقطع الكوفي تلميذ الكسائي. لقب بالفراء
لأنه كان يفري الكلام. قال السمعاني: كان يقال الفراء أمير المؤمنين في
النحو وقال ثعلب لولا الفراء لما كانت عربية لأنه خلصها وضبطها ولولاه
لسقطت لأنه كان يتنازع فيها ويدعيها كل من أراد على مقادير عقولهم
فتذهب اه‍. وفي بغية الوعاة: الفراء امام العربية كان أعلم الكوفيين
بالنحو بعد الكسائي اه‍. وذكره السيد مهدي بحر العلوم الطباطبائي
في رجاله ونص على تشيعه صاحب رياض العلماء وما في بغية الوعاة من أنه
كان يحب الكلام ويميل إلى الاعتزال مبني على الخلط بين أصول الشيعة
وأصول المعتزلة كما نبه عليه في رياض العلماء حتى أن الذهبي في ميزانه
نسب المرتضى إلى الاعتزال مع كثرة ردوده على المعتزلة ونسب كثير من
الشيعة إلى الاعتزال لهذا السبب ٢٠٩.
وأحمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن حمدون الكاتب النحوي نديم
المتوكل. قال الشيخ في الفهرست والنجاشي: شيخ أهل اللغة ووجههم
وأستاذ أبي العباس ثعلب اه‍ المائة الثالثة.
وابن السكيت يعقوب بن إسحاق صاحب المؤلفات الكثيرة منها
اصلاح المنطق. قال المبرد ما عبر جسر بغداد كتاب في اللغة مثله وقال
ثعلب أجمع أصحابنا أنه لم يكن بعد ابن الأعرابي اعلم باللغة منه قتله
المتوكل على التشيع ٢٤٤.
وأبو عثمان المازني بكر بن محمد بن حبيب. في بغية الوعاة: كان
إماما في العربية وقال المبرد لم يكن بعد سيبويه أعلم بالنحو من أبي عثمان
اه‍ وذكر ابن النديم والسيوطي له عدة تصانيف في النحو وقال ابن
خلكان كان امام عصره في النحو والأدب وقال النجاشي كان سيد أهل
العلم بالنحو والغريب واللغة بالبصرة ومقدمهم مشهور بذلك ثم روى
بسنده عن المبرد أنه قال ومن علماء الإمامية ابن عثمان بكر بن محمد وكان
من غلمان إسماعيل بن ميثم ثم ذكر مؤلفاته ٢٤٨.
وأحمد بن محمد بن خالد البرقي له كتاب في النحو ٢٧٤.
وأبو العباس محمد بن يزيد المبرد النحوي. في بغية الوعاة: إمام
العربية في بغداد في زمانه له: المقصور والممدود. الرد على سيبويه. شرح
شواهد الكتاب. ما اتفق لفظه واختلف معناه. وغيرها. وعن رياض
العلماء أنه قال: الامام النحوي اللغوي الفاضل الامامي الأقدم صاحب
الكامل وغيره اه‍ وله حكايات عن بعض أئمة أهل البيت تشهد
بتشيعه منها ما نقلناه في لواعج الاشجان عن تاريخ البلاذري في فضائل
الحسنين ع ٢٨٥.
ومحمد بن أحمد بن إبراهيم الكوفي المعروف بالصابوني من أصحاب
الهادي ع له الفاخر في اللغة ٣٠٠.
وأبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي. عده ابن شهرآشوب في
المعالم من شعراء أهل البيت المجاهرين. وقال عبد الرحمن بن محمد الأنباري
في نزهة الألباء: كان من أكابر علماء العربية مقدما في اللغة وأنساب العرب
وأشعارهم له الجمهرة في اللغة وأدب الكاتب وغيرها. وفي بغية الوعاة كان
رأس أهل هذا العلم وقال أبو الطيب هو الذي انتهت إليه لغة البصريين
وكان أحفظ الناس وأوسعهم علما تصدر في العلم ستين سنة ٣٢١.
ومحمد بن مزيد بن محمود النحوي البوسنجي المعروف بابن أبي
الأزهر. في بغية الوعاة عن الخطيب في تاريخ بغداد حدث عن المبرد وكان
مستمليه اه‍ ٣٢٥.
وعبد العزيز بن يحيى الجلودي. قال النجاشي له كتاب النحو بعد
٣٣٠.
وأبو الحسن علي بن محمد العدوي الشمشاطي. قال النجاشي له
المجزي في النحو. المقصور والممدود. المذكر والمؤنث. ما تشابهت مبانيه
وتخالفت معانيه في اللغة. المثلث في اللغة على حروف المعجم. عمل
كتاب العين للخليل اه‍ المائة الرابعة.
وأبو عمر الزاهد محمد بن عبد الواحد. تلميذ ثعلب. قال ابن
الأنباري كان من أكابر أهل اللغة واحفظهم لها ثم حكى عن أبي علي أنه
قال من الرواة لم ير أحفظ منهم أبو عمر الزاهد أملى من حفظه ثلاثين ألف
ورقة لغة وقال ابن برهان لم يتكلم في اللغة من الأولين والآخرين أحسن من
كلام أبي عمرو الزاهد. وفي بغية الوعاة له: شرح الفصيح. فائت
الفصيح. فائت الجمهرة. فائت العين. وغير ذلك اه‍ وهذه الكتب
الثلاثة التي استدرك عليها لم يؤلف مثلها في اللغة ولم يشتهر كتاب اشتهارها
ومؤلفوها من أعاظم علماء اللغة. له مناقب أهل البيت اختصره ابن
طاوس وأخرج في سعد السعود جملة من أحاديث أبي عمرو الزاهد في مناقب
أهل البيت وكذا غيره وله كتاب الشورى كما في كشف الظنون ونص في
رياض العلماء على أنه من علماء الإمامية وإن له كتاب الباب ينقل عنه ابن
طاوس كثيرا من الأخبار فما في بغية الوعاة مما يوهم عدم تشيعه ليس
بصحيح قطعا ٣٤٤.
والحسين بن أحمد بن خالويه النحوي تلميذ ابن دريد. في بغية
الوعاة: امام اللغة والعربية وغيرهما من العلوم الأدبية وكان أحد أفراد
الدهر في كل قسم من أقسام العلم والأدب وكانت الرحلة إليه من الآفاق
وقال الداني: عالم بالعربية حافظ للغة اه‍ ذكره أصحابنا في مؤلفاتهم
في رجال الشيعة سكن حلب وكان سيف الدولة وآل حمدان يكرمونه. له
كتاب الآل في الأئمة الاثني عشر ولا عبرة بقول السيوطي كان شافعيا. له
الجمل في النحو. كتاب في اللغة. شرح الدريدية. كتاب ليس مطبوع،
يقول فيه ليس في كلام العرب كذا إلا كذا وغير ذلك ٣٧٠.
والصاحب إسماعيل بن عباد تلميذ أحمد بن فارس وابن العميد له
المحيط في اللغة عشرة مجلدات ينقل عنه في تاج العروس. جوهرة الجمهرة
٣٨٥.
والحسين بن محمد بن جعفر الرافعي المعروف بالخالع. في معجم
(١٦٤)

الأدباء أحد كبار النحاة كان إماما في النحو واللغة والأدب وفي بغية الوعاة
عن الصفدي كان من كبار النحاة أخذ عن الفارسي والسيرافي وذكره
النجاشي في مصنفي الشيعة قال ياقوت توفي ٣٨٨ وفي تاريخ بغداد
٤٢٢.
وأحمد بن فارس اللغوي صاحب المجمل. وفي بغية الوعاة: كان
نحويا على طريقة الكوفيين وكان الصاحب ابن عباد يتتلمذ له ويقول شيخنا
ممن رزق حسن التصنيف وله مسائل في اللغة يغالي بها الفقهاء ومنه اقتبس
الحريري ادخال المسائل الفقهية في المقامة الحربية اه‍ له المجمل في
اللغة يندر مثله. فقه اللغة المسمى بالصاحبي. مقدمة في النحو.
اختلاف النحويين. وغير ذلك ذكره الشيخ أبو جعفر الطوسي في الفهرست
وغيره في مؤلفي الامامية ولا عبرة بقول السيوطي وغيره كان شافعيا فتحول
مالكيا ٣٩٥.
والشريف المرتضى علم الهدى علي بن الحسين الموسوي قال العلامة
في الخلاصة متوحد في علوم كثيرة مجمع على فضله متقدم في علوم وعد
منها الأدب من النحو واللغة وغير ذلك اه‍ وأماليه في التفسير والأدب ذات
الشهرة العظيمة ألفها في طريق مكة وهو أمير الحاج ٤٣٦.
وسلار بن عبد العزيز الديلمي من فقهاء الشيعة. ذكره السيوطي في
طبقات النحاة ونقل عن الصفدي أنه قرأ عليه أبو الكرم المبارك ابن فاخر
النحوي ٤٤٨.
والحسن بن صافي الملقب ملك النحاة له في النحو: الحاوي.
العمدة مطبوعة. ذكرهما السيوطي. في كشف الظنون ملك النحاة
والرافضة ٤٦٣.
والشريف أبو المعمر يحيى بن محمد ابن طباطبا العلوي. في معجم
الأدباء: كان نحويا أديبا فاضلا أخذ عنه أبو السعادات هبة الله بن
الشجري وكان يفتخر به اه‍ وفي بغية الوعاة قال غير ياقوت كان شيعيا
٤٧٨.
ومحمد بن أحمد خازن دار الكتب القديمة بالكرخ. في بغية الوعاة
قال ابن الجوزي كان نحويا أديبا فاضلا وكان فقيها شيعيا ٥١٠.
وأبو الحسن علي بن محمد بن أبي زيد الاسترآبادي المشهور بالفصيحي
لتكراره على فصيح ثعلب. في بغية الوعاة: قرأ النحو على عبد القاهر
الجرجاني وقرأ عليه ملك النحاة ودرس النحو بالنظامية بعد الخطيب
التبريزي ثم اتهم بالتشيع فقيل له في ذلك فقال لا اجحد أنا متشيع من
الفرق إلى القدم فاخرج ورتب مكانه أبو منصور الجواليقي ٥١٦.
والبارع الدباس الحسين بن محمد بن عبد الوهاب بن أحمد الحارثي
البكري النحوي. في بغية الوعاة: قال ابن النجار ثم الصفدي كان نحويا
لغويا حسن المعرفة بصنوف الآداب ٥٢٤.
وأبو السعادات هبة الله بن علي الحسني العلوي المعروف بابن
الشجري. قال ياقوت: كان أوحد زمانه وفرد أوانه في علم العربية ومعرفة
اللغة قرأ النحو سبعين سنة له شرح اللمع لابن جني وكتاب ما اتفق لفظه
واختلف معناه وذكره منتجب الدين في فهرست علماء الشيعة والسيد علي
خان في الدرجات الرفيعة ٥٤٢.
وهبة الله بن حامد بن أيوب الحلي المعروف بعميد الرؤساء. في
معجم الأدباء: أديب فاضل نحوي شاعر أخذ عنه أهل تلك البلاد الأدب
اه‍ وذكره في أمل الآمل ٦١٠.
وأبو العباس أحمد بن علي بن معقل الأزدي المهلبي الحمصي العز
الأديب. في بغية الوعاة قال الذهبي رحل إلى العراق وأخذ الرفض عن
جماعة بالحلة والنحو ببغداد ودمشق وبرع في العربية وصنف فيها كان غاليا
في التشيع ٦٤٤.
وأبو العباس أحمد بن محمد الإشبيلي الأزدي المعروف بابن الحاج في
بغية الوعاة قال ابن عبد الملك كان متحققا بالعربية حافظا للغات وقال في
البدر السافر برع في لسان العرب حتى لم يبق فيه من يفوقه أو يدانيه له على
كتاب سيبويه املاء ومختصر خصائص ابن جني ونقود على الصحاح والمغرب
وله مصنف في الإمامة اه‍ وعن معالم العلماء صنف في الامامية كتابا
حسنا أثبت فيه إمامة الأئمة الاثني عشر اه‍ لكني لم أجد ذلك في
نسختي من المعالم ٦٤٧.
والحسن بن علي بن داود الحلي صاحب الرجال تلميذ المحقق. له
ثلاثة كتب في النحو المائة السابعة أو الثامنة.
ومحمد بن الحسن الاسترآبادي المعروف بالشيخ الرضي نجم الأئمة
المتفرد بفلسفة علم العربية وعلله وتحقيقه شارح الكافية في النحو لابن
الحاجب شرحا لم يؤلف مثله في هذا العلم فيه فلسفة النحو وعلله وفيه
تحقيقات لم يسبق إليها أكب الناس عليه عموما وتداولوه وكل من أتى بعده
نقل عنه واستفاد منه إلى اليوم طبع في مصر وإيران وكتب عليه السيد
الشريف الجرجاني علي بن محمد حاشية في غاية الجودة طبعت معه في مصر
فرع منه في شوال ٦٨٦ وزاد عليه وهذبه في ربيع الآخر ٦٨٨ فما
حكاه السيوطي أن وفاته ٦٨٤ أو ٦٨٦ لا يصح بل وفاته بعد
٦٨٨.
والشيخ بهاء الدين العاملي محمد بن الحسين. له الصمدية في النحو
صنفها لأخيه عبد الصمد تدرس خصوصا عند الفرس ١٠٣١.
والشيخ محمد بن الحرفوشي الحريري الكركي الدمشقي. في أمل
الآمل: كان أعرف أهل عصره بالعلوم العربية وذكر له عدة مؤلفات
نحوية ١٠٥٩.
والفقير مؤلف هذا الكتاب له صفوة الصفو في علم النحو مولده
١٢٨٤ وكان تحريره لهذه الكلمات ١٣٥٤.
وللعامليين اليد الطولى في علوم العربية قديما وحديثا من المعاصرين
والسابقين.
مؤلفات الشيعة وعلماؤهم في علم
الصرف والاشتقاق
أول من وضع علم الصرف معاذ بن مسلم بن أبي سارة الهراء
الكوفي عم محمد بن أبي سارة الرؤاسي أو ابن عمه والشيخ الكسائي.
نص على أنه أول من وضعه السيوطي في المزهر في الجزء الثاني كما حكي
وفي بغية الوعاة من قدماء النحويين قد نظر في النحو فلما أحدث التصريف
أنكره بعضهم ثم قال ومن هنا لمحت أن أول من وضع التصريف معاذ هذا
(١٦٥)

وكان معاذ شيعيا روى عن جعفر الصادق. وقال السيوطي في الأوائل أول
من وضع التصريف معاذ بن مسلم اه‍ ولكن معاذ لم يؤلف في
التصريف وكان مختلطا بالنحو ١٨٧.
وأول من ألف فيه المازني ذكره النجاشي في مؤلفي الشيعة قال
السيوطي في الأوائل أول من أفرد التصريف وميزه من النحو بالتصنيف
والتبويب أبو عثمان المازني كذا ذكره في كتاب تقسيم العلوم اه‍ وفي
كشف الظنون أول من دون علم التصريف أبو عثمان المازني وكان قبل ذلك
مندرجا في علم النحو ذكره أبو الخير ثم قال تصريف المازني هو الشيخ أبو
عثمان بكر بن محمد النحوي اه‍ وعد ابن النديم في مؤلفاته التصريف
٢٤٨.
ومحمد بن يزيد المبرد النحوي. له الاشتقاق ٢٨٥.
ومحمد بن الحسن بن دريد. قال ابن الأنباري في النزهة له كتاب
الاشتقاق ٣٢١.
وتلميذه الحسين بن أحمد بن خالويه. في بغية الوعاة له كتاب
الاشتقاق ٣٧٠.
والحسن بن صافي الملقب بملك النجاة. له المقتصد في التصريف
ذكره السيوطي وغيره ومر تشيعه في النحويين ٤٦٣.
وابن الشجري هبة الله بن علي العلوي الحسني. قال ياقوت: له
شرح التصريف الملوكي ٥٤٢.
ومحمد بن الحسن الاسترآبادي المعروف بالشيخ الرضي نجم الأئمة
شارح الشافية لابن الحاجب في الصرف بعد ٦٨٨.
والشيخ محمد بن سليمان الزين العاملي. له مؤلف في الصرف
١٣١٨.
والفقير مؤلف هذا الكتاب. له المنيف في علم التصريف مطبوع وله
منظومة في الصرف. وله نزهة الطرف في علم الصرف.
مؤلفات الشيعة في علم البلاغة
أول من وضعه وألف فيه المرزباني أبو عبد الله محمد بن عمران
الكاتب الخراساني البغدادي يروي عنه السيد المرتضى في أماليه كثيرا قال
ابن النديم آخر من رأينا من الأخباريين المصنفين واسع المعرفة بالروايات
كثير السماع وعد من مؤلفاته كتاب المفصل في البيان والفصاحة نحو ثلثمائة
ورقة وقال السيوطي في الأوائل أول من صنف في المعاني والبيان الشيخ
عبد القاهر الجرجاني اه‍ ولكن المرزباني توفي ٣٧٨.
والشيخ عبد القاهر الجرجاني توفي ٤٤٤ أو ٤٧١ فيكون
المرزباني أقدم نص على تشيعه اليافعي في تاريخه وابن خلكان فعن اليافعي
أنه أخذ عن ابن دريد وابن الأنباري العلوم الأدبية قال وهو صاحب
التصانيف المشهورة والمجاميع الغريبة ورواية الأدب وصاحب التأليفات
الكثيرة ثقة في الحديث قائل بمذهب التشيع وقال ابن خلكان كان راوية
للأدب صاحب اخبار وتأليفه كثيرة وكان ثقة في الحديث ومائلا إلى التشيع في
المذهب ٣٧٨.
وبعده الشيخ ميثم بن علي بن ميثم البحراني معاصر للسكاكي
صاحب المفتاح وأستاذ السيد الشريف الجرجاني ينقل عنه الشريف في أوائل
فن البيان من شرح المفتاح معبرا عنه ببعض مشايخنا له كتاب تجريد البلاغة
في المعاني والبيان ذكره في كشف الظنون ٦٧٩.
وللمقداد السيوري عليه شرح سماه تجريد البراعة في شرح تجريد
البلاغة ٧٩٢.
والشيخ عماد الدين يحيى بن أحمد الكاشي. له شرح المفتاح
للسكاكي ذكره في كشف الظنون وذكره بعض تلامذة الشيخ علي الكركي في
رسالته في أسامي علمائنا وكذا عن صاحب تذكرة المجتهدين من الامامية
وذكرا له الشرح المذكور ولكن صاحب رياض العلماء ظن أنه من علماء أهل
السنة ولم يستبعد كونه بعينه حسام الدين المؤذني المشهور شارح المفتاح
للسكاكي مجهول العصر.
وأبو جعفر قطب الدين محمد بن محمد الرازي الدمشقي شارح
الشمسية والمطالع له شرح المفتاح ذكره في أمل الآمل وتوفي بصالحية دمشق
٧٦٦.
والفقير مؤلف هذا الكتاب له حواشي المطول.
علم البديع
أول من أكثر استعمال الأنواع البديعية في شعره إبراهيم بن علي
ابن هرمة الشاعر مادح أهل البيت وشاعرهم أواسط المائة الثانية.
ثم جمع قدامة بن أعفر الكاتب البغدادي في كتابه نقد الشعر عشرين
نوعا من أنواع البديع قال صفي الدين الحلي في خطبة شرح بديعيته وكان
جملة ما جمع ابن المعتز منها سبعة عشر نوعا ومعاصره قدامة بن جعفر
الكاتب فجمع منها عشرين نوعا توارد معه على سبعة منها وسلم له ثلاثة
عشر فتكامل لهما ثلاثون نوعا ثم اقتدى بهما الناس في التأليف اه‍ وقال
ابن المعتز في صدر كتابه على ما حكي أنه ما جمع قبلي فنون الأدب أحد ولا
سبقني إلى تاليفه مؤلف اه‍ وحيث أن قدامة معاصر له كما سمعت فلا
يعلم أيهما السابق وكيف كان فقدامة أول من ألف فيه من الشيعة حوالي
٣١٠.
وأول من جعل أنواع البديع في مدح النبي ص
على وزن قصيدة البردة وقافيتها صفي الدين عبد العزيز بن سرايا الحلي فنظم
بديعيته وشرحها وطبعت مع الشرح واقتدى به ابن حجة الحموي والموصلي
ومحمد بن جابر الأندلسي وغيرهم ٧٥٢.
والسيد علي خان الشيرازي صاحب السلافة نظم فيه بديعيته
وشرحها وطبعت مع الشرح واسمه أنوار الربيع ١١٢٠.
شعراء الشيعة
فمن الصحابة من بني هاشم سيد الشيعة وإمامها أمير المؤمنين
علي بن أبي طالب ع إمام البلغاء وسيد الفصحاء فقد صح أنه كان شاعرا
وروى الثقات له كثيرا من الأشعار وإن كان الديوان المنسوب إليه لم يثبت
أن كل ما فيه من شعره بل ثبت أن بعضه ليس من شعره وقد جمع الفقير
مؤلف هذا الكتاب ديوانه على الرواية الصحيحة شهادته ٤٠.
وزوجته البضعة الزهراء فاطمة سيدة نساء العالمين التي كانت
(١٦٦)

ببلاغتها كأنما تفرع عن لسان أبيها رسول الله ص
روي عنها شعر كانت ترقص بهما الحسنين ع وأما الأبيات البائية
التي أنشدتها بعد وفاة أبيها ص فهي ليست لها تمثلت
بها تمثلا ١١.
والفضل بن العباس. عده ابن شهرآشوب في المعالم من شعراء أهل
البيت المقتصدين قتل يوم اليمامة ١٢ أو ١٥.
وربيعة بن الحارث بن عبد المطلب. عده ابن شهرآشوب في المعالم في
شعراء أهل البيت المقتصدين ٢٣.
والعباس بن عبد المطلب عم النبي ص كان شاعرا ٣٢.
والحسن بن علي ع. نسب إليه صاحب تجارب السلف
هندو شاة بيتين من الشعر ونسب إليه ابن شهرآشوب في المناقب عدة أبيات
شهادته ٥٠.
والحسين بن علي ع. نسب إليه جملة من الشعر ذكرنا
بعضه في لواعج الاشجان شهادته ٦١.
وعبد الله بن أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم. عده
ابن شهرآشوب في المعالم من شعراء أهل البيت المقتصدين ذكر الواقدي أنه
قتل مع الحسين ع ٦١.
وعبد الله بن العباس. عده المرزباني في شعراء الشيعة وقال كان من
شيعة علي ع وأصحابه وخواصه ٦٨.
وأم حكيم بنت عبد المطلب بن هاشم عمة النبي ص كانت
شاعرة المائة الأولى.
وأختها اروى بنت عبد المطلب بن هاشم عمته ص كانت شاعرة
فصيحة أدركت سلطنة معاوية المائة الأولى.
ومن الصحابة من غير بني هاشم النابغة الجعدي قيس بن
عبد الله أو عبد الله بن قيس عده ابن شهرآشوب في المعالم في شعراء أهل
البيت المقتصدين وله مدح في علي ع يوم صفين وكان من المعمرين أدرك
الجاهلية والاسلام ومات في خلافة ابن الزبير المائة الأولى.
وأبو الهيثم مالك بن التيهان الأنصاري. قتل مع علي ع بصفين
٣٧.
وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين. عده المرزباني في شعراء الشيعة وابن
شهرآشوب في شعراء أهل البيت المقتصدين قتل مع علي ع بصفين
٣٧.
وعمار بن ياسر أبو اليقظان. قتل معه بصفين ٣٧.
وعبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي. قتل معه بصفين ٣٧.
وخريم بن فاتك الأسدي. عده ابن شهرآشوب في المعالم في شعراء
أهل البيت المقتصدين من الصحابة المائة الأولى.
وصعصعة بن صوحان العبدي. عده ابن شهرآشوب في شعراء أهل
البيت المقتصدين وكان فصيحا بليغا خطيبا لسنا قال الشعبي كنت أتعلم منه
الخطب وكان هو واخواه زيد وصيحان خطباء مات في سلطنة معاوية المائة
الأولى.
ولبيد بن ربيعة العامري الذي قال فيه رسول الله ص
أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد: الا كل شئ ما خلا الله باطل
مذكور في رياض العلماء في الشيعة ومؤلفه واسع الاطلاع أدرك لبيد
الجاهلية والاسلام وكان من المعمرين ٤١.
وكعب بن زهير بن أبي سلمى صاحب بانت سعاد عده ابن
شهرآشوب في شعراء أهل البيت المقتصدين وهو القائل في أمير المؤمنين
ع:
- صهر النبي وخير الناس كلهم * فكل من رامه بالفخر مفخور -
- صلى الصلاة مع الأمي أولهم * قبل العباد ورب الناس مكفور -
حدود ٤٥.
وحجر بن عدي بن الأدبر الكندي. عده المرزباني في شعراء الشيعة
قتل على التشيع ٥١.
وكعب بن مالك الأنصاري الخزرجي السلمي أحد شعراء رسول الله
ص. عده ابن شهرآشوب في شعراء أهل البيت
المقتصدين المائة الأولى.
وقيس بن سعد بن عبادة سيد الأنصار وابن سيدها. عده المرزباني في
شعراء الشيعة وابن شهرآشوب في شعراء أهل البيت المقتصدين وقال
المرزباني لما نشر علي ع لواءه يوم صفين قال قيس هذا والله اللواء
الذي كنا نحف به مع رسول الله ص وجبريل لنا مدد ثم قال من
أبيات:
- هذا اللواء الذي كنا نحف به * مع النبي وجبريل لنا مدد -
٦٠.
والمنذر بن الجارود العبدي. شهد مع علي ع الجمل وولاه
علي على إصطخر عده ابن شهرآشوب في شعراء الشيعة المتقين ٦١ أو
٦٢.
وسليمان بن صرد الخزاعي. كان من الصحابة المهاجرين ونزل
الكوفة بعد وفاة النبي ص وشهد مع أمير المؤمنين ع
الجمل وصفين وكان شاعرا قتل مع التوابين ٦٥.
والأحنف صخر أو الضحاك بن قيس التميمي. ذكره المرزباني في
شعراء الشيعة وقال كان من خيار أصحاب علي ع وعده ابن
شهرآشوب في شعراء أهل البيت المقتصدين ٦٧ أو ٦٨.
وعدي بن حاتم الطائي. عده المرزباني في شعراء الشيعة وذكر له
خبرا مع معاوية وعمرو بن العاص يدل على نهاية اخلاصه في التشيع
٦٨.
وأبو الطفيل عامر بن واثلة الكناني. ذكره المرزباني في شعراء الشيعة
وقال كان من خيار أصحاب علي ع وشهد معه مشاهده وهو آخر
الصحابة موتا ١٠٠.
(١٦٧)

ومن التابعين وتابعي التابعين ومن بعدهم سعيد بن قيس الهمداني.
المائة الأولى أو أوائل الثانية.
هاشم المرقال بن عتبة بن أبي وقاص الزهري. عده المرزباني في
شعراء الشيعة وقال كان شيعيا قال لما قتل عثمان هذه يميني لعلي وشمالي لي
وقد بايعته ودخل على أبي موسى فقال بايع لخير هذه الأمة بعد نبيها علي بن
أبي طالب ع الحديث، قتل بصفين مع علي ٣٧.
ومالك بن الحارث الأشتر النخعي من الشعراء المجيدين. عده
المرزباني في شعراء الشيعة وقال كان من خلص أصحاب علي ع
شهد معه مواطنه مات بالسم ٣٨ أو ٣٩.
وثابت بن عجلان الأنصاري عده المرزباني في النبذة المختارة في شعراء
الشيعة وذكر له خبرا مع معاوية يدل على اخلاصه في التشيع المائة
الأولى (١).
والنجاشي قيس بن عمرو بن مالك بن الحارث بن كعب الحارثي
شاعر أهل العراق بصفين ولكنه فارق عليا وذهب إلى معاوية حدود
٥٠.
وقيس بن فهدان الكندي من أصحاب أمير المؤمنين ع عده
المرزباني في النبذة المختارة في شعراء الشيعة وقال شهد صفين مع علي ع
وذكر له شعرا يرثي به حجر بن عدي بعد ٥١.
وشريك بن الحارث الأعور الحارثي من أصحاب أمير المؤمنين ع
وخيار الشيعة عده المرزباني في شعراء الشيعة ٦٠.
وسعية بن العريض شهد مع علي ع مشاهده كلها المائة
الأولى.
وجرير بن عبد الله البجلي عده ابن شهرآشوب من شعراء أهل البيت
المقتصدين لكن هرب إلى معاوية المائة الأولى.
والرباب بنت امرئ القيس بن عدي بن أوس زوجة الحسين ع.
لها فيه رثاء ٦٢.
وأم البنين فاطمة بنت حزام الكلابية زوجة أمير المؤمنين علي ع
وأم ولده العباس واخوته ولها فيهم رثاء المائة الأولى.
وعبد الله بن الحر الجعفي وصفه النجاشي بالشاعر الفاتك اه‍
عشر السبعين.
والمثنى بن مخزمة العبدي من أهل البصرة وهو القائل لما دعاه
سليمان بن صرد للطلب بثار الحسين ع من أبيات:
- تبصر كأني قد أتيتك معلما * على اتلع الهادي اجش هزيم -
المائة الأولى.
وأبو دهبل الجمحي وهب بن ربيعة: ذكره ابن شهرآشوب في شعراء
أهل البيت المتقين عاصر معاوية وبقي إلى زمان ابنه يزيد ورثى الحسين
ع وهجا بني أمية مع تحامي الناس رثاءه في عهد بني أمية بأبيات اوردها
المرتضى في الأمالي أولها:
- تبيت النشاوي من أمية نوما * وبالطف قتلى ما ينام حميمها -
المائة الأولى.
وأبو الأسود الدؤلي ظالم بن عمرو. ذكره المرزباني في شعراء الشيعة
وقال: كان من قدماء التابعين وكبرائهم وكان شاعرا مجيدا وكان شيعيا
اه‍ وعده ابن شهرآشوب في شعراء أهل البيت المقتصدين ٦٩.
وعقبة بن عمرو السهمي من بني سهم بن عوف بن غالب أول من
رثى الحسين ع بالأبيات التي أولها:
- إذا العين قرت في الحياة وأنتم * تخافون في الدنيا فاظلم نورها -
وعبد الله بن عوف بن الأحمر. هو القائل يحرض على الطلب بثار
الحسين ع من أبيات:
- ألا وانع خير الناس جدا ووالدا * حسينا لأهل الدين إن كنت ناعيا -
سقى الله قبرا ضمن المجد والتقى * بغربية الطف الغمام الغواديا -
والمسيب بن نجبة الفزاري. كان من وجوه أصحاب علي ع وكان
شاعرا مجيدا قتل مع التوابين ٦٥.
وعبد الله بن سعد بن نفيل كان شاعرا قتل مع التوابين ٦٥.
وعبد الله بن خضل الطائي كان شاعرا قاتل مع التوابين فقطع انفه
المائة الأولى.
وعبد الله بن وال التميمي. كان شاعرا قتل مع التوابين ٦٥.
ورفاعة بن شداد البجلي. كان شاعرا قاتل مع
التوابين وقتل مع المختار ٦٦.
واعشى همدان كان شاعرا مفلقا له قصيدة يرثي بها التوابين المائة
الأولى.
وإبراهيم بن مالك الأشتر. كان شاعرا قتل ٦٦.
وأيمن بن خريم بن فاتك الأسدي من التابعين وقيل له صحبة وهو
صاحب الأبيات التي يخاطب بها ابن الزبير ويمدح ابن عباس أولها:
- يا ابن الزبير لقد لاقيت بائقة * من البوائق فالطف لطف محتال -
في الأغاني كان يتشيع عشر التسعين.
والفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب الهاشمي. عده ابن
شهرآشوب في شعراء أهل البيت المقتصدين، وقال أبو الفرج الأصبهاني:
كان أحد شعراء بني هاشم وفصحائهم اه‍ وهو صاحب الأبيات
المشهورة التي أولها:
- وأنا الأخضر من يعرفني * اخضر الجلدة في بيت العرب -
وكان شديد السمرة والعرب تسمي الأسمر اخضر وتتمدح بذلك
حدود ٩٠.
وأبو الرميح الخزاعي عمر بن مالك بن حنظلة. له رثاء في الحسين
ع حدود ١٠٠.

(١) ذكرناه في الطبعة الأولى في عداد الشيعة من أصحابه ثم ظهر لنا أنه من التابعين كما ذكرنا في
المستدركات ج ١٧.
- المؤلف -
(١٦٨)

وخالد بن معدان الطائي من فضلاء التابعين المختصين بأمير المؤمنين
ع أول من رثي الحسين ع لما رأى رأسه الشريف بالشام
من أبيات:
- جاءوا برأسك يا ابن بنت محمد * مترملا بدمائه ترميلا -
١٠٣.
وكثير عزة بن عبد الرحمن الخزاعي ذكره ابن شهرآشوب في شعراء
أهل البيت المتقين والمرزباني في شعراء الشيعة وكان معروفا بالتشيع عند
ملوك بني أمية، وقال المرزباني: لما قتل آل المهلب بالعقر قال كثير ضحى
آل أبي سفيان بالدين يوم الطف وضحى آل مروان بالكرم يوم العقر فقال له
يزيد بن عبد الملك عليك بهلة الله أترابية وعصبية، وقيل له عند موته
أوص فقال:
- برئت إلى الاله من ابن اروى * غداة دعي أمير المؤمنينا -
- ومن فعل برئت ومن فعيل * ومن دين الخوارج أجمعينا -
اه‍ وقال ابن رشيق كان ابن أبي إسحاق وهو عالم ناقد ومتقدم
مشهور يقول أشعر الجاهليين مرقش وأشعر الاسلاميين كثير، قال وهذا
غلو مفرط غير أنهم مجمعون على أنه أول من أطال المديح اه‍
١٠٥.
والفرزدق همام بن غالب التميمي. من التابعين وبعضهم يعده في
الصحابة ولم يثبت، من أشعر شعراء عصره عده المرزباني في شعراء الشيعة
وقال كان شيعيا وكان الأصمعي يذمه بذلك ثم ذكر قصيدته في الإمام زين العابدين
ع بمحضر هشام بن عبد الملك وحبس هشام إياه وهجاءه له
وقصته مشهورة كالقصيدة وعده ابن شهرآشوب في شعراء أهل البيت
المقتصدين في أصحاب زين العابدين ع وفي كتاب الشعر والشعراء لابن
قتيبة كان الفرزدق معنا مفنا المعن الخطيب الذي يدخل في كل شئ
والمفن الذي يتفنن في كلامه، ويحكي أن خصمه جريرا كان يقول:
الفرزدق نبعة الشعر في يده وأنه لما بلغه نعيه بكى ورثاه وديوان شعره
مشروح بشرح جليل مطبوع في أوروبا بالتصوير الشمسي في مجلدين وذهب
اسم مؤلفه ١١٠.
وسفيان بن مصعب العبدي من أصحاب الصادق ع.
روي مسندا أن الصادق ع قال علموا أولادكم شعر العبدي فإنه
على دين الله. عده ابن شهرآشوب في شعراء أهل البيت المقتصدين لكنه
توهم فاورد الحديث في علي بن حماد العبدي حدود ١٢٠.
وأبو الحسين زيد بن علي بن الحسين ع معدود في شعراء
بني هاشم استشهد ١٢٢.
وسليمان بن قتة العدوي صاحب الرثاء في الحسين ع ذكره
ابن شهرآشوب في شعراء أهل البيت ع المتقين ١٢٦.
والكميت بن زيد الأسدي. أول من احتج في شعره على المذهب
الحجج القوية الكثيرة حتى زعم الجاحظ أنه أول من دل الشيعة على طرق
الاحتجاج كما ذكرناه في المتكلمين. عده المرزباني في شعراء الشيعة وقال إنه
ابن أخت الفرزدق وإنه لما أنشده القصيدة البائية قال أصبت وأحسنت
ووددت لو أن هذا الشعر لي اه‍ وعن ابن عكرمة الضبي أنه قال لولا
شعر الكميت لم يكن للغة ترجمان ولا للبيان لسان وقال معاذ بن مسلم الهراء
لما سئل عن الكميت ذاك أشعر الأولين والآخرين اه‍ ١٢٦.
وابنه المستهل بن الكميت بن زيد. شاعر فصيح عاصر عبد الصمد
العباسي أمير البصرة المائة الثانية.
ويحيى بن يعمر العدواني الامام النحوي المشهور كان شاعرا وكان
شيعيا ١٢٧.
والفضل بن عبد الرحمن العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد
المطلب بن هاشم. كان شاعرا ١٢٩.
ومالك بن أعين الجهني من أصحاب الباقر ع. عده ابن
شهرآشوب في شعراء أهل البيت المقتصدين وأورد المفيد في الارشاد شعرا له
في مدح الباقر ع أواسط المائة الثانية.
والورد بن زيد الأسدي أخو الكميت. كان شاعرا ورد على الباقر
ع ومدحه وفاته حدود ١٤٠.
والقاضي عبد الله بن شبرمة الضبي الكوفي. في تاريخ بغداد
للخطيب عن العجلي كان شاعرا وقال ابن سعد كان شاعرا وعده ابن
شهرآشوب في شعراء أهل البيت المتقين من أصحاب زين العابدين ع
١٤٤.
وإبراهيم بن عبد الله بن الحسن المثنى قتيل باخمرى. كان شاعرا قتل
١٤٥.
واخوه موسى بن عبد الله بن الحسن المثنى. كان شاعرا المائة
الثانية.
وسديف بن ميمون بن مهران مولى زين العابدين ع ذكره
ابن شهرآشوب في شعراء أهل البيت المقتصدين وذكره المرزباني في شعراء
الشيعة وذكر قصته مع السفاح في قتل بني أمية وذكر أنه قتل ١٤٧.
ومحمد بن غالب بن الهذيل الكوفي الشاعر ذكره ابن شهرآشوب في
شعراء أهل البيت المقتصدين من أصحاب الصادق ع المائة
الثانية.
وزرارة بن أعين من أصحاب الصادق ع. كان شاعرا
١٥٠.
وإبراهيم بن هرمة من المخضرمين أدرك الدولتين الأموية والعباسية
وكان شاعرا مشهورا ١٥٠.
وعبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب. كان
شاعرا مجيدا وكثير من شعره في الآداب والحكم عاصر بني أمية وأوائل بني
العباس وقتل في حبس أبي مسلم الخراساني المائة الثالثة.
وأبو هريرة العجلي استنشد الصادق ع شعره وعده ابن
شهرآشوب في شعراء أهل البيت المجاهرين المائة الثانية.
وأبو هريرة الأبار مدح الصادق ع عده ابن شهرآشوب في
شعراء أهل البيت المتقين المائة الثانية.
وقدامة السعدي عده ابن شهرآشوب في المعالم في شعراء أهل البيت
(١٦٩)

المقتصدين من أصحاب الأئمة وغيرهم.
وجعفر بن عفان الطائي صاحب المراثي في الحسين ع.
قال ابن النديم في شعراء الشيعة: شعره مائتا ورقة اه‍ وعده المرزباني
في شعراء الشيعة وقال كان من شعراء الكوفة وله أشعار كثيرة في معان
مختلفة اه‍ حدود ١٥٠.
وأبو جعفر محمد بن علي بن النعمان المعروف بمؤمن الطاق. عده
المرزباني في شعراء الشيعة وذكر له شعرا فيهم ع أعجب به
المنصور المائة الثانية.
وشريك بن عبد الله القاضي النخعي الكوفي. عده المرزباني في
شعراء الشيعة وذكر له خبرا مع المهدي العباسي يدل على تشيعه وذكره
الخطيب في تاريخ بغداد وذكر ما يدل صريحا على تشيعه المائة الثانية.
والكسائي علي بن حمزة النحوي. قال ابن النديم شاعر مقل
١٨٩.
ومنصور النمري ابن سلمة بن الزبرقان بن شريك بن مطعم الكبش
الرخم عده المرزباني في شعراء الشيعة وقال إن الرشيد لما سمع قصيدته في
رثاء الحسين ع التي أولها:
- متى يشفيك دمعك من همول * ويبرد ما بقلبك من غليل -
امتعض وامر من يقتل النمري فوجده الرسول قد مات فقال خلصه
الموت اه‍ وعده ابن شهرآشوب في شعراء أهل البيت المتقين وقال قد
نبشوا قبره اه‍ ومر في البحث الثالث أن الرشيد لما سمع شعره هذا
ارسل إلى الرقة من يقتله فوجده مريضا قد أشفى على الموت فانتظره حتى
مات وأخبر الرشيد بموته فامر بنبش قبره واحراق ديوانه المائة الثانية.
ومعاذ بن مسلم الهراء الكوفي واضع علم الصرف من أصحاب
الصادق ع. كان شاعرا ١٨٨.
وعبد الله بن غالب الأسدي الشاعر. ذكره النجاشي في رجاله وعده
ابن شهرآشوب في شعراء أهل البيت المقتصدين من أصحاب الأئمة ع
أواخر المائة الثانية.
ومسلم بن الوليد الأنصاري مولاهم الملقب بصريع الغواني. ذكره
ابن شهرآشوب في شعراء أهل البيت المتقين وفي تاريخ بغداد للخطيب عن
بعضهم أن مسلم بن الوليد قال ثلاثة أبيات تناهي فيها وزاد على كل
الشعراء امدح بيت وارثي بيت واهجي بيت وذكرها ثم حكي عن أبي تمام
أنه قال أشعر الناس وأسهبهم بعد الطبقة الأولى بشار والسيد الحميري وأبو
نواس ومسلم بن الوليد بعدهم أواخر المائة الثانية.
وأبو نواس الحسن بن هانئ. عده ابن شهرآشوب في شعراء أهل البيت
والمرزباني في شعراء الشيعة وقال اما في فضله وشعره فمشهور واما
مذهبه فكان شيعيا إماميا حسن العقيدة ثم ذكر أبياته المشهورة في الرضا
ع: قيل لي أنت أوحد الناس طرا واعتنى بجمع ديوانه جماعة
من مشاهير العلماء وجماعة عملوا اخباره والمختار من شعره ذكرهم ابن
النديم في الفهرست وفيه يقول الشاعر:
- إن تكن فارسا فكن كعلي * أو تكن شاعرا فكن كابن هاني -
١٩٨.
وإسماعيل بن محمد الحميري الملقب بالسيد. ذكره المرزباني في
شعراء الشيعة وذكره ابن شهرآشوب في شعراء أهل البيت المجاهرين
استنفد شعره في معنى واحد وهو مدح أهل البيت ع ولم يترك
منقبة لأمير المؤمنين ع إلا نظم فيها شعرا قال الثوري في قصيدته
المذهبة لو أن شعرا يستحق أن لا ينشد الا في المساجد لحسنه لكان هذا ولو
خطب به خاطب على المنبر في يوم جمعة لأتى حسنا وحاز اجرا وقال في
القصيدة التي فيها: أن يقوم التطهير يوم عظيم لو قرئت على المنبر ما كان
بذلك باس وقال مروان بن أبي حفصة لما سمع المذهبة ما سمعت شعرا قط
أفيض وأغزر معان وأفصح وأقوى من هذا وقال له بشار لولا أن الله شغلك
بمدح أهل البيت لافتقرنا وسئل أبو عبيدة من أشعر الناس قال من شبه
رجلا بريح عاد يريد قوله:
- إذا اتى معشرا يوما أنامهم * انامة الريح في تدميرها عادا -
ولم يسمع ان شاعرا عمل شعرا جيدا وأكثر غيره حتى أنه رئي حمال
على جسر بغداد ينوء بحمله فسئل عنه فقال إنها ميميات السيد وعن ابن
المعتز في التذكرة أنه قال كان للسيد أربع بنات كل واحدة تحفظ أربعمائة
قصيدة لأبيها. نظم كلما سمعه في فضل علي ومناقبه ما مثله في نظم
الحديث وكل قصائده طوال كان شيعيا مجاهرا مع أن أبويه لم يكونا على ذلك
من حمير الشام قال صبت علي الرحمة صبا فكنت كمؤمن آل فرعون اه‍
١٩٩.
وعلي بن عبد الله الخوافي. له شعر في رثاء الرضا ع المائة
الثالثة.
وعبد الله بن علي الحراني من أصحاب الرضا ع. ذكره ابن
شهرآشوب في المعالم من شعراء أهل البيت المتقين المائة الثالثة أو أواخر
الثانية.
وعبد الله بن أيوب الحريبي. ذكره ابن شهرآشوب في المعالم في
شعراء أهل البيت المتقين وكان منقطعا إلى الرضا ع أواخر المائة الثانية
أو أوائل المائة الثالثة.
والمشيع المدني. ذكره ابن شهرآشوب في المعالم في شعراء أهل البيت
له رثاء في الرضا ع مذكور في العيون أوائل المائة الثالثة.
والقاسم بن يوسف الكاتب من مشاهير شعراء عصر المأمون. ذكره
المرزباني في شعراء الشيعة وقال له أشعار حسنة في فنون كثيرة وكان أحد
متكلمي الشيعة وشعرائهم وذكر جملة من أشعاره فيهم ع المائة
الثالثة.
وأشجع بن عمرو السلمي. عده ابن شهرآشوب في شعراء أهل
البيت المتكلفين له قصيدة في رثاء الرضا ع أولها:
- أقر السلام على قبر بطوس ولا * تقر السلام ولا النعمى على طوس -
٢١٠ (١).
ومحمد بن وهيب الحميري البصري البغدادي. ذكره في نسمة

(١) ذكر بعضهم ان وفاته ١٩٥ ولا يصح لأنه رثى الرضا عليه السلام والرضا توفي بعد المائتين.
- المؤلف -
(١٧٠)

السحر فيمن تشيع وشعر وأورد عن الأغاني أبياتا صريحة في تشيعه منها:
- ومنحت الود قربا * ه وواليت الوصيا -
- غير شتام ولكني * تواليت عليا -
المائة الثالثة
وأبو دلف العجلي القاسم بن عيسى ذكره صاحب نسمة السحر فيمن
تشيع وشعر ٢٢٥.
وأبو طالب القمي عبد الله بن الصلت. مدح الرضا والجواد ع
ورثى الرضا وكتب إليه الجواد ع قد أحسنت جزاك الله خيرا
ذكره ابن شهرآشوب في شعراء أهل البيت المقتصدين المائة الثالثة.
وأبو تمام حبيب بن أوس الطائي. قال له إبراهيم بن العباس الصولي
امراء الكلام رعية لاحسانك ذلك لأني أستضئ بك وأرد شريعتك قال
الآمدي في الموازنة بين أبي تمام والبحتري: أبو تمام صيقل المعاني وقال ابن
رشيق في العمدة في نقد الشعر إن أبا تمام والبحتري أخملا في زمانهما
خمسمائة شاعر كلهم مجيد وعده ابن شهرآشوب في شعراء أهل البيت المتقين
وهو القائل في قصيدته الرائية في مدح أهل البيت:
- وكوفني ديني على أن منصبي * شام ونجري أية ذكر النجر -
وديك الجن عبد السلام بن رغبان الكلبي الحمصي شاعر الشام شهد
له دعبل بأنه أشعر الجن والأنس ٢٣٦.
وإبراهيم بن العباس الصولي. قال دعبل لو تكسب إبراهيم بالشعر
لتركنا في غير شئ وقال أبو تمام لولا أن همة إبراهيم سمت به إلى خدمة
السلاطين لما ترك لشاعر خبزا وكان ثعلب يقول إبراهيم أشعر المحدثين.
عده ابن شهرآشوب في شعراء أهل البيت المتكلفين ٢٤٣.
وابن السكيت يعقوب بن أسحق البغدادي قتله المتوكل على التشيع
٢٤٤.
وأبو محمد عبد الله بن عمار البرقي كما ذكره أبو بكر الخوارزمي في
رسالته لأهل نيسابور والثعالبي وغيرهما أو علي بن محمد بن عمار البرقي كما
في المعالم لابن شهرآشوب ولعله سهو ذكره في المعالم في شعراء أهل البيت
المجاهرين وقال حرقوا ديوانه وقطعوا لسانه اه‍ والذي فعل ذلك به
المتوكل لما قرئت له قصيدته التي يقول فيها:
- لن يدفعوا حقكم إلا بدفعهم * ما أنزل الله من آي وقرآن -
فامر بقطع لسانه وإحراق ديوانه فمات بعد أيام ٢٤٥.
ودعبل بن علي الخزاعي. عده المرزباني في شعراء الشيعة
٢٤٦.
وأبو جعفر محمد بن عبد الله بن رزين الخزاعي المعروف بأبي الشيص
ابن عم دعبل الخزاعي قال ابن النديم شاعر شعره نحو خمسين ومائة ورقة
عمله الصولي اه‍ المائة الثالثة.
وابنه عبد الله بن أبي الشيص محمد بن عبد الله الخزاعي. قال
الخطيب في تاريخ بغداد إنه رثى محمد بن علي بن موسى الرضا وأبا تمام
الطائي اه‍ وقال ابن النديم شاعر شعره نحو سبعين ورقة اه‍
المائة الثالثة.
والحسين بن دعبل الخزاعي. قال ابن النديم شاعر شعره نحو مائتي
ورقة المائة الثالثة.
وموسى بن عبد الملك الكاتب البغدادي صاحب ديوان الخراج أيام
المتوكل ٢٤٦.
وأحمد بن خلاد الشروي. ذكره المرزباني في شعراء الشيعة قال وكان
شيعيا شاعرا مجيدا وذكر له شعرا في مدح أمير المؤمنين علي ع
والتعريض بالمتوكل اه‍ المائة الثالثة.
وأحمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن حمدون النديم نديم المتوكل
والظاهر أنه هو أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل الكاتب الذي عده المرزباني
في شعراء الشيعة المائة الثالثة.
وأبو عثمان المازني بكر بن محمد النحوي. كان شاعرا اورد في بغية
الوعاة من شعره وذكره النجاشي في مصنفي الامامية ٢٤٨.
وأحمد بن عمران بن سلامة الالهاني الأخفش الأول النحوي قبل
٢٥٠.
وأبو علي الحسين بن الضحاك البصري الباهلي المعروف بالخليع.
قال ابن النديم شاعر مقل وقال في موضع آخر شعره ٢٥٠ ورقة ٢٥٠.
ومحمد بن إسماعيل بن صالح الصيمري. ذكره ابن شهرآشوب في
شعراء أهل البيت وقال مادح أبي الحسن الثالث ٢٥٥.
والفضل بن محمد بن الفضل بن الحسن بن عبيد الله بن العباس بن
أبي طالب. كان شاعرا أواسط المائة الثالثة.
والحماني بالحاء المهملة علي بن محمد بن جعفر بن محمد بن زيد بن
علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الكوفي المعروف بالأفوه. كان يقول
أنا شاعر وجدي شاعر إلى أبي طالب وسال المتوكل الإمام الهادي ع
من أشعر الناس فقال الحماني حيث يقول وذكر أبياتا منها:
- فلما تنازعنا المقال قضى لنا * عليهم بما نهوى نداء الصوامع -
قال وما نداء الصوامع يا أبا الحسن قال أشهد أن لا اله إلا الله
وأشهد أن محمدا رسول الله وقال الناصر لو جاز قراءة شعر في الصلاة لكان
شعر الحماني ٢٦٠.
وداود بن القاسم الجعفري كان شاعرا ٢٦١.
وابن الرومي علي بن العباس. عده ابن شهرآشوب في شعراء أهل البيت
المقتصدين وقال ابن رشيق في العمدة أكثر المولدين اختراعا وتوليدا
فيما يقول الحذاق أبو تمام وابن الرومي ٢٨٣.
والبحتري الوليد بن عبيد الطائي. قال الآمدي في الموازنة البحتري
شعره سلاسل الذهب اه‍ الأرجح تشيعه ٢٨٤.
والشريف محمد بن صالح بن عبد الله الحجازي البغدادي. كان
شاعرا المائة الثالثة.
ونصر بن نصير الحلواني شاعر الداعي الحسن بن زيد المائة
الثالثة.
(١٧١)

وعلي بن محمد بن منصور بن بسام البغدادي صاحب الأبيات
المشهورة لما هدم المتوكل قبر الحسين ع أولها:
- تالله إن كانت أمية قد أتت * قتل ابن بنت نبيها مظلوما -
٣٠٢.
وأحمد بن عبيد الله بن محمد بن عمار الثقفي الكاتب المعروف بالعزيز
كان كاتبا شاعرا قال الخطيب في تاريخ بغداد كان يتشيع ٣١٤.
والخبزارزي البصري نصر بن أحمد المحترف بخبز الأرز أول أمي
أوتي المعجز في شعره وطبقت شهرته الدنيا. ذكره الثعالبي في اليتيمة
وقال كان شيعيا وذكره ابن خلكان وغيرهما ٣١٧.
والخباز البلدي محمد بن أحمد الأمي أيضا أحد حسنات الدنيا كما في
اليتيمة قال وكان يتشيع ويتمثل في شعره بمذهبه اه‍ المائة
الرابعة.
وأحمد بن علوية الأصبهاني الكاتب ذكره ابن شهرآشوب في شعراء
أهل البيت المجاهرين وفي معجم الأدباء عن حمزة الأصبهاني انه كان
صاحب لغة يقول الشعر الجيد وان له قصيدة على ألف قافية شيعية عرضت
على أبي حاتم السجستاني فاعجب بها وقال يا أهل البصرة غلبكم أهل
أصبهان أولها:
- ما بال عينك ثرة الإنسان * عبرى اللحاظ سقيمة الأجفان -
وأوردنا في ترجمته قسما وافرا منها وأورد ابن شهرآشوب في المناقب منها
مقطعات ٣٢٠.
وأبو بكر محمد بن الحسن بن دريد صاحب المقصورة المشهورة التي
تعد من معجزات الشعر جمع فيها بين المقصور والممدود وشرحها جملة من
العلماء. عده ابن شهرآشوب في المعالم في شعراء أهل البيت المجاهرين وفي
نزهة الألباء عن محمد بن رزق الأسدي: كان يقال إن أبا بكر بن دريد
أعلم الشعراء وأشعر العلماء. وفي بغية الوعاة عن أبي الطيب اللغوي ابن
دريد أقدر الناس على الشعر وما ازدحم العلم والشعر في صدر أحد
ازدحامهما في صدر خلف الأحمر وابن دريد. قال وله شعر كثير ٣٢١.
ومحمد بن أحمد بن إبراهيم طباطبا الحسني، في معاهد التنصيص:
شاعر مفلق وذكره صاحب نسمة السحر فيمن تشيع وشعر ٣٢٢.
ومحمد بن مزيد بن محمود البوشنجي النحوي. في تاريخ بغداد
للخطيب له شعر كثير اه‍ وأورد في بغية الوعاة بعض شعره وذكره
الشيخ في رجاله فيمن لم يرو عنهم ع ٣٢٥.
ومحمد بن أحمد بن عبيد الله الكاتب البصري المعروف بالمفجع
صاحب ثعلب. قال ابن النديم: كان شاعرا شيعيا له قصيدة يسميها
بالأشباه يمدح فيها عليا ع اه‍ وعده ابن شهرآشوب في المعالم
في شعراء أهل البيت المقتصدين وذكره الشيخ في الفهرست والنجاشي في
مصنفي الامامية وذكره الثعالبي في اليتيمة ونص على تشيعه وفي معجم
الأدباء عن تاريخ ابن بشران كان شاعر البصرة وأديبها ثم قال ما حاصله:
له قصيدة الأشباه يشير فيها إلى ما رواه عبد الرزاق بسنده عن أبي هريرة
عن النبي ص ان تنظروا إلى آدم في علمه ونوح في همه
وإبراهيم في خلقه وموسى في مناجاته وعيسى في سنه (١) ومحمد في هديه
وحلمه فانظروا إلى هذا المقبل فتطاول الناس فإذا هو علي بن أبي طالب
أولها:
- أيها اللائمي لحبي عليا * قم ذميما إلى الجحيم خزيا -
أشبه الأنبياء كهلا وزولا * وفطيما وراضعا وغذيا ٣٢٧ -
وعلي بن العباس النوبختي. كان شاعرا وآل نوبخت شيعة بنص ابن
النديم ٣٢٩.
وأبو نصر القاسم بن أحمد الحروري ذكره ابن شهرآشوب في المعالم في
شعراء أهل البيت المجاهرين وذكره المسعودي في مروج الذهب والثعالبي في
اليتيمة ٣٣٢.
وأبو بكر الصنوبري أحمد بن محمد الجزري الرقي البارع في الشعر لا
سيما في وصف الرياض. عده ابن شهرآشوب في شعراء أهل البيت
المقتصدين ٣٣٤.
وأبو بكر الصولي محمد بن يحيى. كان شاعرا أديبا عده ابن
شهرآشوب في شعراء أهل البيت المتقين ٣٣٥.
وأبو زهير مهلهل بن نصر حمدان التغلبي. كان شاعرا استشهد غازيا
٣٣٩.
والأبيض بن عباس بن عبد الله الحسيني الشاعر المعروف أواسط
المائة الرابعة.
وأحمد بن يوسف بن إبراهيم الكاتب المعروف بابن الداية. عده ابن
شهرآشوب في شعراء أهل البيت المقتصدين ٣٤٠.
والقاضي التنوخي علي بن محمد علي بن الحسن عده ابن
شهرآشوب في شعراء أهل البيت المجاهرين وقال ابن خلكان إنه كان
معتزليا وهو مبني على الخلط بين بعض أصول الشيعة وأصول المعتزلة كما
نسب الصاحب والمرتضى وغيرهما إلى الاعتزال ٣٤٢.
وكشاجم محمود بن الحسين بن السندي بن شاهك. عده ابن
شهرآشوب في شعراء أهل البيت المجاهرين ٣٥٠.
العوني طلحة بن عبيد الله بن محمد بن عون الغساني المصري. عده
ابن شهرآشوب في شعراء أهل البيت المجاهرين قال ونظم أكثر المناقب
ويتهمونه بالغلو حدود ٣٥٠.
والزاهي علي بن إسحاق البغدادي عده ابن شهرآشوب في شعراء أهل البيت
المجاهرين قال ابن خلكان عن عميد الدولة في طبقات الشعراء شعره
في أربعة أجزاء أكثره في أهل البيت ومدح سيف الدولة والوزير المهلبي
وغيرهما من الرؤساء وقال في جميع الفنون اه‍ وقال السمعاني كان حسن
الشعر اه‍ والظاهر أن تسميته بالزاهي لزهوه في فنون الشعر لا إلى القرية
بنيشابور لأنه بغدادي ٣٥٢.
والوزير المهلبي الحسن بن هارون وزير معز الدولة بن بويه. كان
شاعرا ٣٥٢.

(١) كذا في الأصل ولعله في زهده أو نحوه.
- المؤلف -
(١٧٢)

وجعفر بن محمد بن ورقاء الشيباني من الشعراء المجيدين. بينه وبين
أبي فراس الحمداني مراسلات ٣٥٢.
وسيف الدولة علي بن عبد الله بن حمدان التغلبي. كان شاعرا
٣٥٦.
وأبو الفرج الأصبهاني علي بن الحسين الأموي المرواني كان شاعرا
٣٥٦.
وأبو الطيب المتنبي أحمد بن الحسين كما ستعرف فيما يأتي وكفى به في
الشعر ٣٥٤.
وأبو فراس الحارث بن سعيد الحمداني التغلبي. في اليتيمة: كان
فرد دهره أدبا وبلاغة وبراعة وشعره مشهور سائر بين الحسن والجودة
والسهولة والجزالة والعذوبة والفخامة والحلاوة والمتانة وكان الصاحب يقول
بدئ الشعر بملك وختم بملك يعني امرأ القيس وأبا فراس وكان المتنبي
يشهد له بالتقدم والتبريز ويتحامى جانبه اه‍ وكفى به مدحا ٣٥٧.
ونصر بن حمدان عم أبي فراس. وأبو العلاء سعيد الحمداني قال ابن
خالويه: كانا شاعري بني حمدان المائة الرابعة.
وناصر الدولة الحسن بن عبد الله بن حمدان صاحب الموصل كان
شاعرا ٣٥٨.
وأبو محمد الحسن بن حمزة بن علي الطبري المرعشي ذكره ابن
شهرآشوب في شعراء أهل البيت المقتصدين من السادات ٣٥٨.
ومحمد بن هانئ الأندلسي متنبي الغرب شاعر الفاطميين. ذكره ابن
شهرآشوب في شعراء أهل البيت المجاهرين. ولما توجه المتنبي نحو مصر
سمع منشدا يقول:
- تقدم خطا أو تأخر خطا * فان الشباب مشى القهقرى -
فقال سد ابن هاني علينا طريق المغرب وانصرف اه‍ وقال ابن
خلكان ليس في المغاربة من هو في طبقته لا من المتقدمين ولا من المتأخرين
بل هو أشعرهم على الإطلاق وهو عند المغاربة كالمتنبي عن المشارقة وكانا
متعاصرين اه‍ وفي الإحاطة كان من فحول الشعراء وأمثال النظم
وبرهان البلاغة لا يدرك شاوه ولا يشق غباره اه‍ ٣٦١.
والسري بن أحمد الرفا الموصلي. عده ابن شهرآشوب في شعراء أهل البيت
المتقين ٣٦٣.
وابنه أبو عبد الله محمد بن السري. كان شاعرا كأبيه المائة
الرابعة.
والناشي الأصغر علي بن عبد الله بن وصيف. عده ابن
شهرآشوب في المعالم من شعراء أهل البيت المجاهرين وقال حرقوه بالنار وفي
أنساب السمعاني انما قيل له الناشي لأنه نشا في فن من الشعر والمشهور بهذه
النسبة علي بن عبد الله الناشي شاعر مشهور اه‍ وقال ابن خلكان هو
من الشعراء المحسنين وله في أهل البيت قصائد كثيرة وكان من كبار الشيعة
ومضى إلى الكوفة وأملى شعره بجامعها وكان المتنبي وهو صبي يحضر مجلسه
بها وكتب من إملائه لنفسه من قصيدة:
- كان سنان ذابله ضمير * فليس عن القلوب له ذهاب -
- وصارمه كبيعته بخم * معاقدها من الخلق الرقاب -
ونظم المتنبي نظير هذا فقال في سيف الدولة:
- كان الهام في الهيجا عيون * وقد طبعت سيوفك من رقاد -
- وقد صغت الأسنة من هموم * فما يخطرن إلا في فؤاد -
اه‍ والبيتان من قصيدة له في أمير المؤمنين علي ع
أولها:
- بال محمد عرف الصواب * وفي أبياتهم نزل الكتاب -
٣٦٦.
والقاضي أبو بكر محمد بن عبد الرحمن المعروف بابن قريعة صاحب
الأبيات التي أولها:
- يا من يسائل دائبا * عن كل معضلة سخيفة -
والسوسي الأمير أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن عبد العزيز. ذكره
ابن شهرآشوب في المعالم في شعراء أهل البيت المجاهرين وأكثر في كتاب
المناقب من نقل أشعاره في أهل البيت ٣٧٠.
وأبو عبد الله الحسين بن داود البشنوي الكردي. ذكره ابن
شهرآشوب في المعالم في شعراء أهل البيت المجاهرين ونقل في المناقب كثيرا
من شعره ٣٧٠.
وعضد الدولة فناخسرو بن بويه الديلمي كان شاعرا ٣٧٢.
والقاضي ابن الحسن علي بن القاضي أبي حنيفة النعمان قاضي
الفاطميين بمصر ٣٧٤.
ومحمد بن أحمد الصقر الموصلي. اورد ابن شهرآشوب في المناقب من
شعره في أهل البيت ع. وفي المعالم الصقر البصري وفي نسخة
ابن الصقر النصري فلعله غيره حدود ٣٧٥.
وأبو الفرج الحسين بن محمد بن هند الرازي عده ابن شهرآشوب في
شعراء أهل البيت المتقين وفي اليتيمة انه من أصحاب الصاحب ومن تخرجوا
بمحاورته وصحبته المائة الرابعة.
وأبو بكر محمد بن هاشم بن وعلة الخالدي أحد الخالديين الموصليين
الشاعرين الشهيرين ٣٨٠.
وأخوه ابن عثمان سعيد بن هاشم الخالدي. ذكرهما ابن شهرآشوب
في المعالم في شعراء أهل البيت المتقين المائة الرابعة.
وأبو الفضل سليمان بن محمد الإسكافي. عده ابن شهرآشوب من
شعراء أهل البيت المجاهرين ٣٨٠.
وأبو بكر بن العباس الخوارزمي الطبري. عده ابن شهرآشوب في
المعالم من شعراء أهل البيت ٣٨٣.
والقاضي التنوخي المحسن بن علي بن محمد بن أبي الفهم. كان
شاعرا ٣٨٤.
وأبو العلاء محمد بن إبراهيم القارني السروي. عده ابن شهرآشوب
في المعالم من شعراء أهل البيت المتقين وقال الثعالبي في اليتيمة واحد
طبرستان أدبا وفضلا ونظما ونثرا ٣٨٥.
(١٧٣)

والصاحب إسماعيل بن عباد وزير مؤيد الدولة بن بويه ثم وزير
أخيه فخر الدولة بن بويه. عده ابن شهرآشوب في المعالم في شعراء أهل البيت
المجاهرين وقيل أن له عشرة آلاف بيت في مدح أهل البيت فضلا
عن شعره في غير ذلك ٣٨٥.
والأمير أبو الحسن أحمد بن عضد الدولة فناخسرو. عده ابن
شهرآشوب في شعراء أهل البيت المقتصدين قتل ٣٨٧.
والحسين بن محمد الرافقي المعروف بالخالع. ذكره النجاشي في
مؤلفي الشيعة وفي معجم الأدباء وبغية الوعاة كان شاعرا ٣٨٨.
ومحمد بن النعمان قاضي مصر كان شاعرا ٣٨٩.
وسلامة بن الحسين الموصلي عده ابن شهرآشوب في شعراء أهل البيت
المجاهرين ٣٩٠ تقريبا.
والمقلد بن المسيب العقيلي حسام الدولة ملك بلاد الموصل. قتل
٣٩١.
والحسين بن أحمد بن الحجاج الكاتب البغدادي الشاعر المجوني الهزلي
المشهور. كان فرد زمانه فيما ابتكر من المجون حتى في مديح الكبراء. ولم
يسبقه إلى تلك الطريقة أحد مع عذوبة الألفاظ وعدم التكلف. ديوان
شعره عشرة مجلدات انتخب منه السيد الرضي ما خلا من السخف والمجون
وسماه الحسن من شعر الحسين ورتبه البديع الأسطرلابي الشاعر هبة
الله بن حسن على أحد وأربعين ومائة باب وجعل كل باب في فن من فنون
الشعر وسماه درة التاج في شعر ابن الحجاج ٣٩١.
وأبو الحسن محمد بن عبد الله المعروف بالسلامي الشاعر ٣٩٣.
والحسن بن علي بن محمد الضبي المعروف بابن وكيع البغدادي
التنيسي ٣٩٣.
وأحمد بن فارس اللغوي صاحب المجمل كان شاعرا ٣٩٥.
وبديع الزمان أحمد بن الحسين الهمذاني. كان كاتبا شاعرا
٣٩٨.
والرئيس أبو العباس أحمد بن إبراهيم الضبي. عده ابن شهرآشوب
في المعالم في شعراء أهل البيت المجاهرين ٣٩٩.
وأبو الحسن علي بن محمد العدوي الشمشاطي. قال النجاشي:
فاضل أهل زمانه وأديبهم اه‍ كان مختصا بسيف الدولة واختار من
مدائح الشعراء لسيف الدولة عشرة آلاف بيت ذكره الثعالبي المائة
الرابعة.
وحمدان بن ناصر الدولة الحسن بن عبد الله بن حمدان التغلبي المائة
الرابعة.
وأبو الحسن علي بن حماد بن عبيد العبدي الاخباري البصري شاعر
آل محمد ع. عده ابن شهرآشوب في شعراء أهل البيت
المجاهرين حدود ٤٠٠.
وشداد بن إبراهيم الجرزي كان شاعرا حدود ٤٠٠.
وعبدان بن محمد الأصفهاني الخوزي ذكره ابن شهرآشوب في شعراء
أهل البيت المتقين وذكره الثعالبي في اليتيمة حدود ٤٠٠.
ومحمد بن حبيب الضبي عده ابن شهرآشوب في شعراء أهل البيت
المقتصدين وشعره جيد جدا له قصيدة في رثاء الرضا ع حين زاره
أولها:
- قبر بطوس به أقام امام * حتم إليه زيارة ولمام -
حدود ٤٠٠
والأمير أبو الحسن محمد بن عبيد الله الأشتر الحسيني ممدوح المتنبي
المائة الرابعة.
والقاضي أبو القاسم علي بن محمد بن أبي الفهم التنوخي عده ابن
شهرآشوب في المعالم في شعراء أهل البيت المجاهرين أواخر المائة الرابعة أو
أوائل الخامسة.
وأبو الفتح علي بن محمد البستي. ذكره ابن شهرآشوب في شعراء
أهل البيت المتقين وذكره في اليتيمة باسم: أبو الفتح البستي الكاتب
أواخر المائة الرابعة أو أوائل الخامسة.
والشريف الرضي محمد بن الحسين الذي قيل فيه أنه أفصح قريش
الذين هم أفصح العرب لأنه مكثر مجيد ٤٠٦.
وأبو الحسن علي بن أحمد بن نوبخت قال ابن خلكان كان شاعرا
مجيدا اه‍ وتشيع آل نوبخت مشهور ٤١٦.
والوزير المغربي الحسين بن علي وزير الحاكم الفاطمي كان شاعرا
مجيدا قال ابن خلكان له ديوان شعر ونثر وكان يحفظ في صغره ١٥ ألف
بيت ٤١٨.
وعبد المحسن الصوري العاملي من الشعراء المشهورين له ديوان شعر
مخطوط ٤١٩.
وابنه عبد المنعم بن عبد المحسن الصوري العاملي ذكره الثعالبي في
اليتيمة وذكر قطعا من شعره المائة الخامسة.
والأديب المرزوقي ذكره ابن شهرآشوب في شعراء أهل البيت
المقتصدين ويظن أنه الامام المرزوقي أحمد بن محمد بن الحسن الأصبهاني كما
قاله بعضهم فإن كان هو فوفاته ٤٢١.
والأستاذ أبو سعيد أو سعد منصور بن الحسين الآبي صاحب نثر
الدرر. ذكره الثعالبي في تتمة اليتيمة وقال له بلاغة وشعر بارع وأورد
كثيرا من شعره ٤٢٢.
ووجيه الدولة ذو القرنين بن ناصر الدولة حمدان بن ناصر الدولة
الحسين بن حمدان التغلبي كان شاعرا ٤٢٨.
ومهيار الديلمي البغدادي تلميذ الشريف الرضي الجامع بين فصاحة
العرب ومعاني الفرس وبين الجودة والاكثار وطول النفس اقتفاء لأثر أستاذه
٤٢٨.
وابنه أبو عبيد الله الحسين بن مهيار ذكره الباخرزي في دمية القصر في
أدباء العصر المائة الخامسة.
والشريف المرتضى علم الهدى علي بن الحسين الموسوي. قيل فيه:
لولا الرضي لكان المرتضى أشعر الناس ولولا المرتضى لكان الرضي اعلم
(١٧٤)

الناس. في خلاصة العلامة: متوحد في علوم كثيرة متقدم في علوم وعد
منها الشعر قال وديوان شعره يزيد على عشرين ألف بيت ٤٣٦.
والمنازي أحمد بن يوسف السليكي صاحب الأبيات المشهورة: وقانا
لفحة الرمضاء واد ٤٣٧.
والأمير حسام الدولة أبو الشوك فارس بن محمد بن عنان مالك الجبل
من الدينور وقرميسين كرمنشاه وغيرهما ذكره ابن شهرآشوب في شعراء
أهل البيت المجاهرين ٤٣٧.
والحسن بن المظفر الضرير النيشابوري الخوارزمي كان شاعرا
٤٤٢.
والأمير قرواش بن المقلد العقيلي كان شاعرا قتل ٤٤٤.
ومحمد بن أحمد الإسحاقي الصادقي من أحفاد الإمام جعفر الصادق
ع بينه وبين أبي العلاء المعري مراسلة شعرية أواسط المائة
الخامسة.
ومحمد بن علي بن حسول الهمذاني كان شاعرا حدود ٤٥٠.
وزيد بن سهل المرزكي الموصلي كان شاعرا حدود ٤٥٠.
ومحمد بن عبيد الله الحسني البلخي من نسل الحسين الأصغر شاعر
مجيد ذكره الباخرزي ٤٥٠ ونيف.
ومروان بن محمد السروجي المرواني. عده المرزباني في شعراء الشيعة
وقال كان من بني أمية من كبار مصر وكان حسن التشيع وذكر له أبياتا في
أهل البيت ع ٤٦٠.
والحسن بن صافي ملك النحاة ذكر السيوطي في بغية الوعاة من
مؤلفاته ديوان شعره ٤٦٣.
وعبد الله بن سعيد بن سنان الخفاجي الحلبي صاحب قلعة اعزاز له
شعر في أمير المؤمنين ع يدل على تشيعه وله شعر في الحسين ع
توفي مسموما ٤٦٦.
وعلي بن محمد بن المقلد صاحب قلعة شيزر الأموي كان شاعرا
٤٧٥.
وأحمد بن منصور بن علي القطيفي القطان البغدادي كان أديبا شاعرا
حدود ٤٨٠.
وعلي بن سعد القمي. في مجالس المؤمنين: كان كاتبا أديبا شاعرا
نظم الشعر فأجاد وكتب للسلجوقية وذكر له أبياتا يذكر فيها الأئمة الاثني
عشر وقصيدة في مدح أمير المؤمنين ع ٤٨٢.
وأحمد بن علي بن الفرات الدمشقي قال ابن عساكر كان من أهل
الأدب والفضل له شعر ونص هو والذهبي على تشيعه ٤٩٩.
وعلي بن الناصر لدين الله الحسن الأطروش معاصر إسماعيل بن نوح
الساماني المائة الرابعة.
والشريف محمد بن موسى بن حمزة الموسوي المائة الرابعة أو
الخامسة.
وأبو الحسن علي بن محمد الحريري. من شعراء دمية القصر المائة
الخامسة.
والشريف محمد بن أحمد طباطبا الحسني الأصفهاني المائة
الخامسة.
وأبو الحسين علي بن حماد بن عبيد العبيدي البصري. عده ابن
شهرآشوب في شعراء أهل البيت المجاهرين وقال يقال إنه لم يذكر بيتا إلا في
أهل البيت لكنه توهم فاورد الحديث الوارد في سفيان بن مصعب في هذا
المائة الخامسة.
وعلي بن عبد الله بن الهيضم الهروي كان شاعرا حدود ٥٠٠.
وابن الهبارية محمد بن محمد العباسي صاحب الصادح والباغم
٥٠٤.
ومحمد بن أحمد الأبيوردي الأموي القائل في رثاء الحسين ع
من قصيدة:
- وجدي وهو عنبسة بن صخر * برئ من يزيد ومن زياد -
٥٠٧.
والطغرائي الحسين بن علي صاحب لامية العجم الشهيرة ذات
الشروح الكثيرة كان طغرائيا للسلطان مسعود السلجوقي قتل ظلما ٥١٥
أو ٥١٨.
والبارع بن الدباس الحسين بن محمد له ديوان شعر مذكور في
إجازات البحار: قال السيوطي كان فاضلا عارفا بالآداب وله شعر في
الغاية ٥٢٤.
والأمير دبيس بن سيف الدولة صدقة الأسدي صاحب الحلة السيفية
المقتول غدرا من قبل السلطان مسعود السلجوقي ٥٢٩.
واخوه بدران بن صدقة. كان شاعرا توفي بمصر ٥٣٥.
والشريف أبو السعادات هبة الله بن علي الحسني البغدادي المعروف
بابن الشجري ٥٤٢.
وأحمد بن منير الطرابلسي الشاعر المشهور صاحب القصيدة التترية
٥٤٨.
وأبو الغمر عبد الملك البعلبكي ذكره ابن شهرآشوب في شعراء أهل البيت
المقتصدين ٥٥٠ ونيف.
ويحيى بن سلامة الحصكفي كان شاعرا خطيبا ٥٥٣ أو ٥٥١.
والملك الصالح طلائع بن رزيك وزير الفاطميين عده ابن شهرآشوب
في شعراء أهل البيت المجاهرين له ديوان شعر في مجلدين ٥٥٦.
والقاضي أحمد بن علي بن إبراهيم المصري الغساني كان شاعرا قتل
٥٦٢.
وعلي بن الحسن بن الفضل المعروف بصردر ٥٦٥.
والقاضي محمد بن عبد الملك بن أبي جرادة الحلبي كان شاعرا
٥٦٦.
(١٧٥)

والسيد فضل الله بن علي الراوندي كان شاعرا ٥٧٠.
وسعد بن محمد بن سعد التميمي المعروف بحيص بيص ٥٧٤.
وإسماعيل بن الحسين العودي العاملي المعروف بشهاب الدين بن
شرف الدين ٥٨٠.
وأبو الفتح محمد بن عبيد الله بن عبد الله الشهير بسبط ابن
التعاويذي ذكره في نسمة السحر فيمن تشيع وشعر وقال كان من كبار
الشيعة وقال ابن خلكان كان شاعر وقته جمع شعره بين جزالة الألفاظ
وعذوبتها ورقة المعاني ودقتها وفيما اعتقد أنه لم يوجد قبله بمائتي سنة من
يضاهيه قال صاحب نسمة السحر وقفت على ديوانه وهو حقيق بما أطراه به
ابن خلكان ثم اورد كثيرا من شعره الدال على تشيعه ومنه أبيات رائية كتبها
إلى محمد بن المختار العلوي نقيب مشهد الكوفة تشبه رائية ابن منير
الطرابلسي أقول ديوان شعره مطبوع وفيه القصيدة اليائية في رثاء
الحسين ع والأبيات الرائية المذكورة ٥٨٣ (١).
وأسامة بن مرشد الكناني الكلبي. كان شاعرا ٥٨٤.
ويحيى بن سعيد بن هبة الله الشيباني البغدادي. في معجم الأدباء
كان كاتبا أديبا شاعرا ٥٩٤.
وسعد بن أحمد بن مكي النيلي المؤدب المعروف بابن مكي. قال ابن
خلكان (٢) له شعر أكثره في الأئمة من أهل البيت وقال العماد الكاتب كان
غاليا في التشيع وعده ابن شهرآشوب في شعراء أهل البيت المتقين ٥٩٥
٥٦٥ معجم الأدباء.
والحسن بن علي بن نصر بن عقيل العبدي الواسطي ٥٩٦.
ومحمد بن الحسين الطوسي من شعراء الخريدة المائة السادسة.
وأبو السعادات أحمد بن محمد بن غالب العطاردي. في انساب
السمعاني له شعر رائق غير أنه كان يميل إلى التشيع نزلت عليه وكتبت عنه
من شعره مقطعات اه‍ المائة السادسة.
وأبو الغمر ناهض بن تومة العامري من شعراء الدولة العباسية.
والناصر لدين الله محمد بن عبد الله الحسني كان شاعرا أوائل المائة
السابعة.
وعلي بن محمد بن السكون الحلي النيلي. كان شاعرا ٦٠٦.
والامام الناصر لدين الله. الخليفة العباسي ٦٢٢.
وراجح بن إسماعيل الأسدي الحلي ٦٢٧.
وأبو المحاسن يوسف بن الحسين الكوفي الحلبي المعروف بالشواء
ديوان شعره أربعة مجلدات ٦٣٥.
والملك الأفضل علي بن صلاح الدين الأيوبي. كان شاعرا شيعيا
٦٤٢.
وأحمد بن علي بن معقل الأزدي. في بغية الوعاة عن الذهبي: اخذ
الرفض عن جماعة بالحلة وكان غاليا في التشيع وقال الشعر الرائق ونظم
الايضاح والتكملة الفارسي فأجاد ٦٤٤.
وعلي بن الحسين بن حماد الليثي الواسطي المائة السابعة.
وولده الحسين بن علي بن الحسين بن حماد.
ومحمد بن يوسف الأزدي الأندلسي الغرناطي من شعره قصيدة
ستمائة بيت ٦٣٣.
وأبو الحسين الجزار يحيى بن عبد العظيم المصري ٦٧٢.
وجعفر بن محمد بن نما الحلي ٦٨٠ تقريبا.
ومحفوظ بن وشاح الحلي ٦٩٠.
واسعد بن عبد الغني بن قادوس العدوي المصري الملقب بالقاضي
النفيس والمعروف بابن قادوس على احتمال ٦٩٣.
وعلي بن عيسى الأربلي صاحب كشف الغمة ٦٩٣.
ومعاصره أحمد بن منيع الحلي. له تقريظ على كشف الغمة.
ومحمد بن الحسن بن كحيل الكردي الحلي المعروف بابن نعيم له
قصائد على حروف المعجم في مدح أمير الحلة الحسن بن نجم الحلي الأسدي
رأيناها بخطه في مجموع فرع منه ٦٩٥.
وعلاء الدين علي بن عبد الله الكندي الشامي الشهير بالوداعي. في
فوات الوفيات للكتبي هو صاحب التذكرة الكندية الموقوفة بالسميساطية في
خمسين مجلدا بخطه فيها عدة فنون وكان شيعيا اه‍ ثم اورد جملة من
أشعاره. وفي نسمة السحر كان أول الفاتحين بابا للتورية والاستخدام بتلك
السهولة وذلك الانسجام وذكر شعرا له في ذلك ثم ذكر ما ذكره تقي
الدين بن حجة في كشف اللثام عن التورية والاستخدام فيما اخذه جمال
الدين بن نباتة من شعر علاء الدين الوداعي وذكر شيئا كثيرا من ذلك
فيذكر أولا قال الوداعي ثم يقول اخذه ابن نباتة فقال، إلى نحو اثني عشر
فصلا من هذا القبيل ثم قال وما أحسن ما قاله يوسف بن علي في سرقة ابن
نباتة معاني الوداعي وفيه التورية:
- عزا ابن نباتة شعر الوداعي * إليه بسرقة لا باختراع -
- ففارق يا فتى من قال هذا * نباتي وقل هذا وداعي -
والحسن بن علي بن داود الحلي صاحب الرجال ٧٤٠ ونيف.
والشيخ علي بن عبد العزيز الخليعي الموصلي الحلي حدود ٧٥٠.
وصفي الدين عبد العزيز بن سرايا الحلي الشاعر المجيد الذي لا
يدانيه أحد في عصره المتفتن في أنواع الشعر مخترع المحبوكات والموشح
المضمن لم يسبقه إليهما أحد ومخترع نظم البديع في مدح الرسول ص.
في نسمة السحر له فضل السبق إلى ذلك وانما تبعه الحموي والموصلي
ومحمد بن جابر الأندلسي اه‍ ٧٥٢.
والسيد علي بن عبد الحميد بن فخار بن معد. كان شاعرا
٧٦٠.
والسيد تاج الدين محمد بن قاسم الحسيني الديباجي ٧٧٦.

(١) ما وقع في نسمة وتبعه بعض المعاصرين من أن وفاته (٥٥٣) هو سهو بل ذلك وفاة
جده.
(٢) كذا في الأصل ولم نجده في تاريخ ابن خلكان فلينظر.
- المؤلف -
(١٧٦)

والسيد محمد بن الحسن أبي الرضا العلوي البغدادي المائة
الثامنة.
والشهيد الأول محمد بن مكي العاملي الجزيني شهادته ٧٨٦.
وأبو الحسن علاء الدين علي بن الحسين الشفهيني الحلي المائة
الثامنة.
والشيخ رجب البرسي كان شاعرا ٨٠٠.
والشيخ علي بن عبد الحميد النيلي حدود ٨٠٠.
والشريف عز الدين أحمد بن أحمد بن محمد الحسيني الإسحاقي
الحلبي نقيب الاشراف بحلب من ذرية إسحاق بن جعفر الصادق ع
يلتقي في النسب مع بني زهرة ٨٠٣.
ومحمد بن عبد الله السبعي البحراني ٧١٥.
وأحمد بن عبد الله المعروف بابن المتوج البحراني ٨٢٠.
والشيخ تاج الدين الحسن بن راشد بن عبد الكريم المخزومي الحلي
٨٢٠.
والشيخ ناصر بن إبراهيم البويهي العاملي العيناثي ٨٥٢.
والشيخ مفلح بن الحسن الصيمري البحراني. كان شاعرا أواخر
المائة التاسعة.
والشيخ إبراهيم بن علي الحارثي العاملي الكفعمي ٩٠٥.
وأحمد بن محمد السبعي البحراني الهندي ٩٦٠ ونيف.
والشيخ حسين بن عبد الصمد الحارثي العاملي والد البهائي
٩٨٤.
والشيخ شمس الدين محمد العاملي الحياني تلميذ الشهيد الثاني نزيل
خراسان المائة العاشرة.
والسيد حسين بن أحمد الحسيني الغريفي البحراني ١٠٠١.
والشيخ داود الأنطاكي العاملي الطبيب البصير ١٠٠٩.
وأبو المعالي درويش الطالوي الشامي مفتي دمشق ١٠١٤.
والأمير موسى بن علي الحرفرشي الخزاعي البعلبكي ١٠١٦.
وداود بن محمد بن أبي شافير البحراني ١٠٢٠.
ومحمد بن محمد بن حماد الجزائري ١٠٢٠.
والشيخ جعفر الخطي البحراني شاعر عصره له ديوان شعر في جميع
فنون الشعر ١٠٢٨.
والسيد ماجد البحراني الذي شهد له شاعر وقته الشيخ جعفر الخطي
بأنه الشاعر الفحل ١٠٢٨.
والشيخ البهائي محمد بن حسين العاملي ١٠٣١.
والشيخ فرج الله الحويزي الخطي ١٠٣٥.
والشيخ حسن العاملي الحانيني ١٠٣٥.
والشيخ نجيب الدين علي بن محمد الجبيلي الجبعي العاملي
١٠٥٠.
والشيخ محمد بن علي الحرفوشي البعلبكي الدمشقي ١٠٥٩.
والشيخ زين الدين بن محمد حفيد الشهيد الثاني ١٠٧٦ أو
١٠٦٢.
والسيد حسين شهاب الدين العاملي الكركي ١٠٧٦.
والشيخ زين العابدين بن الحر العاملي أخو صاحب أمل الآمل
١٠٨٧.
والسيد محمد بن الحسين الحسيني الحائري النجفي له ديوان شعر
١٠٨٣.
والسيد محمد بن قاسم الحسيني العاملي العيناثي الجزيني ١٠٨٥.
والسيد شهاب الدين الموسوي الشهير بابن معتوق ١٠٨٧.
والشيخ محمد بن علي بن محمود العاملي المشغري ١٠٩٠ ونيف.
والسيد حسين بن علي بن شدقم الحسيني المدني ١٠٩٠.
والسيد جمال الدين بن علي الموسوي العاملي الجبعي ابن أخي صاحب
المدارك ١٠٩٨.
والشيخ محمد بن المتريض البغدادي المائة الثانية عشرة.
والشيخ محمد بن عيد النجفي المالكي من نسل مالك الأشتر المائة
الثانية عشرة.
والشيخ يوسف الحصري شهيد مسجد الكوفة المائة الثانية
عشرة.
والسيد نعمان الأعرجي الحسيني الحلي المائة الثانية عشرة.
ومحمد بن عبد الله بن أبي شبانة البحراني المائة الثانية عشرة.
ومحمد بن علي بن بشارة النجفي صاحب نشوة السلافة المائة الثانية
عشرة.
والشيخ مسيحا الشيرازي المائة الثانية عشرة.
وهؤلاء السبعة في عصر صاحب السلافة.
والأمير علي بن المقرب الأحسائي من ربيعة. في أنوار البدرين: كان
أديبا فاضلا شاعرا مصقعا من شعراء أهل البيت ومادحيهم المتجاهرين له
ديوان شعر مطبوع ١١١١.
والشيخ محيي الدين بن كمال الدين الطريحي النجفي ١١١٤.
والشيخ محيي الدين بن الحسين الجامعي الحارثي الهمداني العاملي
النجفي كان حيا ١١١٦.
والسيد علي خان صاحب السلافة ١١٢٠.
والشيخ سليمان بن عبد الله البحراني ١١٢١.
والحاج هاشم بن حردان الكعبي شاعر أهل البيت صاحب القصائد
الرنانة ١١٣١.
(١٧٧)

والسيد فخر الدين بن علي الحسيني العاملي العيناثي ١١٣٤.
والسيد محمد حيدر العاملي الموسوي ١١٣٩.
والشيخ محسن بن فرج الجزائري النجفي حدود ١١٥٠.
والشيخ يوسف بن محمد بن أبي ذئب البحراني حدود ١١٥٥.
والسيد نصر الله بن الحسين الحائري استشهد ١١٥٥.
والحاج محمد جواد عواد البغدادي المائة الثانية عشرة.
والحاج محمد بن دخيل علي البغدادي المائة الثانية عشرة.
والسيد محمد العطار البغدادي المائة الثانية عشرة.
والشيخ يونس بن ياسين النجفي المائة الثانية عشرة.
وهؤلاء الأربعة في عصر السيد نصر الله الحائري.
والسيد حسين بن الرشيد الحسيني الرضوي النجفي الحائري
١١٥٦.
والشيخ نصر الله حدرج العاملي المائة الثانية عشرة.
والسيد علي خان المشعشعي حاكم الحويزة المائة الثانية عشرة.
والشيخ علي زيني العاملي النجفي المائة الثانية عشرة.
والشيخ حسن بن محمد بن نصار الجزائري المائة الثانية عشرة.
والشيخ حسن الملك المائة الثانية عشرة.
والشيخ أحمد النحوي الحلي النجفي ١١٨٣.
والشيخ إبراهيم العاملي الحاريصي شاعر الأمير ناصيف بن نصار
العاملي ١١٨٩.
والسيد صادق الفحام النجفي ١٢٠٥.
وولده السيد محمد في عصر بحر العلوم أوائل المائة الثالثة عشرة.
والشيخ محمد العاملي معاصر بحر العلوم أوائل المائة الثالثة
عشرة.
والشيخ محمد بن يوسف آل محيي الدين العاملي النجفي معاصر بحر
العلوم أوائل المائة الثالثة عشرة.
والملا كاظم ابن الحاج محمد الآزري التميمي البغدادي الشاعر
المشهور ١٢١١.
والسيد مهدي الطباطبائي النجفي الملقب بحر العلوم الذي راج
سوق الأدب في عصره رواجا لم يسبق له مثيل ١٢١٢.
والشيخ إبراهيم بن يحيى العاملي ١٢١٤.
والسيد محمد بن أحمد بن أحمد بن زين العابدين البغدادي النجفي
المعروف بالسيد محمد زيني ١٢١٦.
والشيخ قاسم بن محمد الحائري الملقب بالهر ١٢١٦.
والشيخ شريف بن فلاح الكاظمي ١٢٢٠.
والملا يوسف الآزري الكاظمي ١٢٢١.
والشيخ حميد بن نصار الشيباني اللملومي النجفي ١٢٢٥.
والشيخ علي عوض الحي ١٢٢٥.
والشيخ محمد رضا بن أحمد الحلي النجفي ١٢٢٦.
والشيخ جعفر الفقيه النجفي صاحب كشف الغطاء ١٢٢٨.
والسيد محسن الأعرجي المعروف بالمحقق الكاظمي ١٢٢٨.
والشيخ محمد بن إسماعيل المعروف بابن الخلفة الحلي صاحب
الركبانية المشهورة كان شاعرا مجيدا يتحرف بصنعة البناء ويعرب الكلام على
السليقة المائة الثالثة عشرة.
والشيخ مسلم بن عقيل الجساني ١٢٣٠.
والشيخ محمد بن علي بن حسين الأعسم النجفي ١٢٣٣.
والشيخ هادي بن الشيخ احمد النحوي ١٢٣٥.
والشيخ محمد رضا الأزري البغدادي ١٢٤٠.
والشيخ محمد بن إدريس بن مطر الحلي ١٢٤٧.
والشيخ عبد الحسين ابن الشيخ محمد علي الأعسم النجفي صاحب
المراثي المشهورة في الحسين ع ١٢٤٧.
والشيخ شريف بن محمد بن يوسف آل محيي الدين العاملي النجفي
١٢٥٠.
والشيخ محمد زاهد النجفي المائة الثالثة عشرة.
والسيد مهدي القطيفي المائة الثالثة عشرة.
والسيد موسى بن عبد السلام الموسوي العاملي ١٢٥٣.
والسيد حسين الموسوي البعلبكي المعروف بالحسيني له ديوان شعر
١٢٥٨.
والشيخ صالح التميمي البغدادي شاعر عصره والمربي على شعراء
غيره كاتب ديوان الإنشاء العربي في عهد داود باشا والي بغداد ١٢٦١.
والسيد صدر الدين الموسوي العاملي الأصفهاني ١٢٦٣.
والشيخ حبيب الكاظمي نزيل جبل عامل كان حيا ١٢٦٨.
والسيد محمد بن مال الله الموسوي القطيفي الحائري ١٢٦٩.
والشيخ محمد علي بن محمد النجفي الحائري الشهير بابن كمونة
١٢٧٥.
والشيخ درويش علي البغدادي ١٢٧٧.
والشيخ حسن بن علي السعدي الرماحي النجفي الشهير بأبي قفطان
١٢٧٩.
والحاج محمد جواد الحائري الشهير ببذقت ١٢٨١.
والشيخ إبراهيم بن صادق العاملي الطيبي شاعر جبل عامل في عصره
١٢٨٤.
(١٧٨)

والسيد راضي ابن السيد صالح القزويني النجفي ١٢٨٥.
والسيد مهدي بن داود الحلي عم السيد حيدر ١٢٨٧.
والشيخ علي بن ناصر بن زيدان العاملي المعركي ١٢٨٩.
والشيخ علي بن طاهر المطيري الحلي ١٢٩٠.
والشيخ قاسم التستري الحلي ١٢٩٠.
والشيخ حمادي الكواز الحلي. كان أميا يبيع الكيزان وكان شاعرا
مجيدا كان حيا ١٢٩٠.
والسيد موسى بن جعفر الحسني الطالقاني النجفي ١٢٩٢.
والشيخ محمد بن نصار الجزائري النجفي ١٢٩٢.
والميرزا جعفر القزويني النجفي ١٢٩٨.
والشيخ موسى بن شريف بن محيي الدين العاملي النجفي المائة
الثالثة عشرة.
والشيخ قاسم آل عطية النجفي كان شاعرا المائة الثالثة عشرة.
والسيد جواد حفيد السيد محمد زيني المعروف بسياه پوش المائة
الثالثة عشرة.
ومحمد بك بن سهيل بك بن عباس حاكم صور الوائلي من امراء
جبل عامل المائة الثالثة عشرة.
والشيخ محمد بن جواد بن تقي ابن ملا كتاب الكردي النجفي
المائة الثالثة عشرة.
والشيخ نصر الله بن إبراهيم بن يحيى العاملي الطيبي المائة الثالثة
عشرة.
والشيخ حسين الكركي العاملي المائة الثالثة عشرة.
والسيد مهدي القزويني النجفي الحلي ١٣٠٠.
والشيخ محمد بن علي الجزائري النجفي ١٣٠٣.
والسيد حيدر الحلي الشاعر المشهور ١٣٠٤.
والشيخ موسى بن امين آل شرارة العاملي ١٣٠٤.
والشيخ علي آل عز الدين العاملي الصوري ١٣٠٤.
والشيخ محسن أبو الحب الحائري ١٣٠٥.
ومرتضى قلي خان بن محمد علي خان. كان شاعرا بالعربية ١٣٠٦.
والسيد حسين بن السيد رضا بن السيد مهدي بحر العلوم
الطباطبائي ١٣٠٦.
والشيخ محمد حسن بن محمد علي آل محبوبة النجفي ١٣٠٦.
والسيد صالح بن السيد مهدي الحسيني القزويني النجفي البغدادي
شاعر أهل البيت وصاحب القصائد الطويلة في مدائحهم ومناقبهم ومراثيهم
جميعا ١٣٠٦.
والشيخ جعفر بن محمد حسن الشروقي النجفي ١٣١٠.
والشيخ حسن بن محسن بن مصبح الحلي ١٣١٠.
والسيد جعفر الحلي الشاعر المشهور ١٣١٥.
ومحمد خان بن محمد علي خان الأصفهاني النجفي ١٣١٦.
والشيخ محمد الملقب بشرع الاسلام النجفي. كان ينحو في شعره
منحى ابن الحجاج المائة الرابعة عشرة.
والشيخ عباس بن عبد الله البلاغي العاملي المائة الرابعة عشرة.
والشيخ محمد دبوق العاملي ١٣١٧.
والشيخ رشيد قعون العاملي الزبديني ١٣١٧.
والسيد محمد بن حسن الموسوي العاملي من ذرية صاحب نزهة
الجليس ١٣١٩.
والشيخ علي بن الشيخ حسين شمس الدين العاملي توفي في
عصرنا.
والسيد إبراهيم بن حسين الطباطبائي النجفي من مشاهير شعراء
عصره ١٣١٩.
والشيخ محمد سعيد بن عبود النجفي ١٣١٩.
والشيخ محمد علي السوداني النجفي ١٣٢٠.
والشيخ محمد بن عبد العظيم التبريزي الحلي ١٣٢٠.
والسيد رضا ابن السيد سليم آل مرتضى الموسوي الدمشقي
١٣٢١.
والشيخ محمد صالح آل محيي الدين العاملي النجفي ١٣٢٢.
والشيخ محمد بن حمزة التستري الحلي المعروف بابن الملا ١٣٢٢.
والشيخ جابر الكاظمي مخمس الأزرية ١٣٢٣.
والشيخ حمادي بن نوح الحلي. له ديوان شعر كبير ١٣٢٥.
والسيد محمد بن السيد مهدي القزويني النجفي ١٣٢٥.
والسيد حسين ابن السيد مهدي القزويني النجفي ١٣٢٥.
والشيخ محمد بن سليمان العاملي المعروف بالبيريشي حدود
١٣٢٦.
والسيد علي ابن عمنا السيد محمود ١٣٢٨.
والسيد باقر بن السيد محمد الهندي النجفي ١٣٢٩.
والسيد مهدي بن السيد محمد الموسوي البغدادي النجفي المعروف
بالكرادي ١٣٢٩.
والشيخ يعقوب بن جعفر النجفي الحلي المعروف بالتبريزي
١٣٢٩.
والشيخ كاظم بن صادق الحائري المعروف بالهر ١٣٣٠.
(١٧٩)

والشيخ محمد حسين بن محمد حسن آل مروة العاملي المعروف
بالحافظ حدود ١٣٣٠.
والشيخ محمد رضا الخزاعي النجفي ١٣٣١.
والسيد ناصر بن أحمد البصري عالم البصرة ١٣٣١.
واقا مصطفى ابن آقا حسن التبريزي ١٣٣٣.
والسيد جواد الحسيني الخطيب الأصفهاني الحائري الشهير بالهندي
١٣٣٣.
والسيد محمد سعيد حبوبي الحسني النجفي الشاعر المشهور
١٣٣٣.
والسيد محمد حسين ابن عمنا السيد عبد الله الحسيني العاملي
الشقرائي ١٣٣٤.
والشيخ حسن بن القيم الحلي ١٣٣٥.
والسيد هاشم آل عباس الموسوي العاملي الديرسرياني ١٣٣٥.
والسيد مصطفى بن الحسين الكاشاني النجفي ١٣٣٦.
والحاج محمد حسن ابن الحاج محمد صالح كبة البغدادي
١٣٣٦.
والسيد محمد ابن السيد رضا آل فضل الله الحسني العاملي العيناثي
توفي أثناء الحرب العامة الأولى.
والشيخ مهدي ابن الشيخ علي آل شمس الدين العاملي من ذرية
الشهيد الأول توفي أثناء الحرب العامة الأولى.
والسيد عبد المطلب ابن السيد مهدي الحسيني الحلي ابن أخي السيد
حيدر الحلي ١٣٣٩.
والسيد هاشم ابن السيد حمد الحلي أخو السيد جعفر الحلي الشاعر
المشهور ١٣٤٠.
والشيخ كاظم السبتي البغدادي النجفي الخطيب ١٣٤٢.
والسيد مهدي ابن السيد رضا الطالقاني النجفي ١٣٤٣.
والشيخ محمد حسن سميسم النجفي ١٣٤٣.
والشيخ مهدي بن صالح المراياتي الكاظمي ١٣٤٣.
والسيد علي العلاق النجفي ١٣٤٤.
والحاج محمد حسن أبو المحاسن الجناحي الحائري ١٣٤٤.
والسيد جواد ابن السيد حسين آل مرتضى الحسيني العاملي
١٣٤٤.
والشيخ موسى بن طاهر السوداني النجفي ١٣٤٦.
والشيخ محمد حسين ابن الشيخ محسن شمس الدين العاملي المجدلي
شاعر جبل عامل ١٣٤٩.
والحاج محمد ابن الحاج حسن آل عبد الله العاملي الخيامي حدود
١٣٥٠.
والشيخ مهدي بن عمران الفلوجي الحلي من المعاصرين.
والشيخ جواد بن حسن بن طالب البلاغي النجفي ١٣٥٢.
والشيخ أسد الله آل صفا العاملي الزبديني ١٣٥٢.
والشيخ عبد المحسن الكاظمي نزيل مصر الشاعر البديهي الذي
ينشئ القصيدة التي تزيد عن مائتي بيت كما ينشئ الخطيب المرتجل الخطبة
بدون توقف ولا تلعثم بلغنا خبر وفاته عند كتابة هذه السطور في أوائل صفر
سنة ١٣٥٤.
ومن الشعراء المعاصرين الأحياء عند كتابة هذه السطور ٣ صفر
١٣٥٤ وقد توفي بعضهم بعد ذلك فذكرنا تاريخ وفاة من توفي منهم عند
النظر في هذا الجزء لإرادة طبعه للمرة الثانية وهم: (١)
الشيخ محمد رضا الشبيبي النجفي البغدادي شاعر العصر ووالده
الشيخ جواد. توفي الشيخ جواد ١٣٦٣ وأخوه الشيخ باقر، ومحمد
مهدي الجواهري والشيخ علي الشرقي النجفي والسيد رضا الهندي
الرضوي الموسوي النجفي ١٣٦٢.
والشيخ محمد السماوي النجفي ١٣٧٠. والسيد حسن ابن عمنا
السيد محمود الحسيني العاملي ١٣٦٨. والشيخ محمد حسين ابن الشيخ
علي الجعفري النجفي. والشيخ هادي ابن الشيخ عباس الجعفري النجفي
توفي حدود ١٣٦٢.
والسيد محمد حسين ابن السيد كاظم الحسني الكيشوان النجفي.
والشيخ عبد الحسين ابن الشيخ إبراهيم ابن الشيخ صادق العاملي
١٣٦٣.
والسيد عبد الحسين آل نور الدين الموسوي العاملي النباطي
١٣٧٠.
والسيد حسون ابن السيد صالح القزويني البغدادي. والشيخ
سليمان آل ظاهر العاملي النباطي من ذرية الشهيد الثاني شاعر جبل عامل.
والشيخ أحمد آل رضا العاملي النباطي. والشيخ محمد نجيب آل مروة
العاملي. والشيخ عبد الكريم الزين العاملي الجبشيتي ١٣٦١.
والشيخ علي ابن الشيخ احمد شرارة العاملي والشيخ علي ابن الشيخ
مهدي شمس الدين العاملي المجدلي. والآقا رضا ابن الشيخ محمد حسين
الأصفهاني النجفي ١٣٦٢.
والسيد عبد الحسين نجل ابن عمنا السيد علي ابن السيد محمود
العاملي الحسيني العاملي الشقرائي ١٣٦٠ واخوه السيد عبد الرؤوف.
والسيد محمد ابن عمنا السيد امين الحسيني العاملي الشقرائي ١٣٦١.
والشيخ توفيق ابن الشيخ عباس البلاغي العاملي الصوري. والشيخ
كاظم ابن الشيخ سلمان الكعبي الخطيب الكاظمي والسيد احمد آل صافي
النجفي الشاعر المشهور مترجم رباعيات الخيام. والسيد صالح الخطيب
الحلي حدود ١٣٦٠.

(١) توفي الكثيرون من هؤلاء عند صدور هذه الطبعة " ح ".
(١٨٠)

والشيخ كاظم السوداني النجفي وأديب آل التقي الدمشقي. والشيخ
احمد آل صندوق الدمشقي. ومحمد بك بن سهيل بك الوائلي العاملي.
والشيخ مهدي البصير الحلي وملا محمد بن القيم الحلي والشيخ جعفر نقدي
العماري العراقي. والسيد عبد المطلب خلف الحسني العاملي ومؤلف هذا
الكتاب وأولاده محمد الباقر وحسن وجعفر وهاشم وعبد المطلب وغير ذلك
مما يزيد على ما ذكرناه كثيرا ممن غابت عنا أسماؤهم حين تحرير هذه
الكلمات من العراقيين والعامليين لا سيما العراقيين الذين لم نتمكن الآن من
معرفة كثير منهم. ولعلنا نوفق لذكرهم في أبوابهم من الكتاب والله ولي
التوفيق (١).
جماعة من شعراء الشيعة لم
يحضرنا الآن عصرهم
السيد حسين بن مساعد العاملي العيناثي، السيد تاج الدين
العاملي، أبو النضر العتبي محمد بن عبد الجبار، السلطان مير محمد نصير
خان ملك السند، محمد بن حماد، السيد ناصر الدين العاملي.
ما عده ابن شهرآشوب في معالم
العلماء من شعراء أهل البيت ولم
نعلم عصره
ثم علمنا عصر بعضهم فأشرنا إليه في هذه الطبعة الثانية. ولو اتسع
لنا الوقت لأمكن أن نعرف عصر الكل أو الجل.
اعلم أن رشيد الدين أبا جعفر محمد بن علي بن شهرآشوب السروي
المازندراني عقد في آخر كتابه معالم العلماء بابا لبعض شعراء أهل البيت
ع قال وهم على أربع طبقات: المجاهرون، والمقتصدون،
والمتقون، والمتكلفون اه‍ وقد ذكرنا أكثر الذين ذكرهم في مطاوي ما
تقدم من الطبقات ونذكر الآن ما لم نذكره هناك لعدم علمنا بطبقته وإن
علمناها أخيرا.
فمن المجاهرين مضافا إلى ما تقدم
أبو نصر بن طوطي الواسطي وابن مدلل الحسيني أبو الحسين
السمري وفي نسخة أبو الحسين السمرقندي. أبو الفتح النيسابوري وفي
نسخة أبو الفتح محمد بن السكون محقق. العباس بن الزيات البصري وفي
نسخة أبو البركات البصري. أبو الفضل التميمي. أبو الصباح الرياحي
وفي نسخة ابن الصباح. أبو الحسين فاذشاه. الناصر العلوي هو الناصر
الكبير والناصر الصغير وكلاهما عصره معلوم. محمد بن النعمان الخطيب
الباهر. القزاز. المطيري. كشواذين ايلاس السروجي (٢) يونس
الديلمي. أبو النجيب الطاهر الجزري.
والمقتصدون ثلاث فرق: السادات والصحابة والتابعون.
فمن السادات مضافا إلى ما سبق
الشريف بن الرضا. أبو مقاتل بن الداعي العلوي. علي بن
محمد بن الحسن البرقعي ملك البصرة. أبو محمد الحسن بن محمد بن أحمد
الحسيني والظاهر أنه أبو محمد الحسن الشاعر ابن محمد بن أحمد بن
محمد بن زيد بن عيسى بن زيد الشهيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي
طالب المذكور في عمدة الطالب. عبيد الله الحسيني. أبو جعفر محمد بن
الحسين الطبري. أبو هاشم الجعفري هو داود بن القاسم ٢٦١
محمد الموسوي.
ومن التابعين سوى ما مر أبو أسماء العبدي.
ومن أصحاب الأئمة وغيرهم
مضافا إلى ما مر
الشجاع بن منصور التهامي. نصر بن المنتصر. الوزير أبو العلاء
محمد بن حسول الرازي هو محمد بن علي بن الحسن بن حسول من أهل
المائة الخامسة.
المشتاق. محمد بن حجر الوراق القمي. قدامة السعدي. الخطيب
المنبجي. أبو عيينة المهلبي. علي بن نصر التميمي الموصلي. محمد بن
الحسن الكلاعي. الوامق.
ومن المتقين مضافا إلى ما تقدم
أبو الغوث الطهوي المنبجي شاعر آل محمد ع واسمه أسلم بن مهوز عصره معروف وتأتي ترجمته. أبو علي البصير واسمه
الفضل بن جعفر بن الفضل بن يونس ذكره المرزباني في معجم الشعراء
٢٥١.
أبو العيناء البصري اسمه محمد القاسم ٢٨٣. الشريف بن
طباطبا النسابة الأصفهاني. عبد الله بن همام السلولي. عقيبة الأسدي.
أبو المولى الأنصاري. داود بن مسلم. عبد الله بن دانية. أفزون
البصري. الحسن بن محمد المتجعفر.
ومن المتكلفين مضافا إلى ما مر
حسان بن ثابت. مروان بن أبي حفصة. ابنه محمود. أبو زيد
التميمي. منصور الفقيه. المعري هو أبو العلاء المشهور عصره معلوم كما
أن حسانا ومنصورا عصرهما معلوم قال وذلك حزب كبير والله المشكور
اه‍ وفي عد حسان ومروان في شعراء أهل البيت نظر لاشتهارهما
بخلاف ذلك إلا أن يريد أنهما يتكلفان مدحهم وإن انطووا على خلاف ذلك
كما مدح حسان عليا ع يوم الغدير لكنه ينافيه أنه عد معهم من
عرف بالتشيع نحو أشجع السلمي وإبراهيم بن العباس الصولي وأن مروان
لم يؤثر عنه مدح فيهم والأمر سهل.
مؤلفو الشيعة في علم العروض
أول من اخترعه الخليل بن أحمد وصنف فيه كتاب الفرش والمثال وهو
من علماء الشيعة، قال ابن الأنباري في نزهة الألباء: أول من استخرج
علم العروض الخليل. وفي بغية الوعاة: الخليل أول من استخرج
العروض وحصر أشعار العرب بها، وقال ابن النديم: هو أول من

(١) كان ذلك منذ خمس وأربعين سنة حين طبع الكتاب ونشره لأول مرة. وقد نبغ بعد ذلك
الكثيرون من شعراء الشيعة في مختلف الأقطار " ح ".
(٢) يمكن كون السروجي وصفا لايلاس ويمكن كونه مروان بن محمد السروجي الأموي المصري.
- المؤلف -
(١٨١)

استخرج العروض وحصن به أشعار العرب. وفي كشف الظنون عن
الفوائد الخاقانية لابن صدر الدين الشرواني. أول من اخترع هذا الفن
الامام الخليل بن أحمد. وقال ابن خلكان: هو الذي استنبط علم
العروض وأخرجه إلى الوجود وحصر أقسامه في خمس دوائر يستخرج منها
خمسة عشر بحرا ثم زاد فيه الأخفش بحرا واحدا ثم حكى ابن خلكان عن
حمزة بن الحسن الأصبهاني أنه قال إن دولة الاسلام لم تخرج أبدع للعلوم
التي لم يكن لها عند علماء العرب أصول من الخليل وليس على ذلك برهان
أوضح من علم العروض الذي لا عن حكيم اخذه ولا عن مثال تقدمه
واحتذاه وانما اخترعه من ممر له بالصفارين من وقع مطرقة على طست ليس
فيهما حجة ولا بيان يؤديان إلى غير حليتهما أو يفسران غير جوهرهما فلو
كانت أيامه قديمة ورسومه بعيدة لشك فيه بعض الأمم لصنعته ما لم يصنعه
أحد منذ خلق الله الدنيا من اختراعه العلم الذي قدمت ذكره. له كتاب
في علم العروض. وفي الخلاصة للعلامة: كان أفضل الناس في الأدب
وقوله حجة فيه اخترع علم العروض وفضله أشهر من أن يذكر وكان امامي
المذهب ١٧٥.
وما يحكى عن أحمد بن فارس في كتاب الصاحبي من أن علم
العروض كان قديما ثم أتت عليه الأيام وقل في أيدي الناس ثم جدده
الخليل مستدلا بقول الوليد بن المغيرة في القرآن: لقد عرضت ما يقرأه
محمد على اقراء الشعر هزجه ورجزه وكذا وكذا فلم أره يشبه شيئا من
ذلك لا يساعد عليه اثر ولا تاريخ ولا استنباط صحيح لأن وجود نوع أو
أنواع من الشعر تسمى بالرجز والهزج وغيرهما عند العرب لا يدل على
معرفتهم بالعروض الذي هو علم ينحصر في خمس دوائر يستخرج منها
خمسة عشر وزنا. والعرب لا شك أنها كانت تعرف اوزان الشعر بالسليقة
والطبيعة كما يعرفها كثير منا ولكن هذا غير معرفة علم العروض كما لا يعرفه
كثير منا مع معرفتنا الأوزان كمعرفتهم ومجرد كون الوليد سمى بعض
الأوزان الشعرية بأسمائها المعروفة عند العروضيين لا يدل على معرفته
بالعروض لجواز كون بعض تلك الأسماء كانت معروفة عند العرب واخذها
العروضيون منهم مثل الرجز والهزج وغيرهما، ومع ذلك لا تعرف العرب
العروض.
وأبو عثمان بكر بن محمد المازني له كتاب العروض ذكره في فهرست
ابن النديم وكشف الظنون ونزهة الألباء وبغية الوعاة ووفيات الأعيان وزاد
في بغية الوعاة القوافي ٢٤٨.
والمبرد محمد بن يزيد النحوي له كتاب العروض ٢٨٥.
وأبو الحسن محمد بن طباطبا العلوي الحسني. في معاهد التنصيص:
له كتاب العروض لم يسبق إلى مثله وذكره في نسمة السحر فيمن تشيع
وشعر ٣٢٢.
والصاحب كافي الكفاة إسماعيل بن عباد له كتاب الاقناع في
العروض ٣٨٥.
وأبو سعيد العميدي محمد بن أحمد الوزير بن محمد الوزير. في
معجم الأدباء: له كتاب العروض وذكره منتجب الدين بن بابويه في
فهرست علماء الشيعة ٤٣٣.
والحسن بن صافي الملقب بملك النحاة. له كتاب العروض ذكره
السيوطي وغيره ٤٦٣.
والسيد فضل الله بن الحسني الراوندي. في فهرست منتجب الدين:
له نظم العروض للقلب المروض. الكافي في علم العروض والقوافي المائة
السادسة.
وأبو العباس أحمد بن علي بن معقل الأزدي الحمصي. في بغية الوعاة
عن الذهبي: اخذ الرفض عن جماعة بالحلة وكان غاليا في التشيع برع في
العروض وصنف فيه ٦٤٤.
وأبو العباس أحمد بن محمد الأزدي الإشبيلي يعرف بابن الحاج. في
بغية الوعاة: قال ابن عبد الملك كان مقدما في العروض وله كتاب في علم
القوافي ٦٤٧.
والحسن بن علي بن داود الحلي صاحب كتاب الرجال. له الإكليل
التاجي في العروض، قرة عين الخليل في شرح النظم الجليل لابن الحاجب
في العروض، شرح قصيدة صدر الدين الساوي في العروض المائة
السابعة.
الكتاب والمنشئون من الشيعة
فمن الصحابة أمير المؤمنين علي ع سيد الشيعة وامامها.
كان كاتب رسول الله ص ٤٠.
وأبي بن كعب الأنصاري. كان يكتب في الجاهلية وكتب لرسول الله
ص ٣٠.
ومن التابعين عبيد الله بن أبي رافع. واخوه علي بن أبي رافع كاتبا
أمير المؤمنين علي ع قال ابن قتيبة في المعارف: لم يزل عبيد الله
كاتبا لعلي ع خلافته كلها المائة الأولى.
وأبو حامد إسماعيل الكاتب الكوفي من أصحاب الصادق ع
أواسط المائة الثانية.
وأحمد بن عبد الله بن مهران الكرخي المعروف بابن خانبة. كان
كاتب إسحاق بن إبراهيم ثم تركه واقبل على تصنيف الكتب ٢٣٢.
وأحمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن حمدون الكاتب نديم المتوكل ذكره
النجاشي أواسط المائة الثالثة.
وإبراهيم بن العباس الصولي من أبلغ الناس في الكتابة عد ابن
النديم البلغاء الحدث ثلاثة هو أحدهم وكان هو واخوه عبد الله من وجوه
الكتاب وتنقل إبراهيم في الأعمال الجليلة والدواوين إلى أن مات وهو متولي
ديوان الضياع والنفقات للمتوكل ٢٤٣.
وأبو عمران موسى بن عبد الملك الأصفهاني البغدادي الكاتب
٢٤٦.
وأحمد بن محمد بن ثوابة بن خالد الكاتب نص على تشيعه في معجم
الأدباء ٢٧٢ أو ٢٧٧.
وابنه محمد بن أحمد بن ثوابة. واخوه جعفر بن محمد بن ثوابة.
وولده محمد بن جعفر بن محمد بن ثوابة. وابنه أحمد بن محمد بن جعفر.
(١٨٢)

تقلدوا ديوان الرسائل للخلفاء والوزراء ولهم كتب رسائل.
وأبو اسحق إبراهيم بن أبي حفص جعفر الكاتب من أصحاب
العسكري ع ذكره النجاشي والشيخ في الفهرست المائة
الثالثة.
وعلي بن محمد بن زياد الصيمري من كتاب عصر المستعين
العباسي. ذكره المسعودي في كتاب اثبات الوصية عند ذكر الإمام الحسن
العسكري ع فقال: صهر جعفر بن محمد الوزير على ابنته أم
احمد وكان رجلا من وجوه الشيعة وثقاتهم ومقدما في الكتابة والأدب والمعرفة
اه‍ أواخر المائة الثالثة.
وأبو يعقوب إسحاق بن أبي سهل إسماعيل بن علي بن إسحاق بن أبي
سهل بن نوبخت. من مشاهير الكتاب في عصر بني العباس وممدوح
البحتري ٣٢٢.
وإدريس بن زياد بن علي الكاتب الكفرتوثي المائة الثالثة.
وقدامة بن جعفر الكاتب حوالي ٣١٠.
وأبو العباس أحمد بن عبيد الله الثقفي الكاتب المعروف بالعزيز
٣١٩.
ومحمد بن أحمد الكاتب البصري المعروف بالمفجع ٣٢٠ أو
٣٢٧.
وأحمد بن علوية الأصفهاني الكاتب ذكره الشيخ في الفهرست وقال
ياقوت له رسائل مختارة ورسالة في الشيب ٣٢١.
وأبو بكر الصولي محمد بن يحيى الكاتب. له كتاب أدب الكاتب
وأورد فيه قواعد الإملاء. نص على تشيعه في رياض العلماء وكتاب الأوراق
له يشهد بذلك قال ابن خلكان توفي بالبصرة مستترا لأنه روى خبرا في حق
علي بن أبي طالب ع فطلبته الخاصة والعامة لتقتله ٣٣٥.
وأبو علي محمد بن أبي بكر همام الكاتب البغدادي الإسكافي. ذكره
النجاشي وغيره ٣٣٦.
وأبو جعفر أحمد بن يوسف الكاتب المعروف بابن الداية عده ابن
النديم من بلغاء الناس العشرة ونص على تشيعه ابن شهرآشوب في المعالم
٣٤٠.
واخوه القاسم بن يوسف الكاتب المائة الرابعة.
وأبو الفضل محمد بن الحسين بن محمد المعروف بابن العميد أحد
كتاب الدنيا الأربعة: عبد الحميد وابن العميد والصابي والصاحب
٣٦٠.
وابنه أبو الفتح علي بن أبي الفضل محمد بن العميد سار في الكتابة
على سنن أبيه قتل ٣٦٦.
وعلي بن عبد الله بن وصيف الكاتب البغدادي، قال ابن النديم
كان يتشيع ٣٦٦.
وأحمد بن محمد بن سيار البصري الكاتب من كتاب آل طاهر من
أصحاب الهادي والعسكري ع ٣٦٨.
وأبو بكر الخوارزمي محمد بن العباس صاحب الرسائل المشهورة، في
اليتيمة نابغة الدهر وبحر الأدب وعلم النظم والنثر كان يجمع بين الفصاحة
والبلاغة ويحاضر باخبار العرب وأيامها ودواوينها ويدرس كتب اللغة والنحو
والشعر ٣٨٣.
وأبو عبد الله محمد بن عمران المرزباني الكاتب ٣٨٣ أو
٣٨٧.
والصاحب بن عباد أحد الكتاب الأربعة ٣٨٥.
ومحمد بن إبراهيم السروي القادري كاتب ابن العميد ٣٨٥.
وبديع الزمان الهمذاني أحمد بن الحسين صاحب المقامات التي سبق
بها الناس والرسائل المشهورة وله القدرة العجيبة على الإنشاء مع عذوبة
الألفاظ ٣٩٨.
وهؤلاء الأربعة ابن العميد والصاحب والخوارزمي والبديع ممن امتاز
بين الكتاب.
والرئيس أبو العباس أحمد بن إبراهيم الضبي قال ابن شهرآشوب في
المعالم عند ذكره لشعراء أهل البيت المجاهرين من أجلاء الكتاب
٣٩٩.
وأبو محمد الحسن بن الحسين النوبختي الكاتب البغدادي ٤٠٢.
والوزير المغربي الحسين بن علي. حكى ابن خلكان أنه نظم الشعر
وتصرف في النثر وكتب بالموصل لمعتمد الدولة قرواش أمير بني عقيل وتقلد
الوزارة ٤١٨.
وأبو سعد أو سعيد منصور بن الحسين الآبي. قال الثعالبي في تتمة
اليتيمة: له بلاغة بالغة ٤٢٢.
واخوه أبو منصور محمد بن الحسين الآبي. في معجم البلدان: من
عظماء الكتاب اه‍ المائة الخامسة.
ومحمد بن علي بن يعقوب بن إسحاق الكاتب القناني شيخ النجاشي
المائة الخامسة.
وعلي بن سعد القمي كتب لملك شاة السلجوقي ٤٨٢.
والطغرائي الحسين بن علي الأصفهاني صاحب لامية العجم كان
وزيرا وكاتبا للسلطان مسعود بن محمد السلجوقي بالموصل لقب بالطغرائي
لأنه كان يكتب الطغراء في ديباجة الأحكام السلطانية قتل ٥١٥.
ومحمود بن إسماعيل بن قادوس المصري الدمياطي كاتب الفاطميين
٥٥٣.
ويحيى بن سلامة الخطيب الحصكفي ٥٥٣.
وأبو الفتح محمد بن عبيد الله المعروف بسبط ابن التعايذي
٥٨٤.
وأبو طالب يحيى بن أبي الفرج سعيد بن هبة الله الشيباني الواسطي
البغدادي الكاتب المشهور ذكره في نسمة السحر وفي معجم الأدباء كان كاتبا
أديبا شاعرا ولي النظر في ديوان البصرة ثم بواسط والحلة وقلد ديوان
الإنشاء والنظر في ديوان المقاطعات اه‍ وقال ابن خلكان انتهت إليه
(١٨٣)

المعرفة بالكتابة والإنشاء والحساب وخدم الديوان إلى أن توفي وله الرسائل
البليغة وكان كثير العناية بالمعاني أكثر من التشجيع دفن بمشهد الامام أبي
الحسن موسى الكاظم ع ٥٩٤.
وعلي بن عيسى بن أبي الفتح الصاحب بهاء الدين ابن الأمير فخر
الدين الأربلي صاحب كشف الغمة في معرفة الأئمة. في فوات الوفيات
لابن شاكر: المنشئ الكاتب البارع له شعر وترسل كتب لمتولي إربل ابن
صلايا ثم خدم ببغداد في ديوان الإنشاء أيام علاء الدين صاحب الديوان
وفيه تشيع له مصنفات أدبية مثل المقامات الأربع ورسالة الطيف المشهورة
اه‍ ٦٩٢.
وعلاء الدين علي بن المظفر الكندي المعروف بالوداعي. في فوات
الوفيات: الأديب البارع المقري المحدث الكاتب المنشئ كاتب الوداعي
وهو صاحب التذكرة الكندية الموقوفة بالسميساطية في خمسين مجلدا بخطه
فيها عدة فنون وكان شيعيا اه‍ ٧١٦.
ومن الكتاب العامليين المعاصرين الأحياء: الشيخ احمد آل رضا
العاملي النباطي. والشيخ سليمان آل ظاهر العاملي النباطي من ذرية
الشهيد الثاني وكثير يطول الكلام باستقصائهم.
كتب الرسائل للشيعة
منها رسائل أحمد بن محمد بن ثوابة ذكرها ابن النديم عند ذكر
الرسائل التي لم يجر ذكرها بذكر أربابها في الفن الثاني من المقالة الرابعة في
اخبار الشعراء المحدثين وبعض الاسلاميين. نص على تشيعه ياقوت في
معجم الأدباء ٢٧٧.
ورسائل أحمد بن علوية الكاتب الأصفهاني. قال ياقوت له رسائل
مختارة ٣٢١.
وكتاب الرسائل لمحمد بن يعقوب الكليني صاحب الكافي وهي
رسائل الأئمة ع جمعها توفي ٣٢٨ أو ٣٢٩.
ورسائل أحمد بن يوسف الكاتب. ذكرها ابن النديم ٣٤٠.
ورسائل ابن العميد ولا توجد مدونة بل يوجد منها فصول في أثناء
الكتب والتراجم ٣٦٠.
ورسائل بديع الزمان الهمذاني مطبوعة ٣٩٨.
ورسائل أبي بكر الخوارزمي مطبوعة ٣٨٣.
وديوان رسائل الصاحب بن عباد عشرة مجلدات وقيل ثلاثين مجلدة
ويمكن الجمع باختلاف المجلدات كبرا وصغرا في عشرين بابا لمقاصد
متنوعة. والكافي في فن الكتابة له مرتب على خمسة عشر بابا ٣٨٥.
ورسائل الشريف الرضي ذكرها ابن النديم ورأينا فصولا منها
٤٠٦.
المقامات للشيعة
أول من اخترعها بديع الزمان الهمذاني وعلى منواله نسج الحريري
٣٩٨.
والحسن بن صافي الملقب بملك النحاة له المقامات ذكره السيوطي
٤٦٣.
فضل الشيعة على الأدب العربي واللغة العربية
أما في النثر والكتابة والخطابة وأدب الكاتب ونحو ذلك فكفاهم أمير
المؤمنين علي بن أبي طالب ع إمام البلغاء وسيد الكتاب والخطباء
في خطبه وكتبه وعهوده ووصاياه وكلماته القصيرة التي أعيت الفصحاء
وأعجزت البلغاء أن تجاريها وتعلم منها كل كاتب وخطيب وتلمذ عليه فيها
شيعته وأتباعه واقتبسوا وتعلموا منها وحذوا حذوها ونهجوا نهجها وارتضعوا
من ثديها وشربوا من منهلها وإن لم يستطع أحد منهم ولا من غيرهم مباراتها
ولا مجاراتها ولا حاجة بنا إلى الأطناب في وصفها كما قال المتنبي:
- وإذا استطال الشئ قام بنفسه * وصفات ضوء الشمس تذهب باطلا -
وقال بعض البلغاء حفظت كذا وكذا من خطب الأصلع فغاضت ثم
فاضت. وعده ابن النديم في الفهرست أو الخطباء وزوجته الزهراء
صاحبة الخطب الجليلة بعد وفاة أبيها ص وابنه الحسن ع
الذي به اقتدى وله اقتفى ومن خطبه المشهورة خطبته بالكوفة بمحضر
معاوية بعد الصلح وأخوه الحسين ع الذي خطب يوم الطف فلم
يسمع متكلم قط قبله ولا بعده أبلغ في منطق منه حتى قال فيه عدوه ابن
سعد: كلموه فإنه ابن أبيه والله لو وقف فيكم هكذا يوما جديد لما انقطع
ولما حصر وخطب الحسنين ع ومواعظهما وكتبهما قد ملأ ذكرها
الأسفار واشتهرت اشتهار الشمس في رائعة النهار. وابنته زينب بنت علي
ع صاحبة الخطب الجليلة بالكوفة والشام. وزين العابدين
صاحب الخطب المعروفة بالكوفة والشام والمدينة بعد قتل أبيه والأدعية
المشهورة ببلاغتها وفصاحتها في الصحيفة الكاملة التي عرفت بقرآن آل محمد
وغيرها. وتلميذه عبد الله بن عباس صاحب المقامات المشهودة في الخطابة
والكتابة وخطبه وكلامه وكتبه أشهر من أن تعرف ومحاوراته مع ابن الزبير
وغيره وكتابه إلى يزيد بعد قتل الحسين ع أقوى شاهد على تقدمه
في البلاغة والبراعة ولما ذكر ابن النديم أسماء الخطباء عده فيهم. وغيرهم
من خطباء بني هاشم وبلغائهم وغيرهم كالأحنف بن قيس وصعصعة بن
صوحان عده ابن النديم في الخطباء إلى غير ذلك ممن يتعذر استقصاؤهم ثم
أن جل كتاب الدنيا من الشيعة كابي الفضل ابن العميد الذي قيل فيه
بدئت الكتابة بعبد الحميد وختمت بابن العميد والذي كتب كتابا عن ركن
الدولة إلى ابن بلكا لما عصى عليه كان سبب عوده إلى الطاعة فناب كتابه
ببلاغته وحسن أسلوبه وبيانه وما فيه من ترغيب وترهيب عن الكتائب
وكانت خزانة كتبه التي فيها كل علم وكل نوع من أنواع الأدب تحمل على
مائة وقر وزيادة. وابنه أبي الفتح تلميذ أحمد بن فارس وخريجه.
والصاحب بن عباد وله كتاب الكافي رسائل في فنون الكتابة رتبها على خمسة
عشر بابا وهي غير ديوان رسائله المرتب على عشرين بابا. وأبي بكر
الخوارزمي. وبديع الزمان الهمذاني أول من اخترع المقامات وسبق بها
الحريري وغيرهم ممن مر ذكرهم في كتاب الشيعة. وكانوا يعدون كتاب
الدنيا في الصدر الأول أربعة: عبد الحميد وابن العميد والصاحب والصابي
ونصفهم من الشيعة. والصابي وإن لم يكن مسلما إلا أن الذين فتحوا لهاته
بالأدب والكتابة إنما هم ملوك الشيعة. وأبو بكر الصولي كان من مشاهير
(١٨٤)

الكتاب وله كتاب أدب الكاتب على الحقيقة ذكره ابن النديم.
وأما في الشعر فقد كان منهم في صدر الاسلام من فحول الشعراء
المفلقين الذائعي الصيت من خدم الأدب العربي واللغة العربية بمنظوماته
المنتشرة في الأقطار أعظم خدمة مثل كعب بن زهير بن أبي سلمى صاحب
بانت سعاد التي شرحها كثير من علماء اللغة والأدب وحفظ بسببها قسم وافر
من لغة العرب وطريقتهم في نظم الشعر، والنابغة الجعدي من مشاهير
شعراء الصدر الأول أحد الرجلين الملقبين بالنابغة في الشعراء لنبوغهما. وأبو
دهبل الجمحي من شعراء الحماسة وشهرة شعره وجودته للغاية تغني عن
إطالة وصفه. والفرزدق الذي اعترف له خصمه جرير بان نبعة الشعر في
يده والذي كان يكرمه ملوك بني أمية مع تظاهره بالتشيع للعلويين وعداوته
لهم ويهابون لسانه. وكثير عزة أول من أطال المديح قال ابن رشيق كان ابن
أبي إسحاق وهو عالم ناقد ومتقدم مشهور يقول أشعر الجاهليين مرقش وأشعر
الاسلاميين كثير قال ابن رشيق وهذا غلو مفرط غير أنهم مجمعون على أنه
أول من أطال المديح اه‍ وكان بنو أمية يقدمونه ويكرمونه مع علمهم
بتشيعه لمكان تقدمه في الشعر. والكميت قال ابن عكرمة الضبي لولا شعر
الكميت لم يكن للغة ترجمان ولا للبيان لسان وقال معاذ بن مسلم الهراء لما
سئل عنه ذاك أشعر الأولين والآخرين اه‍ وكفاه شهادة الفرزدق لما
عرض عليه أول شعره واستشاره في إذاعته فقال أذع يا ابن أخي ثم أذع.
وأبو نواس وشهرته تغني عن وصفه فليس في المولدين أشهر اسما منه حتى
قال الشاعر:
- إن تكن فارسا فكن كعلي * أو تكن شاعرا فكن كابن هاني -
وقال الشريف الرضي فيه وفي البحتري وهو يصف قصيدة:
- كان أبا عبادة شق فاها * وقبل ثغرها الحسن بن هاني -
وأبو تمام والبحتري اللذان أخملا في زمانهما خمسمائة شاعر كلهم مجيد
كما في عمدة ابن رشيق. وأول من
قيل فيه صيقل المعاني أبو تمام وأول من قيل في شعره سلاسل الذهب البحتري. ودعبل الخزاعي. وديك الجن
الحمصي الذي شهد له دعبل بأنه أشعر الجن والأنس. وابن الرومي قال
ابن رشيق أكثر المولدين اختراعا وتوليدا فيما يقول الحذاق: أبو تمام وابن
الرومي.
والسيد الحميري أقدر الناس على نظم الأخبار والأحاديث والقصص
ولم يسمع بشاعر مكثر مطيل مجيد غيره. قال ابن المعتز في التذكرة: كان
للسيد أربع بنات كل واحدة منهن تحفظ أربعمائة قصيدة لأبيها. نظم كلما
سمعه في فضل علي ومناقبه ما مثله في نظم الحديث وكل قصائده طوال
اه‍ ومر أن ميمياته ناء بها حمال وسمعت شهادة الثوري وبشار وابن أبي
حفصة له وقول أبي عبيدة إنه أشعر الناس. وكفاه تبحرا في اللغة أن لفظة
جونب في قوله في المذهبة:
- فنجاد توضح فالنضائد فالشظا * فرياض سنحة فالنقا من جونب -
ليس لها ذكر في كتب اللغة ولم يطلع على معناها السيد المرتضى مع
زيادة تبحره فقال في شرح القصيدة: أما جونب فهو اسم موضع لا شك
إلا أني لست أعرف جهته الآن اه‍ وقال ياقوت في معجم البلدان أنها
اسم موضع في شعر الحميري لم يزد على ذلك.
والحماني علي بن محمد بن جعفر بن محمد بن زيد بن علي بن الحسين
ع الذي كان يقول انا شاعر وأبي شاعر وجدي شاعر إلى أبي
طالب والذي شهد له الهادي ع امام المتوكل بأنه أشعر الناس
لقوله من أبيات:
- فلما تنازعنا الحديث قضى لنا * عليهم بما نهوى نداء الصوامع -
يعني الآذان.
والمتنبي الذي نقل صاحب نسمة السحر عن والده أن المتنبي كان
يتحقق بولاء أمير المؤمنين ع تحققا شديدا وان له فيه عدة قصائد سماها
العلويات حذفت من أكثر نسخ ديوانه عصبية، وقال ويقوي ذلك أنه كوفي
والكوفة أحد معادن الشيعة، قال وفي شعره إشارات إلى ذلك اه‍.
كما سنبينه في ترجمته ومهما يكن من أمر فالذي فتح لهاته بالشعر إنما هم ملوك
الشيعة بعطاياهم كسيف الدولة الحمداني وعضد الدولة البويهي وابن العميد
وأمثالهم ممن مدحهم المتنبي فرجع الفضل في أدبه وشعره إلى الشيعة.
وأبو فراس الحمداني الذي شهد له المتنبي بالتقدم وحسبك بشهادته
وكان يتحامى جانبه لم يذكر معه شاعر إلا أبا الطيب وحده وكفاه شهادة
الصاحب بن عباد له بأنه بدئ الشعر بملك وختم بملك: امرئ القيس
وأبي فراس وجمع ديوانه وشرحه ابن خالويه المعاصر له.
وعبد المحسن الصوري العاملي الشاعر البارع الشهير.
والصاحب إسماعيل بن عباد أحد كتاب الدنيا الأربعة نظم عشرة
آلاف بيت في أهل البيت ع عدا عن باقي شعرهم.
وابن دريد محمد بن الحسن صاحب المقصورة التي جمعت مقصور
اللغة العربية وشرحها العلماء شروحا عديدة ولم يوجد لها نظير في بابها.
وابن منير الطرابلسي. والصنوبري.
وابن الحجاج صاحب المجون ديوان شعره عشرة مجلدات وكفاه
شهادة بتقدمه في الشعر أن السيد الرضي انتخب منه ما سماه الحسن من
شعر الحسين بعد ما أسقط المجون منه ورتبه البديع الأسطرلابي الشاعر على
مائة وواحد وأربعين بابا كل منها في فن من فنون الشعر وسماه درة التاج في
شعر ابن الحجاج.
والشريف الرضي الذي قيل فيه أنه أشعر الطالبيين وأشعر قريش لا
يذكر معه شاعر لا من المتقدمين ولا من المتأخرين وشرح بعض قصائده ابن
جني النحوي في حياته فمدحه لذلك.
وأخوه المرتضى ديوان شعره يزيد على عشرين ألف بيت.
وتلميذ الرضي مهيار الديلمي الشاعر البارع الذي لا يباري المكثر
المطيل مع الإجادة الذي أبرز معاني الفرس في ألفاظ العرب ففاق.
وابن هانئ الأندلسي. في الإحاطة: كان من فحول الشعراء وأمثال
النظم وبرهان البلاغة لا يدرك شاوه ولا يشق غباره اه‍. وقال ابن
خلكان ليس في المغاربة من هو في طبقته لا من متقدميهم ولا من متأخريهم
بل هو أشعرهم على الاطلاق وهو عندهم كالمتنبي عند المشارقة اه‍.
وكشاجم مأخوذ من أربع كلمات كاتب شاعر منجم متكلم مجيد
للأوصاف كلها لا عديل له في عصره.
والناشي وهو يقال لمن كان نشا في فن من فنون الشعر واشتهر به كما
(١٨٥)

قاله السمعاني وأول من لقب بذلك علي بن عبد الله الشاعر المشهور ومن
قوله في أمير المؤمنين ع:
- كان سنان ذابله ضمير * فليس عن القلوب له ذهاب -
- وصارمه كبيعته بخم * معاقدها من الخلق الرقاب -
أخذه المتنبي فجعله في سيف الدولة فقال:
- كان الهام في الهيجا عيون * وقد طبعت سيوفك من رقاد -
- وقد صغت الأسنة من هموم * فما يخطرن إلا في فؤاد -
والزاهي أول من زها في جميع فنون الشعر حتى لقب بذلك.
والخبز ارزي أول أمي أوتي المعجز في شعره المشهور بالغزل الذي
طبقت الدنيا شهرته.
والخباز البلدي الأمي أيضا أحد حسنات الدنيا وشعره كله ملح
وتحف وغرر وظرف ولا تخلو مقطوعة من معنى حسن أو مثل سائر.
وسبط ابن التعاويذي الذي لم يوجد قبله بمائتي سنة من يضاهيه بنص
ابن خلكان.
والوداعي الكندي صاحب التذكرة الكندية في خمسين مجلدا في عدة
فنون أول من فتح بابا للتورية والاستخدام بتلك السهولة والانسجام أخذ
ابن نباتة من شعره في ذلك وكان عيالا عليه.
وصفي الدين الحلي أول من اخترع الموشح المضمن ولم يسبق إليه
وأول من نظم أنواع البديع في مدح الرسول ص على
وزن البردة وقافيتها وألف في ذلك وشعره من الطبقة العالية.
وفي الأعصار الأخيرة الشيخ جعفر الخطي. وملا كاظم الأزري
البغدادي. والشيخ صالح التميمي البغدادي. والحاج هاشم الكعبي.
والشيخ عبد الحسين الأعسم النجفي والشيخ إبراهيم بن يحيى العاملي.
وحفيده الشيخ إبراهيم بن صادق العاملي. وأكثر هؤلاء لو كانوا في
الأعصار السالفة لعدوا مع فحول الشعراء كابي تمام والبحتري والمتنبي
واضرابهم ولكن خانهم زمانهم الذي وجدوا فيه.
ومن المعاصرين السيد محمد سعيد الحبوبي النجفي. والسيد حيدر
الحلي. والشيخ عبد المحسن الكاظمي نزيل مصر. والشيخ محمد رضا
الشبيبي ومحمد مهدي الجواهري. والشيخ عبد الحسين آل صادق العاملي
والسيد حسن محمود الأمين الحسيني العاملي. والشيخ سليمان ظاهر العاملي
النباطي. والشيخ احمد رضا العاملي النباطي. والشيخ محمد حسين آل
شمس الدين العاملي. والشيخ محمد نجيب مروة العاملي. وغيرهم ينبو
عنهم الحصر وقد عددنا منهم فيما مر مقدارا وافيا فراجع.
فأنت ترى أن فحول الشعراء ومشاهيرهم هم من الشيعة.
وملوك الديالمة من بني بويه مع كون أصلهم فارسيا فقد خدموا الأدب
العربي خدمة تذكر فتشكر ولهم أياد بيضاء على الأدب العربي لم تكن لغيرهم
من أصحاب الدول التي ليس أصلها بعربي كدولة السلاجقة. وقد كان بنو
بويه يجلون أهل الفضل والأدب ولا يعتمدون في أعمالهم إلا عليهم
ووزراؤهم من أعيان الأدباء كابن العميد وابنه أبي الفتح والصاحب بن
عباد وأبي محمد الحسن المهلبي وسابور بن اردشير الذي أنشأ في كرخ بغداد
خزانة كتب على إفادة الناس لم يكن في الدنيا أحسن منها كما قال ياقوت.
واشتهر من بني بويه أنفسهم غير واحد بالأدب والشعر كعضد الدولة بن
ركن الدولة وعز الدولة بن معز الدولة فقد كانا شاعرين وتاج الدولة بن
عضد الدولة فقد كان أدب آل بويه وأشعرهم وأكرمهم وأبي العباس خسرو
ابن فيروز بن ركن الدولة وأشعارهم مذكورة في اليتيمة.
وممن له الفضل العظيم على الأدب العربي قدامة بن جعفر الكاتب
البغدادي المتوفي حوالي ٣١٠ بتاليفه: نقد الشعر ونقد النثر وكلاهما
مطبوع فقد أبان فيهما عن فضل غزير ومعرفة تامة بالأدب وخدم بهما الأدب
العربي خدمة جلى. قال الدكتور طه حسين: في مقدمة نقد النثر:
كان أول ما ظهر من تشريع الفلسفة للأدب كتابا في الشعر لقدامة بن
جعفر اسمه نقد الشعر اه‍ قال ابن النديم كان قدامة أحد البلغاء
الفصحاء وقال الحريري ولو أوتي بلاغة قدامة وقال المطرزي هو المضروب
به المثل في البلاغة وقال ياقوت برع في صناعة البلاغة واشتهر في زمانه
بالبلاغة ونقد الشعر وصنف في ذلك كتبا وقال الخطيب في تاريخ بغداد:
أنه أحد مشايخ الكتاب وعلمائهم وافر الأدب حسن المعرفة له مصنفات في
صناعة الكتاب اه‍ ويظهر تشيعه من كتابه نقد النثر.
وممن كان له الفضل الكثير على اللغة العربية والأدب العربي من
الشيعة أبو الفرج الأصبهاني صاحب التأليف الكثيرة اعظمها كتاب
الأغاني الذي حفظ جملة التراجم والآثار والأخبار والأشعار وأبان عن تبحر
واسع لم يشارك فيه.
ومنهم المرزباني صاحب المؤلفات الكثيرة التي لا مثيل لها منها
معجم الشعراء وفي مؤلفاته ما لم يؤلف مثله وجمع من أخبار المشهورين ما
لا يوجد في غيره فضلا عن المغمورين ونقل عن كتابه أكابر من تأخر عنه كما
مر.
ومنهم ابن العلقمي وزير المستعصم. في الفخري كان يحب أهل
الأدب ويقرب أهل العلم اشتملت خزانته على عشرة آلاف مجلد من نفائس
الكتب مدحه الشعراء وانتجعه الفضلاء وصنف له الصغاني العباب في اللغة
وابن أبي الحديد شرح النهج اه‍.
ومنهم الخلفاء الفاطميون بمصر كانت لهم خزانة كتب عظيمة
أطال في وصفها المقريزي في خططه كان فيها عدة نسخ من كتاب العين
للخليل بن أحمد أحدها بخط الخليل...
ومنهم بنو عمار امراء طرابلس الشام وقضاتها فقد كانت خزانة
كتبهم بطرابلس تحتوي على ما يزيد عن مليون كتاب ذهبت في الحروب
الصليبية على ما قاله الأستاذ محمد كرد علي الدمشقي المعاصر واستفاده من
المصادر الأوروبية. إلى غير ذلك مما يضيق عنه نطاق الحصر.
فضل الصاحب بن عباد على
الأدب العربي
وممن له الفضل العظيم والأيادي البيض على اللغة العربية والأدب
العربي وكان يتعصب للعرب مع كونه فارسي الأصل الصاحب بن عباد
فقد خدمهما أعظم خدمة بمؤلفاته ورسائله ونثره وشعره وجوائزه للأدباء
والمؤلفين والشعراء.
(١٨٦)

ولم يجتمع بباب أحد من الملوك والوزراء بعد الخلفاء ما اجتمع ببابه
من الشعراء ومدح بمائة ألف قصيدة عربية وفارسية وأنفق أمواله على
الشعراء والأدباء والقصائد البرذونيات والتي وصفت بها داره لشعراء عصره
مع كثرتها أشهر من قفانك واليتيمة جلها في شعرائه قال الثعالبي: احتف
به من نجوم الأرض وأفراد العصر وفرسان الشعر من يربى عددهم على
شعراء الرشيد ولا يقصرون عنهم في الأخذ برقاب القوافي وملك رق المعاني
فإنه لم يجتمع بباب أحد من الخلفاء والملوك مثل ما اجتمع بباب الرشيد من
فحولة الشعراء المذكورين: كابي نواس. وأبي العتاهية. والعتابي.
والنمري. ومسلم بن الوليد. وأبي الشيص. ومروان بن أبي حفصة.
ومحمد بن مناذر. وجمعت حضرة الصاحب بأصبهان والري وجرجان مثل:
أبي الحسن السلامي. وأبي بكر الخوارزمي. وأبي طالب المأموني. وأبي
الحسن البديهي. وأبي سعيد الرستمي. وأبي القاسم الزعفراني. وأبي
العباس الضبي والقاضي الجرجاني وأبي القاسم بن أبي العلاء. وأبي محمد
الخازن. وأبي هاشم العلوي وأبي الحسن الجوهري وبني المنجم وابن
بابك. وابن القاشاني. وأبي الفضل الهمداني. وإسماعيل الشاشي. وأبي
العلاء الأسدي. وأبي الحسن الغويري. وأبي دلف الخزرجي. وأبي حفص
الشهرزوري. وأبي معمر الإسماعيلي. وأبي الفياض الطبري وغيرهم ممن
لم يبلغني ذكره أو ذهب عني اسمه، ومدحه مكاتبة الشريف الرضي
الموسوي. وأبو إسحاق الصابي. وابن حجاج. وابن سكرة. وابن نباتة
اه‍، ولما أرسل إليه منصور بن نوح الساماني صاحب خراسان في السر
يستدعيه كان من جملة عذره أن قال وعندي من كتب العلم خاصة ما يحمل
على أربع مائة جمل أو أكثر. وكان يستصحب في سفره حمل ثلاثين بعيرا
والظاهر أنها كانت من كتب الأدب خاصة لأنه استغنى عن حملها لما وصله
كتاب الأغاني وكان يتولى خزانة كتبه أبو محمد الخازن الشاعر وقال أبو
الحسن البيهقي بيت الكتب الذي بالري دليل على ذلك بعد ما أحرقه
السلطان محمد بن سبكتكين لما ورد إلى الري فقيل له إن هذه كتب
الروافض وأهل البدع فامر باحراق كلما كان في علم الكلام فاني وجدت
فهرست تلك الكتب عشرة مجلدات اه‍.
فضل سيف الدولة على الأدب العربي
وممن له الفضل العظيم والأيادي البيض على اللغة العربية والأدب
العربي وخدمهما أعظم خدمة بعطاياه وتقريبه العلماء والشعراء والأدباء
سيف الدولة علي بن حمدان. كان ابن خالويه النحوي الأديب اللغوي
من صنائع سيف الدولة قال ابن النديم توفي بحلب في خدمة بني حمدان
اه‍. ووفد عليه العلماء فاكرمهم وأجازهم منهم أبو نصر الفارابي.
وحمل إليه أبو الفرج الأصبهاني كتاب الأغاني فاجازه بألف دينار. قال
الثعالبي في اليتيمة في وصف سيف الدولة: حضرته مقصد الوفود ومطلع
الجود وقبلة الآمال ومحط الرحال وموسم الأدباء وحلبة الشعراء ويقال انه لم
يجتمع بباب أحد من الملوك بعد الخلفاء ما اجتمع ببابه من شيوخ الشعر
ونجوم الدهر وإنما السلطان سوق يجلب إليها ما ينفق لديها وكان أديبا
شاعرا محبا لجيد الشعر شديد الاهتزاز لما يمدح به فلو أدرك ابن الرومي
زمانه لما احتاج إلى أن يقول:
- ذهب الذين تهزهم مداحهم * هز الكماة عوالي المران -
- كانوا إذا امتدحوا رأوا ما فيهم * فالأريحية منهم بمكان -
قال وكان كل من أبي محمد عبد الله بن محمد الفياضي الكاتب وأبي
الحسين علي بن محمد الشمشاطي قد اختار من مدائح الشعراء لسيف الدولة
عشرة آلاف بيت اه‍.
ما ذكره ابن النديم من شعراء
سيف الدولة
منهم المتنبي. قال ابن النديم: وشهرته تغني عن الأطناب في
ذكره كوفي ولقي سيف الدولة وشعره فيه مشهور. والمغنم المصري
اسمه ابن الحسن محمد بن سامي الشعباني قال ابن النديم من شعراء سيف
الدولة. والببغا أبو الفرج عبد الواحد بن نصر الشامي قال ابن النديم
مطبوع الشعر ولقي سيف الدولة. وأبو عبد الله محمد بن الحسين قال
ابن النديم لقي سيف الدولة. وأبو نصر بن نباتة التميمي قال ابن
النديم من شعراء سيف الدولة والشيظمي قال ابن النديم: كان يجول
ثم انقطع إلى الدولة شعره ٥٠٠ ورقة والورقة أربعون سطرا اه‍.
ما ذكره الثعالبي في اليتيمة من شعراء
سيف الدولة وأدباء حضرته
منهم أبو بكر الخوارزمي. قال الثعالبي: كان في ريعان عمره حصل
من حضرة سيف الدولة بحلب في مجمع الرواة والشعراء فأقام ما أقام بها
علي بن عبد الله بن خالويه وأبي الحسن الشمشاطي وغيرهما من أئمة الأدباء
وأبي الطيب المتنبي وأبي العباس النامي وغيرهما من فحولة الشعراء بين علم
يدرسه وأدب يقتبسه وانقلب عنها وهو أحد أفراد الدهر وأمراء النظم والنثر
وكان يقول ما فتق قلبي وشحذ فهمي وصقل ذهني وأرهف حد لساني وبلغ
هذا المبلغ بي الا تلك الطرائف الشامية واللطائف الحلبية التي علقت
بحفظي وغصن الشباب رطيب وبرد الحداثة قشيب. قال الثعالبي: وممن
خرجته تلك البلاد وأخرجته وكلامه مقبول محبوب آخذ بمجامع القلوب
القاضي أبو الحسن علي بن عبد العزيز الجرجاني فإنه جنى ثمارها واستصحب
آثارها حتى ارتقى إلى المحل العلي وتطبع بطبع البحتري. وأبو عبد الله بن
خالويه الأديب النحوي. وأبو الحسن الشمشاطي وأبو محمد الفياضي
الكاتب وأبو الطيب المتنبي وأبو العباس أحمد بن محمد النامي والسري بن
أحمد الموصلي وأبو فراس الحارث بن سعيد الحمداني وأبو الفرج الببغا وأبو
الفرج الواواء وأبو نصر بن نباتة من شعراء العراق وأبو بكر وأبو عثمان
الخالديان وهما من خواص شعرائه وأبو اسحق الصابي ارسل إليه المديح من
بغداد وغيرهم.
وكانت ينابيع جوده تنفجر دائما على الشعراء حكى الثعالبي انه كان
قد أمر بضرب دنانير للصلات في كل منها عشرة مثاقيل وعليه اسمه
وصورته أمر يوما لأبي الفرج الببغا بعشرة دنانير فقال من أبيات:
- فقد غدت باسمه وصورته * في دهرنا عوذة من العدم -
فزاده عشرة أخرى. وكان الشعراء ينشدونه فجاء إعرابي رث الهيئة
فاستأذن وأنشد:
- أنت علي وهذه حلب * قد نفد الزاد وانتهى الطلب -
- بهذه تفخر البلاد وبالأمير * تزهى على الورى العرب -
- وعبدك الدهر قد أضربنا * إليك من جور عبدك الهرب -
فقال سيف الدولة أحسنت والله وأمر له بمائتي دينار. وأجاز أبو
(١٨٧)

فراس بيتا لسيف الدولة فأعطاه ضيعة بمنبج تغل ألفي دينار. وجرى حوار
بينه وبين المتنبي فاعجب سيف الدولة بقوله ووصله بخمسين دينارا من
دنانير الصلات فيها خمسمائة دينار اه‍.
أقول وممن قصد حضرة سيف الدولة من مشاهير الشعراء الناشئ
الأصغر علي بن عبد الله بن وصيف. قال ابن خلكان: كان قد قصد
حضرة سيف الدولة ابن حمدان بحلب ولما عزم على مفارقته وقد غمره
باحسانه كتب إليه يودعه:
- أودع لا اني أودع طائعا * وأعطي بكرهي الدهر ما كنت مانعا -
الأبيات
ومنهم الزاهي علي بن إسحاق البغدادي قال ابن خلكان عن عميد
الدولة في طبقات الشعراء أكثر شعره في أهل البيت ومدح سيف الدولة،
وسلامة بن الحسين الموصلي.
بنو ورقاء
ومن أمراء الشيعة بالشام بنو ورقاء كانوا عربا صميمين من بني شيبان
وكانوا شيعة وبينهم وبين الحمدانيين خلطة ومراسلة بالشعر لا سيما أبو
فراس وهم مع بني حمدان عموما ممن لهم فضل عظيم على الأدب العربي.
قال الثعالبي في اليتيمة: لما جمع شعراء العصر من أهل الشام بين فصاحة
البداوة وحلاوة الحضارة ورزقوا ملوكا وأمراء مثل آل حمدان وبني ورقاء بقية
العرب والمشغوفون بالأدب والمشهورون بالمجد والكرم والجمع بين آداب
السيف والقلم وما منهم إلا أديب جواد يحب الشعر وينقده ويثيب على الجيد
منه فيجزل ويفضل انبعثت قرائحهم في الإجادة فقادوا محاسن الكلام بالين
زمام وأحسنوا وأبدعوا ما شاءوا. وقال وأخبرني جماعة من أصحاب
الصاحب بن عباد انه كان يعجب بطريقتهم المثل التي هي طريقة البحتري
في الجزالة والعذوبة ويحرص على تحصيل الجدد من أشعارهم ويستمليها من
الطارئين عليه من تلك البلاد حتى كسر دفترا ضخم الحجم عليها وكان لا
يفارق مجلسه يحاضر بما فيه في مخاطباته ويحله أو يورده كما هو في رسائله
اه‍.
وألفت نفائس الكتب العربية باسم امراء الشيعة ووزرائهم، فألف
الصدوق عيون الاخبار باسم الصاحب بن عباد، وألف المرتضى الانتصار
لعميد الجيوش أبي علي الحسن ابن أستاذ هرمز وزير بهاء الدولة الديلمي.
وفي الذريعة انه ألفه للأمير الوزير عميد الدين ولم نعثر على من لقبه عميد
الدين من وزراء الشيعة في عصر المرتضي، وعميد الجيوش وإن لم يذكروا
انه ولي الوزارة بل ظاهرهم انه كان رئيس الجيش إلا أنه يجري مجرى
الوزراء ومع ذلك فهو بمنزلة وزير الحرب. وألف أبو إسحاق الصابي كتابه
التاجي في اخبار آل بويه لعضد الدولة، وألف له أبو علي الفارسي كتاب
الايضاح والتكملة في النحو، وألف أحمد بن فارس كتابه الصاحبي في فقه
اللغة باسم الصاحب ابن عباد، وألف له القاضي علي بن عبد العزيز
الجرجاني تهذيب التاريخ، وأنشأ الحريري المقامات باسم انوشروان بن
خالد القاشاني وزير المسترشد العباسي، وألف الصغاني العباب من أهم
كتب اللغة باسم الوزير ابن العلقمي وكذلك ابن أبي الحديد ألف شرح
نهج البلاغة باسمه فاحسن جائزتهما. ونظم ابن الهبارية كتابه الصادح
والباغم وأهداه للأمير سيف الدولة صدقة بن دبيس بن مزيد أمير الحلة
فأعطاه ألف دينار، واهدى أبو الفرج الأصبهاني كتابه الأغاني إلى سيف
الدولة بن حمدان فأعطاه ألف دينار كما مر، وألف الشيخ محمد بن علي
الجرجاني غاية البادي في شرح المبادي للعلامة باسم النقيب عميد الدين
عبد المطلب الحسيني من بني المختار وعليه أجزلوا العطايا لهؤلاء المؤلفين.
وكان العلماء المؤلفون في الدولة الإسلامية يهدون نسخة إلى خزانة الملك أو
الأمير ويصدرون كتابهم باسمه فيجازون بالألف الدينار فيما فوقها أو دونها
التي تعادل خمسمائة ليرة عثمانية ذهبا أو تزيد فيحصلون على ثروة تسهل
لهم أمر التأليف والتصنيف. وقد وصلنا إلى زمان يصرف العام عمره في
تاليف كتاب فاما ان يبقى كتابه في زوايا الإهمال تنسج عليه العناكب
وتفسده الأرضة ويكون عاقبة امره الضياع واما ان يساعده الحظ
والتوفيق فيطبع كتابه على نفقته ويبيعه فلا يحصل على بعض ما أنفقه إلا
بشق الأنفس وإن كان الكتاب علميا فيجد المؤلف نفسه سعيدا إذا قبل
العلماء المملقون مثله كتابه هدية وقرأوه وإن لم يجلدوه ولم يحفظوه وتركوه بين
أيدي الصبيان يعبثون به وإما أن يتوسط لدى بعض بائعي الكتب
ويقنعهم بان كتابه مرغوب فيه مطلوب فيطبعونه على نفقتهم ويصححه لهم
حال الطبع لقاء دراهم لا تفي بقيمة ما أنفقه على الورق والحبر والأقلام أو
مجانا وإذا لم ينفق الكتاب كان حظه منهم المقت:
- اتى الزمان بنوه في شبيبته * فسرهم وأتيناه على هرم -
وأما في اللغة فأول من صنف فيها الخليل بن أحمد صنف كتاب
العين وابن دريد صنف الجمهرة وابن فارس صنف المجمل وفقه اللغة
والصاحب بن عباد صنف المحيط وابن السكيت صنف اصلاح المنطق الذي
قال فيه المبرد ما عبر جسر بغداد كتاب في اللغة مثله. وكلها من الكتب
الوحيدة في بابها. والشريف المرتضى له الأمالي المعروف بالغرر والدرر ذو
الشهرة العظيمة خدم به الأدب العربي واللغة العربية خدمة جلى وأخوه
الرضي له مجازات القرآن ومجازات الحديث شاهدان بفضله على اللغة
العربية.
وأما في النحو والصرف اللذين عليهما مدار حفظ لغة العرب فأول
من اخترع النحو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع وعلمه أبا
الأسود فأتمه ونحا نحو ما علمه إياه أمير المؤمنين ثم برع فيه الخليل بن أحمد
وأخذ عنه مشاهير علماء النحو والكسائي تلميذ الخليل الذي أنفق أربعين
قنينة من الحبر فيما كتبه عن العرب في بواديهم، والفراء تلميذ الكسائي
اعلم الكوفيين بالنحو بعد الكسائي والذي قال فيه ثعلب لولا الفراء لما
كانت عربية لأنه خلصها وضبطها ولولاه لسقطت. وكفى بها شهادة على
خدمة الشيعة للأدب العربي واللغة العربية. وأبو عثمان المازني لم يكن
اعلم منه بالنحو بعد سيبويه وله قصة مع الواثق مشهورة. وأبو العباس
المبرد تلميذ المازني وكتابه الكامل اعدل شاهد على خدمته الجلي للأدب
العربي واللغة العربية، وقطرب النحوي. وأول من أفرد الصرف عن
النحو معاذ بن مسلم الهراء الكوفي وأول من صنف فيه المازني وشرح
الرضي لكافية ابن الحاجب في النحو وشافيته في الصرف لم يصنف مثله قبله
ولا بعده واستفادت منه الناس من عهده إلى اليوم وأبان فيه فلسفة اللغة
العربية وأوضح عللها وهؤلاء الذين ذكرناهم كلهم شيعة فأنت ترى ان
جل أعاظم علماء النحو والصرف الذين اقتدى الناس بعلمهم من الشيعة.
(١٨٨)

مؤلفات الشيعة فيما يعود إلى الشعر والأدب وأما فيما يعود إلى
الشعر والأدب
من جميع أنواعه وأبوابه وشرحه وشبه
ذلك مما يتعلق به: فقد ألف إبراهيم بن عبد الله بن الحسن المثنى العلوي
الطالبي الهاشمي قتيل باخمرى لما كان مختفيا عند المفضل الضبي كتابا جمع
فيه سبعين قصيدة اختارها من أشعار العرب فلما قتل أظهرها المفضل ونسب
جمعها إلى نفسه وزاد عليها وجعلها مائة وهي المعروفة بالمفضليات شهادته
١٤٥.
وممن ألف فيه الكسائي علي بن حمزة له أشعار المعاياة ١٨٢.
وهشام بن محمد بن السائب الكلبي له: تسمية ما في شعر امرئ
القيس من أسماء الرجال والنساء وأنسابهم وأسماء الأرضين والجبال والمياه.
من قال بيتا من الشعر فنسب إليه. العباس بن الأحنف ومختار شعره.
أخبار الشعر وأيام العرب ذكره ابن النديم ٢٦٠.
وأبو تمام حبيب بن أوس الطائي. له كتاب الحماسة أو ديوان
الحماسة منتخب من أشعار مرتب على أبواب في أكثر فنون الشعر المعروفة
واشتهر باسم باب واحد منها وهو الحماسة جمعه صدفة لما حبسه الثلج
بهمذان في منزل أبي الوفاء بن سلمة من خزانة كتبه التي كان يطالع فيها أيام
مقامه بهمذان حتى ذهب الثلج وعد ذلك أبو الوفاء غنيمة كبرى وفرصة
مغتنمة ان يكون أبو تمام عنده هذه المدة فكانت منة للثلج على أبي الوفاء
وعلى الأدب العربي فاشتهر ديوان الحماسة وذاع صيته في الدنيا اشتهارا لم
يكن لغيره في السابق واللاحق حتى قيل إن أبا تمام في اختياره أشعر منه في
شعره وحتى صار إذا استشهد ببيت منه في كتاب يقال: وقال الحماسي اي
انه من جملة الشعر المنتخب في الحماسة كما يقولون بين الكتاب: اي كتاب
سيبويه ووضعت عليه الشروح عثرنا على أسماء ١١ شرحا منها التي منها
شرح الخطيب التبريزي المعروف وصنف ابن جني المبهج في تفسير أسماء
شعراء ديوان الحماسة وله أيضا الحماسة الصغرى وكتاب فحول الشعراء
٢٣١.
وابن السكيت يوسف بن يعقوب له معاني الشعر الكبير، معاني
الشعر الصغير، سرقات الشعراء ٢٤٤.
وأبو عثمان المازني بكر بن حبيب له كتاب القوافي ذكره السيوطي
وغيره ٢٤٨.
وأحمد بن محمد بن خالد البرقي له كتاب الشعر والشعراء ذكره الشيخ
في الفهرست والنجاشي ٢٧٤.
والوليد أبو عبادة البحتري له كتاب الحماسة نظير حماسة أبي تمام وزاد
عليه أبوابا كثيرة لكنه لم يرزق من الحظ ما رزق ديوان حماسة أبي تمام
٢٨٤.
والمبرد محمد بن يزيد النحوي له شرح أبيات الكتاب ٢٨٥.
ومحمد بن مسعود العياشي له معاريض الشعر المائة الثالثة.
وأبو الحسن محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم طباطبا بن
إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب. له:
عيار الشعر، المدخل في معرفة المعمى من الشعر ذكرا في معجم الأدباء
ومعاهد التنصيص ونسمة السحر ٣٢٢.
وأبو عبد الله محمد بن عبد الله الكاتب الشاعر الشهير بالمفجع. قال
ابن النديم وياقوت: له الترجمان في معاني الشعر في الشعر ومعانيه
يشتمل على ثلاثة عشر حدا وذكرها. أشعار الخوارج، عرائس المجالس،
شعر زيد الخيل. نص على تشيعه ابن النديم والنجاشي وياقوت والسيوطي
وحكى ياقوت عن تاريخ ابن بشران ان المفجع كان يجلس في الجامع
بالبصرة فيكتب عنه ويقرأ عليه الشعر واللغة ٣٢٧.
وأبو بكر الصولي محمد بن يحيى ابن العباس. قال ابن النديم من
الأدباء والظرفاء وذكر له مؤلفات في الأدب وغيره منها كتاب العباس بن
الأحنف ومختار شعره. أشعار الشعراء المحدثين على حروف المعجم
٣٣٠ أو ٣٣٥.
وأبو عمرو الزاهد محمد بن عبد الواحد. له تفسير أسماء الشعراء
٣٤٤.
والمرزباني محمد بن عمران. قال ابن النديم: له كتاب الشعر
ووصف محاسنه ومنافعه ومضاره واوزانه وعيوبه وعروضه ومختاره ومسروقه
وسائر أنواعه ومعانيه أشعار الخلفاء أكثر من مائتي ورقة، أشعار النساء نحو
ستمائة ورقة، الأنوار والثمار وما قيل فيها من الأشعار وجاء فيها من
الاخبار نحو خمسمائة ورقة ٣٧٨.
والصاحب بن عباد. له رسالة الكشف عن مساوي شعر المتنبي
٣٨٥.
والحسين بن محمد بن جعفر الرافقي المعروف بالخالع. نص على
تشيعه النجاشي وذكر له ياقوت والسيوطي شرح شعر أبي تمام. صناعة
الشعر ٣٨٨.
وأحمد بن فارس اللغوي. له كتاب ذم الخطا في الشعر وله الحماسة
ذكره ابن النديم ٣٩٥.
وأبو الحسن علي بن محمد العدوي الشمشاطي السميساطي قال
النجاشي: فاضل أهل زمانه وأديبهم، له كتاب الأنوار والثمار، قال لي
سلامة بن دكا انه مائتان وخمسون ورقة فيما قيل في الأنوار والثمار من
الشعر، شرح حماسة أبي تمام الأولى عملها لعبد الله بن طاهر، رسالة في
الشعر، رسالة نقد شعر أبي نضلة وشعر النامي، قال ابن النديم: له
اخبار أبي تمام والمختار من شعره المائة الرابعة.
والشريف المرتضى علي بن الحسين الموسوي قال العلامة في
الخلاصة: متوحد في علوم كثيرة متقدم في علوم وعد منها الأدب من الشعر
وغيره. له الأمالي في التفسير والأدب، الشهاب في الشيب والشباب
٤٣٦.
وابن الشجري هبة الله بن علي قال ياقوت كان أوحد زمانه في معرفة
أشعار العرب وأيامها وأحوالها متضلعا من الأدب كامل الفضل صنف
الأمالي الانتصار على ابن الخشاب رد فيه على ما انتقده من الأمالي، الحماسة
ضاهى به حماسة أبي تمام ٥٤٢.
والشيخ محمد بن علي الحرفوشي الدمشقي له طرائف النظام ولطائف
الانسجام في محاسن الأشعار، رسالة الخال ١٠٥٩.
(١٨٩)

والشيخ محمد علي آل عز الدين العاملي له تحية الأحباب في المفاخرة
بين الشيب والشباب ١٣٠٣.
والسيد حيدر الحلي الشاعر المشهور له العقد المفصل في الشعر
والأدب ١٣٠٤.
والفقير مؤلف هذا الكتاب له الجزء الثالث من معادن الجواهر في
الشعر والأدب.
المجاميع للشيعة
الأخبار المنثورة لأبي بكر محمد بن الحسن بن دريد ٣٢١.
الكامل للمبرد. المقتضب له ٢٨٥ العوض عن المجالس
للصدوق محمد بن الحسين ٣٨١ النزه والابتهاج ألفان وخمسمائة ورقة
فيها آداب وأخبار لعلي بن محمد العدوي الشمشاطي المائة الرابعة نثر
الدرر المشهور بزبدة الأخبار للوزير أبي سعيد منصور بن الحسين الآبي
٤٢٢.
كنز الفرائد للكراجكي محمد بن علي بن عثمان. معدن الجواهر
ورياضة الخواطر له ٤٤٩ بيدر الفلاح للشيخ مساعد ينقل عنه الكفعمي
وغيره. ولكني رأيت في موضع لا أتذكره الآن انه ليس لأصحابنا. التذكرة
الكندية لعلاء الدين علي بن عبد الله الكندي الشامي الشهير بالوداعي
خمسون مجلدا في عدة فنون ٧١٧ الكشكول للسيد حيدر الآمدي.
مجموعة الشهيد الأول محمد بن مكي ٧٨٦ مجموعة الشيخ محمد بن علي
الجباعي جد البهائي في مجلدين منها نسخة بخطه في مكتبة الشيخ فضل الله
النوري في طهران ينقل فيها كثيرا عن خط الشهيد الأول والظاهر أن النقل
من مجموعته المائة الثامنة المجموع الرائق من أزهار الحدائق للسيد هبة
الله بن الحسن الموسوي أواخر المائة الثامنة مجموع الغرائب للكفعمي منه
نسخة في الخزانة الرضوية ٩٠٥ روضة الخواطر ونزهة النواظر للشيخ
محمد ابن الشيخ حسن صاحب المعالم ثلاثة مجلدات ١٠٣٠ الكشكول
للشيخ البهائي محمد بن الحسين طبع مرارا كثيرة في مصر وإيران واشتهر
اشتهارا تاما واقتدى به في ذلك جماعة وصارت كل مجموعة نحوه تسمى
الكشكول وإن كان لها اسم آخر. المخلاة له ١٠٣١. كتاب مشكلات
العلوم للشيخ مهدي بن أبي ذر النراقي بمنزلة الكشكول المائة الحادية
عشرة الدر المنثور للشيخ علي بن محمد بن الحسن بن زين الدين الشهيد
الثاني العاملي ١١٠٣ أزهار الرياض للشيخ سليمان بن عبد الله البحراني
الماحوزي ١١٢١ جليس الحاضر وأنيس المسافر المعروف بكشكول
البحراني للشيخ يوسف البحراني وله الدرر النجفية من الملتقطات اليوسفية
١١٨٦ كتاب مجموع في الأدب بمنزلة الكشكول للشيخ محيي الدين بن
خاتون العاملي منه نسخة في مكتبة الشيخ محمد علي بن خاتون. سوق
المعادن للشيخ محمد علي آل عز الدين العاملي في مجلدين ١٣٠٣ سمير
الحاضر وأنيس المسافر للشيخ علي بن محمد رضا من ذرية صاحب كشف
الغطاء خمسة مجلدات كبار ١٣٥٠ معادن الجواهر ونزهة الخواطر في علوم
الأوائل والأواخر للمؤلف أربعة اجزاء طبع منه ثلاثة اجزاء.
الأمالي
وينتظم في هذا السلك كتب الأمالي. منها كتاب الغرر أمالي لأبي
بكر الصولي محمد بن يحيى بن العباس ذكره ابن النديم ٣٣٥ وأمالي
الصدوق محمد بن الحسين القمي ٣٨١ وأمالي الشيخ المفيد المعروف
بالمجالس ٤١٣ وأمالي المرتضى ٤٣٦ وأمالي الشيخ الطوسي
محمد بن الحسن برواية ولده ٤٦٠ وأمالي ابن الشجري هبة الله بن علي
قال ياقوت وهو أكبر تصانيفه وأمتعها في أربعة وثمانين مجلسا ٥٤٢.
النوادر
ويدخل في ذلك أيضا كتب النوادر منها: النوادر الكبير. الأوسط.
الأصغر للكسائي أبي الحسن علي بن حمزة ١٨٢ النوادر لمحمد بن أبي
عمير أوائل المائة الثالثة النوادر للفراء يحيى بن زياد ذكره ابن النديم
٢٠٩ النوادر لابن السكيت ذكره ابن النديم ٢٤٤ النوادر لأحمد بن
محمد بن عيسى القمي كان غير مبوب فبوبه داود بن كوزة ذكره الشيخ في
الفهرست أواسط المائة الثالثة نوادر أحمد بن محمد بن خالد البرقي ذكره
الشيخ في الفهرست والنجاشي ٢٧٤. النوادر لمحمد بن مسعود
العياشي المائة الثالثة النوادر لإدريس بن زياد بن علي الكاتب الكفرتوثي
ذكره النجاشي أواخر المائة الثالثة النوادر لابن دريد ذكره ابن النديم
٣٢١ النوادر لمحمد بن علي بن عثمان الكراجكي ٤٤٩.
* * *
فهذه جملة لعلها تكون على اختصارها وعدم الاستقصاء فيها وافية
الدلالة على ما للشيعة من قدم راسخ في العلم والتصنيف في جميع الأعصار
والتقدم والسبق في كثير منها على جميع بني الإنسان. ونرجو أن تكون كافية
لمن لا ينظرون الشيعة بالنظر الذي يجب أن ينظروا به وبالله التوفيق.
البحث الحادي عشر
في الوزراء والأمراء والقضاة والنقباء
من الشيعة
الوزراء والأمراء
أولهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع سيد الشيعة
وامامها وزير رسول الله ص فقد كان معنى الوزارة مستجمعا فيه لأنها
من المؤازرة وهي المعاونة فإنه لم يزل مؤازرا له ص من مبدأ رسالته إلى
حين وفاته: أول من أسلم معه وبات على فراشه ليلة الهجرة وأدى أماناته
وحامى عنه ونصره في جميع حروبه وقضى دينه وانجز عداثه ووصاياه وقال
فيه رسول الله ص أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي
وقال موسى ع واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي
اشدد به ازري وأشركه في أمري وآخى رسول الله ص بين نفسه وبين
علي ع لما آخى بين أصحابه شدا لأواصر هذه الوزارة. وقال:
علي مني بمنزلة الصنو من الصنو. علي مني بمنزلة الذراع من العضد منبها
على هذه الوزارة وفي ذلك يقول أبو تمام:
- اخوه إذا عد الفخار وصهره * فما مثله أخ وما مثله صهر -
- وشد به ازر النبي محمد * كما شد من موسى بهارونه الأزر -
وقال الصفي الحلي:
- أنت سر النبي والصهر وابن ال‍ * عم والصنو والأخ المستجاد -
(١٩٠)

- لو رأى مثلك النبي لآخاه * والا فأخطأ الانتقاد -
ومنهم عبد الله بن العباس أمير البصرة في خلافة علي ع. واخوته
عبيد الله وقثم أميرا مكة واليمن في خلافته وفيهم يقول أبو فراس
الحمداني:
- أ ينكر الحبر عبد الله نعمته * أبوكم أم عبيد الله أم قثم -
وأول وزير لأول خليفة من بني العباس أبو سلمة الخلال حفص بن
سليمان الهمداني الكوفي الملقب وزير آل محمد. كان وزير السفاح ثم لما
علم أنه يدعو إلى آل علي قتله غيلة فقال فيه الشاعر:
- إن الوزير وزير آل محمد * أودى فمن يشناك عاد وزيرا -
١٣٢.
ومنهم أبو بجير الأسدي البصري عبد الله بن النجاشي كان من
أعاظم الأمراء في عهد المنصور وخبره مع المتطوعة المذكور في ترجمته المنقول
عن تلخيص اخبار شعراء الشيعة للمرزباني كما في قطعة عندنا منه مخطوطة
يدل على شدة تصلبه في التشيع المائة الثانية.
ومحمد بن الأشعث وزير الرشيد. له خبر في القبض على الإمام موسى
بن جعفر ع يدل على تشيعه المائة الثانية.
وعلي بن يقطين من وزراء الرشيد. كان من خيار الشيعة المائة
الثانية.
ويعقوب بن داود وزير المهدي العباسي. في الفخري: قال الصولي
كان يعقوب بن داود يتشيع ١٨٦.
وأبو الفضل جعفر بن محمود الإسكافي وزر للمعتز والمهتدي. في
الفخري: كانوا ينسبونه إلى التشيع المائة الثالثة.
وطاهر بن الحسين الخزاعي أمير خراسان في عهد المأمون وفاتح بغداد
وهذا معنى قول دعبل الخزاعي:
- أ يسومني المأمون خطة عاجز * أو ما رأى بالأمس رأس محمد -
- إني من القوم الذين أكفهم * قتلت أخاك وشرفتك بمقعد -
في نسمة السحر: كان متشيعا ذكر أن الحسن بن سهل أراد أن يندبه
لحرب أبي السرايا فرفعت إليه رقعة فيها:
- قناع الشك يكشفه اليقين * وأفضل كيدك الرأي الرصين -
- أ تبعث طاهرا لقتال قوم * بحبهم وطاعتهم يدين -
فرجع عن ارساله وأرسل هرثمة بن أعين ٢٠٧.
وحفيده أبو أحمد عبيد الله بن عبد الله بن طاهر. في تاريخ بغداد
للخطيب: ولى بغداد وخراسان وحدث عن أبي الصلت الهروي. وفي
نسمة السحر كان جده متشيعا كحفيده المذكور ٣٠٠.
وأبو الحسن علي بن الفرات تولى الوزارة للمقتدر ثلاث دفعات. في
الفخري: لما جرت فتنة ابن المعتز ثم استظهر المقتدر عليه استوزر ابن
الفرات فسكن الفتنة ودبر الدولة في يوم واحد وأحضرت إليه رقاع لجماعة
أرباب الدولة تتضمن ميلهم إلى ابن المعتز فامر باحراقها ولم ينظر فيها لئلا
يتغير عليهم ويتغيروا عليه اه‍ وبنو الفرات كلهم شيعة قتل ٣١٣.
وأبو الفضل جعفر بن الفرات وزر للمقتدر المائة الرابعة.
وابنه أبو الفتح الفضل بن جعفر بن الفرات وزر للراضي المائة
الرابعة.
وبنو بويه ملوك العراق وفارس وكفاهم مفخرة عضد الدولة.
والوزير المهلبي الحسن بن هارون وزير معز الدولة بن بويه
٣٥٢.
وأبو الفضل محمد بن الحسين بن العميد وزير ركن الدولة علي بن
الحسن بن بويه والد عضد الدولة. قرأ على أحمد بن إسماعيل سمكة أحد
علماء الشيعة كما في فهرست الشيخ وقرأ عليه الصاحب بن عباد ٣٥٩.
وابنه أبو الفتح ولي الوزارة له بعد أبيه ثم قتل ٣٦٦.
والصاحب إسماعيل بن عباد كافي الكفاة. ولي الوزارة ثماني عشرة
سنة وشهرا لمؤيد الدولة وأخيه فخر الدولة ابني ركن الدولة بن بويه وقيل
فيه:
- ورث الوزارة كابرا عن كابر * موصولة الاسناد بالاسناد -
- يروي عن العباس عباد وزارته * وإسماعيل عن عباد -
٣٨٥.
وأبو العلاء بن بطة وزير عضد الدولة البويهي. عن الشيخ عبد
الجليل الرازي أنه كان شيعيا صحيح الاعتقاد أواخر المائة الرابعة.
وأحمد بن إبراهيم الضبي وزير فخر الدولة بن بويه ٣٩٩.
وعميد الجيوش أبو علي الحسن بن أستاذ هرمز وزير بهاء الدولة
الديلمي صنف السيد المرتضى الانتصار بطلب منه كما مر ٤٠١.
وأبو محمد الحسن بن مفضل بن سهلان الرامهرمزي وزير سلطان
الدولة الديلمي. وهو الذي بني سور الحائر الحسيني كما عن تاريخ ابن كثير
الشامي قتل ٤١٢.
وأبو القاسم الحسين بن علي المعروف بالوزير المغربي من ولد
بلاش بن بهرام جور. ذكره النجاشي في مؤلفي الامامية، قال ابن
خلكان: كان وزير العبيدي ثم كتب لمعتمد الدولة قرواش أمير بني عقيل
بالموصل ثم وزر للملك شرف الدولة البويهي في بغداد ثم وزر لأحمد بن
مروان سلطان ديار بكر حتى مات وحمل بوصية منه إلى مشهد أمير المؤمنين
ع فدفن فيه ٤١٨.
وأبو سعد أو سعيد منصور بن الحسين الآبي صاحب نثر الدرر. في
معجم البلدان: ولي أعمالا جليلا وصحب الصاحب بن عباد ثم وزر لمجد
الدولة رستم بن فخر الدولة بن ركن الدولة وكان من جلة الوزراء
٤٢٢.
واخوه أبو منصور محمد بن الحسين. في معجم البلدان: من جلة
الوزراء وزر لملك طبرسان.
وأبو العلاء محمد بن علي بن الحسن بن حسول الهمداني الوزير حدود
٤٥٠.
(١٩١)

وزراء الشيعة في الدولة
السلجوقية وغيرها
منهم الخواجة نظام الملك أبو علي حسن بن علي بن إسحاق الطوسي
وزير السلطان ألب ارسلان السلجوقي قتل ٤٨٥.
وعميد الملك أبو نصر الكندري محمد بن منصور بن محمد وزير
طغرلبك السلجوقي عن تاريخ ابن كثير الشامي أنه نص على تشيعه.
وسعد الملك وزير السلطان محمد السلجوقي.
وتاج الملك أبو الغنائم القمي وزير السلطان ملكشاه السلجوقي.
وشرف الدين أبو طاهر بن سعد القمي وزير لملك شاة أيضا.
وأبو نصر احمد الكاتب الكاشي وزير السلطان محمود بن محمد بن
ملكشاه السلجوقي.
وابنه فخر الدين طاهر وزير السلطان ألب ارسلان بن طغرل بن
محمد بن ملكشاه.
وابنه معين الدين بن فخر الدين وزر لألب ارسلان أيضا.
وآل جوين. منهم الصاحب الأعظم شمس الدين محمد الجويني
الملقب بصاحب الديوان وزر للسلطان محمد خوارزم شاة وللسلطان جلال
الدين.
والصاحب المعظم الأمير الرشيد بهاء الدين محمد ابن صاحب الديوان
صنف الشيخ ميثم البحراني شرح نهج البلاغة باسمه وصنف الحسن بن
علي الطبرسي الكامل البهائي في التاريخ باسمه.
وأخوه الصاحب شرف الدين هارون ابن صاحب الديوان قام مقام
أخيه في الوزارة.
وأبو الحسن جعفر بن محمد بن فطير الكاتب الوزير المشهور عن ابن
كثير الشامي في تاريخه أنه قال كان وزير العراق وكان ينسب إلى التشيع
وهذا كثير في أهل تلك البلاد اه‍.
وأبو شجاع ظهير الدين محمد بن الحسين الهمذاني وزر للمقتدي
العباسي. وفي الفخري طلب جلال الدولة ملكشاه من المقتدي عزله فعزله
وفاته ٥١٣ الكامل ٤٨٨.
وبنو حمدان امراء حلب والموصل والعواصم منهم سيف الدولة
علي بن حمدان وابنه سعد الدولة وابن عمه أبو فراس الشاعر المعروف وأخوه
ناصر الدولة وغيرهم.
وبنو مزيد امراء الحلة منهم الأمير سيف الدولة صدقة بن دبيس
الأسدي صاحب الحلة السيفية المنسوبة إليه وابنه دبيس ٥٢٩. وأخوه
بدران بن صدقة.
وانوشروان بن خالد بن محمد القاشاني وزير المسترشد العباسي عن
ابن كثير الشامي النص على تشيعه ٥٣٢.
وأبو المعالي هبة الله بن محمد بن المطلب. وزر للمستظهر
العباسي. في الفخري: كان من علماء الوزراء وأفاضلهم وأخيارهم. وعن جامع
التواريخ النص على تشيعه وأنه لذلك لم يرض بوزارته محمد بن ملكشاه
فكتب إلى الخليفة كيف يكون وزير خليفة الوقت رافضيا وكرر الكتابة فعزل
فتوسل إلى السلطان محمد بن ملكشاه فاشترط أن لا يخرج عن مذهب أهل
السنة والجماعة في وزارته وكتب إلى المستظهر فأعاده أوائل المائة السادسة
وطلائع بن رزيك وزير الفاطميين ٥٥٦.
ومن الوزراء الشيعة يحيى بن سعيد بن هبة الله الشيباني البغدادي
٥٩٤.
ومؤيد الدين محمد بن عبد الكريم القمي. في الفخري: وزر
للناصر ثم للظاهر ثم للمستنصر كان بصيرا بأمور الملك خبيرا بأدوات
الرياسة جلدا على ممارسة الأمور الديوانية ٦٢٩.
ومؤيد الدين أبو طالب محمد بن أحمد العلقمي الأسدي وزير
المستعصم آخر خلفاء بني العباس. في الفخري: نسبه الناس إلى أنه خامر
وليس ذلك بصحيح فقد سلم هلاكو البلد إليه ولو كان قد خامر لما حصل
الوثوق به وكان يعرف الخليفة حقيقة الحال ويشير إليه بالتيقظ والاستعداد
فلا يزداد إلا غفولا وكان خواصه يوهمونه أنه ليس في هذا كبير خطر وإن
الوزير إنما يعظم هذا لينفق سوقه وتبرز إليه الأموال لتجنيد العساكر فيقتطع
منها لنفسه اه‍.
وصاحب الفخري كان من أهل ذلك العصر فهو خبير بما وقع، وما
ينقل عن بعض التواريخ أنه حلق رأس مملوك له وكتب عليه بالابر إلى
هلاكو ثم تركه حتى اكتسى شعرا وأرسله فحلق هلاكو رأسه وقرأ الكتابة
فمع أنه شئ انفرد به لا يساعد عليه عقل ٦٥٦.
والخواجة نصير الدين محمد بن الحسن الطوسي من أعاظم علماء
المعقول والمنقول وزير الدولة المغولية ٦٧٣.
والأمير نعمة الله الحلي من العلماء. كان شريكا في الصدارة في
سلطنة الشاه طهماسب الصفوي ٩٤٠.
والشيخ محمد بن علي بن خاتون العاملي الطوسي ابن أخت الشيخ
البهائي من العلماء المؤلفين. وزر في الهند في حيدرآباد الدكن للسلطان
محمد قطبشاه السابع أواسط المائة الحادية عشرة.
ويحيى خان النيسابوري وزير السلطان محمد شاة ملك الهند
١٢١٠.
قضاة الشيعة
منهم أبو الأسود الدؤلي ظالم بن عمرو. كان قاضيا على البصرة زمن
أمير المؤمنين علي ع ذكره ابن حجر في الإصابة ٦٩.
ويحيى بن يعمر العدواني التابعي. تولى القضاء بمرو قاله ابن خلكان
وفي بغية الوعاة نفاه الحجاج إلى خراسان فولاه قتيبة بن مسلم قضاءها
فقضى في أكثر بلادها نيسابور ومرو وهراة اه‍.
وعبد الله بن شترمة الضبي القاضي. صرح بتشيعه ابن شهرآشوب
١٤٤.
وشريك بن عبد الله النخعي قاضي الكوفة صرح بتشيعه المرزباني في
تلخيص أخبار شعراء الشيعة والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد ١٨٧.
(١٩٢)

والواقدي المؤرخ محمد بن عمر. قال ابن النديم كان يتشيع ولي
القضاء ببغداد بعسكر المهدي للمأمون ٢٠٧.
والقاضي أبو القاسم علي بن محمد بن أبي الفهم التنوخي عده ابن
شهرآشوب في شعراء أهل البيت المجاهرين ٣٤٢.
والقاضي أبو بكر محمد بن عمر المعروف بابن الجعابي قاضي الموصل
٣٥٥.
والقاضي أبو حنيفة النعمان قاضي الفاطميين بمصر ٣٦٣.
والقاضي أبو بكر بن قريعة محمد بن عبد الرحمن ٣٦٧.
والقاضي علي بن أبي حنيفة النعمان قاضي الفاطميين بمصر بعد أبيه
٣٧٤.
والقاضي أبو علي المحسن بن علي بن محمد بن أبي الفهم التنوخي
صاحب كتاب الفرج بعد الشدة ٣٨٤.
ومحمد بن أبي حنيفة النعمان قاضي الفاطميين بمصر بعد أخيه علي
٣٨٩.
وسلامة بن الحسين الموصلي استقضاه سيف الدولة بن حمدان بحلب
٣٠٠.
والقاضي ابن الحصين علي بن عبد الملك الرقي قاضي سيف الدولة
ابن حمدان أواخر المائة الرابعة أو أوائل الخامسة.
والقاضي علي بن المحسن بن علي بن محمد التنوخي ٤٤٧.
والقاضي عبد العزيز بن البراج الطرابلسي من أجلة العلماء ولي قضاء
طرابلس الشام ثلاثين سنة المائة الخامسة.
والقاضي ناصح الدين أبو الفتح عبد الواحد بن محمد بن عبد الواحد
التميمي الآمدي جامع غرر الحكم ودرر الكلم من كلام أمير المؤمنين علي
ع المائة الخامسة.
وبنو عمار قضاة طرابلس الشام أصلهم من المغرب من كتامة كان
إليهم حكم طرابلس ونواحيها وهم:
أبو طالب امين الدولة حسن بن عمار جمع مكتبة تربو على مائة ألف
مجلد ولما جاء الصليبيون إلى سواحل سورية في عهد السلجوقية ذهب إلى
بغداد واستنجد وبذل جهودا عظيمة ذهبت ادراج الرياح أواسط المائة
الخامسة وأتلف الصليبيون مكتبة آل عمار أوائل المائة السادسة.
وابن أخيه جلال الملك أبو الحسن علي بن محمد بن عمار ملك
طرابلس بعد عمه ٤٩٢.
وابن أخيه الآخر فخر الملك عمار بن محمد بن عمار ملك طرابلس
بعد أخيه.
والقاضي أبو الحسين الرشيد بن القاضي أبي الحسن علي بن
القاضي أبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن الحسين بن الزبير المصري الغساني
الأصواني نص على تشيعه ياقوت وغيره قتل ٥٦٢.
والقاضي أبو المكارم محمد بن عبد الملك بن أبي جرادة الحلبي شارح
ميمية أبي فراس الحمداني ٥٦٥.
والسيد مهنا بن سنان المدني قاضي المدينة المنورة أوائل المائة
الثامنة.
ومحمد بن محفوظ بن وشاح قاضي الحلة أواسط المائة الثامنة.
ومحمد بن مبجل الدين الأموي قاضي دمشق تفقه على الفخر بن
عساكر.
والقاضي نور الله الششتري الحسيني الشهيد المائة الحادية
عشرة.
والقاضي مجد الدين ابن القاضي شفيع الدين ابن القاضي نصيح
الدين ابن القاضي مجد الدين العباسي القثمي الدزفولي ١١٦٠
وبضع.
نقباء الشيعة
منهم الشريف أبو محمد الحسن بن أحمد بن القاسم بن محمد بن
علي بن أبي طالب ع النقيب ذكره النجاشي أواخر المائة
الثانية.
والشريف احمد النقيب بقم ابن محمد الأعرج بن أحمد بن موسى
المبرقع بن الإمام محمد الجواد ع ٣٥٨.
والسيد أبو المعالي إسماعيل بن الحسن بن محمد بن الحسين النقيب
بنيسابور صاحب كتاب انساب الطالبية وغيره ذكره الشيخ محمد بن علي
الجبعي من أجداد الشيخ البهائي في مجموعته لم نتحقق عصره لكنه قبل المائة
السابعة.
ومنهم الشريف أبو أحمد الحسين والد الشريفين المرتضى والرضي.
وولداه المذكوران كانت لهم نقابة الطالبيين المائة الخامسة.
والمطهر بن علي الحسيني الديباجي تلميذ الشيخ الطوسي انتهى
منصب النقابة والرياسة في العراق في عصره إليه المائة الخامسة.
وفخر الدين محمد بن المختار العلوي نقيب مشهد الكوفة أي مشهد
أمير المؤمنين ع المائة السادسة.
والسيد عز الدين المرتضى يحيى بن شرف الدين محمد بن علي بن
المطهر العلوي نقيب الطالبية بالعراق الذي صنف له منتجب الدين ابن
بابويه كتاب الفهرست أواخر المائة السادسة أو أوائل السابعة.
والسيد علي بن موسى بن جعفر بن طاوس نقيب العلويين في بغداد
٦٤٤.
وهبة الله بن الشجري نقيب الطالبيين بالكرخ ببغداد نيابة عن
الطاهر. قاله ياقوت ٥٤٢.
والنقيب أبو جعفر يحيى بن زيد البصري شيخ ابن أبي الحديد المائة
السابعة.
والسيد مجد الدين محمد بن حسن ابن موسى بن جعفر بن طاوس
نقيب العلويين في البلاد العربية في عهد هلاكو المائة السابعة.
والنقيب الطاهر أبو عبد الله الحسين الأقساسي ذكره في الحوادث
الجامعة المائة السابعة.
(١٩٣)

والسيد تاج الدين محمد بن الحسين بن علي بن زيد الداعي استشهد
٧١٧.
وولده السيد شمس الدين حسين كان نقيب العراق في عصر
السلطان أولجايتو محمد المائة الثامنة.
وعلي بن المرتضى العلوي الحسيني الآوي نقيب الحلة أواخر المائة
الثامنة.
والشريف عز الدين أحمد بن أحمد بن محمد الحسيني الإسحاقي
الحلبي نقيب حلب ٨٠٣.
والسيد محمد بن الحسين بن ناصر الدين الحسيني الشهير بكمونة
نقيب مشهد النجف ٩٢١.
والمير غياث الدين محمد الحسني نقيب النقباء في عصر الصفوية
المائة العاشرة.
والسيد محمد نقيب المشهدين العلوي والحسيني أوائل المائة الحادية
عشرة.
والسيد إبراهيم ابن السيد أبو الحسن الموسوي نقيب بعلبك أواسط
المائة الحادية عشرة.
البحث الثاني عشر
في ذكر البلدان والمدن والأقطار التي
وجدت فيها الشيعة بكثرة أو هي
موجودة اليوم مرتبة على حروف
المعجم (١)
- أ -
آبة بالمد والباء الموحدة. في معجم البلدان: قال الحافظ أبو بكر
أحمد بن موسى بن مردويه آبة من قرى أصفهان وقال غيره من قرى ساوة
تعرف بين العامة بآوة فلا شك فيه وأهلها شيعة وأهل ساوة سنية لا تزال
الحروب بين البلدين قائمة على المذهب اه‍.
وهذه ثمرة النزاع بين طوائف المسلمين كما هو مشاهد في كل عصر
وزمان. في مجالس المؤمنين عن الشيخ عبد الجليل الرازي في كتاب النقض
إن بلد آبة وإن كان بلدا صغيرا لكنه بحمد الله ومنه بقعة كبيرة بما فيه من
شعائر الاسلام وآثار الشريعة المصطفوية والسنة المرتضوية ويقيم أهل البلد
صغيرهم وكبيرهم مراسم الجمعة والجماعة في الجامع المعمور ويهتمون
باعمال العيدين والغدير وعاشوراء وتلاوة القرآن العظيم ومدرستا عز الملك
وعرب شاة يدرس فيهما العلماء والفضلاء أمثال السيد أبي عبد الله والسيد
أبي الفتح الحسيني وفيها مشاهد عبد الله وفضل وسليمان أولاد الإمام موسى
بن جعفر وهي دائما مشحونة بالعلماء والفقهاء المتبحرين المتدينين
اه‍ ثم قال في المجالس: ومن أكابر أهلها المتأخرين الأمير شمس
الدين محمد الآوي وكان من الصلحاء والفضلاء والمقربين عند ملك
خراسان السلطان علي بن المؤيد وبالتماسه صنف الشيخ الآجل العالم
الرباني الشهيد السعيد قدس الله روحه كتاب اللمعة الدمشقية وأرسله إلى
السلطان المذكور والمراد ببعض الديانين المذكور في خطبة الكتاب هو الأمير
شمس الدين المذكور اه.
آذربايجان بالمد وبدونه وفتح الذال وسكون الراء ويقال فيها
أذربيجان بدون مد مع سكون الذال وفتح الراء وكذلك جاءت في شعر
الشماخ ويقال آذربيجان بالمد وسكون الذال وكسر الراء أصلها أذربايكان
وآذر بالفهولية النار وبايكان الحافظ لكثرة بيوت النار فيها قديما وقيل سميت
باذرباذ بن إيران بن الأسود بن سام بن نوح قال ياقوت وهو صقع جليل
ومملكة عظيمة وإقليم واسع ومن مشهور مدائنها تبريز وهي اليوم قصبتها
وأكبر مدنها وكانت قصبتها قديما المراغة ومن مدنها خوي وسلماس وأرميه
واردبيل ومرند وغير ذلك اه‍ وأهلها اليوم كلهم شيعة ما عدا بعض
أهل ارمية والظاهر أن تشيعهم من عهد السلاطين الصفوية وهي داخلة
اليوم في مملكة إيران.
الآستانة أو اسطانبول أو القسطنطينية أصل الآستانة بالمد لفظ
فارسي معناه الباب العالي سميت بها القسطنطينية دار الملك لملوك آل عثمان
الذين انقرض سلطانهم بعد الحرب العظمى الأولى وانتقلت العاصمة إلى
أنقرة وفي اسطانبول عدد كثير من الشيعة من مهاجرة الإيرانيين وأكثرهم من
ترك آذربايجان أهل تجارة وكد وعمل وثروة وتمسك بالدين يقيمون العزاء
لسيد الشهداء لا سيما في عشر المحرم وأكثر تجارتهم في محل يسمى والدة
خان وفيه يقيمون مراسم العزاء ويعملون الشبيه ثم يخرجون في شوارع
الآستانة وكانت الدولة العثمانية تمنحهم الحرية التامة وتحافظ عليهم اما
اليوم فيقيمون العزاء لكن الدولة الكمالية لا تمكنهم من عمل الشبيه كما
أخبرنا بعض القادمين من حجاجهم.
آمل بالمد وكسر الميم قال ياقوت هي أعظم مدن ديار بكر وأجلها
قدرا وأشهرها ذكرا اه‍ ويغلب أن يكون أهلها كانوا شيعة أو فيهم عن
يتشيع في عصر الحمدانيين أو غيره بدليل أنه خرج منها القاضي ناصح
الدين أبو الفتح عبد الواحد بن محمد بن عبد الواحد التميمي الآمدي
الذي جمع كتاب غرر الحكم ودرر الكلم من كلام أمير المؤمنين علي (ع)
من الكلمات القصار الجارية مجرى الأمثال ورتبه على حروف المعجم فكان
قريبا من حجم نهج البلاغة.
آمل بالمد قال ياقوت بضم الميم واللام اسم أكبر مدينة بطبرستان
في السهل لأن طبرستان سهل وجبل وبامل تعمل السجادات الطبرية
والبسط الحسان خرج منها كثير من العلماء لكنهم قلما ينسبون إلى غير
طبرستان فيقال لهم الطبري منهم أبو جعفر محمد بن جرير الطبري صاحب
التفسير والتاريخ المشهور أصله ومولده من آمل ولذلك قال أبو بكر محمد بن
العباس الخوارزمي وأصله من آمل أيضا وكان يزعم أن أبا جعفر الطبري
خاله:
- بآمل مولدي وبنو جرير * فأخوالي ويحكي المرء خاله -
- فها أنا رافضي عن تراث * وغيري رافضي عن كلاله -
وكذب لم يكن أبو جعفر رافضيا وانما حسدته الحنابلة فرموه بذلك
فاغتنمها الخوارزمي اه‍ وفي مجالس المؤمنين أن محمد بن جرير الطبري

(١) تركنا هذا الباب كما كتبه المؤلف عند صدور الطبعة الأولى سنة ١٩٣٥ مع أن تغييرات
جغرافية كثيرة قد طرأت بعد ذلك (ح).
(١٩٤)

اثنان أحدهما محمد بن جرير بن غالب الطبري صاحب التاريخ والتفسير
وهو من فقهاء الشافعية ولم يعلم أنه من أهل آمل وثانيها محمد بن
جرير بن رستم الطبري الآملي المتكلم الامامي من أكابر متكلمي الإمامية
صاحب كتاب المسترشد وكتاب الايضاح في الإمامة ذكره العلامة في
الخلاصة في قسم المقبولين وهو خال أبي بكر الخوارزمي الذي اراده في شعره
وحيث توهم ياقوت اتحادهما لاتحاد الاسم واسم الأب والنسبة وقع في هذا
الغلط وقد وقع في مثله خواجة ملا صاعدي الأصفهاني في شرح كشف
الحق ونهج الصدق اه‍ وتعصب الحنابلة على الطبري صاحب التفسير
لكونه شافعيا لا لما توهمه ياقوت.
الأحساء بوزن أبناء قال ياقوت مدينة بالبحرين معروفة أول من
عمرها وجعلها قصبة هجر أبو طاهر الحسن بن أبي سعيد الجنابي القرمطي
وهي إلى الآن مدينة عامرة مشهورة واصل الأحساء جمع حسي بكسر
فسكون وهو الماء الذي تنشفه الأرض من الرمل فإذا صار إلى صلابة
امسكته فتحفر العرب عنه الرمل فتستخرجه اه‍ فالاحساء كانت قديما
جزءا من البحرين التي تعم الأحساء والقطيف وهي الخط وتعم جزيرة أوال
التي تسمى الآن البحرين ثم صار اسم البحرين يطلق على خصوص جزيرة
اوال. والاحساء والقطيف يطلقان في مقابلة البحرين بعد ما كانت جزءا
من البحرين وأهل الأحساء اليوم كلهم شيعة إمامية إلا أن أكثرهم شيخية
على ما يقال على طريقة الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي. ومن
الافتراء ما عن كتاب فؤاد حمزة قلب جزيرة العرب من أن في القطيف
وواحة الأحساء قوم قرامطة كما مر في البحث السادس.
أدفو بفتح الهمزة أو ضمها وسكون الدال المهملة وضم الفاء
وسكون الواو قرية من قرى صعيد مصر وبلد بمصر قال صاحب كتاب
الطالع السعيد المتوفي ٧٤٨: كان التشيع بها فاشيا وأهلها طائفتان
الإسماعيلية والامامية ثم ضعف حتى لا يكاد يميز به الا اشخاص قليلة جدا
اه‍.
إربل بكسر الهمزة والباء وسكون الراء قال ياقوت مدينة تعد من
اعمال الموصل وبينهما مسيرة يومين اه‍ ويدل خروج علي بن عيسى
الأربلي صاحب كشف الغمة منها على أن أهلها كانوا شيعة أو كان فيهم
شيعة.
أردبيل قال ياقوت من أشهر مدن أذربيجان كانت قبل الاسلام
قصبة الناحية بينها وبين تبريز سبعة أيام وبين خلخال يومان اه‍ أهلها
اليوم كلهم شيعة وخرج منها عدة من فحول العلماء والظاهر أن شيوع
التشيع فيها من عهد الصفوية.
أرم كزفر ويروي بسكون ثانية قال ياقوت بلدة قرب سارية من
نواحي طبرستان أهلها شيعة وفي مجالس المؤمنين ذكر الشيخ عبد الجليل
الرازي شطرا من ماثر تشيع أهالي أرم وساري من اراده فليرجع إليه.
أرمنت بلد بصعيد مصر. في الطالع السعيد: كان التشيع بها
كثيرا فقل أو فقد.
أرمية بهمزة مضمومة وراء ساكنة وميم مكسورة وياء مفتوحة
خفيفة وتشدد قال ياقوت اسم مدينة عظيمة قديمة بآذربيجان وهي فيما
يزعمون مدينة زرادشت اه‍ والفرس ينطقونها اليوم أرومية وأهلها اليوم
كلهم أو جلهم شيعة.
أسترآباذ بفتح الهمزة وسكون السين وفتح الراء وألف وباء موحدة
وألف وذال معجمة هكذا ضبطها ياقوت ويشبه أن تكون بدال مهملة
ومعناها عمارة استر نظير سنا آباد وحيدر آباد وغيرها. قال ياقوت: بلدة
كبيرة مشهورة من اعمال طبرستان بين سارية وجرجان اه وأهلها اليوم
كلهم شيعة وليست اعلم مبدأ التشيع بها.
أسفون بلدة بمصر، في الطالع السعيد: معروفة بالتشيع البشع
لكنه خف بها وقل اه‍ وكفى في بشاعة طريقة هذا الرجل أنه كان مغنيا
مؤلفا في الحث على السماع والغناء وضرب الدفوف وهز القحوف كما ذكروه
في ترجمته.
أسنا بلدة كبيرة بمصر قال صاحب الطالع السعيد: كان التشيع
بها فاشيا والرفض بها ماشيا فجف حتى خف اه‍.
أسوان ثغر من الثغور المعروفة بمصر قال صاحب الطالع
السعيد: ولما كانت البلاد للعلويين غلب على أهلها التشيع وكان بها قديما
أيضا وقد قل ذلك واضمحل ولله الحمد والمنة اه‍.
أصفهان بفتح الهمزة ومنهم من يكسرها ويقال أصبهان.
وأصفهان بالباء والفاء معرب سباهان أي العساكر لأنها كانت مجتمع
عساكر الأكاسرة قال ياقوت هي مدينة عظيمة مشهورة من اعلام المدن
وأعيانها ويسرفون في وصف عظمتها حتى يتجاوزوا حد الاقتصاد إلى غاية
الاسراف اه‍ خرج منها كثير من علماء المسلمين وكان أهلها في القديم
منحرفين عن أهل البيت ع وأورد المجلسي الأصفهاني في البحار
روايات في ذمها ولما عمل إبراهيم بن هلال الثقفي الكوفي ثم الأصفهاني
صاحب كتاب الغارات كتاب المعرفة في المناقب والمثالب استعظمه الكوفيون
وأشاروا عليه بتركه وإن لا يخرجه من بلده فقال أي البلاد أبعد من الشيعة
فقالوا أصفهان فحلف أن لا يرويه إلا بها ثقة بصحة أسانيده فانتقل إليها
ورواه بها ولكنها صارت في دولة الصفوية دار الملك ودار العلم وصار جميع
أهلها المسلمين شيعة إلى اليوم. وأهلها معروفون بالحذق وجودة الخاطر
وبالصناعات المتقنة.
إفريقية قال ياقوت بكسر الهمزة اسم لبلاد واسعة ومملكة كبيرة
قبالة جزيرة صقلية وينتهي آخرها إلى قبالة جزيرة الأندلس وحدها من
طرابلس الغرب من جهة برقة والإسكندرية إلى بجاية وقيل إلى مليانة
فتكون مسافة طولها نحو شهرين ونصف دخلها أبو عبد الله الشيعي في
ولاية زيادة الله آخر ملوك بني الأغلب سنة ٢٩٦ بعد ما ملكوها ١١٢ سنة
ثم انتقلت الدولة إلى بني عبيد الله العلوية فوليها منهم المهدي والقائم
والمنصور والمعز حتى ملك مصر وانتقل إليها سنة ٣٦٢ واستمرت الخطبة لهم
بإفريقية إلى سنة ٤٣٥ فأزال خطبتهم المعز بن باديس الصنهاجي وخطب
للقائم العباسي وكاشف المستنصر الذي بمصر بخلع الطاعة وقتل من كان
بإفريقية من شيعتهم فسلط اليازوري وزير المستنصر العرب على إفريقية
حتى خربوها اه‍ فلينظر الناظر وليعتبر المعتبر ما جرت إليه التعصبات
المذهبية بين المسلمين من قتل العباد وتخريب البلاد وفيما حفظه التاريخ
موعظة وعبرة لمن تبصر واعتبر وفي زمان ملك الفاطميين لبلاد المغرب كثرت
(١٩٥)

الشيعة فيها حتى صار جل أهلها شيعة وحتى أن بعض أهل فلسطين قال لو
كان معي عشرة أسهم لرميت تسعة في المغاربة وواحدا في الإفرنج، وهذا
ظفر به العلوي المصري فسلخ جلده حيا حتى مات، قال ابن الأثير: وفي
سنة ٤٠٧ قتلت الشيعة بجميع بلاد إفريقية وذلك أن المعز بن باديس ركب
ومشى في القيروان فاجتاز بجماعة فسال عنهم فقيل هؤلاء رافضة فترضى
عن الشيخين فانصرفت العامة من فورها إلى درب المقلي من القيروان وهو
مكان يجتمع به الشيعة فقتلوا منهم وكان ذلك شهوة العسكر واتباعهم طمعا
في النهب وانبسطت أيدي العامة في الشيعة وأغراهم عامل القيروان
وحرضهم وسبب ذلك أنه كان قد أصلح أمور البلد فبلغه أن المعز بن
باديس يريد عزله فأراد فساده فقتل من الشيعة خلق كثير واحرقوا بالنار
ونهبت ديارهم وقتلوا في جميع إفريقية واجتمع جماعة منهم إلى قصر المنصور
قريب القيروان فتحصنوا به فحصرهم العامة وضيقوا عليهم فاشتد عليهم
الجوع فاقبلوا يخرجون والناس يقتلونهم حتى قتلوا عن آخرهم ولجا من كان
منهم بالمهدية إلى الجامع فقتلوا كلهم وأكثر الشعراء ذكر هذه الحادثة فمن
فرح مسرور ومن باك حزين اه‍.
ولا يعرف اليوم هناك أحد من الشيعة. فانظر إلى ما بلغ به الحال
بالمسلمين وأمرائهم أن يقتلوا الناس ظلما وعدوانا أو طمعا بالنهب أو خوفا
على الولاية من العزل بدون رأفة ولا شفقة وهل يستغرب بعد هذه الأفعال
أن يسلط الله الفرنج على بلاد المغرب يحكمون في أموالهم ودمائهم
واعراضهم.
أفغانستان أي بلاد الأفغان بفتح الهمزة وسكون الفاء واقعة على
حدود بلاد إيران وروسيا والهند وكانت جزءا من مملكة إيران ملكها
الصفويون سنة ٩١٢ وبقيت بيدهم إلى سنة ١١٣٥ حيث ضعفت دولة
الصفوية واستولى الأفغانيون على عاصمة ملكهم أصفهان ثم طردهم منها
نادر شاة وفي سنة ١١٥٠ استولى على بلادهم وبعد وفاة نادر شاة سنة
١١٦٠ استعادها احمد خان الدراني من حكومة إيران وأقام نفسه أميرا
عليها وتوفي سنة ١١٨٧، وخلفه ابنه تيمور وتوفي سنة ١٢٤٦ وخلفه
ابنه تريمون شاة فخلعه الأفغانيون لممالأته الإنكليز واجلسوا مكانه أخاه
محمود خان ثم توفي سنة ١٢٤٧ وانقضت دولة الدرانية فاستولى عليها
دست محمد خان وجرت حرب بينه وبين الإنكليز انتهت بانكساره
واسره وإقامة الشاه جوهاه مكانه ثم قتل وأعيد دست محمد بعد اطلاقه
من يد الإنكليز فاستولى على قندهار وبلخ والقسم الجنوبي من البلاد سنة
١٢٧٢ وكانت هرات لا تزال بيد الإيرانيين وحاكمها يار محمد خان ثم مات
يار محمد فحرك الإنكليز دست محمد لمحاربة الإيرانيين فحاربهم واخلوا
هرات وأقيم عليها احمد خان سلطانا سنة ١٢٧٩، وفي سنة ١٢٨٠ نشبت
حرب بين دست محمد والإيرانيين وبمساعدة الإنكليز استولى على هرات
وفيها توفي دست محمد وخلفه ابنه شير علي خان ثم خلعه الإنكليز
وأقاموا مكانه أخاه أفضل خان ثم جمع شير علي عساكره واستولى على
البلاد ثم توفي سنة ١٢٩٥ فملك بعده يعقوب خان وكان لمن يملك
البلاد لقب أمير أفغانستان وعين له الإنكليز سنويا ستمائة ألف ريال روسي
وفي سنة ١٢٩٧ اخذه الإنكليز إلى الهند وأقاموا مكانه ولده عبد الرحمن
خان ثم توفي فأقيم مكانه ولده حبيب الله خان ثم قتل في عصرنا هذا
وأقيم مكانه اخوه أمان الله خان ملكا على الأفغان وكان محبوبا إلى
الرعية كأخيه حبيب الله لكنه ساح في بلاد الإفرنج وغيرها ومعه زوجته
الأميرة ثريا ولما عاد من سياحته أراد أن يدخل إلى بلاده العوائد الفرنجية
دفعة واحدة مع تصلب الأفغانيين في الدين الاسلامي وكلهم حتى حكامهم
يلبسون العمائم ويسدلونها خلف ظهورهم فألزمهم باللباس الفرنجي
وسجن بعضهم فثاروا عليه ثورة انتهت بخلعه وخروجه من بلاد أفغانستان
مع زوجته ووقعت البلاد في اضطراب فقام رجل يسمى حبيب الله
أصل أبيه سقاء ولذلك لقب بجة سقا أي ولد السقا الصغير وقابله آخر
من العائلة المالكة يدعى نادر خان وجرت بينهما حروب انتهت بقتل
بجة سقا واستيلاء نادر خان على البلاد ثم قتل نادر خان بيد شاب من
إحدى المدارس فأقيم في الملك ولده ظاهر خان وهو ملكها إلى حين
تحرير هذه السطور ١٣٥٤.
وسبب تدخل الإنكليز في بلاد الأفغان وتوجيه انظارهم إليها أنها
طريق روسيا إلى الهند لا طريق لهم غيرها وروسيا هي الدولة الوحيدة التي
يخافون منها على الهند ومع ذلك فأهلها أشداء مجاورون للهند وجرت بينهم
وبين الإنكليز بعض الحروب على حدود الهند فلذلك كانت انظار الإنكليز
دائما موجهة إليها فوالوا امراءها وتدخلوا في أمورها فلا ينصبون الا الأمير
الموالي لهم فان حاد عن موالاتهم دسوا الدسائس لثوران الأمة عليه وعزلوه
وأقاموا غيره وقد عينوا لأميرها راتبا سنويا قدره ١٢ ألف ليرة انكليزية
وبقي ذلك مستمرا مدة طويلة ثم قطع في هذه الأعصار، وأراد القاجاريون
اعادتها إلى مملكة إيران فجهزوا عليها جيشا وفتحوها فاحتل الأسطول
الانكليزي الموانئ الإيرانية وتهددهم بضرب المرافئ بالقنابل إن لم يعودوا
عن أفغانستان فعادوا مرغمين. ولسان أهلها الرسمي الفارسية ويغلب على
أهلها التسنن وهم أحناف.
وانتشر التشيع في أفغانستان في عهد الملوك الصفوية وعينوا علماء
ومدرسين ومشايخ اسلام في أهم مدنها مثل هرات وكابل وقندهار وغيرها
وكان الشيخ حسين بن عبد الصمد العاملي والد الشيخ البهائي معينا شيخ
الاسلام في هرات. والآن لا تخلو بلد من بلاد الأفغان من الشيعة لكن
عددهم غير معلوم على التحقيق إلا أن فيهم كثرة لا يستهان بها وأخبرني
بعض المطلعين منهم أن عدد الشيعة يبلغ العشر من مجموع السكان وفيهم
جماعة من أهل العلم يتعلمون في مدرسة النجف الأشرف لكنهم قليلون
بنسبة عدد الشيعة هناك وفي أفغانستان قبائل يقال لهم البربر يتعاطون
الزراعة ولهم بلاد خاصة بهم ولهم صبر وجلد على الغربة والسياحة
وعددهم غير معلوم على التحقيق لكنه على التقريب يزيد على ثلاثة
ملايين. وفي منجم العمران أن قبيلة هزارة المقيمة في الجهة الغربية من
أفغانستان مذاهبها شيعية وأنها من أصل توراني ولغتها فرع من التركية يبلغ
عددها نحو ٦٠ ألفا وقبيلة القزلباشية مذهبها شيعي واصلها من الترك
استوطنت هذه البلاد من أيام نادر شاة يبلغ عددها نحو ٢٠٠ ألف نسمة
اه‍ وكان الأمير يعقوب وولده عبد الرحمن متعصبين على الشيعة
خصوصا الثاني فقد قتل عددا كثيرا من البربر إلا أن ولده الأمير حبيب الله
خان كان متساهلا مع الشيعة كثيرا غير متعصب عليهم وكذلك اخوه أمان
الله خان. وهم يقيمون عزاء سيد الشهداء لكن من يجتمع عنده الناس
لإقامة العزاء يحتاج إلى اعلام الشرطة بذلك لأن كل من يجتمع عنده جماعة
ولو لضيافة أو دعوة يحتاج إلى اعلام شرطة المحلة بذلك وهم أهل شجاعة
وجلد وبسالة.
(١٩٦)

واليوم بحمد الله الدولة الأفغانية والدولة الإيرانية على أتم ولاء ووفاق
وفي البلاد التي ليس للأفغانيين فيها قناصل وهي أكثر البلاد فوضوا أمور
رعاياهم إلى قناصل دولة إيران والقناصل الايرانين في الأعياد والجمعات
ينشرون الرايتين الإيرانية والأفغانية.
ألبانيا هي بلاد الألبان وهم الأرنؤط حدثنا الكثيرون ان فيهم
شيعة أثني عشرية غير البكتاشية.
اوال في معجم البلدان بالضم ويروى بالفتح جزيرة يحيط بها البحر
بناحية البحرين فيها نخل كثير وليمون وبساتين اه‍ وكان اسم البحرين في
القديم يعم هذه الجزيرة مع الأحساء والقطيف، أما اليوم فالبحرين يطلق
على خصوص هذه الجزيرة كما مر في الأحساء وأكثر أهلها شيعة.
إيروان مدينة من بلاد روسية التي اخذتها من بلاد إيران أهلها
شيعة ولسانهم تركي.
ب
بادكوبا ويقال باكو مدينة في روسيا مما أخذته من مملكة إيران
أكثر أهلها شيعة وبها النفط.
باطوم من مدن روسيا على ساحل البحر فيها كثير من الشيعة
واصلها من مملكة إيران وفيها ينصب النفط المجرى في أنابيب من باكو وينقل
إلى جميع الأقطار.
البحرين قال ياقوت هكذا يتلفظ بها في حال الرفع والنصب والجر ولم
يسمع على لفظ المرفوع من أحد إلا أن الزمخشري حكى انه بلفظ التثنية
بالألف رفعا وبالياء نصبا وجرا وهو اسم جامع لبلاد على ساحل بحر
الهند بين البصرة وعمان قيل هي قصبة هجر وقيل هجر قصبة البحرين وفيها
عيون ومياه وبلاد واسعة قال أبو عبيدة البحرين هي الخط والقطيف والآرة
وهجر وبينونة والزارة وجواثا والسابور ودارين والغابة وقصبة هجر الصفا
والمشقر اه‍ فالبحرين كانت في القديم تطلق على ما يعم الأحساء وهي
الخط ويعم القطيف وجزيرة اوال التي تسمى اليوم البحرين اما اليوم
فاختص اسم البحرين بجزيرة اوال كما مر في اوال والأحساء ويأتي في
القطيف وقيل إن ذلك بعد الاحتلال الإنكليزي، وقال بعض المعاصرين
الظاهر أن وجه تثنية البحرين وقوعها بين عمان والبصرة والبحيرة المتصلة
ببندر الأحساء المسمى بالعجير قال وهو مما يؤيد تخصيص اسم البحرين
بجزيرة اوال كما هو الآن لأنها في الواقعة كذلك اه‍.
وعن تلخيص الآثار: البحرين ناحية بين البصرة وعمان على ساحل
البحر بها مغاص الدر ودره أحسن الأنواع ينتهي إليها قفل الصدف في كل
سنة من مجمع البحرين ويحمل الدر بالصدف إليها وليس لأحد من الملوك
مثل هذه الغلة من سكن البحرين عظم طحاله وانتفخ بطنه اه‍ وقيل إن
البحرين مشتملة على المدن الثلاث جزيرة اوال والقطيف وهي الخط
والاحساء ويقال لها الحسا وهي هجر بفتحتين وخط قرية باليمامة يقال لها
خط هجر ينسب إليها الرماح الخطية وهجر مدينة كبيرة قاعدة بلاد البحرين
ذات النخيل والرمان والأترج والقطن واليها ينسب رشيد الهجري وقيل إن
اسم البحرين وهجر يطلق قديما كل منهما على مجموع المدن الثلاث المتقدمة
ثم صار اسم البحرين علما بالغلبة لجزيرة اوال وهجر لبلاد الأحساء.
وفي مجالس المؤمنين ان تشيع أهل البحرين وقصباتها مثل القطيف
والحسا شائع من قديم الزمان وعلل بان أبان بن سعيد كان عاملا عليها مدة
في مبدأ الإسلام وهو من الموالين لأمير المؤمنين علي ع وصار عاملا
عليها عمر بن أبي سلمة مدة وامه أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها وهو أيضا
من محبي أمير المؤمنين علي ع فغرسا فيهم التشيع وفي
روضات الجنات: أهل البحرين قديمو التشيع متصلبون في الدين خرج منها
من علمائنا الأبرار جم غفير اه‍ والبحرين أسلم عليها أهلها طوعا كتب
رسول الله ص في السنة الثامنة من الهجرة إلى المنذر بن ساوى وإلى
مرزبان هجر مع العلاء بن عبد الله الحضرمي بالدخول في الإسلام أو قبول
الجزية فدخلا في الإسلام وكذلك جميع العرب الذين معهما وبعض
الفرس، وأهل القرى والزراعة من المجوس والبربر واليهود والنصارى
صالحوا على نصف غلتهم من الزراعة والتمر وبقوا على دينهم وأرسل العلاء
في ذلك العام إلى النبي ثمانين ألف دينار ثم عزل رسول الله ص العلاء
وولى أبان بن العاص وسعيد بن أمية فبقيا إلى وفاة رسول الله ص فعزلهما أبو
بكر وولى العلاء ثم عزله عمر وولى أبا هريرة فجرى له معه خبر مشهور
وفي عهد أمير المؤمنين ع وليها تارة معبد بن العباس بن عبد
المطلب وتارة عمر بن أم سلمة ربيب رسول الله ص وأول جمعة أقيمت في
الاسلام بعد المدينة كانت في البحرين في جواثا في بني عبد القيس من هجر
فقال لهم مرحبا بوفد قوم لا خزايا ولا نادمين.
بخارى من أعظم مدن ما وراء النهر وأجلها وكانت قاعدة ملك
السامانية فتحت في أيام معاوية. وكان لها إمارة مستقلة استولت عليها
روسيا وأبقت الأمير لكن منعته عن دخول البلدة فهو يقيم في قصر له
خارجها ويدبر أمور البلدة قوج بيكي وهو بمنزلة الوزير للأمير وقاضي
كلان وهو القاضي بها وفيها عدد كثير من الشيعة وفيهم جماعة من أهل
العلم الديني يتلقون علومهم في النجف الأشرف وكان الوزير في عصرنا
شيعيا والقائمون بأمور الأمير كلهم شيعة حتى طباخه وخدم قصره فهم
وكلاؤه على أملاكه وخرجه ودخله وقد عوتب على ذلك فقال لم أجد آمن
منهم وأنصح في خدمتي وقد جربت غيرهم فلم يكونوا كذلك. والشيعة بها
يقيمون عزاء سيد الشهداء وقد صادف في عصرنا هذا انه كان يقام العزاء
يوم عاشوراء فتبسم أحد النظارة وجرت بسبب ذلك فتنة أدت إلى الضرب
والجرح. ثم إن روسيا الحمراء التي قتلت القيصر وأولاده ونساءه واستولت
في عصرنا هذا على الملك ودانت بالبلشفيكية وبنت ملكها عليها استولت في
هذه السنين الأخيرة على بخارى وسمرقند وطاشكند وحكمتها مباشرة بعد
ما كانت لها ما يسمونه السيادة وطردت أميرها واستولت على املاكه فالتجا إلى
دولة الأفغان فعينت له راتبا والتجا ولد الوزير قوجبكي إلى دولة إيران
فعينت له راتبا وقد زارنا في طهران في سفرنا إلى زيارة الرضا ع
سنة ١٣٥٣ فرأيناه رجلا كاملا، وإذا ذكر أمير بخارى المخلوع يعبر عنه
بقوله أعلى حضرت على عادة الفرس في تعظيم ملوكهم وأمرائهم،
ورأينا بعض علمائها الشيعة في المشهد المقدس الرضوي واسمه الشيخ عبد
الخالق وقد هرب من البلشفيك.
البصرة مدينة بالعراق مصرها عتبة بن غزوان. وكان في زمن أمير
المؤمنين علي ع أكثر أهلها عثمانية، وقد حاربه أهلها في وقعة الجمل
وخطبهم بعد فتحها فقال من جملة كلام: يا أهل البصرة ويا بقايا ثمود، يا
أتباع البهيمة ويا جند المرأة، رغا فاتبعتم، وعقر فانهزمتم، دينكم نفاق
وأحلامكم دقاق وماؤكم زعاق، واليوم جل أهل البصرة شيعة إمامية
مخلصون في ولاء أهل البيت ع.
بعلبك قال ياقوت: مدينة قديمة فيها أبنية عجيبة وآثار عظيمة
(١٩٧)

وقصور على أساطين الرخام لا نظير لها في الدنيا اه‍ وفيها قلعة يحار
العقل في وصفها وإتقان نقوشها وعظم احجارها وأساطينها وكانت أولا
معبدا وبعد الفتح الإسلامي جعلت قلعة للجند ومسكنا للأمراء ولا يعلم
مبدأ تشيع أهلها، إلا أن الشهيد الثاني المقتول سنة ٩٦٦ لما أخذ
تدريس مدرستها قال وكنا ندرس فيها على المذاهب الخمسة. وعد ابن
شهرآشوب من شعراء الشيعة أبا الغمر عبد الملك البعلبكي المتوفى
٥٥٠ ونيف، وأهلها اليوم جلهم شيعة كما إن قراها الغالب عليها
التشيع، وفيها السادة الموسوية من آل المرتضى أهل شرف مشهور وسيادة
وكان في أجدادهم العلماء والفضلاء كما يدل عليه مكتبتهم المتوارثة إلى اليوم
الحاوية لجملة من كتب الشيعة الفقهية النادرة، وحكم بلاد بعلبك الامراء
الحرافشة الشيعة مدة طويلة وكانوا أهل شجاعة وقوة وشدة سلطان ثم
استولت الدولة العثمانية على إمارتهم ونفتهم إلى بلاد الترك فتترك
أولادهم. وفي أيام حكم الحرافشة غلب التشيع على أهل بعلبك وكان
يغلب عليهم قبله التسنن.
بغداد ويقال بغذاذ وبغدان وتسمى دار السلام فاما الزوراء فهي
مدينة المنصور خاصة، قيل اسمها فارسي تفسيره بستان رجل فباع
البستان وداد اسم رجل أو أعطى بستانا فباع البستان وداد أعطى،
وقيل أهدي لكسرى غلام شرقي يعبد الأصنام فاقطعه مكانه فقال بغ داد
اي الصنم أعطاني، بناها المنصور العباسي لما ترك مدينة الهاشمية التي
أحدثها قرب الكوفة يغلب عليهم التشيع لآل أبي طالب ولبغداد جانبان
غربي ويسمى الكرخ ويقال الكرخ أيضا لمحلة مخصوصة منه وفيه مدينة
المنصور وهي أول ما بني في بغداد، وشرقي ويسمى الرصافة ويفصل بينهما
دجلة، والشرقي أول من بني به المهدي بن المنصور، والشرقي له جانبان
غربي وهو المعروف اليوم بباب المعظم وشرقي وهو المعروف اليوم بباب
الشرجي والجيم مقلوبة عن القاف، وبباب الشيخ الواقع على طريق
سلمان، قال ياقوت: بغداد أم الدنيا وسيدة البلاد اه‍ والتشيع في
بغداد قديم من حين انشائها فان التشيع كان قد انتشر في أقطار الأرض
وكانت محلة الكرخ في عهد العباسيين كلها شيعة وكثر التشيع في بغداد في
عصر البويهيين، واليوم نحو نصف أهل بغداد شيعة.
البقاع بوزن جمع بقعة قال ياقوت: البقاع موضع يقال له بقاع
كلب قريب من دمشق وهو أرش واسعة بين بعلبك وحمص ودمشق، فيها
قرى كثيرة ومياه غزيرة نميرة وأكثر شرب هذه الضياع من عين تخرج من
جبل يقال لها عين الجر وبالبقاع هذه قبر الياس النبي ع اه‍
أقول وكانه في القرية التي يقال لها اليوم قب الياس بحذف الراء ووصل
الهمزة. والبقاع اليوم يعرف ببقاع العزيز وفيه عدة قرى أهلها كلهم شيعة
وهي: يحمر وسحمر ولبايا وزلايا وقليا ومشغرى قديما وعين التينة وغيرها،
ويوجد شيعة في معلقة زحلة. ومشغرى معدودة في القديم من جبل عامل
فيمكن كونها من البقاع وعدت في جبل عامل تغليبا ككرك نوح ويمكن كونها
من جبل عامل وعدت من البقاع لجعلها تابعة له في العمل.
بمبئي مدينة ببلاد الهند على ساحل البحر فيها عدد كثير من
الشيعة الهنود والمهاجرين.
ت
تبت بضم التاء وكسر الباء المشددة أو فتحها أو بفتح التاء وضم
الباء المشددة بلاد متاخمة لبلاد الهند وفيها عدد كثير من الشيعة وفيهم علماء
يتعلمون العلوم الدينية في الهند وفي النجف الأشرف. ورأيت بعض
حجاجهم بدمشق فسألتهم عن حالة الشيعة عندهم فقالوا إن عددهم يزيد
آنا فانا فسألتهم عن سبب ذلك فقالوا إننا جمعنا وقررنا ان نجعل دعاية
لمذهبنا فوجدنا ان أنجح دعاية لذلك هي تحسين أعمالنا وأخلاقنا باستعمال
الصدق والأمانة والأخلاق التي أمر بها الاسلام فلما فعلنا ذلك قال الناس لو
لم يكن دين هؤلاء حقا لما كانوا بهذه الأخلاق والأفعال الحسنة فجعلوا
يدخلون في ديننا من الوثنيين وغيرهم. وفي معجم البلدان: تبت بلد
بأرض الترك في الإقليم الرابع المتاخم لبلاد الهند لهم مدن وعمائر كثيرة
ولأهلها حضر وبدو وفي بلاد التبت خاصية إنه لا يزال الإنسان بها ضاحكا
وسميت تبت بمن ثبت فيه ورتب من رجال حمير ثم أبدلت الثاء تاء لأن الثاء
ليست في لغة العجم وذلك أن تبع الأقرن سار من اليمن حتى عبر جيحون
وأتى سمرقند فبناها ثم سار نحو الصين شهرا فابتنى هناك مدينة أسكنها
ثلاثين ألفا من أصحابه وسماها ثبت وافتخر دعبل الخزاعي بذلك في
قصيدة عارض بها الكميت فقال:
- وهم كتبوا الكتاب بباب مرو * وباب الصين كانوا الكاتبينا -
- وهم سموا قديما سمرقندا * وهم غرسوا هناك التبتينا -
وأهلها على زي العرب إلى هذه الغاية ولهم فروسية وبأس وكانوا
يسمون كل من ملكهم تبعا اقتداء بأولهم ثم تغيرت هياتهم ولغتهم إلى ما
جاورهم من الترك والأرض التي بها ظباء المسك التبتي والصيني واحدة
متصلة اه‍.
وفي مجالس المؤمنين: تبت اسم لولايتين قرب كشمير إحداهما تبت
الكبيرة أهلها كفار والثانية تبت الصغيرة وفي سنة ألف فتح الأمير علي الذي
هو الآن حاكم تبت بالتوفيق الإلهي تبت الكبيرة وقتل رؤساءها وغنم منها
أموالا كثيرة وأهلها من زمان مجئ مير شمس المذكور في ترجمة قشمير إلى
هناك أسلموا وكلهم من الحاكم والعسكر والرعية شيعة إمامية مخلصون
متصلبون في التشيع ومع أنهم واقعون في جوار ملك الهند العظيم الشأن
يخطبون باسم السلطان الصفوي وأقسام الفواكه التي تزرع في البلاد الباردة
تزرع هناك ويجلب منها المسك والذهب والبلور اه‍.
تبريز قال ياقوت بكسر أوله وسكون ثانيه وكسر الراء وياء ساكنة
وزاي هكذا ضبطه أبو سعد وهي أشهر مدن أذربيجان عامرة حسناء ذات
أسوار محكمة وفي وسطها عدة انهار والبساتين محيطة بها اه‍ وفي
القاموس تبريز وقد تكسر قاعدة أذربيجان اه‍ وعن اخبار الدول بعد
مدحها: والآن قد زالت بهجتها واضمحل حالها بوقوع الحرب بين
العثمانية والشيعة عند دخول عثمان باشا إليها وقتل أهلها وفي مجالس
المؤمنين: إنه علم بالتواتر ان تشيع أهل تبريز من زمن وصول قطب
الدين ابن السيد حيدر التوني إليها اه‍ لكنه لم يذكر تاريخ ذلك وهي
اليوم من أعظم مدن إيران وخرج منها جمع كثير من أكابر العلماء خدموا
الدين بتاليفهم وفيها مطابع حجرية طبعت كثيرا من كتب الشيعة في فنون
شتى.
تستر بضم فسكون ففتح معرب شوشتر وشوش بالفارسية معناه
النزه والحسن والطيب واللطيف وتر علامة التفضيل قال ياقوت أعظم مدينة
بخوزستان اليوم اه‍ وفي مجالس المؤمنين انه في زمان الأمويين
(١٩٨)

والعباسيين كان أكثر أهل خوزستان معتزلة وفي أوائل المائة الثامنة جاء من
دار المؤمنين آمل السيد الأجل الأمير نجم الدين محمود الحسيني المرعشي
الآملي وتزوج ببنت السيد عز الدولة نقيب السادات الحسنية في تلك الديار
وأقام هناك وبارشاده وهدايته تشيع جماعة من أهلها وبعد ذلك حيث
صارت هذه الولاية تحت تصرف السلاطين الموسوية المشعشعية فاستظهر
بوجودهم السيد الأجل الفاضل الكامل الأمير نور الله المرعشي نقيب تلك
الديار وتقدم يوما فيوما في الدعوة إلى مذهب الأئمة الاثني عشر حتى اعتنقوا
كلهم ذلك المذهب.
تفليس قال ياقوت بفتح أوله وبكسر بلد بأرمينية الأولى وهي
قصبة ناحية جرزان قرب باب الأبواب وهي مدينة أزلية اه‍ وهي اليوم
من بلاد روسية بها كثير من الشيعة.
تون بتاء مضمومة وواو ساكنة ونون قال ياقوت مدينة من ناحية
قهستان قرب قائن في مجالس المؤمنين لا يخفى ان أهل تون شيعة إمامية إثنا
عشرية من قديم الزمان وأهل قائن وأكثر بلاد قهستان كانوا في أول امرهم
إسماعيلية وببركة ارشادات الأفاضل وهداياتهم رجعوا إلى مذهب الشيعة
الإمامية الاثني عشرية وخصوصا قائن في وقت مجئ السيد الأجل الزاهد
الأمير عبد الله لحاوي كذا والد نور الموحدين السيد محمد نور بخش
وبث ارشاده وهدايته.
ج
جاوة فيها عدد كثير من الشيعة.
جبع بجيم مضمومة فموحدة مفتوحة فعين مهملة من أمهات ديار
العلم في جبل عامل خرج منها ما لا يحصى من العلماء، ودار الشهيد الثاني
ومسجده فيها معروفان إلى اليوم، وأهلها يتناقلون ان المسجد بناء يده وهي
من أنزه بلاد الله وأصحها هواء وأعذبها وأغزرها ماء.
جبل عامل أو جبل عاملة أو جبال عاملة وهو عاملة بن سبا الذي
تفرق أولاده لما ارسل الله عليهم سيل العرم كما أخبر عنه القرآن الكريم في
البلاد فهبط عاملة هذه الجبال وسكنها وبقيت ذريته فيها وفي صبح الأعشى
اسم عاملة الحارث بن عفير اه‍ وقيل إن عاملة اسم امرأة وهي
عاملة بنت مالك بن وديعة بن قضاعة كانت تحت الحارث بن عدي من ولد
سبا فنسب ولده إليها والله أعلم ويسمى أيضا جبل الجليل وجبل الخيل.
وهو اسم لصقع واسع يتراوح عرضه بين ستة فراسخ وثمانية أو أكثر وطوله
نحو اثني عشر فرسخا مشتمل على عدة قرى ومدن وكله معمور ليس فيه
خراب ويحده غربا البحر المتوسط وشرقا الحولة ووادي التيم والبقاع وبعض
جبل لبنان وجنوبا فلسطين وإذا صح إن تشيع أهله من عهد أبي ذر صاحب
رسول الله ص كما يدل عليه النقل المشهور المأخوذ يدا
عن يد ووجود مساجد فيه تنسب إلى أبي ذر فأهله أقدم الناس في التشيع لم
يسبقهم إليه إلا بعض أهل المدينة. ومر في طرفه ناصر خسرو الرحالة
الفارسي المعروف سنة ٤٣٧ فقال عن صور ان أكثر أهلها شيعة مع أنها
كانت معروفة في القديم بالتسنن. وهو مشتمل على قرى وبلدان كثيرة تنبو
عن الحصر كل أهلها شيعة إمامية إلا ما ندر ومن مدنه صيدا وصور ومن
بلدانه تبنين وهونين والصرفند وآبل وقدس والشقيف وارنون وهذه كلها لها
ذكر في الكتب والآثار وأكبر مدنه اليوم صيدا ثم صور وأكبر قراه النباطية
وبنت جبيل والخيام وكثرت فيه العلماء من القرن السادس إلى اليوم اما قبل
ذلك فحالته العلمية مجهولة. وفي مجالس المؤمنين: جبل عامل ولاية من
أعمال الشام معمور مشهور مشتمل على قرى وبلاد تنبو عن الحصر
وبالجملة تجلى أنوار الرحمة الآلهية شامل لأهل جبل عامل ونور المحبة من
نواصي إيمانهم ظاهر ولا يوجد قرية من قراه لم يخرج منها جماعة من الفقهاء
والفضلاء الإمامية وجميع أهله من الخواص والعوام والوضيع والشريف
يجدون في تعليم وتعلم المسائل الاعتقادية والأحكام الفرعية على طبق
مذهب الإمامية وفي التقوى والمروءة والفقر والقناعة يقتدون بطريقة مولاهم
المرضية ومع تسلط الرومية فلهم همة في نشر مذهبهم.
جبل لبنان يحده شمالا طرابلس الشام وجنوبا جبل عامل وغربا
بيروت والبحر المتوسط وشرقا بعلبك والبقاع وبعد حادثة الستين لما استقل
بالإدارة ادخل فيه بعض قرى جبل عامل ويبلغ عدد الشيعة فيه نحو ثلاثين
ألفا وبعد الحرب العامة ادخل فيه جميع جبل عامل إلا القليل ومدينة بيروت
من ولاية الشام و طرابلس وسمي لبنان الكبير.
جرجان بوزن غفران قال ياقوت مدينة مشهورة عظيمة بين
طبرستان وخراسان وفي مجالس المؤمنين: ويقال لها أيضا إستراباد وأهلها
مشهورون بالتشيع وبالتصلب فيه ويؤيده ما يحكى عن المولى عبد الرحمن
الجامي: إنه لقي رجلا غريبا فسأله عن نفسه فقال انا سيد علوي طالب
للعلم من أهل استراباد فقال الجامي الاختصار مطلوب في الكلام قل كافر
مطلق وأرح نفسك وأرحنا اه‍ ويدل بعض الأخبار المروية في الخرائج
والجرائح على قدم تشيعهم وهو ما في الباب الرابع قال: ومنها ما روى
أحمد بن محمد عن جعفر ابن الشريف الجرجاني قال حججت ثم دخلت على
أبي محمد ع بسر من رأى وقد كان أصحابنا حملوا معي شيئا من المال
فأردت ان أساله إلى من أدفعه فقال قبل ان قلت له ذلك ادفع ما معك إلى
المبارك خادمي ففعلت وخرجت وقلت إن شيعتك بجرجان يقرأون عليك
السلام الحديث.
جزائر خوزستان عبارة عن الناحية الكبيرة المشتملة على القرى
الكثيرة الواقعة على شاطئ نهر شوشتر بينها وبين البصرة. في مجالس
المؤمنين. سمعت من بعض الثقات انها مشتملة على ثلثمائة وستين موضعا
ودار الملك فيها اسمها مدينة ومن محصولاتها الأرز والتمر والإبريسم
والنارنج والليمون والعنب وكل ذلك فيها كثير والدجاج والسمك
أيضا فيها كثير وجميع أهلها على مذهب الإمامية مداومون ومواظبون
على الفروض والسنن الشرعية وأما شرب الخمر والزنا واللواط
والقمار وباقي أنواع الفسوق فهي مفقودة بينهم واما تقواهم في
الماليات فهي إلى حد انهم لا يؤخرون زكاة لهم يوما واحدا بدون ضرورة
ويحملونها إلى أصلح وافقه فقهاء الإمامية ليوصلها إلى مستحقيها ولكن مع
جميع هذه الطاعات والعبادات لا يتوقون الدماء وفي أكثر الأوقات يقع
الحرب بين القبائل وقتل النفوس وسمعت من بعض الثقات انه يوجد في
الجزائر زيادة على ثلثمائة ألف مقاتل بتمام القوة والشجاعة. وأهل الفضل
خصوصا الممارسون لفقه الإمامية هناك كثيرون ولا يخفى ان صاحب معجم
البلدان لم يذكر هذه الجزيرة في باب الجزائر والظاهر أنه عدها من جملة
بطائح الحويزة اه‍ وقد خرج من هذه الجزائر عدة من العلماء والفضلاء
يأتي ذكرهم كل في بابه.
وقد قرأنا في ج ٦ م ٨٢ من مجلة العرفان نقدا للجزء الخامس من
أعيان الشيعة بتوقيع المخلص عبد المهدي آل مظفر بعنوان الأغلاط في
التاريخ يتعلق بجزائر خوزستان لم يشأ كاتبه أن يرسله إلينا مع اعلاننا قبول
(١٩٩)

كل نقد مبني على الاخلاص بل أرسله إلى المجلة (١) قال:
قرأت في الجزء الخامس من أعيان الشيعة ص ١١٧ في ترجمة الشيخ
إبراهيم الجزائري فصلا لم أشا أن أتجاوزه لما فيه من العسف والحيف في
نسبته ولم أحمل المؤلف إلا على التسامح الذي لا يتفق وشان المؤرخ الذي
يؤهل نفسه لدرس أحوال طائفة كبيرة من العلماء والمؤلفين أن السيد بعد
أن ذكر الشيخ إبراهيم بن محمد الجزائري عزاه إلى الجزائر الكائنة بزعمه
في خوزستان ويا للأسف أنا لا نعرف هناك ما يعرف بالجزائر وإنما الجزائر
هي المواقع الكائنة بين القرنة والحمار الواقع على ضفة الفرات تنسب إليها كثير من الطوائف كطائفة السيد نعمة الله الجزائري وطائفة الشيخ
أحمد صاحب آيات الأحكام والطائفة التي عرفت أخيرا بال المظفر فاما أن
يكون في خوزستان ما يعرف بالجزائر فشئ لا أثر له وان سلسلة كبيرة
تقطن المدينة من أحفاد الشيخ إبراهيم المذكور.
ونقول جوابا لقوله يا للأسف أنا لا نعرف في خوزستان ما يعرف
بالجزائر: أن القاضي نور الله الشوشتري في كتابه مجالس المؤمنين ص ٣٠
قد ذكر ما تعريبه ما سمعت فاذن كون في خوزستان ما يعرف بالجزائر شئ
له أثر واضح والمدينة التي في كلام الناقد قد جاءت في كلام القاضي ونحن
لم نر تلك الجزائر ولا وجدنا ذكرها في غير مجالس المؤمنين فنقلناه كما وجدناه
وعزوناه إلى المجالس فإن كان فيه خطا فهو من صاحب المجالس لا منا
فكان على الكاتب أن يرد عليه لا علينا ومع ذلك فليس في الأمر ما يوجب
كل هذا التهويل والكلام الخشن ومن ذلك تعلم أن عنوانه بالأغلاط في
التاريخ وقوله العسف والحيف في نسبته وحمله المؤلف على التسامح كلها
على الضد مما قال: ثم جاءنا من صاحب النقد ما يلي: ذكرتم في آخر
الجزء ١١ الجواب عن كلمتنا المنشورة في مجلة العرفان ج ٦ م ٢٨ ونحن
نحيلكم على ما كتبه السيد نعمة الله الجزائري عن ترجمته ورحلته في آخر
الأنوار النعمانية إذ يذكر فيه الجزائر وموقعها التي لا تزال معروفة إلى الآن
بأسمائها كنهر صالح ونهر عنتر والصباغية التي هي مسقط رأسه وغيرها
وأعتقد أن في ذلك غنى لكم عن كل مصدر آخر لتحديد موقع الجزائر
و السيد نعمة الله من أهلها ومسقط رأسه فيها. وأما ما ذكره القاضي
نور الله الشوشتري نقلا عن غيره من نسبته الجزائر إلى خوزستان فيجوز أن
يكون منشؤه أن الجزائر في ذلك العصر كانت مشمولة لحكومة الموالي فهي
كبلد واحدة على أنها تصل بها بنهر السويب الذي منبعه من خوزستان
ويسميه السيد نعمة الله الجزائري في رحلته بنهر المصب وقد سلكه من
القرنة إلى الحويزة وقد كان في القرنة بصحبة سلطان البصرة في حربه مع
الحكومة العثمانية اه‍.
ونقول اننا عند ذكر الجزائر لم نر غير ما ذكره صاحب مجالس
المؤمنين كما مر فنقلناه كما وجدناه ولا نعلم بالغيب لنطلع على ما كتبه السيد
نعمة الله الجزائري في آخر الأنوار النعمانية فكان على الناقد إن كان
مخلصا في نقده أن يكتب إلينا أن ما نقلتموه عن القاضي نور الله في موقع
الجزائر ليس بصواب قد أخطأ القاضي فيه وصوابه كذا كما كتبه الآن لا أن
يرسل نقده إلى العرفان بهذه العبارات الخشنة في أمر ليست عهدته علينا بل
على صاحب مجالس المؤمنين.
جزين بجيم وزاي مشددة مكسورتين ومثناة تحتية ساكنة ونون من
أمهات دور العلم في جبل عامل خرج منها جماعة من أعاظم علماء الشيعة
وفقهائهم كما يعلم من تراجمهم الآتية في أبوابها ولكن مجاورتها لجبل لبنان
وظلم حكامه وتسلط سكانه على أهلها بالظلم أوجب هجرتهم منها وابتداء
هجرتهم لا يتجاوز سنة ١٢٥٥ وآخر من هاجر منها رجل من بني المقدم
الذين كانوا سكانها وقد أدركه فيها رجل معمر من أهل هذا الزمان يزيد
عمره على مائة سنة كما أخبرنا بذلك كله الثقة. وبعض العامليين الذي
عدد أسماء قرى جبل عامل للشيخ يوسف البحراني كما أورده في كشكوله
قال عند ذكر جزين انها بلد الشهيد الأول وبها ذريته في هذا العصر وهم
أهل صلاح وعلم اه‍ والشيخ يوسف البحراني توفي سنة ١١٨٧ فتكون
هذه الكتابة في أواخر القرن الثاني عشر وآل شمس الدين الموجودون اليوم
في جون وعربصالين ومجدل سلم وحنويه وغيرها هم من نسل الشهيد الأول
شمس الدين محمد بن مكي العاملي الجزيني كانوا فيها وهاجروا منها وهي
اليوم معدودة من جبل لبنان وقال الشيخ علي السبيتي العاملي في كتابه
الجوهر المجرد في شرح قصيدة علي بك الأسعد أظن أن خروجها عن جبل
عامل من أيام فخر الدين بن معن اه‍ ولا يخفي أن فخر الدين المعني
كان حاكما حوالي ١٠٣٣ اه‍ أي في المائة الحادية عشرة في ثلثها
والعاملي الأنصاري الذي عدد قرى جبل عامل دل كلامه على وجود الشيعة فيها في
أواخر المائة الثانية عشرة ويمكن كون بدء هجرتهم في أيام فخر الدين وتمت
بعدها بمدة طويلة والله أعلم. وعد شيخ الربوة جبل جزين من جبل عامل
وأهلها اليوم كلهم نصارى ولم يبق فيها من آثار الشيعة غير جبانة وقد
درست وجامع خراب بعض حيطانه كان باقيا ثم درس وكان حكامها
المقدمين الشيعيين ثم نزحوا منها ومنهم الساكنون في وادي جيلو والمقدم
بلفظ اسم الفاعل من قدم بالتشديد وهو من ألقاب الشرف التي كانت
شائعة أعلاها المير الأمير ثم الشيخ ثم المقدم.
جيلان ويقال كيلان بكاف فارسية قال ياقوت: اسم لبلاد كثيرة
من وراء بلاد طبرستان قال هشام بن محمد جيلان وموقان ابنا كاشج بن
يافث بن نوح ع وليس في جيلان مدن كبيرة إنما هي قرى في
مروج بين جبال. وفي مجالس المؤمنين جيلان مشتملة على جبال وعقبات
كثيرة والأشجار مشتبكة بينها وتنقسم قسمين قسم لاهجان وتوابعها وقسم
رشت وملحقاته وأهل تلك البلاد كانوا زيدية جارودية من زمان ناصر الحق
الذي كان باعث اسلامهم إلى ظهور الشاه عباس ثم انتقل سلاطينهم مع
أكثر أهل لاهجان إلى مذهب الإمامية اه‍.
ح
الحجاز فيها قبائل شيعية من حرب في الفرع في أم ضباع وغيرها
وهم مع سائر قبيلة حرب متضامنون في السراء والضراء وكذلك فيها قبائل
شيعية في العوالي وغيرها وحالهم مع سائر قبائلها مع قبيلة حرب. وفيها
شيعة في المدينة المنورة ومكة المكرمة وغيرهما وقد حكم المدينة المنورة الأمراء
الحسينيون أحقابا متطاولة وهم شيعة اثنا عشرية لم يتظاهروا بخلاف
مذهبهم إلى اليوم وفي المدينة منهم وخارجها في العوالي وغيرها عدد كثير.
حلب من أمهات مدن سورية. كانت ولاية على عهد الدولة
العثمانية قال ياقوت حلب مدينة عظيمة طيبة الهواء صحيحة الأديم والماء
اه‍ دخلها التشيع قبل عهد الحمدانيين وانتشر وقوي فيها على عهدهم

(١) كنا ذكرنا هذا النقد في اخر الجزء ١١ صفحة ٥٦٨ فلما أعدنا طبع هذا الجزء ذكرنا ما يتعلق
منه بجزائر خوزستان هنا وما يتعلق بالشيخ إبراهيم الجزائري في ترجمته.
(٢٠٠)

قال ابن كثير الشامي في تاريخه: كان مذهب الرفض فيها في أيام سلطنة
الأمير سيف الدولة بن حمدان رائجا رواجا تاما اه‍ وفي نهر الذهب
لبعض المعاصرين أن الشيعة على عهد سيف الدولة كانوا مفضلين فقط
اه‍ وقال ابن بطلان الطبيب في رسالة له كتبها إلى هلال بن المحسن بن
إبراهيم الصابي إلى بغداد يذكر فيها ما رآه في سفره أوردها ابن القطفي في
تاريخ الحكماء وأورد بعضها ياقوت في معجم البلدان قال ابن بطلان عند
ذكر وصوله إلى حلب ما لفظه: والفقهاء فيها يفتون على مذهب الإمامية
اه‍ قال ياقوت: وذلك نحو سنة ٤٤٠ في دولة بني مرداس اه‍
وذكر ابن كثير الشامي في تاريخه في حوادث ٥٠٧ أنه لما فرع بال صلاح
الدين الأيوبي من مهمات ولاية مصر توجه نحو بلاد الشام ثم جاء إلى
حلب ونزل في ظاهرها فاضطرب والي حلب وطلب أهلها إلى ميدان باب
العراق وأظهر لهم المحبة واللين وبكى كثيرا ورغبهم في قتال صلاح الدين
وتعهد لهم بكل ما يلزم وشرط الروافض عليه شروطا وهي إعادة الآذان
بحي على خير العمل وأن يقولوها في مساجدهم وأسواقهم وأن يكون لهم
جامع الجانب الشرقي الذي هو الجامع الأعظم وأن ينادوا بأسماء الأئمة
الاثني عشر أمام الجنائز ويكبروا على الجنازة خمس تكبيرات وأن يكون أمر
عقودهم وأنكحتهم مفوضا إلى الشريفين أبي الطاهر وأبي المكارم حمزة بن
زهرة الحسيني اللذين هما مقتدى شيعة حلب فقبل الوالي جميع ذلك وأذنوا
في تمام البلد بحي على خير العمل اه‍.
وقال المعاصر في نهر الذهب: لم يزل الشيعة بعد عهد سيف الدولة
في تصلبهم حتى حل عصبتهم وأبطل أعمالهم نور الدين الشهيد ٥٤٣
ومن ذلك الوقت ضعف أمرهم غير أنهم ما برحوا يجاهرون بمعتقداتهم إلى
حدود ٦٠٠ فاخفوها، ثم ذكر أن مصطفى بن يحيى بن قاسم الحلبي
الشهير بطه زاده فتك بهم في حدود الألف فاخفوا أمرهم، وذكر بعض ما
كان يفعله الحلبيون مع الشيعة من الأعمال الوحشية والمخازي والقبائح التي
سودت وجه الإنسانية ويخجل القلم من نقلها، وقد كان في الحجة والبرهان
لو كان ما يغني عن الأذى والأضرار والأعمال الوحشية. وفي مجالس
المؤمنين: أهل حلب كانوا في الأصل شيعة وإلى أواخر زمان الخلفاء
العباسية كانوا على مذهب الإمامية، والظاهر أنه في زمان انتقال تلك
الولاية إلى حكم السلاطين العثمانية أجبروا على ترك مذهبهم اه‍ وما
مر من فعل طه زاده يؤيد ذلك فان استيلاء العثمانيين على حلب كان في
أوائل المائة العاشرة. وبالجملة سبب انقراض الشيعة من حلب هو ظلم
الملوك وجورهم وتعصب العامة وابتداؤه أوائل القرن السادس وشدته في
القرن السابع وتناهيه في أوائل القرن العاشر، ولكن العادة قاضية أنه لا بد
أن يكون بقي فيها جماعات من الشيعة تحت ستر الخوف والتقية فاما أنهم
بقوا على تشيعهم حتى اليوم مستترين أو أخرجهم عن التشيع تعاقب
السنين، وفي نهر الذهب: أنه لم يزل يوجد في حلب عدة بيوت معلومة
يقذفهم بعض الناس بالرفض والتشيع ويتحامون الزواج معهم مع أن
ظاهرهم على كمال الاستقامة وموافقة أهل السنة اه‍ فانظر واعجب
، وينسب إلى حلب من رواة الشيعة الأقدمين آل أبي شعبة في أواسط المائة
الثانية وهم: عبيد الله بن علي بن أبي شعبة الحلبي واخوته محمد وعمران
وعبد الأعلى وأبوه علي بن أبي شعبة وعمه عمر بن أبي شعبة الحلبي وابن
أخيه أحمد بن عمران بن علي بن أبي شعبة وهم بيت مذكور في الشيعة وكان
عبيد الله كبيرهم ووجههم صنف كتابا فيما رواه عن أئمة أهل البيت مشهور
وهو أول ما صنفه الشيعة. وكانوا من أهل الكوفة يتجرون إلى حلب
فنسبوا إليها. وخرج من حلب عدة من علماء الشيعة وفقهائهم يأتي ذكرهم
انش كل في بابه، ومنهم الشيخ كردي بن عكبري بن كردي الفارسي
الفقيه الثقة الصالح كان يقول بوجوب الاجتهاد عينا وعدم جواز التقليد قرأ
على الشيخ الطوسي وبينهما مكاتبات وسؤالات وجوابات. وكان في حلب
سادات آل زهرة كانوا نقباء وخرج منهم جملة من العلماء منهم السيد أبو
المكارم حمزة صاحب الغنية وقبره بسفح جبل الجوشن إلى اليوم، وذرية بني
زهرة الآن يوجدون في الفوعة من قرى حلب وهم أهل جلالة ومكانة لكنهم
ليسوا باهل علم، وعندهم كتاب نسب عظيم جليل قديم عليه خطوط
نقباء حلب وعلمائها وكانت لهم أوقاف جليلة في حلب مغتصبة منهم
ويوجد في جهات حلب عدة قرى أهلها شيعة من قديم الزمان إلى اليوم
وهي: الفوعة. نبل. النغاولة. كفريا. وبعض معرة مصرين وهم أهل
المحلة القبلية.
الحلة السيفية أو المزيدية وتسمى الحلة الفيحاء والسيفية نسبة إلى
الأمير سيف الدولة صدقة بن دبيس المزيدي الذي بناها والمزيدية نسبة إلى
بني مزيد قبيلته وموقعها بين بغداد والكوفة ولها جانبان والفرات بينهما وكان
سيف الدولة هذا من الشيعة وتأتي ترجمته انش في بابها وتشيع أهل الحلة
مشهور معروف من قديم الزمان وكانت دار العلم للشيعة في القرن الخامس
وما بعده وإليها الهجرة وخرج منها جماعة من أجلاء علماء الشيعة وفقهائهم
وأدبائهم تأتي تراجمهم في محالها انش ثم انتقل الدرس منها إلى كربلاء
والنجف في الأعصار الأخيرة ثم انحصر في النجف وكانت النجف دار
العلم قبل الحلة، وبغداد قبل النجف وكانت الحلة متصرفية في دولة
العثمانيين ثم جعلت قائم مقامية ونقلت المتصرفية إلى الناصرية في عهدهم.
قال ياقوت الحلة بالكسر ثم التشديد وهو في اللغة القوم النزول وفيهم كثرة
والحلة علم لعدة مواضع أشهرها حلة بني مزيد مدينة كبيرة بين الكوفة
وبغداد كانت تسمى الجامعين أول من عمرها ونزلها سيف الدولة صدقة بن
منصور بن دبيس بن علي بن مزيد الأسدي وكانت منازل آبائه الدور من
النيل فلما قوي أمره واشتد أزره وكثرت أمواله لاشتغال الملوك السلجوقية
بالحروب بينهم انتقل إلى الجامعين موضع في غربي الفرات ليبعد عن
الطالب وذلك في المحرم سنة ٤٩٥ وكانت أجمة تأوي إليها السباع فنزل بها
باهله وعساكره وبنى بها المنازل الجليلة والدور الفاخرة وكذلك أصحابه
فصارت ملجأ وقصدها التجار فصارت أفخر بلاد العراق وأحسنها مدة
حياته فلما قتل بقيت على عمارتها فهي اليوم قصبة تلك الكورة وقال ابن
الأثير: في سنة ٤٩٥ بنى سيف الدولة صدقة بن مزيد الحلة بالجامعين
وسكنها وإنما كان يسكن هو وآباؤه قبله في البيوت العربية اه‍ وكان قد
شق جدول صغير من الفرات من عند بلد المسيب إلى الكوفة ليسقي أهل
النجف إذ لا ماء لهم شروب وكان أغنياؤهم يجلبون الماء من الكفل
وفقراؤهم يشربون ماء الآبار المالح وذلك بنفقة امرأة من الشيعة هندية
مثرية فنسب النهر إليها فقيل نهر الهندية وكان أوله ما يدير الرحى فما زال
يكبر لرخاوة الأرض حتى صار بقدر النهر الذي يذهب إلى الحلة وصار يقال
له شط الهندية وللآخر شط الحلة وقسم شط الهندية إلى أقسام أحدها يمر
بالكوفة والباقي يسقي مزارع وأراضي كثيرة كلها عرف بالهندية وحدثت
عليه قرى وبلدان كثيرة مثل طويريج وغيرها ثم جعل شط الهندية يزيد
وشط الحلة ينقص حتى كاد يتحول الفرات كله إلى شط الهندية وجعل شط
(٢٠١)

الحلة ييبس في الصيف الذي هو وقت الحاجة إلى السقي وانقطعت منه
زراعة الأرز واقتصر أهله على زرع بعض الشعير ونحوه وكاد ييبس نخله
فجلى أكثر أهله عنه وكادت الحلة تخرب فاهتمت لذلك الدولة العثمانية
وانقطع عن خزينتها قسم كبير من الخراج لخراب المزارع فأرسلت المهندسين
والبنائين وحشرت الأهلين لعمل سد عند بلد المسيب وجلبت الأحجار في
السفن في الفرات من أرض الحديثة واجتهدت في السد بالأحجار والنورة
حتى تم السد وجرى الماء إلى الحلة وعاد من نزح منها إليها فلما زاد الشط
أيام الربيع نسف ذلك السد وعاد إلى أصله فاجتهدت في سده ثانيا بما هو
أحكم وأتقن من الأول فوضعت في جانبيه الأخشاب العظيمة المجلوبة من
الهند كصواري المراكب وأغرقت بينها السفن بما فيها من الأحجار وألقت
الصخور العظيمة حتى تم السد وجعلت له منافذ للماء وعملت وليمة
للأمراء والعساكر وجلسوا على السد يأكلون فبينا هم كذلك إذ انتسف السد
بهم وما خلص من وقع إلا بالجهد فلما عجزت عن سده استدعت مهندس
الري الانكليزي بمصر فحضر وبقي يدرس ذلك نحو سنتين حتى ظنت به
الظنون وبعدها حفر حفرا في اليابسة قريبا من الشط حتى وصل إلى الماء ثم
نزحه بالآلات الرافعة وبنى هناك سدا في اليابسة وجعل له منافذ وأحكم
بناءه ما شاء وربطه بالحديد والرصاص وغيره وجعل لتلك المنافذ أبوابا من
الحديد ترفع بالآلات متى أريد وتنزل ثم حفر أمام ذلك السد ووراءه حتى
وصل إلى الشط وأجرى فيه الماء فاستقام ومشت فوقه سكة الحديد بعد
الاحتلال الانكليزي وكان الإنكليز كانوا عالمين بأنهم سيحتلون العراق
فاوصوه باحكام الصنعة ودفعت الدولة العثمانية الخرج وأخذه الإنكليز
غنيمة باردة إذ لم تطل المدة على عمارة هذا السد حتى وقعت الحرب العامة
واحتل الإنكليز العراق. وتشيع أهل الحلة مشهور معروف اه‍.
حمص قال ياقوت بالكسر ثم السكون والصاد مهملة بلد مشهور
كبير مشهور بين دمشق وحلب في نصف الطريق، قال أهل السير بناها
اليونانيون وزيتون فلسطين من غرسهم وبها قبر خالد بن الوليد وبعضهم
يقول أنه مات بالمدينة ودفن بها وهو الأصح، ويقال أن هذا الذي يزار
بحمص إنما هو قبر خالد بن يزيد بن معاوية وهو الذي بنى القصر بحمص
وآثار هذا القصر في غربي الطريق باقية، وبها قبر قنبر مولى علي بن أبي
طالب ويقال أن قنبرا قتله الحجاج وقتل ابنه بالكوفة، وبها قبر لأولاد
جعفر بن أبي طالب قال: ومن عجيب ما تأملته من أمر حمص مع فساد
هوائها وتربتها اللذين يفسدان العقل حتى يضرب بحماقتهم المثل أن أشد
الناس الناس على علي بصفين مع معاوية كان أهل حمص فلما انقضت تلك
الحروب ومضى ذلك الزمان صاروا من غلاة الشيعة حتى أن في أهلها كثيرا
ممن رأى مذهب النصيرية فقد التزموا الضلال أولا وأخيرا فليس لهم زمان
كانوا فيه على الصواب اه‍ ومن شيعتها ديك الجن الحمصي الشاعر
المشهور. ثم أنه لم يبق في حمص شيعي من زمان قديم إلا النادر أو
المستتر، وفي عصرنا هذا تشيع جماعة كثيرون منهم لأنفسهم بأنفسهم،
نعم وجد حوالي حمص عدة قرى أهلها شيعة إمامية منها الغور بضم الغين
والدلبوز وتل الأغر وغيرها وكان أهل البويضة من قرى حمص شيعة وبسبب
الجور لم يبق بها شيعي وأهلها القدماء الذين هم في أعلى الجبل يعيرون إلى
اليوم بالتشيع وهي على جبل أبيض ولذلك سميت البويضة وبعض القرى
أخرج أهلها الشيعة منها في دولة العثمانيين قهرا وأسكن فيها بدلهم مهاجرة
الجركس كما يوجد كذلك في قرى حماه منها قرية كبيرة تسمى الشيخ علي
كيسون اغتصبها بعض وجهاء حماه فاجلى أهلها عنها وتشتتوا في البلاد.
الحويزة قال ياقوت: تصغير الحوزة وأصله من حازه يحوزه حوزا
إذا حصله والمرة حوزة وهو موضع حازه دبيس بن عفيف الأسدي في أيام
الطائع ونزل فيه بحلته وبنى فيه أبنية وليس بدبيس بن مزيد الذي بنى الحلة
بالجامعين ولكنه من بني أسد أيضا وهذا الموضع بين واسط والبصرة
وخوزستان في وسط البطائح وقال في البطيحة بالفتح ثم الكسر وجمعها
بطائح وتبطح السيل إذا اتسع في الأرض وبذلك سميت بطائح واسط وهي
أرض واسعة بين واسط والبصرة غمرها الماء أيام كسرى ابرويز وطرد أهلها
عنها ولما جاءت الدولة الاسلامية دخلها العمال بالسفن فرأوا فيها مواضع
عالية لم يصل إليها الماء فبنوا فيها قرى وسكنها قوم وزرعوها الأرز وتغلب
عليها في أوائل أيام بني بويه أقوام من أهلها وتحصنوا بالمياه التي صارت لهم
كالمعاقل الحصينة عن طاعة السلطان فلما انقضت دولة الديلم ثم السلجوقية
جباها عمال بني العباس اه‍ وصاحب مجالس المؤمنين في حكايته
لعبارات ياقوت قال وفي أوائل أيام آل بويه استولى عليها جمع من الديالمة
واستنتج من ذلك أن أهلها في الاسلام كانوا شيعة لأن بني أسد شيعة
والديلم شيعة، مع أن الذي قاله ياقوت كما سمعت أن المستولين عليها
أول ملك بني بويه هم جماعة من أهلها لا من الديلم. ثم قال في مجالس
المؤمنين: ومن مخلصي السادات والعلوية في المائة التاسعة السيد محمد ابن
السيد فلاح الموسوي الواسطي تلميذ الشيخ الأجل أحمد بن فهد الحلي
الامامي قدس الله روحه وقد سكن بينهم وبمقتضى صفاء عقيدتهم أقاموه
حاكما عليهم وهؤلاء الجماعة الآن يعرفون بال المشعشع ومن حسن
سياستهم واستعدادهم للسلطنة استولوا على جميع ولاية خوزستان والجزائر
وكثير من عراق العرب وفي ذلك الزمان انتشر مذهب الإمامية في سائر بلاد
خوزستان وإلى الآن حكم أكثر تلك البلاد منوط بأولاد السيد محمد المذكور
اه‍ ولكن محمدا المذكور حكي عنه أنه ارتد عن الاسلام حتى ادعى
الإلهية بمخاريق كان تعلمها حتى أفتى ابن فهد بقتله فلا وجه لوصفه بأنه من
مخلصي السادات والعلوية نعم ذريته خرج منهم رجال عظام في الامارة
والعلم والشعر والأدب وحكموا تلك البلاد قرونا كثيرة إلى أواخر دولة
الصفوية وكانوا يعرفون بالموالي لتعبير رعيتهم عن أحدهم بالمولى كملوك
مراكش.
حيدرآباد الدكن من مدن الهند العظيمة كثير من أهلها شيعة.
خ
الخالدية في معجم البلدان: قرية من اعمال الموصل ينسب إليها
أبو عثمان سعيد وأبو بكر محمد ابنا هاشم بن وعلة بن عرام بن يزيد بن
عبد الله بن عبد منبه بن يثربي بن عبد السلام بن خالد بن عبد منبه
الخالديان الشاعران المشهوران كذا نسبها السري الرفا في شعره حيث
يقول:
- ولقد حميت الشعر وهو بمعشر * رقم سوى الأسماء والألقاب -
- وضربت عنه المدعين وانما * عن حوزة الآداب كان ضرابي -
- فغدت نبيط الخالدية تدعي * شعري وترفل في حبير ثيابي -
وقال أيضا:
- ومن عجب أن الغبيين ابرقا * مغيرين في أقطار شعري وارعدا -
(٢٠٢)

- لقد نقلاه عن بياض مناسبي * إلى نسب في الخالدية اسودا -
اه‍ والخالديان والسري الرفا من شعراء الشيعة.
الخالص في معجم البلدان: اسم كورة عظيمة من شرقي بغداد
إلى سور بغداد، وهذا اسم محدث لم أجده في كتب الأوائل ولا تصنيف
وانما هو اليوم مشهور ووجدت في كتاب الديرة أن نهر الخالص هو نهر
المهدي اه‍ أقول: وأهل الخالص اليوم كلهم أو جلهم شيعة.
خوانسار تكتب هكذا بالواو والألف وتنطق بالألف وحدها وكتبها
ياقوت في معجم البلدان خانسار كما تنطق وقال بكسر النون والسين
مهملة قرية من قرى خرباذقان اه‍ والفرس يكتبونها بالخاء والواو
والألف وينطقونها بالخاء المضمومة والواو الساكنة والصواب نطقها بالخاء
والألف وأهلها شيعة مشهورون بحسن الخط، هواؤها وماؤها في غاية
الجودة وفواكهها كثيرة قلما يوجد مثلها، خرج منها جملة من العلماء
الفحول.
خوارزم وهي كخانسار تنطق بالألف وتكتب بالواو والألف،
ووهم ياقوت فكتبها بالواو والألف وكتب خانسار بالألف كما مر مع أنهما
واحد وقال أنهم ينطقون أوله بين الضمة والفتحة والألف مسترقة مختلسة
ليست بألف صحيحة أقول هذا لما ذكرناه في خانسار من قلبهم الألف
واوا قال اللحام:
- ما أهل خوارزم سلالة آدم * ما هم وحق الله غير بهائم -
خرج منها من الشيعة أبو بكر الخوارزمي ولا ندري فيها اليوم شيعة
أو لا.
خراسان في معجم البلدان: بلاد واسعة تشتمل على أمهات من
البلاد منها نيسابور وهرات ومرو وبلخ وطالقان ونسا وايبورد وسرخس وما
يتخلل ذلك من المدن التي دون نهر جيحون اه‍ وخراسان معناه
بالفارسية مطلع الشمس لأن خر اسم للشمس بالفارسية الدرية ولذلك قال
أشجع السلمي في رثاء الرضا ع من قصيدة:
- بمطلع الشمس وافته منيته * ما كان يوم الردى عنه بمحبوس -
وكان أبا تمام لمح ذلك بقوله:
- يقول في قومس صحبي وقد أخذت * منا السرى وخطى المهرية القود -
- أ مطلع الشمس تبغي أن تؤم بنا * فقلت كلا ولكن مطلع الجود -
وكتب بعض وزراء السلطان ناصر الدين القاجاري تاريخا لخراسان
سماه مطلع الشمس، ومدن خراسان اليوم شيعة.
خوي بضم وسكون الواو وبعده ياء. في مراصد الاطلاع أنه بلد
مشهور من آذربيجان حصين كثير الخير اه‍ وذكره في سياق خوي
بضم الخاء وفتح الواو وتشديد الياء ولكن أهله ينطقونه كما ذكرنا ولم أجده
في معجم البلدان وأهله شيعة.
د
دامغان في معجم البلدان: بلد كبير بين الري ونيسابور وهو
قصبة قومس قال مسعر بن مهلهل: الدامغان مدينة كثيرة الفواكه فاكهتها
نهاية والرياح لا تنقطع بها ليلا ولا نهارا وبها مقسم للماء كسروي عجيب
يخرج ماؤه من مغارة في الجبل ثم ينقسم إذا انحدر عنه على مائة وعشرين
قسما لمائة وعشرين رستاقا لا يزيد قسم على صاحبه ولا يمكن تاليفه على غير
هذه القسمة وهو مستطرف جدا ما رأيت في سائر البلدان مثله ولا شاهدت
أحسن منه اه‍ أقول وأهلها شيعة اجتزناها بطريقنا إلى المشهد المقدس
سنة ١٣٥٣.
دمشق بكسر الدال المهملة وفتح الميم وسكون الشين المعجمة
والقاف، في معجم البلدان هكذا رواه الجمهور والكسر لغة فيه إحدى
جنات الدنيا، قال ياقوت: قال أبو بكر محمد بن العباس الخوارزمي
الشاعر الأديب: جنان الدنيا أربع غوطة دمشق وصغد سمرقند وشعب
بوان وجزيرة الأبلة، قال وقد رأيتها كلها وأفضلها دمشق اه‍ وكثر
فيها التشيع في القرن الثالث والرابع وما بعده. في تاريخ الخلفاء
للسيوطي: في سنة ٣٦٠ أعلن المؤذنون بدمشق في الاذان بحي على خير
العمل بأمر جعفر بن فلاح نائب دمشق للمعز لدين الله ولم يجسر أحد على
مخالفته، وفي سنة ٣٦٤ وبعدها غلا الرفض وفار بمصر والشام والمغرب
والمشرق ونودي بقطع صلاة التراويح من جهة العبيدي اه‍ وفي ميزان
الاعتدال للذهبي في ترجمة إبراهيم بن يعقوب السعدي الجوزجاني: قال
ابن عدي في ترجمة إسماعيل بن ابان الوراق لما قال فيه الجوزجاني كان مائلا
عن الحق ولم يكن يكذب: الجوزجاني كان مقيما بدمشق يحدث على المنبر
وكان شديد الميل إلى مذهب أهل دمشق في التحامل على علي فقوله في
إسماعيل مائل عن الحق يريد به ما عليه الكوفيون من التشيع قال الذهبي
قلت قد كان النصب مذهبا لأهل دمشق في وقت كما كان الرفض مذهبا لهم
في وقت وهو في دولة بني عبيد ثم عدم ولله الحمد النصب وبقي الرفض
خفيا خاملا اه‍ ووفاة الذهبي سنة ٧٤٨ قبل قتل الشهيد الأول أحد
أعاظم علماء الشيعة بدمشق وصلبه واحراقه بثمانية وثلاثين سنة وهو ينافي
عدم النصب فيها في عصره وذكر ابن جبير في رحلته التي كانت في القرن
السابع عند الكلام على دمشق كثرة الشيعة بتلك البلاد. وفي منجم
العمران لمحمد امين الخانجي المؤلف والمطبوع ١٣٢٥ أن عدد المسلمين
الشيعة بدمشق ٥٤٠٠.
دوريست في معجم البلدان بضم الدال وسكون الواو والراء أيضا
يلتقي فيه ساكنان ثم ياء مفتوحة وسين مهملة ساكنة وتاء مثناة من فوقها
من قرى الري اه‍ وفي مجالس المؤمنين انهم يقولونها في هذا الزمان درشت
بفتح الدال والراء المهملتين وسكون الشين المعجمة اه‍ خرج منها
بعض مشاهير علماء الشيعة قديما وأهلها اليوم شيعة.
ديلمان في معجم البلدان كأنه نسبة إلى الديلم أو جمعه بلغة
الفرس من قرى أصبهان بناحية جرجان ثم قال والديلم جيل سموا
بأرضهم اه‍ وفي مجالس المؤمنين بلدة من الجنان من مضافات كيلان
يذهب إليها سلاطين وخواص أهل لاهجان في بعض فصول كيلان الردية
وأهل ديلمان من مبدأ دخولهم في الاسلام إلى الآن على مذهب الإمامية وفي
أيام دعوة ناصر الحق أهل كيلان إلى الاسلام واسلامهم على يديه جرد
عسكرا على الديلم فقتل رئيسهم وطلبوا الأمان فامنهم وكانوا شيعة.
ر
رستمدار في مجالس المؤمنين: ولاية مشهورة جيدة الماء والهواء
(٢٠٣)

وفيها أشجار الفواكه وجبالها شامخة فيها قلاع عالية وأهلها راسخو العقيدة
في التشيع.
رشت في منجم العمران بفتح فسكون آخره تاء مدينة كبيرة قاعدة
ولاية جيلان قريبة من بحر قزوين اه‍ أقول لم يذكرها في معجم
البلدان ولعل اسمها حادث وكانت تعرف بكيلان ومر في جيلان عن مجالس
المؤمنين إن رشت قسم من جيلان وأهلها شيعة.
الري في معجم البلدان بفتح أوله وتشديد ثانية مدينة مشهورة من
أمهات البلاد إلى أن قال وكانت مدينة عظيمة خرب أكثرها اجتزت في
خرابها وأنا منهزم من التتر سنة ٦١٧ فسالت رجلا من عقلائها عن السبب
فقال كان أهل المدينة ثلاث طوائف: شافعية وهم الأقل وحنفية وهم الأكثر
وشيعة وهم السواد الأعظم لأن أهل البلد كان نصفهم شيعة واما أهل
الرستاق فليس فيهم الا شيعة وقليل حنفية فوقعت العصبية بين السنة
والشيعة فتضافر عليهم الحنفية والشافعية وتطاولت بينهم الحروب حتى لم
يتركوا من الشيعة من يعرف فوقعت العصبية بين الحنفية والشافعية ووقعت
بينهم حروب كان الظفر في جميعها للشافعية حتى أفنوا الحنفية مع أن
الشافعية أقل إلا أن الله نصرهم عليهم (١) فهذه المحال الخراب التي ترى
هي محال الشيعة والحنفية وبقيت هذه المحلة المعروفة بالشافعية وهي أصغر
محال الري ولم يبق من الشيعة والحنفية إلا من يخفي مذهبه اه‍ فانظر
إلى أي حد بلغ الحال بالمسلمين حتى أفنوا بعضهم على العصبية الممقوتة
واليوم الري غير معروفة وانما مكانها أو في ناحيتها مدينة طهران عاصمة
المملكة الإيرانية وأهلها شيعة ويعلم مما ذكره ياقوت شيوع التشيع في الري
وبلاد إيران قبل الصفوية. وفي مجالس المؤمنين بعد نقل ذلك عن ياقوت
في معجم البلدان أن أهل الري في الأصل لم يكونوا شيعة إلى أن تغلب
عليها أحمد بن الحسن المادراني وأظهر مذهب التشيع فتقرب إليه الناس
بتصنيف الكتب في مذهب الشيعة ومنهم عبد الرحمن أبو حاتم وغيره
فصنفوا كتبا في فضائل أهل البيت ع واستولى احمد المذكور على
الري في زمان المعتمد العباسي سنة ٢٧٥ وكان قبل هذا في خدمة صاحبه
كوتكين بن تكين التركي ومن ذلك الوقت الذي استولى فيه على الري إلى
الآن وهذا المذهب مستمر في تلك الديار والسبب الذي نقله أحد العقلاء
لياقوت خلاف الظاهر والظاهر أنه وافق فيه هوى ياقوت الذي كان شافعيا
والا فالمستفاد من كتاب النقض أن الشافعية في الري كانوا أقل من أن
يكونوا طرفا مقابلا للحنفية وأن الحنفية في ذلك الوقت كانوا متوافقين مع
الشيعة في الإنكار على الشافعية الذين كانوا في الأصول على مذهب
الأشعري وكانوا مجبرة وبين في كتاب النقض قوة شوكة الشيعة في الري
وذكر الأماكن المتعلقة بهم فقال أولا من المواضع المتبرك بها عندهم هناك
المدرسة الكبيرة للسيد تاج الدين محمد الكيسكي روح الله المشهور بكلاه
دوزان ومن نحو تسعين سنة تنعقد هناك مجالس الوعظ في كل أسبوع مرتين
وتكون دائما مشحونة بالعلماء والفقهاء والسادات والمترددين وقراءة ختمات
القرآن وصلاة الجماعة كل ليلة ويوم خمس مرات وبنيت هذه المدرسة
في عهد طغرل الكبير ومدرسة شمس الاسلام حسكا بن بابويه التي كانت
موقوفة على هذه الطائفة قريب دار الامارة وكانت تقام هناك صلاة الجمعة
وقراءة القرآن ويعقد مجلس الوعظ وطريق الفتوى والتقوى وبنيت في عهد
السلطان محمد والسلطان ملكشاه ومدرسة متعلقة بالسادات الكيسكية ويقال
لها خانقاه النساء بنيت في عهد السلطان محمد والمدرسة المنسوبة إلى السيد
الزاهد أبي الفتوح بنيت في عهد ملكشاه ومدرسة علي جاستي الذي يسميه
أهل أصفهان ميرك بنيت في عهد السلطان السعيد ملكشاه ولا يوجد مثلها
في اتقانها ودائما ينعقد فيها مجلس الوعظ وختم القرآن وصلاة الجماعة
ومدرسة خواجا عبد الجبار المفيد الحاوية أربعمائة فقيه ومتكلم من بلاد
العالم مشتغلين بالمطالعة والمباحثة بنيت في عهد ملكشاه وبركيارق وإلى الآن
هي معمورة مشهورة مشحونة بالمدرسين وطلبة العلوم وصلاة الجمعة وختم
القرآن وحضور الفقهاء وأهل الصلاح بانيها شرف الدين المرتضى مقدم
السادات والشيعة ومدرسة كوي فيروز التي بنيت في عهد السلاطين
المذكورين وخانقاه أمير اقبال الذي بني في عهد كريم العياشي وخانقاه على
عثمان الذي كان دائما منزل السادات والعلماء الزهاد المتدينين وتقام هناك
صلاة الجماعة وختم القرآن على الترادف والتواتر وبني في عهد السلطان
ملكشاه وإلى الآن هو معمور ومشهور ومدرسة خواجة امام رشيد الرازي
مشتملة على ما يزيد عن مائتي عالم يدرسون أصول الدين وأصول الفقه
وسائر علوم الشريعة بنيت في عهد السلطان السعيد محمد وفيها مكتبات
محتوية على أنواع الكتب ومدرسة الشيخ جنيد المكي في باب المصلي بنيت في
عهد السلطان محمد. وفي الري غير هذه عدة مدارس معمورة مستمر فيها
التدريس والبحث وتلاوة القرآن والصلاة والطاعة اه‍.
ز
زنجان في معجم البلدان بفتح أوله وسكون ثانيه ثم جيم وآخره
نون بلد كبير مشهور من نواحي الجبل بين أذربيجان وبينها قريبة من أبهر
وقزوين والفرس يقولون زنكان بالكاف أهلها شيعة.
زنجبار بفتح أوله واسكان ثانيه وكسر ثالثه مملكة واقعة في
السواحل الشرقية من إفريقية وعاصمتها تسمى زنجبار أهلها خوارج وفي
داخل البلد عدد غير قليل من الشيعة كلهم غرباء.
س
ساربة ويقال ساري في معجم البلدان مدينة بطبرستان وفي مجالس
المؤمنين ما تعريبه: هي الآن دار الملك لملوك طبرستان وحب أهل البيت
حيث الروح في أبدانهم ساري ولوح خواطرهم من نقوش اعتبار الأغيار
عاري.
سامراء ويقال سر من رأى ولعل سامراء مخفف منها بناها المعتصم
سنة ٢٢١ وسكنها بجنوده لما ضاقت بهم بغداد فصارت مدينة عظيمة ولم
تزل في تناقص حتى أصبحت قرية وكثرت فيها الشيعة لما توطنها الامام
الميرزا الشيرازي السيد محمد حسن وصارت إليها الرحلة من الآفاق وكانت
فيها في عصره مدرسة عظمي للشيعة في العلوم الدينية وبعد وفاته سنة
١٣١٢ تناقص عدد الشيعة فيها وعادت إلى شبه حالها الأول واليوم فيها
جماعة من العلماء والطلاب.
سبزوار أو بيهق في معجم البلدان: بيهق بالفتح ناحية كبيرة
وكورة واسعة كثيرة البلدان والعمارة من نواحي نيسابور تشتمل على ٣٢١
قرية وكانت قصبتها أولا خسروجرد ثم صارت سابزوار والعامة تقول سبزوار
وقد أخرجت هذه الكورة عددا لا يحصى من الفضلاء والعلماء والفقهاء

(١) الظاهر أن ياقوتا كان شافعيا.
(٢٠٤)

والأدباء ومع ذلك فالغالب على أهلها مذهب الرافضية الغلاة اه‍ وعن
فوائد بحر العلوم الرجالية: بيهق ناحية معروفة في خراسان بين نيسابور
وبلاد قومس قاعدتها سبزوار وهي من بلاد الشيعة الإمامية قديما وحديثا
اه‍ وفي مجالس المؤمنين عن بعض أعيان المشهد الرضوي أن كمال
الواعظين مولانا حسين الكاشفي كان ذهب إلى دار السلطنة هراة إلى مير
علي شير المشهور لنظم أمور دنياه وبقي مدة فأساء الظن به أهل سبزوار
وبلغه ذلك فلما عاد إليها صعد المنبر للوعظ في جامعها فكان مما قاله أن
جبرئيل نزل على رسول الله ص اثني عشر ألف مرة
فقام إليه شيخ من العوام وسأله من باب الامتحان والاختبار وكم مرة نزل
جبرئيل على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب فتحير الكاشفي في جوابه لأنه
إن اجابه بالصواب وهو أنه لم ينزل عليه أصلا حقق ما ظنه فيه عامة سبزوار
وإن اجابه بغير الصواب وقع في الكذب فتخلص تخلصا ظريفا وقال أربعة
وعشرين ألف مرة فقال الشيخ وكيف ذلك قال لأن رسول الله ص
قال أنا مدينة العلم وعلي بابها فكلما نزل جبرئيل على النبي
ص مرة يكون قد دخل من الباب وخرج منه فيكون
دخوله مع خروجه أربعة وعشرين ألف مرة اه‍ وهكذا تكون بلوى
العلماء مع العوام.
سجستان في معجم البلدان بكسر أوله وثانيه وسين أخرى مهملة
وتاء مثناة من فوق وآخره نون ناحية كبيرة وولاية واسعة جنوبي هراة بينهما
عشرة أيام وفي مجالس المؤمنين عن ميزان الذهبي أنه في زمان بني أمية لعن
علي بن أبي طالب على منابر الشرق والغرب ومكة والمدينة وأن أهل
سجستان امتنعوا من ذلك حتى أنهم ادخلوا ذلك في العهد الذي كتبوه بينهم
وبين بني أمية وكان جرير بن عبد الله السجستاني من أصحاب الإمام جعفر
الصادق ع وألف خليد السجستاني تاريخ آل محمد ع.
سلماس في معجم البلدان بفتح أوله وثانيه وآخره سين أخرى
مدينة مشهورة بآذربيجان بينها وبين ارمية يومان وبين تبريز ثلاثة أيام وهي
بينهما، وبين سلماس وخوي مرحلة اه‍ وأهلها كلهم شيعة.
سمنان بكسر أوله وسكون ثانيه وتكرير النون في معجم البلدان
بلدة بين الري ودامغان اه‍ أهلها شيعة.
السند في معجم البلدان بكسر أوله وسكون ثانيه وآخره دال
مهملة بين بلاد الهند وكرمان وسجستان اه‍ أقول وفيها اليوم عدد
كثير من الشيعة ولا يزال التشيع يفشو هناك عاما فعاما كما أخبرنا بعض
القادمين من حجاجهم وسحنتهم قريبة من سحنة الهنود ولسانهم لسان اردو
ويتعلمون الفارسية كالهنود.
ش
شرابيان بفتح الشين وسكون الباء مدينة من بلاد تركستان
الروسية أهلها شيعة لم يذكرها ياقوت.
شهرستان في معجم البلدان بفتح أوله وسكون ثانيه وبعد الراء
سين مهملة وتاء مثناة من فوق وآخره نون في عدة مواضع منها شهرستان
بأرض فارس. وشهرستان مدينة جي بأصبهان وشهرستان بليدة بخراسان
قرب نسا بين نيسابور وخوارزم منها محمد بن عبد الكريم الشهرستاني
صاحب الملل والنحل ثم نقل عن تاريخ خوارزم تخبطه في الاعتقاد ونسبته
إلى آراء الفلاسفة أقول وأهل شهرستان اليوم شيعة في البلدان الثلاثة.
شيراز في معجم البلدان بالكسر وآخره زاي بلد عظيم مشهور
معروف مذكور وهو قصبة بلاد فارس بنى سورها واحكمه الملك أبو كاليجار
سلطان الدولة ابن بويه سنة ٤٣٦ وفرع منه سنة ٤٤٠ طوله اثنا عشر ألف
ذراع وعرض حائطه ثمانية أذرع وجعل لها ١١ بابا اه‍ وفي مجالس
المؤمنين ء: أحسن بلاد العالم في العمران والجامعية ممتازة على مصر والشام
والبحر والبر وفي عصر عضد الدولة الديلمي ازدحم الناس فيها حتى لم يبق
مكان للعسكر فبنى لهم قصبة قريب شيراز في غاية الاعتدال وماؤها يجري
في قنوات أحسنها قناة ركن آباد التي أحدثها ركن الدولة حسن بن بويه وفي
زمان عضد الدولة ظهر التشيع فيها ظهورا تاما وساداتها راسخو القدم في
التشيع وكذلك الطائفة الخاكية وأمثالها من أهل البيوتات القديمة اه‍
وأهل شيراز إلى اليوم كلهم شيعة.
شيروان بكسر الشين وسكون الياء مدينة من بلاد تركستان التي
اخذتها روسيا من إيران أهلها شيعة وخرج منها علماء اعلام قديما وحديثا لم
يذكرها ياقوت.
ص
صور مدينة على ساحل بحر الشام يحيط بها البحر من جوانبها
الثلاث غير الجانب الشرقي فهي على لسان داخل في البحر بمنزلة الكف من
الساعد ولما حاربها صلاح الدين الأيوبي وصلوا البحر بالبحر فأصبحت
كالجزيرة فعجز عنها وهي منتهى جبل عامل من جهة الغرب ولها شأن في
التاريخ وكانت دار العلم والحديث في بعض العصور الاسلامية وهاجر إليها
جماعة كثيرون من مشاهير علماء الاسلام وحدثوا بها كما يعرف من تتبع
التراجم وكان أكثر أهلها شيعة في القرن الرابع وما بعده كما يظهر من رحلة
ناصر خسرو الفارسي العلوي التي كانت في أوائل القرن الخامس ثم توالى
عليها الخراب ولم يبق بها غير مستودع للملح وبعض أبنية حقيرة ثم عمرها
الأمير عباس من آل علي الصغير من أمراء جبل عامل في المائة الثالثة عشرة
وسكنها وصار حاكما فيها وبنى فيها المسجد الأول وتوفي فيها ودفن في
المعشوق والآن هي بلدة صغيرة أكثر أهلها شيعة وبنى الشيعة في عصرنا
هذا بها مسجدا ثانيا وقريب منها نهر الليطاني الذي كان يعرف بنهر
ليطا ومنها خرج عبد المحسن الصوري الشاعر المشهور في أوائل القرن
الخامس.
صيدا مدينة جميلة على ساحل بحر الشام بينها وبين صور مسير
تسع ساعات وكذلك بينها وبين بيروت وهي منتهى جبل عامل من جهة
الشمال كان يغلب على أهلها التشيع في المائة الرابعة. والمسائل الصيداوية
التي سئل عنها السيد المرتضى مشهورة معروفة وسكنها الكراجكي صاحب
كنز الفوائد وذكرها ناصر خسرو في رحلته ويظهر منها كثرة الشيعة فيها في
وقته، واليوم فيها قليل من الشيعة.
ط
طالقان في معجم البلدان بعد الألف لام مفتوحة وقاف وآخره
نون بلدتان إحداهما بخراسان بين
مرو الروذ وبلخ والأخرى بلدة وكورة بين قزوين وأبهر وبها عدة قرى يقع عليها هذا الاسم وإليها ينسب الصاحب بن
عباد وأبوه. وفي مجالس المؤمنين لا يخفى أن أهل الطالقان دائما كانوا من
(٢٠٥)

محبي أمير المؤمنين ع وورد عن أئمة أهل البيت ع
أحاديث كثيرة في فضل طالقان قزوين وأهله. وفي كشف الغمة: روى
ابن أعثم الكوفي في كتاب الفتوح عن أمير المؤمنين ع أنه قال:
ويحا للطالقان فان لله تعالى بها كنوزا ليست بذهب ولا فضة ولكن بها رجال
مؤمنون عرفوا الله حق معرفته.
طبرستن في معجم البلدان بفتح أوله وثانيه وكسر الراء أي بلاد
الطبر وهو الذي يشقق به الأحطاب وفي مجالس المؤمنين كان أكثر أهالي
بلاد طبرستان شيعة.
طرابلس أو اطرابلس بالهمزة مدينة في ساحل بحر الشام كان
أهلها شيعة في عصر الشيخ الطوسي في القرن الرابع وما بعده وتولى منهم
ابن البراج قضاءها ثلاثين سنة وكان امراؤها بنو عمار شيعة منهم القاضي
ابن عمار وكانت مكتبتهم تحتوي على نحو مليون كتاب نهبت في الحروب
الصليبية ثم انقرض منها التشيع بالعداوات والضغط ويوجد في نواحيها اليوم
بعض القرى الشيعية.
طوس في معجم البلدان مدينة بخراسان بينها وبين نيسابور نحو
عشرة فراسخ تشتمل على بلدتين يقال لأحدهما الطابران وللأخرى نوقان
ولهما أكثر من ألف قرية وبها قبر علي بن موسى الرضا وقبر هارون الرشيد
وقال مسعر بن المهلهل طوس أربع مدن منها اثنتان كبيرتان واثنتان صغيرتان
وبها دار حميد بن قحطبة ميل في ميل وفي بعض بساتينها قبر علي بن موسى
الرضا وقبر الرشيد اه‍ وأهلها شيعة قبل عصر الصفوية وبعده.
طهران وهي الري ومر ذكرها.
ع
العوالي بالحجاز قرب المدينة المنورة أكثر أهلها شيعة وفيها أشراف
المدينة الحسينيون الذين كانوا امراءها.
ف
الفرع بين مكة والمدينة أهله اعراب من حرب شيعة.
ق
قاشان ويقال كاشان. في معجم البلدان: مدينة قرب أصبهان
تذكر مع قم وأهلها كلهم شيعة إمامية اه‍ وفي انساب السمعاني قاشان
بلدة عند قم أهلها من الشيعة وكان بها جماعة من أهل العلم والفضل
فأدركت منهم بها وكتبت بأصبهان عن جماعة من المنتسبين إليها وأدركت بها
السيد الفاضل أبا الرضا فضل الله بن علي العلوي الحسيني القاشاني وكتبت
عنه أحاديث واقطاعا من شعره ولما وصلت إلى باب داره قرعت الحلقة
وقعدت على الدكة انتظر خروجه فنظرت إلى الباب فرأيت مكتوبا فوقه
بالجص إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا
أنشدني أبو الرضا العلوي القاشاني لنفسه بقاشان وكتب لي بخطه:
- هل لك يا مغرور من زاجر * فترعوي عن جهلك الغامر -
- أمس تقضى وغد لم يجئ * واليوم يمضي لمحة الباصر -
- كذلك العمر كذا ينقضي * ما أشبه الماضي بالغابر -
اه‍ وفي مجالس المؤمنين: قال الشيخ عبد الجليل الرازي في
كتاب النقض: كاشان الحمد لله والمنة كان منورا ومشهورا ولا يزال وترتيب
الاسلام ونور الشريعة ظاهر في مساجده ومدارسه المعظمة فمن المدارس
الكبرى المدرسة المنصورية والمجدية والشرقية والعزيزية مع كمال الزينة
والعدة والأوقاف والمدرسين مثل ضياء الدين أبو الرضا فضل الله بن علي
الحسيني الذي لا نظير له في العلم والزهد وغيره من الأئمة والقضاة والفقهاء
والمقرئين والمؤذنين هناك يباحثون ويناظرون ويذكرون اه‍.
قزوين وأهلها شيعة إمامية. في معجم البلدان بالفتح ثم
السكون وكسر الواو وياء مثناة من تحت ساكنة ونون: مدينة مشهورة بينها
وبين الري سبعة وعشرون فرسخا فتحها البراء بن عازب في خلافة عثمان
صلحا واسلم أهلها عليها خرج منها من أعيان الأئمة محمد بن يزيد بن
ماجة الحافظ صاحب السنن اه‍ ملخصا.
القطيف بوزن لطيف وضبطها ابن بطوطة في رحلته بضم القاف
وهو خطا. في أنوار البدرين هي بلاد الخط في ألسنة المتقدمين التي تنسب
إليها الرماح الخطية وأهلها كلهم متمسكون بالعروة الوثقى ولاية الأئمة
الهداة آل رسول الله ص أكثرها الآن علماء ومتعلمون
وأدباء وأرضها من أطيب الأرضين اه‍ وهي في الأصل داخلة في بلاد
البحرين أما الآن فاسم البحرين يطلق على خصوص جزيرة اوال ولا يعم
القطيف كما مر في الأحساء واوال والبحرين. وفي معجم البلدان القطيف
بفتح أوله وكسر ثانيه فعيل وهي مدينة بالبحرين هي اليوم قصبتها وأعظم
مدنها وكان قديما اسما لكورة هناك غلب عليها الآن اسم هذه المدينة ولما قدم
وفد عبد القيس على النبي ص قال لسيديها الجون والجارود وجعل
يسألهما عن البلاد فقال يا رسول الله دخلتها قال نعم دخلت هجر وأخذت
إقليدها اه‍ وفي رحلة ابن بطوطة التي كانت سنة ٧٢٥ القطيف مدينة
كبيرة حسنة ذات نخل كثير يسكنها طوائف العرب وهم رافضية غلاة
يظهرون الرفض جهرا لا يتقون أحدا اه‍ ومن غرائب هذا العصر الذي يعده البعض عصر
النور ما حكي لنا عن كتاب يسمى قلب جزيرة
العرب لفؤاد حمزة مطبوع بمصر ان في القطيف وواحة الأحساء قرامطة كما
أشرنا إليه في البحث السادس.
قشمير ويقال كشمير. في معجم البلدان: بالكسر ثم السكون
وكسر الميم ومثناة تحتية ساكنة وراء مدينة متوسطة لبلاد الهند وفي مجالس
المؤمنين ذكر مولانا أشرف الفضلاء شرف الدين علي اليزدي في كتاب
ظفر نامه أن كشمير ولاية في وسط الإقليم الرابع محفوفة من جميع جوانبها
بالجبال وهي لها بمنزلة السور ومساحة تلك العرصة من الشرق إلى الغرب
قريب أربعين فرسخا وعرضها من الجنوب إلى الشمال عشرون فرسخا وبين
هذه الجبال عشرة آلاف قرية معمورة مشحونة بعيون الماء العذب وحول
هذه الولاية مائة ألف قرية مزروعة وفي بلاد كشمير أنواع أشجار الفواكه
ثمارها بغاية الجودة ويجري في وسطها نهر كبير عظيم مثل بغداد والحلة عليه
قريب خمسين جسرا قال ولم أجد شرح مذاهب أهل كشمير في كتاب والذي
حققته أيام عبوري بتلك الديار هو أن أهلها قريبو العهد بالاسلام وإلى
الآن بينهم كثير من غير المسلمين ومن زمان إقامة السيد الاجل العارف
السيد محمد الخلف الصدق لسيد المتأهلين السيد علي الهمذاني قدس الله
سرهما في تلك الديار قال بعض أهلها بمذهب الشيعة وبعد ذلك جاء إلى
كشمير المير شمس العراقي الذي هو من خلفاء شاة قاسم نور بخش وأقام
(٢٠٦)

هناك وحيث أن حكومة تلك البلاد كانت للطائفة المعروفة جك ترم كأم
اهتمت في تقوية السيد المذكور فانتشر مذهب الشيعة تدريجا وأكثر عساكر
تلك البلاد مثل طائفة ونه وطائفة هكربان وطائفة رانكر هم
شيعة ومن أهل المدينة الساكنين محلة حسن آباد ومحلة زدبيل التي فيها خانقاه
مير شمس العراقي وكلهم شيعة وهكذا أولاد بابا علي الذين هم من خلفاء
مير شمس ومريديه وهم جمع كثير كلهم شيعة فدائية وبسوكة المشتملة
على مائتي قرية كلها شيعة مع قرى متفرقة أخرى أهلها شيعة يطول الكلام
بتفصيلها اه‍ وما زال التشيع يزداد في بلاد الهند ولا شك أنه ازداد عن
عهد صاحب المجالس لأن التشيع فيها بسبب الحرية التامة يزيد آنا فانا.
قم في معجم البلدان بالضم وتشديد الميم أول من مصرها طلحة
ابن الأحوص الأشعري وذكر بعضهم أن أهلها كلهم شيعة إمامية وكان بدء
تمصيرها سنة ٨٣ وذلك أن عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث بن قيس كان
أمير سجستان من جهة الحجاج ثم خرج عليه وكان في عسكره سبعة عشرة
نفسا من علماء التابعين من العراقيين فلما انهزم ابن الأشعث ورجع إلى كابل
منهزما كان في جملته اخوة يقال لهم عبد الله والأحوص وعبد الرحمن واسحق
ونعيم وهم بنو سعد بن مالك بن عامر الأشعري وقعوا إلى ناحية قم وكان
هناك سبع قرى اسم إحداها كمندان فنزل هؤلاء الإخوة على هذه القرى
حتى افتتحوها واستولوا عليها وانتقلوا إليها واستوطنوها واجتمع إليهم بنو
عمهم وصارت السبع القرى سبع محال بها وسميت باسم إحداها وهي
مكندان فأسقطوا بعض حروفها فسميت بتعريبهم قما، وكان متقدم هؤلاء
الإخوة عبد الله بن سعد وكان له ولد قد ربي بالكوفة فانتقل منها إلى قم
وكان إماميا وهو الذي نقل التشيع إلى أهلها فلا يوجد بها سني قط اه‍
وفي مجالس المؤمنين: قم خرج منها كثير من أكابر وأفاضل ومجتهدي الشيعة الإمامية
، ووردت أخبار عديدة في فضل قم وأهل قم عن الرسول ص
والأئمة ع وعن الإمام جعفر الصادق ع ألا أن لله
حرما وهو مكة، ألا أن لرسول الله ص حرما وهو المدينة، ألا أن لأمير
المؤمنين ع حرما وهو الكوفة، ألا أن حرمي وحرم ولدي من بعدي قم،
ألا أن قما كوفة صغيرة الحديث.
ك
الكاظمية أو بلد الكاظمين ع بلد كبير كثير الخيرات
وهي التي كان يقال لها مقابر قريش وباب التبن ولما دفن بها الإمامان
موسى بن جعفر الكاظم وحفيده محمد بن علي الجواد ع صارت
حضرتهما مزارا وسكن الناس في جوارهما حتى صارت بلدة كبيرة وجميع
أهلها شيعة وخرج منها كثير من أعاظم العلماء.
كربلاء مدينة كبيرة كثيرة الخيرات فيها مدفن السبط الشهيد
ريحانة رسول الله ص الحسين بن علي ع أهلها شيعة.
كرخ بغداد قال ياقوت في معجم البلدان: كانت الكرخ أولا في
وسط بغداد والمحال حولها فاما الآن فهي محلة وحدها منفردة في وسط
الخراب وحولها محال إلا أنها غير مختلطة بها، وأهل الكرخ كلهم شيعة
إمامية اه‍.
كرك نوح قال ياقوت: الكرك قرية كبيرة قرب بعلبك بها قبر
طويل يزعم أهل تلك النواحي أنه قبر نوح ع اه‍ أقول وهي
من بلدان الشيعة التي أخرجت عددا وافرا من العلماء وكانت إليها الرحلة
لطلب العلم وهي بلد المحقق الثاني.
كرمان في معجم البلدان بالفتح وربما كسر والفتح أشهر ثم
السكون وآخره نون ولاية مشهورة وناحية كبيرة معمورة ذات بلاد وقرى
ومدن واسعة بين فارس وخراسان اه‍ ملخصا، ويظهر منه أن أهلها
قديما لم يكونوا شيعة وهم اليوم شيعة، ومما ذكره أن قطن بن قبيصة الهلالي
انتهى إلى نهر لم يقدر أصحابه على عبوره فقال من جازه فله ألف درهم
فجازوه فوفى لهم وكان ذلك أول يوم سميت الجائزة جائزة، قال الجحاف
من أبيات:
- هم سنوا الجوائز في معد * فصارت سنة أخرى الليالي -
كرمانشاه هكذا يقال لها اليوم واسمها عند الفرس كرمانشاهان
أي كرمان الملوك والعرب يسمونها قرميسين قال ياقوت: وهو تعريب
كرمانشاهان اه‍ وهو بلد معروف كثير الخيرات نزلناه في سفرنا إلى
المشهد المقدس سنة ١٣٥٢ ١٣٥٣ وعلى نحو فرسخ منه طاق في جنب
جبل يسمى طاق بوستان فيه صور عدة ملوك وفيه صور ابرويز وفرسه
شبديز وشيرين جاريته التي ينسب إليها قصر شيرين وصور ملوك آخرين
وصور جماعة بأيديهم القسي يرمون بها الصيد وصور حيوانات أهلية
ووحشية، ويجري من أسفل ذلك الجبل نهر كبير وقد صور أمير البلد
السابق القاجاري نفسه في موضع من هذا الجبل وعلى مسافة منها في طريق
همذان المكان المسمى بيستون وفيه صورة دارا الذي يسمى داريوش
منحوتة في الصخر ووراءه خادم بيده حربة وأمامه تسعة من الملوك
مسلسلون وتحت رجليه أحدهم قد داسه بهما وكتابة بثلاثة أقلام المسماري
والفهلوي ولسان آخر، وفي الأعلى صورة بأجنحة رمزا إلى الآلهة، وفي
طاق بوستان كذلك، وأهل كرمانشاه جلهم شيعة.
الكوفة وشهرتها تغني عن وصفها وهي معدن الشيعة ومحبي أهل
البيت اشتهرت بذلك قديما وحديثا حتى قال أبو تمام:
- وكوفني ديني على أن منصبي * شام ونجري آية ذكر النجر -
وتكلم رجل على الصادق جعفر بن محمد ع فقال له
آخر لو تكلمت بهذا في الكوفة لأخذتك النعال من كل جانب، ولما ظهرت
دولة بني العباس بالكوفة بنى السفاح الهاشمية ثم انتقل عنها المنصور لقربها
من الكوفة لكون هوى أهلها هوى أهل البيت، وفي معجم البلدان
عند ذكر خراسان أن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس لما أرسل دعاته
نهاهم عن بلدان منها الكوفة وقال أن هناك شيعة علي وولده وأمرهم بقصد
خراسان وعن أمير المؤمنين ع هذه مدينتنا ومحلنا ومقر شيعتنا
وفي نهج البلاغة عند ذكر الكوفة وإني لأعلم أنه ما أراد بك جبار سوءا
إلا ابتلاه الله بشاغل ورماه بقاتل قال قطب الدين محمد بن الحسين
الكيدري في شرح النهج: فمن الجبابرة الذين ابتلاهم بشاغل زياد وقد
جمع الناس في المسجد ليلعن عليا ص فخرج الحاجب وقال
انصرفوا فان الأمير مشغول وقد أصابه الفلج في هذه الساعة. وابنه
عبيد الله أصابه الجذام والحجاج تولدت الحيات في بطنه حتى هلك،
وعمر بن هبيرة وابنه يوسف أصابهما البرص، وخالد القسري حبس فطولب
حتى مات جوعا، وأما الذين رماهم الله بقاتل فعبيد الله بن زياد
ومصعب بن الزبير وأبو السرايا وغيرهم قتلوا جميعا ويزيد بن المهلب قتل
(٢٠٧)

على أسوأ حال اه‍ وعن الصادق ع أنه قال: في الكوفة تربة
تحبنا ونحبها وعنه ع اللهم ارم من رماها وعاد من عاداها. وعنه
ع اما أنه ليس من بلد من البلدان أكثر محبا لنا من أهل الكوفة.
وعن ابن كثير أنه قال في بيان أحوال جعفر بن فطير وزير العراق: وكان
ينسب إلى التشيع وهذا كثير في أهل تلك البلاد اه‍ وقال المؤرخون أنه
لما ولي زياد العراق وتتبع الشيعة لم يكن أشد بلاء من أهل الكوفة لكثرة من
بها من الشيعة. ثم أن الكوفة ضعفت بعد انتقال الخلافة إلى بغداد ثم
خربت واليوم فيها كثير من العمران وجميع أهلها شيعة.
ل
لكهنوء مدينة عظيمة من بلاد الهند جل أهلها شيعة.
م
مازندران قال ياقوت اسم لولاية طبرستان اه‍ أقول وأهلها
شيعة.
مامقان مدينة من بلاد الترك أهلها شيعة.
المدينة المنورة فيها محلة أهلها شيعة وفي المدينة طائفة الهواشم من
العلويين الحسينيين أصلهم شيعة ورأيت عندهم بعض كتب الشيعة وبيدهم
وقف على إطعام طعام يوم عاشوراء لا يزال إلى اليوم.
مصر القاهرة وشهرتها تغني عن وصفها وفي تاريخ الخلفاء
للسيوطي: في سنة ٣٥٧ ملك القرامطة دمشق ولم يحج أحد فيها لا من
الشام ولا من مصر وعزموا على قصد مصر ليملكوها فجاء العبيديون
فاخذوها وقامت دولة الرفض في الأقاليم المغرب ومصر والعراق وذلك أن
كافورا الأخشيدي صاحب مصر لما مات اختل النظام وقلت الأموال على
الجند فكتب جماعة إلى المعز يطلبون منه عسكرا ليسلموا إليه مصر فأرسل
مولاه جوهرا القائد في مائة ألف فارس فملكها ونزل موضع القاهرة اليوم
واختطها وبنى دار الامارة للمعز وهي المعروفة الآن بالقصرين وقطع خطبة
بني العباس ولبس السواد وألبس الخطباء البياض وأمر أن يقال في الخطبة
اللهم صل على محمد المصطفى وعلى علي المرتضى وعلى فاطمة البتول وعلى
الحسن والحسين سبطي الرسول وصل على الأئمة آباء أمير المؤمنين المعز بالله
وذلك في شعبان سنة ٣٥٨ ثم في ربيع الآخر سنة ٣٥٩ أذنوا في مصر بحي
على خير العمل وشرعوا في بناء الجامع الأزهر ففرع منه في رمضان سنة
٣٦١ اه‍ وبقيت دولة الفاطميين بمصر أكثر من مائتي سنة وإلى اليوم
أهل مصر لا يلهجون بغير ذكر أهل البيت ولهم في قلوبهم الحب الوافر
ويحنون إلى مشاهدهم وقبورهم ويزورونها بشوق وليس في مصر اليوم من
الشيعة غير الغرباء.
مولتان بضم الميم وسكون الواو واللام يلتقي فيه ساكنان ومثناة
فوقانية وألف ونون وأكثر ما يلفظ ملتان بغير واو وأكثر ما يكتب بالواو
مدينة في بلاد الهند على سمت غزنة في أهله كثير من الشيعة.
الموصل بفتح الميم بوزن منزل مدينة عظيمة من مدن العراق على
طرف دجلة. في مجالس المؤمنين أن أهلها في أكثر الأزمنة شيعة خصوصا
أيام سلطنة آل حمدان وإلى الآن فيها محلة أهلها شيعة وفي أيام علاء الدولة
الرقاشي الذي كان حاكم دزفول من قبل الشاه عباس جرت منافرة بينه
وبين الشاه وذهب إلى السلطان سليمان العثماني فولاه الموصل وكان في كل
سنة يحصل نزاع أيام عاشوراء بين السنة والشيعة فاتهم علاء الدولة تلك
السنة بمساعدته الشيعة لمشاركة المذهب فعزله السلطان وولاه بعض ديار
العراق اه‍ وإلى الآن يوجد في الموصل وجهاتها كثير من الشيعة.
المشهد المقدس الرضوي مدينة كبيرة في خراسان فيها مشهد
مولانا الإمام علي بن موسى الرضا ع. في مجالس المؤمنين كانت
في الأصل قرية تسمى سنا آباد من توابع طوس وبعد دفن الرضا ع
صارت من أعاظم بلاد خراسان وسكنها السادات الرضوية
والموسوية اه‍.
مكة المكرمة يظهر مما عن الجامع اللطيف عند ذكر ولاة مكة كثرة
الشيعة فيها في القرن السادس فإنه ذكر ان ممن ولي مكة سيف الاسلام
طغتكين أخا السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب سنة ٥٨١ وانه قدم
مكة هذه السنة ومنع من الآذان بحي على خير العمل. ويظهر مما ذكره ابن
حجر في أول الصواعق كثرتهم بها في القرن العاشر.
المدينة المنورة عن البرزنجي في كتاب نزهة الناظرين أنه قال واما
الخطابة على المنبر الشريف النبوي فكانت في الامامية حتى اتصلت بال سنان
قال ابن فرحون ثم أخذت الخطابة من آل سنان سنة ٦٨٢ واستمروا حكاما
على حالهم.
ن
النجف الأشرف أو الغري مشهد مولانا أمير المؤمنين ع.
كان ولا يزال مقر الشيعة وصار دار العلم من عهد بعيد إلى
اليوم.
نهاوند من مدن الفرس الكبيرة وبها الوقعة المشهورة للمسلمين
أهلها شيعة.
نيسابور مر بها الرضا ع في طريقه إلى خراسان مدينة
مشهورة أهلها شيعة.
و
ورام في معجم البلدان قال العمراني بلد قريب من الري أهله
شيعة.
ورامين في أنساب السمعاني قرية كبيرة من قرى الري تشبه
البلاد وكان في زماننا ثم رئيس متمول يعمر الحرمين وينفق الأموال عليهما
وابنه الحسين الوراميني ممن كان يكثر الحج ويرغب في الخير والصدقة غير أنه
متشيع غال في ذلك اه‍.
ه
هرار في كتاب حاضر العالم الاسلامي: يقول الموسيو فال انه قد
افتتحها منليك نجاشي الحبشة سنة ١٨٨٧ وكانت من سنة ١٨٧٥ تابعة
لمصر وان أهلها ٣٥ ألف نسمة مسلمون شيعة اما في دائرة المعارف
الاسلامية فيقول ان أهلها خمسون ألف نسمة الخ وأشرنا إلى ذلك في
البحث الثاني ولسنا نعلم معتقدهم في التشيع ولا شيئا من أحوالهم ولعلهم
من مهاجرة الهند.
(٢٠٨)

هرات مدينة من بلاد خراسان هي اليوم من بلاد الأفغان كان
الشيخ حسين بن عبد الصمد والد البهائي شيخ الاسلام بها في عصر
الصفوية وتوطنها الشيخ البهائي أيضا وله أشعار في وصفها.
همدان مدينة مشهورة من بلاد الجبل أهلها شيعة وفيها كثير من
اليهود وبعض النصارى خرج منها بديع الزمان الهمذاني ومات فيها الرئيس
ابن سينا المشهور وفيها قبره. واصل أبيه من بلخ وولد هو في خرمئين
من اعمال بخارى.
الهند يبلغ عدد الشيعة فيها ثلاثين مليونا.
ي
اليمن فيها من الشيعة الإمامية الاثني عشرية عدد غير قليل
وغالب أهلها شيعة زيدية وفيها شوافع.
المقدمة الثالثة
في ذكر مصادر الكتاب
مرتبة على حروف المعجم مع الإشارة إلى المطبوع منها ومحل طبعه وما
لم نشر إليه فهو مخطوط وقد زدنا على ما في الطبعة الأولى ما عثرنا عليه بعد
ذلك أو فاتنا ذكره.
١ آثار الشيعة الإمامية للشيخ عبد العزيز الجواهري النجفي طبع
منه في طهران جزءان بالحرف عربي وفارسي.
٢ آثار الفرس فارسي طبع إيران.
٣ ابصار العين في أنصار الحسين للشيخ محمد السماوي النجفي
طبع النجف.
٤ الإتقان في علوم القرآن للسيوطي ط مصر.
٥ اثبات الوصية للمسعودي صاحب مروج الذهب ط إيران.
٦ اجازة السيد عبد الله بن نور الدين بن نعمة الله الجزائري الكبيرة
المذيلة بما هو كالتتمة لأمل الآمل من تاريخ تاليف الآمل ١٠٩٧ إلى
زمانه ١١٦٨ مرتبا على حروف المعجم.
٧ الإحاطة باخبار غرناطة ط مصر.
٨ الاحتجاج للطبرسي ط إيران.
٩ أحسن القصص ودافع الغصص لأحمد بن أبي الفتح بن أبي
جعفر الشريف الحائري الأصفهاني فارسي في التاريخ وصاحب الذريعة قال إنه
لأحمد بن نصر الله الدبيلي التتوي السندي المعروف بقاضي زاده في
الخزانة الرضوية.
١٠ أحسن الوديعة في علماء الشيعة للسيد محمد مهدي الأصفهاني
المعاصر جزءان ط بغداد.
١١ الأحكام في أصول الاحكام للآمدي ط مصر.
١٢ اخبار أبي تمام لأبي بكر محمد بن يحيى الصولي ط مصر.
١٣ اخبار أبي نواس لابن منظور صاحب لسان العرب ط مصر.
١٤ الاختصاص للشيخ المفيد في الإمامة عندنا منه نسختان.
١٥ الاختلاف في اللفظ لعبد الله بن مسلم بن قتيبة.
١٦ اخلاف محسني لملا محسن الكاشي فارسي.
١٧ الارشاد للشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان ط إيران.
١٨ ارشاد الساري شرح صحيح البخاري للقسطلاني. ط مصر.
١٩ أسئلة الشيخ احمد العاملي المعروف بالمازحي مع أجوبتها
للشهيد الثاني في المكتبة الرضوية.
٢٠ أسئلة السيد شرف الدين السماكي مع أجوبتها للشهيد الثاني
في المكتبة الرضوية.
٢١ أسباب النزول للواحدي النيسابوري ط مصر.
٢٢ أسباب النزول للسيوطي بهامش تفسير الجلالين ط مصر.
٢٣ الاستنصار في النص على الأئمة الاطهار للكراجكي ط
إيران.
٢٤ الاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر المالكي ط
مصر.
٢٥ أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير الجزري صاحب
التاريخ ط مصر.
٢٦ اسرار الملكوت للعلامة الحلي في شرح الياقوت لإبراهيم بن إسحاق
بن نوبخت في الكلام.
٢٧ الإشارة إلى من نال الوزارة لعلي بن منجب الشهير بابن
الصيرفي ط فرانسة.
٢٨ الإصابة في معرفة الصحابة لابن حجر العسقلاني ط مصر.
٢٩ الأصنام لابن الكلبي ط أوروبا.
٣٠ الاعلاق النفيسة لأحمد بن عمر بن رستة ط ليدن.
٣١ الاعلام لخير الدين الزركلي الدمشقي ط مصر.
٣٢ أعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء للشيخ محمد راغب
الطباخ ط حلب.
٣٣ اعلام النبوة للماوردي الشافعي ط مصر.
٣٤ إعلام الورى باعلام الهدى للطبرسي صاحب مجمع البيان ط
إيران.
٣٥ الأغاني لأبي الفرج الأصبهاني ط مصر.
٣٦ الافصاح في الإمامة للشيخ المفيد.
٣٧ الاقبال لابن طاوس ط إيران.
٣٨ اقناع اللائم على إقامة المآتم للمؤلف ط صيدا.
٣٩ اكتفاء القنوع بما هو مطبوع لجامعه إدورد فنديك الأمريكي ط
مصر.
٤٠ أمالي الزجاج ط مصر.
(٢٠٩)

٤١ أمالي الصدوق محمد بن علي بن بابويه المعروف بالمجالس ط
إيران.
٤٢ أمالي الشريف المرتضى المعروف بالغرر والدرر ط مصر
وإيران.
٤٣ أمالي الشيخ الطوسي محمد بن الحسن ط إيران.
٤٤ أمالي ابن الشجري هبة الله ط الهند.
٤٥ الإمامة والسياسة لابن قتيبة ط مصر.
٤٦ أمل الآمل في علماء جبل عامل للشيخ محمد بن الحسن بن الحر
العاملي ط إيران مع نسخة مخطوطة نقلت عن نسخة المؤلف.
٤٧ الأنساب للسمعاني ط أوروبا بالتصوير.
٤٨ انساب القبائل العراقية وغيرها للسيد مهدي القزويني ط
النجف.
٤٩ كتاب الأنوار في التراجم لبعض تلامذة أبي الحسن الشريف بن
محمد طاهر بن عبد الحميد ابن الشيخ موسى بن علي بن محمد معتوق بن
عبد الحميد الفتوني العاملي النباطي المتوفي ١٢٦٦ وقد ذهب أوله وآخره
مكتبة عباس عزاوي المحامي ببغداد.
٥٠ أنوار البدرين في علماء الحسا والقطيف والبحرين للشيخ علي
ابن حسن بن علي بن سليمان البلادي البحراني عندنا منه نسخة الأصل
وأخرى استنسخناها.
٥١ أنوار الربيع في أنواع البديع للسيد علي خان الشيرازي ط
إيران.
٥٢ أنيس الملوك للشيخ حبيب بن إبراهيم النجفي في التاريخ
وصل فيه إلى سنة ١٠٠٠.
٥٣ الأوراق لأبي بكر محمد بن يحيى الصولي ط مصر.
٥٤ بحار الأنوار للمجلسي ط إيران.
٥٥ البداية والنهاية تاريخ ابن كثير الشامي ط مصر.
٥٦ البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع لمحمد بن علي
الشوكاني ويليه الملحق التابع للسيد محمد زبارة الصنعاني ط مصر.
٥٧ البدر الكامل في تاريخ جبل عامل للمؤلف.
٥٨ البركات الرضوية وجدناه في المشهد الرضوي.
٥٩ بساتين الفضلاء ورياض العقلاء لأبي عبد الله محمود بن عمر
النيشابوري النجاتي في شرح تاريخ اليميني المكتبة الرضوية.
٦٠ بستان السياحة للحاج زين العابدين الشيرواني فارسي ط
إيران.
٦١ بشارت الشيعة للشيخ محمد بن الحسين المازندراني ط إيران.
٦٢ بغية الراغبين في آل شرف الدين للسيد عبد الحسين آل شرف
الدين الموسوي العاملي.
٦٣ بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة للسيوطي ط مصر.
٦٤ بلاغات النساء ط مصر.
٦٥ البلدان لليعقوبي ط أوروبا.
٦٦ البيان في اخبار صاحب الزمان للكنجي ط إيران.
٦٧ تاج التراجم ط أوروبا.
٦٨ تاج العروس شرح القاموس ط مصر.
٦٩ تاريخ أبي الفدا ط مصر.
٧٠ تاريخ أحمد بن محمد الخالدي المعروف بتاريخ الخالدي وهو
تاريخ فخر الدين المعني من سنة ١٠٣٢ إلى سنة ١٠٣٣ ط بيروت.
تاريخ ابن كثير الشامي المسمى بالبداية والنهاية تقدم.
٧١ تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ط مصر.
٧٢ تاريخ بيهق لأبي الحسن بن شمس الدين أبي القاسم زيد
ينتهي نسبه إلى خزيمة ذي الشهادتين توفي ٥٦٥ منه نسخة في طهران
أخذت بالتصوير الشمسي في أوروبا.
٧٣ تاريخ جبل عامل لمحمد بن مجير العاملي العنقاني مختصر.
٧٤ تاريخ جودت باشا ط بيروت.
٧٥ تاريخ الأمير حيدر الشهابي ط مصر.
٧٦ تاريخ الخلفاء للسيوطي ط مصر.
٧٧ تاريخ دمشق لابن عساكر ط دمشق.
٧٨ تاريخ رويان لمولانا أولياء الله الآملي فارسي ط إيران.
٧٩ تاريخ سوريا للمطران الدبس ط بيروت.
٨٠ تاريخ طبرستان ورويان ومازندران للسيد ظهير الدين بن نصر
الدين المرعشي فارسي ط بطرسبورع.
٨١ تاريخ الطبري ط مصر.
٨٢ تاريخ الفكر العربي لإسماعيل مظهر ط مصر.
٨٣ تاريخ عالم آراي عباسي تاليف إسكندر بك فارسي ط
إيران.
٨٤ تاريخ قم للشيخ محمد علي بن حسين بن علي بن بهاء الدين
القمي ط إيران.
٨٥ تاريخ قم للحسن بن علي بن عبد الملك القمي ألفه ٨٦٥
فارسي هو ترجمة تاريخ قم العربي للحسن بن محمد بن الحسن القمي
أواخر المائة الرابعة معاصر للصدوق في غاية الجودة نسخته الفارسية في
مدرسة سبهسالار في طهران.
٨٦ تاريخ كيلان وديلمان مطبوع
٨٧ تاريخ ملوك إيران وغيرهم إلى عصر الشاه طهماسب
الصفوي فارسي ذهب أوله فجهل اسمه وهو نفيس جدا.
(٢١٠)

٨٨ تاريخ وفاة السادة المشعشعين امراء الحويزة.
٨٩ تاريخ اليعقوبي ط النجف.
٩٠ تبصير المنتبه في تحرير المشتبه لابن حجر العسقلاني نسخته في
مكتبة السيد هبة الدين الشهرستاني في بغداد كتبت ٥٨٥ بخط يوسف
سبط المؤلف.
٩١ تتمة أمل الآمل للشيخ عبد النبي القزويني تلميذ بحر العلوم.
٩٢ تتمة اليتيمة للثعالبي صاحب اليتيمة ط طهران بالحرف.
٩٣ تجارب الأمم لأحمد بن محمد مسكويه ط مصر.
٩٤ تجارب السلف في تواريخ الخلفاء والوزراء تاليف هندو شاة بن
سنجر بن عبد الله الصاحبي النخجواني فارسي وهو ترجمة الفخري مع زيادة
ط طهران بالحرف.
٩٥ تحف العقول في مواعظ آل الرسول لعلي بن شعبة الحلبي ط
إيران.
٩٦ تحفة الأزهار وزلال الأنهار في نسب أبناء الأئمة الأطهار مخطوط
للسيد ضامن بن شدقم بن علي الحسيني المدني رأينا منه نسخة في مكتبة
الشيخ فضل الله النوري في طهران واخذنا منها.
٩٧ تحفة العالم للسيد عبد اللطيف الشوشتري ط الهند.
٩٨ التحفة الناصرية في الفنون الأدبية مجموعة شعرية عربية تاليف
الميرزا أبي القاسم بن الحاج محمد إبراهيم الرشتي الأصبهاني باسم ناصر
الدين شاة القاجاري ط طهران.
٩٩ تحية القاري لصحيح البخاري للشيخ محمد علي آل عز الدين
العاملي.
١٠٠ تدريب الراوي للسيوطي ط مصر.
١٠١ تذكرة الحفاظ للذهبي جزء ٢ ط الهند.
١٠٢ تذكرة خواص الأمة في أحوال الأئمة لسبط بن الجوزي ط
إيران.
١٠٣ تذكرة الفقهاء للعلامة الحلي ط إيران.
١٠٤ التذكرة لشرف الدين موسى ابن القاضي جمال الدين يوسف
ابن القاضي شهاب الدين أحمد بن القاضي جمال الدين يوسف بن أيوب
الأنصاري الشافعي منها نسختان في طهران إحداهما في مكتبة الحاج محتشم
السلطنة.
١٠٥ تذكرة القبور لملا عبد الكريم الكثري ط إيران.
١٠٦ تذهيب الكمال ط مصر.
١٠٧ تعليقة الآقا محمد باقر البهبهاني على منهج المقال ط إيران.
١٠٨ تفسير الجلالين ط مصر.
١٠٩ تفسير الرازي ط مصر.
١١٠ تفسير الطبري ط مصر.
١١١ تفسير علي بن إبراهيم القمي ط إيران.
١١٢ تكملة أمل الآمل للسيد حسن الصدر الكاظمي عندنا بعض
اجزائه والباقي لم نوفق لرؤيته لكن جل ما فيه لم يفتنا.
١١٣ تكملة الرجال للشيخ عبد النبي الكاظمي نزيل جويا من
جبل عامل كالحاشية على نقد الرجال للسيد مصطفى التفرشي عندنا منه
نسخة فرع منه ١٢٤٠.
١١٤ تلخيص اخبار شعراء الشيعة للمرزباني عندنا قطعة مخطوطة
بهذا الاسم فيها ترجمة ٢٨ شاعرا وكنا نظن أولا انها منتخبة من معجم
الشعراء له فلما طبع الجزء الثاني منه بمصر علمنا أنها ليست منتخبة منه بل
من كتبه الأخرى المذكورة في معجم الأدباء لأن التراجم المذكورة فيها مطولة
غالبا والتي في معجم الشعراء مختصرة وترجم فيها لجماعة لا ذكر لهم في
معجم الشعراء مع وجود حروف أسمائهم في الجزء المطبوع وجماعة ترجم
لهم في المعجم بتراجم لا تتوافق مع ما في القطعة بشئ وبعضها توافقه في
أبيات من الشعر خاصة وتخالفه فيما عدا ذلك.
١١٥ تنزيه الأنبياء للسيد المرتضى ط إيران.
١١٦ تنقيح المقال لبعض المعاصرين كثير الأغلاط ط النجف.
١١٧ تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني ١٢ جزء ط الهند
بالحرف.
١١٨ جامع الرواة للحاج محمد الأردبيلي مكتبة الحسينية
بالنجف.
١١٩ جامع المقال فيما يتعلق بأحوال الحديث والرجال للشيخ فخر
الدين الطريحي النجفي.
١٢٠ جاويدان خرد لابن مسكويه
١٢١ جواهر الحكم للشيخ محمد مغنية العاملي.
١٢٢ جواهر المطالب في مناقب الإمام أبي الحسن علي بن أبي طالب
تاليف شمس الدين أبي البركات محمد الباغندي الشافعي هكذا كتب عليه
والظاهر أنه من الشيعة المكتبة الرضوية.
١٢٣ جواهر المطالب في فضائل الإمام علي بن أبي طالب مجهول
المؤلف رأيت نسخة منه مخطوطة بدمشق ذهب أولها يحتوي على ثمانين بابا
في أحوال أمير المؤمنين ع وهو كتاب جيد مجموع من كتب مشاهير
علماء الاسلام وقد ذهب من أوله اسم مؤلفه وذكر ان الذي حداه على
تاليفه انه وقف على كتاب الحافظ عبد الرحمن بن الجوزي في مناقب عمر بن
الخطاب فحداه ذلك على تاليف هذا الكتاب وفي البحار هو كتاب جيد من
مؤلفات بعض علمائنا وقد أخذ اخباره من الكتب المعتبرة من الخاصة
والعامة اه‍ وهو غير الذي قبله.
١٢٤ جولة في ربوع الشرق لمحمد ثابت المصري ط مصر.
١٢٥ الجوهر المجرد في شرح قصيدة علي بك الأسعد للشيخ علي
السبيتي العاملي رأينا قطعة منقولة منه.
١٢٦ الجنة الواقية المعروف بمصباح الكفعمي وحواشيه للمؤلف ط
إيران
(٢١١)

١٢٧ حاضر العالم الاسلامي تاليف وثروب ستودارد الأمريكي
وتعريب عجاج نويهض بتعليق الأمير شكيب ارسلان ط مصر.
١٢٨ حسن الصحابة في شرح أشعار الصحابة تاليف علي فهمي
الجابي الموستاري مفتي الهرسك ومعلم الأدبيات العربية في دار الفنون
القسطنطينية ط اسلامبول.
١٢٩ حديقة الأفراح لإزالة الأتراح تاليف أحمد بن محمد بن علي بن
إبراهيم الأنصاري اليمني الشرواني ط مصر.
١٣٠ حديقة السلاطين القطبشاهية ط الهند.
١٣١ حلية الأولياء لأبي نعيم الأصفهاني ط مصر.
١٣٢ الحوادث الجامعة في تاريخ المائة السابعة تاليف عبد الرزاق بن
الفوطي ط بغداد.
١٣٣ حواشي أصول الكافي لملا صالح المازندراني ط إيران.
١٣٤ حواشي ألفية الشهيد للشيخ محمد بن أحمد بن نعمة الله بن
خاتون العاملي بخط المؤلف في الخزانة الرضوية.
١٣٥ حياة محمد للدكتور محمد حسين هيكل المصري ط مصر.
١٣٦ خاص الخاص للثعالبي ط مصر.
١٣٧ خاندان نوبختي تاليف ميرزا عباس اقبال الآشتياني فارسي
ط طهران بالحرف.
١٣٨ الخرائج والجرائح للراوندي ط الهند.
١٣٩ خريدة القصر في أدباء العصر للعماد الكاتب منه جزء في
بغداد عند الشيخ مهدي كبه بخط جيد سقط أوله وآخره وعرفناه بالقرائن.
١٤٠ خزانة الأدب جزء ٣ ط مصر.
١٤١ الخصائص للنسائي في مناقب أمير المؤمنين ع ط مصر.
١٤٢ الخصال العددية للصدوق ط إيران.
١٤٣ خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر للمحبي ط
مصر.
١٤٤ خلاصة الأقوال في معرفة الرجال للعلامة الحلي ط إيران.
١٤٥ خلاصة تذهيب الكمال في أسماء الرجال ط مصر.
١٤٦ خلاصة الكلام في امراء البلد الحرام ط مصر.
١٤٧ الخيرات الحسان في تراجم المشهورات من النسوان فارسي
ط إيران.
١٤٨ دائرة المعارف الاسلامية ط مصر.
١٤٩ دار السلام في أحوال المنام للميرزا حسين النوري ط
إيران.
١٥٠ دانشمندان أذربيجان فارسي ط إيران.
١٥١ الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة للسيد علي خان
الشيرازي.
١٥٢ الدر المنثور في طبقات ربات الخدور لزينب فواز العاملية ط
مصر.
١٥٣ الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة لابن حجر ط الهند.
١٥٤ الدروس للشهيد محمد بن مكي العاملي الجزيني ط إيران.
١٥٥ دستور معالم الحكم للقاضي القضاعي ط مصر.
١٥٦ دمية القصر للباخرزي ط حلب وقال لنا عباس اقبال أنها
غيرها.
١٥٧ ديوان الشيخ إبراهيم بن صادق العاملي.
١٥٨ ديوان الشيخ إبراهيم بن يحيى العاملي جمع المؤلف.
١٥٩ ديوان ابن معتوق ط مصر.
١٦٠ ديوان أبي تمام حبيب بن أوس الطائي ط مصر.
١٦١ ديوان أبي فراس الحارث بن سعيد بن حمدان بن حمدون
التغلبي برواية ابن خالويه وشرحه جمع المؤلف يزيد عن المطبوع بنحو
١٢٠٠ بيت جمعه من أربع نسخ مخطوطة نقلت إحداها عن نسخة خزانة آل
الرشيد بنجد مع المطبوعة.
١٦٢ ديوان الشيخ أحمد بن الحسن النحوي الحلي.
١٦٣ ديوان أحمد بن محمد بن علي المعروف بابن الخياط الدمشقي
ط النجف.
١٦٤ ديوان الشيخ جعفر الخطي البحراني.
١٦٥ ديوان الشيخ حمادي بن نوح الحلي بخط الناظم.
١٦٦ ديوان السيد الرضي ط بيروت.
١٦٧ ديوان سبط بن التعاويذي ط مصر.
١٦٨ ديوان السري الرفا الموصلي رأينا نسخته المخطوطة في النجف
في مكتبة الشيخ محمد السماوي ثم طبع بمصر بحذف بعض ما في
المخطوط.
١٦٩ ديوان صفي الدين الحلي ط مصر.
١٧٠ ديوان عبد الباقي العمري البغدادي ط مصر.
١٧١ ديوان عبد الله المعروف بابن سنان الخفاجي مطبوع.
١٧٢ ديوان عبد المحسن الصوري العاملي.
١٧٣ ديوان عبد المحسن الكاظمي ط دمشق.
١٧٤ ديوان علي بن المقرب الأحسائي ط بمبي.
١٧٥ ديوان الشيخ علي بن ناصر زيدان العاملي.
١٧٦ ديوان الفرزدق ط أوروبا بالتصوير.
١٧٧ ديوان ملا كاظم الأزري ط الهند.
١٧٨ ديوان المتنبي ط بيروت.
(٢١٢)

١٧٩ ديوان الحاج محمد جواد عواد البغدادي.
١٨٠ ديوان الشيخ محمد رضا الشبيبي ط مصر.
١٨١ ديوان الشيخ محمد رضا النحوي.
١٨٢ ديوان السيد محمد زيني النجفي.
١٨٣ ديوان السيد محمد سعيد حبوبي النجفي ط بيروت.
١٨٤ ديوان السيد المرتضى عندنا قطعة منه.
١٨٥ ديوان مهيار الديلمي جزء ٤ ط مصر.
١٨٦ الذريعة إلى تصانيف الشيعة لاقا بزرگ الطهراني بخط مؤلفه
بقي عندنا نحو شهرين وطبع منه بعد ذلك أربعة اجزاء انتهت إلى آخر
حرف التاء المثناة الفوقية. أكثر فيه مؤلفه من الوصف بالعلامة لا سيما في
المعاصرين وزاد في بعضهم العلامة الحجة وذكر عن بعض أن له أرجوزة في
الفقه تبلغ أربعة آلاف بيت ومنظومة في الكلام تبلغ ألفي بيت تقريبا مع أنه
ليس لذلك عين ولا اثر وإن ذلك لم يسمع به سامع قبل ادراج اسمه في
كتابه وذكر له بعضهم أسماء أجداد له ومؤلفات لهم لم توجد الا في عالم
الخيال فقلت الثقة بمثل هذه الأنقال لأننا وجدناه ذكر مثل ذلك في حق
جماعة أمكننا معرفة حال ما كتبوه له اما ما لم يمكن معرفة حاله فيجوز أن
يكون كثير منه من هذا القبيل وهو وإن لم يفعل ذلك عن سوء نية إلا أنه
كان عليه أن يفحص ويثبت والحقيقة لا تخفى على باحث.
١٨٧ ذم الخطا في الشعر لأحمد بن فارس اللغوي مطبوع.
١٨٨ ذيل تجارب الأمم للوزير أبي شجاع محمد بن الحسين ط
مصر.
١٨٩ ذيل تذكرة الحفاظ ط مصر.
١٩٠ ذيل زهر الآداب ط مصر.
١٩١ ذيل المذيل للطبري مطبوع مع تاريخه.
١٩٢ رجال الحسن بن داود الحلي.
١٩٣ رجال الكشي ط بمبي.
١٩٤ رجال الشيخ محمد طه نجف النجفي ط النجف.
١٩٥ رجال السيد مهدي بحر العلوم الطباطبائي.
١٩٦ رجال النجاشي في مؤلفي الشيعة ط بمبي.
١٩٧ رسالة أبي غالب الزراري إلى ولده.
١٩٨ رسالة الشيخ حسين بن عبد الصمد والد الشيخ البهائي في
الإمامة.
١٩٩ رسالة فيما اشتهر من العلوم وأهلها ووفياتهم مجهولة المؤلف.
٢٠٠ روضات الجنات في أحوال العلماء والسادات للسيد محمد باقر
الأصفهاني ط إيران.
٢٠١ الروض النضر في ترجمة أدباء العصر تاليف عصام الدين
عثمان بن علي بن مراد بن عثمان العمري الموصلي رأينا نسخته في مكتبة
عباس عزاوي المحامي في بغداد.
٢٠٢ الروضة البهية في الطريق الشفيعية للسيد محمد شفيع
الموسوي ط إيران.
٢٠٣ روضة الواعظين للفتال ط إيران.
٢٠٤ رياض العلماء لملا عبد الله الأفندي الأصفهاني عندنا منه
ثلاثة اجزاء وجزءان منه مفقودان أصلا وبعض الجزء الأول هو موجود في
كشكول البحراني منسوبا إلى بعض تلاميذ المجلسي وصل فيه إلى جواد بن
فاضل من حرف الجيم.
٢٠٥ ريحانة الألباء للخفاجي ط مصر.
٢٠٦ سحر العيون فيما قيل في العين ط مصر على الحجر.
٢٠٧ سخن وسخنوران في شعراء الفرس لبديع الزمان بشرويه
الخراساني فارسي ط طهران بالحرف.
٢٠٨ سراج القاري شرح الشاطبية لأبي القاسم علي بن عثمان بن
محمد بن أحمد بن الحسن الناصح العذري ط مصر.
٢٠٩ سلافة العصر في محاسن الشعراء بكل مصر للسيد علي خان
الشيرازي ط مصر.
٢١٠ سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر المعروف بتاريخ
المرادي ط مصر.
٢١١ سمير الحاضر وأنيس المسافر للشيخ علي بن محمد رضا
الجعفري النجفي ٥ مجلدات.
٢١٢ سنن النسائي الصغرى ط مصر.
٢١٣ سنن ابن ماجة القزويني ط مصر.
٢١٤ سيرة ابن هشام ط مصر.
٢١٥ السيرة الحلبية المسماة بانسان العيون ط مصر.
٢١٦ السيرة النبوية لأحمد زيني دحلان ط مصر.
٢١٧ الشافي للسيد المرتضى ط إيران.
٢١٨ الشجرة الطيبة في آثار العلماء المنتخبة للشيخ محمد بن الحاج
عبود الكوفي الخطيب المولود ١٢٦٧ فرع منه ١٣٣٨.
٢١٩ الشجرة الطيبة للسيد محمد باقر المدرس الرضوي فارسي في
أحوال السادة الرضوية وسلسلة نسبهم بخط مؤلفه بقي عندنا مدة في
المشهد الرضوي المقدس.
٢٢٠ شذرات الذهب في اخبار من ذهب لعبد الحي بن العماد
الحنبلي جزء ٨ ط مصر.
٢٢١ شرح البداية في الدراية للشهيد الثاني ط إيران.
٢٢٢ شرح سعد الدين التفتازاني على عقائد عمر النسفي ط
مصر.
(٢١٣)

٢٢٣ شرح الشاطبية ط مصر.
٢٢٤ شرح صحيح مسلم للنووي ط مصر.
٢٢٥ شرح قصيدة أبي فراس الحمداني للقاضي ابن أبي جرادة
الحلبي.
٢٢٦ شرح قصيدة السيد الحميري للشريف المرتضى ط مصر.
٢٢٧ شرح الشفا لملا علي القاري ط مصر.
٢٢٨ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ط مصر وإيران.
٢٢٩ شرح واجب الاعتقاد للعلامة الحلي تاليف الشيخ حسين بن
علي بن أبي سروال نسخته في كرمنشاه في مكتبة آقا فخر الدين من أحفاد
الوحيد البهبهاني.
٢٣٠ الشعر والشعراء لابن قتيبة ط مصر.
٢٣١ الشعر العاملي المنسي جمع الشيخ سليمان ظاهر العاملي.
٢٣٢ الشفا للقاضي عياض وشرحه لملا علي القاري ط مصر.
٢٣٣ الشمعة في أحوال ذي الدمعة للسيد هبة الدين الشهرستاني.
٢٣٤ شهداء الفضيلة للشيخ عبد الحسين بن أحمد الأميني التبريزي
نزيل النجف الأشرف المعاصر جمع فيه من فازوا بالشهادة من العلماء لكنه
أدرج فيه أمورا لا حقيقة لها استنادا إلى ما كتبه له بعض الناس في حق
ذويهم ممن نعرفهم وكان عليه أن لا يدرجها إلا بعد التحقيق والتثبت والله أعلم
بغيرهم ممن لا نعرفهم ط النجف.
٢٣٥ الشيعة وفنون الاسلام للسيد حسن الصدر ط صيدا.
٢٣٦ صبح الأعشى في صناعة الإنشا للقلقشندي ط مصر.
٢٣٧ الصبح المنبي عن حيثية المتنبي للشيخ يوسف البديعي
ط دمشق.
٢٣٨ صحاح الأخبار في نسب السادة الفاطمية الأخيار لعبد الله بن
محمد الرفاعي ط مصر.
٢٣٩ صحيح البخاري ط مصر.
٢٤٠ صحيح مسلم ط مصر.
٢٤١ صلة عريب بن سعد القرطبي الطبري مطبوع معه.
٢٤٢ الصواعق المحرقة لابن حجر ط مصر.
٢٤٣ ضحى الاسلام لأحمد أمين المصري ج ٣ ط مصر.
٢٤٤ الضوء اللامع في أعيان القرن التاسع للسخاوي ط مصر.
٢٤٥ الطالع السعيد في علماء الصعيد ط مصر.
٢٤٦ طبقات الشافعية للسبكي ط مصر.
٢٤٧ طبقات الشيعة للشيخ محمد علي النائيني الكاظمي المعاصر.
٢٤٨ طبقات القراء للجزري مجلدين ط مصر.
٢٤٩ الطبقات الكبير لمحمد بن سعد كاتب الواقدي ط ليدن.
٢٥٠ الطليعة من شعراء الشيعة للشيخ محمد السماوي النجفي
جزء ٢ بخط المؤلف.
٢٥١ عجائب احكام أمير المؤمنين ع رواية محمد بن
علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن جده كتبت النسخة سنة ٤٢٠.
٢٥٢ العدة في الرجال للسيد محسن الأعرجي.
٢٥٣ العرفان مجلة للشيخ عارف الزين العاملي الصيداوي ط
صيدا.
٢٥٤ عقد الجمان في حوادث الزمان مختصر تاريخ اليافعي للشيخ
مفلح الصميري نسخته في مكتبة الحاج محتشم السلطنة في طهران نسخناه
عنها.
٢٥٥ العقد الفريد لابن عبد ربه ط مصر.
٢٥٦ العقد المفصل للسيد حيدر الحلي ط بغداد.
٢٥٧ العقد المنضد ديوان شبيب باشا الأسعد ط اسلامبول.
٢٥٨ عقلاء المجانين للحسن بن محمد النيسابوري ط مصر.
٢٥٩ عنوان المعارف وذكر الخلائف للصاحب بن عباد طبعناه ضمن
الجزء الثاني من معادن الجواهر.
٢٦٠ عيون الأنباء في طبقات الأطباء لابن أبي أصيبعة ط مصر.
٢٦١ عيون أخبار الرضا للصدوق محمد بن علي بن بابويه القمي
ط إيران.
٢٦٢ غاية الاختصار في اخبار البيوتات العلوية المحفوظة من الغبار
للسيد تاج الدين بن محمد بن حمزة بن زهرة الحسيني نقيب حلب وابن
نقبائها حرف الطابع فيه بعض المواضع ط مصر.
٢٦٣ غاية المرام للسيد هاشم البحراني إيران.
٢٦٤ غاية النهاية في طبقات القراء لشمس الدين محمد بن محمد
الجزري ج ١ ط مصر.
٢٦٥ غرر الحكم ودرر الكلم للآمدي ط صيدا والهند.
٢٦٦ الغيبة للشيخ الطوسي ط إيران.
٢٦٧ الغيبة للنعماني ط إيران.
٢٦٨ الفائق والرائق للزمخشري ط الهند حرف.
٢٦٩ فجر الاسلام لأحمد أمين المصري ط مصر.
٢٧٠ فحول الشعراء لأبي تمام في الخزانة الرضوية.
٢٧١ الفخري في الآداب السلطانية ط مصر.
٢٧٢ الفرج بعد الشدة للقاضي التنوخي المحسن بن أبي القاسم
علي بن محمد بن أبي الفهم عندنا منه نسخة مخطوطة وبلغنا أنه طبع.
٢٧٣ فردوس التواريخ لنوروز علي بن محمد باقر البسطامي ط
إيران.
(٢١٤)

٢٧٤ الفرق والمقالات لأبي محمد الحسن بن موسى النوبختي
استنسخنا منه نسخة ثم طبع بإسلامبول.
٢٧٥ الفصل لابن حزم علي بن أحمد ط مصر.
٢٧٦ الفصول المختارة للسيد المرتضى اختاره من كتابين للمفيد
إحداهما المجالس والثاني العيون والمحاسن.
٢٧٧ الفصول المهمة في أحوال الأئمة لابن الصباغ المالكي ط
إيران.
٢٧٨ فضائل السادات للسيد محمد أشرف العاملي فارسي ط
إيران.
٢٧٩ الفلاكة والمفلوكين لعلي بن أحمد الدلجي ط مصر.
٢٨٠ فهرست ابن النديم ط أوروبا ومصر.
٢٨١ وفاة الوفيات للكتبي ط مصر.
٢٨٢ فهرست الشيخ أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي ط
أوروبا. وأحسن طابعه بترتيبه على حروف المعجم بحسب الأسماء والآباء
والألقاب والأصل مرتب على حروف المعجم بلا مراعاة ذلك وعندنا نسخته
المخطوطة والمطبوعة.
٢٨٣ فهرست مكتبة المدرسة الفاضلية المعروفة بمدرسة فاضل خان
في المشهد الرضوي ط إيران.
٢٨٤ فهرست مكتبة المشهد الرضوي جزء ٣ ط إيران.
٢٨٥ فهرست منتجب الدين علي بن عبد الله بن الحسين بن
بابويه ط إيران.
٢٨٦ الفوائد البهية في تراجم الحنفية لمحمد بن عبد الحي الهندي ط مصر.
٢٨٧ الفوائد الرضوية ط إيران.
٢٨٨ قصص الأنبياء من طرق الشيعة للشيخ إبراهيم بن خاتون
فرع منه ١٠٩٢.
٢٨٩ قصص العلماء للتنكابني فارسي ط إيران.
٢٩٠ الكافي لمحمد بن يعقوب الكليني ط إيران.
٢٩١ الكامل لابن الأثير ط مصر.
٢٩٢ الكامل للمبرد ط مصر.
٢٩٣ كتاب صفين لنصر بن مزاحم ط إيران.
٢٩٤ كتاب في التراجم مخطوط ألف في أوائل القرن السادس لم
نعرف مؤلفه.
٢٩٥ الكشاف للزمخشري ط مصر.
٢٩٦ كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون لحاجي خليفة ط
اسلامبول.
٢٩٧ الكشف عن مساوئ المتنبي للصاحب بن عباد ط مصر.
٢٩٨ كشف الغمة في أحوال الأئمة لعلي بن عيسى الأربلي ط
إيران.
٢٩٩ كشف اليقين للعلامة الحلي ط إيران.
٣٠٠ كشكول الشيخ البهائي ط مصر.
٣٠١ كشكول الشيخ يوسف البحراني. ط بمبي.
٣٠٢ كمال الدين وتمام النعمة للصدوق مخطوط ط إيران.
٣٠٣ الكنى والألقاب للشيخ عباس القمي ط صيدا.
٣٠٤ كنز الأديب لأحمد بن درويش علي البغدادي بخط المؤلف
في مكتبة عباس عزاوي المحامي في بغداد.
٣٠٥ اللآلي الثمينة والدراري الرزينة للسيد حسين بن محمد
إبراهيم بن محمد معصوم الحسيني القزويني شيخ بحر العلوم في التراجم
عندنا منه قطعة.
٣٠٦ لؤلؤة البحرين للشيخ يوسف البحراني ط بمبي وإيران.
٣٠٧ لسان الميزان للحافظ ابن حجر العسقلاني بمنزلة الشرح
والتتمة لميزان الاعتدال للذهبي ط الهند بالحرف.
٣٠٨ ماثر دكن فارسي ط بمبي.
٣٠٩ المؤتلف والمختلف في أسماء الشعراء وكناهم وألقابهم
للآمدي ط مصر.
٣١٠ مؤلفات الكراجكي فهرستها.
٣١١ المجالس السنية للمؤلف ط دمشق وصيدا.
٣١٢ مجالس المؤمنين للقاضي نور الله الشوشتري فارسي
ط إيران فيه أخطاء كثيرة.
٣١٣ مجاميع مخطوطة تزيد على ٢٤ أكثرها عاملية.
٣١٤ مجلد الإجازات من البحار للمجلسي ط إيران.
٣١٥ مجمع الآداب في معجم الألقاب لعبد الرزاق بن الفوطي
فوتغراف بالمكتبة الظاهرية.
٣١٦ مجمع الأمثال للميداني ط مصر.
٣١٧ مجمع البيان في تفسير القرآن للطبرسي ط إيران وصيدا.
٣١٨ مجمع المسرات للدكتور شاكر الخوري مطبوع.
٣١٩ المجموع الرائق من أزهار الحدائق للسيد هبة الله بن الحسن
الموسوي المائة الثامنة رأينا نسخته في بعض مكتبات قم وأخذنا منها.
٣٢٠ مجموع الغرائب للشيخ إبراهيم الكفعمي العاملي في المكتبة
الرضوية.
٣٢١ مجموعات الشيخ محمد رضا الشبيبي الثلاث بخطه.
٣٢٢ مجموعة الأمثال الشعرية مرتبة على حروف المعجم منها جزء
(٢١٥)

واحد كبير في الخزانة الرضوية وقد سقط أوله وبقي فيه بعض حرف اللام
ثم ما بعده إلى آخر حرف الياء بقطع كبير جدا وخط على ورق كلاهما في
غاية الجودة عدد أوراقه ٢٦٧ بشكل ما نسميه سفينة ويسميه الإيرانيون
بياضا أي بشكل مستطيل وأسفل الكراريس من جهة العرض لا من جهة
الطول وكل صفحة منه عشرة أسطر وله هامش كبير جدا من الجانبين وهي
مرتبة على ترتيب عجيب فإنها مخصوصة بالأمثال الشعرية مرتبة على حروف
المعجم باعتبار أوائل الأبيات لا أواخرها وأول الموجود من حرف اللام ما
أوله: لو لم. ثم ما أوله: لو. لولا. له. لها. ليت. لي. ليت
شعري. ليس. ليست. لئن. ليهلك. ثم حرف الميم أوله: ما آب.
ثم. ما آفة. ما أبالي. ما أبصر. ما أبعد. ما أحسن. ما أسعد.
وهكذا ثم حرف النون وباقي الحروف بهذا الترتيب ولا يذكر في المثل إلا
بيت واحد وجميعها من الأشعار الجيدة لمشاهير الشعراء مما دل على معرفة
جامعها وسعة اطلاعه وحسن اختياره والبيت مكتوب في وسط الصفحة،
وفي الهامش من الجانبين ذكر قائل ذلك البيت وشئ من القصيدة التي منها
هذا البيت، ومن جملة أبيات الأمثال التي أولها لولا قوله:
- لولا الحياكة والذين يلونها * بدت الفروج ولاحت الأدبار -
قال أنشده الراغب وذكر في آخر كل حرف عدد أبياته فقال: عدة
أبيات حرف اللام ١١٩٢ في ٦ كراريس عدا ما في الحاشية. عدة
أبيات حرف الميم ١٢٣٨ عدا الحواشي في ٦ كراريس وقائمتين. عدة
أبيات حرف النون ٢٨٤ بيتا عدا ما في الحاشية وذلك في أربع عشرة
قائمة ووجهة واحدة. وفي آخر حرف الهاء عدد أبيات حرف الهاء ٣٩٧
عدا ما في الحاشية وذلك في كراستين إلا ثلاثة سطور. وفي آخر حرف الواو
عدة أبيات حرف الواو ٢٠٦٧ في عشر كراريس وثلاث قوائم ووجهة
واحدة عدا ما في الحاشية. وفي آخر حرف اللام ألف: عدة أبيات حرف
اللام والألف المركبة عدا الحاشية ٦٤٧. وفي آخر حرف الياء. عدة
أبيات حرف الياء ٧٤٨. والحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد
وآله وسلم. وفي هذا الجزء ما صورته: كاتبه عفا الله عنه:
- له وجه كان الشمس فيه * فما تستطيع تنظره العيون -
- تحجب بالمهابة وهو طلق * لراجيه ووقره السكون -
وفيه: قال كاتبه عفا الله عنه: كان لي على المرحوم علاء الدين عطا
ملك بن محمد الجويني اطلاق فاشتغل عنه فكتبت إليه والشعر لي:
- ما لي ظمئت وبحر جودك مترع * وعلام أطوي والقرى مبذول -
- في كل عام لي ببابك منهل * عذب وأنت القصد والمأمول -
فانعم باطلاق ما سألته وزاد تغمده الله برحمته. ويظهر من بعض
أشعاره أن اسمه سعيد حيث يقول:
- ولم تظفر يداك لذا بشئ * سوى ما أنت فيه يا سعيد -
ولكن في بعض الحواشي قال كاتبه محمد بن ايدمر وقال في موضع
آخر وإقبال الشرابي النبوي المستنصري هو الذي رباني صغيرا وجعلني في
جملة من يدخل عليه كل يوم وكان ذلك ممنوعا عن غيرنا اه‍ وإقبال
الشرابي كان في أيام المستنصر العباسي الذي توفي سنة ٦٤٠ ولعله أراد
بقوله يا سعيد الوصف لا الاسم أو أن الشعر ليس له. ثم أنه يمكن أن
تكون النسخة بخط المؤلف لقوله: كاتبه ويمكن أن يكون الناسخ نقل كلام
المؤلف بلفظه.
٣٢٣ مجموعة السيد حيدر الحلي في مدايح الحاج محمد صالح كبة
نسختها في بغداد.
٣٢٤ مجموعة السيد صادق بن السيد إبراهيم الطباطبائي
النجفي.
٣٢٥ مجموعة الشيخ محمد بن علي الجباعي من أجداد الشيخ
البهائي في ٣ مجلدات بخطه وجلها منقول عن خط الشهيد الأول في مكتبة
الشيخ ضياء الدين ابن الشيخ فضل الله النوري في طهران.
٣٢٦ محاسن أصفهان للمفضل بن سعد بن الحسين المافروخي
الأصفهاني من علماء القرن الخامس ط طهران.
٣٢٧ المحاسن والمساوي للبيهقي ط مصر.
٣٢٨ المحجة فيما نزل في القائم الحجة للسيد هاشم البحراني
ط إيران.
٣٢٩ مختصر تاريخ شعراء الشيعة للمرزباني.
٣٣٠ مختصر منهج المقال لميرزا محمد الاسترآبادي الأوسط.
٣٣١ مختصره الأصغر.
٣٣٢ مذاكرات تاريخية لحوادث الشام في عهد إبراهيم باشا لمؤلف
مسيحي من الكتاب مجهول مطبوع.
٣٣٣ مرآة الجنان تاريخ اليافعي في مكتبة الحاج محتشم السلطنة في
طهران ط الهند.
٣٣٤ مرآة العقول شرح الكافي للمجلسي ط إيران.
٣٣٥ المرشد مجلة بغدادية ط بغداد.
٣٣٦ مروج الذهب للمسعودي ط مصر.
٣٣٧ المستدرك للحاكم النيسابوري ط الهند حرف.
٣٣٨ مستدرك الوسائل للميرزا حسين النوري ط إيران.
٣٣٩ مسند الإمام أحمد بن حنبل ط مصر.
٣٤٠ مصباح المتهجد للشيخ الطوسي مخطوط ط إيران.
٣٤١ مطالب السؤول في مناقب آل الرسول لمحمد بن طلحة
الشافعي ط إيران.
٣٤٢ مطرح الأنظار في تراجم أطباء فلاسفة الأعصار لميرزا
عبد الحسين خان الطبيب فارسي ط إيران.
٣٤٣ مطلع البدور ومجمع البحور في علماء الزيدية لأحمد بن صالح
ابن محمد بن أبي الرجال المجلد الثالث فرع منه كاتبه ٢٥ صفر ١١٨٠
والرابع في جمادي الآخرة ١١٨٠ مكتبة السيد هبة الدين الشهرستاني في
بغداد.
٣٤٤ مطلع الشمس وهو رحلة الشاه ناصر الدين القاجاري إلى
خراسان فارسي ط إيران.
٣٤٥ مطمح الأنفس في ملح أهل الأندلس للفتح بن خاقان
ط مصر.
(٢١٦)

٣٤٦ المعارف لابن قتيبة توفي ٢٧٠ ط مصر.
٣٤٧ معاهد التنصيص على شواهد التلخيص ط مصر.
٣٤٨ معالم العلماء لابن شهرآشوب المازندراني استنسخناه ثم طبع
في طهران بالحرف.
٣٤٩ معجم الأدباء لياقوت الحموي ط مصر.
٣٥٠ معجم البلدان له ط مصر.
٣٥١ معجم الشعراء للمرزباني الجزء ٢ ط مصر.
٣٥٢ معجم المطبوعات العربية ط مصر.
٣٥٣ مقاتل الطالبيين لأبي الفرج الأصبهاني ط إيران.
٣٥٤ مقتضب الأثر في النص على الأئمة الاثني عشر لابن عياش
ط النجف.
٣٥٥ ملحق أمل الآمل للشيخ جواد آل محيي الدين العاملي النجفي
المعاصر.
٣٥٦ ملحق السلافة للمؤلف السيد علي خان الشيرازي رأيناه في
إحدى مكتبات قم.
٣٥٧ الملل والنحل للشهرستاني محمد بن عبد الكريم ط مصر.
٣٥٨ المناقب لابن شهرآشوب ط بمبي وإيران.
٣٥٩ منتخب التواريخ فارسي ط إيران.
٣٦٠ منتهى المقال في أحوال الرجال لمحمد بن الحسن بن الحر
العاملي ط إيران هكذا في مسودة الكتاب المنقول عنها في الطبعة الأولى
ولكن هذا الكتاب لم يذكره أحد في مؤلفات صاحب الوسائل وإنما ذكر هو
في أمل الآمل رسالة الرجال وقد ذكر في آخر الوسائل فائدة في أحوال
الرجال.
٣٦١ منتهى المقال المعروف برجال أبي علي ط إيران.
٣٦٢ منهج المقال في أحوال الرجال لميرزا محمد الاسترآبادي
ط إيران.
٣٦٣ مهذب الأقوال في أحوال الرجال للشيخ علي بن سعيد الحر
العاملي الجبعي بخط المؤلف.
٣٦٤ الموازنة بين أبي تمام والبحتري للآمدي ط اسطانبول
ومصر.
٣٦٥ مواسم الأدب للسيد جعفر البيتي العلوي جزء ٢ ط مصر.
٣٦٦ ميزان الاعتدال في أحوال الرجال للذهبي ط مصر.
٣٦٧ نامه دانشوران ناصري فارسي ألفه جماعة بأمر الشاه ناصر
الدين القاجاري وهم الميرزا أبو الفضل الساوي الطبيب والميرزا حسن
الطالقاني والملا عبد الوهاب القزويني الشهير بملا آقا والشيخ محمد مهدي
العبد الربابادي ومعنى نامه دانشوران تراجم العلماء وناصري نسبة
إلى ناصر الدين لأنه ألف بأمره وهو في سبع مجلدات اثنان منها ضخمان
جدا وخمسة أصغر حجما وكلها بالقطع الكامل وصلوا فيه إلى حرف السين
ولم يتم ط طهران.
٣٦٨ نثر الدرر للآبي أبي سعيد منصور بن الحسين بمنزلة الكشكول
منه مجلد مخطوط في الخزانة الرضوية ومجلد في مكتبة مدرسة سبهسالار في
طهران.
٣٦٩ النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة ليوسف بن تغري
بردي ط مصر.
٣٧٠ نجوم السماء في تراجم العلماء للمولوي ميرزا محمد علي بن
صادق بن مهدي الكشميري اللكهنوئي في أحوال علماء المائة الحادية عشرة
إلى آخر الثالثة عشرة ط بمبي.
٣٧١ نزهة الألباء في طبقات الأدباء أي النحاة لأبي البركات
عبد الرحمن بن محمد الأنباري ط مصر على الحجر.
٣٧٢ نزهة الجليس للسيد عباس الموسوي العاملي ط مصر.
٣٧٣ نسمة السحر فيمن تشيع وشعر للسيد يوسف بن يحيى
الحسني اليماني الصنعاني في مجلدين عندنا نسخته مخطوطة.
٣٧٤ نشوة السلافة للشيخ محمد علي بن بشارة الخيقاني النجفي
نسختها بخط المؤلف في مكتبة الشيخ محمد السماوي النجفي.
٣٧٥ نضد الايضاح لمحمد بن محمد محسن المدعو علم الهدى
مطبوع بهامش فهرست الشيخ الطوسي وهو كالتتمة لايضاح الاشتباه
للعلامة الحلي ط أوروبا.
٣٧٦ نظم اللآل في علم الرجال للسيد محمد بن هاشم الهندي
النجفي فرع منه ١٢٧٧ بخط المؤلف عند أولاده.
٣٧٧ نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب لأحمد المقري المغربي
ط مصر.
٣٧٨ نقد الرجال للسيد مصطفى التفرشي عندنا منه نسختان
مخطوطتان.
٣٧٩ نقد النثر لقدامة بن جعفر ط مصر.
٣٨٠ نكت الهميان في نكت العميان لصلاح الدين خليل بن أيبك
الصفدي ط مصر.
٣٨١ نهر الذهب في تاريخ حلب لبعض المعاصرين ط حلب.
٣٨٢ النور السافر عن أخبار القرن العاشر لشمس الشموس محيي
الدين عبد القادر بن الشيخ عبد الله العبد روسي ط بغداد.
٣٨٣ هداية المحدثين إلى طريقة المحمدين للشيخ محمد أمين بن
محمد علي الكاظمي عندنا منه نسختان مخطوطتان ومؤلفه معاصر لفخر
الدين الطريحي فرع منه ٢٥ ربيع الأول ١٠٨٥ ومن تبييضه غرة شعبان
١٠٨٨ وهو المعروف بالمشتركات.
٣٨٤ هدية الأحباب للمعروفين بالكنى والألقاب للشيخ عباس
القمي المعاصر طبع النجف على الحجر وطبع صيدا.
(٢١٧)

٣٨٥ هدية الأيام فيما يتعلق بأبي تمام للشيخ يوسف البديعي
ط مصر.
٣٨٦ الوافي بالوفيات لصلاح الدين الصفدي الجزء الأول
ط اسلامبول.
٣٨٧ الوجيزة للبهائي ط بمبي.
٣٨٨ الوجيزة للمجلسي ط إيران.
٣٨٩ وفاء الوفا باخبار دار المصطفى للسمهودي ط مصر.
٣٩٠ وفيات الأعيان لابن خلكان ط مصر.
٣٩١ يتيمة الدهر للثعالبي ط دمشق.
٣٩٢ اليميني تاريخ يمين الدولة محمود بن سبكتكين لأبي نصر محمد
ابن عبد الجبار العتبي المكتبة الرضوية.
٣٩٣ ينابيع المودة للقندزوي ط اسلامبول.
وبعد فيقول العبد الفقير إلى عفو ربه الغني محسن بن المرحوم
السيد عبد الكريم الأمين الحسيني العاملي عامله الله بفضله ولطفه هذا هو
الجزء الثاني في سيرة أشرف المخلوقات نبينا محمد ص وبضعته الزهراء ع
وفي الجزء الثالث سيرة مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع
وفي الجزء الرابع سيرة باقي الأئمة ص. فقد رأينا قبل
الشروع في تراجم أعيان الشيعة أن نتيمن ونشرف كتابنا هذا بذكر سيرتهم
فإنهم سادات الشيعة ومقتداهم فضلا عن كونهم سادات جميع المسلمين
ونجعل ذلك مستقلا عن سائر التراجم المرتبة على حروف المعجم ولا
نخلطهم بغيرهم تمييزا لهم في الذكر كما امتازوا في الشأن القدر.
وقد صنفت في السيرة النبوية الشريفة الكتب الكثيرة ذات المجلدات
العديدة كسيرة محمد بن إسحاق والسيرة التي تضمنتها طبقات ابن سعد
وسيرة ابن هشام وسيرة ابن سيد الناس وسيرة الشمس الشامي والسيرة
الحلبية وسيرة زيني دحلان والشفا للقاضي عياض والشمائل للترمذي
والمواهب اللدنية في السيرة النبوية للقسطلاني وغيرها.
وقد استوفى المؤلفون في السيرة النبوية كل شئ يتعلق به ص من
دقيق وجليل ولو أردنا استيفاء سيرته وسيرة عترته ص بحذافيرها لاحتجنا
إلى اضعاف ما كتبناه لكننا آثرنا الاختصار ما أمكن واقتصرنا على ما لا بد
منه وذكرنا من كل شئ طرفا مقنعا مما وقع عليه اختيارنا ومع ذلك فقد
طال بنا الكلام وتمادى القول حتى احتجنا إلى عدة مجلدات.
١: النبي ص
وتتضمن سيرته الشريفة: نسبه الشريف. وحمله المبارك. ومولده
الميمون. ورضاعه. وكفالة عبد المطلب إياه وتزوجه بخديجة وصفته في
خلقه وحليته واخلاقه واطواره وخصائصه وأزواجه وأولاده وأعمامه وعماته
وبوابه وشعرائه ومؤذنيه وسلاحه ودوابه ونقش خاتمه وكتابه والمبعث وأجمال
الشريعة الاسلامية ومحاسنها والهجرة الأولى والثانية إلى الحبشة وقصة
الغرانيق والأعمى وحصار الشعب والاسراء والمعراج والعقبة الأولى والعقبة
الثانية والمؤاخاة بين أصحابه والهجرة إلى المدينة ووفادات العرب عليه وكتبه
إلى الملوك وحروبه وغزواته وسراياه وحجة الوداع وحديث الغدير ووفاته
وخبر السقيفة وبعض خطبه وحكمه القصيرة وجوامع كلماته في الأحكام الشرعية
والطب وبعض أدعيته.
نسبه الشريف
هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب واسمه شيبة الحمد بن هاشم
واسمه عمرو بن عبد مناف واسمه المغيرة بن قصي واسمه زيد بن كلاب
واسمه حكيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن
النضر واسمه قيس بن كنانة بن خزيمة بن مدركة واسمه عامر بن الياس بن
مضر واسمه عمرو بن نزار بن معد بن عدنان.
ونسبه ص إلى عدنان متفق عليه وبعد عدنان فيه اختلاف كثير
وكنيته أبو القاسم.
وأمه آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن
كعب بن لؤي بن غالب. وأمها برة بنت أسد بن عبد العزى وكان وهب
سيد بني زهرة خطبها لعبد الله وزوجه بها أبوه عبد المطلب وكان سن عبد
الله يومئذ أربعا وعشرين سنة.
حمله المبارك
حملت به امه أيام التشريق (١) قالت: فما وجدت له مشقة حتى
وضعته ثم خرج أبوه عبد الله وامه حامل به في تجارة له إلى الشام فلما عاد
نزل على أخواله بني النجار بالمدينة فمرض هناك ومات ورسول الله ص حمل
وقيل كان عمره سنتين وأربعة أشهر وقيل كان عمره سبعة أشهر وقيل
شهرين وكان عبد الله فقيرا لم يخلف غير خمسة من الإبل وقطيع غنم وجارية
اسمها بركة وتكنى أم أيمن وهي التي حضنت النبي ص.
مولده الميمون
ولد ص بمكة يوم الجمعة أو يوم الاثنين عند طلوع الشمس أو عند
طلوع الفجر أو عند الزوال على اختلاف الأقوال السابع عشر من شهر ربيع
الأول على المشهور بين الامامية وقال الكليني منهم لاثنتي عشرة ليلة مضت
منه وهو المشهور عند غيرهم وبعضهم وافقنا (٢).
واتفق الرواة على أنه ص ولد عام الفيل بعد خمسة وخمسين يوما أو
خمسة وأربعين أو ثلاثين يوما من هلاك أصحاب الفيل لأربع وثلاثين سنة
وثمانية أشهر أو لاثنتين وأربعين سنة مضت من ملك كسرى انوشروان
ولسبع بقين من ملكه.
وأرسلت آمنة إلى عبد المطلب تبشره فسر بذلك ودخل عليها وقام
(٢١٨)

عندها يدعو الله ويشكر ما أعطاه وقال:
- الحمد لله الذي أعطاني * هذا الغلام الطيب الأردان -
- قد ساد في المهد على الغلمان * أعيذه بالله ذي الأركان -
- حتى أراه بالغ البنيان * أعيذه من شر ذي شنان -
- من حاسد مضطرب العنان -
وكانت ولادته في الدار المعروفة بدار ابن يوسف وهو محمد بن يوسف
أخو الحجاج وكان ص وهبها لعقيل بن أبي طالب فلما توفي عقيل باعها ولده
من محمد بن يوسف أخي الحجاج فلما بنى داره المعروفة بدار ابن يوسف
ادخل ذلك البيت في الدار ثم أخذته الخيزران أم الرشيد فأخرجته وجعلته
مسجدا يصلي فيه وهو معروف إلى الآن يزار ويصلى فيه ويتبرك به ولما اخذ
الوهابيون مكة في عصرنا هذا هدموه ومنعوا من زيارته على عادتهم في المنع
من التبرك بآثار الأنبياء والصالحين وجعلوه مربطا للدواب.
رضاعه
أرضعته أولا ثويبة مولاة أبي لهب بلبن ابنها مسروح أياما قبل ان
تقدم حليمة وكانت أرضعت قبله عمه حمزة. فكان رسول الله ص يكرمها
وتكرمها زوجته خديجة أم المؤمنين وأعتقها أبو لهب بعد الهجرة فكان ص
يبعث إليها من المدينة بكسوة وصلة حتى ماتت فسال عن ابنها مسروح فقيل
مات فسال عن قرابتها فقيل ماتوا.
ثم أرضعته حتى شب حليمة بنت أبي ذؤيب عبد الله السعدية من
بني سعد بن بكر وكان أهل مكة يسترضعون لأولادهم نساء أهل البادية
طلبا للفصاحة ولذلك قال ص انا أفصح من نطق بالضاد، بيد أني من
قريش واسترضعت في بني سعد. فجاء عشر نسوة من بني سعد بن بكر
يطلبن الرضاع وفيهن حليمة فأصبن الرضاع كلهن إلا حليمة وكان معها
زوجها الحارث المكني أبا ذؤيب وولدها منه عبد الله فعرض عليها رسول
الله ص فقالت يتيم ولا مال له وما عست امه ان تفعل فخرج النسوة
وخلفنها فقالت لزوجها ما ترى قد خرج صواحبي وليس بمكة غلام
يسترضع الا هذا الغلام اليتيم فلو انا أخذناه فاني أكره ان ارجع بغير شئ
فقال لها خذيه عسى الله ان يجعل لنا فيه خيرا فأخذته فوضعته في حجرها
فدر ثدياها حتى روي وروي أخوه وكان اخوه لا ينام من الجوع فبقي عندها
سنتين حتى فطم فقدموا به على أمه زائرين لها وأخبرتها حليمة ما رأت من
بركته فردته معها ثم ردته على أمه وهو ابن خمس سنين ويومين.
وقدمت حليمة على رسول الله ص بعد ما تزوج فبسط لها رداءه
وأعطتها خديجة أربعين شاة وأعطتها بعيرا. وجاءت إليه يوم حنين فقام
إليها وبسط لها رداءه فجلست عليه.
وجاءه وفد هوازن يوم حنين وفيهم أبو ثروان أو أبو برقان عمه من
الرضاعة وقد سبي منهم وغنم وطلبوا ان يمن عليهم فخيرهم بين السبي
والأموال فقالوا خيرتنا بين أحسابنا وأموالنا وما كنا لنعدل بالاحساب شيئا
فقال اما ما لي ولبني عبد المطلب فهو لكم وسأسأل لكم الناس فقال
المهاجرون والأنصار ما كان لنا فهو لرسول الله وأبى بعض المؤلفة قلوبهم من
قبائل العرب وقبائلهم فأعطاهم إبلا عوضا من ذلك ويأتي تفصيله في وقعة
حنين وجاءوا يوم حنين بأخته ص من الرضاعة وهي الشيماء بنت الحارث
فقالت يا رسول الله اني أختك من الرضاعة فبسط لها رداءه فاجلسها عليه
وقال إن أحببت فعندي محببة مكرمة وان أحببت ان أعطيك وترجعي إلى
قومك فقالت بل تعطيني وتردني إلى قومي.
كفالة عبد المطلب النبي ص
كفل النبي ص بعد أبيه جده عبد المطلب وقام بتربيته وحفظه أحسن
قيام ورق عليه رقة لم يرقها على ولده وكان يقربه منه ويدنيه ولا يأكل طعاما
الا احضره وكان يدخل عليه إذا خلا وإذا نام ويجلس على فراشه فيقول
دعوه.
ولما صار عمره ست سنين وذلك بعد مجيئه من عند حليمة بسنة
أخرجته امه إلى أخواله بني عدي بن النجار بالمدينة تزورهم به ومعه أم أيمن
تحضنه فبقيت عندهم شهرا ثم رجعت به امه إلى مكة فتوفيت بالابواء بين
المدينة ومكة فعادت به أم أيمن إلى مكة إلى جده عبد المطلب وبقيت تحضنه
فبقي في كفالة عبد المطلب من حين وفاة أبيه ثمان سنين. وتوفي عبد
المطلب وعمره ثمانون سنة فلما حضرته الوفاة اوصى ولده أبا طالب بحفظ
رسول الله ص وحياطته وكفالته ولم يكن أبو طالب أكبر اخوته سنا ولا
أكثرهم مالا فقد كان الحارث أسن منه والعباس أكثرهم مالا لكن عبد
المطلب اختار لكفالته أبا طالب لما توسمه فيه من الرعاية الكافية لرسول الله
ص ولأنه كان على فقره أنبل اخوته وأكرمهم وأعظمهم مكانة في قريش
وأجلهم قدرا فكفله أبو طالب وقام برعايته أحسن قيام، وكان يحبه حبا
شديدا لا يحبه ولده وكان لا ينام إلا إلى جنبه ويخرج فيخرج معه وصب به
أبو طالب صبابة لم يصب مثلها بشئ قط وكان يخصه بالطعام وكان أولاده
يصبحون رمصا شعثا ويصبح رسول الله ص كحيلا دهبنا وكان أبو طالب
توضع له وسادة بالبطحاء يتكئ عليها أو يجلس عليها فجاء النبي ص
فجلس عليها فقال أبو طالب ان ابن أخي هذا ليحس بنعيم وخرج به معه
إلى الشام وهو ابن اثنتي عشرة سنة بعد ما عزم على ابقائه بمكة لكنه أبى الا
ان يصحبه فاخذه معه حتى بلغ به بصرى فرآه بحيرا الراهب، ولم يزل أبو
طالب يكرمه ويحميه وينصره بيده ولسانه طول حياته. وحكى ابن أبي
الحديد في شرح النهج عن أمالي أبي جعفر محمد بن حبيب ان أبا طالب كان
كثيرا ما يخاف على رسول الله ص البيات فكان يقيمه ليلا من منامه ويضجع
ابنه عليا مكانه فقال له علي ليلة يا أبة اني مقتول فقال له أبو طالب:
- اصبرن يا بني فالصبر أحجى * كل حي مصيره لشعوب -
- قد بذلناك والبلاء شديد * لفداء الحبيب وابن الحبيب -
- لفداء الأغر ذي الحسب الثاقب * والباع والكريم النجيب -
- ان تصبك المنون فالنبل تبرى * فمصيب منها وغير مصيب -
- كل حي وان تملى بعمر * آخذ من مذاقها بنصيب -
واستسقى به أبو طالب وهو صغير. أخرج ابن عساكر ان أهل مكة
قحطوا فخرج أبو طالب ومعه غلام كأنه شمس دجن تجلت عنها سحابة
قتماء فاخذه أبو طالب فألصق ظهره بالكعبة ولاذ الغلام بإصبعه وما في
السماء قزعة فاقبل السحاب من هاهنا وهاهنا وأغدق وأخصبت الأرض
وفي ذلك يقول أبو طالب:
- وأبيض يستسقي الغمام بوجهه * ثمال اليتامى عصمة للأرامل -
- تلوذ به الهلاك من آل هاشم * فهم عنده في نعمة وفواضل -
(٢١٩)

وشهد الفجار وهو ابن عشرين سنة والفجار من حروب العرب
المشهورة كانت بين قيس وبين قريش وكنانة فكانت الدبرة أول النهار لقيس
على قريش وكنانة ثم صارت لقريش وكنانة على قيس قال رسول الله ص
حضرته مع عمومتي ورميت فيه بأسهم وما أحب أني لم أكن فعلت.
وسميت الفجار لأنها وقعت في الأشهر الحرم.
حلف الفضول
وحضر حلف الفضول وكان منصرف قريش من الفجار وكان أشرف
حلف وأول من دعا إليه الزبير بن عبد المطلب فاجتمعت بنو هاشم وزهرة
وتيم في دار عبد الله بن جدعان فتعاقدوا وتعاهدوا بالله لنكونن مع المظلوم
حتى يؤدي إليه حقه ما بل بحر صوفة، وفي التأسي في المعاش فسمت
قريش ذلك الحلف حلف الفضول ولا يعلم أحد سبق بني هاشم بهذا
الحلف قال رسول الله ص ما أحب ان لي بحلف حضرته في دار ابن
جدعان حمر النعم ولو دعيت به لأجبت.
تزوجه بخديجة
وخرج إلى الشام في تجارة لخديجة وهو ابن خمس وعشرين سنة مع
غلامها ميسرة وكانت خديجة ذات شرف ومال تستأجر الرجال في تجارتها ولما
علم أبو طالب بأنها تهئ تجارتها لارسالها إلى الشام مع القافلة قال له: يا
ابن أخي انا رجل لا مال لي وقد اشتد الزمان علينا وقد بلغني ان خديجة
استأجرت فلانا ببكرين ولسنا نرضى لك بمثل ما أعطته فهل لك ان أكلمها
قال ما أحببت فقال لها أبو طالب هل لك ان تستأجري محمدا فقد بلغنا
انك استأجرت فلانا ببكرين ولسنا نرضى لمحمد دون أربعة بكار فقالت لو
سالت ذلك لبعيد بغيض فعلنا فكيف وقد سألته لحبيب قريب فقال له أبو
طالب هذا رزق وقد ساقه الله إليك فخرج ص مع ميسرة بعد ان أوصاه
أعمامه به وباعوا تجارتهم وربحوا اضعاف ما كانوا يربحون وعادوا فسرت
خديجة بذلك ووقعت في نفسها محبة النبي ص وحدثت نفسها بالتزوج به
وكانت قد تزوجت برجلين من بني مخزوم توفيا وكان قد خطبها أشراف
قريش فردتهم فتحدثت بذلك إلى أختها أو صديقة لها اسمها نفيسة بنت
منية فذهبت إليه وقالت ما يمنعك ان تتزوج قال ما بيدي ما أتزوج به قالت
فان كفيت ذلك ودعيت إلى الجمال والمال والشرف والكفاءة ألا تجيب قال
فمن هي قالت خديجة قال كيف لي بذلك قالت علي ذلك فأجابها بالقبول
وخطبها إلى عمها أو أبيها وحضر مع أعمامه فزوجها به عمها لأن أباها كان
قد مات وقيل زوجها أبوها وأصدقها عشرين بكرة وانتقل إلى دارها وكان
ذلك بعد قدومه من الشام بشهرين وأيام وعمرها أربعون سنة وكانت امرأة
حازمة جلدة شريفة آمنت برسول الله ص أول بعثته واعانته بأموالها على
تبليغ رسالته وخففت من تألمه لخلاف قومه وقوت عقيدته ببراهين نبوته أول
ظهورها وعزيمته في المضي لما بعث به. وقد جاء انه انما قام الاسلام بأموال
خديجة وسيف علي بن أبي طالب ولذلك كان رسول الله ص يرى لها المكانة
العظمى في حياتها وبعد وفاتها التي كان لا يراها لواحدة من أزواجه.
بناء الكعبة المعظمة
وبنيت الكعبة وهو ابن خمس وثلاثين سنة وكانت قد تشعثت من
السيل فخافت قريش من هدمها ثم أقدمت عليه فلما بلغ البناء موضع
الحجر الأسود اختلفت بينها فيمن يضعه في مكانه وكل قبيلة أرادت ذلك
لنفسها حتى كادت تقع فتنة ثم رضوا بحكمه فحكم ان يوضع الحجر في
ثوب ويحمل أطرافه من كل قبيلة رجل فرضوا بذلك ثم اخذه من الثوب
ووضعه في مكانه.
صفته في خلقه وحليته
وقد جاءت صفته هذه في كلام أم معبد وأمير المؤمنين علي ع
وأنس بن مالك وهند بن أبي هالة وفي كلامهم مع ذلك صفة بعض أخلاقه
وأفعاله ولم نفصل بين الأمرين ليتبع الكلام بعضه بعضا ولا يكون مبتورا.
وصفته أم معبد الخزاعية حين مر عليها في هجرته إلى المدينة كما يأتي حين
قال لها زوجها صفيه لي. فقالت:
رأيت رجلا ظاهر الوضاءة متبلج الوجه حسن الخلق لم تعبه ثجلة (١)
ولم تزر به صعلة (٢) وسيم قسيم (٣) في عينيه دعج وفي أشفاره وطف وفي
صوته صحل (٤) احور (٥) اكحل أزج اقرن (٦) شديد سواد الشعر في عنقه
سطع (٧) وفي لحيته كثاثة إذا صمت فعليه الوقار وان تكلم سما وعلاه البهاء
وكان منطقه خرزات نظم يتحدرن اجهر (٨) الناس وأبهاه من بعيد وأحلاه
وأحسنه من قريب حلو المنطق فصل لا نزر ولا هذر ربعة لا تشنؤه من
طول ولا تقحمه (٩) عين من قصر غصن بين غصنين فهو انضر الثلاثة منظرا
وأحسنهم قدا له رفقاء يحفون به إذا قال استمعوا لقوله وان أمر تبادروا إلى
امره محفود محشود لا عابس ولا مفند (١٠). وقيل لأمير المؤمنين علي ع
كيف لم يصف أحد النبي ص كما وصفته أم معبد قال لأن النساء يصفن
الرجال بأهوائهن فيجدن في صفاتهن. ووصفه ص علي أمير المؤمنين ع
روى ذلك ابن سعد في الطبقات بعدة روايات بينها بعض التفاوت
والاختلاف في الألفاظ وكانه وصفه عدة مرار ونحن نجمع بينها ونذكر
حاصلها قال ع: كان ص أبيض اللون مشربا حمرة أدعج العين سبط
الشعر أسوده وفي رواية لم يكن بالجعد القطط ولا السبط كان جعدا
رجلا كث اللحية (١١) سهل الخد صلت الجبين ذا وفرة دقيق المسربة (١٢)
وفي رواية طويل المسربة كان عنقه إبريق فضة (١٣) له شعر من لبته
إلى سرته يجري كالقضيب ليس في بطنه ولا صدره شعر عيره شثن الكف والقدم
إذا مشى كأنما ينحدر من صبب (١٤) وإذا مشى كأنما ينقلع من صخر (١٥) وفي

(١) الثجلة بالضم عظم البطن
(٢) لم تعبه دقة ونحول
(٣) أعطي كل شئ منه قسمه من الحسن
(٤) الصحل البحوحة
(٥) الحور شدة بياض بياض العين وسواد سوادها ولا ينافيه ما ورد ان في عينيه حمرة دائما لان
وجود الحمرة في جانب لا ينافي شدة بياض ما ليس فيه حمرة.
(٦) مقرون الحاجبين متصل أحدهما بالآخر.
(٧) طول.
(٨) جهر الرجل كمنع عظم في عينيه وراعه جماله وهيأته وجهر ككرم فخم بين عيني الرائي
والاجهر الحسن المنظر.
(٩) لا تحتقره.
(١٠) ان قرئ بصيغة الفاعل فمعناه ليس بكثير اللوم والتخطئة لغيره وان قرئ بصيغة المفعول
فمعناه انه لا يجرؤ أحد على تخطئته وتفنيد رأيه.
(١١) كثيفها.
(١٢) المسربة بضم الراء ما دق من شعر الصدر سائلا إلى السرة.
(١٣) معناه كأن عنقه سيف فضة لأن الإبريق في اللغة السيف البراق وفي السيرة الحلبية الأبريق
السيف الشديد البريق.
(١٤) الصبب بالتحريك ما انحدر من الأرض كناية عن مشية بقوة وهي مشية أصحاب الهمم العلية
ومن قلبه حي بخلاف الماشي متهاونا كالخشبة أو طائشا ينزعج فالأول يدل على الخمول
وموت القلب والثاني على خفة الدماغ وموت القلب.
(١٥) أي يرفع رجله بقوة.
(٢٢٠)

رواية إذا مشى تقلع (١) كأنما ينحدر من صبب أو كأنما يمشي في صبب
وفي أخرى إذا مشى تكفا (٢) كأنما يمشي في صعد (٣) وفي رواية تكفا تكفؤا
كأنما ينحط من صبب إذا التفت التفت جميعا كان عرقه في وجهه اللؤلؤ
ولريح عرقه أطيب من المسك الأذفر إذا جاء مع القوم غمرهم (٤) ليس
بالقصير ولا بالطويل وفي رواية كان ربعة من القوم وفي رواية ليس
بالذاهب طولا وفوق الربعة وفي أخرى وهو إلى الطول أقرب. ولا
بالعاجز ولا اللئيم لم أر قبله ولا بعده مثله تدوير اجرد (٥) أجود الناس كفا
واجرأ الناس قلبا وأوسع الناس صدرا واصدق الناس لهجة وأوفى الناس
بذمة وألينهم عريكة وأكرمهم عشرة من رآه بديهة هابه (٦) ومن خالطه معرفة
أحبه (٧) يقول باغته أو ناعته لم أر قبله ولا بعده مثله ص اه‍.
ومما وصفه به بوابه انس بن مالك فيما رواه ابن سعد في الطبقات
فقال: ليس بالأبيض الأمهق (٨) ولا بالآدم (٩) وفي رواية كان أسمر وهو
ينافي الروايات الكثيرة القائلة انه كان أبيض مشربا بحمرة: وما شممت
مسكة ولا عنبرة أطيب من ريحه كثير العرق. وسئل سعد بن أبي وقاص كما
في طبقات ابن سعد هل خضب رسول الله ص قال لا كان شيبه في عنفقته
وناصيته ولو أشاء أعدها لعددتها. وروى ابن سعد في الطبقات بسنده عن
الحسن بن علي ع انه سال خاله هند بن أبي هالة التميمي عن
حلية رسول الله ص وكان وصافا فقال: كان رسول الله ص فخما مفخما
يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر أطول من المربوع وأقصر من المشذب (١٠)
عظيم الهامة رجل الشعر (١١) ان انفرقت عقيصته فرق والا فلا يجاوز شعره
شحمة أذنيه إذا هو وفره (١٢) أزهر اللون واسع الجبين أزج الحواجب سوابغ
في غير قرن. بينهما عرق يدره الغضب اقنى العرنين له نور يعلوه يحسبه من
لم يتأمله أشم (١٣) كث اللحية ضليع الفم (١٤) مفلج الأسنان دقيق المسربة كان
عنقه جيد دمية في صفاء الفضة معتدل الخلق بادن متماسك (١٥) سواء
البطن والصدر عريض الصدر بعيد ما بين المنكبين ضخم الكراديس أنور
المتجرد موصول ما بين اللبة والسرة بشعر يجري كالخط عاري الثديين
والبطن مما سوى ذلك أشعر الذراعين والمنكبين وأعالي الصدر طويل الزندين
رحب الراحة سبط القصب (١٦) شثن الكفين والقدمين سائل الأطراف (١٧)
خمصان الأخمصين (١٨) مسيح القدمين ينبو عنهما الماء (١٩) إذا زال زال قلعا (٢٠) يخطو
تكفؤا (٢١) ويمشي هونا (٢٢) ذريع المشية (٢٣) خافض الصوت نظره إلى الأرض
أطول من نظره إلى السماء (٢٤) جل نظره الملاحظة (٢٥) يسبق من لقيه بالسلام
ويبدر أصحابه بالمصافحة دائم الفكرة ليست له راحة لا يتكلم في غير حاجة
طويل السكوت يتكلم بجوامع الكلم فصل لا فضول ولا تقصير دمثا (٢٦)
ليس بالجافي ولا المهين يعظم النعمة وان دقت لا يذم ذواقا (٢٧) ولا يمدحه لا
تغضبه الدنيا وما كان لها فإذا تعوطي الحق لم يعرفه أحد (٢٨) ولم يقم لغضبه
شئ حتى ينتصر له لا يغضب لنفسه ولا ينتصر لها إذا أشار أشار بكفه كلها
وإذا تعجب قلبها وإذا تحدث يضرب براحته اليمنى باطن ابهامه اليسرى وإذا
غضب اعرض وأشاح (٢٩) وإذا فرح غض طرفه جل ضحكه التبسم ويفتر
عن مثل حب الغمام اه‍.
أخلاقه واطواره وآدابه
قال ابن شهرآشوب في المناقب: أما آدابه فقد جمعها بعض العلماء
والتقطها من الاخبار.
كان النبي ص أحكم الناس وأحلمهم وأشجعهم وأعدلهم وأعطفهم
وأسخاهم لا يثبت عنده دينار ولا درهم لا يأخذ مما آتاه الله الا قوت عامه

(١) في الفائق تقلع ارتقع قدمه على الأرض ارتفاعة كما تنقلع عنها وهو نفي للاختيال في المشي.
(٢) تكفأ تمايل إلى قدام لأن ذلك أقرب إلى الوقار والتواضع ولا ينصب قامته ولا يؤخر صدره
ويتمايل إلى وراء لأن ذلك فعل المتكبرين والمختالين.
(٣) الصعد بفتحتين خلاف الصبب اي كأنما يمشي في موضع عال. وكل هذه الصفات من قوله
كأنما ينحدر من صبب كأنما ينقلع من صخر إذا مشى تقلع وما يأتي في حديث ابن أبي هالة
إذا زال زال قلعا كناية عن أن مشية بقوة وعزم كمشي الأشداء كأنه يرفع رجليه من الأرض
رفعا قويا لا كمشي الكسالى الذين يجرون أرجلهم جرا أو المختالين الذين يتمايلون في
مشيهم.
(٤) في النهاية غمرهم أي كان فوق كل من معه من قولهم ماء غمر يغمر من دخله ويغطيه.
(٥) الأجرد ضد الأشعر وهو الذي على جميع بدنه شعر أي ليس على جميع بدنه شعر بل على
أماكن منه كالمسربة والساعدين والساقين - المؤلف -
(٦) لما يرى فيه من الوقار والجلال وملامح العزم والحزم وقوة الإرادة وعلو الهمة وشدة البأس.
(٧) لما يرى فيه من سعة الصدر وحسن الخلق والبر والجود وكرم العشرة.
(٨) الأمهق الكريه البياض كلون الجص.
(٩) الشديد السمرة.
(١٠) المشذب الطويل الطول مع نقص في لحمه وأصله من النخلة الطويلة التي شذب عنها
جريدها.
(١٠) المشذب الطويل البائن الطول مع نقص في لحمه وأصله من النخلة الطويلة التي شذب عنها
جريدها.
(١١) أي ليس شديد السبوطة ولا الجعودة بل بينهما.
(١٢) في السيرة الحلبية أي إذا انفرقت من ذات نفسها فرقها أي أبقاها مفروقة والا تركها على حالها
معصوقة ووفره أي جعله وفرة.
(١٣) العرنين الأنف والقنا طوله ودقة أرنبته مع حدب في وسطه والشمم ارتفاع قصبته واستواء
اعلاء واشراف الأرنبة قليلا أي أن الحدب في أنفه قليل جدا لا يدركه الا المتأمل ولذلك
يحسبه من لم يتأمله أشم.
(١٤) أي عظيمة وقيل واسعة والعرب تعد ذلك مدحا وغيره ذما.
(١٥) المتماسك الذي يمسك بعض أعضائه بعضا فهو معتدل الخلق.
(١٦) القصب بالتحريك عظام الأصابع وكل عظم مجوف فيه مخ.
(١٧) أي ممتدها وفي النهاية رواه بعضهم بالنون وهو بمعناه كجبريل وجبرين.
(١٨) الأخمص بفتح الميم من القدم الموضع الذي لا يلصق بالأرض منها عند الوطء والخمصان
بضم الخاء المبالغ منه أي ان ذلك الموضع من أسفل قدميه شديد التجافي عن الأرض.
(١٩) مسيح القدمين اي ملسا وانهما لينتان ليس فيهما تكسر ولا شقاق فإذا أصابهما الماء نبا عنهما ولم
يستقر.
(٢٠) الظاهر أنه بفتح القاف وسكون اللام أي إذا مشى كأنه ينقلع من الأرض قلعا ومر تفسيره في
الحواشي السابقة. وفي النهاية لابن الأثير: في حديث ابن أبي هالة في صفته عليه السلام إذا
زال زال قلعا يروى بالفتح والضم فبالفتح مصدر بمعنى الفاعل أي يزول قالعا لرجله من الأرض
وبالضم اما مصدر أو اسم وهو بمعنى الفتح وقال الهروي: قرأت هذا الحرف في كتاب
غريب الحديث لابن الأنباري قلعا بفتح القاف وكسر اللام وكذا قرأته بخط الأزهري وهو
كما جاء في حديث آخر كإنما ينحط من صبب والانحدار من
الصبب والتقلع من الأرض قريب بعضه من بعض أراد انه كان يستعمل
التثبت ولا يبين منه في هذه الحال استعجال
ومبادرة شديدة " اه‍ ".
(٢١) مر تفسيره.
(٢٢) الهون الرفق واللين والتثبت.
(٢٣) سريع المشي واسع الخطو.
(٢٤) وذلك أقرب إلى الوقار والتواضع.
(٢٥) اي قلما ينظر تحديقا.
(٢٦) لين الخلق سهله أصله من دمث المكان إذا لان وسهل.
(٢٧) الذواق كسحاب فعال بمعنى مفعول اي المأكول والمشروب.
(٢٨) فلا يراعي أحدا في الحق.
(٢٩) أصل الاشاحة الجد في الأمر وأشاح هنا أي جد في الأعراض ويحتمل ان يكون هنا بمعنى
اعراض ونحا وجهه. وفي تاج العروس أشاح بوجهه عن الشئ نحاه وفي صفته " ص " إذا
غضب اعرض وأشاح وقال ابن الأعرابي اعرض بوجهه وأشاح أي جد في الاعراض قال
والمشيح الجاد وإذا نحى الرجل وجهه عن وهج اصابه أو عن أذى قيل قد أشاح بوجهه
" أه‍ ".
(٢٢١)

فقط من يسير ما يجد من التمر والشعير ويضع سائر ذلك في سبيل الله ثم
يعود إلى قوت عامه فيؤثر منه حتى ربما احتاج قبل انقضاء العام ان لم يأته
شئ وكان يجلس على الأرض وينام عليها ويخصف النعل ويرقع الثوب
ويفتح الباب ويحلب الشاة ويعقل البعير ويطحن مع الخادم إذا أعيا ويضع
طهوره بالليل بيده ولا يجلس متكئا ويخدم في مهنة أهله ويقطع اللحم ولم
يتجشا قط ويقبل الهدية ولو أنها جرعة لبن ويأكلها ولا يأكل الصدقة ولا
يثبت بصره في وجه أحد يغضب لربه ولا يغضب لنفسه وكان يعصب
الحجر على بطنه من الجوع يأكل ما حضر ولا يرد ما وجد لا يلبس ثوبين
يلبس بردا حبرة يمنية وشملة وجبة صوف والغليظ من القطن والكتان وأكثر
ثيابه البياض ويلبس القميص من قبل ميامنه وكان له ثوب للجمعة خاصة
وكان إذا لبس جديدا أعطى خلق ثيابه مسكينا يلبس خاتم فضة في خنصره
الأيمن ويكره الريح الردية ويستاك عند الوضوء ويردف خلفه عبده أو غيره
ويركب ما امكنه من فرس أو بغلة أو حمار ويركب الحمار بلا سرج وعليه
العذار ويمشي راجلا ويشيع الجنائز ويعود المرضى في أقصى المدينة يجالس
الفقراء ويؤاكل المساكين ويناولهم بيده و يكرم أهل الفضل في أخلاقهم
ويتالف أهل الشر بالبر لهم يصل ذوي رحمه من غير أن يؤثرهم على غيرهم
إلا بما أمر الله ولا يجفو على أحد يقبل معذرة المعتذر إليه وكان أكثر الناس
تبسما ما لم ينزل عليه القرآن أو تجر عظة وربما ضحك من غير قهقهة لا
يرتفع على عبيده وإمائه في ماكل ولا في ملبس ما شتم أحدا بشتمة ولا لعن
امرأة ولا خادما بلعنة ولا لاموا أحدا الا قال دعوه لا يأتيه أحد حر أو عبد
أو أمة الا قام معه في حاجته ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يغفر ويصفح
يبدأ من لقيه بالسلام وإذا لقي مسلما بدأه بالمصافحة وكان لا يقوم ولا
يجلس إلا على ذكر الله وكان لا يجلس إليه أحد وهو يصلي إلا خفف صلاته
واقبل عليه وقال أ لك حاجة وكان يجلس حيث ينتهي به المجلس ويأمر بذلك
وكان أكثر ما يجلس مستقبل القبلة وكان يكرم من يدخل عليه حتى ربما
بسط له ثوبه ويؤثر الداخل بالوسادة التي تحته وكان في الرضى والغضب لا
يقول الا حقا وكان يأكل القثاء بالرطب والملح وكان أحب الفواكه الرطبة
إليه البطيخ والعنب وأكثر طعامه الماء والتمر وكان يتمجع اللبن بالتمر
ويسميهما الأطيبين وكان أحب الطعام إليه اللحم ويأكل الثريد باللحم وكان
يحب القرع وكان يأكل لحم الصيد ولا يصيده وكان يأكل الخبز والسمن
وكان يحب من الشاة الذراع والكتف ومن الصباغ الخل ومن التمر العجوة
ومن البقول الهندبا وكان يمزح ولا يقول الا حقا.
قال ابن سعد في الطبقات: كان قبل النبوة أفضل قومه مروءة
وأحسنهم خلقا وأكرمهم مخالطة وأحسنهم حوارا وأعظمهم حلما وأمانة
وأصدقهم حديثا وابعدهم من الفحش والأذى وما رئي ملاحيا ولا مماريا
أحدا حتى سماه قومه الأمين لما جمع الله من الأمور الصالحة فيه اه‍.
وفيه عن عائشة مجموعا من عدة أحاديث قالت ما خير رسول الله ص
بين أمرين أحدهما أيسر من الآخر الا اختار الذي هو الأيسر (١) وما انتقم لنفسه
الا ان تنتهك حرمة الله فينتقم لله ولا ضرب بيده شيئا قط إلا أن يضرب بها
في سبيل الله ولا سئل شيئا قط فمنعه إلا أن يسال مأثما وفيه عن
عبيد بن عمير بلغني ان رسول الله ص ما أتي في غير حد الا عفا عنه.
وعن زياد بن أبي زياد كانت خصلتان لا يكلهما رسول الله ص إلى
أحد الوضوء من الليل حين يقوم والسائل يقوم حتى يعطيه وهو معنى ما ورد
في خبر آخر: ما رأيت رسول الله ص يكل صدقته إلى غير نفسه حتى يكون
هو الذي يضعها في يد السائل ولا رأيت رسول الله ص وكل وضوءه إلى غير
نفسه حتى يكون هو الذي يهئ وضوءه لنفسه حين يقوم من الليل
وروي انه لم يكن خلق أبغض إليه من الكذب وفي طبقات ابن سعد ان
الحسين بن علي ع سال أباه عن النبي ص فقال كان إذا أوى إلى
منزله جزأ دخوله ثلاثة اجزاء جزءا لله وجزءا لأهله وجزءا لنفسه ثم جزأ
جزءه بينه وبين الناس ويقول ليبلغ الشاهد الغائب وأبلغوني حاجة من لا
يستطيع ابلاغي حاجته فإنه من أبلغ سلطانا حاجة من لا يستطيع ابلاغها
إياه ثبت الله قدميه يوم القيامة وكان يخزن لسانه الا مما يعنيهم ويؤلفهم ولا
يفرقهم أو قال ينفرهم ويكرم كريم كل قوم ويوليه عليهم ويحذر الناس
ويحترس منهم من غير أن يطوي عن أحد بشره ولا خلقه ويتفقد أصحابه
ويسال الناس عما فيه الناس ويحسن الحسن ويقويه ويقبح القبيح ويوهنه
أفضل الناس عنده أعمهم نصيحة وأعظمهم عنده منزلة أحسنهم مواساة
ومؤازرة يعطي كل واحد من جلسائه نصيبه حتى لا يحسب جليسه ان أحدا
أكرم عليه منه من جالسه أو قاومه في حاجة صابره (٢) حتى يكون هو
المنصرف عنه ومن سأله حاجة لم يرده الا بها أو بميسور من القول قد وسع
الناس منه بسطه وخلقه فصار لهم أبا وصاروا في الحق عنده سواء مجلسه
مجلس حلم وحياء وصبر وأمانة لا ترفع فيه الأصوات ولا تؤبن فيه الحرم (٣)
ولا تنثي فلتأته (٤) يوقرون فيه الكبير ويرحمون الصغير ويؤثرون ذا الحاجة
ويحفظون الغريب وكان دائم البشر سهل الخلق لين الجانب ليس بفظ ولا
غليظ ولا صخاب (٥) ولا فحاش ولا عياب قد ترك نفسه من ثلاث المراء
والاكثار ومما لا يعنيه وترك الناس من ثلاث كان لا يذم أحدا ولا يعيره ولا
يطلب عورته ولا يتكلم الا فيما رجا ثوابه إذا تكلم أطرق جلساؤه كأنما على
رؤوسهم الطير ولا يتنازعون عنده من تكلم عنده انصتوا له حتى يفرع
يضحك مما يضحكون منه ويتعجب مما يتعجبون منه ويصبر للغريب على
الجفوة في منطقه ومسألته ولا يقطع على أحد حديثه اه‍.
ومما جاء في صفته ص انه كان يسال عن أصحابه فإن كان أحدهم
غائبا دعا له وإن كان شاهدا زاره وإن كان مريضا عاده وإذا لقيه الرجل
فصافحه لم ينزع يده من يده حتى يكون الرجل هو الذي ينزعها ولا يصرف
وجهه عن وجهه حتى يكون الرجل هو الذي يصرفه وإذا لقيه أحد فقام معه
أو جالسه أحد لم ينصرف حتى يكون الرجل هو الذي ينصرف عنه وما
وضع أحد فمه في أذنه الا استمر صاغيا حتى يفرع من حديثه ويذهب.
وكان ضحوك السن أشد الناس خشية وخوفا من الله وما ضرب امرأة له ولا
خادما يسبق حلمه غضبه ولا تزيده شدة الجهل عليه الا حلما أحسن الناس
خلقا وأرجحهم حلما وأعظمهم عفوا أجود بالخير من الريح المرسلة أشجع
الناس قلبا وأشدهم بأسا وأشدهم حياء أشد حياء من العذراء في خدرها
وإذا اخذه العطاس وضع يده أو ثوبه على فيه يحب الفال الحسن ويغير
الاسم القبيح بالحسن يشاور أصحابه في الأمر أكثر الناس إغضاء عن

(١) اي الأيسر لغيره لا له.
(٢) قاومه قال معه وصابره صبر عليه وهذا بمعنى ما ورد انه إذا لقيه أحد فقام قام معه أو جالسه لم
ينصرف حتى يكون الرجل هو الذي ينصرف عنه.
(٣) اي لا يذكرن بقبيح من ابنه بابنه كضرب أو كنصر إذا رماه بالقبيح.
(٤) اي لا يذكرن بقبيح من ابنه بابنه كضرب أو كنصر إذا رماه بالقبيح.
(٤) اي لا تذاع من نئوت الحديث إذا أذعته.
(٥) الصخب محركة شدة الصوت.
(٢٢٢)

العورات إذا كره شيئا عرف في وجهه ولم يشافه أحدا بمكروه حتى إذا بلغه
عن أحد ما يكره لم يقل ما بال فلان يقول أو يفعل كذا بل ما بال أقوام
أوسع الناس صدرا ما دعاه أحد من أصحابه أو أهل بيته الا قال لبيك
يخالط أصحابه ويحادثهم ويداعب صبيانهم ويجلسهم في حجره يجيب دعوة
الحر والعبد والأمة والمسكين ولا يدعوه احمر ولا أسود من الناس إلا أجابه لم
ير قط مادا رجليه بين أصحابه ولا مقدما ركبتيه بين يدي جليس له قط
وقال انس خدمت رسول الله ص عشر سنين فما رأيته قط أدنى ركبتيه من
ركبة جليسه إلى أن قال وما قال لشئ صنعته لم صنعت كذا ولقد
شممت العطر فما شممت ريح شئ أطيب ريحا من رسول الله ص يدعو
أصحابه بأحب أسمائهم ويكنيهم وإذا سمع بكاء الصغير وهو يصلي خفف
صلاته. أكثر الناس شفقة على خلق الله وأرأفهم بهم وأرحمهم بهم أوصل
الناس للرحم وأقومهم بالوفاء وحسن العهد يأكل على الأرض وقال آكل كما
يأكل العبد وأجلس كما يجلس العبد فإنما أنا عبد يلبس الغليظ ويحب التيامن
في شانه كله في طهوره وترجله وتنعله يعود المساكين بين أصحابه
ويعلف ناضحة ويقم البيت ويجلس ويأكل مع الخادم ويحمل بضاعته من السوق لا
يجمع في بطنه بين طعامين أرجح الناس عقلا وأفضلهم رأيا. ما سئل شيئا
قط فقال لا إذا أراد ان يفعل قال نعم وإذا لم يرد ان يفعل سكت وكان إذا
جاء شهر رمضان اطلق كل أسير وأعطى كل سائل وكان أصبر الناس على
أوزار الناس وإذا مشى أسرع ليس بالعاجز ولا الكسلان وما رئي يأكل
متكئا قط. وكثيرا ما يصلي في نعليه ويلبس القلانس اللاطئة ويلبس
القلنسوة تحت العمامة وبدون عمامة ويتعمم بدون قلنسوة وكان له عمامة
سوداء دخل يوم فتح مكة وهو لابسها وكان يلبسها في العيدين ويرخيها
خلفه وروي انها كانت تسعة أكوار وقال بعضهم الظاهر أنها كانت نحو
عشرة أذرع بذراع اليد وكانت له بردة يخطب فيها توارثها الخلفاء وادعوا
انها بردته ص.
ومما جاء في وصفه ص انه كان حسن الاصغاء إلى محدثه لا يلوي عن
أحد وجهه ولا يكتفي بالاستماع إلى من يحدثه بل يلتفت إليه بكل جسمه
وكان قليل الكلام كثير الإنصات ميالا للجد من القول ويضحك أحيانا
حتى تبدو نواجذه فإذا غضب لم يظهر من اثر غضبه الا نفرة عرق بين
حاجبيه.
قصة زينب بنت جحش
هذه القصة تستحق التمحيص فقد نزل فيها القرآن الكريم
واشتملت على عدة احكام خالفت احكام الجاهلية وذكر فيها بعض
المفسرين من المسلمين ما يشوهها ويخرجها عن حقيقتها كما ذكروا في قصة
يوسف وزليخا وداود وامرأة أوريا. مثل ان رسول الله ص جاء إلى منزل
زوجها زيد وكان غائبا فرآها تغتسل فقال سبحان خالقك أو ان الهواء رفع
الستر فرآها نائمة فوقعت في نفسه فقال شبه ذلك وانه لما جاء زيد أخبرته
فظن أنها وقعت في نفسه فأراد طلاقها ليتزوجها رسول الله ص فقال له
أمسك عليك زوجك ونحو ذلك واستغل ذلك من يريد عيب الاسلام.
والحقيقة أن زينب كانت بنت عمة رسول الله ص لأن أمها أميمة بنت
عبد المطلب وقد كان ص يعرفها طفلة وشابة وهي بمنزلة إحدى بناته وهذا
يكذب انه لما رآها وقعت في قلبه ثم هو الذي خطبها على زيد مولاه
وساق عنه المهر فلو كان لها هذا الجمال البارع وهذه لمكانة من
قلبه لخطبها إلى أهلها بدلا من أن يخطبها على مولاه ولكان أهلها أسرع
إلى اجابته من اجابتهم إلى تزويجها بمولاه وعتيقه واحتمال انها
وقعت في قلبه بعد ما تزوجت ولم تقع في قلبه وهي خلية سخيف
كما ترى فان دواعي الطبيعة قبل تزوجها أكثر وأشد ولكن زينب
كانت تستطيل على زيد بقربها من رسول الله ص وانها ابنة عمته
وانها قرشية وهو مولى والعرب ترى التزوج بالموالي عارا وانما زوجها
رسول الله ص بزيد كسرا لنخوة الجاهلية ورغما عن إبائها وإباء عمها
عبد الله حتى نزل فيهما على بعض الروايات وما كان لمؤمن أو مؤمنة إذا
قضى الله ورسوله أمرا ان يكون لهم الخيرة من امرهم ومن يعص الله
ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا فلم يجدا بدا من إطاعة أمر رسول الله ص
وكان تزويجها بزيد عن غير رغبة منها أحد أسباب نفورها منه. فاشتكى
زيد إلى رسول الله ص مرارا سوء خلقها معه وأراد طلاقها والرسول ص
يقول له أمسك عليك زوجك. ثم لما طال به الأمر طلقها وكان رسول الله
ص قد تبناه فكان يقال له زيد بن محمد حتى نزلت ادعوهم لآبائهم هو
اقسط عند الله فقيل زيد بن حارثة وكان أهل الجاهلية يجرون على المتبني
احكام الابن النسبي من الميراث وتحريم النكاح فأنزل الله تعالى: وما جعل
أدعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي
السبيل. فلما طلقها أراد رسول الله ص ان يتزوجها ليمحو تلك العادة
الجاهلية بالفعل كما محيت بالقول وبقي في نفسه بعض الاحجام لما عسى ان
يقوله الناس في مخالفة هذه العادة المتأصلة في نفوسهم فيقولوا تزوج زوجة
ابنه فخاطبه الله تعالى مقويا عزيمته بقوله: وتخفي في نفسك ما الله مبديه
وتخشى الناس والله أحق ان تخشاه فنفذ ما امره الله تعالى به من أبطال
احكام الجاهلية وتزوجها فنزل قوله تعالى: فلما قضى زيد منها وطرا
زوجناكها لكيلا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن
وطرا وكان أمر الله مفعولا.
أولاده
١ القاسم وبه كان يكنى عاش حتى مشى ومات بمكة ٢ عبد الله
ويلقب بالطيب والطاهر لولادته بعد الوحي ولد بمكة بعد الاسلام ومات بها
وبعضهم يعد الطيب والطاهر اثنين ٣ فاطمة وهي صغرى بناته تزوجها
علي ع بعد الهجرة ٤ زينب وهي كبراهن تزوجها قبل الاسلام أبو
العاص القاسم. قال المرزباني في معجم الشعراء: وهو الثبت ويقال لقيط
ويقال مهشم بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف. وهو ابن
أخت خديجة امه هالة بنت خويلد فمحمد النبي ص صهره ٥ رقية ٦ أم
كلثوم زوجهما النبي ص من عتبة وعتيبة ابني عمه أبي لهب فلما جاء الاسلام
بلغ من عداوة قريش للنبي ص ان قالوا فرغتم محمدا من همه بتزويج بناته
فقالوا لأبي العاص طلق ابنة محمد ونزوجك بنت من أردت من قريش فأبى
وطلبوا مثل ذلك إلى عتبة وعتيبة فطلقا زوجتيهما فتزوجهما عثمان واحدة بعد
واحدة وأم الكل خديجة ٧ إبراهيم بن مارية القبطية ولد بالمدينة ومات
وهو ابن ثمانية عشر شهرا.
أعمامه ص
أبو طالب واسمه عبد مناف والزبير وحمزة والمقوم والعباس وضرار
والحارث وقثم وأبو لهب واسمه عبد العزى والغيداق واسمه مصعب أو
نوفل وزاد بعضهم جحل واسمه المغيرة وعبد الكعبة.
(٢٢٣)

عماته ص
صفية أم الزبير بن العوام وهي شقيقة حمزة وعاتكة وأم حكيم وبرة
وأميمة وأروى.
بوابه ص
انس بن مالك مولاه
شعراؤه ص
حسان بن ثابت وعبد الله بن رواحة وكعب بن مالك.
مؤذنوه ص
بلال وابن أم مكتوم بالمدينة وسعد القرط مولى عمار بن ياسر بقبا،
سلاحه ص
كان له تسعة سيوف منها ذو الفقار وسبع دروع منها ذات الفضول
وست قسي وثلاث أتراس ورمحان وثلاث حراب وخوذتان.
دوابه ص
أفراسه أربع لزاز والظرب والمرتجز واليعسوب وقيل ست فزيد
السكب واللحيف ونوقه المعدة للركوب ثلاث القصواء والعضباء
والصهباء وبغاله ست أشهرها دلدل وكانت شهباء وحمره اثنان
أحدهما يعفور.
نقش خاتمة ص
محمد رسول الله ثلاثة أسطر وقيل كان نقش خاتمه أشهد أن لا
إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وكان خاتمه من حديد ملوي عليه فضة.
مشاهير كتابه
في السيرة الحلبية عن جماعة: كان كتابه ستة وعشرين كاتبا وقيل
اثنين وأربعين قال وأول من كتب له من قريش بمكة عبد الله بن سعد بن
أبي سرح العامري ثم ارتد وكان يقول كنت اصرف محمدا حيث أريد كان
يملي علي عزيز حكيم فأقول أو عليم حكيم فيقول نعم، ونزل فيه: فمن
أظلم ممن افترى على الله كذبا وأمر ص بقتله يوم الفتح ففر إلى عثمان وكان
أخاه من الرضاعة أرضعته أم عثمان فغيبه عثمان ثم جاء به واستأمن له
رسول الله ص فسكت طويلا ثم قال نعم فلما انصرف عثمان قال رسول
الله ص ما صمت عنه إلا لتقتلوه. قال وأول من كتب له من الأنصار
بالمدينة أبي بن كعب كان في أغلب أحواله يكتب الوحي قال وأبو بكر وعمر
وعثمان وعلي وعامر بن فهيرة وعبد الله بن أرقم وكان يكتب الرسائل
للملوك وغيرهم وثابت بن قيس بن شماس وزيد بن ثابت ومعاوية بن أبي
سفيان وأخوه يزيد والمغيرة بن شعبة والزبير بن العوام وخالد بن الوليد
والعلاء بن الحضرمي وعمرو بن العاص وعبد الله بن رواحة ومحمد بن
مسلمة وعبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول اه‍
ملخصا وكانت كتابة جلهم بالمناوبة وعند الحاجة. وحكى صاحب السيرة
الحلبية عن بعضهم كان معاوية وزيد بن ثابت ملازمين للكتابة بين يدي رسول الله
ص في الوحي وغيره لا عمل لهما غير ذلك اه‍ قال ابن حجر في الإصابة قال
المدائني كان زيد بن ثابت يكتب الوحي وكان معاوية يكتب للنبي ص فيما
بينه وبين العرب أه‍. فقول هذا البعض مع جهالته في الوحي وغيره يراد
به كتابة زيد الوحي ومعاوية رسائل العرب وإلا فلا يعارض قول المدائني
وفي الاستيعاب معاوية أحد الذين كتبوا لرسول الله ص أه‍. ولو كان
يكتب الوحي لذكره ثم قال في الاستيعاب: روى أبو داود الطيالسي قال
نا هشيم وأبو عوانة عن أبي حمزة عن ابن عباس أن رسول الله ص بعث
إلى معاوية يكتب له فقيل إنه يأكل ثم بعث إليه فقيل إنه يأكل فقال رسول الله
ص لا أشبع الله بطنه اه‍.
المبعث
بعث رسول الله ص بالنبوة في السابع والعشرين من شهر رجب يوم
الاثنين على ما روي عن أئمة أهل البيت ع وعمره أربعون
سنة. وكان قبيل البعثة يختلي للعبادة في غار في أعلى جبل يقال له حراء
على ثلاثة أميال من شمال مكة فبقي على ذلك عدة سنين وفي ذلك الغار
نزل عليه الوحي وكان أوله الرؤيا الصادقة روى البخاري ومسلم أن أول
ما بدئ به رسول الله ص من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم فكان لا يرى
رؤيا الا جاءت مثل فلق الصبح ثم حبب إليه الخلاء فكان يأتي حراء
فيتحنث فيه وهو التعبد الليالي ذوات العدد حتى فجأه الحق وهو في
غار حراء فجاءه الملك فقال: اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان
من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم
فرجع بها يرجف فؤاده حتى دخل على خديجة فقال زملوني فزملوه حتى
ذهب عنه الروع فقال يا خديجة ما لي؟ وأخبرها الخبر وقال قد خشيت علي
فقالت له كلا ابشر فوالله لا يخزيك الله أبدا أنك لتصل الرحم وتصدق
الحديث وتحمل الكل وتقري الضعيف وتعين على نوائب الحق وروى
الواحدي في أسباب النزول بسنده عن عكرمة والحسن أن أول ما أنزل
سورة العلق ثم روى بسنده عن جابر بن عبد الله الأنصاري أنه سئل أي
القرآن أنزل قبل قال يا أيها المدثر قبل أو اقرأ باسم ربك فذكر أن رسول
الله ص حدثه قال جاورت بحراء شهرا ثم نزلت فاستبطنت بطن الوادي
فنوديت فنظرت أمامي وخلفي وعن يميني وعن شمالي ثم نظرت إلى السماء
فإذا هو في الهواء يعني جبريل فاخذتني رجفة فاتيت خديجة فامرتهم فدثروني
ثم صبوا علي الماء فأنزل الله علي يا أيها المدثر قم فانذر ثم جمع بين
الروايتين بالحديث عن جابر عن النبي بينما أنا أمشي فإذا الملك الذي جاءني
بحراء جالسا على كرسي بين السماء والأرض فجثثت (١) منه رعبا فوجعت
فقلت زملوني زملوني فدثروني فأنزل الله: يا أيها المدثر. قال الطبرسي في
مجمع البيان بعد نقل ذلك: وفي هذا ما فيه لأن الله تعالى لا يوحي إلى
رسوله إلا بالبراهين النيرة والآيات البينة الدالة على أن ما يوحى إليه إنما هو
من الله تعالى فلا يحتاج إلى شئ سواها ولا يفزع ولا يفرق وقيل إنه كان قد
تدثر بشملة صغيرة لينام فنزلت وقيل أول ما أنزل سورة الفاتحة ففي مجمع
البيان أن الحاكم روى بسنده أن رسول الله ص قال لخديجة إذا خلوت
سمعت نداء فقالت ما يفعل الله بك إلا خيرا فوالله أنك لتؤدي الأمانة

(١) اي فزعت.
(٢٢٤)

وتصل الرحم وتصدق الحديث قالت خديجة فانطلقنا إلى ورقة بن نوفل بن
أسد بن عبد العزى وهو ابن عم خديجة وكان من أهل العلم الأول فأخبره
رسول الله ص بما رأى فقال له ورقة إذا أتاك فأثبت له حتى تسمع ما يقول
ثم ائتني فأخبرني فلما خلا ناداه يا محمد قل بسم الله الرحمن الرحيم الحمد
لله رب العالمين حتى بلغ ولا الضالين قل لا إله إلا الله فاتى ورقة فذكر له
ذلك فقال له أبشر ثم ابشر فانا أشهد أنك الذي بشر به ابن مريم وأنك
على مثل ناموس موسى وأنك نبي مرسل وأنك سوف تؤمر بالجهاد ولئن
أدركني ذلك لأجاهدن معك وروي أن ورقة قال في ذلك شعرا:
- فان يك حقا يا خديجة فاعلمي * حديثك أيانا فاحمد مرسل -
- وجبريل يأتيه وميكال معهما * من الله وحي يشرح الصدر ينزل -
- يفوز به من فاز عزا لدينه * ويشقي به الغاوي الشقي المضلل -
- فريقان منهم فرقة في جنانه * واخرى بأغلال الجحيم تغلل -
أقول وفي هذا أيضا ما فيه كما سبق عن مجمع البيان من أن الله
تعالى لا يوحي إلى رسوله إلا بالبراهين النيرة ولم يكن ورقة أعرف بالله
وبآياته منه ص حتى يأتي إليه ويستثبت منه ويوشك أن تكون هذه الروايات
كروايات الغرانيق الآتية وسهوه في الصلاة وشبه ذلك.
احتباس الوحي عن رسول الله
في مجمع البيان: احتبس عنه الوحي خمسة عشر يوما عن ابن عباس
وقيل اثني عشر يوما عن ابن جريح وقيل أربعين يوما عن مقاتل قال ابن
عباس فقال المشركون أن محمدا قد ودعه ربه وقلاه ودعه تركه وقلاه
أبغضه ولو كان أمره من الله لتتابع عليه الوحي فنزلت والضحى والليل
إذا سجى ما ودعك ربك وما قلى وروى الواحدي في أسباب النزول عن
البخاري ومسلم أن امرأة من قريش قالت له ما أرى شيطانك إلا ودعك
فنزلت وحكى الطبرسي في مجمع البيان أن القائلة له ذلك هي أم جميل بنت
حرب زوجة أبي لهب. وروى الواحدي في أسباب النزول أنه أبطأ جبريل
عن النبي ص فجزع جزعا شديدا فقالت خديجة قد قلاك ربك لما يرى من
جزعك فنزلت أقول الصواب أن القائل له ذلك المشركون أو أم جميل أو
الجميع أما خديجة فكانت أعرف بمقام رسول الله ص من أن تقابله بهذا
الكلام وكانت عادتها إذا رأت منه ما يهمه أن تسليه لا أن تزيد في همه
وتجابهه بقولها: قد قلاك ربك.
حالة الناس قبل الاسلام
كان الناس قبل الاسلام يعبدون الأصنام كمشركي العرب وغيرهم
ومنهم من يعبد النار وهم المجوس. ومنهم من يعبد النجوم والكواكب
ومنهم من يعبد الملائكة. ومنهم من يعبد الآدميين. ومن عبدة الأصنام
والأوثان من لا يؤمن بالبعث ويرى أن الأصنام تنفعه في دنياه ويقول: إن
هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين أ إذا كنا عظاما ورفاتا أ إنا
لمبعوثون خلقا جديدا. أ إذا متنا وكنا ترابا وعظاما أ إنا لمبعوثون. أ يعدكم
أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون. وقال في ذلك شاعرهم:
- ذرينا نصطبح يا أم عمرو * فان الموت نقب عن هشام -
- و نقب عن أبيك أبي سعيد * أخي الفتيان والشرب الكرام -
- يخبرنا ابن كبشة أن سنحيا * وكيف حياة أصداء وهام -
- أ تقتلني إذا ما كنت حيا * وتحييني إذا بليت عظامي -
والذين كانوا على شرائع الأنبياء كانوا قد غيروا وبدلوا واتخذوا
رؤساءهم أربابا من دون الله حللوا لهم حراما وحرموا عليهم حلالا
فاتبعوهم وأشركوا بالله تعالى جعلوا له شركاء من خلقه ومن الآدميين
وكانت العرب ومنها قريش عشيرة رسول الله ص تعبد الأصنام من الاحجار
والأشجار والرصاص والنحاس والخشب تعملها بأيديها ثم تعبدها وتقول ما
نعبدهم الا ليقربونا إلى الله زلفى. وكان لكل قبيلة صنم وفي كل بيت
صنم أو أصنام فيسجدون لها وينحرون ويذبحون لها ويسألونها حوائجهم
ويجعلون لها السدنة وينذرون لها النذور. وكانوا يأخذون الربا ويشربون
الخمر ويطوفون بالبيت عراة رجالا ونساء وقد فشا فيهم الزنا وارتكاب
الفواحش.
بما ذا بعث النبي
فبعث الله تعالى نبيه على حين فترة من الرسل خاتما للنبيين وناسخا
شرائع من كان قبله من المرسلين إلى الناس كافة أسودهم وأبيضهم عربيهم
وعجميهم وقد ملئت الأرض من مشرقها إلى مغربها بالخرافات والسخافات
والبدع والقبائح وعبادة الأوثان.
فقام ص في وجه العالم كافة ودعا إلى الايمان بإله واحد خالق رازق
مالك لكل أمر وبيده النفع والضر لم يكن له شريك في الملك ولم يكن له
ولي من الذل ولم يتخذ صاحبة ولم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد آمرا
بعبادته وحده لا شريك له مبطلا عبادة الأصنام والأوثان التي لا تضر ولا
تنفع ولا تعقل ولا تسمع ولا تدفع عن أنفسها ولا عن غيرها ضرا ولا ضيما
متمما لمكارم الأخلاق حاثا على محاسن الصفات آمرا بكل حسن ناهيا عن
كل قبيح. قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد
إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله.
سهولة الشريعة الاسلامية وسماحتها
واكتفى من الناس بان يقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله ويقيموا
الصلاة ويؤتوا الزكاة ويصوموا شهر رمضان ويحجوا البيت ويلتزموا باحكام
الاسلام. وكان قول هاتين الكلمتين لا إله إلا الله محمد رسول الله موجبا
أن يكون لقائلهما ما للمسلمين وعليه مما عليهم على أي حال كان ولو قالهما
والسيف على رأسه.
سمو التعاليم الاسلامية
بعث بالمساواة في الحقوق بين جميع الخلق وإن أحد خير من أحد إلا
بالتقوى. وبالأخوة بين جميع المؤمنين: انما المؤمنون اخوة وبالكفاءة بينهم:
المؤمنون بعضهم اكفاء بعض. المؤمنون تتكافؤ دماؤهم ويسعى بذمتهم
أدناهم وبالعفو العام عمن دخل في الاسلام: الاسلام يجب ما قبله.
وسن شريعة باهرة وقانونا عادلا تلقاه عن الله تعالى وتلقاه عنه
المسلمون وحفظوه في صدورهم وفي كتبهم ولم يختلفوا في لبه وجوهره
وأجمعوا واتفقوا عليه وإن اختلفوا في بعض تفاريعه مع كون كل منهم يرى
أنه يرجع في رأيه إلى الأصل المسلم بينهم ويرد تلك التفاريع إليه فكان هذا
القانون جامعا لاحكام عباداتهم معاملاتهم وما يحتاجونه في معاشهم
ومعادهم فكان عباديا اجتماعيا سياسيا اخلاقيا لا يشذ عنه شئ مما يمكن
وقوعه في الكون ويحتاج إليه بنو آدم فما من واقعة تقع ولا حادثة تحدث الا
(٢٢٥)

ولها في الشريعة الاسلامية أصل مسلم عند المسلمين ترجع إليه وهذا مما
امتازت به الشريعة الاسلامية ذلك لأنها خاتمة الشرائع وباقية إلى انقراض
عمر الدنيا. ففي العبادات الطهارة، والصلاة، والزكاة، والصوم،
والحج. وفي المعاملات والاجتماعيات: البيع، والإجارة، والمزارعة،
والمساقاة، والهبة. وفي احكام هذه المذكورات حفظ نظام الاجتماع.
وفيها النكاح لبقاء النسل وقطع مادة الفساد، والميراث، والوصية والوقف
لئلا يحرم المرء من منفعة ماله بعد موته، والقضاء لرفع الخصام على قاعدة
العدل وفي الأخلاقيات العشرة والآداب، والأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر وفي السياسيات الجهاد لحفظ بيضة الاسلام والدفاع عن الوطن،
والسبق والرماية لتعليم فنون الحرب والجندية، والحدود والديات لحفظ
النفوس والأموال وقمع الجرائم. على أن العبادات في الدين الاسلامي لا
تتمحض لمجرد العبادة ففيها منافع بدنية واجتماعية وسياسية فالطهارة تفيد
النظافة، وفي الصلاة رياضة البدن، وفي صلاة الجماعة والحج فوائد
اجتماعية وسياسية ظاهرة وفي الصوم فوائد صحية لا تنكر والإحاطة بفوائد
الاحكام الاسلامية الظاهرة فضلا عن الخفية تتعسر أو تتعذر، ولما في هذا
الدين من محاسن وموافقة أحكامه للعقول وسهولتها وسماحتها ورفع الحرج
فيه والاكتفاء باظهار الشهادتين ولما في تعاليمه من السمو والحزم والجد دخل
الناس فيه أفواجا وقضى أهله على أعظم ممالك الأرض مملكة الأكاسرة
ومملكة الروم واخترق شرق الأرض وغربها ودخل جميع أقاليمها وأقطارها
ودانت به الأمم على اختلاف عناصرها ولغاتها. ولم يمض زمن قليل حتى
أصبح هذا الرجل الذي فر من مكة مستخفيا وأصحابه يعذبون ويستذلون
ويفتنون عن دينهم يعتصمون تارة بالخروج إلى الحبشة مستخفين واخرى
بالخروج إلى المدينة متسللين يدخل مكة بأصحابه هؤلاء في عمرة القضاء
ظاهرا على رغم جبابرة قريش لا يستطيعون دفعه ولا منعه ولم تمض إلا مدة
قليلة حتى دخل مكة فاتحا لها مالكا رقاب أهلها فدخلوا في الاسلام طوعا
وكرها وتوافدت عليه رؤساء العرب مقدمة طاعتها وسمت نفسه إلى مكاتبة
ملوك الأرض كسرى وقيصر ومن دونهما ودعاهما إلى الاسلام أو الجزية وغزا
بلاد قيصر مع بعد الشقة وظهر دينه على الدين كله كما وعده ربه وفتح
اتباعه ممالك الدنيا ولم يقم هذا الدين بالسيف والقهر كما يصوره من يريد
الوقيعة فيه بل كما أمر الله تعالى: ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة
الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن. لا اكراه في الدين قد تبين الرشد من
الغي، ولم يحارب أهل مكة وسائر العرب حتى حاربوه وأرادوا قتله
واخرجوه وأقر أهل الأديان التي نزلت بها الكتب السماوية على أديانهم ولم
يجبرهم على الدخول في الاسلام واجبر الوثنيين على ذلك ولم يغز بلاد قيصر
ليجبر على الاسلام كما مر.
ولم يكن تأخر اتباع هذا الدين وضعفهم ناشئا إلا عن عدم تمسكهم
بتعاليم دينهم. ولم يكن فتح بلادهم وممالكهم إلا لتهاونهم بما أمرهم به
ربهم على لسان نبيهم ص بقوله: واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن
رباط الخيل، وعدم فهمهم مغزى قوله تعالى: وأنزلنا الحديد فيه باس
شديد.
القرآن الكريم
وانزل الله تعالى على نبيه حين بعثه بالنبوة قرآنا عربيا مبينا لا يأتيه
الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد أعجز به البلغاء
وأخرس الفصحاء وتحداهم فيه بالمعارضة وعجزهم فلم يستطيعوا معارضته
وهم أفصح العرب واليهم تنتهي الفصاحة والبلاغة فحوى من أحكام
الدين واخبار الماضين وتهذيب الأخلاق والأمر بالعدل والنهي عن الظلم
وتبيان كل شئ ما يزال يتلي على كر الدهور ومر الأيام وهو غض طري يحير
ببيانه العقول ولا تمله الطباع مهما تكررت تلاوته وتقادم عهده.
أمر الشريعة الاسلامية بالعلم والنظر والتفكير وأعمال العقل
العلم قال الله تعالى: هل يستوي الذين يعلمون والذين لا
يعلمون إنما يخشى الله من عباده العلماء. ولنبينه لقوم يعلمون. فاعلم أنه
لا إله إلا الله. اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم
يعلم. ذلكما مما علمني ربي. وقل رب زدني علما. شهد الله أنه لا إله إلا
هو والملائكة وأولوا العلم. يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم
درجات وما يعقلها إلا العالمون.
وقال صاحب الشريعة الاسلامية ص: طلب العلم
فريضة على كل مسلم ومسلمة. اطلبوا العلم ولو في الصين. فضل العالم
على غيره كفضل القمر على سائر النجوم وأوجب الشرع الاسلامي تعلم
كل علم نافع ديني أو صناعي أو يتوقف عليه علم ديني على الكفاية فإذا
وجد في الأمة من عنده من هذه العلوم ما يقوم بحاجة الخلق في دينهم
ودنياهم سقط وجوب التعلم عن الباقين وبقي الاستحباب والندب وإذا لم
يوجد في الأمة من عنده ما يقوم بحاجة الخلق وجب عليهم التعلم فإذا لم
يتعلموا كانوا مذنبين كلهم مستحقين للعقاب في الآخرة.
علم الصناعات وآلات الحرب
قال الله تعالى: وعلمناه صنعة لبوس لكم وأنزلنا الحديد فيه باس
شديد.
علم الجغرافيا والهيئة ويتفكرون في خلق السماوات والأرض.
أ فلم يسيروا في الأرض. ما خلق الله السماوات والأرض وما بينهما إلا
بالحق. وإلى السماء كيف رفعت وإلى الجبال كيف نصبت وإلى الأرض كيف
سطحت. أ فلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج
والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج. والقى
في الأرض رواسي أن تميد بكم. الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها
وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى. وهو الذي مد الأرض جعل
فيها رواسي وأنهارا. يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل. والقمر
قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر
ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون. وسخر لكم الليل والنهار
والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره. وعلامات وبالنجم هم يهتدون.
علم التوحيد والكلام فاعلم أنه لا إله إلا الله. لو كان فيهما آلهة
إلا الله لفسدتا. ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما
لرجل هل يستويان. أ فعيينا بالخلق الأول بل هم في لبس من خلق
جديد. يا أيها الناس ان كنتم في ريب من البعث فانا خلقناكم من تراب ثم
من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة ثم نخرجكم طفلا ثم
لتبلغوا أشدكم. وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت
وأنبتت من كل زوج بهيج ذلك بان الله هو الحق وأنه يحيي الموتى وأنه على
كل شئ قدير. قال من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها
(٢٢٦)

أول مرة وهو بكل خلق عليم. ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا
أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت أن الذي أحياها لمحيي الموتى إنه على كل شئ
قدير.
علم التاريخ وفيما اقتص الله تعالى في القرآن الكريم من أخبار
الماضين حث على علم التاريخ.
النظر قال الله تعالى: فلينظر الإنسان إلى طعامه. فلينظر
الإنسان مم خلق. أ فلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت وإلى السماء كيف
رفعت الآية. أ ولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض أ فلم ينظروا
إلى السماء فوقهم كيف بنيناها الآية. فانظر إلى طعامك وانظر إلى حمارك
وانظر إلى العظام كيف ننشرها ثم نكسوها لحما. فانظر إلى آثار رحمة الله.
انظروا إلى ثمرة إذا أثمر. قل انظروا ما ذا في السماوات والأرض. فانظروا
كيف بدأ الخلق. قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق.
التفكير ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا
باطلا. لعلهم يتفكرون. نفصل الآيات لقوم يتفكرون. إن في ذلك
لآيات لقوم يتفكرون. أ ولم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السماوات
والأرض وما بينهما إلا بالحق.
أعمال العقل إن في ذلك لآية لقوم يعقلون. ولقد تركنا منها آية
بينة لقوم يعقلون. نفصل الآيات لقوم يعقلون. ويريكم آياته لعلكم
تعقلون. وصاكم به لعلكم تعقلون. أ فلم يسيروا في الأرض فتكون لهم
قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى
القلوب التي في الصدور.
أمرها بالأخذ بالدليل والبرهان ونهيها عن التقليد واتباع الظن
فمن الأمر بالأخذ بالدليل والبرهان قوله تعالى: ومن يدع مع الله
إلها آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه. قل هاتوا برهانكم ان كنتم
صادقين. فقلنا هاتوا برهانكم ومن ذم التقليد قوله تعالى: قالوا بل
نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أ ولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون قالوا
حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا أ ولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون.
قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا أ ولو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب
السعير. قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين. قال لقد كنتم أنتم وآباؤكم في
ضلال مبين. أنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون. قل أ ولو
جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم. ومن النهي عن اتباع الظن
ولزوم اتباع العلم قوله تعالى: وما يتبع أكثرهم إلا ظنا أن الظن لا يغني
من الحق شيئا. ما لهم به من علم الا اتباع الظن. قل هل عندكم من
علم فتخرجوه لنا. ان تتبعون إلا الظن وإن أنتم الا تخرصون.
حثها على السعي والجد والعمل وترك البطالة والكسل
وان ليس للانسان الا ما سعى وان سعيه سوف يرى. وقل اعملوا
فسيرى الله عملكم ورسوله. فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل
مثقال ذرة شرا يره.
الاخوة الخاصة في الاسلام
أول مؤاخاة في الاسلام كانت بين المهاجرين ثم بين المهاجرين
والأنصار آخى بينهم النبي ص كما سيأتي وسميناه مؤاخاة خاصة باعتبار أنها
بين جماعة معدودين وإن كانت عامة باعتبار انها بين جميع المسلمين
الموجودين يومئذ لانحصار المسلمين فيهم في ذلك الوقت بخلاف المؤاخاة
العامة الآتية فهي بين المسلمين الموجودين ومن سيوجد إلى يوم القيامة وأراد
ص بناء الاسلام على أساس ثابت وطيد هو تاليف القلوب ورفع الشحناء
من النفوس والتناصر والتعاون في الأعمال لأن ذلك هو السبب الوحيد في
نجاح الأعمال ورقي الأمم.
الاخوة العامة في الاسلام
آخى الاسلام بين عموم أهله قريبهم وبعيدهم عربيهم وعجميهم
شريفهم ووضيعهم ملوكهم وسوقتهم رجالهم ونسائهم من وجد منهم ومن
سيوجد إلى يوم القيامة أعلن الله تعالى ذلك في كتابه العزيز على لسان نبيه
الذي أرسله بهذا الدين وتلاه النبي جهارا على المسلمين فسمعوه وقرأوه
وحفظوه وكرروا تلاوته مجتمعين ومنفردين فقال انما المؤمنون اخوة بلفظ
انما المفيد للحصر فأصبح بمقتضى ذلك المسلم الذي في أقصى المغرب أخا
للمسلم الذي في اقصى المشرق. وبهذه الاخوة وعلى أساسها المتين
والمحافظة عليها قام الاسلام وظهر وانتشر وبالتهاون بها ضعف وتقهقر. ثم
جعل لهذه الاخوة حقوقا وحدودا ولوازم فامر بالاصلاح بين المتخاصمين
منهم وأردف قوله هذا بقوله فاصلحوا بين أخويكم وفرعه عليه منبها
على أن الاصلاح هو من مقتضى تلك الاخوة وموجبها وبالنصرة فقال النبي
ص انصر أخاك ظالما أو مظلوما. ظالما بردعه عن الظلم ومظلوما بدفع
الظلم عنه وهذه هي الاخوة الصحيحة الشريفة لا أنصر أخاك ظالما أو
مظلما ظالما على ظلمه ومظلوما على من ظلمه. وقال ص المسلم أخو المسلم
لا يظلمه ولا يثلمه. وحرم عليه عرضه وماله ودمه، ونهى عن أن يهجر
أخاه فوق ثلاث. وهذا يسير من كثير من لوازم الاخوة في الاسلام فانظر
بعين عقلك كم في هذه الاخوة من فوائد ومنافع ومصالح عامة سياسية
واجتماعية وأخلاقية وكم فيها من تاليف للقلوب وحفظ للنظام الاجتماعي
وحرص على هناء العيش وسعادة البشر.
العدلة والمساواة في الحقوق
في الشريعة الاسلامية
الشريعة الاسلامية يتساوى فيها جميع الخلق في الحقوق: الملوك
والرعايا والامراء والسوقة والاشراف وغيرهم والأغنياء والفقراء لا يحل مال
امرئ الا عن طيب نفسه ولا شفاعة في حد والعدل شامل للكل. وأمرت
لاعدل بينكم. إن الله يأمر بالعدل والاحسان. اعدلوا هو أقرب
للتقوى، وإذا قلتم فاعدلوا، إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى
أهلها. وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل، فاصلحوا بينهما
بالعدل واقسطوا أن الله يحب المقسطين.
القضاء في الشريعة الاسلامية
يجب في القاضي أن يكون عدلا عالما بالقضاء، ومن آدابه أن يجلس
في وسط البلد وأن لا يقضي مع شغل القلب بغضب وجوع وعطش وهم
وفرح وغيرها وعليه أن يسوي بين الخصمين في الكلام والسلام والمكان
والنظر والإنصات والميل القلبي إلا أن يخرج عن الاختيار وليس له أن
يضيف أحد الخصمين دون الآخر ولا أن ينظر إلى أحدهما ويقول له تكلم
بل إما أن يسكت حتى يتكلم واحد منهما أو ينظر إليهما معا ويقول ليتكلم
(٢٢٧)

المدعي أو يقول ذلك بدون أن ينظر إلى أحد ويجب العدل في الحكم ويحرم
الرشوة وقبول الهدية وأن يلقن أحد الخصمين ما فيه ضرر على خصمه ولا
يجوز أن يتعتع الشاهد بان يداخله في كلامه ما فيه نفع أو ضرر للمشهود له
أو لخصمه أو يرغبه في الشهادة ويلزم في الشاهد العدالة ولا تقبل شهادة
الشريك لشريكه ولا العدو ولا شهادة المتبرع بشهادته قبل أن يسال ويجمع
القاضي قضايا كل يوم ويكتب عليها قضايا يوم كذا في شهر كذا في سنة
كذا ثم قضايا كل أسبوع ويكتب عليها كذلك ثم قضايا كل شهر ويكتب
عليها كذلك ثم قضايا كل سنة ويكتب عليها كذلك حتى يهون عليه
استخراج كل قضية عند الحاجة إليها. وخوف النبي ص من يدعي ما ليس
له بحق فقال: إنما أقضي بينكم بالبينات والايمان فمن اقتطعت له قطعة
من مال أخيه فكانما اقتطعت له قطعة من نار جهنم.
حفظ الأمن في الشريعة الاسلامية
وبالغ الدين الاسلامي في حفظ الأمن والمحافظة على الأموال والدماء
وشدد فيه وفرض العقوبات الشديدة على مخالفيه التي قد تنتهي إلى القتل
فجعل جزاء الذين يسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع
أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض. وأمر بقطع يد السارق
والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا وبقتل القاتل
عمدا تغريم الدية في الخطا مع الحث على العفو. وبان النفس بالنفس
والعين بالعين والأنف بالأنف والاذن بالاذن والجروح قصاص ومن عفا فهو
خير له.
حفظ الصحة في الاسلام
واعتنى الدين الاسلامي بحفظ الصحة عناية فائقة فجعل النظافة من
الايمان. وأمر بقص الأظفار والشوارب وتسريح الشعر والغسل عند الجنابة
وبعد الحيض ومس الميت وبتغسيل الميت والوضوء عند كل صلاة وتجديده
وغسل الثياب والبدن والأواني من النجاسة والقذارة وفركها بالتراب من
بعض النجاسات التي لا يطمأن بزوالها بدون ذلك وأمر بالتنزه عن الماء
الآجن والاستنجاء من البول والغائط. وأباح للمريض ترك الصوم بل
أوجبه ورخص في ترك كل عبادة يخاف منها الإضرار بالصحة وحرم تناول
كل طعام أو شراب مضر بالصحة ومنه الزيادة في الأكل على الشبع. وقال
النبي ص المعدة بيت الداء والحمية رأس الدواء وأمر بان لا يجلس على
الطعام الا وهو يشتهيه ولا يقوم عنه إلا وهو يشتهيه. وقال الله تعالى: وكلوا
واشربوا ولا تسرفوا فجمع بذلك أساس علم الطلب وحفظ الصحة وأهم
أموره وأوجب تعلم علم الطب وملحقاته على الكفاية.
الواجبات والمندوبات في الاسلام
ومما أوجب الدين الاسلامي الصلاة في خمسة أوقات ليكون العبد
ذاكرا لربه متوجها إليه آناء الليل والنهار في أول النهار ووسطه وآخره وفي
أول الليل وعند العشاء شكرا له على ما أنعم. وخضوعا له تعالى بالركوع
والانحناء والسجود ووضع أشرف أعضاء البدن على الأرض ولم يوجب بعد
العشاء صلاة لأنه وقت الراحة والنوم وانما ندب إلى الصلاة في آخر الليل
وفي ساعة الغفلة وندب إلى الصلاة الجماعة لما في الاجتماع من الفوائد
الظاهرة.
وأمر بالنظافة والطهارة والتنزه عن النجاسة والقذارة: والله يحب
المتطهرين. وثيابك فطهر والرجز فاهجر. وايتاء الزكاة مواساة للفقراء:
إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي
الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل وصوم شهر رمضان كفا
للنفس عن الشهوات ورياضة لها وتشبها بالروحانيين، وحج بيت الله
الحرام من استطاع إليه سبيلا مع نزع المخيط وكشف الرؤوس للرجال
والامتناع عن الشهوات والاجتماع في موقف تتساوى فيه الملوك والصعاليك
والسادات والعبيد متوجهين إلى الله تعالى قائلين بصوت واحد لبيك اللهم
لبيك يتعارفون ويتالفون من جميع أقطار الدنيا ويتذكرون بموقفهم ذلك
وقوفهم في المحشر. والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باللسان واليد.
وانكار المنكر بالقلب ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويامرون بالمعروف
وينهون عن المنكر أولئك هم المفلحون وامر بالصدق وأداء الأمانة والعدل
والإنصاف. فان أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي أؤتمن أمانته، ان الله
يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس ان تحكموا
بالعدل. إن الله يأمر بالعدل والاحسان وايتاء ذي القربى وينهى عن
الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون. قل أمر ربي بالقسط.
والوفاء بالعهد واليمين: وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الايمان
بعد توكيدها. وبعهد الله أوفوا. وأوفوا بالعهد ان العهد كان مسؤولا
وصلة الأرحام وحسن الجوار وبر الوالدين. ولا تقل لهما أف ولا تنهرهما
وقل لهما قولا كريما. وان يحب المرء لأخيه ما يحب لنفسه. ومعاونة
الضعيف، وحفظ مال اليتيم والرأفة به، والحنو على السائل: ولا تقربوا
مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن. واما اليتيم فلا تقهر واما السائل فلا
تنهر. وندب إلى اخذ الزينة في المساجد في الأعياد والجمعات وعند جميع
الصلوات يلبس الثياب الجدد والتمشط وغير ذلك: يا أيها الذين آمنوا
خذوا زينتكم عند كل مسجد. ومن احكام الشرع الاسلامي الباهرة
وأوامره في حفظ الحقوق والأموال من الضياع ما أمر به تعالى من كتابة
الدين والاشهاد عليه وأخذ الرهن ان لم يكن الكتابة وسن قانون كاتب
العدل الذي اتبعت فيه جميع دول الأرض قانون الاسلام: يا أيها الذين
آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل
ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله. واستشهدوا شهيدين من رجالكم
فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء ولا يأب
الشهداء إذا ما دعوا ولا تساموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلى أجله وأشهدوا
إذا تبايعتم. ولا يضار كاتب ولا شهيد وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا
فرهان مقبوضة.
المحرمات والمناهي في الاسلام
ومما حرم الدين الاسلامي الربا والزنا والفواحش وشرب الخمر قليله
وكثيره وكل مسكر والقمار: إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس
من عمل الشيطان فاجتنبوه. والغيبة: ولا يغتب بعضكم بعضا أ يحب
أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه والنميمة والحسد والكذب الا في
الاصلاح بين الناس ورفع الضرر. وحرم كتمان الشهادة ولا تكتموا
الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه. والسرقة وقتل النفس المحترمة وقطع
الطريق والغش والخيانة والقاء الفتن والبغي والرشا وخلف العهد والغش
والاسراف وتضييع المال وأكل المال بالباطل. ولا تأكلوا أموالكم بينكم
بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام، وأكل الميتة والدم ولحم الخنزير والخبائث وكل
(٢٢٨)

مضر بالبدن ونهى عن الضرر والضرار وعن التنازع والتنابز بالألقاب: ولا
تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم. ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاثم الفسوق
بعد الايمان. قل انما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والاثم
والبغي بغير الحق وان تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وان تقولوا على الله
ما لا تعلمون. قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم الا تشركوا به شيئا
وبالوالدين احسانا ولا تقتلوا أولادكم من املاق نحن نرزقكم واياهم ولا
تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا
بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي
أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا تكلف نفس إلا
وسعها وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به
لعلكم تذكرون.
ولم يحرم إلا ما فيه مفسدة ومضرة ظاهرة للعيان متكرر حصولها في كل
وقت وأوان. فكم ترى من المفاسد في الربا بذهاب الثروات والحرمان من
ثواب القرض. وفي الزنا من اختلاط الأنساب وفساد نظام العائلة وقتل
النفوس وتفشي الأمراض المهلكة. وفي شرب الخمر من زوال العقل
وصيرورة المرء أضحوكة للناس ووصوله إلى أقصى درجات المهانة والسفالة
ومن هلاك النفوس وتلف الأموال والإضرار بالبدن والنسل وضياع
العرض والشرف حتى أن دولة الولايات المتحدة حرمته بعد ألف وثلاثمائة سنة
وزيادة من تحريم الاسلام وقادتها عقولها إلى متابعة الاسلام في تحريمه وهي
تدين بغيره. وفي القمار من تلف الأموال وهياج الشر وفي الغيبة والنميمة
من حصول العداوات والفتن والاخلال بالهيئة الاجتماعية إلى غير ذلك ولم
يكتف الشرع الاسلامي في جملة من المحرمات بالنهي والتحريم والعقاب في
الآخرة حتى فرض عليها التأديب والعقوبة في الدنيا فأوجب حد الزاني
والزانية بضرب مائة جلدة وشارب الخمر بضرب ثمانين جلدة والسارق
بقطع يده ومخالف العهد واليمين بكفارة مالية وفرض العقوبات التأديبية غير
المحدودة في شتى المواضع.
المباحات في الاسلام
أحل الدين الاسلامي الطيبات وأباح كل لذة وزينة وتنعم في الدنيا
لا تخل بالآداب ولا تضر بالمجتمع الإنساني ولا تنافي حق الغير ولا توجب
ارتكاب محرم أو ترك واجب: قل من حرم زينة الله التي اخرج لعباده
والطيبات من الرزق. يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله
لكم. فأي أحكام عبادية واجتماعية وسياسية وأخلاقية اسمى وأرقى وانفع
واجمع وأصلح وأنجع وأسهل واعدل وأشرف والطف وأنزه وارفه وأقرب إلى
تهذيب الأخلاق وسعادة البشر وهناء العيش من هذه الأحكام
أم أي أحكام تدانيها في جميع الشرائع والأديان.
الشمم والاباء وعزة النفس في الشريعة الاسلامية مع المحافظة على العدل
فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم. وإذا
ظلمت فلا تظلم. ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين.
عناية الشرع الاسلامي بالمرأة
اعتنى الشرع الاسلامي بالمرأة عناية كبيرة حتى نزل في القرآن الكريم
سورة أكثرها في الوصاية بالنساء والعناية بأمورهن فسميت سورة النساء
ومنع وأد البنات الذي كانت تفعله العرب في الجاهلية وساوى بين المرأة
والرجل في الحقوق عدا الميراث والشهادة والدية فهي في ذلك على النصف
من الرجل ولكنه ميزها على الرجل بان جعل لها عليه المهر ولا مهر له عليها
وجعل نفقتها لازمة عليه من ماله ولو كانت غنية ولا نفقة له عليها وأوجب
عليه القيام بكل ما تحتاج إليه من اسكان واخدام وكسوة وطعام وغيرها
وجعل نفقتها مقدمة على نفقة أبويه العظيم حقهما عليه وعلى نفقة أولاده
وأجداده فينفق على نفسه فان زاد عنه أنفق على زوجته فان زاد أنفق على
أبويه وسائر أقاربه وجعل نفقتها حقا واجبا كالدين فإن لم يؤده في وقته
وجب قضاؤه مع اليسار اما نفقة أقاربه فلا قضاء لها لأنها اسعاف ومواساة
وليست كالدين وحيث أوجب عليه المهر والنفقة لها فلا جرم أن فضله عليها
في الميراث وكانت شهادة امرأتين كشهادة رجل لما فيها من الضعف الظاهر
عن الرجل الذي لا ينكره إلا مكابر وشدة العاطفة فلا جرم أن وضع عنها
الجهاد إلا باسعاف الجرحى بسقي الماء وشبه ذلك. وجعل ديتها نصف
دية الرجل لأنها لا تغني غناءه ولا تسد مسده في كثير من المقامات
. المحافظة على حقوق الزوجة
وأبطل العادات الجائرة التي سنتها الجاهلية في حق النساء. فكان
الرجل إذا زوج أيمة اخذ صداقها دونها. والاعراب ومن ضارعهم يفعلون
ذلك إلى اليوم. وكان الرجل يزوج آخر أخته ويأخذ أخت الرجل بدون
مهر وهو نكاح الشغار أو بمهر قليل فنهى الله تعالى عن ذلك وحرم اخذ
شئ من المهر إلا عن طيب نفس بقوله: وآتوا النساء صدقاتهن أي
مهورهن تحلة فان طبن لكم عن شئ منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا. وقال
تعالى: وان أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا
تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا وكيف تأخذونه وقد أفضى
بعضكم إلى بعض واخذن منكم ميثاقا غليظا. وكانوا لا يورثون المرأة
فأنزل الله تعالى: للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب
مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا. وكان الرجل
إذا مات كان أولياؤه أحق بامرأته من أهلها ان شاء بعضهم تزوجها وان
شاؤوا زوجوها وإن شاؤوا لم يزوجوها. وكان الرجل أما مات وترك جارية
القى عليها حميمه ثوبه فمنعها من الناس فإن كانت جميلة تزوجها وإن كانت
دميمة حبسها حتى تموت فيرثها فنهى الله تعالى عن ذلك بقوله: لا يحل
لكم أن ترثوا النساء كرها. وكان الرجل منهم تكون له المرأة وهو كاره
لصحبتها ولها عليه مهر فيضربها لتفتدي، فنهى الله تعالى عن ذلك بقوله:
ولا تعضلوهن اي تقهروهن أو تمنعوهن بعض حقوقهن لتذهبوا ببعض
ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة. وهي النشوز فإذا نشزت حل له أن
يأخذ منها الفداء ليطلقها، واكد النبي ص الوصاية بالمرأة في مواضع كثيرة
ليس هذا محل بيانها، وأوجب معاشرتها بالمعروف: وعاشروهن بالمعروف
فان كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا يجعل الله فيه خيرا كثيرا. وفي قانون
التزيج والمضاجعة والمواقعة والقسم بين الزوجات وغير ذلك في الشرع
الاسلامي ما يدل على المحافظة الشديدة على حقوق المرأة ومحل ذلك
كتب الفقه.
ولم يحجر الدين الاسلامي على المرأة زيارة أهلها وأقاربها وصديقاتها
والسفر للحج والزيارة وغيرهما وترويح النفس والاقبال على ما يورث
السرور والغناء في الأعراس واستماعه مع عدم سماع الأجنبي كل ذلك
مع مراعاة الحشمة والآداب والبعد عما يوجب الظنة والارتياب وعدم
(٢٢٩)

الاختلاط بالأجانب ومجانبة ما يوقع في الفساد، فالاسلام قد أكرم المرأة
كرامة ليس عليها من مزيد وصانها الصيانة التي تليق بكرامتها.
تعدد الزوجات
وأباح الشرع الاسلامي تعدد الزوجات: فانكحوا ما طاب لكم من
النساء مثنى وثلاث ورباع. فان خفتم أن لا تعدلوا أي في الحقوق
فواحدة. واكد الوصاية بالعدل بين الزوجات فقال: ولن تستطيعوا أن
تعدلوا بين النساء أي في الميل القلبي ولو حرصتم فلا تميلوا كل
الميل فتذروها كالمعلقة، فبين أن العدل التام بينهن حتى في الميل القلبي غير
مستطاع فإن لم يكن عدل تام فلا يكن جور تام. فالعدل في: فان خفتم،
غير العدل في: ولن تستطيعوا. وفي إباحة تعدد الزوجات من الحكم
والمصالح وما ينكره إلا مكابر ليس هذا موضع بيانه.
التحكيم
ومن عناية الشرع الاسلامي بالمرأة ومحافظته على حفظ نظام العائلة
أن سن التحكيم عند وقوع الاختلاف بين الزوجين الذي قد يؤدي إلى
الشقاق فان خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها أن
يريدا اصلاحا يوفق الله بينهما. كل ذلك يدل على العناية بأمر الزوجة
والمحافظة على حقوقها عناية ومحافظة لا مزيد عليها.
الطلاق
وأباح الشرع الاسلامي الطلاق مع عدم التئام الأخلاق وعدم تمكن
الحكمين من الاصلاح والتوفيق: فامساك بمعروف أو تسريح باحسان.
فامسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف. وكره الطلاق ونفر منه: قال
صاحب الشرع ما جعل الله مباحا أبغض إليه من الطلاق أو كمال قال.
وأقام العراقيل في سبيله فلم يجوزه في طهر المواقعة وأجل المسترابة بالحمل
ثلاثة أشهر وأوجب فيه حضور شاهدين عدلين وجعل المطلقة الرجعية في
حكم الزوجة وأوجب اسكانها في منزله لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا
فيرجع إليها وأباح للمختلعة أن ترجع في البذل قبل انقضاء العدة فيرجع
زوجها في الطلاق وهذا الذي ذكرناه هو مذهب أئمة أهل البيت. ولا
يتمسك من يعيب الطلاق إلا بالمكابرة وهل يسوغ في قانون العدل إلزام أحد
الزوجين بالصبر على أخلاق الآخر التي يكون في الصبر عليها مشقة عظيمة
والحكماء تقول أشد الأشياء صحبة من لا يمكنك فراقه ولا توافقك أخلاقه
أو إلزام الزوج بالصبر على الزوجة العاقر وحرمانه من النسل أو إلزامها
بالصبر على الزوج الذي لا يولد له وحرمانها من رؤية الأولاد.
الرجال قوامون على النساء
وجعل الرجال قوامين على النساء يرجعن إلى رأيهم وتدبيرهم لما في
المرأة من الضعف ولأن الرجل هو الذي يدفع المهر ويقوم بنفقة الزوجة.
الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما انفقوا من
أموالهم. ثم مدح المرأة بعد هذا بقوله تعالى: فالصالحات قانتات حافظات
للغيب بما حفظ الله.
تأديب المرأة
ولم يجعل للرجل على المرأة سبيلا وأباح تأديبها عند نشوزها وخروجها
عن الطاعة وإرادتها خرق النظام العائلي وإفساده حفظا لنظام العائلة وليعيشا
بهناء وسرور لا بنزاع وشقاق ولكن جعل هذا التأديب باللطف واللين
والابتداء بالأهون وعدم الانتقال إلى الأصعب الا مع عدم نجع الاهون فقال
تعالى: واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فان
أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا فامر أولا بالوعظ بالكلام فإن لم ينجع
فالبهجر في المضاجع بان يوليها ظهره فإن لم ينجع فبالضرب بالثوب فإن لم
ينجع فالأشد فإن كانت مطيعة غير خارقة لنظام العائلة فلا سبيل له عليها.
لا رهبانية في الاسلام
وأبطل الاسلام الرهبانية واستعاض عنها بالاعتكاف في المساجد أي
التخلي للعبادة وتجنب النساء مع الصيام أياما معدودة أقلها ثلاثة لما في
الرهبانية من تقليل النسل وخوف الوقوع في الزنا ومن المشقة. والاسلام
شريعة سهلة سمحة وحث على التزوج لما فيه من كف النفس عن التطلع
إلى ما لا يحل وتكثير النسل.
آداب عائلية
قال الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت ايمانكم
والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات من قبل صلاة الفجر وحين
تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلاة العشاء ثلاث عورات لكم ليس
عليكم ولا عليهم جناح بعدهن طوافون عليكم بعضكم على بعض. وإذا
بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم. والقواعد
من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير
متبرجات بزينة وان يستعففن خير لهن.
أمر الله تعالى العبيد والصبيان المميزين من الأحرار بالاستئذان عند
إرادة الدخول في أوقات ثلاثة من الليل والنهار آخر الليل وعند القائلة وبعد
صلاة العشاء الآخرة لأن الإنسان يتكشف ويتبذل في هذه الأوقات الثلاثة
ويكون على حال لا يحب أن يرى عليها وأباح لهم الدخول في غير هذه
الأوقات بدون إذن لانهم خدم يطوفون عليكم لقضاء حوائجكم فلا بد لهم
من الدخول عليكم في غير هذه الأوقات الثلاثة ويعسر عليهم الاستئذان في
كل وقت. وأمر البالغين بالاستئذان في كل حال وأباح للمسنات من النساء
وضع الجلباب الذي فوق الخمار بشرط عدم التبرج وخير لهن أن لا يضعنه
مطلقا كالشابات.
دعاؤه بني عبد المطلب إلى الاسلام
في تاريخ الطبري: حدثنا ابن حميد حدثنا سلمة حدثني محمد بن إسحاق
عن عبد الغفار بن القاسم عن المنهال بن عمرو عن عبد الله بن
الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب عن عبد الله بن عباس عن
علي بن أبي طالب قال: لما أنزلت هذه الآية على رسول الله ص وانذر
عشيرتك الأقربين دعاني رسول الله ص فقال لي يا علي أن الله امرني أن أنذر
عشيرتي الأقربين فضقت بذلك ذرعا وعلمت اني متى أبادئهم أبادرهم
خ ل بهذا الأمر ارى منهم ما أكره فصمت عليه حتى جاءني جبريل فقال يا
محمد أنك الا تفعل ما تؤمر به يعذبك ربك، فاصنع لنا صاعا من طعام
واجعل عليه رجل شاة واملأ لنا عسا (١) من لبن ثم أجمع لي بني عبد المطلب
حتى أكلمهم وأبلغهم ما أمرت به ففعلت ما امرني به ثم دعوتهم له وهم

(١) العس بالضم القدح العظيم.
(٢٣٠)

يومئذ أربعون رجلا يزيدون رجلا أو ينقصونه فيهم أعمامه أبو طالب وحمزة
والعباس وأبو لهب فلما اجتمعوا إليه دعاني بالطعام الذي صنعت لهم فجئت
به فلما وضعته تناول رسول الله ص جذبة من اللحم فشقها بأسنانه ثم
ألقاها في نواحي الصحفة ثم قال خذوا باسم الله فاكل القوم حتى ما لهم
بشئ حاجة ثم قال اسق القوم فجئتهم بذلك العس فشربوا منه حتى رووا
جميعا فلما أراد رسول الله ص ان يكلمهم بدره أبو لهب إلى الكلام فقال
لشد ما سحركم صاحبكم فتفرق القوم ولم يكلمهم رسول الله ص. فقال
الغد يا علي أن هذا الرجل سبقني إلى ما قد سمعت من القول فتفرق القوم قبل
أن أكلمهم فعدلنا من الطعام بمثل ما صنعت ثم اجمعهم إلى ففعلت
ثم جمعتهم ثم دعاني بالطعام فقربته لهم ففعل كما فعل بالأمس فأكلوا حتى
ما لهم بشئ حاجة ثم قال أسقهم فجئتهم بذلك العس فشربوا حتى رووا
منه جميعا ثم تكلم رسول الله ص فقال يا بني عبد المطلب اني والله ما أعلم
شابا في العرب جاء قومه بأفضل مما قد جئتكم به اني قد جئتكم بخير الدنيا
والآخرة وقد أمرني الله تعالى أن أدعوكم إليه فأيكم يوازرني على هذا الأمر
على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم قال فأحجم القوم عنها جميعا
وقلت واني لأحدثهم سنا وأرمصهم عينا وأعظمهم بطنا وأحمشهم ساقا انا يا
نبي الله أكون وزيرك عليه فاخذ برقبتي ثم قال إن هذا أخي ووصيي
وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي
طالب قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع اه‍.
رواه الطبري في تفسيره مثله سندا ومتنا إلا أن الطابعين جريا على
الشنشنة الأخزمية حربوه فابدلوا قوله على أن يكون أخي ووصيي
وخليفتي فيكم بلفظ على أن يكون أخي وكذا وكذا وأبدلوا قوله أن هذا
أخي ووصيي وخليفتي فيكم بلفظ أن هذا أخي وكذا وكذا وابقوا قوله
فاسمعوا له وأطيعوا وفيه كفاية: وما حذفوه وأبدلوه هو إشارة إلى ما صرح
به في التاريخ يقينا لاتحاد السند والمتن فيهما إلا في كلمتي وكذا وكذا.
وعلمت أن الدكتور محمد حسين هيكل المصري أثبته في كتابه حياة محمد في
الطبعة الأولى وحذفه في الطبعة الثانية نزولا عند إرادة من ضغط عليه فانظر
واعجب (١).
ولما كان تصحيح هذا الحديث من الأهمية بمكان فلا باس بالإشارة إلى
جملة ممن رواه من أجلاء علماء المسلمين ليعلم بذلك اشتهاره واستفاضته
بينهم فرواه من مشاهير علماء أهل السنة محمد بن جرير الطبري في تاريخه
وتفسيره كما سمعت ورواه منهم البغوي كما ستسمع.
ورواه منهم الثعلبي في تفسيره قال: اخبرني الحسين بن محمد بن
الحسين حدثنا موسى بن محمد حدثنا الحسن بن علي بن شعيب العمري
حدثنا عبد الله بن يعقوب حدثنا علي بن هاشم عن صباح بن يحيى المزني
عن زكريا بن ميسرة عن أبي إسحاق عن البراء قال: لما نزلت وانذر
عشيرتك الأقربين جمع رسول الله ص بني عبد المطلب وهم أربعون رجلا
فامر عليا برجل شاة فأدمها ثم قال أدنوا بسم الله فدنا القوم عشرة عشرة
فأكلوا حتى صدروا ثم دعا بقعب من لبن فجرع منه جرعة ثم قال اشربوا باسم
الله فشربوا حتى رووا فبدرهم أبو لهب فقال هذا ما سحركم به الرجل
فسكت رسول الله ص ثم دعاهم من الغد على مثل ذلك من الطعام
والشراب ثم أنذرهم فقال يا بني عبد المطلب اني انا النذير إليكم من الله عز
وجل والبشير فاسلموا وأطيعوني تهتدوا ثم قال من يواخيني ويوازرني ويكون
وليي ووصيي بعدي وخليفتي في أهلي ويقضي ديني فسكت القوم فأعادها
ثلاثا كل ذلك يسكت القوم ويقول علي ع أنا فقال في المرة الثالثة أنت
فقام القوم وهم يقولون لأبي طالب أطع ابنك فقد أمر عليك اه‍.
وأورد هذا الحديث النسائي في الخصائص قال: أخبرنا الفضل بن
سهل حدثني ابن عفان بن مسلم حدثنا أبو عوانة عن عثمان بن المغيرة عن
أبي صادق عن ربيعة بن ماجد أن رجلا قال لعلي بن أبي طالب: يا أمير
المؤمنين لم ورثت دون أعمامك قال جمع رسول الله ص أو قال دعا
رسول الله بني عبد المطلب فصنع لهم مدا من الطعام فأكلوا حتى شبعوا ثم دعا
بعس فشربوا حتى رووا فقال يا بني عبد المطلب اني بعثت إليكم خاصة
وإلى الناس عامة أيكم يبايعني على أن يكون أخي وصاحبي ووارثي فلم
يقم إليه أحد فقمت إليه وكنت أصغر القوم فقال أجلس ثم قال ثلاث
مرات كل ذلك أقوم إليه فيقول اجلس حتى إذا كان في الثالثة ضرب بيده
على يدي. ثم قال فبذلك ورثت ابن عمي دون عمي أقول هذا
التعليل في الميراث لا يصح أن أريد أرث المال أما عندنا فلأن الميراث
للبنت بالفرض والرد وأما عند غيرنا فلأن الأنبياء لا تورث إلا أن يراد ارث
العلم ولكن ظاهر السياق خلافه.
وأورد هذا الحديث صاحب السيرة الحلبية بنحو ما مر عن الطبري
إلى أن قال يا بني عبد المطلب أن الله قد بعثني إلى الخلق كافة وبعثني إليكم
خاصة فقال وأنذر عشيرتك الأقربين وأنا أدعوكم إلى كلمتين خفيفتين على
اللسان ثقيلتين في الميزان شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فمن يجيبني
إلى هذا الأمر ويؤازرني على القيام به؟ قال علي أنا يا رسول الله قال
وزاد بعضهم في الرواية يكن أخي ووزيري ووارثي وخليفتي من بعدي فلم
يجبه أحد منهم فقام علي وقال أنا يا رسول الله قال أجلس ثم أعاد القول
على القوم ثانيا فصمتوا فقام علي وقال أنا يا رسول الله فقال أجلس ثم أعاد
القول ثالثا فلم يجبه أحد منهم فقام علي فقال أنا يا رسول الله فقال أجلس
فأنت أخي ووزيري ووصيي ووارثي وخليفتي من بعدي. ثم حكى عن
ابن تيمية أنه قال في الزيادة المذكورة أنها كذب وحديث موضوع من له أدنى
معرفة في الحديث يعلم ذلك وقد رواه مع زيادته المذكورة ابن جرير
والبغوي باسناد فيه أبو مريم الكوفي وهو مجمع على تركه وقال أحمد أنه ليس
بثقة عامة أحاديثه بواطيل وقال ابن المديني كان يضع الحديث اه‍
أقول لا شئ أعجب من قدح ابن تيمية المجسم بشهادة ابن بطوطة
مشاهدة والذي مات سجينا بيد أهل نحلته على الأقوال والعقائد المنافية لملة
الاسلام في الأحاديث المستفيضة عند جميع المسلمين بالهوى والغرض وقوله
أن من له أدنى معرفة بالحديث يعلم ذلك مع أن من عنده أدنى معرفة يعلم
أن قدح ابن تيمية فيه لم يستند إلى معرفة بل إلى التحامل على علي وأهل
بيته والنصب فقد سمعت سند هذا الحديث في رواية الطبري في تاريخه
وتفسيره ورواية الثعلبي له في تفسيره وليس فيه أبو مريم الكوفي على فرض
صحة ما قاله في رواية البغوي وأن في سندها أبو مريم الكوفي وأنه ضعيف

(١) نشر الدكتور كتابه أول ما نشره فصولا في جريدته السياسية الإسبوعية ونشر هذا الحديث كاملا
كما هو. ولما اعترض عليه معترض أجاب باني لست انا الذي أقول هذا القول ولكنه
التاريخ. ثم ذكر الحديث في الطبعة الأولى من الكتاب، ولكن شوهه وأفسده في الطبعة
الثانية وما جاء بعدها. ولما بحث الباحثون عن السبب عرف ان الدكتور هيكل طلب من
جهة من الجهات أن تساهم بشراء الف نسخة من كتابه فابت أن تفعل الا إذا شوه الحديث
فنزل عند رغبتها وبتره وأفسده.
الناشر -
(٢٣١)

فهل إذا كان الحديث مرويا بعدة طرق بعضها ضعيف يكون قدحا في سنده
بل الرواية الضعيفة إن لم تكن معتضدة ومتقوية بالروايات الصحيحة غيرها
لا يكون ضعفها موجبا للقدح في الصحيحة وكل من له أدنى معرفة في
الحديث يعلم ذلك.
ورواه من مشاهير علماء الشيعة وثقات محدثيهم محمد بن علي بن
الحسين بن بابويه القمي قال: حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني
حدثنا عبد العزيز حدثنا المغيرة بن محمد حدثنا إبراهيم بن محمد بن عبد
الرحمن الأزدي حدثنا قيس بن الربيع وشريك بن عبد الله عن الأعمش عن
منهال بن عمرو عن عبد الله بن الحارث بن نوفل عن علي بن أبي طالب
ع قال لما نزلت وأنذر عشيرتك الأقربين دعا رسول الله ص بني عبد
المطلب وهم إذ ذاك أربعون رجلا يزيدون رجلا أو ينقصون رجلا فقال
أيكم يكون أخي ووارثي ووزيري ووصيي وخليفتي فيكم بعدي فعرض
ذلك عليهم رجلا رجلا كلهم يأبى ذلك حتى أتى علي فقال أنا يا رسول الله
فقال يا بني عبد المطلب هذا أخي ووارثي ووزيري وخليفتي فيكم بعدي
فقام القوم يضحك بعضهم إلى بعض ويقولون لأبي طالب قد أمرك أن
تسمع وتطيع لهذا الغلام.
ورواه الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي في مجالسه قال
حدثنا جماعة عن أبي المفضل حدثنا أبو جعفر الطبري سنة ٣٠٨ حدثنا
محمد بن حميد الرازي حدثنا سلمة بن الفضل الأبرش حدثني محمد بن إسحاق
بن عبد الغفار قال أبو الفضل حدثنا محمد بن محمد بن سليمان
الباغندي واللفظ له حدثنا محمد بن الصباح الجرحلوي حدثنا سلمة بن
صالح الجعفي عن سليمان الأعمش وأبي مريم جميعا عن المنهال بن عمرو
عن عبد الله بن الحارث بن نوفل عن عبد الله بن عباس عن علي بن أبي
طالب قال لما نزلت هذه الآية وذكر مثل رواية الطبري بعينها مع تفاوت
يسير في بعض الألفاظ لا يخل بالمعنى إلى غير ذلك. وبعد توافق علماء
الفريقين على هذه الرواية لم يبق لما ذكره ابن تيمية قيمة.
وروي الطبري في تاريخه وتفسير بسنده إلى ابن عباس قال لما نزلت
وانذر عشيرتك الأقربين خرج رسول الله ص حتى صعد الصفا فهتف يا
صباحاه فقالوا من هذا الذي يهتف قالوا محمد فقال يا بني عبد المطلب يا
بني عبد مناف فاجتمعوا إليه فقال أ رأيتكم إن أخبرتكم أن خيلا تخرج
بسفح هذا الجبل أ كنتم مصدقي قالوا ما جربنا عليك كذبا قال فاني نذير
لكم بين يدي عذاب شديد فقال أبو لهب تبا لك ما جمعتنا إلا لهذا ثم قام
فنزلت هذه السورة تبت يدا أبي لهب وتب إلى آخر السورة.
الدعوة العامة لقريش
وروى الطبري انه ص صعد يوما على الصفا ونادى يا معشر قريش
قالت قريش محمد على الصفا يهتف واقبلوا إليه فقالوا ما لك قال أ رأيتكم لو
أخبرتكم أن خيلا بسفح هذا الجبل أ كنتم تصدقوني قالوا نعم أنت عندنا
غير متهم وما جربنا عليك كذبا قال فاني نذير لكم بين يدي عذاب شديد يا
بني عبد المطلب يا بني عبد مناف يا بني زهرة يا بني تميم يا بني مخزوم يا بني
أسد إن الله أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين واني لا أملك لكم من الدنيا
منفعة ولا من الآخرة نصيبا إلا أن تقولوا لا إله إلا الله فقال أبو لهب ما
تقدم.
مجئ قريش إلى أبي طالب في أمر رسول الله
ولما جعل رسول الله ص يعيب الأصنام ويسخر منها ويتلو الآيات في
شأنها مشى رجال من أشراف قريش إلى أبي طالب وكان مؤمنا برسول الله
ص يكتم ايمانه وفيهم أبو سفيان بن حرب فقالوا يا أبا طالب ان ابن أخيك
قد سب آلهتنا وعاب ديننا وسفه أحلامنا وضلل آباءنا فاما أن تكفه عنا وأما
أن تخلي بيننا وبينه فردهم أبو طالب ردا جميلا ومضى رسول الله ص في
دعوته ولم يزل الاسلام يفشو ويظهر ثم مشوا إلى أبي طالب مرة أخرى.
قال ابن سعد لما رأت قريش ظهور الاسلام جاءوا إلى أبي طالب فقالوا
أنت سيدنا وأفضلنا في أنفسنا وقد رأيت الذي فعل هؤلاء السفهاء مع ابن
أخيك من تركهم آلهتنا وتسفيههم أحلامنا. وجاءوا بعمارة بن الوليد بن
المغيرة فقالوا جئناك بفتى قريش جمالا ونسبا ونهادة وشعرا يكون لك نصره
وميراثه وتدفع إلينا ابن أخيك نقتله فقال والله ما أنصفتموني تعطوني ابنكم
أغذوه لكم وأعطيكم ابن أخي تقتلونه أ تعلمون ان الناقة إذا فقدت ولدها
لا تحن إلى غيره.
فلما كان مساء تلك الليلة فقد رسول الله ص فجمع أبو طالب فتيان
قومه وقال ليأخذ كل واحد منكم حديدة صارمة واتبعوني إذا دخلت المسجد
وليجلس كل واحد إلى جنب عظيم من عظمائهم فليقتله إن كان محمد قد
قتل ففعلوا ثم أخبره زيد بن حارثة بسلامة النبي ص فلما أصبح أخذ بيده
فوقف به على أندية قريش ومعه الفتيان فأخبر قريشا بما كان يريد فعله لو
قتل النبي ص وأراهم السلاح فانكسر القوم وكان أشدهم انكسارا أبو
جهل.
ثم جاءوا إلى أبي طالب مرة ثالثة وقالوا يا أبا طالب ان لك سنا
وشرفا ومنزلة فينا وقد استنهيناك من ابن أخيك فلم تنهه عنا وأنا والله لا
نصبر على شتم آبائنا وتسفيه أحلامنا وعيب آلهتنا حتى تكفه عنا أو ننازله
وإياك حتى يهلك أحد الفريقين وعظم على أبي طالب فراق قومه وعداوتهم
ولم يطب نفسا باسلام ابن أخيه فأرسل إلى النبي ص فأخبره بمقالة قريش
وقال له فابق علي وعلى نفسك ولا تحملني من الأمر ما لا أطيق فأطرق النبي
ص ثم قال له يا عم والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على
أن اترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك فيه وقام وقد خنقته
العبرة فلما رأى ذلك أبو طالب دعاه فقال اذهب يا ابن أخي فقل ما أحببت
والله لا أسلمك لشئ ابدا وقام بنو هاشم وبنو المطلب بنصرة النبي ص إلا
أبا لهب ونفر غيره.
مجئ عتبة بن ربيعة إلى النبي ليرجع عن دعوته
ولما رأت قريش أمر النبي ص يزداد كل يوم ظهورا وأصحابه يكثرون
رغب إليهم عتبة بن ربيعة وهو من رؤسائهم في أن يعرض على النبي ص
أمورا لعله يقبل بعضها ويكف عن دعوته فقال له يا ابن أخي انك منا
حيث قد علمت من المكان في النسب وقد أتيت قومك بأمر عظيم فرقت به
جماعتهم فاسمع مني اعرض عليك أمورا لعلك تقبل بعضها. إن كنت إنما
تريد بهذا الأمر مالا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا وإن كنت
تريد تشريفا سودناك علينا فلا نقطع أمرا دونك وإن كنت تريد ملكا
ملكناك علينا وإن كان هذا الذي يأتيك رئيا (١) لا تستطيع رده عن نفسك

(١) الرثي بوزن كمي يقال للتابع من الحن سمي به لأنه يتراءى لمتبوعه أو من قولهم فلان رثي
قومه إذا كان صاحب رأيهم.
(٢٣٢)

طلبنا لك الطب حتى تبرأ فتلا عليه النبي ص سورة السجدة وعتبة منصت
فلما انتهى انصرف عنه إلى قريش وأخبرها أنه لا طمع له في مال ولا سلطان
وأشار عليهم أن يخلوا بينه وبين العرب فان تغلبت عليه استراحوا منه وان
اتبعته فلقريش فخاره فلم يعجبهم ذلك.
ولم تدع قريش وسيلة ترجو منها القضاء على الاسلام وأهله والحيلولة
دون انتشاره إلا توسلت بها ولا سبيلا تأمل الوصول منه إلى ذلك إلا
سلكتها وبلغت في ذلك جهدها وغاية استطاعتها فأبى الله تعالى إلا أن يتم
نوره ولو كره المشركون. عمدت أولا إلى تكذيبه والحط من قدره باللسان
بالذم والتنقيص لتكف الناس عن اتباعه فقالت تارة أنه ساحر وأخرى انه
كاهن ومرة انه شاعر ومرة انه يعلمه بشر وأغروا به شعراءهم أبا سفيان بن
الحارث وعمرو بن العاص وعبد الله بن الزبعري فلما لم ينجع ذلك فيه
وبقي جادا في أمره واتباعه يزدادون كثرة كل يوم عمدت إلى أذاه واذى
أصحابه باليد فرجمته في داره ووضعت السلاء على ثيابه وسلطت أطفالها
عليه يرمونه بالحجارة وفعلت أفعالا شبه ذلك وعذبت أصحابه بالحبس
والضرب والقتل والالقاء في الرمضاء وغير هذا واضطرتهم بذلك إلى الهرب
من بلادهم والهجرة إلى الحبشة ولم تقنع بذلك حتى أرسلت إليهم من يردهم
فما زاد هو في دعوته إلا مضاء وأصحابه إلا كثرة وثبات يقين فعرضت عليه
المال والملك وكل ما يطمع الناس فيه عادة فلم يمل إلى شئ من ذلك
وهددته وأهله وأنذرتهم بالحرب ومشت إلى عمه أبي طالب مرارا لتصده عن
نصره وتحمله على ارجاعه عن عزمه بالتهديد وأنواع الحيل فلم يجد ذلك
شيئا فعمدت إلى مقاطعتهم وحصرهم في شعب من شعاب مكة لا يجالسون
ولا يكلمون ولا يبايعون ولا يناكحون حتى يموتوا جوعا أو يرجع محمد ص
عن دعوته فصبروا على ذلك ثلاث سنين فلما أعيتها الحيل ائتمرت فيه
وعزمت على قتله وبعثت إليه من يهجم عليه ليلا في داره فيقتله فخرج هاربا
منهم إلى المدينة.
الهجرة إلى الحبشة
ولما كثر المسلمون ثار كثير من كفار قريش بمن آمن من قبائلهم
فعذبوهم وسجنوهم وأرادوا فتنتهم عن دينهم ومنع الله رسوله ص منهم
بعمه أبي طالب فقال لهم رسول الله ص تفرقوا في الأرض قالوا أين نذهب
فأشار إلى الحبشة فهاجروا إليها وذلك في رجب من السنة الخامسة من النبوة
وكانوا أحد عشر رجلا وأربع نسوة منهم من هاجر وحده خرجوا متسللين
إلى الشعيبة منهم الراكب والماشي فوجدوا ساعة وصولهم سفينتين للتجار
حملوهم فيهما إلى الحبشة بنصف دينار عن كل نفس وخرجت قريش في
طلبهم إلى البحر فلم يدركوهم. قالوا وقدمنا أرض الحبشة فجاورنا خير
جار أمنا على ديننا وعبدنا الله لا نؤذي ولا نسمع ما نكره وكانت الحبشة
على دين النصرانية فاقاموا شعبان وشهر رمضان ثم عادوا إلى مكة في شوال
لما بلغهم أن قريش أسلمت فلما قاربوا مكة علموا أن ما بلغهم باطل فلم
يدخلها أحد منهم إلا بجوار غير ابن مسعود فإنه مكث يسيرا ثم عاد إلى
أرض الحبشة فلقوا أذى كثيرا فاذن لهم النبي ص بالهجرة ثانيا.
الهجرة الثانية إلى أرض الحبشة
وكانوا ثمانين رجلا وثماني عشرة امرأة فيهم جعفر بن أبي طالب ومعه
زوجته أسماء بنت عميس فاحسن النجاشي جوارهم وساء ذلك قريشا
فارسلوا عمرو بن العاص وعمارة بن الوليد الذي أرادت قريش دفعه لأبي
طالب عوضا عن النبي ص وقيل كان مع عمرو عبد الله بن أبي ربيعة
ليكلموا النجاشي في ردهم وأهدوا له ولبطارقته هدايا وكتب عمرو عهدا
بين قومه وقوم عمارة أن كلا من القبيلتين بريئة من جناية صاحبها وكانت
مع عمرو زوجته وكان عمرو قصيرا دميما وعمارة جميلا وسيما فهويته امرأة
عمرو فقال له عمارة مر امرأتك أن تقبلني فقال عمرو ألا تستحي وجلس
عمرو على جانب السفينة يبول فدفعه عمارة في الماء فجعل يسبح وينادي
أصحاب السفينة ويناشد عمارة فانقذوه وحقدها عليه عمرو وقال لزوجته
قبلي ابن عمك لتطيب بذلك نفسه فيحتال بعد ذلك في هلاكه ولما دخلا
على النجاشي سجدا له ودفعا إليه الهدية فقبلها وكذلك بطارقته فقالا له أن
نفرا من قومنا تركوا ديننا ولم يدخلوا في دينك وقد أرسلنا عظماء قريش
لتردهم إليهم وكانا اتفقا مع بطارقة النجاشي بعد أن اعطوهما الهدايا على
أن يعاونوهما على رد المسلمين إلى قريش دون أن يسمع النجاشي كلامهم
فأبى النجاشي أن يفعل حتى يسمع ما يقولون وأرسل إليهم فقال بعضهم
لبعض ما تقولون له؟ قال جعفر نقول له ما أمرنا رسول الله ص ويكون ما
يكون فدخلوا عليه ولم يسجدوا له فقال عمرو ألا ترى أيها الملك أنهم لم
يسجدوا لك فقال النجاشي ما منعكم أن تسجدوا لي فقال جعفر أنا لا
نسجد إلا لله عز وجل فقال ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم ولم
تدخلوا في ديني فقال جعفر أيها الملك كنا قوما أهل جاهلية نعبد الأصنام
ونأكل الميتة ونأتي الفواحش ونقطع الأرحام ونسئ الجوار ويأكل القوي منا
الضعيف فبعث الله فينا رسولا منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه فامرنا
أن نعبد الله وحده ونخلع ما كنا نعبد من دونه من الحجارة والأوثان وأمرنا
بالصلاة والزكاة والصيام وصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الأرحام
وحسن الجوار والكف عن المحارم والدماء ونهانا عن الفواحش وقول الزور
وأكل مال اليتيم وقذف المحصنات فصدقناه وآمنا به فعدا علينا قومنا ليردونا
إلى عبادة الأصنام واستحلال الخبائث فلما قهرونا وظلمونا خرجنا إلى بلادك
واخترناك على من سواك ورجونا أن لا نظلم عندك. قال النجاشي هل
عندك شئ مما جاء به؟ قال نعم! فقرأ عليه من سورة مريم حتى انتهى
إلى قوله تعالى: فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا قال
إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا وجعلني مباركا أينما كنت وأوصاني
بالصلاة والزكاة ما دمت حيا وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا والسلام علي
يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا. فبكى النجاشي وبكى أساقفته
وقال النجاشي إن هذا والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة.
فنزلت وإذا سمعوا ما أنزل الله إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع بما
عرفوا من الحق وفي رواية إن جعفرا رضوان الله عليه قال للنجاشي
سلهما أ عبيد نحن أم أحرار قال عمرو بل أحرار كرام قال فهل أرقنا دما بغير
حق قال لا قال هل لهم علينا دين قال ليس لنا عليهم دين قال النجاشي:
انطلقنا فوالله لا أسلمهم اليكما ابدا ورد الهدية عليهما فلما كان الغد عاد ابن
العاص إلى النجاشي فقال له انهم ليقولون في عيسى قولا عظيما فأرسل
إليهم فسلهم عما يقولون فيه فلما دخلوا عليه قال له جعفر نقول فيه الذي
جاء به نبينا هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء
البتول فاخذ النجاشي عودا وخط به على الأرض وقال ليس بين دينكم وديننا
أكثر من هذا الخط. ولما يئس عمرو من مساعدة النجاشي له على ردهم
توجه إلى ما كان قصد له من إعمال الحيلة في هلاك عمارة فقال له عمرو
(٢٣٣)

وقد اطمأن إليه وظن أنه قد زال ما في نفسه: أنت رجل جميل والنساء
يحببن الجمال فتعرض لزوجة النجاشي لعلها تشفع لنا عنده فتعرض لها
وأخبر عمرا بذلك فقال إن كنت صادقا فلتعطك من طيب الملك فأعطته
فأخبر عمرو النجاشي وأراه الطيب فقال لولا أنه جاري لقتلته.
وكتب رسول الله ص إلى النجاشي مع عمرو بن أمية الضميري
يدعوه إلى الاسلام فأسلم وكتب إليه أن يزوجه أم حبيبة ابنة أبي سفيان
وكانت مع زوجها عبد الله بن جحش فتنصر ومات فزوجه إياها وأصدقها
عنه أربعمائة دينار. ولما هاجر النبي ص إلى المدينة رجع من بأرض الحبشة
من المسلمين ورجع جعفر وذلك يوم فتح خيبر فقال رسول الله ص ما أدري
بأيهما أنا أشد فرحا بفتح خيبر أو برجوع جعفر.
قصة الغرانيق
قال الله تعالى في سورة الحج: وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا
نبي إلا إذا تمنى القى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم
يحكم الله آياته والله عليم حكيم ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في
قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم وان الظالمين لفي شقاق بعيد.
قال الواحدي في أسباب النزول وابن سعد في الطبقات الكبير
والطبري في تاريخه وجماعة من مفسري أهل السنة انه لما رأى رسول الله ص
تولي قومه عنه وشق عليه ما رأى من مباعدتهم عما جاء به تمنى أن يأتيه من
الله ما يقارب بينه وبين قومه فجلس يوما في ناد من أندية قريش حول
الكعبة فأنزل الله تعالى عليه سورة النجم فقرأها حتى إذا بلغ أ فرأيتم اللات
والعزى ومناة الثالثة الأخرى ألقى الشيطان على لسانه لما كان يحدث به
نفسه وتمناه: تلك الغرانيق (١) العلى وان شفاعتهن لترتجى وفي رواية
وشفاعتهن ترتجى فلما سمعت قريش بذلك فرحوا ومضى في قراءته فقرأ
السورة كلها وسجد في آخرها وسجد المسلمون بسجوده وسجد جميع من في
المسجد من المشركين فلم يبق كافر ولا مسلم إلا سجد الا الوليد بن المغيرة
وأبا أحيحة سعيد بن العاص اخذا حفنة من البطحاء ورفعاها إلى جبهتيهما
وسجدا عليها لأنهما كانا شيخين كبيرين فلم يستطيعا السجود وفرحت
قريش وقالوا قد ذكر محمد آلهتنا بأحسن الذكر فنزل جبرئيل على رسول الله
ص فقال ما ذا صنعت تلوت على الناس ما لم آتك به عن الله وقلت ما لم
أقل لك وفي رواية أنه قال له اعرض علي كلام الله فلما عرض عليه قال اما
هذا فلم آتك به هذا من الشيطان فأنزل الله تعالى وما أرسلنا من قبلك من
رسول الآية اه‍ أقول العجب من هؤلاء الذين أودعوا كتبهم
هذه الروايات التي لا يحتاج بطلانها وفسادها إلى بيان والتي تنسب إلى النبي
ص أقبح النسب من الزيادة في القرآن بما يقتضي الكفر من مدح الأصنام
والقول فيها بقول المشركين انها تشفع وعدم تنبهه حتى نبهه جبرئيل كبرت
كلمة تخرج من أفواههم وكيف سر المشركون بذلك وقد قرأ ص السورة إلى آخرها
وفيها بعد ذلك ذمهم وذم آلهتهم بقوله أ لكم الذكر وله الأنثى تلك
إذا قسمة ضيزى ان هي الا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما انزل الله بها
من سلطان ان يتبعون الا الظن وما تهوى الأنفس وما هذه الروايات الا
كالذي رووه من أن النبي ص اثر فيه السحر مصدقين قول الكفار: أن
تتبعون إلا رجلا مسحورا وغيرها. أما الذي ذكره مفسرونا فقال
الطبرسي في مجمع البيان: روي عن ابن عباس وغيره ان النبي ص لما تلا
سورة النجم وبلغ إلى قوله أ فرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى القى
الشيطان في تلاوته تلك الغرانيق العلى وأن شفاعتهن لترجى فسر بذلك
المشركون فل ما انتهى إلى السجدة سجد المسلمون وسجد أيضا المشركون لما
سمعوا من ذكر آلهتهم بما أعجبهم قال فهذا الخبر ان صح محمول على
أنه كان يتلو القرآن فلما بلغ إلى هذا الموضع وذكر أسماء آلهتهم وقد علموا
من عادته انه يعيبها قال بعض الحاضرين من الكافرين تلك الغرانيق العلى
والقى ذلك في تلاوته بوهم ان ذلك من القرآن فأضافه الله سبحانه إلى
الشيطان لأنه انما حصل باغوائه ووسوسته قال وهذا أورده المرتضى
قدس الله روحه في كتاب التنزيه وهو قول الناصر للحق من أئمة الزيدية
وهو وجه حسن في تأويله اه‍.
من الذي عبس وتولى ان جاءه الأعمى.
روى في سبب نزولها: ان عبد الله بن مكتوم اتى رسول الله ص
وهو يناجي عتبة بن ربيعة وأبا جهل والعباس بن عبد المطلب وأبيا وأمية
ابني خلف كما في مجمع البيان وفي الكشاف عتبة وشيبة ابني ربيعة وأبا جهل
والعباس وأمية بن خلف والوليد بن المغيرة يدعوهم إلى الله ويرجو اسلامهم
فقال يا رسول الله أقرئني وعلمني مما علمك الله وكرر ذلك ولا يدري
تشاغله بالقوم حتى ظهرت الكراهة في وجه رسول الله ص لقطعه كلامه
فاعرض عنه واقبل على القوم يكلمهم فنزلت: عبس وتولى ان جاءه
الأعمى وما يدريك لعله يزكى أو يذكر فتنفعه الذكرى اما من استغنى فأنت
له تصدى وما عليك ألا يزكى واما من جاءك يسعى وهو يخشى فأنت عنه
تلهى. فكان رسول الله ص بعد ذلك يكرمه وإذا رآه قال مرحبا بمن
عاتبني فيه ربي واستخلفه على المدينة غير مرة. حكى ذلك صاحب مجمع
البيان وغيره. وقال الشريف المرتضى علم الهدى في كتابه تنزيه الأنبياء
والأئمة: اما ظاهر الآية فغير دال على توجهها إلى النبي ص ولا فيها ما
يدل على أنه خطاب بل هي خبر محض لم يصرح بالمخبر عنه وفيها ما يدل
عند التأمل على أن المعني بها غير النبي ص لأنه وصفه بالعبوس وليس هذا
من صفات ص في قرآن ولا خبر مع الأعداء المنابذين فضلا عن المؤمنين
المسترشدين ثم وصفه بأنه يتصدى للأغنياء ويتلهى عن الفقراء وهذا مما لا
يصف به نبينا ع من يعرفه فليس هذا مشبها لاخلاقه الواسعة وتحننه على
قومه وتعطفه وكيف يقول له وما عليك ألا يزكى وهو ص مبعوث للدعاء
وللتنبيه وكيف لا يكون ذلك عليه وكان هذا القول إغراء بترك الحرص على
ايمان قومه وقد قيل إن هذه السورة نزلت في رجل من أصحاب رسول الله
ص كان منه هذا الفعل المنعوت فيها ونحن ان شككنا في عين من نزلت فيه
فلا ينبغي ان نشك في أنها لم يعن بها النبي ص وأي تنفير أبلغ من العبوس
في وجوه المؤمنين والتلهي عنهم والاقبال على الأغنياء الكافرين والتصدي
لهم وقد نزه الله تعالى النبي ص عما دون هذا في التنفير بكثير اه‍ وفي
مجمع البيان: ويؤيده قوله تعالى وإنك لعلى خلق عظيم. وقوله: ولو
كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك. فالظاهر أن الذي عبس وتولى
غيره وقد روي عن الصادق ع انه رجل من بني أمية كان عند النبي ص
فجاء ابن أم مكتوم فلما رآه تقذر منه وجمع نفسه وعبس واعرض بوجهه عنه
فحكى الله سبحانه ذلك وانكره عليه اه‍ أقول: لا مانع من وقوع
العتاب منه تعالى للنبي ص على ترك الأولى. وفعل المكروه أو خلاف

(١) جمع غرنيق وهو الشاب الأبيض الجميل.
(٢٣٤)

الأولى لا ينافي العصمة والقول بان العبوس ليس من صفاته ص انما يتم إذا
لم يكن العبوس لأمر أخروي مهم وهو قطع الحديث مع عظماء قريش الذين
يرجو اسلامهم وأن يكون باسلامهم تأييد عظيم للدين وكذلك القول بان
الوصف بالتصدي للأغنياء والتلهي عن الفقراء لا يشبه أخلاقه الكريمة انما
يتم إذا كان تصديه للأغنياء لغناهم لا إرجاء اسلامهم وتلهية عن الفقراء
لفقرهم لا لقطعهم حديثه مع من يرجو اسلامه ومع ذلك لا ينافي العتاب له
وكون الأولى خلافه اما ما روي عن الصادق ع فقد ينافي صحة هذه
الرواية قوله تعالى: وما يدريك لعله يزكى، فان ذلك الرجل انما عبس في
وجه الأعمى تقذرا له لا لأنه لا يرجو تزكيه أو تذكره فالمناسب ان يقال وما
يدريك لعله خير من أهل النظافة والبصر وكذا قوله: وما عليك ان لا
يزكى فان تصدى الأموي للغني لغناه لا لرجاء ان يزكى وكذا قوله واما من
جاءك يسعى وهو يخشى فأنت عنه تلهى. فان ابن أم مكتوم انما جاء
رسول الله ص لا الأموي والأموي انما تقذره وانكمش منه لا إنه تلهى عنه
فالمناسب ان يكون الخطاب للنبي ص وذلك يبطل صدور هذه الرواية من
معدن بيت الوحي.
حصار الشعب وامر الصحيفة
ولما بلغ قريشا فعل النجاشي بجعفر وأصحابه واكرامه إياهم ورأوا
عدم وصولهم إلى النبي ص لقيام عمه أبي طالب دونه كتبوا كتابا على بني
هاشم ان لا يناكحوهم ولا يبايعوهم ولا يخالطوهم أو يسلموا إليهم رسول
الله ص وختم عليها أربعون خاتما وكتبها منصور بن عكرمة فشلت يده،
وعلقوا الصحيفة في جوف الكعبة وحصروهم في شعب أبي طالب أول
المحرم سنة سبعة من البعثة فدخل بنو هاشم الشعب، مسلمهم وكافرهم
عدا أبي لهب وأبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب لشدة عداوتهما للرسول
ص وأبو سفيان أسلم بعد ذلك وحسن اسلامه وانحاز إليهم بنو المطلب بن
عبد مناف فكانوا أربعين رجلا وحصن أبو طالب الشعب وكان يحرسه ليلا
ونهارا وأخافتهم قريش فكانوا لا يخرجون ولا يأمنون الا من موسم إلى
موسم، موسم العمرة في رجب وموسم الحج في ذي الحجة وقطعوا عنهم
الميرة إلا ما كان يحمل سرا وهو شئ يسير لا يمسك ارماقهم حتى بلغ بهم
الجهد وسمع أصوات صبيانهم من وراء الشعب وذلك أشد ما لقي رسول
الله ص وأهل بيته بمكة. وكان هشام بن عمرو أحد بني عامر بن لؤي يأتي
بالبعير بعد البعير قد أوقره طعاما أو تمرا إلى فم الشعب فينزع عنه خطامه
ويضربه على جنبيه فيدخل الشعب فبقوا في الشعب سنتين أو ثلاث سنين
وأرسل الله تعالى على الصحيفة الأرضة فلحستها الا باسمك اللهم فأخبر
الله تعالى نبيه بذلك فذكره لعمه أبي طالب فقال لقريش إن ابن أخي
اخبرني أن الله قد سلط على صحيفتكم الأرضة فأكلتها غير اسم الله فإن كان
صادقا نزعتم عن سوء رأيكم وإن كان كاذبا دفعته إليكم قالوا قد
أنصفتنا ففتحوا فإذا هي كما قال فقالوا هذا سحر ابن أخيك وتلاوم رجال
من قريش على ما صنعوا ببني هاشم فمشي هشام بن عمرو إلى زهير ابن
أبي أمية المخزومي وزهير ختن أبي طالب على ابنته عاتكة وقال أ رضيت ان
يكون أخوالك هكذا قال فما اصنع وأنا رجل واحد قال وجدت ثانيا قال
ابغنا ثالثا فما زالوا كذلك حتى صاروا خمسة فيهم غير هشام وزهير مطعم بن
عدي وأبو البختري بن هشام وزمعة بن الأسود فاقبلوا إلى أندية قريش فقال
زهير يا أهل مكة نأكل الطعام ونشرب الشراب ونلبس الثياب وبنو هاشم
هلكى والله لا اقعد حتى تشق هذه الصحيفة القاطعة الظالمة فقال أبو جهل
كذبت والله لا تشق فقال زمعة أنت والله اكذب فقال أبو البختري صدق
والله زمعة وقال مطعم وهشام مثل ذلك فقال أبو جهل هذا أمر قضي بليل
وقام مطعم إلى الصحيفة فشقها وخرج بنو هاشم من حصار الشعب في
السنة العاشرة أو التاسعة من النبوة إلى مساكنهم وتوفيت خديجة وأبو
طالب وفي تاريخ وفاتهما اختلاف كثير فقيل توفيا في عام واحد توفي أبو
طالب بعد البعثة بست سنين وثمانية أشهر وأربعة وعشرين يوما وتوفيت
خديجة بعده بثلاثة أيام فسمى رسول الله ص ذلك العام عام الحزن وقيل
ماتت خديجة قبل الهجرة بسنة حين خرج رسول الله ص من الشعب ومات
أبو طالب بعدها بسنة. وكما أوصى عبد المطلب ابنه أبا طالب بنصر
النبي ص فقام به أحسن قيام كذلك اوصى أبو طالب ابنيه عليا وجعفرا
وأخويه حمزة وعباسا بنصره ص فقاموا به أحسن قيام لا سيما علي وحمزة
وجعفر وفي ذلك يقول أبو طالب:
- أوصي بنصر النبي الخير مشهده * عليا ابني وعم الخير عباسا -
- وحمزة الأسد المخشي جانبه * وجعفرا ان تذودوا دونه الناسا -
- وهاشما كلها أوصي بنصرته * ان يأخذوا دون حرب القوم امراسا -
- كونوا فدى لكم نفسي وما ولدت * من دون أحمد عند الروع أتراسا -
- بكل أبيض مصقول عوارضه * تخاله في سواد الليل مقباسا -
وقال رسول الله ص ما زالت قريش كاعة عني حتى مات أبو طالب
فلما توفي نالت قريش من رسول الله ص واجترأت عليه فخرج إلى الطائف
يعرض نفسه على القبائل ومعه زيد بن حارثة بعد ثلاثة أشهر من موت
خديجة فأغروا به صبيانهم وسفاءهم يسبونه ويصيحون به ويرمونه بالحجارة
حتى أدموا رجليه وزيد يقيه بنفسه حتى شج في رأسه ففر منهم إلى حائط
لعتبة وشيبة ابني ربيعة فدخله ورجعوا عنه وجلس إلى ظل شجرة فأرسل
عتبة وشيبة غلاما لهما نصرانيا يقال له عداس بعنب في طبق فوضعه بين يديه
فقال باسم الله وأكل منه فعجب عداس من ذلك وقال هذا كلام لا يقوله
أهل هذه البلاد فسأله عن بلده وعن دينه فأخبره انه نصراني من أهل نينوى
فقال أ من قرية الرجل الصالح يونس بن متى قال وما يدريك به قال ذلك
أخي كان نبيا وانا نبي فأكب عداس عليه يقبل رأسه ويديه وقدميه واسلم
فعجب ابنا ربيعة من ذلك وقالا لا يصرفنك هذا الرجل عن دينك فهو خير
من دينه وعاد رسول الله ص إلى مكة في جوار مطعم بن عدي وجعل
يعرض نفسه على قبائل العرب في المواسم وفي منازلها وعمه أبو لهب واسمه
عبد العزى يتبعه ايان ذهب يحرض الناس على أن لا يستمعوا له.
الاسراء والمعراج
قيل كانا في ليلة واحدة، واختلف في تاريخ ذلك فقيل كان ذلك سنة
اثنتي عشرة من البعثة قبل الهجرة بسنة أو سنة إحدى عشرة من البعثة قبل
الهجرة بسنتين أو قبل الهجرة بستة أشهر في السابع عشر من شهر رمضان
ليلة السبت أو بعد النبوة بسنتين ليلة الاثنين في شهر ربيع الأول أو ليلة
سبع عشرة من ربيع الأول أو ليلة سبع وعشرين منه أو ليلة سبع وعشرين
من ربيع الآخر أو ليلة إحدى وعشرين من شهر رمضان أو ليلة تسع
وعشرين منه أو ليلة سبع وعشرين من رجب على اختلاف الروايات
والأقوال وقيل كانا في وقتين مختلفين والمعراج بعد الاسراء في ليلة أخرى.
وأقام رسول الله ص بمكة بعد البعثة ثلاث عشرة سنة منها ثلاث
(٢٣٥)

سنين مستخفيا ثم أعلن دعوته في الرابعة فدعا الناس إلى الاسلام عشر
سنين يوافي في الموسم كل عام يتبع الحاج في منازلهم بمنى والموقف يسال عن
القبائل قبيلة قبيلة ويسال عن منازلهم ويأتي إليهم في أسواق المواسم عكاظ
ومجنة وذي المجاز وكانت العرب إذا حجت تقيم بعكاظ شهر شوال ثم
بسوق مجنة عشرين يوما ثم بسوق ذي المجاز إلى أيام الحج فكان يتبعهم في
منازلهم ليدعوهم إلى أن يمنعوه حتى يبلغ رسالات ربه ويقول يا أيها الناس
قولوا لا إله إلا الله تفلحوا ووراءه أبو لهب واسمه عبد العزى يكذبه فلم
يستجب له أحد منهم.
وجاء إلى مكة أسعد بن زرارة وذكوان بن عبد قيس من الخزرج
فعرض عليهما رسول الله ص الاسلام فاسلما وهما أول من أسلم من
الأنصار ثم رجعا إلى المدينة فأسلم أبو الهيثم بن التيهان وقال أول من أسلم
من الأنصار رافع بن مالك ومعاذ بن عفراء خرجا إلى مكة معتمرين فعرض
ص عليهما الاسلام فاسلما ثم أسلم ثمانية أو ستة من الأنصار مر عليهم ص
وهم نزول بمنى فعرض عليهم الاسلام فاسلموا وطلب منهم ان يمنعوا ظهره
ليبلغ رسالة ربه فاعتذروا بما بينهم من العداوة ووعدوه موسم العام المقبل
ويقال انه لقيهم عند العقبة وان هذه بيعة العقبة الأولى وقال ابن سعد انها
غيرها.
العقبة الأولى
والعقبة هي التي تضاف إليها الجمرة فيقال جمرة العقبة والجمرة عن
يسار الطريق لقاصد منى من مكة وعندها مسجد يقال له مسجد البيعة فلما
كان العام المقبل من العام الذي لقي فيه رسول الله النفر الستة أو الثمانية
كما مر لقيه اثنا عشر رجلا من الخزرج. والأوس والخزرج قبيلتان بالمدينة
كان جداهما أخوين ثم وقعت بينهما حروب كان آخرها قبل الهجرة فاسلموا
وبايعوا على بيعة النساء ثم رجعوا إلى المدينة وكان أسعد بن زرارة يجمع
بالمدينة بمن أسلم وكتب الأوس والخزرج إلى النبي ص ابعث إلينا من يقرئنا
القرآن فبعث إليهم مصعب بن عمير العبدري فروي انه كان يجمع بهم
وفشا الاسلام في المدينة فأسلم كثير من أهلها.
العقبة الثانية
وهم السبعون الذين بايعوا رسول الله ص عند العقبة فإنه لما حضر
الحج مشى من أسلم بالمدينة بعضهم إلى بعض يتواعدون المسير إلى الحج
وموافاة رسول الله ص وهم سبعون يزيدون رجلا أو رجلين فخرجوا مع
الأوس والخزرج وهم خمسمائة حتى قدموا على رسول الله ص مكة فوعدهم
منى ليلة النفر الأول إذا هدأت الرجل ان يوافوه بأسفل العقبة على يمين
القادم من منى حيث المسجد المعروف بمسجد البيعة وأمرهم ان لا ينبهوا
نائما ولا ينتظروا غائبا فخرجوا بعد هدأة يتسللون الرجل والرجلان فتوافى
السبعون ومعهم امرأتان فوجدوا النبي ص وعمه العباس فخطب العباس
فقال يا معشر الخزرج (١) انكم دعوتم محمدا وهو أعز الناس في عشيرته
يمنعه والله من كان على قوله ومن لم يكن للحسب والشرف وقد أبى الناس كلهم
غيركم فان كنتم أهل قوة وجلد وبصر بالحرب واستقلال بعداوة العرب
قاطبة ترميكم عن قوس واحدة فارتأوا رأيكم. فأجابوا بأحسن الجواب وتلا
عليهم رسول الله ص القرآن ثم دعاهم إلى الله ورغبهم في الاسلام فقال
البراء بن معرور وقيل أبو الهيثم بن التيهان وقيل أسعد بن زرارة ابسط يدك
يا رسول الله فكان أول من ضرب على يد رسول الله ص ثم ضرب
السبعون كلهم على يده وبايعوه على أن يمنعوه مما يمنعوه منه نساءهم وأبناءهم
وعلى السمع والطاعة وبايعه المرأتان من غير مصافحة ثم قال لهم اخرجوا لي اثني
عشر نقيبا يكونون على قومهم تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس. وبلغ
قريشا ذلك فجاءوا إلى الخزرج يعاتبونهم فحلف لهم المشركون من الخزرج
ما شعروا بشئ وبحثت قريش عن الخبر فوجدته حقا فجعلت تطلبهم
فادركوا سعد بن عبادة فجعلوا يده إلى عنقه بنسعة وجعلوا يضربونه حتى
ادخلوه مكة فخلصه منهم مطعم بن عدي والحارث بن أمية بن
عبد شمس.
مؤاخاة النبي بين أصحابه قبل الهجرة.
في السيرة الحلبية: قبل الهجرة آخى النبي ص بين المهاجرين على
الحق والمواساة. بين أبي بكر وعمر وبين حمزة وزيد بن حارثة وبين عثمان
وعبد الرحمن بن عوف وبين الزبير وابن مسعود وبين عبادة بن الحارثة وبلال
وبين مصعب بن عمير وسعد بن أبي وقاص وبين أبي عبيدة بن الجراح وسالم
مولى أبي حذيفة وبين سعيد بن زيد وطلحة بن عبيد الله وبين علي ونفسه
ص وقال أ ما ترضى ان أكون أخاك قال بلى يا رسول الله رضيت قال فأنت
أخي في الدنيا والآخرة. وأنكر ابن تيمية على عادته المؤاخاة بين المهاجرين
سيما مؤاخاة النبي ص لعلي قال لأن المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار انما
جعلت لارفاق بعضهم ببعض ولتاليف قلوب بعضهم ببعض فلا معنى
لمؤاخاة مهاجري لمهاجري. قال الحافظ ابن حجر وهذا رد للنص
بالقياس اه‍ وأقول كان المهاجرين لا يطلب ارفاق بعضهم ببعض
وتالف قلوب بعضهم ببعض أنها لا تعمى الأبصار ولكن... وفي ذلك
يقول صفي الدين الحلي من قصيدة:
- أنت سر النبي والصنو وابن ال‍ * عم والصهر والأخ المستجاد -
- لو رأى مثلك النبي لآخاه * والا فأخطأ الانتقاد -
وآخى ص بعد الهجرة بين المهاجرين والأنصار ويأتي ذكر ذلك
انش.
الهجرة إلى المدينة
لما صدر السبعون من عند رسول الله ص طابت نفسه وقد جعل الله
له منعة وقوما أهل حرب وعدة ونجدة وجعل البلاء يشتد على المسلمين من
المشركين فاذن لهم النبي ص في الهجرة إلى المدينة فهاجروا ونزلوا على
الأنصار في دورهم فآووهم ونصروهم وآسوهم ولم يبق منهم بمكة إلا قليل.
قصة الغار ومبيت علي على الفراش
ولما رأى ذلك المشركون اجتمعوا في دار الندوة ليأتمروا في رسول الله
ص وأسروا ذلك بينهم فقال العاص بن وائل وأمية بن خلف نبني له
بنيانا نستودعه فيه فلا يخلص إليه أحد ولا يزال في رفق من العيش حتى

(١) قال ابن هشام في سيرته كان العرب يسمون هذا الحي من الأنصار الخزرج خزرجها
وأوسها.
- المؤلف -
(٢٣٦)

يذوق طعم المنون فقال قائل بئس ما رأيتم لئن صنعتم ذلك ليسمعن
الحميم والمولى الحليف ثم لتأتين المواسم والأشهر الحرم بالأمن فلينتزعن من
أيديكم فقال عتبة وأبو سفيان نرحل بعيرا صعبا ونوثق محمدا عليه ثم
نقصع البعير بأطراف الرماح فيقطعه إربا أربا فقال صاحب رأيهم أ رأيتم
ان خلص به البعير سالما إلى بعض الأفاريق فاخذ بقلوبهم بسحره وبيانه
فصبا القوم إليه واستجابت القبائل له فيسيرون إليكم بالكتائب والمقانب
فلتهلكن كما هلكت اياد فقال أبو جهل لكني ارى لكم رأيا سديدا وهو
ان تعمدوا إلى قبائلكم العشر فتنتدبوا من كل قبيلة رجلا نجدا ثم تسلحوه
حساما عضبا حتى إذا غسق الليل اتوا ابن أبي كبشة فقتلوه فيذهب دمه في
قبائل قريش فلا يستطيع بنو هاشم وبنو المطلب مناهضة قريش فيرضون
بالدية فقال صاحب رأيهم أصبت يا أبا الحكم هذا هو الرأي فلا تعدلوا به
رأيا وكموا في ذلك أفواهكم فسبقهم الوحي بما كان من كيدهم وهو قوله
تعالى وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون
ويمكر الله والله خير الماكرين فدعا رسول الله ص عليا ع وأخبره بذلك
وقال له أوحى إلي ربي ان اهجر دار قومي وانطلق إلى غار ثور تحت ليلتي
هذه وان آمرك بالمبيت على مضجعي ليخفي بمبيتك عليهم أمري فقال علي
ع أ وتسلمن بمبيتي هناك يا نبي الله؟ قال نعم فتبسم علي ضاحكا
وأهوى إلى الأرض ساجدا شاكرا لله لما بشره ص بسلامته، قال رسول الله
ارقد على فراشي واشتمل ببردي الحضرمي وكان له برد حضرمي احمر وقيل
اخضر ينام فيه ثم ضمه النبي ص إلى صدره وبكى وجدا به فبكى علي
جزعا لفراق رسول الله ص فأنزل الله عز وجل في علي: ومن الناس من
يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رؤوف بالعباد وأمر رسول الله ص أبا
بكر وهند بن أبي هالة وهو ربيب رسول الله أمه خديجة أم المؤمنين ان
يقعدا له بمكان ذكره لهما في طريقه إلى الغار ولبث مع علي يوصيه ويأمره
بالصبر حتى صلى العشاءين ثم خرج في فحمة العشاء الآخرة
والرصد من قريش قد أطافوا بداره فيهم أبو جهل والحكم بن أبي
العاص وعقبة بن أبي معيط والنضر بن الحارث وأمية بن خلف وابن
الغيطلة وزمعة بن الأسود وطعيمة بن عدي وأبو لهب وأبي بن خلف
ونبيه ومنبه ابنا الحجاج وخالد بن الوليد بن المغيرة ينتظرون إلى أن
ينتصف الليل وتنام الأعين فخرج وهو يقرأ وجعلنا من بين أيديهم سدا
ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون ومضى حتى اتى إلى أبي
بكر وهند فنهضا معه حتى وصلوا الغار وهو غار ثور جبل بأسفل مكة سمي
باسم ثور بن عبد مناة بن إدا بن طابخة لأنه ولد عنده فقيل جبل ثور
ويسمى أيضا أطحل فدخلا الغار ورجع هند إلى مكة لما أمره به رسول الله
ص فلما أغلق الليل أبوابه وانقطع الأثر أقبل القوم على علي يقذفونه
بالحجارة ولا يشكون انه رسول الله حتى إذا قرب الفجر هجموا عليه
وكانت دور مكة يومئذ لا أبواب لها فلما بصر بهم علي ع قد انتضوا
السيوف واقبلوا بها إليه أمامهم خالد بن الوليد وثب علي فهمز يده فجعل
خالد يقمص قماص البكر ويرغو رغاء الجمل واخذ سيف خالد وشد
عليهم به فأجفلوا أمامه اجفال النعم إلى ظاهر الدار وبصروه فإذا هو علي
فقالوا انا لم نردك فما فعل صاحبك قال لا علم لي به فأذكت قريش عليه
العيون وركبت في طلبه الصعب والذلول وامر الله العنكبوت فنسجت على
باب الغار وامر حمامتين وحشيتين فوقعتا بفم الغار وباضتا فلما قربوا منه قال
بعضهم ان عليه العنكبوت قبل ميلاد محمد ورأى أولهم الحمامتين فرجعوا
وأمهل علي حتى إذا اعتم من الليلة القابلة انطلق هو وهند بن أبي هالة حتى
دخلا على رسول الله ص في الغار فامر رسول الله ص هندا ان يبتاع له
ولصاحبه بعيرين فقال صاحبه قد أعددت لي ولك يا نبي الله راحلتين فقال
اني لا آخذهما ولا إحداهما إلا بالثمن قال فهما لك بذلك فامر عليا فاقبضه
الثمن هذه رواية الشيخ أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي بسنده في أماليه
وكذا جل ما في هذه القصة وروى ابن سعد في الطبقات أنه قال فخذ بأبي
أنت وأمي إحدى راحلتي هاتين فقال رسول الله ص بالثمن وكان أبو بكر اشتراهما بثماني مائة درهم من نعم بني قشير فاخذ إحداهما وهي القصواء.
وروى ابن هشام عن ابن إسحاق أنه قال له إني لا أركب بعيرا ليس لي
فاخذها بثمنها الذي ابتاعها به وسئل ابن أبي رافع أ كان رسول الله ص
يجد ما ينفقه هكذا فقال أين يذهب بك عن مال خديجة وكان ص يفك من
مالها الغارم والأسير ويحمل العاجز ويعطي في النائبة ويعطي فقراء أصحابه
إذ كان بمكة ويحمل من أراد منهم الهجرة وكانت طائفة من العير في رحلتي
الشتاء والصيف لخديجة وكانت أكثر قريش مالا وكان ينفق من مالها ما شاء
في حياتها وورثها هو وولدها بعد مماتها.
ثم وصى عليا ع بحفظ ذمته وأداء أمانته وكانت قريش تدعو
محمدا ص في الجاهلية الأمين وتودعه أموالها وكذلك من يقدم مكة من
العرب في الموسم وجاءته النبوة والأمر كذلك فامر عليا ان يقيم مناديا
بالأبطح غدوة وعشية إلا من كانت له قبل محمد أمانة فليأت لتؤدى إليه
أمانته وقال إنهم لن يصلوا إليك بما تكرهه حتى تقدم علي فاد أمانتي على
أعين الناس ظاهرا واني مستخلفك على فاطمة ابنتي ومستخلف ربي عليكما
وأمره ان يبتاع رواحل له وللفواطم ومن أراد الهجرة معه من بني هاشم
وغيرهم وقال له إذا قضيت ما امرتك فكن على اهبة الهجرة إلى الله ورسوله
وانتظر قدوم كتابي إليك ولا تلبث بعده وأقام رسول الله ص في الغار ثلاث
ليال وفي ذلك يقول علي ع شعرا:
- وقيت بنفسي خير من وطئ الحصى * ومن طاف بالبيت العتيق وبالحجر -
- محمد لما خاف ان يمكروا به * فوقاه ربي ذو الجلال من المكر -
- وبت أراعيهم متى ينشرونني * وقد وطنت نفسي على القتل والأسر -
- وبات رسول الله في الغار آمنا * هناك وفي حفظ الإله وفي ستر -
- أقام ثلاثا ثم زمت قلائص * قلائص يفرين الحصى أينما يفري -
ثم استأجروا دليلا من بني الدئل هاديا خريتا يقال له عبد الله بن
أريقط الليثي وهو على الكفر ولكنهما أمناه فلما مضت الثلاث اتاهما الدليل
ببعيريهما وبعير له واتتهما أسماء بنت أبي بكر بسفرتهما في جراب ونسيت ان
تجعل لها عصاما فحلت نطاقها وجعلته عصاما وعلقتها به فسميت ذات
النطاق وقيل قطعت منه قطعة أوكت بها الجراب واخرى جعلتها عصاما
وقيل شقت نطاقها باثنين فعلقت السفرة بواحد وانتطقت بالآخر فسميت
ذات النطاقين ثم ارتحلا ومعهما عامر بن فهيرة غلام أبي بكر أردفه خلفه
ودليلهم واخذ بهم الدليل على طريق السواحل وجعلت قريش مائة ناقة لمن
رده عليهم وأرسلت إلى أهل السواحل ان من قتله أو اسره فله مائة ناقة،
ومروا بخيمتي أم معبد الخزاعية واسمها عاتكة وكان منزلها بقديد فسألوها
تمرا أو لحما يشترون فلم يصيبوا عندها شيئا من ذلك وإذا القوم مرملون
مسنتون فقالت والله لو كان عندنا شئ ما أعوزكم القرى فنظر ص إلى
الشاة في كسر الخيمة فقال ما هذه الشاة يا أم معبد قالت هذه شاة خلفها
(٢٣٧)

الجهد عن الغنم قال هل بها لبن قالت هي اجهد من ذلك قال أتأذنين لي
ان احلبها قالت نعم بأبي أنت وأمي ان رأيت بها حلبا فاحلبها فدعا بها
فمسح ضرعها وسمى الله وقال اللهم بارك لها في شاتها فتفاحجت أو
فتفاحت ودرت واجترت فدعا باناء كبير فحلب فيه فسقاها وسقى
أصحابه حتى رويت ورووا وشرب آخرا وقال ساقي القوم آخرهم ثم حلب
فيه ثانيا حتى امتلأ وتركه عندها وارتحلوا فقل ما لبثت حتى جاء زوجها أبو
معبد قيل اسمه أكثم بالمثلثة وقيل خنيس وقيل عبد الله يسوق أعنزا حيلا
عجافا فلما رأى اللبن عجب وقال من أين لكم هذا ولا حلوبة في البيت
قالت لا والله الا انه مر بنا رجل مبارك كان من حديثه كيت وكيت قال إني
لأراه صاحب قريش الذي يطلب صفيه لي فوصفته له ثم هاجرت أم معبد
وأسلمت ويقال بل أسلمت يومئذ وبايعت وهاجر زوجها وأسلم وفي ذلك
يقول الشاعر:
- جزى الله رب الناس خير جزائه * رفيقين حلا خيمتي أم معبد -
- هما نزلا بالبر وارتحلا به * فأفلح من امسى رفيق محمد -
- فيا لقصي ما زوى الله عنكم * به من فعال لا يجازي وسؤدد -
- سلوا اختكم عن شاتها وانائها * فإنكم ان تسألوا الشاة تشهد -
- دعاها بشاة حائل فتحلبت * له بصريح صرة الشاة مزبد -
وقال حسان بن ثابت مجيبا له من أبيات:
- لقد خاب قوم زال عنهم نبيهم * وقدس من يسري إليهم ويغتدي -
- ترحل عن قوم فزالت عقولهم * وحل على قوم بنور مجدد -
- وهل يستوي ضلال قوم تسكعوا * عمى وهداة يهتدون بمهتدي -
- نبي يرى ما لا يرى الناس حوله * ويتلو كتاب الله في كل مشهد -
- فان قال في يوم مقالة غائب * فتصديقها في ضحوة اليوم أو غد -
ولم يزل ص سائرا حتى قارب المدينة فقال من يدلنا على الطريق إلى
بني عمرو بن عوف فلا يقرب المدينة فنزل فيهم بقبا لاحدى عشرة أو لاثنتي
عشرة ليلة خلت من ربيع الأول وكان التاريخ من ذلك اليوم ثم رد إلى
المحرم واراده صاحبه على دخول المدينة فقال ما انا بداخلها حتى يقدم ابن
عمي وابنتي يعني عليا وفاطمة وكان المسلمون من المهاجرين والأنصار
يغدون كل يوم إلى حرة العصبة يتحينون قدومه فإذا علت الشمس عادوا
إلى منازلهم فلما كان يوم قدومه رآه يهودي فأخبرهم فسمعت الرجة في بني
عمرو بن عوف والتكبير ويقال انه استقبله من الأنصار زهاء خمسمائة فمال
بهم إلى قبا.
ثم كتب رسول الله ص إلى علي مع أبي واقد الليثي يأمره بالمسير إليه
وكان قد أدى أماناته وفعل ما أوصاه به فلما اتاه الكتاب ابتاع ركائب وتهيأ
للخروج وامر من كان معه من ضعفاء المؤمنين ان يتسللوا ليلا إلى ذي
طوى وخرج علي ع بالفواطم: فاطمة بنت رسول الله ص وامه فاطمة
بنت أسد بن هاشم وفاطمة بنت الزبير بن عبد المطلب وزاد بعض المؤرخين
فاطمة بنت حمزة بن عبد المطلب وتبعهم أيمن ابن أم أيمن مولى رسول الله
ص وأبو واقد الليثي فجعل أبو واقد يسوق بالرواحل سوقا حثيثا فقال علي
ع ارفق بالنسوة يا أبا واقد انهن من الضعائف ثم جعل علي يسوق بهن
سوقا رفيقا وهو يقول:
- ليس الا الله فارفع ظنكا * يكفيك رب الناس ما أهمكا -
فلما قارب ضجنان أدركه الطلب وهم ثمانية فرسان ملثمون معهم
مولى لحرب بن أمية اسمه جناح فقال علي ع لأيمن وأبي واقد أنيخا الإبل
واعقلاها وتقدم فأنزل النسوة ودنا القوم فاستقبلهم علي ع منتضيا سيفه
فقالوا ظننت انك يا غدار ناج بالنسوة ارجع لا أبا لك قال فإن لم افعل قالوا
لترجعن راغما أو لنرجعن بأكثرك شعرا وأهون بك من هالك ودنوا من
المطايا ليثوروها فحال علي ع بينهم وبينها فاهوى له جناح بسيفه فراع
عن ضربته وضرب جناحا على عاتقه فقده نصفين حتى وصل السيف إلى
كتف فرسه والظاهر أن جناحا لما اهوى له بالسيف انحنى لأن الفارس لا
يمكنه ان يضرب الراجل الا وهو منحن فضربه علي وهو منحن على عاتقه
ولو لم يكن منحنيا لم تصل ضربته إلى عاتقه وشد على أصحابه وهو على
قدميه شدة ضيغم وهو يقول:
- خلوا سبيل الجاهد المجاهد * آليت لا أعبد غير الواحد -
فتفرق القوم عنه وقالوا: احبس نفسك عنا يا ابن أبي طالب قال: -
فاني منطلق إلى أخي وابن عمي رسول الله ص فمن سره ان أفري لحمه
وأريق دمه فليدن مني ثم اقبل على أيمن وأبي واقد وقال لهما: اطلقا مطاياكما
ثم سار ظافرا قاهرا حتى نزل ضجنان فلبث بها يومه وليلته ولحق به نفر من
المستضعفين من المؤمنين فيهم أم أيمن مولاة رسول الله ص وبات ليلته تلك
هو والفواطم طورا يصلون وطورا يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم
حتى طلع الفجر فصلى بهم صلاة الفجر ثم سار لا يفتر عن ذكر الله هو
ومن معه حتى قدموا المدينة وقد نزل الوحي بما كان من شأنهم قبل قدومهم
بقوله تعالى الذين يذكرون الله قياما و قعودا وعلى جنوبهم إلى قوله
فاستجاب لهم ربهم اني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى
بعضكم من بعض فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي
وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها
الأنهار ثوابا من عند الله والله عنده حسن الثواب وتلا ص ومن الناس
من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رؤوف بالعباد. وفي سيرة ابن
هشام أقام علي بن أبي طالب ع بمكة ثلاث ليال وأيامها حتى أدى عن
رسول الله ص الودائع ثم لحق به بقبا فأقام بها ليلة أو ليلتين اه‍ وفي
السيرة الحلبية عن الامتاع: لما قدم علي ع من مكة كان يسير الليل
ويكمن النهار حتى تفطرت قدماه فاعتنقه النبي ص وبكى رحمة لما بقدميه
من الورم وتفل في يديه وأمرهما على قدميه فلم يشكهما بعد ذلك اه‍
وأقام رسول الله ص بقبا الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس وأسس
مسجده وخرج يوم الجمعة. وقيل مكث أربع عشرة ليلة ولعله الأقرب إلى
الاعتبار وركب ناقته وحشد المسلمون حوله عن يمينه وشماله بالسلاح
وأدركته الجمعة في بني سالم بن عوف فصلاها في المسجد الذي في بطن
وادي رانوناء ومعه مائة من المسلمين فكانت أول جمعة صلاها بالمدينة واراده
بنو سالم بن عوف على الإقامة عندهم في العدد والعدة والمنعة، فقال: خلوا
سبيلها فإنها مأمورة لناقته وجعل كلما مر بحي من احياء الأنصار يدعونه
للإقامة عندهم في العدد والعدة والمنعة فيجيبهم بمثل ذلك حتى بركت على
باب مسجده وهو يومئذ مربد ليتيمين وهما سهل وسهيل أبناء عمرو في حجر
معاذ بن عفراء فجعل الناس يكلمون رسول الله ص في النزول عليهم
فاحتمل أبو أيوب رحله فوضعه في بيته فقال رسول الله ص المرء مع رحله
ونزل عليه وسال عن المربد فأخبره معاذ بخبره وقال سأرضي صاحبيه فاتخذه
مسجدا فامر ان يبنى مسجدا وكان في موضعه قبور للمشركين فامر النبي
(٢٣٨)

ص بها فنبضت عظامها وألقيت وبني المسجد في موضعها وعمل فيه رسول
الله ص والمهاجرون والأنصار وقال قائلهم:
- لئن قعدنا والنبي يعمل * لذاك منا العمل المضلل -
قال ابن هشام في سيرته: وارتجز علي بن أبي طالب يومئذ:
- لا يستوي من يعمر المساجدا * يدأب فيها قائما وقاعدا -
- ومن يرى عن الغبار حائدا -
فاخذهما عمار بن ياسر فجعل يرتجز بها فلما أكثر ظن رجل من
أصحاب رسول الله ص انه انما يعرض به فيما حدثنا زياد بن عبد الله
البكائي عن ابن إسحاق وقد سمى ابن إسحاق الرجل فقال قد سمعت ما
تقول منذ اليوم يا ابن سمية والله اني لأراني سأعرض هذه العصا لانفك
وفي يده عصا فغضب رسول الله ص ثم قال: ما لهم ولعمار يدعوهم إلى
الجنة ويدعونه إلى النار. ان عمارا جلدة ما بين عيني وانفي الحديث
وما في السيرة الحلبية: من أن الرجل الذي ظن أن عمارا يعرض به هو
عثمان بن مظعون غير صحيح ولو كان هو لما كتم ابن هشام اسمه واقتصر
على قوله: وقد سمى ابن إسحاق الرجل بل هو ممن يحتشم من التصريح
باسمه وكان لابسا ثيابا بيضا ويحيد عن الغبار. فبنى حائطه أولا بالحجارة
ثم باللبن إلى أن جعل بقدر قامة وجعل له سواري من جذوع النخل وجعل
فوقها عريش وبنى بجانبه مساكن له ولأصحابه وأقام في منزل أبي أيوب
سبعة أشهر حتى بنى مسجده ومساكنه وما في طبقات ابن سعد: انه
ص بعث من منزل أبي أيوب، زيد بن حارثة وأبا رافع إلى مكة وأعطاهما
بعيرين وخمسمائة درهم فقدما عليه بفاطمة وأم كلثوم ابنتيه وسودة بنت
زمعة زوجته مخالف لما عليه عامة الرواة وللاعتبار وبقي في المدينة عشر سنين
ثم قبض ص.
المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار بعد الهجرة.
قد عرفت انه ص آخى بين المهاجرين قبل الهجرة وآخى بين علي
ونفسه ع ثم إنه ص آخى بين المهاجرين والأنصار في السنة الأولى من
الهجرة وفي رواية ابن سعد في الطبقات انه ص لما قدم المدينة آخى بين
المهاجرين بعضهم لبعض وآخى بين المهاجرين والأنصار على الحق والمواساة
ويتوارثون بعد الممات دون ذوي الأرحام قال وكانوا تسعين رجلا خمسة
وأربعون من المهاجرين وخمسة وأربعون من الأنصار ويقال كانوا مائة خمسون
من المهاجرين وخمسون من الأنصار فلما كانت وقعة بدر وانزل الله تعالى
وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض الآية فنسخت هذه الآية ما كان قبلها
وانقطعت المؤاخاة في الميراث ورجع كل انسان إلى نسبه وورثه ذوو رحمه
اه‍ ويظهر ان هذه المؤاخاة كانت أولا بين مهاجري ومهاجري ثم بين
المسلمين عموما فقد تكون بين مهاجري ومهاجري وبين مهاجري وأنصاري
وبين أنصاري وأنصاري ففي السيرة الحلبية انه آخى بعد الهجرة بين أبي
بكر وعمر وبين أبي بكر وخارجة بن زيد وبين عمر وعتبان بن مالك وبين
أبي رويم الخثعمي وبلال وبين أسيد بن حضير وزيد بن حارثة وبين أبي
عبيدة وسعد بن معاذ وبين عبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع وبين حمزة
وزيد بن حارثة وبين جعفر بن أبي طالب وهو غائب بالحبشة ومعاذ بن جبل
وبين أبي ذر الغفاري والمنذر بن عمر وبين حذيفة بن اليمان وعمار بن ياسر
وبين مصعب بن عمير وأبي أيوب وبين سلمان وأبي الدرداء قال ثم اخذ بيد
علي بن أبي طالب وقال هذا أخي فكان رسول الله ص وعلي أخوين. قال
وفي رواية لما آخى رسول الله ص بين أصحابه جاء علي تدمع عيناه فقال يا
رسول الله آخيت بين أصحابك ولم تؤاخ بيني وبين أحد فقال له رسول الله
ص أنت أخي في الدنيا والآخرة اه‍ وفي ذلك يقول أبو تمام:
- اخوه إذا عد الفخار وصهره * فما مثله أخ ولا مثله صهر -
وعن ابن إسحاق آخى رسول الله ص بين أصحابه من المهاجرين
والأنصار فقال تآخوا في الله أخوين اه‍ وهذا من أقوى السياسات
الاسلامية وجاء في القرآن الكريم انما المؤمنون اخوة بصيغة الحصر.
وقد ذكر الدكتور محمد حسين هيكل خبر المؤاخاة في كتابه حياة
محمد ص فقال كان أول ما انصرف إليه تفكيره ص تنظيم صفوف
المسلمين وتوكيد وحدتهم للقضاء على كل شبهة في أن تثور العداوة القديمة
بينهم ولتحقيق هذه الغاية دعا المسلمين ليتأخوا في الله أخوين أخوين فكان
هو وعلي بن أبي طالب أخوين وعمه حمزة ومولاه زيد أخوين وأبو بكر
وخارجة بن زيد أخوين وعمر بن الخطاب وعتبان بن مالك الخزرجي أخوين
اه‍ فتراه كيف ذكر مؤاخاة النبي ص لعلي كأمر عادي لا يزيد على
المؤاخاة بين باقي الصحابة بعضهم مع بعض ولم يشر إلى ما في هذه
المؤاخاة من مغزى كما هو مبنى كتابه ولا أعارها جانبا من الأهمية وتركها
غفلا كسائر الأمور العادية وهي أولى بان تكون رمزا إلى الميزة على سائر
الناس وانه لا كفؤ لمؤاخاته سواه وإلى الوزارة التي أثبتها قبل ذلك بقليل
لغيره.
الأذان والإقامة.
في السيرة الحلبية وغيرها انه في السنة الأولى من الهجرة شرع الأذان والإقامة
وفيها عن الموطأ ان المؤذن جاء عمر يؤذنه بصلاة الصبح فوجده
نائما فقال الصلاة خير من النوم فامره عمر ان يجعلها في نداء الصبح. وفي
السيرة الحلبية أيضا: نقل عن ابن عمر وعن علي بن الحسين انهما كانا
يقولان في أذانهما بعد حي على الفلاح: حي على خير العمل اه‍ وروى
البيهقي في سننه بسنده عن جعفر بن محمد عن أبيه ان علي بن الحسين كان
يقول في أذانه إذا قال حي على الفلاح: حي على خير العمل ويقول هو الأذان
الأول ونقل في الروض عن التحرير بعدة أسانيد في مسند ابن أبي شيبة عن
عبد الله بن عمر انه كان يقول في أذانه حي على خير العمل وروى البيهقي
عن عبد الله بن عمر مثله بعدة أسانيد وروى المحب الطبري الشافعي في
كتاب احكام الاحكام عن صدقة بن يسار عن سهل بن حنيف انه كان إذا
أذن قال حي على خير العمل. وحكى في الروض النضير (١) عن
سعد الدين التفتازاني في حاشية شرح العضد على مختصر الأصول ان حي
على خير العمل كان ثابتا على عهد رسول الله ص وان عمر هو الذي أمر أن
يكف الناس عن ذلك مخافة ان يثبط الناس عن الجهاد ويتكلوا على
الصلاة اه‍ وما في طبقات ابن سعد وسيرة ابن هشام من أن سبب
وضع الاذان و الإقامة رؤيا رآها بعض الأنصار باطل لا يلتفت إليه فان
الأحكام الشرعية ما كان يشرعها ص بالمنامات ان هو إلا وحي يوحى.
وفي السيرة الحلبية عن محمد بن الحنفية انكار ذلك أشد الإنكار.

(١) جزء ٢ ص ٤٢.
(٢٣٩)

تحويل القبلة إلى الكعبة المشرفة وذلك بالمدينة في السنة الثانية من الهجرة.
روى ابن سعد في الطبقات ان رسول الله ص كان يصلي وهو بمكة
نحو بيت المقدس والكعبة بين يديه ولما هاجر إلى المدينة صلى إلى بيت
المقدس ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا وكان يحب ان يصرف إلى
الكعبة وجعل إذا صلى إلى بيت المقدس يرفع رأسه إلى السماء فنزلت: قد
نرى تقلب وجهك في السماء الآية وكان قد صلى ركعتين من الظهر في
مسجده ثم أمر ان يوجه إلى المسجد الحرام فاستدار إليه ودار معه المسلمون
ويقال بل كان ذلك في بني سليم فسمي المسجد مسجد القبلتين.
وفادات العرب على رسول الله
جعلت قبائل العرب بعد ظهور الاسلام ترسل وفودها إلى النبي ص
بالمئات والعشرات والجماعة والآحاد بعضها مسلمة وبعضها على شركها
فمنها من يسلم فورا ومنها بعد مدة ومنها يبقى على شركه وهو القليل ومن
يسلم يعود إلى قومه فيسلمون كلهم أو بعضهم أو يبقون على شركهم ومنهم
من يبايع على قومه ولهم اخبار حسان يعرف منها كثير من أخلاق العرب
وعاداتهم ووفائهم ويعرف من سيرته ص معهم فضيلة الاسلام وشئ كثير
من السياسة الاسلامية الباهرة التي أوجبت انتشار الاسلام بسرعة فيهم وفي
غيرهم فكان ص يكرمهم ويوسع لرؤسائهم في المجالس ويجلسهم بجانبه
ويؤنسهم بالحديث ويسألهم عن أهاليهم وبلادهم ويغير أسماءهم بأحسن
كعبد العزى بعبد الله وغوي براشد ويدعو لهم ويحلم عن جاهلهم ويعفو
عن مسيئهم ويطلق لهم أسراهم ويضيف كثيرا منهم ويعطيهم الجوائز
ويتألفهم مهما أمكن ويزجر من تعدى طوره منهم بما يخالف الشريعة
الاسلامية ويأمر من يرسله لقبض زكاتهم ان يأخذها من أغنيائهم فيردها
على فقرائهم وقد ذكرهم وذكر اخبارهم محمد بن سعد كاتب الواقدي في
الطبقات الكبير مسندة مفصلة واكتفينا هنا بالإشارة الاجمالية إلى أكثرهم
وذكر شئ من اخبارهم مما فيه عظة وعبرة وفوائد جلى مع حذف الأسانيد
خوفا من التطويل وأشرنا إلى بعض ما في تلك الأخبار من الفوائد والعبر
وتركنا ذكر البعض ممن ذكره ابن سعد.
اما سرد الوفود التي ذكرها محمد بن سعد كاتب الواقدي في الطبقات
الكبير وذكر اخبارها مفصلة مسندة فهي: وفد مزينة. وفد أسد.
وفد تميم. وفد عبس. وفد فزارة. وفد مرة. وفد ثعلبة. وفد محارب.
وفد سعد بن بكر. وفد كلاب. وفد رؤاس بن كلاب. وفد عقيل بن
كعب. وفد جعدة. وفد قشير بن كعب. وفد بني البكاء. وفد كنانة.
وفد أشجع. وفد باهلة. وفد سليم. وفد هلال بن عامر. وفد عامر بن
صعصعة. وفد ثقيف وفود ربيعة وفد عبد القيس. وفد بكر بن وائل.
وفد تغلب. وفد حنيفة. وفد شيبان وفادات أهل اليمن. وفد طئ.
وفد تجيب. وفد خولان. وفد جعفي. وفد صداء. وفد مراد. وفد زبيد.
وفد كندة. وفد الصدف. وفد خشين. وفد سعد هذيم. وفد بلي.
وفد بهراء. وفد عذرة. وفد سلامان. وفد جهينة. وفد كلب. وفد جرم.
وفد الأزد. وفد غسان. وفد الحارث بن كعب. وفد همدان. وفد سعد
العشيرة. وفد عنس. وفد الداربين. وفد الرهاويين حي من مذحج
وفد غامد. وفد النخع. وفد بجيلة. وفد خثعم. وفد الأشعرين.
وفد حضرموت. وفد أزد عمان. وفد غافق. وفد بارق. وفد دوس.
وفد ثمالة والحدان. وفد أسلم. وفد جذام. وفد مهرة. وفد حمير.
وفد نجران. وفد حيشان. وفد السباع. اما ما اخترناه من اخبار أكثرهم من
طبقات ابن سعد بحذف الأسانيد.
فأول من وفد على رسول الله ص وفد مزينة سنة خمس. أربعمائة
رجل فقال لهم أنتم مهاجرون حيث كنتم فارجعوا إلى أموالكم فرجعوا إلى
بلادهم. وفيه من الحكمة وحسن السياسة ما لا يخفى وبايعه رجل منهم
اسمه خزاعي على قومه فلم يجدهم كما ظن فلم يرجع فقال رسول الله ص
لحسان أذكر خزاعيا ولا تهجه فقال أبياتا أولها:
- الا أبلغ خزاعيا رسولا * بان الذم يغسله الوفاء -
فقال يا قوم قد خصكم شاعر الرجل فاسلموا وفيه من الدعاء إلى
سبيل الله بالحكمة ومن مزية الشعر ما هو ظاهر.
ووفد جهينة لما قدم المدينة وفيهم عبد العزى بن بدر فسماه عبد الله
واخوه لأمه أبو روعة فقال له رعت العدو انش وقال من أنتم قالوا بنو
غيان قال أنتم بنو رشدان وكان اسم واديهم غوى فسماه رشدا وخط لهم
مسجدهم وهو أول مسجد خط بالمدينة.
ووافد بني سعد بن بكر: في رجب سنة خمس أرسلوا وافدا إليه ص
فاغلظ في المسألة سأله عمن أرسله وبما أرسله وعن شرائع الاسلام فاجابه
عن ذلك كله فرجع مسلما فما امسى في حاضره رجلا ولا امرأة إلا مسلما
وبنوا المساجد وأذنوا.
ووفد أشجع سنة خمس، مائة وقيل سبعمائة وقيل بعد ما فرع من بني
قريظة نزلوا شعب سلع فخرج إليهم رسول الله ص وامر لهم باحمال التمر
ووادعهم ثم أسلموا.
ووفد ثعلبة سنة ثمان. أربعة نفر فامر لهم بضيافة وأجازهم.
ووفد بني قشير بن كعب سنة ثمان بعد حنين فاسلموا فاقطع بعضهم
وأعطي بعضهم وكساه بردا وولاه صدقات قومه واسمه قرة بن هبيرة فقال:
- حباها رسول الله إذ نزلت به * وأمكنها من نائل غير منفذ -
- فأصبحت بروض الخضر وهي حثيثة * وقد أنجحت حاجاتها من محمد -
- عليها فتى لا يردف الذم خلفه * تروك لأمر العاجز المتردد -
ووافد باهلة بعد الفتح سنة ثمان فأسلم وأخذ لقومه أمانا وكتب له
رسول الله ص كتابا فيه فرائض الصدقات وقدم عليه آخر منهم فأسلم وكتب
له ولمن أسلم من قومه كتابا فيه شرائع الاسلام.
ووفد أسد أول سنة تسع وكانوا عشرة قال له بعضهم: أتيناك نتدرع
الليل البهيم في سنة شهباء ولم تبعث إلينا بعثا فنزل فيهم: يمنون عليك ان
أسلموا.
ووفد تميم سنة تسع. تسعون أو ثمانون من رؤسائهم فيهم
عطارد بن حاجب والزبرقان بن بدر وقيس بن عاصم والأقرع بن حابس
وعمرو بن الأهتم وغيرهم وكان ص ارسل رجلا على صدقات بني كعب
من خزاعة فاستنكر ذلك بنو تميم وأرادوا المحاربة فقدم المصدق على النبي
ص فأخبره فأرسل إليهم خمسين فارسا من العرب فأسروا منهم وسبوا فجاء
رؤساؤهم إليه ص في فكاك أسراهم فنادوا يا محمد اخرج إلينا فنزلت: ان
الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون فقال الأقرع بن
(٢٤٠)

حابس يا محمد ائذن لي فوالله ان مدحي لزين وان ذمي لشين فقال كذبت
ذاك الله تبارك وتعالى وخطب خطيبهم عطارد بن حاجب فقال ص لثابت بن
قيس بن شماس أجبه فاجابه ثم قالوا يا محمد ائذن لشاعرنا فاذن له فقام
الزبرقان بن بدر فانشد فقال ص لحسان أجبه فاجابه فقالوا والله لخطيبه أبلغ
من خطيبنا وشاعره أشعر من شاعرنا وهم أحلم منا وقال ص في قيس بن
عاصم هذا سيد أهل الوبر ورد عليهم الاسرى والسبي وأجازهم.
ووفد عبس تسعة قالوا له أخبرنا قراؤنا انه لا إسلام لمن لا هجرة له
ولنا أموال ومواش هي معاشنا فإن كان كذلك بعناها وهاجرنا فقال ص
اتقوا الله حيث كنتم فلن يلتكم من أعمالكم شيئا وسألهم عن خالد بن
سنان فقالوا لا عقب له فقال نبي ضيعه قومه.
ووفد فزارة سنة تسع. بضعة عشر رجلا سال ص وفد بني فزارة عن
بلادهم فقال أحدهم أسنتت بلادنا وهلكت مواشينا وأجدب جنابنا وغرث
عيالنا فادع لنا ربك فدعا لهم فسقوا.
ووفد مرة سنة تسع. ثلاثة عشر رجلا سال ص رأس وفد مرة أين
ترك أهله فأخبره قال وكيف البلاد قال والله إنا لمسنتون فادع الله لنا فدعا
لهم فسقوا.
ووفد محارب سنة عشر. عشرة نفر فانزلهم دار رملة بنت الحارث
وأضافهم فاسلموا وتكلفوا اسلام من وراءهم فأجازهم.
ووفد كلاب سنة تسع. ثلاثة عشر رجلا فانزلهم دار رملة بنت
الحارث ورحب بهم كعب بن مالك أحد الصحابة وذهب معهم إلى رسول
الله ص فسلموا عليه بسلام الاسلام وأخبروه ان الذي أرسله إليهم سار
فيهم بالكتاب والسنة كما امره وأخذ الصدقة من أغنيائهم فردها على
فقرائهم.
ووافد بني رؤاس بن كلاب واسمه عمرو بن مالك جاءه ص فأسلم
ودعا قومه إلى الاسلام فقالوا حتى نصيب ثارنا من بني فلان فحاربوهم
وقتل عمرو رجلا منهم ثم ندم وغل يده إلى عنقه وخرج يريد النبي ص
فاتاه عن يمينه فاعرض عنه فاتاه عن يساره فاعرض عنه فاتاه من قبل وجهه
وقال يا رسول الله ان الرب ليرتضي فيرضى فارض عني رضي الله عنك
قال: قد رضيت عنك.
ووفد عقيل بن كعب سبعة في عدة دفعات منهم ثلاثة فبايعوا واسلموا
وبايعوه عمن وراءهم من قومهم فأعطاهم العقيق أرضا فيها عيون ونخل
وكتب لهم به كتابا في أديم احمر ما أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وسمعوا
وأطاعوا ولم يعطهم حقا لمسلم ووفد عليه منهم لقيط بن عامر فأعطاه ماء
يقال له النظيم وبايعه على قومه. وقدم عليه منهم أبو حرب بن خويلد
فقرأ عليه القرآن فقال أما أيم الله لقد لقيت الله أو لقيت من لقيه وانك
لتقول قولا لا نحسن مثله وضرب قداحه على الاسلام والكفر فخرج عليه
سهم الكفر وقدم اخوه عقال على رسول الله ص فقال له أ تشهد ان محمدا
رسول الله؟ فقال أشهد ان هبيرة ابن النفاضة نعم الفارس يوم كذا ثم قال
أ تشهد ان محمدا رسول الله فقال أشهد ان الصريح تحت الرغوة ثم قال له
الثالثة فأسلم. فيه فضل الحلم وعدم الياس.
ووفد بني البكاء سنة تسع. ثلاثة نفر فامر لهم بمنزل وضيافة
وأجازهم وقال له أحدهم وعمره مائة سنة اني أتبرك بمسك وابني هذا بربي
فامسح وجهه ففعل وأعطي الابن أعنزا عفرا وبرك عليهن فقال حفيده من
أبيات:
- وأبي الذي مسح الرسول برأسه * ودعا له بالخير والبركات -
ووفد كنانة وفد عليه ص واثلة بن الأسقع الليثي من بني كنانة وهو
يتجهز إلى تبوك فقال اتيتك لأؤمن بالله ورسوله فبايع على ما أحببت
وكرهت فبايعه ورجع إلى أهله فأخبرهم فحلف أبوه لا يكلمه وأسلمت
أخته وجهزته فرجع فوجد النبي ص قد خرج إلى تبوك فقال من يحملني وله
سهمي فحمله رجل وبعثه رسول الله ص مع من بعث إلى أكيدر فغنم وجاء
بسهمه للذي حمله فأبى ان يأخذه وقال انما حملتك لله.
ووفد سليم قدم عليه ص قيس بن نسيبة من بني سليم وسأله عما شاء
فاجابه ودعاه إلى الاسلام فأسلم ورجع إلى قومه فقال لهم قد سمعت ترجمة
الروم وهينمة فارس وأشعار العرب وكهنة الكاهن وكلام مقاول حمير فما
يشبه كلام محمد شيئا من كلامهم فلما كان عام الفتح خرج منهم سبعمائة
إلى رسول الله ص فلقوه بقديد واسلموا وكانوا في مقدمته. واعطى
راشد بن عبد ربه أرضا يقال لها رهاط فيها عين يقال لها عين الرسول.
وكان راشد يسدن صنما لبني سليم فرأس ثعلبين يبولان عليه فقال:
- أ رب يبول الثعلبان برأسه * لقد ذل من بالت عليه الثعالب -
ثم شد عليه فكسره واتى النبي ص فقال ما اسمك فقال غاوي بن
عبد العزى فقال أنت راشد بن عبد ربه فأسلم.
ووفد عليه ص منهم قدر بن عمار فأسلم وعاهده ان يأتيه بألف منهم
على الخيل فخرج معه تسعمائة وخلف مائة في الحي فمات في
الطريق فامر على كل ثلثمائة أميرا وقال ائتوا هذا الرجل حتى تقضوا العهد
الذي في عنقي فسألهم ص عن المائة العاشرة فقالوا خلفها في الحي مخافة
حرب كان بيننا وبين كنانة فقال ابعثوا إليها فلا باس عليكم فبعثوا إليها
فجاءت.
ووفد هلال بن عامر وفد عليه ص قبيصة بن المخارق من بني
هلال بن عامر فقال اني حملت عن قومي حمالة فأعني فيها قال هي لك في
الصدقات ان جاءت.
ووفد عليه منهم زياد بن عبد الله وهو شاب وكانت ميمونة بنت
الحارث زوجة النبي ص خالته فأمه غرة بنت الحارث فلما رآه ص عندها
غضب ورجع فقالت هذا ابن أختي فرجع واخذه معه إلى المسجد ودعا له
ومسح على رأسه ووجهه إلى طرف انفه فقال بعض الشعراء في ابنه علي:
- يا ابن الذي مسح النبي برأسه * ودعا له بالخير عند المسجد -
- ما زال ذاك النور في عرنينه * حتى تبوأ بيته في الملحد -
ووفد عامر بن صعصعة فسلموا عليه فقال من أنتم قالوا بنو عامر بن
صعصعة قال مرحبا بكم أنتم مني وانا منكم. وهذا حسن خلق لا مثيل له
وكان فيهم عامر بن الطفيل فقال يا محمد ما لي إن أسلمت قال لك ما
للمسلمين وعليك ما عليهم قال أ تجعل لي الأمر من بعدك قال ليس ذلك
لك قال أ فتجعل لي الوبر ولك المدر قال لا ولكني أجعل لك أعنة الخيل
فإنك امرؤ فارس قال أ وليست لي لأملأنها عليك خيلا ورجالا فدعا عليه
(٢٤١)

فهلك، أصابه داء في رقبته فمال إلى بيت امرأة من سلول. وقال غدة
كغدة البكر وموت في بيت سلولية: طلب ما لا يمكن فلم يجبه ص ولم
يؤيسه بل عرض عليه ما هو قريب من مطلوبه ومن الغاية التي يتوخاها
وهي الرياسة بان يكون أمير الجيش وذلك سياسة كبرى وحكمة بالغة.
وفيهم أيضا عبد الله بن الشخير فقال يا رسول الله أنت سيدنا وذو الطول
علينا فقال السيد الله لا يستهوينكم الشيطان. هذا تواضع منه ص. وقدم
عليه منهم علقمة بن علاثة وعمر جالس إلى جانب النبي فقال له ص:
أوسع لعلقمة فأوسع له فجلس إلى جنبه ص فقص عليه شرائع الاسلام
وقرأ عليه قرآنا فقال يا محمد ان ربك لكريم وقد آمنت بك. ولعل احترامه
وإجلاسه له إلى جانبه كان معينا على إسلامه.
وجاء رجلان من ثقيف إلى النبي ص فسألهم عن مالك بن عوف
وقال خبروه انه ان اتاني مسلما رددت إليه أهله وماله وأعطيته مائة من الإبل
فقدم عليه فأعطاه ذلك. وجاءه ص وفد منهم سبعون رجلا وقيل بضعة
عشر رجلا فنزل بعضهم على المغيرة بن شعبة وبعضهم ضرب لهم النبي
ص قبة في المسجد فكان يأتيهم كل ليلة بعد العشاء فيقف عليهم ويحدثهم
ثم علموا القرآن واستعفت ثقيف من هدم اللات والعزى فأعفاهم.
ووفد عبد القيس كتب رسول الله ص إلى أهل البحرين ان يقدم
عليه عشرون رجلا منهم فقدموا وهم من عبد القيس من ربيعة فقيل: يا
رسول الله هؤلاء وفد عبد القيس قال مرحبا بهم نعم القوم عبد القيس
اللهم اغفر لعبد القيس اتوني لا يسألوني مالا هم خير أهل المشرق ورئيسهم
عبد الله بن عوف الأشبح وكان دميما فقال رسول الله ص انما يحتاج من
الرجل إلى أصغريه قلبه ولسانه وقال له فيك خصلتان يحبهما الله الحلم
والأناة وأنزلهم في دار رملة بنت الحارث وكان ينزل فيها الوفود واجرى
عليهم ضيافة وأقاموا عشرة أيام وكان عبد الله الأشبح يسال رسول الله ص
عن الفقه والقرآن وامر لهم بجوائز وفضل عبد الله فأعطاه اثنتي عشرة أوقية
ونشأ.
ووفد بكر بن وائل فقال له رجل منهم هل تعرف قس بن ساعدة
فقال ص ليس هو منكم هذا رجل من إياد تحنف في الجاهلية فوافى عكاظ
والناس مجتمعون فيكلمهم بكلامه الذي حفظ عنه.
ووفد تغلب ستة عشر رجلا قدموا عليه ص مسلمين ونصارى عليهم
صلب الذهب فصالح النصارى على أن يقرهم على دينهم على أن لا يصبغوا
أولادهم في النصرانية وأجاز المسلمين بجوائزهم.
ووفد بني حنيفة بضعة عشر رجلا فيهم مسيلمة بن حبيب الذي تنبأ
فانزلوا دار رملة بنت الحارث وأجريت عليهم ضيافة فكانوا يؤتون بغداء
وعشاء مرة خبزا ولحما ومرة خبزا ولبنا ومرة خبزا وسمنا ومرة تمرا نثر لهم
فاسلموا وأجازهم رسول الله ص بجوائز.
ووفد شيبان وفد عليه ص حرملة بن عبد الله من بني كعب من بلعنبر
من بني شيبان فقال يا رسول الله ما تأمرني ان أعمل فقال ائت المعروف
واجتنب المنكر وانصرف ثم رجع وقال يا رسول الله ما تأمرني ان أعمل قال
ائت المعروف واجتنب المنكر وانظر الذي تحب أذنك إذا قمت من عند
القوم ان يقولوه لك فائته والذي تكره ان يقولوه لك إذا قمت من عندهم
فأجتنبه.
ووفد طئ خمسة عشر رجلا رأسهم زيد الخيل بن مهلهل من بني
نبهان فاسلموا وأجازهم بخمس أواق فضة كل واحد واعطى زيد الخيل
اثنتي عشرة أوقية ونشأ وقال رسول الله ص ما ذكر لي رجل من العرب إلا
رأيته دون ما ذكر لي إلا زيدا فإنه لم يبلغ كل ما فيه وسماه زيد الخير وقطع
له فيدا وارضين.
ووفد نجيب سنة تسع. ثلاثة عشر رجلا ساقوا معهم صدقات
أموالهم المفروضة فسر رسول الله ص بهم وقال مرحبا بكم وأكرم منزلهم
وحباهم وأمر بلالا ان يحسن ضيافتهم وجوائزهم وأعطاهم أكثر مما كان يجيز
به الوفد وقال هل بقي منكم أحد قالوا غلام خلفناه على رحالنا فارسلوه
فقال اقض حاجتي قال وما حاجتك قال تسأل الله ان يغفر لي ويرحمني
ويجعل غناي في قلبي فدعا له بذلك وأمر له بمثل ما أمر به لأحدهم.
ووفد مراد وفد عليه ص منهم فروة بن مسيك المرادي فنزل على
سعد بن عبادة وكان يتعلم القرآن وفرائض الاسلام وشرائعه واجازه رسول
الله ص باثنتي عشرة أوقية وحمله على بعير نجيب وأعطاه حلة من نسيج
عمان واستعمله على مراد وزبيد ومذحج وبعث معه خالد بن سعيد بن
العاص على الصدقات وكتب له كتابا فيه فرائض الصدقة ولم يزل على
الصدقة حتى توفي رسول الله ص.
ووفد سعد هذيم أسلموا وبايعوا فامر بهم فانزلوا وضيفهم ثلاثا ثم
جاءوا يودعونه فقال أمروا عليكم أحدكم وأمر بلالا فأجازهم بآواق من
فضة ورجعوا إلى قومهم فاسلموا.
ووفد بلي في ربيع الأول سنة تسع فانزلهم رويفع بن ثابت البلوي في
منزله ثم جاءوا إلى رسول الله ص وأسلموا وسألوه عن الضيافة وعن أشياء
من أمر دينهم فأجابهم واتى رسول الله ص بحمل تمر وقال استعن بهذا التمر
فكانوا يأكلون منه ومن غيره وأمر لهم بجوائز لما ودعوه.
ووفد بهراء من اليمن ثلاثة عشر رجلا فانتهوا إلى باب المقداد بن
عمرو فرحب بهم وأنزلهم وأتوا النبي ص فاسلموا وتعلموا الفرائض وأمر
ص لهم بجوائزهم لما ودعوه.
ووفد عذرة سنة تسع، اثنا عشر رجلا فنزلوا دار رملة بنت الحارث
النجارية وجاءوا إلى النبي ص فسلموا بسلام الجاهلية فقال ص مرحبا بكم
وأهلا ما منعكم من تحية الاسلام قالوا قدمنا مرتادين وسألوا عن أشياء من
أمر دينهم فأجابهم وأسلموا وأجازهم كما كان يجيز الوفد وكسا أحدهم
بردا.
ووفد عليه ص رسول ملك حمير سنة تسع بكتابهم واسلامهم فامر
بلالا ان ينزله ويكرمه ويضيفه وكتب إليه جواب كتابهم.
ووفد سلامان سبعة. سنة عشر فقالوا السلام عليك يا رسول الله
فقال وعليكم من أنتم قالوا من سلامان قدمنا لنبايعك على الاسلام ونحن
على من وراءنا من قومنا فقال لغلامه ثوبان انزلهم حيث ينزل الوفد وسألوه
عن أمر الصلاة وشرائع الاسلام والرقى واسلموا وأعطى كل واحد منهم
خمس أواق.
ووفد خولان في شعبان سنة عشر وهم عشرة فسألوه عن أشياء من
أمر دينهم وأمر من يعلمهم القرآن والسنن وانزلوا دار رملة بنت الحارث
(٢٤٢)

وأمر بضيافة فأجريت عليهم وامر لهم بجوائز اثنتي عشرة أوقية ونش.
ووفد جرم فقالوا له من يصلي بنا فقال ليصل بكم أكثركم جمعا أو
اخذا للقرآن.
ووفد الأزد فاسلموا فقال مرحبا بكم أحسن الناس وجوها وأصدقه
لقاء وأطيبه كلاما وأعظمه أمانة أنتم مني وانا منكم وجعل شعارهم
مبرورا.
ووفد غسان سنة عشر. ثلاثة نفر فنزلوا دار رملة بنت الحارث
وأسلموا وأجازهم رسول الله ص بجوائز وقدموا على قومهم فلم يستجيبوا
لهم فكتموا إسلامهم.
ووفد همدان وفدوا عليه ص وعليهم مقطعات الحبرة مكففة بالديباج
فقال نعم الحي همدان ما أسرعها إلى النصر وأصبرها على الجهد ومنهم
ابدال وأوتاد الاسلام فاسلموا.
ووفد الرهاويين حي من مذحج سنة عشر. خمسة عشر رجلا فنزلوا
دار رملة بنت الحارث فاتاهم ص فتحدث عندهم طويلا وأهدوا له هدايا
منها فرس يقال له المرواح وامر به فشور بين يديه فأعجبه فاسلموا وتعلموا
القرآن والفرائض وأجازهم كما يجيز الوفد ارفعهم اثنتا عشرة أوقية ونش
واخفضهم خمس أواق.
ووفد غامد عشرة نزلوا ببقيع الغرقد ثم لبسوا من صالح ثيابهم
وانطلقوا إلى رسول الله ص فاسلموا وكتب لهم كتابا فيه شرائع الاسلام
واتوا أبي بن كعب فعلمهم قرآنا وأجازهم رسول الله ص كما يجيز الوفد.
ووفد النخع رجلان بعثهما قومهما إليه ص وافدين باسلامهم فبايعاه
على قومهما فاعجب رسول الله ص شأنهما وحسن هيئتهما فقال هل وراءكما
من قومكما مثلكما قالا يا رسول الله قد خلفنا من قومنا سبعين رجلا كلهم
أفضل منا فقال اللهم بارك في النخع.
وقدم عليه وفد النخع من اليمن سنة إحدى عشرة وهم مائتا رجل
فنزلوا دار رملة بنت الحارث وهم آخر من قدم من الوفد على رسول الله ص
فجاءوا مقرين بالاسلام وكانوا بايعوا معاذ بن جبل باليمن.
ووفد حضرموت قدموا مع وفد كندة وهم ملوك حضرموت فمنهم
وائل بن حجر الحضرمي من ملوك حضرموت وقال جئت راغبا في الاسلام
والهجرة فدعا له ونودي الصلاة جامعة سرورا بقدومه قال ابن سعد وامر
رسول الله ص معاوية بن أبي سفيان ان ينزله فمشى معه ووائل راكب فقال
له معاوية الق إلي نعلك قال لا لأني لم أكن لألبسها وقد لبستها قال فاردفني
قال لست من ارادف الملوك قال إن الرمضاء قد أحرقت قدمي قال امش في
ظل ناقتي كفاك به شرفا.
ووفد غافق فقالوا يا رسول الله نحن الكواهل من قومنا وقد أسلمنا
وصدقاتنا محبوسة بأفنيتنا فقال لكم ما للمسلمين وعليكم ما عليهم.
ووفد أسلم فقالوا قد آمنا بالله ورسوله واتبعنا منهاجك فقال ص
أسلم سالمها الله وغفار غفر الله لها وكتب لهم كتابا فيه ذكر الصدقة
والفرائض في المواشي.
ووفد نجران كتب ص إلى أهل نجران فخرج إليه وفدهم أربعة عشر
رجلا من أشرافهم نصارى فيهم العاقب وهو عبد المسيح من كندة وهو
أميرهم وهو الذي يصدرون عن رأيه وأبو الحارث بن علقمة من بني ربيعة
وهو أسقفهم وحبرهم وامامهم وصاحب مدارسهم واخواه كرز والسيد وهو
صاحب رحلتهم فتقدمهم كرز وهو يقول:
- إليك تغدو قلقا وضينها * معترضا في بطنها جنينها -
- مخالفا دين النصارى دينها -
ثم قدم الوفد بعده فدخلوا المسجد عليهم ثياب الحبرة وأردية مكفوفة
بالحرير فقاموا يصلون في المسجد نحو المشرق فقال رسول الله ص دعوهم
واعرض عنهم ولم يكلمهم من أجل زيهم فجاءوا من الغد بزي الرهبان
فسلموا عليه فرد عليهم ودعاهم إلى الاسلام فأبوا فدعاهم إلى المباهلة ثم
صالحوه على جزية معينة ووقع بعد ذلك منهم ناس بالعراق فنزلوا النجرانية
التي بناحية الكوفة. ويأتي خبر المباهلة مفصلا في أحوال أمير المؤمنين
ع.
ووفد جيشان فسألوه عن أشربة تكون باليمن البتع من العسل والمرز
من الشعير فقال هل تسكرون منها قالوا إن أكثرنا سكرنا قال فحرام قليل ما
اسكر كثيره وقال كل مسكر حرام.
كتبه إلى الملوك يدعوهم إلى الاسلام
ننقلها من الطبقات الكبير لمحمد بن سعد كاتب الواقدي
وقد ننقل بعض الأخبار من السيرة الحلبية
روى ابن سعد في الطبقات ان رسول الله ص لما رجع من الحديبية في
ذي الحجة سنة ست ارسل الرسل إلى الملوك يدعوهم إلى الاسلام وكتب
إليهم كتبا، فقيل: يا رسول الله ان الملوك لا يقرأون كتابا الا مختوما،
فاتخذ يومئذ خاتما من فضة فصه منه نقشه ثلاثة أسطر: محمد رسول الله
ص فخرج ستة نفر منهم في يوم واحد وذلك في المحرم سنة سبع.
١ كتابه إلى النجاشي ملك الحبشة
فكان أول رسول بعثه رسول الله ص عمرو بن أمية الضمري إلى
النجاشي يدعوه إلى الاسلام ويتلو عليه القرآن وكتب إليه:
بسم الله الرحمن الرحيم: من محمد رسول الله إلى النجاشي ملك
الحبشة سلام أنت (١) فاني احمد إليك الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس
السلام المؤمن المهيمن وأشهد أن عيسى بن مريم روح الله وكلمته ألقاها
إلى مريم البتول الطيبة الحصينة فحملت بعيسى حملته من روحه ونفخه كما
خلق آدم بيده وإني أدعوك إلى الله وحده لا شريك له والموالاة على طاعته
وان تتبعني وتوقن بالذي جاءني فاني رسول الله واني أدعوك وجنودك إلى الله
عز وجل وقد بلغت ونصحت فاقبلوا نصيحتي والسلام على من اتبع
الهدى.
٢ كتابه إلى قيصر ملك الروم المدعو هرقل.
أرسله مع دحية بن خليفة الكلبي وهو أحد الستة المتقدمة سنة سبع
من الهجرة وأمره ان يدفعه إلى عظيم بصرى الحارث ملك غسان، ليدفعه
إلى قيصر. قال صاحب السيرة الحلبية: فأرسل الحارث معه عدي بن
حاتم ليوصله إلى قيصر. وقال ابن أسعد: فدفعه عظيم بصرى إلى قيصر

(١) سلام هنا بمعنى سالم نظير زيد عدل.
(٢٤٣)

وهو يومئذ بحمص ماش في نذر عليه ان ظهرت الروم على فارس ان يمشي
من القسطنطينية إلى إيليا القدس فلما أخذ قيصر الكتاب وجد عليه
عنوان كتب العرب فدعا ترجمان العربية فقرأه فإذا فيه:
بسم الله الرحمن الرحيم: من محمد بن عبد الله إلى هرقل عظيم
الروم سلام على من اتبع الهدى اما بعد فاني أدعوك بدعاية الاسلام، أسلم
تسلم يؤتك الله اجرك مرتين فان توليت فإنما عليك إثم الكارين (١) ويا
أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد الا الله ولا نشرك به
شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فان تولوا فقولوا اشهدوا بانا
مسلمون.
وقال قيصر: انظروا لنا من قومه أحدا نسأله عنه وكان أبو سفيان
بغزة مع رجال من قريش في تجارة زمن هدنة الحديبية قال فاتانا رسول قيصر
فانطلق بنا إليه وهو في بيت المقدس وعليه التاج وعظماء الروم حوله فقال
لترجمانه سلهم أيهم أقرب نسبا لهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي فقال أبو
سفيان انا فقال ما قرابتك منه قال ابن عمي قال ادن مني ثم أمر بأصحابي
فجعلوا خلف ظهري وقال لهم انما جعلتكم خلف ظهره لتردوا عليه إذا
كذب قال أبو سفيان فوالله لولا الحياء ان يردوا علي لكذبت فصدقت وانا
كاره لبغضي إياه ومحبتي نقصه ثم قال لترجمانه قل له كيف نسب هذا الرجل
فيكم قلت هو منا ذو نسب قال هل قال هذا القول أحد منكم قبله قلت لا
قال هل كنتم تتهمونه بالكذب قلت لا قال هل كان من آبائه ملك قلت لا
قال كيف عقله ورأيه قلت لم نعب عليه عقلا ولا رأيا قط قال فاشراف
الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم قلت بل ضعفاؤهم قال فهل يزيدون أو
ينقصون قلت بل يزيدون قال فهل يرتد أحد منهم سخطة لدينه قلت لا قال
فهل يغدر إذا عاهد قلت لا ونحن الآن منه في ذمة قال فهل قاتلتموه
قلت نعم قال فكيف حربكم وحربه قلت دول وسجال قال فما يأمركم به قلت
امرنا ان نعبد الله وحده ولا نشرك به شيئا ويامرنا بالصلاة والزكاة ويامرنا
بالوفاء بالعهد وأداء الأمانة. فقال لترجمانه قل له اني سألتك عن نسبه
فزعمت أنه فيكم ذو نسب وكذلك الرسل تبعث في نسب قومها وسألتك
هل هذا القول قاله أحد منكم قبله فزعمت أن لا فلو كان أحد منكم قال
هذا القول قبله لقلت هو يأتم بقول قيل قبله وسألتك هل تتهمونه بالكذب
قبل أن يقول ما قال فزعمت أن لا فعرفت انه لم يكن ليدع الكذب على
الناس ويكذب على الله وسألتك هل كان من آبائه ملك فقلت لا فلو كان
من آبائه ملك لقلت رجل يطلب ملك أبيه وسألتك أشراف الناس يتبعونه
أم ضعفاؤهم فقلت ضعفاؤهم وهم اتباع الرسل لأن الغالب ان اتباع
الرسل هم أهل الاستكانة وسألتك هل يزيدون أو ينقصون فزعمت أنهم
يزيدون وكذلك الايمان حتى يتم وسألتك هل يرتد أحد منهم سخطة لدينه
فزعمت أن لا وكذلك الايمان إذا حصل به انشراح الصدور وسألتك هل
يغدر فذكرت ان لا وكذلك الرسل لا تغدر وسألتك هل قاتلتموه فقلت نعم
وان حربكم وحربه دول وسجال وكذلك الرسل تبتلي ثم تكون لهم العاقبة
وسألتك ما ذا يأمركم به فزعمت إنه يأمركم بالصلاة والصدقة والعفاف
والوفاء بالعهد وأداء الأمانة فعلمت انه نبي.
٣ كتابه إلى كسرى ملك الفرس
أرسله مختوما مع عبد الله بن حذافة السهمي وهو أحد الستة المتقدمة
وقيل مع غيره، فيه:
بسم الله الرحمن الرحيم: من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم
فارس سلام على من اتبع الهدى وآمن بالله ورسوله وشهد ان لا إله إلا الله
وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله، أدعوك بدعاية الله فاني انا
رسول الله إلى الناس كافة لأنذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين
أسلم تسلم فان أبيت فعليك اثم المجوس الذين هم اتباعك.
قال عبد الله: فاتيت إلى بابه وطلبت الاذن عليه حتى وصلت إليه
فدفعت إليه كتاب رسول الله ص فقرئ عليه فاخذه ومزقه.
٤ كتابه إلى المقوقس ملك القبط
واسمه جريح بن مينا أرسله مع حاطب بن أبي بلتعة اللخمي أحد
الستة المتقدمة منصرفة من الحديبية وفيه:
بسم الله الرحمن الرحيم من محمد بن عبد الله إلى المقوقس عظيم
القبط سلام على من اتبع الهدى أما بعد فاني أدعوك بدعاية الاسلام
أسلم تسلم يؤتك الله اجرك مرتين فان توليت فإنما عليك اثم القبط ويا
أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ان لا نعبد إلا الله ولا نشرك
به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فان تولوا فقولوا اشهدوا
بانا مسلمون.
وختم الكتاب وجاء به حاطب حتى دخل على المقوقس بالإسكندرية
فلما قرأه قال ما منعه إن كان نبيا ان يدعو على من خالفه ان يسلط عليهم
فقال له حاطب أ لست تشهد ان عيسى بن مريم رسول الله فما له حيث
اخذه قومه فأرادوا ان يقتلوه ان لا يكون دعا عليهم قال أحسنت أنت
حكيم جاء من عند حكيم وأكرم حاطبا واهدى إلى النبي ص جاريتين مارية
أم إبراهيم وسيرين وبغلة بيضاء وهي دلدل ولم يكن في العرب يومئذ غيرها
وكتب إلى النبي ص قد علمت أن نبيا قد بقي وكنت أظن أنه يخرج بالشام
وقد أكرمت رسولك وبعثت إليك بجاريتين لهما مكان في القبط عظيم
وأهديت لك كسوة وبغلة تركبها ولم يزد على هذا ولم يسلم وقارب ووضع
كتاب النبي ص في حق من عاج وختم عليه ودفعه إلى جارية له.
٥ كتابه إلى الحارث بن أبي شمر الغساني
أرسله إليه مع شجاع بن وهب الأسدي وهو أحد الستة المتقدمة
وكان بغوطة دمشق مشغولا بتهيئة الأنزال والالطاف لقيصر وقد جاء من
حمص إلى إيليا بيت المقدس ليفي نذره كما مر، وكان فيه:
بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى الحارث بن أبي شمر
سلام على من اتبع الهدى وآمن به وصدق واني أدعوك أن تؤمن بالله وحده
لا شريك له يبقى لك ملكك. وختم الكتاب.
فقرأه ثم رمى به وقال من ينزع مني ملكي انا سائر إليه علي بالناس
فلم يزل جالسا يعرض عليه العسكر حتى الليل وامر بالخيل ان تنعل ثم قال
لي أخبر صاحبك بما ترى وكتب إلى قيصر بالخبر فكتب إليه ان لا تسر إليه
وآله عنه فامر لي حينئذ بمائة مثقال ذهب.

(١) جمع اكار بالتشديد وهو الفلاح وخصهم لأنهم أسرع انقيادا.
(٢٤٤)

٦ كتابه إلى هوذة بن علي الحنفي صاحب اليمامة.
أرسله مع سليط بن عمرو العامري وهو أحد الستة المتقدمة وفيه:
بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى هوذة بن علي سلام
على من اتبع الهدى واعلم أن ديني سيظهر إلى منتهى الخف والحافر فأسلم
تسلم واجعل لك ما تحت يديك.
فسلمه سليط الكتاب مختوما وقرأه عليه فأكرم سليطا واجازه وكساه
وكتب إلى النبي ص ما أحسن ما تدعو إليه وأجمله وانا شاعر قومي
وخطيبهم والعرب تهاب مكاني فاجعل لي بعض الأمر اتبعك فقال النبي ص
لو سألني سيابة أي قطعة من الأرض ما فعلت.
٧ كتابه إلى جيفر وعبد ابني الجلندي في عمان باليمن
وهما من الأزد والملك منهما جيفر أرسله مع عمرو بن العاص في ذي
القعدة سنة ثمان وفيه:
بسم الله الرحمن الرحيم: من محمد بن عبد الله إلى جيفر وعبد ابني
الجلندي سلام على من اتبع الهدى أما بعد فاني أدعوكما بدعاية الاسلام
أسلما تسلما اني رسول الله إلى الناس كافة لأنذر من كان حيا ويحق القول
على الكافرين وانكما ان أقررتما بالاسلام وليتكما وإن أبيتما أن تقرأ بالاسلام
فان ملككما زائل عنكما وخيلي تحل بساحتكما وتظهر نبوتي على ملككما وختم
الكتاب.
قال عمرو فخرجت حتى انتهيت إلى عمان فعمدت إلى عبد وكان
أحلم الرجلين وأسهلهما خلقا فقلت إني رسول رسول الله ص إليك فقال
أخي المتقدم بالسن والملك وأنا أوصلك إليه ثم سأله عن أبيه العاص ما
صنع ثم قال له في جملة كلامه فأخبرني ما الذي يأمر به وينهي عنه قلت يأمر
بطاعة الله عز وجل وينهى عن معصيته ويأمر بالبر وصلة الرحم وينهى عن
الظلم والعدوان وعن الزنا وشرب الخمر وعن عبادة الحجر والوثن والصليب
فقال ما أحسن هذا الذي يدعو إليه لو كان أخي يتبعني لآمنا به ولكنه أضن
بملكه من أن يدعه ويصير ذنبا ثم ادخله على أخيه فدفع إليه الكتاب وقرأه
ثم دفعه إلى أخيه فقرأه وجعل يسأله عن قريش ما صنعت ثم قال له اني
فكرت فيما دعوتني إليه فإذا أنا أضعف العرب ان ملكت رجلا ما في يدي
قال عمرو فقلت أنا خارج غدا فلما أيقن بمخرجي خلا به اخوه فأصبح وقد
أسلم هو وأخوه وخليا بيني وبين الصدقة.
٨ كتابه إلى المنذر بن ساوى العبدي بالبحرين
كتب إليه النبي ص أولا مع العلاء بن الحضرمي يدعوه إلى الاسلام
والظاهر أنه كان على المجوسية ولم يذكر أحد نسخة ذلك الكتاب فقبح عنده
العلاء دين المجوسية وكان فيما قال له لست بعديم عقل ولا رأي فانظر هل
ينبغي لمن لا يكذب في الدنيا ان لا نصدقه ولمن لا يخون ان لا نأتمنه ولمن لا
يخلف أن لا نثق به فإن كان هذا هكذا فهذا هو النبي الأمي الذي والله لا
يستطيع ذو عقل أن يقول ليت ما أمر به نهي عنه أو ما نهى عنه أمر به
فأسلم وحسن اسلامه وكتب إلى النبي ص يقول اما بعد يا رسول الله
فاني قرأت كتابك على أهل البحرين فمنهم من أحب الاسلام وأعجبه
ودخل فيه ومنهم من كرهه وبأرضي مجوس ويهود فأحدث لي في ذلك امرك
فكتب إليه النبي ص جواب كتابه مع العلاء بن الحضرمي يقول:
بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى المنذر بن ساوى
سلام عليك فاني أحمد الله إليك الذي لا إله إلا هو وأشهد أن لا إله إلا الله
وأن محمدا عبده ورسوله أما بعد فاني أذكرك الله عز وجل فإنه من ينصح
فإنما ينصح لنفسه وأنه من يطع رسلي ويتبع أمرهم فقد أطاعني ومن نصح
لهم فقد نصح لي وان رسلي قد اثنوا عليك خيرا واني قد شفعتك في قومك
فاترك للمسلمين ما أسلموا عليه وعفوت عن أهل الذنوب فاقبل منهم وانك
مهما تصلح فلن نعزلك عن عملك ومن أقام على يهوديته أو مجوسيته فعليه
الجزية.
حروبه وغزواته وسراياه
روى ابن سعد في الطبقات الكبير أن عدد مغازي رسول الله ص التي
غزاها بنفسه كانت سبعا وعشرين غزوة وسراياه التي بعث بها سبعا وأربعين
سرية وما قاتل فيه من المغازي تسع غزوات اه‍.
وفي السيرة الحلبية قال: إن المغازي سبع وعشرون ولكنه عدها
ثمان وعشرين وهي: ١ بواط ٢ العشيرة ٣ سفوان ٤ بدر
الكبرى ٥ بني سليم ٦ بني قينقاع ٧ السويق ٨ قرقرة الكدر ٩
غطفان أو ذي أمر ١٠ بحران الحجاز ١١ أحد ١٢ حمراء الأسد
١٣ بني النضير ١٤ ذات الرقاع ١٥ بدر الآخرة أو بدر الموعد ١٦
دومة الجندل ١٧ بني المصطلق أو المريسيع ١٨ الخندق ١٩ بني قريظة
٢٠ بني لحيان ٢١ الحديبية ٢٢ ذي قرد ٢٣ خيبر ٢٤ وادي
القرى ٢٥ عمرة القضاء ٢٦ فتح مكة ٢٧ حنين والطائف ٢٨
تبوك. وعدها بعضهم تسعا وعشرين وزاد في أولها غزوة ودان.
وأما المغازي التسع فهي على ما في طبقات ابن سعد ١ بدر القتال
٢ أحد ٣ المريسيع ٤ الخندق ٥ قريظة ٦ خيبر ٧ فتح مكة ٨
حنين ٩ الطائف. قال فهذا ما اجتمع لنا عليه وفي بعض رواياتهم أنه
قاتل في بني النضير ووادي القرى والغابة اه‍.
غزوة ودان أو الأبواء
ودان بفتح الواو وتشديد الدال المهملة قرية جامعة من أعمال الفرع
ويقال غزوة الأبواء وهما متقاربان في وادي الفرع بينهما ستة أميال وكانت
في صفر لاثنتي عشرة ليلة مضت منه على رأس اثني عشر شهرا من
مقدمة المدينة وهي أول غزواته ص بنفسه خرج في ستين راكبا من
المهاجرين يريد عيرا لقريش فلم يلق كيدا ووادع في طريقه بني ضمرة
وكتب بينه وبينهم كتابا وكانت غيبته خمس عشرة ليلة قال ابن سعد كان
لواؤه مع حمزة بن عبد المطلب ولكن المفيد في الارشاد روى بسنده عن أبي
البختري القرشي أن النبي ص اعطى علي بن أبي طالب الراية في غزاة ودان
وهي أول غزاة حمل فيها راية في الاسلام مع النبي ص اه‍.
غزوة بواط
بضم الباء وفتحها وتخفيف الواو جبل من جبال جهينة قرب ينبع
وكانت في ربيع الأول على رأس ثلاثة عشر شهرا من الهجرة وكان في مائتين
من أصحابه به يعترض عيرا لقريش مائتين وخمسين بعيرا فيها أمية بن خلف
ومائة من قريش فرجع ولم يلق حربا
(٢٤٥)

غزوة سفوان
بفتح السين المهملة والفاء آخره نون ويقال لها غزوة بدر الأولى
وكانت في ربيع الأول على رأس ثلاثة عشر شهرا من الهجرة ولواؤه مع
علي بن أبي طالب وهو لواء أبيض وسببها أن كرز بن جابر الفهري أغار
على سرح المدينة فاستاقه فطلبه رسول الله ص حتى بلغ واديا يقال له سفوان
من ناحية بدر ففاته ولذا يقال لها غزوة بدر الأولى فرجع وبعضهم يقول إنها
بعد غزوة العشيرة.
غزوة العشيرة أو ذي العشيرة
بضم العين المهملة مصغرا موضع لبني مدلج بينبع وكانت في جمادي
الآخرة على رأس ستة عشر شهرا من الهجرة خرج في مائة وخمسين رجلا من
المهاجرين أو مائتين معهم ثلاثون بعيرا يعتقبونها يريد عير قريش التي
صدرت من مكة وكانت ألف بعير فيها خمسون ألف دينار وهي التي كانت
بسببها وقعة بدر حين رجعت من الشام ولواؤه مع حمزة بن عبد المطلب
وهو أبيض ففاتته العير ولم يلق كيدا ووادع فيها بني مدلج وحلفاءهم
ورجع.
غزوة بدر الكبرى
ويقال بدر القتال فالكبرى مقابل الصغرى وهي غزوة سفوان المتقدمة
وبدر القتال لأن الأولى لم يقع فيها قتال وكانت في رمضان يوم تسعة عشر أو
سبعة عشر منه على رأس تسعة عشر شهرا من مهاجره ص وبدر اسم بئر
كانت لرجل يدعى بدرا وسببها أن رسول الله ص كان قد عرض لعير
قريش التي فيها تجارتهم وهي ذاهبة إلى الشام مع أبي سفيان بن حرب
وأصحابه على رأس ستة عشر شهرا من مهاجره ص ففاتته كما مر فلما
رجعت العير ندب أصحابه إليها فخف بعضهم وثقل بعضهم فخرجوا لا
يريدون إلا أبا سفيان والركب ولا يرون إلا أنها غنيمة لهم ولم يظنوا أن
رسول الله ص يلقى حربا ولا كيدا وكان في العير أربعون راكبا من قريش
وهي أول غزوات رسول الله ص المهمة وبها تمهدت قواعد الدين وأعز الله
الاسلام وأذل جبابرة قريش وقتلت فيها رؤساؤهم ووقعت الهيبة من
المسلمين في قلوب العرب واليهود وغيرهم وأنزل الله تعالى فيها سورة
الأنفال أكثرها وغيرها من السور. فخرج ص في ثلثمائة وثلاثة عشر
رجلا ومعهم فرسان وسبعون بعيرا فكان الرجلان منهم والأكثر يتعاقبان
بعيرا واحدا حتى أن النبي ص لم يختص ببعير وحده فكان يتعاقب هو
وعلي بن أبي طالب ومرثد بن أبي مرثد على بعير لمرثد وكان كثير من أصحابه
كارهين للخروج خوفا من قريش وكثرتها كما قال تعالى كما أخرجك ربك من
بيتك بالحق وان فريقا من المؤمنين لكارهون يجادلونك في الحق بعد ما تبين
لهم كأنما يساقون إلى الموت ووعد الله تعالى رسوله إحدى الطائفتين العير
أو النفير وكانوا يودون العير وأن لا تكون حرب حبا بالعاجل وهو قوله تعالى
وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين انها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة
تكون لكم وبلغ خروجهم أبا سفيان وأصحابه فارسلوا ضمضم بن عمرو
الغفاري يستصرخ قريشا بمكة. ورأت عاتكة بنت عبد المطلب قبل مجئ
ضمضم بثلاث في منامها راكبا أقبل حتى وقف بالأبطح فصرخ بأعلى
صوته يا آل غدر انفروا إلى مصارعكم في ثلاث فصرخ بها ثلاثا فاجتمع
الناس إليه ثم دخل المسجد وهم يتبعونه إذ مثل به بعيره على ظهر الكعبة
فصرخ مثلها ثلاثا ثم مثل به بعيره على رأس أبي قبيس فصرخ بمثلها ثلاثا
ثم اخذ صخرة من أبي قبيس فارسلها فأقبلت تهوي حتى إذا كانت في أسفل
الجبل ارفضت فما بقي بيت من بيوت مكة إلا دخلته منها فلذة. وبلغ ذلك
أبا جهل فقال ما رضيتم يا بني عبد المطلب بان تتنبأ رجالكم حتى تنبأت
نساؤكم فلما كان اليوم الثالث والعباس يخاصم أبا جهل في ذلك إذ جاء
ضمضم وهو يقول يا معشر قريش يا آل لؤي بن غالب اللطيمة اللطيمة
العير العير قد عرض لها محمد في أصحابه الغوث الغوث والله ما أرى أن
تدركوها وقد جدع أذني بعيره وشق قميصه قبلا ودبرا وحول رحله وهذه
كانت علامة المستصرخ، وشبيهها باق في عرب الحجاز إلى اليوم. فتجهز
الناس ومن لم يخرج أرسل رجلا مكانه وأشفقت قريش لرؤيا عاتكة وسر
بنو هاشم ولم يخرج أبو لهب معهم وهذا هو العير والنفير الذي يقال فيه فلان
لا في العير ولا في النفير وخرجت قريش بالقيان والدفوف في تسعمائة
وخمسين أو عشرين مقاتلا وقادوا مائتي فرس وقيل أربعمائة والإبل سبعمائة
بعير وبات أبو سفيان من وراء بدر وأرسل رسول الله ص رجلين يتجسسان
الأخبار وهما بسبس وعدي فأناخا بعيريهما قريبا من الماء ثم استقيا منه
فسمعا جاريتين من جهينة تلزم إحداهما صاحبتها في درهم لها عليها
وصاحبتها تقول إنما العير غدا أو بعد غد قد نزلت فقال رجل صدقت فلما
سمعا ذلك رجعا إلى النبي ص واخبراه وأصبح أبو سفيان ببدر قد تقدم
العير وهو خائف فسال رجلا اسمه مجدي هل أحسست أحدا قال لا إلا اني
رأيت راكبين أتيا هذا المكان فأناخا به واستقيا ثم انصرفا فجاء أبو سفيان
مناخهما ففت البعر فإذا فيه نوى فقال هذه والله علائف يثرب هذه عيون
محمد وأصحابه ما أراهم إلا قريبا فضرب وجه عيره فساحل بها وانطلق
سريعا وأقبلت قريش تنزل المناهل وتنحر الجزر وتخلف عتبة واخوه شيبة في
الطريق وترددا وهما بالرجوع فحمسهما أبو جهل فمضيا كارهين ورجعت بنو
زهرة وبنو عدي بن كعب وأرسل أبو سفيان إلى قريش أن يرجعوا وإلا
فليردوا القيان فأراد عتبة الرجوع فأبى أبو جهل وقومه وردوا القيان من
الجحفة وكانه أراد برد القيان أن لا يقعوا في أسر المسلمين وبلغه آباؤهم
فقال وا قوماه وهذا يدل على وقوع الهيبة من المسلمين في قلبه بما رأى من
جرأتهم وبان له من أحوالهم مع أنه لم يسبق لقومه معهم حرب وقال أبو
جهل والله لا نرجع حتى نرد بدرا فنقيم بها ثلاثا ونطعم الطعام ونسقي
الخمور وتعزف علينا القيان وننحر الجزور وتسمع العرب بمسيرنا فلا تزال
تهابنا. وكانت بدر موسما من مواسم العرب يجتمع لهم بها سوق كل عام
ولما وصل رسول الله ص قريب بدر أخبر بمسير قريش فأخبر الناس بذلك
واستشارهم فنهاه بعض المهاجرين عن المسير وقال إنها قريش وخيلاؤها ما
آمنت منذ كفرت وقال المقداد والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لنبيها
اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا
انا معكم مقاتلون فقال له رسول الله ص خيرا ودعا له ثم قال أشيروا علي
وانما يريد الأنصار لظنه انهم لا ينصرونه إلا في الدار لشرطهم أن يمنعوه مما
يمنعون منه أنفسهم فاجابه سعد بن عبادة وسعد بن معاذ عنهم بالسمع
والطاعة فقال رسول الله ص سيروا على بركة الله فان الله قد وعدني إحدى
الطائفتين والله لكأني أنظر إلى مصارع القوم وعقد رسول الله ص ثلاثة ألوية
وبات الفريقان قريبا ولا يعلم أحدهما بالآخر وأرسل رسول الله ص عليا
والزبير وجماعة يتجسسون على الماء فوجدوا روايا قريش فيها سقاؤهم
فاسروهم وأفلت بعضهم فأخبر قريشا فاستاؤوا وباتوا يتحارسون إلا أبا
جهل فانحاز بقومه بدون حرس وجاءوا بالسقاء والنبي ص يصلي فسألوهم
(٢٤٦)

فقالوا نحن سقاء قريش فكرهوا ذلك وأحبوا أن يكونوا سقاء أبي سفيان
فضربوهم فقالوا نحن سقاء أبي سفيان فامسكوا عنهم فسلم رسول الله ص
وقال إن صدقوكم ضربتموهم وان كذبوكم تركتموهم ثم قال لهم أين
قريش قالوا خلف هذا الكثيب قال كم عدد هم قالوا لا ندري وهم كثير قال
كم ينحرون كل يوم قالوا يوما عشرة أباعر ويوما تسعة فقال هم ما بين
الألف والتسعمائة وقال ص هذه مكة قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها.
وغشيهم النعاس ليلة بدر فناموا وبعث الله المطر تلك الليلة فأصاب
المسلمين ما لبد الأرض وأصاب قريشا ما آذاهم وبينهم مسافة قليلة وهو
قوله تعالى: إذ يغشيهم النعاس أمنة منه وينزل عليهم من السماء ماء
ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به
الأقدام، وأرسل رسول الله ص عمار بن ياسر وعبد الله بن مسعود فأطافا
بالقوم ثم رجعا فاخبرا بأنهم مذعورون فزعون وبني لرسول الله ص عريش
من جريد وقام سعد بن معاذ متوشحا سيفه على بابه فدخله النبي ص وأبو
بكر. وصف رسول الله ص أصحابه فطلعت قريش وهو يصفهم وقد
ملأوا حوضا كانوا يضعون فيه الماء من السحر ومتح فيه علي بن أبي طالب
كثيرا وقذفت فيه الآنية ودفع رسول الله ص رايته إلى علي بن أبي طالب
وتسمى العقاب ولواء المهاجرين إلى مصعب بن عمير ولواء الخزرج إلى
الحباب بن المنذر ولواء الأوس إلى سعد بن معاذ هذا هو الصواب. وما في
الطبعة الأولى من أنه أعطى رايته مصعب بن عمير خطا محض. في السيرة
الحلبية جاء عن ابن عباس ان النبي ص اعطى عليا الراية يوم بدر وهو ابن
عشرين سنة. وفي السيرة النبوية لدحلان عقد ص يوم بدر لواء أبيض
ودفعه لمصعب بن عمير وكان أمامه ص رايتان سوداوان إحداهما مع علي بن
أبي طالب والأخرى مع سعد بن معاذ وقيل مع الحباب بن المنذر. وفي
السيرة الحلبية ان النبي ص دفع اللواء يوم بدر وكان أبيض إلى مصعب
بن عمير وكان أمامه رايتان سوداوان إحداهما مع علي بن أبي طالب ويقال لها
العقاب وفيها أيضا عن الامتاع ان النبي ص عقد الألوية يوم بدر وهي
ثلاثة لواء يحمله مصعب بن عمير ورايتان سوداوان إحداهما مع علي
والأخرى مع رجل من الأنصار اه‍ وذكرنا في غزوة أحد ان الراية هي
العلم الأكبر واللواء دونها وان ما يتوهم من كلام بعض أهل اللغة من اتحاد
الراية واللواء ليس بصواب كما أن ما يحكى عن ابن إسحاق وابن سعد من أن
الرايات حدثت يوم خيبر مردود بهذه الروايات. فتحصل مما مر ان
الراية وهي العلم الأكبر كانت مع علي ع يوم بدر وان مصعب بن عمير
وهو مهاجري كان معه لواء المهاجرين هذه حال المهاجرين. أما الأنصار
فالظاهر أن لواء الأوس كان مع الحباب بن المنذر ولواء الخزرج مع سعد بن
معاذ. وفي السيرة الحلبية عن الهدى التصريح بذلك ولا ينافي ذلك ما ذكر
في وقعة بدر من أن سعد بن معاذ كان واقفا بالسلاح على باب العريش
لجواز أن يكون حمل اللواء في الطريق فقط وحينئذ فتكون الألوية ثلاثة
والراية واحدة وهو الموافق للاعتبار فان الراية العظمى يجب أن تكون بيد
علي ع لأنها لا تعطى إلا لمتميز في الشجاعة وعلي وإن كان من المهاجرين
إلا أن كونه صاحب الراية يجعله الرئيس على الجميع فاستحسن أن يكون
للمهاجرين لواء أيضا فاعطي لمصعب بن عمير وهو الذي أعطي اللواء يوم
أحد لأنه من بني عبد الدار لأن لواء المشركين كان مع بني عبد الدار فقتل
مصعب وأعطي علي اللواء مع الراية وجعل للأنصار لواءان أحدهما للأوس
مع الحباب والآخر للخزرج مع سعد واستقبل رسول الله ص المغرب وجعل
الشمس خلفه واقبل المشركون فاستقبلوا الشمس ونزل بالعدوة الدنيا من
الوادي ونزلوا بالعدوة القصوى ونظرت قريش إلى قلة المسلمين فقال أبو
جهل ما هم إلا اكلة رأس لو بعثنا إليهم عبيدنا لاخذوهم أخذا باليد فقال
عتبة بن ربيعة أ ترى لهم كمينا أو مددا فبعثوا عمير بن وهب الجمحي وكان
فارسا شجاعا فجال بفرسه حول عسكر رسول الله ص ثم رجع فقال القوم
ثلثمائة إن زادوا زادوا قليلا معهم سبعون بعيرا وفرسان ليس لهم كمين ولا
مدد ولكن الولايا (١) تحمل المنايا نواضح يثرب تحمل الموت الناقع قوم ليس لهم
منعة ولا ملجأ إلا سيوفهم ألا ترونهم خرسا لا يتكلمون يتلمظون تلمظ
الأفاعي ما أرى انهم يولون حتى يقتلوا ولا يقتلون حتى يقتلوا بعددهم فقال
له أبو جهل كذبت وجبنت فأنزل الله تعالى وان جنحوا للسلم فاجنح لها
فبعث إليهم رسول الله ص ان ارجعوا فلأن يلي هذا الأمر مني غيركم أحب
إلي فقال عتبة ما رد هذا قوم قط فافلحوا ثم ركب جملا له أحمر فنظر إليه
رسول الله ص وهو يجول بين العسكرين وينهى عن القتال فقال إن يكن
عند أحد خير فعند صاحب الجمل الأحمر وإن يطيعوه يرشدوا وخطب عتبة
فقال في خطبته يا معشر قريش أطيعوني اليوم واعصوني الدهر ان محمدا له
إل وذمة وهو ابن عمكم فخلوه والعرب فان يك صادقا فأنتم أعلا عينا به
وان يك كاذبا كفتكم ذؤبان العرب أمره، وتحمل عتبة دم الحضرمي الذي
قتله المسلمون بنخلة على أن يرجعوا فأبى أبو جهل وقال لعتبة جبنت فانتفخ
سحرك فقال يا مصفر اسقه مثلي يجبن واصطفوا للقتال فقام رسول الله ص
يستغيث الله تعالى ويدعو ويقول: اللهم ان تهلك هذه العصابة لا تعبد في
الأرض وهو قوله تعالى: إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم اني ممدكم
بألف من الملائكة مردفين. وأقسم الأسود بن عبد الأسد المخزومي ليردن
حوضهم أو ليهدمنه أو ليموتن دونه فشد حتى دنا من الحوض واستقبله حمزة
ابن عبد المطلب فضربه فاطن قدمه فزحف حتى وقف في الحوض فهدمه
برجله الصحيحة وشرب منه وقتله حمزة في الحوض. وكان شعار النبي ص
يا منصور أمت.
وبرز عتبة بن ربيعة واخوه شيبة وابنه الوليد من الصف ودعوا إلى
المبارزة فبرز إليهم فتيان ثلاثة من الأنصار وهم بنو عفراء معاذ ومعوذ وعوف
بنو الحارث فقالوا لهم أرجعوا فما لنا بكم من حاجة ثم نادى مناديهم يا محمد
أخرج إلينا أكفاءنا من قومنا فقال النبي ص لعبيدة بن الحارث بن
المطلب بن عبد مناف ولحمزة بن عبد المطلب ولعلي بن أبي طالب قوموا
فقاتلوا بحقكم الذي بعث الله به نبيكم إذ جاءوا بباطلهم ليطفئوا نور الله
ويأبى الله إلا أن يتم نوره فبرزوا فقال عتبة تكلموا نعرفكم فان كنتم اكفاءنا
قاتلناكم وكان عليهم البيض فلم يعرفوهم فقال حمزة أنا حمزة بن عبد
المطلب أسد الله وأسد رسوله فقال عتبة كفو كريم وأنا أسد الحلفاء أي
الاحلاف أو الحلفاء أي الأجمة ومن هذان معك قال علي بن أبي طالب
وعبيدة بن الحارث بن المطلب قال كفوان كريمان فبارز علي الوليد وكانا
أصغر القوم وعمر علي خمس وعشرون أو سبع وعشرون سنة فاختلفا
ضربتين أخطأت ضربة الوليد عليا ع وضربه علي على حبل عاتقه
الأيسر (٢) فاخرج السيف من أبطه وقيل بل ضربه على يمينه فقطعها، قال
علي أخذ الوليد يمينه بيساره فضرب بها هامتي فظننت أن السماء وقعت على

(١) الولايا جمع ولية كغنية وهي البرذعة.
(٢) قال بعضهم على حبل عاتقه الأيمن وهو غلط فالضارب انما يضرب بيده اليمنى ومقابل الأيمن
هو الأيسر.
- المؤلف -
(٢٤٧)

الأرض ثم ضربه ضربة أخرى فصرعه. وبارز حمزة عتبة فتضاربا بالسيفين
حتى انثلما واعتنقا وقيل لم يمهله حمزة أن قتله. وبارز عبيدة شيبة وهما أسن
القوم ولعبيدة سبعون سنة فاختلفا ضربتين فضربه عبيدة على رأسه ضربة
فلقت هامته وضربه شيبة على ساقه فقطعها وسقطا جميعا وقيل إن حمزة بارز
شيبة وعبيدة بارز عتبة وصاح المسلمون يا علي أ ما ترى الكلب قد بهر عمك
حمزة وكان حمزة أطول من عتبة فقال علي يا عم طأطئ رأسك فادخل حمزة
رأسه في صدر عتبة فضرب علي عتبة فطرح نصفه وكر حمزة وعلي على شيبة
فاجهزا عليه وحملا عبيدة فألقياه بين يدي رسول الله ص وان مخ ساقه
ليسيل فاستعبر وقال يا رسول الله أ لست شهيدا قال بلى قال لو كان أبو
طالب حيا لعلم أني أحق بما قال حين يقول:
- كذبتم وبيت الله نخلي محمدا * ولما نطاعن دونه ونناضل -
- وننصره حتى نصرع حوله * ونذهل عن أبنائنا والحلائل -
ونزلت فيهم هذه الآية هذان خصمان اختصموا في ربهم الآية
وحمل عبيدة من مكانه فمات بالصفراء وذلت قريش بمقتل هؤلاء الثلاثة
واستفتح أبو جهل فقال اللهم أقطعنا للرحم وآتانا بما لا يعلم فاحنه الغداة
فنزلت ان تستفتحوا فقد جاءكم الفتح الآية. وبرز حنظلة بن أبي
سفيان إلى علي ع فلما دنا منه ضربه علي ضربة بالسيف فسالت عيناه
ولزم الأرض واقبل العاص بن سعيد بن العاص يبحث للقتال فلقيه ع
فقتله. وروى المفيد في الارشاد عن أبي بكر الهذلي عن الزهري عن
صالح بن كيسان أن ابنه سعيد بن العاص دخل على عمر في خلافته فجلس
ناحية قال سعيد فنظر إلي عمر وقال ما لي أراك كان في نفسك علي شيئا
أ تظن اني قتلت أباك والله لوددت اني كنت قتلته ولو قتلته لم اعتذر من قتل
كافر ولكني مررت به يوم بدر فرأيته يبحث للقتال كما يبحث الثور بقرنه
فهبته ورغت عنه فقال إلى أين يا ابن الخطاب وصمد له علي فتناوله فوالله ما
رمت مكاني حتى قتله. وكان علي حاضرا في المجلس فقال اللهم غفرا
ذهب الشرك بما فيه ومحا الاسلام ما تقدم فما لك تهيج الناس علي فكف
عمر فقال سعيد أما أنه ما كان يسرني أن يكون قاتل أبي غير ابن عمه
علي بن أبي طالب، وأسر أمية بن أبي خلف اسره عبد الرحمن بن عوف
فبصر به بلال وهو يعجن عجينا له فترك العجين وقال لا نجوت ان نجوت
وكان يعذبه بمكة يخرجه إلى الرمضاء إذا حميت فيضجعه على ظهره ثم يأمر
بالصخرة العظيمة فتوضع بحرارتها على صدره ويقول لا تزال هكذا أو
تفارق دين محمد فيقول بلال: أحد أحد فأحاطوا به فقتلوه. قال الواقدي
ولما رأت بنو مخزوم مقتل من قتل قالت: أبو الحكم لا يخلص إليه
يعنون أبا جهل فان ابني ربيعة يعنون عتبة وشيبة عجلا وبطرا
فأحدقوا به والبسوا لامته عبد الله بن المنذر فصمد له علي فقتله وهو يراه أبا
جهل ومضى وهو يقول أنا ابن عبد المطلب ثم البسوها أبا قيس بن
الفاكه بن المغيرة فصمد له حمزة وهو يراه أبا جهل فضربه فقتله وهو يقول
خذها وأنا ابن عبد المطلب ثم البسوها حرملة بن عمرو فصمد له
علي فقتله ثم أرادوا أن يلبسوها خالد بن الأعلى فأبى قال
معاذ بن عمرو بن الجموح فصمدت لأبي جهل وضربته ضربة طرحت
رجله من الساق فشبهتها النواة تنزو من تحت المراضخ فضربني
ابنه عكرمة على عاتقي فطرح يدي من العاتق وبقيت جلدة
فذهبت اسحبها بتلك الجلدة فلما آذتني وضعت عليها رجلي ثم تمطيت
عليها فقطعتها. وأمر رسول الله ص أن يلتمس أبو جهل قال ابن
مسعود فوجدته في آخر رمق فوضعت رجلي على عنقه فقلت الحمد لله
الذي أخزاك فقال إنما أخزى الله العبد ابن أم عبد لقد ارتقيت يا رويعي
الغنم مرتقى صعبا لمن الدبرة؟ قلت لله ولرسوله قال فاقلع بيضته عن قفاه
وقلت اني قاتلك قال لست بأول عبد قتل سيده أما أن أشد ما لقيته اليوم
لقتلك إياي وأن لا يكون ولي قتلي رجل من الأحلاف أو من المطيبين
فضربه عبد الله ضربة وقع رأسه بين يديه ثم سلبه واقبل بسلاحه فوضعه
بين يدي رسول الله ص فقال ابشر يا نبي الله بقتل عدو الله أبي جهل فقال
لهو أحب إلي من حمر النعم. وقال رسول الله ص اللهم اكفني نوفل بن
العدوية وهو نوفل بن خويلد من بني أسد بن عبد العزى فاسره جبار بن
صخر ورأى عليا مقبلا نحوه فقال لجبار من هذا واللات والعزى اني لارى
رجلا يريدني قال هذا علي بن أبي طالب فصمد له علي فضربه فنشب سيفه
في حجفته فنزعه وضرب به ساقيه فقطعهما ثم اجهز عليه فقتله فقال رسول
الله ص من له علم بنوفل بن خويلد قال علي أنا قتلته فكبر رسول الله ص
وقال الحمد لله الذي أجاب دعوتي فيه وروى محمد بن إسحاق أن
طعيمة بن عدي قتله علي بن أبي طالب ع شجره بالرمح وقال والله لا
تخاصمنا في الله بعد اليوم أبدا واخذ رسول الله ص كفا من البطحاء
فرماهم بها وقال شاهت الوجوه اللهم ارعب قلوبهم وزلزل اقدامهم
فانهزم المشركون لا يلوون على شئ والمسلمون يتبعونهم يقتلون ويأسرون وجعلت
قريش تطرح الدروع والمسلمون يتبعونهم ويلقطون ما طرحوا.
أسماء المقتولين من المشركين يوم بدر ومن قتلهم
منقولة عن الواقدي فمن بني عبد شمس بن عبد مناف ومواليهم اثنا
عشر ١ حنظلة بن أبي سفيان قتله علي بن أبي طالب ٢ الحارث بن
الحضرمي قتله عمار بن ياسر ٣ عمار بن الحضرمي قتله عاصم بن ثابت
٤ و ٥ عمير بن أبي عمير وابنه موليان لهم قتل عميرا سالم مولى أبي حذيفة
٦ عبيدة بن سعيد بن العاص قتله الزبير بن العوام ٧ العاص بن
سعيد بن العاص قتله علي بن أبي طالب ٨ عقبة بن أبي معيط قتله علي بن
أبي طالب أو عاصم بن ثابت صبرا بالسيف بأمر رسول الله ص ٩
عتبة بن ربيعة قتله حمزة بن عبد المطلب ١٠ شيبة بن ربيعة اشترك في
قتله عبيدة بن الحارث وحمزة وعلي بن أبي طالب ١١ الوليد بن عتبة بن
ربيعة قتله علي بن أبي طالب ١٢ عامر بن عبد الله حليف لهم من أنمار
قتله علي بن أبي طالب وقيل سعد بن معاذ ومن بني نوفل بن عبد مناف
اثنان ١٣ الحارث بن نوفل قتله حبيب بن يساف ١٤ طعيمة بن عدي
قتله حمزة بن عبد المطلب في رواية الواقدي وعلي بن أبي طالب في رواية
محمد بن إسحاق ومن بني أسد ابن عبد العزى خمسة ١٥ زمعة بن
الأسود قتله أبو دجانة وقيل ثابت بن الجذع ١٦ الحارث بن زمعة بن
الأسود قتله علي بن أبي طالب ١٧ عقيل بن الأسود بن المطلب قتله
علي بن أبي طالب وقيل اشترك في قتله علي وحمزة وقيل قتله أبو داود المازني
٠١٨ أبو البختري العاص بن هشام قتله المجذر بن زياد وقيل أبو اليسر
١٩ نوفل بن خويلد بن أسد بن عبد العزى قتله علي بن أبي طالب ومن
بني عبد الدار بن قصي اثنان ٢٠ النضر بن الحارث بن كلدة قتله علي بن أبي طالب
صبرا بالسيف بأمر رسول الله ص ٢١ زيد بن مليص قتله
علي بن أبي طالب وقيل بلال ومن بني تيم بن مرة اثنان ٢٢ عمير بن
عثمان قتله علي بن أبي طالب ٢٣ عثمان بن مالك قتله صهيب ومن
بني مخزوم ثلاثة ٢٤ أبو جهل عمرو بن المغيرة ضربه معاذ ومعوذ وعوف
(٢٤٨)

أبناء عفراء ودفف عليه عبد الله بن مسعود ٢٥ العاص بن هشام بن
المغيرة خال عمر بن الخطاب قتله عمرو بن يزيد التميمي ٢٦ حليف لهم
قتله عمار بن ياسر وقيل علي بن أبي طالب ومن بني الوليد بن المغيرة رجل
واحد ٢٧ أبو قيس بن الوليد أخو خالد بن الوليد قتله علي بن أبي طالب
ومن بني الفاكه بن المغيرة رجل واحد ٢٨ أبو قيس بن الفاكه بن
المغيرة قتله حمزة بن عبد المطلب وقيل الخباب بن المنذر ومن بني أبي
أمية بن المغيرة رجل واحد ٢٩ مسعود بن أبي أمية قتله علي بن أبي طالب
ومن بني عائذ بن عبد الله بن عمر بن مخزوم خمسة ٣٠ أمية بن عائذ
قتله سعد بن الربيع ٣١ أبو المنذر بن أبي رفاعة قتله معن بن عدي
العجلاني ٣٢ عبد الله بن أبي رفاعة قتله علي بن أبي طالب ٣٣ زهير بن
أبي رفاعة قتله أبو أسيد الساعدي ٣٤ السائب بن أبي رفاعة قتله عبد
الرحمن بن عوف ومن بني أبي السائب المخزومي أربعة ٣٥ سائب بن
السائب قتله الزبير بن العوام ٣٦ الأسود بن عبد الأسد قتله حمزة ٣٧
عمارة بن مخزوم قتله حمزة بن عبد المطلب ٣٨ حليف لهم عمرو بن شيبان
الطائي قتله يزيد بن قيس ٣٩ حليف آخر جبار بن سفيان قتله أبو بردة
ومن بني عمران بن مخزوم ثلاثة ٤٠ حاجز بن السائب قتله علي بن أبي
طالب ٤١ اخوه عويمر بن السائب قتله علي بن أبي طالب رواه البلاذري
٤٢ عويمر بن عمرو بن عائد قتله النعمان بن مالك ومن بني جمح بن
عمرو بن هصيص ثلاثة ٤٣ أمية بن خلف شرك فيه خبيب بن يساف
وبلال وقيل قتله أبو رفاعة بن رافع ٤٤ علي بن أمية بن خلف قتله
عمار بن ياسر ٤٥ أوس بن المغيرة بن لوذان قتله علي بن أبي طالب
وعثمان بن مظعون شركا فيه ومن بني سهم خمسة ٤٦ منبه بن الحجاج
قتله علي بن أبي طالب وقيل أبو أسيد الساعدي ٤٧ نبيه بن الحجاج قتله
علي بن أبي طالب
٤٨ العاص بن منبه بن الحجاج قتله علي بن أبي طالب ٤٩
أبو العاص بن قيس قتله علي بن أبي طالب وقيل أبو دجانة ٥٠
العاص بن أبي عوف قتله أبو دجانة ومن بني عامر بن لؤي اثنان ٥١
معوية بن عبد قيس حليف لهم قتله عكاشة بن محصن ٥٢ معبد بن وهب
حليف لهم من كلب قتله أبو دجانة اه‍ قال ابن أبي الحديد في شرح
النهج فجميع من قتل ببدر في رواية الواقدي من المشركين في الحرب وصبرا
اثنان وخمسون رجلا قتل علي منهم مع الذين شرك في قتلهم أربعة وعشرين
رجلا وقد كثرت الرواية أن المقتولين ببدر كانوا سبعين ولكن الذين عرفوا
وحفظت أسماؤهم من ذكرناه وفي رواية الشيعة أن زمعة بن الأسود بن
المطلب قتله علي والأشهر في الرواية أنه قتل الحارث بن زمعة وان زمعة قتله
أبو دجانة اه‍ أقول يأتي في سيرة أمير المؤمنين علي ع عن المفيد
أن الذين قتلهم أمير المؤمنين ع ببدر من المشركين على اتفاق الرواة
خمسة وثلاثون رجلا سوى من اختلف فيه أو شرك في قتله وأن بعضهم قال
أنه قتل ستة وثلاثين. وذكر الدكتور محمد حسين هيكل في كتابه حياة محمد
وقعة بدر فلم يزد عند ذكر علي فيها على قوله لم يمهل حمزة شيبة ولا امهل
علي الوليد ان قتلاهما ثم أعانا عبيدة وقد ثبت له عتبة، وقوله وخاض حمزة
وعلي وابطال المسلمين وطيس المعركة وقد نسي كل منهم نفسه ونسي قلة
أصحابه وكثرة عدوه فثار النقع وجعلت هام قريش تطير والمسلمون يزدادون
بايمانهم قوة وأمدهم الله بالملائكة يبشرونهم ويزيدونهم تثبيتا وإيمانا حتى
لكان الواحد منهم إذ يرفع يده إنما تحركها قوة الله ثم قال إن كل واحد منهم
امتلأت بنفحة من أمر الله نفسه فلم يكن هو الذي يقتل العدو ولا كان هو
الذي ياسر من ياسر لولا هذه النفحة التي ضاعفت قوته المعنوية بما ضاعفت
قوته المادية اه‍.
فترى انه لم يميز عليا عن غيره في هذه الوقعة بشئ فان ذكر أنه قتل
الوليد فقد ذكر ان معاذ بن عمرو قتل أبا جهل وان ذكر انه خاض وطيس
المعركة فقد قال إنه شاركه في ذلك أبطال المسلمين ولم يذكر ما يدل على أنه
امتاز عليهم بشئ فقد نسي كل منهم نفسه وكان الواحد منهم إذ يرفع يده
إنما تحركها قوة الله وكل واحد منهم امتلأت نفسه بنفحة من أمر الله وإذا
كان كل واحد منهم قد نسي نفسه كما يقول وامتلأت نفسه بنفحة من أمر
الله وكانه إذ يرفع يده إنما تحركها قوة الله فلما ذا لم يؤثر عن بعضهم أنه قتل
أحدا والحال أنه قد نسي نفسه ونسي قلة أصحابه وكثرة عدوه وامتلأت
نفسه بتلك النفحة الإلهية وكانت قوة الله كأنها تحرك يده وتضاعفت قوته
المعنوية وقد بشرته الملائكة وزادته تثبيتا وإيمانا وكان المسلمون محتاجين إلى
نصره وقتاله معهم لقلتهم وكثرة عدوهم فقد كان المسلمون أقل من الثلث وقد
قال عن بعضهم أن مثله في الملائكة كمثل ميكائيل وفي الأنبياء كمثل
إبراهيم وعيسى وعن آخر ان مثله في الملائكة كمثل جبرئيل وفي الأنبياء
كمثل نوح وموسى إذا لا نكون مخطئين إذا قلنا أن الدكتور قد غمط علي بن أبي
طالب حقه في هذه الوقعة التي عليها بني أساس الاسلام وقامت بسيف
علي بن أبي طالب حتى قتل علي فيها نصف المقتولين وقتل سائر الناس
والملائكة المسومون الباقي واستشهد من المسلمين في هذه الوقعة أربعة
عشر، ستة من المهاجرين وثمانية من الأنصار ولم يؤسر أحد وأسر من
المشركين سبعون لكن المعروفين منهم تسعة وأربعون وفي قتل عتبة وشيبة
والوليد تقول هند بنت عتبة زوجة أبي سفيان:
- أيا عين جودي بدمع سرب * على خير خندف لم ينقلب -
تداعى له رهطه غدوة * بنو هاشم وبنو المطلب
يذيقونه حد أسيافهم * يعرونه بعد ما قد شجب -
وأمر رسول الله ص بالقتلى فطرحوا كلهفي قليب بدر وكانه فعل
ذلك لئلا تتأذى الناس بروائحهم إلا أمية بن خلف كان قد انتفخ وتزايل
لحمه فترك والقوا عليه التراب والحجارة هكذا ذكر المؤرخون، والظاهر أن
القليب الذي طرحوا فيه هو قليب الماء، وقال الدكتور محمد حسين هيكل
في كتابه حياة محمد إن المسلمين أقاموا ببدر إلى آخر النهار ثم جمعوا قتلى
قريش فحفروا لهم قليبا فدفنوهم فيه اه‍ ولو كان كذلك لقال حفروا
لهم حفيرة فدفنوهم فيها ولم يعبر بالقليب لأنه بئر الماء عرفا مع أن الحفر
لا ذكر له وإنما قالوا فامر ص بهم فطرحوا في قليب بدر مع أنهم كانوا
بما أصابهم من التعب وممارسة الحرب في شغل عن حفر القلبان وكانه
استبعد القاءهم في قليب الماء لأنه يوجب فساد ماء البئر زمانا طويلا وهي
بئر تستقي منها الاعراب النازلون عندها والسابلة ويرفع الاستبعاد احتمال
أن تكون تلك البئر لا يحتاج إليها كثيرا لوجود غيرها في بدر أو نواحيها.
ثم وقف ص على أهل القليب فناداهم رجلا رجلا يا عتبة بن ربيعة ويا
شيبة بن ربيعة ويا أمية بن خلف ويا أبا جهل بن هشام هل وجدتم ما
وعدكم ربكم حقا فاني وجدت ما وعدني ربي حقا بئس القوم كنتم لنبيكم
كذبتموني وصدقني الناس وأخرجتموني وآواني الناس وقاتلتموني ونصرني الناس
فقالوا يا رسول الله أ تنادي قوما قد ماتوا فقال لقد علموا إن ما وعدهم ربهم
حق.
وكان انهزام قريش عند الظهر فامر ص بجمع الغنائم وصلى العصر
(٢٤٩)

ببدر ثم راح فمر بالأثيل قبل غروب الشمس فبات به وكان في الأسرى
النضر بن الحارث بن كلدة الثقفي أحد بني عبد الدار (١) فامر النبي ص
علي بن أبي طالب فقتله بالأثيل فقالت ابنته وقيل أخته قتيلة ترثيه:
- يا راكبا إن الأثيل مظنة * من صبح خامسة وأنت موفق -
- أبلغ به ميتا فان تحية * ما ان تزال بها الركائب تخفق -
- مني إليه وعبرة مسفوحة * جادت لماتحها وأخرى تخنق -
- فليسمعن النضر ان ناديته * إن كان يسمع ميت أو ينطق -
- ظلت سيوف بني أبيه تنوشه * لله أرحام هناك تشقق -
- صبرا يقاد إلى المنية راغما * رسف المقيد وهو عان موثق -
- أمحمد ولأنت ضن ء نجيبة * في قومها والفحل فحل معرق -
- ما كان ضرك لو مننت وربما * من القتو هو المغيظ المحنق -
- والنضر أقرب من أصبت وسيلة (٢) * وأحقهم إن كان عتق يعتق -
فلما بلغ شعرها النبي ص رق لها وبكى وقال لو بلغني شعرها قبل
قتله لعفوت عنه. قال أبو الفرج الأصبهاني: فيقال إن شعرها
أكرم شعر موتورة وأعفه وأكفه وأحلمه اه‍ (٣)
فلما بلغ إلى مكان يسمى عرق الظبية أمر ص علي بن أبي طالب
وقيل عاصم بن ثابت بضرب عنق عقبة بن أبي معيط بن أبي عمرو بن أمية بن
عبد شمس فجعل يقول يا ويلي علا م أقتل من بين من هاهنا؟ فقال رسول
الله ص: لعداوتك لله ولرسوله، فقال: يا محمد من للصبية؟ فقال:
النار، قدمه فاضرب عنقه فقدمه فضرب عنقه. واستشار رسول الله ص
أصحابه في الأسرى فغلظ عليهم عمر غلظة شديدة، فقال يا رسول الله
أطعني فيما أشير به عليك: قدم عمك العباس وأضرب عنقه بيدك وقدم
عقيلا إلى أخيه علي يضرب عنقه وقدم كل أسير إلى أقرب الناس إليه
يقتله، فكره رسول الله ص ذلك ولم يعجبه كأنه كره تسليم كل أسير إلى
الأقرب إليه لما فيه من الجفاء، ورغب المسلمون في فداء الأسارى دون
قتلهم ليتقووا بالمال فقبل رسول الله ص الفداء أكثره أربعة الآف درهم
وأقله ألف، وأطلق رسول الله ص جماعة بغير فداء فعاتبهم الله تعالى بقوله
ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض
الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم، لولا كتاب من الله سبق لمسكم
فيما أخذتم عذاب عظيم، فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا واتقوا الله إن الله
غفور رحيم. وكان ص نهى في أول الوقعة ان يقتل أحد من بني
هاشم، وقال: إني قد عرفت ان رجالا من بني هاشم وغيرهم قد اخرجوا
كرها، ونهى ان يقتل العباس بن عبد المطلب وقال إنه خرج مستكرها،
ولا يفسر ذلك بمحاباة من النبي ص لبني هاشم فقد بين علة ذلك بأنهم
اخرجوا كرها وذلك لأنهم كانوا مسلمين في الباطن ومع ذلك فقد اخذ منهم
الفداء ولم يحابهم فيه واخذ من العباس فداء نفسه وابني أخيه وحليفه لأنه
كان غنيا وكانوا فقراء، على أن بني هاشم عدى أبي لهب قاموا بنصر رسول
الله ص في مكة وحاموا عنه فاستحقوا الجزاء وكذلك اوصى النبي ص
بجماعة من المشركين ان لا يقتلوا جزاء لإحسانهم إلى المسلمين بمكة
وقيامهم في نقض الصحيفة منهم أبو البختري لكن أبا البختري قاتل فقتل:
وأغضبت وصاية النبي ص ببني هاشم أبا حذيفة بن عتبة وكان مسلما فقال
أنقتل آباءنا وإخواننا وعشائرنا ونترك العباس والله ان لقيته لألجمنه السيف
فقال عمر دعني يا رسول الله اضرب عنقه بالسيف فوالله لقد نافق فلم يصغ
رسول الله ص إلى ذلك، فاسر يومئذ العباس وعقيل بن أبي طالب ونوفل بن
الحارث بن المطلب وحليف لبني هاشم اسمه عقبة بن عمرو فلما أمسى القوم
والأسارى محبوسون في الوثاق بات رسول الله ص تلك الليلة ساهرا فقال له
أصحابه ما لك لا تنام يا رسول الله؟ قال سمعت أنين العباس من وثاقه،
فقاموا إليه فاطلقوه فنام رسول الله ص.
ولما قدم بالأسرى إلى المدينة قال رسول الله ص افد نفسك يا عباس
وابني أخويك عقيلا ونوفلا وحليفك عقبة فإنك ذو مال فقال يا رسول الله
إني كنت مسلما ولكن القوم استكرهوني قال الله اعلم باسلامك، وأما ظاهر
امرك فقد كان علينا، وقد كان أخذ منه عشرين أوقية من ذهب وجدت
معه، فقال يا رسول الله أحسبها من فدائي، قال ذلك شئ أعطانا الله
منك، قال إنه ليس لي مال قال فأين المال الذي وضعته عند أم الفضل
وقلت لها ان أصبت فللفضل كذا ولعبد الله كذا ولقثم كذا؟ ثم فدى نفسه
وابني أخويه وحليفه.
وقدم رسول الله ص زيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة أمامه يبشران
الناس فجعلوا لا يصدقون وقال المنافقون ما جاء زيد إلا فلا. ثم قدم
بالأسرى عليهم شقران ولقي الناس رسول الله ص بالروحاء يهنونه.
وكان في الأسرى أبو العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس
وكان من رجال قريش المعدودين مالا وأمانة وتجارة وامه هالة بنت خويلد
أخت خديجة أم المؤمنين فسالت خديجة رسول الله ص أن يزوجه ابنته
زينب وكان لا يخالفها ففعل وذلك قبل الإسلام فلما أكرم الله رسوله ص
بالنبوة آمنت به زينب وسائر بناته وبقي أبو العاص على شركه وكان رسول
الله ص قد زوج إحدى بنتيه رقية أو أم كلثوم عتبة بن أبي لهب فقالت
قريش قد فرغتم محمدا من همه أخذتم عنه بناته ردوهن عليه واشتغلوه بهن
فقالوا لأبي العاص فارق بنت محمد ونحن نزوجك أي امرأة شئت من
قريش فأبى. فكان رسول الله ص يثني عليه خيرا في صهره، وقالوا مثل
ذلك لعتبة ففارقها قبل أن يدخل بها فاخرجها الله من يده كرامة لها وهوانا
له وكان الإسلام قد فرق بين زينب وأبي العاص لكن رسول الله ص كان
بمكة مغلوبا على امره فلما سارت قريش إلى بدر سار أبو العاص معها فاسر
فبعثت زينب في فداء بعلها بمال وكان فيما بعثت به قلادة كانت أمها خديجة
أدخلتها بها عليه ليلة زفافها فلما رآها رسول الله ص رق لها رقة شديدة وقال

(١) في عيون الأنباء إنه كان من أطباء العرب كما كان أبوه الحارث بن كلدة المشهور طيب العرب
وتعلم النضر من أبيه ما كان يعلمه من الطب وغيره وكان النضر ابن خالة النبي (ص) إلا إنه
كان يؤاتي أبا سفيان في عداوة النبي " ص " وكان كثير الأذى والحسد للنبي " ص " ويتكلم فيه
بأشياء كثيرة كيما يحبط من قدره عند أهل مكة " اه‍ ".
(٢) وذلك لأنه كان ابن خالة النبي " ص " كما سمعت.
(٣) شعرها هذا في الطبقة العالية وقد اورده أبو تمام في ديوان الحماسة وقد اثر في نفس النبي " ص "
بما فيه من الأساليب البديعة حتى قال لو سمعته قبل ان اقتله ما قتلته مع ما كان عليه النضر
من شدة الأذى والعداوة لرسول الله (ص) الذي استحق به القتل وفيه دلالة على مكانة الشعر
وعلى إنه " ص " على أكمل خلق. وهذه المرأة تعد من فضليات النساء بشاعريتها وكمال أدبها
وعقلها وقد صدق من قال إن شعرها أكرم شعر موتورة واعفه وأكفه وأحلمه فإنها لم تزد عند
وصف قتله وذكر قاتليه على أن قالت:
- ظلت سيوف بني أبيه تنوشه * لله أرحام هناك تشقق -
- صبرا يقاد إلى المنية راغما * رسف المقيد وهو عان موثق -
فلم تذكر قاتليه بشئ من السوء ولم تنطق فيهم بكلمة سب أو شتم أو ما دون ذلك وكذلك
لما ذكرت النبي " ص " وهي كافرة لم تسلم بعد مدحته بطيب الأصل وكرم المنسبين فقالت:
- أمحمد ولانت ضن ء نجيبة * في قومها والفحل فحل معرق -
والعادة قاضية بأن الموتور تهيج به هائجة الغضب والحنق على واتره فيخرجه ذلك إلى الكلام
القبيح في حقه فحقا إن شعرها أكرم شعر موتورة وأعفه وأكفه وأحلمه.
- المؤلف -
(٢٥٠)

للمسلمين إن رأيتم ان تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها ما بعثت به فقالوا
نعم يا رسول الله نفديك بأنفسنا وأموالنا فردوا عليها ما بعثت به واطلقوا لها
أبا العاص بغير فداء فعاد إلى مكة وبعث رسول الله ص بعد بدر بشهرين
زيد بن حارثة ورجلا من الأنصار فقال لهما كونا بمكان كذا حتى تمر بكما
زينب فتأتياني بها، فيظهر من هذا إن رسول الله ص كان قد اشترط على أبي
العاص حين اطلقه أو إن أبا العاص وعده ابتداء أن يحمل إليه زينب إلى
المدينة فجهزها أبو العاص وبعثها مع أخيه كنانة بن الربيع في هودج نهارا
فخرج يقود بعيرها ومعه قوسه وكنانته وتلاومت قريش في ذلك فخرجوا في
طلبها سراعا حتى أدركوها بذي طوى فسبق إليها هبار بن الأسود بن المطلب بن أسد بن
عبد العزى بن قصي فروعها بالرمح وهي في الهودج
وكانت حاملا فلما رجعت أسقطت فاهدر رسول الله ص دم هبار. وبرك
حموها كنانة ونثل كنانته بين يديه ووضع منها سهما في كبد قوسه وحلف لا
يدنو منها أحد إلا وضعت فيه سهما فكر الناس عنه. فقال له أبو سفيان
كف نبلك حتى نكلمك فكف، فقال إنك لم تحسن ولم تصب خرجت بها
علانية وقد عرفت مصيبتنا من محمد فيظن الناس ان ذلك عن ذل منا وما لنا
في حبسها عن أبيها من حاجة ولا فيها من ثار فارجع بها حتى إذا هدأت
الأصوات وتحدث الناس برجوعها اخرج بها خفية فرجع بها إلى مكة ثم
خرج بها ليلا بعد أيام حتى سلمها إلى زيد بن حارثة وصاحبه.
فلما كان قبيل فتح مكة خرج أبو العاص تاجرا إلى الشام بمال له
وأموال لقريش ابضعوه بها فلما رجع لقيته سرية لرسول الله ص فأصابوا ما
معه وهرب هو فقدموا بالمال على رسول الله ص وخرج أبو العاص تحت
الليل حتى قدم على زينب منزلها فاستجار بها فاجارته وإنما قدم في طلب ماله
فلما كبر رسول الله ص في صلاة الصبح صرخت زينب من صفة النساء اني
قد اجرت أبا العاص فلما سلم رسول الله ص قال والذي نفس محمد بيده
ما علمت بشئ مما كان حتى سمعتم، انه يجير على الناس أدناهم، وقال
لزينب اي بنية أكرمي مثواه وأحسني قراه ولا يصلن إليك فلا تحلين له، ثم
بعث إلى السرية فقال إن هذا الرجل منا بحيث علمتم فان تحسنوا وتردوا
عليه ماله فانا نحب ذلك وإن أبيتم فهو فئ الله أفاءه عليكم، فقالوا بل
نرده فردوه حتى الحبل والشنة والإداوة والشظاظ، فذهب به إلى مكة وأدى
إلى كل ذي مال ماله، ثم قال هل بقي لأحد شئ؟ قالوا لا فجزاك الله
خيرا لقد وجدناك وفيا كريما، قال فاني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا
رسول الله والله ما منعني من الاسلام إلا مخافة ان تظنوا إني أردت أن آكل
أموالكم، ثم خرج إلى المدينة ورد النبي ص عليه زوجته بعد ست سنين.
وفي بعض الروايات انه ردها عليه بالنكاح الأول ولا يكاد يصح لما تضافرت
به الروايات من أن من أسلمت زوجته ولم يسلم قبل انقضاء العدة فقد
بانت منه.
غزوة بني سليم
في السيرة الحلبية: إنه ص لما قدم المدينة من بدر لم يقم إلا سبع ليال
حتى غزا بنفسه يريد بني سليم فلما بلغ ماء من مياههم يقال له الكدر لأن
به طيرا في ألوانها كدرة فأقام ص على ذلك ثلاث ليال ثم رجع إلى المدينة
ولم يلق حربا وكان لواؤه أبيض حمله علي بن أبي طالب اه‍ ومر ان غزاة
بدر كانت في السابع عشر من رمضان على رأس تسعة عشر شهرا من
الهجرة فتكون هذه في الرابع والعشرين منه ولم يذكرها ابن سعد في
الطبقات بل ذكر غزوتين اخريين لبني سليم إحداهما غزوة قرقرة الكدر
للنصف من المحرم على رأس ثلاثة وعشرين شهرا من الهجرة والأخرى
غزوة بني سليم ببحران في جمادي الأولى على رأس سبعة وعشرين شهرا من
الهجرة وبمقتضى اختلاف هذه التواريخ يكون له ثلاث غزوات لبني سليم
كما في السيرة الحلبية وغزوتان كما في الطبقات واحتمل بعضهم ان يكون
الثلاثة غزوة واحدة ولا وجه له.
غزوة بني قينقاع
بضم النون وفتحها وكسرها والضم أشهر وكانت يوم السبت للنصف
من شوال على رأس عشرين شهرا من الهجرة. وكان بالمدينة ثلاثة ابطن
من اليهود بنو النضير وقريظة وقينقاع وكان بينهم وبين رسول الله ص عهد
ومدة وكان بنو قينقاع حلفاء لعبد الله بن أبي بن سلول وكانوا أشجع اليهود
وكانوا صاغة فوادعوا النبي ص فلما كانت وقعة بدر أظهروا البغي
والحسد. كذا في طبقات ابن سعد، وفي السيرة الحلبية إن امرأة من
العرب كانت زوجة لبعض الأنصار فقدمت بجلب وهو ما يجلب ليباع من
أبل وغنم وغيرهما فباعته بسوق بني قينقاع فجلست إلى صائغ منهم فجعل
جماعة منهم يراودونها عن كشف وجهها فابت فعمد الصائغ إلى طرف ثوبها
فخاطه بشوكة إلى ظهرها وهي لا تشعر فلما قامت انكشفت سوأتها فضحكوا
منها فصاحت فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله وشدت اليهود على
المسلم فقتلوه، قال ابن سعد فأنزل الله تعالى على نبيه وأما تخافن من قوم
خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين فسار إليهم ولواؤه مع
حمزة بن عبد المطلب وهو لواء أبيض قال ولم تكن الرايات يومئذ فحاصرهم
خمس عشرة ليلة إلى هلال ذي القعدة أشد الحصار، وكانوا أول من غدر
من اليهود وقذف الله في قلوبهم الرعب وكانوا أربعمائة حاسر وثلثمائة
دارع فنزلوا على حكم رسول الله ص ان يخلي سبيلهم وان يجلوا من المدينة ولهم
النساء والذرية ولرسول الله ص الأموال ومنها السلاح ولحقوا بأذرعات.
غزوة السويق
كانت لخمس خلون من ذي الحجة على رأس اثنين وعشرين شهرا
من الهجرة وسببها ان أبا سفيان بن حرب بعد وقعة بدر حرم على نفسه
النساء والطيب وقال ابن سعد حرم الدهن حتى يثار من محمد وأصحابه
فخرج في مائتي راكب وقيل في أربعين فجاءوا بني النضير ليلا فطرقوا
حيي بن اخطب ليستخبروه من أخبار رسول الله ص فأبى ان يفتح لهم
وطرقوا سلام بن مشكم ففتح لهم وقراهم وسقاهم خمرا وأخبرهم من أخبار
رسول الله ص فلما كان السحر خرج أبو سفيان فمر بالعريض وبينه وبين
المدينة نحو من ثلاثة أميال فقتل به رجلا من الأنصار وأجيرا له وحرق أبياتا
وتبنا ورأى أن يمينه قد حلت ثم ولى هاربا فبلغ ذلك رسول الله ص فخرج
في مائتي رجل من المهاجرين والأنصار في أثرهم وجعل أبو سفيان وأصحابه
يتخففون فيلقون السويق وهي عامة أزوادهم والسويق قمح أو شعير يقلى
ثم يطحن ليسف بماء أو سمن أو عسل وسمن فجعل المسلمون يأخذونها
فسميت غزوة السويق ولم يلحقوهم وانصرف رسول الله ص إلى المدينة بعد
غياب خمسة أيام.
غزوة قرقرة الكدر
ويقال قرارة الكدر وهي أرض ملساء لبني سليم فيها طيور في ألوانها
(٢٥١)

كدرة أي غبرة والقرقر الأرض المستوية وهي المكان الذي فيه هذه
الطيور وكانت للنصف من المحرم على رأس ثلاثة وعشرين شهرا من
الهجرة بلغه ان بهذا الموضع جمعا من سليم وغطفان فسار إليهم في مائتي
رجل فلم يجد أحدا وكان لواؤه مع علي بن أبي طالب ووجد رعاء فيهم
غلام يقال له يسار فسأله عن الناس فقال لا علم لي بهم إنما اورد الخمس
وهذا يوم ربعي والناس قد ارتفعوا إلى المياه ونحن عزاب في النعم فانحدر
رسول الله ص بالنعم إلى المدينة وكانت خمسمائة بعير فاخرج خمسها وقسم
الباقي فأصاب كمل واحد بعيران وكان غيابه خمس عشرة ليلة.
غزوة بحران
بفتح الموحدة وتضم موضع بناحية الفرع وسماها ابن سعد في
الطبقات غزوة بني سليم فقال وغزوة بني سليم ببحران لست خلون من
جمادي الأولى على رأس سبعة وعشرين شهرا من مهاجره وذلك إنه بلغه إن
بها جمعا من بني سليم كثيرا فخرج في ثلاثمائة رجل من أصحابه وأغذ السير
حتى ورد بحران فوجدهم قد تفرقوا في مياههم فرجع ولم يلق كيدا وكانت
غيبته عشر ليال.
غزوة أحد
تأخذها من المنقول عن كتاب الواقدي ومن طبقات ابن سعد وتاريخ
الطبري وسيرة ابن هشام والسيرة الحلبية وإرشاد المفيد والمستدرك للحاكم
وغيرها من كتب السير والآثار والحديث المشهورة المعتمدة.
وكانت في شوال لسبع خلون منه وقيل للنصف منه يوم السبت سنة
ثلاث من الهجرة على رأس اثنين وثلاثين شهرا من مهاجره ص. واحد
جبل من جبال المدينة على نحو ميلين أو ثلاثة منها وورد فيه عنه ص ان
أحدا هذا جبل يحبنا ونحبه.
وكان السبب فيها أنه لما أصاب قريشا يوم بدر ما أصابها ورجع من
حضرها منهم إلى مكة وجدوا العير التي قدم بها أبو سفيان والتي كانت وقعة
بدر بسببها موقوفة في دار الندوة لم تعط لأربابها فمشى عبد الله بن أبي ربيعة
وعكرمة بن أبي جهل وصفوان بن أمية وغيرهم من أشراف قريش ممن أصيب
آباؤهم وأبناؤهم وأخوانهم يوم بدر إلى أبي سفيان وإلى من كان له من
قريش تجارة في تلك العير فقالوا: يا معشر قريش إن محمدا قد وتركم وقتل
خياركم فأعينونا بهذا المال على حربه لعلنا ندرك منه ثارنا بمن أصاب منا
ونحن طيبوا النفوس ان تجهزوا بربح هذه العير جيشا إلى محمد فقال أبو
سفيان انا أول من أجاب إلى ذلك وبنو عبد مناف معي وكانت العير ألف
بعير فباعوا أموالها فصارت ذهبا خمسين ألف دينار بجعلوا لذلك ربح المال
فقط وسلموا لأهلها رؤوس أموالهم وكانوا يربحون في تجارتهم الدينار دينارا
فكان ربحها خمسة وعشرين ألف دينار وكان متجرهم من الشام غزة لا
يعدونها وفيهم نزلت إن الذين ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله
فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم
يحشرون وأرسلت قريش رسلها يسيرون في العرب يدعونهم إلى نصرهم
فأوعبوا. قال الواقدي: كانوا أربعة عمرو بن العاص وهبيرة بن وهب
وابن الزبعري وأبا غرة الجمحي وقال غيره كان فيهم من الشعراء أبو غرة
عمرو بن عبد الله الجمحي ومسافع بن عبد الله الجمحي وكان أبو غرة أسر
يوم بدر فمن عليه رسول الله ص، فقال له صفوان بن أمية انك شاعر
فأعنا بلسانك ولك علي ان رجعت ان أغنيك وان أصبت ان اجعل بناتك
مع بناتي فقال إن محمدا قد من علي و أخذ علي عهدا ان لا أظاهر عليه أحدا
قال بلى فأعنا بلسانك فلم يزالوا به حتى قبل فخرج أبو غرة يسير في تهامة
ويدعو بني كنانة ويحضهم بشعره وخرج مسافع إلى بني مالك بن كنانة
يحرضهم بشعره ويذكرهم الحلف مع قريش ثم ظفر رسول الله ص بأبي غرة
بحمراء الأسد. وقال ابن سعد أسر يوم أحد ولم يأخذ أسير غيره فامر
بضرب عنقه فقال من علي يا محمد فقال ص ان المؤمن لا يلدغ من جحر
مرتين لا ترجع إلى مكة تمسح عارضيك تقول سخرت بمحمد مرتين فقتل،
وتألب من كانوا مع قريش من العرب وحضروا.
واختلفت قريش بينها في اخراج الظعن أي النساء معها ليذكرنهم
قتلى بدر ويثرن حفائظهم ويحرضنهم على القتال وعدم الهزيمة فأشار به
صفوان بن أمية وعكرمة بن أبي جهل وعمرو بن العاص ولم يرض به نوفل
بن معاوية الدئلي فجاء إلى أبي سفيان فقال له ذلك فصاحت هند بنت
عتبة انك والله سلمت يوم بدر فرجعت إلى نسائك نعم نخرج فنشهد
القتال فقال أبو سفيان لست أخالف قريشا فخرجوا بالظعن وهن خمس
عشرة امرأة من قريش مع أزواجهن منهن هند بنت عتبة زوجة أبي سفيان
وأم حكيم بنت الحارث بن هشام زوجة عكرمة بن أبي جهل وسلافة بنت
سعد زوجة طلحة بن أبي طلحة فقتل زوجها وأربعة أولاد لها وريطة بنت
منبه بن الحجاج زوجة عمرو بن العاص وخناس بنت مالك مع ابنها أبي
عزيز بن عمير وكان ابنها مصعب بن عمير مع المسلمين فقتل وعمرة بنت
الحارث الكنانية (١) زوجة غراب بن سفيان وهي التي رفعت لواء قريش حين
سقط حتى تراجعت قريش إلى لوائها وفيها يقول حسان:
- ولولا لواء الحارثية أصبحوا * يباعون في الأسواق بالثمن البخس -
وخرج جماعة غير هؤلاء بنسائهم وتجهزت قريش بأحابيشها (٢) ومن
والاها من قبائل كنانة وأهل تهامة.
فلما اجمعوا على المسير كتب العباس بن عبد المطلب إلى النبي ص
كتابا يخبره بذلك ويذكر له عددهم واستعدادهم وأرسله مع رجل استأجره
من بني غفار وشرط عليه ان يأتي المدينة في ثلاثة أيام ففعل ووجد النبي ص
بقبا على باب المسجد فدفع إليه الكتاب فقرأه عليه أبي بن كعب فاستكتم
أبيا ودخل منزل سعد بن الربيع فقال أ في البيت أحد قال لا فأخبره
واستكتمه فقال والله اني لأرجو ان يكون في ذلك خير فلما خرج قالت له
امرأته ما قال لك رسول الله ص قال ما لك ولذلك لا أم لك، قالت كنت
استمع عليكم وأخبرته الخبر فاسترجع واخذ بيدها ولحقه ص فأخبره خبرها
وقال خفت ان يفشو الخبر فترى اني انا المفشي له فقال خل عنها. وأرجفت
يهود المدينة والمنافقون وقالوا ما جاء محمدا شئ يحبه وشاع الخبر في الناس
بمسير قريش.
وكان رجل من الأوس من رؤسائهم يكنى أبا عامر وكان يسمى في

(١) سيأتي أنها عمرة بنت علقمة والظاهر أنها عمرة بنت علقمة بن الحارث الكنانية فتارة
نسبت إلى جدها وقبيلتها فقيل عمرة بنت الحارث الكنانية والنسبة إلى الجد كثيرة وتارة
أضيفت إلى أبيها وجدها وتركت النسبة للقبيلة فقيل عمرة بنت علقمة الحارثية.
(٢) الأحابيش الذين حالفوا قريشا وهم بنو المصطلق وبنو الهرن بن خزيمة اجتمعوا عند حبشي
جبل بأسفل مكة وتحالفوا على أنهم مع قريش يدا واحدة على غيرهم ما سجى ليل ووضح
نهار ومارسا حبشي مكانه فسموا أحابيش باسم الجبل وقيل سموا بذلك لتحبشهم
وتجمعهم. المؤلف -
(٢٥٢)

الجاهلية الراهب لزهده واسمه عبد عمرو وقيل عمرو بن صيفي خرج من
المدينة حين دخلها النبي ص في خمسين وقيل في سبعين رجلا من قومه إلى
مكة يحرضهم ويعلمهم انهم على حق وما جاء به محمد باطل فسماه رسول
الله ص أبا عامر الفاسق فلما سارت قريش إلى بدر لم يسر معها فلما سارت
إلى أحد سار معها بالخمسين أو السبعين الذين معه وكان يمني قريشا نصرة
قومه فلم يفعلوا وهو والد حنظلة غسيل الملائكة المقتول مع المسلمين بأحد
يخرج الحي من الميت.
وخرجت قريش بحدها وجدها وقائدها أبو سفيان بن حرب وكانوا
مع من انضم إليهم ثلاثة آلاف رجل معهم مائتا فرس قد جنبوها وثلاثة
آلاف بعير وفيهم سبعمائة دارع والظعن خمس عشرة امرأة وخرجوا بعدة
وسلاح كثير. فساروا حتى اتوا الأبواء الموضع الذي فيه قبر آمنة أم النبي
ص فأرادوا نبش قبرها أشارت بذلك هند بنت عتبة فمنع منه ذوو الرأي
منهم وقالوا لو فعلنا نبشت بنو بكر وخزاعة موتانا عند مجيئهم وكانوا حلفاء
رسول الله ص.
وساروا حتى نزلوا مقابل المدينة بذي الحليفة وهو ميقات أهل المدينة
الذي يحرمون منه وذلك في يوم الخميس لخمس مضين من شوال صبيحة
عشر من مخرجهم من مكة فرعوا زروع أهل المدينة يوم الخميس فلما أمسوا
جمعوا الإبل وقصلوا عليها وقصلوا على خيولهم ليلة الجمعة فلما أصبحوا يوم
الجمعة خلوا ظهرهم وخيلهم في الزرع حتى تركوا العرض ليس به خضراء
وبعث رسول الله ص ليلة الخميس عينين له أنسا ومؤنسا ابني فضالة
الظفرين فاعترضا لقريش بالعقيق فسار معهم حتى نزلوا فاتوه بخبرهم
وانهم خلوا ابلهم وخيلهم في الزرع الذي بالعريض حتى تركوه ليس به
خضراء، فلما نزلوا بعث الحباب بن المنذر بن الجموح إليهم سرا وقال له
إذا رجعت فلا تخبرني بين الناس إلا أن ترى فيهم قلة، فذهب حتى دخل
بينهم وحزرهم ونظر إلى جميع ما يريد ورجع فأخبره خاليا وقال حزرتهم
ثلاثة آلاف يزيدون قليلا أو ينقصون قليلا والخيل مائتي فرس ورأيت دروعا
ظاهرة أي فوق الثياب حزرتها سبعمائة، فقال لا تذكر من شأنهم حرفا
حسبنا الله ونعم الوكيل اللهم بك أحول وبك أصول، وباتت وجوه الأوس
والخزرج سعد بن معاذ وأسيد بن حضير وسعد بن عبادة ليلة الجمعة
وعليهم السلاح في المسجد بباب رسول الله ص حتى أصبحوا خوفا من
تبييت المشركين، وحرست المدينة تلك الليلة فلما كان الصباح صعد النبي
ص المنبر وقال رأيت البارحة في منامي أني أدخلت يدي في درع حصينة
ورأيت بقرا تذبح ورأيت في ذباب سيفي ثلما واني أردفت كبشا، وأولتها:
اما الدرع الحصينة فالمدينة واما البقر فناس من أصحابي يقتلون واما الثلم
فرجل من أهل بيتي يقتل (١) واما الكبش فكبش الكتيبة يقتله الله (٢). فان
رأيتم ان تقيموا بالمدينة وتدعوهم حيث نزلوا فان أقاموا أقاموا بشر مقام وان
هم دخلوا علينا قاتلناهم فيها فانا اعلم بها منهم، وكانوا قد شبكوا المدينة
بالبنيان من كل ناحية فهي كالحصن فكان رأي رسول الله ص ان لا يخرج
من المدينة لهذه الرؤيا فأحب ان يوافق على رأيه فاستشار أصحابه في
الخروج فأشار عليه عبد الله بن أبي بن سلول أن لا يخرج فقال يا رسول الله
أقم بالمدينة ولا تخرج فوالله ما خرجنا منها إلى عدو لنا قط الا أصاب منا ولا
دخلها إلا أصبنا منه فدعهم يا رسول الله فان أقاموا أقاموا بشر مجلس وان
دخلوا قاتلهم الرجال في وجوههم ورماهم الصبيان بالحجارة من ورائهم
وان رجعوا رجعوا خائبين كما جاءوا. وكان ذلك رأي كبار المهاجرين
والأنصار.
وقال رجال غالبهم فتيان احداث لم يشهدوا بدرا وفيهم بعض الشيوخ
اخرج بنا إلى أعدائنا لا يرون انا جبنا عنهم والله لا تطمع العرب في أن
تدخل علينا منازلنا. وقال أويس بن أوس من بني عبد الأشهل: اني يا
رسول الله لا أحب ان ترجع قريش إلى قومها فتقول حصرنا محمدا في
صياصي يثرب وآطامها فتكون هذه جرأة لقريش وقد وطئوا سعفنا فإذا لم
نذب عن عرضنا فلم ندرع وقد كنا يا رسول الله في جاهليتنا والعرب يأتوننا
فلا يطمعون بهذا منا حتى نخرج إليهم بأسيافنا فنذبهم عنا فنحن اليوم أحق
إذ أمدنا الله بك وعرفنا مصيرنا لا نحصر أنفسنا في بيوتنا.
وقام خيثمة أبو سعد بن خيثمة وكان شيخا كبيرا قتل ابنه سعد ببدر
فقال يا رسول الله ان قريشا مكثت حولا تجمع الجموع وتستجلب العرب
في بواديها ثم جاءونا قد قادوا الخيل وامتطوا الإبل حتى نزلوا بساحتنا
فيحصرونا في بيوتنا وصياصينا ثم يرجعون وافرين لم يكلموا فيجرؤوهم
ذلك علينا مع ما قد صنعوا بحروثنا وتجترئ علينا العرب حولنا حتى
يطمعوا فينا إذا رأونا لم نخرج إليهم فنذبهم عن حريمنا وعسى الله ان يظفرنا
بهم فتلك عادة الله عندنا أو تكون الأخرى فهي الشهادة لقد أخطأتني وقعة
بدر وكنت عليها حريصا لقد بلغ من حرصي اني ساهمت ابني في الخروج
فخرج سهمه فرزق الشهادة إلى آخر كلامه. كل ذلك ورسول الله ص
كاره للخروج فلم يزالوا به حتى وافق عليه أقول وذلك لأنه رأى
المصلحة في الموافقة لكونه رأي الأكثر وإن كانت المصلحة من جهة أخرى
في الإقامة. فصلى الجمعة بالناس ثم وعظهم وأمرهم بالجد والجهاد وأخبرهم
إن النصر لهم ما صبروا وأمرهم بالتهيؤ لعدوهم ففرح الناس بالشخوص
ثم صلى بهم العصر وقد حشدوا وحضر أهل العوالي وقد مات رجل من
الأنصار يقال له مالك بن عمرو من بني النجار فصلى عليه ثم دخل منزله
وصف الناس له ينتظرون خروجه فقال لهم سعد بن معاذ وأسيد بن حضير
استكرهتم رسول الله ص على الخروج فردوا الامر إليه وخرج رسول الله
ص وقد تعمم ولبس لامته وظاهر بين درعين وأظهر الدرع وحزم وسطها
بمنطقة من أدم من حمائل سيفه وتقلد السيف وتنكب القوس والقى الترس
في ظهره وقد ندم الناس فقالوا يا رسول الله استكرهناك ولم يكن ذلك لنا
فان شئت فاقعد فقال ما ينبغي لنبي إذا لبس لامته ان يضعها حتى يقاتل.
واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم على الصلاة ودعا بثلاثة رماح وعقد
ثلاثة ألوية لواء المهاجرين بيد علي بن أبي طالب ولواء الأوس بيد أسيد بن
حضير ولواء الخزرج بيد الحباب بن المنذر وقيل بيد سعد بن عبادة.
وركب ص فرسه واخذ بيده قناة زجها في شبه وخرج في ألف من
أصحابه فيهم مائة دارع ومعهم فرسان فرس لرسول الله ص وفرس لأبي
بردة بن نبار والظاهر أنهم خرجوا مشاة هكذا ذكر الطبري وغيره انه كان
معهم فرسان ولكنه ذكر بعد ذلك كما يأتي انه أمر الزبير على الخيل ومعه
المقداد وبعثه وقال استقبل خالدا فكن بازائه وامر بخيل أخرى فكانوا من
جانب آخر وهو صريح في أنه كان معهم عدة خيول. وخرج السعدان
أمامه يعدوان: سعد بن معاذ وسعد بن عبادة والناس عن يمينه وشماله فلما

(١) فكان عمه حمزة.
(٢) وكان ذلك طلحة بن أبي طلحة وكان يسمى كبش الكتيبة قتله علي بن أبي طالب كما ستعرف
(٢٥٣)

انتهى إلى رأس الثنية التفت فنظر إلى كتيبة خشاء لها زجل خلفه فقال ما
هذه قيل حلفاء ابن أبي من اليهود فقال لا نستنصر باهل الشرك على أهل
الشرك فرجعت. ومضى حتى اتى الشيخين وهما اطمان (١) كانا في الجاهلية
فيهما شيخ أعمى وعجوز عمياء يهوديان يتحدثان فسمي الاطمان الشيخين
فعرض عسكره بالشيخين فرد غلمانا استصغرهم منهم عبد الله بن عمر
وزيد بن ثابت وأسامة بن زيد والنعمان بن بشير وزيد بن أرقم والبراء بن
عازب وعرابة بن أوس الذي يقول فيه الشماخ:
- رأيت عرابة الأوسي يسمو * إلى الخيرات منقطع القرين -
- إذا ما راية رفعت لمجد * تلقاها عرابة باليمين -
وأبو سعيد الخدري وسمرة بن جندب ورافع بن خديج فقيل له ان
رافعا رام قال رافع فجعلت أتطاول وعلي خفان لي فأجازني رسول الله ص
فقال سمرة بن جندب لزوج امه مري بن سنان يا أبه أجاز رسول الله ص
رافعا وردني وانا أصرعه فقال يا رسول الله رددت ابني وأجزت رافعا وابني
يصرعه فقال تصارعا فصرعه سمرة فاجازه. وفرع رسول الله ص من
عرض الجيش وغابت الشمس فاذن بلال بالمغرب ثم العشاء فصلى بهم
النبي ص وبات هناك ورسول الله ص نازل في بني النجار واستعمل على
الحرس محمد بن مسلمة في خمسين رجلا يطيفون بالعسكر وقام ذكوان بن
عبد القيس يحرس رسول الله ص تلك الليلة فلما كان السحر
أدلج رسول الله فحانت صلاة الصبح بالشوط حائط أي بستان بين
المدينة واحد فاذن بلال وصلى بأصحابه صفوفا ومن ذلك المكان
انخزل عبد الله بن أبي بن سلول ومن معه من أهل النفاق وهم
ثلثمائة وهو يقول عصاني وأطاع الولدان ومن لا رأي له سيعلم، ما
ندري علا م نقتل أنفسنا ارجعوا أيها الناس فرجعوا فبقي رسول الله
ص في سبعمائة وتبعهم عبد الله بن عمرو بن حرام والد جابر بن عبد الله
وكان في الخزرج كعبد الله بن أبي من رؤسائهم يقول: يا قوم
أذكركم الله ان تخذلوا قومكم ونبيكم وقد شرطتم له ان تمنعوه مما تمنعون منه
أنفسكم وأولادكم ونساءكم فقال ابن أبي مخادعة واستهزاء ما ارى أنه يكون
بينهم قتال وان أطعتني يا أبا جابر لترجعن فلما أبوا ودخلوا أزقة المدينة قال
لهم أبعدكم الله إن الله سيغني النبي والمؤمنين عن نصركم ورجع يركض
فلما أصيب أصحاب رسول الله ص سر ابن أبي وأظهر الشماتة ولما رجع ابن
أبي بمن معه اختلفت طائفتان من الأنصار بينهم وهما بنو حارثة من الأوس
وبنو سلمة من الخزرج قالت إحداهما نقتلهم وخالفتها الأخرى فنزلت فما
لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا وقيل لما رأى بنو سلمة وبنو
حارثة ابن أبي قد خذل هموا بالانصراف وكانوا جناحين من العسكر ثم
عصمهما الله فنزلت إذ همت طائفتان منكم ان تفشلا الآية. وسار
رسول الله ص من الشوط فقال من يدلنا على الطريق ويخرجنا على القوم من
كثب فقال أبو حثمة الحارثي انا يا رسول الله فسلك بهم في بني حارثة ثم
اخذ في الأموال حتى مر بحائط مربع بن قيظي وكان أعمى البصر منافقا
فقام يحثو التراب في وجوه المسلمين ويقول إن كنت رسول فلا تدخل
حائطي فلا أحله لك واخذ حفنة من تراب وقال والله لو اعلم اني لا أصيب
بها غيرك يا محمد لضربت بها وجهك فضربه سعد بن زيد الأشهلي بقوس
في يده فشجه في رأسه وأرادوا قتله فقال ص دعوه فإنه أعمى البصر أعمى
القلب فغضب له بعض بني حارثة فاجابه أسيد بن حضير فنهاهم النبي ص
عن الكلام فاسكتوا ومضى رسول الله ص فبينما هو في مسيره إذ ذب فرس
أبي برده بن نيار بذنبه فأصاب كلاب سيف فسله فقال ص يا صاحب
السيف شم سيفك فاني أخال السيوف ستسل اليوم فيكثر سلها وكان ص
يحب الفال ويكره الطيرة. ولبس ص من الشيخين درعا واحدا حتى انتهى
إلى أحد فلبس درعا أخرى ومغفرا وبيضة فوق المغفر فلما نهض من
الشيخين زحف المشركون على تعبية وجعل رسول الله ص أحدا خلف ظهره
واستقبل المدينة واقبل المشركون فاستدبروا المدينة في الوادي واستقبلوا أحدا
وصفوا صفوفهم واستعملوا على الميمنة خالد بن الوليد وعلى الميسرة
عكرمة بن أبي جهل ولهم مجنبتان مائتا فرس مائة في الميمنة ومائة في الميسرة
وجعلوا على الخيل صفوان بن أمية ويقال عمرو بن العاص وعلى الرماة عبد
الله بن أبي ربيعة وكانوا مائة رام ودفعوا اللواء إلى طلحة بن أبي طلحة واسم
أبي طلحة عثمان من بني عبد الدار لأن لواء قريش كان لهم في الجاهلية لا
يحمله غيرهم، وصاح أبو سفيان: يا بني عبد الدار نحن نعرف انكم أحق
باللواء منا وانما آتينا يوم بدر من اللواء وانما يؤتى القوم من قبل لوائهم
فالزموا لواءكم وحافظوا عليه أو خلوا بيننا وبينه، يحرضهم بذلك على
القتال، فغضبت بنو عبد الدار وقالوا نحن نسلم لواءنا لا كان هذا ابدا،
فقال أبو سفيان فنجعل لواء آخر قالوا نعم ولا يحمله الا رجل من بني عبد
الدار لا كان غير ذلك ابدا.
وعبى رسول الله ص أصحابه وجعل ميمنة وميسرة وجعل يمشي على
رجليه يسوي الصفوف ويبوئ أصحابه مقاعد للقتال، يقول تقدم يا فلان
وتأخر يا فلان حتى أنه ليرى منكب الرجل خارجا فيؤخره فهو يقومهم كما
تقوم القداح فلما استوت الصفوف سال من يحمل لواء المشركين قيل بنو عبد
الدار، قال نحن أحق بالوفاء منهم وكان اللواء مع علي ع فأعطاه
مصعب بن عمير لأنه من بني عبد الدار فلما قتل مصعب رده إلى علي ع:
قال المفيد: كانت راية رسول الله ص في هذه الغزاة بيد أمير
المؤمنين علي بن أبي طالب ع كما كانت بيده يوم بدر ثم صار اللواء إليه
فكان صاحب الراية واللواء جميعا اه‍ والراية هي العلم الأكبر واللواء
دونها في المصباح المنير. لواء الجيش علمه وهو دون الراية اه‍ (٢) ويأتي
في سيرة أمير المؤمنين ع زيادة على هذا في أمر الراية واللواء. ووقف
النبي ص تحت راية الأنصار وفيه من السياسة وحسن التدبير ومعرفة الحق
لأهله ما لا يخفى. قال الطبري وامر الزبير على الخيل ومعه يومئذ المقداد بن
الأسود الكندي وخرج حمزة بالجيش بين يديه واقبل خالد بن الوليد على
خيل المشركين ومعه عكرمة بن أبي جهل فبعث رسول الله ص الزبير وقال
استقبل خالد بن الوليد فكن بازائه حتى أوذنك وامر بخيل أخرى فكانوا من
جانب آخر وقال لا تبرحن حتى أوذنكم اه‍ وهذا ينافي ما مر انه لم يكن
معه ص غير فرسين.
وأرسل أبو سفيان إلى الأنصار يقول خلوا بيننا وبين ابن عمنا
فننصرف عنكم فلا حاجة لنا إلى قتالكم فردوا عليه ما يكره.
وجعل رسول الله ص الرماة خلف العسكر على جبل هناك عند فم
الشعب وكانوا خمسين رجلا وأمر عليهم عبد الله بن جبير وقال انضح الخيل
عنا بالنبل لا يأتوننا من خلفنا فان الخيل لا تقدم على النبل وأثبت مكانك
إن كانت لنا أو علينا فانا لا نزال غالبين ما مكثتم مكانكم وفي رواية إن

(١) تثنية اطم بضم الهمزة وسكون الطاء أو بضمها وهو الحصن.
(٢) هذا لا ينافي ما يظهر من القاموس وغيره من كتب اللغة من اتحاد الراية واللواء فإنه مبني على
ما تعارف بين اللغويين من التفسير بالأعم. المؤلف -
(٢٥٤)

رأيتمونا قد غنمنا فلا تشركونا وإن رأيتمونا نقتل فلا تنصرونا وفي أخرى
إن رأيتمونا قد هزمناهم حتى أدخلناهم مكة فلا تبرحوا من هذا المكان وإن
رأيتموهم قد هزمونا حتى ادخلونا المدينة فلا تبرحوا والزموا مراكزكم
اه‍ ومنه يعلم كيف بالغ النبي ص في ايصائهم بعدم اخلاء مراكزهم
غاية المبالغة وما في ذلك من التدبير الحربي العظيم وكيف كانت المصيبة
العظمى يوم أحد بسبب مخالفتهم النبي ص ولولا ذلك لتمت لهم النصرة
على المشركين.
ثم إنه ص قام فخطب الناس خطبة اقتصرنا منها على ما له علاقة
بالحرب فقط فقال: أيها الناس أوصيكم بما أوصاني به الله في كتابه من
العمل بطاعته والتناهي عن محارمه انكم اليوم بمنزل اجر وذخر لمن ذكر
الذي عليه ثم وطن نفسه على الصبر واليقين والجد والنشاط فان جهاد العدو
شديد شديد كربه قليل من يصبر عليه إلا من عزم له على رشده إن الله مع
من أطاعه وإن الشيطان مع من عصاه فاستفتحوا أعمالكم بالصبر على
الجهاد والتمسوا بذلك ما وعدكم الله وعليكم بالذي آمركم به فاني حريص
على رشدكم إن الاختلاف والتنازع والتثبيط من أمر العجز والضعف وهو مما
لا يحبه الله ولا يعطي عليه النصر والظفر والمؤمن من المؤمن كالرأس من
الجسد إذا اشتكى تداعى عليه سائر الجسد والسلام عليكم.
واخرج ص سيفا مكتوبا في إحدى صفحتيه:
- في الجبن عار وفي الاقبال مكرمة * والمرء بالجبن لا ينجو من القدر -
وقال من يأخذ هذا السيف بحقه فقام جماعة فلم يعطه لهم فقام أبو
دجانة الأنصاري فقال وما حقه يا رسول الله قال تضرب به في وجه العدو
حتى ينحني قال أنا آخذه بحقه فدفعه إليه وكان يختال عند الحرب فقال ص
انها لمشية يبغضها الله إلا في هذا الموطن.
وجعلت هند ومن معها من نساء المشركين قبل أن يلتقي الجمعان
يقفن امام صفوف المشركين يضربن بالطبول والدفوف ثم يرجعن إلى مؤخر
الصف حتى إذا دنوا من المسلمين تأخر النساء فقمن خلف الصفوف وكلما
ولى رجل حرضنه وذكرنه قتلى بدر وهند تقول وهي ومن معها يضربن
بالطبول والدفوف خلف الصفوف:
- نحن بنات طارق * نمشي على النمارق -
- مشي القطا البوارق * المسك في المفارق -
- والدر في المخانق * إن تقبلوا نعانق -
- أو تدبروا نفارق * فراق غير وامق -
وفي لسان العرب عن ابن بري أن الشعر لهند بنت بياضة بن
رباح بن طارق الأيادي قالته يوم أحد تحض على الحرب وهو قولها: نحن
بنات طارق.
وأول من أنشب الحرب بينهم أبو عامر الراهب طلع في خمسين من
قومه معه عبيد قريش فنادى بالأوس قال أنا أبو عامر قالوا لا مرحبا بك ولا
أهلا يا فاسق قال لقد أصاب قومي بعدي شر فتراموا بالحجارة والسهام هم
والمسلمون ثم ولى أبو عامر وأصحابه. ثم دنا القوم بعضهم من بعض
والرماة يرشقون خيل المشركين بالنبل فترجع.
وبرز طلحة بن أبي طلحة صاحب لواء المشركين فصاح من يبارز فبرز
إليه علي بن أبي طالب ع فبدره علي بضربة على رأسه فمضى السيف
حتى فلق هامته إلى أن انتهى إلى لحيته فوقع وفي رواية تأتي أن عليا ضربه
على فخذيه فقطعهما فسقط وانصرف علي ع فقيل له هلا دففت عليه
فقال أنه لما صرع استقبلني بعورته فعطفتني عليه الرحم وقد علمت أن الله
سيقتله هو كبش الكتيبة يشير إلى رؤيا النبي ص المتقدمة فلما قتل طلحة
سر رسول الله ص وكبر تكبيرا عاليا وكبر المسلمون ثم شد أصحاب رسول
الله ص على كتائب المشركين حتى انتقضت صفوفهم وفي كيفية قتله روايات
أخر تأتي في سيرة علي ع انش وفي ترتيب أسماء من أخذ اللواء بعد
طلحة وعددهم ومن قتلهم بعض الاختلاف بين المؤرخين لكنهم اتفقوا على
أن طلحة قتله علي بن أبي طالب.
وقد أغرب الدكتور محمد حسين هيكل في كتابه حياة محمد في هذا
المقام فذكر أن طلحة قتله حمزة مع اتفاق من رأينا كلامهم من المؤرخين على
أنه قتله علي ع ثم أنه لم يأت على ذكر علي في هذا المقام أصلا ونسب
انهزام المشركين إلى قتال حمزة وأبي دجانة مع أنك ستعرف أن انهزامهم بقتل
طلحة الذي قتله علي وقتل أصحاب اللواء كلهم على أصح الروايات ثم
استمر على عدم ذكر علي بشئ حتى ذكر أمر الهزيمة فقال وكان أكبر هم كل
مسلم أن ينجو بنفسه الا من عصم الله من أمثال علي بن أبي طالب فساواه
بغيره مع أن الحق الذي لا يرتاب فيه أنه لم يكن له مماثل واحد فضلا عن
أمثال ثم لم يذكر لعلي أثرا غير ذلك سوى أنه أسرع إلى النبي ص لما وقع في
الحفرة التي حفرها أبو عامر فاخذ بيده ورفعه طلحة ثم ذكر أنه كان حول
النبي ص جماعة وعد منهم علي بن أبي طالب غير مميز له بشئ ومسدلا
الستر على مميزاته وخصائصه التي انفرد بها في تلك الوقعة مساويا له بمن لا
يساويه ولا يدانيه.
قال الواقدي: ثم حمل لواء المشركين بعد طلحة اخوه عثمان بن أبي
طلحة وقال:
- إن على رب اللواء حقا * ان تخضب الصعدة أو يندقا -
فتقدم باللواء والنسوة خلفه يحرضن ويضربن بالدفوف فحمل عليه
حمزة بن عبد المطلب فضربه بالسيف على كاهله فقطع يده وكتفه حتى انتهى
إلى مؤزره فبدا سحره أي رئته ورجع فقال أنا ابن ساقي الحجيج.
ثم حمل اللواء أخوهما أبو سعد أو أبو سعيد بن أبي طلحة فرماه
سعد بن أبي وقاص فأصاب حنجرته فأدلع لسانه فقتله. قال سعد:
واخذت سلبه ودرعه فنهض إلى سبيع بن عبد عوف ونفر معه فمنعوني وكان
أجود سلب رجل من المشركين درع فضفاضة أي واسعة ومغفر وسيف
جيد ولكن حيل بيني وبينه: قال ابن أبي الحديد شتان بين علي وسعد هذا
يداحش على السلب ويتأسف على فواته وذلك يقتل عمرو بن عبد ود يوم
الخندق وهو فارس قريش وصنديدها مبارزة فيعرض عن سلبه فيقال له
كيف تركت سلبه وهو أنفس سلب فقال كرهت أن ابز السري ثيابه فكان
حبيبا عناه بقوله:
- إن الأسود اسود الغاب همتها * يوم الكريهة في المسلوب لا السلب -
ثم حمل لواء المشركين بعد أبي سعد مسافع بن طلحة بن أبي طلحة
فرماه عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح فقتله فنذرت امه سلافة وكانت مع
النساء أن تشرب في قحف رأس عاصم الخمر وجعلت لمن جاءها به مائة
(٢٥٥)

من الإبل فلما قتله المشركون يوم الرجيع أرادوا أن يأخذوا رأسه فيحملوه إلى
سلافة فحمته الدبر يومه ذلك فتركوه إلى الليل لظنهم أن الدبر لا تحميه ليلا
فجاء سيل عظيم فذهب برأسه وبدنه اتفق على ذلك المؤرخون.
ثم حمله أخوه الحارث بن طلحة بن أبي طلحة فرماه عاصم بن ثابت
فقتله ثم حمله اخوهما كلاب بن طلحة بن أبي طلحة فقتله الزبير بن العوام
وقال ابن الأثير قتله عاصم بن ثابت ثم حمله اخوهم الجلاس بن طلحة بن
أبي طلحة فقتله طلحة بن عبيد الله.
ثم حمله أرطأة بن شرحبيل فقتله علي بن أبي طالب. ثم حمله
شريح بن قارظ أو فارط بن شريح بن عثمان بن عبد الدار ويروي قاسط
بالسين والطاء المهملتين فقتل قال الواقدي لا يدري من قتله وقال البلاذري
قتله علي بن أبي طالب.
ثم حمله غلام لهم اسمه صواب فقتله علي بن أبي طالب فسقط اللواء
فلم يزل مطروحا حتى أخذته عمرة بنت علقمة الحارثية فرفعته لقريش
فلاذوا به. وفي ارشاد المفيد بسنده الآتي عن ابن مسعود أن الذي اخذ
اللواء بعد طلحة أخ له يقال له مصعب فرماه عاصم بن ثابت بسهم فقتله
ثم اخذه أخ له يقال له عثمان فرماه عاصم أيضا بسهم فقتله فاخذه عبد
لهم يقال له صواب وكان من أشد الناس فضربه علي ع على يده فقطعها
فاخذ اللواء بيده اليسرى فضربه علي ع على يده اليسرى فقطعها فاخذ
اللواء على صدره وجمع يديه وهما مقطوعتان عليه فضربه علي ع على أم
رأسه فسقط صريعا اه‍.
هذا ولكن الطبري روى ما يدل على أن الذي قتل أصحاب الألوية
هو علي بن أبي طالب. قال حدثنا أبو كريب حدثنا عثمان بن سعيد حدثنا
حبان بن علي عن محمد بن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه عن جده قال لما
قتل علي بن أبي طالب أصحاب الألوية بصر رسول الله ص جماعة من
المشركين فقال لعلي احمل عليهم فحمل عليهم ففرق جمعهم وقتل عمرو بن
عبد الله الجمحي ثم أبصر ص جماعة من المشركين فقال لعلي احمل عليهم
فحمل عليهم ففرق جماعتهم وقتل شيبة بن مالك أحد بني عامر بن لؤي.
وفي ارشاد المفيد: روى الحسن بن محبوب حدثنا جميل بن صالح عن
أبي عبيدة عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عن أبيه ع قال:
كان أصحاب اللواء يوم أحد تسعة قتلهم علي بن أبي طالب عن آخرهم
وانهزم القوم وطارت مخزوم فضحها علي يومئذ السند صحيح. وفي
تفسير علي بن إبراهيم قال: كانت راية قريش مع طلحة بن أبي طلحة
العبدري من بني عبد الدار فبرز ونادى يا محمد تزعمون أنكم تجهزوننا
بأسيافكم إلى النار ونجهزكم بأسيافنا إلى الجنة فمن شاء أن يلحق بجنته
فليبرز إلي فبرز إليه أمير المؤمنين فقال له طلحة من أنت يا غلام قال أنا
علي بن أبي طالب قال قد علمت يا قضيم (١) أنه لا يجسر علي أحد غيرك
وشد عليه طلحة فضربه فاتقاه علي ع بالحجفة ثم ضربه علي ع على
فخذيه فقطعهما فسقط على ظهره وسقطت الراية فذهب علي ليجهز عليه
فحلفه بالرحم فانصرف عنه فقال المسلمون ألا أجهزت عليه قال قد ضربته
ضربة لا يعيش معها ابدا ثم اخذ الراية أبو سعيد بن أبي طلحة فقتله علي
ع وسقطت رايته إلى الأرض فاخذها عثمان بن أبي طلحة فقتله علي
ع وسقطت الراية إلى الأرض فاخذها مسافع بن أبي طلحة فقتله علي
ع وسقطت الراية إلى الأرض فاخذها الحارث بن أبي طلحة فقتله علي
ع وسقطت الراية إلى الأرض فاخذها أبو عزيز بن عثمان فقتله علي
ع وسقطت الراية إلى الأرض فاخذها عبد الله بن أبي جميلة بن زهير
فقتله علي ع وسقطت الراية إلى الأرض فقتل أمير المؤمنين ع
التاسع (٢) من بني عبد الدار وهو أرطأة بن شرحبيل فبارزه علي ع وقتله
وسقطت الراية إلى الأرض فاخذها مولاهم صواب فضربه أمير المؤمنين
ع على يمينه فقطعها وسقطت الراية إلى الأرض فاخذها بشماله فضربه
أمير المؤمنين ع على شماله فقطعها وسقطت الراية إلى الأرض فاحتضنها
بيديه المقطوعتين ثم قال يا بني عبد الدار هل أعذرت فضربه أمير المؤمنين
ع على رأسه فقتله وسقطت الراية إلى الأرض فأخذتها عمرة بنت علقمة
الحارثية ونظرت قريش في هزيمتها إلى الراية قد رفعت فلاذوا بها اه‍
وفي رواية المفيد عن محمد بن إسحاق وتأتي بسندها في سيرة علي ع أنه
قتل خالد بن أبي طلحة بعد طلحة وأبي سعيد. وخالد هذا لم يرد له ذكر في
غير هذه الرواية ولعله هو أبو عزيز بن عثمان المذكور في رواية علي بن
إبراهيم.
وبعد ما رأينا اختلاف المؤرخين فيمن عدا طلحة بن أبي طلحة من
أصحاب اللواء في عددهم وفيمن قتلهم وترتيب قتلهم بحيث لا يكاد يتفق
اثنان منهم كابن سعد والطبري والواقدي وابن الأثير وغيرهم كما عرفت
وستعرف لا نستبعد أن يكون التحامل على علي بن أبي طالب الذي هو
فاش في الناس في كل عصر حمل البعض على نقل ما ينافي قتله جميع
أصحاب اللواء وما علينا إلا أن نأخذ بالرواية المتقدمة عن الباقر ع أنه
ع قتل أصحاب اللواء التسعة لصحة سندها.
قال ابن الأثير: وبرز عبد الرحمن بن أبي بكر وكان مع المشركين
وطلب المبارزة فأراد أبو بكر أن يبرز إليه فقال له رسول الله ص شم سيفك
وأمتعنا بك.
وقال أبو سفيان لخالد بن الوليد وهو في مائتي فارس: إذا رأيتمونا قد
اختلطنا بهم فاخرجوا عليهم من هذا الشعب حتى تكونوا من ورائهم وكان
خالد بن الوليد كلما اتى من قبل يسرة النبي ص ليجوز حتى يأتيهم من قبل
السفح رده الرماة حتى فعل وفعلوا ذلك مرارا قال الطبري واقتتل الناس
حتى حميت الحرب وقاتل أبو دجانة حتى أمعن في الناس وحمزة بن عبد
المطلب وعلي بن أبي طالب في رجال من المسلمين فأنزل الله عز وجل عليهم
نصره وصدقهم وعده فحسوهم (٣) بالسيوف حتى كشفوهم وكانت الهزيمة لا
شك فيها اه‍ فلما قتل أصحاب اللواء انكشف المشركون منهزمين لا
يلوون على شئ وانتقضت صفوفهم ونساؤهم يدعين بالويل بعد الفرح
وضرب الدفوف. قال الزبير والله لقد رأيتني انظر إلى خدم (٤) هند بنت
عتبة وصواحبها مشمرات هوارب ما دون أخذهن قليل ولا كثير وقال البراء

(١) روى علي بن إبراهيم بسنده عن الصادق (ع) أنه سئل عن معنى قول طلحة يا قضيم فقال
أن رسول الله " ص " كان بمكة لم يجسر عليه أحد لمكان أبي طالب واغروا به الصبيان فكان إذا
خرج يرمونه بالحجارة والتراب فشكا ذلك إلى علي (ع) فقال بأبي أنت وأمي يا رسول الله
إذا خرجت فاخرجني معك فخرج معه فتعرض له الصبيان كعادتهم فحمل عليهم علي (ع)
وكان يقضمهم في وجوههم وآنافهم وآذانهم فكان الصبيان يرجعون باكين إلى آبائهم ويقولون
قضمنا علي فسمي لذلك القضيم.
(٢) عده تاسعا باعتبار عند صواب عبدهم معهم.
(٣) الحس القتل.
(٤) الخدم بفتح الخاء والدال جمع خدمة محركة وهي الخلخال والساق.
(٢٥٦)

حتى رأيت النساء قد رفعن عن سوقهن وبدت خلاخيلهن قال الواقدي
وقالوا ما ظفر الله تعالى نبيه في موطن قط ما ظفره وأصحابه يوم أحد حتى
عصوا الرسول ص ولما انهزم المشركون تبعهم المسلمون يضعون السلاح
فيهم حيث شاؤوا حتى اخرجوهم عن المعسكر ووقعوا ينتهبونه وياخذون ما
فيه من الغنائم فلما رآهم الرماة قال بعضهم لبعض لم تقيمون هاهنا في غير
شئ قد هزم الله العدو وهؤلاء اخوانكم ينتهبون عسكرهم فأدخلوا عسكر
المشركين فاغنموا معهم فقال بعضهم أ لم تعلموا أن رسول الله ص قال لكم
احموا ظهورنا وإن غنمنا فلا تشركونا فقال الآخرون لم يرد رسول الله هذا
وقد أذل الله المشركين وهزمهم فلما اختلفوا خطبهم أميرهم عبد الله بن جبير
وأمرهم بطاعة الرسول ص فعصوه وانطلقوا فلم يبق معه إلا نفر ما يبلغون
العشرة منهم الحارث بن أنس يقول يا قوم اذكروا عهد نبيكم إليكم وأطيعوا
أميركم فأبوا وذهبوا إلى عسكر المشركين ينهبون وخلوا الجبل وذلك قوله
تعالى ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم باذنه حتى إذا فشلتم وتنازعتم
في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم
من يريد الآخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم والله ذو فضل
على المؤمنين فنظر خالد بن الوليد إلى خلاء الجبل وقلة أهله فكر بالخيل
وتبعه عكرمة فانطلقا إلى موضع الرماة فحملوا عليهم فراماهم القوم حتى
أصيبوا وراماهم عبد الله بن جبير حتى فنيت نبله ثم طاعن بالرمح حتى
انكسر ثم كسر جفن سيفه فقاتل حتى قتل. ولما رأى المشركون خيلهم
تقاتل رجعوا من هزيمتهم وكروا على المسلمين من أمامهم وهم غارون آمنون
مشتغلون بالنهب وجعلوا المسلمين في مثل الحلقة وانتقضت صفوف
المسلمين وجعل يضرب بعضهم بعضا من العجلة والدهش حتى قتل اليمان
أبو حذيفة قتله المسلمون خطا وابنه يصيح أبي أبي فلم يسمعوه وكان رسول
الله ص خلفه بالمدينة هو وثابت بن وقس لأنهما شيخان كبيران فقال أحدهما
للآخر أ فلا نأخذ أسيافنا ثم نلحق برسول الله ص فجاءا حتى دخلا من قبل
المشركين أما ثابت فقتله المشركون وأما اليمان فقتله المسلمون وهم لا
يعرفونه فتصدق حذيفة بديته على المسلمين وقتل المسلمون قتلا ذريعا حتى
قتل منهم سبعون رجلا بعدد من قتل من المشركين يوم بدر أو أكثر وتفرقوا
في كل وجه وتركوا ما انتهبوا فاخذه المشركون وتركوا ما بأيديهم من اسراء
المشركين. وقاتل مصعب بن عمير دون رسول الله ص ومعه لواؤه حتى قتل
قتله ابن قميئة الليثي وهو يظنه رسول الله ص فرجع إلى قريش وهو يقول
قتلت محمدا فجعل الناس يقولون قتل محمد. فلما قتل مصعب بن عمير
أعطى رسول الله ص اللواء إلى علي بن أبي طالب وتفرق أكثر أصحاب
رسول الله ص عنه وقصده المشركون وجعلوا يحملون عليه يريدون قتله
وثبت رسول الله ص ما يزول يرمي عن قوسه حتى تكسرت قال ابن الأثير
وقاتل رسول الله ص يوم أحد قتالا شديدا فرمي بالنبل حتى فني نبله
وانكسرت سية قوسه وانقطع وتره. قال المفيد فيما رواه بسنده عن ابن
مسعود: وثبت معه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وأبو دجانة وسهل بن
حنيف يدفعون عنه ص ففتح عينيه وكان قد أغمي عليه مما ناله فقال يا علي
ما فعل الناس؟ قال نقضوا العهد وولوا الدبر قال اكفني هؤلاء الذين قد
قصدوا قصدي فحمل عليهم علي فكشفهم وعاد إليهم وقد حملوا عليه من
ناحية أخرى فكر عليهم فكشفهم وأبو دجانة وسهل بن حنيف قائمان على
رأسه بيد كل واحد منهما سيف ليذب عنه اه‍ وأتى ابن قميئة الحارثي
أحد بني الحارث بن عبد مناة فرمى رسول الله ص بحجر فكسر انفه
ورباعيته السفلى وشق شفته وشجه في وجهه فأثقله وعلاه بالسيف فلم يطق
أن يقطع وكلم رسول الله ص في وجنتيه حتى دخل فيهما من حلق المغفر وفي
جبهته في أصول شعره وجعل الدم يسيل على وجهه وهو يمسحه عن وجهه
ويقول كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم بالدم وهو يدعوهم إلى الله عز
وجل. قال الطبري: وتفرق عن رسول الله ص أصحابه ودخل بعضهم
المدينة وانطلق بعضهم فوق الجبل إلى الصخرة فقاموا عليها وفشا في الناس
أن رسول الله ص قد قتل فقال بعض أصحاب الصخرة ليت لنا رسول إلى
عبد الله بن أبي فيأخذ لنا امنة من أبي سفيان يا قوم أن محمدا قد قتل
فارجعوا إلى قومكم قبل أن يأتوكم فيقتلوكم اه‍ وهذا يدل على أن
القائل من المهاجرين: قال الطبري فقال الله عز وجل للذين قالوا هذا
القول: وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل أ فان مات أو قتل
انقلبتم على اعقابكم الآية.
قال الطبري وغيره: وفر عثمان بن عفان ومعه رجلان من الأنصار
حتى بلغوا الجلعب جبلا بناحية المدينة مما يلي الأغرض فاقاموا به ثلاثا فقال
لهم رسول الله ص لقد ذهبتم فيها عريضة اه‍ وفي رواية الواقدي انهم
انتهوا إلى مكان يسمى الأغرض فقال ص لهم ذلك.
وكانت هند بنت عتبة جعلت لوحشي جعلا على أن يقتل رسول الله
ص أو علي بن أبي طالب أو حمزة فقال اما محمد فلا حيلة لي فيه لأن
أصحابه يطيفون به واما علي فإنه إذا قاتل كان احذر من الذئب واما حمزة
فاني اطمع فيه لأنه إذا غضب لم يبصر بين يديه. قال وحشي والله إني
لأنظر إلى حمزة يهد الناس بسيفه ما يلقي أحدا يمر به إلا قتله فهززت حربتي
فرميته فوقعت في أربيته (١) حتى خرجت من بين رجليه واقبل نحوي فغلب
فوقع فأمهلته حتى إذا مات جئت فأخذت حربتي ثم تنحيت إلى العسكر
وجاء وحشي بعد فتح مكة إلى رسول الله ص فاظهر الاسلام فعفا عنه
رسول الله ص وقال له لا ترني وجهك، قال ابن هشام سكن حمص
وغلبت عليه الخمرة وقال أيضا بلغني أنه لم يزل يحد في الخمر حتى خلع من
الديوان اه‍.
قال الطبري: حدثنا ابن حميد حدثنا سلمة حدثني محمد بن إسحاق
حدثني القاسم بن عبد الرحمن بن رافع أخو بني عدي بن النجار قال انتهى
انس بن النضر عم انس بن مالك إلى عمر بن الخطاب وطلحة بن عبيد الله
في رجال من المهاجرين والأنصار وقد ألقوا بأيديهم فقال ما يجلسكم؟
قالوا: قتل محمد رسول الله، قال فما تصنعون بالحياة بعده؟! قوموا
فموتوا على ما مات عليه ثم قاتل حتى قتل.
قال ابن الأثير: وكانت أم أيمن حاضنة رسول الله ص ونساء من
الأنصار يسقين الماء فرماها حفانة بن العرقة بسهم فأصاب ذيلها فضحك
فدفع النبي ص سهما إلى سعد بن أبي وقاص وقال ارمه فرماه فاصابه
فضحك النبي ص.
قال الطبري: ووقعت هند وصواحبها على القتلى من أصحاب رسول
الله ص يمثلن بهم يجد عن الآذان والأنوف حتى اتخذت هند من آذان الرجال
وآنافهم خدما (٢) وقلائد وأعطت خدمها وقلائدها وقرطتها وحشيا وبقرت

(١) في القاموس الأربية بالضم أصل الفخذ.
(٢) الخدم الخلاخيلي.
(٢٥٧)

عن كبد حمزة فلاكتها فلم تستطع أن تسيغها فلفظتها. وقطعت انفه وأذنيه
وجعلت ذلك كالسوار في يديها وقلائد في عنقها حتى قدمت مكة.
قال ومر الحليس بن زبان بأبي سفيان وهو يضرب في شدق حمزة بزج
الرمح وهو يقول ذق عقق أي يا عاق فقال الحليس يا بني كنانة هذا سيد
قريش يصنع بابن عمه كما ترون لحما فقال اكتمها فإنها زلة.
واصعد رسول الله ص في الجبل مع جماعة من أصحابه فيهم علي بن
أبي طالب. قال ابن هشام وقع رسول الله ص في حفرة من الحفر التي
عملها أبو عامر ليقع فيها المسلمون وهم لا يعلمون فشجت ركبته فاخذ
علي بن أبي طالب بيده ورفعه طلحة بن عبيد الله حتى استوى قائما اه‍
وانطلق رسول الله ص حتى انتهى إلى أصحاب الصخرة فلما رأوه لم يعرفوه
وأراد رجل أن يرميه بسهم فقال أنا رسول الله فعرفوه وأراد أن يعلو الصخرة
وقد ظاهر بين درعين فلم يستطع فجلس تحته طلحة بن عبيد الله فنهض
حتى استوى عليها واقبل أبي بن خلف الجمحي وقد حلف ليقتلن النبي ص
فقال ص بل انا اقتله وشد أبي عليه بحربة فاخذها رسول الله ص منه وقتله
بها وروي أنه طعنه فجرح جرحا خفيفا فجزع جزعا شديدا فقيل له ما
يجزعك فقال أ ليس قال لأقتلنك فمات بعد يوم أو بضع يوم من ذلك
الجرح.
قال ابن هشام: لما انتهى رسول الله ص إلى فم الشعب خرج
علي بن أبي طالب حتى ملأ درقته ماء من المهراس فجاء به إلى رسول الله
ص ليشرب منه فوجد له ريحا فعافه ولم يشرب منه وغسل عن وجهه الدم
وصب على رأسه وقال ابن الأثير لما جرح ص جعل علي ينقل له الماء في
درقته من المهراس ويغسله فلم ينقطع الدم فاتت فاطمة وجعلت تعانقه
وتبكي وأحرقت حصيرا وجعلت على الجرح من رماده فانقطع. وأشرف أبو
سفيان على المسلمين فقال أ فيكم محمد فلم يجيبوه فظن أنه قتل فقيل له أنه
يسمع كلامك فعلم أنه حي وأن ابن قميئة كاذب في دعوى قتله فقال أعل
هبل فقال رسول الله ص: الله أعلى وأجل فقال أبو سفيان لنا العزى ولا
عزى لكم فقال رسول الله ص: الله مولانا ولا مولى لكم ثم قال أبو سفيان
هذا يوم بيوم بدر والحرب سجال وانصرف.
فلما انصرف أبو سفيان ومن معه بعث رسول الله ص علي بن أبي
طالب ع فقال اخرج في آثار القوم فانظر ما ذا يصنعون فان كانوا قد
اجتنبوا الخيل وامتطوا الإبل فإنهم يريدون مكة وإن ركبوا الخيل وساقوا
الإبل فهم يريدون المدينة فوالذي نفسي بيده لئن أرادوها لأسيرن إليهم
فيها ثم لأناجزنهم، قال علي: فخرجت في آثارهم فرأيتهم اجتنبوا الخيل
وامتطوا الإبل.
وفرع الناس لقتلاهم فقال رسول الله ص من ينظر لي ما فعل
سعد بن الربيع وهو من بني الحارث بن الخزرج أ في الاحياء هو أم في
الأموات فقال رجل من الأنصار انا انظر لك يا رسول الله ما فعل فنظر
فوجده جريحا في القتلى وبه رمق فقال له أن رسول الله ص امرني أن انظر له
أ في الأحياء أنت أم في الأموات، قال أنا في الأموات فابلغ رسول الله عني
السلام وقل له أن سعد بن الربيع يقول لك جزاك الله خير ما جزي نبي
عن أمته وأبلغ عني قومك السلام وقل لهم أن سعد بن الربيع يقول لكم أنه
لا عذر لكم عند الله إن خلص إلى نبيكم وفيكم عين تطرف ثم تنفس
فخرج منه مثل دم الجزور ومات، فجاء الأنصاري إلى رسول الله ص
فأخبره فقال ص رحم الله سعدا نصرنا حيا واوصى بنا ميتا ثم قال من له
علم بعمي حمزة؟ فقال الحارث بن الصمة: انا اعرف موضعه فجاء حتى
وقف عليه فكره أن يرجع إلى رسول الله ص فيخبره فقال رسول الله ص
لعلي ع اطلب عمك فكره أن يرجع إليه فخرج رسول الله ص بنفسه
حتى وقف عليه فوجده ببطن الوادي قد بقر بطنه عن كبده ومثل به فجدع
انفه وأذناه فلما رأى ما فعل به بكى ثم قال لن أصاب بمثلك، ما وقفت
موقفا قط أغبظ علي من هذا الموقف، وقال: رحمة الله عليك فإنك كنت ما
علمتك فعولا للخيرات وصولا للرحم ثم قال: لولا أن تحزن صفية أو
تكون سنة من بعدي لتركته حتى يكون في أجواف السباع وحواصل الطير (١)
ولئن اظهرني الله على قريش لأمثلن بثلاثين وفي رواية بسبعين رجلا منهم،
وقال المسلمون لنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب، فأنزل الله
تعالى: وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير
للصابرين، فعفا رسول الله ص وصبر ونهى عن المثلة. وفي السيرة الحلبية
عن ابن مسعود ما رأينا رسول الله ص باكيا أشد من بكائه على حمزة،
وضعه في القبلة ثم وقف على جنازته وانتحب حتى نشق اي شهق حتى بلغ
به الغشي، يقول: يا عم رسول الله وأسد الله وأسد رسول الله يا حمزة يا
فاعل الخيرات يا حمزة يا كاشف الكربات يا حمزة يا ذاب يا مانع عن وجه
رسول الله، والقى على حمزة بردة كانت عليه فكانت إذا مدها على رأسه
بدت رجلاه وإذا مدها على رجليه بدا رأسه فمدها على رأسه والقى على
رجليه الحشيش. وأقبلت صفية بنت عبد المطلب لتنظر إلى حمزة وكان
أخاها لأبيها وأمها فقال رسول الله ص لابنها الزبير بن العوام القها فارجعها
لا ترى ما بأخيها فلقيها الزبير واعلمها بأمر رسول الله ص فقالت ولم؟ وقد
بلغني أنه مثل بأخي وذلك في الله قليل أرضانا بما كان من ذلك لأحتسبن
لأصيرن، فقال خل سبيلها.
قال محمد بن إسحاق: واحتمل ناس من المسلمين قتلاهم إلى المدينة
فدفنوهم بها ثم نهى رسول الله ص عن ذلك وقال ادفنوهم حيث صرعوا
قال ابن الأثير وأمر أن يدفن الاثنان والثلاثة في القبر الواحد وأن يقدم إلى
القبلة أكثرهم قرآنا وصلى عليهم فكان كلما أتي بشهيد جعل حمزة معه وصلى
عليهما وقيل كان يجمع تسعة من الشهداء وحمزة عاشرهم فيصلي عليهم.
وقال ابن سعد في الطبقات كان كلما اتي بشهيد وضع إلى جنب حمزة فصلى
عليه وعلى الشهيد حتى صلى عليه سبعين مرة اه‍ وفي خطبة لأمير المؤمنين
ع أنه خصه رسول الله ص بسبعين تكبيرة وعليه فيمكن أن
يكون صلى عليه أربع عشرة مرة وكبر في كل مرة خمس مرات كما هو مذهب
أهل البيت ع ولعل رواية أنه صلى عليه سبعين مرة وقع فيها
اشتباه بين سبعين مرة وسبعين تكبيرة ثم أمر بدفنه وامر أن يدفن عمرو بن
الجموح وعبد الله بن حرام في قبر واحد وكانا متصافيين في الدنيا فلما دفن
الشهداء انصرف إلى المدينة فلقيته ابنة عمته حمنة ابنة جحش أخت زينب
بنت جحش أم المؤمنين وكانت أمها أميمة بنت عبد المطلب بن هاشم فقال
لها احتسبي، قالت من يا رسول الله؟ قال أخاك عبد الله فاسترجعت
واستغفرت له وهناته الشهادة، ثم قال لها احتسبي، قالت من يا رسول

(١) المقصود من تركه بغير دفن تأكله السباع والطيور إن لا يسكن الحزن عليه ليكون باعثا على
الأخذ بثاره وقيل ليشتد غضب الله على من فعل به ذلك ولو أشكل بوجوب دفن الميت
لأمكن دفعه بان ذلك من الفرض الغير الواقع.
(٢٥٨)

الله؟ قال خالك حمزة بن عبد المطلب فاسترجعت واستغفرت له وهناته
الشهادة، ثم قال لها احتسبي، قالت من يا رسول الله؟ قال زوجك
مصعب بن عمير، فقالت وا حزناه! وولولت وصاحت، فقال إن زوج
المرأة منها لبمكان ما هو لأحد. قال الطبري: ومر ص بدار من دور
الأنصار فسمع البكاء والنوائح على قتلاهم فذرفت عيناه فبكى وقال لكن
حمزة لا بواكي له، فرجع سعد بن معاذ واسيد بن حضير إلى دور بني عبد
الأشهل فأمرا نساءهم أن يتحزمن ثم يذهبن فيبكين على حمزة. وفي السيرة
الحلبية أن يذهبن إلى بيت رسول الله ص يبكين حمزة فلما رجع ص من
صلاة المغرب سمع البكاء فقال ما هذا؟ قيل نساء الأنصار يبكين حمزة،
فقال رضي الله عنكن وعن أولادكن وأمر بردهن إلى منازلهن وفي
رواية: فقال لهن ارجعن رحمكن الله لقد واسيتن معي، رحم الله
الأنصار فان المواساة فيهم كما علمت قديمة. وقال ابن سعد في الطبقات:
فهن إلى اليوم إذا مات الميت من الأنصار بدأ النساء فبكين على حمزة ثم
بكين على ميتهن. وروى الطبري أنه ص مر بامرأة من بني دينار وقد
أصيب زوجها واخوها وأبوها مع رسول الله ص بأحد فلما نعوهم لها قالت
فما فعل رسول الله ص؟ قالوا بحمد الله هو كما تحبين قالت ارونيه حتى
انظر إليه فلما رأته قالت كل مصيبة بعدك جلل قال الطبري: فلما انتهى
رسول الله ص إلى أهله ناول سيفه ابنته فاطمة وقال اغسلي عن هذا دمه يا
بنية وناولها علي ع سيفه فقال وهذا فاغسلي عنه فوالله لقد صدقني
اليوم، قال: وزعموا أن علي بن أبي طالب حين اعطى فاطمة ع
سيفه قال:
- أ فاطم هاك السيف غير ذميم * فلست برعديد ولا بمليم -
- لعمري لقد قاتلت في حب احمد * وطاعة رب بالعباد رحيم -
- وسيفي بكفي كالشهاب أهزه * اجذ به من عاتق وصميم -
- فما زلت حتى فض ربي جموعهم * وحتى شفينا نفس كل حليم -
وفي ارشاد المفيد: وانصرف المسلمون مع النبي ص إلى المدينة
فاستقبلته فاطمة ع ومعها اناء فيه ماء فغسل وجهه ولحقه أمير
المؤمنين ع وقد خضب الدم يده إلى كتفه ومعه ذو الفقار فناوله فاطمة
ع وقال لها خذي هذا السيف فقد صدقني اليوم وأنشأ يقول:
- أ فاطم هاك السيف غير ذميم * فلست برعديد ولا بمليم -
- لعمري لقد أعذرت في نصر احمد * وطاعة رب بالعباد عليم -
- اميطي دماء القوم عنه فإنه * سقى آل عبد الدار كأس حميم -
وقال رسول الله ص خذيه يا فاطمة فقد أدى بعلك ما عليه وقد قتل
الله بسيفه صناديد قريش اه‍.
وبات وجوه الأوس والخزرج تلك الليلة وهي ليلة الأحد في باب
رسول الله ص يحرسونه من البيات فيهم سعد بن عبادة وسعد بن معاذ
والخباب بن المنذر وقتادة بن النعمان وغيرهم.
غزوة حمراء الأسد
لما انصرف رسول الله ص من صلاة الصبح يوم الأحد لثمان ليال
خلون من شوال على رأس اثنين وثلاثين شهرا من مهاجره أمر بلالا أن
ينادي في الناس أن رسول الله ص يأمركم بطلب عدوكم ولا يخرج معنا الا
من حضر يومنا بالأمس فكلمه جابر بن عبد الله فقال إن أبي كان خلفني
على أخوات لي سبع وقال يا بني لا ينبغي لي ولك أن نترك هؤلاء النسوة
ولست أوثرك بالجهاد فاذن له رسول الله ص فدعا ص بلواء معقود لم يحل
فدفعه إلى علي بن أبي طالب وانما خرج ص مرهبا للعدو وليبلغهم خروجه
فيظنوا به قوة وإن الذي أصابهم لا يوهنهم عن عدوهم وكان ذلك من
التدابير الحربية العظيمة فخرج المسلمون معه والجراح فيهم فاشية وعامتهم
جرحى منهم من فيه سبع جراحات ومنهم تسع ومنهم عشر ومنهم ثلاث
عشرة حتى أن أخوين من الأنصار كانا جريحين وليس لهما دابة فخرجا وقالا
كيف تفوتنا غزوة مع رسول الله ص وكلاهما جريحان ثقيلان لكن أحدهما
أخف جرحا فكان إذا أعيا أحدهما حمله اخوه وخرج ص وهو مجروح في
وجهه وجبهته وشفته وركبتيه ومنكبه الأيمن متوهن بضربة ابن قميئة إلى أن
انتهى إلى حمراء الأسد وهي مكان على ثمانية أميال من المدينة فأقام بها
ثلاثا: الاثنين والثلاثاء والأربعاء ثم رجع إلى المدينة، وكان جل زادهم
التمر، وحمل سعد بن عبادة ثلاثين بعيرا تمرا وساق جزرا فكان ينحر في يوم
اثنين وفي يوم ثلاثاء، وبعث ص ثلاثة نفر طليعة في آثار القوم فانقطع
أحدهم ولحق الاثنان بقريش فبصروا بهما فقتلوهما وانتهى ص إلى مصرعهما
بحمراء الأسد فقبرهما. وجاء معبد الخزاعي وهو مشرك إلى النبي ص
وكانت خزاعة مسلمهم ومشركهم عيبة رسول الله ص فقال يا محمد لقد عز
علينا ما أصابك في أصحابك ونفسك ولوددنا أن الله تعالى أعلى كعبك،
وخرج من عند رسول الله ص بحمراء الأسد حتى اتى أبا سفيان وأصحابه
بالروحاء وقد اجمعوا الرجعة إلى رسول الله ص وأصحابه، فقال أبو سفيان
ما وراءك يا معبد؟ قال قد خرج محمد في أصحابه يطلبكم في جمع لم أر
مثله يتحرقون عليكم تحرقا واجتمع معه من كان تخلف عنه بالأمس، قال
ويلك ما تقول؟ قال ما أراك ترتحل حتى ترى نواصي الخيل، قال لقد
اجمعنا الكرة عليهم لنستأصل بقيتهم قال فاني أنهاك عن ذلك فوالله لقد
حملني ما رأيت على أن قلت فيه أبياتا من شعر قالوا وما هي فقال:
- كادت تهدمن الأصوات راحلتي * إذ سالت الأرض بالجرد الأبابيل -
- تردي بأسد كرام لا تنابلة * عند اللقاء ولا خرق معازيل -
- فظلت عدوا أظن الأرض مائلة * لما سموا برئيس غير مخذول -
- فقلت ويل ابن حرب من لقائكم * لكل ذي اربة منهم ومعقول -
فثنى ذلك أبا سفيان وأصحابه، ومر به ركب من عبد القيس فقال
أين تريدون؟ قالوا المدينة نريد الميرة، قال فهل أنتم مبلغون عني محمدا
رسالة واحمل لكم ابلكم هذه غدا زبيبا بعكاظ قالوا نعم قال أخبروه انا قد
اجمعنا المسير إليهم لنستأصل بقيتهم فلما أخبروه قال رسول الله ص
وأصحابه حسبنا الله ونعم الوكيل ثم انصرف ص إلى المدينة.
غزوة بني النضير
في ربيع الأول سنة أربع على رأس سبعة وثلاثين شهرا من مهاجره
وقد عرفت أن اليهود الذين كانوا بنواحي المدينة ثلاثة ابطن بنو النضير
وقريظة وقينقاع وكان بينهم وبين رسول الله ص عهد ومدة فنقضوا عهدهم
وكان سبب ذلك في بني النضير في نقض عهدهم أن أبا براء عامر بن
مالك بن جعفر ملاعب الأسنة سيد بني عامر بن صعصعة قدم على رسول
الله ص فاهدى له هدية فأبى أن يقبلها حتى يسلم فلم يسلم ولم يبعد
وأعجبه الاسلام وطلب من النبي ص أن يرسل جماعة إلى أهل نجد في
(٢٥٩)

جواره يدعونهم للاسلام فأرسل معه سبعين راكبا فقتلهم عامر بن الطفيل
ببئر معونة استصرخ عليهم القبائل ونجا منهم عمرو بن أمية الضمري
أطلقه بعد ما جز ناصيته فخرج عمرو ونزل معه رجلان من بني عامر في ظل
شجرة وكان معهما عقد وجوار من رسول الله ص لم يعلم به عمرو فلما ناما
قتلهما بمن قتله بنو عامر عند بئر معونة فلما بلغ ذلك رسول الله ص عزم على
أن يديهما فانطلق إلى بني النضير يستلفهم في ديتهما ومعه نفر من أصحابه
فقالوا نعم يا أبا القاسم وجلس إلى جانب جدار من بيوتهم وتأمروا على قتله
فقالوا من يعلو على هذا البيت فيلقي عليه صخرة يقتله بها ويريحنا منه
ونهاهم سلام بن مشكم وقال ليخبرن بما هممتم به وأنه نقض للعهد فلم
يقبلوا فانتدب لذلك رجل وصعد ليلقي الصخرة فجاءه ص الوحي بذلك
فنهض سريعا كأنه يريد حاجة فتوجه إلى المدينة ولحقه أصحابه فقالوا أ قمت
ولم نشعر قال همت يهود بالغدر وأخبرني الله بذلك فقمت، وأرسل إليهم
محمد بن مسلمة فقال اذهب إلى يهود فقل لهم اخرجوا من بلدي فلا
تساكنوني وقد هممتم بما هممتم به من الغدر وقد أجلتكم عشرا فمن رئي
بعد ذلك ضربت عنقه، فقالوا نتحمل فأرسل إليهم عبد الله بن أبي بن
سلول لا تفعلوا فان معي من العرب ومن قومي ألفين يدخلون معكم
وقريظة وحلفاؤكم من غطفان يدخلون معكم فطمع حيي بن أخطب سيد
بني النضير في ذلك ونهاه سلام بن مشكم أحد رؤسائهم وقال أن ابن أبي
يريد أن يورطكم في الهلكة ويجلس في بيته ألا تراه وعد بني قينقاع مثل ما
وعدكم وهم حلفاؤه فلم يف لهم فكيف يفي لنا ونحن حلفاء الأوس؟
فلم يقبل حيي وأرسل إلى رسول الله ص إنا لا نخرج من ديارنا فاصنع ما
بدا لك، فكبر ص وكبر المسلمون وقال حاربت يهود وتجهز لحربهم
واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم وكان أعمى فلذلك كان كثيرا ما
يستخلفه على المدينة لأنه لا يقدر على القتال ويقال انه كان يستخلفه على
الصلاة فقط بناء على عدم جواز قضاء الأعمى ولم يثبت، واعطى رايته
علي بن أبي طالب ع واعتزلتهم قريظة فلم تعنهم وخذلهم ابن أبي
وحلفاؤهم من غطفان وذلك قوله تعالى أ لم تر إلى الذين نافقوا يقولون
لاخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولا
نطيع فيكم أحدا ابدا وإن قوتلتم لننصرنكم والله يشهد أنهم لكاذبون لئن
اخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم ولئن نصروهم ليولن
الأدبار ثم لا ينصرون وقوله كمثل الشيطان إذ قال للانسان أكفر فلما
كفر قال إني برئ منك إني أخاف الله رب العالمين وسار ص بالناس حتى
نزل بهم فصلى العصر بفنائهم وقد تحصنوا وقاموا على حصنهم يرمون بالنبل
والحجارة. قال صاحب السيرة الحلبية وأمر بلالا فضرب القبة وهي من
خشب عليها مسوح وكان رجل من يهود اسمه عزور أو غزول وكان أعسر
راميا يبلغ نبله ما لا يبلغه نبل غيره فوصل نبله تلك القبة فامر بها
فحولت. وفقد علي قرب العشاء فقال الناس يا رسول الله ما نرى عليا
فقال دعوه فإنه في بعض شأنكم فعن قليل جاء برأس غزول كمن له على
حين خرج يطلب غرة من المسلمين ومعه جماعة فشد عليه فقتله وفر من كان
معه فأرسل رسول الله ص مع علي أبا دجانة وسهل بن حنيف في عشرة
فادركوهم وقتلوهم وذكر بعضهم أن أولئك الجماعة كانوا عشرة وانهم أتوا
برؤوسهم فطرحت في بعض الآبار وقال وفي هذا رد على بعض الرافضة
حيث ادعى ان عليا هو القاتل لأولئك العشرة اه‍ ونقول لم يدع أحد
من الشيعة أن عليا هو القاتل لهم وما الذي يدعوهم إلى دعوى غير
صحيحة وتفوق علي ع في الشجاعة أمر متواتر وفوق المتواتر فلا يحتاج
من يريد اثباته إلى الكذب وإنما يحتاج إلى الكذب من يدعي شجاعة لمن لم
يؤثر عنه أنه قتل أحدا في حرب من الحروب، ثم ألا يكفي في بلوع علي
أعلى درجات الشجاعة خروجه ليلا وحده لا يشعر به أحد لمقابلة عشرة
من الشجعان أقدموا هذا الاقدام وقتله رئيسهم وإحضاره رأسه وهزيمته التسعة
واقدامه ثانيا مع عدة عليهم حتى قتلوهم وجاءوا برؤوسهم ولولا مكانه ما
اجترؤوا عليهم أ فلا يكفي هذا كله حتى يدعي أحد الشيعة أنه قتل العشرة
وحده مع أن شيخ الشيعة وقدوتها محمد بن محمد بن النعمان الملقب بالمفيد
ذكر في ارشاده نحوا مما ذكره صاحب السيرة الحلبية ولم يقل أن عليا قتل
العشرة فقال: لما توجه رسول الله ص إلى بني النضير عمل على حصارهم
فضرب قبته في أقصى بني حطمة من البطحاء فلما أقبل الليل رماه رجل من
بني النضير بسهم فأصاب القبة فامر ص أن تحول قبته إلى السفح وأحاط بها
المهاجرون والأنصار فلما اختلط الظلام فقدوا عليا ع فقال الناس يا
رسول الله لا نرى عليا فقال أراه في بعض ما يصلح شأنكم فلم يلبث ان
جاء برأس اليهودي الذي رمي النبي ص ويقال له عزور فطرحه بين يدي
النبي ص فقال كيف صنعت فقال اني رأيت هذا الخبيث جريا شجاعا
فكمنت له وقلت ما أحراه أن يخرج إذا اختلط الليل يطلب منا غرة فاقبل
مصلتا بسيفه في تسعة نفر من اليهود فشددت عليه فقتلته وافلت أصحابه ولم
يبرحوا قريبا فابعث معي نفرا فاني أرجو أن أظفر بهم فبعث معه عشرة فيهم
أبو دجانة سماك بن حرشة وسهل بن حنيف فادركوهم قبل أن يلجوا
الحصن فقتلوهم وجاءوا برؤوسهم إلى النبي ص فامر أن تطرح في بعض
آبار بني حطمة وكان ذلك سبب فتح حصون بني النضير اه‍ (١).
وفي ذلك يقول الحاج هاشم الكعبي شاعر أهل البيت:
- وشللت عشرا فاقتنصت رئيسهم * وتركت تسعا للفرار عبيدا -
وحاصرهم ص خمسة عشر يوما وقيل أكثر وكان سعد بن عبادة في
تلك المدة يبعث التمر إلى المسلمين. وقطع ص نخلهم وحرق لهم نخلا
بالبويرة فنادوه يا محمد كنت تنهى عن الفساد وتعيبه فما بال قطع النخل
وتحريقها فأنزل الله تعالى ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها
فباذن الله وليخزي الفاسقين. واللينة واحدة اللين وهو نوع من النخل ويروى أن جميع ما قطع وحرق من النخل
ست نخلات، وقذف الله في
قلوبهم الرعب فقالوا نخرج عن بلادك، فقال لا اقبله اليوم ولكن اخرجوا
ولكم دماؤكم وما حملت الإبل من أموالكم إلا الحلقة أي آلة الحرب
فنزلوا على ذلك فكانوا يخربون بيوتهم بأيديهم فيهدم الرجل بيته عما
استحسن من باب ونجاف وغيرهما لئلا ينتفع بها المسلمون وكان المسلمون
أيضا يخربون مما يليهم وذلك قوله تعالى: هو الذي أخرج الذين كفروا
من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر أي خروجا مؤبدا ما ظننتم أن
يخرجوا وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فاتاهم الله من حيث لم
يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين

(١) قال المفيد وفي ذلك يقول حسان بن ثابت:
- لله أي كريهة أبليتها * ببني قريظة والنفوس تطلع -
- أردي رئيسهم وآب بتسعة * طورا يشلهم وطورا يدفع -
وهو صريح في أن ذلك أو مثله وقع مع بني قريظة وقيل فيه الشعر فكيف اورده في بني
النضير، لكن في النحار ببني نضير عوض ببني قريظة.
- المؤلف -
(٢٦٠)

فاعتبروا يا أولي الأبصار ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء لعذبهم في الدنيا
ولهم في الآخرة عذاب النار ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ومن يشاق الله فان
الله شديد العقاب فخرجوا إلى خيبر ومنهم من خرج إلى الشام فمن الذين
خرجوا إلى خيبر حيي بن اخطب وسلام بن أبي الحقيق وكنانة بن الربيع بن
أبي الحقيق وتحملوا على ستمائة بعير ووجد رسول الله ص عندهم خمسين درعا وخمسين
بيضة وثلثمائة وأربعين سيفا فاخذها.
غزوة بدر الموعد
لهلال ذي القعدة على رأس خمسة وأربعين شهرا من مهاجره ويقال
بدر الآخرة وبدر الصغرى مقابل بدر الأولى الكبرى وإنما سميت بدر الموعد
لأن أبا سفيان لما أراد أن ينصرف يوم أحد نادى الموعد بيننا وبينكم بدر
الصفراء رأس الحول وكانت سوقا للعرب تقوم لهلال ذي القعدة إلى ثمان
تخلوا منه وبعضهم يقول أن بدر الموعد كانت بعد ذات الرقاع الآتية لكن
ابن سعد قال إنها قبلها فلما دنا الموعد كره أبو سفيان الخروج وقدم نعيم ابن
مسعود الأشجعي مكة وهو مشرك فقال له أبو سفيان نجعل لك عشرين
بعيرا يضمنها لك سهيل بن عمرو على أن تخذل أصحاب محمد قال نعم
وحملوه على بعير فأسرع السير فأخبرهم بجمع أبي سفيان لهم وما معه من
العدة والسلاح فقال رسول الله ص والذي نفسي بيده لأخرجن وإن لم
يخرج معي أحد وذلك قوله تعالى الذين قال لهم الناس أن الناس قد جمعوا
لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل وهو من
استعمال لفظ الجمع في المفرد اطلق الناس وأراد نعيم بن مسعود، وأمثاله
في القرآن كثير، فخرج رسول الله ص في ألف وخمسمائة والخيل عشرة
أفراس وحمل لواءه علي بن أبي طالب وخرجوا ببضائع لهم وتجارات ووصلوا
بدرا ليلة هلال ذي القعدة فباعوها وربح الدرهم درهما وانصرفوا وقد سمع
الناس بمسيرهم وذلك قوله تعالى فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسهم
سوء وقال أبو سفيان لقريش نخرج فنسير ليلة أو ليلتين ثم نرجع فخرج
في ألفين ومعهم خمسون فرسا حتى انتهوا إلى مر الظهران ثم قال ارجعوا فان
هذا عام حدب ولا يصلحنا إلا عام خصب فرجعوا فسمى أهل مكة ذلك
الجيش جيش السويق، يقولون خرجوا يشربون السويق.
غزوة ذات الرقاع
في المحرم على رأس سبعة وأربعين شهرا من مهاجره ص بلغه أن
أنمارا وثعلبة قد جمعوا له الجموع بنجد فخرج إليهم ليلة السبت لعشر
خلون من المحرم في أربعمائة وقيل سبعمائة حتى أتى محالهم بذات الرقاع
وهو حبل فيه بقع حمرة وسواد وبياض فلذلك سميت ذلك الرقاع وقيل لأن
ستة من المسلمين كان بينهم بعير فنقبت أقدامهم فكانوا يلفون عليها الرقاع
أي الخرق فلم يجد في محالهم أحدا إلا نسوة فأخذهن وهربت الاعراب إلى
رؤوس الجبال وحضرت الصلاة فصلى بهم صلاة الخوف لأنه خاف من
الهجوم عليه في الصلاة فكانت أول صلاة خوف صلاها ثم رجع إلى المدينة
وغاب خمس عشرة ليلة وبعض قال إنها كانت قبل بدر الموعد كما مر.
غزوة دومة الجندل
في ربيع الأول على رأس تسعة وأربعين شهرا من مهاجره ص وهي
بلدة بينها وبين دمشق خمس ليال وبينها وبين المدينة خمس أو ست عشرة ليلة
بقرب تبوك وهي أقرب بلاد الشام إلى المدينة وهي التي تسمى اليوم الجوف
بلغه أن بها جمعا كثيرا يظلمون من مر بهم وأنهم يريدون أن يدنوا من المدينة
فخرج إليهم لخمس ليال بقين من ربيع الأول في ألف من المسلمين فكان
يسير الليل ويكمن النهار ومعه دليل من بني عذرة اسمه مذكور فلما دنا منهم
إذا آثار النعم والشاء فهجم على ماشيتهم ورعاتهم فأصاب من أصاب
وهرب من هرب وجاء الخبر أهل دومة فتفرقوا ونزل بساحتهم فلم يجد بها
أحدا وبث السرايا فرجعت ولم تصب أحدا وجاءت كل سرية بابل وأخذ
منهم رجل فسأله عنهم فقال هربوا حيث سمعوا أنك أخذت نعمهم فعرض
ع فأسلم ورجع ص إلى المدينة ولم يلق كيدا لعشر ليال بقين من
ربيع الآخر.
غزوة بني المصطلق
في شعبان سنة خمس من مهاجره وهم من خزاعة ويقال بلمصطلق
بالتخفيف مثل بلعنبر أي بني العنبر وغير ذلك وتسمى أيضا غزوة المريسيع
وهو بئر لهم بينها وبين الفرع نحو من يوم وكان رئيسهم الحارث بن أبي
ضرار دعا قومه ومن قدر عليه من العرب إلى حرب رسول الله ص فأجابوه
وتهيئوا فبلغ ذلك رسول الله ص فبعث بريدة بن الحصيب الأسلمي ليأتيه
بخبرهم واستاذنه أن يقول ما يتخلص به من شرهم فاذن له فاتاهم فقالوا
من الرجل؟ قال: رجل منكم قدمت لما بلغني من جمعكم لهذا الرجل
فأسير في قومي ومن أطاعني فنكون يدا واحدة حتى نستأصلهم، فقال له
الحارث فعجل علينا فركب ورجع إلى رسول الله ص فأخبره خبرهم فندب
رسول الله ص الناس إليهم فأسرعوا وقادوا ثلاثين فرسا عشرة في المهاجرين
وعشرين في الأنصار وخرج يوم الاثنين لليلتين خلتا من شعبان وخرج معه
بشر كثير من المنافقين لم يخرجوا في غزاة مثلها قط خرجوا طمعا في الغنائم
مع قرب المسافة وأصاب عينا للمشركين كان وجهه الحارث ليأتيه بخبر
رسول الله ص فسأله ص عنهم فلم يذكر من شأنهم شيئا فعرض عليه
الاسلام فأبى فامر ص بقتله فقتل وبلغ الحارث قتله فسئ بذلك ومن معه
وخافوا خوفا شديدا وتفرق عنهم من كان معهم من العرب وانتهى ص إلى
المريسيع فضرب عليه قبته وكان معه عائشة وأم سلمة وتهيئوا للقتال وصف
رسول الله ص أصحابه ثم دعاهم إلى الاسلام فأبوا فتراموا بالنبل ساعة ثم
أمر ص أصحابه فحملوا حملة رجل واحد فما أفلت منهم إنسان وقتل عشرة
منهم وأسر سائرهم فكتفوا ولم يقتل من المسلمين إلا رجل واحد قتله
المسلمون خطا وكان شعار المسلمين يا منصور أمت وأسر النساء والذرية
وغنم النعم وهي ألفا بعير وخمسة آلاف شاة والسبي مائتا أهل بيت،
وأسهم ص للفارس سهمين، للفرس سهم ولصاحبه سهم وللراجل
سهم. قال المفيد في الارشاد: كان من بلاء علي ع ببني المصطلق ما
اشتهر عند العلماء وكان الفتح له في هذه الغزاة بعد أن أصيب يومئذ ناس
من بني عبد المطلب فقتل علي ع رجلين من القوم وهما مالك وابنه
وأصاب ص منهم سبيا كثيرا قسمه في المسلمين وكان ممن أصيب من
السبايا: جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار سباها علي ع فجاء بها إلى
النبي ص بعد إسلام بقية القوم فقال الحارث يا رسول الله إن ابنتي لا تسبى
لأنها امرأة كريمة فقال له اذهب فخيرها، قال أحسنت وأحملت وجاء إليها
أبوها فقال لها يا بنية لا تفضحي قومك، قالت: قد اخترت الله ورسوله
فقال لها أبوها فعل الله بك وفعل فاعتقها رسول الله ص وجعلها من أزواجه
اه‍ وسماها جويرية وكان اسمها برة. وفي سيرة ابن هشام قتل علي بن
أبي طالب ع منهم رجلين مالكا وابنه اه‍.
(٢٦١)

وقال ابن سعد: كان السبي منهم من من عليه رسول الله ص بغير
فداء ومنهم من افتدى وقدموا المدينة ببعض السبي فقدم عليهم أهلوهم
فافتدوهم فلم تبق امرأة من بني المصطلق إلا رجعت إلى قومها وفي
رواية أنه ص لما تزوج جويرية قال المسلمون في بني المصطلق أصهار
رسول الله فاعتقوا ما بأيديهم. ووقع في هذه الغزاة عدة أمور غريبة منها
أنه تنازع سنان بن وبر الجهني حليف بني سالم من الأنصار وجهجاه بن
سعيد الغفاري على الماء فضرب جهجاه سنانا بيده فنادى سنان يا للأنصار
ونادى جهجاه يا لقريش يا لكنانة فأقبلت قريش سراعا وأقبلت الأوس
والخزرج وشهروا السلاح فتكلم في ذلك ناس من المهاجرين والأنصار حتى
ترك سنان حقه واصطلحوا فقال عبد الله بن أبي وكان منافقا وهو من
الأنصار من الخزرج: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ثم
أقبل على من حضره من قومه فقال هذا ما فعلتم بأنفسكم وفي رواية أنه
قال ما هؤلاء إلا كما قال الأول سمن كلبك يأكلك، وسمع ذلك زيد بن
أرقم فابلغ النبي ص قوله فامر بالرحيل ليشتغل الناس به عن ذلك، فتقدم
عبد الله بن عبد الله بن أبي الناس وكان خالص الايمان لم يكن كأبيه
ووقف لأبيه على الطريق فلما رآه أناخ به وقال لا أفارقك حتى تزعم أنك
الذليل ورسول الله ص العزيز فمر به رسول الله ص فقال دعه فلعمري
لنحسنن صحبته ما دام بين أظهرنا. وفيه نزلت يقولون لئن رجعنا إلى
المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن
المنافقين لا يعلمون وفي رواية أنه لما نزلت سورة المنافقين وفيها تكذيب
ابن أبي قال له أصحابه اذهب إلى رسول الله ص يستغفر لك فلوى رأسه
فنزلت وإذا قيل لهم تعالوا الآية. وفيها كان حديث الإفك وقول
أهل الإفك في عائشة، وغاب رسول الله ص ثمانية وعشرين يوما وقدم
المدينة لهلال شهر رمضان.
غزوة الخندق
وتسمى أيضا غزوة الأحزاب في ذي القعدة وقيل في شوال سنة خمس
من مهاجره ص قال المؤرخون: لما أجلي رسول الله ص بني النضير ساروا
إلى خيبر فخرج نفر من أشرافهم إلى مكة منهم حيي بن أخطب وسلام بن
مشكم وكنانة بن أبي الحقيق وغيرهم فألبوا قريشا ودعوهم إلى الخروج إلى
رسول الله ص فقال لهم أبو سفيان: مرحبا وأهلا أحب الناس إلينا من
أعاننا على عداوة محمد، وقالت لهم قريش: أنتم أهل الكتاب الأول
والعلم أخبرونا أ ديننا خير أم دين محمد فقالوا بل دينكم وذلك قوله تعالى
أ لم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت
ويقولون للذين كفروا هؤلاء اهدى من الذين آمنوا سبيلا الآية.
وعاهدوهم على قتاله ص ووعدوهم لذلك موعدا ثم أتوا غطفان وسليما
ففارقوهم على مثل ذلك وتجهزت قريش وجمعوا أحابيشهم ومن تبعهم من
العرب فكانوا أربعة آلاف وعقدوا اللواء في دار الندوة فحمله عثمان بن
طلحة بن أبي طلحة من بني عبد الدار وكان لهم حمل لواء قريش في الجاهلية
عند الحرب دون غيرهم ومنهم بنو شيبة سدنة الكعبة وأبوه كان صاحب
لوائهم يوم أحد فقتل، وقادوا ثلاثمائة فرس وكان معهم ألف وخمسمائة
بعير وخرجوا وقائدهم أبو سفيان ابن حرب بن أمية. ووافتهم بنو سليم بمر
الظهران سبعمائة وقائدهم سفيان بن عبد شمس حليف حرب بن أمية وهو
أبو أبي الأعور السلمي الذي كان مع معاوية بصفين وخرجت معهم بنو أسد
يقودهم صلحة بن خويلد وخرجت فزارة ألف يقودهم عيينة بن حصن
وخرجت أشجع أربعمائة يقودهم مسعود بن رخيلة وبنو مرة أربعمائة
يقودهم الحارث بن عوف وغيرهم. فكان جميع من ورد الخندق عشرة
آلاف وهم الأحزاب وكانوا ثلاثة عساكر ورئيس الكل أبو سفيان ولما تهيئوا
للخروج أتى ركب من خزاعة في أربع ليال فأخبروا رسول الله ص فأخبر
الناس وندبهم وشاورهم فأشار سلمان الفارسي بالخندق وقال إنا كنا بفارس
إذا حوصرنا خندقنا علينا فاعجب ذلك المسلمين فقطعه رسول الله ص
أربعين ذراعا بين كل عشرة، فاحتف المهاجرون والأنصار في سلمان
الفارسي كل يقول منا، فقال رسول الله ص: سلمان منا أهل البيت،
وجعلوا يعملون في الخندق مستعجلين يبادرون قدوم عدوهم، وعمل
رسول الله ص معهم بيده تنشيطا لهم ووكل بكل جانب قوما وفرغوا من
حفرة في ستة أيام وقيل أكثر: وكان رسول الله ص يقول وهم يحفرون:
اللهم لا خير إلا خير الآخرة فارحم الأنصار والمهاجرة فيجيبونه قائلين:
- نحن الذين بايعوا محمدا * على الجهاد ما بقينا أبدا -
ورفع المسلمون النساء والصبيان في الآطام، ولما فرع رسول الله ص
من الخندق أقبلت قريش فنزلت بمجتمع الأسيال، ونزلت غطفان ومن
تبعهم من أهل نجد إلى جانب أحد وخرج رسول الله ص يوم الاثنين لثمان
ليال مضين من ذي القعدة في ثلاثة آلاف وعسكر بهم إلى سفح سلع وهو
جبل فوق المدينة في شمالها وجعل سلعا خلف ظهره والخندق بينه وبين
القوم واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم. وكان اليهود كما مر ثلاثة
بطون معاهدين له ص فنقض بطنان منهم العهد: بنو قينقاع وبنو النضير
وبقيت قريظة فدس أبو سفيان حيي بن أخطب إلى بني قريظة لينقضوا
العهد ويكونوا معهم، فخرج حيي حتى أتى كعب بن أسد صاحب عقد
بني قريظة وعهدهم فاغلق كعب باب الحصن دونه فاستأذن عليه فأبى أن
يفتح له فناداه ويحك يا كعب افتح لي قال إنك أمرؤ مشئوم وقد عاهدت
محمدا فلست بناقض ما بيني وبينه ولم أر منه إلا وفاء وصدقا، قال ويحك
افتح لي أكلمك قال ما أنا بفاعل قال ما أغلقت باب الحصن إلا خوفا على
طعامك أن آكل منه فاحفظه ففتح له، فقال: جئتك بعز الدهر وببحر
طام، جئتك بقريش على قادتها وسادتها وبغطفان على قادتها وسادتها قد
عاهدوني وعاقدوني على أن لا يبرحوا حتى نستأصل محمدا ومن معه فقال
له: جئتني والله بذل الدهر وبجهام قد هراق ماءه فهو يرعد ويبرق ليس
فيه شئ فدعني وما أنا عليه فاني لم أر من محمد إلا صدقا ووفاء، فلم يزل
حيي بكعب يفتله في الذروة والغارب حتى سمح له على أن أعطاه عهدا
وميثاقا لئن رجعت قريش وغطفان ولم يصيبوا محمدا أن ادخل معك في
حصنك حتى يصيبني ما أصابك، فنقض كعب بن أسد عهده ومحا الكتاب
الذي فيه العهد وقبل شقه فبلغ ذلك رسول الله ص فأرسل جماعة يأتونه
بالخبر وأوصاهم إن كان ما بلغه حقا لحنوا له ولم يصرحوا وإن كانوا على
الوفاء أخبروه جهارا فوجدوهم على أخبث ما بلغهم عنهم فعادوا إلى رسول

(١) الظاهر أن الخندق لم يكن على جميع جهات المدينة بل على الجهة التي هي غير حصينة وهي
غير جهة جبل سلع، يدل على ذلك قول المؤرخين أنه عسكر إلى سفح سلع وقولهم وجعل
سلعا خلف ظهره والخندق بينه وبين القوم وقولهم أن عمرو بن عبد ود ومن معه لما عبروا
الخندق جالت بهم خيلهم بين الخندق وسلع. وما في السيرة الحلبية عن بعضهم أن أحد
جوانب المدينة كان عورة وسائر جوانبها مشبكة بالبنيان والنخيل لا يتمكن العدو منه فاختار
ذلك الجانب للخندق " اه‍ ".
(٢٦٢)

الله ص وقالوا: عضل والقارة، أي كغدر عضل والقارة بأصحاب
الرجيع، فقال ص الله أكبر أبشروا يا معسر المسلمين. وعظم عند ذلك
البلاء واشتد الخوف وخيف على الذراري والنساء وأتاهم عدوهم من فوقهم
ومن أسفل منهم حتى ظن المؤمنون كل الظن وخلص إلى كل امرئ منهم
الكرب ونجم النفاق حتى قال بعض المنافقين: كان محمد يعدنا كنوز
كسرى وقيصر وأحدنا اليوم لا يامن على نفسه أن يذهب إلى الغائط.
وكانوا كما قال الله تعالى: إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ
زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا هنالك ابتلي
المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض
ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا.
ثم أن نعيم بن مسعود من غطفان أتى رسول الله ص فقال إني
أسلمت ولم يعلم قومي باسلامي فمرني بما شئت فقال ص له إنما أنت فينا
رجل واحد فخذل عنا ما استطعت فان الحرب خدعة فخرج حتى أتى بني
قريظة وكان لهم نديما في الجاهلية فقال قد عرفتم ودي إياكم قالوا صدقت
لست عندنا بمتهم فقال إن قريشا وغطفان جاءوا لحرب محمد وقد
ظاهرتموهم عليه وليسوا مثلكم، البلد بلدكم به أموالكم وأبناؤكم
ونساؤكم لا تقدرون على أن تتحولوا منه إلى غيره، أما هم فان رأوا فرصة
وغنيمة أصابوها وإلا لحقوا ببلادهم وخلوا بينكم وبين الرجل ولا طاقة لكم
به فلا تقاتلوا معهم حتى تأخذوا منهم رهنا من أشرافهم، فقالوا لقد أشرت
برأي ونصح. ثم خرج إلى أبي سفيان وأصحابه وقال: قد عرفتم ودي
إياكم وفراقي محمدا وقد بلغني أمر رأيت حقا علي أن أبلغكموه نصحا لكم
فاكتموا علي، قالوا نفعل، قال أن اليهود قد ندموا على ما صنعوا بينهم
وبين محمد وأرسلوا إليه هل يرضيك عنا أن نأخذ من قريش وغطفان رجالا
من أشرافهم فندفعهم إليك فتضرب أعناقهم ثم نكون معك قال نعم،
فان بعث إليكم اليهود يطلبون رهنا من رجالكم فلا تدفعوا إليهم. ثم أتى
غطفان فقال أنتم أصلي وعشيرتي وأحب الناس إلى ولا أراكم تتهموني قالوا
صدقت قال فاكتموا علي قالوا نفعل ثم قال لهم مثلما قال لقريش فلما كانت
ليلة السبت أرسل أبو سفيان ورؤوس غطفان إلى بني قريظة أن أعدوا
للقتال حتى نناجز محمدا فقالوا اليوم السبت ولا نعمل فيه شيئا ولسنا نقاتل
معكم حتى تعطونا رهنا من رجالكم فانا نخشى أن ضرستكم الحرب أن
تشمروا إلى بلادكم وتتركونا والرجل ولا طاقة لنا به، فقالت قريش الذي
حدثكم نعيم بن مسعود حق، فارسلوا إلى بني قريظة لا ندفع إليكم رجلا
واحدا فان كنتم تريدون القتال فاخرجوا فقاتلوا. فقالت بنو قريظة ان
الذي قال لكم نعيم بن مسعود لحق، فارسلوا إلى قريش وغطفان أنا لا
نقاتل معكم حتى تعطونا رهنا وخذل الله بينهم.
فلما اشتد على الناس البلاء ورأى النبي ص ضعف قلوب أكثر
المسلمين من حصارهم لهم ووهنهم في حربهم بعث إلى عيينة بن حصن بن
حذيفة بن بدر وإلى الحارث بن عوف وهما قائدا غطفان فأعطاهما ثلث ثمار
المدينة على أن يرجعا بمن معهما فجاءا مستخفيين من أبي سفيان وكتبوا كتاب
الصلح ولم تقع الشهادة ولا عزيمة الصلح، فبعث ص إلى سعد بن معاذ
وسعد بن عبادة فأخبرهما، فقالا يا رسول الله أمر تحبه فنصنعه أم شئ
أمرك الله به لا بد لنا منه أم شئ تصنعه لنا؟ فقال: بل شئ أصنعه لكم
لأني رأيت العرب قد رموكم عن قوس واحدة وكالبوكم من كل جانب
فأردت أن أكسر عنكم من شوكتهم، فقال له سعد بن معاذ: قد كنا نحن
وهؤلاء القوم على الشرك وعبادة الأوثان وهم لا يطمعون أن يأكلوا منا تمرة
إلا قرى أو بيعا، أ فحين أكرمنا الله بالاسلام وأعزنا بك وبه نعطيهم أموالنا
والله لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم، قال ص فأنت
وذاك، فتناول سعد بن معاذ الصحيفة فمحا ما فيها من الكتاب، فأقام
رسول الله ص والمسلمون وعدوهم محاصرهم بضعا وعشرين ليلة وليس
بينهم قتال إلا الترامي بالنبل والحجارة فرمى حبان بن العرقة سعد بن معاذ
بسهم فأصاب أكحله وقال خذها وأنا ابن العرقة، فقال رسول الله ص،
وقيل سعد: عرق الله وجهك في النار، وقال سعد: اللهم إن كنت
أبقيت من حرب قريش شيئا فابقني لها فإنه لا قوم أحب إلى أن أجاهدهم
من قوم آذوا رسولك وكذبوه وأخرجوه وإن كنت قد وضعت الحرب بيننا
وبينهم فاجعله لي شهادة ولا تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة، وكان مع
المشركين وحشي قاتل حمزة فزرق الطفيل بن النعمان فقتله:
وروى ابن هشام والطبري أن صفية بنت عبد المطلب كانت في فارع
حصن حسان بن ثابت، قالت وكان حسان معنا فيه مع النساء
والصبيان فمر بنا رجل من يهود فجعل يطيف بالحصن وقد حاربت بنو
قريظة وقطعت ما بينها وبين رسول الله ص وليس بيننا وبينهم أحد يدفع
عنا، رسول الله والمسلمون في نحور عدوهم لا يستطيعون أن ينصرفوا إلينا
إن أتانا آت، فقلت يا حسان أن هذا اليهودي كما ترى يطيف بالحصن
وإني والله ما آمنه أن يدل على عورتنا من ورائنا من يهود وقد شغل عنا
رسول الله ص وأصحابه فأنزل إليه، فقال: يغفر الله لك يا بنت
عبد المطلب والله لو عرفت ما أنا بصاحب هذا وكان حسان جبانا، فلما
لم أر عنده شيئا احتجزت وأخذت عمودا ونزلت إليه فضربته بالعمود حتى
قتلته ورجعت فقلت لحسان: أنزل إليه فاسلبه فلم يمنعني من سلبه إلا أنه
رجل، قال لي ما بسلبه من حاجة: وما أحق صفية الهاشمية بقول
القائل:
- ولو أن النساء كمثل هذي * لفضلت النساء على الرجال -
وجاء فوارس من قريش منهم عمرو بن عبد ود عكرمة بن أبي جهل
ونوفل بن عبد الله بن المغيرة وهبيرة بن أبي وهب المخزوميان وضرار بن
الخطاب الفهري فاقبلوا تعنق بهم خيلهم حتى وقفوا على الخندق فلما تأملوه
قالوا إن هذه لمكيدة ما كانت العرب تكيدها، فقيل لهم ان معه رجلا
فارسيا أشار عليه بذلك فصاروا إلى مكان ضيق في الخندق كان قد أغفله
المسلمون فضربوا خيولهم فاقتحمت منه فجالت بهم بين الخندق وسلع.
قال ابن هشام والطبري وغيرهما: وخرج علي بن أبي طالب ع في
نفر معه من المسلمين حتى أخذ عليهم الثغرة التي أقحموا منها خيلهم
وأقبلت الفرسان تعنق نحوهم قالا وقد كان عمرو بن عبد ود قاتل يوم بدر
حتى أثبتته الجراحة فلم يشهد أحدا فلما كان يوم الخندق خرج معلما ليرى
مكانه.
أقول: يظهر أنهم لما عبروا الخندق وتقدموا نحو معسكر المسلمين
فجالت بهم خيلهم بين الخندق وجبل سلع الذي جعله النبي ص خلف
ظهره بادر علي ع فرابط عند الثغرة التي اقحموا خيولهم منها ليمنع من
يريد عبور الخندق من ذلك المكان فإنه لم يكن في الحسبان أن المشركين
يعبرون الخندق فلما رأوهم عبروه على حين غفلة بادر علي بمن معه ليمنعوا
(٢٦٣)

غيرهم وليقاتلوهم إذا أرادوا الرجوع، وهذه منقبة انفرد بها علي ع في
هذه الغزاة بمبادرته لحماية الثغرة دون غيره حين بدههم هذا الأمر الذي لم
يكن في الحسبان وعلموا أن هؤلاء الذين اقتحموا الخندق بخيولهم وأقدموا
على ما كان يخال أنه ليس بممكن من أشجع الشجعان.
ويقول المفيد: ان عليا ع بعد قتله عمرا وهرب من معه انصرف
إلى مقامه الأول يعني الثغرة التي اقحموا خيولهم منها وقد كادت نفوس
الذين خرجوا معه إلى الخندق تطير جزعا وهذا يدل على أن الذين كانوا معه
بخروجه خرجوا وإليه استندوا وعليه اعتمدوا وحينئذ يحتاج إلى الجمع بين
ما مر وبين ما يأتي من أنه لما طلب عمرو المبارزة قام علي فقال أنا له يا
رسول الله فإنه يدل على أنه كان مع النبي ص فالظاهر أنه لما سمع عمرا
يطلب المبارزة جاء إلى النبي ص فقام بين يديه وقال إنا له يا رسول الله فإنه
لم يكن ليبارزه بغير إذنه ص. قال صاحب السيرة الحلبية: فقال عمرو
من يبارز؟ فقام علي وقال أنا له يا نبي الله، قال اجلس أنه عمرو ثم كرر
النداء وجعل يوبخ المسلمين ويقول أين جنتكم التي تزعمون أنه من قتل
منكم دخلها أ فلا يبرز إلي رجل وقال:
- ولقد بححت من النداء * بجمعكم هل من مبارز -
- اني كذلك لم أزل * متسرعا نحو الهزاهز -
- إن الشجاعة في الفتي * والجود من خير الغرائز -
فقام علي وهو مقنع في الحديد فقال أنا له يا رسول الله قد أجلس أنه
عمرو ثم نادى الثالثة فقام علي فقال أنا له يا رسول الله فقال أنه عمرو فقال
وإن كان عمرا وفي رواية أنه قال له هذا عمرو بن عبد ود فارس يليل
فقال وأنا علي بن أبي طالب فاذن له وأعطاه سيفه ذا الفقار وألبسه درعه
وعممه بعمامته وقال اللهم أعنه عليه وفي رواية: أنه رفع عمامته إلى
السماء وقال إلهي أخذت عبيدة مني يوم بدر وحمزة يوم أحد وهذا علي أخي
وابن عمي فلا تذرني فردا وأنت خير الوارثين فبرز إليه علي وهو يقول:
- لا تعجلن فقد أتا * ك مجيب صوتك غير عاجز -
- ذو نية وبصيرة * والصدق منجي كل فائز -
- إني لأرجو أن أقيم * عليك نائحة الجنائز -
- من ضربة نجلاء يب‍ * في صيتها بعد الهزاهز -
فقال له عمرو من أنت؟ قال أنا علي، قال ابن من؟ قال ابن
عبد مناف أنا علي بن أبي طالب، فقال غيرك يا ابن أخي من أعمامك من
هو أشد منك فانصرف فاني أكره أن أهريق دمك فان أباك كان لي صديقا
وكنت له نديما، قال علي لكني والله ما أكره أن أهريق دمك فغضب،
وفي رواية أنه قال: إني لأكره أن أقتل الرجل الكريم مثلك فارجع
وراؤك خير لك. قال ابن أبي الحديد: كان شيخنا أبو الخير يقول إذا مررنا
عليه في القراءة بهذا الموضع: والله ما أمره بالرجوع إبقاء عليه بل خوفا منه
فقد عرف قتلاه ببدر واحد وعلم أنه ان ناهضه قتله فاستحيا أن يظهر
الفشل فاظهر الابقاء و الارعاء وأنه لكاذب فيهما. قال ابن إسحاق: فقال
له علي يا عمرو قد كنت تعاهد الله لقريش أن لا يدعوك رجل إلى خلتين
إلا قبلت منه إحداهما قال أجل قال علي فاني أدعوك إلى الله عز وجل وإلى
رسوله ص والاسلام فقال لا حاجة لي في ذلك قال فاني أدعوك إلى البراز
وفي رواية إنك كنت تقول لا يدعوني أحد إلى واحدة من ثلاث إلا
قبلتها قال أجل قال فاني أدعوك أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا
رسول الله وتسلم لرب العالمين قال يا ابن أخي اخر عني هذه فقال له أما
أنها خير لك لو أخذتها قال وأخرى ترجع إلى بلادك فان يك محمد صادقا
كنت أسعد الناس به وإن يك كاذبا كان الذي تريد قال هذا ما لا تتحدث
به نساء قريش أبدا كيف وقد قدرت على استيفاء ما نذرت فإنه نذر لما
أفلت هاربا يوم بدر و قد جرح أن لا يمس رأسه دهنا حتى يقتل محمدا ص
قال فالثالثة قال البراز قال إن هذه لخصلة ما كنت أظن أن أحدا من العرب
يروعني بها ولم يا ابن أخي فوالله ما أحب أن أقتلك فقال علي ولكني والله
أحب أن أقتلك فحمي عمرو فقال له علي كيف أقاتلك وأنت فارس ولكن
انزل معي، فاقتحم عن فرسه فعقره أو ضرب وجهه وسل سيفه كأنه شعلة
نار وأقبل على علي فتنازلا وتجاولا فاستقبله علي بدرقته فضربه عمرو فيها
فقدها وأثبت فيها السيف وأصاب رأسه فشجه فضربه علي على حبل عاتقه
فسقط. وكان جابر بن عبد الله الأنصاري قد تبع عليا ع لينظر ما
يكون منه ومن عمرو، قال فثارت غبرة فما رأيتهما فسمعت التكبير تحتها
فعلمت أن عليا قد قتله. وفي رواية أنه لما قتله كبر المسلمون فلما سمع
رسول الله ص التكبير عرف أن عليا قتل عمرا، ولما قتل عمرو هرب الذين
كانوا معه حتى اقتحمت خيلهم الخندق وتورطت بنوفل بن عبد الله بن
المغيرة فرسه في الخندق فرموه بالحجارة، فقال يا معشر العرب قتلة أجمل
من هذه ينزل إلي بعضكم أقاتله فنزل إليه علي فقتله. وروى ابن إسحاق
في المغازي أن المشركين بعثوا إلى رسول الله ص يشترون جيفة عمرو بعشرة
آلاف درهم فقال هو لكم ولا نأكل ثمن الموتى. وفيه من التعليم على
تشريف النفس والآباء وكرم الغلبة أمر ظاهر، ولحق علي ع هبيرة
فاعجزه وضرب قربوس سرحه فسقطت درع كانت له قد احتقبها وفر
عكرمة وضرار.
وفي ارشاد المفيد: روى يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق قال: لما
قتل علي بن أبي طالب ع عمرا أقبل نحو رسول الله ص ووجهه يتهلل،
فقال له عمر بن الخطاب هلا سلبته يا علي درعه فإنه ليس في العرب درع
مثلها؟ فقال إني استحييت أن أكشف سوأة ابن عمي. وفي السيرة الحلبية
عن السهيلي نحوه، وفي الارشاد روى عمر بن الأزهر عنه عن عمرو بن
عبيد عن الحسن أن عليا لما قتل عمرو بن عبد ود أخذ رأسه وحمله فألقاه بين
يدي النبي ص فقام أبو بكر وعمر فقبلا رأس علي، قال ورجع علي ع
إلى مقامه الأول وهو يقول:
- نصر الحجارة من سفاهة رأيه * ونصرت رب محمد بصواب -
- فضربته فتركته متجدلا * كالجذع بين دكادك وروابي -
- وعففت عن أثوابه ولو أنني * كنت المقطر بزني أثوابي -
- لا تحسبن الله خاذل دينه * ونبيه يا معشر الأحزاب -
وكان مع عمرو ابنه حسل بن عمرو فقتله علي ع رواه ابن هشام
في سيرته عن ابن شهاب الزهري. قال جابر فما شبهت قتل علي عمرا إلا
بما قص الله من قصة قتل داود جالوت حيث يقول الله جل شانه فهزموهم
بإذن الله وقتل داود جالوت وفيما رواه الحاكم بسنده أن قائل ذلك يحيى بن
آدم ولا مانع من أن يكون كل منهما قال ذلك. وقال النبي ص قتل علي
لعمرو بن عبد ود أفضل من عبادة الثقلين وروى الحاكم في المستدرك بسنده
أن النبي ص قال: لمبارزة علي بن أبي طالب لعمرو بن عبد ود يوم الخندق
أفضل من أعمال أمتي إلى يوم القيامة. وقال ابن تيمية على عادته في إنكار
(٢٦٤)

البديهيات ورد المتواترات والمسلمات في الحديث الأول أنه حديث موضوع
وكيف يكون قتل كافر أفضل من عبادة الثقلين الأنس والجن ومنهم الأنبياء
بل أن عمرو بن عبد ود هذا لم يعرف له ذكر إلا في هذه الغزوة اه‍
وقال الذهبي في تلخيص المستدرك بعد نقل الحديث الثاني قبح الله رافضيا
أ فتراه وأقول قبح الله ناصبيا يرد حديث رسول الله ص بالهوى والعداوة
لأخيه وابن عمه ويزعم في ميزانه أن النصب قد ارتفع في عصره وليس
عجيبا أن يتكلم الذهبي بذلك وهو تلميذ ابن تيمية. وفي السيرة الحلبية:
يرد قول ابن تيمية أنه لم يعرف له ذكر إلا في هذه الغزوة ما روي من أنه
قاتل يوم بدر حتى أثبتته الجراحة فلم يشهد أحدا فلما كان يوم الخندق خرج
معلما ليرى مكانه أقول روى ذلك الحاكم في المستدرك بسنده إلى ابن إسحاق
قال: كان عمرو بن عبد ود ثالث قريش وكان قد قاتل يوم بدر حتى
أثبتته الجراحة ولم يشهد أحدا فلما كان يوم الخندق خرج معلما ليرى
مشهده، قال في السيرة الحلبية: ويرده أيضا ما مر من أنه نذر أن لا
يمس رأسه دهنا حتى يقتل محمدا أقول ويرده أنه كان معروفا بفارس
يليل اسم مكان كانت له فيه وقعة مشهورة وورد تسميته بذلك في شعر
مسافع الآتي وفيما مر. وفيما رثي به عمرو مما يأتي ما يدل على نباهته
وشجاعته وأنه ذو مقام عال في قريش قال واستدلاله بقوله وكيف يكون،
فيه نظر لأن قتل هذا كان فيه نصرة للدين وخذلان للكافرين اه‍.
أقول: تأبى لابن تيمية حاله المعلومة إلا أن يصادم البديهة فان
أقل نظرة يلقيها الإنسان على تلك الغزوة فيرى عشرة آلاف محاصرين
للمدينة حنقين أشد الحنق على أهلها وهم دون الثلث بينهم عدد كثير من
المنافقين وبنو قريظة إلى جنبهم يخافون منهم على ذراريهم ونسائهم وما
أصاب المسلمين من الخوف والهلع الذي اضطر النبي ص أن يصانع غطفان
بنصف ثمار المدينة وتعظيم الله تعالى ذلك في القرآن الكريم بقوله إذ
جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب
الحناجر وتظنون بالله الظنونا هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا
ووقوف عمرو ينادي بالمسلمين ويقرعهم ويطلب البراز ولا يجيبه أحد إلا
علي فيقتل عمرا وينهزم المشركون بقتله ويرتفع البلاء ويأتي الفرج. أقل
نظرة يلقيها الإنسان على تلك الحال توصله إلى اليقين بان ضربة علي يومئذ
أفضل من عبادة الجن والأنس والملائكة وملايين من العوالم أمثالهم لو كانت
سواء أ جاء الحديث بذلك عن رسول الله ص أم لم يجئ ومتى احتاج النهار
إلى دليل، ولولا تلك الضربة لما عبد الله بل عبدت الأوثان. وقد يسال
سائل هنا فيقول: لما عبر عمرو والأربعة معه الخندق لما ذا لم يقم إليهم
المسلمون فيقتلوهم وهم خمسة نفر والمسلمون ثلاثة آلاف والمشركون يصعب
عليهم أنجادهم لوجود الخندق. والجواب أن المسلمين كان قد استولى
عليهم الخوف والهلع وزاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وذهبت بهم
الظنون وكان عبور المشركين من ثغرة الخندق غير مأمون ولذلك بدر علي
قبل قتله عمرا إلى الثغرة مع جماعة فحماها وقد كادت نفوس الذين معه
تطير جزعا كما مر ورجع بعد قتل عمرو فحماها أيضا. كل ذلك يدل على
أن عبور الخندق كان محل الخوف والخطر وأن عليا وحده كان الثابت الجنان
في هذه المواقف الرهيبة. قال المفيد في الارشاد وروى قيس بن الربيع
ثنا أبو هارون العبدي عن ربيعة السعدي قال أتيت حذيفة بن اليمان
فقلت له يا أبا عبد الله إنا لنتحدث عن علي ومناقبه فيقول لنا أهل البصرة
أنكم تفرطون في علي فهل أنت محدثي بحديث فيه فقال حذيفة يا ربيعة وما
تسألني عن علي فوالذي نفسي بيده لو وضع جميع أعمال أصحاب محمد ص
في كفة الميزان منذ بعث الله محمدا ص إلى يوم القيامة ووضع عمل علي في
الكفة الأخرى لرجح عمل علي على جميع أعمالهم، فقال ربيعة هذا الذي
لا يقام له ولا يقعد ولا يحمل، فقال حذيفة: يا لكع وكيف لا يحمل وأين
كان فلان وفلان وحذيفة وجميع أصحاب محمد ص يوم عمرو بن عبد ود
وقد دعا إلى المبارزة فأحجم الناس كلهم ما خلا عليا فإنه برز إليه وقتله الله
على يده والذي نفس حذيفة بيده لعمله ذلك أعظم أجرا من أعمال
أصحاب محمد إلى يوم القيامة اه‍ قال الحاكم في المستدرك: ثم أقبل
علي نحو رسول الله ص ووجهه يتهلل فقال عمر بن الخطاب هلا سلبته
درعه فليس للعرب درع خير منها فقال ضربته فاتقاني بسوءته واستحييت
ابن عمي أن استلبه اه‍ قال الرازي في تفسيره: انه ص قال لعلي
بعد قتله لعمرو بن عبد ود كيف وجدت نفسك معه يا علي؟ قال وجدتها لو
كان أهل المدينة كلهم في جانب وأنا في جانب لقدرت عليهم. قال المفيد:
وكان قتل علي ع عمرا ونوفلا سبب هزيمة المشركين وقال رسول الله ص
بعد قتله هؤلاء النفر: الآن نغزوهم ولا يغزوننا وذلك قوله تعالى: ورد
الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله
قويا عزيزا وفي الارشاد: وروى علي بن الحكيم الأودي قال سمعت أبا
بكر بن عياش يقول: لقد ضرب علي ضربة ما كان في الاسلام أعز منها
يعني ضربه عمرو بن عبد ود ولقد ضرب ع ضربة ما ضرب في الاسلام
أشام منها يعني ضربة ابن ملجم وفيه روى أحمد بن عبد العزيز حدثنا
سليمان بن أيوب عن أبي الحسن المدائني قال لما قتل علي بن أبي طالب
عمرو بن عبد ود نعي إلى أخته واسمها عمرة وكنيتها أم كلثوم فقالت
من ذا الذي اجترأ عليه؟ فقالوا ابن أبي طالب فقالت لم يعد موته إن كان
على يد كفو كريم لا رقأت دمعتي إن هرقتها عليه قتل الأبطال وبارز الاقران
وكانت منيته على يد كفو كريم من قومه ما سمعت بأفخر من هذا يا بني
عامر ثم أنشأت تقول:
- لو كان قاتل عمرو غير قاتله * لكنت أبكي عليه آخر الأبد -
- لكن قاتل عمرو لا يعاب به * من كان يدعى قديما بيضة البلد -
وتتمة الأبيات:
- من هاشم ذراها وهي صاعدة * إلى السماء تميت الناس بالحسد -
- قوم أبى الله إلا أن يكون لهم * كرامة الدين والدنيا بلا لدد -
- يا أم كلثوم ابكيه ولا تدعي * بكاء معولة حرى على ولد -
وقالت أيضا في قتل أخيها وذكر علي بن أبي طالب:
- أسدان في ضيق المكر تصاولا * وكلاهما كفو كريم باسل -
- فتخالسا مهج النفوس كلاهما * وسط المذاد (١) مخاتل ومقاتل -
- وكلاهما حضر القراع حفيظة * لم يثنه عن ذاك شغل شاغل -
- فاذهب علي فما ظفرت بمثله * قول سديد ليس فيه تحامل -
ذلت قريش بعد مهلك فارس * فالذل مهلكها وخزي شامل -
ثم قالت والله لا تارث قريش بأخي ما حنت النيب قال وفي قتل
عمرو بن عبد ود يقول حسان بن ثابت:
- امسى الفتى عمرو بن عبد يبتغي * بجنوب يثرب غارة لم تنظر -

(١) الثلاثة الأولون ارتدوا وماتوا على الردة والأشعث ارتد فأتي به إلى أبي بكر (رض) أسيرا فعاد
إلى الاسلام وزوجه أخته وكانت عوراء فأولدها محمدا أحد قتلة الحسين عليه السلام.
- المؤلف -
(٢٦٥)

- ولقد وجدت سيوفنا مشهورة * ولقد وجدت جيادنا لم تقصر -
- ولقد رأيت غداة بدر عصبة * ضربوك ضربا غير ضرب الحسر -
- أصبحت لا تدعى ليوم عظيمة * يا عمرو أو لجسيم أمر منكر -
فلما بلغ شعر حسان بني عامر اجابه فتى منهم فقال يرد عليه في
افتخاره بالأنصار:
- كذبتم وبيت الله لا تقتلوننا * ولكن بسيف الهاشميين فافخروا -
- بسيف ابن عبد الله أحمد في الوغى * بكف علي نلتم ذاك فاقصروا -
- ولم تقتلوا عمرو بن عبد ببأسكم * ولكنه الكفو الهزبر الغضنفر -
- علي الذي في الفخر طال بناؤه * فلا تكثروا الدعوى علينا فتحقروا -
- ببدر خرجتم للبراز فردكم * شيوخ قريش جهرة وتأخروا -
- فلما اتاهم حمزة وعبيدة * وجاء علي بالمهند يخطر -
- فقالوا نعم أكفاء صدق فاقبلوا * إليهم سراعا إذ بغوا وتجبروا -
- فجال علي جولة هاشمية * فدمرهم لما عتوا وتكبروا -
- فليس لكم فخر علينا بغيرنا * وليس لكم فخر يعد فيذكر -
وقال مسافع بن عبد مناف بن وهب الجمحي يبكي عمرو بن عبد ود
ويذكر قتل علي بن أبي طالب إياه اورده ابن هشام:
- عمرو بن عبد كان أول فارس * جزع المذاد وكان فارس يليل (١) -
- ولقد تكنفت الأسنة فارسا * بجنوب سلع غير نكس أميل -
- يسل النزال علي فارس غالب * بجنوب سلع ليته لم ينزل -
- فاذهب علي فما ظفرت بمثله * فخرا فلا لاقيت مثل المعضل -
وقال هبيرة بن أبي وهب الذي كان مع عمرو وهرب يرثي عمرو بن
عبد ود ويذكر قتل علي إياه أورده ابن هشام:
- فلا تبعدن يا عمرو حيا وهالكا * فقد بنت محمود الثنا ماجد الأصل -
- فمن لطراد الخيل تقرع بالقنا * وللفخر يوما عند قرقرة البزل -
- هنالك لو كان ابن عبد لزارها * وفرجها حقا فتى غير ما وغل -
- فعنك علي لا أرى مثل موقف * وقفت على نجد المقدم كالفحل -
- فما ظفرت كفاك فخرا بمثله * امنت به ما عشت من زلة النعل -
قال ابن هشام والطبري: وبعث الله على المشركين الريح في ليال
شاتية شديدة البرد فجعلت تكفا قدورهم وتطرح ابنتيهم وذلك قوله تعالى:
يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا
عليهم ريحا وجنودا لم تروها. فلما انتهى إلى رسول الله ص ما اختلف من
امرهم وما فرق الله من جماعتهم قال من رجل يقوم فينظر لنا ما فعل القوم
ثم يرجع يشرط له رسول الله ص الرجعة واسال الله ان يكون رفيقي في
الجنة فما قام رجل من شدة الخوف والجوع والبرد، قال حذيفة بن اليمان
فلما لم يقم أحد دعاني فلم يكن لي بد من القيام فقال اذهب فادخل في القوم
فانظر ما ذا يصنعون ولا تحدثن شيئا حتى تأتينا فذهبت فدخلت في القوم
والريح تفعل بهم ما تفعل لا تقر لهم قدرا ولا نارا ولا بناء فقام أبو سفيان
فقال يا معشر قريش لينظر امرؤ من جليسه؟ فأخذت بيد الرجل الذي
كان إلى جنبي فقلت من أنت؟ قال فلان ابن فلان، ثم قال أبو سفيان
انكم والله ما أصبحتم بدار مقام لقد هلك الكراع والخف وأخلفتنا بنو
قريظة ولقينا من هذه الريح ما ترون فارتحلوا فاني مرتحل ثم قام إلى جمله
وهو معقول فجلس عليه ثم ضربه فوثب به على ثلاث فوالله ما اطلق عقاله
الا وهو قائم ولولا عهد رسول الله ص ان لا أجدث شيئا حتى آتيه لقتلته
ثم رجعت إلى رسول الله ص فأخبرته. وسمعت غطفان بما فعلت قريش
فانشمروا راجعين إلى بلادهم فلما كان الصباح انصرف رسول الله ص
بالمسلمين عن الخندق راجعا إلى المدينة ووضعوا السلاح.
غزوة بني قريظة
في ذي القعدة سنة خمس. قد عرفت ان اليهود الذين كانوا بنواحي
المدينة ثلاثة ابطن بنو النضير وبنو قينقاع وبنو قريظة وانه كان بينهم وبين
رسول الله ص عهد ومدة فأول من نقض العهد منهم بنو قينقاع
فأجلاهم رسول الله ص إلى أذرعات ثم نقضه بنو النضير فاجلا بعضهم
إلى خيبر ومنهم حيي بن اخطب وبعضهم إلى الشام وإن حييا أتى بني قريظة
يوم الخندق فلم يزل بهم حتى نقضوا العهد فلما كان الظهر من صبيحة اليوم
الذي رجع فيه رسول الله ص أمر بلالا فنادى في الناس من كان سامعا
مطيعا فلا يصلين العصر الا في بني قريظة واستعمل على المدينة ابن أم
مكتوم. قال محمد بن إسحاق حدثني أبي إسحاق بن يسار عن معبد بن
كعب بن مالك الأنصاري قال قدم رسول الله ص علي بن أبي طالب برايته
إلى بني قريظة وابتدرها الناس، وقال ابن سعد دعا عليا فدفع إليه لواءه،
وفي ارشاد المفيد انه ص ارسل عليا إليهم في ثلاثين من الخزرج فسار علي
حتى إذا دنا من الحصون سمع منها مقالة قبيحة لرسول الله ص فرجع حتى
لقي رسول الله ص بالطريق فقال يا رسول الله لا عليك ان لا تدنو من
هؤلاء الأخابث قال لم؟ أظنك سمعت منهم لي اذى قال نعم قال لو رأوني
لم يقولوا من ذاك شيئا وفي رواية دعوهم فان الله سيمكن منهم. قال
المفيد: قال علي سرت حتى دنوت من سورهم فأشرفوا علي فلما رأوني صاح
صائح منهم قد جاءكم قاتل عمرو وقال آخر قد اقبل عليكم قاتل عمرو
وجعل بعضهم يصيح ببعض ويقولون ذلك والقي الله في قلوبهم الرعب
حتى ركزت الراية في أصل الحصن فاستقبلوني في صياصيهم يسبون رسول
الله ص فلما سمعت سبهم له كرهت ان يسمع فعلمت على الرجوع إليه
فإذا به قد طلع وسمع سبهم له فناداهم يا اخوة القردة والخنازير انا إذا
حللنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين فقالوا له: يا أبا القاسم ما كنت
جهولا ولا سباب فاستحيا ورجع القهقرى قليلا وامر فضربت خيمته بإزاء
حصونهم وتلاحق به الناس فاتى رجال منهم من بعد العشاء الآخرة ولم
يصلوا العصر لقوله ص لا يصلين أحد العصر الا في بني قريظة فصلوا
العصر بها بعد العشاء الآخرة فما عابهم الله بذلك في كتابه ولا عنقهم رسول
الله ص وفي رواية تخوف بعضهم فوات الوقت فصلوا وقال آخرون لا نصلي
الا حيث امرنا رسول الله ص وان فات الوقت فما عنف ص واحدا من
الفريقين أقول كان مراده ص ان يسرعوا إلى بني قريظة فيدركوا صلاة
العصر هناك لا ان صلاة العصر لا تصح منهم إذا تأخروا لمانع الا في بني
قريظة والذين لم يصلوا العصر كأنهم توهموا ذلك فكانوا معذورين. قال
ابن سعد سار إليهم ص في المسلمين وهم ثلاثة آلاف والخيل ستة وثلاثون
فرسا وذلك يوم الأربعاء لسبع بقين من ذي القعدة فحاصرهم خمسا

(جزع بالجيم والزاي والعين المهملة كمنع يقال جزع الأرض والوادي إذا قطعه أو قطعه عرضا
(والمذاذ) بفتح الميم والذال المعجمة بعدها الف فدال مهملة قال ابن الأعرابي موضع
بالمدينة حيث حفر النبي " ص " الخندق (ويليل) بمثناتين تحتيتين مفتوحتين ولامين أولاهما
ساكنة اسم واد كانت له فيه وقعة مشهورة وحاصل معنى البيت ان عمرو بن عبد ود كان أول
فارس عبر الخندق وكان فارس يليل حتى كأنه لم يكن فيه فارس سواء على المبالغة
- المؤلف -
(٢٦٦)

وعشرين ليلة وقيل خمسة عشر يوما ويوشك ان يكون صحف أحدهما
بالآخر حتى جهدهم الحصار وقذف الله في قلوبهم الرعب وقد كان حيي بن
اخطب دخل مع بني قريظة في حصنهم حين رجعت عنهم قريش وغطفان
وفاء لكعب بن أسد بما عاهده عليه فلما أيقنوا انه ص غير منصرف عنهم
حتى يناجزهم قال لهم كعب بن أسد إني عارض عليكم خلالا ثلاثا فخذوا
بما شئتم منها: نتابع هذا الرجل فوالله لقد تبين لكم انه نبي مرسل قالوا لا
نفارق حكم التوراة، قال: إذا أبيتم فلنقتل أبناءنا ونساءنا ثم نخرج
بأسيافنا فان نهلك لم نترك وراءنا ما نخشى عليه وان نظهر لنجدن بدله،
قالوا: نقتل هؤلاء المساكين فما خير العيش بعدهم، قال فان أبيتم فالليلة
السبت عسى ان يكون محمد وأصحابه قد أمنوا فيها فانزلوا لعلنا نصيب
منهم غرة، قالوا نفسد علينا سبتنا، قال ما بات رجل منكم منذ ولدته امه
حازما. ثم إنهم بعثوا إلى رسول الله ص ان ابعث إلينا أبا لبابة بن عبد
المنذر أخا بني عمرو بن عوف من الأوس وكان بنو قريظة حلفاءهم لنستشيره
فأرسله إليهم فقام إليه الرجال وجهش إليه النساء والصبيان يبكون في وجهه
فرق لهم، فقالوا يا أبا لبابة أ ترى ان ننزل على حكم محمد؟ قال نعم،
وأشار بيده إلى حلقه انه الذبح، قال فوالله ما زالت قدماي حتى عرفت اني
قد خنت الله ورسوله، ثم انطلق على وجهه ولم يأت رسول الله ص حتى
ارتبط في المسجد إلى عمود من عمده، وقال لا أبرح مكاني هذا حتى يتوب
الله علي فنزلت فيه: يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا
أماناتكم وأنتم تعلمون. قال ابن إسحاق: فلما بلغ رسول الله ص خبره
قال: اما انه لو جاءني لاستغفرت له اما الآن فما أنا بالذي اطلقه حتى
يتوب الله عليه فأقام مرتبطا بالجذع ست ليال تأتيه امرأته في كل وقت صلاة
فتحله للصلاة ثم يعود فيرتبط بالجذع حتى نزلت توبته بقوله تعالى:
وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن
يتوب عليهم ان الله غفور رحيم، فثار إليه الناس ليطلقوه فقال لا والله
حتى يكون رسول الله هو الذي يطلقني بيده فاطلقه. واسطوانة أبي لبابة
معروفة في المسجد النبوي إلى اليوم. فلما أصبح بنو قريظة نزلوا على حكم
رسول الله ص فامر بهم فكتفوا ونحوا ناحية واخرج النساء والذرية فكانوا
ناحية، وانما نزلوا على حكمه بعد الذي سمعوه من أبي لبابة لأنهم لم يجدوا
مناصا واملوا النجاة بشفاعة الأوس حلفائهم. ووجد في حصونهم ألف
وخمسمائة سيف وثلثمائة درع وألفا رمح وألف وخمسمائة ترس فتواثبت
الأوس وطلبوا من النبي ص ان يهبهم إياهم لأنهم حلفاؤهم كما وهب بني
قينقاع للخزرج حين نزلوا على حكمه لأنهم حلفاؤهم، فقال ص: أ لا
ترضون يا معشر الأوس ان يحكم فيهم رجل منكم؟ قالوا بلى قال فذاك إلى
سعد بن معاذ وكان بعد قد أصابه سهم يوم الخندق في اكحله فجعله
رسول الله ص في خيمة امرأة من أسلم يقال لها رفيدة في مسجده ليكون
قريبا منه وكانت تداوي الجرحى وتحتسب بنفسها على خدمة من كانت به
ضيعة من المسلمين فلما حكمه رسول الله ص حمله قومه على حمار وأقبلوا به
إلى رسول الله ص وهم يقولون يا أبا عمرو أحسن في مواليك، فلما انتهى
إلى رسول الله قال ص قوموا إلى سيدكم فانزلوه فقاموا إليه فقالوا ان رسول
الله قد ولاك مواليك لتحكم فيهم، قال فاني احكم فيهم بان تقتل الرجال
وتقسم الأموال وتسبى الذراري والنساء وتكون الديار للمهاجرين دون
الأنصار، فقال رسول الله ص: حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع
أرقعة، ثم استنزلوا، وانصرف ص يوم الخميس لسبع ليال خلون من ذي
الحجة إلى المدينة وأمر بهم فأدخلوا المدينة فحبسوا في دار رملة بنت الحارث
من بني النجار وهي الدار التي كان النبي ص ينزل بها الوفود ثم خرج
رسول الله ص إلى موضع السوق فخندق فيه خنادق وخرج معه المسلمون
وأمر بهم ان يخرجوا وتقدم ان تضرب أعناقهم في الخندق، فاخرجوا ارسالا
وقتلوا وفيهم حيي بن اخطب ورئيسهم كعب بن أسد وكانوا بين الستمائة
والسبعمائة وبعضهم يقول بين الثمانمائة والتسعمائة، وكان يقتل منهم من
انبت، فقالوا لكعب بن أسد وهم يذهب بهم يا كعب ما ترى يصنع بنا؟
فقال في كل موطن لا تعقلون، ألا ترون الداعي لا ينزع ومن ذهب به
منكم لا يرجع، وهو والله القتل. وجئ بحيي بن اخطب وعليه حلة قد
شققها كموضع أنملة لئلا يسلبها مجموعة يداه إلى عنقه بحبل فلما نظر إلى
رسول الله ص قال: أما والله ما لمت نفسي في عداوتك ولكنه من يخذل الله
يخذل ثم اقبل على الناس فقال: انه لا باس بأمر الله كتاب الله وقدره
وملحمة قد كتبت على بني إسرائيل. وقتل من نسائهم امرأة واحدة كانت
ألقت رحى على رجل من المسلمين فشدخته واسلم منهم اثنان فسلما. فلما
قتلوا انفجر جرح سعد بن معاذ فمات منه شهيدا. وفي بني قريظة انزل الله
تعالى قوله: وانزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم
وقذف في قلوبهم الرعب فريقا تقتلون وتأسرون فريقا وأورثكم أرضهم
وديارهم وأموالهم وأرضا لم تطؤوها أي خيبر وكان الله على كل شئ
قديرا.
غزوة بني لحيان
في ربيع الأول وقيل في جمادي الأولى سنة ست من الهجرة على رأس
ستة أشهر من فتح بني قريظة وكانوا بناحية عسفان خرج ص إليهم يطلب
بأصحاب الرجيع ويأتي ذكرهم في السرايا وأظهر انه يريد الشام ليصيب
منهم غرة وعسكر غرة ربيع الأول في مائتي رجل ومعهم عشرون فرسا
واستخلف على المدينة عبد الله بن أم مكتوم ثم أسرع السير حتى أتى بطن
غران وهي منازل بني لحيان وبينها وبين عسفان خمسة أميال حيث قتل
أصحاب الرجيع فترحم عليهم ودعا لهم فسمعت به بنو لحيان فهربوا في
رؤوس الجبال فأقام يوما أو يومين وبعث السرايا في كل ناحية فلم يقدروا
على أحد ثم خرج حتى أتى عسفان في مائتي راكب من أصحابه ليرى أهل
مكة انهم قد جاءوها ثم بعث فارسين من أصحابه حتى بلغا كراع الغميم
ثم عاد إلى المدينة وهو يقول: آئبون تائبون عابدون لربنا حامدون وفي
رواية تائبون آئبون إن شاء الله حامدون لربنا عابدون أعوذ بالله من وعثاء
السفر وكآبة المنقلب وسوء المنظر في الأهل والمال وغاب عن المدينة أربع
عشرة ليلة.
غزوة ذي قرد
ويقال غزوة الغابة في ربيع الأول سنة ست من الهجرة وذو قرد بفتح
القاف والراء وقيل غير ذلك اسم ماء على بريد من المدينة في طريق الشام
والقرد في الأصل الصوف الردئ والغابة الشجر الملتف وسببها انه كان
لرسول الله ص عشرون لقحة ترعي بالغابة واللقحة القريبة الولادة وكان
فيها أبو ذر ومعه ابنه وامرأته وثلاثة نفر فأغار عليها عيينة بن حصن ليلة
الأربعاء في أربعين فارسا فاستاقوها وقتلوا ابن أبي ذر واحتملوا المرأة ونجا
أبو ذر والثلاثة النفر وأول من نذر بهم سلمة بن عمرو بن الأكوع الأسلمي
غدا يريد الغابة حتى إذا علا ثنية الوداع نظر إلى بعض خيولهم فأشرف في
(٢٦٧)

ناحية سلع ثم صرخ وا صباحاه ثلاثا وقيل نادى الفزع الفزع ونودي يا خيل
الله اركبي وكان أول ما نودي بها، وركب رسول الله ص فخرج غداة
الأربعاء مقنعا في الحديد فوقف فكان أول من أقبل إليه المقداد بن عمرو
وعليه الدرع والمغفر شاهرا سيفه فعقد له ص لواء في رمحه وقال امض حتى
تلحقك الخيول انا على اثرك وهو الذي يقال له المقداد بن الأسود لأنه كان
في حجر الأسود بن عبد يغوث وتبناه فنسب إليه وتلاحقت به الفرسان
واستخلف على المدينة عبد الله بن أم مكتوم وخلف سعد بن عبادة في
ثلثمائة من قومه يحرسون المدينة اما سلمة فبعد ما صاح واعلم الناس خرج
يشتد في اثر القوم كالسبع وقد كاد يسبق الفرس جريا وهو على رجليه حتى
أدركهم فجعل يراميهم بالنبل ويقول:
- خذها وأنا ابن الأكوع * اليوم يوم الوضع -
أي يوم هلاك اللئام فإذا وجهت الخيل نحوه انطلق هاربا قال كنت
الحق الرجل منهم فارميه بسهم في رجليه فيعقره فإذا رجع إلى فارس منهم
أتيت شجرة فجلست في أصلها ثم ارميه فاعقره فيولي عني فإذا
دخلت الخيل في بعض مضايق الجبل علوته ورميتهم بالحجارة ولحق
بهم رسول الله ص وقسم في كل مائة من أصحابه جزورا ينحرونها
وكانوا خمسمائة وقيل سبعمائة وبعث سعد بن عبادة باحمال
تمر وبعشر جزائر فوافت رسول الله ص بذي قرد واستخلصوا منه
عشر قلائص وفاتتهم عشر وقيل استخلصوا الجميع وقتل من المسلمين
رجل اسمه قمير من الفرسان وقتل من المشركين جماعة ورجعت
زوجة أبي ذر هربت منهم ليلا على بعض تلك القلائص فقالت يا رسول
الله اني نذرت ان انحرها ان نجاني الله عليها قال بئسما حزيتها لا
نذر في معصية ولا فيما لا تملكين وعاد ص إلى المدينة وقد غاب عنها خمس
ليال ولم يذكروا ان عليا ع حضر هذه الغزاة فلعله كان غائبا عن المدينة
أو له مانع والا فهو فارس الغزوات وصاحب راية رسول الله ص لا يمكن
ان يتأخر عن غزوة اختيارا أو يحضر ولا يبلي فيها بلاء حسنا.
غزوة الحديبية أو صلح الحديبية (١)
نأخذها من طبقات ابن سعد وسيرة ابن هشام والسيرة الحلبية
وغيرها: خرج ص للعمرة لا يريد حربا يوم الاثنين غرة ذي القعدة سنة
ست من الهجرة قال ابن سعد استنفر أصحابه إلى العمرة فأسرعوا وقال ابن
هشام استنفر العرب ومن حوله من أهل البوادي ليخرجوا معه وهو يخشى
من قريش ان يحاربوه أو يصدوه عن البيت فأبطأ عليه كثير من الاعراب
فخرج بمن معه من المهاجرين والأنصار ودخل رسول الله ص فاغتسل ولبس
ثوبين وركب راحلته القصواء ومعه ألف وستمائة أو ألف وأربعمائة أو ألف
وخمسمائة وخمسة وعشرون واستخلف على المدينة عبد الله بن أم مكتوم
قال المفيد في الارشاد: وكان اللواء يومئذ إلى أمير المؤمنين علي ع
كما كان إليه في المشاهد قبلها. ولم يخرج بسلاح إلى السيوف في القرب
وساق سبعين بدنة هو وأصحابه فصلى الظهر بذي الحليفة ثم دعا بالبدن
فجللت ثم أشعر عدة منها في الشق الأيمن من سنامها أي جرحها وقلدها
أي علق في عنقها قطعة جلد أو نعلا بالية ليعلم انها هدي فيكف عنها
وأشعر أصحابه أيضا وهن موجهات إلى القبلة وأحرم ولبى وقدم عباد بن
بشر أمامه طليعة في عشرين فارسا من المهاجرين والأنصار وبلغ المشركين
خروجه فاجمع رأيهم على صده وعسكروا ببلدح وقدموا مائتي فارس إلى
كراع الغميم عليهم خالد بن الوليد. ودخل بسر بن سفيان الخزاعي
الكعبي مكة فعرف ما يريدون وجاء حتى لقيه وراء عسفان فقال يا رسول
الله هذه قريش قد سمعت بمسيرك فخرجوا معهم العوذ المطافيل (٢) قد
لبسوا جلود النمور (٣) وقد نزلوا بذي طوى يعاهدون الله لا تدخلها عليهم
ابدا وهذا خالد بن الوليد في خيلهم قد قدموا إلى كراع الغميم فقال ص يا
ويح قريش قد اكلتهم الحرب ما ذا عليهم لو خلوا بيني وبين سائر العرب
فان هم أصابوني كان ذلك الذي أرادوا وان اظهرني الله عليهم دخلوا في
الاسلام وافرين وان لم يفعلوا قاتلوا وبهم قوة فما تظن قريش فوالله لا أزال
أجاهد على الذي بعثني الله به حتى يظهره أو تنفرد هذه السالفة والسالفة
صفحة العنق.
ودنا خالد حتى نظر إلى أصحاب رسول الله فامر ص عباد بن بشر
فتقدم في خيله فقام بازائه وصف ص أصحابه وحانت صلاة الظهر فصلى
ص بهم صلاة الخوف فلما امسى قال لأصحابه تيامنوا وأمرهم ان يسلكوا
طريقا تخرجهم على مهبط الحديبية من أسفل مكة فسار في طريق وعرة حتى
دنا من الحديبية وهي طرف الحرم على تسعة أميال من مكة إلى جهة الغرب
من ناحية جدة فلما رأت خيل قريش غبار الجيش قد خالفوا عن طريقهم
رجعوا راكضين إلى قريش ينذرونهم فخرجوا بأجمعهم حتى نزلوا مياه
الحديبية فلما وقعت يدا راحلته ص على الثنية التي تهبط على القوم بركت
فقال المسلمون حل حل يزجرونها فابت ان تنبعث فقالوا خلأت (٤) القصواء
فقال ص ما خلأت وما هو لها بخلق ولكن حبسها حابس الفيل عن مكة
اما والله لا يسألوني اليوم خطة فيها تعظيم حرمة الله وفي رواية فيها صلة
الرحم الا أعطيتهم إياها ثم زجرها فقامت وانصرف عن القوم حتى نزل
بالناس على ثمد من أثماد الحديبية وجاءه بديل بن ورقاء الخزاعي رئيس
خزاعة في رجال من قومه وكانت خزاعة مسلمها وكافرها عيبة نصح رسول

(١) الحديبية في القاموس كدويهية (اي بالتخفيف) بئر قرب مكة " اه‍ " وفي المصباح انها بئر
قرب مكة على طريق جدة دون مرحلة " اه‍ " وفي معجم البلدان هي قرية متوسطة سميت
ببئر هناك عند مسجد الشجرة التي بايع رسول الله " ص " تحتها - يعني بيعة الرضوان - وقال
الخطابي سميت الحديبية بشجرة حدباء كانت في ذلك الموضع وبين الحديبية ومكة مرحلة
وبينها وبين المدينة تسع مراحل " اه‍ ".
(٢) العوذ بالضم جمع عائذ وهي الحديثة النتائج من الظباء والإبل والخيل وكل أنثى فاعل بمعنى
مفعول لأن ولدها يعوذ بها وقالوا عائذ لأنها عاطفة عليها كما قالوا تجارة رابحة وإن كانت
مربوحا فيها لأنها في معنى نامية وزاكية وقيل هو على النسب مثل تأمر ولابن اي ذات عوذ
ويقال لها عائذ إلى سبعة أيام أو عشرة أو خمسة عشر ثم هي مطفل والجمع مطافيل أي ذوات
أطفال وفسرت العوذ المطافيل في حديث الحديبية بالنساء والصبيان تشبيها بالنوق الوالدة
وفسرها الزمخشري في الفائق بالنوق الحديثات النتاج ذوات الأطفال ويأتي ذكر العوذ المطافيل
في كلام بديل بن ورقاء الخزاعي والموجود في جميع الكتب التي رأيناها العوذ المطافيل بدون
وأو سوى طبقات ابن سعد ففيها في كلام بديل العوذ والمطافيل والنساء والصبيان ولا يبعد
كونه هو الصواب وما في غيره اشتباه حصل لواحد وتبعه الباقون إذ مقتضى كلام أهل اللغة
كما سمعت ان العوذ غير المطافيل فالعوذ الوالدة إلى مدة وبعده تسمى مطافيل فالمناسب
العطف المقتضي للمغايرة ثم إن تفسير العوذ المطافيل بالنساء والصبيان لا
موجب له لامكان بقائها على معناها الأصلي كما يومي إليه ما مر عن الفائق بل رفت انه لا
يبعد كون الصواب العوذ والمطافيل والنساء والصبيان كما مر عن الطبقات فالمراد ان معهم
الجميع والغرض من ذكر ذلك انهم جاؤوا عازمين على الحرب جادين في ذلك فجاؤوا معهم
بأموالهم ونسائهم وأولادهم ليكون ادعى لثباتهم وخص العوذ المطافيل بيان انهم جاؤوا بها
ليشربوا ألبانها إذا طال عليهم المقام أو لأنها من أعز المال الذي يحامي عنه.
(٣) كناية عن شدة العداوة.
(٤) الخلاء للنوق كالألحاح للجمال والحران للدواب يقال خلأت الناقة والح الجمل وحرن الفرس
كذا في النهاية.
- المؤلف -
(٢٦٨)

الله ص لا تخفي عنه شيئا من أمر قريش فسلموا عليه وقال بديل جئناك من
عند قومك كعب بن لؤي وعامر بن لؤي قد استنفروا لك الأحابيش ومن
أطاعهم معهم العوذ المطافيل يقسمون بالله لا يخلون بينك وبين البيت حتى
تبيد خضراؤهم فقال رسول الله ص لم نأت لقتال أحد إنما جئنا لنطوف بهذا
البيت وفي رواية فمن صدنا عنه قاتلناه فرجعوا إلى قريش فقالوا انكم
تعجلون على محمد انه لم يأت لقتال وانما جاء زائرا لهذا البيت فاتهموهم
وجبهوهم وقالوا وإن كان جاء لا يريد قتالا فوالله لا يدخلها علينا عنوة ابدا
ولا تتحدث بذلك عنا العرب ثم بعثوا الحليس بن علقمة وكان يومئذ سيد
الأحابيش وكان يتأله فلما رآه رسول الله ص قال إن هذا من قوم يتالهون
فابعثوا الهدى في وجهه حتى يراه فلما رأى الهدي يسيل عليه من عرض
الوادي عليه القلائد وقد أكل أوباره من طول الحبس رجع ولم يصل إلى
رسول الله ص اعظاما لما رأى فقال لهم ذلك فقالوا اجلس فإنما أنت اعرابي
لا علم لك فغضب وقال والله ما على هذا حالفناكم أ يصد عن بيت الله من
جاء معظما له والله لتخلن بين محمد وبين ما جاء له أو لأنفرن بالأحابيش
نفرة رجل واحد قالوا فاكفف عنا حتى نأخذ لأنفسنا ما نرضى به ثم بعثوا
عروة بن مسعود الثقفي فجاء حتى جلس بين يدي رسول الله ص فقال يا
محمد أجمعت أوشاب الناس ثم جئت بهم إلى بيضتك لتفضها بهم انها
قريش قد خرجت معها العوذ المطافيل قد لبسوا جلود النمور يعاهدون الله
لا تدخلها عليهم عنوة ابدا وجعل يتناول لحية رسول الله ص وهو يكلمه
والمغيرة بن شعبة واقف على رأس رسول الله ص في الحديد فجعل يقرع يده
ويقول اكفف يدك عن وجه رسول الله ص قبل ان لا نصل إليك فقال
عروة ويحك ما أفظك وأغلظك ثم قال أي غدر وهل غسلت سوأتك الا
بالأمس، وكان المغيرة قتل قبل اسلامه ثلاثة عشر رجلا من بني مالك من
ثقيف فوداهم عروة فكلم رسول الله ص عروة بنحو ما كلم به أصحابه
وأخبره انه لا يريد حربا فقام عروة من عنده وقد رأى ما يصنع به أصحابه
لا يتوضأ إلا ابتدروا لوضوءه ولا يسقط من شعره شئ الا اخذوه فقال
لقريش اني قد جئت كسرى وقيصر والنجاشي في ملكهم والله ما رأيت ملكا
في قوم قط مثل محمد في أصحابه ولقد رأيت قوما لا يسلمونه لشئ ابدا
وكان رسول الله ص ارسل خراش بن أمية الخزاعي إلى قريش ليخبرهم ما
جاء له فعقروا بعيره وأرادوا قتله فمنعه من هناك من قومه فدعا عمر ليبعثه
فقال اني أخاف قريشا على نفسي وليس من بني عدي أحد يمنعني فبعث
عثمان فقال اخبرهم انا لم نأت لقتال وانما جئنا زوارا لهذا البيت معظمين
لحرمته معنا الهدى ننحره وننصرف فلقيه أبان بن سعيد بن العاص فأجاره
حتى بلغ رسالة رسول الله ص فقالوا لا كان هذا ابدا ولا يدخلها علينا
العام واحتسبته قريش عندها ثلاثة أيام فبلغ رسول الله ص ان عثمان قد
قتل فقال: لا نبرح حتى نناجز القوم ودعا إلى البيعة فكانت بيعة الرضوان
تحت الشجرة. قال المفيد في الارشاد: وكان من بلاء علي ع في ذلك
اليوم عند صف القوم في الحرب والقتال ما ظهر خبره واستفاض ذكره وذلك
بعد البيعة التي اخذها النبي ص على أصحابه والعهود عليهم في الصبر
وكان علي ع المبايع للنساء عن النبي ص فكانت بيعته لهن يومئذ ان
طرح ثوبا بينهن وبينه ثم مسحه بيده فكانت مبايعتهن للنبي ص مسح
الثوب ورسول الله ص يمسح ثوب علي ع مما يليه اه‍ وجعلت
الرسل تختلف بين رسول الله ص وبين قريش فاجمعوا على الصلح والموادعة
فبعثوا سهيل بن عمرو في عدة من رجالهم وجرى الصلح بينهما فدعا رسول
الله ص علي بن أبي طالب ليكتب كتاب الصلح فقال اكتب بسم الله الرحمن
الرحيم فقال سهيل لا اعرف هذا ولكن اكتب باسمك اللهم فكتبها ثم قال
اكتب هذا ما صالح محمد رسول الله سهيل بن عمرو فقال سهيل لو شهدت
انك رسول الله لم أقاتلك ولكن اكتب اسمك واسم أبيك فقال رسول الله ص
اكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله سهيل بن عمرو فجعل علي يتلكأ
ويأبى ان يكتب الا محمد رسول الله فقال له رسول الله ص اكتب فان لك
مثلها تعطيها وأنت مضطهد وفي السيرة الحلبية فقال رسول الله ص لعلي:
امح رسول الله فقال علي والله لا امحوه ابدا فقال أرنيه فأراه إياه فمحاه بيده
وقال انا والله رسول الله وان كذبتموني. وفي ارشاد المفيد فقال له علي ع
انه والله لرسول الله على رغم انفك فقال سهيل اكتب اسمه يمض
الشرط فقال له علي ع ويلك يا سهيل كف عن عنادك فكتب علي ع
هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله سهيل بن عمرو اصطلحا على وضع
الحرب عشر سنين يامن فيها الناس ويكف بعضهم عن بعض على أنه من
أتى محمدا من قريش بغير إذن وليه رده عليهم ومن أتى قريشا ممن مع محمد
لم يردوه عليه وان بيننا عيبة مكفوفة (١) وانه لا إسلال ولا إغلال (٢) وان من
أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه وأن من أحب أن يدخل في
عقد قريش وعهدهم دخل فيه فتواثبت خزاعة فقالوا نحن في عقد محمد
وعهده وتواثبت بنو بكر فقالوا نحن في عقد قريش وعهدهم وانك ترجع
عنا عامك هذا فلا تدخل علينا مكة وانه إذا كان عام قابل خرجنا عنك
فدخلتها بأصحابك فأقمت بها ثلاثا معك سلاح الراكب السيوف في القرب
لا تدخلها بغيرها وشهد أبو بكر بن أبي قحافة وعمر بن الخطاب وعبد
الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وعثمان بن عفان وأبو عبيدة بن
الجراح ومحمد بن مسلمة وحويطب بن عبد العزى ومكرز بن حفص وكانا
مشركين وعلي بن أبي طالب وكان هو كاتب الصحيفة وكتب الكتاب
نسختين إحداهما عند رسول الله ص والأخرى عند سهيل بن عمرو وبينا
هم يكتبون الكتاب إذ جاء أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف في الحديد
قد انفلت من مكة إلى رسول الله ص وكان قد أسلم فقيدته قريش وعذبته
فلما رآه أبوه سهيل قام إليه فضرب وجهه واخذ بتلبيبه ثم قال يا محمد قد
لجت القضية بيني وبينك قبل ان يأتيك هذا قال صدقت وقال ص يا أبا
جندل قد تم الصلح بيننا وبين القوم فاصبر حتى يجعل الله لك فرحا ومخرجا
ثم انطلق سهيل بن عمرو وأصحابه ونحر رسول الله ص هديه وحلق ونحر
أصحابه وحلق عامتهم وقصر الآخرون وأقام بالحديبية بضعة عشر يوما
ويقال عشرين يوما ثم انصرف.
وجاءه ص وهو بالمدينة أبو بصير رجل من قريش واسمه عتبة وكان
ممن حبس بمكة فأرسلت قريش إلى رسول الله ص رجلين في رده فامره
بالرجوع فقال يا رسول الله أ تردني إلى المشركين يفتنونني عن ديني قال إن الله
سيجعل لك ولمن حولك من المسلمين فرجا وخرجا فلما كان في بعض
الطريق أخذ سيف أحدهما وقتله به وفر الآخر وذهب أبو بصير إلى محل من
طريق الشام تمر به عير قريش واجتمع إليه جمع من المسلمين الذين كانوا
احتبسوا بمكة صاروا يتسللون إليه ومنهم أبو جندل الذي رده ص يوم
الحديبية فكانوا سبعين وانضم إليهم ناس من قبائل العرب كانوا أسلموا
حتى بلغوا ثلثمائة فقطعوا مادة قريش لا يظفرون بأحد الا قتلوه ولا تمر بهم

(١) العيبة وعاء مخصوصو ومكفوفة اي مقفلة على ما فها كني بذلك عن أن الشريكون مكفوفا
بينهم كما تكف العيبة على ما فيها من المناع.
(٢) الاسلال الغارة الظاهرة والأغلال الخيانة أو السرقة الخفية.
- المؤلف -
(٢٦٩)

عير إلا اخذوها فكتبت قريش إلى رسول الله ص تسأله بالارحام الا آواهم
ولا حاجة لهم بهم فآواهم رسول الله ص فقدموا عليه المدينة وهم الذين مر
بهم أبو العاص بن الربيع من الشام في نفر من قريش فاسروهم واخذوا ما
معهم ولم يقتلوا منهم أحدا لصهر أبي العاص زوج زينب بنت رسول الله ص
وخلوا سبيل أبي العاص فقدم المدينة كما ذكرناه في أواخر وقعة بدر وامنت
قريش على عيرها وكان صلح الحديبية سببا لكثرة المسلمين. وهاجر إليه
بعض النساء فأبى ان يردهن وذلك قوله تعالى إذا جاءكم المؤمنات
مهاجرات فامتحنوهن الله اعلم بايمانهن فان علمتموهن مؤمنات فلا
ترجعوهن إلى الكفار الآية.
غزوة خيبر
في جمادي الأولى وقيل في المحرم سنة سبع من الهجرة وهي على ثمانية برد
من المدينة مسير نحو ثمان وأربعين ساعة سميت باسم رجل من العماليق
نزلها وهو أخو يثرب الذي سميت باسمه المدينة وقيل خيبر بلسان اليهود
الحصن وهي مدينة كبيرة ذات حصون ومزارع ونخل كثير. ولم يذكر
المؤرخون انه كان بين النبي ص ويهود خيبر عهد وانما كان العهد بينه وبين
البطون الثلاثة من اليهود المقدم ذكرهم الذين كانوا بنواحي المدينة وهم بنو
قينقاع والنضير وقريظة اما يهود خيبر فالظاهر أنه غزاهم يدعوهم إلى
الاسلام أو قبول الجزية أو الحرب فلما لم يسلموا ولم يقبلوا الجزية حاربهم
ومع ذلك فقد ذكر ابن الأثير وغيره ان أهل خيبر كانوا مظاهرين لغطفان
على رسول الله ص وان غطفان قصدت خيبر ليظاهروا اليهود ثم خافوا
المسلمين على أهليهم وأولادهم فرجعوا. وكان المسلمون في هذه الغزاة ألفا
وأربعمائة والخيل مائتي فرس.
قال ابن سعد: فلما نزل بساحتهم لم يتحركوا تلك الليلة حتى طلعت
الشمس وأصبحوا وأفئدتهم تخفق وفتحوا حصونهم وغدوا إلى أعمالهم فلما
نظروا إلى رسول الله ص قالوا محمد والخميس أي الجيش وولوا هاربين إلى
حصونهم وجعل رسول الله ص يقول الله أكبر خربت خيبر انا إذا نزلنا
بساحة قوم فساء صباح المنذرين ووعظ رسول الله ص الناس. قال ابن
هشام فحاصرهم بضع عشرة ليلة فكان أول حصونهم افتتح حصن ناعم ثم
القموص ثم حصن الصعب بن معاذ ثم الوطيح والسلالم وكانا آخر حصون
خيبر افتتاحا، ثم قال: قال ابن إسحاق وحدثني بريدة بن سفيان بن فروة
الأسلمي عن أبيه سفيان عن سلمة بن عمرو بن الأكوع قال بعث رسول
الله ص أبا بكر الصديق رض برايته وكانت بيضاء إلى بعض حصون
خيبر يقاتل فرجع ولم يك فتح وقد جهد، ثم بعث الغد عمر بن الخطاب
فقاتل ثم رجع ولم يك فتح وقد جهد فقال رسول الله ص لأعطين الراية
غدا رجلا يحب الله ورسوله يفتح الله على يديه ليس بفرار، وفي السيرة
الحلبية: في لفظ كرار غير فرار، قال وقد دفع ص لواءه لرجل من
المهاجرين فرجع ولم يصنع شيئا فدفعه إلى آخر من المهاجرين فرجع ولم
يصنع شيئا، قال ابن هشام: يقول سلمة: فدعا رسول الله ص عليا وهو
أرمد فتفل في عينيه ثم قال خذ هذه الراية فامض بها حتى يفتح الله عليك
قال سلمة فخرج والله يهرول هرولة وانا لخلفه نتبع اثره حتى ركز رايته في
رضم (١) من حجارة تحت الحصن، فاطلع إليه يهودي من رأس الحصن
فقال من أنت؟ قال انا علي بن أبي طالب، قال: يقول اليهودي علوتم أو
غلبتم وما انزل على موسى أو كما قال، فما رجع حتى فتح الله على يديه.
ورواه أبو نعيم الأصبهاني في حلية الأولياء بسنده عن سلمة بن الأكوع مثله
وروى الحاكم في المستدرك (٢) بسنده عن سلمة بن عمرو بن الأكوع قال
بعث رسول الله ص أبا بكر رض إلى بعض حصون خيبر فقاتل وجهد
ولم يكن فتح وبسنده عن أبي ليلى عن علي أنه قال يا أبا ليلى أ ما كنت
معنا بخيبر قال بلى والله كنت معكم قال فان رسول الله ص بعث أبا بكر
إلى خيبر فسار بالناس وانهزم حتى رجع. هذا حديث صحيح الاسناد ولم
يخرجاه أي لم يخرجه البخاري ومسلم. وقال الذهبي في تلخيص
المستدرك: صحيح ولم يعقبه ومن عادته ان يتعقب المستدرك إذا لم يكن
الحديث صحيحا عنده، وروى الحاكم في المستدرك أيضا قال: أخبرنا أبو
العباس محمد بن أحمد المحبوبي بمرو ثنا سعيد بن مسعود ثنا عبيد الله بن
موسى ثنا نعيم بن حكيم عن أبي موسى الحنفي عن علي رضي الله عنه
قال: سار النبي ص إلى خيبر فلما اتاها بعث عمر رض وبعث معه
الناس إلى مدينتهم أو قصرهم فقاتلوهم فلم يلبثوا ان هزموا عمر وأصحابه
فجاءوا يجبنونه ويجبنهم فسار النبي ص الحديث. هذا حديث صحيح
الاسناد ولم يخرجاه اه وقال الذهبي في تلخيص المستدرك صحيح ولم
يتعقبه وبسنده عن جابر ان النبي ص دفع الراية يوم خيبر إلى عمر
رض فانطلق فرجع يجبن أصحابه ويجبنونه. هذا حديث صحيح على
شرط مسلم ولم يخرجاه وبسنده عن جابر بن عبد الله قال لما كان يوم
خيبر بعث رسول الله ص رجلا فجبن إلى أن قال ثم قال رسول الله ص
لأبعثن غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبانه لا يولي الدبر يفتح الله على يديه
فتشق لها الناس وعلي يومئذ أرمد فقال له رسول الله ص سر فقال ما
أبصر موضع فتفل في عينيه وعقد له ودفع إليه الراية فقال: يا رسول الله
علام أقاتلهم فقال على أن يشهدوا ان لا إله إلا الله وإني رسول الله فإذا
فعلوا ذلك حقنوا مني دماءهم وأموالهم الا بحقها وحسابهم على الله عز
وجل فلقيهم ففتح الله عليه. وفي أسد الغابة بسنده عن بريدة قال: لما
كان يوم خيبر اخذ أبو بكر اللواء فلما كان من الغد اخذه عمر وقيل
محمد بن مسلمة فقال رسول الله ص لأدفعن لوائي إلى رجل لم يرجع حتى
يفتح الله عليه فصلى رسول الله ص صلاة الغداة ثم دعا باللواء فدعا عليا
وهو يشتكي عينيه فمسحهما ثم دفع إليه اللواء ففتح قال الراوي فسمعت
عبد الله بن بريدة يقول حدثني أبي انه كان صاحب مرحب يعني عليا.
وروى الطبري في تاريخه قال حدثنا ابن بشار حدثنا محمد بن جعفر حدثنا
عوف عن ميمون أبي عبد الله ان عبد الله بن بريدة حدث عن بريدة
الأسلمي قال لما كان حين نزل رسول الله ص بحصن أهل خيبر اعطى
رسول الله ص اللواء عمر بن الخطاب ونهض من نهض معه من الناس
فلقوا أهل خيبر فانكشف عمر وأصحابه فرجعوا إلى رسول الله ص يجبنه
أصحابه ويجبنهم فقال رسول الله ص لأعطين اللواء غدا رجلا يحب الله
ورسوله ويحبه الله ورسوله فلما كان للغد تطاول لها أبو بكر وعمر فدعا عليا
ع وهو أرمد فتفل في عينيه وأعطاه اللواء ونهض معه من الناس من
نهض فلقي أهل خيبر فإذا مرحب يرتجز ويقول:
- قد علمت خيبر اني مرحب * شاكي السلاح بطل مجرب -
- أطعن أحيانا وحينا اضرب * إذا الليوث أقبلت تلتهب -

(١) الرضم بفتح الراء وسكون الضاد ويحرك صخور عظام يرضم بعضها فوق بعض.
(٢) ج ٣ ص ٣٧.
- المؤلف -
(٢٧٠)

فاختلف هو وعلي ضربتين فضربه علي على هامته حتى عض السيف
منها بأضراسه وسمع أهل العسكر صوت ضربته فما تتام آخر الناس مع علي
ع حتى فتح الله لأولهم. وروى الحاكم في المستدرك بسنده عن
عبد الله بن بريدة الأسلمي ان رسول الله ص لما نزل بحضرة خيبر قال
لأعطين اللواء غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله فلما كان من
الغد تطاول له جماعة من أصحابه فدعا عليا وهو أرمد فتفل في عينيه وأعطاه
اللواء ومعه الناس فلقوا أهل خيبر فإذا مرحب بين أيديهم يرتجز وهو يقول:
- قد علمت خيبر اني مرحب * شاكي السلاح بطل مجرب -
- إذا السيوف أقبلت تلتهب * أطعن أحيانا وحينا اضرب -
فاختلف هو وعلي بضربتين فضربه علي على رأسه حتى عض السيف
بأضراسه وسمع أهل العسكر صوت ضربته فقتله فما أتى آخر الناس حتى
فتح لأولهم.
وروى الحاكم في المستدرك بسنده عن اياس بن مسلمة عن أبيه
قال: شهدنا مع رسول الله ص خيبر حين تفل رسول الله ص في عيني علي
فبرئ فأعطاه الراية فبرز مرحب وهو يقول:
- قد علمت خيبر اني مرحب * شاكي السلاح بطل مجرب -
- إذا الحروب أقبلت تلتهب -
فبرز له علي وهو يقول:
- انا الذي سمتني أمي حيدرة * كليث غابات كريه المنظره -
- أوفيكم بالصاع كيل السندرة -
فضرب مرحبا ففلق رأسه فقتله وكان الفتح. ثم قال الطبري حدثنا
أبو كريب حدثنا يونس بن بكير حدثنا المسيب بن مسلم الأودي حدثنا
عبد الله بن بريدة عن أبيه قال كان رسول الله ص ربما أخذته الشقيقة فلم
يخرج إلى الناس وان أبا بكر اخذ راية رسول الله ص ثم نهض فقاتل قتالا
شديدا ثم رجع فاخذها عمر فقاتل قتالا شديدا هو أشد من القتال الأول
ثم رجع فأخبر بذلك رسول الله ص فقال اما والله لأعطينها غدا رجلا يحب
الله ورسوله ويحبه الله ورسوله يأخذها عنوة قال وليس ثم علي ع
فتطاولت لها قريش ورجا كل واحد منهم ان يكون صاحب ذلك فأصبح
فجاء علي ع على بعير له حتى أناخ قريبا من خباء رسول الله ص وهو
أرمد وقد عصب عينيه بشقة برد قطري فقال رسول الله ص ما لك قال
رمدت بعد فقال رسول الله ص ادن مني فدنا منه فتفل في عينيه فما اشتكى
وجعهما حتى مضى لسبيله ثم أعطاه الراية فنهض بها معه وعليه حلة
ارجوان حمراء قد اخرج خملها فاتى مدينة خيبر وخرج مرحب صاحب الحصن
وعليه مغفر وبرد معصفر يمان وحجر قد ثقبه مثل البيضة على رأسه وهو يرتجز
ويقول:
- قد علمت خيبر اني مرحب * شاكي السلاح بطل مجرب -
فقال علي ع:
- انا الذي سمتني أمي حيدرة * أكيلكم بالسيف كيل السندرة -
- ليث بغابات شديد قسورة -
فاختلفا ضربتين فبدره علي فضربه فقد الحجر والمغفر ورأسه حتى وقع
السيف في الأضراس وأخذ المدينة. وفي السيرة الحلبية ان مرحبا كان رأى
تلك الليلة كان أسدا افترسه فذكره ذلك علي بقوله:
- انا الذي سمتني أمي حيدرة * ليث بغابات شديد قسوره -
لأن حيدرة من أسماء الأسد. وفي السيرة الحلبية: جاء ان مرحبا لما
رأى أخاه قد قتل خرج سريعا من الحصن في سلاحه وقد كان لبس درعين
وتقلد بسيفين واعتم بعمامتين ولبس فوقهما مغفرا وحجرا قد ثقبه قدر
البيضة ومعه رمح لسانه ثلاثة أشبار وهو يرتجز بما مر فيروى ان عليا ضربه
فتترس فوقع السيف على الترس فقده وشق المغفر والحجر الذي تحته
والعمامتين وفلق هامته حتى اخذ السيف في الأضراس. وفي طبقات ابن
سعد: أخبرنا عفان بن مسلم حدثنا وهيب حدثنا سهيل عن أبيه عن أبي
هريرة قال رسول الله ص يوم خيبر: لأدفعن الراية إلى رجل يحب الله
ورسوله ويحبه الله ورسوله ويفتح عليه قال عمر: فما أحببت الامارة قبل
يومئذ فتطاولت لها واستشرفت رجاء ان يدفعها إلى فلما كان الغد دعا عليا
فدفعها إليه فقال قاتل ولا تلتفت حتى بفتح الله عليك فسار قريبا ثم نادى
يا رسول الله علا م أقاتل قال حتى يشهدوا ان لا إله إلا الله وأن محمدا
رسول الله فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها
وحسابهم على الله. وفي السيرة الحلبية: زاد في رواية: وأخبرهم بما يجب
عليهم من حق الله فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من أن
يكون لك حمر النعم تتصدق بها في سبيل الله وروى ابن سعد بسنده
عن سلمة بن الأكوع ان عمه عامرا بارز مرحبا يوم خيبر فاختلفا ضربتين
فوقع سيف مرحب في ترس عامر وذهب عامر يسفل له فوقع السيف على
ساق عامر فقطع اكحله فكانت فيها نفسه قال سلمة ثم إن نبي الله أرسلني
إلى علي فقال لأعطين الراية اليوم رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله
فجئت به أقوده أرمد فتفل رسول الله ص في عينيه ثم أعطاه الراية فخرج
مرحب يخطر بسيفه ويرتجز بما مر فقال علي ع وذكر الرجز السابق ثم
قال: ففلق رأس مرحب بالسيف وكان الفتح على يديه. وكذلك في السيرة
الحلبية. وفي السيرة الحلبية أيضا: في رواية انه ص ألبسه درعه الحديد
وشد ذا الفقار في وسطه وأعطاه الراية ووجهه إلى الحصن وخرج إليه أهل
الحصن وكان أول من خرج إليه منهم الحارث أخو مرحب وكان معروفا
بالشجاعة فانكشف المسلمون وثبت علي فتضاربا فقتله علي وانهزم اليهود إلى
الحصن. وروى ابن هشام عن ابن إسحاق وروى الطبري عن ابن حميد عن
سلمة عن محمد بن إسحاق حدثني عبد الله بن الحسن عن بعض أهله عن
أبي رافع مولى رسول الله ص قال: خرجنا مع علي بن أبي طالب حين بعثه
رسول الله ص برايته فلما دنا من الحصن خرج إليه أهله فقاتلهم فضربه
رجل من اليهود فطاح ترسه من يده فتناول علي بابا كان عند الحصن فتترس
به عن نفسه فلم يزل في يده وهو يقاتل حتى فتح الله عليه ثم ألقاه من يده
حين فرع فلقد رأيتني في نفر سبعة انا ثامنهم نجهد على أن نقلب ذلك
الباب فما نقبله اه وفي السيرة الحلبية: ثم ألقاه وراء ظهره ثمانين
شبرا. وكان اليهود قد خندقوا على أنفسهم كأنهم تعلموا ذلك من يوم
الأحزاب فان الخنادق لم تكن معروفة عند العرب كما مر وكان اسم الحصن
القموص وكان أعظم حصون خيبر وكان منيعا قال المفيد: لما قتل علي
ع مرحبا رجع من كان معه وأغلقوا باب الحصن عليهم دونه فسار علي
ع إلى الباب فعالجه حتى فتحه وأكثر الناس من جانب الخندق فاخذ
ع باب الحصن فجعله على الخندق جسرا لهم حتى عبروا فظفروا
بالحصن ونالوا الغنائم فلما انصرفوا من الحصن اخذه ع بيمناه فدحى به
(٢٧١)

أذرعا من الأرض وكان الباب يغلقه عشرون رجلا منهم واستاذن حسان بن
ثابت رسول الله ص أن يقول في ذلك شعرا فاذن له فانشا يقول:
- وكان علي أرمد العين يبتغي * دواء فلما لم يحس مداويا -
- شفاه رسول الله منه بتفلة * فبورك مرقيا وبورك راقيا -
- وقال سأعطي الراية اليوم صارما * كميا محبا للرسول مواليا -
- يحب إلهي والاله يحبه * به يفتح الله الحصون الأوابيا -
- فأصفى بها دون البرية كلها * عليا وسماه الوزير المؤاخيا -
وفي ذلك يقول الشاعر أيضا:
- ان امرأ حمل للرتاج بخيبر * يوم اليهود بقدرة لمؤيد -
- حمل الرتاج رتاج باب قموصها * والمسلمون وأهل خيبر حشد -
- فرمى به ولقد تكلف رده * سبعون شخصا كلهم متشدد -
- ردوه بعد تكلف ومشقة * ومقال بعضهم لبعض ارددوا -
قال المفيد: وفيه أيضا قال شاعر من شعراء الشيعة على ما رواه أبو
محمد الحسن بن محمد بن جمهور قال قرأت على أبي عثمان المازني:
- بعث النبي براية منصورة * في يوم خيبر في الدلام الادلما -
- فمضى بها حتى إذا برزوا له * دون القموص ثنى وهاب واحجما -
- فاتى النبي براية مردودة * إلا تخوف عارها فتذمما -
- فبلى النبي له وانبه بها * ودعا امرأ حسن البصيرة مقدما -
- فغدا بها في فيلق ودعا له * ان لا يصد بها وان لا يهزما -
- فزوى اليهود إلى القموص وقد كسا * كبش الكتيبة ذا غرار مخذما -
- وثنى بناس بعدهم فقراهم * طلس الذباب وكل نسر قشعما -
- ساط الاله بحب آل محمد * وبحب من والاهم مني الدما -
ولما قتل مرحب خرج أخوه ياسر وكان من مشاهر فرسان يهود
وشجعانهم وهو يقول:
- قد علمت خيبر اني ياسر * شاكي السلاح بطل مغاور -
فبرز إليه علي ع فقتله وقيل قتله الزبير. ولما فتح علي ع
القموص حصن ابن أبي الحقيق أسر صفية بنت حيي بن اخطب واخرى
معها وارسلهما إلى رسول الله ص مع بلال فمر بهما بلال على قتلى يهود فلما
رأتهم التي مع صفية صاحت وصكت وجهها وحثت التراب على رأسها فقال
لبلال حين رأى من تلك اليهودية ما رأى: أ نزعت منك الرحمة يا بلال
حيث تمر بامرأتين على قتلى رجالهما.
وفي السيرة الحلبية: قال بعضهم الاخبار متواترة بان عليا هو الذي
قتل مرحبا وبه جزم مسلم في صحيحه وقال ابن الأثير هو الصحيح الذي
عليه أهل السير والحديث، وفي الاستيعاب انه الصحيح الذي عليه أكثر
أهل السير والحديث اه وقال الحاكم في المستدرك ان الأخبار متواترة
باسناد كثيرة ان قاتل مرحب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب اه فلا
يلتفت إلى الخبر الشاذ الذي رواه محمد بن إسحاق من أن قاتله محمد بن
مسلمة.
والعجب من الدكتور محمد حسين هيكل المصري فإنه لم يذكر في
كتابه حياة محمد ص إلا الخبر الشاذ الذي وضعه أعداء علي وحاسدوه بان
مرحبا قتله محمد بن مسلمة واعرض عن الخبر المتواتر بان قاتل مرحب هو
علي بن أبي طالب ولم يشر إليه أصلا مع حكم الحفاظ والنقاد من مؤرخي
المسلمين ومحدثيهم بصحته وتواتره كما سمعت ومع ظهور الحال في ذلك
ظهورا يجعله كالشمس الضاحية ولا عجب فانا رأينا هذا الرجل في كتابه
هذا يغمط عليا حقه في كل موضع ما استطاع.
وقدم على النبي ص جعفر بن أبي طالب من الحبشة يوم فتح خيبر
فقبل رسول الله ص بين عينيه والتزمه وقال ما أدري بأيهما أنا أسر بفتح
خيبر أم بقدوم جعفر.
ولما فتحت خيبر قال الحجاج بن علاط وكان قد أسلم: يا رسول الله
ان لي مالا بمكة متفرقا في تجار أهل مكة فائذن لي في الخروج لأجله ولا بد
لي أن أقول ما لم يكن فاذن له قال فلقيني رجال من قريش ولم يكونوا علموا
باسلامي فقالوا بلغنا أن القاطع سار إلى خيبر وهي ريف الحجاز قلت
عندي من الخبر ما يسركم هزم هزيمة لم يسمع بمثلها وقتل أصحابه وأسر
محمدا اسرا وقالوا لا نقتله حتى نبعث به إلى أهل مكة فيقتلوه بين أظهرهم
بما أصاب منهم فصرخوا وصاحوا بذلك في مكفة فقلت أعينوني على جمع
مالي بمكة فاني أريد أن أقدم خيبر فأصيب من فل محمد قبل ان يسبقني
التجار فجمعوا لي ذلك كله، وسمع بذلك العباس فسألني فقلت احفظ
عني حديثي ثلاثا فاني اخشى الطلب، قال افعل، قلت فتح ابن أخيك
خيبر واحرز ما فيها وتركته عروسا على ابنة ملكهم وقد أسلمت وما جئت
إلا لاخذ مالي فلما كان اليوم الثالث لبس العباس حلة له وتطيب واخذ
عصاه ثم خرج فطاف بالكعبة فلما رأوه قالوا يا أبا الفضل هذا والله
التجلد، قال كلا والذي حلفتم به لقد افتتح محمد خيبر وتزوج ابنة ملكهم
واحرز أموالهم فأصبحت له ولأصحابه قالوا من أخبرك بهذا قال الذي
أخبركم بما أخبركم ولقد جاء مسلما، قالوا انفلت عدو الله ثم جاءهم الخبر
بذلك.
وهذا يدل على أن قريشا كسرت شوكتهم بعد وقعة الخندق والا لم
يجسر العباس على ذلك كما لم يجسر على التخلف عنهم يوم بدر.
فدك
قال ابن إسحاق: فلما فرع رسول الله ص من خيبر قذف الله الرعب
في قلوب أهل فدك فبعثوا إلى رسول الله ص يصالحونه على النصف من فدك
فقبل منهم ذلك فكانت فدك لرسول الله ص خالصة لأنه لم يوجف عليها
بخيل ولا ركاب.
غزوة وادي القرى
في جمادي الآخرة سنة سبع قال ياقوت هو واد بين الشام والمدينة بين
تيماء وخيبر من أعمال المدينة كثيرة القرى كانت قديما منازل ثمود وعاد. لما
فرع رسول الله ص من خيبر توجه إلى وادي القرى وأهله يهود فدعاهم إلى
الاسلام فامتنعوا وقاتلوه وبرز رجل منهم فقتله الزبير وآخر فقتله علي بن أبي
طالب وآخر فقتله أبو دجانة وقاتلهم المسلمون إلى السماء وقتل منهم أحد
عشر رجلا ففتحها رسول الله ص عنوة فترك الأرض والنخيل في يد أهلها
وعاملهم على نحو ما عال عليه أهل خيبر.
عمرة القضاء
وكانت في ذي القعدة سنة سبع خرج ص في الشهر الذي صدوه فيه
(٢٧٢)

معتمرا مكان عمرته التي صدوه عنها ولذلك سميت عمرة القضاء ويقال
عمرة القصاص وخرج معه المسلمون ممن كان صد معه إلا من مات أو قتل
وخرج معهم غيرهم عمارا فكانوا ألفين وحمل معه السلاح الدروع والبيض
والرماح وقاد مائة فرس وأحرم من ذي الحليفة هو وأصحابه وساق ستين
بدنة وقدم الخيل أمامه عليها محمد بن مسلمة وعلى السلاح بشير بن سعد
فإنهم لم يلبسوه فقيل يا رسول الله حملت السلاح وقد شرطوا علينا أن لا
ندخلها عليهم إلا بسلاح المسافر السيوف في القرب فقال لا ندخل عليهم
الحرم بالسلاح ولكن يكون قريبا منا فلما سمع به أهل مكة خرج عنه
كبراؤهم إلى رؤوس الجبال حتى لا يروه يطوف بالبيت، وتحدثت قريش
بينها أن محمدا وأصحابه في عسرة وشدة وصفوا له عند دار الندوة لينظروا
إليه والى أصحابه، فقال ص: رحم الله امرأ أراهم اليوم من نفسه قوة
فطاف بالبيت وأتم عمرته وأقام بمكة ثلاثا، وكان عمه العباس قد زوجه
ميمونة بنت الحارث أخت زوجته أم الفضل وأصدقها عنه أربعمائة درهم
فأرسلت إليه قريش في اليوم الثالث قد انقضى اجلك فاخرج عنا فقال وما
عليكم لو تركتموني فأعرست بين أظهركم وصنعنا لكم طعاما فحضرتموه قالوا
لا حاجة لنا في طعامك فاخرج عنا، كأنه أراد أن يكذب ما بلغهم أنه في
عسرة وان يتألفهم فخرج واخذ معه عمارة بنت حمزة بن عبد المطلب وأمها
سلمى بنت عميس فكانت عمارة عند جعفر من أجل أن خالتها أسماء بنت
عميس عنده ودخل المدينة في ذي الحجة فأنزل الله تعالى: لقد صدق الله
رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين
رؤوسكم ومقصرين لا تخافون الآية.
غزوة مؤونة
في جمادي الأولى سنة ثمان من الهجرة بعد خيبر بشهرين وحقها أن
تسمى سرية كما في طبقات ابن سعد لأن الغزوة عندهم ما غزاها رسول الله
ص بنفسه والسرية بخلافها. ومؤتة بضم الميم وهمزة ساكنة موضع معروف
عند الكرك بأدنى البلقاء وكان سببها ان رسول الله ص بعث الحارث بن
عمير الأزدي بكتاب إلى هرقل ملك الروم بالشام فلما نزل مؤتة عرض له
شرحبيل بن عمرو الغساني من امراء قيصر على الشام فقال أين تريد لعلك
من رسل محمد؟ قال نعم، فاوثقه رباطا ثم قدمه فضرب عنقه ولم يقتل
لرسول الله ص رسول غيره فلما بلغه ذلك اشتد الأمر عليه فجهز ثلاثة
آلاف من أصحابه وبعثهم إلى بلاد الروم وأمر عليهم زيد بن حارثة فان
أصيب فجعفر بن أبي طالب فان أصيب فعبد الله بن رواحة هكذا ذكر أكثر
المحدثين ولكن في رواية أبان بن عثمان عن الصادق ع أنه استعمل
عليهم جعفرا فان قتل فزيد فان قتل فابن رواحة. قال ابن أبي الحديد
اتفق المحدثون على أن زيد بن حارثة كان هو الأمير الأول وأنكرت الشيعة
ذلك وقالوا كان جعفر بن أبي طالب هو الأمير الأول فان قتل فزيد بن حارثة
فان قتل فعبد الله بن رواحة ورووا في ذلك روايات وقد وجدت في الأشعار
التي ذكرها محمد بن إسحاق في كتابه المغازي ما يشهد لقولهم فمن ذلك ما
رواه عن حسان بن ثابت:
فلا يبعدن الله قتلى تتابعوا * بمؤتة منهم ذو الجناحين جعفر -
- وزيد وعبد الله حين تتابعوا * جميعا وأسياف المنية تقطر -
- غداة غدوا بالمؤمنين يقودهم * إلى الموت ميمون النقيبة أزهر -
- أغر كضوء البدر من آل هاشم * أبي إذا سيم الدنية اصعر -
- فطاعن حتى مال غير موسد * بمعترك فيه القنا متكسر -
ومنها قول كعب بن مالك الأنصاري من قصيدة:
- هدت العيون ودمع عينك يهمل * سحا كما وكف الرباب المسبل -
- وجدا على النفر الذين تتابعوا * قتلى بمؤتة أسندوا لم ينقلوا -
- ساروا أمام المسلمين كأنهم * طود يقودهم الهزبر المشبل -
- إذ يهتدون بجعفر ولواؤه * قدام أولهم ونعم الأول -
- حتى تقوضت الصفوف وجعفر * حيث التقى جمع الغواة مجدل -
وأمرهم النبي ص أن يأتوا مقتل الحارث فيدعوهم إلى الاسلام
فان أجابوا وإلا استعانوا الله عليهم وودعهم رسول الله ص وأوصاهم
بتقوى الله وقال اغزوا باسم الله فقاتلوا عدو الله وعدوكم بالشام وستجدون
فيها رجالا في الصوامع معتزلين فلا تتعرضوا لهم ولا تقتلوا امرأة ولا صغيرا
ولا كبيرا فانيا ولا تقطعوا شجرة ولا تهدموا بناء فلما فصلوا من المدينة سمع
العدو بمسيرهم فجمعوا لهم وقام فيهم شرحبيل بن عمرو فجمع أكثر من
مائة ألف وقدم الطلائع أمامه فساروا حتى نزلوا معان من أرض الشام
فبلغهم أن هرقل قد نزل مآب من أرض البلقاء في مائة ألف من الروم
ومائة ألف من العرب المتنصرة من بكر ولخم وجذام وغيرهم فاقاموا بمعان
ليلتين ينظرون في أمرهم هل يبعثون لرسول الله ص ويخبرونه بعدد عدوهم
فاما أن يمدهم أو يأمرهم بأمر فيمضوا له فشجعهم عبد الله بن رواحة فقال
يا قوم والله أن الذي تكرهون للذي خرجتم تطلبون الشهادة ونحن ما نقاتل
الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله
تعالى به فإنما هي إحدى الحسنيين إما ظهور وإما شهادة فقال الناس صدق
والله ابن رواحة فمضوا للقتال وفي ذلك يقول ابن رواحة من أبيات:
- فرحنا والجياد مسومات * تنفس في مناخرها السموم -
- أقامت ليلتين على معان * فاعقب بعد فترتها جموم -
- فلا وأبي مآب لنأتينها * ولو كانت بها عرب وروم -
- بذي لجب كان البيض فيه * إذا برزت قوانسها النجوم -
فلما كانوا بتخوم البلقاء لقيتهم جموع هرقل من الروم والعرب بقرية
من قرى البلقاء يقال لها مشارف وهي التي تنسب إليها السيوف المشرفية
لأنها كانت تعمل بها وانحاز المسلمون إلى قرية يقال لها مؤتة وعبأوا جيشهم
ميمنة وميسرة والتقى الناس فاقتتلوا فقاتل الأمراء يومئذ على أرجلهم قاتل
زيد بن حارثة براية رسول الله ص وقاتل المسلمون معه على صفوفهم حتى
شاط في رماح القوم أي قتل طعنا بالرماح فاخذ الراية جعفر بن أبي طالب
فقاتل حتى إذا ألحمه القتال اقتحم عن فرس له شقراء فعقرها وكان أول من
عقر فرسه في الاسلام ثم قاتل فقطعت يمينه فاخذ الراية بيساره فقطعت يساره
فاحتضن الراية وقاتل حتى قتل وقال رسول الله ص إن الله أبدله بهما جناحين
يطير بهما في الجنة مع الملائكة فروي انه وجد ما بين صدره ومنكبيه وما اقبل
منه تسعون جراحة ما بين ضربة وطعنة وقيل وجد في بدنه اثنتان وسبعون
ضربة وطعنة وروي خمسون جراحة وقيل ضربه رومي فقطعه بنصفين فوجد
في أحد نصفيه بضعة وثلاثون جرحا فاخذ الراية عبد الله بن رواحة ثم تقدم
بها وهو يتردد بعض التردد ثم قال:
- أقسمت يا نفس لتنزلنه * طائعة أو فلتكرهنه -
- إن اجلب الناس وشدوا لرنه * ما لي أراك تكرهين الجنة -
- قد طالما قد كنت مطمئنة * هل أنت الا نطفة في شنه -
وقال أيضا:
- يا نفس الا تقتلي تموتي * هذا حمام الموت قد صليت -
(٢٧٣)

- وما تمنيت فقد أعطيت * ان تفعلي فعلهما هديت -
ثم نزل فاتاه ابن عم له بعرق من لحم أي عظم عليه لحم فقال شد
بهذا صلبك فانتهس منه نهسة ثم سمع الحطمة في ناحية الناس فقال وأنت
في الدنيا وألقاه من يده وتقدم فقاتل حتى قتل ثم أخذ الراية خالد بن الوليد
فانحاز بالناس ورجع فلقيهم المسلمون يحثون في وجوههم التراب ويقولون يا
فرارون فررتم في سبيل الله فقال رسول الله ص بل هم الكرارون وكان
الرجل يجئ إلى أهل بيته يدق عليهم الباب فيأبون أن يفتحوا له حتى أن
نفرا منهم جلسوا في بيوتهم استحياء كلما خرج واحد منهم صاحوا به. وعن
كتاب المحاسن أن رسول الله ص لما انتهى إليه قتل جعفر بن أبي طالب
دخل على أسماء بنت عميس زوجة جعفر فقال لها أين بني فدعت بهم وهم
ثلاثة عبد الله وعون ومحمد فمسح رسول الله ص رؤوسهم فقالت انك
تمسح رؤوسهم كأنهم أيتام فعجب من عقلها فقال يا أسماء أ لم تعلمي أن
جعفرا استشهد فبكت فقال لها لا تبكي فان الله اخبرني أن له جناحين في
الجنة من ياقوت أحمر، فقالت يا رسول الله لو جمعت الناس وأخبرتهم
بفضل جعفر لا ينسى فضله، فعجب رسول الله ص من عقلها ثم قال
ابعثوا إلى أهل جعفر طعاما فجرت به السنة.
غزوة فتح مكة
في شهر رمضان سنة ثمان من الهجرة وهي التي توطد أمر الاسلام بها
وتمهد الدين بما من الله سبحانه على نبيه ص فيها وكان الوعد بها قد تقدم في
قوله تعالى: إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله
أفواجا. وقوله عز وجل قبلها بمدة طويلة: لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله
آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين لا تخافون. وكانت الأعين إليها ممتدة
والرقاب متطاولة. وكان السبب فيها أنه كان قد خرج في الجاهلية رجل
تاجر يقال له مالك بن عباد من بني الحضرمي حليف لبني بكر بن عبد
مناة بن كنانة فلما توسط أرض خزاعة عدوا عليه فقتلوه واخذوا ماله
فعدت بنو بكر على رجل من خزاعة فقتلوه فعدت خزاعة على ثلاثة من
أشراف بني بكر فقتلوهم وذلك قبل الاسلام ثم حجز بينهم الاسلام
وتشاغل الناس به فلما كان صلح الحديبية بين رسول الله ص و قريش دخلت
خزاعة في عقد رسول الله ص ودخلت بنو بكر في عقد قريش كما مر
فاغتنمت بنو بكر الهدنة فكلم جماعة منهم أشراف قريش أن يعينوهم على
خزاعة بالرجال والسلاح ليأخذوا بثار الثلاثة الذين قتلتهم خزاعة من بني بكر
فأجابوهم ووافوهم بالوتير ماء لخزاعة بأسفل مكة متنكرين متنقبين فيهم
صفوان بن أمية وحويطب بن عبد العزى وعكرمة بن أبي جهل وسهيل بن
عمرو فاجتمعوا ليلا هم وبنو بكر وبيتوا خزاعة وهم على الوتير فقتلوا منهم
عشرين رجلا وذلك في شعبان، وندمت قريش على ما صنعت وعلموا أن
هذا نقض للعهد الذي بينهم وبين رسول الله ص يوم الحديبية فخرج
عمرو بن سالم الخزاعي ثم الكعبي في أربعين راكبا من خزاعة حتى قدم على
رسول الله ص المدينة فوقف عليه وهو جالس في المسجد وأنشأ يقول من
أبيات:
- لأهم اني ناشد محمدا * حلف أبينا وأبيك الأتلدا -
- ان قريشا أخلفوك الموعدا * ونقضوا ميثاقك المؤكدا -
- هم بيتونا بالوتير هجدا * وقتلونا ركعا وسجدا -
وكان بين خزاعة وعبد المطلب حلف قبل الاسلام وذلك قوله:
حلف أبينا وأبيك الأتلدا ولا باس بذكر صورة الحلف بين عبد المطلب
وخزاعة فإنه من الآثار العربية القديمة التي تتطلع النفوس إلى معرفتها:
صورة كتاب الحلف الذي كتبه عبد المطلب بن هاشم لخزاعة
باسمك اللهم هذا حلف عبد المطلب بن هاشم لخزاعة إذ قدم عليه
سرواتهم وأهل الرأي منهم غائبهم يقر بما قاضى عليه شاهدهم أن بيننا
وبينكم عهود الله وميثاقه وما لا ينسى أبدا اليد واحدة والنصر واحد ما
أشرق ثبير وثبت حراء مكانه وما بل بحر صوفة.
صورة محالفة أخرى بين عبد المطلب وخزاعة
باسمك اللهم هذا ما تحالف عليه عبد المطلب بن هاشم ورجالات
عمرو بن ربيعة من خزاعة تحالفوا على التناصر والمواساة ما بل بحر صوفة
حلفا جامعا غير مفرق الأشياخ على الأشياخ والأصاغر على الأصاغر
والشاهد على الغائب وتعاهدوا وتعاقدوا أوكد عهد وأوثق عقد لا ينقض ولا
ينكث ما أشرقت شمس على ثبير وحن بفلاة بعير وما أقام الأخشبان وعمر
بمكة إنسان حلف أبد لطول أمد يزيده طلوع الشمس شدا وظلام الليل مدا
وأن عبد المطلب وولده ومن معهم ورجال خزاعة متكافئون متظاهرون
متعاونون فعلى عبد المطلب النصرة لهم بمن تابعه على كل طالب وعلى
خزاعة النصرة لعبد المطلب وولده ومن معهم على جميع العرب في شرق أو
غرب أو حزن أو سهل وجعلوا الله على ذلك كفيلا وكفى به حميلا اه.
فقام ص يجر رداءه وهو يقول: لا نصرت إن لم انصر خزاعة مما انصر منه
نفسي. ثم خرج بديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من خزاعة حتى قدموا على
رسول الله ص المدينة فاخبروه بما أصيب منهم وبمظاهرة قريش عليهم ثم
انصرفوا إلى مكة وبعثت قريش أبا سفيان ليجدد العقد ويزيد في المدة فلقي
بديلا وأصحابه في الطريق فقال له أبو سفيان من أين أقبلت؟ وقد ظن أنه
أتى النبي ص، قال سرت في خزاعة في هذا الوادي قال ما أتيت محمدا؟
قال لا، فلما راح بديل عمد أبو سفيان إلى مبرك ناقته ففت البعر فرأى فيه
النوى فقال احلف بالله لقد جاء بديل محمدا، وكان رسول الله ص قال
للناس كأنكم بأبي سفيان قد جاء ليشدد العقد ويزيد في المدة، وجاء أبو
سفيان المدينة فدخل على ابنته أم حبيبة زوجة النبي ص فلما ذهب ليجلس
على فراش رسول الله ص طوته عنه فقال يا بنية ما أدري
أ رغبت بي عنه أم رغبت به عني؟ قالت بل هو فراش رسول
الله ص وأنت رجس مشرك، قال لقد أصابك يا بنية بعدي شر،
ثم أتى رسول الله ص فقال اني كنت غائبا في صلح الحديبية فاشدد
لنا العهد وامدد لنا في المدة، قال هل كان فيكم من حدث قال معاذ الله
فقال ص نحن على مدتنا وصلحنا فأعاد أبو سفيان القول فلم يردد عليه
شيئا ثم قال لأبي بكر أن يكلم له رسول الله ص فقال ما انا بفاعل ثم أتى
عمر فكان أشد ثم دخل على علي بن أبي طالب وعنده فاطمة وعندها ابنها
الحسن غلام يدب بين يديها، فقال يا علي انك أمس القوم بي رحما وقد
جئت في حاجة فلا ارجعن كما جئت خائبا، اشفع لنا عند محمد فقال لقد
عزم رسول الله على أمر ما نستطيع أن نكلمه فيه، فقال لفاطمة: يا بنت
محمد هل لك أن تامري بنيك هذا فيجير بين الناس فيكون سيد العرب إلى
آخر الدهر، قالت ما بلغ ببني أن يجير بين الناس وما يجير على رسول الله
أحد، قال يا أبا الحسن اني ارى الأمور قد اشتدت انسدت خ ل علي
فانصحي، قال ما أعلم شيئا يغني عنك ولكنك سيد بني كنانة فاجر بين
الناس ثم الحق بأرضك، قال أ وترى ذلك مغنيا عني شيئا؟ قال لا أظن
(٢٧٤)

ولكن لا أجد لك غير ذلك، فقام أبو سفيان في المسجد فقال: أيها الناس
اني قد جرت بين الناس ثم ركب بعيره فانطلق، فسألته قريش ما وراءك
قال جئت محمدا فكلمته فوالله ما رد علي شيئا ثم جئت ابن أبي قحافة فلم
أجد عنده خيرا ثم جئت ابن الخطاب فوجدته اعدى القوم ثم جئت علي بن أبي
طالب فوجدته ألين القوم وقد أشار علي بشئ صنعته ما أدري يغنيني
شيئا أم لا، امرني أن أجير بين الناس. قالوا فهل أجاز ذلك محمد؟
قال: لا، قالوا ما زاد على أن لعب بك رواه الطبري في تاريخه.
وتجهز رسول الله ص واخفى أمره أولا وقال اللهم خذ العيون والاخبار عن
قريش حتى نبغتها في بلادها وأخذ بالانقاب أي الطرق فاوقف بكل طريق
جماعة ليعرف من عبر بها وقال لهم لا تدعوا أحدا يمر بكم تنكرونه إلا
رددتموه ثم أخبر جماعة بمسيره إلى مكة وبقي الأمر مكتوما عن الأكثر فمن
قائل يريد مكة وقائل يريد هوزان وقائل يريد ثقيفا، فكتب حاطب
ابن أبي بلتعة وكان من أهل مكة وقد شهد بدرا مع رسول
الله ص إلى قريش يخبرهم بذلك فيمكن أن يكون قد اطلع علي
جلية الأمر ويمكن أن يكون ظن ظنا ودفع الكتاب إلى امرأة سوداء
وردت المدينة تستميح بها الناس وجعل لها جعلا على أن توصله
إليهم فجعلته في رأسها ثم فتلت عليه قرانها وسارت على غير الطريق
فنزل الوحي على النبي ص بذلك فدعا عليا وقال له أن بعض
أصحابي كتب إلى أهل مكة يخبرهم بخبرنا وقد كنت سالت الله عز وجل أن
يعمي اخبارنا عليهم والكتاب مع امرأة سوداء قد أخذت على غير الطريق
فخذ سيفك وألحقها وانتزع الكتاب منها وخل سبيلها ثم استدعى الزبير بن
العوام فأرسله معه فادركا المرأة فسبق إليها الزبير فسألها عن الكتاب فأنكرته
وحلفت انه لا شئ معها وبكت، فقال الزبير ما أرى يا أبا الحسن معها
كتابا فارجع بنا إلى رسول الله ص لنخبره ببراءة ساحتها فقال له علي
ع: يخبرني رسول الله ص ان معها كتابا ويأمرني بأخذه منها وتقول أنت
انه لا كتاب معها ثم اخترط السيف وتقدم إليها فقال أما والله لئن لم تخرجي
الكتاب لأكشفنك ثم لأضربن عنقك فقالت له فاعرض بوجهك عني
فاعرض بوجهه عنها فكشفت قناعها وأخرجت الكتاب من عقيصتها فاخذه
علي ع وسار به إلى رسول الله ص. واختصر الدكتور هيكل هذه القصة
اختصارا قلل من ميزة علي على الزبير فيها فقال إنهما استنزلاها فالتمسا في
رحلها فلم يجدا شيئا فانذرها علي ان لم تخرج الكتاب ليكشفنها ولم يذكر
سبق الزبير إليها ورجوعه وجواب علي له. فامر النبي ص أن ينادي الصلاة
جامعة فاجتمع الناس حتى امتلأ بهم المسجد ثم صعد المنبر والكتاب بيده
وقال أيها الناس اني كنت سالت الله أن يخفي اخبارنا عن قريش وان رجلا
منكم كتب إلى أهل مكة يخبرهم بخبرنا فليقم صاحب الكتاب وإلا فضحه
الوحي، فلم يقم أحد، فأعاد مقالته ثانية، فقام حاطب بن أبي بلتعة وهو
يرعد كالسعفة في يوم الريح العاصف فقال: أنا يا رسول الله صاحب
الكتاب وما أحدثت نفاقا بعد إسلامي ولا شكا بعد يقيني، فقال له رسول
الله ص فما الذي حملك على ذلك؟ قال إن لي أهلا بمكة وليس لي بها عشيرة
فأشفقت أن تكون الدائرة لهم علينا فيكون كتابي هذا كفا لهم عن أهلي ويدا
لي عندهم ولم أفعل ذلك لشك مني في الدين، فقال عمر يا رسول الله مرني
بقتله فقد نافق، فقال ص انه من أهل بدر ولعل الله اطلع عليهم فغفر لهم
أخرجوه من المسجد، فجعل الناس يدفعون في ظهره حتى أخرجوه وهو
يلتفت إلى النبي ص فامر برده وقال قد عفوت عنك فاستغفر ربك ولا تعد
لمثل ما جئت فأنزل الله تعالى فيه: يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي
وعدوكم أولياء إلى قوله واليك أنبنا، وبعث رسول الله ص إلى من
حوله من العرب فمنهم من وفاه بالمدينة ومنهم من لحقه بالطريق واستخلف
على المدينة عبد الله بن أم مكتوم وقيل غيره وخرج ص يوم الأربعاء لعشر
ليال خلون من شهر رمضان بعد العصر في عشرة آلاف من المهاجرين
والأنصار ومن انضم إليهم في الطريق من الأعراب وجلهم أسلم وغفار
ومزينة وجهينة وأشجع وسليم فسبعت سليم وألفت مزينة وكان المهاجرون
سبعمائة ومعهم ثلثمائة فرس والأنصار أربعة آلاف ومعهم خمسمائة فرس
ومزينة ألفا وثلاثة نفر وفيها مائة فرس واسلم أربعمائة ومعها ثلاثون فرسا
وجهينة ثمانمائة وقيل ألف وأربعمائة والباقي من سائر العرب تميم وقيس
وأسد وغيرهم، فلما كان ص بقديد عقد الألوية والرايات ودفعها إلى
القبائل ثم نزل مر الظهران عشاء فامر أصحابه فأوقدوا عشرة آلاف نار،
ولم يبلغ قريشا مسيره وهم مغتمون لما يخافون من غزوه أياهم فبعثوا أبا
سفيان بن حرب وحكيم بن حزام وبديل بن ورقاء يتجسسون الاخبار فلما
رأوا العسكر أفزعهم، وكان العباس بن عبد المطلب قد هاجر إلى المدينة في
ذلك الوقت فلقي النبي ص بالسقيا وهو متوجه إلى مكة فأرسل أهله وثقله
إلى المدينة رجع مع النبي ص فلما نزل مر الظهران قال العباس يا صباح
قريش والله لئن بغتها رسول الله ص في بلادها فدخل مكة عنوة انه لهلاك
قريش آخر الدهر فجلس على بغلة رسول الله ص البيضاء وقال اخرج إلى
الأراك لعلي أرى حطابا أو داخلا يدخل مكة فيخبرهم بمكان رسول الله
فيأتونه فيستأمنونه، قال فخرجت فسمعت صوت أبي سفيان فقلت: أبا
حنظلة، فقال أبو الفضل، قلت نعم، قال لبيك فداك أبي وأمي ما
وراءك، قلت هذا رسول الله قد دلف إليكم بعشرة آلاف من المسلمين قال
فما تأمرني قلت تركب عجز هذه البغلة فاستامن لك رسول الله ص والله لئن
ظفر بك ليضربن عنقك فردفته فخرجت به اركض فكلما مررت بنار من
نيران المسلمين قالوا عم رسول الله على بغلة رسول الله حتى مررت بنار
عمر بن الخطاب فقال: أبو سفيان، الحمد لله الذي أمكن منك بغير عقد
ولا عهد، ثم اشتد نحو النبي ص وركضت البغلة فسبقته فدخل على
رسول الله ص وقال: هذا أبو سفيان عدو الله قد أمكن الله منه بغير
عهد ولا عقد فدعني أضرب عنقه، فقلت يا رسول الله قد اجرته، ثم
جلست إلى رسول الله ص فأخذت برأسه فقلت والله لا يناجيه اليوم أحد
دوني، فقال رسول الله ص: اذهب فقد امناه حتى تغدو به علي فلما أصبح
غدا به على رسول الله ص فلما رآه قال ويحك يا أبا سفيان أ لم يأن لك أن
تعلم أن لا إله إلا الله؟ فقال بأبي أنت وأمي ما أوصلك وأحلمك وأكرمك
والله لقد ظننت أن لو كان مع الله غيره لقد أغنى عني شيئا، فقال أ لم يأن
لك أن تعلم أني رسول الله؟ قال اما هذه ففي النفس منها شئ، قال
العباس: فقلت له ويلك تشهد شهادة الحق قبل والله أن تضرب عنقك،
فتشهد فقال رسول الله ص انصرف فاحبسه عند خطم الجبل بمضيق الوادي
حتى تمر عليه جنود الله، فقلت يا رسول الله أن أبا سفيان رجل يحب الفخر
فاجعل له شيئا يكون في قومه، قال من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن
دخل المسجد فهو آمن ومن أغلق عليه بابه فهو آمن، فخرجت حتى حبسته
عند خطم الجبل بمضيق الوادي فمرت عليه القبائل فيقول من هؤلاء يا
عباس؟ فأقول سليم فيقول ما لي ولسليم فتمر به قبيلة فيقول من هؤلاء
فأقول أسلم فيقول ما لي ولاسلم وتمر جهينة فيقول ما لي ولجهينة حتى مر
رسول الله ص في كتيبته الخضراء من المهاجرين والأنصار في الحديد لا يرى
منهم إلا الحدق فقال من هؤلاء يا أبا الفضل؟ فقلت هذا رسول الله ص
(٢٧٥)

في المهاجرين والأنصار، فقال: يا أبا الفضل لقد أصبح ملك ابن أخيك
عظيما، فقلت ويحك انها النبوة فقال نعم، فقلت الحق الآن بقومك
فحذرهم فخرج سريعا حتى أتى مكة فصرخ في المسجد يا معشر قريش هذا
محمد قد جاءكم بما لا قبل لكم به قالوا فمه قال من دخل داري فهو آمن
قالوا وما تغني عنا دارك قال ومن دخل المسجد فهو آمن ومن أغلق عليه بابه
فهو آمن، فقامت إليه زوجته هند بنت عتبة أم معاوية فأخذت بلحيته
ونادت يا آل غالب اقتلوا هذا الشيخ الأحمق هلا قاتلتم ودفعتم عن أنفسكم
وبلادكم فقال لها ويحك اسلمي وادخلي بيتك وقال لا تغرنكم هذه من
أنفسكم فقد جاءكم ما لا قبل لكم به. وكان ممن لقيه ص في الطريق ابن
عمه واخوه من الرضاعة أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب اسمه كنيته
وقيل اسمه المغيرة، وابن عمته عاتكة بنت عبد المطلب عبد الله بن أبي
أمية المخزومي أخو أم سلمة لأبيها فاستاذنا عليه فاعرض عنهما فقالت أم
سلمة يا رسول الله ابن عمك وابن عمتك وصهرك، فقال لا حاجة لي بهما
اما ابن عمي فهتك عرضي وكان يهجو رسول الله ص، واما ابن عمتي
وصهري فهو الذي قال لي بمكة ما قال يعني قوله له: والله لا آمنت بك
حتى تتخذ سلما إلى السماء فتعرج فيه وأنا أنظر ثم تأتي بصك وأربعة من
الملائكة يشهدون أن الله أرسلك، فقالت له أم سلمة: لا يكن ابن
عمك وابن عمتك أشقى الناس بك، فقال أبو سفيان والله ليأذنن لي أو
لآخذن بيد ابني هذا ثم لنذهبن في الأرض حتى نموت عطشا وجوعا، فرق
لهما النبي ص فدخلا عليه وأسلما، وقال علي ع لأبي سفيان أئت من
قبل وجهه فقل له ما قال اخوه يوسف: تالله لقد آثرك الله علينا، فقال
له: ص لا تثريب عليكم اليوم الآية وقال أبو سفيان معتذرا مما كان منه
من أبيات:
- لعمرك إني يوم احمل راية * لتغلب خيل اللات خيل محمد -
- لكالمدلج الحيران أظلم ليله * فهذا أواني حين أهدي واهتدي. -
وامر رسول الله ص الزبير أن يدخل مكة من أعلاها فيغرز رايته
بالحجون وامر خالد بن الوليد أن يدخل من أسفل مكة ونهى عن القتال الا
لمن قاتلهم ودخل هو ص من أعلى مكة وكانت الراية مع سعد بن عبادة قال
المفيد: لما أمر رسول الله ص سعد بن عبادة بدخول مكة بالراية غلظ على
القوم وأظهر ما في نفسه من الحنق عليهم ودخل وهو يقول:
- اليوم يوم الملحمة * اليوم تسبى الحرمة -
فسمعها العباس فقال للنبي ص أ ما تسمع يا رسول الله ما يقول
سعد واني لا آمن أن يكون له في قريش صولة فقال النبي ص لعلي أدرك
سعدا فخذ الراية منه وكن أنت الذي تدخل بها مكة فأدركه علي ع
فاخذها منه ولم يمتنع سعد من دفعها إليه وذكر الطبري أن سعدا قال حين
وجه داخلا إلى مكة:
- اليوم يوم الملحمة * اليوم تستحل الحرمة -
فسمعها رجل من المهاجرين فقال يا رسول الله اسمع ما قال سعد بن
عبادة وما نأمن أن تكون له في قريش صولة فقال رسول الله ص لعلي بن أبي
طالب أدركه فخذ الراية فكن أنت الذي تدخل بها. والدكتور هيكل على
عادته لم يذكر دفع الراية إلى علي أصلا.
وكان صفوان بن أمية وعكرمة بن أبي جهل وسهيل بن عمرو قد
جمعوا ناسا بالخندمة وهو جبل بمكة ليقاتلوا وكان حماس بن قيس من بني بكر
يعد سلاحا قبل أن يدخل رسول الله ص مكة ويصلح منها فقالت له امرأته
لما ذا تعد ما ارى؟ قال لمحمد وأصحابه، قالت والله ما أراه يقوم لمحمد
وأصحابه شئ، قال والله إني لأرجو أن أخدمك بعضهم، فاقبل خالد بن
الوليد من ناحية الخندمة فمنعوه من الدخول وناوشوه القتال وقاتلهم
فانهزموا وكان حماس معهم فخرج منهزما حتى دخل بيته ثم قال لامرأته
أغلقي علي بأبي قالت فأين ما كنت تقول أين الخادم؟ فقال:
- انك لو شهدت يوم الخندمة * إذ فر صفوان وفر عكرمة -
- وبو يزيد قائم كالمؤتمة * واستقبلتنا بالسيوف المسلمة -
- يقطعن كل ساعد وجمجمة * ضربا فلا تسمع الا غمغمة -
- لهم نهيت خلفنا وهمهمه * لم تنطقي في اللوم أدنى كلمه -
ودخل رسول الله ص مكة من ناحية كداء على ناقته القصواء بكرة
يوم الجمعة واضعا رأسه الشريف على الرحل تواضعا لله تعالى ثم قال اللهم
أن العيش عيش الآخرة، فقيل له يا رسول الله ألا تنزل دارك؟ فقال وهل
أبقى عقيل لنا دارا، ثم ضربت له قبة في الأبطح فنزل فيها ومعه زوجتاه
أم سلمة وميمونة وامر بقتل جماعة ولو كانوا تحت أستار الكعبة، قيل ستة
رجال وأربع نساء وقيل أحد عشر رجلا، فمن الرجال عبد الله بن أبي
سرح كان قد أسلم فارتد مشركا ففر إلى عثمان وكان أخاه من الرضاعة
فغيبه ثم أتى به رسول الله ص فاستامن له فصمت ص طويلا ثم قال نعم،
فلما انصرف به قال ص لقد صمت ليقوم إليه بعضكم فيقتله، فقال
أنصاري هلا أومات إلى قال إن النبي لا يقتل بالإشارة. وعبد الله بن
خطل كان قد أسلم فبعثه رسول الله ص مصدقا وكان معه مولى مسلم
يخدمه فامر المولى أن يذبح له تيسا ويصنع له طعاما فاستيقظ ولم يصنع له
شيئا فعدا عليه فقتله وارتد مشركا وكان شاعرا يهجو رسول الله ص قتله
سعيد بن حريث المخزومي وأبو برزة الأسلمي اشتركا في دمه.
والحويرث بن نقيد كان يؤذيه بمكة قتله علي بن أبي طالب. ومقيس بن
صبابة كان له أخ يسمى هشام قتله رجل من الأنصار خطا في غزوة ذي قرد
وهو يظنه من العدو فأعطاه النبي ص ديته ثم عدا على قاتل أخيه فقتله
ورجع إلى قريش مرتدا قتله نميلة بن عبد الله رجل من قومه. وعكرمة بن
أبي جهل فهرب إلى اليمن وأسلمت امرأته أم حكيم بنت عمه الحارث بن
هشام فاستأمنت له رسول الله ص فامنه فخرجت في طلبه حتى أتت به
رسول الله ص فأسلم. ووحشي قاتل حمزة استؤمن له فامنه وقال لا تريني
وجهك فمات بحمص وكان لا يزال سكران. وكعب بن زهير بن أبي
سلمى كان يهجو رسول الله ص هرب فاستؤمن له فامنه فمدحه ببانت
سعاد القصيدة المشهورة. وهبار بن الأسود الذي روع زينب بنت رسول
الله ص. والحارث بن هشام أخو أبي جهل لأبويه. وزهير بن أمية.
وصفوان بن أمية وهؤلاء أسلموا فعفا عنهم ومن النساء هند بنت عتبة
أسلمت وبايعت وقينتان لعبد الله بن خطل فرتنا وقريبة كانتا تغنيان بهجاء
رسول الله ص الذي يصنعه لهما فقتلت قريبة وهربت فرتنا فاستؤمن لها
رسول الله ص فامنها فعاشت إلى خلافة عثمان. وسارة مولاة عمرو بن
هاشم بن عبد المطلب قتلت يومئذ وقيل استؤمن لها رسول الله ص فأوطأها
رجل فرسه في خلافة عمر بالأبطح فقتلها. واقبل ص إلى الكعبة فاستلم
الحجر الأسود وطاف بالبيت على راحلته، وعلى الكعبة وفي رواية حولها
ثلثمائة وستون صنما لكل حي من احياء العرب صنم فجعل كلما يمر بصنم
(٢٧٦)

منها يشير إليه بقضيب في يده ويقول جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان
زهوقا فما أشار لصنم من ناحية وجهه الا وقع لقفاه ولا أشار لقفاه الا وقع
لوجهه حتى مر عليها كلها وكان اعظمها هبل وهو تجاه الكعبة، وفي رواية
أنه جعل يطعن في عينه بقوس في يده ويقرأ هذه الآية ثم أمر به فكسر وكان
المقام لاصقا بالكعبة فصلى خلفه ركعتين ثم أمر به فوضع في مكانه ثم
جلس ناحية من المسجد وأرسل بلالا إلى عثمان بن طلحة أن يأتي بمفتاح
الكعبة فجاء به ففتح رسول الله ص باب الكعبة وصلى فيها ركعتين وخرج
فاخذ بعضادتي الباب والمفتاح معه فخطب الناس فقال لا إله إلا الله وحده
لا شريك له صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده الا كل مأثرة أو
دم أو مال يدعى فهو تحت قدمي هاتين إلا سدانة البيت وسقاية الحاج، ثم
قال يا معشر قريش ان الله قد اذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظمها
بالآباء، الناس من آدم وآدم خلق من تراب ثم تلا يا أيها الناس إنا
خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند
الله أتقاكم الآية، يا معشر قريش ويا أهل مكة ما ترون اني فاعل
بكم؟ قالوا أخ كريم وابن أخ كريم، ثم قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء
فاعتقهم وقد كان امكنه الله من رقابهم عنوة فبذلك سموا الطلقاء، ثم دعا
بعثمان بن طلحة فرد إليه مفتاح الكعبة وقال خذوها يا بني أبي طلحة تالدة
خالدة لا ينزعها منكم الا ظالم وانتقلت سدانة الكعبة بعد عثمان إلى أخيه
شيبة ثم توارثها أولاده إلى اليوم، وصاروا يعرفون ببني شيبة وهم من نسل
طلحة بن أبي طلحة العبدري صاحب الراية يوم أحد الذي قتله أمير
المؤمنين علي ع، ودفع السقاية إلى العباس بن عبد المطلب وكانت لأبيه
عبد المطلب ثم قام بها بعد العباس ابنه عبد الله وهي أحواض من جلد
يوضع فيها الماء العذب لسقاية الحاج ويطرح فيها التمر والزبيب في بعض
الأوقات. وحانت صلاة الظهر فاذن بلال فوق ظهر الكعبة، وبث ص
السرايا إلى الأصنام التي حول مكة فكسرها ونادى مناديه من كان يؤمن بالله
واليوم الآخر فلا يدع في بيته صنما إلا كسره، وأتى الصفا يدعو الله تعالى
وبذكره فقال الأنصار فيما بينهم أ ترون أن رسول الله إذ فتح الله ارضه وبلده
يقيم بها، فلما فرع من دعائه قال معاذ الله، المحيا محياكم والممات
مماتكم. وجلس رسول الله ص على الصفا وقيل في المسجد يبايع الناس
الرجال والنساء فيبايع الرجال على الاسلام شهادة أن لا إله إلا الله وأن
محمدا عبده ورسوله وعلى السمع والطاعة لله ولرسوله فيما استطاعوا ودخل
الناس في دين الله أفواجا وجاءه رجل فأخذته الرعدة فقال هون عليك فاني
لست بملك انما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد. ولما فرع من
بيعة الرجال بايع النساء فكانت بيعته لهن على نحوين كان يوضع بين يديه
إناء فيه ماء فإذا أخذ عليهن وأعطينه غمس يده في الإناء ثم أخرجها فغمس
النساء يديهن فيه وبعد ذلك كان يبايعهن بالكلام وحده فهذا مما ساوى فيه
الاسلام بين الرجال والنساء في الأمور العامة المهمة وهي البيعة فقرأ عليهن
ما انزل الله من شروط البيعة عليهن وقيل وضع على يده ثوبا فبايعهن على
أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين
ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف لا يقتلن
أولادهن بوأد ولا اسقاط ولا يأتين ببهتان يفترينه بكذب يكذبنه في
مولود بين أيديهن وأرجلهن فلا يلحقن بازواجهن غير أولادهم. عن
ابن عباس وكانت المرأة تلتقط المولود فتقول لزوجها هذا ولدي منك فذلك
البهتان المفترى بين أيديهن وأرجلهن وذلك أن الولد إذا وضعته الأم سقط
بين يديها ورجليها وليس المعنى على نهبهن أن يأتين بولد من الزنا فينسبنه إلى
الأزواج لأن الشرط بنهي الزنا قد تقدم ولا يعصينك في معروف وهو
جميع ما يأمرهن به لأنه لا يأمر الا بمعروف وقيل النهي عن النوح وتمزيق
الثياب وجز الشعور وشق الجيوب وخمش الوجوه والدعاء بالويل. وكان في
النساء هند بنت عتبة متنقبة متنكرة لخوفها، فلما قال: على أن لا يشركن
بالله شيئا، قالت هند: والله انك لتأخذ علينا أمرا ما تأخذه على الرجال
وسنؤتيكه، فلما قال: ولا يسرقن، قالت: إن أبا سفيان رجل شحيح
وليس يعطيني ما يكفيني وولدي الا ما أخذت منه وهو لا يعلم، فقال
وانك لهند؟ قالت: انا هند فاعف عما سلف عفا الله عنك، فقال خذي
ما يكفيك وولدك بالمعروف، فلما قال ولا يزنين، قالت: أ وتزني الحرة؟
فتبسم بعض من حضر لما كان بينه وبينها في الجاهلية، فلما قال: ولا يقتلن
أولادهن، قالت ربيناهم صغارا وقتلتهم يوم بدر كبارا، فلما قال: ولا
يأتين ببهتان الخ قالت إن اتيان البهتان لقبيح، فلما قال: ولا يعصينك في
معروف، قالت ما جلسنا هذا المجلس ونحن نريد أن نعصيك في
معروف.
ولما كان الغد من يوم الفتح خطب رسول الله ص بعد الظهر فقال:
إن الله قد حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض فهي حرام إلى يوم القيامة
ولم تحل لي الا ساعة من نهار ثم رجعت كحرمتها بالأمس فليبلغ شاهدكم
غائبكم ولا يحل لنا من غنائمها شئ. وهرب صفوان بن أمية إلى جدة
ليركب منها إلى اليمن فقال عمير بن وهب يا نبي الله إن صفوان بن أمية
سيد قومه وقد خرج هاربا منك ليقذف نفسه بالبحر، فامنه صلى الله
عليك، قال هو آمن قال اعطني شيئا يعرف به أمانك فأعطاه عمامته التي
دخل بها مكة فخرج بها فقال يا صفوان فداك أبي وأمي أذكرك الله في
نفسك إن تهلكها فهذا أمان من رسول الله ص قال ويلك أغرب عني لا
تكلمني قال أي صفوان فداك أبي وأمي أفضل الناس وأبر الناس وأحلم
الناس وخير الناس ابن عمتك عزه عزك وشرفه شرفك وملكه ملكك، قال
إني أخافه على نفسي قال هو أحلم من ذلك وأكرم، فرجع به فقال صفوان
لرسول الله ص إن هذا زعم انك آمنتني قال صدق قال فاجعلني في أمري
بالخيار شهرين قال أنت فيه بالخيار أربعة أشهر. وهذا منه ص نهاية الحلم
وكرم الأخلاق وحسن السياسة، ومن عمير الغاية في حسن الوساطة. قال
المفيد: وبلغ عليا ع ان أخته أم هانئ قد آوت أناسا من بني مخزوم
أقرباء زوجها هبيرة بن أبي وهب المخزومي منهم الحارث بن هشام وقيس بن
السائب فقصد نحو دارها مقنعا بالحديد فقال اخرجوا من آويتم فجعلوا
يذرقون كما تذرق الحبارى خوفا منه فخرجت إليه أم هانئ وهي لا تعرفه
فقالت يا عبد الله انا أم هانئ ابنة عم رسول الله ص وأخت علي بن أبي
طالب انصرف عن داري فقال اخرجوهم فقالت والله لأشكونك إلى رسول
الله فنزع المغفر عن رأسه فعرفته فجاءت تشتد حتى التزمته وقالت فديتك
حلفت لأشكونك إلى رسول الله فقال لها اذهبي فبري قسمك فإنه بأعلى
الوادي قالت فجئت إليه وهو في قبة يغتسل وفاطمة تستره فلما سمع كلامي
قال مرحبا بك يا أم هانئ واهلا قلت بأبي أنت وأمي أشكو إليك اليوم ما
لقيت من علي بن أبي طالب فقال قد اجرت من اجرت فقالت فاطمة انما
جئت يا أم هانئ تشكين عليا في أنه أخاف أعداء الله وأعداء رسوله فقال
رسول الله ص لقد شكر الله لعلي سعيه واجرت من اجارت أم هانئ لمكانها
من علي اه وأسلمت أم هانئ وهرب زوجها هبيرة بن أبي وهب
(٢٧٧)

المخزومي إلى نجران. وكان فتح مكة يوم الجمعة لعشر بقين من شهر
رمضان. وروى ابن سعد في الطبقات أن رسول الله ص أقام بمكة لما
افتتحها خمس عشرة ليلة يصلي ركعتين ركعتين أي يقصر الصلاة لأنه لم ينو
الإقامة وروى الطبري بسنده قال أقام رسول الله ص بمكة بعد فتحها خمس
عشرة ليلة يقصر الصلاة. قال ابن سعد استعمل رسول الله ص على سوق
مكة حين افتتحها سعيد بن سعيد بن العاص بن أمية فلما أراد الخروج إلى
الطائف استخلف على مكة هبيرة بن شبل الثقفي فلما رجع من الطائف
وأراد الخروج إلى المدينة استعمل عتاب بن أسيد على مكة وعلى الحج وقال
غيره أنه استعمله على الصلاة وجعل له كل يوم درهما وعمره إحدى
وعشرون سنة ومعاذ بن جبل يعلمهم السنن والفقه.
يوم الغميصاء لخالد بن الوليد في بني جذيمة
في شوال سنة ثمان من الهجرة بعثه رسول الله ص وهو مقيم بمكة إلى
بني جذيمة بن عامر من كنانة داعيا إلى الاسلام ولم يبعثه مقاتلا فخرج في
ثلاثمائة وخمسين رجلا من المهاجرين والأنصار فيهم عبد الرحمن بن عوف
وبني سليم فنزلوا على الغميصاء ماء من مياه بني جذيمة وكان بنو جذيمة في
الجاهلية قد أصابوا نسوة من بني المغيرة وقتلوا عوفا أبا عبد الرحمن بن عوف
والفاكه بن المغيرة وكانا أقبلا تاجرين من اليمن حتى إذا نزلا بهم قتلوهما
واخذوا أموالهما ومع عوف ابنه عبد الرحمن فقتل قاتل أبيه فلما كان الاسلام
وبعث رسول الله ص خالدا إليهم أخذوا السلاح فقال ما أنتم؟ قالوا
مسلمون قال فما بال السلاح عليكم؟ قالوا إن بيننا وبين قوم من العرب
عداوة فخفنا أن تكونوا هم فقال ضعوا السلاح فقال رجل منهم اسمه
جحدم يا بني جذيمة إنه خالد، والله ما بعد وضع السلاح إلا الأسار وما
بعد الأسار الا ضرب الأعناق والله لا أضع سلاحي ابدا فما زالوا به حتى
نزعوا سلاحه ونزع القوم سلاحهم فامر بهم خالد فكتفوا ثم عرضهم على
السيف فقتل منهم من قتل ويقال فرقهم في أصحابه فلما كان السحر امرهم
بقتلهم فاما بنو سليم فقتلوا من بأيديهم واما المهاجرون والأنصار فارسلوا
أساراهم. وروى الطبري وابن هشام بسنديهما أنه كان بين خالد بن الوليد
وعبد الرحمن بن عوف كلام في ذلك فقال له عبد الرحمن عملت بأمر
الجاهلية في الاسلام فقال خالد انما ثارت بأبيك فقال عبد الرحمن كذبت قد
قتلت قاتل أبي ولكنك انما ثارت بعمك الفاكه بن المغيرة حتى كان بينهما شر
فلما انتهى الخبر إلى رسول الله ص رفع يديه إلى السماء ثم قال اللهم إني
أبرأ إليك مما صنع خالد، ثم دعا علي بن أبي طالب ع فقال يا علي
اخرج إلى هؤلاء القوم فانظر في امرهم واجعل أمر الجاهلية تحت قدميك
فخرج حتى جاءهم ومعه مال قد بعثه رسول الله ص به فودى لهم الدماء
وما أصيب من الأموال حتى أنه ليدي ميلغة الكلب حتى إذا لم يبق شئ من
دم ولا مال الا وداه، بقيت معه بقية من المال فقال لهم علي ع حين
فرع منهم هل بقي لكم دم أو مال لم يؤد إليكم قالوا لا قال فاني أعطيكم
هذه البقية من هذا المال احتياطا لرسول الله ص مما لا يعلم ولا تعلمون
ففعل ثم رجع إلى رسول الله ص فأخبره الخبر فقال أصبت وأحسنت ثم قام
فاستقبل القبلة قائما شاهرا يديه حتى أنه ليرى بياض ما تحت منكبيه وهو
يقول اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد ثلاث مرات اه.
غزوة حنين
وهي غزوة هوازن في شوال سنة ثمان من الهجرة وحنين واد بينه وبين
مكة ثلاث ليال إلى جنب ذي المجاز قريب من الطائف. وسببها أنه لما فتح
الله تعالى على رسول مكة اطاعته قبائل العرب الا هوازن وثقيفا فإنهم
كانوا طغاة عتاة مردة فلما سمعت هوازن بفتح مكة على رسول الله ص
جمعها رئيسها مالك بن عوف النصري وهو ابن ثلاثين سنة فاجتمع إليه مع
هوازن ثقيف كلها واجتمعت نصر وجشم كلها وكانوا اجتمعوا حين بلغهم
خروجه ص من المدينة فظنوا أنه إنما يريدهم فلما بلغهم أنه أتى مكة عمدوا
لحربه بعد مقامه بمكة نصف شهر فجاءوا حتى نزلوا بحنين وكانوا ثلاثين
ألفا كما في السيرة النبوية لدحلان وحط مالك معهم النساء والصبيان
والأموال وفي ثقيف رئيسان لهم: قارب بن الأسود وذو الخمار سبيع بن
الحارث وفي جشم دريد بن الصمة شيخ كبير أعمى، المكثر يقول بلغ
المائتين والمقل المائة والعشرين ليس فيه شئ الا التيمن برأيه ومعرفته
بالحرب وتجربته وجماع أمر الناس إلى مالك بن عوف، ودريد في شجار
أي هودج له يقاد به فلما نزل بأوطاس وهو مكان بقرب حنين قال دريد بأي واد
أنتم قالوا بأوطاس قال نعم مجال الخيل لا حزن ضرس ولا سهل دهس (١)
ما لي اسمع رغاء البعير ونهاق الحمير وبكاء الصغير ويعار (٢) الشاة وخوار
البقر قالوا ساق مالك بن عوف مع الناس أموالهم ونساءهم وأبناءهم وكان
توافق معه أن لا يخالفه فان دريدا قال له انك تقاتل رجلا كريما قد أوطأ
العرب وخافته العجم واجلى يهود الحجاز فقال له لم فعلت هذا؟ قال
أردت أن اجعل خلف كل رجل أهله وماله ليقاتل عنهم فانقض به (٣) وقال
راعي ضان والله ما له وللحرب هل يرد المنهزم شئ إن كانت لك لم ينفعك
الا رجل بسيفه ورمحه وإن كانت عليك فضحت في أهلك ومالك ثم قال ما
فعلت كعب وكلاب قالوا لم يشهدها منهم أحد قال غاب الحد والجد (٤) لو
كان يوم علاء ورفعة ما غابا ولوددت انكم فعلتم ما فعلا فمن شهدها منكم
قالوا عمرو بن عامر وعوف بن عامر فقال ذانك الجذعان (٥) من بني عامر لا
ينفعان ولا يضران يا مالك انك لم تصنع بتقديم البيضة بيضة هوازن (٦) إلى
نحور الخيل شيئا ارفعهم إلى متمنع بلادهم وعليا قومهم (٧) ثم القى الصباة
على منون الخيل (٨) فإن كانت لك لحق بك من وراءك وإن كانت عليك
ألفاك ذلك وقد أحرزت أهلك ومالك قال لا والله لا افعل ذلك انك قد
كبرت وكبر علمك (٩) والله لتطيعني يا معشر هوازن أو لأتكأن على هذا
السيف حتى يخرج من ظهري وكره أن يكون لدريد بن الصمة فيها ذكر أو
رأي قالوا أطعناك فقال دريد هذا يوم لم أشهده ولم يفتني:

(١) الحزن مقابل السهل والضرس بالكسر فالسكون الأكمة الخشنة والدهس بالفتح فالسكون
المكان السهل ليس برمل ولا تراب.
(٢) يعار الشاء بمنزلة رغاء البعير ونحوه.
(٣) انقض من باب افعل في النهاية أي نقر بلسانه في فيه كما يزجر الحمار فعله استجهالا له وقال
الخطابي انقض به أي صفق بإحدى يديه على الأخرى حتى يسمع لها نقيض أي صوت
" اه‍ ".
(٤) الحد القوة والجد الحظ.
(٥) الجذع بالتحريك الصغير السن.
(٦) البيضة جماعة القوم وأراد هنا ما جمعه من نسائهم وأطفالهم وأموالهم.
(٧) أشار عليه برد النساء والأطفال والأموال إلى المكان الحصين من بلادهم.
(٨) أراد بالصباة المسلكين كان يسميهم المشركون الصباة لأنهم صبوا ومالوا عن دينهم أشار عليه
بان يحارب بالفرسان فقط فإن كانت له الغلبة لحقه من وراءه من الرجالة وغيرهم وإن كانت
عليه اصابه ذلك وأهله وأمواله سالمة
(٩) ويروي وكبر عقلك أي كبرت فهرمت وضعفت وهرم عقلك وضعف.
- المؤلف -
(٢٧٨)

- يا ليتني فيها جذع (١) * اخب (٢) فيها واضع (٣) -
- أقود وطفاء الزمع (٤) * كأنها ساه صدع (٥) -
وبلغ رسول الله ص ما أجمعت عليه هوازن من حربه فتهيأ للقائهم
وذكر له أن عند صفوان بن أمية وهو يومئذ مشرك لأنه كان استمهله شهرين
كما مر: أعرنا سلاحك هذا نلقي فيه عدونا غدا فقال صفوان أ غصبا يا
محمد قال بل عارية مضمونة حتى نؤديها إليك قال ليس بهذا باس فأعطاه
مائة درع بما يصلحها من السلاح وسأله أن يكفيه حملها ففعل. وكناه في
خطابه تالفا له وحسن سياسة وخرج رسول الله ص إلى حنين يوم السبت
لثلاث خلون من شوال ومعه اثنا عشر ألفا عشرة آلاف من أصحابه الذين
فتح بهم مكة وألفان من مسلمة الفتح قال ابن سعد وغيره: فقال أبو بكر
لا نغلب اليوم من قلة، وخرج معه كثير من المشركين قيل كانوا ثمانين
منهم صفوان بن أمية وسهل بن عمرو لأنه كان استمهله شهرين كما مر
واستعمل على مكة عتاب بن أسيد ووصل إلى حنين مساء ليلة الثلاثاء لعشر
ليال خلون من شوال فبعث مالك بن عوف ثلاثة نفر من رجاله عيونا
لينظروا أصحاب النبي ص فعادوا إليه وقد تقطعت أوصالهم من الخوف
فقال ويلكم ما شأنكم قالوا رأينا رجالا بيضا على خيل بلق فوالله ما تماسكنا
إن أصابنا ما ترى فما رده ذلك عن وجهه ومضى على ما يريد ووجه رسول
الله ص عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي فدخل عسكرهم فطاف به وجاءه
بخبرهم قال الحارث بن مالك خرجنا مع رسول الله ص إلى حنين ونحن
حديثوا عهد بالجاهلية وكانت لقريش ومن سواهم سدرة عظيمة خضراء
تسمى ذات أنواط يأتونها كل سنة فيعلقون أسلحتهم عليها ويذبحون عندها
فلما رأيناها تنادينا يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط قال
الله أكبر قلتم كما قال قوم موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم
تجهلون انها السنن لتركبن سنن من كان قبلكم فلما كان من الليل عمد
مالك بن عوف إلى أصحابه فعباهم في وادي حنين وكمنوا في شعاب الوادي
بإشارة دريد بن الصمة فإنه قال لمالك اجعل لك كمينا إن حمل عليك القوم
جاءهم الكمين من خلفهم وكررت أنت بمن معك وإن كانت الحملة لك لم
يفلت من القوم أحد وقال لهم إذا رأيتموهم فاكسروا جفون سيوفكم ثم
شدوا شدة رجل واحد. وعبا رسول الله ص أصحابه في السحر وصفهم
صفوفا ووضع الألوية والرايات في أهلها مع المهاجرين لواء يحمله علي بن
أبي طالب وراية يحملها سعد بن أبي وقاص ومع الأنصار لواء للأوس مع
أسيد بن حضير ولواء للخزرج مع سعد بن عبادة ومع قبائل العرب ألوية
ورايات وانحدر رسول الله ص في وادي حنين على تعبئة وركب بغلته
البيضاء دلدل ولبس درعين والمغفر والبيضة. قال جابر بن عبد الله
الأنصاري لما استقبلنا وادي حنين انحدرنا في واد من أودية تهامة أجوف
حطوط انما ننحدر فيه انحدارا وذلك في عماية الصبح وكان القوم قد سبقونا
إليه فكمنوا لنا في شعابه واحنائه ومضايقه فما راعنا ونحن منحطون الا
الكتائب قد شدوا علينا شدة رجل واحد وانهزم الناس فانشمروا لا يلوي
أحد على أحد وانحاز رسول الله ص ذات اليمين ثم قال أيها الناس هلموا
إلى أنا رسول الله محمد بن عبد الله فلا يأتيه أحد. قال ابن قتيبة في
المعارف: وكان الذين ثبتوا مع رسول الله ص يوم حنين بعد هزيمة الناس
علي بن أبي طالب والعباس بن عبد المطلب وابنه والفضل بن العباس بن عبد
المطلب وأيمن بن عبيد وهو ابن أم أيمن مولاة رسول الله ص وحاضنته وقتل
يومئذ وربيعة بن الحارث بن عبد المطلب وأسامة بن زيد بن حارثة. وقال
العباس بن عبد المطلب:
- نصرنا رسول الله في الحرب سبعة * وقد فر من قد فر منهم وأقشعوا -
- وثامننا لاقي الحمام بسيفه * بما مسه في الله لا يتوجع -
يعني أيمن بن عبيد اه وقال المفيد: لم يبق مع النبي ص الا
عشرة نفر تسعة من بني هاشم خاصة والعاشر أيمن ابن أم أيمن فقتل أيمن
وثبت التسعة الهاشميون حتى ثاب إلى رسول الله ص من كان انهزم فرجعوا
أولا فأولا حتى تلاحقوا وكانت لهم الكرة على المشركين وفي ذلك انزل الله
تعالى قوله: ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا
وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين ثم انزل الله سكينته
على رسوله وعلى المؤمنين وانزل جنودا لم تروها قال المفيد: يعني بالمؤمنين
عليا ومن ثبت معه من بني هاشم اه أو عامة المؤمنين الذين رجعوا
بعد الهزيمة وكان رجوعهم بثباته ع ومن معه ومحاماته عن النبي ص
وحفظه من القتل قال وهم ثمانية علي ع تاسعهم يضرب بين يديه
بالسيف والعباس بن عبد المطلب عن يمين رسول الله ص والفضل بن
العباس عن يساره وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ممسك بسرجه
عند نفور بغلته والباقون حوله ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب
وعبد الله بن الزبير بن عبد المطلب وعتبة ومعتب ابنا أبي لهب قال وقد
فرت الكافة مدبرين سوى من ذكرناه اه قال ابن هشام اسم أبي
سفيان بن الحارث: المغيرة وعد فيهم ابنا لأبي سفيان اسمه جعفر قال
وبعض الناس يعد فيهم قثم بن العباس ولا يعد ابن أبي سفيان بن
الحارث. وفي السيرة الحلبية: وقد وصلت الهزيمة إلى مكة وسر بذلك قوم
من مكة وأظهروا الشماتة وقال قائل منهم ترجع العرب إلى دين آبائها.
وفيها أيضا في رواية: لما فر الناس يوم حنين عن النبي ص لم يبق معه الا
أربعة: ثلاثة من بني هاشم ورجل من غيرهم علي بن أبي طالب والعباس
وهما بين يديه وأبو سفيان بن الحارث اخذ بالعنان وابن مسعود من جانبه
الأيسر ولا يقبل أحد من المشركين جهته ص الا قتل اه وما في بعض
الكتب من أنه ثبت معه بعض من لم يؤثر عنه شجاعة ولا ثبات في الحرب
لعله من دس الدساسين، وقال النبي ص للعباس وكان صيتا جهوري
الصوت ناد القوم وذكرهم العهد فنادى بأعلى صوته يا أهل بيعة الشجرة يا
أصحاب سورة البقرة إلى أين تقرون اذكروا العهد الذي عاهدتم عليه
رسول الله ص، والقوم على وجوههم قد ولوا مدبرين وكانت ليلة ظلماء
ورسول الله ص في الوادي والمشركون قد خرجوا عليه من شعاب الوادي
وجنباته ومضايقه مصلتين سيوفهم وعمدهم وقسيهم فنظر رسول الله ص
إلى الناس ببعض وجهه في الظلماء كأنه القمر في ليلة البدر ثم نادى
المسلمين أين ما عاهدتم الله عليه فاسمع أولهم وآخرهم فلم يسمعها رجل
الا رمى بنفسه إلى الأرض فانحدروا إلى حيث كانوا من الوادي حتى لحقوا
بالعدو فقاتلوه. قال الطبري: لما انهزم الناس ورأى من كان مع رسول الله

(١) شاب.
(٢) الخبب نوع من السير السريع.
(٣) الرمع جمع زمعة بفتحتين فيهما وهي الشعرات المدلاة في مؤخر رجل الشاة والظبي والأرنب
(والوطف) كثرة شعر الحاجب وأراد هنا بوطفاء الزمع الخيل وإن كان لا يقال لما في يديها
زمع ولا لكثرة شعره وطف لكنه من المجاز.
(٥) الصدع محركة من الأوعال والظباء الفتي الشاب القوي. - المؤلف -
(٢٧٩)

ص من جفاة أهل مكة الهزيمة تكلم رجال منهم بما في أنفسهم من الضغن
فقال أبو سفيان بن حرب لا تنتهي هزيمتهم دون البحر، والأزلام معه في
كنانته، وقال رجل ألا بطل السحر اليوم، إلى غير ذلك. قال المفيد: وفي
ثبات من ثبت مع النبي ص يقول مالك بن عبادة الغافقي:
- لم يواس النبي غير بني ها * شم عند السيوف يوم حنين -
- هرب الناس غير تسعة رهط * فهم يهتفون بالناس أين -
- ثم قاموا مع النبي على الموت * فاتوا زينا لنا غير شين -
- وثوى أيمن الأمين من القوم * شهيدا فاعتاض قرة عين -
وقال العباس بن عبد المطلب في هذا المقام ومر له بيتان منها برواية
أخرى:
- نصرنا رسول الله في الحرب تسعة * وقد فر من قد فر عنه فأقشعوا -
- وقولي إذا ما الفضل شد بسيفه * على القوم أخرى يا بني ليرجعوا -
- وعاشرنا لاقي الحمام بنفسه * لما ناله في الله لا يتوجع -
يعني به أيمن ابن أم أيمن، قال المفيد في الارشاد: واقبل رجل من
هوازن على جمل له احمر بيده راية سوداء في رأس رمح طويل امام القوم إذا
أدرك ظفرا من المسلمين أكب عليهم وإذا فاته الناس رفعه لمن وراءه من
المشركين فاتبعوه وهو يرتجز ويقول:
- انا أبو جرول لا براح * حتى نبيح القوم أو نباح -
فصمد له علي ع فضرب عجز بعيره فصرعه ثم ضربه فقطره ثم
قال:
- قد علم القوم لدى الصباح * إني في الهيجاء ذو نطاح -
فكانت هزيمة المشركين بقتل أبي جرول ثم التام الناس وصفوا للعدو
فقال رسول الله ص اللهم انك أذقت أول قريش نكالا فأذق آخرها ذلك
وتجالد المسلمون والمشركون فلما رآهم النبي ص قام في ركابي السرج حتى
أشرف على جماعتهم ثم قال: الآن حمي الوطيس:
- أنا النبي لا كذب * انا ابن عبد المطلب -
فما كان بأسرع من أن ولى القوم على ادبارهم وجئ بالأسارى إلى
رسول الله ص مكتفين ولما قتل علي ع أبا جرول وخذل القوم بقتله
وضع المسلمون سيوفهم فيهم وعلي ع يقدمهم حتى قتل أربعين رجلا
من القوم ثم كانت الهزيمة والأسر حينئذ وما زال المسلمون يقتلون ويأسرون
منهم حتى ارتفع النهار وأدرك ربيعة بن رفيع دريد بن الصمة فاخذ بخطام
جمله وهو يظنه امرأة لأنه كان في هودج فإذا شيخ كبير أعمى ولا يعرفه
الغلام فقال له دريد ما تريد قال أقتلك قال ومن أنت قال أنا ربيعة بن رفيع
السلمي ثم ضربه بسيفه فلم يغن شيئا فقال له بئس ما سلحتك أمك خذ
سيفي هذا من مؤخرة الرحل ثم اضرب به وارفع عن العظام واخفض عن
الدماع فاني كذلك كنت اضرب الرجال وإذا أتيت أمك فأخبرها أنك قتلت
دريد بن الصمة فرب يوم قد منعت فيه نساءك فلما رجع ربيعة إلى امه
اخبرها بقتله إياه فقالت والله لقد أعتق أمهات لك ثلاثا امه وجدتيه
وقيل إن دريدا قتل يوم أوطاس.
قال ابن إسحاق ولما انهزم المشركون اتوا الطائف ومعهم مالك بن
عوف وعسكر بعضهم بأوطاس وتوجه بعضهم نحو نخلة.
ثم جمعت إلى رسول الله ص سبايا حنين وأموالها فامر رسول الله ص
بالسبايا والأموال إلى الجعرانة فحبست بها واخر قسمتها حتى رجع من
حصار الطائف.
ومضى الدكتور محمد حسين هيكل المصري في كتابه حياة محمد ص
على عادته في غمط حق علي بن أبي طالب لما لا يعلمه إلا الله فلم يورد له
في هذه الغزاة اسما فضلا عن أن يسند إليه جهادا أو عملا فلم يذكر إن لواء
المهاجرين كان معه واقتصر على قوله يتقدم كل قبيلة علمها ولم يذكر اسمه
في الذين ثبتوا مع النبي ص حين انهزم الناس واقتصر على قوله وثبت محمد
مكانه وأحاط به جماعة من المهاجرين والأنصار وأهل بيته. مع أنك قد
عرفت أنه لم يكن مع أهل بيته الا أيمن وبعضهم قال أسامة وبعضهم قال
ابن مسعود وما روي غير ذلك لا أصل له ومع ذلك فقد ذكرهم أخيرا ولم
يذكر اسم علي الذي كان يضرب بالسيف بين يدي النبي ص وهل يمكن أن
لا يكون كذلك لو لم ترد به رواية أ ليس هذا غمطا لحقه ثم لما ذكر خبر أبي
جرول لم يزد على قوله انحدرت هوازن من مكامنها يتقدمها رجل على جمل
له احمر بيده راية سوداء في رأس رمح طويل وهو كلما أدرك المسلمين طعن
برمحه. ولم يذكر قتل علي له واتباعه المشركين ولا ذكر قتل علي أربعين من
المشركين ولا تعرض لشئ من ذلك أصلا. ومما لا يكاد ينقضي منه
العجب قوله في ذكر هذه الغزوة: وثارت بمحمد حميته فأراد أن يندفع
ببغلته البيضاء في صدر هذا السيل الدافق من رجال العدو وليكن بعد ذلك
أمر الله لكن أبا سفيان بن الحارث بن عبد المطلب أمسك بخطام بغلته
وحال دون تقدمها اه فقد نسب إلى النبي ص التهور وعدم التعقل
وحاشاه بإرادة الاندفاع ببغلته وليس معه الا تسعة نفر أو أربعة على ثلاثين
ألفا من هوازن وإن أبا سفيان بن الحارث كان أكثر منه تعقلا ونظرا في
العواقب فامسك بخطام البغلة وحال دون تقدمها. مع أنك قد عرفت أنه
أمسك بسرجها عند نفورها.
غزوة أوطاس والطائف
قال المفيد في الارشاد: لما فض الله جمع المشركين بحنين تفرقوا
فرقتين فأخذت الاعراب ومن تبعهم إلى أوطاس واخذت ثقيف ومن تبعها
إلى الطائف فبعث النبي ص أبا عامر الأشعري إلى أوطاس في جماعة منهم
أبو موسى الأشعري وبعث أبا سفيان صخر بن حرب إلى الطائف فاما أبو
عامر فإنه تقدم بالراية وقاتل حتى قتل دونها فقال المسلمون لأبي موسى أنت
ابن عم الأمير وقد قتل فخذ الراية حتى تقاتل دونها فاخذها أبو موسى فقاتل
هو والمسلمون حتى فتح الله عليهم واما أبو سفيان فإنه لقيته ثقيف فضربوه
على وجهه فانهزم ورجع إلى النبي ص فقال بعثتني مع قوم لا يدفع بهم
البلاء ولا يرفع بهم الدلاء من هذيل والاعراب فما أغنوا عني شيئا فسكت
النبي ص وأبو سفيان الذي اغتبط بهزيمة المسلمين يوم حنين لم يكن يسعى
لنصرهم يوم الطائف قال المفيد: ثم سار النبي ص بنفسه إلى الطائف
فحاصرهم أياما وانفذ عليا ع في خيل وأمره أن يطأ ما وجده ويكسر كل
صنم وجده فخرج حتى لقيته خيل خثعم في جمع كثير فبرز له رجل من
القوم يقال له شهاب في غبش من الصبح فقال هل من مبارز فقال أمير
المؤمنين ع من له فلم يقم إليه أحد فقام إليه أمير المؤمنين ع فوثب
أبو العاص بن الربيع زوج زينب بنت النبي ص فقال تكفاه أيها الأمير فقال
لا ولكن إن قتلت فأنت على الناس فبرز إليه علي ع وهو يقول:
(٢٨٠)

- إن على كل رئيس حقا * إن يروي الصعدة أو يدقا -
ثم ضربه وقتله ومضى في تلك الخيل حتى كسر الأصنام وعاد إلى
رسول الله ص وهو محاصر لأهل الطائف فلما رآه النبي ص كبر للفتح واخذ
بيده فخلا به وناجاه طويلا قال المفيد فروى عبد الرحمن بن سيابة والأجلح
جميعا عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله الأنصاري إن رسول الله ص لما
خلا بعلي يوم الطائف اتاه بعض المهاجرين فقال أ تناجيه دوننا وتخلو به فقال
ما أنا انتجيته بل الله انتجاه فاعرض وهو يقول هذا كما قلت لنا قبل
الحديبية لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين فلم ندخله وصددنا
عنه فناداه النبي ص لم أقل لكم انكم تدخلونه من ذلك العام. قال ثم
خرج من حصن الطائف نافع بن غيلان بن متعب في خيل من ثقيف فلقيه
علي ع ببطن و ج فقتله وانهزم المشركون ولحق القوم الرعب فنزل منهم
جماعة إلى النبي ص فاسلموا وكان حصار النبي ص للطائف بضعة عشر
يوما اه وكان مسيره إلى الطائف من حنين. ولم يذكر الدكتور هيكل
غزوة أوطاس ولا ذكر قتل علي شهابا ونافعا وكسره الأصنام ولا شيئا مما
وقع في تلك الغزاة. وروى الطبري أن رسول الله ص سار يوم حنين من فوره
ذلك حتى نزل الطائف فأقام نصف شهر يقاتلهم وأصحابه وقاتلتهم ثقيف
من وراء الحصن لم يخرج إليه في ذلك أحد منهم واسلم من حولهم من
الناس كلهم وجاءته وفودهم ثم رجع ولم يحاصرهم الا نصف شهر وسال
وفد هوازن عن مالك بن عوف رئيسهم وقائدهم يوم حنين ما فعل
فقالوا هو بالطائف وكان لما انهزم يوم حنين التجأ إلى ثقيف بالطائف
فقال أخبروه أنه إن اتاني مسلما رددت عليه أهله وماله وأعطيته مائة من
الإبل فاخبروه بذلك فخرج من الطائف إليه مستخفيا خوفا من ثقيف
أن يحبسوه إذا علموا وأدركه بالجعرانة فرد عليه أهله وماله وأعطاه مائة من
الإبل واسلم فاستعمله على قومه وعلى من أسلم من القبائل حول
الطائف.
فلما عاد ص من حصار الطائف اتى الجعرانة وفيها الأموال والسبي كما
مر، قال ابن سعد: كان السبي ستة آلاف رأس والإبل أربعة وعشرين
ألف بعير والغنم أكثر من أربعين ألف شاة وأربعة آلاف أوقية فضة فاستاتى
رسول الله ص بالسبي أن يقدم عليه وفدهم وبدأ بالأموال فقسمها واعطى
المؤلفة قلوبهم أول الناس فأعطى أبا سفيان بن حرب أربعين أوقية ومائة من
الإبل، قال: ابني يزيد قال اعطوه مثل ذلك، قال: ابني معاوية، قال
اعطوه مثل ذلك، واعطى حكيم بن حزام مائة من الإبل ثم سأله مائة
أخرى فأعطاه إياها واعطى النضير (١) بن الحارث بن كلدة واسيد بن جارية
الثقفي والحارث بن هشام وصفوان بن أمية وقيس بن عدي وسهيل بن
عمرو وحويطب بن عبد العزى والأقرع بن حابس وعيينة بن حصن
ومالك بن عوف كل واحد مائة من الإبل واعطى العلاء بن حارثة الثقفي
ومخرمة بن نوفل وسعيد بن يربوع وعثمان بن وهب وهشام بن عمرو
العامري كل واحد خمسين من الإبل واعطى العباس بن مرداس أربعين
بعيرا اه قال الطبري أعطاه أباعر فتسخطها وعاتب فيها رسول الله ص
فقال:
- كانت نهابا تلافيتها * بكري على المهر في الأجرع -
- وايقاظي القوم أن يرقدوا * إذا هجع الناس لم اهجع -
- فأصبح نهبي ونهب العبيد (٢) * بين عيينة (٣) والأقرع (٤) -
- وقد كنت في الحرب ذا تدرأ (٥) * فلم اعط شيئا ولم امنع -
- إلا أفائل (٦) أعطيتها * عديد قوائمها الأربع (٧) -
- وما كان حصن (٨) ولا حابس (٩) * يفوقان مرداس في المجمع -
- وما كنت دون امرئ منهما * ومن تضع اليوم لا يرفع -
قال المفيد: فبلغ النبي ص قوله فاستحضره وقال قم يا علي واقطع
لسانه قال العباس بن مرداس فوالله لهذه الكلمة كانت أشد علي من يوم
خثعم حين اتونا في ديارنا فاخذ بيدي علي بن أبي طالب فانطلق بي ولو
أدري أن أحدا يخلصني منه لدعوته فقلت يا علي انك لقاطع لساني قال إني
لممض فيك ما امرت فما زال بي حتى أدخلني الحظائر فقال لي اعتد ما بين
أربع إلى مائة فقلت بأبي أنت وأمي ما أكرمكم وأحلمكم وأعلمكم فقال أن
رسول الله ص أعطاك أربعا وجعلك مع المهاجرين فان شئت فخذها وإن
شئت فخذ المائة وكن مع أهل المائة قلت أشر علي قال فاني آمرك أن تأخذ
ما أعطاك رسول الله ص وترضى قلت فاني افعل. ولم يسند الدكتور هيكل
ذلك في كتابه إلى علي واقتصر على قوله اذهبوا به فاقطعوا عني لسانه فاعطوه
حتى رضي وكان ذلك قطع لسانه.
ولما أعطى رسول الله ص غنائم حنين قريشا خاصة واجزل القسم
للمؤلفة قلوبهم كابي سفيان وابنه معاوية وعكرمة بن أبي جهل وصفوان بن
أمية والحارث بن هشام وسهيل بن عمرو وزهير بن أبي أمية وهشام بن
المغيرة والأقرع بن حابس وعيينة بن حصن في أمثالهم ولم يعط الأنصار شيئا
وقيل أعطاهم شيئا يسيرا غضب قوم من الأنصار وتكلموا في ذلك وقالوا
لقي رسول الله ص قومه، فبلغه ذلك فجمعهم وجاء يتبعه علي ع حتى
جلس وسطهم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: يا معشر الأنصار ما قالة
بلغتني عنكم وموجدة وجدتموها، إني سائلكم عن أمر فأجيبوني، أ لستم
كنتم ضلالا فهداكم الله بي؟ أ لم تكونوا على شفا حفرة من النار فأنقذكم الله
بي؟ أ لم تكونوا قليلا فكثركم الله بي؟ وعالة فأغناكم الله بي؟ وأعداء فألف
بين قلوبكم بي؟ قالوا بلى والله فلله ورسوله المن والفضل، ثم سكت
هنيهة ثم قال ألا تجيبوني بم عندكم؟ قالوا بما نجيبك فداك آباؤنا وأمهاتنا
قد أجبناك بان لك الفضل والمن والطول علينا، قال: اما لو شئتم لقلتم
فصدقتم. وأنت قد جئتنا مكذبا فصدقناك ومخذولا فنصرناك وطريدا
فآويناك وخائفا فامناك وعائلا فآسيناك، فارتفعت أصواتهم بالبكاء وقام
شيوخهم وساداتهم إليه وقبلوا يديه ورجليه ثم قالوا رضينا بالله وعنه
وبرسوله وعنه وهذه أموالنا بين يديك فان شئت فاقسمها على قومك، وإنما
قال من قال منا على غير وغر صدر وغل في قلب ولكنهم ظنوا سخطا عليهم
وتقصيرا بهم وقد استغفروا الله من ذنوبهم فاستغفر لهم يا رسول الله،
فقال: اللهم اغفر للأنصار ولأبناء الأنصار ولأبناء أبناء الأنصار، يا معشر

(١) النضير بالياء هو أخو النضر بغير ياء الذي مر في وقعة بدر أه قتل بالأثيل نص على ذلك
الماوردي في اعلام النبوة وغيره ويوجد في بعض المواضع كتابة هذا بدون ياء وهو اشتباه.
(٢) العبيد بلفظ المصغر اسم فرسه. (٣) ابن حصن.
(٤) ابن حابس.
(٥) بضم التاء وفتح الراء مدافع ذو عزة ومنعة.
(٦) جمع أفيل كامير وهو الفصيل..
(٧) هذا يدل على انها كانت أربعا لا أربعين ويأتي ما يدل عليه.
(٨) والد عيينة.
والد الأقرع.
- المؤلف -
(٢٨١)

الأنصار أ ما ترضون أن يرجع غيركم بالشاء والنعم ورجعتم أنتم وفي
سهمكم رسول الله؟ قالوا بلى رضينا، فقال النبي ص حينئذ الأنصار
كرشي وعيبتي لو سلك الناس واديا وسلكت الأنصار شعبا لسلكت شعب
الأنصار. وهذا غاية حسن السياسة وتالف القلوب.
وقدم عليه وفد هوازن أربعة عشر رجلا وفيهم أبو ثروان أو أبو برقان
عم رسول الله ص من الرضاعة ورئيسهم زهير بن صرد وذلك بعد ما قسم
الغنائم وقد أسلموا وأخبروا باسلام من وراءهم فقال له عمه من الرضاعة
يا رسول الله انما في هذه الحظائر من كان يكفلك من عماتك وخالاتك
وحواضنك وقد حضناك في حجورنا وأرضعناك بثدينا ولقد رأيتك مرضعا فما
رأيت مرضعا خيرا منك ورأيتك فطيما فما رأيت فطيما خيرا منك ثم رأيتك
شابا فما رأيت شابا خيرا منك وقد تكاملت فيك خلال الخير ونحن مع ذلك
أصلك وعشيرتك فامنن علينا من الله عليك وقال زهير بن صرد يا رسول
الله انا أصل وعشيرة وانما في هذه الحظائر عماتك وخالاتك ولو انا ملحنا (١)
للحارث بن أبي شمر (٢) أو للنعمان بن المنذر (٣) ثم نزلا منا بمثل الذي نزلت
به رجونا عطفهما وعائدتهما فقال رسول الله ص: أحسن الحديث أصدقه،
فأبناؤكم ونساؤكم أحب إليكم أم أموالكم فقالوا خيرتنا بين أحسابنا
وأموالنا وما كنا لنعدل بالاحساب شيئا فرد علينا أبناءنا ونساءنا فقال اما ما لي
ولبني عبد المطلب فهو لكم واسال لكم الناس فقال المهاجرون والأنصار ما
كان لنا فهو لرسول الله ص فقال الأقرع بن حابس واما أنا وبنو تميم فلا
وقال عيينة بن حصن اما انا وبنو فزارة فلا وقال العباس بن مرداس اما أنا
وبنو سليم فلا فقالت بنو سليم ما كان لنا فهو لرسول الله ص فقال
العباس بن مرداس وهنتموني وقال رسول الله ص للذين امتنعوا من الرد ان
هؤلاء القوم جاءوا مسلمين وقد كنت استأنيت بسبيهم وقد خيرتهم فلم
يعدلوا بالنساء والأبناء شيئا فمن كان عنده منهم شئ فطابت نفسه أن يرد
فليرد ومن أبى فليرد وليكن ذلك قرضا علينا ست فرائض (٤) قالوا رضينا
وسلمنا فردوا عليهم نساءهم وأبناءهم.
وكان ص انتهى إلى الجعرانة ليلة الخميس لخمس ليال خلون من ذي
القعدة فأقام بها ثلاث عشرة ليلة ثم خرج ليلة الأربعاء لاثنتي عشرة ليلة
بقيت من ذي القعدة ليلا فاحرم بعمرة ودخل مكة فطاف وسعى وحلق
رأسه ورجع إلى الجعرانة من ليلته كبائت ثم غدا يوم الخميس فانصرف إلى
المدينة.
ويلاحظ أن غزوات النبي ص المهمة التي وقع فيها حرب وهي بدر
واحد والخندق وخيبر وحنين كان المسلمون فيها على نحو الثلث من
المشركين ففي بدر كان المشركون ٩٥٠ والمسلمون ٣١٣ وفي أحد كان
المشركون ٣٠٠٠ والمسلمون ٧٠٠ وفي الخندق كان المشركون عشرة آلاف
والمسلمون ٣٠٠٠ وفي خيبر كان المسلمون ١٤٠٠ واليهود لم يذكر المؤرخون
عددهم لكن الاعتبار يدل على أنهم كانوا كثيرين لكثرة حصونهم في خيبر
مع من خرج إليهم من بني النضير وفي حنين كان المشركون ثلاثين ألفا
والمسلمون اثني عشر ألفا وفي الجميع كان النصر للمسلمين حتى في أحد لأن
انهزامهم أخيرا كان من مخالفة أمر النبي ص وفي الجميع كان النصر بجهاد
علي وثباته.
غزوة تبوك
في رجب سنة تسع من الهجرة وكان سببها أنه بلغه أن الروم قد
جمعت جموعا كثيرة بالشام وأن هرقل قد رزق أصحابه لسنة وأجلبت معه
لخم وجذام وعاملة وغسان وقدموا مقدماتهم إلى البلقاء. وكان ص قلما
يريد غزوة يغزوها الا ورى بغيرها الا غزوة تبوك فإنه بينها للناس لبعد
السفر وشدة الحر وكثرة العدو فاعلمهم ليتأهبوا وندب الناس إلى الخروج
وبعث إلى مكة وإلى قبائل العرب يستنفرهم وأمرهم بالصدقة فتحملوا
صدقات كثيرة وقووا في سبيل الله وذلك في زمن عسرة من الناس وشدة من
الحر وجدب من البلاد وحين طابت الثمار والناس يحبون المقام فسمي ذلك
الجيش جيش العسرة وقال الطبري: امرهم بالجهاز وأخبرهم أنه يريد
الروم فتجهزوا على ما في أنفسهم من الكره لذلك مع ما عظموه من ذكر
الروم وغزوهم. وجاءه سبعة نفر يستحملونه وكانوا أهل حاجة فقال لا
أجد ما أحملكهم عليه فتولوا وهم يبكون فسموا البكائين فنزل فيهم ليس
على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا
نصحوا الله ورسوله إلى قوله ولا على الذين إذا ما اتوك لتحملهم قلت لا
أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا الا يجدوا ما
ينفقون وجاءه اثنان وثمانون رجلا من الاعراب فاعتذروا إليه فلم
يعذرهم وتخلف بضعة وثمانون رجلا من المنافقين بغير علة وقيل إنهم
استأذنوه في التخلف فاذن لهم فنزلت وجاء المعذرون من الاعراب ليؤذن
لهم وقعد الذين كذبوا الله ورسوله سيصيب الذين كفروا منهم عذاب
اليم. المعذرون المقصرون الذين يعتذرون ولا عذر لهم وقيل الذين
لهم عذر. وتخلف نفر من المسلمين من غير شك ولا ارتياب منهم أبو
خيثمة السالمي فجاء إلى أهله بعد أن سار رسول الله ص أياما في يوم حار
فوجد امرأتين له في عريشين لهما في حائط قد رشت كل واحدة عريشها
وبردت له فيه ماء وهيأت له طعاما فقام على باب العريشين فنظر إلى امرأتيه
وما صنعتا له فقال: رسول الله في الضح (٥) والريح وأبو خيثمة في ظلال
باردة وماء بارد وامرأة حسناء في ماله مقيم ما هذا بالنصف ثم قال والله لا
ادخل عريش واحدة منكما حتى ألحق برسول الله ص فهيا لي زادا ففعلتا ثم
قدم ناضحة فارتحله ثم خرج حتى أدرك رسول الله ص بتبوك، فقال الناس
يا رسول الله هذا راكب على الطريق مقبل فقال: كن أبا خيثمة فقالوا هو
والله أبو خيثمة فقال له رسول الله ص خيرا ودعا له بخير. قال الطبري
قال ابن إسحاق خلف رسول الله ص علي بن أبي طالب على أهله وأمره
بالإقامة فيهم وخلف على المدينة سباع بن عرفطة الغفاري. وقال ابن
هشام: استعمل على المدينة محمد بن مسلمة الأنصاري وخلف علي بن أبي
طالب على أهله وأمره بالإقامة فيهم فأرجف به المنافقون وقالوا ما خلفه الا
استثقالا له وتخففا منه فلما قالوا ذلك اخذ علي سلاحه ثم خرج حتى أتى
رسول الله ص وهو نازل بالجرف فقال يا نبي الله زعم المنافقون انك انما
خلفتني لأنك استثقلتني وتخففت مني فقال كذبوا ولكن خلفتك لما تركت
ورائي فارجع فاخلفني في أهلي وأهلك أ فلا ترضى يا علي أن تكون مني
بمنزلة هارون من موسى الا أنه لا نبي بعدي فرجع علي إلى المدينة اه
اما المفيد فإنه لم يذكر استخلاف أحد غير علي ع على المدينة وهو

(١) ملحنا أي أرضعنا والملح عند العرب اللبن.
(٢) من ملوك غسان بالشام.
(٣) ملك الحيرة بالعراق.
(٤) أي ستة من الإبل وسماها فرائض باعتبار انها تكون فريضة في الزكاة.
(٥) الضح بالكسر الشمس.
- المؤلف -
(٢٨٢)

الظاهر الموافق للاعتبار فإنه لم يكن ليشرك أحدا معه في الولاية على المدينة
مع ظهور شجاعته وكفاءته وإذا كان يخلف عليها في أكثر غزواته كما عرفت
ابن أم مكتوم وهو مكفوف البصر ويكتفي به أ فلا يكون علي ع فيه
الكفاءة للاستخلاف عليها مع اضطراب الرواية فيمن استخلفه غيره فقيل
محمد بن مسلمة وقيل سباع بن عرفطة كما مر وقيل ابن أم مكتوم حكاه في
السيرة الحلبية وحكي عن ابن عبد البر أنه قال الأثبت أنه علي بن أبي
طالب اه وانما لم يستصحبه معه لما اخبره الله تعالى بأنه لا يلقى حربا
فكان بقاؤه في المدينة أهم للخوف عليها من المنافقين والعرب الموتورين
وهذا أمر واضح جلي. قال المفيد: لما أراد النبي ص الخروج استخلف
أمير المؤمنين ع في أهله وولده وازواجه ومهاجره وقال له يا علي أن
المدينة لا تصلح الا بي أو بك وذلك أنه ع علم من خبث نيات الاعراب
وكثير من أهل مكة ومن حولها ممن غزاهم وسفك دماءهم فاشفق أن يطلبوا
المدينة عند نأيه عنها وحصوله ببلاد الروم أو نحوها فمتى لم يكن فيها من
يقوم مقامه لم يؤمن من معرتهم وايقاع الفساد في دار هجرته والتخطي إلى ما
يشين أهله ومخلفيه وعلم ص أنه لا يقوم مقامه في ارهاب العدو وحراسة دار
الهجرة وحياطة من فيها الا أمير المؤمنين ع فاستخلفه وأن أهل النفاق لما
علموا باستخلاف رسول الله ص عليا ع على المدينة حسدوه لذلك
وعظم عليهم مقامه فيها وعلموا أنها تتحرس به ولا يكون فيها للعدو مطمع
فساءهم ذلك وكانوا يؤثرون خروجه معه لما يرجونه من وقوع الفساد
والاختلاط عند نأيه ص عن المدينة وخلوها من مرهوب مخوف يحرسها
وغبطوه على الرفاهية والدعة بمقامه في أهله وتكلف من خرج منهم المشاق
بالسفر فأرجفوا به وقالوا لم يستخلفه اكراما له واجلالا ومودة وانما خلفه
استثقالا له فبهتوه بهذا الارجاف وهم يعلمون ضده فلما بلغه ذلك أراد
تكذيبهم فلحق بالنبي ص فأخبره قولهم فقال له النبي ص ارجع يا أخي إلى
مكانك فان المدينة لا تصلح إلا بي أو بك فأنت خليفتي في أهل بيتي ودار
هجرتي وقومي أ ما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى الا أنه لا
نبي بعدي. ولو علم الله أن لنبيه في هذه الغزاة حاجة إلى الحرب والأنصار
لما أذن له في تخليف أمير المؤمنين عنه بل علم أن المصلحة في استخلافه
وبقائه في دار هجرته. ولم يذكر الدكتور هيكل هنا الا قوله وخلف علي بن
أبي طالب على أهله وأمره بالإقامة فيهم. وأمر رسول الله ص كل بطن من
الأنصار والقبائل من العرب أن يتخذوا لواء أو راية وخرج ص يوم الخميس
وكان يستحب الخروج فيه في ثلاثين ألفا من الناس والخيل عشرة آلاف
فرس حتى قدم تبوك. وكان عبد الله بن أبي بن سلول قد عسكر على ثنية
الوداع في حلفائه من اليهود والمنافقين قال ابن سعد وابن هشام وغيرهما
فكان يقال ليس عسكره بأقل العسكرين فلما سار تخلف عبد الله بن أبي
ومن معه أقول وهذا يدل على ما مر عن المفيد من أنه أبطأ أكثرهم عنه
ص، قال ابن هشام والطبري فجعل يتخلف عنه الرجل حتى قيل تخلف
أبو ذر وابطا به بعيره فتلوم على بعيره فلما أبطأ عليه اخذ متاعه فحمله على
ظهره ثم خرج يتبع اثر رسول الله ص ماشيا ونزل رسول الله ص في بعض
منازله فنظر بعض المسلمين فقال إن هذا الرجل يمشي على الطريق وحده
فقال ص كن أبا ذر فلما تأملوه قالوا هو أبو ذر فقال ص يرحم الله أبا ذر
يمشي وحده ويموت وحده ويبعث وحده. وكان رهط من المنافقين يسيرون
مع رسول الله ص وهو منطلق إلى تبوك فقال بعضهم لبعض أ تحسبون قتال
بني الأصفر كقتال غيرهم والله لكأني بكم غدا مقرنين في الحبال، ارجافا
وترهيبا للمؤمنين فقال ص لعمار بن ياسر أدرك القوم فسلهم عما قالوا فان
أنكروا فقل بلى قد قلتم كذا وكذا فاتوا رسول الله ص يعتذرون وقال
بعضهم كنا نخوض ونلعب فنزل فيهم: ولئن سألتهم ليقولن انما كنا
نخوض ونلعب فلما انتهى ص إلى تبوك اتاه يحنة بن رؤبة صاحب أيلة
فصالح رسول الله ص وأعطاه الجزية وجاءه أهل جرباء وأذرح فاعطوه
الجزية وكتب لكل كتابا فهو عندهم ودعا خالد بن الوليد فبعثه إلى أكيدر بن
عبد الملك الكندي ملك دومة الجندل الجوف وكان نصرانيا فقال له انك
ستجده يصيد البقر فلما كان من حصنه بمنظرة العين في ليلة مقمرة صائفة
وهو على سطح له ومعه امرأته فباتت البقر تحك بقرونها باب القصر فقالت
امرأته هل رأيت مثل هذا قط قال لا والله قالت فمن يترك هذا فنزل فامر
بفرسه فاسرج له، وركب معه نفر من أهل بيته فيهم اخوه حسان فلما
خرجوا تلقتهم خيل رسول الله ص فاستاسر أكيدر فاخذ وامتنع اخوه حسان
فقاتل حتى قتل وهرب من معهما وكان على حسان قباء من ديباج محوص
بالذهب فاخذه خالد فبعث به إلى النبي ص فجعل المسلمون يلمسونه
بأيديهم ويتعجبون منه وقدم خالد بأكيدر على رسول الله ص فحقن دمه
وصالحه على الجزية وخلى سبيله فرجع إلى قريته وأقام رسول الله ص بتبوك
بضع عشرة ليلة وقيل عشرين ليلة ولم يجاوزها ثم رجع إلى المدينة. وكان
قد تخلف عن رسول الله ص ثلاثة رهط بدون شك ولا نفاق وهم كعب بن
مالك ومرارة بن الربيع وهلال بن أمية فلما رجع رسول الله ص إلى المدينة
قال لأصحابه لا تكلموا أحدا من هؤلاء الثلاثة فاعتزل المسلمون كلامهم
حتى نساؤهم فبقوا على ذلك خمسين ليلة ثم تاب الله عليهم وذلك قوله
تعالى: وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما
رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب
عليهم ليتوبوا أن الله هو التواب الرحيم وجاءه من تخلف عنه من المنافقين
فجعلوا يحلفون بالله ويعتذرون فصفح عنهم ولم يعذرهم الله ولا رسوله.
حديث الإفك
مرت الإشارة إليه في غزوة بني المصطلق من هذا الجزء وذكرناه
مفصلا في ج ٣ ق ١ وذكرناه هنا لئلا يظن ظان اننا أهملنا ذكره مفصلا وفاتنا
التنبيه على ذلك في غزوة بني المصطلق فنبهنا عليه هنا.
آية النجوى
قال الله تعالى في سورة المجالدة آية ١٢ يا أيها الذين آمنوا إذا
ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة إلى قوله والله خبير بما
تعملون في مجمع البيان نزلت في الأغنياء ذلك إنهم كانوا يأتون النبي ص
فيكثرون مناجاته فامر الله سبحانه بالصدقة عند المناجاة فلما رأوا ذلك انتهوا
عن مناجاته فنزلت آية الرخصة عن مقاتل بن حيان وقال أمير المؤمنين
صلوات الرحمن عليه إن في كتاب الله لآية ما عمل بها أحد قبلي ولا يعمل
بها أحد بعدي آية المناجاة كان لي دينار فبعته بعشرة دراهم فكلما أردت أن
أناجي رسول الله ص قدمت درهما فنسختها آية أ أشفقتم أن تقدموا بين
يدي نجواكم صدقات الآية ولم ينزل في أحد قبلوا لم ينزل في أحد بعدي
وقال ابن عمر كان لعلي بن أبي طالب ثلاث لو كان لي واحدة منهن لكانت
أحب إلي من حمر النعم تزويجه فاطمة واعطاؤه الراية يوم خيبر وآية النجوى
وقال مجاهد وقتادة نهوا عن مناجاته صلوات الرحمن عليه حتى يتصدقوا لم
(٢٨٣)

يناجه إلا علي بن أبي طالب عليه أفضل الصلوات قدم دينارا فتصدق بها ثم
نزلت لرخصة اه.
آية انما وليكم الله قال الله تعالى في سورة المائدة آية ٥٥: إنما وليكم الله
والذين
آمنوا الدين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون الزكاة الصدقة
وهم راكعون جملة في موضع النصب على الحال ولا يجوز أن تكون عطفا
على يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة أي يفعلون هذا ويركعون أولا للزوم
التكرار لأن الركوع قد تضمنه إقامة الصلاة ثانيا لمخالفته النصوص
وأقوال العلماء. روى صاحب مجمع البيان بسنده أن أبا ذر قال صليت مع
رسول الله ص يوما صلاة الظهر فسال سائل في المسجد فلم يعطه أحد شيئا
فرفع السائل يده إلى السماء وقال اللهم أشهد اني سالت في مسجد رسول
الله ص فلم يعطني أحد شيئا وكان علي راكعا فأومأ بخنصره اليمنى إليه
وكان يتختم فيها فاقبل السائل حتى اخذ الخاتم من خنصره وذلك بعين
رسول الله ص فلما فرع النبي من صلاته رفع رأسه إلى السماء فقال اللهم
ان أخي موسى سالك فقال رب اشرح لي صدري إلى قوله واجعل لي وزيرا
من أهلي هارون أخي اشدد به ازري فأنزلت عليه قرآنا ناطقا سنشد
عضدك بأخيك اللهم وانا محمد نبيك وصفيك اللهم فاشرح لي صدري
ويسر لي أمري واجعل لي وزيرا من أهلي عليا اشدد به ظهري قال أبو ذر
فوالله ما استتم رسول الله ص الكلمة حتى نزل عليه جبرئيل فقال يا محمد
اقرأ إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الآية قال وروى هذا الخبر
أبو إسحاق الثعلبي في تفسيره بهذا الاسناد بعينه قال وروى أبو بكر الرازي
في احكام القرآن على ما حكاه المغربي عنه والرماني والطبري أنها نزلت في
علي حين تصدق بخاتمه وهو راكع وهو قول مجاهد والسدي والمروي عن أبي
جعفر وأبي عبد الله ع وجميع علماء أهل البيت ع ثم
أن النبي ص خرج إلى المسجد والناس بين قائم وراكع فبصر بسائل فقال
هل أعطاك أحد شيئا فقال نعم خاتم من فضة أعطانيه ذلك القائم وهو
راكع واومى بيده إلى علي بن أبي طالب فكبر النبي ص وأنشأ حسان بن
ثابت يقول:
- أبا حسن تفديك نفسي ومهجتي * وكل بطئ في الهدى ومسارع -
- أ يذهب مدحيك المحبر ضائعا * وما المدح في جنب الاله بضائع -
- فأنت الذي أعطيت إذ كنت راكعا * زكاة فدتك النفس يا خير راكع -
- فأنزل فيك الله خير ولاية * وثبتها مثنى كتاب الشرائع -
خبر مسجد الضرار
كان بنو عمرو بن عوف اتخذوا مسجد قبا وبعثوا إلى رسول الله ص
أن يأتيهم فاتاهم فصلى فيه فحسدهم جماعة من المنافقين من بني غنم بن
عوف فقالوا نبني مسجدا نصلي فيه ولا نحضر جماعة محمد وكانوا اثني عشر
رجلا أو خمسة عشر فبنوا مسجدا إلى جنب مسجد قبا فلما فرغوا منه اتوا
رسول الله ص وهو يتجهز إلى تبوك فقالوا أنا قد بنينا مسجدا لذي العلة
والحاجة والليلة الشاتية ونحب أن تأتينا فتصلي لنا فيه وتدعو بالبركة فقال
إني على جناح السفر ولو قدمنا اتيناكم إن شاء الله. فلما انصرف من تبوك
نزلت والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وارصادا
لمن حارب الله ورسوله من قبل وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى والله يشهد
أنهم لكاذبون لا تقم فيه ابدا لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق
أن تقوم فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المتطهرين الآيات
فبعث رسول الله ص من احرقه وهدمه وقوله تعالى وارصادا لمن حارب
الله ورسوله من قبل يراد به أبو عامر الراهب وكان قد ترهب في الجاهلية
ولبس المسوح فلما قدم النبي ص المدينة حزب عليه الأحزاب ثم هرب بعد
فتح مكة إلى الطائف فلما أسلم أهل الطائف لحق بالشام وخرج إلى الروم
وتنصر وسماه رسول الله ص أبا عامر الفاسق وكان قد ارسل إلى المنافقين
إن استعدوا وابنوا مسجدا فاني اذهب إلى قيصر وآتي من عنده بجنود
واخرج محمدا من المدينة فكان هؤلاء المنافقون يتوقعون أن يجيئهم أبو عامر
فمات قبل أن يبلغ ملك الروم.
سرايا رسول الله ص
في السيرة الحلبية: ما كان فيه رسول الله ص يسمى غزوة وما خلا
عنه يقال له سرية إن كان أكثر من واحد وإن كان واحدا قيل له بعث وقد
عرفت أن سراياه ص كانت سبعا وأربعين سرية وذكرها كلها يوجب
التطويل مع قلة الفائدة لكننا نذكر بعضا منها:
سرية حمزة بن عبد المطلب
في شهر رمضان على رأس سبعة أشهر من الهجرة بعثه ص في ثلاثين
رجلا من المهاجرين ليعترض عيرا لقريش جاءت من الشام فيها أبو جهل
في ثلثمائة رجل أو مائة وثلاثين وعقد له لواء أبيض وهو أول لواء عقد في
الاسلام فسار حتى وصل سيف البحر أي ساحله فصادف العير فلما تصافوا
للقتال حجز بينهم مجدي بن عمرو الجهني وكان حليفا للفريقين فلم يقع
قتال. سرية عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب
إلى بطن رابغ على عشرة أميال من الجحفة في شوال على رأس ثمانية
أشهر من الهجرة في ستين أو ثمانين راكبا من المهاجرين ليعترض عيرا
لقريش فيها أبو سفيان أو عكرمة بن أبي جهل في مائتين فكان بينهم الرمي
ولم يسلوا السيوف ولم يصطفوا لقتال ثم انصرف الفريقان على حاميتهم.
سرية قتل كعب بن الأشرف اليهودي لأربع عشرة ليلة مضت من ربيع الأول على رأس خمسة وعشرين
شهرا من الهجرة. وكان كعب شاعرا يهجو النبي ص وأصحابه ويحرض
عليهم في شعره ويؤذيهم وفيه نزلت: ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب
من قبلكم ومن الذين أشركوا اذى كثيرا فلما كانت وقعة بدر كبت وذل
وقال بطن الأرض خير من ظهرها اليوم فقدم مكة فبكى قتلى قريش
وحرضهم بالشعر ثم قدم المدينة، فقال ص اللهم اكفني ابن الأشرف بما
شئت في اعلانه الشر وقوله الأشعار وقال من لي بابن الأشرف فقد آذاني
فقال محمد بن مسلمة انا لك به يا رسول الله وانا اقتله وكان منزل كعب
بالعوالي فاجتمع هو مع أربعة من الأوس منهم أبو نائلة سلكان بن سلامة
وكان أخا كعب من الرضاعة وقالوا ائذن لنا يا رسول الله فلنقل اي
خلاف الواقع لمصلحة فقال قولوا فخرج إليه أبو نائلة فأنكره كعب وذعر
منه فقال انا أبو نائلة انما جئت أخبرك أن قدوم هذا الرجل كان علينا من
البلاء حاربتنا العرب ورمتنا عن قوس واحدة ونحن نريد التنحي عنه ومعي
(٢٨٤)

رجال من قومي على مثل رأيي وقد أردت أن آتيك بهم فنبتاع منك طعاما
وتمرا فسكن إلى قوله وقال جئ بهم متى شئت فخرج من عنده على ميعاد
فأخبر أصحابه فاتوه في ليلة مقمرة حتى انتهوا إلى حصنه فهتف به أبو نائلة
فوثب فأخذت امرأته بملحفته وقالت أين تذهب انك رجل محارب وإن
أصحاب الحرب لا ينزلون في مثل هذه الساعة، وكان حديث عهد بعرس
فقال: ميعاد علي، وانما هو أخي أبو نائلة لو وجدني نائما لا يوقظني فقالت
والله إني لأعرف في صوته الشر فضرب بيده الملحفة وقال: لو دعي الفتى
لطعنة أجاب. ثم نزل إليهم فحادثوه ساعة حتى انبسط إليهم وأنس بهم
ثم اخذ أبو نائلة بشعره وقال اقتلوا عدو الله فضربوه بأسيافهم فالتفت عليه
فلم تغن شيئا ورد بعضها بعضا ولصق بأبي نائلة فاخرج أبو نائلة مغولا وهو
سيف دقيق فوضعه في سرته ثم حامل عليه حتى انتهى إلى عانته فصاح
صيحة ما بقي أطم من آطام يهود إلا اوقدت عليه نار ثم حزوا رأسه وحملوه
معهم وقيل طعنه أحدهم في خاصرته وضربه محمد بن مسلمة بالسيف
فقتلوه ولما صاح صاحت امرأته يا آل قريظة والنضير مرتين فخرجت اليهود
فأخذت على غير طريقهم ففاتوهم وأصبحت يهود مذعورين فاتوا النبي ص
فقالوا قتل سيدنا غيلة فذكر لهم تحريضه عليه وأذيته للمسلمين فازدادوا
خوفا ثم كتب بينه وبينهم صلحا قال ابن سعد في الطبقات وكان ذلك
الكتاب مع علي بن أبي طالب.
سرية قتل أبي رافع سلام بن أبي الحقيق النضيري بخيبر
في شهر رمضان سنة ست من الهجرة وكان تاجر أهل الحجاز وقد
اجلب في غطفان ومن حوله من مشركي العرب وجعل لهم الحفل العظيم
لحرب رسول الله ص وكان يؤذي النبي ص فلما قتلت الأوس كعب بن
الأشرف أرادت الخزرج أن تقتل مشابهه في عداوة رسول الله ص فبعث
رسول الله ص عبد الله بن عتيك وأربعة معه لقتله فذهبوا إلى خيبر فكمنوا
فلما هدأت الرجل جاءوا إلى منزله وقدموا عبد الله بن عتيك لأنه كان
يرطن باليهودية فاستفتح وقال جئت أبا رافع بهدية ففتحت له امرأته فدخلوا
عليه فما عرفوه الا ببياضه كأنه قبيطة فقتلوه وقيل دنوا من خيبر وقد غربت
الشمس وراح الناس بسرحهم فقال عبد الله لأصحابه اجلسوا مكانكم فاني
منطلق ومتلطف للبواب لعلي ادخل فاقبل حتى دنا من الباب ثم تقنع بثوبه
كأنه يقضي حاجة فقال له البواب وهو يظنه من أهل الحصن يا عبد الله إن
كنت تريد أن تدخل فادخل فاني أريد أن أغلق الباب فدخل وكمن وأغلق
البواب الباب وعلق المفاتيح قال ثم اخذتها وفتحت الباب فلما ذهب عن أبي
رافع أهل سمره صعدت إليه فإذا هو في بيت مظلم وسط عياله لا أدري
أين هو قلت أبا رافع قال من هذا فأهويت نحو الصوت فضربته بالسيف فما
أغنت شيئا وصاح فخرجت من البيت ثم عدت فقلت ما هذا الصوت يا أبا
رافع قال لأمك الويل إن رجلا في البيت ضربني بالسيف، فضربته أخرى
فلم تغن شيئا فتواريت ثم جئته كالمغيث فإذا هو مستلق فوضعت السيف في
بطنه وتحاملت عليه حتى سمعت صوت العظم وفي رواية حتى سمعت خشه
في الفراش ثم جئت إلى الدرجة فوقعت فانكسرت رجلي وفي رواية انخلعت
فعصبتها بعمامتي وصاحت امرأته فتصايح أهل الدار واختبأ القوم في بعض
الأنهار وخرج الحارث أبو زينب في ثلاثة آلاف في آثارهم يطلبونهم بالنيران
فلم يروهم فرجعوا ومكثوا في مكانهم حتى سكن الطلب ثم اتوا المدينة
بعد ما علموا أن أبا رافع قتل.
سرية ذات السلسلة
أو ذات السلاسل قال ابن شهرآشوب في المناقب السلاسل اسم
ماء اه ويقال سرية وادي الرمل وهذه ذكرها المفيد في الارشاد في
موضعين أحدهما بعد غزوة قريظة وقبل غزوة بني المصطلق وثانيهما
بعد غزوة تبوك فقال في الأول: وقد كان من أمير المؤمنين ع في غزوة
وادي الرمل ويقال انها كانت تسمى بغزوة ذات السلسلة ما حفظه العلماء
ودونه الفقهاء ونقله أصحاب الآثار ونقلة الأخبار ثم ذكر ما حاصله إن
أصحاب السير ذكروا أن النبي ص أتاه أعرابي فقال إن قوما من العرب
عملوا على أن يبيتوك بالمدينة فخطب الناس وأخبرهم وقال من للوادي فقام
رجل من المهاجرين فقال أنا له فناوله اللواء وخرج في سبعمائة رجل فوافاهم ضحوة فدعاهم إلى الاسلام أو القتال فقالوا له ارجع إلى صاحبك
فانا في جمع لا تقوم له فرجع فقال ص من للوادي فقام رجل من المهاجرين
فقال انا له فدفع إليه الراية ومضى ثم عاد كمثل ما عاد صاحبه الأول فقال
ص أين علي بن أبي طالب فقال ها انا ذا قال امض إلى الوادي قال نعم
وكانت له عصابة لا يتعصب بها الا إذا بعثه ص في وجه شديد فطلبها من
فاطمة فبكت إشفاقا عليه فدخل ص فقال أ تخافين أن يقتل بعلك كلا إن
شاء الله فقال علي لا تنفس علي بالجنة يا رسول الله ثم خرج باللواء حتى
وافاهم بسحر فأقام حتى أصبح وصلى بأصحابه الغداة وصفهم واتكأ على
سيفه وقال للعدو يا هؤلاء أنا رسول رسول الله ص إليكم أن تقولوا لا إله إلا
الله وأن محمدا عبده ورسوله والا لأضربنكم بالسيف قالوا ارجع كما
رجع صاحباك قال أنا لا أرجع لا والله حتى تسلموا أو أضربكم بسيفي هذا
أنا علي بن أبي طالب بن عبد المطلب فاضطربوا لما عرفوه ثم اجترأوا على
مواقعته فواقعهم فقتل منهم ستة أو سبعة وانهزم المشركون وظفر المسلمون
وحازوا الغنائم فامر رسول الله ص الناس أن يستقبلوا عليا ع فقام
المسلمون له صفين مع رسول الله ص فلما رأى النبي ص ترجل عن فرسه
واهوى إلى قدميه يقبلهما فقال له اركب فان الله تعالى ورسوله عنك راضيان
فبكى علي ع فرحا وانصرف إلى منزله ثم قال لولا انني أشفق أن تقول
فيك طوائف ما قالت النصارى في عيسى بن مريم لقلت فيك اليوم مقالا لا
تمر بملأ منهم الا أخذوا التراب من تحت قدميك. قال المفيد: وقد ذكر
كثير من أصحاب السير أنه في هذه الغزاة نزل على النبي ص والعاديات
ضبحا الآية. وقال في الموضع الثاني ثم كانت غزاة السلسلة وذلك أن
أعرابيا أتى النبي ص فقال وذكر نحو ما مر ثم قال ما حاصله فقام جماعة من
أهل الصفة فاقرع بينهم فخرجت القرعة على ثمانين رجلا منهم ومن غيرهم
فاستدعى بعض المهاجرين فقال له خذ اللواء وامض إلى بني سليم فإنهم
قريب من الحرة فمضى حتى قارب أرضهم وكانت كثيرة الحجارة والشجر
وهم ببطن الوادي والمنحدر إليه صعب فلما أراد الانحدار خرجوا إليه
فهزموه وقتلوا من المسلمين جمعا كثيرا فعقد ص لآخر من المهاجرين فكمنوا
له تحت الحجارة والشجر فلما ذهب ليهبط خرجوا إليه فهزموه فساء ذلك
رسول الله ص، فقال عمرو بن العاص: ابعثني يا رسول الله إليهم فان
الحرب خدعة فلعلي اخدعهم فبعثه مع جماعة فلما صار إلى الوادي خرجوا
إليه فهزموه وقتلوا من أصحابه جماعة ثم دعا عليا ع فعقد له ثم قال
أرسلته كرارا غير فرار ثم رفع يديه إلى السماء يدعو له وشيعه إلى مسجد
الأحزاب وعلي على فرس أشقر مهلوب عليه بردان يمانيان وفي يده قناة
خطية وانفذ معه المرسلين أولا وعمرو بن العاص فسار بهم نحو العراق ثم
(٢٨٥)

اخذ بهم على محجة غامضة حتى استقبل الوادي من فمه وكان يسير الليل
ويكمن النهار فلما قرب من الوادي أمر أصحابه أن يعكموا الخيل وقال لا
تبرحوا وابتدر امامهم فوقف ناحية فلما رأى عمرو بن العاص ذلك لم يشك
في الفتح فقال للمرسل أولا انا اعلم بهذه البلاد من علي وفيها ما هو أشد
علينا من بني سليم الضباع والذئاب فكلمه يخل عنا نعلو الوادي فكلمه
فأطال فلم يجبه حرفا واحدا فرجع فأخبرهم فقال عمرو بن العاص للمرسل
ثانيا أنت أقوى عليه فانطلق فخاطبه فصنع به مثل ما صنع بالأول فرجع
فأخبرهم فقال عمرو لا ينبغي أن نضيع أنفسنا انطلقوا بنا نعل الوادي فأبوا
عليه فلما طلع الفجر كبس علي ع القوم وهم غارون فامكنه الله منهم
فنزلت والعاديات ضبحا الآيات ثم ذكر نحو ما تقدم في تتمة الحديث
السابق. وقال الطبرسي في مجمع البيان قيل نزلت السورة لما بعث النبي
ص عليا إلى ذات السلاسل فأوقع بهم بعد أن بعث مرارا غيره من الصحابة
فرجعوا وهو المروي عن أبي عبد الله ع في حديث طويل قال وسميت
هذه الغزوة ذات السلاسل لأنه أسر منهم وقتل وسبى وشد أساراهم في
الحبال مكتفين كأنهم في السلاسل اه وقيل السلاسل اسم ماء كما مر.
وذكر هذه الغزوة بهذا النحو الراوندي في الخرائج وعلي بن إبراهيم في
تفسيره وغيرهما وفي مناقب ابن شهرآشوب عند ذكر غزاة السلاسل عن أبي
القاسم بن شبل الوكيل وأبي الفتح الحفار باسنادهما عن الصادق ع
ومقاتل والزجاج ووكيع والثوري والسدي وأبي صالح وابن عباس أنه انفذ
النبي ص بعض المهاجرين في سبعمائة رجل فلما سار إلى الوادي وأراد
الانحدار خرجوا إليه فهزموه وقتلوا من المسلمين جمعا كثيرا فبعث آخر
فرجع منهزما فقال عمرو بن العاص ابعثني يا رسول الله فان الحرب خدعة
ولعلي اخدعهم فبعثه فرجع منهزما وفي رواية انفذ خالدا فعاد كذلك فساء
ذلك النبي ص فدعا عليا وقال أرسلته كرارا غير فرار فشيعه إلى مسجد
الأحزاب إلى آخر ما تقدم ثم قال ومن روايات أهل البيت ع
قالوا فلما أحس ع الفجر قال اركبوا بارك الله فيكم وطلع الجبل حتى إذا
انحدر على القوم وأشرف عليهم قال لهم اتركوا اكمة دوابكم فشمت الخيل
ريح الإناث فصهلت فسمع القوم صهيل خيلهم فولوا هاربين قال وفي
رواية مقاتل والزجاج أنه كبس القوم وهم غارون فقال يا هؤلاء انا رسول
رسول الله إليكم أن تقولوا لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإلا
ضربتكم بالسيف فقالوا انصرف عنا كما انصرف ثلاثة فإنك لا تقاومنا فقال
انني لا انصرف انا علي بن أبي طالب فاضطربوا وخرج إليه الأشداء السبعة
وناصحوه وطلبوا الصلح فقال اما الاسلام واما المقاومة فبرزوا إليه واحدا
بعد واحد وكان أشدهم آخرهم وهو سعد بن مالك العجلي وهو صاحب
الحصن فقتلهم فانهزموا ودخل بعضهم في الحصن وبعضهم استأمنوا
وبعضهم أسلموا واتوه بمفاتيح الخزائن وفي ذلك يقول السيد الحميري:
- وفي ذات السلاسل من سليم * غداة اتاهم الموت المبير -
- وقد هزموا أبا حفص وعمرا * وصاحبه مرارا فاستطيروا -
- وقد قتلوا من الأنصار رهطا * فحل النذر أو وجبت نذور -
- ازار الموت مشيخة ضخاما * جحاجحة تسد بها الثغور -
ولم تذكر هذه الغزو بهذه الكيفية في السيرة الهشامية وطبقات ابن
سعد وما تأخر عنهما ولكنهم ذكروا سرية عمرو بن العاص إلى ذات
السلاسل وهي وراء وادي القرى بينها وبين المدينة عشرة أميال في جمادي
الآخرة سنة ثمان من الهجرة بلغه ص ان جمعا من قضاعة تجمعوا يريدون
الدنو إلى أطرافه فبعثه في ثلثمائة فبلغه كثرتهم فبعث يستمده ص فأرسل أبا
عبيدة في مائتين اه قال بعضهم سميت ذات السلاسل لأنه كان به
رمل بعضه على بعض كالسلسلة وقيل لأن المشركين ربطوا بعضهم
بالسلاسل لئلا يفروا.
سرية علي بن أبي طالب ع إلى بني سعد بن بكر بفدك
في شعبان سنة ست من الهجرة.
وفدك بالتحريك في معجم البلدان قرية بينها وبين المدينة يومان
وقيل ثلاثة وفي السيرة الحلبية قرية بينها وبين المدينة ست ليال وفي لفظ
ثلاث مراحل وهي الآن خراب أقول لعل الصواب القول بان بينها وبين
المدينة ست ليال لما يأتي من أن عليا ع وصل إلى مكان بين خيبر وفدك
فدل على أن فدك أبعد عن المدينة من خيبر وقد مر أن خيبر عن المدينة على
نحو أربع مراحل فكيف يكون بين فدك والمدينة ثلاث مراحل أو يومان أو
ثلاثة أيام الا أن يراد بالأيام الليل والنهار فتتوافق رواية ثلاثة أيام ورواية
ست ليال. وفي الصحاح والقاموس فدك بلدة بخيبر اه ولعل فيه
تسامحا باعتبار مجاورتهما لخيبر. وأهل فدك كانوا من العرب لا من اليهود.
ومر الكلام على أن فدكا فتحت صلحا بعد فتح خيبر سنة سبع فتكون هذه
السرية قبل فتح خيبر لأن فتح خيبر كان في جمادي الأولى أو في المحرم سنة
سبع وهذه كانت في شعبان سنة ست وسببها أنه بلغ النبي ص أن بني سعد
يريدون أن يجمعوا جمعا يمدون به يهود خيبر ويعطوهم مقابل ذلك من تمر
خيبر وينبغي أن يكون ذلك قبل محاصرة خيبر بان يكون أهل خيبر لما رأوا
ما جرى لقريظة وبني النضير لما نقضوا العهد خافوا فاتفقوا مع أهل فدك
على ذلك فبعث النبي ص عليا ع من المدينة في مائة رجل فجعل يسير
الليل ويكمن النهار حتى انتهى إلى الغمج (١) ماء بين فدك وخيبر فوجدوا
رجلا فقالوا ما أنت قال باع أي طالب لشئ ضل مني فقالوا هل لك علم
بجمع بني سعد قال لا علم لي به فشدوا عليه فاقر أنه عين لهم بعثوه إلى
خيبر يعرض على يهودها نصرهم على أن يجعلوا لهم من تمرها ما جعلوا
لغيرهم قالوا له فأين القوم قال تركتهم قد تجمع منهم مائتا رجل قالوا فسر
بنا حتى تدلنا عليهم قال على أن تؤمنوني فامنوه فجاء بهم إلى سرحهم
فأغاروا عليه وهرب الرعاء إلى جمعهم فتفرقوا فقال دعوني فقال علي حتى
نبلغ معسكرهم فانتهى بهم إليه فلم يروا أحدا فتركوه وساقوا النعم وكانت
خمسمائة بعير وألفي شاة فاصطفى علي منها لرسول الله ص ناقة لقوحا
تسمى الحفدة وقسم الباقي على أصحابه هكذا في السيرة الحلبية وينبغي أن
يكون اخرج خمسها أولا لا اللقوح وحدها ثم قسم الباقي.
سرية علي بن أبي طالب ع إلى بلاد طئ
في ربيع الأول سنة تسع من الهجرة ومعه مائة وخمسون رجلا من
الأنصار أو مائتان على مائة بعير وخمسين فرسا لهدم صنم طئ والغارة
عليهم ومعه راية سوداء ولواء أبيض وفي السيرة الحلبية أن اسم الصنم
الفلس بضم الفاء وسكون اللام وفي سيرة دحلان أن الفلس اسم الموضع
الذي فيه الصنم فأغار على أحياء من العرب وشن الغارة على آل حاتم مع

(١) بالغين المفتوحة والميم المكسورة والجيم.
(٢٨٦)

الفجر فهدم الفلس وأحرقه ووجد في خزانته ثلاثة أسياف وثلاث أدرع
وغنم سبيا ونعما وشاء وفضة.
سفانة بنت حاتم الطائي
وكان في السبي سفانة (١) بنت حاتم الطائي أخت عدي بن حاتم
وكانت امرأة جزلة أي ذات وقار وعقل فقالت يا رسول الله هلك الوالد
وغاب الوافد فامنن علي من الله عليك قال ومن وافدك قالت عدي بن حاتم
قال الفار من الله ورسوله وكان عدي هرب لما رأى الجيش ثم كلمته بمثل
ذلك اليوم الثاني وفي اليوم الثالث أشار إليها علي بن أبي طالب بان قومي
إليه فكلميه فكلمته فمن عليها وأسلمت وذهبت إلى أخيها عدي فجاءت به
وأسلم وحسن إسلامه وصار من خواص أصحاب علي أمير المؤمنين ع
ويروى أنها قالت للنبي ص يا محمد إن رأيت أن تخلي عنا ولا تشمت بنا
أحياء العرب فاني ابنة سيد قومي وإن أبي كان يحمي الذمار ويفك العاني
ويشبع الجائع ويكسو العاري ويقري الضيف ويطعم الطعام ويفشي السلام
ولم يرد طالب حاجة قط أنا ابنة حاتم الطائي فقال لها النبي ص يا جارية
هذه صفة المؤمن حقا لو كان أبوك مسلما لترحمنا عليه خلوا عنها فان أباها
كان يحب مكارم الأخلاق.
نزول سورة براءة
قال الشيخ الطوسي في المصباح في أول يوم من ذي الحجة سنة تسع
من الهجرة بعث النبي ص سورة براءة حين أنزلت عليه مع أبي بكر ثم نزل
على النبي ص أنه لا يؤديها عنك إلا أنت أو رجل منك فانفذ عليا حتى لحق
أبا بكر فاخذها منه. وقال الطبري في تفسيره: حدثنا أحمد بن إسحاق ثنا أبو حمد ثنا
إسرائيل عن أبي إسحاق عن زيد بن يثيغ قال نزلت براءة فبعث بها رسول
الله ص أبا بكر ثم أرسل عليا فاخذها منه فلما رجع أبو بكر قال هل نزل في
شئ قال لا ولكن أمرت أن أبلغها أنا أو رجل من أهل بيتي فانطلق علي
إلى مكة فقام فيهم بأربع أن لا يدخل مكة مشرك بعد عامه هذا ولا يطف
بالبيت عريان ولا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة ومن كان بينه وبين رسول
الله عهد فعهده إلى مدته اه وروى الحاكم في المستدرك بسنده عن ابن
عباس أن رسول الله ص بعث أبا بكر وأمره أن ينادي بهؤلاء الكلمات
فاتبعه عليا فبينا أبو بكر ببعض الطريق إذ سمع رغاء ناقة رسول الله ص
فخرج فزعا فظن أنه رسول الله ص فإذا هو علي إلى أن قال فنادى علي
أن الله برئ من المشركين ورسوله فسيحوا في الأرض أربعة أشهر لا يحجن
بعد العام مشرك ولا يطوفن بالبيت عريان ولا يدخل الجنة إلا مؤمن
وبسنده عن زيد بن يثيغ سألنا عليا بأي شئ بعثت في الحجة قال بعثت
بأربع لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة ولا يطوف بالبيت عريان ولا يجتمع
مؤمن وكافر في المسجد الحرام بعد عامهم هذا ومن كان بينه وبين النبي
ص عهد فعهده إلى مدته ومن لم يكن له عهد فاجله أربعة أشهر وروى
النسائي في الخصائص بسنده عن سعد قال بعث رسول الله ص أبا بكر
ببراءة حتى إذا كان ببعض الطريق أرسل عليا فاخذها منه ثم سار بها فوجد
أبا بكر في نفسه فقال رسول الله ص لا يؤذى عني إلا أنا أو رجل مني
وبسنده عن أنس بعث النبي ص براءة مع أبي بكر ثم دعاه فقال لا
ينبغي أن يبلغ هذا إلا رجل من أهلي فدعا عليا فأعطاه إياها وبسنده
عن زيد بن يثيغ عن علي أن رسول الله ص بعث ببراءة إلى أهل مكة مع
أبي بكر ثم اتبعه بعلي فقال خذ الكتاب فامض به إلى أهل مكة فلحقه فاخذ
الكتاب منه فانصرف أبو بكر وهو كئيب فقال لرسول الله ص اه.
ولحقه علي بذي الحليفة وقيل بالعرج وقيل بالروحاء على ناقة رسول
الله ص العضباء. قال المجلسي أجمع المفسرون ونقلة الأخبار أنه لما
نزلت براءة دفعها رسول الله ص إلى أبي بكر ثم أخذها منه ودفعها إلى علي
بن أبي طالب واختلفوا فقيل أخذها علي منه فقرأها على الناس وكان أبو بكر
أميرا على الموسم وروى أصحابنا أن النبي ص ولى عليا الموسم أيضا
اه وقال بعضهم إنما أمر عليا بأخذ براءة من أبي بكر جريا على عادة
العرب بأنه لا يبلغ عنهم إلا هم أو أحد أقربائهم. وفيه أن هذه لم يرد بها
خبر ولو فرض فالاسلام قد جاء لمحو عادات الجاهلية مثل عدم توريث
النساء والتفاخر بالأجداد والآباء وإنما ذلك أمر من الله تعالى بان لا يقوم
بهذا الأمر المهم إلا النبي ص أو من هو مثل نفسه.
سرية علي بن أبي طالب ع إلى اليمن
قال ابن سعد يقال مرتين إحداهما في شهر رمضان سنة عشر من
الهجرة قالوا بعث ص عليا إلى اليمن وعقد له لواء وعممه بيده وقال امض
ولا تلتفت فإذا نزلت بساحتهم فلا تقاتلهم حتى يقاتلوك وزاد غير ابن سعد
وادعهم إلى قول لا إله إلا الله فان قالوا نعم فمرهم بالصلاة فان أجابوا فلا
تبغ منهم غير ذلك والله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك مما طلعت
عليه الشمس أو غربت. وروى أبو داود وغيره من حديث علي قال
بعثني النبي ص إلى اليمن فقلت يا رسول الله تبعثني إلى قوم وأنا حديث
السن لا أبصر القضاء فوضع يده على صدري وقال اللهم ثبت لسانه واهد
قلبه وقال يا علي إذا جلس إليك الخصمان فلا تقض بينهما حتى تسمع من
الآخر فإنك إذا فعلت ذلك تبين لك القضاء قال علي والله ما شككت في
قضاء بين اثنين قال ابن سعد فخرج في ثلثمائة فارس وكانت أول خيل
دخلت إلى تلك البلاد وهي بلاد مذحج ففرق أصحابه فاتوا بغنائم وسبي
ثم لقي جمعهم فدعاهم إلى الاسلام فأبوا ورموا بالنبل والحجارة فصف
أصحابه ثم حمل عليهم علي بأصحابه فقتل منهم عشرين رجلا فتفرقوا
وانهزموا فكف عن طلبهم ثم دعاهم إلى الاسلام فأسرعوا وأجابوا وبايعه
نفر من رؤسائهم على الاسلام وقالوا نحن على من ورائنا من قومنا وهذه
صدقاتنا فخذ منها حق الله وجمع علي الغنائم فاخرج منها الخمس وقسم
الباقي على أصحابه ثم قفل فوافى النبي ص بمكة قد قدمها للحج سنة عشر
اه وهي حجة الوداع أقول والأخرى قبل هذه وكانت سنة ثمان
من الهجرة أرسل عليا ع إلى همدان بعد فتح مكة فأسلمت همدان كلها
في يوم واحد فكتب إلى النبي ص فخر ساجدا لله ثم جلس فقال السلام
على همدان وتتابع أهل اليمن على الاسلام ويدل قول ابن سعد يقال ذلك
مرتين على أنه غير محقق ويرشد إليه أن بعضهم جعل اسلام همدان سنة
عشر والله أعلم ولكن ابن هشام في سيرته جزم بان عليا ع غزا اليمن
مرتين ثم قال: قال أبو عمر المدني بعث رسول الله ص علي بن أبي طالب
إلى اليمن وبعث خالد بن الوليد في جند آخر وقال إن التقيتما فالأمير علي بن
أبي طالب اه ويدل كلام المفيد في الارشاد على أن إرسال النبي ص
عليا ع إلى اليمن كان ليخمس ركازها ويقبض ما وافق عليه أهل نجران
من الحلل والعين وغير ذلك لا لأجل الحرب وأن أهل اليمن كانوا قد

(١) سفانة بسين مفتوحة وفاء مفتوحة مشددة ونون مفتوحة وهاء والسفانة في الأصل الدرة.
(٢٨٧)

أسلموا قبل ذلك لكن ربما ينافيه أخذ الجيش معه ولعله خشية من وقوع
حرب. وفي السيرة الحلبية كان رسول الله ص أرسل خالد بن الوليد إلى
اليمن لهمدان يدعوهم إلى الاسلام قال البراء فكنت ممن خرج مع خالد
فأقمنا ستة أشهر ندعوهم إلى الاسلام فلم يجيبوا ثم أن رسول الله ص بعث
علي بن أبي طالب فامره أن يقفل خالدا ويكون مكانه فلما دنونا من القوم
خرجوا إلينا وصلى بنا علي ثم صفنا صفا واحدا ثم تقدم بين أيدينا وقرأ
عليهم كتاب رسول الله ص فأسلمت همدان جميعا فكتب إلى رسول الله ص
باسلامهم الحديث: وفي السيرة النبوية لدحلان أن بعث علي سنة ثمان
كان إلى همدان وجعله سنة عشر غلط وبعثه سنة عشر كان إلى مذحج.
نظرة إجمالية في حروبه ص وغزواته
إذا نظرنا في مبدأ الدعوة الاسلامية وما سارت عليه إلى نهايتها رأينا
أن النبي ص لم يبدأ دعوته بالقتال ولم يبنها على السيف والحرب وإنما دعا
إليها كما أمره الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة وبقي على ذلك بمكة بعد
البعثة عشر سنين فدخل الناس في الاسلام طائعين غير مكرهين عن عقيدة
واخلاص سريرة وعلم بحقيقة هذا الدين واعتراف بمحاسنه بعد ما ظهر لهم
فساد ما كانوا عليه من عبادة الأوثان وقبح ما هم عليه من أمور الجاهلية
وإن دخول من دخل فيه لم يكن رهبة من عقاب ولا طمعا في مال أو جاه بل
كان الأمر بالعكس يؤذى من دخل فيه ويعذب ويهان ويقصى ويحرم وأن
اخصامه لم يعمدوا في دفعه إلى حجة أو برهان أو معارضة بدليل ولو كان
سفسطة سوى قولهم أتأمرنا أن نترك ما كان يعبد آباؤنا وشبهه ولم يتركوه
وشأنه بل عمدوا إلى ايقاع المكروه به وآذوه بأنواع الأذايا حتى تعاقدوا على
حصره وجميع عشيرته مسلمهم وكافرهم في شعب أربع سنين لا يبايعون ولا
يشارون ولا يزوجون ولا يتزوج إليهم ولا يعاشرون ولا يخالطون وحتى
كانوا يسلطون صبيانهم وسفهاءهم عليه ووضعوا السلا على ثيابه ولم يكتفوا
بذلك حتى طلبوا إلى عمه أبي طالب أن يسلمه لهم ليقتلوه وحتى تامروا على
قتله ليلا وأحاطوا بداره فنجاه الله منهم وذهب إلى الغار واستخفى فيه ثلاثا
وجعلوا لمن جاءهم به مائة بعير وعمدوا إلى من تخلف بمكة من المسلمين
يعذبونهم ويفتنونهم عن دينهم وهاجر جماعة منهم خفية إلى بلاد الحبشة
فارسلوا وراءهم من يردهم وحملوا معهم الهدايا لملك الحبشة فجبههم لما
سمع بلاغة القرآن وسمو تعاليمه فاضطر النبي ص بعد ما استقر بالمدينة إلى
غزوهم وحربهم ليدفع أذاهم وشرهم عنه وعن أصحابه فكانت غزوة بدر
طلبا لعيرهم ففاتته فجهزوا الجيوش لحربه وأرادوا غزوه في عقر دياره
فحاربهم وأظفره الله بهم ثم قصدوه يوم أحد إلى دار هجرته قاصدين
استئصاله واستئصال أصحابه فاضطر إلى دفاعهم ثم أراد العمرة عام
الحديبية فصدوه عن بيت الله الحرام الذي يعتقدون حرمته وتعظيمه
ويستعظمون الصد عنه فهادنهم مهادنة كانت بجانبهم أرجح ولان لهم
فنقضوا العهد وعاونوا بني بكر على خزاعة حلفائه وقتلوهم غدرا فسار إليهم
لفتح مكة ونهى عن قتالهم وعفا عنهم عفوا عاما ولم يكره أحدا من أهل
الكتاب على ترك دينه وأعلن على رؤوس الملأ لا إكراه في الدين واكتفى
منهم إما باسلام أو إداء شئ يفرض عليهم كل عام ويكون لهم ما
للمسلمين وعليهم ما عليهم وأنه لم يحارب يهود الحجاز إلا بعد ما نقضوا
عهده وراموا قتله وألبوا عليه وبذلك يبطل ما يقوله من يريد تنقيص
الاسلام بأنه قام بالسيف والقهر والغلبة لا بالدعوة والله الهادي.
حجة الوداع
سنة عشر من الهجرة قال ابن هشام سميت بذلك لأنه لم يحج بعدها
وقيل لأنه ودع فيها الناس واعلمهم بدنو أجله. قال ابن سعد في الطبقات
وهي التي يسميها الناس حجة الوداع وكان المسلمون يسمونها حجة
الاسلام وكان ابن عباس يكره أن يقال حجة الوداع ويقول حجة الاسلام
ولم يحج غيرها منذ تنبأ اه ولو قال منذ هاجر لكان صوابا فإنه ص لم
يحج بعد الهجرة غيرها وإنما أراد الاعتمار عام الحديبية فصد ثم اعتمر عمرة
القضاء واعتمر يوم حنين ولم يحج أما قبل الهجرة فقد حج ص حجتين يقينا
وهما اللتان بايع فيهما الأنصار عند العقبة وقد روى ابن سعد ذلك بسنده
عن مجاهد قال حج رسول الله ص حجتين: قبل أن يهاجر حجة وبعد ما
هاجر حجة وفي السيرة الحلبية أنه ص حج بعد النبوة وقبل الهجرة ثلاث
حجات وقيل حجتين وقال ابن الأثير كان ص يحج كل سنة قبل أن يهاجر
وقال ابن الجوزي حج ص قبل النبوة وبعدها حججا لا يعلم عددها وكان
قبل النبوة يقف بعرفات ويفيض منها إلى مزدلفة مخالفة لقريش توفيقا له من
الله لأنهم كانوا لا يخرجون من الحرم وقالوا لا تعظموا شيئا من الحل كما
تعظمون الحرم فيستخف العرب بحرمكم فتركوا الوقوف بعرفة والإفاضة
إلى مزدلفة ويرون ذلك لسائر العرب وكان فرض الحج بالمدينة قال
المفيد: ثم أراد رسول الله ص التوجه إلى الحج وأداء ما فرض الله تعالى
عليه فيه فاذن في الناس بالحج وبلغت دعوته إلى أقاصي بلاد الاسلام
فتجهز الناس للخروج معه وحضر المدينة من ضواحيها ومن حولها خلق
كثير وتأهبوا للخروج فخرج ص بهم يوم الخميس أو يوم السبت لخمس بقين
من ذي القعدة. وفي السيرة الحلبية خرج معه أربعون ألفا وقيل سبعون
وقيل تسعون وقيل مائة وأربعة عشر ألفا وقيل مائة وعشرون ألفا وقيل أكثر
من ذلك عدا من حج معه من أهل مكة واليمن قال ابن سعد خرج من
المدينة مغتسلا متدهنا مترجلا مجردا في ثوبين صحاريين ازار ورداء فصلى
الظهر بذي الحليفة ركعتين وأخرج معه نساءه التسع كلهن في الهوادج وابنته
فاطمة وأشعر هديه وقلده ثم قال واختلف علينا فيما أهل به فأهل المدينة
يقولون أهل بالحج مفردا وفي رواية غيرهم أنه قرن مع حجته عمرة وقال
بعضهم دخل متمتعا بعمرة ثم أضاف إليها حجة وفي كل رواية اه
أقول الصحيح أن حجه كان حج قران وعقد إحرامه بسياق الهدي فلما
وصل إلى الميل لبى فقال لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك أن
الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك قال المفيد: وكاتب عليا ع
بالتوجه إلى الحج من اليمن ولم يذكر له نوع الحج الذي عزم عليه وخرج
ص قارنا للحج بسياق الهدي وأحرم من ذي الحليفة وأحرم الناس معه ولبى
من عند الميل الذي بالبيداء فاتصل ما بين الحرمين بالتلبية حتى انتهى إلى
كراع الغمم وكان الناس معه ركبانا ومشاة فشق على المشاة المسير واجهدهم
فشكوا ذلك إليه واستحملوه فاعلمهم أنه لا يجد لهم ظهرا وأمرهم أن
يشدوا على أوساطهم (١) ويخلطوا الرمل بالنسل (٢) ففعلوا ذلك واستراحوا
إليه.

(١) في الشد على الوسط تقوية للجسم فلهذا أمرهم به.
(٢) الرمل بفتحتين والنسل بسكون السين نوعان من السير فيهما بعض الاسراع أمرهم بأن يركوا
تارة وينسلوا أخرى وذلك خير من مشى التأني ومن العدو هذا ولكن تمييز الرمل من النسل
في كلام اللغويين فيه بعض الغموض والمستفاد من المجموع أن النسل الاسراع مع تقارب
الخطي كمشية الذئب والرمل بين المشي والعدو وهو اسراع مع هز المنكبين وعدم النزو فكان
النسل أقل حركة وإسراعا من الرمل.
- المؤلف -
(٢٨٨)

وفي السيرة الحلبية: ذكر بعضهم أنه في هذه الحجة كان جمل عائشة
رض سريع المشي مع خفة حمل عائشة وجمل صفية بطئ المشي مع ثقل
حملها فصار الركب يتأخر لذلك فامر ص أن يجعل حمل صفية على جمل
عائشة وحمل عائشة على جمل صفية فقال لعائشة يا أم عبد الله حملك خفيف
وجملك سريع وحمل صفية ثقيل وجملها بطئ فأبطأ ذلك بالركب فنقلنا
حملك على جملها وحملها على جملك فقالت له انك تزعم انك رسول الله؟!
فقال أ في شك أني رسول الله أنت يا أم عبد الله؟! قالت فما لك لا تعدل؟!
قالت فكان أبو بكر رض فيه حدة فلطمني على وجهي فلامه رسول
الله ص فقال أ ما سمعت ما قالت فقال دعها فان المرأة الغيراء لا تعرف أعلا
الوادي من أسفله. قال المفيد وخرج علي ع بمن معه من العسكر
الذي كان صحبه إلى اليمن ومعه الحلل التي أخذها من أهل نجران فلما
قارب رسول الله ص مكة من طريق المدينة قاربها علي ع من طريق
اليمن وسبق الجيش للقاء النبي ص وخلف عليهم رجلا منهم فأدرك النبي
ص وقد أشرف على مكة فسلم عليه وأخبره بما صنع وبقبض ما قبض وأنه
سارع للقائه أمام الجيش فسر رسول الله ص بذلك وابتهج بلقائه وقال له
بم أهللت فقال له يا رسول الله انك لم تكتب لي اهلالك ولا عرفته فعقدت
نيتي بنيتك فقلت اللهم إهلالا كاهلال نبيك وسقت معي من البدن أربعا
وثلاثين بدنة فقال رسول الله ص الله أكبر قد سقت أنا ستا وستين وأنت
شريكي في حجي ومناسكي وهديي فاقم على إحرامك وعد إلى جيشك
فعجل بهم حتى نجتمع بمكة انش وفي سيرة ابن هشام قال رسول الله
ص لعلي هل معك من هدي قال لا فاشركه في هديه وثبت على احرامه حتى
فرغا من الحج ونحر رسول الله ص الهدي عنهما. وفي السيرة الحلبية
يمكن الجمع بين هذا وبين أنه قدم من اليمن ومعه هدي بان الهدي كان قد
تأخر مجيئه فاشركه في هديه ثم نقل الهدي الذي جاء به علي ع من
اليمن كان سبعا وثلاثين والذي جاء به رسول الله ص ثلاثا وستين قال ابن
هشام فيما أخرجه عن ابن إسحاق بسنده لما أقبل علي من اليمن لتلقي رسول
الله ص بمكة تعجل إلى رسول الله ص واستخلف على جنده الذين معه
رجلا من أصحابه فعمد ذلك الرجل فكسا كل رجل من القوم حلة من البز
الذي كان مع علي فلما دنا جيشه خرج ليلقاهم فإذا عليهم الحلل فقال
للذي كان استخلفه فيهم ويلك ما هذا قال كسوتهم ليتجملوا به إذا قدموا
في الناس فانتزع الحلل من الناس وشدها في الاعدال وأظهر الجيش شكواه
لما صنع بهم قال أبو سعيد الخدري اشتكى الناس عليا فقام رسول الله ص
فينا خطيها فسمعته يقول أيها الناس لا تشكن عليا فوالله أنه لأخشن في
ذات الله أو في سبيل الله من أن يشكى وفي رواية المفيد فامر رسول الله
ص مناديا فنادى في الناس ارفعوا ألسنتكم عن علي بن أبي طالب فإنه
خشن في ذات الله عز وجل غير مداهن في دينه فكف القوم عن ذكره
وعلموا مكانه من النبي ص وسخطه على من رام الغميزة فيه. قال المفيد وأقام
علي ع على إحرامه تأسيا برسول الله ص فكان حجهما حج قران
وكان قد خرج مع النبي ص كثير من المسلمين بغير سياق هدي فأنزل الله
تعالى وأتموا الحج والعمرة لله فقال رسول الله ص دخلت العمرة في الحج
إلى يوم القيامة وشبك إحدى أصابع يديه على الأخرى ثم قال لو استقبلت
من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ثم أمر مناديه أن ينادي من لم يسق
منكم هديا فليحل وليجعلها عمرة ومن ساق منكم هدايا فليقم على إحرامه
اه توضيح ذلك أن الحج ثلاثة أنواع إفراد وقران وتمتع فالافراد
والقران فرض القريب إلى مكة والتمتع فرض البعيد والمفرد يأتي بالحج أولا
ثم بعمرة مفردة وكذلك القارن إلا أنه يسوق الهدي معه عند الاحرام
والمتمتع يأتي أولا بعمرة التمتع ثم يأتي بالحج فالنبي ص حين أحرم في حجة
الوداع أحرم بحج القران لأنه ساق الهدي وكذلك علي ع أحرم كاحرام
رسول الله ص وساق الهدي فكان حجه حج قران وأكثر الذين كانوا مع
النبي ص لم يسوقوا الهدي عند الاحرام وأحرموا بالحج ولم يكن حج التمتع
مفروضا يومئذ فلما نزل فرض حج التمتع بقوله تعالى: وأتموا الحج
والعمرة لله إلى قوله فمن تمتع بالعمرة إلى الحج الآية. أمر رسول
الله ص من ساق الهدي أن يبقى على إحرامه ويجعل حجه حج قران ومن لم
يسق الهدي أن يجعلها عمرة تمتع فيحل من احرامه ثم يحرم للحج وقال
دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة فصار فرض البعيدين عن مكة ومنهم
أهل المدينة حج التمتع وليس لهم أن يحجوا حج إفراد ولا حج قران وإنما
كان لمن ساق الهدي أن يحج حج قران في ذلك العام فقط ومعنى دخول
العمرة في الحج أن المتمتع يكون نسكه مركبا من عملين العمرة والحج فهما
يمنزلة شئ واحد بخلاف القارن والمفرد فعمله مركب من نسكين مستقلين
الحج والعمرة المفردة وفي رواية أن سراقة بن مالك قال يا رسول الله متعتنا
هذه لعامنا هذا أم للأبد فشبك أصابعه فقال بل لابد الأبد دخلت العمرة
في الحج هكذا إلى يوم القيامة أورده في السيرة الحلبية. قوله ص لو
استقبلت من أمري ما استدبرت أي لو كنت أعلم حين أحرمت ما علمته
اليوم من أن من ساق الهدي ليس له أن يحج حج تمتع بل حجه حج قران
ما سقت الهدي بل كنت أحرم بغير سياق الهدي ليكون حجي حج تمتع فان
حج التمتع أفضل من حج القران وحاصله الندم على سوق الهدي الذي
أوجب أن يكون حجه حج قران وفوت عليه فضيلة حج التمتع قال
المفيد فأطاع في ذلك بعض الناس وخالف البعض وجرت خطوب بينهم
فيه وقال منهم قائلون: رسول الله ص أشعث أغبر ونحن نلبس الثياب
ونقرب النساء وندهن وقال بعضهم أ ما تستحون تخرجون ورؤوسكم تقطر من
الغسل ورسول الله على إحرامه فأنكر رسول الله ص على من خالف في ذلك
وقال لولا إني سقت الهدي لأحللت وجعلتها عمرة فمن لم يسق هديا
فليحل فرجع قوم وأقام آخرون على الخلاف اه وروى النسائي في
سننه بسنده عن البراء قال كنت مع علي بن أبي طالب حين أمره رسول الله
ص على اليمن فلما قدم على النبي ص قال فقال لي رسول الله ص كيف
صنعت قلت أهللت باهلالك قال فاني سقت الهدي وقرنت وقال لأصحابه
لو استقبلت من أمري كما استدبرت لفعلت كما فعلتم ولكن سقت الهدي
وقرنت. وروى مسلم في صحيحه بسنده عن عائشة قالت قدم رسول الله
ص لأربع مضين من ذي الحجة أو خمس فدخل علي وهو غضبان فقلت من
أغضبك يا رسول الله أدخله الله النار قال أ وما شعرت أني امرت الناس
بأمر فإذا هم يترددون لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت
الهدي معي حتى اشتريه ثم أحل كما أحلوا اه ولما أراد ص دخول مكة
اغتسل ودخلها نهارا من أعلاها من كداء وضرب خيامه بالأبطح ومضى
حتى انتهى إلى باب بني شيبة وهو المعروف اليوم بباب السلام فدخل
المسجد وطاف بالبيت سبعة أشواط ثم صلى خلف المقام ركعتين ثم سعى
(٢٨٩)

بين الصفا والمروة من فوره ذلك ثم عاد إلى منزله فلما كان قبل التروية بيوم
خطب بمكة بعد الظهر ثم خرج يوم التروية إلى منى فهات بها ثم غدا إلى
عرفات فوقف بها وقال كل عرفة موقف إلا بطن عرنة وخطب الناس
بعرفات وتأتي خطبته عند ذكر خطبه فلما غربت الشمس دفع فجعل يسير
العنق فإذا وجد فجوة نص حتى جاء المزدلفة فصلى المغرب والعشاء باذان
وإقامتين وبات بها فلما كان السحر أذن لأهل الضعف من الذرية والنساء أن
يأتوا من قبل حطمة الناس فلما برق الفجر صلى الصبح ثم ركب راحلته
فوقف على قزح جبل وقال كل المزدلفة موقف إلا بطن محسر ثم دفع قبل
طلوع الشمس فلما بلغ إلى محسر أوضع ثم أتى منى فرمى جمرة العقبة ثم
نحر الهدي وحلق رأسه وأخذ من شاربه وعارضيه وقلم أظفاره وأمر بشعره
وأظفاره أن تدفن. كذا في طبقات ابن سعد وفي رواية أخرى لابن سعد
أطاف به أصحابه ما يريدون أن تقع شعرة إلا في يد رجل. قال صاحب
السيرة الحلبية فنحر من البدن ثلاثا وستين بيده الشريفة وهي التي جاء بها
من المدينة وأمر عليا فنحر الباقي وهو تمام المائة ولعله الذي جاء به من
اليمن ثم قال وجاء عن ابن عباس أنه ص اهدى في حجة الوداع مائة بدنة
نحر منها ثلاثين وأمر عليا فنحر الباقي وقال له أقسم لحومها وجلودها
وجلالها بين الناس ولا تعط جزارا منها شيئا وخذ لنا من بعير جذبة من لحم
واجعلها في قدر حتى نأكل من لحمها ونحسو من مرقها ففعل ثم أنه ص
خطب الناس بمنى يوم العيد بعد الظهر فقال: ألا إن الزمان قد استدار
كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض (١) السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة
حرم ثلاثة متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر (٢) الذي بين
جمادى وشعبان ثم قال إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام
كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا وستلقون ربكم فيسألكم
عن أعمالكم ألا لا ترجعن بعدي ضلالا يضرب بعضكم رقاب بعض إلا
ليبلغ الشاهد منكم الغائب فلعل بعض من يبلغه أن يكون أوعى له من
بعض من سمعه ألا هل بلغت. قال بعضهم قد كان ذلك. قد كان بعض
من بلغه أوعى له من بعض من سمعه وتأتي هذه الخطبة بأطول عند ذكر
خطبه ص ونادى مناديه بمنى أنها أيام أكل وشرب فلا يصومن أحد.
خبر غدير خم
ثم أن رسول الله ص لما قضى مناسكه قفل راجعا إلى المدينة فوصل
إلى الموضع المعروف بغدير خم يوم الثامن عشر من ذي الحجة سنة عشر من
الهجرة وهو مكان قريب من الجحفة بناحية رابغ قال المفيد في الارشاد
وليس بموضع إذ ذاك يصلح للنزول لعدم الماء فيه والمرعى فنزل به ونزل
المسلمون معه قال وكان سبب نزوله في هذا المكان نزول القرآن عليه بنصبه
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب خليفة في الأمة من بعده. وقد كان تقدم
الوحي إليه في ذلك من غير توقيت فاخره لحضور وقت يامن فيه الاختلاف
منهم عليه وعلم الله عز وجل أنه ان تجاوز غدير خم انفصل عنه كثير من
الناس إلى بلدانهم وبواديهم فأراد الله أن يجمعهم لسماع النص عليه وتأكيد
الحجة عليهم فيه فأنزل الله تعالى عليه: يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليك
من ربك. يعني في استخلاف علي والنص بالإمامة عليه. وإن لم تفعل فما
بلغت رسالته والله يعصمك من الناس. فأكد الفرض عليه بذلك وخوفه
من تأخير الأمر فيه وضمن له العصمة ومنع الناس منه فنزل بذلك المكان
ونزل المسلمون حوله وكان يوما قائظا شديد الحر فامر بدوحات هناك فقم ما
تحتها وأمر بجمع الرحال ووضع بعضها فوق بعض ثم أمر مناديه فنادى في
الناس الصلاة جامعة فاجتمعوا من رحالهم إليه وإن أكثرهم ليلف رداءه
على قدميه من شدة الحر فلما اجتمعوا صعد على تلك الرحال حتى صار في
ذروتها ودعا أمير المؤمنين ع فرقى معه حتى قام عن يمينه ثم خطب
الناس فحمد الله وأثنى عليه ووعظ فابلغ في الموعظة ونعى إلى الأمة نفسه
وقال إني قد دعيت ويوشك أن أجيب وقد حان مني خفوق من بين أظهركم
وإني مخلف فيكم ما أن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي كتاب الله وعترتي
أهل بيتي فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ثم نادى بأعلى صوته أ لست
أولى بكم منكم بأنفسكم قالوا اللهم بلى فقال لهم على النسق وقد أخذ
بضبعي أمير المؤمنين ع فرفعهما حتى بان بياض إبطيهما فمن كنت مولاه
فهذا علي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل
من خذله. ثم نزل وكان وقت الظهيرة فصلى ركعتين ثم زالت الشمس
فاذن مؤذنه لصلاة الظهر فصلى بهم الظهر وجلس في خيمته وأمر عليا أن
يجلس في خيمة له بازائه وأمر المسلمين أن يدخلوا عليه فوجا فوجا فيهنوه
بالمقام ويسلموا عليه بإمرة المؤمنين ففعل الناس ذلك كلهم وأمر أزواجه
وسائر نساء المؤمنين ممن معه أن يدخلن عليه ويسلمن عليه بإمرة المؤمنين
ففعلن وكان فيمن أطنب في تهنئته بالمقام عمر بن الخطاب وأظهر له من
المسرة به وقال فيما قال: بخ بخ لك يا علي أصبحت مولاي ومولى كل
مؤمن ومؤمنة وجاء حسان بن ثابت فقال يا رسول الله أ تأذن لي أن أقول في
هذا المقام ما يرضاه الله فقال له قل يا حسان على اسم الله فوقف على نشز
من الأرض وتطاول المسلمون لسماع كلامه فانشا يقول:
- يناديهم يوم الغدير نبيهم * بخم واسمع بالرسول مناديا -
وقال فمن مولاكم ووليكم * فقالوا ولم يبدوا هناك التعاميا -
- إلهك مولانا وأنت ولينا * ولن تجدن منا لك اليوم عاصيا -
- فقال له قم يا علي فإنني * رضيتك من بعدي إماما وهاديا -
- فمن كنت مولاه فهذا وليه * فكونوا له أنصار صدق مواليا -
- هناك دعا اللهم وال وليه * وكن للذي عادى عليا معاديا -
فقال له رسول الله ص لا تزال يا حسان مؤيدا بروح القدس ما
نصرتنا بلسانك انتهى الارشاد وفي كتاب أسباب النزول للواحدي
النيسابوري ما لفظه: أخبرنا أبو سعيد محمد بن علي الصفار أخبرنا
الحسن بن أحمد المخلدي أخبرنا محمد بن حمدون بن خالد حدثنا محمد بن
إبراهيم الخلوتي حدثنا الحسن بن حماد سجادة حدثنا علي بن عابس عن
الأعمش وأبي حجاب عن عطية عن أبي سعيد الخدري قال نزلت هذه الآية
يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك يوم غدير خم في علي بن أبي
طالب اه وفي مسند أحمد بن حنبل في الجزء الرابع من حديث
البراء بن عازب ما لفظه: حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا عفان ثنا حماد
ابن سلمة أنا علي بن زيد عن عدي بن ثابت عن البراء بن عازب قال كنا
مع رسول الله ص في سفر فنزلنا بغدير خم فنودي فينا الصلاة جامعة وكسح
لرسول الله ص تحت شجرة فصلى الظهر وأخذ بيد علي فقال أ لستم تعلمون
إني أولى بالمؤمنين من أنفسهم قالوا بلى قال أ لستم تعلمون إني أولى بكل

(١) يأتي تفسيره عند نقل خطبه " ص ".
(٢) يأتي تفسيره هناك.
- المؤلف -
(٢٩٠)

مؤمن من نفسه، قالوا بلى فاخذ بيد علي فقال من كنت مولاه فعلي مولاه
اللهم وال من والاه وعاد من عاداه فلقيه عمر بعد ذلك فقال له هنيئا لك يا
ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة قال أبو
عبد الرحمن ثنا هدبة بن خالد ثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن
عدي بن ثابت عن البراء بن عازب عن النبي ص نحوه اه وروى
الحاكم في المستدرك بعدة أسانيد عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم قال لما
رجع رسول الله ص من حجة الوداع ونزل غدير خم أمر بدوحات فقممن
فقال كأني قد دعيت فأجبت إني قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من
الآخر كتاب الله تعالى وعترتي فانظروا كيف تخلفوني فيهما فإنهما لن يفترقا
حتى يردا علي الحوض ثم قال إن الله عز وجل مولاي وأنا مولى كل مؤمن
ثم أخذ بيد علي فقال من كنت مولاه فهذا وليه اللهم وال من والاه وعاد
من عاداه وذكر الحديث بطوله قال الحاكم هذا صحيح على شرط الشيخين
ولم يخرجاه بطوله اه وذكره الذهبي في تلخيص المستدرك ولم يتعقبه
بشئ قال الحاكم: شاهده حديث سلمة بن كهيل عن أبي الطفيل أيضا
صحيح على شرطهما ثم ذكره بسنده عن أبي الطفيل عامر بن وائلة أنه سمع
زيد بن أرقم يقول نزل رسول الله ص بين مكة والمدينة عند شجرات خمس
دوحات عظام فكنس الناس ما تحت الشجرات ثم راح رسول الله ص
عشية فصلى ثم خطب فحمد الله وأثنى عليه وذكر ووعظ فقال ما شاء الله
أن يقول ثم قال أيها الناس إني تارك فيكم أمرين لن تضلوا ان اتبعتموهما
وهما كتاب الله وأهل بيتي عترتي ثم قال أ تعلمون أني أولي بالمؤمنين من
أنفسهم ثلاث مرات قالوا نعم فقال رسول الله ص من كنت مولاه فعلي
مولاه. وفي تاريخ ابن كثير قال الحافظ أبو يعلى الموصلي والحسن بن سفيان
ثنا هدبة ثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد وأبي هارون عن عدي بن ثابت
عن البراء قال: كنا مع رسول الله ص في حجة الوداع فلما أتينا على غدير
خم كسح لرسول الله ص تحت شجرتين ونودي في الناس الصلاة جامعة
ودعا رسول الله ص عليا وأخذ بيده فاقامه عن يمينه فقال أ لست أولى بكل
امرئ من نفسه قالوا بلى قال هذا مولى من أنا مولاه اللهم وال من والاه
وعاد من عاداه فلقيه عمر بن الخطاب فقال هنيئا لك أصبحت وأمسيت
مولى كل مؤمن ومؤمنة. وفي السيرة الحلبية: لما وصل ص إلى محل بين
مكة والمدينة يقال له غدير خم بقرب رابغ جمع الصحابة فخطبهم إلى أن
قال فقال يا أيها الناس إنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب
إلى أن قال ثم حض على التمسك بكتاب الله ووصى باهل بيته فقال إني
تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ولن يتفرقا حتى يردا علي
الحوض وقال في حق علي لما كرر عليهم أ لست أولى بكم من أنفسكم ثلاثا
وهم يجيبونه بالتصديق والاعتراف ورفع يد علي وقال من كنت مولاه فعلي
مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وأحب من أحبه وأبغض من
أبغضه وانصر من أنصره وأعن من أعانه واخذل من خذله وأدر الحق معه
حيث دار ثم قال وهذا حديث صحيح ورد بأسانيد صحاح وحسان قال ولا
التفات لمن قدح في صحته كابي داود وأبي حاتم الرازي وقول بعضهم أن
زيادة اللهم وال من والاه الخ موضوعة مردود فقد ورد ذلك من طرق
صحح الذهبي كثيرا منها، وقد جاء أن عليا قام خطيبا فحمد الله وأثنى
عليه ثم قال أنشد الله من شهد يوم غدير خم إلا قام ولا يقوم رجل يقول
أنبئت أو بلغني إلا رجل سمعت أذناه ووعى قلبه فقام سبعة عشر صحابيا
وفي رواية ثلاثون صحابيا، وفي المعجم الكبير ستة عشر وفي رواية اثنا عشر
فقال هاتوا ما سمعتم فذكروا الحديث.
وقال ابن كثير الشامي في تاريخه اعتنى بأمر هذا الحديث يعني حديث
الغدير أبو جعفر محمد بن جرير الطبري صاحب التفسير والتاريخ فجمع فيه
مجلدين أورد فيهما طرقه وألفاظه وكذلك الحافظ الكبير أبو القاسم بن عساكر
أورد أحاديث كثيرة في هذه الخطبة يعني خطبة يوم الغدير، قال وروى
النسائي في سننه عن محمد بن المثني عن يحيي بن حماد عن أبي معاوية عن
الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم قال: لما
رجع رسول الله ص من حجة الوداع ونزل غدير خم أمر بدوحات فقممن
ثم قال كأني قد دعيت فأجبت أني قد تركت فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي
أهل بيتي فانظروا كيف تخلفوني فيهما فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض
ثم قال: الله مولاي وأنا ولي كل مؤمن ثم أخذ بيد علي فقال من كنت
مولاه فهذا وليه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، فقلت لزيد سمعته
من رسول الله ص؟ فقال ما كان في الدوحات أحد إلا رآه بعينه وسمعه
باذنه، قال شيخنا أبو عبد الله الذهبي: وهذا حديث صحيح، وقال ابن
ماجة: حدثنا علي بن محمد أنبانا أبو الحسين أنبانا حماد بن سلمة عن
علي بن زيد بن جدعان عن عدي بن ثابت عن البراء بن عازب قال: أقبلنا
مع رسول الله ص في حجة الوداع فنزل في الطريق فامر بالصلاة جامعة
فاخذ بيد علي فقال أ لست أولى بالمؤمنين من أنفسهم قالوا بلى قال أ لست
بأولى بكل مؤمن من نفسه قالوا بلى قال فهذا ولي من أنا مولاه اللهم وال
من والاه وعاد من عاداه وكذا رواه عبد الرزاق عن معمر عن علي بن
زيد بن جدعان عن عدي عن البراء وأورد عن عبد الله بن الإمام أحمد في
مسند أبيه بعدة أسانيد عن سعيد بن وهب وعن يزيد بن يثيغ قال نشد علي
الناس في الرحبة من سمع رسول الله ص يقول يوم غدير خم ما قال إلا قام
فقام من قبل سعيد ستة ومن قبل زيد ستة فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله
ص يقول لعلي يوم غدير خم أ ليس رسول الله أولى بالمؤمنين من أنفسهم
قالوا بلى قال اللهم من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من
عاداه وفي بعضها زيادة وانصر من نصره وأخذل من خذله وأورد عنه فيه
أيضا بعدة أسانيد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى نحوه وفي بعضها فقام اثنا
عشر رجلا فقالوا قد رأيناه وسمعناه حيث أخذ بيده يقول اللهم وال من
والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره وأخذل من خذله إلا ثلاثة لم يقوموا
فدعا عليهم فاصابتهم دعوته. وأورد عنه أيضا بعدة أسانيد عن جماعة منهم
أبو الطفيل قال جمع علي الناس في الرحبة يعني رحبة مسجد الكوفة فقال
أنشد الله كل من سمع رسول الله ص يقول يوم غدير خم ما سمع لما قام
فقام ناس كثير فشهدوا حين أخذ بيده فقال للناس أ تعلمون أني أولى
بالمؤمنين من أنفسهم قالوا نعم يا رسول الله قال من كنت مولاه فعلي مولاه
اللهم وال من والاه وعاد من عاداه قال فخرجت كان في نفسي شيئا فلقيت
زيد بن أرقم فقلت له أني سمعت عليا يقول كذا وكذا قال فما تنكر سمعت
رسول الله ص يقول ذلك له. هكذا ذكر الإمام أحمد في مسند زيد بن
أرقم. وأورد عن الإمام أحمد بعدة أسانيد عن زيد بن أرقم في بعضها:
نزلنا مع رسول الله ص منزلا يقال له وادي خم فامر بالصلاة فصلاها بهجير
فخطبنا وظلل رسول الله ص بثوب على شجرة ستره من الشمس قال أ لستم
تعلمون أو أ لستم تشهدون أني أولى بكل مؤمن من نفسه قالوا بلى قال
فمن كنت مولاه فان عليا مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، قال
ابن كثير: وهذا إسناد جيد رجاله ثقات على شرط السنن، وأورد أيضا
روايات كثيرة بأسانيدها من كتاب غدير خم لابن جرير وفي بعضها انه ص
(٢٩١)

قال أيها الناس اني وليكم قالوا صدقت فرفع يد علي فقال هذا وليي
والمؤدي عني وإن الله موالي من والاه ومعادي من عداه انتهى ما أردنا
نقله من تاريخ ابن كثير، واستقصاء ما فيه يطول به الكلام. وبالجملة
فحديث الغدير مستفيض أو متواتر وكفى أن يكتب فيه مثل ابن جرير
مجلدين.
وفاة النبي ص جيش أسامة
قال ابن إسحاق ثم قفل رسول الله ص فأقام بالمدينة بقية ذي الحجة
والمحرم وصفرا وضرب على الناس بعثا إلى الشام وأمر عليهم أسامة بن
زيد بن حارثة مولاه وأمره ان يوطئ الخيل تخوم البلقاء والداروم من أرض
فلسطين فتجهز الناس وأوعب مع أسامة بن زيد المهاجرون الأولون وهو
آخر بعث بعثه ص وفي رواية الطبري في تاريخه أمره أن يطئ آبل الزيت
من مشارف الشام لأرض بالأردن:
وقال ابن سعد في الطبقات: سرية أسامة بن زيد بن حارثة إلى أهل
أبنى وهي ارض السراة ناحية البلقاء. قالوا لما كان يوم الاثنين لأربع ليال
بقين من صفر سنة إحدى عشرة من الهجرة أمر ص الناس بالتهيؤ لغزو
الروم فلما كان من الغد دعا أسامة بن زيد فقال سر إلى موضع مقتل أبيك
فأوطئهم الخيل فقد وليتك هذا الجيش فاغر صباحا على أهل أبنى وحرق
عليهم وأسرع السير تسبق الأخبار فان ظفرك الله فأقل اللبث فيهم وخذ
معك الأدلاء وقدم العيون والطلائع امامك فلما كان يوم الارعاء بدأ برسول
الله ص المرض فحم وصدع فلما أصبح يوم الخميس عقد لأسامة لواء بيده
ثم قال اغز بسم الله في سبيل الله فقاتل من كفر بالله فخرج وعسكر بالجرف
فلم يبق أحد من وجوه المهاجرين الأولين والأنصار الا انتدب في تلك
الغزوة فيهم أبو بكر وعمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح وسعد بن
وقاص وسعيد بن زيد وغيرهم فتكلم قوم وقالوا يستعمل هذا الغلام على
المهاجرين الأولين فغضب رسول الله ص غضبا شديدا فخرج وقد عصب
على رأسه عصابة فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال اما بعد أيها
الناس فما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري أسامة ولئن طعنتم في امارتي
أسامة لقد طعنتم في امارتي أباه من قبله وأيم الله إن كان للامارة لخليقا وان
ابنه من بعده لخليق للامارة ثم نزل فدخل بيته وذلك يوم السبت لعشر
خلون من ربيع الأول وثقل رسول الله ص فجعل يقول أنفذوا بعث أسامة
وروى ابن هشام في سيرته ان رسول الله ص استبطأ الناس في بعث أسامة
وهو في وجعه فخرج عاصبا رأسه حتى جلس على المنبر وقال أنفذوا بعث
أسامة ثم نزل وانكمش الناس في جهازهم اه ثم قال ابن سعد في
روايته بسنده عن عروة بن الزبير فجعل أسامة وأصحابه يتجهزون وقد
عسكر بالجرف فاشتكى رسول الله ص وهو على ذلك ثم وجد من نفسه
راحة فخرج عاصبا رأسه فقال أيها الناس أنفذوا بعث أسامة ثلاث مرات
اه وروى ابن سعد بسنده عن أبي سعيد الخدري عن النبي ص اني
اوشك ان أدعي فأجيب واني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي كتاب الله
حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي وان اللطيف الخبير
اخبرني انهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما.
وقال المفيد في الارشاد انه ص تحقق من دنو اجله ما كان قدم الذكر به لامته
فجعل يقوم مقاما بعد مقام في المسلمين يحذرهم الفتنة بعده والخلاف عليه
ويؤكد وصاتهم بالتمسك بسنته والاجتماع عليها والوفاق ويحثهم على
الاقتداء بعترته والطاعة لهم والنصرة والحراسة والاعتصام بهم
في الدين ويزجرهم عن الاختلاف والارتداد وكان فيما ذكره من ذلك
ما جاءت به الرواية على اتفاق واجتماع من قوله ص يا أيها الناس اني
فرطكم وأنتم واردون علي الحوض الا واني سائلكم عن الثقلين فانظروا
كيف تخلفوني فيهما فان اللطيف الخبير نبأني انهما لن يفترقا حتى يلقياني
وسالت ربي ذلك فأعطانيه الا واني قد تركتهما فيكم: كتاب الله وعترتي
أهل بيتي ولا تسبقوهم فتفرقوا ولا تقصروا عنهم فتهلكوا ولا تعلموهم
فإنهم اعلم منكم أيها الناس لا ألفينكم بعدي ترجعون كفارا يضرب
بعضكم رقاب بعض فتلقوني في كتيبة كمجر السيل الجرار الا وان علي بن
أبي طالب أخي ووصيي يقاتل بعدي على تأويل القرآن كما قاتلت على
تنزيله: وكان ص يقوم مجلسا بعد مجلس بمثل هذا الكلام ونحوه ثم إنه
عقد لأسامة بن زيد بن حارثة الإمرة وأمره وندبه ان يخرج بجمهور الأمة
إلى حيث أصيب أبوه من بلاد الروم واجتمع رأيه على اخراج جماعة من
مقدمي المهاجرين والأنصار في معسكره حتى لا يبقى في المدينة عند وفاته من
يختلف في أمر الرياسة ويطمع في التقدم على الناس بالامارة ويستتب الامر
لمن استخلفه من بعده ولا ينازعه في حقه منازع فعقد له الإمرة وجد في
اخراجهم وامر أسامة بالبروز عن المدينة بمعسكره إلى الجرف وحث الناس
على الخروج إليه والمسير معه وحذرهم من التلوم والابطاء عنه فبينما هو في
ذلك إذ عرضت له الشكاة التي توفي فيها انتهى.
وإذا أمعنا النظر في مجاري هذه الحوادث وتأملناها بانصاف مجرد عن
شوائب العقائد أمكننا ان نقول إن النبي ص مع ما تحققه من دنو اجله
بوحي أو غيره وأوما إليه بما أعلنه للملأ في خطبته المتقدمة التي خطبها في
حجة الوداع بقوله: فاني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا، وقوله في
بعض خطبه الآتية: قد حان مني خفوق من بين أظهركم وتأكيده الوصاية
بالثقلين وقوله: قد كان جبرئيل يعرض علي القرآن في كل سنة مرة وقد
عرضه علي العام مرتين ولا أراه الا لحضور أجلي واعتكافه في ذلك العام
عشرين يوما وقد كان يعتكف عشرة، وغير ذلك من التصريح والتلويح بأنه
عالم بدنو اجله ومع عروض المرض له واشتداده عليه وهو مع ذلك كله
يجتهد في تجهيز جيش أسامة ويحث عليه ويكرر الحث مرارا ويؤمر أسامة
وهو غلام على وجوه المهاجرين والأنصار ولا يشغله ما هو فيه من شدة
المرض وتحقق دنو الأجل عن الاشتداد في تجهيز جيش أسامة.
وقد كان مقتضى ظاهر الحال وسداد الرأي ان لا يبعث جيشا في
أكابر الصحابة وجمهور المسلمين في مثل تلك الحال التي يتخوف على نفسه
فيها الموت لأن تدارك ما يخاف وقوعه عند وفاته واحكام أمر الخلافة في
حياته أهم من تسيير جيش لغزو الروم بل لا يجوز في مثل تلك الحال
إرسال الجيوش من المدينة ويلزم تعزيز القوة فيها استعدادا لما يطرأ من
الفتن بوفاته وقد صرح بذلك في قوله أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم، لا
سيما انه قد بلغه ارتداد جماعة من العرب في عدة أماكن وادعاء بعضهم
النبوة لما بلغهم مرضه كما نص عليه الطبري في تاريخه مع تأييده بالوحي
وامتيازه عن سائر الخلق بجودة الرأي. وعدم تمام ما حث عليه من تجهيز
جيش أسامة وبقاء أسامة معسكرا بالجرف حتى توفي النبي ص كل ذلك يدلنا
على أن في الامر شيئا وان تجهيز هذا الجيش لم يكن أمرا عاديا لقصد الغزو
(٢٩٢)

والفتح بل لو قطعنا النظر عن ذلك كله لوجدنا ان ظاهر الامر يقتضي ان
يشتغل في مثل تلك الحال بنفسه وبما عراه من المرض الشديد لا بتسيير
الجيوش لغزو ليس فيه ما يقتضي الفور والعجلة مثل مهاجمة عدو أو طروء
حادث لا يحسن التأخر عنه.
وروى ابن سعد في الطبقات بسنده عن أبي مويهبة مولى رسول الله
ص عنه ص أنه قال من جوف الليل: اني قد امرت ان استغفر لأهل البقيع
فانطلق معي فخرجت معه حتى جاء البقيع فاستغفر لأهله طويلا ثم قال
ليهنئكم ما أصبحتم فيه مما أصبح الناس فيه أقبلت الفتن كقطع الليل
المظلم يتبع بعضها بعضا يتبع آخرها أولها الآخرة شر من الأولى ثم قال إني
قد أعطيت خزائن الدنيا والخلد ثم الجنة فخيرت بين ذلك وبين لقاء ربي
والجنة، فقلت بأبي أنت وأمي فخذ خزائن الدنيا والخلد ثم الجنة قال قد
اخترت لقاء ربي والجنة. وقال المفيد: لما أحس بالمرض اخذ بيد علي
واتبعه جماعة وتوجه إلى البقيع فقال اني قد امرت بالاستغفار لأهل البقيع
فانطلقوا معه حتى وقف بين أظهرهم وقال السلام عليكم أهل القبور
ليهنئكم ما أصبحتم فيه مما فيه الناس أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع
أولها آخرها ثم استغفر لأهل البقيع طويلا واقبل على علي ع فقال له ان
جبرئيل كان يعرض علي القرآن في كل سنة مرة وقد عرضه علي العام مرتين
ولا أراه إلا لحضور أجلي ثم قال يا علي اني خيرت بين خزائن الدنيا
والخلود فيها أو الجنة فاخترت لقاء ربي والجنة، وكان ص يعتكف في
رمضان العشر الأواخر فلما كانت السنة التي قبض فيها اعتكف عشرين
يوما. قال المفيد: ثم عاد إلى منزله فمكث ثلاثة أيام موعوكا ثم خرج إلى
المسجد معصوب الرأس معتمدا على أمير المؤمنين بيمنى يديه وعلى
الفضل بن العباس باليد الأخرى حتى صعد المنبر فجلس عليه ثم قال:
معاشر الناس قد حان مني خفوق من بين أظهركم فمن كان له عندي عدة
فليأتني اعطه إياها ومن كان له علي دين فليخبرني به معاشر الناس ليس بين
الله وبين أحد شئ يعطيه به خيرا أو يصرف عنه به شرا إلا العمل أيها
الناس لا يدع مدع ولا يتمن متمن والذي بعثني بالحق نبيا لا ينجي إلا عمل
مع رحمة ولو عصيت لهويت اللهم هل بلغت ثم نزل فصلى بالناس صلاة
خفيفة ثم دخل بيته وكان إذ ذاك بيت أم سلمة فأقام به يوما أو يومين
فجاءت عائشة إليها تسألها ان تنقله إلى بيتها لتتولى تعليله وسالت
أزواج النبي ص في ذلك فاذن لها فانتقل إلى البيت الذي اسكنه عائشة. وروى
الطبري بسنده عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن عائشة انها قالت تتام
برسول الله ص وجعه وهو يدور على نسائه وهو في بيت ميمونة فدعا نساءه
فاستاذنهن ان يمرض في بيتي فاذن له فخرج رسول الله ص بين رجلين من
أهله أحدهما الفضل بن العباس ورجل آخر تخط قدماه الأرض عاصبا رأسه
حتى دخل بيتي، قال عبيد الله: فحدثت بهذا الحديث عنها عبد الله بن
عباس فقال: هل تدري من الرجل؟ قلت لا، قال علي بن أبي طالب،
ولكنه لا تقدر على أن تذكره بخير وهي تستطيع اه وروى الحاكم في
المستدرك بسنده عن جماعة منهم عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن عائشة ان
رسول الله ص بدأه مرضه الذي مات به في بيت ميمونة فخرج عاصبا رأسه
فدخل علي بين رجلين تخط رجلاه الأرض عن يمينه العباس وعن يساره
رجل قال عبيد الله اخبرني ابن عباس إن الذي عن يساره علي. واستمر به
المرض فيه أياما وثقل فجاء بلال عند صلاة الصبح ورسول الله ص مغمور
في المرض فنادى الصلاة رحمكم الله فأوذن رسول الله ص بندائه أقول
وهنا اختلفت الرواية هل أمر رسول الله ص أحدا ان يصلي بالناس أو لا
فروى ابن هشام في سيرته انه حين دعاه بلال إلى الصلاة قال مروا من
يصلي بالناس فخرج عبد الله بن زمعة فإذا عمر فقال له قم فصل بالناس
وكان أبو بكر غائبا فلما كبر سمع رسول الله ص صوته فأرسل إلى أبي بكر
فجاء بعد ان تم عمر الصلاة فصلى بالناس وروى الطبري عن عائشة أنه قال
مروا أبا بكر ان يصلي بالناس فقالت عائشة انه رجل رقيق فأعاد
فأعادت فغضب وقال إنكن صواحب يوسف فخرج يهادي بين رجلين
وقدماه تخطان في الأرض فلما دنا من أبي بكر تأخر فأشار إليه ان قم في
مقامك فقعد إلى جنب أبي بكر قالت فكان أبو بكر يصلي بصلاة النبي
والناس يصلون بصلاة أبي بكر وروى ابن سعد وغيره نحوه. وقال المفيد
أنه قال يصلي بالناس بعضهم فاني مشغول بنفسي فقالت عائشة مروا أبا
بكر وقالت حفصة مروا عمر فقال رسول الله ص أكففن فإنكن صويحبات
يوسف وقام مبادرا وانه لا يستقل على الأرض من الضعف فاخذ بيد علي بن
أبي طالب والفضل بن العباس فاعتمد عليهما ورجلاه تخطان الأرض من
الضعف فلما خرج إلى المسجد وجد أبا بكر قد سبق إلى المحراب فاوما إليه
بيده ان تأخر عنه فتأخر وقام ص مقامه فكبر وابتدأ الصلاة التي كان قد
ابتدأ بها أبو بكر ولم يبن على ما مضى من فعاله اه أقول: ما لنا
ولما رواه هؤلاء المؤرخون المختلفون في العقيدة المختلفون في النقل فبعض
يروي انه لم يأمر أحدا بعينه أصلا وبعض انه لم يأمر بذلك في أول الأمر ثم
أمر أبا بكر بعد ما سمع عمر يكبر وان الناس صلوا الصبح مرتين وبعض
يروي انه أمر أبا بكر من أول الأمر، ما لنا ولهذه الاخبار المتناقضة لكننا
نقول إنهم اتفقوا جميعا على أن رسول الله ص خرج إلى المسجد في حالة
شديدة من المرض والضعف حتى أنه لا يكاد يستقل ولا ينقل قدميه بل
اعتمد على رجلين ورجلاه تخطان الأرض خطا وصلى جالسا فإن كان يريد
بذلك تأييد أبي بكر فقد عينه للصلاة وصلى الناس خلفه ولو لم يخرج لكان
أشد تأييدا له لأنه بخروجه وقعت الشبهة في أنه لعله لم يرض بتقدمه.
وائتمام الناس بأبي بكر وهو بالنبي ص يوجب ان يكون إماما ومأموما في
وقت واحد وهذا غير جائز في الشرع ولم لم يتركه إماما إلى آخر الصلاة؟!
قال المفيد فلما سلم انصرف إلى منزله واستدعى أبا بكر وعمر وجماعة
من حضر بالمسجد من المسلمين ثم قال أ لم آمركم ان تنفذوا جيش أسامة
فقالوا بلى يا رسول الله قال فلم تأخرتم عن أمري قال أبو بكر اني خرجت
ثم رجعت لأجدد بك عهدا وقال عمر يا رسول الله اني لم اخرج لأني لم
أحب ان أسال عنك الركب فقال النبي ص أنفذوا جيش أسامة يكررها
ثلاث مرات ثم أغمي عليه من التعب الذي لحقه والأسف فمكث هنيهة
مغمى عليه وبكى المسلمون وارتفع النحيب من أزواجه وولده ونساء
المسلمين وجميع من حضر من المسلمين فافاق رسول الله ص فنظر إليهم ثم
قال أئتوني بدواة وكتف لاكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده ابدا ثم أغمي
عليه فقام بعض من حضر يلتمس دواة وكتفا فقال له عمر ارجع فإنه يهجر
فرجع وندم من حضر على ما كان منهم من التضييع في إحضار الدواة
والكتف وتلاوموا بينهم وقالوا انا لله وإنا إليه راجعون لقد أشفقنا من خلاف
رسول الله ص فلما أفاق قال بعضهم ألا نأتيك بدواة وكتف يا رسول الله
فقال أ بعد الذي قلتم لا ولكني أوصيكم باهل بيتي خيرا واعرض بوجهه عن
(٢٩٣)

القوم فنهضوا. وروى البخاري في الجزء الرابع من صحيحه في باب قول
المريض قوموا عني من كتاب المريض والطب بسنده عن عبيد الله بن
عبد الله عن ابن عباس قال لما حضر رسول الله ص وفي البيت رجال فيهم
عمر بن الخطاب قال النبي ص هلموا اكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده فقال
عمر ان النبي قد غلب عليه الوجع وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله
فاختلف الحاضرون فاختصموا منهم من يقول قربوا يكتب لكم النبي كتابا
لن تضلوا بعده ومنهم من يقول ما قال عمر فلما أكثروا اللغو والاختلاف
عند النبي ص قال رسول الله ص قوموا قال عبيد الله وكان ابن عباس
يقول إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله ص وبين أن يكتب لهم
ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم. ورواه ابن سعد في الطبقات بسنده
عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس مثله إلا أن في ألفاظه
بعض الاختلاف قال لما حضرت رسول الله ص الوفاة وفي البيت رجال
فيهم عمر بن الخطاب فقال رسول الله ص هلموا اكتب لكم كتابا لن
تضلوا بعده فقال عمر إن رسول الله قد غلبه الوجع وعندكم القرآن حسبنا
كتاب الله فاختلف أهل البيت واختصموا فمنهم من يقول قربوا يكتب لكم
رسول الله ص ومنهم من يقول ما قال عمر فلما كثر اللغط والاختلاف وغموا
رسول الله ص قال قوموا عني فقال عبيد الله بن عبد الله فكان ابن عباس
يقول الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله ص وبين ان يكتب لهم ذلك
الكتاب من اختلافهم ولغطهم. وروى البخاري في الجزء الثالث من
صحيحه في باب مرض النبي ص بسنده عن سعيد بن جبير قال قال ابن
عباس يوم الخميس وما يوم الخميس اشتد برسول الله ص وجعه فقال أئتوني
اكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده ابدا فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع
فقالوا ما شانه اهجر؟ استفهموه فذهبوا يردون عليه فقال دعوني فالذي انا
فيه خير مما تدعوني إليه وأوصاهم بثلاث قال اخرجوا المشركين من جزيرة
العرب وأجيزوا الوفد نحو ما كنت أجيزهم وسكت عن الثالثة أو قال
فنسيتها. ورواه الطبري في تاريخه بسنده عن سعيد بن جبير عن ابن عباس
مثله إلا أنه قال لا تضلوا بعدي وقال: فذهبوا يعيدون عليه وقال وسكت
عن الثالثة عمدا أو قال فنسيتها. ورواه ابن سعد في الطبقات بسنده عن
سعيد بن جبير عن ابن عباس مثله إلا أنه قال أئتوني بدواة وصحيفة وقال
فذهبوا يعيدون عليه وقال فسكت عن الثالثة فلا أدري قالها فنسيتها
أو سكت عنها عمدا اه والمتأمل لا يكاد يشك في أن الثالثة سكت عنها
المحدثون عمدا لا نسيانا وان السياسة اضطرتهم إلى السكوت عنها عمدا
وتناسيها وإنها هي التي طلب الدواة والكتف ليكتبها لهم. وروى البخاري
في صحيحه في هذا الموضع بسنده عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن
عباس قال لما حضر رسول الله ص وفي البيت رجالا فقال النبي ص هلموا
اكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده فقال بعضهم إن رسول الله ص قد غلبه
الوجع وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله فاختلف أهل البيت واختصموا
فمنهم من يقول قربوا يكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده ومنهم من يقول غير
ذلك فلما أكثروا اللغو والاختلاف قال رسول الله ص قوموا قال عبيد الله
فكان يقول ابن عباس إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله ص وبين
ان يكتب لهم ذلك الكتاب لاختلافهم ولغطهم. قال القسطلاني في ارشاد
الساري بعد قوله بعضهم: هو عمر بن الخطاب. وروى ابن سعد في
الطبقات بسنده عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال اشتكى النبي ص
يوم الخميس فجعل يعني ابن عباس يبكي ويقول يوم الخميس وما يوم
الخميس اشتد بالنبي ص وجعه فقال أئتوني بدواة وصحيفة اكتب لكم كتابا
لا تضلوا بعده ابدا فقال بعض من كان عنده ان نبي الله ليهجر فقيل أ لا
نأتيك بما طلبت فقال أ وبعد ما ذا فلم يدع به. وبسنده عن جابر بن عبد
الله الأنصاري قال لما كان في مرض رسول الله ص الذي توفي فيه دعا
بصحيفة ليكتب فيها لأمته كتابا لا يضلون ولا يضلون فكان في البيت لغط
وكلام وتكلم عمر بن الخطاب فرفضه النبي ص وروى فيه بسنده عن
سعيد بن جبير عن ابن عباس انه كان يقول يوم الخميس وما يوم الخميس
قال وكأني انظر إلى دموع ابن عباس على خده وكأنها نظام اللؤلؤ قال قال
رسول الله ص أئتوني بالكتف والدواة اكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده ابدا
فقالوا إنما يهجر رسول الله ص ورواه الطبري في تاريخه بسنده عن سعيد بن
جبير عن ابن عباس بتفاوت يسير قال يوم الخميس وما يوم الخميس ثم
نظرت إلى دموعه تسيل على خديه كأنها نظام اللؤلؤ قال قال رسول الله ص
أئتوني باللوح والدواة أو بالكتف والدواة اكتب لكم كتابا لا تضلون بعده
فقالوا إن رسول الله يهجر: وروى ابن سعد في الطبقات بسنده عن
عمر بن الخطاب قال كنا عند النبي ص وبيننا وبين النساء حجاب فقال
رسول الله ص اغسلوني بسبع قرب وأئتوني بصحيفة ودواة اكتب لكم كتابا
لن تضلوا بعده ابدا فقال النسوة أئتوا رسول الله بحاجته قال عمر فقلت
اسكتن فإنكن صواحبه إذا مرض عصرتن أعينكن وإذا صح اخذتن بعنقه
فقال رسول الله ص هن خير منكم. وبسنده عن جابر قال دعا النبي ص
عند موته بصحيفة ليكتب فيها كتابا لامته لا يضلوا ولا يضلوا (١) فلغطوا
عنده حتى رفضها النبي ص وبسنده عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي
ص قال في مرضه الذي مات فيه أئتوني بدواة وصحيفة اكتب لكم كتابا لن
تضلوا بعده ابدا فقال عمر بن الخطاب من لفلانة وفلانة مدائن الروم ان
رسول الله ليس بميت حتى نفتحها ولو مات لانتظرناه كما انتظرت بنو
إسرائيل موسى فقالت زينب زوج النبي ص ألا تسمعون النبي يعهد إليكم
فلغطوا فقال قوموا الحديث انتهت الطبقات: قال الطبري من جملة
حديث رواه عن ابن عباس: قال رسول الله ص ابعثوا إلى علي فادعوه
فقالت عائشة لو بعثت إلى أبي بكر وقالت حفصة لو بعثت إلى عمر
فاجتمعوا عنده جميعا فقال رسول الله ص انصرفوا فان تك لي حاجة ابعث
إليكم فانصرفوا الحديث وفي آخره ما لا يتناسب مع أوله.
وما يروى من أنه توفي ص ورأسه في حجر عائشة لا يمكن أن يصح
فان مثل ذلك لم تجر عادة ان تتولاه النساء مع ما فيهن من الضعف والجزع
ولا يمكن ان يغيب عنه علي في مثل تلك الحال ويوكله إلى النساء والباعث
على ذكر مثل ذلك معروف. وروى ابن سعد عدة روايات في أنه ص توفي
في حجر علي بن أبي طالب وآخرها ما رواه بسنده عن أبي غطفان عن ابن
عباس قال توفي رسول الله وهو مستند إلى صدر علي قلت فان عروة حدثني
عن عائشة انها قالت توفي رسول الله بين سحري ونحري فقال ابن عباس
أ تعقل والله لتوفي رسول الله ص وإنه لمستند إلى صدر علي وهو الذي غسله
وأخي الفضل وأبى أبي أن يحضر الحديث وروى الحاكم في المستدرك
وصححه بسنده عن أحمد بن حنبل بسنده عن أم سلمة قالت والذي احلف
به إن كان علي لأقرب الناس عهدا برسول الله ص عدنا رسول الله ص غداة

(١) هكذا وجد يضلوا ويضلوا بحذف النون ومر قريبا في رواية عن جابر باثبات النون وهو ظاهر
وحذفها لا يظهر له مسوغ إلا بتأويل بعيد. بل هي مجزومة بجواب الطلب وعدم الجزم على
الاستثناف.
(٢٩٤)

وهو يقول جاء علي جاء علي مرارا فقالت فاطمة كأنك بعثته في حاجة فجاء
بعد قالت أم سلمة فظننت أن له إليه حاجة فخرجنا من البيت فقعدنا عند
الباب وكنت من أدناهم إلى الباب فأكب عليه رسول الله ص وجعل يساره
ويناجيه ثم قبض رسول الله ص من يومه ذلك فكان علي أقرب الناس عهدا
به اه.
وكانت وفاته ص يوم الاثنين على المشهور بين العلماء عند الزوال
لليلتين بقيتا من صفر عند أكثر الامامية، وقال الكليني منهم: لاثنتي عشرة
ليلة مضت من ربيع الأول سنة إحدى عشرة من الهجرة وقال المفيد في
الارشاد والطبرسي في إعلام الورى سنة عشر من الهجرة قال الطبري في
تاريخه: لا خلاف بين أهل العلم بالاخبار أنه ص قبض يوم الاثنين من
شهر ربيع الأول غير أنه اختلف فيه فعن فقهاء أهل الحجاز انه قبض نصف
النهار يوم الاثنين لليلتين مضتا من شهر ربيع وقال الواقدي توفي يوم الاثنين
لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول. وروى ابن سعد في الطبقات
انه ص اشتكى يوم الأربعاء لأحدى عشرة ليلة بقيت من صفر سنة إحدى
عشرة فاشتكى ثلاث عشرة ليلة وتوفي يوم الاثنين لليلتين مضتا من شهر
ربيع الأول سنة إحدى عشرة ثم روى أنه اشتكى يوم الأربعاء لليلة بقيت
من صفر سنة إحدى عشرة وتوفي يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة مضت من ربيع
الأول اه وعمره ثلاث وستون سنة. بعث وعمره أربعون وأقام بمكة
بعد البعثة ثلاث عشرة سنة وبالمدينة بعد الهجرة عشر سنين.
ولما توفي رسول الله ص كان أبو بكر بمنزله بالسنج خارج المدينة،
قال الطبري وابن سعد وغيرهما فقال عمر: ان رسول الله ما مات ولكنه
ذهب إلى ربه كما ذهب موسى بن عمران فغاب عن قومه أربعين ليلة ثم
رجع بعد ان قيل قد مات والله ليرجعن رسول الله فليقطعن أيدي رجال
وأرجلهم يزعمون أنه قد مات. وفي رواية ابن سعد أن عمر دخل عليه هو
والمغيرة بن شعبة فكشفا الثوب عن وجهه فقال عمر: ما أشد غشي رسول
الله فقال المغيرة مات والله رسول الله ص فقال عمر كذبت ما مات
الحديث واقبل أبو بكر حين بلغه الخبر فدخل فرآه ثم خرج فقال أيها
الناس من كان يعبد محمدا فان محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فان الله
حي لا يموت ثم تلا هذه الآية وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله
الرسل الآية قال عمر فلما تلاها وقعت إلى الأرض وعرفت ان رسول الله
ص قد مات. وقد سبق لعمر ان قال نظير ذلك في مرض رسول الله ص
حين طلب ص الدواة والصحيفة في حديث ابن سعد السابق.
والمظنون انه لم يكن ليخفى عليه موت النبي ص وإن الذي دعاه إلى
ذلك أمر سياسي في المقامين فأراد في المقام الأول صرف الناس عن أمر
الصحيفة وفي المقام الثاني صرفهم عن التكلم في أمر الخلافة وإشغالهم
بشئ حتى يحضر أبو بكر والله أعلم.
وروى ابن سعد في الطبقات أنه غسل رسول الله ص علي بن أبي
طالب والفضل بن العباس وأسامة بن زيد وفي رواية كان علي يغسله
والفضل وأسامة يحجبانه وفي رواية علي يغسله والفضل محتضنه وأسامة
يختلف وفي رواية قال علي أوصى النبي ص أن لا يغسله أحد غيري
فكان الفضل وأسامة يناولانني الماء من وراء الستر وهما معصوبا العين وفي
رواية غسله علي يدخل يده تحت القميص والفضل يمسك الثوب عليه وعلى
يد علي خرقة إلى غير ذلك من الروايات التي أوردها ابن سعد قال
المفيد فلما أراد أمير المؤمنين غسل النبي ص استدعى الفضل بن العباس
فامره أن يناوله الماء لغسله بعد أن عصب عينيه فشق قميصه من قبل جيبه
حتى بلغ به إلى سرته وتولى غسله وتحنيطه وتكفينه والفضل يعطيه الماء
ويعينه عليه فلما فرع من غسله وتجهيزه تقدم فصلى عليه وحده لم يشركه معه
أحد في الصلاة عليه وكان المسلمون في المسجد يخوضون فيمن يؤمهم في
الصلاة عليه وأين يدفن فخرج إليهم أمير المؤمنين ع وقال لهم إن رسول الله
امامنا حيا وميتا فيدخل عليه فوج بعد فوج منكم فيصلون عليه بغير امام
وينصرفون وان الله لم يقبض نبيا في مكان إلا وقد ارتضاه لرمسه فيه وإني
لدافنه في حجرته التي قبض فيها فسلم القوم لذلك ورضوا به. قال ابن
هشام فصلى عليه الرجال ثم النساء ثم الصبيان، وقال ابن عبد البر في
الاستيعاب صلى عليه علي والعباس وبنو هاشم ثم خرجوا ثم دخل
المهاجرون ثم الأنصار ثم الناس يصلون عليه أفذاذا لا يؤمهم أحد ثم
النساء والغلمان، ولما صلى المسلمون عليه انفذ العباس بن عبد المطلب
برجل إلى أبي عبيدة بن الجراح وكان يحفر لأهل مكة ويضرح (١) وكان ذلك
عادة أهل مكة وانفذ إلى زيد بن سهيل وكان يحفر لأهل المدينة ويلحد (٢)
فاستدعاهما وقال اللهم خر لنبيك فوجد أبو طلحة زيد بن سهل فقيل له
أحفر لرسول الله فحفر له لحدا ودخل أمير المؤمنين والعباس بن عبد المطلب
والفضل بن العباس وأسامة بن زيد ليتولوا دفن رسول الله ص فنادت الأنصار
من وراء البيت يا علي انا نذكرك الله وحقنا اليوم من رسول الله ص ان
يذهب ادخل منا رجلا يكون لنا به حظ من مواراة رسول الله ص فقال
ليدخل أوس بن خولي وكان بدريا فاضلا من بني عوف من الخزرج فلما
دخل قال له علي ع إنزل القبر فنزل ووضع أمير المؤمنين رسول الله ص
على يديه ودلاه في حفرته فلما حصل في الأرض قال له اخرج فخرج ونزل
علي ع القبر فكشف عن وجه رسول الله ص ووضع خده على الأرض
موجها إلى القبلة على يمينه ثم وضع عليه اللبن وأهال عليه التراب وربع
قبره وجعل عليه لبنا ورفعه من الأرض قدر شبر اه وروي قدر شبر
وأربع أصابع وظاهر المفيد ان دفنه ص كان في اليوم الذي توفي فيه وروى
ابن هشام انه ص توفي يوم الاثنين وغسل يوم الثلاثاء ودفن ليلة الأربعاء
ليلا وروى ابن سعد مثله إلا في الغسل يوم الثلاثاء وروى أيضا انه توفي
يوم الاثنين حين زاغت الشمس فلم يدفن حتى كانت العتمة ولم يله إلا
أقاربه وفي رواية انه دفن ليلة الأربعاء في السحر وفي رواية توفي يوم الاثنين
حين زاغت الشمس ودفن يوم الثلاثاء حين زاغت الشمس ولعله موافق لما
رواه أيضا انه ترك بعد وفاته يوما وليلة ويحمل عليه ما رواه ابن هشام انه
ص توفي يوم الاثنين ودفن يوم الثلاثاء وروى أيضا انه توفي يوم الاثنين حين
زاغت الشمس ودفن يوم الأربعاء وهذا لا ينافي دفنه ليلة الأربعاء لأن اليوم
يطلق على الليلة وبالعكس.
قال المفيد: ولم يحضر دفنه ص أكثر الناس لما جرى بين المهاجرين
والأنصار من التشاجر في أمر الخلافة وفات أكثرهم الصلاة عليه لذلك
اه وروى ابن سعد في الطبقات انه رش على قبره ص الماء وقال ابن
عبد البر في الاستيعاب جعل قبره مسطوحا ورش الماء عليه رشا.
وروى غير واحد إنه لما دفن رسول الله ص قالت فاطمة: أ طابت

(١) الضريح ما يشق في الأرض ويدفن الميت في وسطه
(٢) اللحد ان يحفر في الأرض إلى حيث ينتهي ثم يحفر إلى جهة القبلة بقدر ما يسع الميت فيوضع
فيه ثم يسد بلبن أو غيره ويهال بعد ذلك التراب واللحد أفضل من الشق.
(٢٩٥)

نفوسكم ان تحثوا على رسول الله التراب واخذت من تراب القبر الشريف
ووضعته على عينيها وأنشأت تقول:
- ما ذا علي من شم تربة أحمد * ان لا يشم مدى الزمان غواليا -
- صبت علي مصائب لو أنها * صبت على الأيام عدن لياليا -
قال ابن سعد وقالت هند بنت أثاثة بن عباد بن عبد المطلب بن عبد
مناف أخت مسطح بن أثاثة ترثي النبي ص:
- أشاب ذؤابتي وأذل ركني * بكاؤك فاطم الميت الفقيدا -
- فأعطيت العطاء فلم تكدر * وأخدمت الولائد والعبيدا -
- وكنت ملاذنا في كل لزب * إذا هبت شامية برودا -
- وانك خير من ركب المطايا * وأكرمهم إذا نسبوا جدودا -
- أ فاطم فاصبري فلقد أصابت * رزيتك التهائم والنجودا -
- وكان الخير يصبح في ذراه * سعيد الجد قد ولد السعودا -
وقالت هند بنت أثاثة أيضا:
- قد كان بعدك أنباء وهنبثة * لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب -
- إنا فقدناك فقد الأرض وابلها * فاحتل لقومك وأشهدهم ولا تغب -
- قد كنت بدرا ونورا يستضاء به * عليك تنزل من ذي العزة الكتب -
- وكان جبريل بالآيات يحضرنا * فغاب عنا وكل الغيب محتجب -
- فقد رزئت أبا سهلا خليقته * محض الضريبة والاعراق والنسب -
وقالت صفية بنت عبد المطلب ترثي رسول الله ص:
- ألا يا رسول الله كنت رجاءنا * وكنت بنا برا ولم تك جافيا -
- وكنت رحيما هاديا ومعلما * ليبك عليك اليوم من كان باكيا -
- كان على قلبي لذكر محمد * وما خفت من بعد النبي المكاويا -
- أ فاطم صلى الله رب محمد * على جدث امسى بيثرب ثاويا -
- فدى لرسول الله أمي وخالتي * وعمي وآبائي ونفسي وماليا -
- صدقت وبلغت الرسالة صادقا * ومت صليب العود أيلج صافيا -
- عليك من الله السلام تحية * وأدخلت جنات من العدن راضيا -
وقال حسان بن ثابت يرثى النبي ص فيما حكاه ابن هشام عن أبي
زيد الأنصاري:
- بطيبة رسم للرسول ومعهد * منير وقد تعفو الرسوم وتهمد -
- وواضح آثار وباقي معالم * وربع له فيه مصلى ومسجد -
- عرفت بها رسم الرسول وعهده * وقبرا بها واراه في الترب ملحد -
- أطالت وقوفا تذرف العين جهدها * على طلل القبر الذي فيه احمد -
- فبوركت يا قبر الرسول وبوركت * بلاد ثوى فيها الرشيد المسدد -
- وبورك لحد منك ضمن طيبا * عليه بناء من صفيح منضد -
- لقد غيبوا حلما وعلما ورحمة * عشية علوه الثرى لا يوسد -
- وهل عدلت يوما رزية هالك * رزية يوم مات فيه محمد -
- تقطع فيه منزل الوحي عنهم * وقد كان ذا نور يغور وينجد -
- امام لهم يهديهم الحق جاهدا * معلم صدق إن يطيعوه يسعدوا -
- عفو عن الزلات يقبل عذرهم * وان يحسنوا فالله بالخير أجود -
- وإن ناب أمر لم يقوموا بحمله * فمن عنده تيسير ما يتشدد -
- عزيز عليه ان يجوروا عن الهدى * حريص على أن يستقيموا ويهتدوا -
- فبينا هم في ذلك النور إذ غدا * إلى نورهم سهم من الموت مقصد -
- فبكى رسول الله يا عين عبرة * ولا أعرفنك الدهر دمعك يجمد -
- وما لك لا تبكين ذا النعمة التي * على الناس منها سابغ يتغمد -
- فجودي عليه بالدموع وأعولي * لفقد الذي لا مثله الدهر يوجد -
- وما فقد الماضون مثل محمد * ولا مثله حتى القيامة يفقد -
- أعف وأوفى ذمة * بعد ذمة وأقرب منه نائلا لا ينكد -
- وامنع ذروات وأثبت في العلا * دعائم عز شاهقات تشيد -
- وأثبت فرعا في العروق ومنبتا * وعودا غذاه المزن فالعود أغيد -
- رباه وليدا فاستتم تمامه * على أكرم الخيرات رب ممجد -
- تناهت وصاة المسلمين بكفه * فلا العلم محبوس ولا الرأي يفند -
- أقول ولا يلفى لقولي عائب * من الناس الا عازب العقل مبعد -
- وليس هوائي نازعا عن ثنائه * لعلي به في جنة الخلد اخلد -
وقال أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب يرثي النبي ص:
- أرقت فبات ليلي لا يزول * وليل أخي المصيبة فيه طول -
- وأسعدني البكاء وذاك فيما * أصيب المسلمون به قليل -
- لقد عظمت رزيتنا وجلت * عشية قيل قد قبض الرسول -
- وأضحت ارضنا مما عراها * تكاد بنا جوانبها تميل -
- فقدنا الوحي والتنزيل فينا * يروح به ويغدو جبرائيل -
- وذاك أحق ما سالت عليه * نفوس الناس أو كادت تسيل -
- نبي كان يجلو الشك عنا * بما يوحى إليه وما يقول -
- ويهدينا فلا نخشى ضلالا * علينا والرسول لنا دليل (١) -
ملاحظة في كتاب الدكتور هيكل
يقول في ص ٦٠ ٦١ ٦٢ من الطبعة الثالثة ما حاصله ان يلقي
على عاتق علماء الاسلام القيام بالمباحث الإسلامية لإقناع المستشرقين
بدقة ونزاهة ثم قال: وعندي ان القيام به على وجه صالح يقتضي التفريق
بين فترتين مختلفتين من تاريخ الاسلام اولهما من بدء الاسلام إلى مقتل
عثمان الثانية من مقتل عثمان إلى أن اقفل باب الاجتهاد ففي الفترة
الأولى بقي اتفاق المسلمين تاما لم تغير منه روايات الاختلاف على الخلافة
ولا حرب الردة ولا الفتوحات اما بعد مقتل عثمان فقد دب الخلاف بين
المسلمين وقامت الحروب الأهلية بين علي ومعاوية واستمرت الثورات
ظاهرة وخفية ولعبت الأهواء السياسية دورا خطيرا في الحياة السياسية
نفسها، ثم وازن بين خطبة لأبي بكر وخطبة للمنصور وقال إن الموازن بينهما
يرى مدى التغير العظيم في القواعد الأساسية للحياة الاسلامية في أقل من
قرنين تغيرا نقلها من الشورى بين المسلمين إلى الحكم المطلق. ثم قال إن
الفترة الأولى هي التي تقررت فيها القواعد الصحيحة للحياة الاسلامية
وهي وحدها التي يمكن الاعتماد على ما وقع فيها لمعرفة هذه القواعد
الصحيحة اما بعد الفترة فعلى الرغم من ازدهار العلم أيام الأمويين
وخاصة أيام العباسيين قد اندست يد العبث بهذه القواعد الأساسية
الصحيحة لتقيم مقامها قواعد كثيرا ما تتنافى مع روح الإسلام تحقيقا
لأغراض سياسية شعوبية وكان الأعاجم والذين تظاهروا بالاسلام من
اليهود والنصارى هم الذين روجوا لهذه القواعد الجديدة غير متورعين عن

(١) بعد هذا البحث ذكر المؤلف (خبر السقيفة) بما لا يخرج عما ذكره في الجزء الثالث المخصوص
بسيرة أمير المؤمنين علي (ع) فاكتفينا بما ذكر هناك. - الناشر -
(٢٩٦)

اختراع الأحاديث عن النبي ص ولا عن ادعاء أشياء على الخلفاء الأولين
لا تتفق مع سيرتهم. هذه الفترة الأخيرة لا يمكن الاعتماد على ما دون فيها
دون تمحيصه بغير تأثر بالأهواء ويجب ان نرد مما وقع الخلاف عليه كل ما
لا يتفق مع القرآن اما صدر الاسلام إلى مقتل عثمان فيمكن الاعتماد على ما
يروى مباشرة عنه انتهى ملخصا.
ونقول: تفريقه بين الفترة الأولى والفترة الثانية بان الأولى بقي
اتفاق المسلمين فيها تاما لم تغيره روايات الاختلاف على الخلافة الخ والثانية
وقع الاختلاف فيها بين المسلمين وقامت الحروب ودخلتها الأهواء السياسية
غير صحيح لأمور:
الأول: ان الفترة الأولى كان الاختلاف فيها على الخلافة موجودا
من أولها فعلي كان يرى نفسه أحق بها وما زال يتظلم طوال حياته وبنو
هاشم جميعا كانوا معه وكثير من غيرهم وسعد طلبها لنفسه ولم يبايع وسكن
حوران وقتلته الجن بسهم المغيرة بن شعبة، وروى الطبري قال:
أتى عمر منزل علي وفيه طلحة والزبير ورجال من المهاجرين فقال والله لأحرقن
عليكم أو لتخرجن إلى البيعة فخرج عليه الزبير مصلتا بالسيف الحديث
ويرحم الله مهيارا حيث يقول:
- وكيف صبرتم الاجماع حجتكم * والناس ما اتفقوا طوعا ولا اجتمعوا -
- أمر علي بعيد عن مشورته * مستكره فيه والعباس يمتنع -
- وتدعيه قريش بالقرابة * الأنصار لا خفض فيه ولا رفع -
- فأي خلف كخلف كان بينكم * لولا تلفق أخبار وتصطنع -
ووقع الخلاف فيها بين الزهراء والخليفة الأول على فدك وعلى الميراث
وماتت فاطمة وهي واجدة عليه كما رواه البخاري وانفرد برواية نحن معاشر
الأنبياء لا نورث ولم توافقه على ذلك الزهراء ولا بعلها ولا أولياؤه.
الثاني إن الأهواء السياسية مخلوقة من يوم خلق ابن آدم لم يختص
بها زمان دون زمان فحصرها فيما بعد قتل عثمان ليس بصواب.
الثالث إن الخلاف وقع بين الخليفة الأول في أمر خالد بن الوليد
لما قتل مالك بن نويرة وتزوج امرأته وكان الثاني لا يميل إليه وفور تولية
الخلافة عزله عن قيادة الجيش فهل يا ترى كان هذا من الاتفاق التام
المدعى.
الرابع ان الموازنة بين الخطب لا يمكن ان يستفاد منها الموازنة بين
الاشخاص وسيرتهم وهذا واضح.
الخامس دعواه انتقال الحياة الاسلامية من الشورى إلى الحكم
المطلق بين المسلمين أقل من قرنين غير صواب فتولى عمر الخلافة لم يكن
بالشورى بل بنص أبي بكر عليه.
السادس قوله إن الفترة الأولى هي التي يمكن الاعتماد على ما
وقع فيها لمعرفة القواعد الصحيحة للحياة الاسلامية لا يكاد يتم فأيام
الخليفة الثالث من أولها إلى مقتله كانت تلعب فيها يد مروان حتى أدت إلى
قتله فأي قواعد صحيحة للحياة الاسلامية كانت فيها وكانت أبرز أمهات
المؤمنين شخصية لا تزال تميل من قناته وتلقبه بما تلقبه وتخرج قميص
الرسول ص وتقول ما تقول طمعا في نقل الخلافة إلى قريبها التيمي كما دل
عليه قولها لما قتل: أيها ذا الإصبع إلى غيره من كلامها وقد تركته هي
وقريبها والزبير محصورا وذهبوا إلى مكة ولم ينصروه بل حرضوا عليه فلما قتل
خرجوا إلى البصرة يطلبون بدمه فهل هذه هي القواعد للحياة الصحيحة
الاسلامية.
السابع إن الثورات لم تختص بالفترة الثانية فالفترة الأولى كانت
مملوءة بالثورات الفكرية ظاهرة وخفية وهي أهم من ثورات الحرب وهي
التي سببت الحروب الأهلية والثورات في الفترة الثانية، فالمتامل المنصف
يعلم أن الحياة الاسلامية في الفترة الأولى لم تكن دائما مبنية على قواعد
صحيحة وتلك القواعد هي التي زعزعت الحياة الاسلامية في خلافة الخليفة
الثالث وفي باقي أدوار الفترة الثانية حتى طمع في الملك المغول والسلاجقة
وغيرهم كما قال الأمير أبو فراس الحمداني:
- حتى إذا أصبحت في غير صاحبها * باتت تنازعها الذؤبان والرخم -
الثامن دعواه أنه في الفترة الثانية قد اندست يد العبث بقواعد
الاسلام الصحيحة تحقيقا لأغراض سياسية هي دعوى صحيحة فقد اجتهد
الأمويون والعباسيون في اختلاق الأحاديث عن النبي ص في ذم علي
واتباعه وبذلوا على ذلك الأموال الطائلة وولوا الولايات الجليلة لمن يسمونهم
صحابة ولغيرهم حتى رووا لهم أن آية والذي إذا تولى سعي في الأرض
ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل نزلت في حق علي بن أبي طالب. وإن
حديث فاطمة بضعة مني من أغضبها فقد أغضبني ورد في علي لما أراد أن
يتزوج بنت أبي جهل إلى غير ذلك وحتى منعوا أن يسمي أحد باسمه أو
يكني بكنيته أو يروي عنه شيئا ونصبوا للفتوى أناسا عملوا بآرائهم
وبالمقاييس واعرضوا عن مذهب أهل البيت ورواياتهم وما هو إلا مذهب
الرسول ص فوقع الخلل في قواعد الاسلام الصحيحة أما دعواه أن ذلك
كان لأغراض شعوبية فهي دعوى غير صحيح فالذين أفسدوا قواعد
الاسلام الصحيحة ليقيموا مقامها قواعد تتنافى مع روح الاسلام تحقيقا
لأغراض سياسية هم بنو أمية العرب الصميمون وتابعهم بنو العباس ولم
يكن للشعوبية في ذلك أدنى أثر. على أن من يريدون الإشادة بذكر بني أمية
من بعض أهل زماننا وهيهات يقولون ويفتخرون بان دولة بني أمية دولة
عربية صرفة فهي أفضل عندهم من دولة بني العباس التي دخلت فيها
الفرس والأتراك.
التاسع كون الفرس روجوا لهذه القواعد الخ فهذه نغمة لا يزال
قوم يتغنون بها وهي نغمة شعرية مزوقة مزيفة قالها شخص وتبعه غيره
وساعدت على رواجها العصبية المذهبية والعداوة الدينية واتباع الأهواء ولاحظ
لها من الحقيقة. قال مروجوا هذه النغمة ومزوقوها: إن الفرس لما
فتحت بلادهم في عهد الخليفة الثاني دخلوا في الاسلام وتظاهروا بحب أهل
البيت ليفسدوا في الاسلام وينتقموا من أهله، وهذه دعوى غاية في السخافة
فالذين دخلوا في الاسلام من الفرس في عهد الفتح الاسلامي كانوا أهل
مذهب واحد بل لم يكن في جميع بلاد الاسلام عربهم وفرسهم إلا مذهب
واحد من حيث الأصول والفروع، وإنما حدث في الدولة الأموية: العلوية
والعثمانية، وفي الدولة العباسية اسم السنية والشيعة والمذاهب الأربعة،
وهذا متأخر عن الفتح الاسلامي بكثير ولا أثر للفرس فيه وإن كان دخل في
بلاد الفرس شئ منه فبعد ما دخل في بلاد العرب، فبلاد الفرس في أول
الفتح الاسلامي لم يكن فيها مذاهب متعددة، وبعد حدوث المذاهب كان
الغالب على أهلها خلاف مذهب أهل البيت إنما انتشر مذهب أهل البيت
(٢٩٧)

فيها في عهد الصفويين من المائة التاسعة فما فوق ومع ذلك كانت لا تزال
بخارى والأفغان وغيرها على خلاف ذلك. فمتى كان هذا الزمان الموهوم
الذي اندست يد العبث بقواعد الاسلام الصحيحة لتقيم مقامها قواعد
تتنافى مع روح الاسلام لأغراض سياسية شعوبية؟! وأحرى أن يكون
العابثون بقواعد الاسلام الصحيحة هم الذين قتل آباؤهم وأبناؤهم
وإخوانهم وعشائرهم في بدر وغيرها على الاسلام، فأرادوا الانتقام من
الاسلام بسيف الاسلام وتحت لواء الاسلام تحقيقا لأغراض سياسية انتقامية
لا شعوبية.
العاشر كون الذين تظاهروا بالاسلام من اليهود والنصارى ممن
روجوا لهذه القواعد الجديدة فهذه أيضا نغمة من فروع النغمة السابقة.
أما في حق اليهود فنسبها ناسب إلى عبد الله بن سبا الذي كان يهوديا
وأسلم ثم أدعى في علي الألوهية وأتباعه يعرفون بالسبائية، فزعموا أنه هو
الذي أثار فتنة عثمان وفعل وفعل، وقد علم فساد ذلك مما مر في الأمر
السادس وعلم من هو الذي أثار فتنة عثمان وأن ابن سبا أقل وأذل من
ذلك. وأما في حق النصارى فلم يبينهم ولسنا نعلمهم لنبدي رأينا فيهم.
الحادي عشر كون من ذكرهم هم الذين روجوا لهذه القواعد
الجديدة بما اخترعوه من الأحاديث عن النبي ص وبادعاء أشياء على الخلفاء
الأولين لا تتفق مع سيرتهم هو غير صحيح فالذين روجوا قواعد جديدة في
الاسلام غير متورعين عن اختراع الأحاديث عن النبي ص ولا عن ادعاء
أشياء على ابن عمه ووصيه لا تتفق مع سيرته هم بنو أمية الذين بذلوا في
ذلك الأموال العظيمة وولوا الولايات الجليلة على ذلك وتابعهم بنو العباس
كما أشرنا إليه في الأمر الثامن لا الفرس ولا الذين تظاهروا بالاسلام من
اليهود والنصارى.
الثاني عشر إذا كان ما دون في الفترة الأخيرة لا يمكن الاعتماد
عليه دون تمحيصه بغير تأثر بالأهواء الزم عدم الاعتماد على ما يروي عن
الفترة الأولى التي جعلها وحدها محل الاعتماد، لأن ما وقع في الفترة الأولى
إنما نقله أهل الفترة الثانية التي لا يمكن الاعتماد على ما دون فيها والفترة
الأولى لم تكن فترة تدوين، وإن كان فإنما نقله لنا أهل الفترة الثانية.
الثالث عشر ما شرطه للاعتماد على ما دون في الفترة الأخيرة من
التمحيص بغير تأثر بالأهواء نريد أن نسأله عن هذا الشرط أين يوجد لنتبع
من يوجد فيه: فكل يدعي وصلا بليلى.
الرابع عشر جعله صدر الاسلام إلى مقتل عثمان يمكن الاعتماد
على ما يروى مباشرة عنه لا يفهم له معنى محصل، فالراوون عنه مباشرة
إنما نقل لنا رواياتهم أهل الفترة الثانية الذين لا يعتمد على نقلهم.
وجاء في كتابه اسم عامل كسرى على اليمن بازان بالزاي في خمسة
مواضع في صفحة واحدة مع أنه باذان بالذال في جميع كتب التواريخ
والسير ونص عليه صاحب القاموس. ولكنه سماه في ص ٤٧٦ بدهان.
شئ من كلامه ص في الخطب والوصايا والحكم والمواعظ والأحكام
والدعاء
قال القاضي عياض في الشفا بتعريف حقوق المصطفى: وأما
فصاحة اللسان وبلاغة القول فقد كان ص بالمحل الأفضل والموضع الذي
لا يجهل سلامة طبع وبراعة منزع وايجاز مقطع ونصاعة لفظ وجزالة قول
وصحة معان وقلة تكلف أوتي جوامع الكلم وخص ببدائع الحكم وعلم
السنة العرب يخاطب كل أمة منها بلسانها ويحاورها بلغاتها حتى كان كثير من
أصحابه يسألونه في غير موطن عن شرح كلامه وتفسير قوله انتهى.
بعض خطبه ص
كان رسول الله ص إذا خطب الناس احمرت عيناه ورفع صوته كأنه
منذر جيش.
خطبته ص لما أراد الخروج إلى تبوك
وفي تاريخ ابن كثير أنه خطبها لما وصل تبوك قال بعد حمد الله والثناء
عليه: أيها الناس إن أصدق الحديث كتاب الله وأوثق العرى كلمة التقوى
وخير الملل ملة إبراهيم وخير السنن سنة محمد وأشرف الحديث ذكر الله
وأحسن القصص القرآن وخير الأمور عزائمها وشر الأمور محدثاتها وأحسن
الهدى هدى الأنبياء وأشرف القتل قتل الشهداء وأعمى العمى الضلالة بعد
الهدى وخير الأعمال ما نفع وخير الهدى ما اتبع وشر العمى عمى القلب
واليد العليا خير من اليد السفلى وما قل وكفى خير مما كثر وإلهي وشر
المعذرة حين يحضر الموت وشر الندامة ندامة يوم القيامة ومن أعظم خطايا
اللسان الكذب وخير الغنى غنى النفس وخير الزاد التقوى ورأس الحكمة
مخافة الله وخير ما ألفي في القلب اليقين والمسكر من النار والخمر جماع الاثم
والنساء حبالات إبليس والشباب شعبة من الجنون وشر المكاسب الربا وشر
المآكل أكل مال اليتيم والسعيد من وعظ بغيره والشقي من شقي في بطن امه
وإنما يصير أحدكم إلى موضع أربع أذرع وملاك العمل خواتيمه وكل ما هو
آت قريب وسباب المؤمن فسوق وقتاله كفر وأكل لحمه معصية وحرمة ماله
كحرمة دمه ومن يستغفر الله يغفر له ومن يعف يعف الله عنه ومن يصبر على
الرزية يعوضه الله.
من خطبة له عليه الصلاة والسلام
أيها الناس أنتم على ظهر سفر والسير بكم سريع فقد رأيتم الليل
والنهار والشمس والقمر يبليان كل جديد ويقربان كل بعيد فأعدوا الجهاد
لبعد المفاوز.
خطبة له عليه الصلاة والسلام بمنى
نصر الله عبدا سمع مقالتي فوعاها وبلغها من لم يسمعها فكم من
حامل فقه إلى من هو أفقه منه ثلاثة لا يغل عليها قلب عبد مسلم اخلاص
العمل لله والنصيحة لأئمة المسلمين واللزوم لجماعتهم فان دعوتهم محيطة
من ورائهم المسلمون إخوة تتكافؤ دماؤهم وهم يد على من سواهم ويسعى
بذمتهم أدناهم.
خطبة له ص يذكر فيها شهر رمضان
أيها الناس قد أقبل إليكم شهر رمضان بالبركة والرحمة والمغفرة شهره
ابرك الشهور وأيامه أفضل الأيام ولياليه أفضل الليالي وساعاته أفضل
الساعات وقد دعيتم فيه إلى ضيافة الله وجعلتم فيه من أهل كرامته أنفاسكم
فيه تسبيح ونومكم فيه عبادة وعملكم فيه مقبول ودعاؤكم فيه مستجاب
فاسألوا ربكم بنيات صادقة وقلوب طاهرة ان يوفقكم لصيامه وتلاوة
كتابه فالشقي من حرم غفران الله فيه فاذكروا بجوعكم وعطشكم جوع يوم
(٢٩٨)

القيامة وعطشه وتصدقوا على فقرائكم ومساكينكم ووقروا كباركم وارحموا
صغاركم وصلوا ارحامكم وغضوا عما لا يحل النظر إليه ابصاركم وعما لا
يحل الاستماع إليه اسماعكم وتحننوا على أيتام الناس يتحنن الله على
أيتامكم وتوبوا إلى الله من ذنوبكم وارفعوا إليه أيديكم بالدعاء في أوقات
صلواتكم فإنها أفضل الساعات ينظر الله عباده فيها بالرحمة ويجيبهم إذا
ناجوه ويلبيهم إذا نادوه ويستجيب لهم إذا دعوه أيها الناس من حسن في
هذا الشهر خلقه كان له جواز على الصراط يوم تزل فيه الأقدام ومن خفف
فيه عما ملكت يمينه خفف الله حسابه ومن كف فيه شره كف الله عنه غضبه
يوم يلقاه ومن وصل فيه رحمه وصله الله برحمته يوم يلقاه ومن تطوع فيه
بصلاة كتب له براءة من النار ومن أدى فيه فرضا كان له ثواب من أدى
سبعين فريضة فيما سواه من الشهور ومن كثر فيه من الصلاة ثقل الله ميزانه
يوم تخف الموازين ومن تلا فيه آية من القرآن كان له اجر من ختم القرآن في
غيره ألا ان أبواب الجنة مفتحة فيه فاسألوا ربكم لا يغلقها عنكم وأبواب
النار مغلقة فاسألوا ربكم أن لا يفتحها عليكم والشياطين مغلولة فاسألوا
ربكم أن لا يسلطها عليكم.
خطبته ص في حجة الوداع يوم العيد بمنى
رواها ابن عبد ربه في العقد الفريد والحسن بن علي بن شعبة الحلبي
في تحف العقول وغيرهما.
الحمد لله نحمده ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا
ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله
أوصيكم عباد الله بتقوى الله وأحثكم على طاعة الله واستفتح بالذي هو خير
أما بعد أيها الناس اسمعوا مني ما أبين لكم فاني لا أدري لعلي لا ألقاكم
بعد عامي هذا في موقفي هذا أيها الناس ان دماءكم وأموالكم عليكم حرام
إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا الا هل
بلغت اللهم اشهد فمن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى الذي ائتمنه عليها
وان ربا الجاهلية موضوع وان أول ربا ابدأ به ربا عمي العباس بن عبد
المطلب وان دماء الجاهلية موضوعة وان أول دم ابدأ به دم عامر بن
ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب (١) وان ماثر الجاهلية موضوعة غير السدانة
والسقاية والعمد قود وشبه العمد ما قتل بالعصا والحجر ففيه مائة بعير فمن
زاد فهو من أهل الجاهلية أيها الناس أن الشيطان قد يئس ان يعبد في
أرضكم هذه ولكنه رضي ان يطاع فيما سوى ذلك مما تحقرون من أعمالكم
أيها الناس انما النسئ زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما
ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله وان الزمان قد استدار كهيئته يوم
خلق الله السماوات والأرض (٢) وان عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في
كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ثلاثة متواليات
وواحد فرد ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر (٣) الذي بين جمادي
وشعبان الا هل بلغت اللهم أشهد أيها الناس أن لنسائكم عليكم حقا وان
لكم عليهن حقا لكم عليهن ان لا يوطئن فرشكم غيركم ولا يدخلن أحدا
تكرهونه لبيوتكم إلا بإذنكم ولا يأتين بفاحشة فان فعلن فان الله قد أذن
لكم أن تعضلوهن وتهجروهن في المضاجع وتضربوهن ضربا غير مبرح فان
انتهين وأطعنكم فعليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف وإنما النساء عندكم
عوان لا يملكن لأنفسهن شيئا أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن
بكلمة الله فاتقوا الله في النساء واستوصوا بهن خيرا الا هل بلغت اللهم
اشهد أيها الناس المؤمنون اخوة ولا يحل لامرئ مال أخيه إلا عن طيب
نفسه الا هل بلغت اللهم اشهد فلا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم
أعناق بعض فاني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا كتاب الله
وعترتي أهل بيتي الا هل بلغت اللهم اشهد أيها الناس إن ربكم واحد وان
أباكم واحد كلكم لآدم وآدم من تراب إن أكرمكم عند الله أتقاكم ليس
لعربي على عجمي فضل إلا بالتقوى الا هل بلغت قالوا نعم قال فليبلغ
الشاهد منكم الغائب أيها الناس إن الله قد قسم لكل وارث نصيبه من
الميراث ولا يجوز لوارث وصية في أكثر من الثلث والولد للفراش وللعاهر
الحجر من ادعى إلى غير أبيه أو تولي غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة
والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا والسلام عليكم ورحمة الله
وبركاته.
وروى الحاكم في المستدرك بسنده عن أبي أمامة وقال صحيح على
شرط مسلم سمعت رسول الله ص يقول وهو يخطب الناس على ناقته
الجدعاء في حجة الوداع: يا أيها الناس أطيعوا ربكم وصلوا خمسكم وأدوا
زكاة أموالكم وصوموا شهركم وأطيعوا ذا امركم تدخلوا جنة ربكم.
وصيته ص لمعاذ بن جبل لما بعثه إلى اليمن
يا معاذ علمهم كتاب الله وأحسن أدبهم على الأخلاق الصالحة وانزل
الناس منازلهم خيرهم وشرهم وعليك بالرفق والعفو في غير ترك للحق.
وليكن أكثر همك الصلاة فإنها رأس الاسلام بعد الاقرار بالدين وذكر الناس
بالله واليوم الآخر واتبع الموعظة فإنه أقوى لهم على العمل بما يحب الله ثم
بث فيهم المعلمين ولا تخف في الله لومة لائم وأوصيك بتقوى الله وصدق
الحديث والوفاء بالعهد وأداء الأمانة وترك الخيانة ولين الكلام وبذل السلام
وحفظ الجار ورحمة اليتيم وحسن العمل وقصر الأمل وحب الآخرة والجزع
من الحساب وكظم الغيظ وخفض الجناح واحدث لكل ذنب توبة السر
بالسر والعلانية بالعلانية.
صفة العاقل والجاهل
قال ص: صفة العاقل ان يحلم عمن جهل عليه ويتجاوز عمن
ظلمه ويتواضع لمن هو دونه ويسابق من فوقه في طلب البر وإذا أراد أن
يتكلم تدبر فإن كان خيرا تكلم فغنم وإن كان شرا سكت فسلم وإذا
عرضت له فتنة استعصم الله وامسك يده ولسانه وإذا رأى فضيلة التهز بها
لا يفارقه الحياء ولا يبدو منه الحرص فتلك عشر خصال يعرف بها العاقل.

(١) كان مسترضعا في بني ليث فقتلته هذيل قاله ابن هشام.
(٢) قال الزمخشري في الفائق وتبعه ابن الأثير في النهاية: المعنى أن أهل الجاهلية كانوا يقاتلون في
المحرم وينسؤون تحريمه إلى صفر فإذا دخل صفر نسؤوه أيضا وهكذا إلى أن تمضي السنة فلما
جاء الاسلام رجع الامر إلى نصابه ودارت السنة بالهيئة الأولى (وفي السيرة الحلبية) كان
أهل الجاهلية يؤخرون الحج في كل عام أحد عشر يوما حتى يدور الدور إلى ثلاث وثلاثين
سنة فيعود إلى وقته فلذلك قال إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض
فإن هذه الحجة كانت في السنة التي عاد فيها الحج إلى وقته (وروى) ابن سعد في الطبقات
بسنده عن مجاهد قال كانت الجاهلية يحجون في كل شهر من شهور السنة عامين أي كانوا
يحجون في المحرم مثلا مرتين في عامين متواليين ثم يحجون في صفر كذلك وهكذا فوافق حج
النبي " ص " في ذي الحجة فقال هذا يوم استدار الزمان كهيئته يوم خلق الله السماوات
والأرض " اه‍ ".
(٣) في الفائق للزمخشري أضاف رجبا إلى مضر لانهم كانوا يعظمونه.
(٢٩٩)

وصفة الجاهل ان يظلم من خالطه ويتعدى على من هو دونه ويتطاول على
من هو فوقه كلامه بغير تدبر أن تكلم اثم وان سكت سها وان عرضت له
فتنة سارع إليها فأردته وان رأى فضيلة اعرض وابطا عنها لا يخاف ذنوبه
القديمة ولا يرتدع فيما بقي من عمره عن الذنوب يتوانى عن البر ويبطئ
عنه غير مكترث لما فاته من ذلك أو ضيعه فتلك عشر خصال من صفة
الجاهل الذي حرم العقل.
الجبر والاختيار
قال ص إن الله لا يطاع ولا يعصى مغلوبا ولم يهمل العباد من الملكة
ولكنه القادر على ما أقدرهم عليه والمالك لما ملكهم إياه فان العباد ان
ائتمروا بطاعة الله لم يكن منها مانع ولا عنها صاد وان عملوا بمعصيته فشاء
ان يحول بينهم وبينها فعل وليس من أن شاء ان يحول بينك وبين شئ فعل
ولم يفعله فاتاه الذي فعله كان هو الذي ادخله فيه.
مما روى عنه ص من الحكم والمواعظ القصار
قال ص كفى بالموت واعظا وكفى بالتقى غنى وكفى بالعبادة شغلا
وكفى بالقيامة موئلا وبالله مجازيا.
وقال ص خصلتان ليس فوقهما من البر شئ الايمان بالله والنفع لعباد
الله وخصلتان ليس فوقهما من الشر شئ الشرك بالله والضر لعباد الله.
وقيل له ص أي الأصحاب أفضل قال: من إذا ذكرت أعانك وإذ
نسيت ذكرك. وقيل له ص: اي الناس شر: قال العلماء إذا فسدوا.
وقال ص أوصاني ربي بتسع أوصاني بالاخلاص في السر والعلانية
والعدل في الرضا والغضب والقصد في الفقر والغنى وان اعفو عمن ظلمني
وأعطي من حرمني واصل من قطعني وأن يكون ضمتي فكرا ومنطقي ذكرا
ونظري عبرا.
وقال ص إذا كان أمراؤكم خياركم وأغنياؤكم سمحاءكم وأمركم
شورى بينكم فظهر الأرض خير لكم من بطنها وإذا كان أمراؤكم شراركم
وأغنياؤكم بخلاءكم وأموركم إلى نسائكم فبطن الأرض خير من ظهرها.
وقال ص من أمسى وأصبح وعنده ثلاث فقد تمت عليه النعمة في
الدنيا. من أصبح وأمسى معافى في بدنه آمنا في سربه عنده قوت يومه فإن كانت
عنده الرابعة فقد تمت عليه النعمة في الدنيا والآخرة وهو الايمان.
وقال ص: ارحموا عزيزا ذل وغنيا افتقر وعالما ضاع في زمان جهال.
وقال ص لا يقبض العلم انتزاعا من الناس ولكنه يقبض العلماء حتى
إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساء جهالا استفتوا فافتوا بغير علم فضلوا
وأضلوا.
وقال ص أغبط أوليائي عندي من أمتي رجل خفيف الحال ذو حظ
من صلاح أحسن عبادة ربه في الغيب وكان غامضا في الناس وكان رزقه
كفافا فصبر عليه ومات قل تراثه وقل بواكيه.
وقال ص ما أصاب المؤمن من نصب ولا وصب ولا حزن حتى الهم
يهمه إلا كفر الله عنه به من سيئاته.
وقال ص الدنيا دول فما كان منها لك اتاك على ضعفك وما كان منها
عليك لم تدفعه بقوتك ومن انقطع رجاؤه مما فات استراح بدنه ومن رضي
بما قسمه الله قرت عينه.
وقال ص صوتان يبغضهما الله إعوال عند مصيبة ومزمار عند نعمة.
وقال ص أربع من كن فيه كان في نور الله الأعظم: من كان عصمة
امره شهادة أن لا إله إلا الله واني رسول الله ومن إذا أصابته مصيبة قال إنا لله وإنا إليه
راجعون ومن إذا أصاب خيرا قال الحمد لله ومن إذا أصاب ذنبا
قال استغفر الله وأتوب إليه.
وقال ص العلم خزائن ومفاتيحها السؤال فاسألوا رحمكم الله فإنه
يؤجر أربعة السائل والمتكلم والمستمع والمحب لهم.
وقال ص فضل العلم أحب إلى من فضل العبادة وأفضل دينكم
الورع.
وقال ص ان عظيم البلاء يكفي به عظيم الجزاء فإذا أحب الله عبدا
ابتلاه فمن رضي قلبه فله عند الله الرضا ومن سخط فله السخط.
وقال ص ثلاث من كن فيه استكمل خصال الايمان. الذي إذا
رضي لم يدخله رضاه في باطل وإذا غضب لم يخرجه الغضب من الحق وإذا
قدر لم يتعاط ما ليس له.
وقال ص لا قول إلا بعمل ولا قول ولا عمل إلا بنية ولا قول ولا
عمل ولا نية إلا بإصابة السنة.
وقال ص من تعلم العلم ليماري به السفهاء أو يباهي به العلماء أو
يصرف وجوه الناس إليه ليعظموه فليتبوأ مقعده من النار فان الرياسة لا
تصلح إلا لله ولأهلها. ومن وضع نفسه في غير الموضع الذي وضعه الله
فيه مقته الله ومن دعا إلى نفسه فقال أنا رئيسكم وليس هو كذلك لم ينظر
الله إليه حتى يرجع عما قال ويتوب إلى الله مما ادعى.
وقال ص ألا أدلكم على خير أخلاق الدنيا والآخرة: تصل من
قطعك وتعطي من حرمك وتعفو عمن ظلمك.
وقال ص هذا دين ارتضيه لنفسي ولن يصلحه الا السخاء وحسن
الخلق فأكرموه بهما ما صحبتموه وقال ص أفضلكم ايمانا أحسنكم أخلاقا.
وقال حسن الخلق يبلغ بصاحبه درجة الصائم القائم فقيل له ما أفضل ما
أعطي العبد قال حسن الخلق. وقال حسن الخلق يثبت المودة وقال خياركم
أحسنكم أخلاقا الذين يألفون ويؤلفون.
وقال ص العلم خدين خليل خ ل المؤمن والحلم وزيره والعقل
دليله والعمل قيمه والصبر أمير جنوده والرفق رائده والبر اخوه والنسب آدم
والحسب التقوى والمروءة اصلاح المال.
قال ص أقربكم مني غدا في الموقف أصدقكم للحديث وأداكم
للأمانة وأوفاكم بالعهد وأحسنكم خلقا وأقربكم من الناس.
وقال ص ألا أخبركم بأشبهكم بي أخلاقا قالوا بلى يا رسول الله قال
أحسنكم أخلاقا وأعظمكم حلما وأبركم بقرابته وأشدكم انصافا من نفسه في
الغضب والرضا.
وقال ص كيف بكم إذا فسد نساؤكم وفسق شبانكم ولم تامروا
(٣٠٠)

بالمعروف ولم تنهوا عن المنكر قيل له ويكون ذلك يا رسول الله قال نعم وشر
من ذلك وكيف بكم إذا امرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف قيل يا رسول الله
ويكون ذلك قال نعم وشر من ذلك وكيف بكم إذا رأيتم المعروف منكرا
والمنكر معروفا.
وقال ص صنفان من أمتي إذا صلحا صلحت أمتي قيل يا رسول الله
من هم قال الفقهاء والأمراء.
وقال ص إن لله عبادا يفزع إليهم الناس في حوائجهم أولئك هم
الآمنون من عذاب الله يوم القيامة وقال ص ان الله خلق عبيدا من خلقه
لحوائج الناس يرغبون في المعروف ويعدون الجود مجدا والله يحب مكارم
الأخلاق.
وقال ص لأبي ذر اي عرى الايمان أوثق: قال الله ورسوله اعلم فقال
الموالاة في الله والمعاداة في الله والحب في الله والبغض في الله.
وقال ص أربعة تلزم كل ذي حجى وعقل من أمتي قيل يا رسول الله
ما هن قال استماع العلم وحفظه ونشره والعمل به.
وقال ص من نقله الله من ذل المعاصي إلى عز الطاعة أغناه بلا مال
وأعزه بلا عشيرة وآنسه بلا أنيس ومن خاف الله أخاف منه كل شئ ومن لم
يخف الله أخافه الله من كل شئ ومن رضي عن الله باليسير من الرزق
رضي الله عنه باليسير من العمل ومن لم يستح من طلب الحلال من المعيشة
خفت مؤونته ورخي باله ونعم عياله ومن زهد في الدنيا أثبت الله الحكمة في
قلبه وأنطق بها لسانه وبصره عيوب الدنيا داءها ودواءها وأخرجه من الدنيا
سالما إلى دار القرار.
وقال ص: من أحب أن يكون أعز الناس فليتق الله. ومن أحب أن
يكون أقوى الناس فليتوكل على الله. ومن أحب أن يكون أغنى الناس
فليكن بما في يد الله أوثق منه بما في يده ثم قال ألا أنبئكم بشرار الناس قالوا
بلى يا رسول الله قال من نزل وحده ومنع رفده وجلد عبده ألا أنبئكم بشر
من ذلك قالوا بلى يا رسول الله قال من لا يقبل عثرة ولا يقبل معذرة ثم قال
أ لا أنبئكم بشر من ذلك قالوا بلى يا رسول الله قال من لا يرجى خيره ولا
يؤمن شره ثم قال ألا أنبئكم بشر من ذلك قالوا بلى يا رسول الله قال من
يبغض الناس ويبغضونه.
المختار من كتاب الشهاب للبحراني
ومن تحف العقول للحسن بن شعبة الحلبي وغيرهما
من حكمه القصيرة ص
أ
قال ص: الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها
اختلف. أكثر أهل النار المتكبرون. أعجل الشر عقوبة البغي. أسرع
الخير ثوابا البر. أعجز الناس من عجز عن الدعاء. أبخل الناس من بخل
بالسلام. إن الغيرة من الايمان. أفضل الجهاد كلمة حق بين يدي سلطان
جائر. اكرام الكتاب ختمه. إن من البيان لسحرا. احثوا في وجه
المداحين التراب. إن أخوف ما أخاف على أمتي اتباع الهوى وطول الأمل.
أكثروا من ذكر هادم اللذات. انما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق. أحبكم
إلى الله أحسنكم أخلاقا. احرث لدنياك كأنك تعيش أبدا. واعمل
لآخرتك كأنك تموت غدا. إذا عمل أحدكم عملا فليتقن. إذا أراد
أحدكم الحاجة فليبكر إليها وليسرع المشي إليها وليكتمها. إذا اتاكم كريم
قوم فأكرموه. احفظ ما بين لحييك ورجليك. أنا مدينة العلم وعلي بابها.
أكثر الناس شبعا في الدنيا أطولهم جوعا يوم القيامة.
ومن غير الشهاب: أحب الأعمال إلى الله أدومها وان قل.
ومن تحف العقول: إذا ساد القوم فاسقهم وكان زعيم القوم أذلهم
وأكرم الرجل الفاسق فلينتظر البلاء. انا معشر الأنبياء امرنا ان نكلم
الناس على قدر عقولهم. الأناة من الله والعجلة من الشيطان. الأيدي
ثلاث سائلة ومنفقة وممسكة فخير الأيادي المنفقة. الأمانة تجلب الرزق،
والخيانة تجلب الفقر. إذا مدح الفاجر اهتز العرش وغضب الرب.
الجلوس في المسجد وانتظار الصلاة عبادة ما لم يحدث قيل وما يحدث قال
الاغتياب. أربع من علامات الشقاء جمود العين وقسوة القلب وشدة
الحرص في طلب الدنيا والإصرار على الذنب. إن أكمل المؤمنين ايمانا
أحسنهم أخلاقا. أمرت بمداراة الناس كما امرت بتبليغ الرسالة. استعينوا
على أموركم بالكتمان فان كل ذي نعمة محسود. الايمان نصفان نصف في
الصبر ونصف في الشكر. الأكل في السوق دناءة. أحب عباد الله إلى الله
انفعهم لعباده وأقومهم بحقه الذي يحبب إليهم المعروف وفعاله. أعجل
الشر عقوبة البغي. أقل ما يكون في آخر الزمان أخ يوثق به أو درهم من
حلال. إن الله يحب إذا أنعم على عبد أن يرى أثر نعمته عليه وببغض
البؤس والتباؤس. الا ان شر أمتي الذين يكرمون مخافة شرهم الا ومن
أكرمه الناس اتقاء شره فليس مني.
ب
بالبر يستعبد الحر. بر الرجل بولده بره بوالده. بروا ارحامكم ولو
بالسلام. بادر بأربع قبل أربع: شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك
وغناك قبل فقرك وحياتك قبل موتك. بر الوالدين وصلة الرحم يهونان
الحساب. بشروا ولا تنفروا. بئس العبد له وجهان يقبل بوجه ويدبر
بوجه. البلاء موكل بالمنطق. البنون نعمة والبنات حسنة.
ث
ثلاث من مكارم الأخلاق في الدنيا والآخرة: ان تعفو عمن ظلمك
وتصل من قطعك وتحلم على من جهل عليك. ثلاث من حقائق الايمان:
الايثار على الفقراء وانصافك الناس من نفسك وبذل العلم للمتعلم.
ثلاث تخرق الحجب وتنتهي إلى ما بين يدي الله: صرير أقلام العلماء ووطء
أقدام المجاهدين وصوت مغازل المحصنات. ثلاث تقسي القلب: استماع
اللهو وطلب الصيد واتيان باب السلطان.
ج
جماع التقوى في قوله: ان الله يأمر بالعدل والاحسان الآية
جبلت القلوب على حب من أحسن إليها وبغض من أساء إليها.
ح
حبك للشئ يعمي ويصم. حب الوطن من الايمان. حاسبوا
أنفسكم قبل ان تحاسبوا. حب الدنيا رأس كل خطيئة. حفت الجنة
بالمكاره وحفت النار بالشهوات. حسنوا اخلاقكم والطفوا بجيرانكم
وأكرموا نساءكم تدخلوا الجنة بغير حساب. الحرب خدعة. الحكمة ضالة
المؤمن.
(٣٠١)

خ
خذوا العلم من أفواه الرجال. خلف الوعد ثلث النفاق. ومن
غير الشهاب خير الأمور أوساطها.
د
داووا مرضاكم بالصدقة. الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر. الدنيا
متاع وخير متاعها الزوجة الصالحة.
ذ
ذلاقة اللسان رأس المال. ذهب حسن الخلق بخير الدنيا والآخرة.
ذو الوجهين لا يكون عند الله وجيها.
ر
راحة الإنسان في حبس اللسان. رحم الله امرءا أعان ولده على
بره. رأس العقل التودد إلى الناس. رحم الله من كسب طيبا وأنفق قصدا
وقدم فضلا. رحم الله من قال خيرا فغنم أو صمت فسلم. رأس الحكمة
مخافة الله. الرحم إذا وصلت ثم قطعت قطعها الله ومن تحف
العقول رأس العقل بعد الايمان بالله مداراة الناس في غير ترك حق.
س
سادة الناس في الدنيا الأسخياء. سادة الناس في الآخرة الأتقياء.
سرك أسيرك إذا تكلمت به فأنت أسيره. سافروا تغنموا. سوء الخلق
شؤم. سيد القوم خادمهم. ساعة في خدمة البيت خير من عبادة ألف
سنة. السفر قطعة من العذاب. السعيد من وعظ بغيره.
ش
شر الناس من باع آخرته بدنياه وشر من ذلك من باع آخرته بدنيا
غيره.
ص
صلة الأرحام وحسن الخلق زيادة في الايمان. صلة الأرحام وحسن
الجوار زيادة في الأموال. صلة الرحم تزيد في العمر. صنفان من أمتي إذا
صلحا صلحت وان فسدا فسدت القراء والأمراء. الصحة والفراع نعمتان
مكفورتان. الصائم في عبادة وإن كان نائما على فراشه ما لم يغتب مسلما.
ط
طلب العلم فريضة على كل مسلم. طوبى لمن أنفق فضلات ماله
وامسك فضلات لسانه. طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس ومن
تحف العقول طوبى لمن ترك شهوة حاضره لموعود لم يره.
ع
عليك بالجماعة فان الذئب يأخذ القاصية. عليكم لانجاح الحوائج
بكتمانها فان كل ذي نعمة محسود. عليكم بحسن الخلق فان حسن الخلق
في الجنة لا محالة وإياكم وسوء الخلق فان سئ الخلق في النار لا محالة.
عجبت لمن يتكبر وقد خرج من مخرج البول مرتين. عجبت لمن أيقن بالموت
كيف يفرح. عجبت لمن أيقن بالنار كيف يضحك. عجبت لمن أيقن
بالجنة كيف لا يعمل الحسنات. عجبت لمن أيقن بالحساب كيف يعمل
بالسيئات. عجبت لمن رأى الدنيا ورأى تقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها.
عجبت لمن أيقن بالقدر كيف يحزن. عجبت لمن يحتمي من الطعام مخالفة
الداء كيف لا يحتمي من الذنوب مخافة النار. عليكم بالاقتصاد فما افتقر
قوم اقتصدوا. عز المؤمن استغناؤه عن الناس. عد من لا يعودك واهد
لمن لم يهد إليك. عيال الرجل أسراؤه وأحب العباد إلى الله أحسنهم صنيعا
إلى اسرائه. العالم من صدق قوله فعله. العلم في الصغر كالنقش في
الحجر. العالم كالحمة. العلماء ورثة الأنبياء. ومن تحف العقول عجبا
للمؤمن لا يقضي الله عليه قضاء إلا كان خيرا له سره أو ساءه ان ابتلاه
كان كفارة لذنبه وان أعطاه وأكرمه كان قد حباه.
غ
الغني غني النفس.
ف
فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر النجوم.
ق
قولوا الحق ولو على أنفسكم ومن تحف العقول: قيدوا العلم
بالكتاب.
ك
كن عالما أو متعلما أو مستمعا أو محبا ولا تكن الخامس فتهلك. كن
في الفتنة كابن اللبون لا در يشرب ولا ظهر يركب. كثرة النوم تذيب
القلب وتذهب بنور الوجه. كيف تكون مؤمنا والناس لا يأمنون شرك.
كيف تكون مسلما والناس لا يسلمون من شرك كيف تكون متقيا والناس
يتقون أذاك. كما تدين تدان. كل ذي نعمة محسود.
ل
لو أن هذا الدين في الثريا لنالته رجال من فارس. لو أهدي إلى
كراع لقبلت. لو دعيت إلى ذراع لأجبت. لو بغى جبل على جبل لهد الله
الباغي. لكل ساقطة لاقطة. لا فقر أشد من الجهل. لا مال أعود من
العقل. لا عقل كالتدبير. الليل اخفى للويل. ومن غير الشهاب لا
خير في صحبة من لا يرى لك مثل ما ترى له. ومن تحف العقول لا
يزال المسروق منه في تهمة من هو برئ حتى يكون أعظم جرما من
السارق. ليس منا من غش مسلما أو ضره أو ماكره. لا تمار أخاك ولا
تمازحه ولا تعده فتخلفه.
م
من المروءة اصلاح المال. من أحب قوما حشر معهم. من أحب
عمل قوم أشرك في عملهم، من عمل بما علم ورثه الله ما لم يعلم، من
أعان ظالما على ظلمه سلطه الله عليه. من عرض نفسه للتهمة فلا يلومن
من أساء الظن به. من يصلح ما بينه وبين الله يصلح الله ما بينه وبين
الناس. من اتي إليه بمعروف فليكاف ومن لم يقدر فليثن. من أشبع جائعا
في يوم سغب ادخله الله يوم القيامة جنة لا يدخلها إلا من فعل مثلما فعل.
من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير. من التمس رضا الله بسخط الناس
رضي الله عنه وأرضى عنه الناس. من لا يرحم لا يرحم، من عف
(٣٠٢)

عف، من غش غش، من عدم المداراة عدم التوفيق، من حسن اسلام
المرء تركه ما لا يعنيه، من آذى جاره فهو ملعون، من تساوى يوماه فهو
مغبون، ما عال من اقتصد، ما أخاف على أمتي الفقر ولكن أخاف عليها
سوء التدبير، ما من شئ أثقل في الميزان من خلق حسن، ما نهيت عن
شئ بعد عبادة الأوثان ما نهيت عن ملاحاة الرجال، منهومان لا يشبعان
طالب علم وطالب دنيا، المؤمن من أمن الناس من يده ولسانه، المداراة
رأس العقل، المسلم من سلم الناس من أذاه، المجالس بالأمانة، المسلم
مرآة لأخيه المسلم، المرء حريص على ما منع، المسلم أخو المسلم لا يظلمه
ولا يثلمه، المستشار مؤتمن، المرأة الصالحة كالغراب الأعصم، (١) ومن
غير الشهاب ما هلك امرؤ عرف قدر نفسه، ومن تحف العقول من
أفتى الناس بغير علم لعنته ملائكة السماء والأرض، من تفاقر افتقر،
مداراة الناس نصف الايمان والرفق بهم نصف العيش، من كان يؤمن بالله
واليوم الآخر فليف إذا وعد، من عمل على غير علم كان ما يفسد أكثر مما
يصلح، ومن أذاع فاحشة كان كمبدئها ومن عير مؤمنا بشئ لم يمت حتى
يركبه، ما كان الرفق في شئ إلا زانه ولا كان الخرق في شئ الا شانه،
من حرم الرفق فقد حرم الخير كله، من عد غدا من اجله فقد أساء صحبة
الموت، من طلب رضا مخلوق بسخط الخالق سلط الله عز وجل عليه ذلك
المخلوق، من أرضى سلطانا بما يسخط الله خرج من دين الله، من أحب
في الله وابغض في الله واعطى في الله ومنع في الله فهو من الأصفياء.
ن
نوم العالم أفضل من عبادة الجاهل، الناس معادن كمعادن الذهب،
الناس جواسيس العيوب فاحذروهم، النجوم أمان لأهل السماء وأهل بيتي
أمان لامتي، ومن تحف العقول: نظر الولد إلى والديه حبا لهما عبادة،
نعم العون على تقوى الله الغنى.
ه
هلك امرؤ لم يعرف قدره وتعدى طوره، الهدية تورث المحبة،
الهدية تسل السخائم (٢) الهدية ثلاث: هدية مكافاة وهدية مصانعة وهدية
لله.
و
من تحف العقول: ود المؤمن المؤمن في الله من أعظم شعب
الايمان.
ي
يسروا ولا تعسروا، يكفيكم من الموعظة ذكر الموت، يشب المرء
ويشب فيه خصلتان الحرص وطول الأمل، اليد العليا خير من اليد السفلى
ومن تحف العقول يأتي على الناس زمان لا يبالي الرجل ما تلف من دينه
إذا سلمت له دنياه، يأتي على الناس زمان يكون الناس فيه ذئابا فمن لم
يكن ذئبا أكلته الذئاب، يطبع المؤمن على كل خصلة ولا يطبع على الكذب
ولا على الخيانة.
جوامع كلماته ص فيما يتعلق بالأحكام الشرعية
منقولة من كتاب الشهاب وتحف العقول الآنفي الذكر فما نبه عليه
فمن تحف العقول ومن لا فمن الشهاب:
ا
الاسلام قيد الفتك، الاسلام يعلو ولا يعلى عليه، الأعمال بالنيات
، الاسلام يجب ما قبله، الاذان جزم، ادرأوا الحدود بالشبهات،
اتخذوا الأهل فإنه ارزق لكم، ان من حق الضيف ان يعد له الخلال، إن
من قتل دون ماله فهو شهيد، افتتح بالملح واختم به، إياكم وتزويج
الحمقاء، إذا أردتم النوم فخمروا أوانيكم، ان عمود الدين الصلاة،
اقرار العقلاء على أنفسهم جائز، ان الله فرض عليكم الزكاة كما فرض
الصلاة، اتبعوا الجنازة ولا تتبعكم، اتركوا ما لا باس به حذرا مما به
باس، إذا أتاكم عني حديث فاعرضوه على كتاب الله فما وافقه فاقبلوه وما
خالفه فاضربوا به الحائط، انما سمي المتقون متقين لتركهم ما لا باس به
حذرا من الوقوع فيما به باس، احرام الرجل في رأسه واحرام المرأة في
وجهها، إذا ظهرت البدعة في أمتي فلينظر العالم علمه فمن لم يفعل فعليه
لعنة الله، انما الماء من الماء، ان إبراهيم حرم مكة وانا حرمت المدينة، إذا
بلغ الماء كرا لم يحمل خبثا، اعط الأجير اجره قبل ان يجف عرقه،
أبغضكم إلى الله المشاؤون بالنميمة، أفضل الأعمال أحمزها، اطفئوا
سرجكم عند نومكم، أكثروا الصلاة علي يوم الجمعة، أوصاني جبرئيل
بالمرأة حتى ظننت انه لا ينبغي طلاقها الا من فاحشة بينة، اذكروا محاسن
موتاكم، الا من أراد شفاعتي فلا يزوج كريمته بفاسق، أيما امرأة رضيت
بتزويج فاسق فهي فاسقة، أحسن الناس ايمانا وأكرمهم خلقا ألطفهم
باهله وانا ألطفكم باهلي، أراذل موتاكم العزاب، إذا اجتهد الحاكم
فأخطأ فله اجر وان أصاب فله اجران، أفضل العبادة قراءة القرآن،
أفضل الصدقة صدقة اللسان، أفضل الصدقة جهد المقل، استعينوا على
الصيام بالسحور، اسكتوا عما سكت الله عنه، إياكم وخضراء الدمن،
إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور، أقرب ما يكون العبد من الله إذا كان
ساجدا، إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك، ابدأ بمن تعول.
ب
بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة، البيعان بالخيار ما داما في
المجلس، البينة على المدعي واليمين على من أنكر، البكر تستأذن وإذنها
صماتها والثيب يعرب عنها لسانها، البقرة تجزي عن سبعة.
ت
تحت كل شعرة جنابة، تناكحوا تناسلوا فاني أباهي بكم الأمم يوم
القيامة، تزوجها سوداء ولودا ولا تزوجها حسناء جميلة إذا كانت عاقرا،
تراصوا بين الصفوف، تزوجوا ولا تطلقوا فان الطلاق يهتز منه عرش
الرحمن، تعاهدوا نعالكم عند أبواب مساجدكم، تجاوز الله عن أمتي ما
حدثت به نفوسها، تعلموا الفرائض وعلموها الناس فإنها نصف العلم،
تزوج والا فأنت من اخوان الشياطين، تخيروا لنطفكم، تاجروا الله
بالصدقة، تسعة اجزاء الرزق في التجارة، تم على صومك فإنما أطعمك
الله وسقاك.

(١) الغراب الأعصم الأحمر الرجلين والمنقار أو في جناحه ريشة بيضاء كناية عن ندرة الوجود.
(٢) السخائم جمع سخيمة وهي الحقد.
- المؤلف -
(٣٠٣)

ث
ثلاث يحسن فيها الكذب: المكيدة في الحرب وعدتك زوجتك
والاصلاح بين الناس.
ج
جعلت لي الأرض مسجدا وترابها طهورا، جنبوا مساجدكم
النجاسة، جهاد المرأة التبعل لزوجها، جنبوا مساجدكم صبيانكم
ومجانينكم، جناية العجماوات جبار، جنبوا مساجدكم بيعكم وشراءكم
وخصوماتكم، جعلت الذنوب كلها في بيت وجعل مفتاحها الخمر،
الجالب مرزوق والمحتكر ملعون.
ح
حرمة المؤمن ميتا كحرمته حيا، حكمي على الواحد كحكمي على
الجماعة، حرم لباس الذهب والحرير على ذكور أمتي وحل لاناثهم،
حجكم يوم تحجون، حرم من المسلم حيا ما حرم منه ميتا، حجر الغصب
رهن على خراب الدار، الحج كله عرفة، الحاج أشعث أغبر.
خ
خضروا موتاكم فما أقل المخضرين يوم القيامة، خمس صلوات
افترضهن الله على عباده، خذوا عني مناسككم، خير صفوف الرجال أولها
وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها، خمس فواسق
يقتلن في الحل والحرم، خلق الله الماء طهورا لا ينجسه شئ إلا ما غير لونه
أو طعمه أو ريحه، خير صلاة المرء في بيته الا المكتوبة، الخراج
بالضمان (١).
د
درهم ربا أعظم عند الله من سبعين زنية بذات محرم، دعي الصلاة
أيام أقرائك، دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، درهم الصدقة بعشرة
دراهم، درهم القرض بثمانية عشر، دعوا الناس في غفلاتهم يرزق
بعضهم من بعض، دم الحيض اسود محتدم، دعوا عباد الله يأكل بعضهم
من بعض.
ذ
ذكاة الجنين ذكاة أمه، ذهبت اليمين بدعوى المدعي.
ر
رفع عن أمتي الخطا والنسيان وما استكرهوا عليه. رفع القلم عن
ثلاثة الصبي والمجنون والنائم. رد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من
خانك، ركعتان يصليهما المؤمن في جوف الليل خير له من الدنيا وما فيها.
الرضاع ما انبت اللحم وشد العظم. الرشوة هي الشرك بالله.
ز
زن وأرجح. زملوهم بكلومهم فإنهم يحشرون يوم القيامة وأوداجهم
تشخب دما. زكوا أموالكم نقبل صلاتكم. زكاة الفطرة على كل ذكر
وأنثى. الزنا لا حرمة له الزعيم غارم.
س
ساعة من عالم متكئ على فراشه ينظر في علم خير من عبادة العابدين
سبعين عاما. سباب المؤمن فسوق. سياحة أمتي الصوم.
ش
شارب الخمر كعابد الوثن. شر بقاع الأرض الأسواق وهي ميدان
إبليس. شر المكاسب كسب الربا.
ص
صلوا كما رأيتموني أصلي. صدقة السر تطفئ غضب الرب. صلوا
ارحامكم ولو بالسلام عليهم. صوم العيد حرام. صوم الوصال حرام.
صغروا رغفانكم فان في كل رغيف بركة. صلاتنا هذه لا يصلح فيها شئ
من كلام الآدميين. صاحب الرحل يشرب أول القوم ويتوضأ آخرهم.
صلاة فريضة خير من عشرين حجة. صلاة النهار عجماء. صلاة الليل
مثنى مثنى. صلاة الجماعة تعدل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة. صل
قائما فإن لم تستطع فصل جالسا. الصلاة خير موضوع من شاء استقل ومن
شاء استكثر. الصلاة ميزان من وفى استوفى. الصلح جائز بين المسلمين
الا ما أحل حراما أو حرم حلالا.
ط
طلاق المرأة تطليقتان وعدتها حيضتان. الطواف صلاة الا في تحريم
الكلام.
ع
عجلوا بهم إلى مضاجعهم. على اليد ما أخذت حتى تؤدي. على
مثلها فاشهد أي الشمس والا فدع. على كل ذي كبد حرى اجر. عفا
الله عن أمتي ما حدثت به نفسها ما لم تعمل به. علموهن الغزل ولا
تعلموهن الكتابة. عدل ساعة خير من عبادة سبعين سنة. علموا أولادكم
السباحة والرمي. علم الايمان الصلاة. عذاب القبر من النميمة والغيبة
والكذب. عليكم بالدعاء بين الأذان والإقامة فإنه لا يرد. العين وكاء
الستة. (٢) العزل هو الوأد الخفي.
ومن تحف العقول العبادة سبعة اجزاء أفضلها طلب الحلال.
غ
غسل يوم الجمعة طهور. الغيبة ان يذكر الرجل بما يكره ان يسمع.
ف
فر من الأجذم كفرارك من السبع. فطرك أخاك الصائم خير من
صومك سبعين ضعفا. في كل أمر مشكل القرعة. في كل من الأربعين من
الغنم سائمة زكاة. الفقه ثم المتجر.
ق
قراءة القرآن خير من الذكر والذكر أفضل من الصدقة والصدقة
أفضل من الصوم والصوم جنة من النار. قولوا في الفاسق بما فيه يعرفه

(١) اي من رد معيبا لم يطالب بمنافعه.
(٢) السنة الاست اي ان النائم لا يأمن خروج ريح منه. - المؤلف -
(٣٠٤)

الناس فإنه لا غيبة لفاسق. قتال المؤمن كفر وأكل لحمه معصية. قصوا
أظافركم. قذف محصنة يحبط عمل مائة سنة. قيلوا فان الشيطان لا
يقيل.
ك
كل يابس ذكي (١). كرامة الميت تعجيله في التجهيز. كل مسكر
خمر. كل مفت ضامن. كل ما أديت زكاته فليس بكنز وإن كان مدفونا
وكل ما لم تؤد زكاته فهو كنز وإن كان ظاهرا. كل بدعة ضلالة وكل ضلالة
سبيلها إلى النار. كل كلام لم يبدأ فيه بالبسملة فهو أبتر. كل كلام لم يبدأ
فيه بالحمد له فهو أجذم. كل حسب ونسب قطع الا حسبي ونسبي. كل
مسكر حرام وما اسكر كثيره فالجرعة منه حرام. كل مولود يولد على الفطرة
الا ان أبويه يهودانه وينصرانه ويمجسانه. كل معروف صدقة وكل محدثة
بدعة، كل من السمك ما له قشور. الكفن ثم الدين ثم الوصية ثم
الميراث. الكفو ان يكون عفيفا وعنده يسار.
ل
لكل بيت باب وباب قبر الرجل من قبل الرجلين. لعن الله الواشمة
والمستوشمة والواشرة والمستوشرة والواصلة والمستوصلة والنامصة
والمتنمضه (٢). لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوها. ليتزين
أحدكم يوم الجمعة ويغتسل ويتطيب. لي الواحد ظلم. ليس منا من سلق
أو حلق (٣) للمسلم على المسلم حق يرد غيبته ويسمت (٤) عطسته ويجيب
دعوته ويشيع جنازته ويرد جواب كتابه، ليبالغ أحدكم في المضمضة
والاستنشاق فإنه غفران لما تكلم به العبد ومنفرة للشيطان. لو كنت آمر
أحدا يسجد لأحد لأمرت المرأة ان تسجد لزوجها. ليس منا من يتطير به.
ليس للمؤمن من عمله الا ما نواه. لعن الله ثلاثة الآكل زاده وحده والنائم
في بيت وحده وراكب الفلاة وحده. ليس على النساء جمعة ولا جماعة ولا
أذان ولا إقامة ولا عيادة مريض ولا هرولة بين الصفا والمروة ولا جهاد ولا
استلام الحجر ولا تولي القضاء ولا الحلق (٥) ليس شئ أبغض إلى الله من
بطن ملآن. اللاعب بالشطرنج كعابد الوثن. اللحد لنا والشق
لغيرنا. (٦)
م
مطل المؤسر المسلم ظلم للمسلم. ملعون ملعون من يضيع من
يعول. من مات ولم يعرف امام زمانه مات ميتة جاهلية. من لم يفرق
شعره فرقه الله بمنشار من النار (٧). من جاء إلى الجمعة فليغتسل. من ترك
الصلاة متعمدا فقد برئت منه الذمة. من قال في القرآن بغير
علم فليتبوأ مقعده من النار. من ختم له بقيام الليل فله الجنة.
من سن منكم سنة حسنة كان له اجرها واجر العامل بها إلى يوم
القيامة ومن سن سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر العامل بها إلى يوم
القيامة. من أكرم فقيها مسلما لقي الله يوم القيامة وهو عنه راض.
من استرجع عند المصيبة جبر الله مصيبته. من سئل عن علم فكتمه
الجمه الله بلجام من نار. من صام في يوم صائف سقاه الله يوم الظما
من الرحيق المختوم. من مسح على رأس يتيم كان له بكل شعرة تمر
على جسده حوراء إلى يوم القيامة. من قرأ آية الكرسي في دبر كل صلاة لم
يمنعه من دخول الجنة الا الموت. من نام فليتوضأ. من لحد قريبه فقد قسا
قلبه ومن قسا قلبه بعد من رحمة ربه. من لم يأخذ من شاربه فليس منا.
من أكل الطين فهو ملعون. من انظر معسرا كان له بكل يوم صدقة. من
ذكرت عنده ولم يصل علي فأبعده الله. من صام صوما يرى به فقد أشرك.
من قلم أظافيره يوم الجمعة لم تشعث أنامله. من أفتى بما لا يعلم لعنته
ملائكة السماء والأرض. من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين. من تختم
بالعقيق الأحمر ختم الله له بالحسنى. من توضأ قبل الطعام أي غسل
يديه عاش في سعة وعوفي من بلوى جسده. من وصل أهل بيتي بقيراط
كافأه الله يوم القيامة بقنطار. من أجاب المؤذن أو أجاب العلماء كان يوم
القيامة تحت لوائي. من دان بدين قوم لزمه حكمهم. من قال في مؤمن ما
رأت عيناه أو سمعته أذناه فهو من الذين يحبون ان تشيع الفاحشة في الذين
آمنوا لهم عذاب اليم. من روى عن أخيه المؤمن رواية يريد بهدهام
مروءته وشينه أوقفه الله في طينة خبال (٨). من بني بنيانا رثاء وسمعة حمله
الله يوم القيامة على عنقه وهو مشتعل ويلقى في النار. من منع الماعون
جاره منعه الله خيره يوم القيامة. من اتى ذا بدعة فوقره فقد هدم
الاسلام. من كان عنده صبي فليتصاب له. من أحب ان يتمثل الناس له
قياما فليتبوأ مقعده من النار. المؤمنون اخوة تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم
أدناهم وهم يد على من سواهم. المسلمون عند شروطهم. المسلم أحق
بماله أينما وجده. المتلاعنان لا يجتمعان ابدا.
ومن تحف العقول ملعون من القى كله على الناس.
ن
نية المرء أبلغ من عمله. الناس مسلطون على أموالهم. الناس في
سعة ما لم يعلموا، النكاح سنتي فمن رغب عن سنتي فليس مني.
و
ويل لتجار أمتي من لا والله وبلى والله. ويل لصناع أمتي من غد أو
بعد غد. ورثوه من أول ما يبول منه يعني الخنثى. وسطوا الامام
وسدوا الخلل يعني في الجماعة. الولد للفراش وللعاهر الحجر.
الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها. الولاء لحمة كلحمة النسب. الولاء
لمن أعنق.
لا
لا يخلون رجل بامرأة فان الشيطان ثالثهما. لا يعذب بالنار الا رب
النار. لا يقم الرجل من مجلسه ثم يجلس فيه ولكن يقول تفسحوا أو
توسعوا. لا تلتفتوا في صلاتكم فإنه لا صلاة لملتفت. لا خير في النوافل

(١) اي ان النجس لا ينجس الا مع الرطوبة.
(٢) الواشمة فاعلة الوشم في البدن بغرز إبرة ثم تحشوه بالكحل أو بالنيل (والواشرة) من وشرت
المرأة أنيابها وشرا من باب وعد إذا حددتها ورققتها. (والواصلة) من تصل شعرها بشعر
غيرها (والنامصة) الناتفة شعر الوجه والمستوشمة والمستوشرة والمستوصلة والمتنمصة من
تطلب ان يفعل بها ذلك واللعن فيها محمول على تأكد الكراهة ان لم يؤد في بعضها إلى محرم
كالغش مثلا.
(٣) سلق اي رفع صوته في المصيبة (وحلق) اي حلق شعره في المصيبة.
(٤) تسميت العاطس بالسين المهملة والشين المعجمة الدعاء له بنحو يرحمك الله.
(٥) المراد به حلق الرأس في الحج.
(٦) اللحد للقبر الفضل من الشق.
(٧) فرق الشعر جعله فرقتين والمفرق وسط الرأس ومنه يفرق الشعر وترك فرق الشعر مكروه
واللعن على المكروه لبيان شدة الكراهة ويحتمل ان يراد بالفرق التسريح بل لعله أظهر لان
ترك التسريح ينافي النظافة. في تاج العروس فرق شعره بالمشط سرحه.
(٨) هو صديد أهل النار. - المؤلف -
(٣٠٥)

إذا أضرت بالفرائض. لا تجسسوا ولكن تحسسوا (١). لا يؤاخذ الرجل بجريرة
ابنه ولا ابن بجريرة أبيه. لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. لا رهبانية
في الاسلام، لا يتناج اثنان دون الثالث. لا يحل لمؤمن ان يهجر أخاه فوق
ثلاث والسابق اسبقهما إلى الجنة. لا يأخذ أحدكم متاع أخيه لا جادا
ولا هازلا. لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه. لا تدخل
الملائكة بيتا فيه كلب ولا امرأة ناشرة شعرها ولا اناء يبال فيه. لا ينتفع من
الميتة باهاب ولا عصب. لا تقبل الصلاة الا بالزكاة. لا تقطع رحمك وان
قطعك. لا امرأة خير من ابنة العم. لا تدعوا قيام الليل فان المغبون
من حرم قيام الليل. لا دين لمن لا تقية له. لا تسبوا الأموات فتؤذوا الأحياء.
لا عدوى ولا طيرة في الاسلام. لا وليمة الا في خمس. في خرس أو في عرس
أو عذار أو وكار أو ركاز. (٢) لا تجالس شراب الخمر فان اللعنة إذا نزلت
عمت من في المجلس. لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه. لا يمين الا بالله.
لا تخن من خانك فتكن مثله.
ي
يؤمكم أقرؤكم. يمناك لعلياك يسراك لسفلاك. يقال للعاق اعمل
ما شئت فاني لا أغفر لك. يلزم الوالدين من العقوق لولدهما إذا كان
صالحا ما يلزم الولد لهما.
بعض أدعيته
الدعاء في شهر رمضان بعد المكتوبة
رواه الكفعمي في المصباح عنه ص وهو مشتمل على مضامين عالية
ودعوات جامعة.
اللهم ادخل على أهل القبور السرور اللهم أغن كل فقير اللهم أشبع
كل جائع اللهم اكس كل عريان اللهم اقض دين كل مدين اللهم فرج عن
كل مكروب اللهم رد كل غريب اللهم فك كل أسير اللهم أصلح كل
فاسد من أمور المسلمين اللهم اشف كل مريض اللهم سد فقرنا بغناك
اللهم غير سوء حالنا بحسن حالك اللهم اقض عنا الدين وأغننا من الفقر
انك على كل شئ قدير.
دعاؤه ص يوم بدر
ذكره ابن طاوس في مهج الدعوات: اللهم أنت ثقتي في كل كرب
وأنت رجائي في كل شدة وأنت لي في كل أمر نزل بي ثقة وعدة كم من
كرب يضعف عنه الفؤاد وتقل فيه الحيلة ويخذل فيه القريب ويشمت به
العدو وتعييني فيه الأمور أنزلته بك وشكوته إليك راغبا فيه إليك عمن
سواك ففرجته وكشفته عني وكفيتنيه فأنت ولي كل نعمة وصاحب كل حاجة
ومنتهى كل رغبة فلك الحمد كثيرا ولك المن فاضلا.
دعاؤه ص يوم أحد
ذكره ابن طاوس في مهج الدعوات قال رويناه بإسنادنا إلى محمد بن
الحسن الصفار باسناده عن الصادق ع وعن غيره أنه لما تفرق الناس عن
النبي ص يوم أحد قال: اللهم لك الحمد وإليك المشتكى وأنت
المستعان، فنزل جبرئيل وقال يا محمد لقد دعوت بدعاء إبراهيم حين ألقي
في النار ودعا به يونس حين صار في بطن الحوت، قال وكان رسول الله ص
يدعو في دعائه: اللهم اجعلني صبورا واجعلني شكورا واجعلني في
أمانك.
دعاؤه ص يوم الأحزاب
منقول من كتاب الدعاء والذكر تاليف الحسين بن سعيد باسناده عن
أبي جعفر ع قال كان دعاء النبي ص ليلة الأحزاب: يا صريخ
المكروبين ويا مجيب دعوة المضطرين اكشف عني همي وغمي وكربي فإنك
تعلم حالي وحال أصحابي فاكفني هول عدوي فإنه لا يكشف ذلك غيرك.
دعاء علمه لبعض أصحابه يتقي به شر العدو
ذكره ابن طاوس في مهج الدعوات: يا سامع كل صوت يا محيي
النفوس بعد الموت يا من لا يعجل لأنه لا يخاف الفوت يا دائم الثبات يا
مخرج النبات يا محيي العظام الرميم الدارسات. بسم الله. اعتصمت بالله
وتوكلت على الحي الذي لا يموت ورميت كل من يؤذيني بلا حول ولا قوة
إلا بالله العلي العظيم.
دعاؤه ص لقضاء الدين
علمه علي بن أبي طالب ع: اللهم أغنني بحلالك عن حرامك
وبفضلك عمن سواك.
دعاؤه ص إذا طعم عند قوم
روى الكليني في الكافي بسنده عن الصادق ع: كان رسول الله
ص إذا طعم عند أهل بيت قال لهم: طعم عندكم الصائمون وأكل
طعامكم الأبرار وصلت عليكم الملائكة الأخيار.
دعاؤه ص إذا وضعت المائدة بين يديه
وبسنده كان رسول الله ص إذا وضعت المائدة بين يديه قال:
سبحانك اللهم ما أحسن ما تبتلينا سبحانك اللهم ما أكثر ما تعطينا
سبحانك اللهم ما أكثر ما تعافينا اللهم أوسع علينا وعلى فقراء المؤمنين
والمسلمين.
٢: فاطمة الزهراء
بنت رسول الله ص سيدة نساء العالمين ع
أمها خديجة بنت خويلد أم المؤمنين وكانت أصغر بنات رسول الله
ص وأحبهن إليه وانقطع نسل رسول الله ص إلا من فاطمة ولم يخلف ص
من بنيه غيرها، وتتضمن سيرتها الشريفة ذكر مولدها وكنيتها ولقبها ونقش
خاتمها وبوابها وصفتها ومناقبها وفضائلها وأخبارها وتزويجها بعلي ع
ومحل بيتها وخبر فدك وسهم ذوي القربى وميراث رسول الله ص
وخطبها بعد وفاة أبيها ص وما جرى لها بعده وتاريخ وفاتها ومدة عمرها
وحزنها بعد أبيها وأوقافها وصدقاتها ووصيتها ومصحفها وما أثر عنها من
النثر والنظم.
مولدها
ولدت بمكة يوم الجمعة العشرين من جمادى الآخرة بعد المبعث
بسنتين قاله الشيخ الطوسي في مصباح المتهجد قال وفي رواية أخرى سنة

(١) التجسس بالجيم التفتيش عن بواطن الأمور للشر (وللتحسس) بالحاء تطلب الشئ للخير.
(٢) الخرس بضم فسكون النفاس بالولد (والعرس) التزويج (والعذار) بالكسر الختان
(والوكار) بالكسر بناء الدار (والركاز) بالكسر القدوم من الحج.
(٣٠٦)

خمس من المبعث وقال الكليني وابن شهرآشوب ولدت بعد المبعث بخمس
سنين وهو المروي عن الباقر ع وهو المشهور بين أصحابنا. وفي كشف
الغمة عن ابن الخشاب في مواليد ووفيات أهل البيت مرفوعا عن الباقر
ع أنها ولدت بعد النبوة بخمس سنين وقريش تبني البيت ولعله اشتباه
من الراوي أو سهو من النساخ فبناء الكعبة كان قبل النبوة لا بعدها ويدل
عليه ما في مقاتل الطالبيين أنها ولدت قبل النبوة وقريش تبني الكعبة.
وروى الحاكم في المستدرك وابن عبد البر في الاستيعاب أنها ولدت سنة
إحدى وأربعين من مولد النبي ص أي بعد البعثة بسنة. وفي الإصابة
ولدت بعد البعثة بسنة. وأكثر علماء أهل السنة تروي أنها ولدت قبل
البعثة بخمس سنين ولعله وقع اشتباه من الرواة بين كلمتي قبل وبعد.
كنيتها ولقبها
كانت تكنى أم أبيها وتلقب بالزهراء وبالبتول، قال الهروي في شرح
الغريبين سميت مريم بتولا لأنها تبتلت عن الرجال وسميت فاطمة بتولا
لأنها تبتلت عن النظير انتهى.
نقش خاتمها
أمن المتوكلون.
بوابها
فضة أمتها.
صفتها
روى الحاكم في المستدرك بسنده عن أنس بن مالك وابن شهرآشوب
في المناقب عنه قال سالت أمي عن صفة فاطمة ع فقالت كانت كأنها
القمر ليلة البدر أو الشمس كفرت غماما أو خرجت من السحاب وكانت
بيضاء بضة أشد الناس برسول الله ص شبها وعن عطاء بن أبي رباح كانت
فاطمة بنت رسول الله ص تعجن وإن قصبتها (١) تضرب إلى الجفنة. وفي
كشف الغمة أن بعض الوعاظ ذكر فاطمة ع وما وهبها الله تعالى من
المزايا والفضائل واستخفه الطرب فانشد:
- خجلا من نور بهجتها * تتوارى الشمس بالشفق -
- وحياء من شمائلها * يتغطى الغصن بالورق -
فشق كثير من الناس ثيابهم وأوجب وصفها بكاءهم وانتحابهم
وروى ابن عبد البر في الاستيعاب بأسانيده عن عائشة أم المؤمنين أنها
قالت ما رأيت أحدا كان أشبه كلاما وحديثا وفي رواية سمتا وهديا ودلا
برسول الله ص من فاطمة وكانت إذا دخلت عليه قام إليها فقبلها ورحب
بها كما كانت تصنع هي به وفي رواية لأبي داود كان إذا دخلت عليه قام إليها
فاخذ بيدها فقبلها وأجلسها في مجلسه وكانت إذا دخل عليها قامت إليه
فأخذت بيده فقبلته وأجلسته في مجلسها وروى الحاكم في المستدرك
بسنده عن أم المؤمنين عائشة أنها قالت ما رأيت أحدا كان أشبه كلاما
وحديثا من فاطمة برسول الله ص وكانت إذا دخلت عليه رحب بها وقام
إليها فاخذ بيدها فقبلها وأجلسها في مجلسه قال: هذا حديث صحيح على
شرط الشيخين ولم يخرجاه وبسنده عن عائشة ما رأيت أحدا كان أشبه
كلاما وحديثا برسول الله ص من فاطمة وكانت إذا دخلت عليه قام إليها
فقبلها ورحب بها وأخذ بيدها فاجلسها في مجلسه وكانت هي إذا دخل عليها
قامت إليه مستقبلة وقبلت يده. وقال صحيح على شرط الشيخين وجاء
في عدة روايات أن فاطمة ع أقبلت تمشي ما تخطئ مشيتها من مشية
رسول الله ص شيئا وفي كشف الغمة عن أم سلمة أم المؤمنين قالت
كانت فاطمة بنت رسول الله ص أشبه الناس وجها برسول الله ص.
مناقبها وفضائلها
قول النبي ص أنها بضعة مني أو شجنة (٢) مني
روى البخاري في صحيحه بسنده أن رسول الله ص قال: فاطمة
بضعة مني فمن أغضبها أغضبني وروى النسائي في الخصائص بسنده
عن المسور بن مخرمة أن النبي ص قال: فاطمة بضعة مني من أغضبها
أغضبني. وروى مسلم في صحيحه في حديث إنما فاطمة بضعة مني يؤذيني
ما آذاها. وفي رواية لمسلم إنما ابنتي بضعة مني يريبني ما رابها ويؤذيني ما
آذاها. وفي الإصابة عن الصحيحين عن المسور بن مخرمة سمعت رسول الله
ص على المنبر يقول: فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها ويريبني ما رابها
وروى أبو نعيم في حلية الأولياء بسنده عن المسور بن مخرمة أنه سمع
رسول الله ص يقول: إنما فاطمة ابنتي بضعة مني يريبني ما أرابها ويؤذيني
ما آذاها وقال رواه عمرو بن دينار عن ابن أبي مليكة عن المسور ورواه أيوب
السختياني عن ابن أبي مليكة عن عبد الله بن الزبير نحوه. وعن صحيح
الترمذي: أنها بضعة مني يريبني ما رابها ويؤذيني ما آذاها هذا حديث
حسن صحيح. وعن صحيح الترمذي: إنما فاطمة بضعة مني يؤذيني ما
آذاها وينصبني ما انصبها هذا حديث حسن صحيح. وفي الشفا أنها بضعة
مني يغضبني ما يغضبها، وروى الحاكم في المستدرك بسنده عن المسور بن
مخرمة قال رسول الله ص: إنما فاطمة شجنة مني يبسطني ما يبسطها
ويقبضني ما يقبضها وقال صحيح وبسنده عن المسور أنه بعث إليه
حسن بن حسن يخطب ابنته فقال ما من نسب ولا سبب أحب إلي من
نسبكم وسببكم وصهركم ولكن رسول الله ص قال: فاطمة بضعة أو
مضغة مني يقبضني ما يقبضها ويبسطني ما يبسطها وأن الأنساب يوم القيامة
تنقطع غير نسبي وسببي وصهري وعندك ابنتها ولو زوجتك لقبضها ذلك
فانطلق عاذرا له وقال هذا حديث صحيح، وروى أبو الفرج الأصبهاني في
الأغاني أن عبد الله بن الحسن المثنى بن الحسن السبط دخل على عمر بن
عبد العزيز وهو حديث السن وله وقار وتمكين فرفع عمر مجلسه وأكرمه
وقضى حوائجه فسئل عمر عن ذلك فقال أن الثقة حدثني حتى كأني اسمع
من في رسول الله ص أنه قال إنما فاطمة بضعة مني يسرني ما يسرها
ويغضبني ما يغضبها فعبد الله بضعة من بضعة رسول الله ص.
شدة حب النبي ص فاطمة
روى الحاكم في المستدرك بسنده عن أبي ثعلبة الخشني: كان رسول
الله ص إذا رجع من غزاة أو سفر أتى المسجد فصلى فيه ركعتين ثم ثنى
بفاطمة ثم يأتي أزواجه وبسنده عن ابن عمر أن النبي ص كان إذا سافر
كان آخر الناس عهدا به فاطمة وإذا قدم من سفر كان أول الناس به عهدا
فاطمة. وروى ابن شهرآشوب في المناقب بعدة أسانيد عن عائشة أن عليا
قال للنبي ص لما جلس بينه وبين فاطمة وهما مضطجعان أينا أحب إليك أنا
أو هي؟ قال: هي أحب إلى وأنت أعز علي. ولا يمكن أن يكون جواب
أحسن من هذا عند السؤال عن منزلة علي وفاطمة عند الرسول ص ففاطمة

(١) القصبة الخصلة الملتوية من الشعر.
(٢) الشجنة الشعبة من كل شئ. - المؤلف -
(٣٠٧)

أحب إليه حب حنان وشفقة ورأفة وعلي أعز عليه عزة فضل ومكانة.
أحب النساء إليه ص فاطمة
في الاستيعاب بسنده سئلت عائشة أي الناس كان أحب إلى رسول
الله ص قالت فاطمة قلت فمن الرجال قالت زوجها إن كان ما علمته
صواما قواما، ورواه الحاكم في المستدرك بسنده عن جميع بن عمير وصححه
دخلت مع عمتي على عائشة فسئلت أي الناس كان أحب إلى رسول الله
ص وذكر مثله، ورواه الترمذي أيضا.
زهدها ع
روى الحاكم في المستدرك بسنده أن رسول الله ص دخل على فاطمة
وقد أخذت من عنقها بسلسلة من ذهب فقالت هذه أهداها إلى أبو حسن
فقال رسول الله ص يا فاطمة أ يسرك أن يقول الناس فاطمة بنت محمد وفي
يدك سلسلة من نار ثم خرج ولم يقعد فعمدت فاطمة إلى السلسلة فاشترت
غلاما فأعتقته فبلغ ذلك النبي ص فقال: الحمد لله الذي نجى فاطمة من
النار قال صحيح على شرط الشيخين. وروى أحمد بن حنبل في مسنده عن
ثوبان مولى رسول الله قال: كان رسول الله ص إذا سافر آخر عهده
بانسان من أهله فاطمة وأول من يدخل عليه إذ قدم فاطمة فقدم من غزاة
فاتاها فإذا بمسح على بابها وهو كساء معروف ورأى على الحسن والحسين
قلبين اي سوارين من فضة فرجع ولم يدخل عليها فظنت أنه من أجل ما
رأى فهتكت الستر ونزعت القلبين من الصبيين فقطعتهما فبكى الصبيان
فقسمته بينهما فانطلقا إلى رسول الله ص وهما يبكيان فاخذه منهما وقال: يا
ثوبان اذهب بهذا إلى بني فلان واشتر لفاطمة قلادة من عصب وهو سن
دابة بحرية وسوارين من عاج فان هؤلاء أهل بيتي ولا أحب أن يأكلوا
طيباتهم في حياتهم الدنيا. قال وعن جعفر بن محمد عن أبيه: قدم على
رسول الله ص قوم عراة بالروم فدخل على فاطمة وقد سترت سترا قال
أ يسرك أن يسترك الله يوم القيامة فأعطينيه فأعطته فخرج به فشقه لكل
انسان ذراعين في ذراع.
صدق لهجتها
في الاستيعاب بسنده عن عائشة ما رأيت أحدا كان أصدق لهجة من
فاطمة إلا أن يكون الذي ولدها ص. وروى أبو نعيم في الحلية بسنده عن
عائشة ما رأيت أحدا قط أصدق من فاطمة غير أبيها.
مناقب أهل البيت
آية التطهير وحديث الكساء
قال الله تعالى في سورة الأحزاب إنما يريد الله ليذهب عنكم
الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا.
نزلت في علي وفاطمة وابنيهما. روى الواحدي في أسباب النزول
بسنده عن أبي سعيد قال: نزلت في خمسة في النبي ص وعلي وفاطمة
والحسن والحسين ع وفي الإصابة قالت أم سلمة: في بيتي نزلت
إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا قالت
فأرسل رسول الله ص إلى فاطمة وعلي والحسن والحسين فقال هؤلاء أهل
بيتي الحديث أخرجه الترمذي والحاكم في المستدرك وقال صحيح على
شرط مسلم اه أقول: الذي في المستدرك وتلخيصه صحيح على شرط
البخاري ولم يخرجاه. وفي الدر المنثور: أخرج الترمذي وصححه وابن جرير
وابن المنذر والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في سننه من طرق
عن أم سلمة قالت في بيتي نزلت: إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس
أهل البيت وفي البيت فاطمة وعلي والحسن والحسين فجللهم ص بكساء كان
عليه ثم قال هؤلاء أهل بيتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا. وأخرج ابن مردويه
عن أم سلمة قالت نزلت هذه الآية في بيتي إنما يريد الله الآية
وفي البيت سبعة جبريل ومكائيل وعلي وفاطمة والحسن والحسين وأنا على
باب البيت قلت يا رسول الله أ لست من أهل البيت قال إنك إلى خير أنك
من أزواج النبي ص وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني
وابن مردويه عن أم سلمة زوج النبي ص أن رسول الله ص كان ببيتها على
منامة له عليه كساء خيبري فجاءت فاطمة ببرمة فيها خزيرة فقال رسول الله
ص ادعي زوجك وابنيك حسنا وحسينا فدعتهم فبينما هم يأكلون إذ نزلت
على رسول الله ص إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت
ويطهركم تطهيرا فاخذ النبي ص بفضلة ازاره فغشاهم إياه ثم أخرج يده
من الكساء وأومأ إلى السماء ثم قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي
فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا قالها ثلاث مرات قالت أم سلمة
فأدخلت رأسي في الستر فقلت: يا رسول الله وأنا معكم؟ فقال إنك إلى
خير مرتين. ورواه في أسد الغابة بسنده عن أم سلمة نحوه. وروى الحاكم
في المستدرك بسنده عن واثلة بن الأسقع: أتيت عليا ع فلم أجده،
فقالت لي فاطمة انطلق إلى رسول الله ص يدعوه فجاء مع رسول الله ص
فدخلا ودخلت معهما فدعا رسول الله ص الحسن والحسين فاقعد كل واحد
منهما على فخذيه وأدنى فاطمة من حجره وزوجها ثم لف عليهم ثوبا وقال:
إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا، ثم قال
هؤلاء أهل بيتي اللهم أهل بيتي أحق. هذا حديث صحيح على شرط
الشيخين وروى الحاكم في المستدرك بسنده عن عامر بن سعد عن سعد:
نزل على رسول الله ص الوحي فادخل عليا وفاطمة وابنيهما تحت ثوبه ثم
قال اللهم هؤلاء أهلي أهل بيتي وبسنده عن عبد الله بن جعفر ابن أبي
طالب: لما نظر رسول الله ص إلى الرحمة هابطة قال ادعوا لي ادعوا لي
فقالت صفية من يا رسول الله قال أهل بيتي علي وفاطمة والحسن والحسين
فجئ بهم فالقى عليهم النبي ص كساءه ثم رفع يديه ثم قال: اللهم
هؤلاء آلي فصل على محمد وعلى آل محمد. وانزل الله عز وجل إنما يريد
الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا قال هذا حديث
صحيح الاسناد وقد صحت الرواية على شرط الشيخين أنه علمهم الصلاة
على أهل بيته كما علمهم الصلاة على آله. وفي الدر المنثور: أخرج
الطبراني عن أم سلمة قالت جاءت فاطمة إلى أبيها بثريدة لها تحملها في طبق
لها حتى وضعتها بين يديه فقال لها أين ابن عمك قالت هو في البيت قال
اذهبي فادعيه وابنيك فجاءت تقود ابنيها كل واحد منهما في يد وعلي يمشي
في اثرهما حتى دخلوا على رسول الله ص فأجلسهما في حجره وجلس علي عن
يمينه وجلست فاطمة عن يساره قالت أم سلمة فأخذت من تحتي كساء كان
بساطنا على المنامة في البيت أقول هكذا في النسخة ولعل الصواب فاخذ
ولم تذكر ما صنع بالكساء والظاهر أنه جللهم به وقال ما تقدم وترك ذكر
ذلك إحالة على ما مر. قال وأخرج الطبراني عن أم سلمة أن رسول الله
ص قال لفاطمة ائتيني بزوجك وابنيك فجاءت بهم فالقى رسول الله ص
كساء فدكيا ثم وضع يده عليهم ثم قال اللهم ان هؤلاء أهل محمد وفي
(٣٠٨)

لفظ آل محمد فاجعل صلواتك وبركاتك على آل محمد كما جعلتها على آل
إبراهيم أنك حميد مجيد قالت أم سلمة فرفعت الكساء لأدخل معهم فجذبه
من يدي وقال إنك على خير. وأخرج ابن مردويه والخطيب عن أبي سعيد
الخدري قال كان يوم أم سلمة أم المؤمنين فنزل جبريل على رسول الله ص
بهذه الآية إنما يريد الله الآية فدعا رسول الله ص بحسن وحسين وفاطمة
وعلي فضمهم إليه ونشر عليهم الثوب، والحجاب على أم سلمة مضروب
ثم قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي اللهم اذهب عنهم الرجس وطهرهم
تطهيرا قالت أم سلمة فانا معهم يا نبي الله فقال أنت على مكانك وإنك
على خير. وأخرج ابن أبي شيبة واحمد ومسلم وابن جرير وابن أبي حاتم
والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين عن عائشة قالت خرج رسول
الله ص غداة وعليه مرط مرجل من شعر أسود فجاء الحسن والحسين
فادخلهما معه ثم جاءت فأدخلها معهما ثم جاء علي فادخله معهم ثم قال
إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا وأخرج
ابن جرير والحاكم وابن مردويه عن سعد قال نزل على رسول الله ص
الوحي فادخل عليا وفاطمة وابنيهما تحت ثوبه ثم قال اللهم هؤلاء أهلي
وأهل بيتي وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم
والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن واثلة بن الأسقع قال جاء
رسول الله ص إلى فاطمة ومعه حسن وحسين وعلي حتى دخل فأدنى عليا
وفاطمة فأجلسهما بين يديه وأجلس حسنا وحسينا كل واحد على فخذه ثم
لف عليهم ثوبه وأنا مستدبرهم ثم تلا هذه الآية إنما يريد الله ليذهب عنكم
الرجس الآية. وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد الترمذي وحسنه وابن جرير
وابن المنذر والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه عن أنس أن رسول
الله ص كان يمر بباب فاطمة إذا خرج إلى صلاة الفجر ويقول الصلاة يا
أهل البيت الصلاة إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس الآية. وروى
الحاكم في المستدرك وقال صحيح على شرط مسلم بسنده عن أنس أن رسول
الله ص كان يمر بباب فاطمة ستة أشهر إذا خرج لصلاة الفجر يقول الصلاة
يا أهل البيت إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم
تطهيرا وأخرج ابن مردويه عن أبي سعيد الخدري: لما دخل علي بفاطمة
جاء النبي ص أربعين صباحا إلى بابها يقول السلام عليكم أهل البيت
ورحمة الله وبركاته الصلاة رحمكم الله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس
الآية أنا حرب لمن حاربكم أنا سلم لمن سالمتم وأخرج ابن جرير وابن
مردويه عن أبي الحمراء: حفظت من رسول الله ص ثمانية أشهر بالمدينة
ليس من مرة يخرج إلى صلاة الغداة إلا أتى إلى باب علي فوضع يده على
جنبتي الباب ثم قال الصلاة الصلاة إنما يريد الله الآية. وأورده ابن
خالويه في كتاب الآل عن نافع بن أبي الحمراء نحوه. وفي الدر المنثور:
أخرج ابن مردويه عن ابن عباس: شهدنا رسول الله ص تسعة أشهر يأتي
كل يوم باب علي بن أبي طالب عند وقت كل صلاة فيقول السلام عليكم
ورحمة الله وبركاته أهل البيت إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت
ويطهركم تطهيرا الصلاة رحمكم الله كل يوم خمس مرات. وأخرج الطبراني
عن أبي الحمراء رأيت رسول الله ص يأتي باب علي وفاطمة ستة أشهر فيقول
إنما يريد الآية. في كتاب وفاء الوفا باخبار دار المصطفى للسمهودي:
أسند يحيى عن أبي الحمراء شهدت رسول الله ص أربعين صباحا يجئ إلى
باب علي وفاطمة وحسن وحسين حتى يأخذ بعضادتي الباب ويقول السلام
عليكم أهل البيت إنما يريد الله الآية قال وفي رواية له رابطت بالمدينة
سبعة أشهر كيوم واحد وكان رسول الله ص يأتي باب علي كل يوم وفي رواية
عند صلاة الصبح فيقول الصلاة الصلاة ثلاث مرات إنما يريد الله
الآية. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله إنما يريد الله
ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا قال هم أهل بيت
طهرهم الله من السوء واختصهم برحمته. قال وحدث الضحاك بن مزاحم
أن نبي الله كان يقول نحن أهل بيت طهرهم الله من شجرة النبوة وموضع
الرسالة ومختلف الملائكة وبيت الرحمة ومعدن العلم اه الدر المنثور.
قال علي القاري في شرح الشفا للقاضي عياض بعد ذكر الآية: أراد باهل
البيت نساء النبي ص لأنهن في بيته وروي ذلك عن ابن عباس، قال وعن
أبي سعيد الخدري وجماعة من التابعين أنهم علي وفاطمة والحسن والحسين
قال ولا منع من الجمع وأما تخصيص الشيعة أهل البيت بفاطمة وعلي
وابنيهما لما ورد أنه ع خرج غداة يوم وعليه مرط مرجل
من شعر أسود فجاء الحسن فادخله فيه ثم الحسين فادخله ثم فاطمة
فأدخلها ثم علي فادخله ثم قال إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل
البيت ويطهركم تطهيرا واحتجاجهم على عصمتهم وكون إجماعهم حجة
فمردود بان تخصيصهم بكونهم أهل البيت يكذبه ما قبل الآية وما بعدها
والحديث إنما هو مؤذن بأنهم من أهله لا أن غيرهم ليس باهله اه.
أقول: الجمع الذي أشار إليه بقوله ولا منع من الجمع يرده صريح
ما حكاه عكرمة عن ابن عباس من أنها نزلت في نساء النبي خاصة وقوله
إنما هو نساء النبي بصيغة الحصر فالجمع بما ذكر غير ممكن على أن قوله
هؤلاء أهل بيتي كالنص في انحصار أهل البيت فيهم فإنه بمنزلة الجمع
المضاف المفيد للعموم كقولنا هؤلاء علماء البلد ولو أراد ما ذكر لقال هؤلاء
من أهل بيتي وإرادة البعض بهذا اللفظ سمج مستهجن فهو بمنزلة التفسير
للآية وكذا ما في رواية الخدري من أنها نزلت في خمسة فان مفهوم العدد
الوارد في مقام البيان يمنع من إرادة الأزيد ولو لم نقل به في غيره على أن قول
أم سلمة أ لست من أهل البيت أو أنا معكم أو معهم وقوله ص لها إنك إلى
خير انك من أزواج النبي ص أو أنت على مكانك وإنك إلى خير ورفعها
الكساء لتدخل معهم وجذبه من يدها وقوله انك على خير نص صريح في
خروج النساء من أهل البيت فبطل قول القاري ان الحديث إنما هو مؤذن
بأنهم من أهله لا أن غيرهم ليس باهله وحيث ظهر أنه لا يمكن الجمع فاما
أن نقول أن المراد النساء خاصة كما قاله عكرمة وعروة أو الخمسة خاصة كما
في باقي الروايات والأول باطل لانفرادهما به فلا يعارض الروايات الكثيرة
المستفيضة التي رواها مشاهير علماء الاسلام ورواتهم وأودعوها كتبهم
المشهورة المعتمدة كما سمعت على أن عكرمة حكي عنه أنه كان يرى رأي
الخوارج وعروة منحرف عن علي ع وأهل بيته مع أن الظاهر إن ذلك
رأي رأياه ولعلهما أخذاه من كون الآيات قبلها وبعدها في نساء النبي فلا
يعارض الروايات المروية عن النبي ص مع أن اختصاصها بالأزواج كما
يقولان ينافيه تذكير الضمير وأما كون ما قبل الآية وبعدها في الأزواج فلا
يضر لوجوب رفع اليد عن هذا الظهور لو فرض بتذكير الضمير وما دل من
الروايات على خروج النساء كما عرفت إذ النص مقدم على الظاهر ومراعاة
السوق في القرآن الكريم غير لازمة وكون ترتيبه على ترتيب نزوله غير معلوم
لو لم يكن معلوم العدم ويدل على خروج الأزواج من أهل البيت مضافا إلى
ذلك أحاديث الثقلين الآتية في الجزء الثالث في أدلة إمامة أمير المؤمنين ع
فان فيها أنه سئل زيد بن أرقم فقيل له أ ليس نساؤه من أهل بيته فأجاب
(٣٠٩)

منكرا ذلك: نساؤه من أهل بيته ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده.
وفي رواية أخرى فقلنا من أهل بيته نساؤه؟ قال لا لأن المرأة تكون مع
الرجل العصر من الدهر ثم يطلقها فترجع إلى أبيها وقومها، أهل بيته
أصله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده وقد بينا ذلك مفصلا في كتاب
إقناع اللائم على إقامة المآتم.
حديث الثقلين
روى الحاكم في المستدرك وقال صحيح على شرط الشيخين بسنده
عن زيد بن أرقم قال رسول الله ص إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وأهل
بيتي وإنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض وسيأتي الكلام على أحاديث
الثقلين بابسط من هذا في سيرة أمير المؤمنين ع في الجزء الثاني.
ومن مناقب أهل البيت ع
ما رواه الحاكم في المستدرك وقال حسن صحيح على شرط مسلم
بسنده عن عبد الله بن عباس أن رسول الله ص قال يا بني عبد المطلب اني
سالت الله لكم ثلاثا أن يثبت قائمكم وأن يهدي ضالتكم وأن يعلم
جاهلكم وسالت الله أن يجعلكم جوداء نجداء رحماء فلو أن رجلا صفن بين
الركن والمقام فصلى وصام ثم لقى الله وهو مبغض لأهل بيت محمد دخل
النار. وبسنده من رواية أحمد بن حنبل عن أبي هريرة: نظر النبي ص إلى
علي وفاطمة والحسن والحسين ع فقال أنا حرب لمن حاربكم
وسلم لمن سالمكم.
وبسنده عن زيد بن أرقم عن النبي ص أنه قال لعلي وفاطمة والحسن
والحسين ع أنا حرب لمن حاربتم وسلم لمن سالمتم.
وبسنده عن ابن عباس وصححه قال رسول الله ص أحبوا الله لما
يغذوكم به من نعمة وأحبوني لحب الله وأحبوا أهل بيتي لحبي
وبسنده عن أبي سعيد الخدري وصححه على شرط مسلم قال رسول
الله ص والذي نفسي بيده لا يبغضنا أهل البيت أحد إلا أدخله الله النار
وفي رواية إلا أكبه الله في النار.
وبسنده عن عمر بن سعيد الأبح عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة
عن أنس قال رسول الله ص وعدني ربي في أهل بيتي من أقر منهم بالتوحيد
ولي بالبلاع أن لا يعذبهم. قال الحاكم: قال عمر بن سعيد الأبح ومات
سعيد بن أبي عروبة يوم الخميس وكان حدث بهذا الحديث يوم الجمعة مات
بعده بسبعة أيام في المسجد فقال قوم لا جزاك الله خيرا صاحب رفض
وبلاء وقال قوم جزاك الله خيرا صاحب سنة وجماعة أديت ما سمعت. هذا
حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه.
وبسنده عن عامر بن سعد عن أبيه وقال صحيح على شرط الشيخين
لما نزلت هذه الآية: ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا
وأنفسكم دعا رسول الله ص عليا وفاطمة وحسنا وحسينا فقال اللهم
هؤلاء أهلي.
وبسنده عن حنش الكناني سمعت أبا ذر يقول وهو آخذ بباب الكعبة
من عرفني فانا من عرفني ومن أنكرني فانا أبو ذر سمعت النبي ص يقول:
ألا أن مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من قومه من ركبها نجا ومن
تخلف عنها غرق أو هلك.
وفي وفاء الوفا عن علي ع: زارنا النبي ص فبات عندنا والحسن
والحسين نائمان واستسقى الحسن فقام النبي ص إلى قربة لنا فجعل
يعصرها في القدح ثم جعل يعبعبه فتناول الحسين فمنعه وبدأ بالحسن
فقالت له فاطمة يا رسول الله كأنه أحب إليك قال إنما استسقى أولا ثم قال
رسول الله ص إني وإياك وهذان وهذا الراقد يعني عليا يوم القيامة في مكان
واحد. قال وعن أبي سعيد الخدري مثله.
وروى الكليني في الكافي بسنده عن الصادق ع قال لما جاءت
فاطمة تشكو إلى رسول الله ص بعض أمرها أعطاها كربة وهي أصل
السعفة العريض الغليظ كانوا يكتبون عليه فقال تعلمي ما فيها فإذا فيها
من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره ومن كان يؤمن بالله واليوم
الآخر فليكرم ضيفه ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو
يسكت.
أخبارها
من أخبارها بمكة ما مر في السيرة النبوية عند ذكر استجابة دعائه ع
أنه لما ألقت قريش سلا الجزور على ظهره وهو ساجد جاءت فاطمة
فطرحته عنه. وهاجرت إلى المدينة بعد هجرة أبيها بلا فصل حين بعث
ع إلى علي أن يهاجر بها والفواطم وأراده صاحبه على دخول المدينة
فقال ما أنا بداخلها حتى يأتي أخي وابنتي. ومن أخبارها بالمدينة أنه لما
جرح النبي ص يوم أحد جعل علي ينقل له الماء في درقته من المهراس
ويغسله فلم ينقطع الدم فاتت فاطمة وجعلت تعانقه وتبكي وأحرقت
حصيرا وجعلت على الجرح من رماده فانقطع الدم وفي رواية أنه ع
لما انصرف إلى المدينة استقبلته فاطمة ومعها إناء فيه ماء فغسل وجهه
وأنه ع دفع إليها سيفه وقال اغسلي عن هذا دمه يا بنية وأن عليا
ناولها سيفه وقال وهذا فاغسلي عنه فوالله لقد صدقني اليوم وأن الرسول ص
قال لها خذيه يا فاطمة فقد أدى بعلك ما عليه كما مر في وقعة أحد واختصها
النبي ص بذلك ولم يعط سيفه بعض أزواجه وهن كثيرات ومدح عليا ع
بالشجاعة أمامها لتسر بشجاعة بعلها.
ومن أخبارها يوم مؤتة لما قتل ابن عمها جعفر أن النبي ص دخل
عليها وهي تقول: وا عماه فقال على مثل جعفر فلتبك الباكية البواكي.
وخرجت مع أبيها وبعلها يوم فتح مكة وضربت للنبي ص قبة بأعلى الوادي
وجلس فيها يغتسل وفاطمة تستره وذهب علي إلى بيت أخته أم هاني حين
بلغه أنها آوت أناسا من بني مخزوم أقرباء زوجها فلم تعرفه أم هانئ لأنه
مقنع بالحديد وقالت له يا عبد الله أنا أم هانئ ابنة عم رسول الله وأخت
علي بن أبي طالب انصرف عن داري فقال اخرجوا من آويتم فقالت والله
لأشكونك إلى رسول الله فنزع المغفر فعرفته وقالت فديتك حلفت
لأشكونك إلى رسول الله فقال اذهبي فبري قسمك فجاءت فأخبرته فقال
قد أجرت من أجرت فقالت فاطمة منتصرة لبعلها: إنما جئت يا أم هانئ
تشكين عليا في أنه أخاف أعداء الله وأعداء رسوله فقال رسول الله ص لقد
شكر الله لعلي سعيه وأجرت من أجارت أم هاني لمكانها من علي فجمع ص
بمكارم أخلاقه بين حفظ شأن علي وإكرام أم هانئ لأجله. وقد مر من
أخبارها ما جرى لها في مرض أبيها الذي توفي فيه وما قالته في ندبه وغير
ذلك.
(٣١٠)

تزويج الزهراء بعلي ع
في كشف الغمة روي عن أبي عبد الله ع أنه قال لولا أن الله
تبارك وتعالى خلق أمير المؤمنين لفاطمة ما كان لها كفؤ على وجه الأرض
قال وروى صاحب كتاب الفردوس عن النبي ص لولا علي لم يكن
لفاطمة كفوء وفي مناقب ابن شهرآشوب قد اشتهر في الصحاح بالأسانيد
عن أمير المؤمنين وابن عباس وابن مسعود وجابر الأنصاري وأنس بن مالك
والبراء بن عازب وأم سلمة بألفاظ مختلفة ومعان متفقة أن أبا بكر وعمر
خطبا إلى النبي ص فاطمة مرة بعد أخرى فردهما. وروى أحمد في الفضائل
عن بريدة أن أبا بكر وعمر خطبا إلى النبي ص فاطمة فقال إنها صغيرة.
وروى محمد بن سعد كاتب الواقدي في الجزء الثامن من الطبقات الكبير
بسنده أن أبا بكر خطب فاطمة إلى النبي ص فقال انتظر بها القضاء فذكر
ذلك لعمر فقال له ردك ثم أن أبا بكر قال لعمر اخطب فاطمة إلى النبي
ص فخطبها فقال له مثل ما قال لأبي بكر انتظر بها القضاء فأخبر أبا بكر
فقال له ردك الحديث وبسنده عن بريدة أنه قال نفر من الأنصار لعلي
عندك فاطمة فاتى رسول الله ص فسلم عليه فقال ما حاجة ابن أبي طالب
قال ذكرت فاطمة بنت رسول الله ص قال مرحبا وأهلا لم يزده عليهما فخرج
على أولئك الرهط وهم ينتظرونه قالوا ما وراءك قال ما أدري غير أنه قال لي
مرحبا وأهلا قالوا يكفيك من رسول الله إحداهما أعطاك الأهل أعطاك
المرحب الحديث. وروى ابن سعد بسنده خطب علي فاطمة فقال
لها رسول الله ص ان عليا يذكرك فسكتت فزوجها وفي البحار عن
الضحاك أن النبي ص قال لفاطمة ان علي بن أبي طالب ممن قد عرفت
قرابته وفضله في الاسلام وإني سالت ربي أن يزوجك خير خلقه وأحبهم إليه
وقد ذكر من أمرك شيئا فما ترين فسكتت فخرج وهو يقول الله أكبر سكوتها
إقرارها.
خطبة النبي ص عند تزويجه فاطمة من علي ع
في مناقب ابن شهرآشوب خطب رسول الله ص على المنبر في تزويج
فاطمة خطبة رواها يحيى بن معين في أماليه وابن بطة في الإبانة باسنادهما
عن أنس بن مالك مرفوعا قال ورويناها عن الرضا ع أقول هي في
رواية المناقب أخصر فنذكرها برواية كشف الغمة وهي:
الحمد لله المحمود بنعمته المعبود بقدرته المطاع بسلطانه المرهوب من
عذابه المرغوب إليه فيما عنده النافذ أمره في أرضه وسمائه الذي خلق الخلق
بقدرته وميزهم باحكامه وأعزهم بدينه وأكرمهم بنبيه محمد ص ثم أن الله
جعل المصاهرة نسبا لاحقا وأمرا مفترضا وشج بها الأرحام وألزمها الأنام
فقال تبارك اسمه وتعالى جده وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا
وصهرا وكان ربك قديرا فامر الله يجري إلى قضائه وقضاؤه يجري إلى قدره
فلكل قضاء قدر ولكل قدر أجل ولكل أجل كتاب يمحو الله ما يشاء ويثبت
وعنده أم الكتاب. ثم أني أشهد أني قد زوجت فاطمة من علي وفي رواية
المناقب ثم أن الله أمرني أن أزوج فاطمة من علي وقد زوجتها إياه على
أربعمائة مثقال فضة أ رضيت قال رضيت يا رسول الله ثم خر لله ساجدا
فقال النبي ص جعل الله فيكما الكثير الطيب وبارك فيكما. قال انس:
بارك الله عليكما وأسعد جدكما وجمع بينكما وأخرج منكما الكثير الطيب.
قال انس: والله لقد أخرج منهما الكثير الطيب.
خطبة علي عند تزويجه بفاطمة ع
عن ابن مردويه أن النبي ص قال لعلي تكلم خطيبا لنفسك فقال:
الحمد لله الذي قرب من حامديه ودنا من سائليه ووعد الجنة من يتقيه وأنذر
بالنار من يعصيه نحمده على قديم إحسانه وأياديه حمد من يعلم أنه خالقه
وباريه ومميته ومحييه وسائله عن مساويه ونستعينه ونستهديه ونؤمن به
ونستكفيه ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تبلغه وترضيه
وأن محمدا عبده ورسوله ص صلاة تزلفه وتحظيه وترفعه وتصفيه وهذا رسول
الله ص زوجني ابنته فاطمة على خمسمائة درهم فاسألوه وأشهدوا قال رسول
الله ص قد زوجتك ابنتي فاطمة على ما زوجك الرحمن وقد رضيت بما رضي
الله فنعم الختن (١) أنت ونعم الصاحب أنت وكفاك برضى الله رضى ثم أمر
النبي ص بطبق بسر (٢) أو تمر وأمر بنهبه والروايات مختلفة في قدر مهر
الزهراء ع وجنسه والصواب أنه كان خمسمائة درهم اثنتي عشرة أوقية
ونصفا الأوقية أربعون درهما لأنه مهر السنة كما ثبت من طريق أهل البيت
ع وما كان رسول الله ص ليعدوه في تزويج علي بفاطمة وتدل
عليه روايات كثيرة. وفي رواية ابن سعد في الطبقات كان صداق بنات
رسول الله ص ونسائه خمسمائة درهم اثنتي عشرة أوقية ونصفا أما ما دل على
أنه أربعمائة مثقال كالخطبة السابقة فهو يقتضي أن يكون أكثر من خمسمائة
درهم لأن كل سبعة مثاقيل عشرة دراهم فالخمسمائة درهم تبلغ ثلاثمائة
وخمسين مثقالا لا أربعمائة الا أن يكون للمثقال أو الدرهم وزن آخر غير
المشهور وقيل إنه كان أربعمائة وثمانين درهما حكاه في الاستيعاب ويدل
عليه قول الحسين ع في خبر خطبة مروان أم كلثوم بنت عبد الله بن
جعفر ليزيد بن معاوية: لو أردنا ذلك ما عدونا سنة رسول الله ص في بناته
ونسائه وأهل بيته وهو اثنتا عشرة أوقية يكون أربعمائة وثمانين درهما وقوله
قد زوجتها من ابن عمها القاسم على أربعمائة وثمانين درهما وفي رواية
أن عليا ع باع بعيرا له بذلك المقدار وفي رواية أن المهر كان درع حديد
وهي التي تسمى الحطمية (٣) فباعها بهذا المقدار وفي رواية أنه كان درع
حديد وبردا خلقا. وتدل بعض الأخبار على أن الدرع والبرد لم يكونا مهرا
بل بيعا لذلك. وروى الصدوق في عيون أخبار الرضا بسنده عن أبي
الحسن علي بن موسى الرضا عن أبيه عن آبائه ع عن علي ع
قال قال لي رسول الله ص يا علي لقد عاتبني أرجال من قريش في أمر فاطمة
وقالوا خطبناها إليك فمنعتنا وزوجت عليا فقلت لهم ما أنا منعتكم وزوجته
بل الله منعكم وزوجه الحديث. قال ابن عبد البر في الاستيعاب ان
رسول الله ص قال لها زوجتك سيدا في الدنيا والآخرة وأنه لأول أصحابي
اسلاما وأكثرهم علما وأعظمهم حلما ذكر ذلك في ترجمة علي ع.
ثم أن عليا ع أتى بالدراهم فصبها بين يدي رسول الله ص فقبض
منها قبضة فأعطاها بلالا وقال ابتع لفاطمة طيبا وفي الاستيعاب أمر ص أن
يجعل ثلثها في الطيب وفي رواية لابن سعد ثلثين في الطيب وثلثا في الثياب
ثم قبض منها بكلتا يديه فأعطاه أبا بكر وقال ابتع لفاطمة ما يصلحها من
ثياب وأثاث البيت وأردفه بعمار وعدة من أصحابه فكانوا يعرضون الشئ
على أبي بكر فان استصلحه اشتروه وقبض قبضة كانت ثلاثة وستين أو ستة

(١) الختن بفتحتين زوج البنت وهذه الرواية تنفي ما قاله أهل اللغة من أنه عند العرب كل من
كان من قبل المرأة كالأب والأخ وأنه عند العامة زوج البنت.
(٢) البسر بالضم ثمر النخيل قبل أن يصير رطبا.
(٣) منسوبة إلى حطم بضم الحاء وفتح الطاء ابن محارب وكان يعمل الدروع.
(٣١١)

وستين فأعطاها أم أيمن لمتاع البيت ودفع الباقي إلى أم سلمة فقال أبقيه
عندك فكان مما اشتروه:
جهاز الزهراء ع عند زفافها
قميص بسبعة دراهم وخمار بأربعة دراهم وقطيفة (١) سوداء خيبرية
وسرير مزمل (٢) بشريط (٣) وفراشان من خيش (٤) مصر حشو أحدهما ليف
وحشو الآخر من صوف الغنم وأربع مرافق (٥) من أدم (٦) الطائف حشوها
أذخر (٧) وستر رقيق من صوف وحصير هجري (٨) ورحى لليد ومخضب (٩)
من نحاس وهو إناء تغسل فيه الثياب وسقاء (١٠) من أدم وقعب (١١) للبن
وشن (١٢) للماء ومطهرة (١٣) مزفتة وجرة خضراء وكيزان خزف ونطع (١٤) من
أدم وعباءة قطوانية (١٥) وقربة ماء.
فلما عرض ذلك على رسول الله ص جعل يقلبه بيده ويقول بارك الله
لأهل البيت وفي رواية أنه لما وضع بين يديه بكى ثم رفع رأسه إلى السماء
وقال اللهم بارك لقوم جل آنيتهم الخزف.
تجهيز علي ع عند زفاف فاطمة ع إليه
وكان من تجهيز علي داره انتشار رمل لين ونصب خشبة من حائط إلى
حائط للثياب وبسط أهاب كبش ومخدة ليف وفي رواية ابن سعد عن بعض
من حضر اهداء فاطمة من النساء قالت فدخلنا بيت علي فإذا أهاب شاة
على دكان مصطبة ووسادة فيها ليف وقربة ومنخل ومنشفة وقدح فلما كان
بعد شهر أو تسعة وعشرين يوما قال جعفر (١٦) وعقيل أو عقيل وحده لعلي
أ لا تسأل رسول الله ص أن يدخل عليك أهلك قال الحياء يمنعني قال
أقسمت عليك إلا قمت معي فقاما فلقيا أم أيمن مولاة رسول الله ص فذكرا
لها ذلك فدخلت إلى أم سلمة فأعلمتها وأعلمت نساء النبي ص فاجتمعن
عند رسول الله ص وقلن فديناك بآبائنا وأمهاتنا يا رسول الله إنا قد اجتمعنا
لأمر لو كانت خديجة في الأحياء لقرت عينها قالت أم سلمة فلما ذكرنا خديجة
بكى رسول الله ص فقال خديجة وأين مثل خديجة صدقني حين كذبني
الناس ووازرتني على دين الله وأعانتني عليه بمالها أن الله عز وجل أمرني أن
أبشر خديجة ببيت في الجنة من قصب الزمرد لا صخب فيه ولا نصب قالت
أم سلمة فديناك بآبائنا وأمهاتنا أنك لم تذكر من خديجة أمرا إلا وقد كانت
كذلك غير أنها قد مضت إلى ربها فهنأها الله بذلك وجمع بيننا وبينها في جنته
يا رسول الله هذا أخوك وابن عمك في النسب علي بن أبي طالب يحب أن
تدخل عليه زوجته قال حبا وكرامة فدعا بعلي فدخل وهو مطرق حياء وقمن
أزواجه فدخلن البيت فقال أ تحب أن أدخل عليك زوجتك فقال وهو مرق
أجل فداك أبي وأمي فقال أدخلها عليك إن شاء الله ثم التفت إلى النساء
فقال من هاهنا فقالت أم سلمة أنا أم سلمة وهذه زينب وهذه فلانة وفلانة
فامرهن أن يزين فاطمة ويطيبنها ويصلحن من شأنها في حجرة أم سلمة وأن
يفرشن لها بيتا كان قد هياه علي ع بالأجرة وكان بعيدا عن بيت النبي
ص قليلا فلما بنى بها حوله النبي ص إلى بيت قريب منه ففعلن النسوة ما
أمرهن. وفي رواية كشف اليقين فعلقن عليها من حليهن وطيبنها. وفي
مناقب ابن شهرآشوب عن أبي بكر بن مردويه فاتى الصحابة بالهدايا فامر
بطحن البر وخبزه وأمر عليا بذبح البقر والغنم فلما فرغوا من الطبخ أمر
النبي ص أن ينادي على رأس داره أجيبوا رسول الله ص فبسط النطوع في
المسجد وصدر الناس وهم أكثر من أربعة آلاف رجل وسائر نساء المدينة
ورفعوا ما أرادوا ثم دعا رسول الله ص بالصحاف فملئت ووجه إلى منازل
أزواجه ثم أخذ صحفة فقال هذه لفاطمة وبعلها.
فلما كانت ليلة الزفاف أتى النبي ص ببغلته الشهباء أو بناقته وثنى
عليها قطيفة وقال لفاطمة اركبي فاركبها وأمر سلمان أن يقود بها ومشى ص
خلفها ومعه حمزة وعقيل وبنو هاشم مشهرين سيوفهم ونساء النبي ص
قدامها يرجزن وأمر بنات عبد المطلب ونساء المهاجرين والأنصار أن يمضين
في صحبة فاطمة وأن يفرحن ويرجزن ويكبرن ويحمدن ولا يقلن ما لا
يرضي الله ونساء النبي ص قدامها يرجزن فأنشأت أم سلمة ترجز وتقول:
- سرن بعون الله جاراتي * واشكرنه في كل حالات -
- واذكرن ما أنعم رب العلى * من كشف مكروه وآفات -
- فقد هدانا بعد كفر وقد * أنعشنا رب السماوات -
- وسرن مع خير نساء الورى * تفدى بعمات وخالات -
- يا بنت من فضله ذو العلى * بالوحي منه والرسالات -
ثم قالت عائشة:
- يا نسوة استرن بالمعاجر * واذكرن ما يحسن في المحاضر -
- واذكرن رب الناس إذ يخصنا * بدينه مع كل عبد شاكر -
- والحمد لله على أفضاله * والشكر لله العزيز القادر -
- سرن بها فالله أعلى ذكرها * وخصها منه بطهر طاهر -
ثم قالت حفصة:
- فاطمة خير نساء البشر * ومن لها وجه كوجه القمر -
- فضلك الله على كل الورى * بفضل من خص بأي الزمر -
- زوجك الله فتى فاضلا * أعني عليا خير من في الحضر -
- فسرن جاراتي بها فإنها * كريمة عند عظيم الخطر -
- ثم قالت معاذة أم سعد بن معاذ:
- أقول قولا فيه ما فيه * واذكر الخير وأبديه -
- محمد خير بني آدم * ما فيه من كبر ولا تيه -
- بفضله عرفنا رشدنا * فالله بالخير يجازيه -
- ونحن مع بنت نبي الهدى * ذي شرف قد مكنت فيه -
- في ذروة شامخة أصلها (١٧) * فما أرى شيئا يدانيه -
- وكانت النسوة يرجعن أول ببيت من كل رجز ثم يكبرن ودخلن الدار
ثم انفذ رسول الله ص إلى علي فدعاه واخذ بيد فاطمة فوضعها في يده وقال
بارك الله لك في ابنة رسول الله ص.

(١) القطيفة دثار له حمل. (٢) ملفوف.
(٣) الشريط خوص مفتول يشرط به السرير ونحوه.
(٤) الخيش ثياب في نيجها رقة وخيوطها غلاظ من مشاقة الكتان.
(٥) جمع مرفقة وهي ما يتكأ عليها وتوضع تحت المرفق.
(٦) بفتحتين أو ضمتين جمع أديم وهو الجلد. (٧) نبات طيب الرائحة.
(٨) منسوب إلى هجر بلدة بالبحرين وفي رواية قطري منسوب إلى قطر قرية بالبحرين.
(٩) كمنبر ويقال له مركن وإجانة.
(١٠) السقاء جلد السخل يكون للماء واللبن. (١١) قدح من خشب.
(١٢) الشن بالفتح السقاء الخلق وهو أشد تبريدا للماء من الجديد.
(١٣) إناء يتطهر به ولعلها كانت من ورق النخل وطليت بالزفت. (١٤) بساط من جلد
(١٥) بالتحريك وهي عباءة بيضاء قصيرة الخمل نسبة إلى قطوان موضع بالكوفة.
(١٦) هكذا في رواية ابن مردويه وسيأتي أيضا أن جعفرا رضوان الله عليه كان في جملة الذين زفوا
فاطمة إلى علي عليهما السلام كما يأتي أن أسماء بنت عميس حضرت زفاف فاطمة عليها
السلام ولا يصح ذلك لأن جعفرا كان في ذلك الوقت بالحبشة ومعه زوجته أسماء بنت
عميس في زفاف فاطمة اشتباه والصواب أسماء بنت يزيد ابن السكن كما سيأتي.
(١٧) أصلها مبتدأ وجملة فما ارى خبره والفاء زائدة في الخبر - المؤلف -
(٣١٢)

وفي طبقات ابن سعد: جاء رسول الله ص فاستفتح اي على علي
ليلة زفافه فخرجت إليه أم أيمن فقال أ ثم اخى فقالت وكيف يكون أخاك
وقد أنكحته ابنتك قال فإنه كذلك ثم قال أ أسماء بنت عميس قالت نعم قال
جئت تكرمين بنت رسول الله قالت نعم فقال لها خيرا ودعا لها وروي
أنه قال اللهم انهما أحب إلي فأحبهما وبارك في ذريتهما واجعل عليهما منك
حافظا واني أعيذهما بك وذريتهما من الشيطان الرجيم ودعا لفاطمة فقال
اذهب الله عنك الرجس وطهرك تطهيرا وروي أنه قال مرحبا ببحرين
يلتقيان ونجمين يقترنان وفي رواية إنه قال اللهم هذه ابنتي وأحب الخلق
إلي اللهم وهذا أخي وأحب الخلق إلى اجعله لك وليا وبك حفيا وبارك له
في أهله ثم قال يا علي ادخل باهلك بارك الله تعالى لك ورحمة الله وبركاته
عليكم انه حميد مجيد ثم خرج من عندهما فاخذ بعضادتي الباب فقال طهركما
الله وطهر نسلكما انا سلم لمن سالمكما وحرب لمن حاربكما استودعكما الله
واستخلفه عليكما ثم أغلق عليهما الباب بيده.
وفي رواية أنه قال: اذهبا إلى بيتكما جمع الله بينكما وأصلح بالكما
ولا تهيجا شيئا حتى آتيكما فامتثلا حتى جلسا مجلسهما وعندهما أمهات
المؤمنين وبينهن وبين علي حجاب وفاطمة ع مع النساء ثم
اقبل النبي ص فدخل وخرج النساء مسرعات سوى أسماء بنت عميس (١)
وكانت قد حضرت وفاة خديجة ع فبكت خديجة عند وفاتها
فقالت لها أسماء أ تبكين وأنت سيدة نساء العالمين وأنت زوجة النبي ص
ومبشرة على لسانه بالجنة فقالت ما لهذا بكيت ولكن المرأة ليلة زفافها لا بد
لها من امرأة تفضي إليها بسرها وتستعين بها على حوائجها وفاطمة حديثة
عهد بصبا وأخاف ان لا يكون لها من يتولى امرها حينئذ قالت أسماء بنت
عميس فقلت لها يا سيدتي لك عهد الله علي ان بقيت إلى ذلك الوقت ان
أقوم مقامك في هذا الامر فلما كانت تلك الليلة وامر النبي ص النساء
بالخروج فخرجن وبقيت فلما أراد الخروج رأى سوادي فقال من أنت فقلت
أسماء بنت عميس قال أ لم آمرك ان تخرجي فقلت بلى يا رسول الله وما
قصدت خلافك ولكن أعطيت خديجة عهدا فحدثته فبكى وقال فاسال الله
ان يحرسك من فوقك ومن تحتك ومن بين يديك ومن خلفك وعن يمينك
وعن شمالك من الشيطان الرجيم. ولم يزل ص يدعو لهما حتى توارى في
حجرته ولم يشرك أحدا معهما في الدعاء. وروى ابن سعد في الطبقات عن
بعض من حضر اهداء فاطمة من النساء قالت أهديت في بردين من برود
الأول عليها دملون جامن فضة مصفران يزغفران. واختلف في قدر عمر
الزهراء يوم تزوج بها أمير المؤمنين ع بناء على الاختلاف في
تاريخ مولدهما كما مر فعلى قول أكثر أصحابنا انها ولدت بعد النبوة بخمس
سنين يكون عمرها حين تزويجها تسع سنين أو عشر سنين أو إحدى عشرة
سنة لأنها تزوجت بعلي ع بعد الهجرة بسنة وقيل بسنتين وقيل
بثلاث سنين قال ابن شهرآشوب في المناقب ولدت بعد النبوة بخمس سنين
وأقامت مع أبيها بمكة ثمان سنين ثم هاجرت إلى المدينة فزوجها من علي
بعد مقدمها المدينة بسنتين بعد بدر وعلى قول بعضهم انها ولدت بعد النبوة
بسنتين يكون عمرها يوم تزويجها اثنتي عشرة سنة أو ثلاث عشرة سنة أو
أربع عشرة سنة بناء على الخلاف في أن تزويجها كان بعد الهجرة بسنة أو
سنتين أو ثلاث ولم يرو أصحابنا في مبلغ عمرها يوم تزويجها أزيد من
ذلك. وفي الاستيعاب كان سنها يوم تزويجها خمس عشرة سنة وخمسة أشهر
ونصفا وكانت سن علي إحدى وعشرين سنة وخمسة أشهر وعلى القول بأنها
ولدت قبل النبوة بخمس سنين يكون عمرها يوم تزويجها عشرين سنة وقال
أبو الفرج الأصبهاني ورواه ابن حجر في الإصابة وابن سعد في الطبقات
كان لها يوم تزويجها ثماني عشرة سنة. وروى ابن سعد في الطبقات ان
تزويجها بعد مقدم النبي ص المدينة بخمسة أشهر وبنى بها مرجعه من بدر
قال وفاطمة يوم بنى بها علي بنت ثماني عشرة سنة اه ولعله وقع اشتباه
بين تاريخ تزويجها ووفاتها لما ستعرف من أن ذلك سنها يوم وفاتها كما
احتملنا وقوع الاشتباه في ولادتها بين كونها بعد النبوة بخمس سنين أو
قبلها.
وكذلك اختلفت الروايات في يوم وشهر تزويجها قال ابن شهرآشوب
في المناقب تزوجها علي ع أول يوم من ذي الحجة ودخل بها يوم
الثلاثاء لست خلون من ذي الحجة قال وروي ان تزويجها كان يوم السادس
اه ولعله وقع اشتباه بين يوم التزويج والبناء. وقال أبو الفرج كان
تزويجها في صفر وفي رواية دخل بها لأيام خلت من شوال وفي رواية تزوجها
في شهر رمضان وبنى بها في ذي الحجة وعن المفيد وابن طاوس ناسبين له
إلى أكثر علمائنا ان زفافها كان ليلة إحدى وعشرين من المحرم ليلة
الخميس.
بيت فاطمة
كان النبي ص قد بنى لنفسه بيتا شرقي المسجد ملاصقا له سكنه مع
ابنته فاطمة وبنى هناك أيضا بيوتا اسكنها أزواجه وبنى لعلي ع بيتا بجنب
البيت الذي تسكنه عائشة وهو الذي دفن فيه النبي ص فلما تزوج علي بفاطمة
وأدخلت عليه عرس بها في بيت استأجره كما مر ثم عاد إلى ذلك البيت
وسكنته فاطمة معه حتى توفيت وفيه ولد الحسن والحسين وسائر أولاد علي
من فاطمة عليهم جميعا السلام وبقيت الصخرة التي ولدت عليها الحسنين
ظاهرة بعد الحاق بيتها بالمسجد يعرفها أهل البيت. وفي كتاب وفاء الوفا
باخبار دار المصطفى: أسند يحيى عن عيسى بن عبد الله عن أبيه ان بيت
فاطمة في الزور الذي في القبر بينه وبين بيت النبي خوخة. والزور
الموضع المزور شبه المثلث في جهة الشام قال واسند عن عمر بن علي بن
عمر بن علي بن الحسين ان بيت فاطمة في موضع الزور مخرج النبي ص
وكانت فيه كوة إلى بيت عائشة فكان رسول الله ص إذ قام إلى المخرج اطلع
من الكوة إلى فاطمة فعلم خبرهم فدخلت عائشة المخرج في جوف الليل
فأبصرت المصباح عندهم وذكر كلاما وقع بينهما فلما أصبحوا سالت فاطمة
النبي ص ان يسد الكوة فسدها إلى أن قال: ويشهد لذلك اي كون
موضع بيت فاطمة في الزور ما أسنده يحيى عن مسلم عن ابن أبي مريم
ان عرض بيت فاطمة إلى الأسطوانة التي خلف الأسطوانة المواجهة للزور

(١) عن كفاية الطالب تأليف محمد بن يوسف الكنجي الشافعي ان ذكر أسماء بنت عميس في
حديث تزويج فاطمة عليها السلام غير صحيح لأن أسماء هذه امرأة جعفر بن أبي طالب
تزوجها بعده أبو بكر فولدت له محمدا فلما مات أبو بكر تزوجها علي بن أبي طالب وإن أسماء
التي حضرت في عرس فاطمة انما هي بنت يزيد ابن السكن الأنصار ولها أحاديث عن النبي
" ص " وأسماء بنت عميس كانت مع زوجها جعفر بالحبشة وقدم بها يوم فتح خيبر سنة سبع
وكان زواج فاطمة بعد بدر بأيام يسيرة انتهى (أقول) اشتباه أسماء بنت عميس بأسماء بنت
يزيد ممكن بأن يكون الراوي ذكر أسماء فتبادر إلى الأذهان بنت عميس لأنها اعرف لكن ينافي
ذلك آخر الحديث وهو انها حضرت وفاة خديجة وأسماء بنت يزيد أنصارية من أهل المدينة لم
تكن بمكة حتى تحضر وفاة خديجة مع أنه مر ذكر جعفر بن أبي طالب زوج أسماء الذي كان
يومئذ مهاجرا بالحبشة فإذا كان وقع الاشتباه في أسماء فكيف وقع في جعفر واحتمل في كشف
الغمة أن تكون التي شهدت الزفاف سلمى بنت
عميس زوجة حمزه وان بعض الرواة اشتبه بأسماء
لشهرتها وتبعه الباقون. ولكن هذا من رفع الأشكال في أسماء لا يرفعه في جعفر - المؤلف -
(٣١٣)

وكان بابه في المربعة التي في القبر قال: وقد أسند أبو غسان عن
مسلم بن سالم قال عرس علي بفاطمة إلى الأسطوانة التي خلف
الأسطوانة المواجهة الزور وكانت داره في المربعة التي في القبر قال
سليمان وقال مسلم لا تنس حظك من الصلاة إليها فإنه باب فاطمة
التي كان علي يدخل إليها منه وقد رأيت حسن بن زيد يصلي إليها.
وقوله عرس بها الخ يخالف ما مر من أنه بنى بها في دار استأجرها.
ثم حكى عن ابن شبة ان عليا ع اتخذ بالمدينة دارين أحدهما
دخلت في مسجد رسول الله ص والأخرى دار علي التي بالبقيع.
ثم حكي عن رزين انه لما كان زمن الوليد بن عبد الملك وعمر بن عبد
العزيز عامله على المدينة ومكة بعث الوليد إليه بمال وقال له من باعك
فاعطه ثمنه ومن أبى فاهدم عليه واعطه المال فان أبى ان يأخذه فاصرفه إلى
الفقراء. ثم ذكر عدة روايات انه بينما الوليد بن عبد الملك يخطب على منبر
رسول الله ص إذ انكشف الكلة عن بيت فاطمة ع وإذا حسن
بن حسن يسرح لحيته فلما نزل أمر بهدم بيت فاطمة اخذه الغضب لكونه
لم يسمع خطبته بل جلس في بيته يسرح لحيته فامر بهدمه فأبى حسن بن
حسن وفاطمة بنت الحسين وهي زوجته زوجه إياها عمه الحسين ع
ان يخرجوا منه فامر بهدمه عليهم وهما فيه وولدهما فنزع أساس البيت
وهم فيه فلما نزع أساس البيت قالوا لهم ان لم تخرجوا قوضناه عليكم فخرجوا
منه. وفي رواية أخرى إن الوليد كان يبعث كل عام رجلا إلى المدينة فيأتيه
باخبارها فقال له مرة لقد رأيت أمرا لا والله ما لك معه سلطان كنت في
مسجد النبي ص فإذا منزل عليه كلة فلما أقيمت الصلاة رفعت الكلة وصلى
صاحبه فيه بصلاة الامام وهو ومن معه ثم أرخيت الكلة واتي بالغداء فتغدوا
وإذا هو يأخذ المرآة والكحل فسالت فقيل إن هذا حسن بن حسن قال
ويحك فما اصنع هو بيته وبيت امه فما الحيلة قال تزيد في المسجد وتشتري
هذا المنزل فكتب إلى عمر بن عبد العزيز بذلك فأبوا وقال حسن والله لا
نأكل له ثمنا ابدا وأعطاهم به سبعة آلاف أو ثمانية آلاف دينار فكتب إلى
الوليد بذلك فامره بهدمه وإدخاله وطرح الثمن في بيت المال ففعل وانتقلت
منه فاطمة بنت الحسين بن علي اه.
خبر فدك وميراث رسول الله
في معجم البلدان فدك بالتحريك وآخره كاف قرية بينها وبين المدينة
يومان وقيل ثلاثة فيها عين فوارة ونخل كثير أفاءها الله على رسوله ص في
سنة سبع صلحا اه. والأرض التي تفتح صلحا منها ما يسلم أهلها
وتكون أرضهم لهم ومنها ما يصالحون على أن تكون الأرض أو بعضها للنبي
ص فهذا ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب فيكون
خالصا للنبي ص. وفدك مر ذكرها في هذا الجزء في موضعين أحدهما
بعد غزاة خيبر وثانيهما بعد سرية ذات السلاسل فان النبي ص ارسل
إلى فدك سرية مع علي ع لما علم أن أهلها يريدون معاونة أهل
خيبر عليه وذلك قبل فتح خيبر فهرب أهل فدك وغنم علي من نعمهم
وأموالهم ولكنها لم تفتح يومئذ وإنما كان اثر هذه السرية انهم خافوا وأحجموا
عن مساعدة أهل خيبر ثم لما فتحت خيبر خاف أهل فدك وأرسلوا إلى النبي
ص وصالحوه.
وقد روى المحدثون وأهل السير والآثار منهم محمد بن إسحاق صاحب
المغازي إن رسول الله ص لما فرع من خيبر قذف الله الرعب في قلوب أهل
فدك فبعثوا إلى رسول الله ص فصالحوه على النصف من فدك قال وكانت
فدك لرسول الله ص خالصة له لأنه لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب
وأبقاهم فيها فكان يزارعهم ويساقيهم على النصف فلما توفي النبي ص
طلبت فاطمة ميراثها من رسول الله فروى أبو بكر عن النبي ص أنه قال
نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة وبه احتج الأصوليون من
أهل السنة على أن خبر الواحد حجة قالوا رواه أبو بكر وقبله الصحابة فكان
إجماعا ثم إن فاطمة طلبت نحلتها من رسول الله ص وقالت إنه نحلها فدكا
فطلب منها البينة فشهد لها علي وأم أيمن فقال قد علمت يا بنت رسول الله
انه لا يجوز إلا شهادة رجلين أو رجل وامرأتين.
قال ابن أبي الحديد: وسالت علي بن الفارقي مدرس المدرسة
الغربية ببغداد فقلت له أ كانت فاطمة صادقة قال نعم قلت فلم لم يدفع
إليها أبو بكر فدكا وهي عنده صادقة فتبسم ثم قال كلاما لطيفا مستحسنا
مع ناموسه وحرمته وقلة دعابته قال لو أعطاها اليوم فدكا بمجرد دعواها
لجاءت إليه غدا وادعت لزوجها الخلافة وزحزحته من مقامه ولم يمكنه
الاعتذار والمدافعة بشئ لأنه يكون قد أسجل على نفسه بأنها صادقة فيما
تدعي كائنا ما كان من غير حاجة إلى بينة قال وهذا كلام صحيح وإن كان
أخرجه مخرج الدعابة والهزل اه ولم تذعن فاطمة لرواية أبي بكر وبقيت
مصرة على طلبها الميراث والنحلة. روى البخاري في صحيحه في باب
فرض الخمس عن عائشة أم المؤمنين رض إن فاطمة ع ابنة
رسول الله ص سألت أبا بكر الصديق بعد وفاة رسول الله ص أن
يقسم لها ميراثها ما ترك رسول الله ص مما أفاء الله عليه فقال
لها إن رسول الله ص قال لا نورث ما تركناه صدقة فغضبت فاطمة
بنت رسول الله ص فهجرت أبا بكر فلم تزل مهاجرته حتى توفيت
وعاشت بعد رسول الله ص ستة أشهر قالت وكانت فاطمة تسأل
أبا بكر نصيبها مما ترك رسول الله ص من خيبر وفدك وصدقته بالمدينة
فأبى عليها ذلك الحديث ورواه البخاري في صحيحه أيضا في
كتاب المغازي في غزوة خيبر مثله إلى أن قال: فوجدت فاطمة على أبي بكر
في ذلك فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت فلما توفيت دفنها زوجها علي ليلا ولم
يؤذن بها أبا بكر وصلى عليها الحديث وروى ابن سعد في الطبقات
بسنده عن عروة بن الزبير ان عائشة زوج النبي ص أخبرته ان فاطمة بنت
رسول الله سألت أبا بكر بعد وفاة رسول الله ص ان يقسم لها ميراثها مما
ترك رسول الله ص مما أفاء الله عليه فقال لها أبو بكر ان رسول الله ص قال
لا نورث ما تركناه صدقة فغضبت فاطمة وعاشت بعد وفاة رسول الله ص
ستة أشهر وروى البخاري في باب قول رسول الله ص لا نورث ما
تركناه صدقة باسناده عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة ان فاطمة
والعباس آتيا أبا بكر يلتمسان ميراثهما من رسول الله ص وهما حينئذ يطلبان
ارضه من فدك وسهمه من خيبر فقال لهما سمعت رسول الله ص يقول لا
نورث ما تركناه صدقة انما يأكل آل محمد من هذا المال قال فهجرته فاطمة
فلم تكلمه حتى ماتت وهكذا رواه الإمام أحمد عن عبد الرزاق عن معمر
ثم رواه أحمد عن يعقوب بن إبراهيم عن أبيه عن صالح بن كيسان عن
الزهري عن عروة عن عائشة إن فاطمة سألت أبا بكر بعد وفاة رسول الله ص
ميراثها مما ترك مما أفاء الله عليه فقال لها: إن رسول الله ص قال لا
نورث ما تركناه صدقة فغضبت فاطمة وهجرت أبا بكر فلم تزل مهاجرته
حتى توفيت قال وعاشت فاطمة بعد وفاة رسول الله ص ستة أشهر وذكر تمام
(٣١٤)

الحديث هكذا قال الإمام أحمد نقله ابن كثير في تاريخه، كذلك علي قد ظهر
منه عدم الاذعان لهذه الرواية فإنه قال في بعض خطبه بلى: كانت في أيدينا
فدك من كل ما أظلته السماء فشحت عليها نفوس قوم وسخت عنها نفوس
آخرين ونعم الحكم الله.
خطبة الزهراء ع بعد وفاة أبيها ص بمحضر المهاجرين والأنصار
ثم إن فاطمة ع لما منعت فدكا خطبت خطبة طويلة عظيمة جليلة
غاية في الفصاحة والبلاغة والمتانة وقوة الحجة بمحضر من المهاجرين
والأنصار. وفي كشف الغمة انها من محاسن الخطب وبدائعها عليها مسحة
من نور النبوة وفيها عبقة من أرج الرسالة وقد اوردها المؤالف والمخالف قال
ونقلتها من كتاب السقيفة لأبي بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري من نسخة
قديمة مقروءة على مؤلفها قرئت عليه في ربيع الآخر سنة ٣٢٢ رواها عن
رجاله من عدة طرق اه وأبو بكر الجوهري هذا من علماء أهل السنة
قال ابن أبي الحديد في شرح النهج انه عالم محدث كثير الأدب ثقة ورع اثنى
عليه المحدثون ورووا عنه مصنفاته وغير مصنفاته. ورواها المرتضى في
الشافي الذي هو رد على المغني في الإمامة لقاضي القضاة عبد الجبار
المعتزلي. قال المرتضى في الشافي الذي هو رد على المغني في الإمامة لقاضي
القضاة عبد الجبار المعتزلي. قال المرتضى: فاما قوله إن فاطمة لما سمعت
ذلك اي حديث نحن معاشر الأنبياء لا نورث كفت عن الطلب
فأصابت أولا وأصابت آخرا فلعمري انها كفت عن الطلب الذي هو
المنازعة والمشاحنة لكنها انصرفت مغضبة متظلمة متألمة والامر في غضبها
وسخطها أظهر من أن يخفى على منصف فقد روى أكثر الرواة الذين لا
يتهمون بتشيع ولا عصبية فيه من كلامها في تلك الحال وبعد انصرافها عن
مقام المنازعة والمطالبة ما يدل على ما ذكرناه من سخطها وغضبها ونحن
نذكر من ذلك ما يستدل به على صحة قولنا: أخبرنا أبو عبيد الله محمد بن
عمران المرزباني حدثني محمد بن أحمد الكاتب حدثنا أحمد بن عبيد بن ناصح
النحوي حدثنا الزيادي حدثنا الشرفي عن القطامي عن محمد بن إسحاق قال
حدثنا صالح بن كيسان عن عروة عن عائشة قال المرزباني وحدثنا أبو بكر
أحمد بن محمد المكي حدثنا أبو العيناء محمد بن القاسم اليمامي حدثنا ابن
عائشة قال: لما قبض رسول الله ص أقبلت فاطمة في لمة من حفدتها إلى أبي
بكر وفي الرواية الأولى قالت عائشة لما سمعت فاطمة اجماع أبي بكر على
منعها فدكا لاثت خمارها على رأسها واشتملت بجلبابها وأقبلت في لمة من
حفدتها ثم اجتمعت الروايتان من هاهنا إلى آخر ما يأتي وأورد الخطبة ثم
قال المرتضى بعد ايرادها: أخبرنا أبو عبيد الله المرزباني حدثني علي بن
هارون اخبرني عبد الله بن أبي طاهر عن أبيه قال ذكرت لأبي الحسين
زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب كلام فاطمة عند منع أبي بكر
إياها فدكا وقلت له إن هؤلاء يزعمون أنه مصنوع وانه من كلام أبي العيناء
لأن الكلام منسوق البلاغة فقال لي رأيت مشايخ آل أبي طالب يروونه عن
آبائهم ويعلمونه أولادهم وقد حدثني به أبي عن جدي يبلغ به فاطمة على
هذه الحكاية وقد رواه مشايخ الشيعة وتدارسوه قبل ان يوجد جد أبي
العيناء. وقد حدث الحسين بن علوان عن عطية العوفي انه سمع عبد
الله بن الحسن بن الحسن يذكر عن أبيه هذا الكلام. ثم قال أبو الحسن
زيد: وكيف ينكرون هذا من كلام فاطمة وهم يروون من كلام عائشة عند
موت أبيها ما هو أعجب من كلام فاطمة ويحققونه لولا عداوتهم لنا أهل
البيت ثم ذكر الحديث بطوله على نسقه. ثم قال المرتضى: وقد روي هذا
الكلام على هذا الوجه من طرق مختلفة ووجوه كثيرة فمن أرادها اخذها من
مواضعها فقد طولنا بذكر ما ذكرناه لحاجة مست إليه اه. وقال صاحب
كتاب بلاغات النساء أبو الفضل أحمد بن أبي طاهر المولود ببغداد سنة ٢٠٤
والمتوفي سنة ٢٨٠ ه في الكتاب المذكور ما لفظه: حدثني جعفر بن محمد
رجل من أهل ديار مضر لقيته بالرافقة حدثني أبي أخبرنا موسى بن عيسى
أخبرنا عبد الله بن يونس أخبرنا جعفر الأحمر عن زيد بن علي رحمة الله عليه
عن عمته زينب بنت الحسين ع قال: لما بلغ فاطمة ع اجماع
أبي بكر على منعها فدكا لاثت خمارها وخرجت في حشدة من نسائها ولمة من
قومها إلى آخره. وذكر صاحب بلاغات النساء قبل هذا ما صورته:
كلام فاطمة بنت رسول الله ص. قال أبو الفضل يعني صاحب الكتاب
ذكرت لأبي الحسين زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ص
كلام فاطمة ع عند منع أبي بكر إياها فدكا وقلت له ان
هؤلاء يزعمون إلى آخر ما تقدم في رواية المرتضى عن المرزباني إلى قوله ثم
ذكر الحديث ثم قال: قال لما أجمع أبو بكر رحمه الله على منع فاطمة بنت
رسول الله ص فدكا وبلغ فاطمة لاثت خمارها على رأسها وأقبلت في
لمة من حفدتها الخ ثم قال صاحب بلاغات النساء وقد ذكر قوم ان أبا
العيناء ادعى هذا الكلام وقد رواه قوم وصححوه. وأقول الباعث على
دعوى انه لأبي العيناء هو الباعث على دعوى ان نهج البلاغة للشريف
الرضي وكلاهما باطل لا يلتفت إليه بعد رواية الثقات له وتصحيحهم إياه
ثم لا يخفى انه وقع سقط في النسخة المطبوعة من بلاغات النساء في هذا
الموضع فإنه افتتح الكلام بقوله ذكرت لأبي الحسين زيد الخ وصاحب
البلاغات لم يدرك زيدا فلا بد ان يكون حصل هنا سقط والذي قال ذكرت
لأبي الحسين زيد هو عبد الله بن أبي طاهر كما مر في رواية المرتضى فيكون
صاحب البلاغات قد ساق السند إلى عبد الله وسقط من النسخة المطبوعة
وسبب الاشتباه وجود كلمة أبي طاهر في كليهما. وممن ذكر هذه الخطبة
الطبرسي في الاحتجاج ونحن نوردها بلفظه قال: روى عبد الله بن الحسن
باسناده عن آبائه ع انه لما أجمع أبو بكر على منع فاطمة فدكا
وبلغها ذلك لاثت خمارها على رأسها واشتملت بجلبابها وأقبلت في لمة من
حفدتها ونساء قومها تطأ ذيولها ما تخرم من مشية رسول الله ص شيئا فدخلت
عليه وهو في حشد من المهاجرين والأنصار وغيرهم فنيطت دونها ملاءة فجلست
ثم أنت أنة أجهش القوم لها بالبكاء فارتج المجلس ثم أمهلت هنيهة حتى
إذا سكن نشيج القوم وهدأت فورتهم افتتحت الكلام بحمد الله والثناء
عليه والصلاة على رسوله أبيها ص فعاد القوم في بكائهم فلما أمسكوا عادت
في كلامها فقالت:
الحمد لله على ما أنعم، وله الشكر على ما ألهم، والثناء بما أقدم،
من عموم نعم ابتداها، وسبوع آلاء أسداها، وتمام نعم والاها، جم عن
الاحصاء عددها، ونأى عن الجزاء أمدها، وتفاوت عن الادراك أبدها،
وندبهم لاستزادتها بالشكر لاتصالها، واستحمد إلى الخلائق بأجزالها. وثنى
بالندب إلى أمثالها، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، كلمة
جعل الإخلاص تأويلها، وضمن القلوب موصولها، وأنار في التفكير
معقولها، الممتنع من الأبصار رؤيته، ومن الألسن صفته، ومن الأوهام
كيفيته، ابتدع الأشياء لا من شئ كان قبلها، وأنشأها بلا احتذاء أمثلة
امتثلها، كونها بقدرته، وذرأها بمشيئته. من غير حاجة منه إلى تكوينها ولا
(٣١٥)

فائدة له في تصويرها، إلا تثبيتا لحكمته. وتنبيها على طاعته، وإظهارا
لقدرته. وتعبدا لبريته. وإعزازا لدعوته، ثم جعل الثواب على طاعته
ووضع العقاب على معصيته، ذيادة لعباده عن نقمته، وحياشة لهم إلى
جنته، وأشهد أن أبي محمدا ص عبده ورسوله، اختاره وانتجبه قبل أن
أرسله، وسماه قبل ان اجتباه، واصطفاه قبل أن ابتعثه، إذ الخلائق
بالغيب مكنونة، وبستر الأهاويل مصونة، وبنهاية العدم مقرونة، علما من
الله تعالى بمال الأمور، وإحاطة بحوادث الدهور، ومعرفة بمواقع
المقدور، ابتعثه الله تعالى إماما لأمره، وعزيمة على إمضاء حكمه،
وإنفاذا لمقادير حتمه، فرأى الأمم فرقا في أديانها، عكفا على
نيرانها، عابدة لأوثانها، منكرة لله مع عرفانها، فأنار الله تعالى بأبي
محمد ص ظلمها، وكشف عن القلوب بهمها، وجلى عن الأبصار
غممها، وقام في الناس بالهداية، وانقذهم من الغواية، وبصرهم
من العماية، وهداهم إلى الدين القويم، ودعاهم إلى الصراط
المستقيم، ثم قبضه الله إليه قبض رأفة واختيار، ورغبة وإيثار،
فمحمد ص عن تعب هذه الدار في راحة قد حف بالملائكة الأبرار.
ورضوان الرب الغفار، ومجاورة الملك الجبار، صلى الله على أبي نبيه،
وأمينه على وحيه وصفيه، وخيرته من الخلق ورضيه، والسلام عليه ورحمة
الله وبركاته. ثم التفتت إلى أهل المجلس وقالت: أنتم عباد الله نصب
امره ونهيه، وحملة دينه ووحيه، وأمناء الله على أنفسكم، وبلغاؤه إلى
الأمم، وزعيم حق له فيكم، وعهد قدمه إليكم، وبقية استخلفها
عليكم، كتاب الله الناطق، والقرآن الصادق والنور الساطع، والضياء
اللامع، بينة بصائره، منكشفة سرائره، متجلية ظواهره، مغتبط به
أشياعه، قائد إلى الرضوان اتباعه، مؤد إلى النجاة استماعه، به تنال
حجج الله المنورة، وعزائمه المفسرة، ومحارمه المحذرة، وبيناته الجالية،
وبراهينه الكافية، وفضائله المندوبة، و رخصه الموهوبة، وشرائعه
المكتوبة، فجعل الله الايمان تطهيرا لكم من الشرك، والصلاة تنزيها لكم
عن الكبر، والزكاة تزكية للنفس، ونماء في الرزق، والصيام تثبيتا
للاخلاص، والحج تشييدا للدين، والعدل تنسيقا للقلوب، وطاعتنا
نظاما للملة، وإمامتنا أمانا من الفرقة، والجهاد عزا للاسلام، وذلا لأهل
الكفر والنفاق، والصبر معونة على استيجاب الأجر، والامر بالمعروف
والنهي عن المنكر مصلحة للعامة، وبر الوالدين وقاية من السخط، وصلة
الأرحام مسناة في العمر، والقصاص حقنا للدماء، والوفاء بالنذر تعريضا
للمغفرة، وتوفية المكاييل والموازين تغييرا للبخس، والنهي عن شرب
الخمر تنزيها عن الرجس، واجتناب القذف حجابا عن اللعنة، وترك
السرقة إيجابا للعفة، وحرم الله الشرك اخلاصا له بالربوبية فاتقوا الله حق
تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون وأطيعوا الله فيما أمركم به ونهاكم عنه
فإنما يخشى الله من عباده العلماء ثم قالت ع: أيها الناس
اعلموا اني فاطمة وأبي محمد ص أقول عودا وبدءا ولا أقول ما أقول غلطا،
ولا أفعل ما أفعل شططا، لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما
عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم فان تعزوه وتعرفوه تجدوه أبي
دون نسائكم وأخا ابن عمي دون رجالكم، ولنعم المعزي إليه فبلغ
الرسالة، صادعا بالنذارة، مائلا عن مدرجة المشركين ضاربا ثيجهم آخذا
بكظمهم داعيا إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة، يكسر الأصنام،
وينكت الهام حتى انهزم الجمع وولوا الدبر حتى تفرى الليل عن صبحه
وأسفر الحق عن محضه، ونطق زعيم الدين، وخرست شقاشق
الشياطين، وطاح (١) وشيظ (٢) النفاق وانحلت عقدة الكفر والشقاق وفهتم
بكلمة الإخلاص، في نفر من الببض الخماص، وكنتم على شفا حفرة من
النار مذقة الشارب ونهزة الطامع، وقبسة العجلان، وموطئ الاقدام
تشربون الطرق، وتقتاتون القد أذلة خاسئين تخافون ان يتخطفكم الناس
من حولكم فأنقذكم الله تبارك تعالى بأبي محمد ص بعد اللتيا والتي وبعد ان
مني ببهم الرجال وذؤبان العرب ومردة أهل الكتاب كلما أوقدوا نارا
للحرب أطفاها الله أو نجم قرن للشياطين أو فغرت فاغرة من المشركين قذف
أخاه في لهواتها، فلا ينكفئ حتى يطأ صماخها بأخمصه ويخمد لهبها بسيفه
مكدودا في ذات الله، مجتهدا في أمر الله قريبا من رسول الله ص، سيدا في
أولياء الله مشمرا ناطحا، مجدا كادحا، وأنتم في بلهنية من العيش،
وادعون فاكهون آمنون، تتربصون بنا الدوائر وتتوكفون الاخبار وتنكصون
عند النزال، وتفرون من القتال، فلما اختار الله لنبيه ص دار أنبيائه ومأوى
أصفيائه ظهرت فيكم حسيكة النفاق وسمل جلباب الدين ونطق كاظم
الغاوين ونبغ خامل الأقلين وهدر فنيق المبطلين، فخطر في عرصاتكم
واطلع الشئ طان رأسه من مغرزه هاتفا بكم، فألفاكم لدعوته مستجيبين،
وللغرة فيه ملاحظين، ثم استنهضكم فوجدكم خفاقا وأحمشكم فألفاكم
غضابا، فوسمتم غير ابلكم وأوردتم غير شربكم هذا والعهد قريب والكلم
رحيب والجرح لما يندمل والرسول لما يقبر ابتدارا زعمتم خوف الفتنة ألا
في الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين فهيهات منكم وكيف بكم
وأنى تؤفكون وهذا كتاب الله بين أظهركم أموره ظاهرة، وأحكامه زاهرة،
وأعلامه باهرة، وزواجره لائحة، وأوامره واضحة، قد خلفتموه وراء
ظهوركم، أ رغبة عنه تدبرون، أم بغيره تحكمون بئس للظالمين بدلا،
ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين ثم
لم تلبثوا إلا ريثما تسكن نفرتها، ويساس قيادها، ثم أخذتم تورون
وقدتها، وتهيجون جمرتها، وتستجيبون لهتاف الشيطان الغوي، وإطفاء نور
الدين الجلي، واهماد سنن النبي الصفي، تسرون حسوا في ارتغاء (٣)
وتمشون لأهله وولده في الخمر (٤) والضراء (٥) ونصبر منكم على مثل حز
المدى ووخز السنان في الحشي، وأنتم الآن تزعمون أن لا إرث لي
أ فحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون أ فلا
تعلمون بلى قد تجلى لكم كالشمس الضاحية اني ابنته أيها وفي رواية ويها (٦)
أيها المسلمون أ أغلب على ارثي، يا ابن أبي قحافة أ في كتاب الله ان ترث
أباك ولا أرث أبي لقد جئت شيئا فريا، أ فعلى عمد تركتم كتاب الله
ونبذتموه وراء ظهوركم إذ يقول وورث سليمان داود وقال فيما اختص
من خبر يحيى بن زكريا ع إذ يقول رب هب لي من لدنك وليا
يرثني ويرث آل يعقوب وقال وأولو الأرحام بعضهم أولي ببعض في
(٣١٦)

كتاب الله وقال يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين وقال إن
ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين
وزعمتم ان لا حظوة لي ولا ارث من أبي ولا رحم بيننا، أفخصكم الله بآية
اخرج منها أبي ص أم تقولون أهل ملتين لا يتوارثان، أ ولست انا وأبي من
أهل ملة واحدة، أم أنتم اعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي وابن
عمي، فدونكها مخطومة مرحولة تلقاك يوم حشرك، فنعم الحكم الله،
والزعيم محمد، والموعد القيامة، وعند الساعة يخسر المبطلون، ولا
ينفعكم إذ تندمون لكل نبا مستقر وسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه
ويحل عليه عذاب مقيم. ثم رنت بطرفها نحو الأنصار فقالت: يا
معشر الفتية وأعضاد الملة وحصنة الاسلام، ما هذه الغميزة في حقي،
والسنة عن ظلامتي، أ ما كان رسول الله ص أبي يقول المرء يحفظ في
ولده سرعان ما أحدثتم وعجلان ذا إهالة (١) ولكم طاقة بما أحاول، وقوة
على ما اطلب وأزاول، أ تقولون مات محمد فخطب جليل، استوسع وهنه
واستنهر فتقه وانفتق رتقه واظلمت الأرض لغيبته، واكتأبت خيرة الله
لمصيبته، وكسفت الشمس والقمر وانتثرت النجوم لمصيبته، وأكدت
الآمال، وخشعت الجبال، وأضيع الحريم وأزيلت الحرمة عند مماته.
فتلك والله النازلة الكبرى والمصيبة العظمى التي لا مثلها نازلة ولا بائقة
عاجلة أعلن بها كتاب الله جل ثناؤه في أفنيتكم في ممساكم ومصبحكم هتافا
وصراخا وتلاوة والحانا (٢) ولقبله ما حلت بأنبياء الله ورسله حكم فصل
وقضاء حتم وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل أ فان مات أو
قتل انقلبتم على اعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا
وسيجزي الله الشاكرين أيها (٣) بني قيلة (٤) أ أهضم تراث أبي وأنتم بمرأى
مني ومسمع ومنتدى ومجمع تلبسكم الدعوة وتشملكم الخبرة وأنتم ذوو
العدد والعدة والأداة والقوة وعندكم السلاح والجنة، توافيكم الدعوة فلا
تجيبون، وتاتيكم الصرخة فلا تغيثون، وأنتم موصوفون بالكفاح،
معروفون بالخير والصلاح، والنخبة التي انتخبت، والخيرة التي اختيرت لنا
أهل البيت، قاتلتم العرب وتحملتم الكد والتعب، وناطحتم الأمم
وكافحتم البهم (٥) فلا نبرح وتبرحون، نأمركم فتاتمرون حتى إذا دارت بنا
رحى الإسلام (٦) ودر حلب الأيام وخضعت نعرة الشرك وسكنت فورة
الإفك، وخمدت نيران الكفر وهدأت دعوة الهرج واستوسق نظام الدين،
فانى حرتم بعد البيان وأسررتم بعد الاعلان ونكصتم بعد الاقدام وأشركتم
بعد الإيمان بؤسا لقوم نكثوا ايمانهم وهموا باخراج الرسول وهم بدؤوكم
أول مرة أ تخشونهم فالله أحق ان تخشوه ان كنتم مؤمنين إلا قد ارى ان قد
أخلدتم إلى الخفض وأبعدتم من هو أحق بالبسط والقبض، وركنتم إلى
الدعة ونجوتم من الضيق بالسعة، فمججتم ما وعيتم ودسعتم (٧) الذي
تسوغتم فان تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فان الله لغني حميد. الا
وقد قلت ما قلت على معرفة مني بالخذلة التي خامرتكم والغدرة التي
استشعرتها قلوبكم، ولكنها فيضة النفس وبثة الصدر ونفثة الغيظ وتقدمة
الحجة، فدونكموها فاستقبوها دبرة الظهر نقبة الخف باقية العار، موسومة
بغضب الله وشنار الأبد موصولة بنار الله الموقدة، التي تطلع على الأفئدة،
فبعين الله ما تفعلون، وسيعلم الذين ظلموا اي منقلب ينقلبون وانا
ابنة نذير لكم بين يدي عذاب شديد فاعملوا انا عاملون وانتظروا انا
منتظرون.
فأجابها أبو بكر عبد الله بن عثمان فقال:
يا ابنة رسول الله لقد كان أبوك بالمؤمنين عطوفا كريما رؤوفا رحيما
وعلى الكافرين عذابا أليما وعقابا عظيما فان عزوناه وجدناه أباك دون النساء
وأخا الفك دون الأخلاء آثره على كل حميم وساعده في كل أمر جسيم لا
يحبكم إلا كل سعيد ولا يبغضكم إلا كل شقي فأنتم عترة رسول الله ص
الطيبون والخيرة المنتجبون على الخير أدلتنا وإلى الجنة مسالكنا وأنت يا خيرة
النساء وابنة خير الأنبياء صادقة في قولك سابقة في وفور عقلك غير مردودة
عن حقك ولا مصدودة عن صدقك والله ما عدوت رأي رسول الله ص ولا
عملت إلا باذنه وإن الرائد لا يكذب أهله (٨) فاني أشهد الله وكفى به
شهيدا اني سمعت رسول الله ص يقول نحن معشر الأنبياء لا نورث ذهبا
ولا فضة ولا دارا ولا عقارا وإنما نورث الكتاب والحكمة والعلم والنبوة وما
لنا من طعمة فلولي الامر بعدنا ان يحكم فيه بحكمه وقد جعلنا ما حاولته في
الكراع والسلاح يقاتل بها المسلمون ويجاهدون الكفار ويجادلون المردة الفجار
وذلك باجماع من المسلمين لم انفرد به وحدي ولم أستبد بما كان الرأي فيه
عندي وهذه حالي ومالي هي لك وبين يديك لا تزوى عنك ولا تدخر دونك
وأنت سيدة أمة أبيك والشجرة الطيبة لبنيك لا يدفع مالك من فضلك ولا
يوضع من فرعك واصلك وحكمك نافذ فيما ملكت يداي فهل ترين اني
أخالف في ذلك أباك ص. فقالت ع:
سبحان الله ما كان أبي رسول الله ص عن كتاب الله صادفا ولا
لأحكامه مخالفا، بل كان يتبع أثره ويقتفي سوره، أ فتجمعون إلى الغدر
اعتلالا عليه بالزور، وهذا بعد وفاته شبيه بما بغي له من الغوائل في
حياته، هذا كتاب الله حكما عدلا وناطقا فصلا، يقول يرثني ويرث من
آل يعقوب ويقول وورث سليمان داود فبين عز وجل فيما وزع من
الأقساط وشرع من الفرائض والميراث وأباح من حظ الذكران والإناث، ما
أزاح علة المبطلين وأزال التظني والشبهات في الغابرين، كلا بل سولت
لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل ولله المستعان على ما تصفون. فقال أبو
بكر:
صدق الله وصدق رسوله وصدقت ابنته أنت معدن الحكمة وموطن
الهدى والرحمة وركن الدين لا أبعد صوابك ولا أنكر خطابك هؤلاء
المسلمون بيني وبينك قلدوني ما تقلدت وباتفاق منهم أخذت ما أخذت غير
مكابر ولا مستبد ولا مستأثر وهم بذلك شهود. فالتفتت فاطمة ع
إلى الناس وقالت:
معاشر الناس المسرعة إلى قيل الباطل المغضية على الفعل القبيح
الخاسر أ فلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها كلا بل ران على
قلوبكم ما أسأتم من أعمالكم فاخذ بسمعكم وابصاركم لبئس ما تأولتم

(١) مثل يضرب لمن يخبر يكينونة قبل وقته والمشهور سرعان ذا اهالة والإهالة بكسر الهمزة
الدسم أصله ان رجلا كانت له نعجة عجفاء وكان مخاطها يسيل فقيل له ما هذا فقال ودكها
اي دسمها فقال السائل سرعان ذا اهالة وذا إشارة إلى الودك وإهالة حال أو تمييز.
(٢) بكسر الهمزة اي افهاما أو فتحها جمع لحن بمعنى الغناء.
(٣) مر أن المناسب وبها أو ايه.
(٤) هم الأنصار من الأوس والخزرج وقيلة اسم أم قديمة لهم.
(٥) جمع بهمة وهو الشجاع كغرف وغرفة.
(٦) كناية عن انتظام امره.
(٧) ودسعتم تقيأتم.
(٨) الرائد من يتقدم يبصر لهم الكلاء ومساقط الغيث وهذا مثل استشهد به لصدقه فيما أخبر به.
(٣١٧)

وساء ما به أشرتم وشر ما منه اعتضتم لتجدن والله محمله ثقيلا وغبه وبيلا
إذا كشف لكم الغطاء وبان ما وراء الضراء وبدا لكم من ربكم ما لم تكونوا
تحتسبون وخسر هنالك المبطلون. ثم عطفت على قبر النبي ص وقالت:
- قد كان بعدك أنباء وهنبثة * لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب -
- إنا فقدناك فقد الأرض وابلها * واختل قومك فاشهدهم ولا تغب (١) -
قال صاحب بلاغات النساء:
فما رأينا يوما كان أكثر باكيا ولا باكية
من ذلك اليوم. قال السيد المرتضى والشيخ الطوسي في روايتهما وغيرهما
ثم انكفأت وأمير المؤمنين ع يتوقع رجوعها إليه ويتطلع طلوعها
عليه فلما استقرت بها الدار قالت لأمير المؤمنين ع يا ابن أبي
طالب اشتملت شملة الجنين وقعدت حجرة الظنين نقضت قادمة الأجدل
فخانك ريش الأعزل هذا ابن أبي قحافة يبتزني نحيلة أبي وبلغة وبليغة خ
ل ابني لقد اجهد في خصامي وألفيته ألد في كلامي حتى حبستني قيلة
نصرها والمهاجرة وصلها وغضت الجماعة دوني طرفها فلا دافع ولا مانع ولا
ناصر ولا شافع خرجت كاظمة وعدت راغمة أضرعت خدك يوم أضعت
جدك افترست الذئاب وافترشت التراب ما كففت قائلا ولا أغنيت طائلا
ولا خيار لي ليتني مت قبل منيتي ودون ذلتي عذيري الله منك عاديا وفيك
حاميا ويلاي في كل شارق ويلاي في كل غارب مات العمد ووهت العضد
وشكواي إلى أبي وعدواي إلى ربي اللهم انك أشد قوة وحولا واحد بأسا
وتنكيلا فقال لها أمير المؤمنين ع لا ويل لك بل الويل لشانئك
نهنهي عن وجدك يا ابنة الصفوة وبقية النبوة فما ونيت عن ديني ولا أخطأت
مقدوري فان كنت تريدين البلغة فرزقك مضمون وكفيلك مأمون وما
أعد لك أفضل مما قطع عنك فاحتسبي الله فقالت حسبي الله
وأمسكت وهذا اللوم والتأنيب من الزهراء لأمير المؤمنين ع لا
ينافي عصمته وعصمتها وعلو مقامهما فما هو الا مبالغة في انكار المنكر
واظهار لما لحقها من شدة الغيظ كما فعل موسى ع
لما رجع إلى قومه غضبان أسفا وألقى الألواح وأخذ براس أخيه
وشريكه في الرسالة يجره إليه. وفي السيرة الحلبية: في كلام
سبط ابن الجوزي ان أبا بكر كتب لفاطمة بفدك ودخل عليه عمر
فقال ما هذا قال كتاب كتبته لفاطمة بميراثها من أبيها فقال فما ذا تنفق
على المسلمين وقد حاربتك العرب كما ترى ثم اخذ الكتاب فشقه.
وقال ابن قتيبة في الإمامة والسياسة قال عمر لأبي بكر رض: انطلق بنا
إلى فاطمة فانا قد أغضبناها فانطلقا جميعا فاستاذنا على فاطمة فلم تأذن لهما
فاتيا عليا فكلماه فادخلهما عليها فلما قعدا عندها حولت وجهها إلى الحائط
فسلما عليها فلم ترد ع فتكلم أبو بكر فقال: يا حبيبة رسول الله
والله ان قرابة رسول الله أحب إلي من قرابتي وانك لأحب إلي من عائشة
ابنتي ولوددت يوم مات أبوك اني مت ولا أبقى بعده أ فتراني أعرفك واعرف
فضلك وشرفك وأمنعك حقك وميراثك من رسول الله ص الا أني سمعت
أباك رسول الله ص يقول لا نورث ما تركناه فهو صدقة فقالت أ رأيتكما ان
حدثتكما حديثا عن رسول الله ص تعرفانه وتفعلان به قالا نعم فقالت
نشدكما الله أ لم تسمعا رسول الله ص يقول: رضى فاطمة من رضاي
وسخط فاطمة من سخطي فمن أحب فاطمة ابنتي أحبني ومن أرضى فاطمة
فقد أرضاني ومن اسخط فاطمة فقد أسخطني قالا نعم سمعناه من رسول
الله ص قالت فاني أشهد الله وملائكته إنكما أسخطتماني وما أرضيتماني ولئن
لقيت النبي ص لأشكونكما إليه فقال أبو بكر انا عائذ بالله تعالى من سخطه
وسخطك يا فاطمة ثم انتحب يبكي حتى كادت نفسه ان تزهق وهي تقول
والله لأدعون الله عليك في كل صلاة اصليها ثم خرج باكيا إلى أن قال
فلم يبايع علي حتى ماتت فاطمة ولم تمكث بعد أبيها الا خمسا وسبعين ليلة
اه وبقيت فدك في يد الخليفة الأول ثم في يد الخليفة الثاني ثم في يد
الخليفة الثالث ثم اقطعها الخليفة الثالث مروان بن الحكم فوهبها مروان
لولديه عبد الملك وعبد العزيز وقيل إن الذي اقطعها مروان هو معاوية.
وفي كتاب وفاء الوفا ما لفظه: قال الحافظ ابن حجر انما اقطع عثمان فدك
لمروان لأنه تأول ان الذي يختص بالنبي ص يكون للخليفة بعده فاستغنى
عثمان عنها بأمواله فوصل بها بعض قرابته اه ولما ولي علي الخلافة لم
يأخذها وهو أعلم بوجه الحكمة في عدم اخذها. فلما ولي عمر بن
عبد العزيز ردها إلى ولد فاطمة فلما مات وولي يزيد بن عبد الملك اخذها
منهم فلم تزل في يد بني مروان إلى أن ولي السفاح فدفعها إلى الحسن بن
الحسن بن علي ليفرقها في ولد فاطمة فلما ولي المنصور وخرج عليه بنو
الحسن قبضها منهم فلما ولي ابنه المهدي أعادها عليهم فلما ولي موسى
الهادي قبضها منهم وبقيت في يد ملوك بني العباس حتى ولي المأمون فردها
عليهم وكتب السجل بها وقرئ على المأمون فقام دعبل وأنشد:
- أصبح وجه الزمان قد ضحكا * برد مأمون هاشم فدكا -
فلما ولي المتوكل أخذها منهم. ولله در دعبل حيث يقول:
- ارى فيئهم في غيرهم متقسما * وأيديهم من فيئهم صفرات -
ما قاله الأستاذ أبو رية
وفي مجلة الرسالة المصرية في العدد ٥١٨ من السنة ١١ ص ٤٥٧
كلام للأستاذ محمود أبو رية من أهل المنصورة، هذا لفظه: بقي أمر لا بد
من أن نقول فيه كلمة صريحة ذلك هو موقف أبي بكر من فاطمة بنت
الرسول رضي الله عنها وما فعل معها في ميراث أبيها لأننا إذا سلمنا بان
خبر الآحاد الظني يخصص الكتاب القطعي وانه قد ثبت ان النبي قد قال
إنه لا يورث وإنه لا تخصيص في عموم هذا الخبر فان أبا بكر كان يسعه ان
يعطي فاطمة رضي الله عنها بعض تركة أبيها كان يخصها بفدك وهذا من
حقه الذي لا يعارضه فيه أحد إذ يجوز للخليفة ان يخص من شاء بما شاء
وقد خص هو نفسه الزبير بن العوام ومحمد بن سلمة وغيرهما ببعض
(٣١٨)

متروكات النبي، على أن فدك التي منعها أبو بكر من فاطمة لم تلبث ان
اقطعها الخليفة عثمان لمروان اه. وفي معجم البلدان انه أدى اجتهاد
عمر بن الخطاب لما ولي الخلافة وفتحت الفتوح على المسلمين ان يردها إلى
ورثة رسول الله ص فكان علي بن أبي طالب والعباس يتنازعان فيها فعلي
يقول إن النبي ص جعلها في حياته لفاطمة والعباس يأبى ذلك ويقول هي
ملك رسول الله ص وانا وارثه ويتخاصمان إلى عمر فيأبى ان يحكم بينهما
ويقول أنتما اعرف بشأنكما اما انا فقد سلمتها اليكما فاقتصدا فما يؤتى واحد
منكما من قلة معرفة اه وهذا الكلام مع انفراده بنقله لا يكاد يصح فإذا
كان النبي لا يورث كما رواه أبو بكر وسمعه منه العباس فكيف يقول
العباس وانا وارثه ثم قوله وأنا وارثه ظاهره انحصار الإرث فيه مع أن وارثه
فاطمة ان بطل التعصيب وهي مع العباس إن صح التعصيب.
وفاة الزهراء ع
توفيت في الثالث من جمادي الآخرة سنة إحدى عشرة من الهجرة على
المشهور بين أصحابنا وهو المروي عن الصادق ع. وروي انها توفيت
لعشر بقين من جمادي الآخرة. وقيل لثلاث عشرة ليلة خلت من ربيع
الآخر ليلة الأحد. وعن ابن عباس في الحادي والعشرين من رجب وقال
المدائني والواقدي وابن عبد البر في الاستيعاب توفيت ليلة الثلاثاء لثلاث
خلون من شهر رمضان. وروى الحاكم في المستدرك انها توفيت لثلاث
خلون من شهر رمضان.
واختلف في مدة بقائها بعد أبيها ص فقيل أربعون يوما ويمكن كونه
اشتباها بمدة مرضها وقيل خمسة وأربعون يوما وقيل شهران رواه الحاكم في
المستدرك بسنده عن عائشة وعن جابر. وقيل سبعون يوما حكاه ابن
عبد البر في الاستيعاب عن ابن بريدة. وقيل اثنان وسبعون يوما. وقيل
ونصف يوم. وقيل خمسة وسبعون حكاه ابن عبد البر في الاستيعاب. وقيل
خمسة وثمانون. وقيل ثلاثة أشهر وهو الذي اعتمده أبو الفرج الأصبهاني
ورواه مسندا عن الباقر ع وعزاه في الاستيعاب إلى إحدى الروايتين عن
الباقر ع وقال الحاكم في المستدرك انه روي عن أبي جعفر محمد بن علي
اه وهو الذي يقتضيه الجمع بين ما روي عن الباقر ع ان بدء
مرضها بعد خمسين ليلة من وفاة النبي ص وما يفهم من بعض الأخبار انها
بقيت مريضة أربعين يوما وقيل خمسة وتسعون يوما وهو الذي اعتمده
الدولابي في الذرية الطاهرة ويقتضيه الجمع بين ما هو المشهور من أن وفاته
ص في الثامن والعشرين من صفر ووفاتها في الثالث من جمادي الآخرة.
وقيل مائة يوم حكاه ابن عبد البر في الاستيعاب وهو الذي اعتمده الشهيد
في الدروس. أو نحو من مائة يوم أو أربعة أشهر. أو ستة أشهر رواه
الحاكم في المستدرك وأبو نعيم في الحلية بسنديهما عن عائشة. وفي
الاستيعاب توفيت بعد رسول الله ص بيسير قال محمد بن علي أبو جعفر
بستة أشهر وهو الثابت عندنا وروي عن ابن شهاب مثله اه وقيل ستة
أشهر الا ليلتين حكاه ابن عبد البر في الاستيعاب وقيل ثمانية أشهر حكاه
ابن عبد البر عن عمرو بن دينار ورواه الحاكم في المستدرك عن عبد الله بن
الحارث. ويدل كلام الاستيعاب ومقاتل الطالبيين على أنه لم يقل أحد بأكثر
من ثمانية أشهر ولا بأقل من أربعين يوما والمروي صحيحا من طرق أهل البيت
ع انها بقيت بعده ص خمسة وسبعين يوما وتدل عليه أكثر
الروايات. ويشكل الجمع بين ذلك وبين المشهور عند أصحابنا من أن وفاة
النبي ص في الثامن والعشرين من صفر إذ تكون وفاتها على هذا في الثالث
عشر من جمادي الأولى لا في الثالث من جمادي الآخرة فالجمع بين المشهور
في وفاة النبي ص والمشهور في وفاتها ومدلول الرواية الصحيحة غير ممكن ولا
يبعد ان يكون الصواب خمسة وتسعين يوما فصحف تسعين بسبعين لتقارب
حروفهما وعدم القنط غالبا في الخطوط القديمة فيرتفع التنافي وهي يومان من
صفر وثلاثة من جمادي الآخرة فهذه خمسة والربيعان وجمادي الأولى تسعون
يوما فهذه خمسة وتسعون يوما وربما يعضده رواية الثلاثة الأشهر فان الخمسة
الأيام يتسامح فيها.
وأما مدة مرضها فقال ابن شهرآشوب في المناقب روي أنها ما زالت
بعد أبيها معصبة الرأس إلى أن قال ثم مرضت ومكثت أربعين ليلة ثم
قضت نحبها وظاهره انها مكثت أربعين ليلة مريضة إلا أنها مكثت بعد أبيها
أربعين ليلة وعن الباقر ع انها مكثت في مرضها خمسة عشر يوما
وتوفيت.
وكان عمرها صلوات الله عليها وعلى أبيها عند وفاتها ثماني عشرة
سنة وقيل ثماني عشرة سنة وشهرين وقيل وسبعة أشهر هذا على القول بأنها
ولدت بعد المبعث بخمس سنين وعلى القول بأنها ولدت بعده بسنتين يكون
عمرها إحدى وعشرين سنة وهو الذي رواه الحاكم في المستدرك بسنده عن
أم الحسن بنت أبي جعفر محمد بن علي عن أخيها جعفر بن محمد قال:
ماتت فاطمة وهي ابنة إحدى وعشرين وولدت على رأس إحدى وأربعين
من مولد النبي ص وعلى قول الاستيعاب في مولدها انه بعد البعثة بسنة
يكون عمرها اثنتين وعشرين سنة وعلى القول بأنها ولدت قبل المبعث
بخمس سنين كما هو قول أكثر علماء أهل السنة يكون عمرها ثماني
وعشرين سنة. وعن المدائني ماتت ولها تسع وعشرون سنة وعن الزبير بن
بكار عن عبد الله بن الحسن ثلاثون سنة اه وكل ذلك ناشئ عن
الخلاف في تاريخ مولدها: كما أن الاختلاف في تاريخ وفاتها وسنها يوم
تزويجها الظاهر أنه ناشئ عن ذلك والله أعلم.
حزنها بعد أبيها ص
روى الكليني بسنده عن الصادق ع قال عاشت فاطمة بعد
رسول الله ص خمسة وسبعين يوما لم تر كاشرة ولا ضاحكة تأتي قبور
الشهداء في كل جمعة مرتين الاثنين والخميس فتقول: هاهنا كان رسول
الله ص وهاهنا كان المشركون وفي رواية عن الصادق ع انها
كانت تصلي هناك وتدعو حتى ماتت وروى ابن شهرآشوب في المناقب
عن الباقر ع قال: ما رأيت فاطمة ضاحكة قط منذ قبض رسول
الله ص حتى قبضت وفي السيرة النبوية لأحمد ابن زيني دحلان عاشت
فاطمة بعد أبيها ص ستة أشهر فما ضحكت تلك المدة. وروى أبو نعيم في
حلية الأولياء بسنده عن أبي جعفر هو الباقر ع قال ما رتبت
فاطمة ضاحكت بعد رسول الله ص الا يوما افترت بطرف نابها قال ومكثت
بعده ستة أشهر قال ابن شهرآشوب في المناقب روي أنها ما زالت بعد أبيها
معصبة الرأس ناحلة الجسم منهدة الركن باكية العين محترقة القلب يغشى
عليها ساعة بعد ساعة وتقول لولديها أين أبوكما الذي كان يكرمكما ويحملكما
مرة بعد مرة أين أبوكما الذي كان أشد الناس شفقة عليكما فلا يدعكما
تمشيان على الأرض ولا أراه يفتح هذا الباب ابدا ولا يحملكما على عاتقه كما
لم يزل يفعل بكما وروي انه لما قبض النبي ص امتنع بلال من الأذان
وقال لا أؤذن لأحد بعد رسول الله ص وان فاطمة قالت ذات يوم أشتهي
(٣١٩)

ان اسمع صوت مؤذن أبي باذان فبلغ ذلك بلالا فاخذ في الاذان فلما قال
الله أكبر الله أكبر ذكرت أباها وأيامه فلم تتمالك من البكاء فلما بلغ إلى قوله
أشهد ان محمدا رسول الله شهقت فاطمة وسقطت لوجهها وغشي عليها
فقال الناس لبلال أمسك فقد فارقت ابنة رسول الله الدنيا وظنوا انها قد
ماتت فلم يتم الاذان فأفاقت فسألته اتمامه فلم يفعل وقال لها يا سيدة
النسوان اني اخشى عليك مما تنزلينه بنفسك إذا سمعت صوتي بالآذان
فأعفته من ذلك وعن علي ع قال غسلت النبي ص في قميصه
فكانت فاطمة تقول أرني القميص فإذا شمته غشي عليها فلما رأيت ذلك
غيبته.
خطبة الزهراء ع في مرضها بمحضر نساء المهاجرين والأنصار
في احتجاج الطبرسي مرسلا عن سويد بن غفلة وفي معاني الأخيار
وشرح النهج لابن أبي الحديد بالاسناد عن عبد الله بن الحسن عن امه
فاطمة بنت الحسين ع وفي أمالي الشيخ بسنده عن ابن عباس
وفي كشف الغمة عن صاحب كتاب السقيفة أبي بكر أحمد بن عبد العزيز
الجوهري عن رجاله عن عبد الله بن حسن عن امه فاطمة بنت الحسين انها
لما مرضت فاطمة الزهراء ع المرضة التي توفيت فيها واشتدت
علتها اجتمعت إليها نساء المهاجرين والأنصار ليعدنها فسلمن عليها وقلن
لها كيف أصبحت من علتك من ليلتك خ ل يا بنت رسول الله ص
فحمدت الله تعالى وصلت على أبيها ثم قالت: أصبحت والله عائفة
لدنياكن قالية لرجالكن لفظتهم بعد أن عجمتهم وشنأتهم بعد ان سبرتهم
فقبحا لفلول الحد واللعب بعد الجد وقرع الصفاة (١) وصدع القناة وخطل
الآراء وزلل الأهواء ولبئسما قدمت لهم أنفسهم ان سخط الله عليهم وفي
العذاب هم خالدون لا جرم والله لقد قلدتهم ربقتها وحملتهم أوقتها (٢)
وشننت عليهم غارتها فجدعا وعقرا وبعدا للقوم الظالمين ويحهم انى
زعزعوها عن رواسي الرسالة وقواعد النبوة والدلالة ومهبط الروح الأمين
والطيبين (٣) بأمور الدنيا والدين الا ذلك هو الخسران المبين وما الذي نقموا
من أبي الحسن نقموا منه والله نكير سيفه وقلة مبالاته بحتفه وشدة وطأته
ونكال وقعته وتنمره في ذات الله عز وجل وتالله لو مالوا عن المحجة اللائحة
وزالوا عن قبول الحجة الواضحة لردهم إليها وحملهم عليها وتالله لو تكافوا
عن زمام نبذه إليه رسول الله ص لاعتلقه ولسار بهم سجحا لا يكلم
خشاشه (٤) ولا يكل سائره ولا يمل راكبه ولا وردهم منهلا نميرا صافيا رويا
فضفاضا تطفح ضفتاه ولا يترنق جانباه ولا صدرهم بطانا ونصح لهم سرا
واعلانا ولم يكن يتحلى من الغنى بطائل ولا يحظى من الدنيا بنائل غير ري
الناهل وشبعة الكافل ولبان لهم الزاهد من الراغب والصادق من الكاذب
ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض
ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون والذين ظلموا من هؤلاء سيصيبهم
سيئات ما كسبوا وما هم بمعجزين الا هلم فاستمع وما عشت أراك الدهر
عجبا وان تعجب فعجب قولهم ليت شعري إلى أي لجا لجأوا وإلى أي
سناد استندوا وعلى أي عماد اعتمدوا وبأي عروة تمسكوا وعلى أي ذرية
قدموا واحتنكوا لبئس المولى ولبئس العشير وبئس للظالمين بدلا استبدلوا
والله الذنابي بالقوادم والعجز بالكاهل فرغما لمعاطس قوم يحسبون انهم
يحسنون صنعا ألا أنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون ويحهم أ فمن
يهدي إلى الحق أحق ان يتبع أم من لا يهدي الا ان يهدي فما لكم كيف
تحكمون أما لعمري لقد لقحت فنظرة ريثما تنتج ثم احتلبوا ملء العقب
دما عبيطا وذعافا واطمئنوا للفتنة جأشا وأبشروا بسيف صارم وسطوة معتد
غاشم وبهرج دائم شامل واستبداد من الظالمين يدع فيأكم زهيدا وجمعكم
حصيدا فيا حسرة لكم واني بكم وقد عميت عليكم أنلزمكموها وأنتم لها
كارهون.
قال سويد بن غفلة: فأعادت النساء قولها على رجالهن فجاء إليها
قوم من المهاجرين والأنصار معتذرين وقالوا يا سيدة النساء لو كان أبو
الحسن ذكر لنا هذا الأمر من قبل ان يبرم العهد ويحكم العقد لما عدلنا عنه
إلى غيره فقالت ع إليكم عني فلا عذر بعد تعذيركم ولا أمر بعد
تقصيركم.
اوقافها وصدقاتها
كان لها سبعة بساتين وقفتها على بني هاشم وبني المطلب وجعلت
النظر فيها والولاية لعلي ع مدة حياته وبعده للحسن وبعده للحسين
وبعده للأكبر من ولدها. روى الكليني في الكافي بسنده عن الصادق ع
ان فاطمة ع جعلت صدقتها لبني هاشم وبني المطلب وبسنده عن الباقر
ع إنه أخرج حقا أو سفطا فاخرج منه كتابا فقرأ: بسم الله الرحمن
الرحيم. هذا ما أوصت به فاطمة بنت محمد رسول الله ص أوصت
بحوائطها السبعة العواف والذلال. والبرقة. والمبيت. والحسني.
والصافية. وما لأم إبراهيم إلى علي بن أبي طالب فان مضى علي فإلى
الحسن فان مضى الحسن فإلى الحسين فان مضى الحسين فإلى الأكبر من
ولدي شهد الله على ذلك والمقداد بن الأسود والزبير بن العوام وكتب علي
ابن أبي طالب. بسنده عن الصادق ع نحوه الا أنه قال إلى الأكبر من
ولدي دون ولدك وبسنده عن أبي الحسن الثاني ع انه سئل عن الحيطان
السبعة التي كانت ميراث رسول الله ص لفاطمة فقال: إنما كانت وقفا
فكان رسول الله ص يأخذ إليه منها ما ينفق على أضيافه والتابعة تلزمه فيها
فلما قبض جاء العباس يخاصم فاطمة فيها فشهد علي وغيره انها وقف على
فاطمة وعدها كما تقدم وفي رواية عن الصادق ع ان المبيت هو الذي
كاتب عليه سلمان فأفاءه الله على رسوله فهو في صدقتها أقول ربما يتوهم
التنافي بين هذه الأخبار فبعضها يدل على انها تصدقت بها على بني هاشم
وبني المطلب أي وقفتها عليها ولازم ذلك انها كانت ملكا لها إذ لا وقف الا
في ملك وبعضها دال على أن النبي ص كان قد وقفها عليها وحينئذ فكيف
تقفها على بني هاشم وبني المطلب فان الوقف لا يوقف ويمكن الجمع بان
النبي ص وقفها عليها في حياتها وبعدها على بني هاشم وبني المطلب وجعل
النظر فيها على الترتيب الذي جعلته. أو إنه وقفها عليها ثم على من تختاره
بعدها فهي بوصيتها حاكية لا منشئة.
وصيتها
لما مرضت فاطمة الزهراء ع مرضها الذي توفيت فيه جعلت
توصي عليا ع وتعهد إليه عهودها فمما جاء في وصيتها ما روي أن

(١) كنابة عن النيل بسوء.
(٢) ثقلها.
(٣) الفطن الحاذق. (٤) الخشاش بكسر الخاء المعجمة ما يجعل في أنف البعير من خشب ويشد به الزمام ليكون أسرع
لانقياده. - المؤلف -
(٣٢٠)

عليا ع وجده عند رأسها بعد ما توفيت وهي رقعة فيها:
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا ما أوصت به فاطمة بنت رسول الله ص أوصت وهي تشهد أن
لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وأن الجنة حق والنار حق وأن الساعة
آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور يا علي حنطني وغسلني وكفني
وصل علي وادفني بالليل ولا تعلم أحدا واستودعك الله واقرأ على ولدي
السلام إلى يوم القيامة.
وذكر جماعة أنها لما مرضت دعت أم أيمن وأسماء بنت عميس وعليا
ع وأوصت إلى علي بثلاث وصيا الأول أن يتزوج بامامة بنت
أختها زينب لحبها أولادها وقالت إنها تكون لولدي مثلي وفي رواية قالت
بنت أختي وتحني على ولدي. وامامة هذه هي بنت أبي العاص بن الربيع
وهي التي روي أن رسول الله ص كان يحملها في الصلاة وأمها زينب بنت
رسول الله ص فلما توفيت الزهراء ع تزوج أمير المؤمنين ع
امامة كما أوصته ومن أجل ذلك قال: أربعة ليس إلى فراقهن سبيل
وعد منهن امامة قال أوصت بها فاطمة الثانية أن يتخذ لها نعشا ووصفته
له وفي رواية أن أسماء بنت عميس قالت لها إني إذ كنت بأرض الحبشة
رأيتهم يصنعون شيئا فان أعجبك اصنعه لك فدعت بسرير فاكبته لوجهه
ثم دعت بجرائد فشدتها على قوائمه وجعلت عليه نعشا ثم جللته ثوبا
فقالت فاطمة ع اصنعي لي مثله استريني سترك الله من النار.
وفي الاستيعاب بسنده أن فاطمة بنت رسول الله ص قالت لأسماء بنت
عميس إني قد استقبحت ما يصنع بالنساء أنه يطرح على المرأة الثوب
فيصفها فقالت أسماء يا بنت رسول الله ألا أريك شيئا رأيته بأرض الحبشة
فدعت بجرائد رطبة فحنتها ثم طرحت عليها ثوبا فقالت فاطمة ما أحسن
هذا وأجمله تعرف به المرأة من الرجل ثم قال: فاطمة أول من غطي نعشها
في الاسلام على الصفة المذكورة ثم بعدها زينب بنت جحش اه
وكانت الزهراء ع لشدة محافظتها على الستر والعفاف حتى أنها لما
قال لها أبوها ص ما خير للمرأة قالت إن لا ترى رجلا ولا يراها رجل مهتمة
كثيرا لأمر وضعها على السرير وحملها ظاهرة وشكت ذلك إلى أسماء بنت
عميس فوصفت لها النعش فتبسمت فرحا بذلك بعد أن لم تر ضاحكة ولا
متبسمة بعد وفاة أبيها إلى ذلك الحين وبذلك يعرف قدر اهتمامها بهذا
الأمر. روى الحاكم في المستدرك بسنده عن علي بن الحسين عن ابن عباس
قال مرضت فاطمة مرضا شديدا فقالت لأسماء بنت عميس ألا ترين إلى ما
بلغت احمل على السرير ظاهرا فقالت أسماء لا لعمري ولكن اصنع لك
نعشا كما رأيت يصنع بأرض الحبشة قالت فأرينيه فأرسلت أسماء إلى جرائد
رطبة وجعلت على السرير نعشا وهو أول ما كان النعش قالت أسماء
فتبسمت فاطمة وما رأيتها مبتسمة بعد أبيها الا يومئذ الحديث وبضدها
تتميز الأشياء الثالثة إن لا يشهد أحدا جنازتها ممن كانت غاضبة عليهم
وإن لا يترك أن يصلي عليها أحد منهم وان يدفنها ليلا إذا هدأت العيون
ونامت الأبصار ويعفي قبرها وكان مما أوصت به عليا ع أن
تحنط بفاضل حنوط رسول الله ص وكان أربعين درهما فقسمه رسول الله
ص أثلاثا ثلثا لنفسه وثلثا لعلي وثلثا لفاطمة وان يغسلها في قميصها ولا
يكشفه عنها لأنها كانت قد اغتسلت قبل وفاتها بيسير وتنظفت ولبست ثيابها
الجدد و من ذلك توهم بعضهم أن المراد أن تدفن بذلك الغسل وهو غير
صحيح كما يأتي وفي رواية أنها أوصت لأزواج النبي ص لكل واحدة
منهن باثنتي عشرة أوقية والأوقية أربعون درهما ولنساء بني هاشم مثل ذلك
وأوصت لامامة بنت أختها زينب بشئ. وروى ابن عبد البر في
الاستيعاب أن فاطمة ع قالت لأسماء بنت عميس إذا انا مت
فاغسليني أنت وعلي ولا تدخلي علي أحدا. ومثله روى أبو نعيم في الحلية
ثم قال فلما توفيت غسلها علي وأسماء وروى ابن سعد في الطبقات
بسنده عن أبي رافع عن سلمى وفي الإصابة اخرج ابن سعد وأحمد بن
حنبل من حديث أم رافع قالت مرضت فاطمة فلما كان اليوم الذي توفيت
فيه خرج علي فقالت لي يا أمة اسكبي لي غسلا فسكبت لها فأغسلت
كأحسن ما كانت تغتسل ثم قالت ائتيني بثيابي الجدد فاتيتها بها فلبستها ثم
قالت اجعلي فراشي وسط البيت فجعلته فاضطجعت عليه واستقبلت القبلة ثم
قالت لي يا أمه اني مقبوضة الساعة وقد اغتسلت فلا يكشفن لي أحد
كتفا فماتت اه. وروى أبو نعيم في الحلية أنها لما حضرتها الوفاة امرت
عليا فوضع لها غسلا فاغتسلت وتطهرت ودعت بثياب أكفانها فاتيت بثياب
غلاظ خشن فلبستها ومست من الحنوط ثم امرت عليا أن لا تكشف إذا
قبضت وأن تدرج كما هي في ثيابها اه والظاهر أن هذا الغسل الذي
اغتسلته ص كان لأجل التنظيف والتطهر لتغسل بعد وفاتها في
ثيابها طاهرة نظيفة ولا تكشف لأنه أبلغ في الستر وأقل كلفة على من يغسلها
لا أنه كان غسل الأموات لعدم جواز تقديمه على الموت في مثل المقام وتوهم
بعضهم أنه غسل الأموات وليس بصواب فلما توفيت صاح أهل المدينة
صيحة واحدة واجتمعت نساء بني هاشم في دارها فصرخن صرخة واحدة
كادت المدينة تتزعزع من صراخهن وهن يقلن يا سيدتاه يا بنت رسول الله
واقبل الناس مثل عرف الفرس إلى علي ع وهو جالس والحسن والحسين
ع بين يديه يبكيان فبكى الناس لبكائهما وخرجت أم كلثوم
وعليها برقعها تجر ذيلها متجللة برداء وهي تبكي وتقول يا أبتاه يا رسول الله
الآن حقا فقدناك فقدا لا لقاء بعده ابدا واجتمع الناس فجلسوا وهم
يرجون وينتظرون أن تخرج الجنازة فيصلوا عليها فخرج أبو ذر وقال انصرفوا
فان ابنة رسول الله قد اخر اخراجها هذه العشية فقام الناس وانصرفوا.
وفي كتاب روضة الواعظين: إن فاطمة ع لم تزل بعد وفاة أبيها
ص مهمومة مغمومة محزونة مكروبة كئيبة باكية ثم مرضت مرضا شديدا
ومكثت أربعين ليلة في مرضها إلى أن توفيت ص فلما نعيت
إليها نفسها دعت أم أيمن وأسماء بنت عميس ووجهت خلف علي فأحضرته
فقالت يا ابن عم انه قد نعيت إلي نفسي وانني لا ارى ما بي الا انني لاحقة
بأبي ساعة بعد ساعة وانا أوصيك بأشياء في قلبي. قال لها علي ع
أوصيني بما أحببت يا بنت رسول الله فجلس عند رأسها واخرج من كان في
البيت ثم قالت يا ابن عم ما عهدتني كاذبة ولا خائنة ولا خالفتك منذ
عاشرتني فقال ع معاذ الله أنت اعلم بالله وابر واتقى وأكرم وأشد
خوفا من الله من أن أوبخك بمخالفتي وقد عز علي مفارقتك وفقدك الا أنه
أمر لا بد منه والله لقد جددت علي مصيبة رسول الله ص وقد عظمت
وفاتك وفقدك فانا لله وانا إليه راجعون من مصيبة ما أفجعها وآلمها وأمضها
واحزنها هذه والله مصيبة لا عزاء عنها ورزية لا خلف لها ثم بكيا جميعا
ساعة واخذ علي رأسها وضمها إلى صدره ثم قال أوصيني بما شئت فإنك
تجديني وفيا امضي كل ما أمرتني به واختار امرك على أمري قالت جزاك الله
عني خير الجزاء يا ابن عم ثم أوصته بما أرادت فقام أمير المؤمنين ع
(٣٢١)

بجميع ما وصته به فغسلها في قميصها واعانته على غسلها أسماء بنت
عميس. قال ابن عبد البر في الاستيعاب: غسلها علي بن أبي طالب مع
أسماء بنت عميس. وروى الحاكم في المستدرك بسنده عن أسماء بنت
عميس قالت غسلت انا وعلي فاطمة بنت رسول الله ص اه وكان علي
هو الذي يباشر غسلها وأسماء تعينه على ذلك وبهذا يرتفع استبعاد بعضهم
أن تغسلها أسماء مع علي وهي أجنبية عنه لأنها كانت يومئذ زوجة أبي بكر
وفي بعض الأخبار أنه أمر الحسن والحسين ع يدخلان الماء ولم
يحضرها غيره وغير الحسنين وزينب وأم كلثوم وفضة جاريتها وأسماء بنت
عميس: قال ابن عبد البر في الاستيعاب: فلما توفيت جاءت عائشة تدخل
فقالت أسماء لا تدخلي فشكت إلى أبي بكر فقالت أن هذه الخثعمية تحول
بيننا وبين بنت رسول الله ص وقد جعلت لها مثل هودج العروس فجاء
فوقف على الباب فقال يا أسماء ما حملك على أن منعت أزواج النبي ص أن
يدخلن على بنت رسول الله ص وجعلت لها مثل هودج العروس فقالت
أمرتني أن لا يدخل عليها أحد واريتها هذا الذي صنعت وهي حية فامرتني
أن اصنع ذلك لها قال أبو بكر فاصنعي ما امرتك ثم انصرف اه
وكفنها علي ع في سبعة أثواب وحنطها بفاضل حنوط رسول الله ص ثم
صلى عليها وكبر خمسا ودفنها في جوف الليل وعفى قبرها ولم يحضر دفنها
والصلاة عليها الا علي والحسنان ع وعمار والمقداد وعقيل
والزبير وأبو ذر وسلمان وبريدة ونفر من بني هاشم وخواص علي ع.
واختلف في موضع دفنها فقيل دفنت في بيتها وهو الأصح الذي يقتضيه
الاعتبار وقيل دفنت في البقيع وسوى علي ع حول قبرها قبورا مزورة
حتى لا يعرف أحد موضعه. وروى ابن سعد في الطبقات أنه نزل في حفرة
فاطمة العباس وعلي والفضل. وروى عدة روايات بعدة أسانيد أن عليا
ع هو الذي صلى عليها. وروى ابن سعد أيضا روايات كثيرة بعدة
أسانيد عن الزهري أن عليا ع دفن فاطمة بنت رسول الله ص ليلا.
وبسنده عن جابر عن الباقر ع قال دفنت فاطمة ليلا. وروى أيضا عدة
روايات عن موسى بن علي عن بعض أصحابه وعن عائشة وعن يحيى بن
سعيد أن فاطمة دفنت ليلا بسنده عن علي بن الحسين قال سالت ابن عباس
متى دفنتم فاطمة فقال دفناها بليل بعد هدأة قلت فمن صلى عليها قال
علي. وروى الحاكم بسنده عن عائشة قالت دفنت فاطمة بنت رسول
الله ص ليلا ولم يشعر بها أبو بكر حتى دفنت وصلى عليها علي بن أبي طالب
وقال ابن عبد البر في الاستيعاب صلى عليها علي بن أبي طالب وهو الذي
غسلها مع أسماء بنت عميس وكانت أشارت عليه أن يدفنها ليلا. وأورد
السمهودي في وفاء الوفا باخبار دار المصطفى عدة روايات دالة على أنها
دفنت ليلا ومنها ما حكاه عن البيهقي أنه قال وقد ثبت أن أبا بكر لما يعلم
بوفاة فاطمة ع لما ثبت في الصحيح أن عليا دفنها ليلا ولم يعلم أبا
بكر. وعن الطبري في دلائل الإمامة عن محمد بن همام أن عليا ع دفنها
بالروضة وعمى موضع قبرها قال وأصبح البقيع ليلة دفنت وفيه أربعون قبرا
جدد. وروي أن أمير المؤمنين قام بعد دفنها ع فحول وجهه
إلى قبر رسول الله ص ثم قال: السلام عليك يا رسول الله عني وعن ابنتك
وزائرتك النازلة في جوارك والبائتة في الثرى ببقعتك والمختار الله لها سرعة
اللحاق بك قل يا رسول الله عن صفيتك صبري ورق عنها تجلدي الا أن
في التأسي بعظيم فرقتك وفادح مصيبتك موضع تعز فلقد وسدتك في ملحود
قبرك وفاضت بين نحري وصدري نفسك بلى وفي كتاب الله لي نعم القبول
إنا لله وانا إليه راجعون قد استرجعت الوديعة واخذت الرهينة واختلست
الزهراء فما أقبح الخضراء والغبراء يا رسول الله اما حزني فسرمد واما ليلي
فمسهد إلى أن يختار الله لي دارك التي أنت فيها مقيم كمد مقيح وهم مهيج
سرعان ما فرق بيننا وإلى الله أشكو وستنبئك ابنتك بتضافر أمتك على
هضمها فأحفها السؤال واستخبرها الحال فكم من غليل معتلج بصدرها لم
تجد إلى بثه سبيلا وستقول ويحكم الله وهو خير الحاكمين والسلام عليكما
سلام مودع لا قال ولا سئم فان انصرف فلا عن ملالة وإن أقم فلا عن
سوء ظن بما وعد الله الصابرين واها واها والصبر أيمن وأجمل ولولا غلبة
المستولين لجعلت المقام واللبث لزاما معكوفا ولاعولت إعوال الثكلى على
جليل الرزية فبعين الله تدفن ابنتك سرا وتهضم حقها وتمنع ارثها ولم يطل
العهد ولم يخلق منك الذكر إلى الله يا رسول الله المشتكى وفيك يا رسول الله
أحسن العزاء صلى الله عليك وعليك وعليها السلام والرضوان. ولما دفنها
علي ع قام على شفير القبر فانشا يقول وقال الحاكم في المستدرك لما ماتت
فاطمة قال علي بن أبي طالب:
- لكل اجتماع من خليلين فرقة * وكل الذي دون الفراق قليل -
- وان افتقادي فاطما بعد احمد (١) * دليل على أن لا يدوم خليل -
وعن الطبري في دلائل الإمامة عن محمد بن همام أن المسلمين لما
علموا وفاتها جاءوا إلى البقيع فوجدوا فيه أربعين قبرا فاشكل عليهم موضع
قبرها من سائر القبور فضج الناس ولام بعضهم بعضا وقالوا لم يخلف نبيكم
فيكم الا بنتا واحدة تموت وتدفن ولم تحضروا وفاتها والصلاة عليها ولا
تعرفوا قبرها ثم قال ولاة الأمر منهم هاتوا من نساء المسلمين من ينبش هذه
القبور حتى نجدها فنصلي عليها ونزور قبرها فبلغ ذلك أمير المؤمنين ع
فخرج مغضبا قد احمرت عيناه ودرت أوداجه وعليه قباؤه الأصفر الذي كان
يلبسه في كل كريهة وهو متكئ على سيفه ذي الفقار حتى ورد البقيع فسار
إلى الناس النذير وقالوا هذا علي بن أبي طالب قد اقبل كما ترونه يقسم بالله
لئن حول من هذه القبور حجر ليضعن السيف على غابر الآخر فتلقاه
بعضهم فقال له ما لك يا أبا الحسن والله لننبشن قبرها ولنصلين عليها
فضرب علي ع بيده إلى جوامع ثوبه فهزه ثم ضرب به الأرض وقال اما
حقي فقد تركته مخافة أن يرتد الناس واما قبر فاطمة فوالله الذي نفس علي
بيده لأن رمت وأصحابك شيئا من ذلك لأسقين الأرض من دمائكم فان
شئت فاعرض فتلقاه آخر فقال يا أبا الحسن بحق رسول الله وبحق من فوق
العرش الا خليت عنه فانا غير فاعلين شيئا تكرهه فخلى عنه وتفرق الناس
ولم يعودوا إلى ذلك.
ما اثر عنها من الحكم
روى ابن شهرآشوب في المناقب عن الحسن البصري أن النبي ص
قال لفاطمة ع أي شئ خير للمرأة قالت: إن لا ترى رجلا ولا يراها
رجل فضمها إليه وقال ذرية بعضها من بعض وروى أبو نعيم الأصفهاني في
حلية الأولياء بسنده عن انس قال رسول الله ص ما خير للنساء فلم ندر ما
نقول فسار علي إلى فاطمة فأخبرها فقالت فهلا قلت له خير لهن أن لا يرين
الرجال ولا يرونهن فرجع فأخبره بذلك فقال له من علمك هذا قال فاطمة
قال إنها بضعة مني. قال ورواه سعيد بن المسيب عن علي نحوه. ثم روى

(١) واحدا بعد واحد خ ل.
(٣٢٢)

بسنده عن سعيد بن المسيب عن علي أنه قال لفاطمة: ما خير للنساء قالت
لا يرين الرجال ولا يرونهن فذكر ذلك للنبي ص فقال: إنما فاطمة بضعة
مني.
ما اثر عنها من الدعاء
دعاء رواه عنها في مهج الدعوات:
اللهم قنعني بما رزقتني واسترني وعافني ابدا ما أبقيتني واغفر لي
وارحمني إذا توفيتني اللهم لا تعنني في طلب ما لم تقدر لي وما قدرته علي
فاجعله ميسرا سهلا اللهم كاف عني والدي وكل من له نعمة علي خير
مكافأتك اللهم فرغني لما خلقتني له ولا تشغلني بما تكفلت لي به ولا تعذبني
وأنا أستغفرك ولا تحرمني وانا أسألك اللهم ذلل نفسي في نفسي وعظم
شأنك في نفسي وألهمني طاعتك والعمل بما يرضيك والتجنب لما يسخطك
يا ارحم الراحمين.
دعاء علمها إياه النبي ص
رواه في مهج الدعوات: اللهم ربنا ورب كل شئ منزل التوراة
والإنجيل والفرقان فالق الحب والنوى أعوذ بك من شر كل دابة أنت آخذ
بناصيتها أنت الأول فليس قبلك شئ وأنت الآخر فليس بعدك شئ وأنت
الظاهر فليس فوقك شئ وأنت الباطن فليس دونك شئ صل على محمد
وعلى أهل بيته وعليهم السلام واقض عني الدين وأغنني من الفقر ويسر لي
كل أمر يا ارحم الراحمين.
ما اثر عنها ع من الشعر
منه ما يأتي في سيرة الحسن ع من قولها وهي ترقص الحسنين
ع. وقولها ع ترثي أباها ص بعد ما أخذت من تراب القبر
الشريف ووضعته على عينيها وأنشأت تقول رواه غير واحد:
- ما ذا علي من شم تربة احمد * إن لا يشم مدى الزمان غواليا -
- صبت علي مصائب لو أنها * صبت على الأيام عدن لياليا -
وقولها ع ترثيه ص كما في مناقب ابن شهرآشوب وفيها البيتان
المذكوران:
- قل للمغيب تحت اطباق الثرى * إن كنت تسمع صرختي وندائيا -
- صبت علي مصائب لو أنها * صبت على الأيام عدن لياليا -
- قد كنت ذات حمى بظل محمد * لا اختشي ضيما وكان جماليا -
- فاليوم اخشع للذليل وأتقي * ضيمي وأدفع ظالمي بردائيا -
- فإذا بكت قمرية في ليلها * شجنا على غصن بكيت صباحيا -
- فلأجعلن الحزن بعدك مؤنسي * ولأجعلن الدمع فيك وشاحيا -
- ما ذا على من شم تربة احمد * ان لا يشم مدى الزمان غواليا -
وقولها ع ترثيه ص اورده أحمد بن زيني دحلان في السيرة النبوية:
- إغبر آفاق السماء وكورت * شمس النهار واظلم العصران -
- والأرض من بعد النبي كئيبة * أسفا عليه وكثيرة الرجفان -
- فليبكه شرق البلاد وغربها * وليبكه مضر وكل يماني -
وقولها ع ترثيه ص كما في مناقب ابن شهرآشوب وفي السيرة
النبوية لأحمد بن زيني دحلان انها لحسان بن ثابت:
- كنت السواد لناظري * فعليك يبكي الناظر -
- من شاء بعدك فليمت * فعليك كنت أحاذر -
الكتب المؤلفة في سيرة الأئمة ع قديما
وقد ألفت في سيرة الأئمة الاثني عشر ع الكتب العديدة
كالارشاد للمفيد محمد بن محمد بن النعمان. وإعلام الورى للطبرسي
صاحب مجمع البيان وفيه أيضا مختصر السيرة النبوية. وكتب الآل لابن
خالويه. ومواليد أهل البيت لابن الخشاب وتذكرة الخواص لسبط بن
الجوزي الحنفي قزاو علي وكشف الغمة لعلي بن عيسى الأربلي والفصول
المهمة لابن الصباغ المالكي ومطالب السؤول لمحمد بن طلحة الشافعي
ومعالم العترة النبوية للحافظ أبي محمد عبد العزيز بن الأخضر الجنابذي
البغدادي الحنبلي وكتاب الذرية الطاهرة لأبي بشر محمد بن أحمد بن حماد
الأنصاري المعروف بالدولابي والمناقب لابن شهرآشوب في أحوال النبي ص
والزهراء والأئمة الاثني عشر ع والمناقب لأبي بكر الخوارزمي
والمناقب لأبي المؤيد وما تضمنه كتاب الكافي وكتاب البحار وغير ذلك.
الكتب المؤلفة قديما في فضل أمير المؤمنين ع بالخصوص
منها كتب خصائصه ع للنسائي والحافظ أبي نعيم الأصفهاني.
وأبي عبد الرحمن السكري وما نزل فيه من القرآن للحافظ أبي نعيم
الأصفهاني.
٣: أمير المؤمنين أبو الحسن علي بن أبي طالب ع
سيد الوصيين وأول أئمة المسلمين وخلفاء الله في العالمين بعد سيد
المرسلين محمد ص.
نسبه الشريف
هو علي بن أبي طالب واسمه عبد مناف بن عبد المطلب واسمه
شيبة الحمد بن هاشم واسمه عمرو بن عبد مناف واسمه المغيرة بن
قصي بن كلاب بن مرة بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن
كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.
مولده
ولد يوم الجمعة لثلاث عشرة ليلة خلت من رجب على قول الأكثر
وفي الفصول المهمة ليلة الأحد الثالث والعشرين منه وفي رواية يوم الأحد
سابع شعبان بعد عام الفيل بثلاثين سنة وقيل بتسع وعشرين بعد مولد
النبي ص بثلاثين سنة وقيل بثمان وعشرين قبل النبوة باثنتي عشرة سنة
وقيل بعشر سنين وهو الذي صححه في الإصابة قبل الهجرة بثلاث وعشرين
سنة وقيل بخمس وعشرين وكانت ولادته بمكة المكرمة في الكعبة المشرفة كما
في الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ومروج الذهب للمسعودي وارشاد
المفيد والسيرة الحلبية لعلي بن برهان الدين الحلبي الشافعي قال الأخير وفي
سنة ثلاثين من مولده ص ولد علي بن أبي طالب في الكعبة. قال المفيد في
الارشاد: ولم يولد قبله ولا بعده مولود في بيت الله سواه اكراما من الله جل
اسمه له بذلك واجلالا لمحله في التعظيم اه. وقال الآلوسي في شرح
(٣٢٣)

عينية عبد الباقي: وكون الأمير كرم الله وجهه ولد في البيت أمر مشهور في
الدنيا وذكر في كتب الفريقين السنة والشيعة اه وفي ذلك يقول السيد
الحميري:
- ولدته في حرم الاله وامنه * والبيت حيث فناؤه والمسجد -
- بيضاء طاهرة النياب كريمة * طابت وطاب وليدها والمولد -
- في ليلة غابت نحوس نجومها * وبدت مع القمر المنير الأسعد -
- ما لف في خرق القوابل مثله * الا ابن آمنة النبي محمد -
ويقول عبد الباقي العمري في عينيته المشهورة:
- أنت العلي الذي فوق العلى رفعا * ببطن مكة وسط البيت إذ وضعنا -
ويقول المؤلف من قصيدة:
- ولدت ببيت الله وهي فضيلة * خصصت بها إذ فيك أمثالها كثر -
ويقال أنه لما ولد سمته أمه حيدرة باسم أبيها أسد بن هاشم لأن
حيدرة من أسماء الأسد فلما جاء أبوه سماه عليا وقال:
- سميته بعلي كي يدوم له * عن العار وفخر العز أدومه -
وقال علي ع يوم خيبر:
- أنا الذي سمتني أمي حيدره * كليث غابات شديد قسوره -
وفي ذلك يقول المؤلف من قصيدة:
- فسمتك بنت الليث أمك حيدرا * فما أخطأت فيك الفراسة والحزر -
- علي به سماك أكرم والد * رجاء لأن يعلو لك الصيت والذكر -
أبوه
اسمه عبد مناف كما مر وأبو طالب كنيته كني بأكبر أولاده وتأتي له
انش ترجمة مفصلة في بابه من هذا الكتاب في عبد مناف ويدل على أن
اسم أبي طالب عبد مناف أن أباه عبد المطلب لما أوصاه بالنبي ص قال:
- أوصيك يا عبد مناف بعدي * بموحد بعد أبيه فرد -
وقال:
- وصيت من كنيته بطالب * عبد مناف وهو ذو تجارب -
- بابن الحبيب أكرم الأقارب * بابن الذي قد غاب غير آئب -
وهو أخو عبد الله أبي النبي ص لامه وأبيه وإلى ذلك يشير أبو طالب
بقوله في الأبيات الآتية: أخي لأمي من بينهم وأبي وأبو طالب هو
الذي كفل رسول الله ص صغيرا وقام بنصره وحامى عنه وذب عنه وحاطه
كبيرا وتحمل الأذى في سبيله من مشركي قريش ومنعه منهم ولقي لأجله
عناء عظيما وقاسى بلاء شديدا أو صبر على نصره والقيام بأمره حتى أن قريشا
لم تطمع في رسول الله ص وكانت كاعة عنه حتى توفي أبو طالب ولم يؤمر
بالهجرة الا بعد وفاته. وكان أبو طالب مسلما لا يجاهر باسلامه ولو جاهر لم
يمكنه ما امكنه من نصر رسول الله ص على أنه قد جاهر بالاقرار بصحة
نبوته في شعره مرارا مثل قوله:
- ودعوتني وعلمت انك صادق * ولقد صدقت وكنت قبل أمينا -
- ولقد علمت بان دين محمد * من خير أديان البرية دينا -
وقوله الذي مدحه فيه بما لا ينطق به غير مسلم فقال:
- كذبتم وبيت الله نبزي محمدا * ولما نطاعن دونه ونناضل -
- وننصره حتى نصرع حوله * ونذهل عن أبنائنا والحلائل -
- وأبيض يستسقي الغمام بوجهه * ثمال اليتامى عصمة للأرامل -
- تلوذ به الهلاك من آل هاشم * فهم عنده في نعمة وفواضل -
- وميزان حق لا يخيس شعيرة * ووزان صدق وزنه غير عائل -
- أ لم تعلموا أن ابننا لا مكذب * لدينا ولا يعني يعيا بقول الأباطل -
وقوله:
- لقد أكرم الله النبي محمدا * فأكرم خلق الله في الناس أحمد -
- وشق له من اسمه ليجله * فذو العرش محمود وهذا محمد -
وقوله:
- وظلم نبي جاء يدعو إلى الهدى * وامرأتي من عند ذي العرش قيم -
وقوله:
- أ لم تعلموا أنا وجدنا محمدا * نبيا كموسى خط في محكم الكتب -
وقوله:
- نبي اتاه الوحي من عند ربه * فمن قال لا يقرع بها سن نادم -
وقوله:
- أ وتؤمنوا بكتاب منزل عجب * على نبي كموسى أو كذي النون -
وقوله: نصرت الرسول رسول المليك * بيض تلألأ كلمع البروق -
- أذب واحمي رسول الاله * حماية حام عليه شفيق -
وقوله لما ذهب عمرو بن العاص إلى النجاشي ليكيد جعفرا
وأصحابه:
- الا ليت شعري كيف في الناس جعفر * وعمرو وأعداء النبي الأقارب -
وروى الصدوق في الأمالي بسنده عن الصادق جعفر بن محمد ع
أنه قال أول جماعة كانت ان الرسول الله ص كان يصلي وأمير
المؤمنين علي بن أبي طالب معه إذ مر به أبو طالب وجعفر معه قال يا بني
صل جناح ابن عمك فلما أحسه رسول الله ص تقدمهما وانصرف أبو طالب
مسرورا وهو يقول:
- ان عليا وجعفرا ثقتي * عند ملم الزمان والكرب -
- والله لا أخذل النبي ولا * يخذله من بني ذو حسب -
- لا تخذلا وانصرا ابن عمكما * أخي لأمي من بينهم وأبي -
فكانت أول جماعة جمعت وذكره أبو هلال العسكري أيضا في كتاب
الأوائل. وروي عن علي ع أنه قال قال لي أبي يا بني الزم ابن
عمك فإنك تسلم به من كل باس عاجل وآجل ثم قال لي:
- ان الوثيقة في لزوم محمد * فاشدد بصحبته علي يديكا -
وقال أبو طالب يخاطب أخاه حمزة حين أسلم من أبيات:
- صبرا أبا يعلى على دين أحمد * وكن مظهرا للدين وفقت صابرا -
ومن شعر أبي طالب المشهور قوله من أبيات:
- أنت النبي محمد * قرم أغر مسود -
إلى غير ذلك مما يطول الكلام باستقصائه. ومع ذلك فلا يزال بعض
(٣٢٤)

من لا يروق لهم أن يضاف إلى علي ع شئ من المحاسن حتى
باسلام أبيه يصرون على أنه مات كافرا لروايات رويت في عصر الملك
العضوض وفي أبي طالب يقول المؤلف من قصيدة:
- أبوه حمى دين النبي وحاطه * ولولاه لم يصبح لراياته نشر -
- واسلامه اخفى واجهر تارة * باسلامه من حيث امكنه الجهر -
- لمن خير أديان الورى دين أحمد * علمت الذي جاءت به الرسل والنذر -
- ليمكنه نصر النبي ولو غدا * به جاهرا ما كان يمكنه النصر -
- دعا جعفرا كن لابن عمك واصلا * جناحا إذا ما صلي الظهر والعصر -
امه
فاطمة بنت أسد بن هاشم. في الأغاني هي أول هاشمية تزوجها
هاشمي وهي أم سائر ولد أبي طالب اه. وكانت لرسول الله ص بمنزلة
الأم ربي في حجرها وكان شاكرا لبرها وكان يسميها أمي وكانت تفضله على
أولادها في البر، كان أولادها يصبحون شعثا رمصا ويصبح رسول الله ص
كحيلا دهينا. روى الحاكم في المستدرك بسنده انها كانت بمحل عظيم من
الايمان في عهد رسول الله ص اه سبقت إلى الاسلام وهاجرت إلى
المدينة ولما توفيت كفنها رسول الله ص في قميصه وأمر من يحفر قبرها فلما
بلغوا لحدها حفره بيده واضطجع فيه وقال اللهم اغفر لأمي فاطمة بنت
أسد ولقنها حجتها ووسع عليها مدخلها فقيل يا رسول الله رأيناك صنعت
شيئا لم تكن تصنعه بأحد قبلها فقال ألبستها قميصي لتلبس من ثياب الجنة
أو قال هو أمان لها يوم القيامة أو قال ليدرأ عنها هوام الأرض واضطجعت
في قبرها ليوسعه الله عليها وتأمن ضغطة القبر انها كانت من أحسن خلق
الله صنعا إلي بعد أبي طالب. وروى الحاكم في المستدرك بسنده عن
سعيد بن المسيب عن علي بن الحسين عن أبيه عن جده أمير المؤمنين علي بن
أبي طالب قال لما ماتت فاطمة بنت أسد كفنها رسول الله ص في قميصه
وصلى عليها وكبر عليها سبعين تكبيرة (١) ونزل في قبرها فجعل يومي في
نواحي القبر كأنه يوسعه ويسوي عليها وخرج من قبرها وعيناه تذرفان وجثا
في قبرها فقال له عمر بن الخطاب يا رسول الله رأيتك فعلت على هذه المرأة
شيئا لم تفعله على أحد فقال له أن هذه المرأة كانت أمي بعد أمي التي
ولدتني ان أبا طالب كان يصنع الصنيع وتكون له المأدبة وكان يجمعنا على
طعامه فكانت هذه المرأة تفضل منه كله نصيبنا فأعود فيه اه. ولدت
طالبا خرج يوم بدر مع المشركين كارها ولم يعرف له خبر ولا عقب له
وعقيلا وجعفرا وعليا وكل واحد أسن من الآخر بعشر سنين وأم هانئ
واسمها فاختة، وهو واخوته أول هاشمي ولد من هاشميين. وفي ذلك
يقول المؤلف من قصيدة:
- له فاطم أم وكانت لأحمد * ببر وإشفاق هي الأم والظئر -
- فيغدو دهينا عندها متكحلا * وأولادها شعث شعورهم غبر -
- به آمنت في مكة ثم هاجرت * إلى يثرب ما شاب ايمانها نكر -
- وكفنها خير الورى في قميصه * وفي قبرها قد نام مذ حفر القبر -
- ولقنها القول السديد الذي به * لدى الحشر تنجو حين يجمعها الحشر -
- لخير أب ينمى وأكرم حرة * بذاك سمت عدنان وافتخرت فهر -
- هما الهاشميان اللذان تفرعا * على خير فرع أصله هاشم عمرو -
- له نسب من شيبة الحمد باهر * جلي فمن ساماه اقعده البهر -
- نماه إلى العليا لؤي بن غالب * وعبد مناف قد مضى قبله النضر -
كنيته
يكنى أبا الحسن وأبا الحسين وكان الحسن في حياة رسول الله ص
يدعوه أبا الحسين والحسين يدعوه أبا الحسن ويدعوان رسول الله ص أباهما
فلما توفي النبي ص دعوا عليا أباهما. وكان يكنى أيضا بأبي تراب كناه به
رسول الله ص ففي الاستيعاب بسنده قيل لسهل بن سعد ان أمير المدينة
يريد ان يبعث إليك لتسب عليا عند المنبر قال كيف أقول قال تقول أبا
تراب فقال والله ما سماه بذلك إلا رسول الله ص قال وكيف ذلك يا أبا
العباس قال دخل على فاطمة ثم خرج من عندها فاضطجع في صحن
المسجد فدخل رسول الله ص على فاطمة فقال أين ابن عمك قالت هو ذاك
مضطجع في المسجد فوجده قد سقط رداؤه عن ظهره وخلص التراب إلى
ظهره فجعل يمسح التراب عن ظهره ويقول أجلس أبا تراب فوالله ما سماه
به الا رسول الله ص والله ما كان اسم أحب إليه منه وروى النسائي في
الخصائص بسنده عن عمار بن ياسر كنت أنا وعلي بن أبي طالب رفيقين في
غزوة العشيرة من بطن ينبع إلى أن قال ثم غشينا النوم فانطلقت انا وعلي
حتى اضطجعنا في ظل صور من النخل وفي دقعاء من التراب فنمنا فوالله ما
أهبنا إلا رسول الله ص يحركنا برجله وقد تربنا من تلك الدقعاء التي نمنا
عليها فيومئذ قال رسول الله ص لعلي ما لك يا أبا تراب لما يرى عليه
من التراب أقول تعدد الواقعة ممكن وقيل لما رآه ساجدا معفرا وجهه
في التراب أو كان يعفر خديه وهو ساجد فكان إذ رآه والتراب بوجهه يقول
يا أبا تراب افعل كذا وقيل كني به لان النبي ص قال يا علي أول من
ينفض التراب عن رأسه أنت. وكانت هذه الكنية أحب كناه إليه لكون
النبي ص كناه بها وكان أعداؤه من بني أمية وأتباعهم لا يطلقون عليه
غيرها. كأنهم يعيرونه بها مع أنها موضع الفخر ودعوا خطباءهم ان يسبوه
بها على المنابر وجعلوها نقيصة له فكانما كسوه بها الحلي والحلل كما قال الحسن
البصري كما أنهم كانوا لا يطلقون على شيعته وأتباعه الا الترابي والترابية
حتى صار علما لهم قال الكميث:
- وقالوا ترابي هواه ودينه * بذلك أدعى بينهم وألقب -
و لما قال كثير عزة: ضحى آل أبي سفيان بالدين يوم الطف وضحى
بنو مروان بالكرم يوم العقر قال له يزيد بن عبد الملك عليك بهلة الله أ ترابية
وعصبية وفي ذلك يقول المؤلف من قصيدة:
- وكنيت بالسبطين شبليك واغتدى * لنسل النبي المصطفى فيهما حصر -
- وكناك خير الرسل في دعوة أبا * تراب وقد عابوا به وهو الفخر -
لقبه
في الفصول المهمة لابن الصباغ: لقبه المرتضى وحيدر وأمير المؤمنين
والأنزع البطين والأصلع (٢) والوصي وكان يعرف بذلك عند أوليائه وأعدائه
خرج شاب من بني ضبة معلم يوم الجمل من عسكر عائشة وهو يقول:
- نحن بني ضبة أعداء على * ذاك الذي يعرف قدما بالوصي -

(١) يستفاد من هذا استحباب زيادة التكبير عن العدد الواجب في الصلاة على الشخص العظيم
كما ورد مثل ذلك في صلاته على عمه حمزة.
(٢) الأنزع المنحسر العشر عن مقدم الرأس وفي معناه الأصلع والبطين العظيم البطن.
(٣٢٥)

- وفارس الخيل على عهد النبي * ما انا عن فضل علي بالعمي -
- لكنني انعي ابن عفان التقي * ان الولي يطالب ثار الولي -
وقال رجل من الأزد يوم الجمل:
- هذا علي وهو الوصي * آخاه يوم النجوة النبي -
- وقال هذا بعدي الولي * وعاه واع ونسي الشقي -
وقال زحر بن قيس الجعفي يوم الجمل:
- أضربكم حتى تقروا لعلي * خير قريش كلها بعد النبي -
- من زانه الله وسماه الوصي * ان الولي حافظ ظهر الولي -
- كما الغوي تابع أمر الغوي -
وقال زحر بن قيس أيضا:
- فصلى الاله على أحمد * رسول المليك تمام النعم -
- رسول نبي ومن بعده * خليفتنا القائم المدعم -
- عنيت عليا وصي النبي * يجالد عنه غواة الأمم -
وزحر هذا شهد مع علي ع الجمل وصفين كما شهد صفين معه
شبث بن ربعي وشمر بن ذي الجوشن الضبابي ثم حاربوا الحسين ع
يوم كربلاء فكانت لهم خاتمة سوء نعوذ بالله من سوء الخاتمة.
وقال الكميت:
- والوصي الذي امال التجوبي * به عرش أمة لانهدام -
وقال كثير:
- وصي النبي المصطفى وابن عمه * وفكاك أعناق وقاضي مغارم -
وكان يلقب يعسوب المؤمنين ويعسوب الدين يروى أن النبي ص قال
له أنت يعسوب الدين والمال يعسوب الظلمة وفي رواية هذا يعسوب
المؤمنين وقائد الغر المحجلين روى هاتين الروايتين ابن حنبل في مسنده وأبو
نعيم في حلية الأولياء وفي تاج العروس اليعسوب ذكر النحل وأميرها وفي
حديث علي أنا يعسوب المؤمنين والمال يعسوب الكفار اي يلوذ بي المؤمنون
ويلوذ الكفار بالمال كما يلوذ النحل بيعسوبها وهو مقدمها وسيدها اه.
بوابه
في الفصول المهمة بوابه سلمان الفارسي رض.
شاعره
في الفصول المهمة: شاعره حسان بن ثابت أقول وشاعره بصفين
النجاشي والأعور الشني وغيرهما.
نقش خاتمه
قال سبط بن الجوزي في تذكرة الخواص كان نقش خاتمه الله الملك
علي عبده قال وكان يتختم في اليمين وكذا الحسن والحسين ع
اه وقال أبو الحسن علي بن زيد البيهقي المشهور بفريد خراسان في
كتابه صوان الحكمة المعروف بتاريخ حكماء الاسلام في ترجمة يحيى النحوي
الديلمي الملقب بالبطريق كان يحيى نصرانيا فيلسوفا فأراد عامل أمير
المؤمنين علي بن أبي طالب ازعاجه عن فارس فكتب يحيى قصته إلى أمير
المؤمنين وطلب منه الأمان فكتب محمد بن الحنفية له الأمان بأمر أمير
المؤمنين وقد رأيت نسخة هذا الكتاب في يدي الحكيم أبي الفتوح المستوفي
النصراني الطوسي وكان توقيع أمير المؤمنين عليه بخطه الله الملك وعلي
عبده فالسبط جعله نقش خاتمه والبيهقي قال إنه توقيعه بيده ولعل كلام
البيهقي أثبت ويمكن أنه كان يوقع به ونقشه على الخاتم والله أعلم وقال
علي بن محمد بن أحمد المالكي المكي الشهير بابن الصباغ في كتاب الفصول
المهمة في معرفة الأئمة: نقش خاتمه أسندت ظهري إلى الله وقيل حسبي
الله وقال الكفعمي في كتابه المعروف بالمصباح نقش خاتمه الملك لله الواحد
القهار ولعله كان له عدة خواتيم بعدة نقوش.
زوجاته
أول زوجاته فاطمة الزهراء سيدة النساء ع بنت رسول الله سيد
المرسلين ص لم يتزوج عليها حتى توفيت عنده ثم تزوج بعدها امامة بنت
أبي العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس وأمها زينب بنت رسول
الله ص ثم تزوج أم البنين بنت حرام بن دارم الكلابية وتزوج ليلى بنت
مسعود بن خالد النهشلية التميمة الدرامية وتزوج أسماء بنت عميس
الخثعمية كانت تحت جعفر بن أبي طالب فقتل عنها ثم تزوجها أبو بكر فتوفي
عنها ثم تزوجها أمير المؤمنين. وتزوج أم حبيب بنت ربيعة التغلبية واسمها
الصهباء من السبي الذين أغار عليهم خالد بن الوليد بعين التمر وتزوج
خولة بنت جعفر بن قيس بن مسلمة الحنفية وقيل خولة بنت اياس. وتزوج
أم سعد أو سعيد بنت عروة بن مسعود الثقفية. وتزوج مخبأة بنت امرئ
القيس بن عدي الكلبية.
وأولاده
عدهم المسعودي في مروج الذهب خمسة وعشرين وقال المفيد في
الارشاد انهم سبعة وعشرون ما بين ذكر وأنثى ثم قال: وفي الشيعة من
يذكر أن فاطمة ص أسقطت بعد النبي ص ذكرا كان سما
رسول الله ص وهو حمل محسنا فعلى قول هذه الطائفة هم ثمانية وعشرون
اه وقال ابن الأثير المحسن توفي صغيرا أ هو غير والمسعودي والمفيد
عدهم مع المحسن فزاد محمدا الأوسط وأم كلثوم الصغرى والبنت الصغيرة
ورملة الصغرى والذي وصل إلينا من كلام المؤرخين والنسابين وغيرهم
يقتضي انهم ثلاثة وثلاثون ويمكن كون هذه الزيادة من عد الاسم واللقب
اثنين مع أنهما واحد وهم:
١ الحسن ٢ الحسين ٣ زينب الكبرى ٤ زينب الصغرى
المكناة أم كلثوم قال المفيد أمهم فاطمة البتول سيدة نساء العالمين بنت سيد
المرسلين وخاتم النبيين ٥ أم كلثوم الكبرى ذكرها ابن الأثير مع زينب
الكبرى وقال المسعودي الحسن والحسين ومحسن وأم كلثوم الكبرى وزينب
الكبرى أمهم فاطمة الزهراء بنت رسول الله ص ويمكن الجمع بين قول
المفيد زينب الصغرى المكناة أم كلثوم وقول ابن الأثير والمسعودي انها أم كلثوم
الكبرى بأنها زينب الصغرى بالنسبة إلى زينب الكبرى وأم كلثوم الكبرى
بالنسبة إلى أم كلثوم الصغرى الآتية التي هي من غير فاطمة ٦ محمد
الأوسط امه امامة بنت أبي العاص لم يذكره المفيد ولا المسعودي ٧ و ٨
و ٩ و ١٠ العباس وجعفر وعبد الله وعثمان الشهداء بكربلا أمهم أم
البنين الكلابية وقال المسعودي أمهم أم البنين بنت حزام الوحيدية ولم يذكر
معهم عثمان ١١ محمد الأكبر المكنى بأبي القاسم المعروف بابن الحنفية امه
(٣٢٦)

خولة الحنفية ١٢ محمد الأصغر المكنى بأبي بكر وبعضهم عد أبا بكر
ومحمدا الأصغر اثنين والظاهر أنهما واحد ١٣ عبد الله أو عبيد الله
الشهيدين بكربلاء أمهما ليلى بنت مسعود النهشيلة ١٤ يحيى امه أسماء
بنت عميس ١٥ و ١٦ عمر ورقية توأمان أمهما أم حبيب الصهباء بنت
ربيعة التغلبية وعمر عمر خمسا وثمانين سنة ١٧ و ١٨ و ١٩ أم الحسن
ورملة الكبرى وأم كلثوم الصغرى أمهم أم سعد بنت عروة بن مسعود
الثقفية واقتصر المفيد والمسعودي على أم الحسن ورملة ولم يصفاها بالكبرى
٢٠ بنت ماتت صغيرة أمها مخبأة الكلبية ولم يذكرها المفيد والمسعودي
٢١ أم هاني ٢٢ ميمونة ٢٣ زينب الصغرى في عمدة الطالب أمها أم
ولد وكانت تحت محمد بن عقيل بن أبي طالب ٢٤ رملة الصغرى ولم
يذكرها المفيد ولا المسعودي ٢٥ رقية الصغرى ولم يذكرها المسعودي ٢٦
فاطمة ٢٧ امامة ٢٨ خديجة ٢٩ أم الكرام وقال المسعودي ان أم
الكرام هي فاطمة ٣٠ أم سلمة ٣١ أم أبيها ذكرها المسعودي ٣٢
جمانة المكناة أم جعفر ٣٣ نفيسة لأمهات شتى.
الكلام على زينب وأم كلثوم
مقتضى قول غير المفيد أن زينب وأم كلثوم أربعة صغريان وكبريان
وبه صرح المسعودي فجعل أم كلثوم الكبرى وزينب الكبرى من فاطمة
الزهراء وجعل أم كلثوم الصغرى من غيرها. أما المفيد فلم يذكر أم كلثوم
الصغرى كما عرفت وذكر زينب الكبرى وزينب الصغرى المكناة بام كلثوم
بنتي الزهراء وزينب الصغرى من غير الزهراء ولم يكنها أم كلثوم وقد
سمعت أن أمها أم ولد. ولا شك انه كان لأمير المؤمنين ع بنتان
كلتاهما تكنى أم كلثوم إحداهما زوجة عمر توفيت بالمدينة والأخرى التي
كانت بالطف ذكرهما المؤرخين والأولى توفيت قبل وقعة الطف وحينئذ فلا
يبعد أن تكون أم كلثوم التي كانت بالطف والتي خطبت بالكوفة هي زينب
الصغرى التي ذكرها المفيد وهو الموافق للاعتبار فإنها وزينب الكبرى شقيقتا
الحسين ع فلم تكونا لتفارقاه ولا ليفارقهما وإذا كانت الكبرى
وهي زوجة عبد الله بن جعفر لم تفارقه وزوجها حي فأحرى أن لا تفارقه
الصغرى وهي في النبل بمرتبة تلي مرتبة زينب الكبرى. أما القبر الذي
بقرية راوية قرب دمشق فهو منسوب لزينب الصغرى المكناة أم كلثوم كما
وجد في صخرة على قبرها رأيتها وكما ذكره ابن جبير في رحلته فان صح ذلك
فهي شقيقة الحسين ع أما كيف جاءت إلى الشام وتوفيت ودفنت
هناك فالله أعلم بصحة ذلك وليس في شئ من التواريخ والآثار ما يشير
إليه. وقال ابن عساكر في تاريخ دمشق أن القبر الذي بقرية راوية هو لام
كلثوم وليست بنت النبي ص لأنها توفيت بالمدينة ولا أم كلثوم بنت علي من
فاطمة زوجة عمر لأنها ماتت بالمدينة ودفنت بالبقيع وإنما هي امرأة من أهل
البيت سميت بهذا الاسم ولا يحفظ نسبها اه وظاهره انحصار أم كلثوم
بنت علي ع في واحدة وهو مخالف لما عليه المؤرخون والنسابون
ومخالف لما تحقق من أم كلثوم التي كانت بالطف ليست زوجة عمر لأنها
توفيت قبل ذلك كما عرفت. وياقوت في معجم البلدان اقتصر على أن
براوية قبر أم كلثوم لم يزد على ذلك وكون القبر الذي براوية لزينب الكبرى
مقطوع بعدمه كما بيناه في ترجمتها من هذا الكتاب والنسل منهم للحسن
والحسين ع ومحمد بن الحنفية والعباس والعمر.
وقد كثر الله تعالى نسل علي وفاطمة ع بدعوة النبي ص
لهما ليلة زفافهما بقوله: اللهم اخرج منهما الكثير الطيب وقال الجاحظ قال
علي بن أبي طالب رض بقية السيف أنمى عددا وأكثر ولدا. ووجد
الناس ذلك بالعيان الذي صار إليه ولده من نهك السيف وكثرة الذرء وكرم
النجل اه.
صفته ع في خلقه وحليته
في كشف الغمة طلب بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل من بعض
العلماء ان يخرج أحاديث صحاحا وشيئا مما ورد في فضائل أمير المؤمنين ع
وصفاته وكتبت على الأنوار الشمع الاثني عشر التي حملت إلى مشهده
قال وأنا رأيتها. ومما جاء في صفته أيضا ما نقل عن كتاب صفين وعن جابر
وابن الحنفية وغيرهم وما نقل في الاستيعاب وقال إنه أحسن ما رآه في صفته
ونحن نذكر صفته المنيفة مقتبسة من مجموع تلك الروايات فنقول:
كان ع ربعة من الرجال إلى القصر أقرب وإلى السمن ما
هو أدعج العينين (١) أنجل (٢) في عينيه لين (٣) أزج الحاجبين حسن الوجه من
أحسن الناس وجها يميل إلى السمرة كثير التبسم أصلع ليس في رأسه شعر
إلا من خلفه ناتئ الجبهة له حفاف (٤) من خلفه كأنه إكليل وكان عنقه
إبريق فضة (٥) كث اللحية له لحية قد زانت صدره لا يغير شيبه أرقب (٦)
عريض ما بين المنكبين لمنكبيه مشاش كمشاش السبع الضاري وفي رواية
عظيم المشاشين كمشاش السبع الضاري (٧) لا يبين عضده من ساعده
أدمجت إدماجا عبل الذراعين شثن الكفين (٨) وفي رواية دقيق الأصابع
شديد الساعد واليد لا يمسك بذراع رجل قط الا أمسك بنفسه فلم يستطع
ان يتنفس ضخم البطن أقرى الظهر (٩) عريض الصدر كثير شعره ضخم
الكسور (١٠) عظيم الكراديس (١١) غليط العضلات حمش الساقين (١٢)
ضخم عضلة الذراع دقيق مستدقها ضخم عضلة الساق دقيق مستدقها إذا
مشى تكفا (١٣) وإذا مشى إلى الحرب هرول قوي شجاع منصور على من
لاقاه قد أيده الله بالعز والنصر. قال المغيرة: كان علي ع على
هيئة الأسد غليظا منه ما استغلظ دقيقا منه ما استدق. وكثر وصفه
بالأصلع والأجلح والأنزع البطين ومر ذلك في ألقابه وفي الفائق: علي ع
قال ابن عباس ما رأيت أحسن من شرصة علي الشرصتان بكسر
الشين وسكون الراء النزعتان وهي من الشرص بمعنى الجذب كان الشعر
شرص شرصا فجلح الموضع ألا ترى إلى تسميتها نزعة والجذب والنزع من
واد واحد اه.

(١) الدعج شدة سواد العين مع سعتها.
(٢) النجل سعة العين مع حسنها رجل أنجل وامرأة نجلاء.
(٣) ذبول.
(٤) الجفاف ككتاب الطرة حول رأس الأصلع.
(٥) أي سيف فضة في البريق واللمعان.
(٦) غليظ الرقبة.
(٧) المشاش بالضم رؤوس العظام الواحدة. مشاشة بالضم والمراد ان رؤوس عظام المنكبين منه
كرؤوس عظام منكبي الأسد في الغلظ.
(٨) شئنت كفه خشنت وغلظت وفي النهاية أي يميلان إلى الغلظ والقصر وقيل إن يكون في أنامله
غلظ بلا قصر ويحمد ذلك في الرجال لأنه أشد لقبضهم ويذم في النساء " اه‍ ".
(٩) شديده.
(١٠) الأعضاء.
(١١) الكراديس جمع كردوس وهو كل عظمين التقيا في مفصل.
(١٢) دقيقهما.
(١٣) في النهاية أي تمايل إلى قدام.
(٣٢٧)

صفته ع في أخلاقه واطواره وسيرته
روى جماعة منهم أبو نعيم الأصفهاني في حلية الأولياء وابن عبد البر
المالكي في الاستيعاب وابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة ومحمد بن
طلحة الشافعي في مطالب السؤول وغيرهم بأسانيدهم أنه دخل ضرار بن
ضمرة الكناني وفي الاستيعاب الصدائي بدل الكناني على معاوية فقال له
صف لي عليا قال اعفني قال لتصفنه قال اما كان إذا لا بد من وصفه فإنه:
كان والله بعيد المدى شديد القوى يقول فصلا ويحكم عدلا يتفجر العلم من
جوانبه وتنطق الحكمة من نواحيه يستوحش من الدنيا وزهرتها ويأنس بالليل
ووحشته وكان غزير الدمعة طويل الفكرة يقلب كفه ويخاطب نفسه يعجبه
من اللباس ما خشن ما قصر خ ل ومن الطعام ما جشب وكان فينا
كأحدنا يدنينا إذا أتيناه ويجيبنا إذا سألناه ويأتينا إذا دعوناه وينبئنا إذا استنبأناه
ونحن والله مع تقريبه إيانا وقربه منا لا نكاد نكلمه هيبة له فان تبسم فعن
مثل اللؤلؤ المنظوم يعظم أهل الدين ويقرب المساكين لا يطمع القوي في
باطله ولا ييأس الضعيف من عدله وأشهد لقد رأيته في بعض مواقفه وقد
أرخى الليل سدوله وغارت نجومه قابضا على لحيته يتململ تململ السليم
ويبكي بكاء الحزين فكأني أسمعه الآن وهو يقول: يا ربنا يا ربنا يتضرع
إليه ثم يقول: يا دنيا غري غيري إلي تعرضت أم إلي تشوفت هيهات
هيهات قد بتتك ثلاثا لا رجعة فيها فعمرك قصير وخطرك كبير وعيشك
حقير آه آه من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق. فبكى معاوية ووكفت
دموعه على لحيته ما يملكها وجعل ينشفها بكمه وقد اختنق القوم بالبكاء.
وقال: رحم الله أبا الحسن كان والله كذلك فكيف حزنك عليه يا ضرار؟
قال حزن من ذبح ولدها بحجرها فهي لا ترقا عبرتها ولا يسكن حزنها ثم
خرج. وفي الاستيعاب سئل الحسن البصري عن علي بن أبي طالب فقال:
كان والله سهما صائبا من مرامي الله على عدوه رباني هذه الأمة وذا فضلها
وذا سابقتها وذا قرابتها من رسول الله ص لم يكن بالنؤومة عن أمر الله ولا
بالملومة في دين الله ولا بالسروقة لمال الله اعطى القرآن عزائمه ففاز منه
برياض مونقة، ثم قال للسائل ذاك علي بن أبي طالب يا لكع. وفي البيان
والتبيين: عن عبد الملك بن عمير قال سئل الحارث بن أبي ربيعة الملقب
بالقباع عن علي بن أبي طالب فقال كم كان له ما شئت من ضرس قاطع
في العلم بكتاب الله والفقه بالسنة والهجرة إلى الله ورسوله والبسطة في
العشيرة والنجدة في الحرب والبذل للماعون اه وفي البيان والتبيين:
قال علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه لصعصعة بن صوحان والله ما
علمتك الا كثير المعونة قليل المئونة فجزاك الله خيرا فقال صعصعة وأنت
فجزاك الله أحسن من ذلك فإنك ما علمتك إلا بالله عليم والله في عينك
عظيم. وفي حلية الأولياء بسنده عن عنبسة النحوي: شهدت الحسن بن
أبي الحسن وأتاه رجل من بني ناجية فقال يا أبا سعيد بلغنا انك تقول: لو
كان علي يأكل من خشف المدينة لكان خيرا له مما صنع فقال الحسن يا ابن
أخي كلمة باطل حقنت بها دما، والله لقد فقدوه سهما من مرامي الله والله
ليس بسروقة لمال الله ولا بنؤمة عن أمر الله اعطى القرآن عزائمه فيما عليه
وله أحل حلاله وحرم حرامه حتى أورده ذلك على حياض غدقة ورياض
مونقة ذاك علي بن أبي طالب يا لكع. ومما جاء في صفته ع كما في
الاستيعاب: أنه كان شديد الساعد واليد وإذا مشى للحرب هرول ثبت
الجنان قوي شجاع منصور على من لاقاه: وفي الاستيعاب بسنده عن
أبجر بن جرموز عن أبيه: رأيت علي بن أبي طالب يخرج من مسجد الكوفة
وعليه قطريتان متزر بالواحدة مرتد بالأخرى وإزاره إلى نصف الساق وهو
يطوف في الأسواق ومعهم دره يأمرهم بتقوى الله وصدق الحديث وحسن
البيع والوفاء بالكيل والميزان اه.
وقال ابن عبد البر في الاستيعاب: كان علي إذا ورد عليه مال لم يبق
منه شيئا إلا قسمه ولا يترك في بيت المال منه إلا ما يعجز عن قسمته في يومه
ذلك ويقول يا دنيا غري غيري ولم يكن يستأثر من الفئ بشئ ولا يخص
به حميما ولا قريبا ولا يخص بالولايات إلا أهل الديانات والأمانات وإذا بلغه
عن أحدهم خيانة كتب إليه: قد جاءتكم موعظة من ربكم فأوفوا الكيل
والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين
بقية الله خير لكم ان كنتم مؤمنين وما انا عليكم بحفيظ. إذا أتاك كتابي
هذا فاحفظ بما في يديك من عملنا حتى نبعث إليك من يتسلمه منك ثم
يرفع طرفه إلى السماء فيقول اللهم انك تعلم اني لم آمرهم بظلم خلقك ولا
بترك حقك اه. قال وخطبه ومواعظه ووصاياه لعماله إذ كان يخرجهم
إلى أعماله كثيرة مشهورة. وقال ابن أبي الحديد قال صعصعة بن صوحان
وغيره من شيعته وأصحابه: وكان فيها كأحدنا لين جانب وشدة تواضع
وسهولة قياد وكنا نهابه مهابة الأسير المربوط للسياف الواقف على رأسه.
وقال ابن عبد البر في موضع آخر: اجمعوا على أنه صلى القبلتين وهاجر
وشهد بدرا والحديبية وسائر المشاهد وانه أبلى ببدر وبأحد وبالخندق وبخيبر
بلاء عظيما وانه أغنى في تلك المشاهد وقام فيها المقام الكريم وكان لواء
رسول الله ص بيده في مواطن كثيرة وكان يوم بدر بيده على اختلاف ولما قتل
مصعب بن عمير يوم أحد وكان اللواء بيده دفعه رسول الله ص إلى علي ولم
يتخلف عن مشهد شهده رسول الله ص منذ قدم المدينة الا تبوك فإنه خلفه
على المدينة وعلى عياله بعده وقال له أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا
أنه لا نبي بعدي اه. وفي الإصابة ربي في حجر النبي ص ولم يفارقه
وشهد معه المشاهد إلا غزوة تبوك فقال له بسبب تأخيره له بالمدينة أ لا
ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى وزوجه بنته فاطمة وكان اللواء
بيده في أكثر المشاهد ولما آخى النبي ص بين أصحابه قال له أنت أخي
ومناقبه كثيرة اه. وقد تجمعت في صفاته الأضداد. قال الشريف
الرضي في مقدمة نهج البلاغة: ومن عجائبه ع التي انفرد بها وأمن
المشاركة فيها ان كلامه في الزهد والمواعظ إذا تأمله المتأمل وخلع من قلبه أنه
كلام مثله ممن عظم قدره ونفذ أمره وأحاط بالرقاب ملكه لم يعترضه الشك
في أنه كلام من لاحظ له في غير الزهادة ولا شغل له بغير العبادة قد قبع في
كسر بيت أو انقطع إلى سفح جبل لا يسمع إلا حسه ولا يرى إلا نفسه ولا
يكاد يوقن بأنه كلام من انغمس في الحرب مصلتا سيفه فيقطع الركاب
ويجندل الابطال ويعود به ينطف دما ويقطر مهجا وهو مع تلك الحال زاهد
الزهاد وبدل الابدال وهذه من فضائله العجيبة وخصائصه اللطيفة التي جمع
فيها بين الأضداد وكثيرا ما أذاكر الاخوان بها واستخرج عجبهم منها وهي
موضع للعبرة بها والفكرة فيها اه. وقال ابن أبي الحديد في الشرح ما
حاصله: كان أمير المؤمنين ع ذا أخلاق متضادة منها ما ذكره
الرضي وهو موضع التعجب لان الغالب على أهل الشجاعة والجرأة أن
يكونوا ذوي قلوب قاسية وفتك وتمرد والغالب على أهل الزهد والاشتغال
بالمواعظ أن يكونوا ذوي رقة ولين وهاتان حالتان متضادتان وقد اجتمعتا له
ع ومنها أن الغالب على ذوي الشجاعة واراقة الدماء أن يكونوا ذوي
أخلاق سبعية وطباع وحشية وكذلك الغالب على أهل الزهادة أن يكونوا
(٣٢٨)

ذوي انقباض في الأخلاق وعبوس في الوجوه ونفار من الناس وأمير المؤمنين
ع كان أشجع الناس وأكثرهم إراقة للدماء وأزهدهم وأبعدهم عن ملاذ
الدنيا وأكثرهم وعظا وتذكيرا بأيام الله وأشدهم اجتهادا في العبادة وكان مع
ذلك الطف العالم أخلاقا وأكثرهم بشرا حتى عيب بالدعابة وهذا من عجائبه
وغرائبه اللطيفة ومنها أن الغالب على شرفاء الناس ومن هو من أهل
بيت السيادة والرياسة الكبر والتيه وكان أمير المؤمنين ع لا يشك عدو
ولا صديق أنه أشرف خلق الله نسبا بعد النبي ص وقد حصل له من غير
شرف النسب جهات كثيرة متعددة ومع ذلك كان أشد الناس تواضعا لصغير
وكبير وألينهم عريكة وأبعدهم عن كبر في زمان خلافته وقبلها لم تغيره الأمرة
ولا أحالت خلقه الرياسة وكيف ولم يزل رئيسا أميرا قال أبو الفرج عبد
الرحمن بن علي بن الجوزي في تاريخه المعروف بالمنتظم. تذاكروا عند أبي
عبد الله أحمد بن حنبل خلافة أبي بكر وعلي فأكثروا فرفع رأسه إليهم وقال
قد أكثرتم ان عليا لم تزنه الخلافة ولكنه زانها ومنها أن الغالب على ذوي
الشجاعة وقتل الأنفس ان يكونوا قليلي الصفح لأن القوة الغضبية عندهم
شديدة وكان أمير المؤمنين ع مع شجاعته وكثرة اراقته الدماء كثير
الصفح والعفو وقد رأيت فعله يوم الجمل ولقد أحسن مهيار في قوله:
- حتى إذا دارت رحى بغيهم * عليهم وسبق السيف العذل -
- عاذوا بعفو ماجد معود * للعفو حمال لهم على العلل -
- فنجت البقيا عليهم من نجا * وأكل الحديد منهم من أكل -
- أطلت بهم أرحامهم فلم يطع * ثائرة الغيظ ولم يشف الغلل -
- اه ملخص ما ذكره ابن أبي الحديد وفي اجتماع الأضداد في
صفات أمير المؤمنين ع يقول الصفي الحلي:
- جمعت في صفاتك الأضداد * فلهذا عزت لك الأنداد -
- زاهد حاكم حليم شجاع * ناسك فاتك فقير جواد -
- شيم ما جمعن في بشر قط * ولا حاز مثلهن العباد -
- خلق يخجل النسيم من اللطف * وبأس يذوب منه الجماد -
- حل معناك أن يحيط به الشع‍ر * وتحصي صفاته النقاد -
وقال ابن أبي الحديد في بعض علوياته مشيرا إلى ذلك:
- والحبر يصدع بالمواعط خاشعا * حتى تكاد لها القلوب تصدع -
- حتى إذا استعر الوغى متلظيا * شرب الدماء بغلة لا تنقع -
- متجلببا ثوبا من الدم قانيا * يعلوه من نقع الملاحم برقع -
- زهد المسيح وفتكة الدهر التي * أودى بها كسرى وفوز تبع -
وقال الحافظ أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني في كتابه حلية
الأولياء في ترجمته: علي بن أبي طالب وسيد القوم محب المشهود ومحبوب
المعبود باب مدينة العلم والعلوم ورأس المخاطبات ومستنبط الإشارات راية
المهتدين ونور المطيعين وولي المتقين وإمام العادلين أقدمهم إجابة وإيمانا
وأقومهم قضية وإيقانا وأعظمهم حلما وأوفرهم علما علي بن أبي طالب كرم
الله وجهه قدوة المتقين وزينة العارفين المنبئ عن حقائق التوحيد صاحب
القلب العقول واللسان السؤول والإذن الواعي فقاء عيون الفتن فدفع
الناكثين ووضع القاسطين ودفع المارقين الأخيشن في ذات الله اه. وفي
الإصابة: كان قد اشتهر بالفروسية والشجاعة والاقدام ولم يزل بعد النبي
ص متصديا لنصر العلم والفتيا ثم قال ما حاصله: فلما قتل عثمان بايعه
الناس ثم كان قيام طلحة والزبير وعائشة في طلب دم عثمان فكانت وقعة
الجمل ثم قام معاوية في أهل الشام فدعا إلى الطلب بدم عثمان فكانت
وقعة صفين وكل من الفريقين مجتهد وكان من الصحابة فريق لم يدخلوا في
شئ من القتال وظهر بقتل عمار أن الصواب كان مع علي واتفق على ذلك
أهل السنة بعد اختلاف كان في القديم ولله الحمد اه.
أقول ألا ترى إلى هذا الحافظ الكبير كيف يتبلبل عن إدراك
الحقيقة وهي أجلى من الشمس الضاحية يقول اشتهر بالفروسية والشجاعة
والاقدام وكان الأولى به أن يقول اشتهر بكل فضيلة فأي فضيلة لم يشتهر بها
اشتهاره بالشجاعة اشتهر بالعلم والحلم والفصاحة وحل المشكلات عند
القضاء والزهد والورع والعبادة والعدل وغيرها من محاسن الصفات ولم يكن
شئ من الفضائل لم يشتهر به وقوله وكل من الفريقين مجتهد قول
يصعب التصديق به ممن قتل الأمور بحثا وتاملا ولم يشأ أن يقلد من يجوز
عليه الخطا وممن سمع وعرف أن الاجتهاد لا يجوز في مقابل النص ولا في
القطعيات والأمور الظاهرة قوله وظهر بقتل عمار أن الحق كان مع علي
فيه من التجاهل بالحقائق ما لا ينقضي منه العجب أ فكان قول النبي ص
عمار تقتله الفئة الباغية أشهر وأعرف عند الناس من قوله ص علي مع الحق
والحق مع علي يدور معه كيفما دار يا علي حربك حربي وسلمك سلمي يا
علي من أبغضك فقد أبغضني ومن سبك فقد سبني وأمثالها مما شاع وذاع
ورواه الجمهور من الصحابة أ لم يكن واحد من هذه الآثار كافيا في ظهور أن
الحق مع علي فضلا عن جميعها أ فلم يكن في مبايعة المهاجرين والأنصار
وإجلاء الصحابة له بالمدينة الذين لم يبايع من تقدمه أكثر منهم دليلا على أن
الحق معه وما أحسن ما قاله بعض العلماء العجب من قوم يأخذهم الريب
لمكان عمار ولا يأخذهم لمكان علي بن أبي طالب.
مناقبه وفضائله
نظرة اجمالية فيها وفي أحواله
نبغ في الأزمان على تعاقبها نوابغ يمتازون عن سائر أهل زمانهم
وهؤلاء النوابغ يتفاوتون في نبوغهم وصفاتهم التي ميزتهم عمن سواهم سنة
الله في خلقه ومهما تكثر النابغون في الأزمنة المتطاولة فنابغة الاسلام بل نابغة
الكون المتفرد في صفاته الفاضلة ومزاياه الكاملة واجتماع محاسن الأضداد
فيه هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع ربيب رسول الله ص
أكمل الخلائق وخريجه.
ذات علي ذات فذة يعسر أو يمتنع على الإنسان مهما أطال ومهما دقق
أن يحيط بجميع ما فيها من سمو وتميز على سائر الخلق ومهما حاول الإنسان
أن يحيط بجميع صفاته قعد به العجز واستولى عليه البهر كما قال المؤلف
من قصيدة علوية تزيد على ثلثمائة بيت وزعناها في هذا الجزء مطلعها:
- صفات علي لا يحيط بها الحصر * وفي عدها تفنى الدفاتر والحبر -
ولكن لا يترك الميسور بالمعسور وعن المناقب قال النظام: علي بن
أبي طالب محنة على المتكلم أن وفاه حقه غلا وإن بخسه حقه أساء والمنزلة
الوسطى دقيقة الوزن صعبة المرتقى إلا على الحاذق الدين اه.
علمه
فان نظرنا إلى علمه وجدناه العالم الرباني الذي يقول على ملأ من
الناس سلوني قبل أن تفقدوني ومن ذا الذي يجرؤ من الناس أن يقول
(٣٢٩)

هذا الكلام فوق المنبر على حشد من ألوف الخلق وما يؤمنه أن يسأله سائل
عن مسالة لا يكون عنده جوابها فيخجله فيها. لا يجرأ على هذا القول إلا
من يكون واثقا من نفسه بان عنده جواب كل ما يسال عنه. وهل تنحصر
المسألة في علم من العلوم أو ناحية من النواحي حتى يجرؤ أحد على هذا
القول لا يكون مؤيدا بتأييد إلهي وواثقا من نفسه كل الوثوق بأنه لا يغيب
عنه جواب مسالة مهما دقت وأشكلت ان هذا لمقام يقصر العقل عن
الإحاطة به ويسال وهو على المنبر عن مسافة ما بين المشرق والمغرب فيجب
بأنه مسيرة يوم للشمس. وهو جواب اقناعي أحسن ما يجاب به في مثل
المقام. ويسال عما بين الحق والباطل فيقول مسافة أربع أصابع. الحق أن
تقول رأيت بعيني والباطل أن تقول سمعت باذني. ويسال عن رجلين مع
أحدهما خمسة أرغفة ومع الآخر ثلاثة فجلس معهما ثالث وأكلوا الأرغفة
الثمانية وطرح إليهما الثالث ثمانية دراهم فيحكم بان لصاحب الثلاثة درهم
واحد ولصاحب الخمسة سبعة دراهم لأن الأرغفة الثمانية أربعة وعشرون
ثلثا لصاحب الثلاثة منها تسعة أثلاث أكل منها ثمانية وأكل الضيف واحدا
ولصاحب الخمسة منها خمسة عشر ثلثا أكل منها ثمانية وأكل الضيف
سبعة. فهذه المسألة لو أجاب عنها أمهر رجل في الحساب بعد طول الفكرة
والروية وأصاب فيها لكان له الفخر. ويؤتى عمر بامرأة ولدت لستة أشهر
فيهم برجمها فيقول له علي إن خاصمتك بكتاب الله خصمتك أن الله تعالى
يقول وحمله وفصاله ثلاثون شهرا ويقول والوالدات يرضعن أولادهن
حولين كاملين فإذا كانت مدة الرضاع حولين كاملين والحمل والفصال
ثلاثون شهرا كانت مدة الحمل فيها ستة أشهر فثبت الحكم بذلك وعمل به
الصحابة والتابعون ومن أخذ عنهم إلى يومنا هذا. ويؤتى عمر بمجنونة
زنت فيأمر بجلدها فيقول له أن النبي قد رفع القلم عن المجنون حتى يفيق
فيقول فرج الله عنك لقد كدت أهلك في جلدها. ويؤتى عمر بحامل قد
زنت فيأمر برجمها فيقول له هب أن لك سبيلا عليها أي سبيل لك على ما
في بطنها. احتط عليها تلد فإذا ولدت ووجدت لولدها من يكفله فاقم
عليها الحد فيقول عمر لا عشت لمعضلة لا يكون لها أبو الحسن. ويجئ أبو
الأسود الدئلي فيخبره بأنه سمع من يلحن في القرآن فيضع له أصول علم
النحو في كلمات معروفة ويقول له انح هذا النحو فيزيد عليها أبو الأسود
وتضبط لغة العرب بعلم النحو إلى اليوم.
شجاعته
وإذا نظرنا إلى شجاعته وقد ضربت بها الأمثال وجدناه قد باشر
الحرب وعمره عشرون سنة أو فوقها بقليل وقد أنسى ذكر من كان قبله ومحا
اسم من يأتي بعده ووجدنا تفوقه فيها على جميع الخلق ملحقا بالضروريات
يقبح بالانسان إطالة الكلام فيه وإكثار الشواهد عليه ومقاماته في الحرب
تضرب بها الأمثال إلى يوم القيامة. وكفى في ذلك أنه ما فر في موطن قط
ولا ارتاع من كتيبه ولا بارز أحدا إلا قتله ولا ضرب ضربة قط فاحتاجت
إلى ثانية وكانت ضرباته وترا إذا علا قد وإذا اعترض قط ولا دعي إلى
مبارزة فنكل وهذا كله من الأمور العجيبة التي لم تنفق لغير علي بن أبي
طالب ويمكن أن توصف الشجاعة بأكثر من ذلك. وكان يقول ما بارزت
أحدا إلا كنت أنا ونفسه عليه وكانت العرب تفتخر بوقوفها في مقابلته في
الحرب. ويفتخر المفتخرون ورهطهم بأنه قاتلهم افتخر بذلك حيي بن
أخطب سيد بني النضير فقال قتله شريف بيد شريف. وافتخرت به أخت
عمرو بن عبد ود في شعرها الذي رثت به أخاها. ولما افتخر حسان بقتل
عمرو بن عبد ود في شعر له رد عليه فتى من بني عامر فقال من أبيات:
- كذبتم وبيت الله لا تقتلوننا * ولكن بسيف الهاشميين فافخروا -
- بسيف ابن عبد الله أحمد في الوغى * بكف علي نلتم ذاك فاقصروا -
- علي الذي في الفخر طال بناؤه * فلا تكثروا الدعوى علينا فتحقروا -
وكان يمدحه المشركون على قتله عظيما منهم ويجعلون ذلك فخرا لعلي
ومع ذلك فمال هذا إلى الافتخار بأنه قاتله قال مسافع الجمحي في رثاء
عمرو وقتل علي إياه من أبيات:
- فاذهب علي فما ظفرت بمثله * فخرا فلا لاقيت مثل المعضل -
وقال هبيرة بن أبي وهب يرثي عمرا ويذكر قتل علي إياه من أبيات:
- فعنك علي لا أرى مثل موقف * وقفت على نجد المقدم كالفجل -
- فما ظفرت كفاك فخرا بمثله * امنت به ما عشت من زلة النعل -
وافتخر به سعيد بن العاص فقال: أما أنه ما كان يسرني أن يكون
قاتل أبي غير ابن عمه علي بن أبي طالب إلى غير ذلك. وكان ينيمه أبوه وهو
صبي أيام حصار الشعب في مرقد رسول الله ص فينام فيه مواجها للخطر
طيبة بذلك نفسه. وظهرت شجاعته الفائقة في مبيته على الفراش ليلة الغار
موطنا نفسه على الأخطار غير هياب ولا حزين والنفر من قريش محيطون
بالدار ليفتكوا بمن في الفراش وظهرت شجاعته البالغة لما سار بالفواطم بعد
الهجرة جهارا من مكة وليس معه إلا ابن أم أيمن وأبو واقد الليثي وهما لا
يغنيان شيئا فلحقه ثمانية فرسان من قريش أمامهم جناح مولى حرب بن
أمية فاهوى إليه جناح بالسيف وهو فارس وعلي راجل فحاد علي عن ضربته
وضربه لما انحنى على كتفه فقطعه نصفين حتى وصلت الضربة إلى قربوس
فرسه وانهزم الباقون.
وفي يوم بدر قتل الوليد بن عتبة وشرك في قتل عتبة وقتل جماعة من
صناديد المشركين حتى روي أنه قتل نصف المقتولين أو أزيد من النصف
بواحد وقتل باقي المسلمين مع الملائكة المسومين النصف الثاني.
وفي يوم أحد قتل أصحاب اللواء جميعهم على أصح الروايات وهم
سبعة أو تسعة وانهزم بقتلهم المشركون ولولا مخالفة الرماة أمر رسول الله ص
لتم النصر للمسلمين وجميع من قتل يوم أحد من المشركين ثمانية وعشرون
قتل علي منهم ثمانية عشر. ثم لما انهزم المسلمون إلا قليلا منهم ثبت مع
النبي ص فحامى عنه وكلما أقبل إليه قوم ندبه النبي إليهم فيفرقهم ويقتل
فيهم حتى عجب منه جبرائيل وقال يا رسول الله أن هذه للمواساة ونادى
لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي.
وفي وقعة الخندق لما أقحم عمرو بن عبد ود وجماعة معه خيلهم
وعبروا الخندق جاء علي ومعه نفر حتى أخذ عليهم الثغرة التي أقحموا
خيلهم منها ولم يجسر على ذلك أحد غيره ولما طلب عمرو المبارزة جبن
المسلمون كلهم وسكتوا كأنما على رؤوسهم الطير فجعل عمرو يؤنبهم
ويوبخهم والنبي يقول من لعمرو وقد ضمنت له على الله الجنة فلم يقم
إليه أحد إلا علي فقال انا له يا رسول الله والنبي ص يقول له اقعد فإنه
عمرو حتى فعل ذلك ثلاثا فقال له في الثالثة وإن كان عمرا فقتله وانهزم من
معه فلحقهم علي وقتل بعضهم وانكسرت بذلك شوكة المشركين ورد الله
الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال بعلي.
(٣٣٠)

وفي يوم خيبر كان علي أرمد لا يبصر سهلا ولا جبلا فلذلك بعث
النبي ص اثنين غيره من المهاجرين فرجعا منهزمين أحدهما يجبن أصحابه
ويجبنونه والآخر يؤنب أصحابه ويؤنبونه فقال النبي ص لأعطين الراية غدا
رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله كرارا غير فرار لا يرجع حتى يفتح
الله عليه فدعا بعلي فتفل في عينيه فبرئا وأعطاه الراية فلقيه مرحب وعلى
رأسه مغفر وحجر قد ثقبه مثل البيضة فضربه علي فقد الحجر والمغفر ورأسه
حتى وقع السيف في أضراسه وسمع أهل العسكر صوت تلك الضربة واقتلع
باب الحصن وجعله جسرا على الخندق وكان يغلقه عشرون رجلا فلما
انصرفوا من الحصن دحا به أذرعا واجتمع عليه سبعون رجلا حتى أعادوه
وتترس بباب لم يستطع قلبه ثمانية نفر فأي شجاع في الكون يصل إلى هذه
الشجاعة.
وفي غزوة حنين ثبت مع النبي ص وقد هرب عنه الناس غير عشرة
تسعة منهم من بني هاشم هو أحدهم وفيهم العباس وابنه وقتل علي أبا
جرول وأربعين من المشركين غيره وانهزم المشركون بقتله وقتلهم ورجع
المسلمون من هزيمتهم بثباته وثبات من معه الذين انما ثبتوا بثباته لأنه لم يؤثر
عنهم شجاعة كما أثر عنه. وفي جميع الوقائع والغزوات كان له المقام
الأسمى في الشجاعة والثبات.
وفي يوم الجمل وصفين والنهروان باشر الحرب بنفسه وقتل صناديد
الأبطال وجدل أبطال الرجال.
وفي يوم الجمل ثبت الفريقان واشرعوا الرماح بعضهم في صدور
بعض كأنها أجلم القصب ولو شاءت الرجال أن تمشي عليها لمشت وكان
يسمع لوقع السيوف أصوات كأصوات القصارين، ولما اشتد القتال زحف
نحو الجمل بنفسه في كتيبته الخضراء من المهاجرين والأنصار وحوله بنوه ثم
حمل فغاص في عسكر الجمل حتى طعن العسكر ثم رجع وقد انحنى سيفه
فاقامه بركبته فقال له أصحابه وبنوه نحن نكفيك فلم يجبهم ولا رد إليهم
بصره وظل ينحط ويزأر زئير الأسد ثم حمل ثانية وحده فدخل وسطهم
والرجال تفر من بين يديه وتنحاز عنه يمنة ويسرة حتى خضب الأرض بدماء
القتلى ثم رجع وقد انحنى سيفه فاقامه بركبته ثم قال لابنه محمد بن الحنفية
هكذا تصنع يا ابن الحنفية. فقال الناس من الذي يستطيع ما تستطيعه يا
أمير المؤمنين.
ومن مواقفه بصفين ما كان يوم الهرير قال بعض الرواة فوالله الذي
بعث محمدا بالحق نبيا ما سمعنا برئيس قوم منذ خلق الله السماوات والأرض
أصاب بيده في يوم واحد ما أصاب علي، أنه قتل في ما ذكر العادون زيادة
على خمسمائة من اعلام العرب يخرج بسيفه منحنيا فيقول معذرة إلى الله
وإليكم من هذا فكنا نأخذه ونقومه ثم يتناوله من أيدينا فيقتحم به في عرض
الصف. فلا والله ما ليث أشد نكاية منه بعدوه.
حلمه
وإذا نظرنا إلى حلمه وصفحه وجدناه أحلم الناس وكفانا لاثبات
بلوغه أعلى درجات الحلم حلمه عن أهل الجمل عموما وعن مروان بن
الحكم وعبد الله بن الزبير خصوصا فقد ظفر بمروان يوم الجمل وكان أعدى
الناس له فصفح عنه وكان عبد الله بن الزبير من أعدى الناس له وكان
يشتمه على رؤوس الاشهاد فاخذه يوم الجمل أسيرا فصفح عنه وقال اذهب
فلا أرينك لم يزده على ذلك وظفر بسعيد بن العاص بعد وقعة الجمل بمكة
وكان له عدوا فاعرض عنه ولم يقل له شيئا ولم يعاقب أحدا من أهل الجمل
وأهل البصرة ونادى مناديه ألا لا يتبع مول ولا يجهز على جريح ولا يقتل
مستأسر ومن ألقى سلاحه فهو آمن وتقيل سنة رسول الله ص يوم فتح مكة
ولما ملك عليه أهل الشام الشريعة ومنعوه وأصحابه من الماء ثم ملكها
عليهم قال له أصحابه أمنعهم كما منعونا فقال لا والله لا أكافيهم بمثل
فعلهم. وكان يوصي جيوشه أن لا يتبعوا مدبرا ولا يجهزوا على جريح.
عدله
وإذا نظرنا إلى عدله لم يجد له في العدل مشابها قال ابن الأثير في أسد
الغابة إن زهده وعدله لا يمكن استقصاؤهما ومر كلام الاستيعاب في ذلك
عند ذكر صفته في أخلاقه وأطواره وما ذا يقول القائل في عدل خليفة يجد في
مال جاءه من أصبهان رغيفا فيقسمه سبعة أجزاء كما قسم المال ويجعل على
كل جزء جزءا. ويساوي بين الناس في العطاء ويأخذ كأحدهم.
فصاحته
وإذا نظرنا إلى فصاحته وبلاغته وجدناه إمام الفصحاء وسيد البلغاء،
وحسبك أن يقال في كلامه أنه بعد كلام الرسول ص فوق كلام المخلوق
ودون كلام الخالق. وقول عدوه معاوية: والله ما سن الفصاحة لقريش
غيره. وأنه لم يدون لأحد من الصحابة العشر ولا نصف العشر مما دون
له: ويقبح بنا أن نقيم شيئا من الأدلة والشواهد على ذلك فإنه كإقامة
الدليل على الشمس الضاحية:
- وليس يصح في الأذهان شئ * متى احتاج النهار إلى دليل -
ولا أدل على ذلك مما أثر عنه وجمع من كلامه كنهج البلاغة وغيره
وسنتكلم على نهج البلاغة مستقلا انش.
زهده
وإذا نظرنا إلى زهده في الدنيا أخذنا العجب والبهر من رجل في يده
الدنيا كلها عدى الشام العراق وفارس والحجاز واليمن ومصر وهو يلبس
الخشن ويأكل الجشب مواساة للفقراء ويقول يا دنيا غري غيري الخ ولم
يخلف إلا سبعمائة درهم فضلت من عطائه كان يعدها لخادم يشتريها لأهله
ويفرق جميع ما في بيت المال ثم يأمر به فيكنس ثم يصلي فيه رجاء أن يشهد
له. وما شبع من طعام قط. وقد بلغ من زهده في الدنيا أن تكون الدنيا
عنده أهون من ورقة في فم جرادة تقضمها. كما في بعض كلامه وأن تكون
الإمرة عنده لا تساوي نعلا قيمتها ثلاثة دراهم إلا أن يقيم حقا أو يدفع
باطلا كما قاله لابن عباس وهو سائر إلى البصرة.
الجود والسخاء
وإذا نظرنا إلى جوده وسخائه وجدناه أسخى من السحاب الهاطل
ووجدناه لا يبارى في ذلك ولا يماثل قال الشعبي كان أسخى الناس وقال
عدوه معاوية لو ملك بيتا من تبر وبيتا من تبن لأنفق تبره قبل تبنه وكان
يكنس بيوت الأموال ويصلي فيها ويقول يا صفراء ويا بيضاء غري غيري ولم
يخلف ميراثا وكانت الدنيا كلها بيده عدى الشام ولم يعمل بآية النجوى
غيره. واعتق ألف عبد من كسب يده ولم يقل لسائل لا قط.
حسن الخلق
وإن نظرنا إلى حسن أخلاقه وجدناه يضرب به المثل في ذلك حتى
(٣٣١)

عابه به أعداؤه لما لم يجدوا فيه عيبا. وقال أصحابه كان فينا كأحدنا لين
جانب وشدة تواضع وسهولة قياد وكنا نهابه مهابة الأسير المربوط للسياف
الواقف على رأسه.
الرأي والتدبير
وإن نظرنا إلى رأيه وتدبيره وجدناه أصوب الناس رأيا وأحسنهم تدبيرا
فهو الذي أشار على عمر بوضع التاريخ للهجرة. وبترك حلي الكعبة لما أراد
أخذه وأشار لما اجتمعت الفرس على غزو بلاد الاسلام أن لا يذهب بنفسه
لأن الأعاجم إذا رأوه قالوا هذا رجل العرب فان قطعتموه فقد قطعتم العرب
وكان أشد لكلبهم وأن لا يشخص أهل الشام ولا أهل اليمن خوفا على
ذراريهم من الروم والحبشة ولا أهل الحرمين لئلا تنتفض عليه وقال أن
القتال ليس بالكثرة بل بالبصيرة وأن يبعث إلى أهل البصرة فلتقم فرقة منهم
على ذراريهم وأخرى على أهل عهدهم لئلا ينقضوا ولتسر فرقة منهم إلى
اخوانهم مددا لهم فقبل ذلك عمر وكان هو الرأي. وهو الذي أشار على
عثمان بأمور كان صلاحه فيها لو قبلها.
العبادة
وإذا نظرنا إلى عبادته وجدناه أعبد الناس وكانت جبهته كثفنة البعير
لطول سجوده وفي الأدعية المأثورة عنه كفاية. وكان زين العابدين على ما
هو عليه من العبادة يستصغر عبادته في جنب عبادة جده أمير المؤمنين.
ومن عجيب أحواله أنه اجتمعت في صفاته الأضداد فبينما هو يمارس
الحروب ويبارز الأقران ويقتل الشجعان ومن تكون هذه صفته لا بد أن
يكون قاسي القلب شرس الخلق بينما نراه كذلك إذا هو أعبد العباد.
يقضي ليله بالصلاة والعبادة والتضرع والابتهال والخضوع لله تعالى وإذا به
أحسن الناس خلقا وأرقهم طبعا وألينهم عريكة.
تعداد مناقبه وفضائله على التفصيل
وهي كثيرة ينبو عنها الحصر وعظيمة يضيق بها الوصف ويقصر دونها
الفكر. كما قال السيد الحميري:
- وله مناقب لا ترام وأن يرد * ساع تناول بعضها يتذبذب -
وقد ألفت في فضائله ومناقبه التي اختص بها وامتاز بها عن سائر
الصحابة مؤلفات كثيرة عدى ما أودع في مضامين الكتب التي لا تحصى
منها كتاب خصائصه للنسائي طبع مرارا. وكتاب خصائصه للحافظ أبي
نعيم الأصفهاني. وكتاب خصائصه لأبي عبد الرحمن السكري. وكتاب ما
نزل فيه من القرآن للحافظ أبي نعيم الأصفهاني ولسنا نحتاج في إثبات
عظمته وعلو مقامه وامتيازه عن الخلق عدى رسول الله ص ومشاركته له في
كثير من صفاته وأحواله إلى روايات الراوين ومؤلفات المؤلفين. بل يكفينا
لذلك إلقاء نظرة واحدة على أحواله المسلمة المتواترة من أنه
كيف وتر العرب في حروبه مع النبي ص وقتل صناديدها ورؤساءها
فأورث ذلك الأضغان والأحقاد عليه في قلوبها وكان آباء من قتلهم
وأبناؤهم وإخوانهم وعشائرهم لا يزالون موجودين وأحقادهم لا تزال كامنة
ونيرانها في صدورهم مشتعلة وإن دخلوا في الاسلام فجملة منهم دخلوا فيه
كرها وخوفا من السيف ومن دخل عن عقيدة لم تكن عقيدته لتغير ما في
نفسه وطبعه من الغيظ على قاتل أبيه وأخيه وابنه وقريبه ألا ترى إلى سيد
ولد آدم كيف لم يستطع أن ينظر إلى قاتل عمه حمزة فقال له غيب وجهك عني
وهو أكمل الخلق ولما رأى أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة وهو مسلم أباه عتبة
يجر إلى القليب تغير وجهه ولما نهى رسول الله ص عن قتل أحد من بني
هاشم وعن قتل العباس عمه قال أبو حذيفة أ نقتل أبناءنا و اخواننا وعشائرنا
ونترك العباس والله لئن لقيته لألجمنه السيف ثم ما كان من تنويه النبي ص
بشأنه في مواضع عديدة واختصاصه به ما زرع بذر الحسد له وغرس
العداوة له في قلوب الناس الرجال منهم والنساء سنة الله في خلقه ولن تجد
لسنة الله تبديلا حتى قالت أخت علي بن عدي من بني عبد شمس لما سار
علي ع إلى البصرة:
- لا هم فأعقر بعلي جمله * ولا تبارك في بعير حمله -
- الا علي بن عدي ليس له -
وقد أوضحنا ذلك في الجزء الأول في المقدمات ويدل عليه أيضا ما
رواه الكليني في الكافي بسنده عن الباقر ع قال لما قبض رسول الله ص
بات آل محمد بأطول ليلة حتى ظنوا أن لا سماء تظلهم ولا أرض تقلهم لأن
رسول الله ص وتر الأقربين والأبعدين في الله وتلا ذلك ما كان في دولة بني
أمية نحوا من ثمانين سنة أو أكثر من إظهار بغضه وعداوته ولعنه على المنابر
والاجتهاد في كتمان فضائله ومنع أحد أن يسمى باسمه ويكنى بكنيته.
روى أبو نعيم الأصفهاني في حلية الأولياء بسنده قال كان علي بن
عبد الله بن العباس يكنى أبا الحسن فلما قدم على عبد الملك قال له غير
اسمك وكنيتك فلا صبر لي على اسمك وكنيتك فقال أما الاسم فلا وأما
الكنية فاكتني بأبي محمد فغير كنيته ومنعوا أحدا أن يحدث عنه حتى كان من
يحدث عنه لا يذكره باسمه قال المفيد في الارشاد وفيما انتهى إليه الأمر من
دفن فضائل أمير المؤمنين ع والحيلولة بين العلماء ونشرها ما لا
شبهة فيه على عاقل حتى كان الرجل إذا أراد أن يروي عن أمير المؤمنين
ع رواية لم يستطع أن يصفها بذكر اسمه ونسبه وتدعوه الضرورة إلى أن
يقول حدثني رجل من أصحاب رسول الله ص أو يقول حدثني رجل من
قريش ومنهم من يقول حدثني أبو زينب اه.
فتقرب إليهم الناس ببغضه ورووا لهم الأحاديث في ذمه وغمط
فضله. وما كان في دولة بني العباس من قصد اخمال ذكره واخفاء فضله
واخماد نوره خوفا من ذريته على الملك. وإخافة كل من ينتسب إليه كما وقع
في عهد المنصور والرشيد والمتوكل وغيرهم الا شاذا كالمأمون وغيره والناس
إلا ما ندر اتباع السلطة والسلطان وعبيد الدنيا والدينار واستمر ذلك في
الدول الاسلامية وفي المسلمين إلى يومنا هذا بما أسسه المؤسسون في غابر
الأزمان وسطره علماء السوء في كتبهم وتوالت عليه القرون والأحقاب فنرى
كثيرا من الناس لا يستطيع أن يسمع له فضيلة أو منقبة ونرى جملة من
المسلمين عمدوا إلى خير كتاب جمع كلامه نهج البلاغة وأعظم مفخرة
للاسلام فأنكروه وادعوا أنه من وضع الرضي حتى نسب الحافظ الذهبي
كلامه إلى الركة ومع كل هذا وذاك وجميع ما هناك فقد انتشر من مناقبه
وفضائله وماثره وجليل صفاته وأفعاله ما تواتر نقله واستفاض وملأ الدفاتر
والأسفار وانتشر في جميع الأقطار والأعصار ولم يجد محاول انكاره سبيلا إلى
الإنكار حتى قال الإمام أحمد بن حنبل كما سيأتي ما جاء لأحد من أصحاب
رسول الله ص من الفضائل ما جاء لعلي بن أبي طالب وهذا يكاد يلحق
بالمعجزات والآيات الباهرات والعادة جارية بان من كانت هذه حاله يخمل
(٣٣٢)

ذكره ويخفى امره ولا يذكره ذاكر بخير. قال المفيد في الارشاد: ومن آياته
وبيناته التي انفرد بها ظهور مناقبه في الخاصة والعامة وتسخير الجمهور لنقل
فضائله وما خصه الله به وتسليم العدو من ذلك بما فيه الحجة هذا مع كثرة
المنحرفين عنه والأعداء له وتوفير أسباب دواعيهم إلى كتمان فضله وجحد
حقه وكون الدنيا في يد خصومه وانحرافها عن أوليائه وما اتفق لأضداده من
سلطان الدنيا وحمل الجمهور على اطفاء نوره ودحض امره فخرق الله العادة
بنشر فضائله وظهور مناقبه وتسخير الكل للاعتراف بذلك والاقرار بصحته
واندحاض ما احتال به أعداؤه في كتمان مناقبه وجحد حقوقه حتى تمت
الحجة له وظهر البرهان بحقه ولما كانت العادة جارية بخلاف ما ذكرناه
فيمن اتفق له من أسباب خمول امره ما اتفق لأمير المؤمنين ع فانخرقت
العادة فيه دل ذلك على بينونته من الكافة بباهر الآية على ما وصفناه قال وقد
شاع الخبر واستفاض عن الشعبي أنه كان يقول لقد كنت اسمع خطباء بني
أمية يسبون أمير المؤمنين علي بن أبي طالب على منابرهم وكأنما يشال بضبعه
إلى السماء وكنت أسمعهم يمدحون أسلافهم على منابرهم وكأنهم يكشفون
عن جيفة وقال الوليد بن عبد الملك لبنيه يوما يا بني عليكم بالدين فاني لم أر
الدين بنى شيئا فهدمته الدنيا ورأيت الدنيا قد بنت بنيانا فهدمه الدين ما
زلت اسمع أصحابنا وأهلنا يسبون علي بن أبي طالب ويدفنون فضائله
ويحملون الناس على شنآنه فلا يزيده ذلك من القلوب الا قربا ويجهدون في
تقريبهم من نفوس الخلق فلا يزيدهم ذلك من القلوب الا بعدا قال:
وكانت الولاة الجورة تضرب بالسياط من ذكره بخير بل تضرب الرقاب على
ذلك وتعرض للناس بالبراءة منه والعادة جارية فيمن اتفق له ذلك أن لا
يذكر على وجه الأرض بخير فضلا عن أن تذكر له فضائل أو تروى له
مناقب أو تثبت له حجة بحق اه. وقال المفيد في الارشاد: فاما مناقبه
الغنية لشهرتها وتواتر النقل بها واجماع العلماء عليها عن ايراد أسانيد الأخبار
بها فهي كثيرة يطول بشرحها الكتاب وفي رسمنا منها طرفا فيه كفاية عن
ايراد جميعها في الغرض الذي وضعنا له هذا الكتاب انش.
وفي أسد الغابة: روى يزيد بن هارون عن فطر عن أبي الطفيل قال
بعض أصحاب النبي ص لقد كان لعلي من السوابق ما لو أن سابقة منها بين
الخلائق لوسعتهم خيرا. وفيه بسنده عن المدائني: لما دخل علي بن أبي
طالب الكوفة دخل عليه رجل من حكماء العرب فقال والله يا أمير المؤمنين
لقد زنت الخلافة وما زانتك ورفعتها وما رفعتك وهي كانت أحوج إليك
منك إليها. قال ابن أبي الحديد في شرح النهج اما فضائله ع
فإنها قد بلغت من العظم والجلال والانتشار والاشتهار مبلغا يسمج معه
التعرض لذكرها والتصدي لتفصيلها فصارت كما قال أبو العيناء
لعبيد الله بن يحيى بن خاقان وزير المتوكل والمعتمد رأيتني فيما أتعاطى من
وصف فضلك كالمخبر عن ضوء النهار الباهر والقمر الزاهر الذي لا يخفى
على الناظر فأيقنت أني حيث انتهى بي القول منسوب إلى العجز مقصر
عن الغاية فانصرفت عن الثناء عليك إلى الدعاء لك ووكلت الأخبار عنك
إلى علم الناس بك. وما أقول في رجل أقر له أعداؤه وخصومه بالفضل ولم
يمكنهم جحد مناقبه ولا كتمان فضائله فقد علمت أنه استولى بنو أمية على
سلطان الاسلام في شرق الأرض وغربها واجتهدوا بكل حيلة في اطفاء ذكره
والتجديف عليه ووضع المعائب والمثالب له ولعنوه على جميع المنابر وتوعدوا
مادحيه بل حبسوهم وقتلوهم ومنعوا من رواية حديث يتضمن له فضيلة أو
يرفع له ذكرا حتى حظروا أن يسمى أحد باسمه فما زاده ذلك الا رفعة
وسموا وكان كالمسك كلما ستر انتشر عرفه وكلما كتم تضوع نشره وكالشمس
لا تستر بالراح وكضوء النهار إن حجبت عنه عين واحدة أدركته عيون كثيرة
أخرى. وما أقول في رجل تعزى إليه كل فضيلة وتنتهي إليه كل فرقة
وتتجاذبه كل طائفة فهو رئيس الفضائل وينبوعها وأبو عذرها وسابق
مضمارها ومجلي حلبتها كل من برع فيها بعده فمنه اخذ وله اقتفى وعلى
مثاله احتذى اه ثم قال وما أقول في رجل تحبه أهل الذمة على
تكذيبهم بالنبوة وتعظمه الفلاسفة على معاندتهم لأهل الملة وما أقول في
رجل أحب كل أحد ان يتكثر به وود كل أحد ان يتجمل به ويتحسن
بالانتساب إليه حتى الفتوة التي أحسن ما قيل في حدها أن لا تستحسن من
نفسك ما تستقبحه من غيرك فان أربابها نسبوا أنفسهم إليه وصنفوا في ذلك
كتبا وجعلوا لذلك اسنادا انهوه إليه وقصروه عليه وسموه سيد الفتيان
وعضدوا مذهبهم بالبيت المروي أنه سمع من السماء يوم أحد:
- لا سيف الا ذو الفقار * ولا فتى الا علي -
اه وتتبع الحافظ أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي المتوفي
سنة ٣٠٣ خصائصه وجمعها في كتاب. وقال أبو الفرج الأصبهاني في مقاتل
الطالبيين: فضائله ع أكثر من أن تحصى فأمير المؤمنين ع
باجماع المخالف والممالي والمضاد والموالي على ما لا يمكن غمطه ولا
ينساع ستره من فضائله المشهورة في العامة المكتوبة عند الخاصة تغني عن
تفصيله بقول والاستشهاد عليه برواية. وقال ابن عبد البر المالكي عالم
الأندلس ومحدثها في الاستيعاب: فضائله لا يحيط بها كتاب وقد أكثر الناس
من جمعها فرأيت الاقتصار منها على النكت التي تحسن المذاكرة بها وتدل على
ما سواها من أخلاقه وأحواله وسيرته وقال أيضا قد كان بنو أمية ينالون منه
وينتقصونه فما زاده الله بذلك الا سموا وعلوا ومحبة عند العلماء إلى أن قال:
قال أحمد بن حنبل وإسماعيل بن إسحاق القاضي: لم يرو في فضائل أحد
من الصحابة بالأحاديث الحسان ما روي في فضائل علي بن أبي طالب
وكذلك أحمد بن شعيب بن علي النسائي اه وروى الحاكم في المستدرك
قال سمعت القاضي أبا الحسن علي بن الحسن الجراحي وأبا الحسين
محمد بن المظفر الحافظ يقولان سمعنا أبا حامد محمد بن هارون الحضرمي
يقول سمعت محمد بن منصور الطوسي يقول سمعت أحمد بن حنبل يقول
ما جاء لأحد من أصحاب رسول الله ص من الفضائل ما جاء لعلي بن أبي
طالب ولم يتعقبه الذهبي في تلخيص المستدرك بشئ وفي الكامل لابن
الأثير: قال أحمد بن حنبل ما جاء لأحد من أصحاب النبي ص ما جاء
لعلي. وفي الإصابة مناقبه كثيرة حتى قال الإمام أحمد لم ينقل لأحد من
الصحابة ما نقل لعلي قال وقال غيره: كان سبب ذلك بغض بني أمية له
فكان كل من كان عنده علم من شئ من مناقبه من الصحابة يثبته وكلما
أرادوا اخماده وهددوا من حدث بمناقبه لا تزداد الا انتشارا ثم قال وتتبع
النسائي ما خص به من دون الصحابة فجمع من ذلك شيئا كثيرا بأسانيد
أكثرها جياد اه أقول بل السبب في ذلك كثرة مناقبه التي لم يستطع
أعداؤه اخفاءها وكرامة من الله تعالى خصه بها ولله تعالى فيه من خوارق
العادات شئ كثير هذا أحدها وإلى ذلك أشار من قال: ما أقول في رجل
اخفى أولياؤه فضائله خوفا وأعداؤه حسدا وظهر من بين ذين ما ملأ
الخافقين وروى ابن عبد البر في الاستيعاب بسنده عن عامر بن عبد الله بن
الزبير أنه سمع ابنا له ينتقص عليا فقال يا بني إياك والعودة إلى ذلك فان
(٣٣٣)

بني مروان شتموه ستين سنة فلم يزده الله بذلك الا رفعة وإن الدين لم يبن
شيئا فهدمته الدنيا وإن الدنيا لم تبن شيئا إلا عادت على ما بنته فهدمته
اه وحكي ابن أبي الحديد عن شيخه أبي جعفر الإسكافي. ما يدل
على أن اشتهار فضائله وانتشارها كان قبل ظهور دولة بني أمية وأن في زمان بني
أمية لم يجسر أحد على رواية خبر عنه فضلا عن أن يروي له فضيلة وهذا مما
يبطل ما زعمه هذا البعض في سبب انتشار فضائله قال أبو جعفر: قد صح
أن بني أمية منعوا من اظهار فضائل علي وعاقبوا ذاكر ذلك والراوي له حتى
أن الرجل إذا روى عنه حديثا لا يتعلق بفضله بل بشرائع الدين لا يتجاسر
على ذكر اسمه فيقول عن أبي زينب قال فالأحاديث الواردة في فضله لو لم
تكن في الشهرة والاستفاضة وكثرة النقلة إلى غاية بعيدة لانقطع نقلها
للخوف والتقية من بني مروان مع طول المدة وشدة العداوة ولولا أن لله
تعالى في هذا الرجل سرا يعلمه من يعلمه لم يرو في فضله حديث ولا عرفت
له منقبة اه فهذا هو السبب في انتشار فضائله لا ما ذكره هذا
البعض. كيف وكثير من الصحابة كانوا منحرفين عنه فسعد وابن عمر لم
يبايعاه بعد قتل عثمان وبايع الثاني يزيد بن معاوية بعد ذلك وغيرهما من
الصحابة لم يبايعه كمحمد بن مسلمة وأسامة بن زيد وغيرهما فلم يجبرهم
واعتزلوا فقال هؤلاء قوم خذلوا الحق ولم ينصروا الباطل وأهل الجمل نكثوا
بيعته وهم من الصحابة وعداوة ابن الزبير له معلومة ولما روت أم المؤمنين
حديث خروج النبي ص في مرضه قالت متوكئا على الفضل ورجل آخر وكان
الآخر عليا فلم يسعها التصريح باسمه وقولها وسجودها لما جاءها نعيه
مشهور وفي كشف الغمة عن يونس بن جيب النحوي قال قلت للخليل بن أحمد
أريد أن أسألك عن مسالة فتكتمها علي فقال قولك يدل على أن
الجواب أغلظ من السؤال فتكتمه أنت أيضا قلت نعم أيام حياتك قال
سل: قلت ما بال أصحاب رسول الله ص ورحمهم كأنهم كلهم بنو أم
واحدة وعلي بن أبي طالب من بينهم كأنه ابن علة (١) فقال أن عليا تقدمهم
اسلاما وفاقهم علما وبذهم شرفا ورجحهم زهدا وطالهم جهادا والناس إلى
أشكالهم واشباههم أميل منهم إلى من بان منهم اه وروى الصدوق في
الأمالي وعلل الشرائع بسنده عن ابن دريد عن الرياشي عن أبي زيد
النحوي سعيد بن أوس الأنصاري قال سالت الخليل بن أحمد العروضي لم
هجر الناس عليا وقرباه من رسول الله ص قرباه وموضعه من المسلمين
موضعه وغناؤه في الاسلام غناؤه فقال بهر والله نوره أنوارهم وغلبهم على
صفو كل منهم والناس إلى أشكالهم أميل أ ما سمعت الأول حيث يقول:
- كل شكل لشكله ألف * أ ما ترى الفيل يألف الفيلا -
قال وانشدنا الرياشي في معناه للعباس بن الأحنف:
- وقائل كيف تهاجرتما * فقلت قولا فيه انصاف -
- لم يك من شكلي فهاجرته * والناس أشكال وآلاف -
وقال ابن شهرآشوب في المناقب: قيل لمسلمة بن نميل ما لعلي رفضه
العامة وله في كل خير ضرس قاطع فقال لأن ضوء عيونهم قصير عن نوره
والناس إلى أشكالهم أميل. وقال الشعبي ما ندري ما نصنع بعلي بن
أبي طالب إن أحببناه افتقرنا أي لمعاداة الناس لنا وإن أبغضناه كفرنا وروي
أن عليا ع ناشد الناس في الرحبة أيكم سمع رسول الله ص يقول من
كنت مولاه فعلي مولاه فقام اثنا عشر رجلا فشهدوا وأنس بن مالك حاضر لم
يقم فقال له ما يمنعك أن تقوم فقال كبرت ونسيت فقال اللهم إن كان كاذبا
فارمه بها بيضاء لا تواريها العمامة فبرص قال طلحة بن عمير فوالله لقد
رأيت الوضح به بعد ذلك أبيض بين عينيه وكان يقول هذا من دعوة العبد
الصالح قال ابن أبي الحديد وروى أبو إسرائيل عن الحكم عن أبي سليمان
المؤذن أن عليا نشد الناس من سمع رسول الله ص يقول من كنت مولاه
فعلي مولاه فشهد له قوم وامسك زيد بن أرقم فلم يشهد وكان يعلمها فدعا
عليه بذهاب البصرة فعمي فكان يحدث الناس بهذا الحديث بعد ما كف
بصره. وحال حسان بن ثابت معه واضحة حتى رماه بقتل عثمان في أبياته
المشهورة. وحال أبي موسى الأشعري وتخذيله عنه الناس بالكوفة يوم
الجمل وهو عامله وخلعه له من الخلافة يوم الحكمين غير خفية. وأمر
معاوية وعمرو بن العاص معه وهما من الصحابة معلوم وجملة من الصحابة
كانوا منحازين إلى بني أمية يمالؤونهم ويداهنونهم وينالون من دنياهم ويلون
لهم الأعمال كالنعمان بن بشير وأبي هريرة والمغيرة بن شعبة وأمثالهم وجملة
منهم أخذوا الأموال الطائلة وولوا الولايات الجليلة ليرووا لبني أمية في ذمة
ما شاؤوا مثل أن آية ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد
الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها
ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد نزلت في علي بن أبي طالب.
حكى ابن أبي الحديد عن شيخه أبي جعفر الإسكافي أنه قال أن معاوية بذل
لسمرة بن جندب وهو صحابي مائة ألف درهم حتى يروي أن هذه الآية
نزلت في علي وأن الآية الثانية نزلت في ابن ملجم ومن الناس من يشري
نفسه ابتغاء مرضاة الله فلم يقبل فبذل له أربعمائة ألف درهم فقبل
وروى ذلك وليرووا لهم أنه غاظ رسول الله ص بخطبته بنت أبي جهل حتى
قام في ذلك خطيبا وحتى نظم ذلك مروان بن أبي حفصة في قصيدته اللامية
متقربا به إلى العباسيين فقال:
- وغاظ رسول الله إذ غاظ بنته * بخطبته بنت اللعين أبي جهل -
وحكى ابن أبي الحديد في شرح النهج عن شيخه أبي جعفر الإسكافي
أن أبا هريرة روى ذلك وأن الحديث مشهور من رواية الكرابيسي ثم قال
ابن أبي الحديد أن الحديث مخرج أيضا من صحيحي مسلم والبخاري عن
المسور بن مخرمة الزهري اه ولم يتفطن من افتعل هذا الحديث إلى أنه
يؤول إلى القدح في الرسول ص والعياذ بالله فإنه ليس له أن يغضب مما
أحله الله وأباحه. قال أبو جعفر الإسكافي: وكان أبو مسعود الأنصاري
منحرفا عن علي واستشهد لذلك بعدة روايات واستقصاء ذلك يطول به
الكلام ولم يكن لكثير منهم الحرص على اثبات مناقبه واظهارها الا نفر يسير
استولى عليهم الخوف والاضطهاد وفي أي زمان كان يجسر أحد على ذكر
فضائله أ في زمن بني أمية الذين منعوا أن يسمى أحد باسمه أو يكنى بكنيته
ومنعوا من ذكره والرواية عنه وجعلوا سبه على المنابر في الأعياد والجمعات
كفرض الصلاة ثمانين سنة أو أكثر وكان الناس يتقربون إليهم بذمه واخفي
قبره بعد موته خوفا منهم أم في زمان بني العباس وحالهم مع ذريته وشيعته
معلومة حتى بنوا عليهم الحيطان وقتلوهم وشردوهم عن الأوطان والقوهم في
المطامير وكانت الناس تتقرب إليهم بتقديم غيره بل بذمه وحال المتوكل في

(١) ابن العلة بفتح العين وتشديد اللام هو الأخ لأم
وحدها أي الأخ من الأب دون الأم وأبناء العلات الأخوة لأمهات شتى وأبوهم
واحد والعلة مأخوذة من العل وهو الشرب الثاني
والشرب الأول يسمى النهل فكأن أباه عل منها بعد أن نهل من غيرها قال الشاعر:
- أفي الولائم أولاد لواحدة * وفي الوقائع أولاد لعلات -
(٣٣٤)

ذلك وقصته مع ابنه المستنصر مشهورة وقصيدة مروان بن أبي حفصة اللامية
التي يذمه وينتقصه فيها تقربا إلى بني العباس أشهر من قفا نبك وقصة
النسائي المحدث المشهور مع أهل الشام حين سالوه أيهما أفضل معاوية أم
علي فقال أ ما يرضى معاوية رأسا برأس وحين سالوه ما تروي في فضل
معاوية فأجابهم بما أجابهم فرضوا خصيتيه حتى مات مشهورة ولم يزل هذا
الداء المزمن ساريا إلى يومنا هذا حتى أن الباعث لهذا البعض الذي ذكره
ابن حجر على ذكر هذا السبب هو من هذا البحر وعلى هذه القافية فإنه
عظم عليه أن يكون علي بن أبي طالب ورد في فضله ما لم يرد لأحد من
الصحابة فأراد مسخ هذه المنقبة وتوهينها بان ذلك ليس لزيادة فضله عليهم
كيف وهو متأخر بزعمه في الفضل عن جملة منهم بل لما ذكره من العلة وهذه
عادتهم وشنشنتهم الأخزمية في كل منقبة تنسب إلى علي وأهل بيته لا من
عصمة الله ونحن نذكر طرفا مقنعا من فضائله ومناقبه من دون استقصاء
فان ذلك يحتاج إلى عدة مجلدات وهي على أنواع:
الأول أنه ربي في حجر رسول الله ص وتأدب بآدابه وتخلق
باخلاقه واهتدى بهداه واقتدى به في أقواله وأفعاله ولازمه طول حياته وقد
تقدمت الإشارة إلى ذلك عند ذكر نشأته وتربيته وقال ع في أواخر
خطبته المسماة بالقاصعة: وقد علمتم موضعي من رسول الله ص بالقرابة
القريبة والمنزلة الخصيصة وضعني في حجره وانا وليد يضمني إلى صدره
ويكنفني في فراشه ويمسني جسده ويشمني عرفه وكان يمضغ الشئ ثم
يلقمنيه وما وجد لي كذبة في قول ولا خطلة في فعل ولقد قرن الله به من
لدن إن كان فطيما أعظم ملك من ملائكته يسلك به طريق المكارم ومحاسن
أخلاق العالم ليله ونهاره ولقد كنت اتبعه اتباع الفصيل اثر امه يرفع لي في
كل يوم من أخلاقه علما ويأمرني بالاقتداء به ولقد كان يجاور في كل سنة
بحراء فأراه ولا يراه غيري ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الاسلام غير رسول
الله ص وخديجة وانا ثالثهما ارى نور الوحي والرسالة وأشم ريح النبوة قال
النقيب أبو جعفر يحيى بن زيد العلوي نقيب البصرة فيما حكاه تلميذه ابن
أبي الحديد في شرح النهج: وإذا كان القرين مقتديا بالقرين فما ظنك
بالتربية والتنقيف الدهر الطويل فوجب أن تكون أخلاق علي كاخلاق محمد
ص مربيه لولا أن الله اختص محمدا برسالته فامتاز رسول الله ص بذلك عن
سواه وبقي ما عدا الرسالة على أمر الاتحاد وإلى هذا المعنى أشار ص بقوله
أخصمك بالنبوة فلا نبوة بعدي وتخصم الناس بسبع وقال له أنت مني بمنزلة
هارون من موسى الا أنه لا نبي بعدي فأبان نفسه منه بالنبوة وأثبت له ما
عداها من جميع الفضائل مشتركا بينهما اه. وفي ذلك يقول المؤلف
من قصيدة:
- وربيت في حجر النبي محمد * فطوبى لمن من احمد ضمه حجر -
- وغذاك بالعلم الإلاهي ناشئا * فلا علم الا منك قد خاطه خبر -
- بآدابه أدبت طفلا ويافعا * وأكسبنك الأخلاق أخلاقه الغر -
الثاني السبق إلى الاسلام وعدم السجود لصنم قط قال ابن أبي
الحديد ما أقول في رجل سبق الناس إلى الهدى وآمن بالله وعبده وكل من في
الأرض يعبد الحجر ويجحد الخالق لم يسبقه أحد إلى التوحيد إلا السابق إلى
كل خير محمد رسول الله ص. ذهب أكثر أهل الحديث إلى أنه ع
أول الناس اتباعا لرسول الله ص وإيمانا به ولم يخالف في ذلك الا الأقلون وقد
قال هو ع انا الصديق الأكبر وانا الفاروق الأول أسلمت قبل اسلام
الناس وصليت قبل صلاتهم ومن وقف على كتب أصحاب الحديث تحقق
ذلك وعلمه واضحا واليه ذهب الواقدي وابن جرير الطبري وهو القول
الذي رجحه ونصره صاحب كتاب الاستيعاب اه وفي أسد الغابة:
هو أول الناس اسلاما في قول كثير من العلماء وقال ابن عبد البر في
الاستيعاب: روي عن سلمان وأبي ذر والمقداد وخباب وجابر وأبي سعيد
الخدري وزيد بن الأرقم أن علي بن أبي طالب أول من أسلم وفضله هؤلاء
على غيره وقال ابن إسحاق أول من آمن بالله وبرسوله محمد ص من الرجال
علي بن أبي طالب وهو قول ابن شهاب إلا أنه قال من الرجال بعد خديجة
وهو قول الجميع في خديجة ثم روى بسنده عن ابن عباس قال لعلي أربع
خصال ليست لأحد غيره هو أول عربي وعجمي صلى مع رسول الله ص وهو
الذي كان لواؤه معه في كل زحف وهو الذي صبر معه يوم فر عنه غيره وهو
الذي غسله وادخله قبره قال وروي عن سلمان عن النبي ص أول هذه الأمة
ورودا على الحوض أولها اسلاما علي بن أبي طالب وبسنده عن سلمان
الفارسي عن النبي ص أولكم ورودا على الحوض أولكم اسلاما علي بن أبي
طالب ورواه الحاكم في المستدرك بسنده عن سلمان مثله وفي الاستيعاب
بسنده عن ابن عباس أول من صلى مع النبي ص بعد خديجة علي بن أبي
طالب وبسنده عن ابن عباس أيضا كان علي بن أبي طالب أول من آمن
من الناس بعد خديجة قال أبو عمرو بن عبد البر هذا اسناد لا مطعن فيه
لأحد لصحته وثقة نقلته وهو يعارض ما ذكرناه عن ابن عباس في باب أبي
بكر قال والصحيح في أمر أبي بكر أنه أول من أظهر اسلامه كذلك قال
مجاهد وغيره قالوا أو منعه قومه وقال ابن شهاب وعبد الله بن محمد بن
عقيل وقتادة وابن اسحق أول من أسلم من الرجال علي واتفقوا على أن
خديجة أول من آمن بالله ورسوله وصدقه فيما جاء به ثم علي بعدها قال
وروي في ذلك عن أبي رافع مثل ذلك وبسنده سئل محمد بن كعب
القرظي عن أول من أسلم علي أم أبو بكر قال سبحان الله علي اولهما اسلاما
وانما شبه على الناس لأن عليا اخفى اسلامه ولا شك أن عليا عندنا أولهما
اسلاما وبسنده عن قتادة عن الحسن أسلم علي وهو أول من أسلم الحديث
وقال ابن إسحاق أول ذكر آمن بالله ورسوله علي بن أبي طالب وبسنده
عن قتادة عن الحسن وغيره قالوا أول من أسلم بعد خديجة علي بن أبي
طالب وبسنده عن ابن عباس أول من أسلم علي وبسنده عن
حبة العرني سمعت عليا يقول لقد عبدت الله قبل أن يعبده أحد من
هذه الأمة خمس سنين وبسنده عن حبة العرني سمعت عليا يقول أنا أول
من صلى مع رسول الله ص ورواه الحافظ النسائي في الخصائص بسنده عن
حبة العرني مثله قال ابن عبد البر وروى مسلم الملائي عن انس بن مالك
قال استنبئ النبي ص يوم الاثنين وصلى علي يوم الثلاثاء وروى الحاكم في
المستدرك بسنده عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال أوحي إلى رسول الله ص
يوم الاثنين وصلى علي يوم الثلاثاء وبسنده عن أنس قال نبئ النبي ص
يوم الاثنين واسلم علي يوم الثلاثاء. وروى النسائي في الخصائص بعدة
أسانيد عن زيد بن أرقم أول من صلى مع رسول الله ص علي بن أبي طالب
وبسنده عنه أول من أسلم مع رسول الله ص علي بن أبي طالب
وروى الحاكم في المستدرك وصححه عن زيد بن أرقم أول من أسلم مع
رسول الله ص علي بن أبي طالب وصححه الذهبي في تلخيص المستدرك وفي
الاستيعاب وقال زيد بن أرقم أول من آمن بالله بعد رسول الله ص علي بن
أبي طالب. روي حديث زيد بن أرقم من وجوه ذكرها النسائي وأسد بن
(٣٣٥)

موسى وغيرهما وفي الاستيعاب قال علي صليت مع رسول الله ص كذا وكذا
لا يصلي معه غيري الا خديجة اه. وروي في أسد الغابة بعدة
أسانيد إلى ابن عباس وزيد بن أرقم: أول من أسلم علي وباسناده عن
حبة بن جوين عن علي لم اعلم أحدا من هذه الأمة عبد الله قبلي لقد عبدته
قبل أن يعبده أحد منهم خمس سنين أو سبع سنين وباسناده عن أبي
أيوب الأنصاري عن النبي ص لقد صلت الملائكة علي وعلى علي سبع سنين
وذلك أنه لم يصل معي رجل غيره وروى النسائي في الخصائص بسنده
عن علي آمنت قبل الناس بسبع سنين وبسنده عنه ع ما اعرف أحدا
من هذه الأمة عبد الله بعد نبينا غيري عبدت الله قبل أن يعبده أحد من
هذه الأمة تسع سنين. كذا في النسخة ولعله تصحيف سبع سنين
وروى الحاكم في المستدرك بسنده عن عباد بن عبد الله الأسدي عن علي
قال إني عبد الله وأخو رسوله وأنا الصديق الأكبر لا يقولها بعدي الا كاذب
صليت قبل الناس بسبع سنين قبل أن يعبده أحد من هذه الأمة. والذهبي
في تلخيص المستدرك لم تتحمل نفسه مضمون هذا الحديث فقال كذا قال
صحيح على شرط الشيخين وهو على شرط أحدهما بل ولا هو بصحيح بل
حديث باطل فتدبره وعباد قال ابن المديني ضعيف أقول ليست مبالغته
في تضعيفه الا لمضمونه ولذلك أمر بتدبره وصحته على شرط أحدهما كافية
وعباد ذكره ابن حبان في الثقات نقله في تهذيب التهذيب وقال إن ابن
المديني قال ضعيف الحديث اه. فيظهر منه ضعف حديثه عنده لا
ضعفه في نفسه ولعله لأن في حديثه مثل هذا الذي لا يراه صوابا ويرشد
إليه ما حكاه في تهذيب عن ابن حنبل أنه ضرب على حديثه عن علي انا
الصديق الأكبر وقال هو منكر فإنه ظاهر في أن عليه لمضمونه لا لضعف
سنده. وروى الحاكم في المستدرك عن شعيب بن صفوان عن الأجلح عن
سلمة بن كهيل عن حبة بن جوين عن علي قال عبدت الله مع رسول الله ص
سبع سنين قبل أن يعبده أحد من هذه الأمة. قال الذهبي في المستدرك
وهذا باطل لأن النبي ص من أول ما أوحي له آمن به خديجة وأبو بكر وبلال
وزيد مع علي قبله بساعات أو بعده بساعات وعبدوا الله مع نبيه فأين السبع
السنين ولعل السمع أخطأ فيكون أمير المؤمنين قال عبدت الله ولي سبع
سنين ولم يضبط الراوي ما سمع ثم حبة شيعي جبل ضعفه الجوزجاني والدارقطني وشعيب وأجلح متكلم فيهما اه ملخصا وجزمه ببطلانه في
غير محله فإنه لو صح أن قليلين أسلموا قبل سبع سنين لجاز أن يراد قبل أن
يعبده أحد من جمهور الأمة مجازا جمعا بين الأحاديث إذا كان قد عبده قبلها
الواحد أو الاثنان أو الثلاثة واما قوله قبله بساعات أو بعده بساعات فبعيد
عن الاثبات كما يعلم مما سبق واما القدح في حبة وتضعيفه فليس الا لأنه
شيعي وذلك لو لم يكن من أسباب المدح لا يكون من أسباب القدح عند
المتصف.
وروى الحاكم في المستدرك بسنده عن ابن عباس قال لعلي أربع
خصال ليست لأحد: هو أول عربي وأعجمي صلى مع رسول الله ص وهو
الذي كان لواؤه معه في كل زحف وهو الذي صبر معه يوم المهراس (١) وهو
الذي غسله وأدخله قبره اه وفي ذلك يقول المؤلف من قصيدة:
- سبقت إلى الاسلام كل موحد * وقد عم أصناف الورى الشرك والكفر -
- فكنت وما في الأرض غير ثلاثة * يصلون للرحمن إذا زف الظهر -
- علي وأم المؤمنين خديجة * واحمد لا عمرو هناك ولا بكر -
الثالث ما جرى له حين جمع النبي ص عشيرته الأقربين ودعاهم
إلى الاسلام في أول البعثة وقد مر ذكر ذلك مفصلا في السيرة النبوية في
الجزء الثاني ويأتي ذكره في أدلة إمامته في هذا الجزء وعند ذكر اخباره متتالية
متتابعة فاغنى ذلك عن ذكره هنا ونكتفي هنا بايراد بعض ما ذكره المفيد في
الارشاد في هذه المنقبة قال: ومن مناقبه الغنية لشهرتها وتواتر النقل بها
واجماع العلماء عليها عن ايراد الأخبار بها أن النبي ص جمع خاصة أهله
وعشيرته في ابتداء الدعوة إلى الاسلام فعرض عليهم الايمان واستنصرهم
على أهل الكفر والعدوان وضمن لهم على ذلك الحظوة في الدنيا والشرف
وثواب الجنان فلم يجبه أحد منهم الا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع
فنحله بذلك تحقيق الأخوة والوزارة والوصية والوراثة والخلافة
وأوجب له به الجنة وذلك في حديث الدار الذي أجمع على صحته نقلة
الآثار حين جمع رسول الله ص بني عبد المطلب في دار أبي طالب وذكر الحديث ومر
عند ذكر اخباره لما نزل وانذر عشيرتك الأقربين. وفيه أنه قال لهم فمن
يجيبني إلى هذا الأمر ويؤازرني عليه يكن أخي ووصيي ووزيري ووارثي
وخليفتي من بعدي فلم يجبه أحد فقال أمير المؤمنين أنا يا رسول الله أوازرك
على هذا الأمر فقال أنت أخي ووصيي ووزيري ووارثي وخليفتي من بعدي
فنهض القوم وهم يقولون لأبي طالب ليهنئك اليوم إن دخلت في دين ابن
أخيك فقد جعل ابنك أميرا عليك. ثم قال المفيد وهذه منقبة جليلة
اختص بها أمير المؤمنين ع ولم يشركه فيها أحد من المهاجرين والأنصار
ولا أحد من أهل الاسلام وليس لغيره عدل لها في الفضل ولا مقارب على
حال وفي الخبر بها ما يفيد أنه به ع تمكن النبي ص من تبليغ
الرسالة واظهار الدعوة والصدع بالاسلام ولولاه لم تثبت الملة ولا استقرت
الشريعة ولا ظهرت الدعوة فهو ع ناصر الاسلام ووزير الداعي
إليه من قبل الله عز وجل وبضمانه لنبي الهدى ع النصرة تم له في
النبوة ما أراد وفي ذلك من الفضل ما لا توازيه الجبال فضلا ولا تعادله
الفضائل كلها محلا وقدرا اه وتدل هذه الرواية على أن هذه الدعوة
كانت في دار أبي طالب ولا ريب أن عليا صنع ذلك بإذن أبيه فإنه لم يكن
ليصنع شيئا في دار أبيه ويصنع طعاما من ماله بغير إذنه ولا شك أنه كان
مسرورا جدا بما قاله النبي ص في حق ابنه وبما قاله ابنه للنبي ص وبما ظهر من
فضله على كافة من حضر وأنه كان مسلما في الباطن لكنه لم يتمكن من
اظهار سروره لأن المصلحة كانت في كتمان اسلامه ليتمكن من حماية النبي
ص وإن النبي كان راضيا من كتمانه وإن أبا طالب كان ساخطا من مقالة قومه
قد جعل ابنك أميرا عليك وراضيا بامارة ابنه عليه.
الرابع مبيته على الفراش ليلة الغار وفداؤه النبي ص بنفسه وقد
تقدم شرح ذلك في الجزء الثاني في السيرة النبوية ويأتي ذكره مفصلا أيضا في
هذا الجزء مع ما لم يذكر هناك عند ذكر اخباره من مولده إلى وفاته إن شاء الله
تعالى.
الخامس إقامة النبي ص له مقامه يوم الهجرة في أداء أماناته ورد
ودائعه وقضاء ديونه وحمل الفواطم إليه إلى المدينة ولم يأتمن على ذلك أحدا
غيره لما علم من أمانته وكفاءته وشجاعته فقام بما امره به وأقام مناديا ينادي
بالأبطح محل اجتماع الناس غدوة وعشية: إلا من كانت له قبل محمد

(١) أي يوم أحد لأن المهراس اسم ماء بأحد. - المؤلف -
(٣٣٦)

أمانة فليحضر مكان كذا وكذا تؤد إليه أمانته ثم حمل الفواطم وهاجر بهن
إلى المدينة ظاهرا ولحقه الثمانية الفوارس فقتل مقدمهم ورجع الباقون حتى
ورد على النبي ص بقبا. قال المفيد في الارشاد: ومن مناقبه أن النبي ص
كان امين قريش على ودائعهم فلما فجأه من الكفار ما أحوجه إلى الهرب من
مكة بغتة لم يجد في قومه وأهله من يأتمنه على ما كان مؤتمنا عليه سوى أمير
المؤمنين ع فاستخلفه في رد الودائع إلى أربابها وقضاء دينه وجمع
بناته ونساء أهله وأزواجه (١) والهجرة بهم إليه ولم ير أن أحدا يقوم مقامه في
ذلك من كافة الناس فوثق بأمانته وعول على نجدته وشجاعته واعتمد في
الدفاع عن أهله وخاصته على بأسه وقدرته واطمأن إلى ثقته على أهله وحرمه
وعرف من ورعه وعصمته ما تسكن النفس معه إلى إئتمانه على ذلك فقام
علي به أحسن القيام ورد كل وديعة إلى أهلها وأعطى كل ذي حق حقه
وحفظ بنات نبيه ص وهاجر بهم ماشيا على قدميه يحوطهم من الأعداء
ويكلؤهم من الخصماء ويرفق بهم في المسير حتى اوردهم عليه المدينة على
أتم صيانة وحراسة ورفق وأحسن تدبير. وهذه منقبة توحد بها من كافة
أهل بيته وأصحابه ولم يشركه فيها أحد من اتباعه وأشياعه ولم يحصل لغيره
من الخلق فضل سواها يعادلها عند السبر ولا يقاربها على الامتحان وهي
مضافة إلى ما قدمناه من مناقبه الباهرة بفضلها القاهرة بشرفها قلوب العقلاء
اه.
السادس المؤاخاة بينه وبين رسول الله ص قال ابن عبد البر في
الاستيعاب: آخى رسول الله ص بين المهاجرين ثم آخى بين المهاجرين
والأنصار وقال في كل واحدة منهما لعلي أنت أخي في الدنيا والآخرة وآخى
بينه وبين نفسه. وفي أسد الغابة: آخاه رسول الله ص مرتين فإنه آخى بين
المهاجرين ثم آخى بين المهاجرين والأنصار بعد الهجرة وقال لعلي في كل
واحدة منهما أنت أخي في الدنيا والآخرة ثم روى بسنده عن ابن عمر أنه لما
ورد رسول الله ص المدينة آخى بين أصحابه فجاء علي تدمع عيناه فقال يا
رسول الله آخيت بين أصحابك ولم تؤاخ بيني وبين أحد فقال رسول الله
ص يا علي أنت أخي في الدنيا والآخرة وبسنده عن ابن عمر أن رسول
الله ص آخى بين أصحابه بين أبي بكر وعمر وبين طلحة والزبير وبين
عثمان وعبد الرحمن بن عوف فقال علي يا رسول الله انك قد آخيت بين
أصحابك فمن أخي قال رسول الله ص أ ما ترضى يا علي أن أكون أخاك
فقال علي بلى يا رسول الله فقال رسول الله ص أنت أخي في الدنيا والآخرة وروى ابن عبد البر في الاستيعاب بسنده عن ابن عباس قال رسول الله
ص لعلي أنت أخي وصاحبي وبسنده عن أبي الطفيل أن عليا قال لهم
يوم الشورى أنشدكم الله هل فيكم أحد آخى رسول الله ص بينه وبينه إذ
آخى بين المسلمين غيري قالوا اللهم لا قال وروينا من وجوه عن علي
أنه كان يقول أنا عبد الله وأخو رسول الله ص لا يقولها أحد غيري الا
كذاب وروى النسائي في الخصائص بسنده عن علي أنه قال أنا عبد الله
وأخو رسول الله وأنا الصديق الأكبر لا يقولها بعدي الا كاذب آمنت قبل
الناس بسبع سنين وبسنده عن أبي سليمان الجهني سمعت عليا على
المنبر يقول انا عبد الله وأخو رسول الله لا يقوم بها الا كذاب مفتر. وفي
ذلك من إبانة فضله على الكافة والدلالة على أنه لا كفؤ لرسول الله ص
سواه ما لا يخفى فإنه لو وجد النبي ص كفؤا له غيره لآخاه دونه وفي ذلك
يقول الصفي الحلي:
- لو رأى مثلك النبي لآخاه * والا فأخطأ الانتقاد -
- ويقول المؤلف:
- لو رأى مثلك النبي لآخاه * وحاشاه من خطا الانتقاد -
- ويقول المؤلف أيضا من قصيدة ثانية:
- واخوه دون الصحابة إذ ك‍ * ل شبيهين منهم اخوان -
وفيه يقول المؤلف أيضا من قصيدة ثالثة:
- تخيرك الهادي النبي لنفسه * أخا حين آخى بينهم فلك الفخر -
- فهل كان مذ آخاك مثلك فيهم * وأخطأ انتقاء المصطفى انه الهذر -
ويقول أيضا من قصيدة رابعة:
- وآخاك من بين الصحاب محمد * فهل كان خطئا في انتقائك ما فعل -
السابع أنه كان صاحب راية رسول الله ص في المواقف كلها
والراية هي العلم الأكبر واللواء دونها، في المصباح لواء الجيش علمه وهو
دون الراية. وقد مر في الأمر الثاني من مناقبه رواية الحاكم بالاسناد عن ابن
عباس لعلي أربع خصال ليست لأحد وعد منها وهو الذي كان لواؤه معه في
كل زحف ورواه المفيد في الارشاد باسناده عن ابن عباس نحوه وقال وهو
صاحب لوائه في كل زحف وروى الحاكم في المستدرك وصححه بسنده عن
مالك بن دينار سالت سعيد بن جبير فقلت يا أبا عبد الله من كان حامل
راية رسول الله ص فنظر إلي وقال كأنك رخي البال فغضبت وشكوته إلى
اخوانه من القراء فقلت ألا تعجبون من سعيد سألته كذا ففعل كذا قالوا
انك سألته وهو خائف من الحجاج وقد لاذ بالبيت فسله الآن فسألته فقال
كان حاملها علي هكذا سمعته من عبد الله بن عباس قال ولهذا الحديث
شاهد من حديث زنفل العرفي وفيه طول فلم أخرجه اه وفي تهذيب
التهذيب في ترجمة سعد بن عبادة قال مقسم عن ابن عباس كانت راية
رسول الله ص في المواطن كلها مع علي راية المهاجرين ومع سعد بن عبادة
راية الأنصار اه وروى المفيد في الارشاد عن يحيى بن عمارة حدثني
الحسن بن موسى بن رباح مولى الأنصار حدثني أبو البختري القرشي قال
كانت راية قريش ولواؤها جميعا بيد قصي بن كلاب ثم لم تزل الراية في يد
ولد عبد المطلب يحملها منهم من حضر الحرب حتى بعث الله رسوله ص
فصارت راية قريش وغيرها إلى النبي فاقرها في بني هاشم فأعطاها رسول
الله ص علي بن أبي طالب ع في غزوة ودان وهي أول غزوة حمل
فيها راية في الاسلام مع النبي ص ثم لم تزل معه في بدر وهي البطشة
الكبرى وفي يوم أحد وكان اللواء يومئذ في بني عبد الدار فأعطاه رسول الله
ص مصعب بن عمير فاستشهد ووقع اللواء من يده فتشوفته القبائل فاخذه
رسول الله ص فدفعه إلى علي بن أبي طالب فجمع له يومئذ الراية واللواء
فهما إلى اليوم في بني هاشم اه.
ومما مر في الجزء الثاني ويأتي في هذا الجزء عند ذكر الغزوات فيهما
تعلم صحة ذلك ففي غزوة ودان التي هي أول غزوة حمل فيها راية كانت
رايته مع علي بن أبي طالب وفي غزوة بدر الأولى كان لواؤه معه وفي غزوة

(١) لا يخفى أنه لم يكن للنبي (ص) زوجة في ذلك الوقت غير سودة بنت زمعة لأنه تزوجها بمكة أما
باقي نسائه فبالمدينة وخديجة كانت قد ماتت. - المؤلف -
(٣٣٧)

بدر الكبرى كانت رايته معه. وفي غزوة أحد كانت رايته ولواء المهاجرين
مع علي فلما علم أن لواء المشركين مع بني عبد الدار لأنهم كانوا أصحاب
لواء قريش في الجاهلية قال نحن أولي بالوفاء منهم فأعطى اللواء رجلا منهم
اسمه مصعب بن عمير فلما قتل مصعب رد اللواء إلى علي. وفي غزوات
حمراء الأسد والحديبية وحنين وذات السلاسل كان اللواء مع علي ع
وفي غزوة بني النضير وغزوة خيبر كانت الراية معه وفي فتح مكة
كانت الراية مع سعد بن عبادة وهي راية الأنصار اما راية المهاجرين فهي
مع علي فلما قال سعد ما يدل على أنه يريد الانتقام أمر عليا أن يأخذها منه
ويدخل بها لأن سعدا لم يكن ليدفعها لأحد سوى علي ولم يكن النبي ص
ليأمره بدفعها إلى غيره لأن في ذلك وهنا عليه الا أن يكون ابنه كما في بعض
الروايات وفي ذلك يقول المؤلف من قصيدة:
- وفي كل زحف كنت رب لوائه * ورايته العظمى وفي سيفك النصر -
الثامن الشجاعة وامتيازه بها وتفوقه فيها ملحق بالضروريات قال
ابن أبي الحديد في شرح النهج: اما الشجاعة فإنه انسى الناس فيها ذكر من
كان قبله ومحا اسم من يأتي بعده ومقاماته في الحرب مشهورة تضرب بها
الأمثال إلى يوم القيامة وهو الشجاع الذي ما فر قط وارتاع من كتيبة ولا
بارز أحدا الا قتله ولا ضرب ضربة قط فاحتاجت إلى ثانية وفي الحديث
كانت ضرباته وترا أقول ولا دعي إلى مبارزة فنكل قال ولما دعا
معاوية إلى المبارزة ليستريح الناس من الحرب بقتل أحدهما قال له عمرو لقد
أنصفك فقال معاوية ما غششتني منذ نصحتني الا اليوم أ تأمرني بمبارزة أبي
الحسن وأنت تعلم أنه الشجاع المطرق أراك طمعت في امارة الشام بعدي
وكانت العرب تفتخر بوقوفها في الحرب في مقابلته فاما قتلاه فافتخار رهطهم
بأنه ع قتلهم أظهر وأكثر قالت أخت عمرو بن عبد ود ترثيه:
- لو كان قاتل عمرو غير قاتله * بكيته ابدا ما دمت في الأبد -
- لكن قاتله من لا نظير له * وكان يدعى أبوه بيضة البلد -
ولما أقيم حيي سيد اخطب بن بني النضير بين يديه ليقتله قال قتلة
شريفة بيد شريف وانتبه معاوية فرأى ابن الزبير تحت رجليه فقال له
عبد الله لو شئت أن أفتك بك لفعلت فقال لقد شجعت بعدنا يا أبا بكر
قال وما الذي تنكره من شجاعتي وقد وقفت في الصف ازاء علي بن أبي
طالب قال لا جرم أنه قتلك (١) وأباك بيسرى يديه وبقيت اليمنى فارغة
يطلب من يقتله بها، وجملة الأمر أن كل شجاع في الدنيا إليه ينتهي وباسمه
ينادى في مشارق الأرض ومغاربها اه ثم قال وما أقول في رجل تصور
ملوك الفرنج والروم صورته في بيعها وبيوت عباداتها حاملا سيفه مشمرا
لحربه وتصور ملوك الترك والديلم صورته على أسيافها كان على سيف عضد
الدولة بن بويه وسيف أبيه ركن الدولة وكانت صورته على سيف ألب
ارسلان وابنه ملك شاة كأنهم يتفاءلون به النصر والظفر أقول لا يمكن
أن توصف الشجاعة بأكثر من أنه ما نكل عن مبارز ولا بارز أحدا الا قتله
ولا فر قط ولا ضرب ضربة فاحتاج إلى ثانية وكان يقول ما بارزت أحدا الا
وكنت انا ونفسه عليه وفي كتاب عجائب احكامه قيل له يا أمير المؤمنين أ لا
تعد فرسا للفر والكر فقال اما انا فلا أفر ومن فر مني فلا أطلبه اه.
وكفى في ذلك مبيته على الفراش ليلة الغار معرضا نفسه للأخطار لم يخف
ولم يحزن فوقى النبي ص بنفسه وفداه بمهجته غير هياب ولا متردد ولا
حزين.
وخروجه بالفواطم جهارا من مكة ولحوق الفوارس الثمانية به لما
علموا بخروجه حنقين عليه عازمين على قتله إن لم يرجع راغما كما مر عن
السيرة النبوية في الجزء الثاني ويأتي في هذا الجزء عند ذكر اخباره متتالية.
ولا بد أن يكونوا من شجعان مكة وابطالها لأن من ينتدب لمثل ذلك لا
يكون من جبناء الناس وهم فرسان وهو راجل وهم ثمانية وهو واحد وليس
معه الا أيمن بن أم أيمن وأبو واقد الليثي وهما لا يغنيان عنه شيئا وقد أخذ
الهلع أبا واقد حين رأى الفرسان فسكن جأشه ولم ينقل انهما عاوناه بشئ
بل كان حظهما حظ الواقف المتفرج وهو ليس بحاجة إلى مساعد على أن
ثمانية فوارس ولو لم يكونوا في الدرجة العالية من الشجاعة لا يفلت منهم
رجل واحد في العشرين من سنه أو تجاوزها بقليل مهما كان شجاعا فيمكنهم
أن يحيطوا به من كل جانب فيقتلوه ولو رضخا بالحجارة فإذا كر على الذين
أمامه حمل عليه الذين وراءه أو كر على الذين وراءه حمل عليه الذين أمامه
فلا يمكنه الخلاص ويسهل عليه قتله أو أسره أما أن يكون رجل واحد على
قدميه يشد على فارس في مقدمة ثمانية فوارس ولا بد أن يكون أشجعهم
فيقده نصفين ويصل سيفه إلى قربوس فرسه فهذا شئ خارق للعادة من
شاب لم يسبق له مباشرة الحرب قبل هذا وهو منتهى الشجاعة والجرأة
والاقدام فلا جرم أن ترتعد منه فرائض الباقين فيولوا هاربين مذعورين
ويطلبوا منه أن يكف عنهم فكانت هذه أول مظهر من مظاهر شجاعته
الخارقة وقايس إن شئت بين هذه الحال وحال الرسول ص في هجرته إلى
المدينة قبل ذلك فقد كان معه صاحبه وغلام صاحبه عامر بن فهيرة ودليلهم
الليثي عبد الله بن أريقط فهم أربعة أحدهم الرسول ص الذي يجب أن
يكون أشجع من علي بن أبي طالب فلما لحقهم سراقة بن مالك وهو رجل
واحد بكى الصاحب خوفا فقال له الرسول ص لم تبك قال ما على نفسي
بكيت ولكن أبكي عليك فما دفعه عنهم إلا دعاء الرسول عليه فرسخت
قوائم فرسه في الأرض أ ترى لو كان معهم علي هل كان يبكي ويهتم لرجل
واحد ليس معه أحد وهو لم يهتم لثمانية فوارس أم كان يضربه ضربة
حيدرية فيقده نصفين طولا لا عرضا كما فعل بجناح وهل كان يحتاج النبي
ص في دفعه إلى أن يدعو عليه لا أظنك تشك في أنه لو كان معهم لفعل به
فعله بجناح
وما كان منه في وقعة بدر المار ذكرها في السيرة النبوية والآتية في هذا
الجزء التي بها تمهدت قواعد الدين وأذل الله جبابرة المشركين وقتلت فيها
رؤساؤهم ووقعت الهيبة من المسلمين في قلوب العرب واليهود وغيرهم فقد
كان في هذه الوقعة قطب رحاها وليث وغاها بارز الوليد بن عتبة أول نشوب
الحرب فلم يلبثه حتى قتله وشارك عمه حمزة في قتل عتبة واشترك هو وحمزة
وعبيدة في قتل شيبة فاجهزوا عليه قال المفيد فكان قتل هؤلاء الثلاثة أول
وهن لحق المشركين ودخل عليهم ورهبة اعتراهم بها الرعب من المسلمين
وظهر بذلك امارات نصر المسلمين قال وبرز إليه حنظلة بن أبي سفيان
فقتله وبرز إليه من بعده طعيمة بن عدي فقتله وقتل بعده نوفل بن خويلد
وكان من شياطين قريش ولم يزل يقتل واحدا منهم بعد واحد حتى أتى على
شطر المقتولين منهم وكانوا سبعين قتيلا تولى كافة من حضر بدرا من
المسلمين مع ثلاثة آلاف من الملائكة المسومين قتل الشطر منهم وتولى أمير

(١) أي شارف ذلك.
(٣٣٨)

المؤمنين قتل الشطر الآخر وحده بمعونة الله له وتأييده وتوفيقه ونصره وكان
الفتح له بذلك وعلى يديه اه.
وما كان منه في وقعة أحد التي مرت مفصلة في غزوات النبي ص في
الجزء الثاني ويأتي ما يتعلق منها بأمير المؤمنين ع في هذا الجزء فقد كان
قطب رحاها وليث وغاها وعليه مدارها وهو واحدها وقائدها كما كان كذلك
يوم بدر والمتأمل فيما ذكره أهل السير والتواريخ لا يشك في ذلك مهما دس
الدساسون ومهما أرادوا ان يجعلوا له مشاركا في بعض مزاياه التي امتاز بها في
تلك الوقعة وغيرها لكن المطالع للاخبار يعرف بأقل نظرة صحة ما قلناه فقد
امتاز في تلك الوقعة كغيرها مع الوقائع بأمور كثيرة مرت في الجزء الثاني
وتأتي في هذا الجزء عند ذكر اخباره في وقعة أحد. وقتله عزورا اليهودي لما
رمى قبة النبي ص ليلا وهو يحاصر بني النضير فلحقه علي حتى قتله وجاء
برأسه وكان معه تسعة فهربوا فلحقهم بعشرة من المسلمين فقتلوهم وكان
ذلك سبب فتح حصون بني النضير. ومبارزته يوم الخندق عمرو بن عبد ود
فارس يليل وقد جبن عنه الناس والنبي ص يندبهم لمبارزته ويضمن لمبارزه
الجنة فسكتوا كأنما على رؤوسهم الطير الا علي بن أبي طالب فبارزه وقتله
ولحق بعض من كان معه وهو نوفل بن عبد الله فقتله في الخندق وانهزم بقتله
المشركون وكفى الله المؤمنين القتال به وكانت ضربته في ذلك اليوم تعدل
عمل الثقلين إلى يوم القيامة. قال المفيد: وفي الأحزاب انزل الله تعالى
إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الابصار وبلغت
القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا
شديدا وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله الا
غرورا إلى قوله وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا قال فتوجه
العتب إليهم والتوبيخ والتقريع ولم ينج من ذلك أحد بالاتفاق الا أمير
المؤمنين إذ كان الفتح له وعلى يديه وكان قتله عمرا ونوفل بن عبد الله سبب
هزيمة المشركين وقال رسول الله ص بعد قتله هؤلاء النفر: الآن نغزوهم
ولا يغزوننا وقد روى يوسف بن كليب عن سفيان بن زيد عن قرة وغيره من
عبد الله بن مسعود انه كان يقرأ وكفى الله المؤمنين القتال بعلي ومر ذلك
مفصلا في الجزء الثاني ويأتي في هذا الجزء.
ومبارزته مرحبا يوم خيبر وقتله وفتح الحصن ودحو الباب بعد ما رجع
غيره منهزما يجبن أصحابه ويجنبونه أو منهزما يؤنب قومه ويؤنبونه. ويأتي
ذلك مفصلا في هذا الجزء ومر في الجزء الثاني.
وثباته يوم حنين مع رسول الله ص وقد هرب عنه الناس غير عشرة
تسعة من بني هاشم والعاشر أيمن بن أم أيمن وقتله أبا جرول وأربعين من
المشركين غيره وانهزام المشركين بقتله وقتلهم ورجوع المسلمين من هزيمتهم
بثباته ومن معه الذين كان ثباتهم بثباته قال المفيد وذلك انا أحطنا علما
بتقدمه في الشجاعة والباس والصبر والنجدة على العباس والفضل ابنه وأبي
صفيان بن الحارث والنفر الباقين لظهور امره في المقامات التي لم يحضرها
أحد منهم واشتهار خبره في منازلة الاقران وقتل الابطال ولم يعرف لأحد من
هؤلاء مقام من مقاماته ولا قتيل عزي إليهم بالذكر فعلم بذلك ان ثبوتهم
كان به وان بمقامه ذلك وصبره مع النبي ص كان رجوع المسلمين إلى الحرب
وتشجعهم في لقاء العدو اه.
وما كان منه في غزوة أوطاس والطائف فكان الفتح فيها على يده وقتل
فيها من قتل من خثعم.
إلى غير ذلك من غزواته ووقائعه في زمن النبي ص.
اما وقائعه بعد وفاة رسول الله ص بعد ما بويع بالخلافة أيام الجمل
وصفين والنهروان فاشتهار شجاعته العظيمة فيها قد زاد عن حد الضرورة.
ففي يوم الجمل ثبت الفريقان واشرعوا الرماح بعضهم في صدور بعض
كأنها آجام القصب ولو شاءت الرجال ان تمشي عليها لمشت وكان يسمع
لوقع السيوف أصوات كأصوات القصارين ولما اشتد القتال وقامت الحرب
على ساقها زحف ع نحو الجمل بنفسه في كتيبته الخضراء من المهاجرين
والأنصار وحوله بنوه ثم حمل فغاص في عسكر الجمل حتى طحن العسكر
ثم رجع وقد انحنى سيفه فاقامه بركبته فقال له أصحابه وبنوه نحن نكفيك
فلم يجب أحدا منهم ولا رد إليهم بصره وظل ينحط ويزأر زئير الأسد ثم حمل
حملة ثانية وحده فدخل وسطهم يضربهم بالسيف قدما قدما والرجال تفر من
بين يديه وتنحاز عنه يمنة ويسرة حتى خضب الأرض بدماء القتلى ثم رجع
وقد انحنى سيفه فاقامه بركبته فاجتمع عليه أصحابه وناشدوه الله في نفسه
وفي الاسلام فقال والله ما أريد بما ترون الا وجه الله والدار الآخرة ثم قال
لمحمد هكذا تصنع يا ابن الحنفية فقال الناس من الذي يستطيع ما تستطيعه
يا أمير المؤمنين. ومن مواقفه في صفين ما كان يوم الهرير قال بعض الرواة
فوالله الذي بعث محمدا بالحق نبيا ما سمعناه برئيس قوم منذ خلق الله
السماوات والأرض أصاب بيده في يوم واحد ما أصاب علي انه قتل فيما ذكر
العادون زيادة على خمسمائة من الاعلام يخرج بسيفه منحنيا فيقول معذرة
إلى الله واليكم من هذا لقد هممت ان أفلقه ولكن يحجزني عنه إني سمعت
رسول الله يقول:
- لا سيف إلا ذو الفقار * ولا فتى إلا علي -
وانا أقاتل به دونه فكنا نأخذه فنقومه ثم يتناوله من أيدينا فيقتحم به
في عرض الصف فلا والله ما ليث باشد نكاية منه في عدوه وكان في أوائل
أيام صفين يسهر الليل كله إلى الصباح يعبي الكتائب ويؤمر الامراء ويعقد
الألوية ومر في اليوم السابع ومعه بنوه نحو الميسرة والنبل يمر بين عاتقيه
ومنكبيه وما من بنيه إلا من يقيه بنفسه فيكره ذلك ويتقدم نحو أهل الشام
ويؤخر الذي يقيه إلى ورائه. وهو الذي لبس يوم صفين سلاح العباس
ابن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب لما برز إليه اللخميان فبرز إليه أحدهما
فكانما اختطفه ثم برز إليه الآخر فالحقه بالأول وهو الذي قتل الحميري
الذي لم يكن في الشام أشهر منه بالباس والنجدة بعد ان قتل ثلاثة من أهل
العراق مبارزة ورمى أجسادهم بعضها فوق بعض ووقف عليها بغيا وعتوا
فضربه أمير المؤمنين ع ضربة خر منها قتيلا يتشحط في دمه وقتل معه
اثنين وتلا الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى
عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله واعلموا ان الله مع
المتقين.
التاسع القوة والأيد وحسبك في ذلك قلعه باب خيبر وجعله
جسرا على الخندق وكان يغلقه عشرون رجلا وتترسه يومئذ بباب لم يستطع
قلبه ثمانية نفر قال المفيد: روى أصحاب الآثار عن الحسن بن صالح
عن الأعمش عن أبي عبد الله الجدلي قال سمعت أمير المؤمنين ع
يقول لما عالجت باب خيبر جعلته مجنا لي فقاتلتهم به فلما أخزاهم الله
وضعت الباب على حصنهم طريقا ثم رميت به في خندقهم فقال له رجل
لقد حملت منه ثقلا فقال ما كان الا مثل جنتي التي في يدي غير ذلك المقام
(٣٣٩)

وذكر أصحاب السيرة ان المسلمين لما انصرفوا من خيبر راموا حمل الباب
فلم يقله منهم الا سبعون رجلا ومر في الجزء الثاني ويأتي في هذا الجزء في
غزوة خيبر زيادة على هذا. قال ابن أبي الحديد: اما القوة والأيد فبه
يضرب المثل فيهما قال ابن قتيبة في المعارف: ما صارع أحد قط الا صرعه
وهو الذي قلع باب خيبر واجتمع عليه عصبة من الناس ليقلبوه فلم يقدروا
وهو الذي اقتلع هبل من أعلى الكعبة وكان عظيما كبيرا جدا فألقاه إلى
الأرض وهو الذي اقتلع الصخرة العظيمة في أيام خلافته بيده بعد عجز
الجيش كله عنها فأنبط الماء من تحتها اه. ومر في الأمر الثامن عند ذكر
شجاعته في غزوة خيبر انه اقتلع باب الحصن فاجتمع عليه سبعون حتى
أعادوه وفي رواية ان ثمانية نفر جهدوا ان يقلبوه فما استطاعوا وهذا أمر
خارج عن مجاري العادات وقال ابن أبي الحديد قال ابن فارس صاحب
المجمل قال ابن عائشة كانت ضربات علي ع في الحرب ابكارا ان اعتلى
قد وان اعترض قط اه وهو الذي قطع حريثا مولى معاوية نصفين يوم
صفين لما أغراه عمرو بن العاص بمبارزته وكان معاوية يعده لكل مبارز وكل
عظيم وكان يلبس سلاح معاوية متشبها به وكان يقول له انق عليا وضع
رمحك حيث شئت وهو الذي كان يقتلع الفارس من ظهر جواده بيده ويرمي
به إلى الأرض من فوق رأسه فعل ذلك أيام صفين بأحمر مولى بني أمية لما
هم ان يضرب أمير المؤمنين ع بعد ان قتل كيسان مولاه فوضع
أمير المؤمنين ع يده في جيب درع احمر وجذبه عن فرسه وحمله على عاتقه
ثم ضرب به الأرض فكسر منكبه وعضديه واجهز عليه الحسين وابن الحنفية
ع وهو الذي كان إذا أمسك بذراع أحد أمسك بنفسه فلم
يستطع ان يتنفس ذكره ابن عبد البر في الاستيعاب وقد قبض على يد
خالد بن الوليد ليلة المبيت على الفراش حين تقدم إليه امام القوم فجعل
يقمص قماص البكر، رواه الشيخ الطوسي في أماليه.
العاشر الجهاد في سبيل الله وتفوقه فيه على كافة الخلق ملحق
بالضروريات والاستدلال عليه يعد من العبث فهو كالاستدلال على وجود
الشمس الضاحية وقد شهد مع رسول الله ص مشاهده كلها غير تبوك وفي
جميع ها يكون الفتح له وعلى يديه وقد قتل الله بسيفه صناديد المشركين
وجبابرة قريش وطواغيت العرب وفي جميع الوقائع تكون قتلاه أزيد ممن قتله
باقي الجيش حتى أنه في يوم بدر زادت قتلاه على قتلى الجيش وهو شاب لم
يتجاوز العشرين أو الخمسة والعشرين ومثله في هذا السن يكون قليل
البصيرة بالحرب ناقص الخبرة بالطعن والضرب وهذا داخل في المعجزات
خارج عن مجرى العادات ولو عد في عداد معجزات النبي ص لكان صوابا
بل إذا عد علي بن أبي طالب إحدى معجزاته ص كان عين الصواب قال
المفيد واما الجهاد الذي ثبتت به قواعد الاسلام واستقرت بثبوتها شرائع
الملة والاحكام فقد تخصص منه أمير المؤمنين بما اشتهر ذكره في الأنام
واستفاض الخبر به بين الخاص والعام ولم يختلف فيه العلماء ولا شك فيه الا
غفل لم يتأمل الاخبار ولا دفعه أحد ممن نظر في الآثار الا معاند بهات لا
يستحي من العناد ثم ذكر جهاده في بدر وغيرها. وقال ابن أبي الحديد:
اما الجهاد في سبيل الله فمعلوم عند صديقه وعدوه وانه سيد المجاهدين
وهل الجهاد لاحد من الناس الا له وقد عرفت ان أعظم غزاة غزاها رسول
الله ص وأشدها نكاية في المشركين بدر الكبرى قتل فيها سبعون من
المشركين قتل علي ع نصفهم وإذا رجعت إلى مغازي محمد بن
عمر الواقدي و تاريخ الاشراف ليحيى بن جابر البلاذري وغيرهما علمت
صحة ذلك دع من قتله في غيرها كأحد والخندق وغيرهما وهذا الفصل لا
معنى للاطناب فيه لأنه من المعلومات الضرورية كالعلم بوجود مكة ومصر
ونحوها اه قال ابن عبد البر في الاستيعاب: اجمعوا على أنه شهد بدرا
والحديبية وسائر المشاهد وانه أبلى ببدر وبأحد وبالخندق وبخيبر بلاء عظيما
وانه أغنى في تلك المشاهد وقام فيها المقام الكريم وكان لواء رسول الله ص
بيده في مواطن كثيرة وكان يوم بدر بيده على اختلاف في ذلك ولما قتل
مصعب بن عمر يوم أحد وكان اللواء بيده دفعه رسول الله ص إلى علي.
وقال محمد بن إسحاق شهد علي بن أبي طالب بدر وهو ابن خمس وعشرين
سنة ثم روى بسنده عن ابن عباس قال دفع رسول الله ص الراية يوم بدر
إلى علي وهو ابن عشرين سنة قال ولم يتخلف عن مشهد شهده رسول الله ص
منذ قدم المدينة الا تبوك فإنه خلفه رسول الله ص على المدينة وعلى عياله
بعده في غزوة تبوك وقال له أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي
بعدي.
الحادي عشر الحلم والصفح قال ابن أبي الحديد: واما الحلم
والصفح فكان أحلم الناس عن ذنب وأصفحهم عن مسئ وقد ظهر صحة
ما قلناه يوم الجمل حيث ظفر بمروان بن الحكم وكان اعدى الناس له
وأشدهم بغضا فصفح عنه وكان عبد الله بن الزبير يشتمه على رؤوس
الاشهاد وخطب يوم البصرة فقال قد أتاكم الوغب اللئيم علي بن أبي طالب
وكان علي ع يقول ما زال الزبير رجلا منا أهل البيت حتى شب
ابنه عبد الله. فظفر به يوم الجمل فاخذه أسيرا فصفح عنه وقال اذهب فلا
أرينك لم يزده على ذلك وظفر بسعيد بن العاص بعد وقعة الجمل بمكة وكان
له عدوا فاعرض عنه ولم يقل له شيئا وقد علمتم ما كان من عائشة في امره
فلما ظفر بها أكرمها وبعث معها إلى المدينة عشرين امرأة من نساء
عبد القيس عممهن بالعمائم وقلدهن بالسيوف فلما كانت ببعض الطريق
ذكرته بما لا يجوز ان يذكر به وتأففت وقالت هتك ستري برجاله وجنده
الذين وكلهم بي فلما وصلت المدينة القى النساء عمائمهن وقلن لها انما نحن
نسوة. وحاربه أهل البصرة وضربوا وجهه ووجوه أولاده بالسيف وسبوه
ولعنوه فلما ظفر بهم رفع السيف عنهم ونادى مناديه في أقطار المعسكر ألا لا
يتبع مول ولا يجهز على جريح ولا يقتل مستأسر ومن القى سلاحه فهو آمن
ومن تحيز إلى عسكر الامام فهو آمن ولم يأخذ من أثقالهم ولا سبى ذراريهم
ولا غنم شيئا من أموالهم ولو شاء ان يفعل كل ذلك لفعل ولكنه أبى الا
الصفح والعفو وتقيل سنة رسول الله ص يوم فتح مكة فإنه عفا والاحقاد لم
تبرد والإساءة لم تنس ولما ملك عسكر معاوية عليه الماء وأحاطوا بشريعة
الفرات وقالت رؤساء الشام له اقتلهم بالعطش كما قتلوا عثمان عطشا
سألهم علي وأصحابه ان يسوغوا لهم شرب الماء فقالوا لا والله ولا قطرة حتى
تموت ظما كما مات ابن عفان فلما رأى أنه الموت لا محالة تقدم بأصحابه
وحمل على عساكر معاوية حملات كثيفة حتى أزالهم عن مراكزهم بعد قتل
ذريع سقطت منه الرؤوس والأيدي وملكوا عليهم الماء وصار أصحاب
معاوية في الفلاة لا ماء لهم فقال له أصحابه وشيعته أمنعهم الماء يا أمير
المؤمنين كما منعوك ولا تسقهم منه قطرة واقتلهم بسيوف العطش وخذهم
قبضا بالأيدي فلا حاجة إلى الحرب فقال لا والله لا أكافيهم بمثل فعلهم
أفسحوا لهم عن بعض الشريعة ففي حد السيف ما يغني عن ذلك قال فهذه
ان نسبتها إلى الحلم والصفح فناهيك بها جمالا وحسنا وإن نسبتها إلى الدين
والورع فاخلق بمثلها ان تصدر عن مثله ع اه.
(٣٤٠)

الثاني عشر الفصاحة والبلاغة قال ابن أبي الحديد: اما الفصاحة
فهو ع امام الفصحاء وسيد البلغاء وعن كلامه قيل: دون كلام
الخالق وفوق كلام المخلوقين ومنه تعلم الناس الخطابة والكتابة قال
عبد الحميد بن يحيى حفظت سبعين خطبة من خطب الأصلع فغاضت ثم
فاضت وقال ابن نباتة حفظت من الخطابة كنزا لا يزيده الإنفاق الا سعة
وكثرة حفظت مائة فصل من مواعظ علي بن أبي طالب ولما قال محفن بن أبي
محفن لمعاوية جئتك من عند أعيا الناس قال له ويحك كيف يكون أعيا
الناس فوالله ما سن الفصاحة لقريش غيره. ويكفي نهج البلاغة دلالة على أنه
لا يجارى في الفصاحة ولا يبارى في البلاغة وحسبك انه لم يدون لأحد
من فصحاء الصحابة العشر ولا نصف العشر مما دون له وكفاك في هذا ما
يقوله أبو عثمان الجاحظ في مدحه في كتاب البيان والطبيين وفي غيره من كتبه
" اه‍ " قال الجاحظ في الكتاب المذكور: قال علي بن أبي طالب: قيمة كل
امرئ ما يحسن ثم قال: فلو لم نقف من هذا الكتاب الا على هذه الكلمة
لوجدناها كافية شافية ومجزية مغنية بل لوجدناها فاضلة على الكفاية وغير
مقصرة عن الغاية اه وقال ابن عائشة: ما اعرف كلمة بعد كلام الله
ورسوله أخصر لفظا ولا أعم نفعا من قول علي قيمة كل امرئ ما يحسن
اه وفي البيان والتبيين قيل لعلي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه: كم
بين السماء إلى الأرض قال دعوة مستجابة فقالوا كم بين المشرق إلى المغرب
قال مسيرة يوم للشمس ومن قال غير هذا فقد كذب ويأتي عن المسعودي انه
حفظ الناس عنه أربعمائة ونيف وثمانون خطبة يوردها على البديهة وقال
الشريف الرضي في خطبة نهج البلاغة: كان أمير المؤمنين ع مشرع
الفصاحة وموردها ومنشأ البلاغة ومولدها ومنه ظهر مكنونها وعنه أخذت
قوانينها وعلى أمثلة حذا كل قائل خطيب وبكلامه استعان كل واعظ بليغ
ومع ذلك فقد سبق وقصروا وتقدم وتأخروا لأن كلامه الكلام الذي عليه
مسحة من العلم الإلهي وفيه عبقة من الكلام النبوي إلى أن قال إن هذه
الفضيلة انفرد ببلوغ غايتها من جميع السلف الأولين الذين انما يؤثر عنهم
منها القليل النادر والشاذ الشارد فاما كلامه ع فهو البحر الذي لا
يساجل والجم الذي لا يحافل اه وحسبك بنهج البلاغة الذي جمعه
الشريف الرضي الذي يعرف نفسه بنفسه وله منه عليه شواهد والذي
تداولته العلماء والخطباء والبلغاء في كل عصر وزمان وبلغت الشروح عليه
عددا وافرا لم يوجد مثله لكتاب وطبع مرات عديدة في بلاد إيران وطبع في
الشام ومصر وبيروت وطبع شرح الشيخ ميثم البحراني عليه في إيران وهو
قريب من شرح ابن أبي الحديد الذي طبع في إيران مرتين وفي مصر. كل
ذلك رغم ما يقوله من لا يوافق بعض ما فيه مشربهم تارة انه من كلام
الشريف الرضي وتارة انه ادخل فيه ما ليس منه وتارة انه منقطع السند
وتارة وتارة إلى غير ذلك مما يعتاده أمثال ضرائر الحسناء فلم يؤثر عليه ذلك
ولو بمقدار شعرة ولم يزدد الا ظهورا وانتشارا ولم يزده تعاقب السنين وتطاول
الدهور الا اعظاما واكبارا وما هو الا الذهب الأبريز يزداد حسنا بقدمه
ويغلو ثمنه كلما تطاول به الأمد. وجمع الشيخ عبد الواحد بن محمد بن عبد
الواحد الآمدي التيمي كتابا من حكمه ع القصيرة يقارب نهج البلاغة
سماه غرر الحكم ودرر الكلم ورتبه على حروف المعجم طبع في الهند ومصر
وصيدا قال إن الذي دعاه إلى جمعه ما تبجح به أبو عثمان الجاحظ من المائة
الكلمة التي جمعها عن أمير المؤمنين ع فقلت يا لله العجب من
هذا الرجل وهو علامة زمانه مع تقدمه في العلم وقربه من الصدر الأول
كيف رضي عن الكثير باليسير وهل ذلك الا بعض من كل وقل من جل
وطل من وبل إلى أن قال جمعت يسيرا من قصير حكمه يخرس البلغاء
عن مساجلته وما انا في ذلك علم الله لا كالمغترف من البحر بكفه كيف لا
وهو ع الشارب من الينبوع النبوي والحاوي بين جنبيه العلم
اللاهوتي إذ يقول ص وقوله الحق وكلامه الصدق على ما أدته إلينا أئمة
النقل: ان بين جنبي لعلما لو أصبت له حملة اه. ومما جمع من كلامه
ع كتاب دستور معالم الحكم جمع القاضي القضاعي طبع في مصر
وجمع الشيخ أبو علي الطبرسي صاحب مجمع البيان كتابا من حكمه ع
القصيرة مرتبا على حروف المعجم سماه نثر اللآلئ ذكرناه في ضمن الجزء
الأول من معادن الجواهر المطبوع. وجمع الشيخ المفيد من كلامه وخطبه
ع قدرا وافيا في كتاب الارشاد واحتوى كتاب صفين لنصر بن مزاحم
جل خطبه التي خطبها في تلك الحرب أو كلها وكتبه إلى معاوية وغيره. وجمع أبو إسحاق
الوطواط الأنصاري المتوفي سنة ٥٧٨ كتابا من كلامه ع
سماه مطلوب كل طالب من كلام علي بن أبي طالب جمع فيه مائة من الحكم
المنسوبة إليه طبع في ليبسك وبولاق وترجم إلى الفارسية والألمانية. وذكره
صاحب كشف الظنون. وجمع القاضي الإمام أبو يوسف يعقوب بن
سليمان الإسفرائي كتابا من كلامه ع سماه قلائد الحكم وفرائد الكلم
ذكره صاحب كشف الظنون وألف بعضهم كتابا فارسيا أسماه معميات علي
ع مذكور في كشف الظنون وكان المراد بها الأمور الغامضة في
كلامه ع وفي فهرست دار الكتب المصرية ج ٣ ص ٢٤ أمثال
الإمام علي بن أبي طالب مرتبة على حروف المعجم طبع الجوائب.
الثالث عشر العلم في الاستيعاب بسنده عن ابن عباس أنه قال
والله لقد أعطي علي بن أبي طالب تسعة أعشار العلم وأيم الله لقد شارككم
أو شاركهم في العشر العاشر وكفى في ذلك قوله ص أنا مدينة العلم أو
مدينة الحكمة وعلي بابها وسيأتي ومعرفته بالقضاء وسيأتي أيضا وفي
الاستيعاب قال أحمد بن زهير أخبرنا يحيى بن معين عن عبدة بن سليمان
عن عبد الملك بن أبي سليمان قلت لعطاء أ كان في أصحاب محمد أعلم من
علي قال لا والله ما أعلمه وفيه بسنده عن عائشة أنها قالت في علي إما
إنه لاعلم الناس بالسنة. وفي حلية الأولياء: ثنا أبو
أحمد الغطريفي ثنا أبو الحسن بن أبي مقاتل ثنا محمد بن عبد الله بن عتبة ثنا محمد بن علي الوهبي
الكوفي ثنا أحمد بن عمران بن سلمة وكان ثقة عدلا مرضيا ثنا سفيان
الثوري عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله كنت عند النبي ص
فسئل عن علي فقال قسمت الحكمة عشرة أجزاء فاعطي علي تسعة أجزاء
والناس جزءا واحدا. أحمد بن عمران ذكره الذهبي في الميزان وقال لا
يدري من هو ثم ضعفه بهذا الحديث وتعقبه الحافظ في اللسان بما تقدم في
السند من قول الوهبي أنه كان ثقة عدلا مرضيا قال وفي هذا مخالفة لما ذكره
الذهبي هكذا ذكره السيد أحمد بن محمد بن الصديق الحسيني المغربي
المعاصر نزيل القاهرة في كتاب فتح الملك العلي بصحة حديث باب مدينة
العلم علي ثم قال قلت لو وثقه الناس كلهم لقال الذهبي في حديثه انه
كذب كما فعل في عدة أحاديث أخرجها الحاكم بسند الشيخين وأدعى هو
دفعا بالصدر وبدون دليل أنها موضوعة وما علتها في نظره إلا كونها في فضل
علي بن أبي طالب فالله المستعان.
وروى أبو نعيم في الحلية بسنده عن علي قال رسول الله ص
ليهنك العلم أبا الحسن لقد شربت العلم شربا ونهلته نهلا. وفي
(٣٤١)

الاستيعاب والإصابة وحلية الأولياء بأسانيدهم عن ابن عباس كنا إذ أتانا
الثبت عن علي لم نعدل به وفي الاستيعاب والإصابة بالاسناد عن سعيد
ابن المسيب كان عمر يتعوذ من معضلة ليس لها أبو حسن ولم يقل أحد
سلوني قبل أن تفقدوني غيره كما يأتي وفي الاستيعاب قال سعيد بن عمرو بن سعيد بن
العاص قلت لعبد الله بن عياش بن أبي ربيعة يا عم لم
كان صفو الناس إلى علي فقال يا ابن أخي ان عليا ع كان له ما
شئت من ضرس قاطع في العلم وكان له البسطة في العشيرة والقدم في
الاسلام والصهر لرسول الله ص والفقه في السنة والنجدة في الحرب والجود
في الماعون وفيه روى عبد الرحمن بن أذينة العبدي عن أبيه أذينة بن
مسلمة قال أتيت عمر بن الخطاب فسألته من أين اعتمر فقال أئت عليا
فاسأله وذكر الحديث وفيه ما أجد لك إلا ما قال علي وفيه كان معاوية
يكتب فيما ينزل به ليسال له علي بن أبي طالب عن ذلك فلما بلغه قتله قال
ذهب الفقه والعلم بموت ابن أبي طالب فقال له أخوه عتبة لا يسمع منك
هذا أهل الشام فقال له دعني عنك.
قال ابن أبي الحديد في النهج: أشرف العلوم العلم الإلهي يعني
علم التوحيد لأن شرف العلم بشرف المعلوم ومن كلامه ع
اقتبس وعنه نقل وإليه انتهى ومنه ابتدأ فالمعتزلة الذين هم أرباب النظر
ومنهم تعلم الناس هذا العلم تلامذته لأن كبيرهم واصل بن عطاء تلميذ
أبي هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية وهو تلميذ أبيه وأبوه تلميذه ع
وأما الأشعرية فينتمون إلى أبي الحسن علي بن أبي الحسن بن أبي بشر
الأشعري وهو تلميذ أبي علي الجبائي وأبو علي أحد مشايخ المعتزلة والمعتزلة ينتمون
إلى علي ع كما مر أما الامامية والزيدية فانتماؤهم إليه ظاهر. قال
وبعده علم الفقه وهو ع أصله وأساسه وكل فقيه في الاسلام فهو عيال
عليه ومستفيد من فقهه فان أصحاب أبي حنيفة كابي يوسف ومحمد بن
الحسن الشيباني وغيرهما أخذوا عنه والشافعي قرأ على محمد بن الحسن
تلميذ أبي حنيفة وعلى مالك بن أنس وأحمد بن حنبل قرأ على الشافعي
فيرجع فقه الكل إلى أبي حنيفة وأبو حنيفة قرأ على جعفر بن محمد وجعفر
على أبيه وينتهي الأمر إلى علي. ومالك بن أنس قرأ على ربيعة الرأي
وربيعة على عكرمة وعكرمة على ابن عباس عن علي فهؤلاء الفقهاء الأربعة
وأما فقه الشيعة فرجوعه إليه ظاهر وكان ابن عباس من فقهاء الصحابة
ورجوعه إليه ظاهر وقد عرف كل أحد رجوع عمر إليه في كثير من المسائل
التي أشكلت عليه وعلى غيره من الصحابة وقوله غير مرة لولا علي لهلك
عمر وقوله لا بقيت لمعضلة ليس لها أبو حسن وقوله لا يفتين أحد في المسجد
وعلي حاضر فقد عرف بهذا الوجه أيضا انتهاء الفقه إليه وقد روى العامة
والخاصة قوله ص أقضاكم علي والقضاء هو الفقه فهو إذا أفقههم وروى
الكل أنه ص قال له وقد بعثه إلى اليمن قاضيا اللهم أهد قلبه وثبت لسانه
قال فما شككت بعدها في قضاء بين اثنين قال وهو الذي أفتى في المرأة التي
وضعت لستة أشهر وفي الحامل الزانية وهو الذي قال في المنبرية صار ثمنها
تسعا أقول وهو الذي أفتى في المجنونة التي فجر بها رجل وقصة الأرغفة
وغيرهما من القضايا العجيبة التي ذكرنا كثيرا منها في الجزء الثاني من معادن
الجواهر وجمعناها كلها في كتاب مطبوع ويأتي ذكر هذه الخمسة هنا قال:
وعلم تفسير القرآن عنه أخذ ومنه فرع وإذا رجعت إلى كتب التفسير علمت
صحة ذلك لأن أكثره عنه وعن عبد الله بن عباس وقد علم الناس حال ابن
عباس في ملازمته له وانقطاعه إليه وأنه تلميذه وخريجه وقيل له أين علمك
من علم ابن عمك قال كنسبة قطرة من المطر إلى البحر المحيط. قال وعلم
الطريقة والحقيقة والتصوف وأرباب هذا الفن في جميع بلاد الاسلام إليه
ينتهون وعنده يقفون وقد صرح بذلك الشبلي والجنيد والسري وأبو يزيد
البسطامي وأبو محفوظ معروف الكرخي وغيرهم ويكفيك دلالة على ذلك
الخرقة التي هي شعارهم إلى اليوم يسندونها باسناد متصل إليه. قال وعلم
النحو والعربية وقد علم الناس كافة أنه هو الذي ابتدعه وانشأه وأملى على
أبي الأسود الدؤلي جوامعه وأصوله من جملتها: الكلام كله ثلاثة أشياء اسم
وفعل وحرف ومن جملتها تقسيم الكلمة إلى معرفة ونكرة وتقسيم وجوه
الاعراب إلى الرفع والنصب والجر والجزم وهذا يكاد يلحق بالمعجزات لأن
القوة البشرية لا تفي بهذا الحصر ولا تنهض بهذا الاستنباط أقول ومضى
في المقدمات الكلام على ذلك مفصلا بما لا مزيد عليه. قال وأما علم
القراءة فإذا رجعت إلى كتب القراءات وجدت أئمة القراء كلهم يرجعون
إليه كابي عمرو بن العلاء وعاصم بن أبي النجود وغيرهما لأنهم يرجعون إلى
أبي عبد الرحمن السلمي وأبو عبد الرحمن كان تلميذه وعنه أخذ القراءات
اه وقال أيضا اتفق الكل على أنه كان يحفظ القرآن على عهد رسول
الله ص ولم يكن غيره يحفظه ثم هو أول من جمعه نقلوا أنه بعد وفاة النبي
ص اشتغل بجمع القرآن ولو كان مجموعا في حياة رسول الله ص لما احتاج
إلى التشاغل بجمعه بعد وفاته اه أقول مر في المقدمات عن ابن
حجر أنه قال: ورد عن علي أنه جمع القرآن على ترتيب النزول عقيب موت
النبي ص وأن عليا ع قال لما قبض رسول الله ص أقسمت أن لا أضع
ردائي حتى أجمع ما بين اللوحين. وأما علم الأخلاق وتهذيب النفس
فانتسابه إليه أشهر من أن يذكر وأوضح من أن يبين وكلامه في ذلك وخطبه
ووصاياه قد ملأت الخافقين ومنه تعلم كل أخلاقي وواعظ وخطيب. وأما
علم تدبير الملك وسياسة الرعية وإدارة الحرب فعليه يدور وإليه يحور وقد
تضمن عهده للأشتر من ذلك وما ظهر منه في خلافته وفي حروبه ما يحير
العقول. وصنف النسائي كتابا في الأحاديث اسماه مسند علي ففي كشف
الظنون ما صورته: مسند علي لأبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي
المتوفى سنة ٣٠٣ اه وهو غير الخصائص في الأحاديث النبوية في
فضائله ونحوها. وفي كشف الظنون أيضا: الواعي في حديث علي ع
للامام عبد الحق بن عبد الرحمان الإشبيلي المتوفى سنة ٥٨٢.
المسألة المنبرية
وهي أنه ع سئل وهو على المنبر عن بنتين وأبوين وزوجة
فقال بغير روية صار ثمنها تسعا وهذه المسألة لو صحت لكانت مبنية على
العول وهو إدخال النقص عند ضيق المال عن السهام المفروضة على جميع
الورثة بنسبة سهامهم فهنا للزوجة الثمن وللأبوين الثلث وللبنتين الثلثان
فضاق المال عن السهام لأن الثلث والثلثين تم بهما المال فمن أين يؤخذ
الثمن فمن نفى العول قال إن النقص يدخل على البنتين. الفريضة من
أربعة وعشرين للزوجة ثمنها ثلاثة وللأبوين ثلثها ثمانية والباقي ثلاثة عشر
للبنتين نقص من سهمهما ثلاثة ومن أثبت العول قال يدخل النقص على
الجميع فيزاد على الأربعة والعشرين ثلاثة تصير سبعة وعشرين للزوجة منها
ثلاثة وللأبوين ثمانية وللبنتين ستة عشر والثلاثة هي تسع السبعة والعشرين
فهذا معنى قوله صار ثمنها تسعا. قال ابن أبي الحديد: هذه المسألة لو فكر
الفرضي فيها فكرا طويلا لأستحسن منه بعد طول النظر هذا الجواب فما
ظنك بمن قاله بديهة واقتضبه ارتجالا اه قال المرتضى في الانتصار: أما
(٣٤٢)

دعوى المخالف أن أمير المؤمنين ع كان يذهب إلى العول في
الفرائض وأنهم يروون عنه أنه سئل وهو على المنبر عن بنتين وأبوين وزوجة
فقال بغير روية صار ثمنها تسعا فباطلة لأنا نروي عنه خلاف هذا القول
ووسائطنا إليه النجوم الزاهرة من عترته كزين العابدين والباقر والصادق
والكاظم ع وهؤلاء أعرف بمذهب أبيهم ممن نقل خلاف ما
نقلوه وابن عباس ما تلقى ابطال العول في الفرائض إلا عنه ومعولهم في
الرواية عنه أنه كان يقول بالعول عن الشعبي والحسن بن عمارة والنخعي
فاما الشعبي فإنه ولد سنة ٣٦ والنخعي ولد سنة ٣٧ وقتل أمير المؤمنين سنة
٤٠ فكيف تصح رواياتهم عنه والحسن بن عمارة مضعف عند أصحاب
الحديث ولما ولي المظالم قال سليمان بن مهران الأعمش ظالم ولي
المظالم ولو سلم كل من ذكرناه من كل قدح وجرح لم يكونوا بإزاء من ذكرناه من
السادة والقادة الذين رووا عنه إبطال العول فاما الخبر المتضمن أن ثمنها
صار تسعا فإنما رواه سفيان عن رجل لم يسمه والمجهول لا حكم له وما رواه
عنه أهله أولى وأثبت وفي أصحابنا من يتأول هذا الخبر إذا صح على أن
المراد أن ثمنها صار تسعا عندكم أو أراد الاستفهام الإنكاري وأسقط
حرفه كما أسقط في مواضع كثيرة اه.
المسألة الدينارية
حكاها محمد بن طلحة الشافعي في مطالب السؤول وهي أن امرأة
جاءت إليه وقد خرج من داره ليركب فترك رجله في الركاب فقالت يا أمير
المؤمنين إن أخي قد مات وخلف ستمائة دينار وقد دفعوا لي منها دينارا
واحدا وأسألك انصافي وإيصال حقي إلي فقال لهما خلف أخوك بنتين لهما
الثلثان أربعمائة وخلف أما لها السدس مائة وخلف زوجة لها الثمن خمسة
وسبعون وخلف معك اثني عشر أخا لكل أخ ديناران ولك دينار قالت نعم
فلذلك سميت هذه المسألة بالدينارية اه وهذه المسألة لو صحت
لكانت مبنية على التعصب كما أن السابقة مبنية على العول. والتعصيب هو
أخذ العصبة ما زاد عن السهام المفروضة في الكتاب العزيز والثابت عن
أئمة أهل البيت بطلان التعصيب بل يرد الزائد على ذوي السهام بنسبة
سهامهم ويجوز أن يكون ع قال للمرأة أن لها ذلك على المذهب
الذي كان معروفا في ذلك العصر وإن كان لا يقول به.
قصة الأرغفة
رواها العامة والخاصة بأسانيدهم المتصلة ففي الاستيعاب ما لفظه:
وفيما أخبرنا شيخنا أبو الأصبغ عيسى بن سعيد بن سعدان المقري أحد
معلمي القرآن رحمه الله أنبانا أبو بكر أحمد بن محمد بن قاسم المقري قراءة
عليه في منزله ببغداد حدثنا أبو بكر أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد
المقري في مسجده حدثنا العباس بن محمد الدوري حدثنا يحيى بن معين
حدثنا أبو بكر بن عياش عن عاصم عن زر بن حبيش قال جلس رجلان
يتغديان مع أحدهما خمسة أرغفة ومع الآخر ثلاثة أرغفة فلما وضعا الغداء
بين أيديهما مر بهما رجل فسلم فقالا اجلس للغداء فجلس وأكل معهما
واستوفوا في أكلهم الأرغفة الثمانية فقام الرجل وطرح إليهما ثمانية دراهم
وقال خذا هذا عوضا مما أكلت لكما ونلته من طعامكما فتنازعا وقال صاحب
الخمسة الأرغفة لي خمسة دراهم ولك ثلاثة فقال صاحب الثلاثة الأرغفة لا
أرضى إلا أن تكون الدراهم بيننا نصفين وارتفعا إلى أمير المؤمنين علي بن
أبي طالب فقصا عليه قصتهما فقال لصاحب الثلاثة الأرغفة قد عرض عليك
صاحبك ما عرض وخبزه أكثر من خبزك فارض بالثلاثة فقال لا والله لا
رضيت منه إلا بمر الحق فقال علي ليس لك في مر الحق إلا درهم واحد وله
سبعة فقال الرجل سبحان الله يا أمير المؤمنين هو يعرض علي ثلاثة فلم
أرض وأشرت علي باخذها فلم أرض وتقول لي الآن أنه لا يجب لي في مر
الحق إلا درهم واحد فقال له علي عرض عليك صاحبك أن تأخذ الثلاثة
صلحا فقلت لم أرض إلا بمر الحق ولا يجب لك بمر الحق إلا واحد فقال
الرجل فعرفني بالوجه في مر الحق حتى أقبله فقال علي أ ليس للثمانية الأرغفة
أربعة وعشرون ثلثا أكلتموها وأنتم ثلاثة أنفس ولا يعلم الأكثر منكم أكلا
ولا الأقل فتحملون في أكلكم على السواء قال بلى قال فأكلت أنت ثمانية
أثلاث وإنما لك تسعة أثلاث وأكل صاحبك ثمانية أثلاث وله خمسة عشر
ثلثا أكل منها ثمانية ويبقى له سبعة وأكل لك واحدا في تسعة فلك واحد
بواحدك وله سبعة بسبعته فقال له الرجل رضيت الآن اه وفي كتاب
عجائب أحكامه: علي بن إبراهيم قال حدثني أبي عن الحسن بن محبوب
عن عبد الرحمن بن الحجاج قال سمعت ابن أبي ليلى يقول قضى علي ع
بقضية عجيبة وذلك أنه اصطحب رجلان في سفر فجلسا ليتغديا
فاخرج أحدهما خمسة أرغفة وأخرج الآخر ثلاثة أرغفة فمر بهما رجل فسلم
عليهما فقالا له الغداء فاكل معهما فلما قام رمى إليهما بثمانية دراهم وقال لهما
هذا عوض مما أكلت من طعامكما فاختصما فقال صاحب الثلاثة الأرغفة هي
نصفان بيننا وقال الآخر بل لي خمسة ولك ثلاثة فارتفعا إلى أمير المؤمنين
ع فقال لهما أمير المؤمنين ان هذا الأمر الذي أنتما فيه الصلح فيه
أحسن فقال صاحب الثلاثة الأرغفة لا أرضى يا أمير المؤمنين إلا بمر القضاء
قال له أمير المؤمنين فان لك في مر القضاء درهما واحدا ولخصمك سبعة
دراهم فقال الرجل سبحان الله كيف صار هذا هكذا قال له أخبرك أ ليس
كان لك ثلاثة أرغفة ولخصمك خمسة أرغفة قال بلى قال فهذه كلها أربعة
وعشرون ثلثا أكلت منها ثمانية وصاحبك ثمانية وضيفكما ثمانية فأكلت أنت
ثمانية من تسعة أثلاث وبقي لك ثلث فأصابك درهم وأكل صاحبك ثمانية
أثلاث من خمسة أرغفة وبقي له سبعة أثلاث أكلها الضيف فصار له سبعة
دراهم بسبعة أثلاث أكلها الضيف ولك ثلث أكله الضيف. وفي ارشاد
المفيد: روى الحسن بن محبوب قال حدثني عبد الرحمن بن الحجاج قال
سمعت ابن أبي ليلى يقول لقد قضى أمير المؤمنين بقضية ما سبقه إليها أحد
وذلك أن رجلين اصطحبا في سفر فجعلا يتغديان وذكر الحديث بنحو ما مر
إلا أنه قال فقال لهما أمير المؤمنين هذا أمر فيه دناءة والخصومة غير جميلة فيه
والصلح أحسن فقال صاحب الثلاثة لست أرضى إلا بمر القضاء.
خبر المجنونة
في إرشاد المفيد: روي أن مجنونة على عهد عمر فجر بها رجل فقامت
عليه البينة بذلك فامر بجلدها الحد فمر بها على علي لتجلد فقال ما بال
مجنونة آل فلان تعتل فقيل له أن رجلا فجر بها وهرب وقامت البينة عليها
فامر عمر بجلدها فقال ردوها إليه وقولوا له أ ما علمت أن هذه مجنونة آل
فلان وأن النبي ص قد رفع القلم عن المجنون حتى يفيق انها مغلوبة على
عقلها ونفسها فردت إليه وقيل له ذلك فقال فرج الله عنه لقد كدت أهلك
في جلدها.
التي ولدت لستة أشهر
في إرشاد المفيد: روي عن يونس بن الحسن أن عمر أتي بامرأة قد
(٣٤٣)

ولدت لستة أشهر فهم برجمها فقال له علي إن خاصمتك بكتاب الله
خصمتك أن الله تعالى يقول وحمله وفصاله ثلاثون شهرا ويقول جل
قائلا والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم
الرضاعة فإذا كانت مدة الرضاعة حولين كاملين وكان حمله وفصاله ثلاثين
شهرا كان الحمل فيها ستة أشهر فخلى عمر سبيل المرأة وثبت الحكم بذلك
فعمل به الصحابة والتابعون ومن أخذ عنهم إلى يومنا هذا اه ورواه
أيضا ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله عن أبي حرب عن أبي الأسود
ورواه يوسف بن محمد البلوي في كتاب ألف باء فيما حكي عنهما.
وقد أشار إلى هاتين الواقعتين في المجنونة التي زنت والتي ولدت لستة
أشهر أبو عمرو يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري
القرطبي المالكي في كتاب الاستيعاب في أسماء الأصحاب فقال في ترجمة علي
ع من كتاب الاستيعاب ما لفظه: وقال في المجنونة التي أمر برجمها عمر
وفي التي وضعت لستة أشهر فأراد عمر رجمها فقال له علي ان
الله تعالى يقول: وحمله وفصاله ثلاثون شهرا الحديث وقال إن الله رفع
القلم عن المجنون. الحديث فكان عمر يقول: لولا علي لهلك عمر. قال
وقد روي مثل هذه القصة لعثمان مع ابن عباس وعن علي أخذها ابن
عباس اه.
الحامل الزانية
في الارشاد: روي أنه أي عمر أتى بحامل قد زنت فامر برجمها
فقال له علي هب إن لك سبيلا عليها أي سبيل لك على ما في بطنها والله تعالى
يقول: ولا تزر وازرة وزر أخرى فقال عمر لا عشت لمعضلة لا يكون
لها أبو الحسن ثم قال فما أصنع بها قال احتط عليها حتى تلد فإذا ولدت
ووجدت لولدها من يكفله فاقم عليها الحد.
وقد نقلنا في الجزء الثاني من معادن الجواهر ثلاثا وأربعين قضية من
عجائب قضايا أمير المؤمنين ع فاغنى عن إيرادها هنا فليرجع إليه
من أرادها.
وعندنا كتاب عجائب أحكام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ص
رواية محمد بن علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن جده هكذا
كتب في أوله وفيه عدد وافر من قضاياه ع مروية باسناد واحد
وهو علي بن إبراهيم عن أبيه عن محمد بن الوليد عن محمد بن الفرات
عن الأصبغ بن نباتة ويرويه عن علي بن إبراهيم ولده محمد كما مر وتاريخ
كتابة النسخة سنة ٤١٠ أو ٤٢٠ ه وكتب عليه أيضا ما صورته نسخ منه
أبو النجيب عبد الرحمن بن محمد بن عبد الكريم الكرخي في شهور سنة
ثمان وعشرين وخمسمائة بلغ مناه في آخرته ودنياه اه. وقد جمعنا كتابا
في قضاياه وأحكامه ومسائله العجيبة وأدرجنا في ضمنه الكتاب المذكور وهو
مطبوع.
الرابع عشر قوله ص انا مدينة العلم وعلي بابها. في الاستيعاب:
روي عن النبي ص أنه قال انا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأته
من بابه وفي أسد الغابة بسنده عن ابن عباس قال رسول الله ص انا مدينة
العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت بابه وروى أبو نعيم الأصفهاني في
حلية الأولياء بسنده عن علي بن أبي طالب قال رسول الله ص انا دار
الحكمة وعلي بابها ثم قال رواه الأصبغ بن نباتة والحارث عن علي نحوه
ومجاهد عن ابن عباس عن النبي ص مثله وروى الحاكم في المستدرك بسنده
عن أبي الصلت عبد السلام بن صالح ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن مجاهد عن
ابن عباس قال رسول الله ص انا مدينة العلم وعلي بابها فمن
أراد المدينة فليأت الباب قال هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه وأبو
الصلت ثقة مأمون اه ثم روى عن الدوري أنه قال سالت يحيى بن
معين عن أبي الصلت الهروي فقال ثقة فقلت أ ليس قد حدث عن أبي
معاوية عن الأعمش انا مدينة العلم قال قد حدث به محمد بن جعفر
الفيدي وهو ثقة مأمون. ثم روى عن صالح بن محمد بن حبيب الحافظ انه
سئل عن أبي الصلت الهروي فقال دخل يحيى بن معين ونحن معه على أبي
الصلت فلما خرج قلت له ما تقول في أبي الصلت قال هو صدوق قلت إنه
يروي حديث انا مدينة العلم وعلي بابها قال قد روى ذاك الفيدي كما رواه
أبو الصلت ثم ذكر رواية الفيدي عن أبي معاوية عن الأعمش عن مجاهد
عن ابن العباس قال رسول الله ص انا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد
المدينة فليأت الباب قال الحسين بن فهم حدثناه أبو الصلت الهروي عن أبي
معاوية قال الحاكم ليعلم المستفيد لهذا العلم ان الحسين بن فهم بن عبد
الرحمن ثقة مأمون حافظ ثم قال ولهذا الحديث شاهد من حديث سفيان
الثوري باسناد صحيح وذكر السند إلى جابر بن عبد الله سمعت رسول الله ص
يقول انا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب. وذكر
الذهبي في تلخيص المستدرك قدحا في هذا الحديث ذكرناه مع جوابه في
ترجمة أبي الصلت الهروي عبد السلام بن صالح.
الخامس عشر انه لم يقل أحد سلوني قبل ان تفقدوني غيره ففي
الاستيعاب بسنده عن سعيد بن المسيب ما كان أحد من الناس يقول سلوني
غير علي بن أبي طالب، وروى أبو جعفر الإسكافي في كتاب نقض العثمانية
بسنده عن ابن شبرمة أنه قال ليس لأحد من الناس أن يقول على المنبر
سلوني إلا علي بن أبي طالب حكاه ابن أبي الحديد في شرح النهج. وفي
الاستيعاب روى معمر عن وهب بن عبد الله عن أبي الطفيل شهدت عليا
يخطب وهو يقول سلوني فوالله لا تسألوني عن شئ إلا أخبرتكم وسلوني
عن كتاب الله فوالله ما من آية وانا اعلم أ بليل نزلت أم بنهار أم في سهل أم
في جبل وفي الإصابة بسنده عن أبي الطفيل كان علي يقول سلوني وسلوني
عن كتاب الله تعالى فوالله ما من آية إلا وأنا أعلم أ نزلت بليل أو نهار. قال
السيوطي في الاتقان واما علي فقد روي عنه الكثير وقد روى معمر عن
وهب بن عبد الله عن أبي الطفيل قال شهدت عليا يخطب وهو يقول سلوني
فوالله لا تسألوني عن شئ إلا أخبرتكم وسلوني عن كتاب الله فوالله ما من
آية إلا وانا أعلم أ بليل نزلت أم بنهار أم في سهل أم في جبل اه وهذا
الكلام قاله من جملة خطبة خطبها لما بويع بالخلافة فقام إليه رجل يقال له
ذعلب وكان ذرب اللسان بليغا في الخطب شجاع القلب فقال لقد ارتقى
ابن أبي طالب مرقاة صعبة لأخجلنه اليوم لكم في مسألتي إياه فقال يا أمير
المؤمنين هل رأيت ربك فقال ويلك يا ذعلب لم أكن بالذي أعبد ربا لم أره
فقال كيف رأيته صفه لنا قال ويلك لم تره العيون بمشاهدة الابصار ولكن
رأته القلوب بحقائق الايمان ويلك يا ذعلب ان ربي لا يوصف بالبعد ولا
بالقرب ولا بالحركة ولا بالسكون ولا بقيام قيام انتصاب ولا بجيئة وذهاب
لطيف اللطافة لا يوصف باللطف عظيم العظمة لا يوصف بالعظم كبير
الكبر لا يوصف بالكبر جليل الجلالة لا يوصف بالغلظ رؤوف الرحمة لا
يوصف بالرقة مؤمن لا بعبادة مدرك لا بمحسة قائل لا بلفظ هو في الأشياء
(٣٤٤)

على غير ممازجة خارج عنها على غير مباينة فوق كل شئ ولا يقال له فوق
امام كل شئ ولا يقال له امام داخل في الأشياء لا كشئ في شئ داخل
خارج منها لا كشئ من شئ خارج فخر ذعلب مغشيا عليه ثم قال تالله
ما سمعت بمثل هذا الجواب والله لا عدت إلى مثلها ابدا. وفي نهج
البلاغة: ومن كلام له ع وقد سأله ذعلب اليماني فقال هل رأيت
ربك يا أمير المؤمنين فقال أ فاعبد ما لا أرى فقال وكيف تراه قال لا تدركه
العيون بمساعدة العيان ولكن تدركه القلوب بحقائق الإيمان قريب من
الأشياء غير ملامس بعيد منها غير مباين متكلم بلا روية مريد لا بهمة
صانع لا بجارحة لطيف لا يوصف بالخفاء كبير لا يوصف بالجفاء بصير لا
يوصف بالحاسة رحيم لا يوصف بالرقة تعنو الوجوه لعظمته وتجب القلوب
من مخافته اه قال ابن أبي الحديد قوله أ فاعبد ما لا أرى مقام رفيع جدا
لا يصلح ان يقوله غيره ع اه وفي تتمة الخبر السالف ثم قال
ع سلوني قبل ان تفقدوني فقام إليه رجل فقال يا أمير المؤمنين
دلني على عمل إذا انا عملته نجاني الله من النار فقال له اسمع يا هذا ثم
افهم ثم استيقن قامت الدنيا بثلاثة بعالم ناطق مستعمل لعلمه وبغني لا
يبخل بماله عن أهل دين الله عز وجل وبفقير صابر فإذا كتم العالم علمه
وبخل الغني ولم يصبر الفقير فعندها الويل والثبور أيها السائل إنما الناس
ثلاثة زاهد وراغب وصابر فاما الزاهد فلا يفرح بشئ من الدنيا ولا يحزن
على شئ منها فاته واما الصابر فيتمناها بقلبه فان أدرك منها شيئا صرف
عنها نفسه لما يعلم من سوء عاقبتها وأما الراغب فلا يبالي من حل أصابها أم
من حرام.
السادس عشر ان عنده علم القرآن والتوراة والإنجيل: قد مر في
الأمر الخامس عشر قوله سلوني عن كتاب الله فوالله ما من آية إلا وأنا اعلم
أ بليل نزلت أم بنهار أم في سهل أم في جبل. وفي حلية الأولياء بسنده عن
علي ع قال والله ما أنزلت آية إلا وقد علمت فيم أنزلت إن ربي
وهب لي قلبا عقولا ولسنا سؤولا.
قال ابن أبي الحديد: وروى المدائني قال خطب علي ع
فقال لو كسرت لي الوسادة لحكمت بين أهل التوراة بتوراتهم وبين أهل
الإنجيل بإنجيلهم وبين أهل الفرقان بفرقانهم وما من آية في كتاب الله
أنزلت في سهل أو جبل إلا وأنا عالم متى أنزلت وفيمن أنزلت وقال وروى
صاحب كتاب الغارات عن المنهال بن عمرو عن عبد الله بن الحارث قال:
سمعت عليا يقول على المنبر ما أجد جرت عليه المواسي إلا وقد انزل الله
فيه قرآنا فقام إليه رجل فقال يا أمير المؤمنين فما انزل الله تعالى فيك يريد
تكذيبه فقام الناس إليه يلكزونه فقال دعوه أ قرأت سورة هود قال نعم قال
قرأت قوله سبحانه أ فمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه قال
نعم قال صاحب البينة محمد والتالي الشاهد انا.
السابع عشر معرفة القضاء والفرائض روى الحاكم في المستدرك
بسنده عن عبد الله يعني ابن مسعود وصححه على شرط الشيخين: كنا
نتحدث ان أقضى أهل المدينة علي بن أبي طالب وفي أسد الغابة بسنده عن
عبد الله بن مسعود مثله وفي الاستيعاب بسنده عن عبد الله مثله وبسنده
عن ابن مسعود ان أقضى أهل المدينة علي بن أبي طالب وبسنده عنه اعلم
أهل المدينة بالفرائض علي بن أبي طالب وبسنده عن المغيرة ليس أحد منهم
أقوى قولا في الفرائض من علي وفيه قال ص في أصحابه أقضاهم علي
وفيه بعدة أسانيد عن عمر أنه قال علي أقضانا. وروى أبو نعيم
الأصفهاني في حلية الأولياء بسنده عن علي بعثني رسول الله ص إلى اليمن
فقلت يا رسول الله تبعثني إلى اليمن ويسألونني عن القضاء ولا علم لي به
قال ادن فدنوت فضرب بيده على صدري ثم قال اللهم ثبت لسانه واهد
قلبه فلا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما شككت في قضاء بين اثنين بعده
ورواه المفيد في الارشاد نحوه إلا إنه قال تندبني يا رسول الله للقضاء وانا
شاب ولا علم لي بكل القضاء. ورواه الحاكم في المستدرك وقال صحيح
على شرط الشيخين بسنده عن علي بعثني رسول الله ص إلى اليمن فقلت يا
رسول الله إني رجل شاب وانه يرد علي من القضاء ما لا علم لي به فوضع
يده على صدري فقال اللهم ثبت لسانه واهد قلبه فما شككت في القضاء أو
في قضاء بعده. ورواه النسائي في الخصائص بسنده عن علي إلا أنه قال
اللهم أمد قلبه وسدد لسانه فما شككت في قضاء بين اثنين حين جلست في
مجلسي. وروى النسائي في الخصائص هذا المضمون بعدة أسانيد عن علي
ع وفي بعضها بعثني رسول الله ص إلى اليمن وأنا شاب حديث
السن فقلت يا رسول الله تبعثني إلى قوم يكون بينهم احداث وانا شاب
حديث السن قال إن الله سيهدي قلبك ويثبت لسانك قال ما شككت في
حديث اقضي بين اثنين كذا وفي رواية فما شككت في حكومة بعد
وفي أخرى فوضع يده على صدري وقال إن الله سيهدي قلبك ويثبت
لسانك يا علي إذا جلس إليك الخصمان فلا تقض بينهما حتى تسمع من
الآخر كما سمعت من الأول فإنك إذا فعلت ذلك تبدى لك القضاء قال علي
فما أشكل علي قضاء بعد ذلك.
الثامن عشر نزول وتعيها أذن واعية في حقه. في الفصول
المهمة لابن الصباغ المالكي عن مكحول عن علي بن أبي طالب في قوله تعالى
وتعيها أذن واعية قال لي رسول الله سالت الله ان يجعلها أذنك يا علي
ففعل فكان علي يقول ما سمعت من رسول الله ص كلاما إلا وعيته وحفظته
ولم أنسه. وفي أسباب النزول للواحدي النيسابوري: حدثنا أبو بكر
التميمي أخبرنا عبد الله بن محمد بن جعفر أخبرنا الوليد بن ابان أخبرنا
العباس الدوري أخبرنا بشر بن آدم أخبرنا عبد الله بن الزبير قال سمعت
صالح بن هشيم يقول سمعت بريدة يقول قال رسول الله ص لعلي ان الله
أمرني ان أدنيك ولا أقصيك وأن أعلمك وتعي وحق على الله ان تعي
فنزلت وتعيها أذن واعية. وفي تفسير الطبري: حدثني عبد الله بن رستم
سمعت بريدة يقول سمعت رسول الله ص يقول لعلي يا علي إن الله امرني
ان أدنيك وذكر مثله. وفي حلية الأولياء بسنده عن عمر بن علي بن أبي
طالب عن أبيه عن رسول الله ص يا علي إن الله امرني ان أدنيك وأعلمك
لتعي وأنزلت هذه الآية وتعيها أذن واعية فأنت أذن واعية لعلمي وروى
الطبري في تفسيره قال حدثنا علي بن سهل حدثنا الوليد بن مسلم عن
علي بن حوشب سمعت مكحولا يقول قرأ رسول الله ص وتعيها أذن
واعية ثم التفت إلى علي فقال سالت الله ان يجعلها أذنك قال علي فما
سمعت شيئا من رسول الله ص فنسيته. وفي الدر المنثور للسيوطي: اخرج
سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن
مكحول قال لما نزلت وتعيها أذن واعية قال رسول الله ص سالت ربي أن
يجعلها أذن علي قال مكحول فكان علي يقول ما سمعت من رسول الله ص
شيئا فنسيته. واخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والواحدي وابن مردويه وابن
عساكر وابن النجاري عن بريدة قال رسول الله ص لعلي ان الله امرني ان
(٣٤٥)

أدنيك ولا أقصيك وان أعلمك وان تعي وحق لك ان تعي فنزلت هذه الآية
وتعيها أذن واعية.
التاسع عشر الزهد في الدنيا وانما يعرف زهد الزاهد فيها إذا
كانت في يده ويزهد فيها لا إذا كانت زاهدة فيه. كان أكثر أكابر الصحابة
في زمن عثمان وقبله قد درت عليهم اخلاف الدنيا من الفتوحات والعطاء
من بيت المال فبنوا الدور وشيدوا القصور واختزنوا الأموال الكثيرة وخلفوها
بعدهم. روى المسعودي انه في أيام عثمان اقتنى الصحابة الضياع والمال
فكان لعثمان يوم قتل عند خازنه خمسون ومائة ألف دينار وألف ألف درهم
وقيمة ضياعه في وادي القرى وحنين وغيرهما مائة ألف دينار وخلف إبلا
وخيلا كثيرة وبلغ الثمن الواحد من متروك الزبير بعد وفاته خمسين ألف
دينار وخلف ألف فرس وألف أمة وكانت غلة طلحة من العراق ألف دينار
كل يوم ومن ناحية السراة أكثر من ذلك وكان على مربط عبد الرحمن بن
عوف ألف فرس وله ألف بعير وعشرة آلاف من الغنم وبلغ الربع من
متروكه بعد وفاته أربعة وثمانين ألفا وخلف زيد بن ثابت من الذهب
والفضة ما كان يكسر بالفؤوس غير ما خلف من الأموال والضياع. وبنى
الزبير داره بالبصرة وبنى أيضا بمصر والكوفة والإسكندرية وكذلك بنى طلحة
داره بالكوفة وشيد داره بالمدينة وبناها بالجص والآجر والساج وبنى سعد بن
أبي وقاص داره بالعقيق ورفع سمكها وأوسع فضاءها وجعل على أعلاها
شرفات وبنى المقداد داره بالمدينة وجعلها مجصصة الظاهر والباطن وخلف
يعلى ابن منبه خمسين ألف دينار وعقارا وغير ذلك ما قيمته ثلثمائة ألف
درهم اه ولكن ذكره المقداد معهم لمجرد بنائه داره وتجصيص ظاهرها
وباطنها لا يخلو من حيف على المقداد فهل يريدون من المقداد ان يبقى في
دار خربة سوداء مظلمة.
ولم يكن علي أقل نصيبا منهم في عطاء وغيره ثم جاءته الخلافة
وصارت الدنيا كلها في يده عدا الشام ومع ذلك لم يخلف عند موته إلا
ثمانمائة درهم لم يكن اختزنها وإنما أعدها لخادم يشتريها لأهله فمات قبل
شرائها فأين ذهبت الأموال التي وصلت إلى يده وهو لم يصرفها في ماكل ولا
ملبس ولا مركوب ولا شراء عبيد ولا إماء ولا بناء دار ولا اقتناء عقار.
مات ولم يضع لبنة على لبنة ولا تنعم بشئ من لذات الدنيا بل كان يلبس
الخشن ويأكل الجشب ويعمل في ارضه فيستنبط منها العيون ثم يقفها في
سبيل الله ويصرف ما يصل إلى يده من مال في الفقراء والمساكين وفي سبيل
الله وهو مع ذلك يريد من عماله في الأمصار ان يكونوا مثله أو متشبهين به
على الأقل ويتفحص عن أحوالهم فيبلغه عن عامله على البصرة عثمان بن
حنيف الأنصاري انه دعي إلى مادبة فذهب إليها فيكتب إليه: بلغني ان
بعض فتية أهل البصرة دعاك إلى مأدبة فأسرعت إليها تستطاب لك الألوان
وتنقل إليك الجفان وما ظننت انك تجيب إلى طعام قوم غنيهم مدعو
وعائلهم مجفو. ومعنى هذا ان ابن حنيف يلزم ان لا يجيب دعوة أحد
من وجوه البصرة فان من يدعو الوالي إلى مأدبته لا يدعو معه إلا
الأغنياء ولا يدعو أحدا من الفقراء وما يصنع الفقراء في وليمة الوالي وهم
لا يجالسهم الوالي والمدعوون معه من الأغنياء ولا يواكلونهم وكيف يفعلون
ذلك وثياب الفقراء بالية وهيئاتهم رثة ينفرون منها ومن رؤيتها وإذا أرادوا
ان يعطفوا على فقير منهم أرسلوا إليه شيئا من الزاد أو المال إلى بيته ولم
تسمح لهم أنفسهم ان يجالسوهم على مائدتهم ثم يريد من ابن حنيف ان
يقتدي به في زهده فيقول له: وان لكل مأموم إماما يقتدي به ويهتدي بنور
علمه وان امامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه ومن طعمه بقرصيه. ثم يرى أن
ذلك غير ممكن فيقول له: إلا وانكم لا تقدرون على ذلك ولكن أعينوني
بورع واجتهاد وعفة وسداد، ثم يحلف بالله مؤكدا فيقول: فوالله ما
كنزت من دنياكم تبرا ولا ادخرت من غنائمها وفرا. ثم ويسوقه الألم من
أمر فدك إلى ذكرها هنا وما علاقة فدك بالمقام ولكن المتألم من أمر يخطر بباله
عند كل مناسبة فيقول: بلى كانت في أيدينا فدك من كل ما أظلته السماء
فشحت عليها نفوس قوم وسخت عنها نفوس قوم آخرين. ومن الذي يريد
ان يعترض عليك يا أمير المؤمنين بفدك ويقول لك انها كانت بيدك فكيف
تقول انك لم تدخر شيئا من غنائم الدنيا حتى تجيبه انه لم يكن في يدك من
جميع بقاع الأرض التي تحت السماء غير فدك. ومع أنه قادر على التنعم في
ملاذ الدنيا فهو يتركه زهدا فيها ومواساة للفقراء فيقول: ولو شئت
لاهتديت الطريق إلى مصفى هذا العسل ولباب هذا القمح ونسائج هذا
القز ولكن هيهات ان يقودني جشعي إلى تخير الأطعمة ولعل بالحجاز أو
اليمامة من لا عهد له بالقرص ولا طمع له بالشبع. وهو القائل: والله
لان أبيت على حسك السعدان مسهدا وأجر في الأغلال مصفدا أحب إلي
من أن القى الله ورسوله يوم القيامة ظالما لبعض العباد وغاصبا لشئ من
الحطام وكيف أظلم أحدا لنفس يسرع إلى البلى قفولها ويطول في الثرى
حلولها والله لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على أن اعصي الله
في نملة اسلبها جلب شعيرة ما فعلت ما لعلي ونعيم يفنى ولذة لا تبقى.
وهو القائل: والله لقد رقعت مدرعتي هذه حتى استحييت من راقعها
ولقد قال لي قائل ألا تنبذها عنك فقلت أعزب عني فعند الصباح يحمد
القوم السرى.
وفي أسد الغابة بسنده عن عمار بن ياسر سمعت رسول الله ص
يقول لعلي بن أبي طالب يا علي إن الله عز وجل قد زينك بزينة لم يتزين
العباد بزينة أحب إليه منها الزهد في الدنيا فجعلك لا تنال من الدنيا شيئا
ولا تنال الدنيا منك شيئا ووهب لك حب المساكين ورضوا بك إماما
ورضيت بهم اتباعا فطوبى لمن أحبك وصدق فيك وويل لمن أبغضك وكذب
عليك فاما الذين أحبوك وصدقوا فيك فهم جيرانك في دارك ورفقاؤك في
قصرك واما الذين أبغضوك وكذبوا عليك فحق على الله ان يوقفهم موقف
الكذابين يوم القيامة وقال ابن عبد البر في الاستيعاب قد ثبت عن
الحسن بن علي من وجوه أنه قال لم يترك أبي إلا ثمانمائة درهم أو سبعمائة
درهم فضلت من عطائه كان يعدها لخادم يشتريها لأهله، قال واما تقشفه
في لباسه ومطعمه فأشهر من هذا كله ثم روى بسنده عن عبد الله بن أبي
الهذيل قال رأيت عليا خرج وعليه قميص غليظ دارس إذا مد كم قميصه
بلغ إلى الظفر وإذا أرسله صار إلى نصف الساعد وبسنده عن عطاء
رأيت على علي قميص كرابيس غير غسيل وبسنده عن أبي الهذيل رأيت
على علي بن أبي طالب قميصا رازيا إذا أرخى كمه بلغ أطراف أصابعه وإذا
اطلقه صار إلى الرسغ وفي أسد الغابة بسنده عمن رأى على علي ع
إزارا غليظا قال اشتريته بخمسة دراهم فمن أربحني فيه درهما بعته
وبسنده عن أبي النوار بياع الكرابيس قال اتاني علي بن أبي طالب ومعه
غلام له فاشترى مني قميصي كرابيس فقال لغلامه اختر أيهما شئت فاخذ
أحدهما واخذ علي الآخر فلبسه ثم مد يده فقال اقطع الذي يفضل من قدر
يدي فقطعته وكفه ولبسه وذهب وفي حلية الأولياء بسنده عن أبي سعيد
(٣٤٦)

الأزدي رأيت عليا أتى السوق وقال من عنده قميص صالح بثلاثة دراهم
فقال رجل عندي فجاء به فأعجبه قال لعله خير من ذلك قال لا ذاك ثمنه
فرأيت عليا يقرض رباط الدراهم من ثوبه فأعطاه فلبسه فإذا هو يفضل عن
أطراف أصابعه فامر به فقطع ما فضل عن أطراف أصابعه وفي
الاستيعاب بسنده عن مجمع التميمي ان عليا قسم ما في بيت المال بين
المسلمين ثم أمر به فكنس ثم صلى فيه رجاء ان يشهد له يوم القيامة وفي
حلية الأولياء بسنده عن مجمع نحوه وفي الاستيعاب بسنده عن
عاصم بن كليب عن أبيه قال قدم على علي مال من أصبهان فقسمه سبعة
أسباع ووجد فيه رغيفا فقسمه سبع كسر فجعل على كل جزء كسرة ثم
أقرع بينهم أيهم يعطي أولا. قال واخباره في مثل هذا من سيرته لا يحيط
بها كتاب وبسنده عن معاذ بن العلاء عن أبيه عن جده علي بن أبي طالب
يقول ما أصبت من فيئكم إلا هذه القارورة أهداها إلي الدهقان ثم نزل إلى
بيت المال ففرق كل ما فيه ثم جعل يقول: - أفلح من كانت له قوصره * يأكل منها كل يوم مره -
وفي حلية الأولياء بسنده عن أبي عمرو بن العلاء عن أبيه ان
علي بن أبي طالب خطب الناس فقال والله الذي لا اله إلا هو ما رزأت من
فيئكم إلا هذه واخرج قارورة من كم قميصه فقال أهداها إلي مولاي دهقان
وفي الاستيعاب بسنده عن عنترة الشيباني في حديث: كان علي لا يدع
في بيت المال مالا يبيت فيه حتى يقسمه إلا أن يغلبه شغل فيصبح إليه وكان
يقول يا دنيا لا تغريني غري غيري وينشد:
- هذا جناي وخياره فيه * وكل جان يده إلى فيه -
قال وذكر عبد الرزاق عن الثوري عن أبي حيان التيمي عن أبيه قال
رأيت علي بن أبي طالب يقول من يشتري مني سيفي هذا فلو كان عندي
ثمن ازار ما بعته فقام إليه رجل فقال نسلفك ثمن ازار قال عبد الرزاق
وكانت بيده الدنيا كلها الا ما كان من الشام وفي حلية الأولياء بعدة
أسانيد عن الأرقم وعن يزيد بن محجن وعن أبي رجاء قال الأرقم رأيت عليا
وهو يبيع سيفا له في السوق ويقول من يشتري مني هذا السيف فوالذي فلق
الحبة لطالما كشفت به الكرب عن وجه رسول الله ص ولو كان عندي ثمن
ازار ما بعته وقال يزيد بن محجن كنت مع علي وهو بالرحبة فدعا بسيف
فسله فقال من يشتري سيفي هذا فوالله لو كان عندي ثمن ازار ما بعته
وقال أبو رجاء رأيت علي بن أبي طالب خرج بسيفه يبيعه فقال من يشتري
مني هذا لو كان عندي ثمن ازار لم أبعه فقلت يا أمير المؤمنين انا أبيعك
وأنسؤك إلى العطاء وفي رواية فلما خرج عطاؤه أعطاني وفي أسد
الغابة بسنده قال علي بن أبي طالب: الدنيا جيفة فمن أراد منها شيئا
فليصبر على مخالطة الكلاب وبسنده عن أبي نعيم سمعت سفيان يقول
ما بنى علي لبنة على لبنة ولا قصبة على قصبة وإن كان ليؤتى بحبوبه من المدينة
في جراب ثم قال في أسد الغابة: وزهده وعدله لا يمكن استقصاء ذكرهما.
وقال ابن أبي الحديد في شرح النهج: اما الزهد في الدنيا فهو سيد الزهاد
وبدل الابدال واليه تشد الرحال وتنفض الأحلاس ما شبع من طعام قط
وكان أخشن الناس مأكلا وملبسا قال عبد الله بن أبي رافع دخلت إليه يوم
عيد فقدم جرابا مختوما فوجدنا فيه خبز شعير يابسا مرضوضا فقدم فاكل
فقلت يا أمير المؤمنين فكيف تختمه قال خفت هذين الولدين ان يلتاه بسمن
أو زيت وكان ثوبه مرقوعا بجلد تارة وبليف أخرى ونعلاه من ليف وكان
يلبس الكرابيس الغليظ فإذا وجد كمه طويلا قطعه بشفرة ولم يخطه فكان لا
يزال متساقطا على ذراعيه حتى يبقى سدى لا لحمة له وكان يأتدم إذا ائتدم
بخل أو بملح فان ترقى عن ذلك فببعض نبات الأرض فان ارتفع عن ذلك
فبقليل من ألبان الإبل ولا يأكل اللحم الا قليلا ويقول لا تجعلوا بطونكم
مقابر الحيوان وكان مع ذلك أشد الناس قوة وأعظمهم ايدا وهو الذي طلق
الدنيا وكانت الأموال تجبى إليه من جميع بلاد الاسلام إلا من الشام فكان
يفرقها ويمزقها ثم يقول: هذا جناي وخياره فيه إذ كل جان يده إلى فيه
اه وفي حلية الأولياء بسنده عن علي بن ربيعة الوالبي قال جاءه ابن
النباج فقال يا أمير المؤمنين امتلأ بيت مال المسلمين من صفراء وبيضاء فقال
الله أكبر فقام متوكئا على ابن النباج حتى قام على بيت مال المسلمين فقال
هذا جناي وخياره فيه وكل جان يده إلى فيه يا ابن النباج علي بأسباع الكوفة
فنودي في الناس فأعطى جميع ما في بيت مال المسلمين وهو يقول يا صفراء
ويا بيضاء غري غيري ها وها حتى ما بقي منه دينار ولا درهم ثم امره
بنضحه وصلى فيه ركعتين وبسنده عن علي بن أبي طالب انه أتي بفالوذج
فوضع بين يديه فقال إنك طيب الريح حسن اللون طيب الطعم لكن أكره
ان أعود نفسي ما لم تعتده وبسنده عن عدي بن ثابت ان عليا اتى
بفالوذج فلم يأكل وبسنده عن عبد الملك بن عمير عن رجل من ثقيف
ان عليا استعمله على عكبرا قال فقال إذا كان عند الظهر فرح إلي فرحت
إليه فلم أجد عنده حاجبا فوجدته جالسا وعنده قدح وكوز من ماء فدعا
بظبيته (١) فقلت في نفسي لقد امنني حتى يخرج إلي جوهرا ولا أدري ما فيها
فإذا عليها خاتم فكسره فإذا فيها سويق فاخرج منها فصب في القدح فصب
عليه ماء فشرب وسقاني فلم أصبر فقلت يا أمير المؤمنين أ تصنع هذا بالعراق
وطعام العراق أكثر من ذلك قال اما والله ما أختم عليه بخلا ولكني ابتاع
قدر ما يكفيني فأخاف ان يفنى فيصنع من غيره وأكره أن ادخل بطني الا طيبا
وبسنده عن الأعمش كان علي يغدي ويعشي الناس ويأكل هو من شئ
يجيئه من المدينة وبسنده عن زيد بن وهب قدم على علي وفد من أهل البصرة
فيهم رجل من أهل الخراج (٢) يقال له الجعد بن نعجة فعاتب عليا
في لبوسه فقال علي ما لك وللبوسي ان لبوسي أبعد من الكبر وأجدر ان
يقتدي بي المسلم وبسنده عن عمرو بن قيس قيل لعلي يا أمير المؤمنين لم
ترقع قميصك قال يخشع القلب ويقتدي به المؤمن.
العشرون العبادة قال ابن أبي الحديد: اما العبادة فكان أعبد
الناس وأكثرهم صلاة وصوما ومنه تعلم الناس صلاة الليل وملازمة الأوراد وقيام
النافلة وما ظنك برجل يبلغ من محافظته على ورده ان يبسط له نطع بين
الصفين ليلة الهرير فيصلي عليه ورده والسهام تقع بين يديه وتمر على
صماخيه يمينا وشمالا فلا يراع لذلك ولا يقوم حتى يفرع من وظيفته وما
ظنك برجل كانت جبهته كثفنة البعير لطول سجوده وأنت إذا تأملت دعواته
ومناجاته ووقفت على ما فيها من تعظيم الله سبحانه واجلاله وما تتضمنه من
الخضوع لهيبته والخشوع لعزته والاستخذاء له عرفت ما ينطوي عليه من
الاخلاص وفهمت من أي قلب خرجت وعلى أي لسان جرت وقيل لعلي بن
الحسين ع وكان الغاية في العبادة أين عبادتك من عبادة جدك قال
عبادتي عند عبادة جدي كعبادة جدي عند عبادة رسول الله ص.

(١) وهي جواب صغير أو شبه الخريطة والكيس ويسميها أهل جبل عامل اليوم ظبوة.
(٢) في النسخة من أهل الخوارج والظاهر أنه غلط.
(٣٤٧)

الحادي والعشرون العدل مر عن أسد الغابة ان زهده وعدله لا
يمكن استقصاؤهما ومن عظيم عدله ما مر في الأمر التاسع عشر من أنه وجد
مع المال الذي جاء من أصبهان رغيفا فقسمه سبعة اجزاء كما قسم المال
وجعل على كل جزء جزءا وانه كان يخير غلامه بين الثوبين يشتريهما وفي
الاستيعاب بسنده عن أبجر بن جرموز عن أبيه رأيت علي بن أبي طالب
يخرج من مسجد الكوفة وعليه قطريتان متزر بالواحدة مرتد بالأخرى وإزاره
إلى نصف الساق وهو يطوف في الأسواق ومعه درة يأمرهم بتقوى الله
وصدق الحديث وحسن البيع والوفاء بالكيل والميزان وفي أسد الغابة
بسنده عن رجل من ثقيف قال استعملني علي بن أبي طالب على مدرج
سابور فقال لا تضربن رجلا سوطا في جباية درهم ولا تبيعن لهم رزقا ولا
كسوة شتاء ولا صيف ولا دابة يعتملون عليها ولا تقيمن رجلا قائما في طلب
درهم قلت يا أمير المؤمنين إذن أرجع إليك كما ذهبت من عندك قال وإن
رجعت ويحك انما أمرنا أن نأخذ منهم العفو يعني الفضل. وهو أول من
ساوى بين الناس في العطاء وكان يأخذ كأحدهم وقصته مع أخيه عقيل
حين طلب منه زيادة في عطائه فقال له اصبر حتى يخرج عطائي فلم يقبل
فأبى ان يعطيه أكثر من عطائه معروفة وكذلك خبره مع ولده الحسن حين
استقرض شيئا من عسل بيت المال ومع ابنته حين استعارت عقدا من بيت
المال وفي الاستيعاب بسنده عن عنترة الشيباني كان علي يأخذ في الجزية
والخراج من أهل كل صناعة من صناعته وعمل يده حتى يأخذ من أهل
الإبر الإبر والمسال والخيوط والحبال ثم يقسمه بين الناس الحديث.
الثاني والعشرون السخاء والجود. قال ابن أبي الحديد: اما
السخاء والجود فحاله فيه ظاهرة كان يصوم ويطوي ويؤثر بزاده وفيه انزل
ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا انما نطعمكم لوجه الله لا
نريد منكم جزاء ولا شكورا وروى المفسرون انه لم يكن يملك الا أربعة
دراهم فتصدق بدرهم ليلا وبدرهم نهارا وبدرهم سرا وبدرهم علانية
فأنزل فيه الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية وروي انه
كان يسقي بيده لنخل قوم من يهود المدينة حتى مجلت يده ويتصدق بالأجرة
ويشد على بطنه حجرا. وقال الشعبي وقد ذكر عنده علي ع:
كان أسخى الناس كان على الخلق الذي يحبه الله السخاء والجود وما قال لا
لسائل قط. وقال عدوه ومبغضه الذي يجتهد في وصمه وعيبه معاوية بن
أبي سفيان لمحفن بن أبي محفن الضبي لما قال له جئتك من عند أبخل الناس
فقال ويحك كيف تقول انه أبخل الناس ولو ملك بيتا من تبر وبيتا من تبن
لأنفق تبره قبل تبنه. وهو الذي كان يكنس بيوت الأموال ويصلي فيها وهو
الذي قال يا صفراء ويا بيضاء غري غيري وهو الذي لم يخلف ميراثا وكانت
الدنيا كلها بيده الا ما كان من الشام اه روى أبو الحسن بن أحمد
الواحدي النيسابوري بسنده عن ابن عباس في قوله الذين ينفقون أموالهم
بالليل والنهار سرا وعلانية قال نزلت في علي بن أبي طالب كان عنده أربعة
دراهم فانفق بالليل واحدا وبالنهار واحدا وفي السر واحدا وفي العلانية
واحدا وبسنده عن مجاهد عن أبيه قال كان لعلي أربعة دراهم فانفق
درهما بالليل ودرهما بالنهار ودرهما سرا ودرهما علانية فنزلت الذين ينفقون
أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية قال: وقال الكلبي نزلت هذه الآية في
علي بن أبي طالب لم يكن يملك غير أربعة دراهم فتصدق بدرهم ليلا
وبدرهم نهارا وبدرهم سرا وبدرهم علانية فقال له رسول الله ص ما حملك
على هذا قال حملني ان استوجب على الله الذي وعدني فقال له رسول الله
ص الا أن ذلك لك فأنزل الله تعالى هذه الآية اه وفي أسد الغابة بعدة
أسانيد عن ابن عباس مثله.
آية النجوى
وحسبك في جوده وسخائه ع إن آية النجوى لم يعمل بها
أحد من الصحابة غنيهم وفقيرهم غيره حتى نسخت وجاءهم اللوم والتوبيخ
منه تعالى أ أشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات ولم ينج منه غيره
قال النسائي في الخصائص: ذكر النجوى وما خفف علي عن هذه الأمة ثم
روى بسنده عن علي قال لما نزلت يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول
فقدموا بين يدي نجواكم صدقة قال رسول الله ص لعلي مرهم أن
يتصدقوا قال بكم يا رسول الله قال بدينار قال لا يطيقون قال فبكم قال
بشعيرة فقال رسول الله ص انك لزهيد فأنزل الله أ أشفقتم أن تقدموا بين
يدي نجواكم صدقات الآية وكان علي يقول خفف بي عن هذه الأمة ورواه
غير النسائي من أصحاب الصحاح بأسانيدهم مثله قال الواحدي في قوله
تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول الآية قال مقاتل بن حيان
نزلت الآية في الأغنياء وذلك انهم كانوا يأتون النبي ص فيكثرون مناجاته
ويغلبون الفقراء على المجالس حتى كره رسول الله ص ذلك من طول
جاوسهم ومناجاتهم فأنزل الله تبارك وتعالى هذه الآية وأمر بالصدقة عند
المناجاة فاما أهل العسرة فلم يجدوا شيئا واما أهل الميسرة فبخلوا واشتد
ذلك على أصحاب النبي ص فنزلت الرخصة وقال علي بن أبي طالب إن في
كتاب الله لآية ما عمل بها أحد قبلي ولا يعمل بها أحد بعدي يا أيها الذين
آمنوا إذا ناجيتم الرسول كان لي دينار فبعته وكنت إذا ناجيت الرسول
تصدقت بدرهم حتى نفد فنسخت بالآية الأخرى أ أشفقتم أن تقدموا بين
يدي نجواكم صدقات. وروى الطبري في تفسيره بعدة أسانيد عن مجاهد
في قوله تعالى فقدموا بين يدي نجواكم صدقة قال نهوا عن مناجاة النبي ص
حتى يتصدقوا فلم يناجه الا علي بن أبي طالب قدم دينارا فتصدق به ثم
أنزلت الرخصة في ذلك وبسنده عن مجاهد قال علي إن في كتاب الله عز
وجل لآية ما عمل بها أحد قبلي ولا يعمل بها أحد بعدي وذكر الآية قال
فرضت ثم نسخت وبسنده عن مجاهد قال علي آية من كتاب الله لم
يعمل بها أحد قبلي ولا يعمل بها أحد بعدي كان عندي دينار فصرفته بعشرة
دراهم فكنت إذا جئت إلى النبي ص تصدقت بدرهم فنسخت فلم يعمل
بها أحد قبلي وذكر الآية وفي الكشاف عن علي ع إن في كتاب
الله آية ما عمل بها أحد قبلي ولا يعمل بها أحد بعدي كان لي دينار
فاشتريت به عشرة دراهم فكنت إذا ناجيته تصدقت بدرهم قال الكلبي
تصدق به في عشر كلمات سألهن رسول الله ص ومثله في تفسير
النيسابوري. وفي الكشاف عن ابن عمر كان لعلي ثلاث لو كانت لي
واحدة منهن كانت أحب إلي من حمر النعم تزويجه فاطمة واعطاؤه الراية يوم
خيبر وآية النجوى وفي تفسير الرازي روي عن علي ع أنه قال
إن في كتاب الله لآية وذكر نحو ما مر عن الكشاف إلى قوله بدرهم قال:
وروي عن ابن جريح والكلبي وعطاء عن ابن عباس انهم نهوا عن المناجاة
حتى يتصدقوا فلم يناجه أحد الا علي ع تصدق بدينار ثم نزلت
الرخصة وفيه وفي تفسير النيسابوري عن القاضي ما حاصله إن هذا لا
يدل على فضله على أكابر الصحابة لأن الوقت لعله لم يتسع للعمل لهذا
(٣٤٨)

الغرض. وقال الفخر الرازي ما حاصله إن الوقت وإن وسع لكن الاقدام
على هذا العمل مما يضيق قلب الفقير والصدقة عند المناجاة واجبة اما
المناجاة فليست بواجبة ولا مندوبة بل الأولى تركها لأنها كانت سببا لسامة
النبي ص وأقول إذا كان الأمر كذلك فأي معنى لقوله تعالى أ أشفقتم أن
تقدموا بين يدي نجواكم صدقات فإن لم تفعلوا وتاب الله عليكم الآية
وأي وجه لهذا العتاب والتقريع وإذا كان الأولى ترك المناجاة فأي معنى لقوله
تعالى وتاب الله عليكم حتى جعلها ذنبا يوجب التوبة وترك المناجاة وإن لم
يكن حراما في نفسه لكن تركه بخلا ورغبة عن مناجاة رسول الله ص التي
فيها تعلم الأحكام وخير الدنيا والآخرة إن لم يكن ذنبا فهو مساوق للذنب
فيوجب التوبة حقيقة أو تنزيلا والمناجاة التي كان الأولى تركها هي ما يوجب
الملالة أو مزاحمة الأغنياء للفقراء لا مطلق المناجاة وبناء على هذه الفلسفة
الواهية يلزم أن يكون الأولى ترك عمل الخيرات من الأغنياء لئلا تنكسر
قلوب الفقراء العاجزين عنها ولهذا قال النيسابوري بعد نقله ذلك عن
القاضي والفخر: هذا الكلام لا يخلو عن تعصب وهل يقول منصف إن
مناجاة النبي ص نقيصة اه أقول بل هو تعصب مجسم ومنه يعلم أن
التعصب كيف يؤدي بابن آدم إلى أن ينكر الشمس الضاحية. وروى
الحاكم في المستدرك بالاسناد إلى عبد الرحمن بن أبي ليلى قال قال علي بن أبي
طالب إن في كتاب الله لآية ما عمل بها أحد قبلي ولا يعمل بها أحد بعدي
آية النجوى يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي
نجواكم صدقة قال كان عندي دينار فبعته بعشرة دراهم فناجيت النبي
ص فكنت كلما ناجيته قدمت بين يدي نجواي درهما ثم نسخت فلم يعمل
بها أحد فنزلت أ أشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات الآية قال
الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وأورده
الذهبي في مختصر المستدرك ولم يعلق عليه شيئا.
الثالث والعشرون حسن الخلق وطلاقة الوجه قال ابن أبي
الحديد: واما سجاحة الأخلاق وبشر الوجه وطلاقة المحيا والتبسم فهو
المضروب به المثل فيه حتى عابه بذلك أعداؤه وقال عمرو بن العاص لأهل
الشام أنه ذو دعابة شديدة وقال علي ع في ذلك عجبا لابن النابغة
يزعم لأهل الشام أن في دعابة وإن امرؤ تلعابة أعافس وأمارس.
وعمرو بن العاص انما اخذها عن عمر بن الخطاب لقوله لما عزم على
استخلافه لله أبوك لولا دعابة فيك إلا أن عمر اقتصر عليها وعمرو زاد فيها
وسمجها وقال صعصعة بن صوحان وغيره من شيعته وأصحابه: كان فينا
كأحدنا لين جانب وشدة تواضع وسهولة قياد وكنا نهابه مهابة الأسير المربوط
للسياف الواقف على رأسه. وقال معاوية لقيس بن سعد: رحم الله أبا
حسن فلقد كان هشا بشا ذا فكاهة قال قيس نعم كان رسول الله ص يمزح
ويبسم إلى أصحابه أراك تسر حسوا في ارتغاء وتعيبه بذلك أما والله لقد كان
مع تلك الفكاهة والطلاقة أهيب من ذي لبدتين قد مسه الطوى تلك هيبة
التقوى ليس كما يهابك طغام أهل الشام. قال وقد بقي هذا الخلق متوارثا
متناقلا في محبيه وأوليائه إلى الآن كما بقي الجفاء والخشونة والوعورة في
الجانب الآخر ومن له أدنى معرفة باخلاق الناس وعوائدهم يعرف ذلك
اه.
الرابع والعشرون حسن الرأي والتدبير قال ابن أبي الحديد: أما
الرأي والتدبير فكان من أشد الناس رأيا وأصحهم تدبيرا وهو الذي أشار
على عمر لما عزم أن يتوجه بنفسه إلى حرب الروم والفرس بما أشار وهو
الذي أشار على عثمان بأمور كان صلاحه فيها ولو قبلها لم يحدث عليه ما
حدث اه أقول وهو الذي أشار على المسلمين بان يدفن النبي ص
في موضع وفاته وأن يصلي عليه المسلمون فرادى بدون امام جماعة بعد جماعة
وإن شئت أن تجعل هذا من العلم والفقه فلك ذلك. وهو الذي أشار على
عمر بوضع التاريخ للهجرة. روى الحاكم في المستدرك بسنده عن سعيد بن
المسيب: جمع عمر الناس فسألهم من أي يوم يكتب التاريخ فقال علي بن
أبي طالب من يوم هاجر رسول الله ص وترك أرض الشرك ففعله عمر وذكره
ابن الأثير في تاريخه عن سعيد بن المسيب مثله. ومن اخباره في جودة الرأي
ما رواه المفيد في الارشاد عن شبابة بن سوار عن أبي بكر الهذلي قال سمعت
رجلا من علمائنا يقول: وذكر حديثا خلاصته أنه انتهى خبر إلى من
بالكوفة من المسلمين أن جموعا كثرة تحتشد في فارس لغزوهم، فانهى
مسلمو الكوفة الخبر إلى عمر ففزع لذلك فزعا شديدا فاستشار المسلمين
وقال أن الشيطان قد جمع لكم جموعا واقبل بها ليطفئ بها نور الله فأشار
عليه طلحة بالمسير بنفسه وقال عثمان ارى أن تشخص أهل الشام من
شامهم وأهل اليمن من يمنهم وتسير أنت في أهل هذين الحرمين وأهل
المصرين الكوفة والبصرة فتلقى جميع المشركين بجميع المؤمنين وقال علي
انك إن أشخصت أهل الشام من شامهم سارت الروم إلى ذراريهم وإن
أشخصت أهل اليمن من يمنهم سارت الحبشة إلى ذراريهم وإن أشخصت
أهل هذين الحرمين انتقضت عليك العرب من اطرافها فاما ذكرك كثرة
العجم ورهبتك من جموعهم فانا لم نكن نقاتل على عهد رسول الله ص
بالكثرة وانما كنا نقاتل بالبصيرة وإن الأعاجم إذا نظروا إليك قالوا هذا رجل
العرب فان قطعتموه فقد قطعتم العرب وكان أشد لكلبهم ولكني ارى أن
تقر هؤلاء في امصارهم وتكتب إلى أهل البصرة فليتفرقوا على ثلاث فرق
فلتقم فرقة منهم على ذراريهم ولتقم فرقة على أهل عهدهم لئلا ينتقضوا
ولتسر فرقة منهم إلى اخوانهم مددا لهم فقال عمر أجل هذا هو الرأي وقد
كنت أحب أن أتابع عليه وجعل يكرر قول علي وينسقه اعجابا به واختيارا
له.
ثم أنه قد يظن أو يعتقد بعض من لا خبرة له أو من غلب عليه
الهوى أو التقليد أن عليا ع أضعف رأيا وأقل تدبيرا من سواه
ويستدل على ذلك بعدم انتظام الأمر له أيام خلافته وبتغلب معاوية على
قسم كبير من المملكة الاسلامية وبأنه لم لم يول معاوية على الشام ثم يعزله
وبان مساواته بين الناس في العطاء كان خلاف الرأي بل كان ينبغي أن
يستميل الأكابر بالمال ليكونوا معه كما كان يفعل معاوية والجواب عن
ذلك واضح بين لا يحتاج إلى إطالة الكلام وكثرة النقض والابرام فان عليا
ع لم يكن طالب ملك ولا امارة ولا طالب دنيا وإنما كان هدفه
الأعلى ومقصده الوحيد وغايته المطلوبة رضا الله وإقامة عمود الحق ومحو
الباطل، والدنيا والمال والملك لا تساوي عنده جناح بعوضة فكيف يمكن أن
يتوصل إليها بضد ما هو هدفه ومقصده وغايته ولم يكن يرى التوصل إلى
الملك والامارة من أي طريق كان وبأي وجه اتفق ولا يستحل التوصل إلى
تثبيت ملكه بشئ يخالف الشرع من قتل النفوس البريئة ونقض العهود
ودس السموم وسلب الأموال والمداهنة وغير ذلك ومن كانت هذه صفته
(٣٤٩)

وهذه حاله لا يصح أن ينسب إلى قصور في الرأي وضعف في التدبير ولا أن
ينسب خصمه الذي كان يتوسل إلى تحصيل الملك والامارة بكل ما يمكنه إلى
أنه أصح منه تدبيرا وأسد رأيا وانما يصح أن ينسب إلى ذلك من يدبر أمرا
ليتوصل به إلى مطلوبه فتكون نتيجته بالعكس لجهله بمواقع الأمور وشئ
من هذا لم يحصل من أمير المؤمنين ع ولا يمكن أن يحصل فهو اعلم
الناس بمواقع الأمور وقد ابان عن هذا مرارا بقوله قد يرى الحول القلب
وجه الحيلة فيدعها رأي العين وينتهز فرصتها من لا حريجة له في الدين
وقوله كما في نهج البلاغة والله ما معاوية بأدهى مني ولكنه يغدر ويفجر ولولا
كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس والله ما استغفل بالمكيدة ولا استغمز
بالشديدة (١) وخصمه كان يرى التوصل إلى الملك والامارة بكل ما يمكنه من
حلال أو حرام من أي طريق كان وبأي وجه اتفق لا يستثني في سبيل ذلك
شيئا ولا يتقيد بأمر دون آخر ومثل هذا لا يصح أن يقال عنه أنه أسد رأيا
وأصح تدبيرا ولذلك تغلب على قسم كبير من المملكة الاسلامية وقد أشار
إلى ذلك ابن أبي الحديد في تتمة كلامه السابق حيث قال وانما قال أعداؤه
أنه لا رأي له لأنه كان متقيدا بالشريعة لا يرى خلافها ولا يعمل بما يقتضي
الدين تحريمه وقد قال ع لولا الدين والتقى لكنت أدهى العرب وغيره
كان يعمل بمقتضى ما يستصلحه سواء كان مطابقا للشرع أو لم يكن ولا
ريب أن من يعمل بما يؤدي إليه اجتهاده ولا يقف مع ضوابط وقيود يمتنع
لأجلها مما يرى الصلاح فيه تكون أحواله الدنياوية إلى الانتظام أقرب ومن
كان بخلاف ذلك تكون أحواله الدنياوية إلى الانتشار أقرب اه. وإن
نظر كثير من الناس إلى علي بن أبي طالب نظرهم إلى من يطلب ملكا وامارة
ويريد أن يكون سلطانا آمرا ناهيا متسلطا متمتعا بنعيم الدنيا متهالكا في
حب الجلوس على عرش الملك والقبض على صولجان الحكم يجمع الأموال
ويصرفها فيما يحب ويولي أبناءه وأقرباءه ومن يمت إليه ويستكثر من الخدم
والحشم ومثل هذا يتوسل للوصول إلى مطلوبه والحصول على بغيته بكل
وسيلة شريفة أو غير شريفة فيتوسل بالكذب والخداع ونقض العهود وقتل
النفوس ودس السم والرشوة ومداهنة الظلمة والخونة وتقريبهم والاستعانة
بهم واجزال العطايا لهم وعدم الالتفات إلى الضعفاء وعدم المبالاة بهم
وحرمانهم ولو كانوا من أولياء الله والظلم والعسف والمؤاخذة بالظن
والتهمة. وبالجملة فعل كل ما يظن به الوصول إلى غايته كيفما كان وترك
كل ما يظن به البعد عن غايته مهما كان فإذا رأوا أمير المؤمنين ع
فعل شيئا بضد هذه الأفعال ظنوا بعقولهم القاصرة أن ذلك لقلة خبرة منه
بالسياسة ولم يعلموا أن أمير المؤمنين ع لم يكن طالب دنيا ولا امرة
ولا سلطنة بل طالب آخرة وهدفه إقامة الحق وخذلان الباطل فكيف يتوسل
بالباطل إلى نيل الملك وهو الذي كان يقول والله لو أعطيت الأقاليم السبعة
بما تحت أفلاكها على أن اعصي الله في نملة اسلبها جلب شعيرة ما فعلت
ويقول في نعله التي لا تساوي درهما والله لامرتكم هذه أهون علي من هذه
النعل الا أن أقيم حقا أو أدفع باطلا وهو الذي لم يقبل يوم الشورى أن
يبايعه عبد الرحمن بن عوف الا على كتاب الله وسنة رسوله ص ولم يرض أن
يدخل معهما سيرة الشيخين حتى عدل عنه إلى من قبل بذلك. وهو الذي
ناقش خازنه على زق عسل في بيت المال استقرض منه ولده شيئا يسيرا
لأضيافه وهو الذي لم يحاب أخاه عقيلا في شئ يزيده به عن عطائه. على
أن ما تمكن في النفوس من الحقد عليه بمن قتله من القبائل والحسد له بما
أعطاه الله من فضل كان يحول دون انقياد الجمهور له ويفسد عليه كثيرا من
آرائه الصائبة. اما عدم انتظام الأمر له فلا يجوز أن يعزى إلى خطل في
الرأي أو نقص في التدبير لأن الأمور كثيرا ما تفسد على أهل الآراء الصائبة
نظرا إلى فساد أخلاق الناس وكثرة من يفسد على صاحب الرأي المصيب
رأيه وذي التدبير تدبيره ومنه يظهر الجواب عن تغلب معاوية على قسم كبير
من المملكة الاسلامية في زمن خلافته ع فان معاوية استطاع
بالتمويه على أهل الشام وبمساعدة عمرو بن العاص أن يقنع أهل الشام أن
عليا قتل عثمان مع علمه بأنه برئ منه وإن قتل عثمان تستند أقوى أسبابه
إلى خذلان معاوية له وهذا لم يكن في استطاعة أي مدبر وصاحب رأي
صائب أن يزيله من الأذهان بعد ما تمكن فيها سواء قلنا أن ذلك كان مخاتلة
ومخادعة وسعيا وراء الملك أو قلنا أنه كان عن اجتهاد يؤجر صاحبه!!
ولا شئ أعجب من قول من يقول لم لم يول معاوية ويقره على الشام مدة
ثم يعزله، فان معاوية كان يعلم علما يقينا لا يخالطه شك بما مارسه وعرفه
طول هذه المدة من خلق أمير المؤمنين ع وسيرته أنه لا يمكن أن
يبقيه على الولاية ولا بد أن يعزله وكان أدهى من أن ينطلي عليه ذلك فإذا
ولاه وهو عالم بأنه سيعزله لم يقبل ويقول له صحح خلافتك أولا ثم ولني
وبرئ نفسك من دم عثمان ثم اجعل الأمر شورى ولو ولاه لجعل ذلك
حجة عليه فإذا أراد عزله قلب له المجن وطالبه بدم عثمان. قال ابن أبي
الحديد في الجواب عن ذلك: ان أمير المؤمنين علم من قرائن الأحوال أن
معاوية لا يبايع وإن أقره على ولاية الشام بل كان اقراره عليها أقوى لحال
معاوية لأنه إن طالبه بالبيعة وولاه فمن الممكن أن يقرأ معاوية على أهل الشام
تقليده فيؤكد حاله عندهم بأنه لو لم يكن أهلا لذلك لما اعتمده ثم
يماطل بالبيعة وإن تقدم بالمطالبة بالبيعة فهو الذي فعله أمير المؤمنين ع
وان أقره ثم طالبه بالبيعة فهو كالأول بل آكد فيما يريده معاوية
وكيف يتوهم عارف أن معاوية كان يبايع له لو أقره وبينه وبينه ما لا تبرك عليه
الإبل من الترات والأحقاد وهو الذي قتل حنظلة أخاه والوليد خاله وعتبة
جده في مقام واحد وكيف يخطر ببال عارف بحال معاوية أنه يقبل اقرار علي
له وينخدع بذلك ويبايع انه لأدهى من ذلك وأن عليا لأعرف بمعاوية ممن
ظن أنه لو استماله باقراره لبايع ولم يكن عند علي دواء لهذا المرض الا
السيف لأن الحال إليه كانت تؤول فجعل الآخر أولا ثم ذكر ما اورده
الزبير بن بكار في الموفقيات من مكاتبة معاوية بعد قتل عثمان إلى مروان
وطلحة والزبير وجماعة آخرين وجوابهم له مما يدل على أن معاوية لم يكن
لينجذب إلى طاعة علي ابدا وإن مضادته له كمضادة السواد للبياض وأن
عليا ع كان اعرف بما عمل اه. اما المساواة بين الناس في العطاء
فإنه كان يرى ذلك عدلا وقسطا يلزمه أو يرجح عنده القيام به وكان يريد
أن يمحو ما تفشى بين المسلمين من الاستئثار وتقدم القوي على الضعيف.
قال ابن أبي الحديد واعلم أن قوما ممن لم يعرف حقيقة فضل أمير المؤمنين
زعموا أن عمر كان أسوس منه وإن كان هو اعلم من عمر ثم زعم أعداؤه
ومبغضوه أن معاوية كان أسوس منه وأصح تدبيرا. وأجاب بان السائس لا
يتمكن من السياسة البالغة الا إذا كان يعمل برأيه وبما يرى فيه صلاح ملكه
سواء وافق الشريعة أو لا والا فبعيد أن ينتظم امره وأمير المؤمنين كان مقيدا
بقيود الشريعة ورفض ما يصلح اعتماده من آراء الحرب والتدبير والكيد إذا
لم يوافق الشرع إلى أن قال: ولم يمن عمر بما مني به علي من فتنة عثمان

(١) قال ابن أبي الحديد: اي لا تجوز المكيدة علي كما تجوز على ذوي الغفلة ولا أهين ولا ألين
للخطب الشديد (اه‍).
(٣٥٠)

وفتن الجمل وصفين والنهروان وكل هذه الأمور مؤثرة في اضطراب أمر
الوالي ثم قال واما القول في سياسة معاوية وإن شناة علي ومبغضيه زعموا
أنها خير من سياسة أمير المؤمنين ع فيكفينا في الكلام على ذلك ما قاله
شيخنا أبو عثمان الجاحظ ونحن نحكيه بألفاظه قال: ربما رأيت بعض من
يظن بنفسه العقل والتحصيل والفهم والتمييز يزعم أن معاوية كان أبعد
غورا وأصح فكرا وأجود رواية وليس الأمر كذلك وسأومي إليك بجملة
تعرف بها موضع غلطه والمكان الذي دخل عليه الخطا من قبله كان علي لا
يستعمل في حربه الا ما وافق الكتاب والسنة ومعاوية يستعمل خلاف
الكتاب والسنة كما يستعملهما ويستعمل جميع المكائد حلالها وحرامها ويسير
في الحرب بسيرة ملك الهند إذا لاقي كسرى وخاقان إذا لاقي رتبيل، وعلي
يقول لا تبدؤوهم بالقتال حتى يبدؤوكم ولا تتبعوا مدبرا ولا تجهزوا على
جريح ولا تفتحوا بابا مغلقا. هذه سيرته في ذي الكلاع وفي أبي الأعور
السلمي وفي عمرو بن العاص وحبيب بن مسلمة وفي جميع الرؤساء كسيرته
في الحاشية والحشو والاتباع والسفلة. وأصحاب الحروب إن قدروا على
البيات بيتوا وإن قدروا على رضخ الجميع بالجندل وهم نيام فعلوا وإن
أمكن ذلك في طرفة عين لم يؤخروه إلى ساعة وإن كان الحرق أعجل من
الغرق لم يقتصروا على الغرق ولم يؤخروا الحرق إلى وقت الغرق وإن أمكن
الهدم لم يتكلفوا الحصار ولم يدعوا أن تنصب المجانيق والعرادات والدبابات
والنقب والكمين ولم يدعوا دس السموم ولا التضريب بين الناس بالكذب
وطرح الكتب في عساكرهم بالسعايات وتوهيم الأمور وايحاش بعض من
بعض وقتلهم بكل آلة وحيلة كيف وقع القتل فمن اقتصر من التدبير على ما
في الكتاب والسنة كان قد منع نفسه الطويل العريض من التدبير فعلي كان
ملجما بالورع عن جميع القول وممنوع اليدين من كل بطش الا ما هو لله
رضا فلما أبصرت العوام كثرة نوادر معاوية في المكائد ولم يروا ذلك من علي
ظنوا بقصر عقولهم وقلة علومهم إن ذلك من رجحان عند معاوية ونقصان
عند علي فانظر بعد هذا كله هل يعد له من الخدع الا رفع المصاحف ثم
انظر هل خدع بها الا من عصى رأي علي وخالف امره فان زعمت أنه قد
نال ما أراد من الاختلاف فقد صدقت وليس في هذا اختلفنا ولا عن غرارة
أصحاب علي وعجلتهم وتسرعهم وتنازعهم دافعنا وانما كان قولنا في التمييز
بينهما في الدهاء وصحة العقل والرأي وهل كتابنا وضع الا على أن عليا كان
قد امتحن في أصحابه وفي دهره بما لم يمتحن امام قبله من الاختلاف
والمنازعة والتشاح في الرياسة والتسرع والعجلة وقد علمنا أن ثلاثة تواطئوا
على قتل ثلاثة علي ومعاوية وعمرو بن العاص فكان من الاتفاق أو من
الامتحان أن كان علي من بينهم هو المقتول وفي قياس مذهبكم أن تزعموا
أن سلامة عمرو ومعاوية إنما كانت بحزم منهما وإن قتل علي انما هو من
تضييع منه فإذ قد تبين لكم أنه من الابتلاء والامتحان فكل ما سوى ذلك
انما هو تبع له اه قال ابن أبي الحديد: ومن تأمله بعين الإنصاف ولم
يتبع الهوى علم صحة جميع ما ذكره وانما أمير المؤمنين دفع من اختلاف
أصحابه وسوء طاعتهم له ولزومه سنن الشريعة ومنهج العدل وخروج
معاوية وعمرو عن قاعدة الشرع ما لم يدفع غيره فلو لا أنه كان عارفا بوجوه
السياسة حاذقا فيها لم يجتمع عليه الا القليل من أهل الآخرة فلما وجدناه دبر
الأمر حين وليه فاجتمع عليه من العساكر ما يتجاوز العد فظفر في أكثر
حروبه وكان الأقرب إلى الانتصار على معاوية علمنا أنه من معرفة تدبير
الدول والسلطان بمكان مكين اه. وأورد ابن أبي الحديد في شرح
النهج أمورا كثيرة تعلق بها من طعن في سياسته وأجاب عنها ولما كانت
الأجوبة عنها ظاهرة لم نستحسن إطالة الكلام بذكرها والجواب عنها.
الخامس والعشرون سياسة الملك والخشونة في ذات الله. قال ابن
أبي الحديد: اما السياسة فإنه كان شديد السياسة خشنا في ذات الله لم
يراقب ابن عمه في عمل كان ولاه إياه ولا رقب أخاه عقيلا في كلام جبهه
به ونقض دار مصقلة بن هبيرة ودار جرير بن عبد الله البجلي وقطع جماعة
وصلب آخرين ومن جملة سياسته حروبه أيام خلافته بالجمل وصفين
والنهروان وفي أقل القليل منها مقنع فان كل سائس في الدنيا لم يبلغ فتكه
وبطشه وانتقامه مبلغ العشر مما فعل ع في هذه الحروب بيده
وأعوانه اه وفي الاستيعاب بسنده عن كعب بن عجرة قال رسول الله
ص علي مخشوشن في ذات الله وفي حلية الأولياء بسنده عن أبي سعيد
الخدري قال شكا الناس عليا فقام رسول الله ص خطيبا فقال يا أيها الناس
لا تشكوا عليا فوالله أنه لأخيشن في ذات الله عز وجل. ورواه الحاكم في
المستدرك وصححه الا أنه قال لأخيشن في ذات الله وفي سبيل الله
وبسنده عن كعب بن عجرة قال رسول الله ص لا تسبوا عليا فإنه
ممسوس في ذات الله تعالى اه ممسوس اي مسه الأذى والعناء في ذات
الله تعالى.
السادس والعشرون أنه ولي كل مؤمن. في الاستيعاب بسنده
عن ابن عباس أن رسول الله ص قال لعلي بن أبي طالب أنت ولي كل
مؤمن بعدي ويأتي في حديث عمران بن حصين قول النبي ص أن عليا مني
وانا من علي وهو ولي كل مؤمن بعدي وقول النبي ص أن عليا مني وانا منه
وهو وليكم بعدي. ويأتي في حديث علقمة وفي جوامع مناقبه قول النبي
ص له أنت ولي كل مؤمن بعدي.
السابع والعشرون قول النبي ص من كنت وليه فان عليا وليه.
روى الحاكم في المستدرك بسنده عن بريدة الأسلمي وقال صحيح على شرط
الشيخين أنه مر بقوم ينتقصون عليا فقال أني كنت أنال من علي وفي نفسي
عليه شئ وكنت مع خالد بن الوليد في جيش فأصابوا غنائم فعمد علي إلى
جارية من الخمس فاخذها لنفسه وكان بين علي وبين خالد شئ فقال خالد
هذه فرصتك وقد عرف الذي في نفسي على علي قال فانطلق إلى النبي ص
فاذكر ذلك له فاتيت النبي ص فذكرت له أمر علي وكنت إذا حدثت
الحديث أكببت، فرفعت رأسي وأوداج رسول الله ص قد احمرت وقال من
كنت وليه فان عليا وليه. وروى النسائي في الخصائص بسنده عن بريدة:
بعثنا رسول الله ص واستعمل علينا عليا فلما رجعنا سألنا كيف رأيتم صحبة
صاحبكم فاما شكوته انا واما شكاه غيري فرفعت رأسي وإذا وجه رسول
الله ص قد احمر فقال من كنت وليه فعلي وليه.
الثامن والعشرون حديث المنزلة. وهو قوله ص أنت مني بمنزلة
هارون من موسى الا أنه لا نبي بعدي ومر ذكره في الجزء الثاني في غزوة
تبوك ويأتي ذكره في هذا الجزء في أدلة إمامته وأنه من أثبت الآثار وأصحها
قال المفيد: لما جعل عليا منه بمنزلة هارون من موسى أوجب له جميع منازل
هارون من موسى الا ما خصه العرف من الأخوة واستثناه هو من النبوة
لفظا وهذه فضيلة لم يشرك فيها أحد أمير المؤمنين ولا ساواه في معناها ولا
قاربه فيها على حال اه.
(٣٥١)

التاسع والعشرون قول سعد، ثلاث كن لعلي لان تكون لي
واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم. روى مسلم في صحيحه وابن الأثير
في أسد الغابة والترمذي بسند قوي كما في الإصابة وغيرهم بأسانيدهم عن
عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال أمر معاوية بن أبي سفيان سعدا
فقال ما منعك أو ما يمنعك أن تسب أبا التراب أو أبا تراب فقال أما ما
ذكرت ثلاثا قالهن له رسول الله ص فلن أسبه لان تكون لي واحدة منهن
أحب إلي من حمر النعم سمعت رسول الله ص يقول لعلي وقد خلفه في
بعض مغازيه فقال له علي يا رسول الله تخلفني مع النساء والصبيان فقال له
رسول الله ص أ ما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا
نبوة بعدي وسمعته يقول يوم خيبر لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله
ويحبه الله ورسوله فتطاولنا إليها فقال ادعوا لي عليا فاتاه وبه رمد فبصق في
عينيه ودفع الراية إليه ففتح الله عليه. وأنزلت هذه الآية قل تعالوا ندع
أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم فدعا رسول الله ص عليا
وفاطمة وحسنا وحسينا فقال اللهم هؤلاء أهلي. وعن ابن ماجة بسنده عن
سعد بن أبي وقاص قال قدم معاوية في بعض حجاته فدخل عليه سعد
فذكروا عليا فنال منه فغضب سعد وقال تقول هذا لرجل سمعت رسول الله
ص يقول من كنت مولاه فعلي مولاه وسمعته يقول أنت مني بمنزلة هارون
من موسى إلا أنه لا نبي بعدي وسمعته يقول لأعطين الراية اليوم رجلا
يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله. قال النووي في شرح صحيح مسلم
قال العلماء الأحاديث التي ظاهرها دخل على صحابي يجب تأويلها فقول
معاوية هذا ليس فيه تصريح بأنه أمر سعدا بسبه وإنما سأله عن السبب
المانع له من السب قالوا ويحتمل أن معناه ما منعك أن تخطئه في رأيه
واجتهاده اه أقول يدفع هذا التأويل الفاسد والاعتذار البارد
تصريح الراوي بقوله أمر معاوية سعدا فقال ما يمنعك، على أن من قال
لآخر ما يمنعك أن تزورنا أو ما يمنعك أن تفعل كذا لا يرتاب من له أدنى
معرفة في أنه طلب لفعل ذلك بأبلغ وجه وهو أقوى في الطلب من قوله
افعل كذا. وما أشبه هذا الاعتذار بما يحكى أن رجلا انتفض عليه كلب
ممطور فغمض عينيه وقال هذا سخل إن شاء الله. وأورد هذا الحديث
النسائي في الخصائص بسنده عن بكر بن مسمار قال سمعت عامر بن سعد
يقول قال معاوية لسعد بن أبي وقاص ما يمنعك ان تسب ابن أبي طالب قال
لا أسبه ما ذكرت ثلاثا قالهن رسول الله ص لان يكون لي واحدة منهن
أحب إلي من حمر النعم وذكر نحوا مما مر إلا أنه ذكر الأولى فقال ما أسبه ما
ذكرت حين نزل عليه الوحي فاخذ عليا وابنيه وفاطمة فادخلهم تحت ثوبه
ثم قال رب هؤلاء أهل بيتي وأهلي والثانية ما قاله في غزوة تبوك والثالثة ما
قاله في غزوة خيبر ثم قال فوالله ما ذكره معاوية بحرف حتى خرج من
المدينة.
وروى هذا الحديث الحاكم في المستدرك بأسانيده عن عامر بن سعد
أنه قال معاوية لسعد بن أبي وقاص ما يمنعك ان تسب ابن أبي طالب فقال
لا أسبه ما ذكرت ثلاثا قالهن له رسول الله ص لان تكون لي واحدة منهن
أحب إلي من حمر النعم فقال له معاوية ما هن يا أبا إسحاق قال لا أسبه ما
ذكرت حين نزل عليه الوحي فاخذ عليا وابنيه وفاطمة فادخلهم تحت ثوبه
ثم قال رب ان هؤلاء أهل بيتي، ولا أسبه ما ذكرت حين خلفه في غزوة
تبوك غزاها رسول الله ص فقال له علي خلفتني مع الصبيان والنساء قال أ لا
ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبوة بعدي ولا أسبه
ما ذكرت يوم خيبر قال رسول الله ص لأعطين هذه الراية رجلا يحب الله
ورسوله ويفتح الله على يديه فتطاولنا لرسول الله ص فقال أين علي قالوا هو
أرمد فقال ادعوه فدعوه فبصق في عينيه ثم أعطاه الراية ففتح الله عليه قال
فلا والله ما ذكره معاوية بحرف حتى خرج من المدينة قال هذا حديث
صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذه السياقة وقد اتفقا جميعا على
اخراج حديث المؤاخاة وحديث الراية وروى النسائي في الخصائص
بسنده عن محمد بن عبد الله بن أبي نجيح عن أبيه عن معاوية ذكر علي بن
أبي طالب فقال سعد بن أبي وقاص والله لان يكون لي واحدة من خلال
ثلاث أحب إلي من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس لأن يكون قال لي
ما قاله له حين رده من تبوك أ ما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من
موسى إلا أنه لا نبي بعدي أحب إلي من أن يكون لي ما طلعت عليه
الشمس ولان يكون قال لي ما قال له يوم خيبر لأعطين الراية رجلا يحب الله
ورسوله يفتح الله على يديه ليس بفرار أحب إلي من أن يكون لي ما طلعت
عليه الشمس ولان يكون لي ابنته ولي منها من الولد ما له أحب إلي من أن
يكون لي ما طلعت عليه الشمس.
الثلاثون حديث الكساء وآية التطهير. وفي أسد الغابة بسنده عن
أم سلمة ان النبي ص جلل عليا وفاطمة والحسن والحسين كساء ثم قال
اللهم هؤلاء أهل بيتي وحامتي اللهم اذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا
قالت أم سلمة قلت يا رسول الله أنا منهم قال إنك إلى خير.
وفي الاستيعاب، لما نزلت انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل
البيت ويطهركم تطهيرا دعا رسول الله ص فاطمة وعليا وحسنا وحسينا في
بيت أم سلمة وقال اللهم هؤلاء أهل بيتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم
تطهيرا. وروى الواحدي في أسباب النزول بسنده عن أبي سعيد انها نزلت
في خمسة النبي ص وعلي وفاطمة والحسن والحسين ع.
وبسنده عن أم سلمة ان النبي ص كان في بيتها فاتته فاطمة ببرمة
فيها خزيرة فدخلت بها عليه فقال لها ادعي لي زوجك وابنيك قالت فجاء
علي وحسن وحسين فدخلوا فجلسوا يأكلون من تلك الخزيرة وهو على منامة
له وكان تحته كساء خيبري قالت وأنا في الحجرة أصلي فأنزل الله تعالى هذه
الآية إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا قالت
فاخذ فضل الكساء فغشاهم به ثم أخرج يديه فألوى بهما إلى السماء ثم قال
اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا
قالت فأدخلت رأسي البيت وقلت أنا معكم يا رسول الله قال إنك إلى خير
انك إلى خير. وروى الحاكم في المستدرك بسنده عن أم سلمة انها قالت في
بيتي نزلت هذه الآية إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت قالت
فأرسل رسول الله ص إلى علي وفاطمة والحسن والحسين فقال اللهم هؤلاء
أهل بيتي قالت أم سلمة يا رسول الله ما أنا من أهل البيت قال إنك إلى
خير وهؤلاء أهل بيتي اللهم أهلي أحق قال هذا حديث صحيح على شرط
البخاري ولم يخرجاه وقال الذهبي في تلخيص المستدرك قلت سمعه
الوليد بن مزيد من الأوزاعي اه وروى الحاكم في المستدرك بسنده
عن واثلة بن الأسقع قال جئت أريد عليا فلم أجده فقالت فاطمة انطلق
إلى رسول الله ص يدعوه فاجلس فجاء مع رسول الله ص
فدخل ودخلت معهما فدعا رسول الله ص حسنا وحسينا فاجلس كل
واحد منهما على فخذه وأدنى فاطمة من حجره وزوجها ثم لف عليهم
ثوبه وأنا شاهد فقال انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل
(٣٥٢)

البيت ويطهركم تطهيرا اللهم هؤلاء أهل بيتي. هذا حديث
صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه اه. وقوله ص في هذه
الأخبار هؤلاء أهل بيتي ينفي احتمال أن يراد باهل البيت نساء النبي
ص كما يوهمه السياق فإنه بمنزلة التفسير له لا سيما مع تذكير الضمير
المانع من إرادتهن به وإن كان الذي قبل الآية وبعدها واردا فيهن لأن
مراعاة السوق في القرآن الكريم غير لازمة وكون ترتيبه على ترتيب نزوله غير
معلوم لو لم يكن معلوم العدم وفي قول أم سلمة أنا منهم وقول النبي ص
جبرا لقلبها انك إلى خير تصريح ببطلان هذا الاحتمال وبذلك يظهر بطلان
ما رواه الواحدي في أسباب النزول بعد روايته انها نزلت في الأربعة عن
ابن عباس وعن عكرمة انها نزلت في نساء النبي ص فان ذلك إن صح عنهما
فهو اجتهاد في مقابل النص ولو صح عن عكرمة الذي كان يميل إلى رأي
الخوارج لا يكاد يصح عن ابن عباس ولا يراد بمثل ذلك إلا معارضة كل ما
ورد في فضل أهل البيت ولو بالأمور الواهية ومر لهذا زيادة ايضاح في سيرة
الزهراء ع في الجزء الثاني.
الحادي والثلاثون تصدقه بخاتمه وهو في الصلاة حتى نزل فيه قوله
تعالى انما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون
الزكاة وهم راكعون.
الثاني والثلاثون خبر سد الأبواب غير باب علي ع كان
رسول الله ص لما هاجر إلى المدينة وبنى مسجده فيها بنى لنفسه حجرا في
جانب المسجد اسكنها أزواجه وبنى لعلي ع حجرة بجانب الحجرة التي
اسكنها عائشة وبنى أصحابه بجانب المسجد حجرا سكنوها وكانت أبوابها
إلى المسجد فامر النبي ص بسد هذه الأبواب إلا باب علي فبقي بابه إلى
المسجد ليس له طريق غيره وفتح الباقون أبوابا من غير جهة المسجد وكانت
الحجرة التي تسكنها عائشة التي دفن فيها النبي ص وبيت علي كلاهما في
الجانب الشرقي من المسجد فلما زادت بنو أمية في المسجد دخلت فيه هذه
البيوت. في مسند أحمد بن حنبل (١) حدثنا عبد الله (٢) حدثني أبي
حدثنا محمد بن جعفر حدثنا عوف عن ميمون أبي عبد الله عن زيد بن
أرقم قال كان لنفر من أصحاب رسول الله ص أبواب شارعة في المسجد
فقال يوما سدوا هذه الأبواب إلا باب علي فتكلم في ذلك الناس فقال
رسول الله ص فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد فاني امرت بسد هذه
الأبواب إلا باب علي وقال فيه قائلكم واني والله ما سددت شيئا ولا فتحته
ولكني امرت بشئ فاتبعته. ورواه النسائي في الخصائص مثله قال أخبرنا
محمد بن بشار بن بندار البصري حدثنا محمد بن جعفر إلى آخر السند والمتن
المتقدمين ورواه الحاكم في المستدرك مثله قال أخبرنا أبو بكر أحمد بن
جعفر البزاز ببغداد حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل إلى آخر السند والمتن
السابقين وقال هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه وذكره الذهبي في
تلخيص المستدرك وقال صحيح وفي مسند أحمد (٣) حدثنا
عبد الله حدثني أبي حدثنا وكيع عن هشام بن سعد عن عمر بن أسيد عن ابن عمر
كنا نقول في زمن النبي ص رسول الله خير الناس ثم أبو بكر ثم عمر ولقد
أوتي ابن أبي طالب ثلاث خصال لان تكون لي واحدة منها أحب إلي من
حمر النعم زوجه رسول الله ص ابنته وولدت له وسد الأبواب إلا بابه في
المسجد وأعطاه الراية يوم خيبر. وروى الحاكم في المستدرك بسنده عن
أبي هريرة قال عمر بن الخطاب لقد أعطي علي بن أبي طالب ثلاث خصال
لان تكون لي خصلة منها أحب إلي من حمر النعم قيل وما هن يا أمير
المؤمنين قال تزوجه فاطمة بنت رسول الله ص وسكناه في المسجد مع رسول الله
ص يحل له فيه ما يحل والراية يوم خيبر قال هذا حديث صحيح الاسناد ولم
يخرجاه وروى النسائي في الخصائص أخبرنا أحمد بن يحيى الكوفي أخبرنا
علي وهو ابن قادم أخبرنا إسرائيل عن عبد الله بن شريك عن الحارث بن
مالك قال أتيت مكة فلقيت سعد بن أبي وقاص فقلت له سمعت لعلي
منقبة؟ قال كنا مع رسول الله ص في المسجد فنادى مناديه (٤) ليخرج من في
المسجد إلا آل رسول الله ص وآل علي فلما أصبح اتاه عمه فقال يا رسول
الله أخرجت أصحابك وأعمامك وأسكنت هذا الغلام فقال رسول الله ص
ما انا امرت باخراجكم ولا باسكان هذا الغلام، إن الله هو أمر به. قال
فطر عن عبد الله بن شريك عن عبد الله بن أرقم عن سعد ان العباس اتى
النبي ص فقال سددت أبوابنا الا باب علي فقال ما أنا فتحتها ولا انا سددتها
وفيها بسنده عن ابن عباس أمر رسول الله ص بأبواب المسجد فسدت
الا باب علي وبسنده عن ابن عباس وسد أبواب المسجد غير باب علي
فكان يدخل المسجد وهو طريقه ليس له طريق غيره وعن سنن الترمذي
عن ابن عباس ان رسول الله ص أمر بسد الأبواب الا باب علي. فما يروى
في بعض الكتب من جعل هذه المنقبة لغير علي إنما هو ممن يريدون معارضة
مناقبه بمثلها أو باثباتها لغيره فاختلقوا في ذلك ما اختلقوا وأكثره كان في عصر
بني أمية فجاء من جاء بعد ذلك فرواه كما وجده ولم يتفطن لما فيه.
الثالث والثلاثون آية المباهلة وتأتي عند ذكر اخباره سنة عشر من
الهجرة فقد دلت على أنه نفس رسول الله ص وأفضل الناس بعده كما يأتي
مفصلا هناك ويأتي عند ذكر أدلة إمامته.
الرابع والثلاثون حديث الطائر المشوي. روي النسائي في
الخصائص بسنده عن انس بن مالك ان النبي ص كان عنده طائر فقال
اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير فجاء أبو بكر فرده
ثم جاء عمر فرده ثم جاء علي فاذن له وفي أسد الغابة بسنده عن انس
مثله إلا أنه قال بدل عمر ثم جاء عثمان. قال ذكر أبي بكر وعثمان في هذا
الحديث غريب جدا. ثم قال وقد روي من غير وجه عن انس. ورواه غير
انس من الصحابة. ثم روي بسنده عن انس قال أهدي إلى النبي ص طير
فقال اللهم ائتني بأحب خلقك إليك فجاء علي فاكل معه. وبسنده عن
انس بن مالك أهدي لرسول الله ص طير فقال اللهم ائتني برجل يحبه الله
ويحبه رسوله قال انس فاتى علي فقرع الباب فقلت ان رسول الله ص
مشغول وكنت أحب ان يكون رجل من الأنصار ثم إن عليا فعل مثل ذلك
ثم اتى الثالثة فقال رسول الله ص يا انس ادخله فقد عنيته فلما اقبل قال
اللهم وال اللهم وال قال وقد رواه عن انس غير واحد حدثنا حميد الطويل
وأبو الهندي ويغنم بن سالم. وروى الحاكم في المستدرك بسنده عن انس بن
مالك قال كنت أخدم رسول الله ص فقدم لرسول الله ص فرخ مشوي فقال
اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير قال فقلت اللهم
اجعله رجلا من الأنصار فجاء علي ع فقلت ان رسول الله ص

(١) ص ٣٦٩ ج ٤ الطبعة المصرية.
(٢) هو ابن أحمد بن حنبل.
(٣) ص ٢٦ ج ٢ الطبعة المصرية.
(٤) النسخة مغلوطة والمظنون ان فيما هكذا.
(٣٥٣)

على حاجة ثم جاء فقلت أن رسول الله ص على حاجة ثم جاء فقال رسول
الله ص افتح فدخل فقال رسول الله ص ما حبسك عني فقال إن هذه آخر
ثلاث كرات يردني انس يزعم انك على حاجة فقال ما حملك على ما صنعت
فقلت يا رسول الله سمعت دعاءك فأحببت ان يكون رجلا من قومي فقال
رسول الله ص ان الرجل قد يحب قومه، هذا حديث صحيح على شرط
الشيخين ولم يخرجاه وقد رواه عن انس جماعة من أصحابه زيادة على ثلاثين
نفسا ثم صحت الرواية به عن علي وأبي سعيد الخدري وسفينة وفي حديث
ثابت البناني عن انس زيادة ألفاظ ثم ساق اسناده إلى ثابت البناني أن
انس بن مالك كان شاكيا فاتاه محمد بن الحجاج يعوده في أصحاب له
فجرى الحديث حتى ذكروا عليا ع فتنقصه محمد بن الحجاج فقال
انس من هذا اقعدوني فاقعدوه فقال يا ابن الحجاج ألا أراك تنتقص علي بن
أبي طالب والذي بعث محمدا ص بالحق لقد كنت خادم رسول الله ص بين
يديه وكان كل يوم يخدم بين يدي رسول الله ص غلام من أبناء الأنصار
فكان ذلك اليوم يومي فجاءت أم أيمن مولاة رسول الله ص بطير فوضعته
بين يدي رسول الله ص فقال رسول الله ص يا أم أيمن ما هذا الطائر قالت
هذا الطائر أصبته فصنعته لك فقال اللهم جئني بأحب خلقك إليك وإلي
يأكل معي من هذا الطائر وضرب الباب فقال رسول الله ص يا انس انظر
من على الباب قلت اللهم اجعله رجلا من الأنصار فذهبت فإذا علي بالباب
قلت إن رسول الله ص على حاجة فجئت حتى قمت مقامي فلم البث ان
ضرب الباب فقال يا انس انظر من على الباب فقلت اللهم اجعله رجلا من
الأنصار فذهبت فإذا علي بالباب قلت إن رسول الله ص على حاجة فجئت
حتى قمت مقامي فلم البث ان ضرب الباب فقال رسول الله ص يا انس
اذهب فادخله فلست بأول رجل أحب قومه ليس هو من الأنصار فذهبت
فأدخلته فقال يا انس قرب إليه الطير قال فوضعته بين يدي رسول الله ص
فأكلا جميعا قال محمد بن الحجاج يا أنس كان هذا بمحضر منك قال نعم
قال أعطي بالله عهدا أن لا انتقص عليا مقامي هذا ولا أعلم أحدا ينتقصه
إلا أشننت له وجهه.
الخامس والثلاثون انه أحب الناس إلى رسول الله ص روى
النسائي بسنده عن جميع بن عمر قال دخلت مع أمي على عائشة وانا غلام
فذكرت لها عليا فقالت ما رأيت رجلا أحب إلى رسول الله ص منه ولا امرأة
أحب إلى رسول الله من امرأته وبسنده عن جميع بن عمر دخلت مع أبي
على عائشة فسألها وراء الحجاب عن علي فقالت تسألني عن رجل ما أعلم
أحدا كان أحب إلى رسول الله ص منه ولا أحب إليه من أمر انه وبسنده
إلى ابن بريدة جاء رجل إلى أبي فسأله أي الناس كان أحب إلى رسول الله
ص قال من النساء فاطمة ومن الرجال علي ويدل عليه ما مر من حديث
الطائر المشوي.
السادس والثلاثون قوله ص من كنت مولاه فعلي مولاه وهذا قد
تقدم في حديث الغدير ونذكر هنا ما ورد في غير حديث الغدير، روى
النسائي في الخصائص بسنده عن ابن عباس عن بريدة بعثني النبي ص مع
علي إلى اليمن فرأيت منه جفوة فلما رجعت شكوته إلى النبي ص فرفع رأسه
إلي وقال يا بريدة من كنت مولاه فعلي مولاه وبسنده عن ابن عباس عن
بريدة خرجت مع علي إلى اليمن فرأيت منه جفوة فقدمت على النبي ص
فذكرت عليا فتنقصته فجعل رسول الله ص يتغير وجهه فقال يا بريدة
أ لست أولى بالمؤمنين من أنفسهم قلت بلى يا رسول الله قال من كنت مولاه
فعلي مولاه، ورواه الحاكم في المستدرك بسنده عن بريدة مثله وقال صحيح
على شرط مسلم وروى النسائي بسنده عن سعد أن رسول الله ص قال
من كنت مولاه فعلي مولاه. عن سعد في حديث لقد سمعت رسول الله
ص يقول في علي خصال ثلاث لان يكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر
النعم سمعته يقول إنه مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي
وسمعته يقول لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله
وسمعته يقول من كنت مولاه فعلي مولاه.
السابع والثلاثون قول النبي ص علي مني وانا منه. قال البخاري
في صحيحه في مناقب علي بن أبي طالب: قال النبي ص لعلي أنت مني وانا
منك وهذا القول رواه البخاري بسنده عن البراء بن عازب في الصلح
وعمرة القضاء من حديث وروى النسائي في الخصائص بسنده من
حديث انه ص قال لعلي أنت مني بمنزلة هارون من موسى وانا منك
وسنده عن عمران بن حصين قال رسول الله ص ان عليا مني وانا منه
وولي كل مؤمن بعدي اه وقد ورد في خبر براءة لا يؤدي عني الا انا أو
رجل مني وفي وقعة أحد انه مني وأنا منه وروى ابن عبد البر في
الاستيعاب بسنده عن المطلب بن عبد الله بن حنطب قال رسول الله ص
لوفد ثقيف حين جاء لتسلمن أو لأبعثن رجلا مني أو قال مثل نفسي
فليضربن أعنقاكم وليسبين ذراريكم وليأخذن أموالكم قال عمر فوالله ما
تمنيت الامارة إلا يومئذ وجعلت أنصب صدري له رجاء أن يقول هو هذا
فالتفت إلى علي فاخذ بيده ثم قال هو هذا هو هذا مرتين ورواه أحمد بن
حنبل في المحكي عن مسنده بسنده عن المطلب بن عبد الله بن حنطب مثله
وروى النسائي في الخصائص بسنده عن حبشي بن جنادة السلولي قال
رسول الله ص علي مني وانا منه فلا يؤدي عني إلا أنا أو علي وروى
أحمد بن حنبل في مسنده بأسانيد أربعة عن حبشي بن جنادة وكان قد شهد
يوم حجة الوداع قال رسول الله ص علي مني وأنا منه ولا يؤدي عني إلا أنا
أو علي ومر في الجزء الثاني في خبر نزول براءة قوله ص لا يؤدي عني إلا أنا
أو رجل مني أو من أهلي أو من أهل بيتي وروى النسائي بسنده عن
بريدة: بعثنا رسول الله ص إلى اليمن مع خالد بن الوليد وبعث عليا على
جيش آخر وقال إن التقيتما فعلي على الناس وان تفرقتما فكل واحد منكما على
جنده فلقينا بني زبيدة من أهل اليمن وظفر المسلمون على المشركين فقتلنا
المقاتلة وسبينا الذرية فاصطفى علي جارية لنفسه من السبي وكتب بذلك
خالد بن الوليد إلى النبي ص وأمرني ان أنال منه فدفعت الكتاب إليه ونلت
من علي فتغير وجه رسول الله ص وقال لي لا تبغضن يا بريدة عليا فان عليا
مني وأنا منه وهو وليكم بعدي. وبسنده عن محمد بن أسامة بن زيد عن
أبيه قال رسول الله ص أما أنت يا علي فختني وأبو ولدي أنت مني وأنا
منك.
الثامن والثلاثون قول النبي ص علي كنفسي. روى النسائي في
الخصائص بسنده عن أبي قال رسول الله ص لينتهن بنو وليعة (١) أو لأبعثن
عليهم رجلا كنفسي ينفذ فيهم أمري فيقتل المقاتلة ويسبي الذرية فما راعني
الا وكف عمر في حجزتي (٢) من خلفي من يعني (٣) قلت إياك يعني

(١) في النسخة المطبوعة بمصر بنو ربيعة وهي الكثيرة والغلط ولم يتيسر لنا الرجوع إلى غيرها ولا يبعد
ان يكون الصواب بنو وليعة كما في الحديث الذي بعده.
(٢) الحجزة بضم الحاء وسكون الجيم وفتح الزاي معقد الازار.
(٣) لعل في العبارة سقطا واصلها فقال من يعني والنسخة المنقول عنها غير مضمونة الصحة.
(٣٥٤)

وصاحبك (١) قال فمن يعني قلت خاصف النعل وعلي يخصف النعل.
وأخرج أحمد بن حنبل في المحكي عن المسند وفي المحكي عن المناقب ان
رسول الله ص قال لتنتهن يا بني وليعة (٢) أو لأبعثن إليكم رجلا كنفسي
يمضي فيكم أمري يقتل المقاتلة ويسبي الذرية فالتفت إلى علي فاخذ بيده
وقال هو هذا مرتين. وأخرجه موفق بن أحمد الخوارزمي المكي بلفظه
ومضى في الذي قبله قوله ص لأبعثن رجلا مني أو قال مثل نفسي.
التاسع والثلاثون قول النبي ص من سب عليا فقد سبني. روى
النسائي في الخصائص بسنده عن أبي عبد الله الجدلي قال دخلت على أم
سلمة فقالت لي أ يسب رسول الله ص فيكم قلت سبحان الله أو معاذ الله (٣)
قالت سمعت رسول الله ص يقول من سب عليا فقد سبني. أبو عبد الله
الجدلي واسمه عتبة بن عبد الله كان ساكنا بالشام فلهذا قالت له أم سلمة
ذلك. ورواه الحاكم في المستدرك بسنده عن أبي عبد الله الجدلي مثله
وقال هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه وقد رواه بكير بن عثمان
البجلي بزيادة ألفاظ وبسنده عن أبي عبد الله الجدلي حججت وانا غلام
فمررت بالمدينة وإذا الناس عنق واحد فاتبعتهم فدخلوا على أم سلمة زوج
النبي ص فسمعتها تقول يا شبيب شبت ظ بن ربعي فأجابها رجل
جلف جاف لبيك يا أمتاه قالت يسب رسول الله ص في ناديكم قال وانى
ذلك قالت فعلي بن أبي طالب قال أنا لنقول أشياء نريد عرض الدنيا قالت
فاني سمعت رسول الله ص يقول من سب عليا فقد سبني ومن سبني فقد
سب الله تعالى. وحكى المرزباني في مختصر تاريخ شعراء الشيعة كما في
نسخة عندنا مخطوطة في ترجمة عبد الله بن عباس، وصاحب الفصول المهمة
نقلا عن كتاب كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب تاليف الشيخ
الامام الحافظ محمد بن يوسف بن محمد الكنجي الشافعي قال حكي عن
عبد الله بن عباس وكان سعيد بن جبير يقوده (٤) بعدان كف بصره فمر
على صفة زمزم فإذا بقوم من أهل الشام يسبون عليا فسمعهم عبد الله بن
عباس فقال لسعيد ردني إليهم فرده فوقف عليهم وقال أيكم الساب الله
فقالوا سبحان الله ما فينا أحد سب الله فقال أيكم الساب لرسول الله فقالوا
ما فينا أحد سب رسول الله فقال أيكم الساب لعلي بن أبي طالب فقالوا أما
هذا فقد كان منه شئ فقال أشهد على رسول الله بما سمعته أذناي ووعاه
قلبي سمعته يقول لعلي بن أبي طالب يا علي من سبك فقد سبني ومن سبني
فقد سب الله ومن سب الله فقد كبه الله على منخريه في النار وولى عنهم
وقال يا بني ما ذا رأيتهم صنعوا فقلت له يا أبت:
- نظروا إليك باعين محمرة * نظر التيوس إلى شفار الجازر -
فقال زدني فداك أبوك فقلت:
- خزر العيون نواكس أبصارهم * نظر الذليل إلى العزيز القاهر -
فقال زدني فداك أبوك فقلت ليس عندي مزيد فقال عندي المزيد:
- أحياؤهم عار على أمواتهم * والميتون مسبة للغابر -
الأربعون ان حبه حب رسول الله وبغضه بغضه وأذيته أذيته، في
الاستيعاب: قال رسول الله ص من أحب عليا فقد أحبني ومن أبغض عليا
فقد أبغضني ومن آذى عليا فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله. وروى
الحاكم في المستدرك بسنده عن عمرو بن شاس الأسلمي قال خرجنا مع
علي إلى اليمن فجفاني في سفره ذلك حتى وجدت في نفسي فلما قدمت
أظهرت شكايته في المسجد حتى بلغ ذلك رسول الله ص فدخلت المسجد
ذات غداة ورسول الله ص في ناس من أصحابه فلما رآني أبدني عينيه،
يقول حدد إلي النظر حتى إذا جلست قال يا عمرو أما والله لقد آذيتني فقلت
أعوذ بالله ان اؤذيك يا رسول الله قال بلى من آذى عليا فقد آذاني قال هذا
حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه. وروى الحاكم في المستدرك بسنده إنه قال
رجل لسلمان ما أشد حبك لعلي قال سمعت رسول الله ص يقول من أحب
عليا فقد أحبني ومن أبغض عليا فقد أبغضني. هذا حديث صحيح على
شرط الشيخين ولم يخرجاه. ولم يتعقبه الذهبي في تلخيص المستدرك. ويأتي
قول النبي ص حبيبك حبيبي وعدوك عدوي. وروى الحاكم في المستدرك
بسنده وقال إنه جاء رجل من أهل الشام فسب عليا عند ابن عباس فحصبه
ابن عباس فقال يا عدو الله آذيت رسول الله ص إن الذين يؤذون الله ورسوله
لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا لو كان رسول الله ص
لآذيته، قال هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه.
الحادي والأربعون ان طاعته طاعة رسول الله ص ومعصيته
معصيته. روى الحاكم في المستدرك بسنده عن أبي ذر قال رسول الله ص
من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله ومن أطاع عليا فقد
أطاعني ومن عصى عليا فقد عصاني قال هذا حديث صحيح الاسناد ولم
يخرجاه وقال الذهبي في تلخيص المستدرك صحيح.
الثاني والأربعون ان مفارقته مفارقة رسول الله ص. روى الحاكم
في المستدرك بسنده عن أبي ذر قال النبي ص يا علي من فارقني فقد فارق الله
ومن فارقك يا علي فقد فارقني.
الثالث والأربعون انه مع القرآن والقرآن معه. روى الحاكم في
المستدرك بسنده عن أم سلمة سمعت رسول الله ص يقول علي مع القرآن
والقرآن مع علي لن يفترقا حتى يردا علي الحوض قال هذا حديث صحيح
الاسناد وذكره الذهبي في تلخيص المستدرك ولم يتعقبه.
الرابع والأربعون قوله ص اللهم ادر الحق معه حيث دار. روى
الحاكم في المستدرك وقال صحيح على شرط مسلم عن علي قال رسول الله
ص رحم الله عليا اللهم أدر الحق معه حيث دار.
الخامس والأربعون قول النبي ص هذا وليي والمؤدي عني. روى
النسائي في الخصائص بسنده عن سعد قال إن رسول الله ص خطب فقال
اما بعد أيها الناس فاني وليكم قالوا صدقت ثم اخذ بيد علي فرفعها ثم قال
هذا وليي والمؤدي عني والى الله من والاه وعادى من عاداه.
السادس والأربعون اختصاصه بتأدية براءة وقول جبرئيل للنبي
ص لا يؤدي عنك الا أنت أو رجل منك ومر ذلك مفصلا في السيرة النبوية
في الجزء الثاني.
السابع والأربعون تزويجه بفاطمة سيدة نساء العالمين ولولاه لم
يكن لها كفؤ وقول النبي ص للزهراء ما انا زوجتك بل الله تولى تزويجك
وانحصار نسل رسول الله ص في أولاده في الاستيعاب زوجه رسول الله
ص فاطمة سيدة نساء أهل الجنة ما خلا مريم بنت عمران وقال لها زوجتك

(١) لعله على سبيل الانكار.
(٢) وليعة كسفينة حي من كندة.
(٣) أو كلمة نحوها (مستدرك).
(٤) آخر الرواية يدل على أنه كان معه ابنه ولم يذكر المرزباني ان سعيدا كان يقوده ويمكن ان يكون
سعيد يقوده ومعه ابنه.
(٣٥٥)

سيدا في الدنيا والآخرة وانه لأول أصحابي اسلاما وأكثرهم علما وأعظمهم
حلما اه وقد خطبها غيره فلم يزوجها أحدا وقال ما انا زوجتها بعلي بل
الله زوجها. روى النسائي في الخصائص بسنده عن عبد الله بن يزيد عن
أبيه قال خطب أبو بكر وعمر فاطمة فقال رسول الله ص انها صغيرة
فخطبها علي فزوجها منه وبسنده عن ابن عباس في حديث ان النبي ص
قال لها يا ابنتي ولله ما أردت ان أزوجك الا خير أهلي.
الثامن والأربعون مدح محبه وذم مبغضه. روى الحاكم في
المستدرك من طريق أحمد بن حنبل وصححه بسنده عن عمار بن ياسر
سمعت رسول الله ص يقول لعلي يا علي طوبى لمن أحبك وصدق فيك وويل
لمن أبغضك وكذب فيك.
التاسع والأربعون ان حبه وبغضه يفرق بهما بين المؤمن والمنافق.
في الاستيعاب بسنده عن جابر: ما كنا نعرف المنافقين الا ببغض
علي بن أبي طالب. وروى احمد في مسنده بسنده عن جابر بن عبد الله ما
كنا نعرف منافقينا معشر الأنصار الا ببغضهم عليا. وبسنده عن أبي
سعيد الخدري مثله وروى الترمذي بسنده عن أبي سعيد الخدري ان كنا
لنعرف المنافقين نحن معاشر الأنصار ببغضهم علي بن أبي طالب. وروى
الحاكم في المستدرك بسنده عن أبي ذر ما كنا نعرف المنافقين الا بتكذيبهم
الله ورسوله والتخلف عن الصلوات والبغض لعلي بن أبي طالب هذا
حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. وروى الترمذي بسنده عن أم
سلمة كان رسول الله ص يقول لا يحب عليا منافق ولا يبغضه مؤمن. وفي
الاستيعاب: روت طائفة من الصحابة ان رسول الله ص قال لعلي لا يحبك
الا مؤمن ولا يبغضك الا منافق وكان علي يقول والله انه لعهد النبي الأمي
انه لا يحبني الا مؤمن ولا يبغضني الا منافق.
الخمسون دخوله على رسول الله ص كل يوم وكل ليلة سحرا
يتعلم منه. روى النسائي في الخصائص بسنده عن عبد الله بن بحر
الحضرمي عن أبيه وكان صاحب مطهرة علي قال علي كانت لي منزلة من
رسول الله ص لم تكن لاحد من الخلائق فكنت آتيه كل سحر فأقول السلام
عليك يا نبي الله فان تنحنح انصرفت إلى أهلي والا دخلت عليه وبسنده
عن عبد الله بن يحيى انه سمع عليا يقول كنت ادخل على نبي الله ص كل
ليلة فإن كان يصلي سبح فدخلت وان لم يكن يصلي أذن لي فدخلت
وبسنده عن عبد الله بن يحيى قال علي كان لي ساعة من السحر ادخل
فيها على رسول الله ص فإن كان في صلاته سبح وان لم يكن في صلاته أذن
لي وبسند آخر عنه نحوه وبسنده عن أبي يحيى قال علي كان لي من
النبي ص مدخلان مدخل بالليل ومدخل بالنهار الحديث.
الواحد والخمسون انه إذا سال رسول الله ص اجابه وإذا سكت
ابتدأه. روى النسائي في الخصائص بسنده عن عبد الله بن عمرو بن هند
الجملي عن علي كنت إذا سالت رسول الله ص أعطيت وإذا سكت
ابتدأني، ورواه الحاكم في المستدرك بسنده مثله سندا ومتنا الا أنه قال
أعطاني بدل أعطيت وقال صحيح على شرط الشيخين وأقره الذهبي في
تلخيص المستدرك وفي الخصائص بسنده عن أبي البختري عن علي كنت
إذا سالت أعطيت وإذا سكت ابتديت وبسنده عن زاذان قال علي كنت
والله إذا سالت أعطيت وإذ سكت ابتديت.
الثاني والخمسون ان مثله مثل عيسى بن مريم ع.
روى النسائي بسند عن ربيعة بن ناجذ عن علي قال رسول الله ص يا علي
فيك مثل من مثل عيسى أبغضته اليهود حتى بهتوا امه وأحبته النصارى حتى
انزلوه بالمنزل الذي ليس به وفي الاستيعاب بسنده عن الشعبي قال لي
علقمة تدري ما مثل علي في هذه الأمة قلت وما مثله قال مثل عيسى بن
مريم أحبه قوم حتى هلكوا في حبه وابغضه قوم حتى هلكوا في بغضه.
الثالث والخمسون شبهه بالأنبياء. في الفصول المهمة لابن الصباغ
المالكي عن البيهقي في كتاب فضائل الصحابة يرفعه بسنده إلى رسول الله
ص إنه قال: من أراد ان ينظر إلى آدم في علمه وإلى نوح في تقواه وإلى إبراهيم
في حلمه وإلى موسى في هيبته وإلى عيسى في عبادته فلينظر إلى علي بن أبي
طالب.
الرابع والخمسون قول النبي ص انه أمير المؤمنين وسيد المسلمين
وخاتم الوصيين وامام المتقين وقائد الغر المحجلين، روى أبو نعيم
الأصفهاني في حلية الأولياء بسنده عن انس في حديث قال رسول الله ص يا
أنس أول من يدخل عليك من هذا الباب أمير المؤمنين وسيد المسلمين
وقائد الغر المحجلين وخاتم الوصيين قال أنس قلت اللهم اجعله رجلا من
الأنصار وكتمته إذ جاء علي فقال من هذا يا أنس فقلت علي فقام مستبشرا
فاعتنقه ثم جعل يمسح عرق وجهه بوجهه ويمسح عرق علي بوجهه قال علي يا
رسول الله لقد رأيتك صنعت شيئا ما صنعت بي من قبل قال وما يمنعني
وأنت تؤدي عني وتسمعهم صوتي وتبين لهم ما اختلفوا فيه بعدي، رواه
جابر الجعفي عن أبي الطفيل عن أنس نحوه وبسنده عن الشعبي: قال
علي قال لي رسول الله ص مرحبا بسيد المسلمين وإمام المتقين، وفي الفصول
المهمة: روى الإمام أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني بسنده إلى
عبد الله بن حكيم الجهني قال رسول الله ص ان الله تبارك وتعالى أوحى إلي
في علي ثلاثة أشياء ليلة أسري بي بأنه سيد المؤمنين وإمام المتقين وقائد الغر
المجلين، وروى الحاكم في المستدرك وصححه بسنده عن أسعد بن زرارة
قال رسول الله ص: أوحي إلي في علي ثلاث انه سيد المسلمين وامام المتقين
وقائد الغر المحجلين.
الخامس والخمسون قول النبي ص له إنك سيد العرب، مر في
وقعة خيبر قوله ص له يا علي انك سيد العرب وانا سيد ولد آدم. وروى
الحاكم في المستدرك بسنده عن عروة عن أبيه عن عائشة قال رسول الله ص
ادعوا لي سيد العرب فقلت يا رسول الله أ لست سيد العرب قال انا سيد
ولد آدم وعلي سيد العرب قال وله شاهد آخر من حديث جابر قال رسول
الله ص ادعوا لي سيد العرب فقالت عائشة أ لست سيد العرب يا رسول
فقال أنا سيد ولد آدم وعلي سيد العرب وروى أبو نعيم الأصبهاني في
حلية الأولياء في ترجمة علي ع بسنده عن ابن أبي ليلى عن الحسن بن علي قال
رسول الله ص ادعوا لي سيد العرب يعني علي بن أبي طالب فقالت عائشة
أ لست سيد العرب فقال انا سيد ولد آدم وعلي سيد العرب فلما جاء ارسل
إلى الأنصار فاتوه فقال لهم يا معشر الأنصار ألا أدلكم على ما ان تمسكتم به
لن تضلوا بعده ابدا قالوا بلى يا رسول الله قال هذا علي فأحبوه بحبي
واكرموه بكرامتي فان جبريل امرني بالذي قلت لكم من الله عز وجل قال
رواه أبو بشر عن سعيد بن جبير عن عائشة نحوه في السؤدد مختصرا،
وروى الحاكم في المستدرك بسنده عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن عائشة
ان النبي ص قال انا سيد ولد آدم وعلي سيد العرب.
(٣٥٦)

السادس والخمسون قول النبي ص له أنت سيد في الدنيا والآخرة وغير
ذلك روى الحاكم في المستدرك بأسانيده عن الحسين بن محمد القتباني
ومحمد بن إسحاق وأحمد بن يحيى بن إسحاق الحاواني قالوا حدثنا أبو الأزهر
وقد حدثناه أبو علي المزكى عن أبي الأزهر حدثنا عبد الرزاق أنبأنا معمر عن
الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس: نظر النبي ص إلى علي فقال يا علي
أنت سيد في الدنيا سيد في الآخرة حبيبك حبيبي وحبيبي حبيب الله وعدوك
عدوي وعدوي عدو الله والويل لمن أبغضك بعدي قال صحيح على شرط
الشيخين وأبو الأزهر باجماعهم ثقة وإذا انفرد الثقة بحديث فهو على أصلهم
صحيح. ثم حكى عن أحمد بن يحيى الحلواني انه لما ورد أبو الأزهر من
صنعاء وذاكر أهل بغداد بهذا الحديث أنكره يحيى بن معين فلما كان يوم
مجلسه قال في آخر المجلس أين هذا الكذاب النيسابوري الذي يذكر عن
عبد الرزاق هذا الحديث فقام أبو الأزهر فقال ها أنا ذا فضحك يحيى بن
معين وقربه وأدناه فقال له كيف حدثك عبد الرزاق بهذا ولم يحدث به غيرك
فقال قدمت صنعاء وعبد الرزاق غائب في قرية له فخرجت إليه فسألني عن
أمر خراسان فحدثته به وكتبت عنه وانصرفت معه إلى صنعاء فلما ودعته قال
لي قد وجب علي حقك فانا أحدثك بحديث لم يسمعه مني غيرك فحدثني
والله بهذا الحديث لفظا فصدقه يحيى بن معين واعتذر إليه. ولما كان
الذهبي على عادته في تعصبه وتحامله على أهل البيت واتباعهم يصعب عليه
الاذعان بمثل هذا الحديث ولا تطيق نفسه الاعتراف به وإن صح سنده على
شرط الشيخين أخذ يتحيل لانكاره بالاستبعادات والتمحلات فقال في
تلخيص المستدرك بعد ما كتب عليه علامة الصحة على شرط الشيخين خ
م هذا وإن كان رواته ثقات وأبو الأزهر ثقة فهو منكر ليس ببعيد من
الوضع وإلا لأي شئ حدث به عبد الرزاق سرا ولم يجسر ان يتفوه به لأحمد
وابن معين والخلق الذين رحلوا إليه اه. والجواب عن قوله لأي شئ
انه وارد في فضل عظيم لعلي بن أبي طالب ويكفي في الجواب عنه كلام
الذهبي هذا وتحامله بعد اعترافه بان رواته ثقات ومع ذلك يقول منكر ليس
ببعيد من الوضع وتكذيب يحيى بن معين لراويه في أول وهلة استعظاما
لمضمونه والحاصل ان كلام الذهبي لا يخرج عن الاستبعاد الواهي ولا
ترد الأحاديث الصحيحة بمثل ذلك.
السابع والخمسون قوله ص هذا أمير البررة، روى الحاكم في
المستدرك بسند فيه أحمد بن عبد الله بن يزيد الحراني عن جابر بن عبد الله
سمعت رسول الله ص وهو آخذ بضبع علي بن أبي طالب وهو يقول هذا
أمير البررة قاتل الفجرة منصور من نصره مخذول من خذله ثم مد بها صوته.
قال هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه. قال الذهبي في تلخيص
المستدرك: بل والله موضوع واحمد كذاب فما أجهلك على سعة معرفتك
أقول تسرعه إلى الحلف على ما لا يعلم دليل على قلة مبالاته ومن أين له ان
يعلم بوضعه فهل كان حاضرا مع النبي ص وضبط جميع ما قاله ولو فرض
ان احمد كذاب كما يزعم فهل يمكنه الجزم بان جميع رواياته موضوعة كيف
والكاذب قد يصدق على أن الحاكم أطول منه في الرواية باعا وأوسع اطلاعا
وقد حكم بصحته وقد أساء الأدب مع إمام من أئمة علماء المسلمين وركن
إلى بذاءة اللسان التي ليست من صفات العلماء ولو كان الحاكم حيا لقال:
له ما أجهلك على ضيق معرفتك وبالجملة كلامه هذا كاشف عن شدة
تحامله واحتدام غيظه فلا عبرة به.
الثامن والخمسون قوله ص لفاطمة ان الله اطلع إلى الأرض فاختار
رجلين أباك وبعلك. روى الحاكم في المستدرك بسنده عن أبي هريرة قالت
فاطمة يا رسول الله زوجتني من علي بن أبي طالب وهو فقير لا مال له فقال
يا فاطمة أ ما ترضين ان الله عز وجل إطلع إلى أهل الأرض فاختار رجلين
أحدهما أبوك والآخر بعلك. صحيح على شرط الشيخين وقول الذهبي انه
موضوع على سريج لا يلتفت إليه إذ لم يسنده إلى دليل وبسنده عن
ابن عباس قالت فاطمة زوجتني من عائل لا مال له فذكر نحوه صحيح على
شرط الشيخين وكذبه الذهبي بلا دليل.
التاسع والخمسون منزلته من رسول الله ص وقربه منه، روى
النسائي بسنده عن العلاء سال رجل ابن عمر عن عثمان إلى أن قال فسأله
عن علي فقال لا تسأل عنه ألا ترى منزلته من رسول الله ص وبسنده
عن عرار سالت عبد الله بن عمر قلت ألا تحدثني عن علي وعثمان قال اما
علي فهذا بيته من بيت رسول الله ص ولا أحدثك عنه بغيره الحديث ثم
روى بسنده عن العلاء بن عرار قال سالت عن ذلك ابن عمر وهو في
مسجد رسول الله ص قال ما في المسجد غير بيته وبسنده عن سعيد بن
عبيد جاء رجل إلى ابن عمر فسأله عن علي قال لا أحدثك عنه ولكن انظر
إلى بيته من بيوت رسول الله ص قال فاني أبغضه قال به أبغضك الله
أقول الظاهر أن قوله فهذا بيته من بيت رسول الله ص يراد به مجاورة
بيته لبيت رسول الله ص وملاصقته له فكان دائما يسأله ويتعلم منه ويدل
عليه جواب ابن عمر للعلاء حين سأله عن تفسير ذلك بأنه ما في المسجد
غير بيته وكانه إشارة إلى سد الأبواب التي كانت شارعة في المسجد غير باب
رسول الله ص وباب علي وقد اورد النسائي هذه الأحاديث في عنوان ذكر
منزلة علي وقربه من النبي ص.
الستون انه وارث علوم رسول الله ص روى النسائي بسنده عن خالد بن
قثم بن العباس انه سئل من أين ورث علي رسول الله ص قال إنه كان أولنا به
لحوقا وأشدنا به لزوقا وبسنده عن خالد بن قثم انه قيل له أ علي ورث رسول
الله ص دون جدك وهو عمه قال إن عليا أولنا به لحوقا وأشدنا به لزوقا
وقوله أولنا به لحوقا أراد السبق في الاسلام وأشدنا به لزوقا أراد الجوار
وقلة المفارقة اه وروى الحاكم في المستدرك بسنده عن أبي إسحاق سالت
قثم بن العباس كيف ورث علي رسول الله ص دونكم قال لأنه كان أولنا به
لحوقا وأشدنا به لزوقا. قال هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه وأورد
الذهبي في تلخيص المستدرك وقال صحيح، قال الحاكم سمعت قاضي
القضاة أبا الحسن محمد بن صالح الهاشمي يقول سمعت أبا عمر القاضي
يقول سمعت إسماعيل بن إسحاق القاضي يقول وذكر له قول قثم هذا فقال
انما يرث الوارث بالنسب أو بالولاء ولا خلاف بين أهل العلم ان ابن العم
لا يرث مع العم فقد ظهر بهذا الاجماع ان عليا ورث العلم من النبي ص
دونهم ثم قال وبصحة ما ذكره القاضي حدثنا محمد بن صالح وساق السند
عن عكرمة عن ابن عباس كان علي يقول في حياة رسول الله ص ان الله
يقول أ فإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم والله لا ننقلب على أعقابنا بعد
ان هدانا الله والله لئن مات أو قتل لأقاتلن على ما قاتل عليه حتى أموت
والله اني لأخوه ووليه وابن عمه، ووارث علمه فمن أحق به مني أقول
لا ينبغي الريب في أن المراد ارث العلم لأن الأنبياء لا تورث عند غيرنا
والإرث كله للزهراء دون علي والعباس عندنا.
الواحد والستون نزول آية أ جعلتم سقاية الحاج الآية في
(٣٥٧)

تفضيله: في أسباب النزول للواحدي النيسابوري: قال الحسن والشعبي
والقرظي ان عليا والعباس وطلحة بن شيبة افتخروا فقال طلحة انا صاحب
البيت بيدي مفتاحه وإلي ثياب بيته وقال العباس انا صاحب السقاية والقائم
عليها وقال علي ما أدري ما تقولان لقد صليت ستة أشهر قبل الناس وانا
صاحب الجهاد. فأنزل الله تعالى هذه الآية أ جعلتم سقاية الحاج وعمارة
المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون
عند الله إلى أن قال الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم
وأنفسهم أعظم درجة عند الله وأولئك هم الفائزون.
الثاني والستون صعوده على منكبي النبي ص والقاء الصنم من
فوق الكعبة. روى النسائي في الخصائص بسنده عن أبي مريم قال علي
انطلقت مع رسول الله ص حتى أتينا الكعبة فصعد رسول الله ص على
منكبي فنهضت به فلما رأى رسول الله ص ضعفي قال لي اجلس فجلست
فنزل النبي ص وجلس لي وقال لي اصعد على منكبي فصعدت على منكبيه
فنهض بي فقال علي انه يخيل لي أني لو شئت لنلت أفق السماء فصعدت على
الكعبة وعليها تمثال من صفر أو نحاس فجعلت أعالجه لأزيله يمينا وشمالا
وقداما ومن بين يديه ومن خلفه حتى استمكنت منه فقال نبي الله ص اقذفه
فقذفت به فكسرته كما تكسر القوارير ثم نزلت فانطلقت انا ورسول الله ص
نستبق حتى توارينا بالبيوت خشية ان يلقانا أحد اه. وكان ذلك قبل
الهجرة. ورواه الحاكم في المستدرك بسنده عن أبي مريم عن علي قال انطلق
بي رسول الله ص حتى أتى بي الكعبة فقال لي اجلس فجلست إلى جنب الكعبة
فصعد رسول الله ص بمنكبي ثم قال انهض فنهضت فلما رأى ضعفي تحته قال
لي اجلس فنزلت وجلست ثم قال لي يا علي اصعد على منكبي فصعدت
على منكبيه ثم نهض بي فخيل إلي لو شئت نلت أفق السماء فصعدت فوق
الكعبة وتنحى رسول الله ص فقال لي الق صنمهم الأكبر صنم قريش وكان
من نحاس موتدا بأوتاد من حديد إلى الأرض فقال لي عالجه ورسول الله
ص يقول لي ايه ايه جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا فلم أزل
أعالجه حتى استمكنت منه فقال لي اقذفه فقذفته فتكسر و ترديت من فوق
الكعبة فانطلقت انا والنبي ص نسعى وخشينا ان يرانا أحد من قريش
وغيرهم قال علي فما صعد به حتى الساعة. قال الحاكم هذا حديث صحيح
ولم يخرجاه يعني الشيخين مسلما والبخاري. قال الذهبي في تلخيص
المستدرك: اسناده نظيف والمتن منكر اه.
الثالث والستون انه آخر الناس وأقربهم عهدا بالنبي ص ومناجاته
وسراره له عند الموت وعهد إليه سبعين عهدا. روى النسائي في الخصائص
بسنده عن أم المؤمنين أم سلمة ان أقرب الناس عهدا برسول الله ص علي
وبسنده عن أم موسى قالت أم سلمة والذي تحلف به أم سلمة إن أقرب
الناس عهدا برسول الله ص علي قالت لما كان غدوة قبض رسول الله فأرسل
إليه رسول الله ص وأظنه كان بعثه في حاجة فجعل يقول جاء علي ثلاث
مرات فجاء قبل طلوع الشمس فلما أن جاء عرفنا إن له إليه حاجة فخرجنا
من البيت وكنا عند رسول الله ص يومئذ في بيت عائشة وكنت في آخر من
خرج من البيت ثم جلست من وراء الباب فكنت أدناهم إلى الباب فأكب
عليه علي فكان آخر الناس به عهدا فجعل يساره ويناجيه. وفي حلية
الأولياء بسنده عن ابن عباس: كنا نتحدث ان النبي ص عهد إلى علي
سبعين عهدا لم يعهده إلى غيره. وروى الحاكم في المستدرك وصححه من
طريق أحمد بن حنبل أن أم سلمة قالت والذي احلف به إن كان علي لأقرب
الناس عهدا برسول الله ص ثم ذكرت انه أكب عليه رسول الله ص وجعل
يساره ويناجيه ثم قبض رسول الله ص من يومه فكان علي أقرب الناس
به عهدا اه ومر الحديث في الجزء الثاني وفي ذلك يقول خزيمة بن ثابت:
- وأقرب الناس عهدا بالنبي ومن * جبريل عون له في الغسل والكفن -
الرابع والستون قول النبي ص له تقاتل على تأويل القرآن كما
قاتلت على تنزيله. روى النسائي في الخصائص بسنده عن أبي سعيد
الخدري: كنا جلوسا ننتظر رسول الله ص فخرج إلينا وقد انقطع شسع
نعله فرمى به إلى علي فقال إن منكم رجلا يقاتل الناس على تأويل القرآن
كما قاتلت على تنزيله قال أبو بكر انا قال لا قال عمر أنا قال لا ولكن
خاصف النعل. وروى أبو نعيم في الحلية بسنده عن أبي سعيد الخدري
كنا نمشي مع النبي ص فانقطع شسع نعله فتناولها علي يصلحها ثم مشى
فقال يا أيها الناس ان منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على
تنزيله قال أبو سعيد فخرجت فبشرته بما قال رسول الله ص فلم يكترث به
فرحا كأنه قد سمعه. وروى الحاكم في المستدرك بسنده عن أبي سعيد كنا
مع رسول الله ص فانقطعت نعله فتخلف علي يخصفها فمشى قليلا ثم قال إن
منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله فاستشرف لها
القوم وفيهم أبو بكر وعمر قال أبو بكر أنا هو قال لا قال عمر أنا هو قال لا
ولكن خاصف النعل يعني عليا فاتيناه فبشرناه فلم يرفع به رأسه كأنه قد
سمعه من رسول الله ص: قال هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم
يخرجاه وذكره الذهبي في تلخيص المستدرك ولم يتعقبه.
الخامس والستون قوله ص في الخوارج: يقتلهم أولي الطائفتين
بالحق أو أقرب الناس إلى الحق. روى النسائي في الخصائص بسنده عن
أبي سعيد الخدري أنه قال في الخوارج يخرجون على حين (١) فرقة من الناس
قال أبو سعيد فاشهد اني سمعت هذا من رسول الله ص وأشهد إن علي بن
أبي طالب قاتلهم وأنا معه وبسنده عن أبي سعيد الخدري إن رسول الله
ص قال تمرق مارقة من الناس يلي قتلهم أو يقتلهم أولي الطائفتين بالحق،
وفي رواية يقاتلهم أقرب الناس إلى الحق. وفي الاستيعاب روى أبو سعيد
الخدري وغيره عن النبي ص إنه قال تمرق مارقة في حين اختلاف من
المسلمين تقتلها أولي الطائفتين بالحق.
السادس والستون قتاله الناكثين والقاسطين والمارقين وهم أهل
الجمل وصفين والخوارج: روى النسائي في الخصائص بسنده عن زر (٢) بن حبيش
انه سمع عليا يقول أنا فقأت عين الفتنة لولا أنا ما قوتل أهل النهروان
وأهل الجمل ولولا إنني اخشى ان تتركوا العمل لأخبرتكم بالذي قضى الله
لسان نبيكم لمن قاتلهم مبصرا ضلالتهم عارفا بالهدى الذي نحن عليه.
وفي حلية الأولياء بسنده عن زر عن علي قال انا فقأت عين الفتنة ولو لم أكن
فيكم ما قوتل فلان وفلان وفي الاستيعاب روي من حديث علي ومن
حديث ابن مسعود ومن حديث أبي أيوب الأنصاري إن عليا أمر بقتال
الناكثين والقاسطين والمارقين. قال وروي عنه أنه قال ما وجدت إلا القتال

(١) في النسخة على خير فرقة في موضعين والظاهر أنه تحريف بقرينة غيره.
(٢) هو بالزاي كما يظهر من الإصابة وغيرها حيث ذكروه في حرف الزاي وما يوجد في بعض
الكتب من رسمه بالذال تصحيف.
(٣٥٨)

أو الكفر بما انزل الله يعني والله أعلم قوله تعالى وجاهدوا في الله حق
جهاده وما كان مثله اه.
وفي الاستيعاب بسنده عن ابن عمر: ما آسي على شئ إلا اني لم
أقاتل مع علي الفئة الباغية وفي رواية ان لا أكون قاتلت الفئة الباغية
على صوم الهواجر قال وقال الشعبي ما مات مسروق حتى تاب إلى الله
من تخلفه عن القتال مع علي قال ولهذه الأخبار طرق صحاح قد ذكرناها في
موضعها وفي أسد الغابة بسنده عن أبي سعيد الخدري امرنا رسول الله
ص بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين فقلنا يا رسول الله أمرتنا بقتال هؤلاء
فمع من فقال مع علي بن أبي طالب معه يقتل عمار بن ياسر وبسنده عن
مخنف بن سليم أتينا أبا أيوب الأنصاري فقلنا قاتلت بسيفك المشركين مع
رسول الله ص ثم جئت تقاتل المسلمين قال امرني رسول الله ص بقتال
الناكثين والقاسطين والمارقين وبسنده عن علي بن ربيعة سمعت عليا على
منبركم هذا يقول عهد إلي رسول الله ص ان أقاتل الناكثين والقاسطين
والمارقين. وروى الحاكم في المستدرك بسنده عن أبي أيوب الأنصاري أمر
رسول الله ص عليا بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين وبسنده عن أبي
أيوب سمعت النبي ص يقول لعلي بن أبي طالب تقاتل الناكثين والقاسطين
والمارقين بالطرقات والنهروانات وبالسعفات قال أبو أيوب يا رسول الله مع
من نقاتل هؤلاء الأقوام قال مع علي بن أبي طالب.
السابع والستون قول النبي ص ان الله امتحن قلبه للأيمان: روى
النسائي في الخصائص بسنده عن ربعي عن علي جاء النبي ص أناس من
قريش فقالوا يا محمد انا جيرانك وحلفاؤك وإن من عبيدنا قد اتوك ليس
بهم رغبة في الفقه انما فروا من ضياعنا وأموالنا فارددهم إلينا قال لأبي بكر ما
تقول فقال صدقوا انهم لجيرانك وحلفاؤك فتغير وجه النبي ص ثم قال يا
معشر قريش والله ليبعثن الله عليكم رجلا منكم امتحن الله قلبه للأيمان
فيضربكم على الدين أو يضرب بعضكم قال أبو بكر انا هو يا رسول الله
قال لا قال عمر انا هو يا رسول الله قال لا ولكن ذلك الذي يخصف النعل
وقد كان أعطى عليا نعلا يخصفها وفي أسد الغابة بسنده عن ربعي بن
خراش حدثنا علي بن أبي طالب بالرحبة قال لما كان يوم الحديبية خرج إلينا
ناس من المشركين فيهم سهيل بن عمرو وأناس من رؤساء المشركين فقالوا
خرج إليك ناس من أبنائنا وإخواننا وأرقائنا وليس بهم فقه في الدين وإنما
خرجوا فرارا من أموالنا وضياعنا فارددهم إلينا فقال النبي ص يا معشر
قريش لتنتهن أو ليبعثن الله عليكم من يضرب رقابكم بالسيف على الدين
قد امتحن الله قلبه على الإيمان قالوا من هو يا رسول الله فقال أبو بكر من
هو يا رسول الله وقال عمر من هو يا رسول الله قال خاصف النعل وكان قد
اعطى عليا نعلا يخصفها الحديث.
الثامن والستون قول النبي ص ما انا انتجيته ولكن الله انتجاه:
ففي أسد الغابة بسنده عن جابر لما كان يوم الطائف دعا رسول الله ص عليا
فناجاه طويلا فقال بعض أصحابه لقد أطال نجوى ابن عمه قال ص ما انا
انتجيته ولكن الله انتجاه.
التاسع والستون قول النبي ص يوم خيبر لأعطين الراية غدا رجلا
يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله كرارا غير فرار يأخذها بحقها لا يرجع
حتى يفتح الله على يديه وكان علي أرمد فتفل في عينيه فبرئتا فدفع إليه الراية
فقتل مرحبا وفتح الحصن واقتلع الباب ومر ذلك في غزوات النبي ص وفي
شجاعة علي ع.
السبعون ما ورد في موالاته والاقتداء بالأئمة من بعده. روى أبو
نعيم في حلية الأولياء بسنده عن شريك عن الأعمش عن زيد بن وهب عن
حذيفة قال رسول الله ص: من سره أن يحيا حياتي ويموت ميتتي ويتمسك
بالقصبة الياقوتة التي خلقها الله بيده ثم قال لها كوني فكانت فليتول علي بن
أبي طالب من بعدي ثم قال رواه شريك أيضا عن الأعمش عن حبيب بن
أبي ثابت عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم ورواه السدي عن زيد بن أرقم
ورواه ابن عباس وهو غريب وبسنده عن عكرمة عن ابن عباس قال
رسول الله ص من سره أن يحيا حياتي ويموت مماتي ويسكن جنة عدن غرسها
ربي فليوال عليا من بعدي وليوال وليه وليقتد بالأئمة من بعدي فإنهم عترتي
خلقوا من طينتي رزقوا فهما وعلما وويل للمكذبين بفضلهم من أمتي
للقاطعين فيهم صلتي لا أنالهم الله شفاعتي.
وروى الحاكم في المستدرك قال حدثنا بكر بن محمد الصيرفي
حدثنا القاسم بن أبي شيبة حدثنا يحيى بن يعلي الأسلمي حدثنا عمار بن
زريق عن أبي إسحاق عن زياد بن مطرف عن زيد بن أرقم قال رسول الله
ص من يرد أن يحيا حياتي ويموت موتي ويسكن جنة الخلد التي وعدني ربي
فليتول علي بن أبي طالب فإنه لن يخرجكم من هدى ولن يدخلكم في ضلالة
قال هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه. قال الذهبي في تلخيص
المستدرك: أنى له الصحة والقاسم متروك وشيخه ضعيف واللفظ ركيك
فهو إلى الوضع أقرب. أقول القاسم نقل الذهبي في ميزان الاعتدال
عن أبي زرعة وأبي حاتم أنهما رويا عنه ثم تركا حديثه. والظاهر أنه لروايته
فضائل أهل البيت بدليل ما قاله في الميزان ومن بلايا القاسم ما رواه
عثمان بن خوذاذ عنه عن يحيى بن يعلى الأسلمي وساق الحديث عن زيد بن
أرقم مرفوعا من أراد أن يدخل جنة ربي التي غرستها فليحب عليا. ويحيى
الظاهر أن تضعيفه لكونه شيعيا بدليل ما في تهذيب التهذيب بعد نقل
تضعيفه: كوفي من الشيعة. وقوله واللفظ ركيك ليس بعجيب منه بعد ما
نسب نهج البلاغة إلى الركة في ميزانه الخارج عن الاعتدال في ترجمة
الشريف المرتضى وبقي في الحديث شئ آخر لم يذكره هو الذي دعاه إلى
كل ما قال هو أن مضمونه لا تستطيع نفسه أن تحمله وتعترف به وهو الذي
دعا إلى تضعيفه كما عرفت.
الواحد والسبعون قوله ص أنت تبين لأمتي ما اختلفوا فيه
بعدي. روى الحاكم في المستدرك بسنده عن أنس بن مالك وقال صحيح
على شرط الشيخين أن النبي ص قال لعلي أنت تبين لأمتي ما اختلفوا فيه
بعدي.
الثاني والسبعون أن النبي ص كان إذا غضب لا يجترئ أحد أن
يكلمه غير علي. روى الحاكم في المستدرك بسنده عن أم سلمة أن النبي
ص كان إذا غضب لم يجترئ أحد منا أن يكلمه غير علي بن أبي طالب،
هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه.
الثالث والسبعون نزول إنما أنت منذر ولكل قوم هاد في
حقه: روى الحاكم في المستدرك بسنده عن علي إنما أنت منذر ولكل قوم
هاد قال علي: رسول الله ص المنذر وأنا الهادي قال هذا حديث صحيح
(٣٥٩)

الاسناد ولم يخرجاه. وفي الدر المنثور للسيوطي: أخرج ابن جرير وابن
مردويه وأبو نعيم في المعرفة والديلمي وابن عساكر وابن النجار قال لما نزلت
إنما أنت منذر ولكل قوم هاد وضع رسول الله ص يده على صدره فقال أنا
المنذر وأوما بيده إلى منكب علي فقال أنت الهادي يا علي بك يهتدي المهتدون
من بعدي. وأخرج ابن مردويه عن أبي برزة الأسلمي سمعت رسول الله
ص يقول إنما أنت منذر ووضع يده على صدر نفسه ثم وضعها على صدر
علي ويقول لكل قوم هاد، وأخرج ابن مردويه والضياء في المختارة عن ابن
عباس في الآية قال رسول الله ص: المنذر أنا والهادي علي بن أبي طالب.
وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد المسند وابن أبي حاتم والطبراني في
الأوسط والحاكم وصححه وابن مردويه وابن عساكر عن علي بن أبي طالب
في قوله إنما أنت منذر ولكل قوم هاد، قال رسول الله ص المنذر وأنا الهادي
وفي لفظ والهادي رجل من بني هاشم يعني نفسه اه الدر المنثور.
وبعد هذا لا يلتفت إلى قول الذهبي الناشئ عن حاله المعلومة: بل كذب
قبح الله واضعه.
الرابع والسبعون قول النبي ص له أن الأمة ستغدر به بعده
ويلقى جهدا. روى الحاكم في المستدرك وقال صحيح بسنده عن علي ع
قال إن مما عهد إلي النبي ص أن الأمة ستغدر بي بعده وبسنده
وصححه على شرط الشيخين عن سعيد ابن جبير عن ابن عباس قال النبي
ص لعلي أما أنك ستلقى بعدي جهدا قال في سلامة من ديني قال في سلامة
من دينك. وروى الحاكم في المستدرك أيضا وصححه عن حيان الأسدي
سمعت عليا يقول قال لي رسول الله ص أن الأمة ستغدر بك بعدي وأنت
تعيش على ملتي وتقتل على سنتي من أحبك أحبني ومن أبغضك أبغضني
وأن هذه ستخضب من هذا يعني لحيته من رأسه.
الخامس والسبعون أن النظر إلى وجهه عبادة. روى الحاكم في
المستدرك وصححه عن الأعمش عن إبراهيم النخعي عن علقمة عن
عبد الله بن مسعود قال رسول الله ص النظر إلى وجه علي عبادة. ثم قال
تابعه عمرو بن مرة عن إبراهيم النخعي وذكر مثله. وروى الحاكم في
المستدرك بسنده عن أبي سعيد الخدري عن عمران بن حصين قال: قال
رسول الله ص النظر إلى علي عبادة هذا حديث صحيح الاسناد وشواهده
عن عبد الله بن مسعود صحيحة وذكر مثل الحديث الأول. قال ابن الأثير
في النهاية في حديث عمران بن حصين قال رسول الله ص النظر إلى وجه
علي عبادة، قيل معناه أن عليا كان إذا برز قال الناس لا إله إلا الله ما
أشرف هذا الفتى لا إله إلا الله ما أعلم هذا الفتى لا إله إلا الله ما أكرم
هذا الفتى اي ما اتقى لا إله إلا الله ما أشجع هذا الفتى فكانت رؤيته
تحملهم على كلمة التوحيد.
السادس والسبعون جوامع مناقبه: في الاستيعاب بسنده عن أبي
قيس الأودي أدركت الناس وهم ثلاث طبقات أهل دين يحبون عليا وأهل
دنيا يحبون معاوية وخوارج وأخرج الحاكم في المستدرك وقال صحيح وأقره
الذهبي في تلخيصه وأخرجه النسائي في الخصائص من طريق عمرو بن
ميمون قال إني لجالس إلى ابن عباس إذ أتاه تسعة رهط فقالوا إما أن تقوم
معنا وإما أن تخلوا بنا من بين هؤلاء فقال بل أقوم معكم وهو يومئذ صحيح
قبل أن يعمى فابتدؤوا فتحدثوا فلا ندري ما قالوا فجاء ينفض ثوبه ويقول
أف وتف وقعوا في رجل له بضع عشرة، فضائل ليست لأحد غيره قال له
رسول الله ص لأبعثن رجلا يحب الله ورسوله لا يخزيه الله أبدا فاستشرف
لها من استشرف فقال أين ابن أبي طالب قيل هو في الرحى يطحن قال وما
كان أحدهم ليطحن فجاء وهو أرمد لا يكاد يبصر فتفل في عينيه ثم هز
الراية ثلاثا فدفعها إليه فجاء بصفية بنت حيي وبعث أبا بكر بسورة التوبة
وبعث عليا خلفه فاخذها منه فقال لا يذهب بها إلا رجل هو مني وأنا منه.
وقال ص لبني عمه أيكم يواليني في الدنيا والآخرة وعلي معهم جالس فقال
وأقبل على رجل رجل منهم فقال أيكم يواليني في الدنيا والآخرة فأبوا فقال
أنا أواليك في الدنيا والآخرة فقال أنه وليي في الدنيا والآخرة. وكان أول
من أسلم من الناس بعد خديجة. وأخذ رسول الله ص ثوبه أو رداءه
فوضعه على علي وفاطمة وحسن وحسين وقال إنما يريد الله ليذهب عنكم
الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا. وشرى علي نفسه فلبس ثوب النبي
ص ثم نام مكانه وكان المشركون يرمون رسول الله ص فجاء أبو بكر وعلي
نائم وأبو بكر يحسبه أنه نبي الله فقال يا نبي الله فقال له علي أن نبي الله قد
انطلق نحو بئر ميمون فأدركه فانطلق أبو بكر فدخل معه الغار وجعل علي
يرمى بالحجارة كما كان يرمى نبي الله وهو يتضور وقد لف رأسه في الثوب
لا يخرجه حتى أصبح ثم كشف عن رأسه. وخرج بالناس في غزوة تبوك
فقال له علي اخرج معك فقال له نبي الله لا فبكى علي فقال له أ ما ترضى
أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنك لست بنبي الا أنه ليس
بعدي نبي ك أنه لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي. وقال له رسول
الله ص أنت وليي في كل مؤمن بعدي: وأنت ولي كل مؤمن بعدي
ومؤمنة ك وسد أبواب المسجد غير باب علي فيدخل المسجد جنبا وهو
طريقه ليس له طريق غيره. وقال من كنت مولاه فان مولاه علي وبسنده
عن ابن عباس أن عليا كان يقول في حياة رسول الله ص أن الله تعالى يقول
أ فان مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم والله لا ننقلب على أعقابنا بعد إذ
هدانا الله والله لئن مات أو قتل لأقاتلن على ما قاتل عليه حتى أموت والله
إني لأخوه ووليه ووارثه وابن عمه فمن أحق به مني وبسنده عن نافع بن
عجير عن علي قال النبي ص يا علي أنت صفيي وأميني وبسنده عن علي
مرضت فعادني رسول الله ص فدخل علي وأنا مضطجع فاتكا إلى جنبي ثم
سجاني بثوبه فلما رآني قد برئت قام إلى المسجد يصلي فلما قضى صلاته جاء
فرفع الثوب وقال قم يا علي فقمت وقد برئت كأنما لم أشك شيئا قبل ذلك
فقال ما سالت ربي شيئا في صلاتي إلا أعطاني وما سالت لنفسي شيئا إلا
سالت لك مثله وبسنده عن القاسم بن زكريا بن دينار قال لي علي
وجعت وجعا فاتيت رسول الله ص فأقامني في مكانه وقام يصلي وألقى علي
طرف ثوبه ثم قال قم يا علي قد برئت لا باس عليك وما دعوت لنفسي
بشئ إلا دعوت لك بمثله وما دعوت بشئ إلا استجيب لي أو قال قد
أعطيت إلا أنه قيل لي لا نبي بعدي وبسنده عن علي في حديث قال دعا
لي رسول الله ص بدعوات ما يسرني ما على الأرض بشئ منهن وبسنده
عن علي في حديث قال لي رسول الله ص كلمة ما أحب أن لي بها الدنيا
وروى أبو نعيم في الحلية بسنده عن ابن عباس ما أنزل الله آية فيها يا
أيها الذين آمنوا إلا وعلي رأسها وأميرها وبسنده عن حذيفة بن اليمان
قالوا يا رسول الله ألا تستخلف عليا قال أن تولوا عليا تجدوه هاديا مهديا
يسلك بكم الطريق المستقيم وبسنده عن حذيفة قال رسول الله ص أن
تستخلفوا عليا وما أراكم فاعلين تجدوه هاديا مهديا يحملكم على المحجة
(٣٦٠)

البيضاء وبسنده عن معاذ بن جبل قال النبي ص يا علي أخصمك بالنبوة
لا نبوة بعدي وتخصم الناس بسبع ولا يحاجك فيها أحد من قريش أنت
أولهم إيمانا بالله وأوفاهم بعهد الله وأقومهم بأمر الله وأقسمهم بالسوية وأعد
لهم في الرعية وأبصرهم بالقضية وأعظمهم عند الله مزية وفي رواية
وأرأفهم بالرعية وأعلمهم بالقضية وأعظمهم مزية يوم القيامة وفي الحلية
بسنده عن أنس بن مالك بعثني النبي ص إلى أبي برزة الأسلمي فقال له
وأنا أسمع يا أبا برزة إن رب العالمين عهد إلي في علي بن أبي طالب قال
أنه راية الهدى ومنار الايمان وإمام أوليائي ونور جميع من أطاعني يا أبا برزة
علي بن أبي طالب أميني غدا في القيامة على مفاتيح خزائن رحمة ربي
وصاحب رايتي يوم القيامة وبسنده عن أبي برزة قال رسول الله ص ان
الله تعالى عهد إلي عهدا في علي فقلت يا رب بينه لي فقال اسمع فقلت
سمعت فقال إن عليا راية الهدى وإمام أوليائي ونور من أطاعني وهو الكلمة
التي ألزمتها المتقين من أحبه أحبني ومن أبغضه أبغضني فبشره بذلك فجاء
علي فبشرته إلى أن قال قلت اللهم أجل قلبه وأجعل ربيعه الايمان فقال
الله قد فعلت به ذلك ثم أنه رفع إلى أنه سيخصه من البلاء بشئ لم يخص
به أحدا من أصحابي فقلت يا رب أخي وصاحبي فقال أن هذا شئ قد
سبق أنه مبتلى ومبتلى به...
أدلة إمامته
وهي أمور كثيرة نذكر منها هنا بعضها:
الأول وجوب العصمة في الامام بالدليل الذي دل على وجوب
العصمة في النبي فكما أنه لا يجوز كون النبي غير معصوم لأن صدور الذنب
منه يسقط منزلته من القلوب ولا يؤمن معه زيادته في الشريعة وتنقيصه منها
ويوجب عدم الوثوق بأقواله وأفعاله وهو ينافي الغرض المقصود من إرساله
ونقض الغرض قبيح فلا يمكن صدوره من الله تعالى. كذلك لا يجوز كون
الامام غير معصوم لأن النبي مبلغ للشرع إلى الأمة عن الله تعالى والامام
مبلغ له إليهم عن النبي وحافظ له من الزيادة والنقصان فان الإمامة رياسة
عامة في أمور الدين والدنيا لشخص من الأشخاص نيابة عن النبي ص
هكذا عرفها جميع علماء الاسلام وصدور الذنب من الامام يسقطه من
النفوس ولا يؤمن معه زيادته في الشريعة وتنقيصه منها مع كونه منصوبا
لحفظها من ذلك، ويوجب عدم الوثوق بأقواله وأفعاله وهو ينافي الغرض
المقصود من إمامته فالدليل الذي دل على عصمة النبي ص بعينه دال على
عصمة الامام وقد أجمعت الأمة على أنه لا معصوم بعد النبي ص سوى علي
وولده لأن الأمة بين قولين إما لا معصوم أصلا أو انحصار المعصوم فيهم
فإذا دل الدليل على وجوب عصمة الامام كانوا هم الأئمة. ومما يدل على
عصمته وعصمة الأئمة من ذريته ع آية التطهير، ومرت
في سيرة الزهراء ع في الجزء الثاني وأحاديث الثقلين وباب حطة
وسفينة نوح وغيرها وتأتي هنا انش.
الثاني ما رواه الطبري في تاريخه وتفسيره والبغوي والثعلبي في
تفسيره والنسائي في الخصائص وصاحب السيرة الحلبية ورواه من ثقات
أصحابنا ومحدثيهم محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي والشيخ أبو
جعفر محمد بن الحسن الطوسي في مجالسه جميعا بأسانيدهم المتصلة وقد
مرت رواياتهم بأسانيدهم المتصلة في الجزء الثاني من هذا الكتاب في السيرة
النبوية ونعيد ذكرها هنا باختصار وإن لزم بعض التكرار. قال الطبري في
تاريخه: حدثنا ابن حميد حدثنا سلمة حدثني محمد بن إسحاق عن
عبد الغفار بن القاسم عن المنهال بن عمرو عن عبد الله بن الحارث بن
نوفل بن الحارث بن عبد المطلب عن عبد الله بن عباس عن علي بن أبي طالب
قال لما نزلت وأنذر عشيرتك الأقربين دعاني رسول الله ص إلى أن قال
فاصنع لنا صاعا من طعام وأجعل عليه رجل شاة واملأ لنا عسا من لبن
والعس القدح الكبير ثم أجمع لي بني عبد المطلب ففعلت ما أمرني ثم
دعوتهم وهم يومئذ أربعون رجلا يزيدون رجلا أو ينقصونه فيهم أعمامه أبو
طالب وحمزة والعباس وأبو لهب فلما وضعت الطعام تناول جذبة من اللحم
فشقها بأسنانه ثم ألقاها في نواحي الصحفة ثم قال خذوا باسم الله فأكلوا
حتى ما لهم بشئ حاجة وما أرى إلا موضع أيديهم وأيم الله إن كان الواحد
منهم ليأكل ما قدمت لجميعهم وشربوا من ذلك العس حتى رووا جميعا وأيم
الله إن كان الواحد منهم ليشرب مثله فلما أراد أن يكلمهم بدره أبو لهب
فقال لشد ما سحركم صاحبكم فتفرقوا ولم يكلمهم. ثم فعل مثل ذلك في
اليوم الثاني فأكلوا وشربوا فقال يا بني عبد المطلب إني قد جئتكم بخير الدنيا
والآخرة وقد أمرني الله تعالى أن أدعوكم إليه فأيكم يؤازرني على هذا الأمر
على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم فأحجم القوم جميعا وقلت وإني
لأحدثهم سنا وأرمصهم عينا وأعظمهم بطنا وأحمشهم ساقا أنا يا نبي الله
أكون وزيرك عليه فاخذ برقبتي ثم قال أن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم
فاسمعوا له وأطيعوا فقاموا يضحكون ويقولون لأبي طالب قد أمرك أن
تسمع لابنك وتطيع اه. كبر عليهم أن يسمعوا ويطيعوا لشاب حدث
السن عمره بين العشرة والخمس عشرة سنة رمص العين حمش الساق عظيم
البطن وكل ذلك يوجب عدم الروعة في عين الرائي وقالوا في أنفسهم كيف
يؤمر غلام صغير السن ليس في مرآه روعة على مشيخة قومه وكهولهم وفيهم
أعمامه وأبوه شيخ الأبطح ان هذا لعجيب يوجب الضحك فضحكوا منه ولم
يعلموا أن هذا الغلام الحدث السن الرمص العين العظيم البطن الحمش
الساق سيكون له شأن عظيم فيكون باب مدينة علم المصطفى وحامل لواء
الاسلام ومشيد أركانه ورافع بنيانه ومنسي شجاعة الشجعان وجامع أعلى
صفات الفضل وحاوي أرفع وأعظم مزايا النبل ومشيد مجد لبني عبد المطلب
وعامة العرب لا تهدمه الأيام مهما تطاولت ومخلد ذكر لهم لا تمحوه الأعوام
مهما تعاقبت وأنه هو خليفة الرسول في أمته وأنه لا يصل إلى مرتبته أحد
منهم ولا من غيرهم وكان النبي ص قال لهم في نفسه وبلسان حاله مهلا يا
بني عبد المطلب ستعلمون عن قريب أنني لم أخطئ في تقديمه عليكم
وستصدق أفعاله أقوالي فيه، ولا شك أن جملة من شبانهم وكهولهم الذين
هم أعلى منه سنا وأروع منظرا في رأي العين أخذهم الحسد عند ذلك الذي
يأخذ أمثالهم في مجرى العادة في مثل هذا المقام كما أخذ قابيل ابن أبيهم آدم
وأخذ أخوة يوسف ع فكان ذلك سببا في زيادة ضحكهم
وتعجبهم وغطى ما رأوه من المعجزة ولا شك أن أبا لهب كان أشدهم
ضحكا ونفورا حتى أوهمهم أن هذه المعجزة نوع من السحر الشديد، أما
أبو طالب فكان مسرورا أشد السرور بما رأى من كرامة ولده وعلو شانه
الذي انضم إلى ما كان يراه فيه من مخايل النجابة والنبل ومن أعلم بالولد
من الوالد وكان عالما بصدق النبي ص فيما أدعاه وزاده يقينا ما رآه من
المعجز لكنه لم يستطع مجابهة قومه باظهار ما في نفسه وإن كان شاركهم في
الضحك ولا نخاله فما ضحكه إلا ضحك سرور لا ضحك استهزاء وإن
(٣٦١)

كان فما هو إلا استهزاء بهم، أما أخوه حمزة فلا نعتقد إلا أنه كان مثله في
أكثر ذلك وقد سره ما رأى من ابني أخويه محمد وعلي لكنه سكت متربصا
سنوح الفرصة ليظهر اسلامه. ويمكن أن يكون العباس أيضا كذلك.
وروى هذا الحديث الطبري في تفسيره أيضا بمثل ما رواه في تاريخه سندا
ومتنا إلا أنه أبدل في النسخة المطبوعة قوله: على أن يكون أخي ووصيي
وخليفتي فيكم. وقوله: إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم بغيره فوضع
مكان الأول على أن يكون أخي وكذا وكذا ومكان الثاني أن هذا أخي
وكذا وكذا ولا شك أن هذا التبديل من الطابعين جريا على الشنشنة
الأخزمية ولكن وجوده في التاريخ وما بقي منه في التفسير من قوله فاسمعوا
له وأطيعوا كاف في الارشاد إلى ما حذف منه.
وقد رواه الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي من علمائنا في
كتاب مجالسه قال حدثنا جماعة عن أبي المفضل حدثنا أبو جعفر الطبري سنة
٣٠٨ حدثنا محمد بن حميد الرازي حدثنا سلمة بن الفضل الأبرش حدثني
محمد بن إسحاق عن عبد الغفار قال أبو المفضل: وحدثنا محمد بن محمد بن
سليمان الباغندي واللفظ له حدثنا محمد بن الصباح الجرحاوي حدثنا
سلمة بن صالح الجعفي عن سليمان الأعمش وأبي مريم جميعا عن المنهال
بن عمرو عن عبد الله بن الحارث بن نوفل عن عبد الله بن عباس عن
علي بن أبي طالب قال لما نزلت هذه الآية وذكر مثل رواية الطبري المتقدمة
بعينها مع تفاوت يسير في بعض الألفاظ لا يخل بالمعنى.
ورواه البغوي كما في رواية الطبري بعينها حكاه عنه ابن تيمية كما
ستعرف.
وقال الثعلبي في تفسيره، اخبرني الحسين بن محمد بن الحسين حدثنا
موسى بن محمد حدثنا الحسن بن علي بن شعيب العمري حدثنا عبد الله بن
يعقوب حدثنا علي بن هاشم عن صباح بن يحيي المزني عن زكريا بن ميسرة
عن أبي إسحاق عن البراء قال لما نزلت وانذر عشيرتك الأقربين جمع رسول
الله ص بني عبد المطلب وهم أربعون رجلا فامر عليا برجل شاة فادمها ثم
قال أدنوا بسم الله فدنوا عشرة عشرة فأكلوا حتى صدروا ثم دعا بقعب من
لبن فجرع منه جرعة ثم قال اشربوا بسم الله فشربوا حتى رووا فبدرهم أبو
لهب فقال هذا ما سحركم به الرجل فسكت ثم دعاهم من الغد على مثل
ذلك من الطعام والشراب ثم أنذرهم فقال يا بني عبد المطلب اني انا النذير
إليكم من الله عز وجل والبشير فاسلموا وأطيعوني تهتدوا ثم قال من يواخيني
ويوازرني ويكون وليي ووصيي بعدي وخليفتي في أهلي ويقضي ديني فسكت
القوم فأعادها ثلاثا كل ذلك يسكت القوم ويقول علي انا فقال في المرة
الثالثة أنت فقام القوم وهم يقولون لأبي طالب أطع ابنك فقد أمر عليك.
وهو يدل على أنهم فهموا الخلافة بعده ولذلك قالوا هذا لأبي طالب مع أن
اتحاده مع رواية الطبري في الخصوصيات يدل على اشتماله على ما فيها.
وقال النسائي في الخصائص أخبرنا الفضل بن سهل حدثني ابن عفان بن
مسلم حدثنا أبو عوانة عن عثمان بن المغيرة عن أبي صادق عن ربيعة بن
ماجد ان رجلا قال لعلي يا أمير المؤمنين لم ورثت دون أعمامك قال جمع
رسول الله ص بني عبد المطلب فصنع لهم مدا من الطعام فأكلوا حتى شبعوا
ثم دعا بعس فشربوا حتى رووا فقال يا بني عبد المطلب اني بعثت إليكم
خاصة والى الناس عامة فأيكم يبايعني على أن يكون أخي وصاحبي ووارثي
فلم يقم إليه أحد فقمت إليه فقال اجلس ثم قال ثلاث مرات كل ذلك
أقوم إليه فيقول اجلس حتى إذا كان في الثالثة ضرب بيده على يدي فبذلك
ورثت ابن عمي دون عمي اه.
واتحاد الخصوصيات في هذا الحديث مع خصوصيات حديث الطبري
من جمع بني عبد المطلب وصنع الطعام لهم والمجئ بالشراب يدل على أن
متنه هو متن حديث الطبري بعينه وانه اشتمل على جميع ما اشتمل عليه
حديث الطبري وانه قد تناولته يد التحريف لأمر يعلمه الله فلذلك وقع
اضطراب في متنه فان هذا التعليل في الميراث لا يصح ان أريد به ميراث
المال اما عندنا فلان الميراث للبنت بالفرض والرد وليس لابن العم شئ،
وأما عند غيرنا فلأن الأنبياء لا تورث. وان أريد ميراث العلم نافاه السياق
الدال على أن المذكور فيه هو المذكور في حديث الطبري.
وقد اورد هذا الحديث صاحب السيرة الحلبية بنحو ما مر عن الطبري
إلى أن قال، من يجيبني إلى هذا الامر ويوازرني على القيام به قال علي انا يا
رسول الله. قال وزاد بعضهم في الرواية يكن أخي ووزيري ووارثي
وخليفتي من بعدي فلم يجبه أحد منهم فقام علي وقال انا يا رسول الله قال
اجلس ثم أعاد القول على القوم ثانيا فلم يجبه أحد منهم فقام علي وقال انا
يا رسول الله فقال اجلس فأنت أخي ووزيري ووصيي ووارثي وخليفتي من
بعدي، ثم حكى عن ابن تيمية أنه قال في الزيادة المذكور انها كذب
وحديث موضوع من له أدنى معرفة في الحديث يعلم ذلك، قال وقد رواه
مع زيادته المذكورة ابن جرير والبغوي باسناد فيه أبو مريم الكوفي وهو مجمع
على تركه وقال احمد انه ليس بثقة، عامة أحاديثه بواطيل وقال ابن المديني
كان يضع الحديث اه وأقول من عنده أدنى معرفة يعلم أن قدح ابن
تيمية فيه لم يستند إلى حجة بل إلى التحامل على علي والنصب فقد سمعت
بسنده في رواية الطبري في تاريخه وتفسيره وفي رواية الثعلبي في تفسيره،
وليس فيه أبو مريم الكوفي على فرض صحة ما قيل فيه وقد عرفت ان
الشيخ الطوسي رواه بسندين آخرين غير سند الطبري وان أبا مريم في
أحدهما دون الآخر على أن رواية البغوي له ان لم تكن حجة فهي مؤيدة
ولا يكون ضعفها قادحا في الرواية الصحيحة، وكل من له أدنى معرفة في
الحديث يعلم ذلك.
وقد رواه أيضا من مشاهير علمائنا وثقات محدثيهم الشيخ محمد بن
علي بن الحسين بن بابويه القمي المعروف بالصدوق قال، حدثنا محمد بن
إبراهيم بن إسحاق الطالقاني، حدثنا عبد العزيز حدثنا المغيرة بن محمد
حدثنا إبراهيم بن محمد بن عبد الرحمن الأزدي حدثنا قيس بن الربيع
وشريك بن عبد الله عن الأعمش عن منهال بن عمرو عن عبد الله بن
الحارث بن نوفل عن علي بن أبي طالب ع قال، لما نزلت وانذر
عشيرتك الأقربين دعا رسول الله ص بني عبد المطلب وهم إذ ذاك أربعون
رجلا يزيدون رجلا أو ينقصون رجلا فقال أيكم يكون أخي ووارثي
ووزيري ووصيي وخليفتي فيكم بعدي فعرض ذلك عليهم رجلا رجلا
كلهم يأبى ذلك حتى أتى علي فقال انا يا رسول الله فقال يا بني عبد المطلب
هذا أخي ووارثي ووزيري وخليفتي فيكم بعدي فقام القوم يضحك
بعضهم إلى بعض ويقولون لأبي طالب قد امرك ان تسمع وتطيع لهذا
(٣٦٢)

الغلام. ومرت رواية الشيخ المفيد له في ارشاده عند ذكر فضائله
ومناقبه؟ (١).
الثالث النص على إمامته من النبي ص يوم الغدير حين رجع من
حجة الوداع ومعه ما يزيد على مائة ألف فخطبهم وقال في خطبته وقد رفعه
للناس واخذ بضبعيه فرفعهما حتى بان للناس إبطيهما أ لست أولى بالمؤمنين
من أنفسهم قالوا بلى قال من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه
وعاد من عاداه وأحب من أحبه وابغض من أبغضه وانصر من نصره وأعن
من أعانه واخذل من خذله وأدر الحق معه حيث دار، ثم أفرده بخيمة وامر
الناس بمبايعته بإمرة المؤمنين حتى النساء ومنهم نساؤه، ومر ذلك مفصلا في
الجزء الثاني في السيرة النبوية، ويأتي في هذا الجزء في حوادث سنة عشر من
الهجرة، ونذكر هنا وجه الدلالة على إمامته ويتضمن ذلك طرفا من
الأحاديث الواردة فيه مما لم يذكر هناك فنقول، وجه الاستدلال أنه قال من
كنت مولاه فعلي مولاه بعد تقريرهم بقوله أ لست أولي بكم من أنفسكم
واقرارهم بقولهم بلى فدل على أن المراد من كنت أولى به من نفسه فعلي أولى
به من نفسه وليست الإمامة شيئا فوق ذلك وهذا التقرير والاقرار والتعقيب
بهذا الكلام نص على أن المراد بالمولية هنا هو الأولى فإنه أحد معانيه وناف
لاحتمال غيره فبطل الاعتراض بان المولى لفظ مشترك بين معان فتعيين
أحدها يحتاج إلى القرينة لأنها موجودة وهي ما ذكرناه على أن بعض تلك
المعاني لا يصح ارادته في المقام مثل المعتق والمعتق ونحو ذلك وبعضها لا
يناسبه كل هذا الاهتمام من النبي ص مثل الصديق ونحوه وكفى في
الاهتمام جمع الناس من أقاصي البلاد وأدانيها ليحجوا معه في ذلك العام
الذي لم يكن الا لتبليغهم هذا الامر المهم وبطل ما يتمحله بعض المتمحلين
من أن ذلك قاله في شأن أسامة بن زيد بن حارثة لما قال لعلي لست مولاي
وانما مولاي اي معتقي رسول الله فقال رسول الله ص ذلك، فإنه إذا
كان أسامة بن زيد قد أعتقه النبي ص فلا معنى لان يكون أعتقه علي ولو
فرض فلا يناسبه هذا الاهتمام العظيم، على أن أسامة لم يعتقه النبي ص
وانما أعتق أباه زيد بن حارثة فاطلاق انه مولى رسول الله ص عليه انما هو
باعتبار انجرار الولاء إليه من أبيه ولهذا قال بعضهم ان القائل لعلي لست
مولاي وانما مولاي رسول الله هو زيد بن حارثة فقال رسول الله من كنت
مولاه فعلي مولاه ردا لقول زيد وهذا القول قاله إسحاق بن حماد بن زيد
للمأمون لما جمع العلماء ليحتج عليهم في فضل علي ع فيما ذكره
صاحب العقد الفريد فقال اسحق للمأمون ذكروا ان الحديث انما كان
بسبب زيد بن حارثة لشئ جرى بينه وبين علي وأنكر ولاء علي فقال رسول
الله ص من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه فرد
عليه المأمون بان ذلك كان في حجة الوداع وزيد بن حارثة قتل قبل ذلك
وكان من ذكر هذا العذر التفت إلى مثل ما رد به المأمون فغير العذر وقال أنه قال
ذلك في شأن أسامة بن زيد، وسواء أ قيل إن ذلك في شأن زيد أو ابنه
أسامة فزيد انما هو مولى عتاقه وابنه أسامة كذلك بجر الولاء وعلي لم يعتقه
وانما أعتقه النبي ص فكيف يكون زيد أو ابنه مولاه وهو لم يعتقه على أنه لا
يناسبه كل هذا الاهتمام كما عرفت، وكذلك ما تمحله ابن كثير وصاحب
السيرة الحلبية من صرف ما وقع يوم الغدير إلى ما وقع عند رجوع علي من
اليمن، فقال ابن كثير في تاريخه، فصل في الحديث الدال على أنه ع
خطب بمكان بين مكة والمدينة مرجعه من حجة الوداع قريب
من الجحفة يقال له غدير خم فبين فيها فضل علي بن أبي طالب وبراءة
عرضه مما كان تكلم فيه بعض من كان معه بأرض اليمن بسبب ما كان
صدر إليهم من المعدلة التي ظنها بعضهم جورا وتضييقا وبخلا والصواب
كان معه في ذلك، ولهذا لما فرع ع من بيان المناسك ورجع إلى
المدينة بين ذلك في أثناء الطريق فخطب خطبة عظيمة في اليوم الثامن عشر
من ذي الحجة عامئذ وكان يوم الأحد بغدير خم تحت شجرة هناك وذكر من
فضل علي وأمانته وعدله وقربه إليه ما أزاح به ما كان في نفوس كثير من
الناس منه إلى أن قال ونحن نورد عيون ما روي في ذلك مع اعلامنا انه
لاحظ للشيعة فيه ولا متمسك لهم ولا دليل لكنه لم يأت بدليل يثبت ما
قال بل قدم أولا روايات هذه الواقعة فنقل عن محمد بن إسحاق بسنده
عن يزيد بن طلحة قال، لما اقبل علي من اليمن ليلقى رسول الله ص بمكة
تعجل إلى رسول الله واستخلف على جنده الذين معه رجلا من أصحابه
فعمد ذلك الرجل فكسا كل رجل من القوم حلة من البز الذي كان مع علي
وهو الذي اخذه من أهل نجران فلما دنا جيشه خرج ليلقاهم فإذا عليهم
الحلل قال ويلك ما هذا قال كسوت القوم ليتجملوا به إذا قدموا في الناس
قال ويلك انزع قبل ان ينتهى به إلى رسول الله ص فانتزع الحلل من الناس
فردها في البز. وأظهر الجيش شكواهم لما صنع بهم، ثم حكى عن ابن إسحاق
انه روى بسنده عن أبي سعيد الخدري قال اشتكى الناس عليا فقام
رسول الله ص فينا خطيبا فسمعته يقول، أيها الناس لا تشتكوا عليا فوالله
انه لأخشن في ذات الله أو في سبيل الله من أن يشكى، ثم حكى عن
الإمام أحمد انه روى بسنده عن بريدة قال غزوت مع علي اليمن فرأيت منه
جفوة فلما قدمت على رسول الله ص ذكرت عليا فتنقصته فرأيت وجه
رسول الله ص يتغير فقال يا بريدة أ لست أولى بالمؤمنين من أنفسهم قلت
بلى يا رسول الله قال من كنت مولاه فعلي مولاه. قال ابن كثير، وكذا رواه
النسائي باسناده نحوه، قال وهذا اسناد جيد قوي رجاله كلهم ثقات
اه ثم اتبع ابن كثير ذلك بروايات الغدير ليجعلهما بزعمه واقعة واحدة
وان ما وقع يوم الغدير هو تدارك لما وقع في سفر اليمن وان النبي ص بين
يوم الغدير فضل علي وبراءة ساحته مما تكلم فيه أهل ذلك الجيش مع أنهما
واقعتان لا دخل لاحداهما في الأخرى فالنبي ص لما شكا أهل الجيش من
علي وكانت شكايتهم منه بمكة في أيام الحج غضب النبي لذلك وبين لهم ان
شكايتهم منه في غير محلها وقام فيها خطيبا وقال لا تشكوا عليا فوالله انه
لأخشن في ذات الله من أن يشكى وقال لهم يومئذ أ لست أولي بالمؤمنين من
أنفسهم قالوا بلى قال من كنت مولاه فعلي مولاه واكتفى بذلك وهو كاف في
ردعهم وبيان فضل علي وان ما فعله هو الصواب، وحديث الغدير كان في
الثامن عشر من ذي الحجة بعد انقضاء الحج ورجوعه إلى المدينة ولو كان ما
وقع يوم الغدير هو لمجرد ردعهم وبيان خطئهم في شكايتهم من علي لقاله
بمكة واكتفى به ولم يؤخره إلى رجوعه، وزعم صاحب السيرة الحلبية انه

(١) لما كتب الدكتور محمد حسين هيكل كتابه حياة محمد نشره أول الأمر فصولا في جريدة
السياسة الإسبوعية وأورد هذا الحديث بنصه كاملا، فاعترض عليه معترض بأن هذا يؤيد
رأي الشيعة فرد الدكتور هيكل بما معناه; ان هذا عين ما رواه التاريخ. ثم نشر الدكتور
كتابه في طبعته الأولى ونشر فيه هذا الحديث وان عدله تعديلا يسيرا، فلما طبع الكتاب ثانية
شوه الحديث تشويها عجيبا، ولما سأل الناس عن السر وكيف ان الدكتور في جريدته دافع
عن هذا الحديث وقال إن هذا ما رواه التاريخ. ثم عاد في طبعة الكتاب الثانية فشوهه
وتجنى على التاريخ - لما سأل الناس عرفوا ان الدكتور كان قد عرض على جهة ان تشتري
الف نسخة من الطبعة الثانية فاشترطت هذه الجهة عليه ان يشوه الحديث هذا التشويه لقاء
الخمسمائة الجنيه التي ستدفعه ثمن الألف النسخة.
(٣٦٣)

قال ذلك بمكة لبريدة وحده ثم لما وصل إلى غدير خم أحب ان يقوله
للصحابة عموما يكذبه ما سمعته من قول أبي سعيد الخدري أحد الصحابة
فقام فينا خطيبا اي قام في الصحابة عموما وأعلن ذلك في خطبته على المنبر
وعلى رؤوس الاشهاد وقوله ذلك بمكة أعم وأشمل لوجود الحاج كلهم
ومنهم أهل مكة وما حولها الذين لم يكونوا معه في غدير خم فلو كان الغرض
تبليغ عموم الصحابة ما وقع في مسالة اليمن لما اخره إلى غدير خم ولكنه لما
نزل عليه قوله تعالى يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك وان لم
تفعل فما بلغت رسالته وهو في الطريق بلغهم إياه في غدير خم حين نزلت
عليه الآية فهما واقعتان لا دخل لاحداهما في الأخرى، وخلط إحداهما
بالأخرى نوع من الخلط والخبط والغمط مع أنك ستعرف وعرفت ان في
روايات الغدير انه وقف حتى لحقه من بعده وامر برد من كان تقدم وهذا
يدل على أنه لأمر حدث في ذلك المكان وهو نزول الوحي عليه ولو كان
لتبليغ عموم الصحابة لم يؤخره إلى غدير خم بل كان يقوله في بعض المنازل
قبله أو في مكة فامره بالنزول وهو في أثناء السير وانتظار من تخلف وأمره برد
من تقدم يدل على أنه لأمر حدث في ذلك الوقت مع أنه قال هذا الكلام
عقيب الامر بالتمسك بالكتاب والعترة وبيان انهما لن يفترقا حتى يردا عليه
الحوض الذي هو تمهيد لما بعده، فدل على أنه لأمر أهم من مسالة اليمن
على اننا انما نستدل بقوله من كنت مولاه فعلي مولاه عقيب قوله أ لست أولي
بالمؤمنين من أنفسهم سواء أ قال ذلك بمكة أم في غدير خم وسواء أ قاله
عقيب شكايتهم من علي أم لا فإنه دال على أن عليا أولى بالمؤمنين من
أنفسهم والإمامة والخلافة لا تزيد على ذلك كما مر، وقد أجاب صاحب
السيرة الحلبية عن الحديث بوجوه عمدتها ما يأتي:
أحدهما ان الشيعة اتفقوا على اعتبار التواتر فيما يستدلون به على
الإمامة من الأحاديث وهذا الحديث مع كونه آحادا طعن في صحته جماعة
من أئمة الحديث كابي داود وأبي حاتم الرازي ويرده ان الحديث لا
يقصر عن درجة المتواتر بمعنى المقطوع الصدور فقد رواه علماء الفريقين
ومحدثوهم بأسانيد صحيحة تزيد عن عدد التواتر وقد رواه عن النبي ص
ثلاثون صحابيا واعترف لعلي به عدد كثير من الصحابة لما نشدهم في مسجد
الكوفة ودعا على من أنكر فاستجيب دعاؤه فيه كما ستعرف، ولم يكن في
الدوحات أحد الا سمع ورأى ما جرى فيه وهم يزيدون على مائة ألف وقد
اعترف الحافظ الذهبي بتواتره فيما يأتي حيث قال وصدر الحديث متواتر
أتيقن ان رسول الله ص قاله واما زيادة اللهم وال من والاه فزيادة قوية
الاسناد اه وقد أفرد هذا الحديث بالتأليف حتى أن ابن جرير الطبري
وناهيك به جمع مجلدين في طرقه وألفاظه وقد أثبت تواتره السيد حامد
حسين الهندي اللكهنوئي من أجلاء علماء الهند في هذا العصر في كتابه
عبقات الأنوار فذكر من رواه من الصحابة ومن رواه عنهم من التابعين ومن
رواه عن التابعين من تابعي التابعين ومن أخرجه في كتابه من المحدثين على
ترتيب القرون والطبقات ومن وثق الراوين والمخرجين له ومن وثق من
وثقهم وهكذا في طرز عجيب لم يسبقه إليه أحد. قال ابن كثير الشامي في
تاريخه، اعتنى بأمر هذا الحديث يعني حديث الغدير أبو جعفر محمد بن
جرير الطبري صاحب التفسير والتاريخ فجمع فيه مجلدين اورد فيهما طرقه
وألفاظه وكذلك الحافظ الكبير أبو القاسم بن عساكر صاحب تاريخ
دمشق اورد أحاديث كثيرة في هذه الخطبة يعني خطبة يوم الغدير اه
ثم اورد ابن كثير أحاديث كثيرة جدا مما ورد في يوم الغدير نقلها من كتاب
ابن جرير المشار إليه ويأتي نقل بعضها، واما طعن أبي داود وأبي حاتم فيه
الذي لا منشأ له الا التحامل فهو قد قال فيما يأتي انه لا يلتفت إليه.
ثانيها ان اسم المولى يطلق على عشرين معنى منها انه السيد الذي
ينبغي محبته ويجتنب بغضه وأيد ذلك بما مر عنه من أن بريدة لما جاء من
اليمن مع علي شكا بريدة عليا إلى النبي ص فقال ذلك لبريدة خاصة ثم
أحب ان يقوله للصحابة عموما في غدير خم أي فكما عليهم ان يحبوني
عليهم ان يحبوا عليا ويرده ان اسم المولى لو كان يطلق على ألف معنى
فالمراد به هنا الأولى لاقترانه بقوله أ لست أولي بكم من أنفسكم فقالوا بلى
قال من كنت مولاه فعلي مولاه كما مر تفصيله، على أن هذا الاهتمام
العظيم من النبي ص بجمع الناس في غدير خم والخطبة ورفع علي معه
واخذه بضبعيه حتى بان بياض إبطيهما لا يناسب ان يكون الغرض منه ان
يعلمهم ان عليهم ان يحبوا عليا كما عليهم ان يحبوه مع كون ذلك أمرا ثابتا
في حق كل مسلم لا يختص به علي.
ثالثها مع تسليم ان المراد أنه أولي بالإمامة فالمراد في المال لا في
الحال قطعا والا لكان هو الامام مع وجود النبي ص والمال لم يعين وقته
فيجوز أن يكون بعد أن يبايع بالخلافة وأيده بأنه لم يحتج بذلك الا بعد أن
صارت الخلافة إليه.
ويرده انه لم يقل أحد أن معنى الحديث انه أولي بالإمامة بل أولي
بالمؤمنين من أنفسهم فيكون هو الامام بعد النبي ص لأن الإمامة لا تزيد
على ذلك واما في حياة النبي ص فقد علم أنه ليس للناس امام غيره، واما
إرادة انه أولي بالمؤمنين من أنفسهم في زمن خلافته فتقييد بلا مقيد. واما
عدم احتجاجه بذلك قبل زمن خلافته فلأن القول الفصل حينئذ لم يكن
للكلام والاحتجاج بل كان للسيف والقوة، وما ينفع الاحتجاج فيمن يقول
والله لأحرقن عليكم أو لتخرجن إلى البيعة ويجئ بعلي والزبير ويقول
لتبايعان وأنتما طائعان أو لتبايعان وأنتما كارهان كما مر في الجزء الثاني عن
الطبري ويقول لعلي انك لست متروكا حتى تبايع. ويدعو بالحطب ويحلف
لتخرجن أو لأحرقن الدار عليكم فيقال له ان فيها فاطمة فيقول وإن، كما
مر عن ابن قتيبة هناك أيضا ويمكن أن يكون ترك الاحتجاج به لأن فيه ما لا
يمكن أن يتحملوه منه فيقع ما لا تحمد عقباه مع علمه بعدم الفائدة فعدل
إلى الاحتجاج بالقرابة وبأنه أحق وما غاب عنا لا يمكننا الإحاطة بجميع
خصوصياته لا سيما مع اعتراض الأهواء والعصبيات.
وروى الواحدي النيسابوري في كتاب أسباب النزول بسنده عن أبي
سعيد الخدري قال نزلت هذه الآية يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليك من
ربك يوم غدير خم في علي بن أبي طالب. وروى الإمام أحمد بن حنبل في
مسنده وأبو يعلي الموصلي والحسن بن سفيان فيما حكاه عنهما ابن كثير في
تاريخه فأسانيدهم عن البراء بن عازب قال: كنا مع رسول الله ص في سفر
في حجة الوداع فنزلنا بغدير خم فنودي فينا الصلاة جامعة وكسح
لرسول الله ص تحت شجرة فصلى الظهر واخذ بيد علي فاقامه عن يمينه
فقال أ لستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم أ لست أولى بكل
امرئ من نفسه قالوا بلى فاخذ بيد علي فقال من كنت مولاه فعلي مولاه
اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، فلقيه عمر بعد ذلك فقال هنيئا لك يا
ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت ولي كل مؤمن ومؤمنة. وروى الحاكم في
(٣٦٤)

المستدرك وصححه على شرط الشيخين ولم يتعقبه الذهبي في التلخيص بعدة
أسانيد عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم قال لما رجع رسول الله ص من
حجة الوداع ونزل غدير خم أمر بدوحات فقممن فقال كأني قد دعيت
فأجبت أني قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله وعترتي
فانظروا كيف تخلفوني فيهما فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ثم قال أن
الله عز وجل مولاي وانا مولى كل مؤمن ثم اخذ بيد علي فقال من كنت
مولاه فهذا وليه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. وروى الحاكم أيضا
بسنده عن سلمة بن كهيل عن أبي الطفيل عامر بن واثلة وصححه على
شرطهما أنه سمع زيد بن أرقم يقول نزل رسول الله ص بين مكة والمدينة
عند شجرات خمس دوحات عظام فكنس الناس ما تحت الشجرات ثم راح
رسول الله ص عشية فصلى ثم خطب وقال أيها الناس أني تارك فيكم أمرين
لن تضلوا إن اتبعتموهما وهما كتاب الله وأهل بيتي عترتي ثم قال أ تعلمون
أني أولي بالمؤمنين من أنفسهم ثلاث مرات قالوا نعم فقال من كنت مولاه
فعلي مولاه.
وفي السيرة الحلبية لما وصل ص إلى محل بين مكة والمدينة يقال له
غدير خم بقرب رابغ جمع الصحابة فخطبهم فقال أيها الناس انما انا بشر
يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب ثم حض على التمسك بكتاب الله
ووصى باهل بيته فقال أني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي
ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض، وقال في حق علي لما كرر عليهم أ لست
أولى بكم من أنفسكم ثلاثا وهم يجيبونه بالتصديق والاعتراف ورفع يد علي
وقال من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وأحب
من أحبه وابغض من أبغضه وانصر من نصره وأعن من اعانه واخذل من
خذله وأدر الحق معه حيث دار، ثم قال وهذا حديث صحيح ورد بأسانيد
صحاح وحسان. قال ولا التفات لمن قدح في صحته. قال وقول بعضهم
أن زيادة اللهم وال من والاه الخ موضوعة مردود فقد ورد ذلك من طرق
صحح الذهبي كثيرا منها. انتهت السيرة الحلبية.
وقال ابن ماجة: حدثنا علي بن محمد أنبأنا أبو الحسين أنبأنا حماد بن
سلمة عن علي بن زيد بن جدعان عن عدي بن ثابت عن البراء بن
عازب: اقبلنا مع رسول الله ص في حجة الوداع فنزل في الطريق فامر
بالصلاة جامعة فاخذ بيد علي فقال أ لست أولي بالمؤمنين من أنفسهم قالوا
بلى قال أ لست أولي بكل مؤمن من نفسه قالوا بلى قال فهذا ولي من انا
مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه اه. قال ابن كثير وكذا رواه
عبد الرزاق عن معمر عن علي بن زيد بن جدعان عن البراء اه.
وارد ابن كثير عن الإمام أحمد بعدة أسانيد عن زيد بن أرقم في بعضها
نزلنا مع رسول الله ص منزلا يقال له وادي خم فامر بالصلاة فصلاها بهجير
فخطبنا وظلل رسول الله بثوب على شجرة ستره من الشمس قال أ لستم
تعلمون أو أ لستم تشهدون إني أولي بكل مؤمن من نفسه قالوا بلى قال
فمن كنت مولاه فان عليا مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، قال
ابن كثير وهذا اسناد جيد رجاله ثقات على شرط السنن، وأورد ابن كثير
روايات كثيرة بأسانيدها من كتاب غدير خم لابن جرير وفي بعضها أنه ص
قال أيها الناس إني وليكم قالوا صدقت فرفع يد علي فقال هذا وليي و
المؤدي عني وإن الله موالي من والاه ومعادي من عاداه اه تاريخ ابن
كثير واستقصاء ما فيه يطول به الكلام.
وروى النسائي في الخصائص عن محمد بن المثنى عن يحيى بن حماد
عن أبي معاوية عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي الطفيل عن
زيد بن أرقم قال لما رجع رسول الله ص من حجة الوداع ونزل غدير خم
أمر بدوحات فقممن ثم قال كأني قد دعيت فأجبت وإني تارك فيكم الثقلين
أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله وعترتي أهل بيتي فانظروا كيف تخلفوني
فيهما فإنهما لن يفترقا حتى بردا علي الحوض ثم قال إن الله مولاي وانا ولي
كل مؤمن ثم اخذ بيد علي فقال من كنت وليه فهذا وليه اللهم وال من
والاه وعاد من عاداه فقلت لزيد سمعته من رسول الله ص فقال نعم وإنه ما
كان في الدوحات أحد الا رآه بعينه وسمعه باذنه، قال ابن كثير في تاريخه
قال شيخنا أبو عبد الله الذهبي وهذا حديث صحيح.
وروى النسائي في الخصائص أيضا بسنده عن زيد بن أرقم قام
رسول الله ص فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أ لستم تعلمون أني أولى بكل
مؤمن من نفسه قالوا بلى نشهد لأنت أولي بكل مؤمن من نفسه قال فاني
من كنت مولاه فهذا مولاه واخذ بيد علي. وروى النسائي في الخصائص
أيضا بسنده عن عائشة بنت سعد سمعت أبي يقول سمعت رسول الله ص
يوم الجحفة فاخذ بيد علي فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أيها الناس إني
وليكم قالوا صدقت يا رسول الله ثم اخذ بيد علي فرفعها فقال هذا وليي
ويؤدي عني وانما موالي من والاه ومعادي من عاداه. وحكى ابن كثير عن
ابن جرير الطبري أنه رواه بسنده عن عائشة بنت سعد عن أبيها مثله الا
أنه قال هذا وليي والمؤدي عني وإن الله موالي من والاه ومعادي من عاداه،
قال ثم رواه ابن جرير من طريق آخر وإنه ع وقف حتى لحقه من
بعده وأمر برد من كان تقدم فخطبهم الحديث وروى النسائي بسنده عن
عائشة بنت سعد عن سعد قال اخذ رسول الله ص بيد علي فخطب فحمد
الله وأثنى عليه ثم قال أ لم تعلموا أني أولي بكم من أنفسكم قالوا نعم
صدقت يا رسول الله ثم اخذ بيد علي فرفعها فقال من كنت وليه فهذا وليه
وإن الله ليوالي من والاه ويعادي من عاداه. وبسنده عن عائشة بنت سعد
عن سعد قال كنا مع رسول الله ص بطريق مكة وهو متوجه إليها فلما بلغ
غدير خم وقف للناس ثم رد من تقدم ولحقه من تخلف فلما اجتمع الناس
إليه قال أيها الناس من وليكم قالوا الله ورسوله ثلاثا ثم اخذ بيد علي فاقامه
ثم قال من كان الله ورسوله وليه فهذا وليه اللهم وال من والاه وعاد من
عاداه أقول كأنه أشار بذلك إلى قوله تعالى انما وليكم الله ورسوله
الآية والولي هنا بمعنى الأولى ومنه ولي الطفل وولي المرأة اه.
وفي الاستيعاب: روى بريدة وأبو هريرة وجابر والبراء بن عازب
وزيد بن أرقم كل واحد منهم عن النبي ص أنه قال يوم غدير خم من كنت
مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، وبعضهم لا يزيد
على من كنت مولاه فعلي مولاه، ثم قال بعد ذكر خبر اعطاء الراية يوم
خيبر وهذه كلها آثار ثابتة.
وحكى صاحب السيرة الحلبية عن بعضهم أنه لما شاع قوله ص من
كنت مولاه فعلي مولاه في سائر الأمصار وطار في الأقطار بلغ الحارث بن
النعمان الفهري فقدم المدينة ودخل على النبي ص ثم قال يا محمد امرتنا
بالشهادتين فقبلنا وامرتنا بالصلاة والصوم والزكاة والحج فقبلنا ثم لم ترض
بهذا حتى رفعت بضبعي ابن عمك ففضلته وقلت من كنت مولاه فعلي
مولاه فهذا شئ من الله أو منك فاحمرت عينا رسول الله ص فقال والله
(٣٦٥)

الذي لا إله إلا هو أنه من الله وليس مني قالها ثلاثا فقام الحارث وهو يقول
اللهم إن كان ما يقول محمد حقا فأرسل علينا حجارة من السماء الآية
وكان ذلك أي ما جرى يوم الغدير في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة
اه.
استشهاد علي ع في خلافته
جماعة من الصحابة على حديث الغدير
في السيرة الحلبية: قد جاء إن عليا قام خطيبا ثم قال أنشد الله من
شهد يوم غدير خم الا قام ولا يقوم رجل يقول أنبئت أو بلغني الا رجل
سمعت أذناه ووعى قلبه فقام سبعة عشر صحابيا وفي رواية ثلاثون صحابيا
وفي المعجم الكبير ستة عشر وفي رواية اثنا عشر فذكر الحديث وعن زيد بن
أرقم كنت ممن كتم فذهب الله ببصري وكان علي دعا على من كتم انتهت
السيرة الحلبية.
وقال ابن كثير في تاريخه: اورد ابن ماجة عن عبد الله ابن الإمام
احمد في مسند أبيه بعدة أسانيد عن سعيد بن وهب وعن زيد بن يثيع (١) قال
نشد علي الناس في الرحبة من سمع رسول الله ص يقول يوم غدير خم ما
قال الا قام فقام من قبل سعيد ستة ومن قبل زيد ستة فشهدوا أنهم سمعوا
رسول الله ص يقول لعلي يوم غدير خم أ ليس رسول الله أولي بالمؤمنين من
أنفسهم قالوا بلى قال اللهم من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه
وعاد من عاداه قال وفي بعضها زيادة وانصر من نصره واخذل من خذله،
وأورد فيه أيضا بعدة أسانيد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى نحوه، وفي بعضها
فقام اثنا عشر رجلا فقالوا قد رأيناه وسمعناه حيث اخذ بيده يقول اللهم
وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله الا ثلاثة لم
يقوموا فدعا عليهم فاصابتهم دعوته. وأورد عنه أيضا بعدة أسانيد عن
جماعة منهم أبو الطفيل قال جمع علي الناس في الرحبة يعني رحبة مسجد
الكوفة قال أنشد الله كل من سمع رسول الله ص يقول يوم غدير خم ما
سمع لما قام فقام ناس كثير فشهدوا حين اخذ بيده فقال للناس أ تعلمون أني
أولي بالمؤمنين من أنفسهم قالوا نعم يا رسول الله قال من كنت مولاه فعلي
مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه قال فخرجت كان في نفسي شيئا
فلقيت زيد بن أرقم فقلت له أني سمعت عليا يقول كذا وكذا قال فما تنكر
سمعت رسول الله ص يقول ذلك له هكذا ذكره الإمام أحمد في مسند
زيد بن أرقم اه.
وفي الخصائص بسنده عن عمرو بن سعد أنه سمع عليا وهو ينشد في
الرحبة من سمع رسول الله ص يقول من كنت مولاه فعلي مولاه فقام ستة
نفر فشهدوا وبسنده عن سعيد بن وهب أنه قام صحابة ستة وقال
زيد بن يثيع وقام مما يلي المنبر ستة فشهدوا انهم سمعوا رسول الله ص يقول
من كنت مولاه فعلي مولاه وفيه أخبرنا أبو داود حدثنا عمران بن ابان
حدثنا شريك حدثنا أبو إسحاق عن زيد بن يثيع سمعت علي بن أبي طالب
يقول على منبر الكوفة أني أنشد الله رجلا ولا يشهد الا أصحاب محمد سمع
رسول الله ص يوم غدير خم يقول من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من
والاه وعاد من عاداه فقام ستة من جانب المنبر وستة من جانب المنبر الآخر
فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله ص يقول ذلك قال شريك فقلت لأبي إسحاق
هل سمعت البراء بن عازب يحدث بهذا عن رسول الله ص قال
نعم، قال أبو عبد الرحمن هو النسائي: عمران بن ابان الواسطي ليس
بقوي في الحديث وبسنده المتعدد عن فطر بن خليفة عن أبي الطفيل
عامر بن واثلة قال جمع علي الناس في الرحبة فقال أنشد بالله كل امرئ
سمع من رسول الله ص قال يوم غدير خم أ لستم تعلمون أني أولي بالمؤمنين
من أنفسهم وهو قائم ثم اخذ بيد علي فقال من كنت مولاه فعلي مولاه
اللهم وال من والاه وعاد من عاداه قال أبو الطفيل فخرجت وفي نفسي منه
شئ فلقيت زيد بن أرقم فأخبرته فقال تشك انا سمعته من رسول الله ص
وبسنده عن سعيد بن وهب قال علي في الرحبة أنشد بالله من سمع
رسول الله ص يوم غدير خم يقول إن الله ورسوله ولي المؤمنين ومن كنت
وليه فهذا وليه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره قال
سعيد قام إلى جنبي ستة قال زيد بن يثيع قام عندي ستة وقال عمرو ذو مر
أحب من أحبه وابغض من أبغضه وساق الحديث وبسنده عن عمرو ذي
مر شهدت عليا بالرحبة ينشد أصحاب محمد أيكم سمع رسول الله ص
يقول يوم غدير خم ما قال فقام أناس فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله ص
يقول من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وأحب
من أحبه وابغض من أبغضه وانصر من نصره وبسنده عن سعيد بن
وهب قال علي في الرحبة أنشد بالله من سمع رسول الله ص يوم غدير خم
يقول الله وليي وانا ولي المؤمنين ومن كنت وليه فهذا وليه اللهم وال من
والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره فقال سعيد قام إلى جنبي ستة وقال
حارثة بن نصر قام ستة وقال زيد بن يثيع قام عندي ستة وقال عمرو ذو مر
أحب من أحبه وفي أسد الغابة بسنده عن عبد الرحمن بن أبي ليلى
شهدت عليا في الرحبة يناشد الناس أنشد الله من سمع رسول الله ص
يقول يوم غدير خم أ لست أولي بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجي أمهاتهم قلنا
بلى يا رسول الله فقال من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد
من عاداه، وقد روي مثل هذا عن البراء بن عازب وزاد فقال عمر بن
الخطاب يا ابن أبي طالب أصبحت اليوم ولي كل مؤمن اه.
قال المفيد في الارشاد: وكان في حجة الوداع من فضل أمير المؤمنين
ع الذي اختص به ما شرحناه وانفرد فيه من المنقبة الجليلة ما
ذكرناه وكان شريك النبي في حجه وهديه ومناسكه ووفقه الله تعالى لمساواة
نبيه في نيته ووفاقه في عبادته وظهر من مكانه عنده وجليل محله عند الله
سبحانه ما نوه به في مدحته وأوجب له فرض طاعته على الخلائق
واختصاصه بخلافته والتصريح منه بالدعوة إلى اتباعه والنهي عن مخالفته
والدعاء لمن اقتدى به في الدين وقام بنصرته والدعاء على من خالفه واللعن
لمن بارزه بعداوته وكشف بذلك عن كونه أفضل خلق الله تعالى وأجل بريته
وهذا مما لم يشركه فيه أيضا أحد من الأمة ولا تعرض منه بفضل يقاربه على
شبهة لمن ظنه أو بصيرة لمن عرف المعنى في حقيقته والله المحمود اه.
الرابع أنه أفضل الصحابة فيكون هو الامام لأن تقديم المفضول
على الفاضل قبيح والدليل على أنه أفضل الصحابة أمور:
أحدها إن الناس إنما تتفاضل بالصفات الحسنة النفسية كالعلم
والحلم والصفح والشجاعة والسماحة والفصاحة والبلاغة والعدل ومحاسن
الأخلاق والعبادة والزهادة والجهاد وغير ذلك.

(١) يثيع كزبير بمثناة تحتية ومثلثة وعين مهملة ويقال اثيع كذا في القاموس وبعضهم قال بغين
معجمة.
(٣٦٦)

اما العلم فقد كان أعلم الصحابة وكانوا يرجعون إليه في
المشكلات ولم يكن يرجع إلى أحد وكفى في ذلك قول عمر: لولا علي لهلك
عمر، قضية ولا أبو حسن لها، أعوذ بالله من قضية ليس لها أبو حسن،
لا يفتين أحد في المسجد وعلي حاضر وأمثاله مما شاع وذاع وعرفه كل أحد
حتى استشهد به النحويون في كتبهم. وقوله ص: انا مدينة العلم وعلي
بابها، وقوله ص أعطي علي تسعة اجزاء الحكمة والناس جزءا واحدا.
وقول ابن عباس أنه أعطي تسعة أعشار العلم وشارك في العشر العاشر،
وأنه ما شك في قضاء بين اثنين، وأنه اقضى أهل المدينة وأعلمهم
بالفرائض، وقوله ص: أنه أقضى أصحابه. وقد ألفت المؤلفات في
قضاياه بالخصوص، وقول عطاء ما اعلم أحدا كان في أصحاب محمد ص
اعلم من علي، وقول عائشة اما أنه لأعلم الناس بالسنة، وقوله ع
سلوني فوالله لا تسألوني عن شئ الا أخبرتكم سلوني عن كتاب الله
فوالله ما من آية الا وانا أعلم أ بليل نزلت أم بنهار أم في سهل أم في جبل،
وأنه ما كان أحد يقول سلوني غيره، وقوله ص لما نزلت وتعيها أذن واعية
أنت أذن واعية لعلمي. وقول معاوية ذهب الفقه والعلم بموت علي بن أبي
طالب. وذكرنا هذا كله مفصلا بأسانيده عند ذكر فضائله.
قال المفيد في الارشاد: فاما الأخبار التي جاءت بالباهر من قضاياه في
الدين واحكامه التي افتقر إليه في علمها كافة المؤمنين بعد الذي أثبتناه من
جملة الوارد في تقدمه في العلم وتبريزه على الجماعة بالمعرفة والفهم وفزع
علماء الصحابة إليه فيما أعضل من ذلك والتجائهم إليه فيه وتسليمهم له
القضاء به فهي أكثر من تحصى وأجل من أن تتعاطى فمن ذلك ما رواه
نقلة الآثار من العامة والخاصة في قضاياه ورسول الله حي فصوبه فيها
وحكم له بالحق فيما قضاه ودعا له بخير وأثنى عليه به وأبانه بالفضل في ذلك
من الكافة ودل به على استحقاقه الأمر من بعده ووجوب تقدمه على من
سواه في مقام الإمامة كما تضمن ذلك التنزيل فيما دل على معناه وعرف به ما
حواه من التأويل حيث يقول الله عز وجل أ فمن يهدي إلى الحق أحق أن
يتبع أم من لا يهدي إلا أن يهدي فما لكم كيف تحكمون وقوله قل هي
يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون انما يتذكر أولوا الألباب وقوله عز
وجل في قصة آدم وقد قالت الملائكة أ تجعل فيها من يفسد فيها ويسفك
الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون وعلم
آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن
كنتم صادقين قالوا سبحانك لا علم لنا الا ما علمتنا انك أنت العليم
الحكيم قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال أ لم أقل لكم
إني اعلم غيب السماوات والأرض واعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون فنبه
الله جل جلاله الملائكة على أن آدم أحق بالخلافة منهم لأنه أعلم منهم
بالأسماء وأفضلهم في علم الأنباء. وقال تقدست أسماؤه في قصة طالوت
وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا قالوا أني يكون له الملك
علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال قال إن الله اصطفاه
عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع
عليم فجعل جهة حقه في التقدم عليهم ما زاده الله من البسطة في العلم
والجسم واصطفاءه إياه على كافتهم بذلك وكانت هذه الآيات موافقة لدلائل
العقول في أن الأعلم هو أحق بالتقدم في محل الإمامة ممن لا يساويه في
العلم ودلت على وجوب تقدم أمير المؤمنين على كافة المسلمين في خلافة
الرسول وامامة الأمة لتقدمه في العلم والحكمة وقصورهم عن منزلته في ذلك
اه.
واما الحلم والصفح فقد ذكرنا عند ذكر فضائله ما يثبت ذلك
بأوضح وجه وأجلاه وكذا الباقي فلا نطيل بإعادته، وامتيازه في كل ذلك
قد صار ملحقا بالضروريات منتظما في سلك المتواترات والاستدلال عليه
كالاستدلال على الشمس الضاحية، وما ذكرناه في ذلك قد اتفق على روايته
المؤالف والمخالف بخلاف ما روي مما يعارضه فقد رواه فريق دون فريق
وتطرقت إليه الشبهة بما كان يجهد فيه أعداء أمير المؤمنين في عصر الملك
العضوض ويبذلون على روايته الأموال وهم في سلطانهم، والإطالة في هذا
تخرجنا عن موضوع الكتاب وفيما ذكر غنى وكفاية ومقنع لمن أراد والله
الهادي.
ثانيها حديث الطائر المشوي الذي مر في الفضائل لدلالته على أنه
أحب الخلق إلى الله تعالى بعد النبي ص ومعلوم أن حب الله تعالى وحب
النبي ص لا يكون كحب غيرهم لمحاباة أو قرابة أو منفعة أو غيرها ولا
يكون إلا عن استحقاق فيدل على الأفضلية.
ثالثها حديث الكساء ومر ذكره في سيرة الزهراء ع في
الجزء الثاني ومر في الفضائل في هذا الجزء.
رابعها ما دل على أنه نفس رسول الله ص في آية المباهلة فقل
تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل
فنجعل لعنة الله على الكاذبين ويأتي خبر نزولها عند ذكر وفد نجران سنة
عشر من الهجرة وإنما نذكر هنا بعض ما يتعلق بكونه نفس رسول الله ص
فقط فنقول: اتفق الرواة والمفسرون على أن الذين دعاهم رسول الله ص
للمباهلة هم علي وفاطمة والحسنان وأنه لم يدع أحدا غيرهم. وحينئذ
فالمراد بأبنائنا الحسنان وبنسائنا فاطمة وهو واضح. أما أنفسنا فلا يجوز أن
يكون المراد به غير علي بن أبي طالب لما ذكره صاحب مجمع البيان وغيره من
أنه لا يجوز أن يدعو الإنسان نفسه وإنما يصح أن يدعو غيره وإذا كان قوله
وأنفسنا لا بد ان يكون إشارة إلى غير الرسول وجب أن يكون إشارة إلى
علي لأنه لا أحد يدعي دخول غير أمير المؤمنين علي وزوجته وولديه في
المباهلة. ويمكن أن يقال بأنه يصح التعبير عن الحضور بدعاء النفس مجازا
وهو المراد هنا فالأولى في الاستدلال أن يقال أن الاتفاق واقع على أن عليا
كان من جملة من دعاهم النبي ص للمباهلة وليس داخلا في الأبناء والنساء
قطعا فتعين دخوله في قوله وأنفسنا فيكون المراد بأنفسنا علي وحده أو هو مع
النبي ص وعلى الوجهين يكون قد اطلق عليه نفس النبي ص فان قلنا المراد
بأنفسنا علي وحده كان التجوز في أنفسنا وحدها، وإن قلنا المراد به رسول
الله وعلي معا كان التجوز في ندعو باستعمالها في دعاء النفس ودعاء الغير
وفي أنفسنا أيضا.
والحاصل أن أنفسنا مراد به علي بن أبي طالب اما وحده أو مع النبي ص
اختار الأول الشعبي فيما حكاه عنه الواحدي فقال أبناءنا الحسن والحسين
ونساءنا فاطمة وأنفسنا علي بن أبي طالب، واختار الثاني جابر فيما حكاه عنه
صاحب الدر المنثور فقال أنفسنا رسول الله وعلي وأبناؤنا الحسن والحسين
ونساؤنا فاطمة.
فإذا ثبت أن المراد بأنفسنا علي بن أبي طالب دل على أنه أفضل
الخلق بعد رسول الله ص إذ المراد به أنه مثل نفسه مجازا لأن كونه نفسه
(٣٦٧)

حقيقة باطل بالضرورة وإذا ثبت اطلاق انه مثله كان المراد انه مثله في جميع
صفاته إلا ما أخرجه الدليل مثل النبوة والمساواة في الفضل للاجماع على أن
عليا ليس بنبي وان النبي ص أفضل منه فبقي الباقي وهو انه أفضل من
سائر الصحابة وبالجملة ففي كونه مثل النبي إلا ما أخرجه الدليل غنى
وكفاية. قال الرازي في تفسيره: كان في الري رجل يقال له محمود بن
الحسن الحمصي (١) وكان متكلم الاثني عشرية وكان يزعم أن قوله وأنفسنا
وأنفسكم يدل على أن عليا أفضل من جميع الأنبياء سوى محمد ص لأن
الإنسان لا يدعو نفسه بل غيره وأجمعوا على أن ذلك الغير كان علي بن أبي
طالب فدلت على أن نفسه هي نفس محمد ولا يمكن أن يراد أن هذه النفس
عين تلك النفس فالمراد انها مثلها وذلك يقتضي الاستواء في جميع الوجوه
ترك العمل به في النبوة والفضل لقيام الدليل فبقي ما عداه. ومحمد أفضل
من سائر الأنبياء فعلي مثله. ثم قال أي الحمصي ويؤيد الاستدلال
بهذه الآية الحديث المقبول عند الموافق والمخالف وهو قوله ع: من
أراد أن يرى آدم في علمه ونوحا في طاعته وإبراهيم في خلقه فلينظر إلى
علي بن أبي طالب، فالحديث دل على أنه اجتمع فيه ما كان متفرقا فيهم
وذلك يدل على أنه أفضل من جميعهم سوى محمد ص. قال: واما سائر
الشيعة فقد كانوا قديما وحديثا يستدلون بهذه الآية على أن عليا أفضل من
سائر الصحابة لأن الآية لما دلت على أن نفسه مثل نفسه إلا فيما خصه الدليل
وكانت نفس محمد أفضل من الصحابة فوجب أن تكون نفس علي كذلك.
والجواب أنه كما انعقد الاجماع بين المسلمين على أن محمدا ع
أفضل من علي كذلك انعقد الاجماع بينهم قبل ظهور هذا الإنسان على أن
النبي أفضل ممن ليس بنبي اه ملخصا. وقد دل كلامه على تسليم
دلالة الآية على ذلك لولا الاجماع فبقي الأمر موقوفا على تحقق الاجماع هذا
بالنسبة إلى الأنبياء، أما بالنسبة إلى الصحابة فهو يسلم به لأنه لم يرده ولم
يناقش فيه.
قال المفيد:
وفي قصة أهل نجران بيان عن فضل أمير المؤمنين ع مع ما
فيه من الآية للنبي ص والمعجز الدال على نبوته، وأن الله تعالى حكم في
آية المباهلة لأمير المؤمنين ع بأنه نفس رسول الله ص كاشفا بذلك
عن بلوغه نهاية الفضل ومساواته للنبي ص في الكمال والعصمة من الآثام
وان الله تعالى جعله وزوجته وولديه مع تقارب سنهما حجة لنبيه وبرهانا على
دينه ونص على الحكم بان الحسن والحسين أبناؤه وأن فاطمة نساؤه
المتوجه إليهن الذكر والخطاب في الدعاء إلى المباهلة والاحتجاج وهذا فضل
لم يشركهم فيه أحد من الأمة ولا قاربهم فيه ولا ماثلهم في معناه وهو لاحق
بما تقدم من مناقب أمير المؤمنين الخاصة به.
الخامس قوله تعالى: انما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين
يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون. نزلت في حق علي بن أبي
طالب لما تصدق بخاتمه وهو في الصلاة، فلفظ الذين آمنوا وإن كان عاما
إلا أن المراد به خاص وإرادة الواحد من لفظ الجمع في كلام العرب وفي
القرآن الكريم غير عزيزة مع دلالة القرينة كما في قوله تعالى الذين قال لهم
الناس أن الناس قد جمعوا لكم والمراد نعيم بن مسعود، والمراد من الزكاة
فيها هي الصدقة لأن الزكاة وان اشتهرت في الشرع في الصدقة الواجبة
لكنها تطلق على المستحبة أيضا بكثرة وقوله وهم راكعون حال من ضمير
يؤتون الزكاة أي ويؤتون الزكاة في حال ركوعهم. روي الواحدي
النيسابوري في كتابه أسباب النزول عن الكلبي ان آخر الآية في علي بن أبي
طالب لأنه اعطى خاتمه سائلا وهو راكع. وروي بسنده عن ابن عباس
قال اقبل عبد الله بن سلام ومعه نفر من قومه قد آمنوا فقالوا يا رسول الله
ان منازلنا بعيدة وليس لنا مجلس ولا متحدث وان قومنا لما رأونا آمنا بالله
ورسوله وصدقناه رفضونا وآلوا على أنفسهم ان لا يجالسونا ولا يناكحونا ولا
يكلمونا فشق ذلك علينا فقال لهم النبي ع: إنما وليكم الله
ورسوله والذين آمنوا الآية ثم أن النبي ص خرج إلى المسجد والناس
بين قائم وراكع فنظر سائلا فقال هل أعطاك أحد شيئا قال نعم خاتم قال
من أعطاكه قال ذلك القائم وأوما بيده إلى علي بن أبي طالب فقال على أي
حال أعطاك قال أعطاني وهو راكع فكبر النبي ص ثم قرأ ومن يتول الله
ورسوله والذين آمنوا فان حزب الله هم الغالبون، وفي الدر المنثور
للسيوطي: أخرج ابن مردويه من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن
عباس قال: أتى عبد الله بن سلام وذكر نحوه. وفي أسباب النزول
للسيوطي: اخرج الطبراني في الأوسط بسند فيه مجاهيل عن عمار بن ياسر
قال: وقف على علي بن أبي طالب سائل وهو راكع في تطوع فنزل خاتمه
فأعطاه السائل فنزلت انما وليكم الله ورسوله الآية وله شاهد. قال عبد
الرزاق حدثنا عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه عن ابن عباس في قوله إنما
وليكم الله ورسوله الآية قال نزلت في علي بن أبي طالب. وروى ابن
مردويه من وجه آخر عن ابن عباس مثله، واخرج أيضا عن علي مثله،
واخرج ابن جرير عن مجاهد وابن أبي حاتم عن سلمة بن كهيل مثله قال
فهذه شواهد يقوي بعضها بعضا اه أسباب النزول، يعني فلا يضر
كون بعض طرقه فيه مجاهيل. وقال السيوطي في الدر المنثور: اخرج
الخطيب في المتفق عن ابن عباس قال تصدق علي بخاتمه وهو راكع فقال
النبي ص للسائل من أعطاك هذا الخاتم قال ذاك الراكع فأنزل الله إنما
وليكم الله ورسوله. واخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وأبو
الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس في قوله إنما وليكم الله ورسوله
الآية قال نزلت في علي بن أبي طالب. وأخرج الطبراني في الأوسط وابن
مردويه عن عمار بن ياسر قال وقف بعلي سائل وهو راكع في صلاة تطوع
فنزع خاتمه فأعطاه السائل فاتى رسول الله ص فاعلمه ذلك فنزلت على
النبي ص هذه الآية إنما وليكم الله ورسوله الآية فقرأ رسول الله ص على
أصحابه ثم قال من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من
عاداه، واخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن علي بن أبي طالب قال نزلت
هذه الآية على رسول الله ص في بيته إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا إلى
آخر الآية فخرج رسول الله ص فدخل المسجد وجاء الناس يصلون بين
راكع وساجد وقائم يصلي فإذا سائل فقال يا سائل هل أعطاك أحد شيئا قال
لا الا ذاك الراكع لعلي بن أبي طالب أعطاني خاتمه. واخرج ابن أبي حاتم
وأبو الشيخ وابن عساكر عن سلمة بن كهيل قال تصدق علي بخاتمه وهو
راكع فنزلت إنما وليكم الله الآية، وأخرج الطبراني وابن مردويه وأبو
نعيم عن أبي رافع قال دخلت على رسول الله ص وهو نائم يوحي إليه إلى أن
قال فمكث ساعة فاستيقظ وهو يقول: انما وليكم الله ورسوله الآية

(١) هو شيخ الإمام الرازي. في القاموس الحمصي بالضم مشددا محمود بن علي الحمصي
(الرازي) متكلم أخذ عنه الامام فخر الدين الرازي " اه‍ " لكنه قال محمود بن علي
والرازي قل محمود بن الحسن ولعل أحدهما نسبه إلى الأب والآخر إلى الجد.
(٣٦٨)

الحمد لله الذي أتم لعلي نعمه وهنيئا لعلي بتفضيل الله إياه. وأخرج ابن مردويه
عن ابن عباس: كان علي بن أبي طالب قائما يصلي فمر سائل وهو
راكع فأعطاه خاتمه فنزلت هذه الآية نزلت في الذين آمنوا وعلي أولهم اه
الدر المنثور. وفي الكشاف: وهم راكعون الواو فيه للحال أي يعملون
ذلك في حال الركوع وهو الخشوع والاخبات والتواضع لله إذا صلوا وإذا
زكوا وقيل هو حال من يؤتون الزكاة بمعنى يؤتونها في حال ركوعهم في
الصلاة وأنها نزلت في حق علي بن أبي طالب حين سأله سائل وهو راكع في
صلاته فطرح له خاتمه قال فان قلت كيف صح أن يكون لعلي واللفظ لفظ
جماعة قلت جئ به على لفظ الجمع وإن كان السبب فيه رجلا واحدا
ليرغب الناس في مثل فعله فينالوا مثل ثوابه اه أقول الركوع وإن
كان في اللغة بمعنى مطلق الخضوع لكنه صار في الشرع اسما لركوع الصلاة
كما أن الصلاة كان معناها في اللغة مطلق الخضوع لكنه صار في الشرع اسما
لركوع الصلاة كما أن الصلاة كان معناها في اللغة مطلق الدعاء وصارت في
عرف الشرع لذات الأركان فقوله تعالى وهم راكعون لا يصح أن يراد به
وهم خاضعون لأن الحقيقة الشرعية والعرفية مقدمة على الحقيقة اللغوية ولم
يستعمل في القرآن إلا في ذلك المعنى، وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون. يا
مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين، وأقيموا الصلاة وآتوا
الزكاة واركعوا مع الراكعين، يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا، وخر
راكعا وأناب، تراهم ركعا سجدا، والركع السجود، الراكعون
الساجدون، فعلم بذلك أن المراد به ركوع الصلاة، وفي تفسير الطبري
اختلف أهل التأويل في المراد بالذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون
الزكاة وهم راكعون فقال بعضهم عني به علي بن أبي طالب وقال بعضهم
عني به جميع المؤمنين، ثم روي عن السدي أنه قال: هؤلاء جميع المؤمنين
ولكن علي بن أبي طالب مر به سائل وهو راكع في المسجد فأعطاه خاتمه،
وروى بسنده عن عبد الملك عن أبي جعفر سألته عن هذه الآية قلنا من
الذين آمنوا قال الذين آمنوا قلنا بلغنا انها نزلت في علي بن أبي طالب قال
علي من الذين آمنوا. وفي الدر المنثور اخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن
المنذر عن أبي جعفر انه سئل عن هذه الآية وذكر مثله. قال واخرج أبو
نعيم في الحلية عن عبد الملك بن أبي سليمان قال سألت أبا جعفر محمد بن
علي وذكر نحوه ومنه علم أن المراد به الباقر ع. وروى الطبري
في تفسيره عن عتبة بن حكيم في هذه الآية إنما وليكم الله ورسوله والذين
آمنوا قال علي بن أبي طالب، وبسنده عن مجاهد قال نزلت في علي بن أبي
طالب تصدق وهو راكع أقول فدل عدم امكان إرادة العموم منها على أن
كلام السدي راجع إلى أن المراد من الذين آمنوا علي بن أبي طالب بان
يكون مراده هؤلاء جميع المؤمنين في ظاهر اللفظ ولكن علي بن أبي طالب مر
به سائل وهو راكع فأعطاه خاتمه فكان ذلك قرينة على أنه هو المراد وإلا
لكان كلامه متدافعا، ولذلك قال السيوطي في الدر المنثور: اخرج ابن
جرير عن مجاهد انها نزلت في علي بن أبي طالب تصدق وهو راكع، واخرج
ابن جرير عن السدي وعتبة بن حكيم مثله اه فجعل السدي من
القائلين بنزولها في علي، والمنقول عن أبي جعفر الباقر إن صح فيه نوع
اجمال ويمكن ارجاعه إلى ما مر بان يكون قوله علي من الذين آمنوا أي فصح
اطلاق هذا اللفظ عليه، ومن ذلك يعلم أن وجود القائل بالقول الثاني غير
متحقق، وفي تفسير الفخر الرازي في قوله الذين آمنوا قولان الأول ان
المراد عامة المؤمنين لأن عبادة بن الصامت لما تبرأ من اليهود وقال أنا برئ
إلى الله من حلف قريظة والنضير واتولى الله ورسوله نزلت هذه الآية على
وفق قوله، قال وروي أيضا ان عبد الله بن سلام قال يا رسول الله ان
قومنا قد هجرونا واقسموا أن لا يجالسونا ولا نستطيع مجالسة أصحابك لبعد
المنازل فنزلت هذه الآية فقال رضينا بالله وبرسوله وبالمؤمنين أولياء.
أقول الاستشهاد بخبر عبد الله بن سلام على أن المراد عامة المؤمنين لا
وجه له لأنه إنما يدل على أن الله تعالى جعل لهم بدل هجر قومهم أياهم
ولاية الله ورسوله والذين آمنوا سواء أريد بالذين آمنوا العموم أو الخصوص
فإذا كان هناك ما يدل على الخصوص لم يكن فيه منافاة لهذا الخبر ولذلك
ذكره الواحدي في سياق نزولها في علي بن أبي طالب كما مر في الفضائل. قال
الفخر القول الثاني ان المراد من هذه الآية شخص معين روي عكرمة
انها نزلت في علي بن أبي طالب وروي ان عبد الله بن سلام قال لما نزلت
هذه الآية قلت يا رسول الله انا رأيت عليا تصدق بخاتمه على محتاج وهو
راكع فنحن نتولاه، وروي عن أبي ذر أنه قال صليت مع رسول الله ص
يوما صلاة الظهر فسال سائل في المسجد فلم يعطه أحد فرفع السائل يده
إلى السماء وقال اللهم اشهد اني سالت في مسجد الرسول ص فما أعطاني
أحد شيئا وعلي ع كان راكعا فاوما إليه بخنصره اليمنى وكان فيها خاتم
فاقبل السائل حتى اخذ الخاتم بمرأى النبي ص فقال اللهم ان أخي موسى
سال فقال رب اشرح لي صدري إلى قوله وأشركه في أمري فأنزلت قرآنا
ناطقا سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا اللهم وأنا محمد نبيك
وصفيك فاشرح لي صدري ويسر لي أمري واجعل لي وزيرا من أهلي عليا
اشدد به ظهري، قال أبو ذر فوالله ما أتم رسول الله ص هذه الكلمة حتى
نزل جبرئيل فقال يا محمد اقرأ إنما وليكم الله ورسوله إلى آخرها اه
أقول علم من مجموع ما سلف أن احتمال إرادة عموم المؤمنين ضعيف
لا يعول عليه ولا يرجع إلى مستند ولا يعارض الأخبار الكثيرة الدالة على
نزولها في علي ع وان وجود القائل به غير متحقق، مضافا إلى أنه
على هذا الاحتمال تكون الواو في وهم راكعون عاطفة من عطف الخاص
على العام كما في أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين، ولو كان
كذلك لكان من مقتضى البلاغة أن يقول وهم يركعون لان الجمل التي
قبلها فعلية فلا يناسب عطف الجملة الاسمية الصرفة عليها بل المناسب أن يقول
وهم يركعون كما في قوله تعالى الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة
ومما رزقناهم ينفقون والذين يؤمنون بما انزل إليك وما انزل من قبلك
وبالآخرة هم يوقنون ولم يقل موقنون ورواية عكرمة قد انفرد بها فلا تعارض
الروايات الكثيرة مع أنه كان متهما برأي الخوارج وإذا كان المراد بهذه الآية
شخص معين وهو علي بن أبي طالب كانت دالة على إمامته لأن في اقتران
ولايته بولاية الله تعالى ورسوله ص مع الحصر بأنما أقوى دليل على ذلك،
وقد أطال الفخر الرازي في تفسير هذه الآية وذكر أشياء أكثرها لا طائل
تحتها مثل أن اللائق بعلي ع أن يكون مستغرق القلب بذكر الله في
الصلاة لا يتفرع لاستماع كلام الغير وفهمه الجواب ان الاستماع إلى
كلام السائل لا يخرج عن ذلك كما يحكي عن أبي الفرج الجوزي أنه قال في
جواب السائل عن ذلك:
- يسقي ويشرب لا تلهيه سكرته * عن النديم ولا يلهو عن الكاس -
ومثل ان دفع الخاتم في الصلاة للفقير عمل كثير واللائق بحال
علي ع ان لا يفعل ذلك والجواب ان أراد أنه عمل كثير مبطل
(٣٦٩)

للصلاة فقد أجاب عنه في الكشاف بقوله كان الخاتم كان مرجا في خنصره
فلم يتكلف لخلعه كثير عمل تفسد بمثله صلاته اه وعند فقهائنا انه لا
يفسد الصلاة إلا العمل الكثير الماحي لصورتها وان أراد انه عمل كثير يكره
فعله ففيه انه كيف يكره التصدق على الفقير الذي هو من أفضل الطاعات
إلى غير ذلك مما أطال به ولا فائدة في نقله ونقضه.
السادس آية التطهير: إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل
البيت ويطهركم تطهيرا، دلت الأخبار الكثيرة على أن المراد باهل البيت
علي وفاطمة والحسنان فتدل الآية الشريفة على عصمتهم لأن الذنب رجس
وقد أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا من كل رجس وذنب، ولا
ينافي ذلك كون ما قبلها وما بعدها في نساء النبي ص بعد ما ورد النص
الصريح بان المراد بها ما ذكر وبعد تذكير ضمير عنكم ومراعاة السياق في
الكتاب العزيز غير لازمة كما في موارد كثيرة منه ولعل ذلك لأنه نزل
نجوما، ومر الكلام على ذلك مفصلا في سيرة الزهراء ع من
الجزء الأول ومر له ذكر في الفضائل من هذا الجزء.
السابع أحاديث الثقلين التي رواها أجلاء علماء أهل السنة وأكابر
محدثيهم في صحاحهم بأسانيدهم المتعددة واتفق على روايتها الفريقان
فرواها مسلم والترمذي في صحيحيهما والإمام أحمد بن حنبل في مسنده
والثعلبي في تفسيره وابن المغازلي الشافعي في المناقب وصاحب الجمع بين
الصحاح الستة والحميدي من أفراد مسلم والسمعاني في فضائل الصحابة
والحموئي وموفق بن أحمد والطبراني وابن حجر في صواعقه وغيرهم ورويت
من طرق أهل البيت باثنين وثمانين طريقا اما روايات أهل السنة ففيها
عن زيد بن أرقم عن النبي ص انا تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه
الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به فحث على كتاب الله ورغب
فيه ثم قال وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي
أذكركم الله في أهل بيتي فقال له حصين ومن أهل بيته يا زيد أ ليس نساؤه
من أهل بيته فقال نساؤه من أهل بيته ولكن أهل بيته من حرم الصدقة
بعده قال ومن هم قال آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس قال هؤلاء
حرم الصدقة قال نعم وفي رواية لمسلم فقلنا من أهل بيته نساؤه قال لا
لأن المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثم يطلقها فترجع إلى أبيها
وقومها أهل بيته أصله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده، وفيها عن
أبي سعيد الخدري عن النبي ص اني تارك فيكم الثقلين وفي رواية خليفتين
أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي
أهل بيتي وانهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض وفي رواية وان اللطيف
الخبير اخبرني انهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض فانظروا بما تخلفوني فيهما
وفي أخرى اني قد تركت فيكم ما أن أخذتم به لن تضلوا بعدي الثقلين
أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي
أهل بيتي وانهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض وفي رواية اني تارك
فيكم أمرين لن تضلوا ان تبعتموهما وهما كتاب الله وعترتي أهل بيتي فلا
تتقدموهما فتهلكوا ولا تقصروا عنهما فتهلكوا ولا تعلموهم فإنهم اعلم
منكم، وهي صريحة في خروج النساء من أهل البيت واختصاصهم بعشيرته
وعصبته وقد أوردنا هذه الأحاديث كلها وتكلمنا عليها بما لا مزيد عليه في
كتابنا اقناع اللائم على إقامة المآتم فليرجع إليه من أراد. دلت هذه
الأحاديث على عصمة أهل البيت من الذنوب والخطا لمساواتهم فيها بالقرآن
الثابت عصمته في أنهم أحد الثقلين المخلفين في الناس وفي الأمر بالتمسك
بهم كالتمسك بالقرآن ولو كان الخطا يقع منهم لما صح الأمر بالتمسك بهم
الذي هو عبارة عن جعل أقوالهم وأفعالهم حجة وفي ان المتمسك بهم لا
يضل كما لا يضل المتمسك بالقرآن ولو وقع منهم الذنب أو الخطا لكان
المتمسك بهم يضل وان في اتباعهم الهدى والنور كما في القرآن ولو لم يكونوا
معصومين لكان في اتباعهم الضلال وفي انهم حبل ممدود من السماء إلى
الأرض كالقرآن وهو كناية عن انهم واسطة بين الله تعالى وبين خلقه وان
أقوالهم عن الله تعالى ولو لم يكونوا معصومين لم يكونوا كذلك وفي انهم لن
يفارقوا القرآن ولن يفارقهم مدة عمر الدنيا ولو أخطأوا أو أذنبوا لفارقوا
القرآن وفارقهم وفي عدم جواز مفارقتهم بتقدم عليهم بجعل نفسه إماما لهم
أو تقصير عنهم وائتمام بغيرهم كما لا يجوز التقدم على القرآن بالافتاء بغير ما
فيه أو التقصير عنه باتباع أقوال مخالفيه وفي عدم جواز تعليمهم ورد أقوالهم
ولو كانوا يجهلون شيئا لوجب تعليمهم ولم ينه عن رد قولهم، ودلت هذه
الأحاديث أيضا على أن منهم من هذه صفته في كل عصر وزمان بدليل قوله
ص انهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض وان اللطيف الخبير اخبره بذلك
وورود الحوض كناية عن انقضاء عمر الدنيا فلو خلا زمان من أحدهما لم
يصدق انهما لن يفترقا حتى يردا عليه الحوض، إذا علم ذلك ظهر انه لا
يمكن أن يراد باهل البيت جميع بني هاشم بل هو من العام المخصوص بمن
ثبت اختصاصهم بالفضل والعلم والزهد والعفة والنزاهة من أئمة أهل
البيت الطاهر وهم الأئمة الاثنا عشر وأمهم الزهراء البتول للاجماع على عدم
عصمة من عداهم والوجدان أيضا على خلاف ذلك لأن من عداهم من بني
هاشم تصدر منهم الذنوب ويجهلون كثيرا من الأحكام ولا يمتازون عن
غيرهم من الخلق فلا يمكن أن يكونوا هم المجعولين شركاء القرآن في الأمور
المذكورة بل يتعين أن يكونوا بعضهم لا كلهم وليس إلا من ذكرنا أما تفسير
زيد بن أرقم لهم بمطلق بني هاشم إن صح ذلك عنه فلا تجب متابعته عليه
بعد قيام الدليل على بطلانه.
الثامن حديث السفينة وباب حطة وهو قوله ص مثل أهل بيتي
فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تأخر عنها هلك أو من ركب فيها
نجا ومن تخلف عنها غرق أو من دخلها نجا ومن تخلف عنها هلك. الذي
اتفق على روايته جميع علماء الاسلام، قال ابن حجر في الصواعق: جاء
من طرق عديدة يقوي بعضها بعضا انما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة
نوح من ركبها نجا وفي رواية مسلم ومن تخلف عنها غرق وفي رواية هلك
وإنما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطة في بني إسرائيل من دخله غفر له
وفي رواية غفر له الذنوب وقال في موضع آخر جاء من طرق كثيرة يقوي
بعضها بعضا مثل أهل بيتي وفي رواية انما مثل أهل بيتي وفي أخرى ان مثل
أهل بيتي وفي رواية الا ان مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح في قومه من
ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق وفي رواية من ركبها سلم ومن تركها غرق
وإن مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطة في بني إسرائيل من دخله غفر له
اه. وروى الحاكم في المستدرك بسنده عن حنش الكناني سمعت أبا
ذر يقول وهو آخذ بباب الكعبة من عرفني فانا من عرفتم ومن انكرني فانا
أبو ذر سمعت رسول الله ص يقول مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها
نجا ومن تخلف عنها غرق هذا حديث صحيح على شرط مسلم اه وقد
تكلمنا على هذه الروايات مفصلا في كتاب اقناع اللائم على إقامة المآتم
وذكرنا هناك ان تمثيلهم بسفينة نوح صريح في وجوب اتباعهم والاقتداء
(٣٧٠)

بأقوالهم وأفعالهم وحرمة اتباع من خالفهم وأي عبارة أبلغ في الدلالة على
ذلك من قوله من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك أو غرق فكما ان كل من
ركب مع نوح في سفينته نجا من الغرق ومن لم يركب غرق وهلك فكذلك
كل من اتبع أهل البيت أصاب الحق ونجا من سخط الله وفاز برضوانه ومن
خالفهم هلك ووقع في سخط الله وعذابه وذلك دليل عصمتهم والا لما كان
كل متبع لهم ناجيا وكل مخالف لهم هالكا وهذا عام مخصوص كما مر في
حديث الثقلين وليس المراد به إلا أئمة أهل البيت الذين وقع الاتفاق على
تفضيلهم واشتهروا بالعلم والفضل والزهد والورع والعبادة واتفقت الأمة
على عدم عصمة غيرهم وغير المعصوم لا يكون متبعه ناجيا ومخالفه هالكا
على كل حال ولا يقصر عنه في الدلالة خبر تسميتهم بباب حطة الدال على أن
النجاة في اتباعهم والخلاص من الذنوب والمعاصي بالأخذ بطريقتهم.
التاسع حديث المنزلة وهو قوله ص أنت مني بمنزلة هارون من
موسى الا انه لا نبي بعدي. ومر في غزاة تبوك في هذا الجزء والجزء الثاني
إنه قال له أ ما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا إنه لا نبي
بعدي.
وهذا الحديث يقع الكلام فيه في مقامين في صحة سنده واثبات دلالته
على المطلوب.
المقام الأول صحة سنده
هذا الحديث قد اعترف أكابر علماء المسلمين وثقات الرواة من
الفريقين بصحة سنده وانه من أثبت الآثار وأصحها.
في الاستيعاب روى قوله ص لعلي أنت مني بمنزلة هارون من موسى
جماعة من الصحابة وهو من أثبت الآثار وأصحها رواه عن النبي ص
سعد بن أبي وقاص وطرق حديث سعد فيه كثيرة جدا قد ذكرها ابن أبي
خيثمة وغيره. ورواه ابن عباس وأبو سعيد الخدري وأم سلمة وأسماء بنت
عميس وجابر بن عبد الله وجماعة يطول ذكرهم ثم روى بسنده عن أسماء
بنت عميس انها قالت: سمعت رسول الله ص يقول لعلي أنت مني
بمنزلة هارون من موسى الا إنه ليس بعدي نبي. وروى قبل ذلك أنه قال
له في غزوة تبوك أنت مني بمنزلة هارون من موسى الا انه لا نبي بعدي
وروى النسائي في الخصائص هذا الحديث بأسانيد كثيرة عن سعد بن أبي
وقاص فمن رواياته بسنده عن سعد بن أبي وقاص قال لما غزا رسول الله
ص غزوة تبوك وخلف عليا في المدينة قالوا فيه مله وكره صحبته فتبع علي
النبي ص حتى لحقه في الطريق قال يا رسول الله خلفتني بالمدينة مع
الذراري والنساء حتى قالوا مله وكره صحبته فقال النبي ص انما خلفتك
على أهلي أ ما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي
بعدي وفي رواية إلا أنه لا نبوة بعدي وفي رواية فقال علي رضيت رضيت
وفي رواية أنت يا ابن أبي طالب مني مكان هارون من موسى الا
انه لا نبي من بعدي وفي رواية الا انه ليس من بعدي نبي وبسنده
عن سعد بن أبي وقاص ان النبي ص قال لعلي أنت مني بمنزلة هارون من
موسى وبسنده عن سعد قال لما خرج رسول الله ص إلى تبوك خرج علي
فتبعه فشكا وقال يا رسول الله أ تتركني مع الخوالف فقال النبي ص يا علي
أ ما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى الا النبوة وبسنده عن
سعد بن مالك ان رسول الله ص غزا على ناقته الجدعاء وخلف عليا وجاء
علي حتى تعدى الناقة فقال يا رسول الله زعمت قريش انك انما خلفتني
لأنك استثقلتني وكرهت صحبتي وبكى فنادى رسول الله ص في الناس ما
منكم أحد إلا وله حاجة بابن أبي طالب أ ما ترضى أن تكون مني بمنزلة
هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي قال علي رضيت عن الله عز وجل
وعن رسول الله ص وروى مسلم في صحيحه حديث المنزلة بعدة أسانيد
منها عن سعيد بن المسيب عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه ان
النبي ص قال لعلي أنت مني بمنزلة هارون من موسى الا انه لا نبي بعدي
قال سعيد فأحببت ان اشافه بذلك سعدا فلقيته فحدثته بما حدثني به عامر
فقال انا سمعته فقلت أنت سمعته فوضع إصبعيه على أذنيه
فقال نعم والا فاستكتا ورواه في أسد الغابة بسنده عن سعيد عن عامر
عن أبيه نحوه ورواه النسائي في الخصائص بسنده عن سعيد عن
عامر بن سعد عن سعد مثله بتفاوت يسير وروى مسلم في صحيحه
بسنده عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص قال: خلف رسول الله ص علي
ابن أبي طالب في غزوة تبوك فقال يا رسول الله تخلفني في النساء والصبيان
فقال أ ما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي
بعدي.
المقام الثاني اثبات دلالته على المطلوب
من القواعد المسلمة ان الاستثناء دليل العموم فيما عدى المستثنى فقوله
الا انه لا نبي بعدي يدل على عموم المنزلة وهارون كان وزيرا لموسى
وشريكا له في النبوة ولو عاش بعد موسى لكان خليفة له لكنه مات في حياته
فعلي له منزلة هارون عدى المشاركة في النبوة وحيث انه بقي بعد النبي ص
فيكون خليفة له وتنتفي عنه صفة النبوة خاصة.
لا يقال هارون كان خليفة موسى ع على قومه في
حياته مدة غيابه كما حكاه الله تعالى بقوله اخلفني في قومي وعلي ع
خلفه على أهله وعلى المدينة في حياته مدة غيابه ولذلك قال له أنت مني
بمنزلة هارون من موسى أي كما أن موسى خلف هارون على قومه في حياته
مدة غيابه فانا خلفتك على أهلي في حياتي مدة غيابي وأين هذا من الإمامة
والخلافة العامة.
لأنا نقول ينافي التخصيص بذلك الاستثناء الدال على عموم
المنزلة كما مر فهو دال على أن لعلي من النبي جميع ما كان لهارون من موسى
عدا النبوة.
قال المفيد في الارشاد: تضمن هذا القول من رسول الله ص نصه
عليه بالإمامة وابانته من الكافة بالخلافة ودل به على فضل لم يشركه فيه أحد
سواه وأوجب له به جميع منازل هارون من موسى الا ما خصه العرف
واستثناه هو من النبوة ألا ترى انه جعل له كافة منازل هارون من موسى الا
المستثنى منها لفظا وهو النبوة وعقلا وهو الاخوة وقد علم من تأمل معاني
القرآن وتصفح الروايات والأخبار ان هارون كان أخا موسى لأبيه وامه
وشريكه في امره ووزيره على نبوته وتبليغه رسالات ربه وإن الله سبحانه شد
به إزره وإنه كان خليفته على قومه وكان له من الإمامة عليهم وفرض الطاعة
كإمامته وفرض طاعته وانه كان أحب قومه إليه وأفضلهم لديه قال الله عز
وجل حاكيا عن موسى رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة
من لساني يفقهوا قولي واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي اشدد به
(٣٧١)

أزري وأشركه في أمري كي نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا فأجاب الله تعالى
مسألته وأعطاه سؤله في ذلك وأمنيته حيث يقول قد أوتيت سؤلك يا
موسى وقال تعالى حاكيا عن موسى ع وقال موسى لأخيه
هارون اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين فلما جعل رسول
الله ص عليا منه بمنزلة هارون من موسى أوجب له بذلك جميع ما عددناه
الا ما خصه العرف من الأخوة واستثناه من النبوة لفظا وهذه فضيلة لم يشرك
فيها أحد أمير المؤمنين ولا ساواه في معناها ولا قاربه فيها على حال.
سيرته متتالية متتابعة من ولادته إلى شهادته نشأته وتربيته
نشا علي ع في حجر رسول الله ص وتأدب بآدابه وربي
بتربيته وذلك أنه لما ولد أحبه رسول الله ص حبا شديدا وقال لأمه اجعلي
مهده بقرب فراشي وكان يلي أكثر تربيته ويطهره في وقت غسله ويوجره
اللبن عند شربه ويحرك مهده عند نومه ويناغيه في يقظته ويحمله على
صدره، وكان يحمله دائما ويطوف به جبال مكة وشعابها وأوديتها كأنه
يفعل ذلك ترويحا له وفي ذلك يقول المؤلف من قصيدة:
- وربيت في حجر النبي محمد * فطوبى لمن من احمد ضمه حجر -
- وغذاك بالعلم الإلهي ناشئا * فلا علم الا منك قد حاطه خبر -
- بآدابه أدبت طفلا ويافعا * وأكسبنك الأخلاق أخلاقه الغر -
وفي بعض السنين أصاب أهل مكة جدب شديد وكان أبو طالب كثير
العيال قليل المال فاجتمع النبي ص وحمزة والعباس فقالوا ان أبا طالب كثير
العيال فهلموا نخفف عنه فقال لهم أبو طالب ما أبقيتم لي عقيلا فخذوا من
شئتم فاخذ النبي ص عليا واخذ حمزة جعفرا واخذ العباس طالبا وابقى أبو
طالب عنده عقيلا لميله إليه ولعل ذلك كان لضعف عقيل وفي ذلك يقول
المؤلف من قصيدة:
- أتت سنة شهباء أصبح عندها * أبو طالب قد حل ساحته الفقر -
- فقالوا دعونا نكفه بعض ولده * مساعدة فالحر يسعده الحر -
- خذوا من أردتم ان تركتم بجانبي * عقيلا فلي في حبه منكم عذر -
- لأحمد أعطينا عليا وجعفرا * لحمزة والعباس طالب فليدروا -
وقد كان علي ع يلازم رسول الله ص وهو يتحنث في غار
حراء كل سنة قبل النبوة. قال ابن أبي الحديد في شرح النهج: قد ورد في
الكتب الصحاح ان النبي ص كان يجاور في حراء من كل سنة شهرا حتى
جاءت السنة التي أكرمه الله فيها بالرسالة فجاور في حراء شهر رمضان ومعه
أهله خديجة وعلي بن أبي طالب وخادم لهم الحديث.
فلم يزل علي مع رسول الله ص حتى بعثه الله بالنبوة فكان أول من
آمن به واتبعه وصدقه، وقال ابن حجر في الإصابة: ربي في حجر النبي
ص ولم يفارقه وشهد معه المشاهد الا غزوة تبوك. وفي أسد الغابة: كان مما
أنعم الله به على علي انه ربي في حجر رسول الله ص قبل الاسلام وقال
هاجر إلى المدينة وشهد بدرا وأحدا والخندق وبيعة الرضوان وجميع المشاهد
مع رسول الله ص الا تبوك وله في الجميع بلاء عظيم وأثر حسن اه ولم
يكن لاحد غيره في تلك المشاهد مثل أثره. ومر عند ذكر فضائله ما ينبغي
ان يراجع.
ما جرى عند نزول وانذر عشيرتك الأقربين
قد مر ذلك مفصلا في الجزء الثاني في السيرة النبوية وفي هذا الجزء
عند ذكر مناقبه وفضائله وذكرنا الأحاديث الواردة في ذلك بأسانيدها ونعيد
ذكره هنا ببعض الروايات وان لزم بعض التكرار لتكون اخباره ع
متتابعة متتالية بحسب السنين ونقتصر من ذلك على ما ذكره المفيد في
الارشاد في جملة كلام له في ذلك مر عند ذكر مناقبه وفضائله قال: وذلك في
حديث الدار الذي أجمع على صحته نقلة الآثار حين جمع رسول الله ص بني
عبد المطلب في دار أبي طالب وهم أربعون رجلا يومئذ يزيدون رجلا أو
ينقصون رجلا فيما ذكره الرواة وأمره ان يصنع لهم طعاما فخذ شاة مع مد
من البر ويعد لهم صاعا من اللبن وقد كان الرجل منهم معروفا يأكل
الجذعة (١) في مقام واحد ويشرب الفرق (٢) من الشراب. في ذلك المقعد
فأراد ع باعداد قليل الطعام والشراب لجماعتهم اظهار الآية في
شبعهم وريهم مما كان لا يشبع واحدا منهم ولا يرويه ثم أمر بتقديمه لهم
فأكلت الجماعة كلها من ذلك اليسير حتى تملوا منه ولم يبن ما أكلوه منه
وشربوه فيه، فبهرهم بذلك وبين لهم آية نبوته وعلامة صدقه ببرهان الله
تعالى فيه، ثم قال لهم بعد أن شبعوا من الطعام ورووا من الشراب يا بني
عبد المطلب ان الله بعثني إلى الخلق كافة وبعثني إليكم خاصة فقال وانذر
عشيرتك الأقربين وانا أدعوكم إلى كلمتين خفيفتين على اللسان ثقيلتين في
الميزان تملكون بهما العرب والعجم وتنقاد لكم بهما الأمم وتدخلون بهما الجنة
وتنجون بهما من النار شهادة ان لا إله إلا الله واني رسول الله فمن يجيبني إلى
هذا الأمر ويوازرني عليه يكن أخي ووصيي ووزيري ووارثي وخليفتي من
بعدي فلم يجبه أحد منهم، فقال أمير المؤمنين: فقمت بين يديه من بينهم
وانا إذ ذاك أصغرهم سنا وأحمشهم ساقا وأرمصهم عينا فقلت انا يا رسول الله
أوازرك على هذا الأمر فقال اجلس ثم أعاد القول على القوم ثانية فاصمتوا
فقمت وقلت مثل مقالتي الأولى فقال اجلس ثم أعاد القول على القوم ثالثة
فلم ينطق أحد منهم بحرف فقمت وقلت انا أوازرك يا رسول الله على هذا
الأمر فقال اجلس فأنت أخي ووصيي ووزيري ووارثي وخليفتي من بعدي
فنهض القوم وهم يقولون لأبي طالب يا أبا طالب ليهنئك اليوم ان دخلت في
دين ابن أخيك فقد جعل ابنك أميرا عليك اه.
نصره النبي ص في صغره
كان علي ع في صغره يدافع عن النبي ص فقد كانت
قريش لا تستطيع أذاه لمكان عمه أبي طالب فكانوا يغرون به صبيانهم
فيرمونه بالحجارة والتراب إذا خرج وليس من شأن أبي طالب ان يتبع
الصبيان يذودهم عنه، ولكن النبي ص أخبر بذلك صبيا مثلهم هو من
أبطال الصبيان يستطيع ان يتبعهم ويذودهم وهو ابن عمه علي بن أبي طالب
فذودهم ان لم يكن من شأن أبيه فهو من شأن صبي مثلهم هو بطل في
صباه كما هو بطل في شبابه وفي كهولته وفي شيخوخته. روى علي بن
إبراهيم بن هاشم القمي بسنده عن الصادق ع انه سئل عن معنى
قول طلحة بن أبي طلحة العبدري لما برز إليه علي ع يوم أحد
فسأله طلحة من أنت يا غلام قال انا علي بن أبي طالب فقال قد علمت يا
قضيم انه لا يجسر علي أحد غيرك، ما معنى قوله يا قضيم فقال إن رسول
الله ص كان بمكة لم يجسر عليه أحد لمكان أبي طالب وأغروا به الصبيان
فكان إذا خرج يرمونه بالحجارة والتراب فشكا ذلك إلى علي ع

(١) الجذعة بالتحريك الأنثى من المعز والغنم وهي قبل الثني
(٢) الفرق مكيال كبير.
(٣٧٢)

فقال بأبي أنت وأمي يا رسول الله إذا خرجت فاخرجني معك فخرج معه
فتعرض له الصبيان كعادتهم فحمل عليهم علي ع وكان يقضمهم
في وجوههم وآنافهم وآذانهم فكان الصبيان يرجعون باكين إلى آبائهم
ويقولون قضمنا علي فسمي لذلك القضيم، وفي ذلك يقول المؤلف من
قصيدة علوية:
- أبوك حمى الهادي فأصبح جهدهم * لصبيانهم بالمصطفى الطهر أن يغروا -
- حملت على صبيانهم فقضمتهم * فعادوا إلى الاهلين باكين قد فروا -
- لذلك سموك القضيم وانما * لأعناقهم من حد صارمك البتر -
فداؤه النبي ص بنفسه في صغره
وكان علي ع يفدي النبي ص بنفسه وينيمه أبوه أبو طالب
في مرقد رسول الله ص خوفا على النبي من البيات ويعرضه للقتل والاغتيال
ويوطن علي نفسه على ذلك، قال ابن أبي الحديد: قرأت في أمالي أبي
جعفر محمد بن حبيب قال كان أبو طالب كثيرا ما يخاف على رسول الله ص
البيات إذا عرف مضجعه وكان يقيمه ليلا من منامه ويضجع ابنه عليا
مكانه، فقال له علي ليلة يا أبت اني مقتول فقال له أبو طالب:
- اصبرن يا بني فالصبر أحجى * كل حي مصيره لشعوب -
- قد بذلناك والبلاء شديد * لفداء الحبيب وابن الحبيب -
- لفداء الأغر ذي الحسب الثاقب * والباع والكريم النجيب -
- ان تصبك المنون فالنبل تبرى * فمصيب منها وغير مصيب -
- كل حي وان تملى بعمر * آخذ من مذاقها بنصيب (١) -
إسلامه
كان علي ع أول من آمن بالنبي ص وأتبعه من جميع
الخلق، بعث النبي ص يوم الاثنين وأسلم علي يوم الثلاثاء ثم أسلمت
خديجة، وبعضهم يروي أن خديجة أسلمت قبل علي، وأصحابنا يروون
أن عليا أسلم قبل خديجة ويدل عليه قول أمير المؤمنين ع في
بعض خطب النهج: اللهم إني أول من أناب وسمع وأجاب لم يسبقني إلا
رسول الله ص بالصلاة، وهو الموافق للاعتبار فان الرسول ص مع حاله
المعلومة مع علي لم يكن ليقدم في الدعوة إلى الاسلام أحدا على علي حتى
خديجة مع مكانتها منه. وكيف كان فلا ريب في أن إسلامهما في زمان
متقارب كما لا ريب في أن أول الناس إسلاما من الذكور علي ومن النساء
خديجة، ولا شك أنه لما كان النبي ص يتحنث أي يختلي للعبادة في غار
حراء كان علي ع يحمل إليه الزاد والماء من بيت خديجة إن لم تحمله
الخادم. وفي الاستيعاب عن عفيف الكندي قال: كنت امرأ تاجرا فقدمت
للحج فاتيت العباس بن عبد المطلب لأبتاع منه بعض التجارة وكان امرأ
تاجرا فاني لعنده بمنى إذ خرج رجل من خباء قريب منه فنظر إلى الشمس
فلما رآها قد مالت قام يصلي ثم خرجت امرأة من ذلك الخباء الذي خرج
منه ذلك الرجل فقامت خلفه تصلي ثم خرج غلام قد راهق الحلم من ذلك
الخباء فقام معهما يصلي فقلت للعباس من هذا يا عباس قال هذا محمد بن
عبد الله بن عبد المطلب ابن أخي، قلت من هذه المرأة قال هذه امرأته
خديجة بنت خويلد، قلت من هذا الفتى قال علي بن أبي طالب ابن عمه،
قلت ما هذا الذي يصنع قال يصلي، وهو يزعم أنه نبي ولم يتبعه فيما ادعى
إلا امرأته وابن عمه هذا الغلام، وهو يزعم أنه ستفتح عليه كنوز كسرى
وقيصر، وكان عفيف يقول وقد أسلم بعد ذلك لو كان الله رزقني
الاسلام يومئذ فأكون ثانيا مع علي، قال وقد ذكرنا هذا الحديث من طرق
في باب عفيف الكندي اه. ورواه النسائي في الخصائص بسنده عن
عفيف قال: جئت في الجاهلية إلى مكة وانا أريد أن ابتاع لأهلي من ثيابها
وعطرها فاتيت العباس بن عبد المطلب وذكر نحوه إلا أنه قال فانا عنده
جالس حيث أنظر إلى الكعبة وقال فقلت يا عباس أمر عظيم قال العباس
أمر عظيم تدري من هذا الشاب الخ ثم قال أن ابن أخي هذا أخبرني أن
ربه رب السماء والأرض أمره بهذا الدين الذي هو عليه ولا والله ما على
الأرض كلها أحد على هذا الدين غير هؤلاء الثلاثة اه. ومر في مناقبه
وفضائله زيادة شرح لهذا.
مبلغ سنه وقت إسلامه
قيل أسلم وهو ابن عشر سنين رواه الحاكم في المستدرك بسنده عن
محمد بن إسحاق وهو المطابق لقول من قال أنه ولد بعد مولد النبي ص
بثلاثين سنة وقبل البعثة بعشر سنين فان النبي ص كان عمره يوم بعث
أربعين سنة ومطابق للقول بأنه عاش ثلاثا وستين سنة فإنه استشهد سنة
أربعين وتوفي النبي ص سنة عشر أو إحدى عشرة وعاش هو بعد النبي
ثلاثين سنة فإذا أضيفت إلى ثلاث وعشرين سنة أقامها بمكة والمدينة بعد
البعثة كانت ثلاثا وخمسين فإذا أضيف إليها عشر قبل البعثة كانت ثلاثا
وستين. وقال المفيد في الارشاد: أقام بعد البعثة ثلاثا وعشرين سنة منها
ثلاث عشرة سنة بمكة قبل الهجرة وعشر سنين بعد الهجرة بالمدينة وتوفي
النبي ولأمير المؤمنين ثلاث وثلاثين سنة اه. فعلى هذا يكون عمره يوم
أسلم عشر سنين وقيل أسلم وهو ابن إحدى عشرة سنة وهو الذي صححه
أبو الفرج الأصبهاني في مقاتل الطالبيين وهو المروي عن مجاهد وقيل اثنتي
عشرة سنة بناء على أنه عاش خمسا وستين سنة كما سيأتي، اثنتي عشرة قبل
البعثة وثلاثا وعشرين بعد البعثة إلى وفاة النبي ص وثلاثين بعد وفاة النبي
ص وقيل ثلاث عشرة سنة، في الاستيعاب هو أصح ما قيل وقد روي عن
ابن عمر من وجهين جيدين اه وقيل خمس عشرة سنة رواه الحاكم في
المستدرك بسنده عن قتادة عن الحسن ثم قال وهذا الاسناد أولى من الاسناد
الأول. يعني الذي رواه عن محمد بن إسحاق. ورواه في أسد الغابة بسنده
عن الحسن وغيره قال أول من أسلم علي بعد خديجة وهو ابن خمس عشرة
سنة اه. وقيل ابن ست عشرة سنة حكاه الحاكم في المستدرك ثم
روى بسنده عن ابن عباس وقال صحيح على شرط الشيخين أن رسول الله
ص دفع الراية إلى علي يوم بدر وهو ابن عشرين سنة. قال الذهبي في
تلخيص المستدرك: هذا نص على أنه أسلم وله أقل من عشر سنين بل
نص في أنه أسلم وهو ابن سبع سنين أو ثمان وهو قول عروة اه
أقول بل يلزم كونه ابن خمس سنين ونصف تقريبا لأن النبي ص أقام
بمكة بعد البعثة نحو ثلاث عشرة سنة وكانت بدر على رأس تسعة عشر
شهرا من مهاجره فهذه نحو أربع عشر سنة ونصف فإذا أضيف إليها خمس
سنين ونصف كانت عشرين. وروى ابن عبد البر في الاستيعاب عن
السراج في تاريخه بسنده عن ابن عباس قال دفع رسول الله ص الراية يوم

(١) في نسخة الأبيات الثلاثة هكذا:
- قد بذلناك والبلاء شديد * لفداء النجيب وابن النجيب -
- لفداء الأغر ذي الحسب الثاقب * والباع والفناء الرحيب -
- كل حي وان تطاول عمرا * آخذ من سهامه بنصيب -
(٣٧٣)

بدر إلى علي وهو ابن عشرين سنة، وتدل خطبته حين بلغه غارة الغامدي
على الأنبار أنه باشر الحرب وهو ابن عشرين سنة. وقال في خطبة له يحث
فيها على الجهاد: لقد نهضت فيها أي الحرب وما بلغت العشرين
اه ولا يبعد أن يريد بمباشرته الحرب ما كان منه يوم هجرته ولحوق
الفوارس الثمانية به وقتله مقدمهم جناحا فان ذلك أول مباشرته الحرب
وأول ظهور شجاعته العظيمة لا حرب بدر المتأخرة عن ذلك تسعة عشر
شهرا وإن كانت هي أول وقائعه العظمى فيكون عمره على هذا يوم أسلم
سبع سنين فإذا أضيف إليها ثلاث عشرة سنة أقامها بمكة إلى حين هجرته
كانت عشرين. وفي بعض الروايات أنه كان عمره يوم بدر ثلاثا وعشرين
سنة وفي بعضها أربعا وعشرين وفي بعضها خمسا وعشرين، ولعل القول
بان عمره يوم أسلم إحدى عشرة سنة مبني على أنه كان يوم بدر ابن خمس
وعشرين أو ست وعشرين بان تكون التسعة عشر شهرا حسبت سنة وترك
الزائد أو حسبت سنتين وألغي الناقص، وكذلك القول بان عمره يوم أسلم
اثنتي عشرة سنة يمكن تطبيقه على أنه كان يوم بدر ابن ست عشرة بحساب
التسعة عشر شهرا سنة واحدة، أما القول بأنه أسلم وهو ابن ثلاث عشرة
سنة أو خمس عشرة أو ست عشرة فهو يقتضي أن يكون عمره يوم بدر فوق
سبع وعشرين أو تسع وعشرين أو ثلاثين والله أعلم.
ملازمته النبي صلى الله عليه وآله
ولم يزل علي في صحبة النبي ص ملازما له فأقام مع النبي ص بعد
البعثة ثلاثا وعشرين سنة منها ثلاث عشرة سنة بمكة قبل الهجرة مشاركا له
في محنة كلها متحملا عنه أكثر أثقاله وعشر سنين بالمدينة بعد الهجرة يكافح
عنه المشركين ويجاهد دونه الكافرين ويقيه بنفسه من أعدائه في الدين وقتل
الأبطال وضرب بالسيف بين يدي رسول الله ص وعمره بين العشرين
والثلاث والعشرين سنة إلى الخمس والعشرين.
في حصار الشعب
ويوم حصار الشعب الذي دخل فيه بنو هاشم خوفا من قريش
وحصروهم فيه كان علي معهم ولا شك أن أباه كان ينيمه أيضا في مرقد
النبي ص لأن ذلك من أشد أيام الخوف عليه من البيات وقد يسال سائل
لما ذا اختص أبو طالب ابنه عليا بان يبيته في مضجع النبي ص حين يقيمه
منه مع أنه أصغر أولاده وطالب وعقيل وجعفر أكبر منه فهم أولى بان ينيم
واحدا منهم في مضجع النبي ص والجواب على هذا السؤال لا يحتاج إلى
كثير تفكير فهو على صغر سنه أثبتهم جنانا وأشجعهم قلبا وأشدهم تهالكا في
حب ابن عمه وإن كان لجعفر المقام السامي في ذلك لكنه لا يصل إلى رتبة
أخيه علي.
خبره مع أبي ذر عند إسلامه
رواه صاحب الاستيعاب بسنده عن ابن عباس في حديث طويل
سيأتي في ترجمة أبي ذر في الجزء السادس عشر، وفيه ان أبا ذر لما بلغه مبعث
النبي ص قدم مكة فاتى المسجد فالتمس النبي ص ولا يعرفه وكره أن
يسال عنه حتى أدركه الليل فاضطجع فرآه علي بن أبي طالب فقال كان
الرجل غريب قال نعم قال انطلق إلى المنزل قال فانطلقت معه لا يسألني
عن شئ ولا أساله، فلما أصبحت رجعت إلى المسجد فبقيت يومي حتى
أمسيت وسرت إلى مضجعي فمر بي علي فقال أ ما آن للرجل أن يعرف منزله
فاقامه وذهب به معه وما يسال واحد منهما صاحبه عن شئ حتى إذا كان
اليوم الثالث فعل مثل ذلك فاقامه علي معه ثم قال له ألا تحدثني ما الذي
أقدمك هذا البلد؟ قال إن أعطيتني عهدا وميثاقا لترشدني فعلت، ففعل
فأخبره علي أنه نبي وإن ما جاء به حق وأنه رسول الله وقال فإذا أصبحت
فاتبعني فاني إن رأيت شيئا أخاف عليك قمت كأني أريق الماء فان مضيت
فاتبعني حتى تدخل معي مدخلي فانطلقت أقفوه حتى دخل على رسول الله ص
الحديث ويدلنا هذا الحديث على وجود علي ع وكرم
أخلاقه وحسن أدبه و شدة حنوه على الغريب والضعيف ومسارعته إلى إقراء
الضيف فإنه لما رآه وعلم أنه غريب دعاه إلى منزله وأضافه وقراه ولم يسأله
عن شئ وذلك من حسن الأدب مع الضيف ولما رآه في الليلة الثانية عاتبه
على عدم رجوعه إلى منزل ضيافته وبقائه في المسجد وأقامه معه ولم يسأله
عن شئ إلا في الليلة الثالثة بعد ما أنس أبو ذر به وارتفعت عنه وحشة
الغربة وقضى أيام الضيافة التي هي ثلاثة وربما يكون قد توسم فيه أنه جاء
لينظر في الاسلام وقد يكون مانعهما عن السؤال شدة الخوف. وسوق
الحديث يدل على أن الخوف من قريش كان شديدا فهو حين أراد أن يذهب
به إلى رسول الله ص خاف عليه أن يراه أحد معه فيظن أنه ذهب ليسلم
فينال أبا ذر من ذلك أذى شديد فقال له أنه إذا رأى أحدا يخافه عليه جلس
وتعلل بأنه يريد أن يبول ولا يعرف من يراه أن أبا ذر معه وأوصاه أنه إذا
رآه قد مضى أتبعه بدون أن يلتفت إليه ولا يشير إليه لئلا يراه أحد فيعرف
أنه سائر معه. وكان أبا ذر وقع في قلبه من ذلك اليوم حب علي فساعده
التوفيق على أن تولاه وشايعه طول حياته.
صعوده على منكب النبي ص والقاؤه الصنم عن الكعبة
روى الحاكم في المستدرك بسنده عن علي بن أبي طالب قال: انطلق
بي رسول الله ص حتى أتى بي الكعبة فقال لي اجلس فجلست إلى جنب
الكعبة فصعد رسول الله ص بمنكبي ثم قال لي انهض فنهضت فلما رأى
ضعفي تحته قال لي اجلس فنزلت وجلست ثم قال لي يا علي اصعد على
منكبي فصعدت على منكبيه ثم نهض بي فلما نهض بي خيل لي لو شئت نلت
أفق السماء، فصعدت فوق الكعبة وتنحى رسول الله ص فقال لي الق
صنمهم الأكبر صنم قريش وكان من نحاس موتدا بأوتاد من حديد إلى
الأرض فقال لي عالجه وهو يقول لي ايه ايه جاء الحق وزهق الباطل ان
الباطل كان زهوقا، فلم أزل أعالجه حتى استمكنت منه فقال اقذفه فقذفته
فتكسر وترديت من فوق الكعبة فانطلقت أنا والنبي ص نسعى وخشينا أن
يرانا أحد من قريش وغيرهم قال علي فما صعد به حتى الساعة. قال
الحاكم هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه البخاري ومسلم.
وصية أبيه له عند وفاته
ولما حضرت أبا طالب الوفاة أوصى ابنيه عليا وجعفرا وأخويه حمزة
وعباسا بنصره فقاموا به أحسن قيام لا سيما علي وحمزة وجعفر، وفي ذلك
يقول أبو طالب من أبيات مرت في الجزء الثاني:
- أوصي بنصر النبي الخير مشهده * عليا ابني وعم الخير عباسا -
- وحمزة الأسد المخشي جانبه * وجعفرا أن تذودوا دونه الناسا -
وفي جمع علي معهم بل تقديمه عليهم وهو غلام صغير وأخوه جعفر
أكبر منه والآخران عماه وهما أسن منه دليل كاف على ما كان يتوسمه أبو
(٣٧٤)

طالب في ابنه علي من مخايل الشجاعة والرجولة والباس والنجدة وأنه
سيكون خير ناصر للنبي ص وأعظم محام عنه ومؤازر له وما أخطأت فراسته
فيه بل أصابت فكان عند فراسته فيه بأقصى حد يتصور.
ما جرى له عند وفاة أبي طالب
ولما توفي أبو طالب ومر الخلاف في سنة وفاته في الجزء الثاني، جاء
علي إلى النبي ص فاعلمه بوفاته فحزن عليه حزنا شديدا وأمر عليا بتغسيله
واعترض جنازته وأثنى عليه وحلف ليستغفرن له وليشفعن فيه شفاعة
يعجب لها الثقلان. روى السيد فخار بن معد الموسوي من أهل المائة
السابعة في كتابه الذي ألفه في اسلام أبي طالب أن أبا طالب لما مات جاء
علي ع إلى النبي ص فاذنه بموته فتوجع عظيما وحزن شديدا ثم
قال امض فتول غسله فإذا رفعته على سريره فاعلمني ففعل فاعترضه رسول
الله ص وهو محمول على رؤوس الرجال فقال له وصلتك رحم يا عم
وجزيت خيرا فلقد ربيت وكفلت صغيرا ونصرت وآزرت كبيرا ثم تبعه إلى
حفرته فوقف عليه فقال أما والله لأستغفرن لك ولأشفعن فيك شفاعة
يعجب لها الثقلان اه. أما ما رووه أن عليا ع جاء إلى
رسول الله ص بعد موت أبي طالب فقال له أن عمك الضال قد قضى فما
الذي تأمرني فيه، فلا يقبله عقل عاقل فان أبا طالب لو فرض محالا أنه
مات كافرا لم يكن علي ليواجه رسول الله ص في حقه بهذا الكلام الخشن
الجافي الذي لا يصدر إلا من أ جلاف الناس ومن ليس عنده شئ من كرم
الأخلاق، وحاشا عليا أن يكون كذلك وكيف يواجهه بهذا الكلام في حق
عمه الذي رباه ونصره وحمل المشاق العظيمة في نصرته ومع ذلك هو أبوه
وهل يستجيز عاقل أن يقول رجل من أدنى الناس مثل هذا الكلام في حق
أبيه فضلا عن علي بن أبي طالب في أخلاقه السامية.
الهجرة إلى الطائف
روى الطبري في تاريخه:
أنه لما مات أبو طالب طمعت قريش في رسول الله ص ونالت منه ما
لم تكن تناله في حياة أبي طالب، فخرج من مكة إلى الطائف وذلك في
شوال من سنة عشر من الهجرة فأقام بالطائف عشرة أيام وقيل شهرا
فدعاهم إلى الاسلام فلم يجيبوه وأغروا به سفهاءهم وكان معه زيد بن
حارثة، قال ابن أبي الحديد: والشيعة تروي أنه كان معه علي بن أبي
طالب أيضا. أقول: وهو الصواب فان عليا لم يكن ليفارقه في مثل هذه
الحال كما لم يفارقه في غيرها، ولم يكن ليرغب بنفسه عنه.
ليلة الغار ومبيت علي على الفراش
وكما فدا أبو طالب النبي ص بولده علي فكان يقيم النبي من مرقده
خوفا عليه من اغتيال المشركين وينيم ولده عليا مكانه ليكون فداء له لو
قصده المشركون باغتيال كما مر، كذلك فدا علي النبي ص بنفسه بعد وفاة
أبيه فنام على فراش النبي ص ليلة الغار وفداه بنفسه وسن له أبوه في حياته
في المحافظة على النبي ص إلى حد الفداء بالنفس سنة اتبعها علي بعد وفاة
أبيه ووطن نفسه عليها واستهان بالموت في سبيلها، وذلك أن قريشا ائتمرت
برسول الله ص في دار الندوة لما أعياهم أمره ورأوا دعوته لا تزداد إلا
انتشارا فاجمع رأيهم على اغتياله ليلا وهو في فراشه وانتخبوا من قبائلهم
العشر من كل قبيلة رجلا شجاعا ليهجموا عليه ليلا فيقتلوه ويضيع دمه في
القبائل ويرضى قومه بالدية، ومر ذلك مفصلا في الجزء الثاني في السيرة
النبوية ونعيد هنا جملة مما ذكرناه هناك مما يتعلق بعلي ع وإن لزم
بعض التكرار ثم نتبعه ببعض ما ورد فيه من الروايات مما لم نذكره هناك:
فنقول:
روى الشيخ الطوسي في أماليه بسنده ورواه غيره أنه لما اشتد البلاء
على المؤمنين بمكة من المشركين أذن لهم النبي ص بالهجرة إلى المدينة
فهاجروا فلما رأى ذلك المشركون اجتمعوا في دار الندوة وائتمروا في رسول
الله ص فقال العاص بن وائل وأمية بن خلف نبني له بنيانا نستودعه فيه حتى
يموت فقال صاحب رأيهم لئن صنعتم ذلك ليسمعن الحميم والمولى
الحليف ثم لتأتين المواسم والأشهر الحرم بالأمن فلينتزعن من أيديكم
فقال عتبة وأبو سفيان نرحل بعيرا صعبا ونوثق محمدا عليه ثم نقصع
البعير بأطراف الرماح فيقطعه أربا أربا فقال صاحب رأيهم أ رأيتم أن
خلص به البعير سالما إلى بعض الأفاريق فاخذ بقلوبهم بسحره وبيانه فصبا
القوم إليه واستجابت القبائل له فيسيرون إليكم بالكتائب والمقانب فلتهلكن
كما هلكت اياد فقال أبو جهل لكني أرى لكم رأيا سديدا وهو أن
تعمدوا إلى قبائلكم العشر فتنتدبوا من كل قبيلة رجلا نجدا ثم تسلحوه
حساما عضبا حتى إذا غسق الليل أتوا ابن أبي كبشة فقتلوه فيذهب دمه في
قبائل قريش فلا يستطيع بنو هاشم وبنو المطلب مناهضة قريش فيرضون
بالدية فقال صاحب رأيهم أصبت يا أبا الحكم هذا هو الرأي فلا تعدلوا
به رأيا وكموا في ذلك أفواهكم، فسبقهم الوحي بما كان من كيدهم وهو
قوله تعالى وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك
ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين فدعا رسول الله ص عليا ع
وأخبره بذلك وقال له أوحى إلي ربي أن أهجر دار قومي وانطلق إلى
غار ثور تحت ليلتي هذه وان آمرك بالمبيت على فراشي ليخفى بمبيتك عليهم
أمري، واشتمل ببردي الحضرمي وكان له برد حضرمي اخضر أو أحمر
ينام فيه ثم ضمه النبي ص إلى صدره وبكى وجدا به فبكى علي جزعا
لفراق رسول الله ص.
وفي أسد الغابة:
بسنده عن ابن إسحاق قال: أقام رسول الله ص ينتظر الوحي
بالإذن له في الهجرة إلى المدينة حتى إذا اجتمعت قريش فمكرت بالنبي ص
فدعا علي بن أبي طالب فامره ان يبيت على فراشه ويستجي ببرد له اخضر
ففعل ثم خرج رسول الله ص على القوم وهم على بابه، قال ابن إسحاق
وتتابع الناس في الهجرة وكان آخر من قدم المدينة من الناس ولم يفتن في دينه
علي بن أبي طالب وذلك إن رسول الله ص أخره بمكة وأحله ثلاثا وأمره ان
يؤدي إلى كل ذي حق حقه ففعل ثم لحق برسول الله ص ثم روى بسنده
عن أبي رافع في هجرة النبي ص انه خلف عليا يخرج إليه باهله وأمره ان
يؤدي عنه أمانته ووصايا من كان يوصي إليه وما كان يؤتمن عليه من مال
فادى علي أمانته كلها وأمره ان يضطجع على فراشه ليلة خرج وقال إن
قريشا لا يفقدوني ما رأوك فاضطجع على فراشه وكانت قريش تنظر إلى
فراش النبي ص فيرون عليه عليا فيظنونه النبي ص حتى إذا أصبحوا رأوا
عليه عليا فقالوا لو خرج محمد لخرج بعلي معه فحبسهم الله بذلك عن
طلب النبي ص حين رأوا عليا.
وفي مبيت علي ع على الفراش ليلة الغار يقول شاعر أهل
(٣٧٥)

البيت الحاج هاشم بن الحاج حردان الكعبي من قصيدة علوية حسينية:
- ومواقف لك دون احمد جاوزت * بمقامك التعريف والتحديدا -
- فعلى الفراش مبيت ليلك والعدي * تهدي إليك بوارقا ورعودا -
- فرقدت مثلوج الفؤاد كأنما * يهدي القراع لسمعك التغريدا -
- فكفيت ليلته وقمت معارضا * بالنفس لا فشلا ولا رعديدا -
- واستصبحوا فرأوا دوين مرادهم * جبلا أشم وفارسا صنديدا -
- رصدوا الصباح لينفقوا كنز الهدى * أو ما دروا كنز الهدى مرصودا -
وفي ذلك يقول المؤلف أيضا من قصيدة:
- وما زلت للمختار ردءا وناصرا * صبيا وكهلا ما استمر به العمر -
- ففي ليلة الغار التي شاعر ذكرها * وكان لجمع من قريش بها مكر -
- أباتك خير الخلق فوق فراشه * تقيه الردى ما مسك الخوف والذعر -
- إلى غار ثور قد مضى مع صاحب * له وهم جاثون بالباب لم يدروا -
- بقوا يرقبون الفجر كي يفتكوا به * وقد خابت الآمال مذ طلع الفجر -
- رأوا نائما في برده متلفعا * وظنوا النبي المصطفى فيه فاغتروا -
- من الباب إسراعا إليك تواثبوا * فلما رأوا ليث الشري دونهم فروا -
- قبضت بكف العزم ساعد خالد * فأبدى قماصا مثلما تقمص البكر -
- لك الفخر يوم الغار دون مشارك * وفي كل مسعاة لك الفخر والذكر -
وفيه يقول السيد الحميري في قصيدته المذهبة:
- باتوا وبات على الفراش ملفعا * ويرون ان محمدا لم يذهب -
- حتى إذا طلع الشميط كأنه * في الليل صفحة خدادهم مغرب -
- ثاروا لأخذ أخي الفراش فصادفت * غير الذي طلبت اسف الخيب -
- فتراجعوا لما رأوه وعاينوا * أسد الاله وعصبوا في منهب -
ثم قال الشيخ الطوسي في تتمة الخبر السابق: وامر رسول الله ص
أبا بكر وهند بن أبي هالة ان يقعدا له بمكان ذكره لهما ولبث مع علي يوصيه
ويأمره بالصبر حتى صلى العشاءين ثم خرج في فحمة العشاء الآخرة
والرصد من قريش قد أطافوا بداره ينتظرون إلى أن ينتصف الليل حتى أتى
إلى أبي بكر وهند فنهضا معه حتى وصلا إلى الغار فدخلا الغار ورجع هند
إلى مكة لما امره به رسول الله ص فلما أغلق الليل أبوابه وانقطع الأثر اقبل
القوم على علي يقذفونه بالحجارة ولا يشكون انه رسول الله، حتى إذا قرب
الفجر هجموا عليه وكانت دور مكة يومئذ لا أبواب لها، فلما بصر بهم علي
قد انتضوا السيوف واقبلوا بها إليه امامهم خالد بن الوليد وثب علي فهمز
يده فجعل خالد يقمص قماص البكر ويرغو رغاء الجمل واخذ سيف خالد
وشد عليهم به فأجفلوا أمامه إجفال النعم إلى ظاهر الدار وبصروه فإذا هو
علي فقالوا إنا لم نردك فما فعل صاحبك قال لا علم لي به. وامهل علي حتى
إذا اعتم من الليلة القابلة انطلق هو وهند بن أبي هالة حتى دخلا على رسول
الله ص في الغار فامر رسول الله ص هندا ان يبتاع له ولصاحبه بعيرين فقال
صاحبه قد أعددت لي ولك يا نبي الله راحلتين فقال إني لا آخذهما ولا
إحداهما إلا بالثمن قال فهما لك بذلك، فامر عليا فاقبضه الثمن ثم وصى
عليا بحفظ ذمته وأداء أمانته، وكانت قريش تدعو محمدا ص في الجاهلية
الأمين وتودعه أموالها وكذلك من يقدم مكة من العرب في الموسم، وجاءته
النبوة والامر كذلك فامر عليا ان يقيم مناديا بالأبطح غدوة وعشية، الا من
كانت له قبل محمد أمانة فليأت لتؤدى إليه أمانته، وقال إنهم لن يصلوا
إليك بما تكرهه حتى تقدم علي، فاد أمانتي على أعين الناس ظاهرا، وإني
مستخلفك على فاطمة ابنتي ومستخلف ربي عليكما، وأمره ان يبتاع رواحل
له وللفواطم ومن أراد الهجرة معه من بني هاشم وغيرهم وقال له إذا قضيت
ما أمرتك به فكن على اهبة الهجرة إلى الله ورسوله وانتظر قدوم كتابي إليك
ولا تلبث بعده، وأقام رسول الله ص في الغار ثلاث ليال ثم سار نحو
المدينة حتى قاربها فنزل في بني عمرو بن عوف بقبا، وأراده صاحبه على
دخول المدينة فقال ما أنا بداخلها حتى يقدم ابن عمي وابنتي يعني عليا
وفاطمة، ثم كتب إلى علي مع أبي واقد الليثي يأمره بالمسير إليه وكان قد
أدى أماناته وفعل ما أوصاه به، فلما اتاه الكتاب ابتاع ركائب وتهيأ للخروج
وامر من كان معه من ضعفاء المؤمنين ان يتسللوا ليلا إلى ذي طوى.
هجرته إلى المدينة.
وخرج علي بالفواطم فاطمة بنت رسول الله ص وأمه فاطمة بنت
أسد بن هاشم وفاطمة بنت الزبير بن عبد المطلب وزاد بعضهم فاطمة بنت
حمزة بن عبد المطلب، وتبعهم أيمن بن أم أيمن مولى رسول الله ص وأبو
واقد الليثي الذي جاء بالكتاب. قال الشيخ الطوسي في تتمة الخبر
السابق: فجعل أبو واقد يسوق الرواحل سوقا حثيثا فقال علي ارفق بالنسوة
يا أبا واقد انهن من الضعائف قال إني أخاف أن يدركنا الطلب قال أربع
عليك، ثم جعل علي يسوق بهن سوقا رفيقا وهو يقول:
- ليس إلا الله فارفع ظنكا * يكفك رب الناس ما أهمكا -
فلما قارب ضجنان أدركه الطلب وهم ثمانية فرسان ملثمون معهم
مولى لحرب بن أمية اسمه جناح وكان قريشا لما فاتهم محمد ص وبطل
كيدهم فيه ولم يقدروا عليه ثم رأوا ان عليا قد خرج من بينهم جهارا
بالفواطم الهاشميات لاحقا بابن عمه اعدى أعدائهم وما هو إلا رجل واحد
وهم عصبة اخذهم الحنق وهاجت بهم العداوة وقالوا كيف يخرج هذا
الشاب الهاشمي المنفرد عن ناصر ابن عم محمد بنسائه ظاهرا غير هياب ولا
نناله بسوء ولا نرده صاغرا، إن هذا لذل وعار علينا إلى الأبد، فانتخبوا
من فرسانهم هؤلاء الثمانية ليلحقوه ويردوه فقال علي لأيمن وأبي واقد
أنيخا الإبل واعقلاها وتقدم فأنزل النسوة ودنا القوم فاستقبلهم علي ع
منتضيا سيفه والله أعلم كم كان خوف النسوة لما رأوا هذه الحال وكأنهن
كن يتناجين هل يستطيع علي وهو رجل واحد راجل ليس بفارس مقاومة
ثمانية فرسان فتارة يغلب عليهن الياس ويبتهلن إلى الله تعالى ان ينصر عليا
على عدوه وتارة يقلن ان عليا ملامح الشجاعة عليه ظاهرة بينة ولو لم يعلم أنه
كفؤ لكل من يعارضه لما خرج بنا ظاهرا معلنا فيغلب عليهن الأمل
فقال الفرسان: ظننت انك يا غدار ناج بالنسوة ارجع لا أبا لك وهكذا
يكون خطاب ثمانية فرسان لرجل واحد لا يظنون أنه يقدر على مقاومتهم
قاسيا جافيا قال علي ع مجيبا لهم جواب شخص غير مبال بهم ولا
مكترث، جواب هادئ مطمئن: فإن لم أفعل؟ فأجابوه بجواب
كسابقه في القساوة والجفاء قالوا: لترجعن راغما أو لنرجعن بأكثرك شعرا
وأهون بك من هالك ودنوا من المطايا ليثوروها فحال علي ع بينهم وبينها
فاهوى له جناح بسيفه فراع عن ضربته رواع عارف بالفنون الحربية ماهر
فيها وهو بعد لم يباشر حربا قبلها وسنه لم يتجاوز العشرين أو تجاوزها
بقليل وضرب جناحا على عاتقه فقده نصفين حتى وصل السيف إلى كتف
فرسه وذلك إن عليا راجل وجناح فارس والفارس لا يمكنه ضرب الراجل
بالسيف حتى ينحني ليصل سيفه إلى الراجل فلما انحنى جناح لم يمهله علي
حتى يعتدل بل عاجله بأسرع من لمح البصر وهو منحن بضربة على عاتقه
(٣٧٦)

قبل ان يعتدل قدته نصفين، وهذا شئ لم يكن في حسبان جناح
وأصحابه وشد علي أصحابه وهو على قدميه شدة ضيغم وهو يقول:
- خلوا سبيل الجاهد المجاهد * آليت لا أعبد غير الواحد -
فتفرق القوم عنه وقالوا: احبس نفسك عنا يا ابن أبي طالب قال:
فاني منطلق إلى أخي وابن عمي رسول الله فمن سره ان أفري لحمه وأريق
دمه فليدن مني وهنا هدأ روع النسوة وعلمن انهن بصحبته في منجاة من
كل خطر وقد ذكرنا فيما مر المقايسة بين هذه الحال لما لحق عليا ثمانية
فوارس وبين حال النبي ص لما لحقه ومن معه فارس واحد فراجع.
ثم اقبل علي بعد قتله جناحا وفرار أصحابه على أيمن وأبي واقد
وقال لهما اطلقا مطاياكما ثم سار ظافرا قاهرا حتى نزل ضجنان فلبث بها يومه
وليلته ولحق به نفر من المستضعفين من المؤمنين فيهم أم أيمن مولاة رسول
الله ص وبات ليلته تلك هو والفواطم طورا يصلون وطورا يذكرون الله قياما
وقعودا وعلى جنوبهم حتى طلع الفجر فصلى بهم صلاة الفجر ثم سار لا
يفتر عن ذكر الله هو ومن معه حتى قدموا المدينة، وقد نزل الوحي بما كان
من شأنهم قبل قدومهم بقوله تعالى: الذين يذكرون الله قياما وقعودا
وعلى جنوبهم إلى قوله فاستجاب لهم ربهم إني لا أضيع عمل عامل
منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض فالذين هاجروا وأخرجوا من
ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم
جنات تجري من تحتها الأنهار ثوابا من عند الله والله عنده حسن الثواب
وتلي ص: ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رؤوف
بالعباد وفي سيرة ابن هشام: أقام علي بن أبي طالب ع بمكة
ثلاث ليال وأيامها حتى أدى عن رسول الله ص الودائع ثم لحق به بقبا فأقام
بها ليلة أو ليلتين اه. وفي السيرة الحلبية عن الامتاع: لما قدم علي ع
من مكة كان يسير الليل ويكمن النهار حتى تفطرت قدماه فاعتنقه النبي ص
وبكى رحمة لما بقدميه من الورم وتفل في يديه وأمرهما على قدميه فلم
يشكهما بعد ذلك اه. وفي أسد الغابة بسنده عن أبي رافع في تتمة
الخبر السابق قال: وأمر النبي ص عليا أن يلحقه بالمدينة فخرج علي في
طلبه بعد ما اخرج إليه أهله يمشي الليل ويكمن النهار حتى قدم بالمدينة فلما
بلغ النبي قدومه قال ادعوا لي عليا قيل يا رسول الله لا يقدر ان يمشي فاتاه
النبي ص فلما رآه اعتنقه وبكى رحمة لما بقدميه من الورم وكانتا تقطران دما
فتفل النبي ص في يديه ومسح بهما رجليه ودعا له بالعافية فلم يشتكهما حتى
استشهد اه.
السنة الأولى من الهجرة
وبعد ما دخل النبي ص المدينة ومعه علي بن أبي طالب واحتمل أبو
أيوب رحله فوضعه في بيته كان علي معه وبقي في بيت أبي أيوب سبعة أشهر
حتى بنى مسجده ومساكنه. قال المفيد فانزله النبي ص عند وروده المدينة داره
ولم يميزه من خاصة نفسه ولا احتشمه في باطن امره وسره اه. ثم لما بنى
مسجده وبنى لنفسه بيوتا حول المسجد اسكنها أزواجه بنى لعلي بيتا بجنب
البيت الذي كانت تسكنه عائشة وسكنه علي وسكنت معه الزهراء لما تزوج
بها، ولما بنى المسجد عمل فيه رسول الله ص والمهاجرون والأنصار ومنهم
علي وكان رجل من المهاجرين عليه ثياب بيض فكان يحيد عن الغبار محافظة
على ثيابه، قال ابن هشام في سيرته وارتجز علي بن أبي طالب:
- لا يستوي من يعمر المساجدا * يدأب فيها قائما وقاعدا -
- ومن يرى عن الغبار حائدا -
فاخذها عمار بن ياسر فجعل يرتجز بها فلما أكثر ظن رجل من
أصحاب رسول الله ص إنه إنما يعرض به، وقد سمي ابن إسحاق الرجل،
فقال قد سمعت ما تقول منذ اليوم يا ابن سمية والله إني لأراني سأعرض
هذه العصا لأنفك وفي يده عصا فغضب رسول الله ص ثم قال: ما لهم
ولعمار يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار، إن عمارا جلدة ما بين عيني
وانفي وهو موضع أكرم المواضع على الإنسان في وجهه الذي هو أكرم
أعضاء البدن عليه وهما في السيرة الحلبية من أن الرجل الذي ظن أن
عمارا يعرض به هو عثمان بن مظعون غير صحيح، ولو كان هو لما كتم
ابن هشام اسمه واقتصر على قوله، وقد سمي ابن إسحاق الرجل بل هو
سمي لابن مظعون ولما ارتجز علي بهذا الرجز لم يكن في وسعه أن يعارضه
فلما اخذه عمار وكرر الارتجاز به رأى مجالا لمعارضة عمار لضعفه. وما في
طبقات ابن سعد من أنه بعث من منزل أبي أيوب زيد بن حارثة وأبا رافع
إلى مكة فقدما عليه بفاطمة وأم كلثوم ابنتيه وسودة بنت زمعة زوجته مخالف
لما عليه عامة الرواة وللاعتبار.
المؤاخاة
في السيرة الحلبية: آخى النبي ص قبل الهجرة بين المهاجرين وآخى
بين علي ونفسه وقال أ ما ترضى أن أكون أخاك قال بلى يا رسول الله رضيت
قال فأنت أخي في الدنيا والآخرة اه. وانكار ابن تيمية المؤاخاة بين
المهاجرين لا سيما مؤاخاة النبي ص لعلي معتلا بان المؤاخاة بين المهاجرين
والأنصار انما جعلت لارفاق بعضهم ببعض ولتاليف قلوبهم فلا معنى
لمؤاخاة مهاجري لمهاجري لا يلتفت إليه لأنه كما قال الحافظ ابن حجر رد
للنص بالقياس ولأنه كما يطلب الارفاق بين المهاجرين والأنصار، والأنصار
بعضهم مع بعض، وتأليف قلوب بعضهم ببعض يطلب ذلك بين
المهاجرين أنفسهم، وفي ذلك يقول الصفي الحلي:
- أنت سر النبي والصنو وابن ال‍ * - عم والصهر والأخ المستجاد -
- لو رأى مثلك النبي لآخاه * والا فأخطأ الانتقاد -
وقال أبو تمام:
- اخوه إذا عد الفخار وصهره * فما مثله أخ ولا مثله صهر -
ثم آخى رسول الله ص بين المهاجرين بعد الهجرة ثم بين عموم
المسلمين من المهاجرين والأنصار، فقد تكون بين مهاجري ومهاجري،
وأنصاري وأنصاري، ومهاجري وأنصاري واخذ بيد علي بن أبي طالب كما
في السيرة الحلبية فقال هذا أخي فكان رسول الله ص وعلي أخوين، قال:
وفي رواية لما آخى بين أصحابه جاء علي تدمع عيناه فقال يا رسول الله
آخيت بين أصحابك ولم تؤاخ بيني وبين أحد فقال له رسول الله ص أنت
أخي في الدنيا والآخرة اه. اما الدكتور محمد حسين هيكل فاقتصر
على قوله فكان هو وعلي بن أبي طالب أخوين وفلان وفلان أخوين الخ ولم
يشر إلى ما في هذه المؤاخاة من مغزى كما هو مبنى كتابه وهي أولي بان
تكون رمزا إلى الميزة على سائر الناس وأنه لا كفؤ لمؤاخاته سواه وإلى الوزارة
التي أثبتها قبل ذلك بقليل لغيره.
تزوجه بالزهراء ع
وقد مر مفصلا في سيرة الزهراء في الجزء الثاني مع ذكر مصادره
(٣٧٧)

فليرجع إليها من أراد، ونعيد هنا ما له تعلق بعلي ع بشئ من
الاختصار وإن لزم بعض التكرار من دون ذكر المصادر لأنها تقدمت.
وبعد ما استقرت قدم علي ع بالمدينة ونزل مع النبي ص في دار أبي
أيوب الأنصاري كان من اللازم أن يقترن بزوجة وكان على النبي ص أن
يزوجه فهو شاب قد بلغ العشرين أو تجاوزها. والتزوج من السنة ومن
أحق من النبي وعلي صلوات الله عليهم باتباع السنة، ومن هي هذه
الزوجة التي يخطبها علي ويقترن بها، ومن هي هذه الزوجة التي يختارها له
النبي ص ويقضي بذلك حقه وحق أبيه أبي طالب؟ ليست الا ابنة عمه
فاطمة، فلا أكمل ولا أفضل منها في النساء، ولا أكمل ولا أفضل من علي
في الرجال، إذا فتحتم على علي أن يختارها زوجة وعلى الرسول ص أن
يختارها له، ولذلك قال النبي ص لولا علي لم يكن لفاطمة كفؤ. ولكن
النبي ص عند دخوله المدينة كان قد نزل في دار أبي أيوب الأنصاري وكان
علي معه فيها كما مر، ولم يكن قد بنى لنفسه بيتا ولا لعلي ولذلك لم يزوج
عليا أول وروده المدينة وانتظر بناء بيت له، ومع ذلك ففي بعض الروايات
الآتية في آخر الكلام أنه زوجه بها بعد مقدمة المدينة بخمسة أشهر وبنى بها
مرجعه من بدر فيكون قد عقد له عليها وهو في دار أبي أيوب ودخل بها بعد
خروجه من دار أبي أيوب بشهرين كما ستعرف، وخطبها أبو بكر ثم عمر
إلى النبي ص مرة بعد أخرى فردهما فمرة يقول أنها صغيرة ومرة يقول انتظر
بها القضاء.
وما كانت خطبتهما لها الا لشدة الرغبة في نيل الشرف مع أنهما لا
يحتملان الإجابة الا احتمالا في غاية الضعف، والا فكيف يظنان أنه
يزوجها أحدهما مع وجود أخيه وناصره وابن عمه الذي ليس عنده زوجة
وأفضل أهل بيته وأصحابه، وهو بعد لم ينس فضل أبي طالب العظيم
عليه، فلم يكن يتصور متصور أنه يزوجها غيره أو يرى لها كفؤا سواه،
لكن شدة الرغبة والتهالك في شئ قد يدعو إلى التشبث في نيله بالأوهام،
فقال نفر من الأنصار لعلي عندك فاطمة فاتى النبي ص فسلم عليه فقال ما
حاجتك قال ذكرت فاطمة قال مرحبا واهلا فأخبر النفر بذلك قالوا
يكفيك أحدهما أعطاك الأهل أعطاك المرحب. ثم إن رسول الله ص قال
لفاطمة أن عليا يذكرك وهو ممن عرفت قرابته وفضله في الاسلام وإني سالت
ربي أن يزوجك خير خلقه وأحبهم إليه، فسكتت فقال الله أكبر سكوتها
اقرارها. وفي الشريعة الاسلامية أنه يكفي في رضا البكر السكوت ولا
يكفي في الثيب الا الكلام، وكيف لا تسكت فاطمة ولا ترضى وهي قد
عرفت عليا في صغره وشبابه ودرست أخلاقه وأحواله درسا كافيا فإنه تربى
معها وفي بيت أبيها مع ذكائها وفطنتها وكونها ابنة رسول الله ص قد تربت
في حجره واقتبست من خلقه وعلمه وابنة خديجة عاقلة النساء ونضلاهن
وقد صاحبت فاطمة عليا ع في هجرتها من مكة إلى المدينة ورأت
بعينها شجاعته الخارقة حين لحقه الفوارس الثمانية وكيف قتل جناحهم فقده
من كتفه إلى قربوس فرسه وهرب أصحابه أذلاء صاغرين، وعرفت كيف
كانت محافظته عليها وعلى رفيقاتها الفواطم الهاشميات في ذلك السفر وحنوه
عليها وعليهن ورفقه بها وبهن، وانه لو كان معها أبوها لم يزد عليه في ذلك
حتى أنه لم يرض أن يسوق بهن أبو واقد سوقا حثيثا في ساعة الخطر وأمره
بالرفق ولم يبال بذلك الخطر واستهانه ولم يحفل به اعتمادا على شجاعته
وبطشه وتأييد الله له فهل يمكن أن تتردد في الرضا بان يكون لها بعلا وتكون
له زوجة، وتحقق بذلك صدق أبيها في أنه لولا علي لم يكن لفاطمة كفؤ
على وجه الأرض، وانما أراد الرسول ص باستشارتها الجري على السنة
وتعليم أمته أن تستأمر المرأة عند إرادة تزويجها وان لا يستبدوا بها واظهار
كرامة المرأة في استشارتها حتى لو كان أبوها سيد الأنبياء وخاطبها علي بن أبي
طالب سيد الأمة بعد أبيها وبيانا لخطأ أهل الجاهلية في استبدادهم بالمرأة.
خطبة النبي ص عند تزويجه فاطمة من علي ع
الحمد لله المحمود بنعمته المعبود بقدرته المطاع بسلطانه المرهوب من
عذابه المرغوب إليه فيما عنده النافذ امره في ارضه وسمائه الذي خلق الخلق
بقدرته وميزهم باحكامه وأعزهم بدينه وأكرمهم بنبيه محمد ص ثم أن الله
جعل المصاهرة نسبا لاحقا وامرا مفترضا وشج بها الأرحام وألزمها الأنام
فقال تبارك اسمه وتعالى جده وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا
وصهرا وكان ربك قديرا ثم إن الله امرني أن أزوج فاطمة من علي وإني
أشهد أني قد زوجتها إياه على أربعمائة مثقال فضة أ رضيت قال قد رضيت
يا رسول الله ثم خر ساجدا فقال رسول الله ص بارك الله عليكما وبارك
فيكما واسعد جدكما وجمع بينكما واخرج منكما الكثير الطيب. قال انس والله
لقد اخرج منهما الكثير الطيب.
خطبة علي عند تزويجه بفاطمة ع
الحمد لله الذي قرب حامديه ودنا من سائليه ووعد الجنة من يتقيه
وانذر بالنار من يعصيه نحمده على قديم احسانه وأياديه حمد من يعلم أنه
خالقه وباريه ومميته ومحييه وسائله عن مساويه ونستعينه ونستهديه ونؤمن به
ونستكفيه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تبلغه وترضيه
وأن محمدا عبده ورسوله ص تزلفه وتحظيه وترفعه وتصطفيه وهذا رسول الله
ص زوجني ابنته فاطمة على خمسمائة درهم فاسألوه واشهدوا قال رسول الله
ص قد زوجتك ابنتي فاطمة على ما زوجك الرحمن وقد رضيت بما رضي الله
فنعم الختن أنت ونعم الصاحب أنت وكفاك برضى الله رضى ثم أمر النبي
ص بطبق تمر وأمر بنهبه.
تفديك يا سيدة النساء كل امرأة أظلتها السماء ما ضرك وأنت ابنة
سيد الأنبياء ومخطوبة سيد الأوصياء وخير امرأة ولدتها حواء أن تكون حلوى
تزويجك طبق تمر تواضعا مع الفقراء وتباعدا عن الكبرياء وسرف الأغنياء،
وهل كان ما ينهب في تزويج بنات الملوك والأمراء من أنواع الحلوى الفاخرة
النفيسة جاعلا قدرهن مدانيا لقدرك وملحقا شاوهن بشاوك كلا فقد
انخفض شأن بوران وازميدخت ابنة ساسان، وزبيدة ابنة جعفر الذي كان
مبنيا على السطوة والسلطان ولم ينفعهن ما أنهب في تزويجهن من فاخر
الحلوى ونفيسها وبقي شأنك يا درة الكون عاليا ساميا متلألئا في جبين
الدهر ما بقي الدهر.
قدر مهر الزهراء ع
والروايات مختلفة في قدر مهر الزهراء ع والصواب أنه كان
خمسمائة درهم اثنتي عشرة أوقية ونصفا والأوقية أربعون درهما لأنه مهر
السنة كما ثبت من طريق أهل البيت ع وما كان رسول الله ص
ليعدوه في تزويج علي بفاطمة، وتدل عليه روايات كثيرة ورواه ابن سعد في
الطبقات وذكره علي ع في خطبته السابقة، اما ما دلت عليه خطبة
النبي ص المتقدمة من أنه أربعمائة مثقال فهو يقتضي أن يكون أكثر من
خمسمائة درهم لأن كل سبعة مثاقيل عشرة دراهم وقيل كان أربعمائة
(٣٧٨)

وثمانين درهما حكاه في الاستيعاب ويدل عليه قول الحسين ع في
خبر خطبة مروان أم كلثوم بنت عبد الله بن جعفر على يزيد بن معاوية: لو
أردنا ذلك ما عدونا سنة رسول الله ص في بناته ونسائه وأهل بيته وهو اثنتا
عشرة أوقية يكون أربعمائة وثمانين درهما وفي رواية أن عليا ع
باع بعيرا له بذلك المقدار وفي أخرى أن المهر كان درع حديد تسمى
الحطمية فباعها بهذا المقدار وفي ثالثة أنه كان درع حديد وبردا خلقا
والظاهر أنه باع ذلك ودفعه في المهر كما تدل عليه بعض الروايات لا أن
ذلك بعينه كان مهرا. فليعلم الذين يغالون في المهور انهم قد خالفوا السنة
النبوية.
جهاز الزهراء عند تزويجها
فجاء علي بالدراهم فصبها بين يدي رسول الله ص فامر رسول الله
ص أن يجعل ثلثها في الطيب اهتماما بأمر الطيب وثلثها في الثياب وقبض
قبضة كانت ثلاثة وستين أو ستة وستين لمتاع البيت ودفع الباقي إلى أم سلمة
فقال أبقيه عندك، وأرسل أبا بكر وقال ابتع لفاطمة ما يصلحها من ثياب
وأثاث البيت وأردفه بعمار وعدة من أصحابه فكانوا يعرضون الشئ على
أبي بكر فان استصلحه اشتروه. بأبي أنت وأمي يا رسول الله بلغ من
اهتمامك بجهاز فاطمة عند تزويجها أن ترسل جماعة من أصحابك برئاسة
أبي بكر لشراء جهازها وما يبلغ ما أعطيتهم من المال لشراء الجهاز سواء
أ كان الثلث من خمسمائة درهم أم أقل أم كان قبضة بكلتا يديك كما في
بعض الأخبار. هذه فاطمة وهذا علي لا تزيدهما كثرة المال شرفا ولا تنقص
قلته من شرفهما، هي سيدة النساء وهو سيد الرجال، فما يصنعان بالمال
وما يصنع بهما. فكان مما اشتروه قميص بسبعة دراهم وخمار بأربعة دراهم
وقطيفة سوداء خيبرية وهي دثار له خمل وسرير مزمل ملفوف بشريط
خوص مفتول وفراشان من خيش مصر وهو مشاقة الكتان حشو أحدهما ليف وحشو
الآخر من صوف الغنم وأربع مرافق متكئات من أدم
الطائف والأدم الجلد حشوها إذخر نبات طيب الرائحة وستر رقيق
من صوف وحصير هجري معمول بهجر قرية بالبحرين ورحى لليد.
ومخضب من نحاس اناء لغسل الثياب وسقاء من أدم قربة صغيرة
وقعب قدح من خشب للبن وشن للماء قربة صغيرة عتيقة لتبريد
الماء ومطهرة اناء يتطهر به مزفتة وجرة خضراء وكيزان خزف ونطع من
أدم بساط من جلد وعباءة قطوانية وهي عباءة قصيرة الخمل معمولة
بقطوان موضع بالكوفة وقربة للماء. فلما وضع ذلك بين يدي النبي ص
جعل يقلبه بيده ويقول اللهم بارك لأهل البيت، وفي رواية أنه بكى وقال
اللهم بارك لقوم جل آنيتهم الخزف. ولم يكن بكاؤه أسفا على ما فاتهم من
زخارف الدنيا الفانية ولكنها رقة طبيعية تعرض للوالد في مثل هذه الحال
وكان من تجهيز علي داره انتشار رمل لين ونصب خشبة من حائط إلى حائط
وبسط اهاب كبش ومخدة ليف وقربة ومنخل ومنشفة وقدح. هكذا كان
جهاز سيدة النساء وجهاز بيت سيد الأوصياء، وهو مما يدلنا على هوان
الدنيا على الله، وما ضر عليا وفاطمة ولا أنقص من عزهما أن يكون جهاز
فاطمة في عرسها قميص بسبعة دراهم وخمار بأربعة وقطيفة سوداء لكنها
خيبرية وعباءة بيضاء لكنها قطوانية وحصير لكنه هجري، ولا بد أن يكون
ما صنع بخيبر أجود مما يصنع بالمدينة، وما صنع بقطوان وهجر أجود مما
يصنع بالحجاز، فلذلك اختيرت هذه لجهاز العرس، وسرير من جريد
النخل لا من ساج ولا آبنوس ولا شئ من المعادن، مشبك بخوص النخل
المفتول ولم يزين بعاج ولا ذهب ولا فضة، وفراشان من مشاقة الكتان حشو
أحدهما ليف، ومتكات من الجلود محشوة بنبات الأرض، ونطع من جلد لا
من طنافس إيران، وستر من صوف، ورحى لتطحن بها سيدة النساء
لقوتها وقوت علي وقد يساعدها علي على الطحن، واناء نحاس لتغسل فيه
الثياب وربما عجنت فيه، وقربة صغيرة واخرى كبيرة لتستقي بها، وقربة
صغيرة عتيقة لتبريد الماء، ووعاء مصنوع من ورق النخل مزفت تغسل به
يديها ويدي ابن عمها، وقدح من خشب لا من الصيني، وجرة لكنها
خضراء والخضراء أجود من سواها ولذلك أختيرت لجهاز العرس، وكيزان
من الفخار، ولم يكن في جهازها أساور ولا أقراط من ذهب ولا فضة ولا
عقود من جواهر أو لؤلؤ بل تزينت بحلي مستعار وأن يكون تجهيز علي بيته
المعد لعرسه بفرش رمل في داره لكنه لين لا خشن طبعا لأنه معد
للعرس فلا يناسب أن يكون خشنا، ونصب خشبة من حائط إلى حائط
لتعليق الثياب فهي ثياب العرس لا يوافق أن توضع على الأرض، وبسط
جلد كبش ومخدة ليف وقربة ومنخل لتنخل به الزهراء الدقيق الذي تطحنه
ومنشفة وقدح، ويمكن أن هذه كلها كانت عنده وهي أثاث بيته ولم يشتر
منها شيئا ولذلك لم يكتف بالقربة التي كانت في جهاز الزهراء وهو ع
قد باع درعه لأداء المهر فلم يكن عنده شئ من المال لشراء شئ.
ما ضر عليا وفاطمة ولا انقص من عزهما أن يكون جهاز عرسهما ما ذكرناه
وهو سيد الأوصياء وهي سيدة النساء ابنة سيد الأنبياء.
زفاف الزهراء على علي ع
فلما كان بعد نحو من شهر قال جعفر وعقيل لأخيهما علي أو عقيل
وحده ألا تسأل رسول الله ص أن يدخل عليك أهلك قال الحياء يمنعني،
فاقسم عليه أن يقوم معه فقاما واعلما أم أيمن فدخلت إلى أم سلمة فأعلمتها
وأعلمت نساء النبي ص فاجتمعن عنده وقلن فديناك بآبائنا وأمهاتنا انا قد
اجتمعنا لأمر لو كانت خديجة في الأحياء لقرت عينها، قالت أم سلمة فلما
ذكرنا خديجة بكى وقال: خديجة وأين مثل خديجة صدقتني حين كذبني
الناس ووازرتني على دين الله وأعانتني عليه بمالها، إن الله عز وجل امرنى
أن ابشر خديجة ببيت في الجنة لا صخب فيه ولا نصب، قالت أم سلمة
فديناك بآبائنا وأمهاتنا انك لم تذكر من خديجة أمرا الا وقد كانت كذلك غير
أنها قد مضت إلى ربها فهنأها الله بذلك وجمع بيننا وبينها في جنته، يا رسول
الله هذا أخوك وابن عمك في النسب علي بن أبي طالب يحب أن تدخل عليه
زوجته قال حبا وكرامة، فدعا بعلي فدخل وهو مطرق حياء وقمن أزواجه
فدخلن البيت فقال أ تحب أن ادخل عليك زوجتك فقال وهو مطرق أجل
فداك أبي وأمي فقال ادخلها عليك إن شاء الله ثم التفت إلى النساء وقال من
ههنا فقالت أم سلمة انا أم سلمة وهذه زينب وفلانة وفلانة فامرهن أن
يزين فاطمة ويطيبنها ويصلحن من شأنها في حجرة أم سلمة وان يفرشن لها
بيتا كان قد هياه علي ع بالأجرة وكان بعيدا عن بيت النبي ص
قليلا فلما بنى بها حوله إلى بيت قريب منه ففعلن النسوة ما امرهن وعلقن
عليها من حليهن وطيبنها. فانظر في هذا الخبر تجد أن أم سلمة كانت
المقدمة في هذا الأمر فأم أيمن جاءت إليها ولم يذكر اسم امرأة غيرها وهي
وحدها كانت المخاطبة للنبي ص في شأن خديجة والمثنية عليها والمسلية عنها
بأسلوبها البديع الرقيق وهي التي خاطبته في شأن ادخال الزهراء على علي ع
(٣٧٩)

وتوسلت إليه بما يوجب الرقة والعطف من قولها أخوك وابن
عمك في النسب، ولما قال للنساء من هاهنا كانت هي المجيبة وكان اصلاح
شأن الزهراء في حجرتها ودفع إليها ما بقي من المهر وقال أبقيه عندك.
وقارن بين هذا وبين قول بعض أمهات المؤمنين للنبي ص لما ذكر
خديجة فاثنى عليها فتناولتها بالذم وقالت ما كانت الا عجوزا حمراء الشدقين
وقد أبدلك الله خيرا منها، فأخذتها الغيرة منها بعد وفاتها كما أخبرت عن
نفسها ولم تدرك زمانها والغيرة تنطفي جمرتها بعد الوفاة عادة، فغضب
رسول الله ص حتى اهتز مقدم شعره من الغضب وقال لا والله ما أبدلني
الله خيرا منها الحديث ذكره ابن عبد البر في الاستيعاب وكنى عن بعض
ألفاظه بكذا وكذا والظاهر أن ذلك من الطابعين لا من ابن عبد البر، وبما
مر من فعل أم سلمة يبطل اعتذار البعض عن عداوة بعض أمهات المؤمنين
لعلي بأنه زوج الزهراء التي هي بنت زوجها، وعداوة المرأة لبنت زوجها من
طباع البشر، وتسربت العداوة إلى زوج بنت زوجها، فيا ليت شعري لم لم
تكن هذه الطبيعة البشرية في أم سلمة، أ لم تكن من البشر؟.
وليمة العرس
وجاءت الهدايا إلى النبي ص وكأني بالمسلمين من المهاجرين
والأنصار لما سمعوا بهذا الزفاف قالوا هذا نبيكم سيد الأنبياء الذي أنقذكم
الله به من الضلالة إلى الهدى يريد ان يزف ابنته سيدة النساء إلى ابن عمه
أعز الناس عليه وأكثرهم جهادا بين يديه فأعينوه على وليمة العرس فاهدوا له
البر والسمن والبقر والغنم وغيرها فامر بطحن البر وخبزه وامر عليا بذبح
البقر والغنم فلما فرغوا من الطبخ أمر ان ينادى على رأس داره أجيبوا رسول
الله فبسط النطوع في المسجد فاكل الناس وكانوا أكثر من أربعة آلاف رجل
وسائر نساء المدينة ثم دعا بالصحاف فملئت ووجه بها إلى منازل أزواجه ثم
اخذ صحفة فقال هذه لفاطمة وبعلها. ويظهر ان الطعام كان مقصورا على
الثريد من الخبز واللحم.
كيفية الزفاف
فلما كانت ليلة الزفاف اتى ببغلته الشهباء وثنى عليها قطيفة وقال
لفاطمة اركبي فاركبها وامر سلمان ان يقود بها ومشى ص خلفها ومعه حمزة
وجعفر وعقيل وبنو هاشم مشهرين سيوفهم ونساء النبي ص قدامها يرجزن
وامر بنات عبد المطلب ونساء المهاجرين والأنصار ان يمضين في صحبة
فاطمة وان يفرحن ويرزجن ويكبرن ويحمدن ولا يقلن ما لا يرضي الله.
ثم إن النبي ص انفذ إلى علي فدعاه ثم هتف بفاطمة، فاخذ عليا
بيمينه وفاطمة بشماله وضمهما إلى صدره فقبل بين أعينهما واخذ بيد فاطمة
فوضعها في يد علي وقال بارك الله لك في ابنة رسول الله وقال يا علي نعم
الزوجة زوجتك وقال يا فاطمة نعم البعل بعلك ثم قال لهما اذهبا إلى بيتكما
جمع الله بينكما وأصلح بالكما وقام يمشي بينهما حتى أدخلهما بيتهما. وقال لا
تهيجا شيئا حتى آتيكما وجلس علي في البيت وفيه أمهات المؤمنين وبينهن
وبين علي حجاب وجلست فاطمة مع النساء ثم اقبل النبي فدخل وخرج
النساء مسرعات سوى أسماء بنت عميس وكانت قد حضرت وفاة خديجة فبكت خديجة
عند وفاتها فقالت لها أ تبكين وأنت سيدة نساء العالمين وأنت
زوجة النبي ص ومبشرة على لسانه بالجنة فقالت ما لهذا بكيت ولكن المرأة
ليلة زفافها لا بد لها من امرأة تفضي إليها بسرها وتستعين بها على حوائجها
وفاطمة حديثة عهد بصبا وأخاف ان لا يكون لها من يتولى امرها حينئذ،
قالت أسماء بنت عميس: فقلت لها يا سيدتي لك عهد الله ان بقيت إلى
ذلك الوقت ان أقوم مقامك في هذا الامر، فلما كانت تلك الليلة وامر
النبي ص النساء بالخروج فخرجن وبقيت فلما أراد الخروج رأى سوادي
فقال من أنت فقلت أسماء بنت عميس قال أ لم آمرك ان تخرجي قلت بلى يا
رسول الله وما قصدت خلافك ولكن أعطيت خديجة عهدا فحدثته فبكى
وقال أسال الله ان يحرسك من فوقك ومن تحتك ومن بين يديك ومن خلفك
وعن يمينك وعن شمالك من الشيطان الرجيم ناوليني المركن واملئيه ماء
فملأ فاه ثم مجه فيه ثم قال إنهما مني وانا منهما اللهم كما أذهبت عني الرجس
وطهرتني تطهيرا فطهرهما ثم امرها ان تشرب منه وتتمضمض وتستنشق
وتتوضأ ثم دعا بمركن آخر وصنع كالأول. وقال اللهم انهما أحب
الخلق إلي فأحبهما وبارك في ذريتهما واجعل عليهما منك حافظا واني أعيذهما
بك وذريتهما من الشيطان الرجيم، ودعا لفاطمة فقال اذهب الله عنك
الرجس وطهرك تطهيرا وقال مرحبا ببحرين يلتقيان ونجمين يقترنان، وقال
اللهم ان هذه ابنتي وأحب الخلق إلي، وهذا أخي وأحب الخلق إلي اللهم
اجعله لك وليا وبك حفيا وبارك له في أهله ثم قال يا علي ادخل باهلك
بارك الله تعالى لك ورحمة الله وبركاته عليكم انه حميد مجيد، ثم خرج من
عندهما فاخذ بعضادتي الباب فقال طهركما الله وطهر نسلكما انا سلم لمن
سالمكما وحرب لمن حاربكما استودعكما الله واستخلفه عليكما ثم أغلق عليهما
الباب بيده ولم يزل يدعو لهما حتى توارى في حجرته ولم يشرك معهما أحدا في
الدعاء.
الشك في حضور أسماء بنت عميس زفاف الزهراء
ثم إنه قد ذكر حملة من المؤرخين جعفر بن أبي طالب وأسماء بنت
عميس مكررا في خبر تزويج فاطمة كما سمعت مع أن جعفر وأسماء كانا
بالحبشة يومئذ مهاجرين وانما جاء جعفر وزوجته أسماء من الحبشة بعد فتح
خيبر. قال محمد بن يوسف الكنحي الشافعي في كتابه كفاية الطالب: ان
ذكر أسماء بنت عميس في خبر تزويج فاطمة ع غير صحيح لان
أسماء التي حضرت في عرس فاطمة انما هي بنت يزيد بن السكن الأنصارية
ولها أحاديث عن النبي ص وأسماء بنت عميس كانت مع زوجها جعفر بن
أبي طالب بالحبشة وقدم بها يوم فتح خيبر سنة سبع وكان زواج فاطمة بعد
بدر بأيام يسيرة اه واشتباه أسماء بنت عميس بأسماء بنت يزيد ممكن
بان يكون الراوي ذكر أسماء فتبادر إلى الأذهان بنت عميس لشهرتها الا ان
آخر الحديث ينافي ذلك لان فيه انها حضرت وفاة خديجة وخديجة توفيت
بمكة قبل الهجرة وأسماء بنت يزيد أنصارية من أهل المدينة ولم تكن
بمكة حتى تحضر وفاة خديجة مع أن هذا ان رفع الاشكال في أسماء لم يرفعه
في جعفر الذي كرر مرتين ذكره واحتمل في كشف الغمة أن تكون التي
شهدت الزفاف سلمى بنت عميس أخت أسماء وزوجة حمزة وأن يكون
بعض الرواة اشتبه بأسماء لشهرتها، وهذا أيضا ان رفع الاشكال في أسماء
لا يرفعه في جعفر الا ان يقال لما حصل الاشتباه في أسماء حصل الاشتباه في
جعفر فجعل موضع حمزة والله أعلم.
هكذا كان زفاف فاطمة إلى علي ع فيا له من زفاف عظيم
باهر تجلت فيه العزة والعظمة والهيبة لا يستطيع الواصف ان يصف مبلغ
عظمته وأ بهته وجلاله وهيبته مهما بالغ وأطنب. فهنيئا لك يا أبا الحسن ويا
نخبة الكون وهنيئا لك يا سيدة النساء بهذا العرس المبجل المفخم العزيز
(٣٨٠)

الذي لم ينل أحد قبلكما ولا بعدكما مثله. للمؤلف:
- مفاخر قلدت جيد الزمان حلى * امسى بها الكون مزدانا إلى الأبد -
- ما نالها أحد من قبل ذاك ولا * أصابها بعده في الناس من أحد -
أمر لا ينقضي منه العجب
بقي علينا ان نذكر في المقام أمرا لا يكاد ينقضي منه العجب وهو ان
من زفها سيد المرسلين مع بني هاشم وأصحابه ونساء المؤمنين واحتفل في
زفافها هذا الاحتفال العظيم كانت حرية ان يحتفل بتشييعها عند وفاتها بمثل
هذا الاحتفال أو أعظم، ولكنها دفنت في الليل سرا وعفي قبرها ولم يعلم
موضعه على التحقيق إلى اليوم فتزار في ثلاثة مواضع ولم يشهد جنازتها الا
علي وولداها ونفر من بني هاشم ونفر قليل من الصحابة.
سنة تزويج علي بفاطمة
وقد اختلف في سنة تزويج علي بفاطمة فقيل بعد الهجرة بسنة وقيل
بسنتين وقيل بثلاث وقال ابن الأثير قيل إن علي بن أبي طالب بنى بفاطمة
على رأس اثنين وعشرين شهرا من الهجرة. وروى ابن سعد في الطبقات
ان تزوجه بها كان بعد مقدم النبي ص المدينة بخمسة أشهر وبنى بها مرجعه
من بدر، وبدر كانت على رأس تسعة عشر شهرا من الهجرة. فيكون قد
عقد له النبي ص عليها وهو في دار أبي أيوب ودخل بها بعد خروجه من دار
أبي أيوب بشهرين لأنه بقي في دار أبي أيوب سبعة أشهر فاخر دخوله إلى أن
بني بيتا له ولعلي.
اخباره في غزواته في عهد النبي ص
في السنة الثانية من الهجرة
قال كل من كتب في التاريخ والآثار والسير انه لم يتخلف عن النبي ص
في موطن قط الا في غزاة تبوك لأنه علم أنه ليس فيها حرب فخلفه على
المدينة فعلم من ذلك وجوده في جميع الغزوات وإن كانت غير مهمة، كما أن
أكثرهم قال إنه كان صاحب الراية في جميع الغزوات وهو الذي يقتضيه
الاعتبار، فكيف تساعد عليا نفسه ان يتخلف عنه في شدة ولو قلت وكيف
تساعد الرسول نفسه ان يدفع الراية لغير علي وهو أشجع من معه الا ان
يدفعها نادرا إلى حمزة أسد الله وأسد رسوله. ثم إن اخباره في الغزوات
المهمة قد تقدمت في الجزء الثاني مفصلة ونذكر هنا منها ما له تعلق به ع
سواء أ كنا ذكرناه فيما سبق أم لا وان لزم شئ من التكرار لتكون
اخباره متتالية متتابعة بحسب السنين وإن كان بعضها مما ليس مهما
متقدما في التاريخ عما قدمناه من تزوجه بالزهراء ع كالغزوات
التي قبل بدر، لأننا أردنا أن تكون غزواته في نسق واحد.
الأولى غزوة ودان أو الأبواء
وكانت في صفر لاثنتي عشرة ليلة مضت منه على رأس اثني عشر
شهرا من مقدمه المدينة وهي أول غزوات النبي ص وأول غزوة حمل فيها
راية مع النبي ص، خرج النبي في ستين راكبا من المهاجرين فيهم علي
ع يريد عيرا لقريش فلم يلق حربا وكانت رايته مع علي ع
فيما رواه المفيد مسندا عن أبي البختري القرشي وكان لواؤه مع
حمزة بن عبد المطلب فيما قاله ابن سعد في الطبقات ولا منافاة فالراية العلم
الأكبر واللواء دونها.
وبعدها غزوة بواط وبدر الأولى في ربيع الأول على رأس ثلاثة
عشر شهرا من الهجرة ولم يصرح المؤرخون بان عليا كان في الأولى ولا ان
رايته كانت معه ولا مع غيره لكن قول المؤرخين انه لم يتخلف عنه في
موطن الا في تبوك وكان صاحب رايته يدل على ذلك وصرحوا بان لواءه في
الثانية كان مع علي بن أبي طالب وهو لواء أبيض.
وبعدها غزوة العشيرة بالتصغير على رأس ستة عشر شهرا من
الهجرة ولم يصرحوا بوجوده فيها ولا بحمله الراية وقالوا ان اللواء كان مع
حمزة وتعميمهم السابق يدل على وجوده فيها ويمكن كون الراية معه واللواء
مع حمزة كما مر في غزوة ودان. وبعدها.
اخباره في غزوة بدر الكبرى
وكانت في شهر رمضان يوم تسعة عشر أو سبعة عشر منه على رأس
تسعة عشر شهرا من الهجرة ومر بيان سببها في الجزء الثاني ونذكر هنا ما له
علاقة باخبار علي ص مما قد تقدم أو لم يتقدم وقد نذكر غير ذلك مما لم
يتقدم. كان المسلمون فيها ثلثمائة وثلاثة عشر رجلا ومعهم فرسان
وسبعون بعيرا فكان الرجلان والأكثر يتعاقبون بعيرا واحدا وكان النبي ص
وعلي ع ومرثد بن أبي مرثد يتعاقبون بعيرا لمرثد وقال ابن الأثير كان
ثالثهم زيد بن حارثة وكان المشركون تسعمائة وخمسين أو عشرين مقاتلا
وقادوا مائتي فرس وقيل أربعمائة والإبل سبعمائة بعير واعطى النبي ص
رايته في هذه الغزاة إلى علي ع كما في غيرها من الغزوات ومرت رواية
الاستيعاب عن تاريخ السراج بسنده عن ابن عباس قال دفع رسول الله ص
الراية يوم بدر إلى علي وهو ابن عشرين سنة وفي السيرة الحلبية عن ابن
عباس مثله وقال ابن الأثير كان لواؤه ورايته مع علي بن أبي طالب. وفي
السيرة النبوية لدحلان عقد ص يوم بدر لواء أبيض ودفعه لمصعب بن عمير
وكان أمامه ص رايتان سوداوان إحداهما مع علي بن أبي طالب والاخرى
مع سعد بن معاذ وقيل مع الحباب بن المنذر وفي السيرة الحلبية ان النبي ص
دفع اللواء يوم بدر وكان أبيض إلى مصعب بن عمير وكان أمامه رايتان
سوداوان إحداهما مع علي بن أبي طالب ويقال لها العقاب. وفيها أيضا عن
الامتاع ان النبي ص عقد الألوية يوم بدر وهي ثلاثة: لواء يحمله
مصعب بن عمير ورايتان سوداوان إحداهما مع علي والاخرى مع رجل من
الأنصار اه والراية هي العلم الأكبر واللواء دونها وما يتوهم من كلام
بعض أهل اللغة من اتحادهما مردود بتصريح غيره مما ذكرناه نعم قد يطلق
أحدهما على الآخر أو على الأعم باعتبار ان الراية تسمى لواء أيضا وقد يفسر
أحدهما بالآخر في كلام أهل اللغة الذين كثيرا ما يفسرون بالأعم، كما أن
ما يحكى عن ابن سعد وابن اسحق من أن الرايات حدثت يوم خيبر مردود
بهذه الروايات وبما تقدم في غزوة ودان وبدر الأولى وغزوة العشيرة. وقد
علم مما مر ان راية المهاجرين في غزوة بدر كانت مع علي ع وان لواءهم
كان مع مصعب بن عمير وان لواء الخزرج من الأنصار كان مع الحباب بن
المنذر ولواء الأوس مع سعد بن معاذ. وفي السيرة الحلبية التصريح
بذلك، وحينئذ فتكون الراية واحدة والألوية ثلاثة، وهو الموافق للاعتبار
فان الراية العظمى يجب أن تكون بيد علي ع لأنها لا تعطى الا
لمتميز في الشجاعة، وعلي وإن كان من المهاجرين الا ان كونه صاحب
الراية يجعله الرئيس على الجميع، فاستحسن ان يكون للمهاجرين لواء
أيضا فاعطي لمصعب بن عمير، وجعل للأنصار لواءان أحدهما للخزرج مع
الحباب والآخر للأوس مع سعد. وسار النبي ص بأصحابه حتى كان قريبا
(٣٨١)

من الصفراء وهي قرية لجهينة على مرحلة من بدر فأرسل رجلين من جهينة
يتجسسان له خبر أبي سفيان والعير وأرسل عليا والزبير وسعدا إلى بدر
يلتمسون له الخبر لان بدرا منهل بطريق القادم من الشام إلى مكة فلا بد ان
يردها أبو سفيان وسار هو نحو بدر حتى قاربها فجاءه الجهنيان واخبراه ان
العير قد قاربت بدرا ولم يكن عنده علم بمسير قريش لمنع غيرهم، ووصل
علي ومن معه إلى بدر فوجدوا سقاة قريش فاخذوا منهم رجلين فجاءوا بهما
والنبي ص يصلي فسألهما أصحابه فقالوا نحن سقاة قريش فضربوهما لانهم
يحبون ان يكونا سقاة أبي سفيان الذي معه العير وفيها الأموال ليغنموها
وكرهوا ان يكونا سقاة قريش الذين جاءوا للحرب، والغنيمة الباردة أحب
إلى النفوس من الحرب الشاقة فقالوا نحن لأبي سفيان فتركوهما ولما فرع
النبي ص من الصلاة قال إذا صدقاكم ضربتموهما وإذا كذباكم تركتوهما، ثم
سألهما عن قريش فقالا هم وراء هذا الكثيب بالعدوة القصوى، فسألهما عن
عددهم فقالا لا ندري فقال كم ينحرون قالا يوما تسعة أباعر ويوما عشرة
قال القوم بين التسعمائة والألف، وخرج رسول الله ص يبادرهم إلى الماء
فنزل بأدنى ماء من بدر، وقال الحباب بن المنذر بن الجموح: يا رسول الله
هذا منزل أنزلكه الله ليس لنا ان نتقدمه أو نتأخره أم هو الرأي والحرب
والمكيدة فقال بل هو الرأي والحرب والمكيدة، قال فان هذا ليس بمنزل
انطلق بنا إلى أدنى مياه القوم فاني عالم بها وان بها قليبا قد عرفت عذوبة مائه
وغزارته ثم نبني لنا حوضا ونملؤه ماء ونقذف فيه بالآنية فنشرب ولا يشربون
فارتحلوا وبنوا حوضا وملأوه في السحر ماء وقذفوا فيه الآنية وكان هذا
تدبيرا سديدا ليشرب العطشان من الحوض بسهولة إذا عاد من القتال ولا
يتكلف الاستقاء من البئر ولا الشرب من قربة أو سقاء، وهذا صريح في أنه
كان ببدر عدة قلبان لا قليب واحد، ومنه يعلم الجواب لمن لم يظهر له
وجه الحكمة في القاء النبي ص قتلى المشركين في القليب بعد الفراع من
الوقعة الذي يفسد على أهل بدر والسابلة ماءهم فان إفساد ماء قليب بدر
انما يضر إذا لم يكن الا قليب واحد ولكنها قلبان كثيرة لا يضر إفساد واحد
منها ومبطل لتوهم الدكتور محمد حسين هيكل انه حفر حفرة وألقاهم فيها
مع أن الحفرة لا تسمى قليبا كما بيناه في الجزء الثاني، وقد صرح بذلك
الواقدي حيث قال: وامر رسول الله ص يوم بدر بالقليب ان تغور ثم أمر
بالقتلى فطرحوا فيها اه. وامتاز علي ع في ذلك بميزة لم
يشاركه فيها أحد فقد ذكر أهل الأخبار انه متح في ذلك الحوض كثيرا ولا
غرو فهو صاحب القوة والأيد وهو من شبابه في ريعانه مع نفاذ بصيرته وقوة
ايمانه. ثم اصطفت الصفوف وتهيئوا للقتال فأول من برز من صف
المشركين عتبة بن ربيعة واخوه شيبة وابنه الوليد بن عتبة ودعوا إلى المبارزة
فبرز إليهم فتيان ثلاثة من الأنصار وهم معاذ ومعوذ وعوف بنو الحارث
ويقال لهم بنو عفراء فلم يرضوا ان يبارزوهم عتوا واستكبارا ورأوا
انهم غير اكفاء لهم وقالوا لهم ارجعوا فما لنا بكم من حاجة
ونادوا يا محمد اخرج إلينا اكفاءنا من قومنا فقال لعبيدة بن الحارث
ابن المطلب (١) بن عبد مناف ولحمزة بن عبد المطلب ولعلي بن أبي
طالب قوموا فقاتلوا بحقكم الذي بعث الله به نبيكم إذ جاءوا
بباطلهم ليطفئوا نور الله ويأبى الله الا أن يتم نوره، فبرزوا فقال عتبة
تكلموا نعرفكم فان كنتم اكفاءنا قاتلناكم وكان عليهم البيض فلم
يعرفوهم فقال حمزة انا حمزة بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله فقال
عتبة كفو كريم وانا أسد الحلفاء بضم الحاء وفتح اللام اي الاحلاف أو
الحلفاء بفتح الحاء وسكون اللام اي الأجمة. ومن هذان معك قال علي بن
أبي طالب وعبيدة بن الحارث بن المطلب قال كفوان كريمان، فبارز علي
الوليد وكانا أصغر القوم وبارز عبيدة شيبة وهما أسن القوم ولعبيدة سبعون
سنة وبارز حمزة عتبة وهما أوسط القوم سنا. ومن الطبيعي ان يبارز الرجل
من يناسبه في السن، هذه رواية الواقدي والمفيد في الارشاد. وقال ابن
سعد في الطبقات: الثبت ان حمزة بارز عتبة وان عبيدة بارز شيبة، وروى
ابن إسحاق في المغازي ان عبيدة بارز عتبة وحمزة بارز شيبة، وقال ابن أبي
الحديد لمن روى ذلك ان ينتصر بقول هند بنت عتبة ترثي أباها:
- تداعى له رهطه قصرة * بنو هاشم وبنو المطلب -
- يذيقونه حر أسيافهم * يعلونه بعد ما قد شجب -
وذلك لان عبيدة من بني المطلب أثبت عتبة عليه ودفف عليه علي
وحمزة قال وهو الموافق لما يذكره أمير المؤمنين في كتبه بقوله لمعاوية: وعندي
السيف الذي أعضضت به أخاك وخالك وجدك، وقوله: قد عرفت مواقع
نصالها في أخيك وخالك وجدك. اخوه حنظلة وخاله الوليد وجده عتبة،
وعندي انه لا دلالة في هذا الكلام على ذلك فهو قد قتل عتبة أو شرك في
قتله سواء أ كان المبارز له حمزة ووضع رأسه في صدره كما في إحدى الروايتين
أم عبيدة كما في الرواية الأخرى فإنه كر هو وحمزة فاجهزا عليه. وأما شعر
هند فمحمول على نحو من التوسع فإذا كان بنو هاشم وبنو المطلب تداعوا
له ولمن معه صح أن يقال توسعا تداعى له بنو هاشم وبنو المطلب وصح أن
يقال يذيقونه حر أسيافهم باعتبار أن بعضهم أو أكثرهم يذيقونه ذلك. أما
علي والوليد فاختلفا ضربتين أخطأت ضربة الوليد عليا لأنه بمهارته في
الحرب مع أن هذه أول حروبه حاد عن الضربة فأخطأته كما حاد عن
ضربة جناح يوم الهجرة فأخطأته ضربته وضربه علي على حبل عاتقه الأيسر
أو الأيمن على اختلاف النقلين فاخرج السيف من إبطه وقد سبق له أن
ضرب جناحا يوم هجرته على عاتقه فقده نصفين حتى وصل السيف إلى
كتف فرسه ومن ذلك اليوم قيل فيه أن ضرباته كانت وترا إذا علا قد وإذا
اعترض قط وفي بعض الروايات أن عليا قال فاخذ الوليد يمينه بيساره
فضرب بها هامتي فظننت أن السماء وقعت على الأرض ثم ضربه ضربة
أخرى فصرعه وهذا يدل على أن الضربة الأولى قطعت يده وخرجت من
إبطه الأيمن فقطعت اليد وحدها من الإبط فتناولها بيساره وضربه بها وقد
ذكرنا في الجزء الثاني في وقعة بدر ان الصواب انه ضربه على عاتقه الأيسر
لأن الضارب انما يضرب بيده اليمنى ومقابل الأيمن إنما هو الأيسر وان القول
بأنه ضربه على عاتقه الأيمن غلط وروى المفيد في الارشاد عن علي بن هاشم
عن محمد بن عبد الله بن أبي رافع عن أبيه عن جده أبي رافع مولى رسول
الله ص في حديث أن عليا والوليد اختلفا ضربتين أخطأت ضربة الوليد أمير
المؤمنين فأبانتها اه فهذا صريح في أن الضرب كان على الجانب الأيسر
كما مر ثم قال المفيد فروي ان عليا ع كان يذكر بدرا وقتله الوليد
فقال في حديثه كأني انظر إلى وميض خاتمه في شماله ثم ضربته ضربة أخرى
فصرعته وسلبته فرأيت به ردعا من خلوق فعلمت انه قريب عهد بعرس
واما حمزة وعتبة فقيل إن حمزة لم يمهل عتبة أن قتله وقيل تضاربا بالسيفين
حتى انثلما واعتنقا فصاح المسلمون يا علي أ ما ترى الكلب قد بهر عمك حمزة

(١) يوجد في بعض المواضع ابن الحارث بن عبد المطلب والصواب انه ابن الحارث بن المطلب كما
هو كذلك في طبقات ابن سعد والمطلب هو أخو هاشم وعم عبد المطلب، وصرح ابن أبي
الحديد بان عبيدة من بني المطلب ويدل عليه قول هند بنت عتبة ترثي أباها:
- تداعى له رهطه قصرة * بنو هاشم وبنو المطلب -
وكأن الاشتباه وقع من شهرة عبد المطلب دون المطلب.
(٣٨٢)

وكان حمزة أطول من عتبة فقال علي يا عم طأطئ رأسك فادخل حمزة رأسه
في صدر عتبة فضرب علي عتبة فطرح نصفه فكانت ضربته هذه من
الضربات التي إذا اعترض بها قط. وأما عبيدة وشيبة فاختلفا ضربتين
فضربه عبيدة على رأسه ضربة فلقت هامته وضربه شيبة على ساقه فقطعها
وسقطا جميعا وكر حمزة وعلي على شيبة فاجهزا عليه وحملا عبيدة إلى
المعسكر. وذلت قريش بمقتل هؤلاء الثلاثة وظهرت امارات النصر
للمسلمين عليهم وقد قتل علي أحدهم وشرك في قتل الباقين وإلى ذلك
وأمثاله يشير أمير المؤمنين ع في بعض خطبه بقوله: وكان رسول
الله ص إذا احمر الباس وأحجم لناس قدم أهل بيته فوقى بهم أصحابه حر
الأسنة والسيوف فقتل عبيدة يوم بدر وقتل حمزة يوم أحد وقتل جعفر يوم
مؤتة وأراد من لو شئت ذكرت اسمه مثل الذي أرادوا من الشهادة ولكن
آجالهم عجلت ومنيته أجلت وإلى ذلك وغيره تشير الزهراء ع
بقولها في بعض خطبها السابقة: فأنقذكم الله بأبي بعد اللتيا والتي بعد ان
مني بهم الرجال وذؤبان العرب ومردة أهل الكتاب كلما أوقدوا نارا
للحرب أطفأها الله أو نجم قرن للشيطان أو فغرت فاغرة من المشركين
قذف أخاه في لهواتها فلا ينكفئ حتى يطأ صماخها بأخمصه ويخمد لهبها
بسيفه مجدا كادحا وأنتم في بلهنية من العيش وادعون فاكهون آمنون
تنكصون عند النزال وتفرون من القتال. وروى الحاكم في المستدرك وقال
صحيح ولم يخرجاه وصححه الذهبي في التلخيص عن علي قال نزلت
هذان خصمان اختصموا في ربهم في الذين بارزوا يوم بدر حمزة بن عبد
المطلب وعلي وعبيدة بن الحارث وعتبة بن ربيعة والوليد بن عتبة قال علي
وانا أول من يجثو للخصومة على ركبتيه بين يدي الله يوم القيامة وروى
المفيد في الارشاد بسنده عن أبي جعفر ع في حديث قال: قال
أمير المؤمنين ع اقبل إلي حنظلة بن أبي سفيان فلما دنا مني ضربته
ضربة بالسيف فسالت عيناه ولزم الأرض قتيلا. واقبل العاص بن سعيد
ابن العاص يبحث للقتال فبارزه علي فقتله بعد ما أحجم عنه غيره.
روى المفيد في الارشاد بسنده عن صالح بن كيسان ان ابنه سعيد بن
العاص دخل على عمر في خلافته فجلس ناحية قال سعيد فنظر إلي
عمر وقال ما لي أراك كان في نفسك علي شيئا أ تظن اني قتلت أباك
والله لوددت اني كنت قتلته ولو قتلته لم اعتذر من قتل كافر ولكني
مررت به يوم بدر فرأيته يبحث للقتال كما يبحث الثور بقرنه فهبته
ورغت عنه فقال لي إلى أين يا ابن الخطاب وصمد له علي فتناوله فوالله
ما رمت مكاني حتى قتله وكان علي حاضرا في المجلس فقال اللهم
غفرا ذهب الشرك بما فيه ومحا الاسلام ما تقدم فما لك تهيج الناس علي
فكف عمر فقال سعيد أما أنه ما كان يسرني ان يكون قاتل أبي غير ابن عمه
علي بن أبي طالب. وقال الواقدي فيما حكاه ابن أبي الحديد: اقبل
العاص بن سعيد بن العاص يبحث للقتال فالتقى هو وعلي ع فقتله علي ع
فكان عمر بن الخطاب يقول لابنه سعيد بن العاص بن سعيد بن
العاص ما لي أراك معرضا أ تظن اني قتلت أباك فقال
سعيد لو قتلته لكان على الباطل وكنت على الحق الخبر وقال ابن أبي الحديد
ونقلت من غير كتاب الواقدي أن عثمان بن عفان وسعيد بن العاص حضرا
عند عمر في خلافته فجلس سعيد بن العاص حجزة فنظر إليه عمر فقال:
ما لي أراك معرضا كأني قتلت أباك اني أ لم اقتله ولكن قتله أبو حسن وكان
علي حاضرا فقال اللهم غفرا ذهب الشرك بما فيه ومحا الاسلام ما قبله
فلما ذا تهاج القلوب فسكت عمر وقال سعيد لقد قتله كفؤ كريم وهو أحب
إلي من أن يقتله من ليس من بني عبد مناف اه وسعيد بن العاص هذا
هو والد عمرو بن سعيد بن العاص المعروف بالأشدق الذي كان عاملا على
المدينة من قبل يزيد بن معاوية يوم قتل الحسين ع ولما أخبر بقتله
وسمع واعية بني هاشم ضحك وتمثل بقول عمرو بن معديكرب الزبيدي:
- عجت نساء بني زياد عجة * كعجيج نسوتنا غداة الأرنب -
قال الواقدي ولما رأت بنو مخزوم مقتل من قتل قالوا أبو الحكم لا
يخلص إليه يعنون أبا جهل فأحدقوا به والبسوا لامته عبد الله بن المنذر
فصمد له علي فقتله وهو يراه أبا جهل ومضى وهو يقول انا ابن عبد المطلب
ثم البسوها حرملة بن عمرو فصمد له علي فقتله ثم أرادوا أن يلبسوها
خالد بن الأعلى فأبى وقال رسول الله ص اللهم اكفني نوفل بن العدوية وهو
نوفل بن خويلد من بني أسد بن عبد العزى فاسره جبار بن صخر ورأى
عليا مقبلا نحوه فقال لجبار من هذا واللات والعزى اني لأرى رجلا يريدني
قال هذا علي بن أبي طالب فصمد له علي فضربه فنشب سيفه في حجفته
فزعه وضرب به ساقيه فقطعهما ثم اجهز عليه فقتله فقال رسول الله ص من
له علم بنوفل بن خويلد قال علي أنا قتلته فكبر رسول الله ص وقال الحمد
لله الذي أجاب دعوتي فيه. وروى محمد بن إسحاق أن طعيمة بن عدي
قتله علي بن أبي طالب شجرة بالرمح فقال والله لا تخاصمنا في الله بعد اليوم
أبدا ثم قال وقيل قتله حمزة اه وروى الواقدي ما يقتضي انه اشترك في
قتله علي وحمزة قال الواقدي: كان علي ع يحدث فيقول اني يومئذ
بعد ما متع النهار (١) ونحن والمشركون قد اختلطت صفوفنا وصفوفهم
خرجت في أثر رجل منهم فإذا رجل من المشركين على كثيب رمل وسعد بن
خيثمة وهما يقتتلان حتى قتل المشرك سعد بن خيثمة والمشرك مقنع في
الحديد وكان فارسا فاقتحم عن فرسه فعرفني وهو معلم فناداني هلم يا ابن
أبي طالب إلى البراز فعطفت عليه فانحط إلي مقبلا وكنت رجلا قصيرا
فانحططت راجعا لكي ينزل إلي كرهت أن يعلوني فقال يا ابن أبي طالب
فررت فقلت قريبا مفر ابن الشتراء (٢) فلما استقرت قدماي وثبتت اقبل فلما
دنا مني ضربني فاتقيت بالدرقة فوقع سيفه فلحج (٣) فاضربه على عاتقه وهو
دارع فارتعش ولقد قط سيفي درعه فظننت ان سيفي سيقتله فإذا بريق
سيف من ورائي فطأطأت رأسي ويقع السيف فاطن قحف رأسه بالبيضة
وهو يقول خذها وانا ابن عبد المطلب فالتفت من ورائي فإذا هو عمي حمزة
والمقتول طعيمة بن عدي اه فإذا كان علي ضربه على عاتقه وقط سيفه
درعه فهو قد أشرف به على الموت ولذلك قال فظننت ان سيفي سيقتله ثم
أكمل قتله حمزة فأطار قحف رأسه وبذلك يجمع بين القول بأنه قتله علي
والقول بأنه قتله حمزة وأما أن عليا شجره بالرمح فيمكن أن يكون جمع بين
شجره بالرمح وضربه بالسيف. قال المفيد: وقد أثبت رواة العامة والخاصة
معا أسماء الذين تولى أمير المؤمنين قتلهم ببدر من المشركين على اتفاق فيما
نقلوه من ذلك فكان ممن سموه.
١ الوليد بن عتبة وكان شجاعا جريئا وقاحا تهابه الرجال ٢
العاص بن سعيد بن العاص وكان هولا عظيما تهابه الابطال وهو الذي حاد
عنه عمر كما مر ٣ طعيمة بن عدي بن نوفل وكان من رؤوس أهل

(١) متع النهار ارتفع وبلغ غاية ارتفاعه قبل الزوال.
(٢) هو مثل قال الزمخشري في الفائل: ابن الشتراء رجل كان يصيب وكان يأتي الرفقة فيدنو
منهم حتى إذا هموا به نأى قليلا ثم عاودهم حتى يصيب منهم غرة " اه‍ " فضرب به المثل.
(٣) لحج أي نشب.
(٣٨٣)

الضلال ٤ نوفل بن خويلد وكان من أشد المشركين عداوة لرسول الله ص
وكانت قريش تقدمه وتعظمه وتطيعه وهو الذي قرن أبا بكر وطلحة قبل
الهجرة بمكة وأوثقهما بحبل وعذبهما يوما إلى الليل حتى سئل في أمرهما ٥
زمعة بن الأسود ٦ الحارث بن زمعة ٧ النضر بن الحارث بن عبد الدار
٨ عمر أو عمير بن عثمان بن كعب بن تيم عم طلحة بن عبيد الله
٩ و ١٠ عثمان ومالك أبناء عبيد الله أخو طلحة بن عبيد الله ١١
مسعود بن أمية بن المغيرة ١٢ قيس بن الفاكه بن المغيرة ١٣ حذيفة بن
أبي حذيفة بن المغيرة ١٤ أبو قيس بن الوليد بن المغيرة ١٥ حنظلة بن
أبي سفيان ١٦ عمر بن مخزوم ١٧ أبو المنذر بن أبي رفاعة ١٨ منبه بن
الحجاج السهمي ١٩ العاص بن منبه ٢٠ علقمة بن كلدة ٢١ أبو
العاص بن قيس بن عدي ٢٢ معاوية بن المغيرة بن أبي العاص ٢٣
لوذان بن ربيعة ٢٤ عبد الله بن المنذر بن أبي رفاعة ٢٥ مسعود بن
أمية بن المغيرة ٢٦ حاجب أو حاجز بن السائب بن عويمر ٢٧ أوس بن
المغيرة بن لوذان ٢٨ زيد بن مليص ٢٩ غانم بن أبي عوف ٣٠
سعيد بن وهب حليف بني عامر ٣١ معاوية بن عامر بن عبد القيس ٣٢
عبد الله بن جميل بن زهير بن الحارث بن أسد ٣٣ السائب بن مالك
٣٤ أبو الحكم بن الأخنس ٣٥ هشام بن أبي أمية بن المغيرة. قال
المفيد: فذلك خمسة وثلاثون رجلا سوى من اختلف فيه أو شرك أمير
المؤمنين فيه غيره اه ولكنه عد مسعود بن أمية بن المغيرة مرتين فلذلك
بلغوا خمسة وثلاثين والا فهم أربعة وثلاثون كما ترى، وبعضهم عد معهم
عيسى بن عثمان فيكونون بذلك خمسة وثلاثين وهو نصف المقتولين الذين
كانوا سبعين قتيلا، كل هذا ولم يتجاوز الخمسة والعشرين عاما على الأكثر
ولم يزد عن العشرين على الأقل. وحكى ابن أبي الحديد في شرح النهج ان
جميع من قتل ببدر في رواية الواقدي من المشركين في الحرب وصبرا اثنان
وخمسون رجلا قتل علي ع منهم مع الذين شرك في قتلهم أربعة وعشرين
ولكنه عدهم ٢٣ رجلا، قال وقد كثرت الرواية ان المقتولين ببدر كانوا
سبعين ولكن الذين عرفوا وحفظت أسماؤهم من ذكرناه اه. وهذه
أسماء من قتلهم علي ببدر على رواية الواقدي: فمن بني عبد شمس
١ حنظلة بن أبي سفيان ٢ العاص بن سعيد بن العاص ٣ الوليد بن
عتبة ٤ شيبة بن ربيعة شرك في قتله ٥ عامر بن عبد الله حليف لهم من
أنمار وقيل قتله سعد بن معاذ ولعله لذلك لم يذكره المفيد لأنه لا يذكر إلا ما
اتفقوا عليه. ومن بني نوفل بن عبد مناف ٦ طعيمة بن عدي ويكنى أبا
الريان قتله علي على رواية ابن إسحاق وحمزة على رواية الواقدي
ومن بني أسد بن عبد العزى ٧ الحارث بن زمعة بن الأسود ٨
عقيل بن الأسود بن المطلب قال الواقدي حدثني أبو معشر قال قتله علي وحده وقيل شرك في قتله علي
وحمزة وقيل قتله أبو داود المازني ولم يذكره
المفيد ٩ نوفل بن خويلد بن أسد بن عبد العزى وهو ابن العدوية. ومن
بني عبد الدار بن قصي ١٠ النضر بن الحارث بن كلدة قتله علي صبرا
بالسيف بأمر النبي ص ١١ زيد بن مليص مولى عمرو بن هاشم بن عبد
مناف من عبد الدار وقيل قتله بلال ولم يذكر المفيد خلافا في قتل علي له.
ومن بني تيم بن مرة ١٢ عمير بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن
تيم بن مرة ١٣ حليف لبني مخزوم وقيل قتله عمار بن ياسر. ومن بني
الوليد بن المغيرة ١٤ أبو قيس بن الوليد أخو خالد بن الوليد، ومن بني
أمية بن المغيرة ١٥ مسعود بن أبي أمية. ومن بني رفاعة ١٦
عبد الله بن أبي رفاعة. ومن بني عمران بن مخزوم ١٧ حاجز بن
السائب بن عويمر بن عائذ ١٨ اخوه عويمر بن السائب بن عويمر قتله علي
على رواية البلاذري ولم يذكره المفيد. ومن بني جمح ١٩ أوس بن
المغيرة بن لوذان شرك فيه علي وعثمان بن مظعون. ومن بني سهم ٢٠
منبه بن الحجاج وقيل قتله أبو أسيد الساعدي ولم يذكر المفيد خلافا في أنه
قتله علي ٢١ نبيه بن الحجاج ولم يذكره المفيد ٢٢ العاص بن منبه بن
الحجاج ٢٣ أبو العاص بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم، روى
الواقدي عن أبي معشر عن أصحابه أنه قتله علي وقيل قتله أبو دجانة ولم
يذكر المفيد فيه خلافا. قال ابن أبي الحديد: في رواية الشيعة ان زمعة بن
الأسود بن المطلب قتله علي، والأشهر في الرواية انه قتل الحارث بن زمعة
وان زمعة قتله أبو دجانة اه ومر عن المفيد أن عليا قتلهما معا. قال
المفيد وابن الأثير في أسد الغابة وابن حجر في الإصابة: وفيما صنعه أمير
المؤمنين ع ببدر قال أسيد بن أبي اياس بن وثيم يحرض مشركي قريش
عليه ويعيرهم به:
- في كل مجمع غاية (١) أخزاكم * جذع (٢) أبر (٣) على المذاكي (٤) القرح -
- لله دركم أ لما تنكروا * قد ينكر الحر الكريم ويستحي -
- هذا ابن فاطمة الذي أفناكم * ذبحا وقتلة قصعة (٥) لم يذبح -
- اعطوه خرجا واتقوا تضريبه * فعل الذليل وبيعة لم تربح -
- أين الكهول وأين كل دعامة * في المعضلات وأين زين الأبطح -
- أفناهم قصعا وضربا يفتري * بالسيف يعمل حده لم يصفح -
قال الزمخشري في الفائق: قال سعد بن أبي وقاص رأيت عليا يوم
بدر وهو يقول:
- بازل عامين حديث سني * سنحنح الليل كأني جني -
- لمثل هذا ولدتني أمي * ما تنقم الحرب العوان مني -
ويروي: سمعمع كأنني من جن بازل عامين هو البعير الذي تمت
له عشر سنين ودخل في الحادية عشرة (٦) وبلغ نهايته في القوة والمعنى انا في
استكمال القوة كهذا البعير مع حداثة السن السنحنح والسمعمع مما
كرر عينه ولامه من سنح وسمع فالسنحنح الذي يسنح كثيرا واضافته إلى
الليل على معنى انه يكثر السنوح فيه لأعدائه لجلادته. والسمعمع الخفيف
السريع في وصف الذئاب فاستعير اه الفائق. وأخرج ابن عساكر في
تاريخه من طريق مصعب بن سعد عن أبيه سعد بن أبي وقاص قال: لقد
رأيت علي بن أبي طالب بارز يوم بدر فجعل يحمحم كما يحمحم الفرس
ويقول وذكر الرجز ثم قال فما رجع حتى خضب سيفه دما. وفي أسد الغابة

(١) اي محل اجتماع لغاية من الغايات أو مجمع غاية السباق.
(٢) الجذع بالتحريك الشاب الحدث.
(٣) يقال أبر عليهم إذا غلبهم.
(٤) المذاكي من الخيل التي مضى عليها بعد قروحها سنة أو سنتان.
(٥) القصع الدفع والكسر والقصعة المرة منه، قال أبو عبيدة: القصع ضمك الشئ على الشئ
حتى تقتله أو تهشمه ومنه قصع القملة ويروى ذبحا وقتلا قصعة والمعنى انه أفناكم بالقتل
الذي هو على وعين قتل الذبح وقتل ال قصع وهو الدفع برمح وغيره حتى يموت، يقول
أفناكم بالذبح تارة وبقتلة قصعة أخرى بإضافة قتلة إلى قصعة أو قتلا قصعة على الرواية
الأخرى فقصعة بدل من قتلا فعل كل هذا ولم يذبحه أحد.
(٦) في القاموس بزل ناب البعير بزلا وبزولا طلع، جمل وناقة بازل وذلك في تاسع سنيه " اه‍ "
فمعنى بازل عامين انه مضى له عامان وهو بازل فإذا كان البزول يحصل بالدخول في التاسعة
فبازل عامين الذي دخل في الحادية عشرة.
(٣٨٤)

بسنده عن مصعب بن سعد عن سعد قال: رأيته يعني عليا يخطف
بالسيف هام المشركين وهو يقول: سنحنح الليل كأني جني. وفي وقعة بدر
يقول الحاج هاشم بن الحاج حردان الكعبي من قصيدة:
- وغداة بدر وهي أم وقائع * كبرت وما زالت لهن ولودا -
- قابلتهن فلم تدع لعقودها * نظما ولا لنظامهن عقيدا -
- فالتاح عتبة ثاويا بيمين من * يمناه أردت شيبة ووليدا -
- سجدت رؤوسهم لديك وإنما * كان الذي ضربت عليه سجودا -
- وتوحدت بعد ازدواج والذي * ندبت إليه لتهتدي التوحيدا -
وفيها يقول المؤلف من قصيدة:
- غدا يوم بدر شاهدا لك في الورى * بآيات فضل قد تضمنها بدر -
- وعتبة وافى والوليد وشيبة * وقائدهم تيه وسائقهم كفر -
- عليهم من الماذي كل مفاضة نبت * في الوغى عنها الظبا والقنا السمر -
- أبوا عن بني عفراء كبرا وطالبوا * باكفائهم لما استخفهم الكبر -
- عبيدة والمولى علي وحمزة * هم خير اكفاء كرام لهم قدر -
- قتلت وليدا واشتركت بشيبة * وفي عتبة شاركت عمك يا وتر -
تزوجه بالزهراء ع
وعقيب عوده من بدر تزوج بالزهراء ع، ومر تفصيله
قبل وقعة بدر وإنما قدمناه على وقعة بدر لان في بعض الروايات أنه عقد
عليها قبل بدر وبنى بها مقدمه من بدر فلذلك قدمنا خبر تزوجه بها على
وقعة بدر ولم نؤخر خبر بنائه بها عنها لتكون أخبار تزوجه بها متتابعة.
السنة الثالثة من الهجرة
وفي ليلة النصف من شهر رمضان سنة ثلاث من الهجرة ولد له
الحسن بن علي من فاطمة الزهراء وقيل سنة اثنتين وقيل أكثر والمشهور
الأثبت القولان الأولان، فلما ولد الحسن قالت فاطمة لعلي ع
سمه فقال ما كنت لأسبق باسمه رسول الله ص فجاء النبي ص وقال لعلي
هل سميته قال ما كنت لأسبقك باسمه قال سمه الحسن.
اخباره في وقعة أحد
وكانت في شوال لسبع خلون منه أو للنصف منه يوم السبت سنة
ثلاث من الهجرة على رأس اثنين وثلاثين شهرا منها ومرت مفصلة في الجزء
الثاني ونذكر هنا اجمالها ثم تفصيل ما له علاقة بأمير المؤمنين ع مما
يتقدم وإن لزم بعض التكرار. وكان سببها أن المشركين اجتمعوا وقرروا
غزو المدينة للأخذ بالثار بما أصابهم يوم بدر فكتب العباس كتابا وأرسله مع
رجل من غفار إلى النبي ص يخبره بخبرهم استأجره وشرط عليه أن يصل
المدينة في ثلاث فوصلها وسلم الكتاب وأقبل المشركون في ثلاثة آلاف
وقائدهم أبو سفيان ومعهم مائتا فرس وثلاثة آلاف بعير وخمس عشرة امرأة
فنزلوا أولا بذي الحليفة على نحو مسير أربع ساعات من المدينة. ثم ساروا
حتى مروا بالعقيق وساروا منه حتى نزلوا ببطن الوادي من قبل أحد مقابل
المدينة وكان وصولهم يوم الأربعاء ثاني عشر شوال فاقاموا الأربعاء والخميس
والجمعة وبات رؤساء الأنصار سعد بن معاذ وسعد بن عبادة وأسيد بن
حضير بالسلاح بباب رسول الله ص ليلة الجمعة خوفا عليه من البيات حتى
أصبحوا وحرست المدينة تلك الليلة فلما أصبح النبي ص يوم الجمعة خطب
أصحابه فقال رأيت البارحة في منامي أني أدخلت يدي في درع حصينة
ورأيت بقرا تذبح ورأيت في ذباب سيفي ثلما وإني أردفت كبشا. وأولتها أما
الدرع الحصينة فالمدينة وأما البقر فناس من أصحابي يقتلون وأما الثلم
فرجل من أهل بيتي يقتل وأما الكبش فكبش الكتيبة نقتله إن شاء الله فان
رأيتم أن تقيموا بالمدينة وتدعوهم حيث نزلوا فان أقاموا أقاموا بشر مقام وإن
دخلوا علينا قاتلناهم فيها فانا أعلم بها منهم فكان رأيه البقاء بالمدينة
واختلف رأي أصحابه فكان رأي أكثر وجوههم موافقا لرأيه وكان رأي
الشبان الذين لم يحضروا بدرا وبعض الشيوخ الخروج فلما رأى النبي ص
أكثرهم يريد الخروج وافقهم لأن المصلحة تقتضي ذلك وإن كانت من وجه
آخر تقتضي خلافه. ومع ذلك كان النصر فيها مضمونا لولا مخالفة الرماة
كما يأتي، وعقد رسول الله ص ثلاثة ألوية على ثلاثة رماح، لواء المهاجرين
بيد علي بن أبي طالب ولواء الأوس بيد أسيد بن حضير، ولواء الخزرج بيد
الحباب بن المنذر أو سعد بن عبادة، وأعطى الراية وهي العلم الأكبر
واللواء دونها علي بن أبي طالب، وسار من المدينة بعد العصر في ألف من
أصحابه فيهم مائة دارع ومعهم فرسان، هذا على بعض الروايات، ولكن
الطبري قال أنه أمر الزبير على الخيل وقال استقبل خالد بن الوليد فكن
بازائه وكان على خيل المشركين، وأمر بخيل أخرى فكانوا من جانب آخر،
ثم قال فأرسل إلى الزبير أن يحمل فحمل على خالد بن الوليد وهذا يدل على
أنه كان معه خيل كثيرة فلما وصل إلى مكان يسمى الشيخين عرض عسكره
وبات هناك ثم سار سحرا حتى وصل إلى بستان يسمى الشوط بين المدينة
وأحد فصلى فيه صلاة الصبح ومن هناك رجع عبد الله بن أبي بن سلول في
ثلثمائة من المنافقين وبقي في سبعمائة فلما نهض من الشيخين زحف المشركون
على تعبئة فوصل إلى أحد وهو جبل على مسافة نحو ساعتين من المدينة
فجعل أحدا خلف ظهره وجاء المشركون فاستدبروا المدينة واستقبلوا أحدا
وأعطى المشركون لواءهم إلى طلحة بن أبي طلحة من بني عبد الدار لأن
لواء قريش كان لهم في الجاهلية فلما علم رسول الله ص إن لواء المشركين
مع بني عبد الدار أخذ اللواء من علي ودفعه إلى رجل من بني عبد الدار اسمه
مصعب بن عمير وقال نحن أحق بالوفاء منهم فلما قتل مصعب رده إلى علي
فحيث أن أعطاه المشركين لواءهم للعبدري كان وفاء منهم لعشيرته الذين
كان لهم لواء قريش في الجاهلية دفع النبي ص لواءه إلى مصعب بن عمير
العبدري مقابلة لفعل قريش وقال نحن أحق بالوفاء منهم لا لأن أحدا في
الناس أحق باللواء من علي ولذلك لما قتل مصعب رده إلى علي. قال
المفيد: فصار صاحب الراية واللواء جميعا، وليس معنى كونهما معه أنه
يحملهما جميعا بل المراد أن أمرهما إليه فيعطي أحدهما من شاء كما كانوا
يفعلون في ولاية البلدان أو أنه مرة كان يحمل اللواء ومرة الراية وصف
المشركون صفوفهم وكان لهم مجنبتان ميمنة وميسرة فيهما مائتا فرس
وخالد بن الوليد في الميمنة وعكرمة بن أبي جهل في الميسرة وصف النبي ص
أصحابه وجعل الرماة خلف العسكر عند فم الشعب الذي في جبل أحد
وكانوا خمسين رجلا وأمر عليهم عبد الله بن جبير وقال انضح الخيل عنا
بالنبل لا يأتوننا من خلفنا فان الخيل لا تقدم على النبل وأثبت مكانك إن
كانت لنا أو علينا فانا لا نزال غالبين ما ملكتم مكانكم فان رأيتمونا قد
هزمناهم حتى أدخلناهم مكة فلا تبرحوا وإن رأيتموهم قد هزمونا حتى
ادخلونا المدينة فلا تبرحوا وألزموا مراكزكم. وبرز طلحة بن أبي طلحة
عبد الله بن عثمان العبدري صاحب لواء المشركين وكان يسمى كبش
(٣٨٥)

الكتيبة وطلب البراز مرارا فلم يحبه أحد فبرز إليه علي بن أبي طالب فقتله.
ومن الذي يجيب نداء المنادي إلى البراز حين يجبن عنه الناس ويكشف
الكرب غير علي فهو الذي أجاب نداء طلحة هذا كبش الكتيبة يوم أحد
ونداء عمرو بن عبد ود فارس يليل يوم الخندق ونداء مرحب فارس اليهود
يوم خيبر جبن عنهم الناس وبارزهم وقتلهم وهم فرسان الحروب. وقد
اتفق المؤرخون على أن الذي قتل طلحة هو علي بن أبي طالب. وإنما
اختلفت الروايات بعض الاختلاف في كيفية مبارزة علي له وقتله فقد وردت
في ذلك روايات إحداها أن طلحة طلب المبارزة مرارا فلم يجبه أحد
فقال يا أصحاب محمد زعمتم أن قتلاكم إلى الجنة وقتلانا إلى النار فهل أحد
منكم يعبطني بسيفه إلى النار أو أعجله بسيفي إلى الجنة كذبتم واللات
والعزى لو تعلمون ذلك لخرج إلي بعضكم فقام إليه علي بن أبي طالب فقال
والذي نفسي بيده لا أفارقك حتى أعجلك بسيفي إلى النار أو تعجلني
بسيفك إلى الجنة فضربه علي فقطع رجله فسقط فانكشفت عورته فقال
أنشدك الله والرحم يا ابن عم فتركه فكبر رسول الله ص وقيل لعلي ما
منعك أن تجهز عليه قال ابن عمي ناشدني حين انكشفت عورته فاستحييت
منه. ومن هذا تعلم عمرو بن العاص ويسر بن أرطأة فكشفا سوأتيهما يوم
صفين اتقاء سيف علي ع.
ثانيتها رواية الواقدي قال: برز طلحة بن أبي طلحة فصاح من
يبارز فقال علي ع هل لك في مبارزتي قال نعم فبرزا بين الصفين
فالتقيا فبدره علي بضربة على رأسه فمضى السيف حتى فلق هامته إلى أن
انتهى إلى لحيته فوقع وانصرف علي ع فقيل له هلا دففت عليه
قال إنه لما صرع استقبلني بعورته فعطفتني عليه الرحم وقد علمت أن الله
سيقتله هو كبش الكتيبة إشارة إلى رؤيا النبي ص المتقدمة.
ثالثتها ما ذكره الواقدي أيضا قال: وروي أن طلحة حمل على
علي ع فضربه بالسيف فاتقاه بالدرقة فلم يصنع شيئا وحمل عليه
علي ع وعلى طلحة درع ومغفر فضربه بالسيف فقطع ساقيه ثم
أراد أن يدفف عليه فسأله طلحة بالرحم أن لا يفعل فتركه ولم يدفف
عليه، قال الواقدي: ويقال أن عليا ع دفف عليه، ويقال أن
بعض المسلمين مر به في المعركة فدفف عليه أقول لعل رواية أنه قطع
ساقية أقرب إلى الصحة فان من يمضي السيف في رأسه حتى يصل إلى لحيته
كما تضمنته الرواية الثانية لا يمكن أن يبقى حيا حتى يحتاج إلى أن يدفف
عليه.
رابعتها ما رواه المفيد بسنده عن عبد الله بن مسعود أن عليا ع
ضربه على مقدم رأسه فندرت عينه وصاح صيحة لم يسمع بمثلها قط
وسقط اللواء من يده.
خامستها ما ذكره علي بن إبراهيم بن هاشم القمي في تفسيره
قال: كانت راية قريش مع طلحة بن أبي طلحة العبدري من بني عبد الدار
فبرز ونادى يا محمد تزعمون أنكم تجهزوننا بأسيافكم إلى النار ونجهزكم
بأسيافنا إلى الجنة فمن شاء أن يلحق بجنته فليبرز إلي فبرز إليه أمير المؤمنين
فقال طلحة من أنت يا غلام قال أنا علي بن أبي طالب قال قد علمت يا
قضيم أنه لا يجسر علي أحد غيرك وشد عليه طلحة فضربه فاتقاه علي
بالحجفة ثم ضربه علي على فخذيه فقطعهما فسقط على ظهره وسقطت الراية
فذهب علي ليجهز عليه فحلفه بالرحم فانصرف عنه فقال المسلمون أ لا
أجهزت عليه قال قد ضربته ضربة لا يعيش معها أبدا. ومر عند ذكر نصره
النبي ص في صغره معنى قوله يا قضيم وقد صدق طلحة في قوله أنه لا
يجسر علي أحد غيرك ولو كان يجسر عليه أحد غيره لبرز إليه غيره وقد كرر
النداء ووبخهم وكذبهم. قال الواقدي: فلما قتل طلحة سر رسول الله ص
وكبر تكبيرا عاليا وكبر المسلمون، ثم شد المسلمون على كتائب المشركين
فجعلوا يضربون وجوههم حتى انتقضت صفوفهم ولم يقتل أحد إلا طلحة
بن أبي طلحة وحده. وفي ترتيب أسماء من أخذ اللواء بعد طلحة وعددهم
ومن قتلهم بعض الاختلاف بين المؤرخين بعد اتفاقهم على أن طلحة قتله
علي.
قال الواقدي: حمله بعد طلحة أخوه عثمان وهو أبو شيبة فقتله حمزة
ثم حمله أخوهما أبو سعد أو أبو سعيد فقتله سعد بن أبي وقاص ثم حمله بعد
أبي سعد مسافع بن طلحة بن أبي طلحة فقتله عاصم بن ثابت ثم حمله أخوه
الحارث بن طلحة بن أبي طلحة فقتله عاصم أيضا ثم حمله أخوهما كلاب بن
طلحة بن أبي طلحة فقتله الزبير وقيل عاصم بن ثابت ثم حملاه أخوهما
الجلاس بن طلحة بن أبي طلحة فقتله طلحة بن عبيد الله. ثم حمله
أرطأة بن شرحبيل فقتله علي بن أبي طالب. ثم حمله قارظ أو فارط أو
قاسط بن شريح بن عثمان بن عبد الدار فقتل وفي بعض المواضع ثم حمله
شريح بن قارظ بن شريح بن عثمان الخ قال الواقدي لا يدري من قتله،
وقال البلاذري قتله علي بن أبي طالب. ثم حمله غلام لهم اسمه صواب
فقتله علي بن أبي طالب. هذه رواية الواقدي في ترتيب أسماء من أخذ
اللواء وقاتليهم، فعلى هذه الرواية يكون الذين قتلهم علي من أصحاب
اللواء ثلاثة طلحة وأرطاة وصواب.
وروى المفيد في الارشاد بسنده عن ابن مسعود ان الذي أخذ اللواء
بعد طلحة أخ له يقال له مصعب فقتله عاصم بن ثابت ثم أخذه أخ له يقال
له عثمان فقتله عاصم أيضا فاخذه عبد لهم يقال له صواب وكان من أشد
الناس فضربه علي ع على يده فقطعها فاخذ اللواء بيده اليسرى
فضربه علي على يده اليسرى فقطعها فاخذ اللواء على صدره وجمع يديه وهما
مقطوعتان عليه فضربه علي على أم رأسه فسقط صريعا اه.
وقال ابن الأثير كان الذي قتل أصحاب اللواء علي قال أبو رافع
وروى الطبري وعلي بن إبراهيم والمفيد ما يدل على أن عليا ع
قتل أصحاب اللواء جميعهم. أما الطبري ففي روايته الآتية بسنده عن أبي
رافع قال لما قتل علي بن أبي طالب أصحاب الألوية الخ فهذا ظاهر في أنه
هو الذي قتل أصحاب الألوية جميعهم. وقال علي بن إبراهيم في تفسيره كما
مر في الجزء الثاني: كانت راية قريش مع طلحة بن أبي طلحة العبدري
فبرز إليه علي فضربه على فخذيه فقطعهما فسقط على ظهره وسقطت الراية
ثم أخذ الراية أبو سعيد بن أبي طلحة فقتله علي وسقطت الراية إلى الأرض
فاخذها عثمان بن أبي طلحة فقتله علي وسقطت الراية إلى الأرض فاخذها
مسافع بن أبي طلحة فقتله علي وسقطت الراية إلى الأرض فاخذها الحارث بن
أبي طلحة فقتله علي وسقطت الراية إلى الأرض فاخذها أبو عزيز بن عثمان
فقتله علي وسقطت الراية إلى الأرض فاخذها عبد الله بن أبي جميلة بن زهير
فقتله علي وسقطت الراية إلى الأرض فقتل أمير المؤمنين التاسع من بني
عبد الدار وهو أرطأة بن شرحبيل فبارزه علي وقتله وسقطت الراية إلى
الأرض فاخذها مولاهم صواب فضربه أمير المؤمنين على يمينه فقطعها
(٣٨٦)

وسقطت الراية إلى الأرض فاخذها بشماله فضربه أمير المؤمنين على شماله
فقطعها وسقطت الراية إلى الأرض فاحتضنها بيديه المقطوعتين ثم قال يا بني
عبد الدار هل أعذرت فضربه أمير المؤمنين على رأسه فقتله وسقطت الراية
إلى الأرض فأخذتها عمرة بنت علقمة الحارثية ونظرت قريش في هزيمتها إلى
الراية قد رفعت فلاذوا بها اه قوله عبد الله بن أبي جميلة بن زهير
الظاهر أنه هو الآتي في كلام المفيد باسم عبد الله بن حميد بن زهرة بن
الحارث بن أسد بن عبد العزى وقد صحف حميد بأبي جميلة وزهير بزهرة
وقال ابن أبي الحديد عن الواقدي ومحمد بن إسحاق أنه عبد الله بن حميد بن
زهير بن الحارث بن أسد وهو من بني أسد بن عبد العزى لا من بني
عبد الدار كما صرح به الواقدي حكاه عنه ابن أبي الحديد قوله التاسع
من بني عبد الدار قد يقول قائل أنه السابع لا التاسع لأنه إذا كان
عبد الله بن حميد من بني أسد لا من بني عبد الدار يكون أرطأة السابع منهم
ويمكن الجواب بان أرطأة وإن كان السابع ممن قتلهم علي ع إلا
أنه التاسع ممن قتل من بني عبد الدار ممن قتله علي أو غيره فقد قتل منهم
كلاب بن طلحة بن أبي طلحة قتله الزبير والجلاس بن طلحة بن أبي طلحة
قتله طلحة بن عبيد الله وعليه فيكون أرطأة هو التاسع وإذا ضممنا شريح
بن قارظ أو نارظ بن شريح إليهم صاروا عشرة قال ابن هشام فقال
حسان بن ثابت في ذلك:
- فخرتم باللواء وشر فخر * لواء حين صار إلى صواب -
- جعلتم فخركم فيه بعبد * والأم من يطأ عفر التراب -
- ظننتم والسفيه له ظنون * وما أن ذاك من أمر الصواب -
- بان جلادكم يوم التقينا * بمكة (١) بيعكم حمر العياب -
- أقر العين إن عصبت يداه * وما أن تعصبان على خضاب -
ويقول أيضا:
- أقمنا لهم طعنا مبيرا منكلا * وحزناهم بالضرب من كل جانب -
- ولولا لواء الحارثية أصبحوا * يباعون في الأسواق بيع الجلائب -
وفي ارشاد المفيد: روى عبد الملك بن هشام حدثنا زياد بن عبد الله
عن محمد بن إسحاق قال كان صاحب لواء قريش يوم أحد طلحة بن أبي
طلحة بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار قتله علي بن أبي طالب وقتل
ابنه أبا سعيد بن طلحة وقتل أخاه خالد بن أبي طلحة وقتل عبد الله بن
حميد بن زهرة بن الحارث بن أسد بن عبد العزى وأبا الحكم بن الأخنس بن
شريق الثقفي والوليد بن أبي حذيفة بن المغيرة وأخاه أمية بن أبي حذيفة بن
المغيرة وأرطاة بن شرحبيل وهشام بن أمية وعمرو بن عبد الله الجمحي
وبشر بن مالك وصوابا مولى بني عبد الدار اه وقد صرحت هذه الرواية بان
أبا سعيد هو ابن طلحة لا أخاه ولكن الواقدي كما مر صرح بان أبا سعيد
هو أخو طلحة لا ابنه ثم أن خالد بن أبي طلحة لم يرد له ذكر في غير هذه
الرواية واحتملنا في الجزء الثاني أن يكون هو أبا عزيز بن عثمان المذكور في
رواية علي بن إبراهيم لكن تأملنا بعد ذلك فوجدنا أن عثمان والد أبا عزيز
الظاهر أنه عثمان بن أبي طلحة المذكور أولا في تلك الرواية فأبو عزيز
حفيد بني طلحة وخالد بن أبي طلحة ابنه لا حفيده ولا يبعد أن يكون خالد
تصحيف الحارث والله أعلم أما عبد الله بن حميد بن زهرة فالظاهر أنه هو
المذكور في رواية علي بن إبراهيم باسم عبد الله بن أبي جميلة بن زهير فوقع
التصحيف فصحف حميد بأبي جميلة وزهير بزهرة كما مر وأما بشر بن مالك
العامري فقد مر في الجزء الثاني ويأتي في هذا الجزء عن الطبري أن عليا
ع قتل شيبة بن مالك أحد بني عامر بن لؤي والظاهر أنه بشر ابن
مالك صحف أحدهما بالآخر.
وروى المفيد في الارشاد بسند صحيح عن أبي عبد الله جعفر بن
محمد عن أبيه ع قال كان أصحاب اللواء يوم أحد تسعة قتلهم
علي بن أبي طالب عن آخرهم وانهزم القوم وطارت مخزوم فضحها علي
يومئذ.
وبعد ما رأينا اختلاف المؤرخين فيمن عدا طلحة واثنين معه من
أصحاب اللواء في عددهم وفيمن قتلهم وترتيب قتلهم بحيث لا يكاد يتفق
اثنان منهم كابن سعد والطبري والواقدي وابن اسحق وابن الأثير وغيرهم
كما عرفت لا نستبعد أن يكون التحامل على علي بن أبي طالب الذي هو
فاش في الناس في كل عصر حمل البعض على نقل ما ينافي قتله جميع
أصحاب اللواء وما علينا الا أن نأخذ بالرواية الصحيحة المتقدمة عن الباقر
ع أنه قتل أصحاب اللواء التسعة مع اعتضادها أيضا بغيرها وترك
ما يعارضها.
وهذا اللواء كان شؤما على بني عبد الدار فقد قتلت رجالهم تحته
ووقع على الأرض حتى رفعته امرأة. وقد حمشهم أبو سفيان في أول الحرب
فكان لتحميشه أثرة في محافظتهم على اللواء فإنه ناداهم قبل الحرب فقال يا
بني عبد الدار انما يؤتى القوم من قبل لوائهم وانما آتينا يوم بدر من اللواء
فالزموا لواءكم وحافظوا عليه أو خلوا بيننا وبينه فاثار حفيظتهم بهذا الكلام
فقالوا نحن نسلم لواءنا لا كان هذا ابدا ثم زادهم تحميشا فقال نجعل لواء
آخر قالوا نعم ولا يحمله الا رجل من بني عبد الدار لا كان غير ذلك ابدا
وقوله انما آتينا يوم بدر من اللواء محض غرور وخداع فإنما اتوا يوم بدر من
قتل علي وحمزة وعبيدة رؤساءهم ومن سيف علي الذي قتل نصف المقتولين
لا من اللواء. وقال أبو سفيان لخالد بن الوليد وهو في مائتي فارس مع أبي
عكرمة بن جهل إذا رأيتمونا قد اختلطنا بهم فاخرجوا عليهم من هذا
الشعب حتى تكونوا من ورائهم وكان خالد كلما اتى من يسرة النبي ص
ليجوز حتى يأتيهم من قبل السفح رده الرماة حتى فعل وفعلوا ذلك مرارا
قال المفيد: وبارز الحكم بن الأخنس فضربه علي فقطع رجله من نصف
الفخذ فهلك منها ولما قتل أصحاب اللواء انهزم المشركون وانتقضت
صفوفهم ولحقهم المسلمون يضعون السلاح فيهم حيث شاؤوا حتى
اخرجوهم عن المعسكر قال الطبري وامعن في الناس أبو دجانة وحمزة
وعلي بن أبي طالب في رجال من المسلمين فأنزل الله عليهم نصره وصدقهم
وعده وكانت الهزيمة لا شك فيها وجعلوا ينهبون ويغنمون فلما رآهم الرماة
تاقت نفوسهم إلى الغنيمة وتناسوا أمر النبي ص لهم أن يلزموا مراكزهم
أ كانت للمسلمين أم عليهم ومبالغته في الوصية لهم بذلك فقال بعضهم
لبعض لم تقيمون هنا في غير شئ وقد هزم الله العدو وهؤلاء اخوانكم
ينتهبون عسكرهم فاذهبوا فاغنموا معهم فذكرهم البعض وصية النبي ص أن
لا يبرحوا من مكانهم فأجابوهم بان النبي ص لم يرد هذا وقد هزم العدو
فخطبهم أميرهم ونهاهم عن الذهاب وامر بطاعة الرسول ص فعصوه
وانطلقوا وبقي معه دون العشرة قال الواقدي قالوا ما ظفر الله نبيه في موطن

(١) متعلق ببيعكم لا بجلادكم.
(٣٨٧)

قط ما ظفره وأصحابه يوم أحد حتى عصوه فلما رأى خالد أن الرماة قد
تركوا مراكزهم ولم يبق منهم الا القليل كر عليهم بالخيل وتبعه عكرمة
فراماهم القوم حتى قتلوا بعد ما فني نبلهم وراماهم عبد الله بن جبير حتى
فنيت نبله ثم طاعن بالرمح حتى انكسر ثم كسر جفن سيفه فقاتل حتى قتل
ولما رأى المشركون خيلهم تقاتل رجعوا من هزيمتهم وكروا على المسلمين من
أمامهم وهم غارون آمنون مشتغلون بالنهب وكر عليهم خالد بخيله من
ورائهم وجعلوا المسلمين في مثل الحلقة وانتقضت صفوف المسلمين وجعل
بعضهم يضرب بعضا من العجلة والدهشة حتى قتل منهم سبعون رجلا
بعدد من قتل من المشركين يوم بدر أو أكثر وتفرقوا في كل وجه وتركوا ما
انتهبوه فاخذه المشركون وتركوا ما بأيديهم من اسرى المشركين.
قال المفيد: ولما جال المسلمون تلك الجولة اقبل أمية بن أبي
حذيفة بن المغيرة وهو دارع وهو يقول يوم بيوم بدر فعرض له رجل من
المسلمين فقتله أمية وصمد له علي بن أبي طالب فضربه بالسيف على هامته
فنشب في بيضة مغفرة وضربه أمية بسيفه فاتقاها أمير المؤمنين بدرقته فنشب
فيها ونزع أمير المؤمنين سيفه من مغفره وخلص أمية سيفه من درقته أيضا
ثم تناوشا فقال علي ع فنظرت إلى فتق تحت إبطه فضربته بالسيف فيه
فقتلته اه.
وكانت هند بنت عتبة زوجة أبي سفيان وأم معاوية جعلت جعلا
لوحشي بن حرب غلام جبير بن مطعم وكان حبشيا يقذف بحربة له قذف
الحبشة قلما يخطئ إن هو قتل رسول الله ص أو علي بن أبي طالب أو حمزة
فقال لها اما محمد فلا حيلة لي فيه لأن أصحابه يطيفون به واما علي فإنه إذا
قاتل كان احذر من الذئب واما حمزة فاني اطمع فيه لأنه إذا غضب لم يبصر
بين يديه فرمى حمزة بحربته فقتله وهذه مزية انفرد بها علي وهي أنه مع
شجاعته الفائقة حذر احذر من الذئب لا يقدر أحد أن يغتاله في الحرب.
وتفرق الناس كلهم عن رسول الله ص واسلموه إلى أعدائه ولم يبق معه أحد
الا علي ع فبعضهم ذهبوا إلى المدينة وبعضهم صعدوا فوق
الصخرة التي في جبل أحد وقال بعض أصحاب الصخرة ليت لنا رسولا إلى
عبد الله بن أبي فيأخذ لنا أمنة من أبي سفيان فارجعوا إلى قومكم قبل أن
ياتوكم فيقتلوكم وبعضهم ذهبوا إلى جبل بناحية المدينة فاقاموا به ثلاثا ثم
عاد جماعة من أصحاب الصخرة أربعة أو خمسة فحاموا عن النبي ص مع علي
ع وكان عودهم بسبب ثبات علي وكان علي هو المتميز وحده
بالمحاماة عن النبي ص فكان كلما أقبلت إليه جماعة من المشركين عازمين على
أن يقتلوه مجتهدين في ذلك يقول له يا علي احمل عليهم فيحمل عليهم
ويفرقهم ويقتل فيهم وهكذا حتى نجاه الله من كيدهم وسلم منهم. قال
المفيد وتوجه العتاب من الله تعالى إلى كافتهم لهزيمتهم يومئذ وذلك قوله
تعالى: إذ تصعدون ولا تلوون على أحد والرسول يدعوكم في أخراكم
فأثابكم غما بغم لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم والله خبير بما
تعملون وقوله تعالى: إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان انما
استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفى الله عنهم إن الله غفور حليم
قال الطبري تفرق عن رسول الله أصحابه ودخل بعضهم المدينة وانطلق
بعضهم فوق الجبل إلى الصخرة فقاموا عليها وفشا في الناس إن رسول الله
ص قد قتل فقال بعض أصحاب الصخرة ليت لنا رسولا إلى عبد الله بن أبي
فيأخذ لنا أمنة من أبي سفيان يا قوم إن محمدا قد قتل فارجعوا إلى قومكم
قبل أن ياتوكم فيقتلوكم فقال الله عز وجل للذين قالوا هذا القول وما
محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أ فان مات أو قتل انقلبتم على
اعقابكم الآية اه. وقوله فارجعوا إلى قومكم يدل على أن القائل من
المهاجرين وقال الطبري وغيره: وفر عثمان بن عفان ومعه رجلان من
الأنصار حتى بلغوا الجلعب جبلا بناحية المدينة مما يلي الأعرض فاقاموا به
ثلاثا فقال لهم رسول الله ص: لقد ذهبتم فيها عريضة (١) اه وفي رواية
الواقدي انهم انتهوا إلى مكان يسمى الأعرض فقال ص لهم ذلك. وقال
المفيد فيما رواه بسنده عن ابن مسعود: وثبت معه أمير المؤمنين علي بن أبي
طالب وأبو دجانة وسهل بن حنيف يدفعون عنه ففتح ص عينيه وكان قد
أغمي عليه مما ناله فقال يا علي ما فعل الناس قال نقضوا العهد وولوا الدبر
قال اكفني هؤلاء الذين قد قصدوا قصدي فحمل عليهم علي فكشفهم وعاد
إليهم وقد حملوا عليه من ناحية أخرى فكر عليهم فكشفهم وأبو دجانة
وسهل بن حنيف قائمان على رأسه بيد كل واحد منهما سيف ليذب عنه
اه.
وفي ارشاد المفيد: حدثنا أحمد بن عمار حدثنا شريك عن عثمان بن
المغيرة عن زيد بن وهب عن ابن مسعود وذكر غزاة أحد إلى أن قال زيد بن
وهب قلت لابن مسعود انهزم الناس عن رسول الله ص حتى لم يبق معه الا
علي بن أبي طالب وأبو دجانة وسهل بن حنيف فقال انهزم الناس الا علي بن
أبي طالب وحده وثاب إلى رسول الله ص نفر كان أولهم عاصم بن ثابت وأبو
دجانة وسهل بن حنيف ولحقهم طلحة بن عبيد الله فقلت وأين كان
الشيخان قال كانا فيمن تنحى قلت وأين كان عثمان قال جاء بعد ثلاثة أيام
من الوقعة فقال له رسول الله ص لقد ذهبت فيها عريضة فقلت وأين كنت
أنت قال كنت ممن تنحى قلت فمن حدثك بهذا قال عاصم وسهل بن
حنيف اه.
وقال ابن أبي الحديد: وقد روى كثير من المحدثين أن رسول الله ص
قال لعلي ع حين سقط ثم أقيم اكفني هؤلاء الجماعة قصدت
نحوه فحمل عليهم فهزمهم وقتل منهم عبد الله بن حميد من بني أسد بن
عبد العزى ثم حملت عليه طائفة أخرى فقال له اكفني هؤلاء فحمل عليهم
فانهزموا من بين يديه وقتل منهم أمية بن أبي حذيفة بن المغيرة المخزومي.
وقال ابن أبي الحديد أيضا: روى أبو عمر الزاهد محمد بن عبد
الواحد اللغوي غلام ثعلب ورواه أيضا محمد بن حبيب في أماليه أن رسول
الله ص لما فر معظم أصحابه عنه يوم أحد كثرت عليه كتائب المشركين
وقصدته كتيبة من بني كنانة فيها بنو سفيان بن عويف وهم خالد وأبو
الشعثاء وأبو الحمراء وغراب فقال ص يا علي اكفني هذه الكتيبة فحمل عليها
وانها لتقارب خمسين فارسا وهو ع راجل فما زال يضرب فيها بالسيف
حتى تتفرق عنه ثم يجتمع عليه هكذا مرارا حتى قتل بني سفيان بن عويف
لأربعة وتمام العشرة منها ممن لا يعرفون بأسمائهم.
قال ولما انهزم الناس عن النبي ص في يوم أحد وثبت أمير المؤمنين ع
قال له النبي ص ما لك لا تذهب مع القوم قال أمير المؤمنين اذهب
وأدعك يا رسول الله والله لا برحت حتى اقتل أو ينجز الله لك ما وعدك من
النصرة فقال له النبي ص ابشر يا علي فان الله منجز وعده ولن ينالوا منا مثلها

(١) جانس بين الأعرض اسم المكان الذي ذهبوا إليه وبين عريضة.
(٣٨٨)

ابدا ثم نظر إلى كتيبة قد أقبلت إليه فقال لو حملت على هذه يا علي فحمل
أمير المؤمنين عليها فقتل منها هشام بن أمية المخزومي وانهزم القوم ثم
أقبلت كتيبة أخرى فقال له النبي ص حمل على هذه فحمل عليهم فقتل منها
عمرو بن عبد الله الجمحي وانهزمت أيضا ثم أقبلت كتيبة أخرى فقال له
النبي ص احمل على هذه فحمل عليها فقتل بشر بن مالك العامري وانهزمت
الكتيبة ولم يعد بعدها أحد منهم وتراجع المنهزمون من المسلمين إلى النبي ص
اه.
وروى الطبري بسنده عن أنس بن النضر عم أنس بن مالك أنه
انتهى إلى عمر بن الخطاب وطلحة بن عبيد الله في رجال من المهاجرين
والأنصار وقد ألقوا بأيديهم فقال ما يجلسكم؟ قالوا قتل محمد رسول الله
قال فما تصنعون بالحياة بعده قوموا فموتوا على ما مات عليه ثم قاتل حتى
قتل اه واصعد رسول الله ص في الجبل مع جماعة من أصحابه فيهم علي بن
أبي طالب وهم الذين رجعوا بعد فرارهم اما علي فلم يفارق النبي ص. قال
ابن هشام: وقع رسول الله ص في حفرة فشجت ركبته فاخذ علي بن أبي
طالب بيده ورفعه طلحة بن عبيد الله حتى استوى قائما وقال ابن هشام
أيضا: لما انتهى رسول الله ص إلى فم الشعب خرج علي بن أبي طالب حتى
ملأ درقته ماء من المهراس فجاء به إلى رسول الله ص ليشرب منه فوجد له
ريحا فعافه وغسل عن وجهه الدم وصب على رأسه وقال ابن الأثير: لما
جرح ص جعل علي ينقل له الماء في درقته من المهراس ويغسله فلم ينقطع
الدم فاتت فاطمة وجعلت تعانقه وتبكي وأحرقت حصيرا وجعلت على
الجرح من رماده فانقطع اه. وقال الواقدي خرجت فاطمة ع
في نساء وقد رأت الذي بوجه أبيها فاعتنقته وجعلت تمسح الدم عن وجهه
وذهب علي ع فاتى بماء من المهراس وقال لفاطمة امسكي هذا
السيف غير ذميم قال فلما أحضر علي الماء أراد رسول الله ص أن يشرب منه
فلم يستطع وكان عطشا ووجد ريحا من الماء كرهها فقال هذا ماء آجن
فتمضمض من الدم الذي كان بفيه ثم مجه وغسلت فاطمة به الدم عن
أبيها. وقال أيضا خرج محمد بن مسلمة مع النساء وكن أربع عشرة امرأة
قد جئن من المدينة يتلقين الناس منهن فاطمة ع إلى أن قال
وجعل الدم لا ينقطع من وجهه فلما رأت فاطمة الدم لا يرقا وهي تغسل
جراحه وعلي يصب الماء عليها بالمحن أخذت قطعة حصير فأحرقته حتى
صار رمادا ثم ألصقته بالجرح فاستمسك الدم ويقال انها داوته بصوفة محرقة
اه والظاهر أن الخبر وصل إلى المدينة من بعض المنهزمين الذين دخلوها
فلم تتمالك فاطمة حتى جاءت إلى فم الشعب أو إلى مكان غيره قريب من
المدينة لتنظر ما جرى على أبيها وبعلها وقال المفيد في الارشاد: انصرف
المسلمون مع النبي ص إلى المدينة فاستقبلته فاطمة ع ومعها اناء
فيه ماء فغسل وجهه. وهذا يدل على أن استقبالها له كان في نفس المدينة أو
قريبا منها وانها لم تخرج إلى أحد الذي يبعد عن المدينة فرسخا أو أكثر وهذا
هو الأقرب إلى الاعتبار.
ولما انصرف أبو سفيان ومن معه بعث رسول الله ص علي بن أبي
طالب ع فقال اخرج في آثار القوم فانظر ما ذا يصنعون فان كانوا
قد اجتنبوا الخيل وامتطوا الإبل فإنهم يريدون مكة وإن ركبوا الخيل وساقوا
الإبل فهم يريدون المدينة قال علي فخرجت في آثارهم فرأيتهم اجتنبوا الخيل
وامتطوا الإبل.
وبعد ما انصرف المشركون فرع الناس للنظر في حال من فقد منهم
فمن كان حيا جريحا اسعفوه ومن كان ميتا دفنوه فأول ما سال النبي ص عن
سعد بن الربيع الخزرجي فوجد حيا باخر رمق ومات ثم قال من له علم
بعمي حمزة ولا بد أن يكون علم أنه قتيل أو جريح والا لم يتخلف عنه فقال
الحارث بن الصمة انا اعرف موضعه والظاهر أنه رآه لما سقط فيمكن أن
يكون حيا ويمكن كونه ميتا لكنه لم يعلم أنه قد مثل به هذا التمثيل الفظيع
فلما رآه قد مثل به كره أن يرجع إلى رسول الله ص فيخبره فلم يرجع فلما
أبطأ استشعر رسول الله ص من ابطائه فظاعة الحال فقال لعلي اطلب عمك
وانما لم يرسله من أول الأمر إشفاقا عليه من أن يرى عمه قتيلا أو جريحا
أثبتته الجراحة فتتحرك فيه عاطفة الرحم فيشتد حزنه فلما لم يعد إليه الحارث
بخبره لم يجد بدا من ارسال علي فكره علي أن يعود إليه فيخبره بما رأى فلم
يعد فعندها لم يجد بدا من أن يطلبه بنفسه مع ما به من التعب المنهك
والجراحة فوجده قد بقر بطنه عن كبده وجدع انفه وأذناه فعلت به ذلك هند
بنت عتبة فبكى مع ما به من الصبر والجلد وانتحب وكيف لا يبكي على
حمزة ويبلغ به الحزن أقصاه وهو أسد الله وأسد رسوله الذي يعده للشدائد
وهو قاتل الأبطال يوم بدر والخارج أمامه بالجيش يوم أحد وعضده وناصره
في كل موقف والقائل في حقه يوم الخندق اللهم انك أخذت مني عبيدة يوم
بدر وحمزة يوم أحد فاحفظني في علي أو ما هذا معناه.
وهؤلاء الثلاثة كانوا أركان جيشه وبلغ به الأسف على حمزة ان قال
لن أصاب بمثلك ما وقفت موقفا قط أغيظ علي من هذا الموقف وبالغ بتمني
أن يتركه ليكون في أجواف السباع وحواصل الطير لئلا ينطفي حزنه ليشتد
الباعث على الأخذ بثاره لولا أن تحزن أخته صفية أو تكون سنة من بعده
وحلف ليمثلن بثلاثين أو سبعين من قريش ان ظفر بهم جزاء عن تمثيلهم
بعمه حمزة لكنه صبر وعفا ونهى عن المثلة لما اوحى الله تعالى إليه وإن
عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين وكرر
الصلاة على حمزة مع كل شهيد حتى صلى عليه سبعين مرة ولما سمع البكاء
من دور الأنصار على قتلاهم ذرفت عيناه فبكى وتأسف أن لا يكون لحمزة
بواكي كثيرة مع أن الهاشميات كن يبكينه لكن لا كبكاء الأنصاريات في
كثرتهن فقال لكن حمزة لا بواكي له وأي شهيد أحق بالبكاء عليه من حمزة
الذي ابكى مصابه رسول الله ص فامر رؤساء الأنصار نساءهم أن يبكين
حمزة قال ابن سعد: فهن إلى اليوم إذا مات ميت من الأنصار بدأ النساء
فبكين على حمزة ثم بكين على ميتهن.
ولكن أبا سفيان وزوجته أظهرا من خبث السريرة ولؤم الغلبة ما هما
أهله فمثلت هند بحمزة ولاكت كبده فسميت آكلة الأكباد وعير به نسلها
إلى آخر الدهر وجعل بعلها يضرب بزج رمحه في شدق حمزة وهو ميت
ويقول ذق عقق ولما بويع عثمان جاء أبو سفيان إلى قبر حمزة فرفسه برجله
وقال يا أبا عمارة إن الذي تقاتلنا عليه يوم بدر صار في أيدي صبياننا:
- يجنون ما غرست يداك قضية * ألقت على شهب العقول خمودا -
فلما انتهى رسول الله ص إلى أهله ناول سيفه ابنته فاطمة وقال
اغسلي عن هذا دمه يا بنية وناولها علي ع سيفه وقد خضب الدم
يده إلى كتفه فقال وهذا فاغسلي عنه فوالله لقد صدقني اليوم وأنشأ يقول:
- أ فاطم هاك السيف غير ذميم * فلست برعديد ولا بمليم -
- لعمري لقد أعذرت في نصر أحمد * وطاعة رب بالعباد عليم -
(٣٨٩)

- وسيفي بكفي كالشهاب أهزه * اجذبه من عاتق وصميم -
- فما زلت حتى فض ربي جموعهم * وحتى شفينا نفس كل حليم -
- اميطي دماء القوم عنه فإنه * سقى آل عبد الدار كأس حميم -
وقال رسول الله ص خذيه يا فاطمة فقد أدى بعلك ما عليه وقد قتل
الله بسيفه صناديد قريش. فأخذت فاطمة السيفين وجعلت تغسل عنهما
الدم ونفسها فخورة بسيف ابن عمها وجهاده بين يدي أبيها وافتخاره بذلك
تحدثا بنعمة الله عليه رغم ما بها من الحزن والجزع على عمها حمزة وهذا
مقام لا بد أن تأخذ فيه الروعة والابتهاج نفس فتاة هاشمية نشأت في حجر
النبوة وتفرعت من قبيلة عريقة في الشرف حين ترى بين يديها سيفي أبيها
وابن عمها الشاب الشجاع الباسل الذي لم يمض على تزوجه بها الا زمان
قليل وقد خضب الدم يمين ابن عمها إلى كتفه وهما يقولان خذيهما يا فاطمة
فاغسلي عنهما الدم وحق لعلي أن لا تغسل الدماء عن سيفه غير فاطمة وقد
مر أن عليا قال لها امسكي هذا السيف غير ذميم والسياق يقتضي أن ذلك
كان حين جاء بالماء من المهراس بأحد فكانه حين أراد الذهاب لجلب الماء
تخفف باعطاء السيف لها إلى أن رجع حيث أن محل الماء قريب ولا حاجة
هناك إلى السيف ثم أعطاه إياها في المدينة لتغسل عنه الدم ووصفه في
المقامين بأنه غير ذميم أجل وكيف يكون ذميما سيف في يمين بطل الأبطال
وأسد الحروب والوقائع والفخر في كل ذلك ليمين تحمله وكف يضرب به.
قال المفيد في الارشاد وغيره في غيره وفي قتله ع طلحة بن
أبي طلحة ومن قتل معه يوم أحد وغنائه في الحرب وحسن بلائه يقول
الحجاج بن علاط السلمي:
- لله أي مذبب عن حرمة * أعني ابن فاطمة المعم المخولا -
- جادت يداك له بعاجل طعنة * تركت طليحة للجبين مجدلا -
- وشددت شدة باسل فكشفتهم * بالسفح إذ يهوون أسفل اسفلا -
- وعللت سيفك بالدماء ولم تكن * لترده حران حتى ينهلا -
وقد تميز علي ع في هذه الوقعة كغيرها من الوقائع بأمور لم
يشاركه فيها أحد:
منها انه كان صاحب راية رسول الله ص فيها كما كان يوم بدر
وصاحب لواء المهاجرين. والراية هي العلم الأكبر واللواء دونها فقد مر انه
ص عقد يوم أحد ثلاثة ألوية اثنان للأوس والخزرج وهم الأنصار والثالث
للمهاجرين فكان من مقتضيات التدبير والسياسة ان يكون ألوية الأنصار إلى
رؤسائهم بما آووا ونصروا وبما لهم من الفضل على الاسلام واما لواء
المهاجرين فكان إلى علي ع فاجتمع له في أحد الراية واللواء وقد كان
لواء قريش في الجاهلية إلى بني عبد الدار فأعطاه المشركون يوم أحد لهم لأنه
حق من حقوقهم فلما بلغ ذلك رسول الله ص قال نحن أحق بالوفاء منهم
ذكره ابن سعد في الطبقات فاخذه من علي ع وأعطاه إلى رجل منهم
يسمى مصعب بن عمير فلما قتل رده إلى علي ع ذكر ذلك ابن هشام في
سيرته والطبري وابن الأثير وصاحب السيرة الحلبية والمفيد وغيرهم قال ابن
هشام لما قتل مصعب بن عمير اعطى رسول الله ص اللواء علي بن أبي
طالب ثم روى بسنده إنه لما اشتد القتال يوم أحد ارسل ص إلى علي بن
أبي طالب ان قدم الراية فتقدم اه. وقال الطبري لما قتل مصعب بن
عمير اعطى رسول الله ص اللواء علي بن أبي طالب ومثله قال ابن الأثير
وصاحب السيرة الحلبية.
وقال المفيد في الإرشاد روى المفضل بن عبد الله عن سماك عن
عكرمة عن عبد الله بن العباس أنه قال لعلي بن أبي طالب أربع ما هن لأحد
هو أول عربي وعجمي صلى مع رسول الله ص وهو صاحب لوائه في كل
زحف وهو الذي ثبت معه يوم المهراس يعني يوم أحد وفر الناس وهو الذي
ادخله قبره اه وقال محمد بن سعد في الطبقات: دعا رسول الله ص
يوم أحد بثلاثة ارماح فعقد ألوية فدفع لواء الأوس آسيا بن حضير ولواء
الخزرج إلى الحباب بن المنذر بن سعد بن عبادة ولواء المهاجرين إلى علي بن
أبي طالب ويقال إلى مصعب بن عمير اه. ودفع اللواء إلى علي وإلى
مصعب لا تنافي بينهما لما مر.
ومنها قتله أصحاب لواء المشركين وهم سبعة أو تسعة أولهم
طلحة بن أبي طلحة الذي كان يسمى كبش الكتيبة لشجاعته والذي لم يبرز
إليه أحد لما برز بعد ما كرر النداء ووبخ المسلمين لعدم خروج أحد منهم
إليه بأنهم كاذبون في دعوى ان من يقتل منهم إلى الجنة ومن يقتل من
غيرهم إلى النار فبرز إليه علي ع فقتله باتفاق الرواة وجرى له معه
نظير ما جرى مع عمرو بن عبد ود يوم وقعة الخندق الآتية ولذلك كبر
الرسول ص عند قتله تكبيرا عاليا إظهارا للسرور بقتله وكبر معه المسلمون
فكان قتله أول فتح شد قلوب المسلمين وأوهن المشركين.
اما بقية من حمل اللواء من بني عبد الدار فقد عرفت إن المؤرخين ذكروا
ان اثنين منهم قتلهما علي بن أبي طالب وهما أرطاة بن شرحبيل وصواب غلام
لبني عبد الدار واختلفوا في الباقي فذكر الواقدي إن الذين قتلوهم جماعة
مختلفين وإن الأصح في الرواية ان قاتلهم علي بن أبي طالب فان روايات
الطبري وعلي بن إبراهيم والمفيد تدل على أن عليا ع هو الذي قتل
أصحاب اللواء جميعهم كما مر هنا وفي الجزء الثاني وكان آخرهم عبدهم
صواب وبقتلهم انهزم المشركون وتبعهم المسلمون يقتلون ويأسرون وينهبون
وكانت الهزيمة لا شك فيها وإنما لم يجن المسلمون ثمرة انتصارهم ووقعت
الغلبة عليهم بمخالفة الرماة أمر رسول الله ص.
ومنها ثباته مع رسول الله ص وعدم فراره بعد ما فر عنه الناس
جميعهم أو أكثرهم وأسلموه إلى عدوه. فمنهم من صعد في الجبل ومنهم من
فر إلى المدينة ومنهم إلى خارجها. وكان عود من عاد منهم بسبب ثباته
وتوجه العتاب من الله تعالى إلى كافتهم لهزيمتهم يومئذ سواه ومن ثبت معه
من رجال الأنصار وكانوا ثمانية وقيل خمسة وقيل أربعة وقيل لم يثبت معه
أحد وإنما عادوا بعد ما تنحوا كما مر بقوله تعالى إذ تصعدون ولا تلوون
على أحد الآية وتقدمت قال المفيد في الإرشاد: روى سلام بن سليمان
عن قنادة عن سعيد بن المسيب لو رأيت مقام علي يوم أحد لوجدته قائما
على ميمنة رسول الله ص يذب عنه بالسيف وقد ولى غيره الأدبار.
ومنها إنه كان هو المحامي عن رسول الله ص والدافع عنه كتائب
المشركين الذين صمدوا لقتله كما مر.
ومنها ان أكثر المقتولين يومئذ قتلاه قال المفيد: وقد ذكر أهل
السير قتلى أحد من المشركين فكان جمهورهم قتلى أمير المؤمنين ع
اه وقال ابن أبي الحديد في شرح النهج جميع من قتل من المشركين يوم
أحد ثمانية وعشرون قتل علي ع منهم ما اتفق عليه وما أختلف
فيه اثنا عشر وهو قريب من نصف المقتولين كما كان يوم بدر وقد حكى عن
(٣٩٠)

الواقدي انه عدهم هكذا من بني عبد الدار أحد عشر رجلا
١ طلحة بن أبي طلحة صاحب لواء قريش قتله علي بن أبي طالب ع
مبارزة ٢ عثمان بن أبي طلحة قتله حمزة بن عبد المطلب ٣ أبو
سعيد بن أبي طلحة قتله سعد بن أبي وقاص ٤ مسافع بن طلحة بن أبي
طلحة قتله عاصم بن ثابت بن أبي الأفلح ٥ كلاب بن طلحة بن أبي
طلحة قتله الزبير بن العوام ٦ الحارث بن طلحة بن أبي طلحة قتله
عاصم بن ثابت ٧ الجلاس بن طلحة بن أبي طلحة قتله طلحة بن عبيد
الله ٨ أرطاة بن شرحبيل قتله علي بن أبي طالب ٩ قارظ بن
شريح بن عثمان بن عبد الدار قال الواقدي لا يدرى من قتله وقال البلاذري
قتله علي بن أبي طالب وقيل قتله قزمان ١٠ أبو عزيز بن عمير أخو
مصعب بن عمير قتله قزمان ١١ صواب مولى آل عبد الدار قتله علي
وهذا لم ينقله ابن أبي الحديد فيما حكاه عن الواقدي بل كان آخر من نقله
أبو عزيز ثم قال فهؤلاء أحد عشر مع أنهم عشرة ومر انه عد قتلى علي اثني
عشر مع أنهم أحد عشر ان لم يعد معهم فكانه سقط من الناسخ ومن بني
أسد بن عبد العزى رجل واحد ١٢ عبد الله بن حميد بن زهير بن
الحارث بن أسد قتله أبو دجانة في رواية الواقدي وفي رواية محمد بن إسحاق
قتله علي بن أبي طالب ومن بني زهرة رجلان ١٣ أبو الحكم بن
الأخنس بن شريق قتله علي بن أبي طالب ١٤ سباع بن عبد العزى
الخزاعي قتله حمزة ومن بني مخزوم خمسة ١٥ أمية بن أبي حذيفة بن
المغيرة قتله علي ١٦ هشام بن أبي أمية بن المغيرة قتله قزمان ١٧
الوليد بن العاص بن هشام قتله قزمان ١٨ خالد بن اعلم العقيلي قتله
قزمان ١٩ عثمان بن عبد الله بن المغيرة قتله الحارث بن الصمة ومن
بني عامر بن لؤي اثنان ٢٠ عبيد بن حاجز قتله أبو دجانة ٢١
شيبة بن مالك بن المضرب قتله طلحة بن عبيد الله ومن بني جمح اثنان
٢٢ أبي بن خلف قتله رسول الله ص ٢٣ أبو عزة قتله عاصم بن
ثابت ضبرا ومن بني عبد مناف بن كنانة أربعة ٢٤ خالد بن سفيان بن
عويف ٢٥ أبو الشعثاء بن سفيان بن عويف ٢٦ أبو الحمراء بن سفيان بن
عويف ٢٧ غراب بن سفيان بن عويف قال ابن الحديد هؤلاء الاخوة
الأربعة قتلهم علي بن أبي طالب في رواية محمد بن حبيب قال ورأيت في
بعض كتب أبي الحسن المدائني ان عليا هو قتل بني سفيان بن عويف يوم
أحد وروى له شعرا في ذلك ومن بني عبد شمس رجل واحد ٢٨
معاوية بن المغيرة بن أبي العاص قتله علي ع في إحدى الروايات
وقيل قتله زيد بن حارثة وعمار بن ياسر اه هذا على ما ذكر الواقدي
اما على ما ذكره غيره فقد عرفت أن عليا هو الذي قتل أصحاب اللواء
التسعة على أصح الروايات وهم ١ طلحة بن أبي طلحة ٢ أخوه أو ابنه أبو
سعيد ٣ أخوه عثمان ٤ أخوه مسافع ٥ أخوه الحارث أو خالد ٦ ابن أخيه أبو
عزيز ٧ عبد الله بن حميد من بني أسد ٨ أرطاة بن شرحبيل العبدري ٩
صواب مولاهم هذا على رواية علي بن إبراهيم ١٠ قارظ بن شريح
العبدري على رواية البلاذري ١١ أبو الحكم بن الأخنس الثقفي ١٢
الوليد بن أبي حذيفة بن المغيرة ١٣ اخوه أمية ١٤ هشام بن أمية المخزومي ١٥
عمرو بن عبد الله الجمحي ١٦ بشر أو شيبة بن مالك العامري أحد بني
عامر بن لؤي والستة الأخيرة في رواية ابن إسحاق وغيره ١٧ و ١٨ و ١٩
و ٢٠ أبناء سفيان بن عويف الأربعة المتقدمون على رواية محمد بن حبيب
والمدائني ٢١ معاوية بن المغيرة على إحدى الروايات فإذا كان جميع من قتل
من المشركين ثمانية وعشرين يكون من قتله علي منهم ما اتفق عليه وما
اختلف فيه واحدا وعشرين لا اثني عشر والله أعلم.
ومنها تركه الاجهاز على طلحة بن أبي طلحة حياء وكرما وعدم
سلبه كما لم يسلب عمرو بن عبد ود مع تأسف سعد بن أبي وقاص يوم أحد
على عدم تمكنه من سلب درع ومغفر وسيف لبعض المشركين.
ومنها انه اخذ بيد رسول الله ص لما سقط في إحدى الحفر التي
كان حفرها أبو عامر الراهب ليقع فيها المسلمون مما دل على ملازمته للنبي
ص أين كان وأين ذهب وحبس نفسه على حمايته.
ومنها انه حمل الماء بدرقته من المهراس إلى النبي ص.
ومنها انه أرسله النبي ص بعد انصراف قريش عن المعركة لينظر
ما يصنعون هل قصدوا المدينة أو مكة.
وفي وقعة أحد يقول شاعر أهل البيت الحاج هاشم بن حردان الكعبي
من قصيدة:
- وقضية المهراس عن كثب وقد * عم الفرار أساودا وأسودا -
- فشددت كالليث الهزبر فلم تدع * ركنا لجيش ضلالة مشدودا -
- تولي بها الطعن الدراك ولم تزل * إذ ذاك مبدئ كرة ومعيدا -
- وكشفتهم عن وجه أبيض ماجد * لم يعرف الادبار والتعريدا -
ويقول المؤلف من قصيدة:
- وفي يوم أحد كنت ردء محمد * وناصره الكرار إذ أعوز الكر -
- فأفنيت أصحاب اللوا وطحتهم * جميعا فلم يسمع لهم بعدها ذكر -
- هزمت جيوش الشرك بالصارم الذي * إلى الحشر في سمع الزمان له نبر -
- أقام أناسا في فم الشعب موصبا * لهم ان يقيموا فيه مهما اقتضى الامر -
- عصوا امره مذ عاينوا النهب واقعا * وكان حقيقا ان يطاع له الامر -
- فكر عليهم خالد من ورائهم * فلما رأى الفرار خيلهم كروا -
- هنالك فر المسلمون واسلموا * نبيهم الهادي وعمهم الذعر -
- وبعضهم قد قال يا ليت اننا * أخذنا أمانا للسلامة ينجر -
- وبعضهم قد عاد بعد ثلاثة * وبعضهم حامي وجلهم فروا -
- سوى حيدر فهو الزعيم بمثلها * يصول ووجه الأفق بالنقع مغبر -
- بيمنى يديه ذو الفقار وما به * إذا شبت الهيجا إلى ناصر فقر -
- يحامي به دون النبي فكلما * أتت عصبة ينتابها القتل والفر -
- علي الا اقصد هؤلاء وهؤلاء * وهاتيك فاقصد ما سواك لها ذخر -
- فباهى به جبريل إذ قال معلنا * إلا انها هذي المواساة والنصر -
- إلا أنه مني علي وانني * أنا منه والأقوام عالمهم ذر -
- هنالك جبريل اهاب مناديا * نداء للمرتضى الشرف الدثر -
- فلا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى * سوى حيدر الكرار هذا هو الفخر -
- وعاد بذاك السيف ينكر لونه * أجل وعليه للدما حلل حمر -
- أ فاطم هاك السيف غير مذمم * فما انا رعديد إذا شدة تعرو -
- اميطي دماء القوم عنه فإنه * سقى آل عبد الدار كأسا هو الصبر -
- انا الأسد الوثاب في حومة الوغى * إذا خرس الابطال كان له زأر -
ثم تلا وقعة أحد بلا فاصل غزوة حمراء الأسد وكان علي فيها معه
اللواء كما كان في كل غزوة فدعا بلواء معقود لم يحل فدفعه إلى علي ومرت
مفصلة في الجزء الثاني.
(٣٩١)

سنة أربع من الهجرة
اخباره في غزوة بني النضير
وكانت في ربيع الأول سنة أربع من الهجرة ومرت مفصلة في الجزء
الثاني في السيرة النبوية ونذكر منها هنا ما له تعلق بسيرة أمير المؤمنين ع
وأن لزم بعض التكرار. وبنو النضير بطن من اليهود الذين كانوا
بقرب المدينة وكان بينهم وبين النبي ص معاهدة ومهادنة فنقضوا العهد
وأرادوا ان يلقوا على النبي ص صخرة وهو جالس بجانب جوار من بيوتهم
فجاءه الوحي بذلك فأرسل إليهم ان اخرجوا من بلدي فلا تساكنوني وقد
هممتم بالغدر واجلهم عشرا فقالوا نخرج فأرسل إليهم عبد الله بن أبي بن
سلول لا تخرجوا ووعدهم النصرة فطمع رئيسهم حيي بن اخطب في ذلك
ونهاه سلام بن مشكم رئيس آخر فلم يقبل فأعطى النبي ص رايته علي بن
أبي طالب وسار إليهم فصلى العصر بفنائه وضرب قبته هناك قال المفيد في
الإرشاد: لما توجه رسول الله ص إلى بني النضير عمل على حصارهم
فضرب قبته في اقصى بني حطمة من البطحاء فلما اقبل الليل رماه رجل من
بني النضير بسهم فأصاب القبة فامر ان تحول قبته إلى السفح فلما اختلط
الظلام فقدوا عليا فقال الناس يا رسول الله لا نرى عليا فقال رآه في بعض
ما يصلح شأنكم فلم يلبث ان جاء برأس اليهودي الذي رمى النبي ص
ويقال له عزور فطرحه بين يدي النبي ص فقال كيف صنعت فقال اني
رأيت هذا الخبيث جريا شجاعا فكمنت له وقلت ما أحراه ان يخرج إذا
اختلط الليل يطلب منا غرة فاقبل مصلتا بسيفه في تسعة نفر من اليهود
فشددت عليه فقتلته وافلت أصحابه ولم يبرحوا قريبا فابعث معي نفرا فاني
أرجو ان أظفر بهم فبعث معه عشرة فيهم أبو دجانة وسهل بن حنيف
فادركوهم قبل ان يلجوا الحصن فقتلوهم وجاءوا برؤوسهم إلى النبي ص
فامر ان تطرح في بعض آبار بني حطمة وكان ذلك سبب فتح حصون بني
النضير اه. وفي السيرة الحلبية وكان رجل منهم اسمه عزور أو غزول
وكان راميا يبلغ نبله ما لا يبلغه غيره فوصل نبله تلك القبة فامر بها النبي
ص فحولت وفقد علي قرب العشاء فقال الناس يا رسول الله ما نرى عليا
فقال دعوه فإنه في بعض شأنكم فعن قليل جاء برأس غزول كمن له علي
حين خرج يصلب غرة من المسلمين ومعه جماعة فشد عليه فقتله وفر من
معه فأرسل رسول الله ص مع علي أبا دجانة وسهل بن حنيف في عشرة
فادركوهم وقتلوهم وذكر بعضهم أن أولئك الجماعة كانوا عشرة وانهم اتوا
برؤوسهم فطرحت في بعض الآبار قال وفي هذا رد على بعض الرافضة
حيث ادعى أن عليا هو القاتل لأولئك العشرة اه ونقول لم يدع
أحد من الشيعة الذين نبزهم لنصبه بالرافضة أن عليا هو القاتل لهم وقد
سمعت كلام شيخ الشيعة ومقتداها في ارشاده وليس فيه شئ من ذلك وما
الذي يدعو هذا البعض إلى دعوى غير صحيحة وتفوق علي في الشجاعة أمر
فوق التواتر فلا يحتاج من يريد اثباته إلى الكذب وانما يحتاج إلى الكذب من
يدعي شجاعة لمن لم يؤثر عنه أنه قتل أحدا في حرب من الحروب ثم أ لا
يكفي في بلوع علي أعلى درجات الشجاعة خروجه ليلا وحده لا يشعر به
أحد لمقابلة عشرة من الشجعان اقدموا هذا الاقدام وقتله رئيسهم واحضاره
رأسه وهزيمة التسعة واقدامه ثانيا مع عدة عليهم حتى قتلوهم وجاءوا
برؤوسهم ولولا مكانه ما اجترؤوا عليهم أ فلا يكفي هذا كله حتى يدعي
أحد الشيعة أنه قتل العشرة وحده فيتبجح صاحب السيرة الحلبية بالرد
عليه. وفي ذلك يقول الحاج هاشم الكعبي شاعر أهل البيت:
- وشللت عشرا فاقتنصت رئيسهم * وتركت تسعا للفرار عبيدا -
ويقول المؤلف من قصيدة:
- بيوم النضير الدين أصبح ناضرا * وأينع في دوح الهدى الورق النضر -
- تتبع عشرا في الظلام يشلهم * ومقدامهم اردى وقد هلك العشر -
قال المفيد في الارشاد وفي تلك الليلة قتل كعب بن الأشرف
واصطفى رسول الله ص أموال بني النضير وكانت أول صافية قسمها رسول
الله ص بين المهاجرين الأولين وامر عليا ع فحاز ما لرسول الله
ص منها فجعله صدقة وكان في يده مدة حياته ثم في يد أمير المؤمنين بعده
وهو في يد ولد فاطمة حتى اليوم قال وفيما كان من أمر أمير المؤمنين في هذه
الغزاة وقتله اليهودي ومجيئه إلى النبي ص برؤوس التسعة نفر يقول
حسان بن ثابت:
- لله اي كريهة أبليتها * ببني قريظة والنفوس تطلع -
- اردى رئيسهم وآب بتسعة * طورا يشلهم وطورا يدفع -
وهذا صريح في أن ذلك أو مثله وقع مع بني قريظة وقيل فيه الشعر
فكيف اورده في بني النضير ولعله لذلك اورد في البحار ببني نضير عوض
ببني قريظة والله أعلم.
ثم تلا عزوة بني النضير غزوات أخرى غير مهمة كغزوة بدر الموعد
وحمل لواء النبي ص فيها علي بن أبي طالب وغزوتي ذات الرقاع ودومة
الجندل وغيرها ولم يذكر المؤرخون مع من كان لواؤه فيهما ولا بد أن يكون
مع علي فقد صرح المؤرخون أنه لم يتخلف عنه في غزاة غير تبوك وانه
صاحب لوائه في المواقف كلها ومرت الغزوات الثلاث مفصلة في الجزء
الثاني.
وفي شعبان في الثالث أو الخامس منه سنة أربع من الهجرة ولد
الحسين بن علي من فاطمة الزهراء وقيل سنة ثلاث فجئ به إلى جده فسماه
حسينا.
سنة خمس من الهجرة
اخباره في غزوة بني المصطلق من خزاعة
وكانت في شعبان سنة خمس من الهجرة على ماء لهم يسمى المريسيع
بينه وبين الفرع نحو من يوم ورئيسهم الحارث بن أبي ضرار والد جويرية أم
المؤمنين دعا قومه وغيرهم لحرب النبي ص فبلغه ذلك فخرج إليهم واقتتلوا
عند المريسيع فنصر الله المسلمين ولم يقتل منهم الا رجل واحد قتله
المسلمون خطا وقتل من العدو عشرة وأسر الباقون وغنموا النعم. قال
المفيد في الارشاد: كان من بلاء علي ع ببني المصطلق ما اشتهر
عند العلماء وكان الفتح له في هذه الغزاة بعد ان أصيب يومئذ ناس من بني
عبد المطلب (١) فقتل أمير المؤمنين ع رجلين من القوم وهما مالك
وابنه وأصاب رسول الله ص منهم سبيا كثيرا وكان ممن أصيب يومئذ من
السبايا جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار وكان الذي سبى جويرية أمير
المؤمنين ع فجاء بها إلى النبي ص فاعتقها وتزوجها. وقال ابن
هشام في سيرته: قتل علي بن أبي طالب ع منهم رجلين مالكا
وابنه اه وفي هذه الغزاة حارب علي ع كفار الجن بأمر رسول
الله ص رواه المفيد مسندا وقال إنها روته العامة كما روته الخاصة وكذلك
حكى روايته صاحب السيرة الحلبية وقد ذكرنا هذه الرواية مسندة مفصلة

(١) قوله بعد أن أصيب ناس من بني عبد المطلب ينافي ما مر من أنه لم يقتل من المسلمين الا رجل
واحد خطأ الا أن يكون المقتولون من بني عبد المطلب كافوا مع المشركين فليراجع.
(٣٩٢)

بجميع ما يتعلق بها وكذا ما حكاه صاحب السيرة الحلبية فيما مر عند ذكر
أدلة إمامته فاغنى عن ذكر ذلك هنا.
حديث الإفك
ومرت الإشارة إليه في الجزء الثاني ونذكره هنا لارتباط أمور منه بسيرة
أمير المؤمنين ع. وقع في هذه الغزاة حديث الإفك وحاصله ان
عائشة أم المؤمنين كانت مع النبي ص في هذه الغزاة فلما رجع وقارب المدينة
نادوا ليلة بالرحيل فخرجت عائشة خارج الجيش لقضاء حاجة فلما عادت
رأت عقدها قد انقطع فعادت تطلبه فوجدته واقبل الذين كانوا يرحلونها
فاحتملوا الهودج وهم يظنونها فيه لأنها كانت صغيرة السن خفيفة اللحم
وساروا ورجعت فوجدت الجيش قد رحل فجلست مكانها ليرجعوا إليها إذا
فقدوها وغلبتها عينها فنامت وكان صفوان بن المعطل السلمي الذكواني من
وراء الجيش فجاء فرآها فاسترجع فأفاقت وأناخ راحلته فركبتها وسار يقود
بها الراحلة حتى اتوا الجيش عند الظهر وهم نزول فأول من أشاع حديث
الإفك عبد الله بن أبي بن سلول وممن أشاعه حسان بن ثابت ومسطح بن
أثاثة وغيرهم وبلغ ذلك رسول الله ص وبلغ ذلك عائشة من أم مسطح لما
كانت معها ليلا فعثرت أم مسطح في مرطها فقالت تعس مسطح فلامتها
عائشة فقالت لها أ لم تسمعي ما قال وأخبرتها قال دحلان في سيرته: ودعا
رسول الله ص علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد لما أبطأ عليه الوحي
فاستشارهما في فراق أهله فاما أسامة فقال هم أهلك ولا نعلم الا خيرا وأما
علي فقال يا رسول الله لم يضيق الله عليك والنساء سواها كثير وسل الجارية
تصدقك فسال جاريتها بريرة فحلفت انها ما رأت عليها أمرا معيبا قط فقال
رسول الله ص على المنبر من يعذرني من رجل قد بلغني عنه أذاي في أهلي
يعني عبد الله بن أبي وقد ذكروا رجلا يعني صفوان ما علمت عليه الا
خيرا وما يدخل على أهلي الا معي. وكادت ان تقع بين الأوس والخزرج
فتنة بسبب عبد الله بن أبي فرقة تطلب ان يؤمروا بقتله وفرقة تدافع عنه
فأسكتهم النبي ص ثم نزل عليه الوحي ببراءتها بقوله تعالى ان الذين
جاءوا بالإفك عصبة منكم الآيات العشر وأقيم الحد على من قذفها
كحسان ومسطح وغيرهما لكنهم لم يذكروا انه أقيم على عبد الله بن أبي.
وفيما اوردوه في هذا الحديث مواقع للنظر أولا استشارته عليا وأسامة في
فراق أهله لا يقبله عقل وكيف يفارقها لقول منافق كابن أبي ومن تابعه ولم
يستندوا إلى برهان بل كيف يخطر بباله مفارقتها قبل ان يثبت عليها شئ
وذلك يؤيد تحققه الأمر فيلصق العار به وباهله هذا لا يمكن ان يقع من
غبي فكيف بأكمل خلق الله وكيف يشير عليه علي بذلك وهو غش لا يمكن
ان يخفى على من دون علي في الذكاء والفطنة والذي يلوح ان أعداء علي
هم الذين اختلقوا هذا ليلصقوا به ما لا يليق نعم الظاهر أنه لما سمع ذلك
عن لسان ابن أبي صعد المنبر وشكاه ثانيا كيف يقول له سل الجارية
تصدقك وكيف يسألها الرسول ص وهذا بحث عن المعائب ومحبة لشيوع
الفاحشة لا يجوز من أي مسلم كان فضلا عن النبي ص ولو تبرع أحد بهذا
الاخبار ولم يقم الميزان الشرعي عليه لوجب عليه الحد فكيف يحمل النبي
ص الجارية على أن تتكلم بما يوجب عليها الحد وهو لو اعترف له شخص
بذلك يعرض له بالانكار والرجوع عن هذا الاقرار حتى يعترف بذلك ثلاثا
ثالثا هب ان الجارية أخبرته بشئ هل كان له أن يصدقها كلا بل كان
عليه ان يقيم عليها حد القذف ما لم تقم الميزان الشرعي فأي فائدة في هذا
السؤال كل هذا يدلنا على أن ارادته تطليق زوجته واستشارته في ذلك أمر
مكذوب وانه لم يقع منه غير الشكوى على المنبر ممن آذاه في أهله. وزاد
صاحب السيرة الحلبية نغمة في هذا الطنبور فروى أنه استشار عمر فقال له
من زوجها لك يا رسول الله قال الله تعالى. قال أ فتظن ان الله دلس عليك
فيها فلو صح هذا الخبر لكان عمر يصل بعلمه إلى ما لا يصل إليه الرسول
ص ويهتدي إلى ما لا يهتدي وقد زاد في الطنبور نغمات أيضا قوله وفي لفظه
فدعا رسول الله ص بريرة فسألها فقام إليها علي فضربها ضربا شديدا وجعل
يقول لها اصدقي رسول الله فتقول والله ما اعلم الا خيرا قال وضربها كما
قال السهيلي ولم تستوجب ضربا ولا استأذن رسول الله ص في ضربها لأنه
اتهمها في أنها خانت الله ورسوله فكتمت من الحديث ما لا يسعها كتمه
اه والعجب ممن يودعون أمثال هذه الأحاديث في كتبهم ولها منها
شواهد على كذبها فعلي الذي يقول والله لو أعطيت الأقاليم السبع بما تحت
أفلاكها على أن اعصي الله في نملة اسلبها جلب شعيرة ما فعلت كيف يمكن
ان يضرب جارية بغير حق ليحملها على الكذب والشهادة بما لم تر وكيف
يمكن ان يضربها بغير إذن النبي ص بمحضر منه ومن اعرف منه بحقه وأحق
بتعظيمه وكيف يمكنه النبي من ضربها بغير حق أ ليس هذا قدحا في النبي
قبل ان يكون قدحا في علي وإن كان ضربها ضربا شديدا فلا بد ان يكون
متكررا فكيف لم يمنعه النبي منه وسكت عنه بل لم يؤنبه على الأقل فمختلق
هذا الحديث ليعيب عليا قد خانته فطنته ولم يلتفت إلى أنه يؤدي إلى عيب
النبي ص ونسبة الظلم إليه وأبرد من ذلك تعليل السهيلي فإنه اتهمها في أنها
خانت الله ورسوله فهل يسوع في الشرع العقاب بمجرد التهمة. وهنا
استغل اخصام الشيعة سوق الأكاذيب فروجوها. قال صاحب السيرة
الحلبية: فمن نسبها إلى الزنا كغلاة الرافضة كان كافرا وحكى مثله دحلان
في سيرته عن السهيلي ثم قال حضر بعض الشيعة مجلس الحسن بن زيد
الداعي (١) وكان من عظماء أهل طبرستان فنسب الشيعي إلى عائشة شيئا من
القبيح فامر بضرب عنقه فاعترضه بعض العلوية وقال هذا من شيعتنا فقال
معاذ الله هذا طعن على رسول الله ص ونقول ليس في غلاة الشيعة ولا
معتدليهم من ينسب عائشة إلى ذلك كبرت كلمة تخرج من أفواه هؤلاء
المفترين وإن كانوا صادقين فيما يقولون فليأتونا باسم من يقول ذلك وفي أي
موضع وجدوه أم في أي كتاب رأوه كلا انهم لكاذبون مفترون ظالمون
مفسدون لا حجة لهم على ما قالوا ولا برهان وما حملهم على ذلك الا
العداوة والعصبية بالباطل ورقة الدين وهكذا ما حكاه دحلان عن الحسن
ابن زيد الداعي كذب وبهتان لأنا نعلم علما يقينا انه ليس في الشيعة من
ينسب أم المؤمنين عائشة إلى القبيح وإن من عقيدتهم ان زوجة النبي يجوز
أن تكون كافرة كامرأتي نوح ولوط ولا يجوز أن تكون زانية لأن ذلك يخل
بمقام النبوة. وإنما يقولون ولا يتحاشون بأنها أخطأت بخروجها على الإمام العادل
وحربها له ومخالفتها أمر القرآن لها ان تقر في بيتها. والذي طعن على
رسول الله هو من روى أن عليا ضرب الجارية أمامه بغير حق و سكت كما
مر.
اخباره في وقعة الخندق
وكانت في ذي القعدة أو شوال سنة خمس من الهجرة بعد غزوة أحد
بسنتين ومرت مفصلة في الجزء الثاني ونعيد منها هنا ما له تعلق بسيرة أمير
المؤمنين علي ع وإن لزم بعض التكرار وسببها انه لما أجلي رسول

(١) الذي في النسخة المطبوعة الحسن بن يزيد الرفاعي وهو تصحيف قبيح يشبه الكذب الذي في الخبر.
(٣٩٣)

الله ص بني النضير إلى خيبر لنقضهم العهد خرج جماعة من أشرافهم إلى
مكة منهم حيي بن اخطب وسلام بن مشكم وكنانة بن أبي الحقيق فألبوا
قريشا وعاهدوهم على قتال رسول الله ص ووعدوهم لذلك موعدا. ثم اتوا
غطفان وسليما ففارقوهم على مثل ذلك وتجهزت قريش وجمعوا أحابيشهم
ومن تبعهم من العرب فكانوا أربعة آلاف والأحابيش قوم من العرب
خارج مكة وهم بنو المصطلق وبنو الهون بن خزيمة كانوا حلفاء قريش
وسموا الأحابيش لأنهم اجتمعوا عند جبل بأسفل مكة اسمه حبشي
وتحالفوا على أنهم مع قريش يد واحدة على غيرهم ما سبح ليل وما وضح
نهار وما رسا حبشي مكانه وعقدوا اللواء في دار الندوة فحمله عثمان بن
طلحة بن أبي طلحة من بني عبد الدار وهو الذي قتل علي ع أباه
يوم أحد وهو غير عثمان بن أبي طلحة الذي قتل يوم أحد فذاك عمه وقادوا
ثلثمائة فرس ومعهم ألف وخمسمائة بعير وقائدهم أبو سفيان صخر بن
حرب بن أمية ووافتهم بنو سليم بمر الظهران سبعمائة وقائدهم سفيان بن
عبد شمس حليف حرب بن أمية وهو والد أبي الأعور السلمي الذي كان
مع معاوية بصفين فبينهما صلة قديمة جاهلية لم يغيرها الاسلام وخرجت
معهم بنو أسد يقودهم طلحة بن خويلد وفزارة ألف يقودهم عيينة بن
حصن وأشجع أربعمائة وبنو مرة أربعمائة مع قائدين لهم فكان جميع من
ورد الخندق عشرة آلاف وهم الأحزاب وكانوا ثلاثة عساكر ورئيس الكل
أبو سفيان ولما تهيئوا للخروج اتى ركب من خزاعة في أربع ليال فأخبروا
رسول الله ص فأخبر الناس وندبهم فأشار سلمان بالخندق فحفروه في ستة
أيام أو أكثر ففرغوا منه قبل مجئ قريش والمسافة بين مكة والمدينة عشرة
أيام بسير الإبل ومسير جيش فيه عشرة آلاف ان لم يزد على
عشرة أيام لم ينقص فإذا انقصنا منها أربعة أيام التي سارها
ركب خزاعة بقي ستة هذا ان لم تكن قريش تأخرت عن
مسير الركب يوما أو أكثر. ورفع المسلمون النساء والصبيان في
الآطام جمع اطم كأصنام وصنم وهو بناء كالحصن وهذه الآطام
كانت من بين بيوت المدينة وكانت المدينة مشبكة بالبنيان والنخيل
من سائر جوانبها الا جانبا واحدا وهو الذي فيه الخندق ولا
يتمكن أحد من الدخول إليها الا من ذلك الجانب فلذلك جعلوا
النساء والذراري في الآطام ومنه يعلم أن الخندق لم يكن على جميع
جوانب المدينة بل على بعض جوانبها كما مر في الجزء الثاني وأقبلت قريش
بعد حفر الخندق فنزلت بمجتمع الأسيال ونزلت غطفان ومن تبعهم من أهل
نجد إلى جانب أحد وخرج رسول الله ص في ثلاثة آلاف فعسكر إلى سفح
سلع وهو جبل فوق المدينة فجعل سلعا خلف ظهره والخندق بينه وبين
القوم. وكانت اليهود ثلاثة بطون معاهدين له ص بنو قينقاع وبنو النضير
وقريظة فنقض الأولان العهد وبقيت قريظة فدس أبو سفيان حيي بن
اخطب إلى كعب بن أسد سيد قريظة لينقضوا العهد فلم يقبل فلم يزل به
حتى وبلغ رسول الله ص ذلك فكتمه واحتال نعيم بن مسعود بحيلة مرت
في الجزء الثاني خذل بها بين قريش وقريظة وعظم البلاء واشتد الخوف
واتاهم عدوهم من فوقهم قريظة و النضير وغطفان ومن أسفل منهم قريش
ومن تبعها حتى ظن المؤمنون كل ظن ونجم النفاق وكانوا كما قال الله تعالى
إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم، إلى قوله: غرورا وبقي
المشركون محاصرين المدينة قريبا من شهر ولم يكن بينهم الا الحصار والترامي
بالنبل والحصى فلما اشتد البلاء على الناس ارسل رسول الله ص إلى قائدي
غطفان فبذل لهما ثلث ثمار المدينة ليرجعا بمن معهما فلم يرضى بذلك سعد بن
معاذ وسعد بن عبادة لما اخبرهما انه من باب الرأي وليس بأمر سماوي.
قتل عمرو بن عبد ود
وجاء فوارس من قريش منهم عمرو بن عبد ود وعكرمة بن أبي جهل
ونوفل بن عبد الله بن المغيرة وهبيرة بن أبي وهب المخزوميان وضرار بن
الخطاب الفهري تعنق بهم خيلهم حتى وقفوا على الخندق فصاروا إلى
مكان ضيق فيه كان قد أغفله المسلمون فاكرهوا خيولهم فطفرت
بهم فوق الخندق وجالت بهم في السبخة بين الخندق وسلع وصاروا
هم والمسلمون على صعيد واحد. قال ابن هشام والطبري:
وخرج علي بن أبي طالب في نفر من المسلمين حتى اخذ عليهم
الثغرة التي اقحموا منها خيلهم وأقبلت الفرسان عمرو ومن معه
تعنق نحوهم نحو المسلمين وقد كان عمرو بن عبد ود قاتل يوم
بدر حتى أثبتته الجراحة فلم يشهد أحدا فلما كان يوم الخندق خرج معلما ليرى
مكانه فلما وقف هو وخيله قال من يبارز فبرز له علي بن أبي طالب فقال له يا
عمرو انك كنت تعاهد الله ان لا يدعوك رجل من قريش إلى خلتين الا
أخذت منه إحداهما قال أجل قال له علي فاني أدعوك إلى الله عز وجل وإلى
رسوله وإلى الاسلام قال لا حاجة لي بذلك قال فاني أدعوك إلى النزال قال
ولم يا ابن أخي فوالله ما أحب ان أقتلك قال علي ولكني والله أحب ان أقتلك
فحمي عمرو عند ذلك فاقتحم عن فرسه فعقره أو ضرب وجهه ثم اقبل
على علي فتنازلا وتجاولا فقتله علي ع وخرجت خيله منهزمة حتى
اقتحمت الخندق هاربة الخبر.
وقال الطبري في تاريخه والمفيد في ارشاده واللفظ مقتبس من كليهما
وربما زاد أحدهما على الآخر: انتدبت فوارس من قريش للبراز منهم
عمرو بن عبد ود بن أبي قيس أخو بني عامر ابن لؤي بن غالب وعكرمة بن
أبي جهل وهبيرة بن أبي وهب المخزوميان وضرار بن الخطاب بن مرداس
الفهري أخو بني محارب بن فهر قد تلبسوا للقتال ثم مروا بمنازل بني كنانة
فقالوا تهيئوا يا بني كنانة للحرب ثم اقبلوا تعنق بهم خيلهم حتى وقفوا على
الخندق ثم تيمموا مكانا من الخندق فيه ضيق فضربوا خيلهم فاقتحمته
وجالت بهم في السبخة بين الخندق وسلع وخرج أمير المؤمنين علي ع
في نفر من المسلمين حتى أخذوا عليهم الثغرة التي اقتحموها، قال
المفيد فتقدم عمرو بن عبد ود الجماعة الذين خرجوا معه وقد اعلم ليرى
مكانه فلما رأى المسلمين وقف هو والخيل التي معه وقال هل من مبارز فبرز
إليه أمير المؤمنين فقال له عمرو أرجع يا ابن الأخ فما أحب ان أقتلك فقال
له أمير المؤمنين قد كنت يا عمرو عاهدت الله ان لا يدعوك رجل من قريش
إلى إحدى خصلتين الا اخترتها منه قال فما ذاك قال إني أدعوك إلى الله
ورسوله والاسلام قال لا حاجة لي إلى ذلك قال فاني أدعوك إلى النزال فقال
ارجع فقد كان بيني وبين أبيك خلة وما أحب أن أقتلك قال لكني والله
أحب ان أقتلك ما دمت آتيا للحق فحمي عمرو عند ذلك وقال أ تقتلني
ونزل عن فرسه فعقره أو ضرب وجهه حتى نفر واقبل على علي مصلتا بسيفه
وبدره بالسيف فنشب سيفه في ترس علي ع فضربه أمير المؤمنين
ع ضربة فقتله فلما رأى عكرمة وهبيرة وضرار عمرا صريعا ولوا
بخيلهم منهزمين حتى اقتحموا الخندق لا يلوون إلى شئ وانصرف أمير
المؤمنين إلى مقامه الأول وقد كادت نفوس الذين خرجوا معه إلى الخندق
تطير جزعا وهو يقول:
(٣٩٤)

- نصر الحجارة من سفاهة رأيه * ونصرت رب محمد بصواب -
- فضربته فتركته متجدلا * كالجذع بين دكادك وروابي -
- وعففت عن أثوابه ولو انني * كنت المقطر بزني أثوابي -
- لا تحسبن الله خاذل دينه * ونبيه يا معشر الأحزاب -
وفي السيرة الحلبية وغيرها ان عمرا لما عبر هو ومن معه الخندق قال
من يبارز فقام علي وقال انا له يا نبي الله قال اجلس انه عمرو ثم كرر
النداء وجعل يوبخ المسلمين ويقول أين جنتكم التي تزعمون أنه من قتل
منكم دخلها أ فلا يبرزن إلى رجل وقال:
- ولقد بححت من الندا * ء بجمعكم هل من مبارز -
- اني كذلك لم أزل * متسرعا نحو الهزاهز -
- ان الشجاعة في الفتى * والجود من خير الغرائز -
فقام علي وهو مقنع في الحديد فقال انا له يا رسول الله قال اجلس انه
عمرو ثم نادى الثانية ففعل مثل ذلك ثم نادى الثالثة فقام علي فقال انا له يا
رسول الله فقال إنه عمرو فقال وإن كان عمرا وفي رواية أنه قال له هذا
عمرو بن عبد ود فارس يليل وهو اسم واد كانت له فيه وقعة فقال وانا علي بن
أبي طالب فاذن له وأعطاه سيفه ذا الفقار والبسه درعه وعممه بعمامته وقال
اللهم أعنه وقال إلهي أخذت عبيدة مني يوم بدر وحمزة يوم أحد وهذا علي
أخي وابن عمي فلا تذرني فردا وأنت خير الوارثين. وقال ابن أبي الحديد
جاء في الحديث المرفوع ان رسول الله ص قال ذلك اليوم حين برز
إليه: برز الايمان كله إلى الشرك كله فبرز إليه علي وهو يقول:
- لا تعجلن فقد أتا * ك مجيب صوتك غير عاجز -
- ذو نية وبصيرة * والصدق منجى كل فائز -
- اني لأرجو ان * أقيم عليك نائحة الجنائز -
- من ضربة نجلاء يب‍ * في صيتها بعد الهزاهز -
فقال له عمرو من أنت قال انا علي قال ابن من قال ابن عبد مناف
انا علي بن أبي طالب فقال غيرك يا ابن أخي من أعمامك من هو أشد منك
فانصرف فاني أكره ان أهريق دمك فان أباك كان لي صديقا وكنت له نديما
قال علي لكني والله ما أكره ان أهريق دمك فغضب وفي رواية أنه قال إني
لأكره ان اقتل الرجل الكريم مثلك فارجع وراءك خير لك قال ابن أبي
الحديد: كان شيخنا أبو الخير مصدق بن شبيب النحوي يقول إذا مررنا
عليه في القراءة بهذا الموضع: والله ما أمره بالرجوع إبقاء عليه بل خوفا
منه، فقد عرف قتلاه ببدر واحد وعلم أنه ان ناهضه قتله فاستحيا ان يظهر
الفشل فاظهر الابقاء والارعاء وانه لكاذب فيهما اه وهذا ظاهر من كثرة
مطاولة عمرو ومحاولته ومدافعته المبارزة واستعماله عبارات العطف والحنان
مثل ولم يا ابن أخي؟ غيرك يا ابن أخي من أعمامك من هو أشد منك ان
أباك كان لي صديقا ونديما وكان بيني وبينه خلة فما أحب ان أقتلك اني أكره
ان اقتل الرجل الكريم مثلك وكل هذا ظاهرا في إرادة التخلص والتملص
بحيلة لا يظهر معها العجز وليس المقام مقام صداقة ومنادمة بينه وبين أبيه
ولا مقام عطف وحنان فذلك له مقام آخر غير الحرب فعمرو الذي حارب
يوم بدر حتى أثبتته الجراحة ونذر ان لا يمس رأسه دهن حتى يقتل محمدا قد
بلغت به العداوة أشدها ولا فرق عنده بين محمد وابن عمه المحامي عنه
الذي خرج لقتله وكون المبارز له كريما لا يمنع من مبارزته وقتله وما زال
المبارز يقول لقرنة كفو كريم ويجعل ذلك داعيا لمبارزته وقد قال عتبة يوم بدر
لحمزة وعبيدة وعلي لما انتسبوا له اكفاء كرام وبارزهم ولكن عمرا علم أن
من قتل نصف المقتولين ببدر وفيهم الابطال الشجعان وقتل كبش الكتيبة
بأحد وأصحاب اللواء وأكثر المقتولين بها لا بد ان يلحقه بهم إذا بارزه
فلذلك أراد التخلص منه بصورة غير الهرب فلم يقدر. فقال له علي يا
عمرو انك كنت تقول لا يدعوني أحد إلى واحدة من ثلاث الا قبلتها قال
أجل قال فاني أدعوك ان تشهد ان لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله
وتسلم لرب العالمين، قال يا ابن أخي أخر عني هذه فقال له اما انها خير
لك لو اخذتها، قال واخرى ترجع إلى بلادك فان يك محمد صادقا كنت
أسعد الناس به وإن يك كاذبا كان الذي تريد قال هذا ما لا تتحدث به
نساء قريش ابدا كيف وقد قدرت على استيفاء ما نذرت فإنه نذر لما أفلت
هاربا يوم بدر و قد جرح أن لا يمس رأسه دهنا حتى يقتل محمدا، قال
فالثالثة قال البراز قال إن هذه لخصلة ما كنت أظن أن أحدا من العرب
يروعني بها ولم يا ابن أخي؟ فوالله ما أحب أن أقتلك فقال علي ولكني والله
أحب أن أقتلك فحمي عمرو فقال له علي كيف أقاتلك وأنت فارس ولكن
انزل معي فاقتحم عن فرسه فعقره أو ضرب وجهه وسل سيفه كأنه شعلة
نار واقبل على علي فتنازلا وتجاولا فاستقبله علي بدرقته فضربه عمرو فيها
فقدها وأثبت فيها السيف وأصاب رأسه فشجه فضربه علي على حبل عاتقه
فسقط. وفي الارشاد: روى محمد بن عمر الواقدي حدثني عبد الله بن
جعفر عن أبي عون عن الزهري قال جاء عمرو بن عبد ود وعكرمة بن أبي
جهل وهبيرة بن أبي وهب ونوفل بن عبد الله بن المغيرة وضرار بن الخطاب
في يوم الأحزاب إلى الخندق فجعلوا يطوفون به يطلبون مضيقا منه فيعبرون
حتى انتهوا إلى مكان أكرهوا خيولهم فيه فعبرت وجالت خيلهم فيما بين
الخندق وسلع والمسلمون وقوف لا يقدم منهم أحد عليهم وجعل عمرو بن
عبد ود يدعو إلى البراز ويعرض بالمسلمين ويقول:
- ولقد بححت من الندا * ء بجمعهم هل من مبارز -
وفي كل ذلك يقوم علي بن أبي طالب ليبارزه فيأمره رسول الله ص
بالجلوس انتظارا منه ليتحرك غيره والمسلمون كان على رؤوسهم الطير لمكان
عمرو بن عبد ود والخوف منه وممن معه ومن ورائه فلما طال نداء عمرو
بالبراز وتتابع قيام أمير المؤمنين ع قال له رسول الله ص ادن مني
يا علي فدنا منه فنزع عمامته من رأسه وعممه بها وأعطاه سيفه وقال له
امض لشأنك ثم قال اللهم أعنه فسعى نحو عمرو ومعه جابر بن عبد الله
الأنصاري لينظر ما يكون منه ومن عمرو فلما انتهى أمير المؤمنين إليه قال يا
عمرو انك كنت في الجاهلية تقول لا يدعوني أحد إلى ثلاث الا قبلتها أو
واحدة منها قال أجل قال فاني أدعوك إلى شهادة ان لا إله إلا الله وأن محمدا
رسول الله وان تسلم لرب العالمين قال يا ابن أخ أخر هذه عني فقال له اما
انها خير لك لو أخذتها ثم قال فهاهنا أخرى قال ما هي قال ترجع من
حيث جئت قال لا تحدث نساء قريش بهذا ابدا قال فهاهنا أخرى قال وما
هي قال تنزل فتقاتلني فضحك عمرو وقال إن هذه الخصلة ما كنت أظن
أحدا من العرب يرومني عليها اني لأكره ان اقتل الرجل الكريم مثلك وقد
كان أبوك لي نديما قال علي لكني أحب ان أقتلك فأنزل ان شئت فأسف
عمرو ونزل وضرب وجه فرسه حتى رجع قال جابر فثارت قترة فما رأيتهما
فسمعت التكبير تحتها فعلمت أن عليا قد قتله فانكشف أصحابه اه
وثوران الغبرة بينهما حتى حجبتهما عن الابصار دليل شدة المنازلة والمجاولة
وانها بلغت أقصى درجات الشدة والا فما تبلغ مجاولة رجلين حتى تثير غبارا
يغطيهما لا شك ان مقاومة عمرو بلغت أشدها ومجاولة علي بلغت اقصى ما
(٣٩٥)

يتصور من الشدة حتى اثار ذلك غبارا حجبهما عن الابصار. وفي رواية انه
لما قتله كبر المسلمون فلما سمع رسول الله ص التكبير عرف ان عليا قتل
عمرا قال جابر فما شبهت قتل علي عمرا الا بما قص الله من قصة قتل داود
جالوت، وقال مثل ذلك يحي بن آدم فيما رواه الحاكم في المستدرك
واختلفت هذه الروايات في عدد الخلال التي كان عمرو يقول إنه لا يدعى
إلى واحدة منها الا أجاب ففي بعضها اثنتان وفي بعضها ثلاث فيمكن ان
يكون الراوي نسي واحدة منها وفي غير ذلك لا تنافي بينها فإنه ليس في
إحداها اثبات شئ نفته الأخرى وانما في إحداها السكوت عن شئ أثبتته
الأخرى واتفقت منها روايات ابن هشام والطبري والمفيد على أن عليا ع
لما رأى هؤلاء الستة عبروا الخندق بادر مع نفر من المسلمين إلى
الثغرة التي اقحموا خيلهم منها فاخذها عليهم ورابط عندها. وذلك أنه لم
يكن في الحسبان ان أحدا من المشركين يستطيع عبور الخندق فلما عبره
هؤلاء على حين غفلة بادر علي بمن معه ليمنعوا غيرهم لو حاولوا العبور
وليكونوا في مقابل الذين عبروا فيدفعوهم ويقاتلوهم ويمنعوهم من الرجوع
إلى عسكرهم. وهذه منقبة انفرد بها علي ع في هذه الوقعة
بمبادرته لحماية الثغرة واخذ نفر معه يعينونه ويرهبون العدو حين بدههم هذا
الأمر الذي لم يكن في الحسبان وعلموا أن هؤلاء الذين اقتحموا الخندق
بخيولهم واقدموا على ما كان يخال انه ليس بممكن وقابلوا ثلاثة آلاف من
عدوهم هم من أشجع الشجعان. ومن الذي يبقى ثابت العصب في مثل
هذا الموقف المخيف فيواجه سبعة فرسان من أشجع الشجعان وراءهم
جيش فيه عشرة آلاف مقاتل غير علي ومع ذلك فهو راجل اما النفر الذين
جاءوا معه فلم يكن الغرض من مجيئهم معه غير تكثير السواد والا فليس
فيهم غناء ولا مساعدة فقد سمعت قول المفيد انه لما عاد إليهم بعد قتله
عمرا وجدهم قد كادت نفوسهم تطير جزعا وخوفا فدل على أنه لما فارقهم
علي وذهب لمبارزة عمرو وتركهم عند الثغرة بجانب الخندق ليحفظوها
استولى عليهم الخوف والجزع وكادت نفوسهم تطير جزعا، وجزعهم هذا
الشديد لما فارقهم علي ليبارز عمرا يدل على أنهم بخروجه خرجوا واليه
استندوا وعليه اعتمدوا وانه لم يكن في خروجهم معه فائدة الا تكثير
السواد. وظاهر الروايات ان عليا ومن معه كانوا رجالة ولكن هذا الراجل
صنع ما لم تصنعه ولم تستطعه الفرسان فاستنزل عمرا عن فرسه وقتله.
وحاصل المستفاد من مجموع الروايات ان عمرا لما عبر الخندق مع
أصحابه وتقدم نحو عسكر المسلمين بادر علي ومعه جماعة فاخذ عليهم
الثغرة التي عبروا منها ورابط عندها فان أرادوا قتاله قاتلهم وان أرادوا
الرجوع منعهم وان حاول غيرهم العبور منعه ثم تقدم عمرو وأصحابه إلى
جهة عسكر المسلمين وطلب عمرو المبارزة فلم يجبه أحد فلما سمعه علي
ورأى أن أحدا لا يخرج إليه ترك مكانه من الثغرة وابقى فيه أصحابه الذين
خرجوا معه إلى الخندق فقام بين يدي النبي ص فقال انا له فإنه لم يكن
ليبارزه بغير إذنه وانه انما لم يأذن له من أول الأمر رجاء أن يقوم إليه أحد
فيبارزه فدافعه عن مبارزته مرة بعد مرة فلما رأى أنه لم يقم إليه أحد بعد
تكرير النداء أذن له وانما فعل ذلك ليخفف عن علي ويدخره لمهام كثيرة
عظيمة أو انه أراد أن يظهر فضله على غيره مع علمه انه لا يقوم إلى عمرو
أحد غيره بما رآه من ظاهر حالهم ثم أذن له في مبارزته فبارزه وقتله وجاء
برأسه ثم عاد إلى مقامه الأول من الثغرة لأن الخطر لم يرتفع ولم يؤمن عبور
غير عمرو وأصحابه منها فوجد الذين تركهم عند الخندق قد استولى عليهم
الخوف والجزع وقد كادت نفوسهم تطير جزعا لأنهم يخافون من رجوع
عمرو ومن معه إليهم ومن هجوم أحد من المشركين عليهم كما فعل عمرو
ومن معه فلما عاد علي إليهم وقد قتل عمرا اطمانت نفوسهم.
ما فعله علي بعد قتله عمرا
ثم إن عليا بعد قتله عمرا قطع رأسه واقبل به إلى النبي ص ووجهه
يتهلل فألقاه بين يديه وعاد مسرعا إلى مكانه الذي كان فيه من الثغرة وقتل
ابنه حسلا ولحق هبيرة ففاته وقتل نوفلا في الخندق. وفي الارشاد بسنده عن
الحسن البصري ان عليا لما قتل عمرو بن عبد ود اخذ رأسه وحمله فألقاه
بين يدي النبي ص فقام أبو بكر وعمر فقبلا رأس علي وقال رسول الله ص
اليوم نغزوهم ولا يغزوننا. ورواه غير المفيد أيضا.
ما جرى للفرسان الذين كانوا مع عمرو
واما الفرسان الذين كانوا مع عمرو فالذين ذكرت أسماؤهم ستة
وهم منبه بن عثمان بن عبيد العبدري ونوفل بن عبد الله المخزومي
وهبيرة بن أبي وهب المخزومي زوج أم هانئ بنت أبي طالب مات على كفره
وعكرمة بن أبي جهل وضرار بن الخطاب الفهري وحسل بن عمرو بن
عبد ود. وضرار هذا ليس أخا عمر بن الخطاب كما يدل عليه كلام الطبري
والمفيد السابق وقال صاحب السيرة الحلبية وتبعه زيني دحلان انه أخو
عمر بن الخطاب لاشتراكهما في اسم الأب وهو غلط لأن عمر هو ابن
الخطاب بن نفيل بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن
كعب بن لؤي بن غالب العدوي كما ذكره أصحاب كتب الصحابة وغيرهم
وهذا ضرار بن الخطاب بن مرداس أخو بني محارب بن فهر الفهري كما ذكره
الطبري وتبعه المفيد. اما الخمسة الأولون منهم فإنهم لما رأوا ما جرى على
عمرو هربوا راجعين لا يلوون على شئ لانهم علموا انهم لو بقوا كان
نصيبهم نصيب عمرو فإنه كان أشجعهم ومقدمهم واشتغل علي عنهم بأخذه
رأس عمرو إلى النبي ص فلما عاد مسرعا ليلحقهم ويحمي الثغرة وجدهم
قد هربوا فبعضهم أسرع فطفر الخندق وسلم وهما عكرمة القى رمحه وهرب
وضرار وقتل منهم رجلان منبه أصابه سهم فمات منه بمكة و نوفل اقتحم
الخندق فتورط فيه فرموه بالحجارة فقال يا معشر العرب قتلة أحسن من هذه
فنزل إليه علي فقتله وفي رواية ضربه بالسيف فقطعه نصفين ولحق علي ع
هبيرة فاعجزه وضرب قربوس سرجه فسقطت درع له كان قد
احتقبها وقد لحقه قبل ان يعبر الخندق وهبيرة فارس وعلي راجل فلذلك فاته
هربا ولم يقدر الا على ضرب قربوس سرجه ولو وقف له لقتله فطفر الخندق
وسلم. وفي السيرة الحلبية في رواية: ثم حمل ضرار بن الخطاب أخو
عمر بن الخطاب وهبيرة بن أبي وهب على علي فاقبل علي عليهما فاما
ضرار فولى هاربا ولم يثبت واما هبيرة فثبت ثم القى درعه وهرب وكان
فارس قريش وشاعرها: وذكر ان ضرار بن الخطاب لما هرب تبعه أخوه
عمر بن الخطاب وصار يشتد في اثره فكر ضرار راجعا وحمل على عمر
بالرمح ليطعنه ثم أمسك وقال يا عمر هذه نعمة مشكورة أثبتها عليك ويدلي
عندك غير مجزي بها فاحفظها ووقع مع عمر مثل ذلك في أحد فإنه التقى
معه فضرب عمر بالقناة ثم رفعها عنه وقال له ما كنت لأقتلك يا ابن
الخطاب اه وقوله اخوه غلط كما عرفت فيكون ضرار هذا قد حمل على
عمر مرتين وأمكنه ان يقتله فعفا عنه. واما حسل فروى ابن هشام في
(٣٩٦)

سيرته عن ابن شهاب الزهري قال كان مع عمرو ابنه حسل فقتله علي ع
ولعله قتله قبل أن يهرب ولذلك قالوا إن من قتل من الهاربين اثنان
ولو كان معهم لكانوا ثلاثة. ولا شك ان منبها وعكرمة وضرارا بعد ما
وصلوا من هزيمتهم إلى عسكر المشركين اخبروهم بما جرى لعمرو وبما
أوجب هزيمتهم ففت ذلك في اعضادهم.
وقد امتاز علي عن جميع من حضر الخندق بأمور:
الأول مبادرته لحماية الثغرة التي عبر منها عمرو وأصحابه،
والذين كانوا معه لولاه لم يجيئوا ولولا ثباته لم يثبتوا بدليل انه لما فارقهم ثم
رجع إليهم وحدهم قد طارت نفوسهم جزعا كما مر ومع ذلك فلم يجدوا
طائلا فإنه لما هرب الفرسان الذين كانوا مع عمرو لم يقدروا ان يمنعوهم ولا
ان يقتلوهم فمنبه طفر الخندق وأصابه سهم قبل طفره أو بعده ولم يذكروا
من الذي رماه فوصل مكة جريحا ومات بها وضرار وعكرمة طفرا الخندق
وسلما وهبيرة لم يلحقه غير علي ونوفل طفر فوق الخندق ولم يقدروا عليه ولو
لم يتورط به فرسه لسلم ولعلهم كانوا ممن رماه بالحجارة لما سقط في الخندق
فكان ذلك اقصى مجهودهم.
الثاني وهو اعظمها مبارزته عمرا وقتله حتى قال رسول الله ص ان
ضربته عمرا تعدل عمل الثقلين وكانت هي الموجبة لهرب المشركين.
الثالث لحاقه بالمنهزمين وهو راجل وهم فرسان لم يمنعه ما به من
التعب بمبارزة عمرو ومجاولته التي أثارت غبارا حجبهما عن الأنظار كأنه غبار
جيش عرمرم.
الرابع نزوله إلى نوفل إلى الخندق وقتله بضربة قسمته نصفين من
ضرباته المشهورة التي إذا علا بها قد وإذا اعترض قط.
الخامس لحاقه بهبيرة وعلي راجل وهبيرة فارس فلم يثبت له هبيرة
مع أنه فارس وما نجاه الا الهرب على فرسه ومع ذلك فقد كاد ان يقتله
وأسقط منه درعه التي احتقبها.
السادس قتله حسل بن عمرو ولم يكن في الثلاثة الآلاف الذين
حضروا الخندق من يقوم إليه فيقتله حتى جاءه علي فالحقه بأبيه.
السابع انه لم يسلب عمرا درعه مع أنها من الدروع الممتازة بين
دروع العرب. في ارشاد المفيد روى يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق
قال لما قتل علي بن أبي طالب عمرا اقبل نحو رسول الله ص ووجهه يتهلل
فقال له عمر بن الخطاب هلا سلبته يا علي درعه فإنه ليس في العرب درع
مثلها فقال اني استحييت ان اكشف سوأة ابن عمي وفي السيرة الحلبية عن
السهيلي نحوه. وقال الحاكم في المستدرك ثم اقبل علي نحو رسول الله ص
ووجهه يتهلل فقال عمر بن الخطاب: هلا سلبته درعه فليس للعرب درع
خير منها فقال ضربته فاتقاني بسوءته واستحييت ابن عمي ان استلبه اه
- ان الأسود اسود الغاب همتها * يوم الكريهة في المسلوب لا السلب -
وقد كشف عمرو سوأته يوم صفين كما كشفها عمرو يوم الخندق
فعمرو صفين نجاه كشفها من القتل وعمرو الخندق نجاه من السلب.
الثامن ما وجده في نفسه من القوة والثبات حين بارزه بحيث لو
كان مكانه جميع أهل المدينة لقدر عليهم ولم يأخذه خوف منه ولا رهبة مع
اشتهاره بالشجاعة والفروسية ومع احجام الناس عن مبارزته الذي يوجب
عادة وقوع الهيبة منه في نفس من يريد مبارزته قال الرازي في تفسيره انه
ص قال لعلي بعد قتله لعمرو بن عبد ود، كيف وجدت نفسك معه يا علي
قال وجدتها لو كان أهل المدينة كلهم في جانب وأنا في جانب لقدرت
عليهم.
التاسع ان قتله عمرا ونوفلا كان سبب هزيمة المشركين مع ما
أصابهم من الريح والبرد وسبب خوفهم ان يعاودوا الغزو قال المفيد وكان
قتل علي ع عمرا و نوفلا سبب هزيمة المشركين وقال رسول الله ص
بعد قتله هؤلاء النفر اليوم نغزوهم ولا يغزوننا وذلك قوله تعالى ورد الله
الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا
عزيزا في الارشاد روى يوسف بن كليب عن سفيان بن زيد عن قترة وغيره
عن عبد الله بن مسعود انه كان يقرأ: وكفى الله المؤمنين للقتال بعلي. وفيه
روى علي بن الحكم الأودي سمعت أبا بكر بن عياش يقول لقد ضرب علي
ضربة ما كان في الاسلام أعز منها. ولقد ضرب علي ع ضربة ما
ضرب في الاسلام اشأم منها يعني ضربة ابن ملجم.
العاشر انه توجه اللوم والعتاب يوم الأحزاب إلى المسلمين ولم ينج
منه الا علي قال المفيد في الارشاد: وفي الأحزاب انزل الله تعالى: إذ
جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذا زاغت الابصار وبلغت القلوب
الحناجر وتظنون بالله الظنونا هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا وإذ
يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله الا غرورا
إلى قوله وكفى المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا قال فتوجه العتب
إليهم والتوبيخ والتقريع ولم ينج من ذلك أحد بالاتفاق الا أمير المؤمنين إذ
كان الفتح له وعلى يديه.
الحادي عشر قول النبي ص برز الايمان كله إلى الشرك كله كما
مر.
قال المفيد وقد روى هشام بن محمد عن معروف بن خربوذ قال قال
علي بن أبي طالب في يوم الخندق:
- أ علي تقتحم الفوارس هكذا * عني وعنهم خبروا أصحابي -
- اليوم تمنعني الفرار حفيظتي * ومصمم في الرأس ليس بنابي -
- أرديت عمرا إذا طغى بمهند * صافي الحديد مجرب قصاب -
- فصدرت حين تركته متجدلا * كالجذع بين دكادك وروابي -
- وعففت عن أثوابه ولو انني * كنت المقطر بزني أثوابي -
ومرت أبيات أربعة على هذا الوزن وهذه القافية وفيها بعض هذه
الأربعة ولعل الجميع من قصيدة واحدة وفرقها الرواة.
وقال النبي ص قتل علي لعمرو بن عبد ود أفضل من عبادة الثقلين.
وروى الحاكم في المستدرك بسنده ان النبي ص قال لمبارزة علي بن أبي طالب
لعمرو بن عبد ود يوم الخندق أفضل من اعمال أمتي إلى يوم القيامة. وقال
ابن تيمية على عادته المعلومة في انكار ما يثبت فضل علي وأهل بيته ولو
كان متواترا مسلما في الحديث الأول انه حديث موضوع قال وكيف يكون
قتل كافر أفضل من عبادة الثقلين الإنس والجن ومنهم الأنبياء بل إن
عمرو بن عبد ود هذا لم يعرف له ذكر الا في هذه الغزوة اه. وفي
السيرة الحلبية ما حاصله: ان استدلاله بقوله وكيف يكون الخ فيه نظر لأن
قتل هذا كان فيه نصرة للدين وخذلان للكافرين قال ويرد قوله إنه لم يعرف
له ذكر الا في هذه الغزوة ما روي من أنه قاتل يوم بدر حتى أثبتته الجراحة
(٣٩٧)

فلم يشهد أحدا فلما كان يوم الخندق خرج معلما ليرى مكانه قال ويرده
أيضا ما مر من أنه نذر ان لا يمس رأسه دهن حتى يقتل محمدا أقول
ويرده قول ابن إسحاق كان عمرو بن عبد ود ثالث قريش يعني في
الشجاعة رواه الحاكم بسنده وقول أخته لما نعي إليها من ذا الذي اجترأ
عليه فإنه يدل على انها كانت تظن انه لا يجترئ عليه أحد لشجاعته وقولها
قتل الابطال وبارز الاقران. ويرده انه كان معروفا بفارس يليل اسم مكان
كانت له فيه وقعة مشهورة وورد تسميته بذلك في شعر مسافع الجمحي
الذي رثى فيه عمرا بقوله:
- عمرو بن عبد كان أول فارس * جزع المذاد (١) وكان فارس يليل -
وفي كلام النبي ص المتقدم مما دل على أنه كان معروفا بذلك واحجام
الناس عن مبارزته وهم ثلاثة آلاف فلا يقوم إليه واحد منهم والنبي
يستحثهم إلى مبارزته ويضمن لمبارزه الجنة وذلك أقوى دليل على اشتهاره
بالشجاعة وعظم مقامه فيها عند جميع الناس وفيما رثي به عمرو ما يدل على
نباهته وشجاعته وانه ذو مقام عال في قريش مثل قول مسافع المتقدم
وبعده:
- ولقد تكنفت الأسنة فارسا * بجنوب سلع غير نكس أميل -
- فاذهب علي فما ظفرت بمثله * فخرا فلا لاقيت مثل المعضل -
وقول هبيرة بن أبي وهب الذي كان مع عمرو وهرب:
- فلا تبعدن يا عمرو حيا وهالكا * فقد بنت محمود الثنا ماجد الأصل -
- فمن لطراد الخيل تقرع بالقنا * وللفخر يوما عند قرقره البزل -
- فعنك علي لا أرى مثل موقف * وقفت على نجد المقدم كالفحل -
- فما ظفرت كفاك فخرا بمثله * امنت به ما عشت من زلة النعل -
وقال الذهبي تلخيص المستدرك بعد نقل الحديث الثاني: قبح الله
رافضيا أ فتراه وأقول قبح الله ناصبيا يرد حديث رسول الله ص بالهوى
والعداوة لأخيه وابن عمه ويزعم في ميزانه الخارج عن الاعتدال ان النصب
قد ارتفع في عصره وليس عجيبا ان يتكلم الذهبي بذلك وهو تلميذ ابن
تيمية وابن تيمية تأبى له حاله المعلومة الا ان يصادم البديهية والذهبي يقوده
ما في نفسه إلى سوء القول والا فأقل نظرة يلقيها الإنسان على تلك الوقعة
فيرى عشرة آلاف محاصرين للمدينة حنقين أشد الحنق على أهلها وهم دون
الثلث بينهم عدد كثير من المنافقين وبنو قريظة إلى جنبهم يخافون منهم على
ذراريهم ونسائهم وما أصاب المسلمين من الخوف والهلع الذي اضطر النبي
ص إلى رادة مصانعة غطفان بثلث ثمار المدينة وتعظيم الله تعالى ذلك في
القرآن الكريم بقوله إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت
الابصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا هنالك ابتلي المؤمنون
وزلزلوا زلزالا شديدا ووقوف عمرو ينادي بالمسلمين ويقرعهم ويطلب
البراز ولا يجيبه أحد الا علي فيقتل عمرا وينهزم المشركون بقتله ويرتفع
البلاء ويأتي الفرج أقل نظرة يلقيها الإنسان على تلك الحال توصله إلى
اليقين بان ضربة علي يومئذ أفضل من عبادة الجن والإنس والملائكة وملايين
من العوالم أمثالهم لو كانت سواء أ جاء الحديث بذلك عن رسول الله ص أم
لم يجئ ومتى احتاج النهار إلى دليل ولولا تلك الضربة لما عبد الله بل عبدت
الأوثان. وقال ابن أبي الحديد في شرح النهج: فاما الخرجة التي خرجها
يوم الخندق إلى عمرو بن عبد ود فإنها أجل من أن يقال جليلة وأعظم من أن
يقال عظيمة وما هي الا كما قال شيخنا أبو الهذيل وقد سأله سائل أيما أعظم
منزلة عند الله علي أم فلان فقال يا ابن أخي والله لمبارزة علي عمرا يوم
الخندق تعدل اعمال المهاجرين والأنصار وطاعاتهم كلها فضلا عن فلان
وحده اه
ما جرى لأخت عمرو بعد قتله
كان لعمرو أخت اسمها عمرة وكنيتها أم كلثوم في ارشاد المفيد روى
أحمد بن عبد العزيز حدثنا سليمان بن أيوب عن أبي الحسن المدائني قال لما
قتل علي بن أبي طالب عمرو بن عبد ود نعي إلى أخته فقالت من ذا الذي
اجترأ عليه فقالوا ابن أبي طالب فقالت لم يعد موته إن كان على يد كفو كريم
لا رقأت دمعتي ان هرقتها عليه قتل الابطال وبارز الاقران وكانت منيته على
يد كفو كريم من قومه ما سمعت بأفخر من هذا يا بني عامر ثم أنشأت
تقول:
- لو كان قاتل عمرو غير قاتله * لكنت أبكي عليه آخر الأبد -
- لكن قاتل عمرو لا يعاب به * من كان يدعى قديما بيضة البلد -
وتتمة الأبيات في غير رواية المفيد:
- من هاشم في ذراها وهي صاعدة * إلى السماء تميت الناس بالحسد -
- قوم أبى الله إلا أن يكون لهم * كرامة الدين والدنيا بلا لدد -
- يا أم كلثوم ابكيه ولا تدعي * بكاء معولة حرى على ولد -
قال المفيد في روايته وقالت أيضا في قتل أخيها وذكر علي بن أبي
طالب:
- أسدان في ضيق المجال تصاولا * وكلاهما كفو كريم باسل -
- فتخالسا مهج النفوس كلاهما * وسط المذاد (٢) مخاتل ومقاتل -
- وكلاهما حضر القراع حفيظة * لم يثنه عن ذاك شغل شاغل -
- فاذهب علي فما ظفرت بمثله * قول سديد ليس فيه تحامل -
- ذلت قريش بعد مهلك فارس * فالذل مهلكها وخزي شامل -
ما قيل من الشعر في قتل عمرو بن عبد ود
نذكره لأن له علاقة بسيرة أمير المؤمنين ع قال المفيد وفي
قتل عمرو بن عبد ود يقول حسان بن ثابت:
- أمسى الفتى عمرو بن عبد يبتغي * يجوب يثرب غارة لم تنظر -
- ولقد وجدت سيوفنا مشهورة * ولقد وجدت جيادنا لم تقصر -
- ولقد رأيت غداة بدر عصبة * ضربوك غير ضرب الحسر -
- أصبحت لا تدعي ليوم عظيمة * يا عمرو أو لجسيم أمر منكر -
ولما كان حسان معروفا بالجبن وافتخر في قتل عمرو بسيوف الأنصار
التي لم يكن لها في قتله أثر وإنما قتله سيف الهاشميين سيف علي بن أبي
طالب وبلغ شعره بني عامر اجابه منهم فتى فيما حكاه المفيد فقال يرد عليه في
افتخاره بالأنصار وشعره يدل على أنه كان مسلما:
- كذبتم وبيت الله لا تقتلوننا * ولكن بسيف الهاشميين فافخروا -

(١) جزع عبر (والمذاد) موضع الخندق.
(٢) المذاد بفتح الميم والذال المعجمة بعدها الف فدال مهملة قال ابن الأعرابي موضع بالمدينة
حيث حفر النبي " ص " الخندق. - المؤلف -
(٣٩٨)

- بسيف ابن عبد الله احمد في الوغى * بكف علي نلتم ذاك فاقصروا -
- ولم تقتلوا عمرو بن عبد ببأسكم * ولكنه الكفر الهزبر الغضنفر -
- علي الذي في الفخر طال بناؤه * فلا تكثروا الدعوى علينا فتحقروا -
- ببدر خرجتم للبراز فردكم * شيوخ قريش جهرة وتأخروا -
- فلما اتاهم حمزة وعبيدة * وجاء علي بالمهند يخطر -
- فقالوا نعم اكفاء صدق فاقبلوا * إليهم سراعا إذ بغوا وتجبروا -
- فجال علي جولة هاشمية * فدمرهم لما عتوا وتكبروا -
- فليس لكم فخر علينا بغيرنا * وليس لكم فخر يعد فيذكر -
وقال مسافع بن عبد مناف بن وهب الجمحي يبكي عمرو بن عبد ود
ويذكر قتل علي بن أبي طالب إياه أورده ابن هشام:
- عمرو بن عبد كان أول فارس * جزع المذاد وكان فارس يليل (١) -
- ولقد تكنفت الأسنة فارسا * بجنوب سلع غير نكس أميل -
- يسل النزال علي فرس غالب * بجنوب سلع ليته لم ينزل -
- فاذهب علي فما ظفرت بمثله * فخرا فلا لاقيت مثل المعضل -
وقال هبيرة بن أبي وهب الذي كان مع عمرو وهرب يرثي عمرو بن
عبد ود ويذكر قتل علي إياه اورده ابن هشام:
- فلا تبعدن يا عمرو حيا وهالكا * فقد بنت محمود الثنا ماجد الأصل -
- فمن لطراد الخيل تقرع بالقنا * وللفخر يوما عند قرقره البزل -
- هنالك لو كان ابن عبد لزارها * وفرحها حقا فتى غير ما وغل -
- فعنك علي لا ارى مثل موقف * وقفت على نجد المقدم كالفحل -
- فما ظفرت كفاك فخرا بمثله * امنت به ما عشت من زلة النعل -
وفي وقعة الأحزاب يقول الحاج هاشم الكعبي من قصيدة:
- وعشية الأحزاب لما أقبلت * كالسيل مفعمة تقود القودا -
- عدلت عن النهج القويم وأقبلت * حلف الضلال كتائبا وجنودا -
- فأبحت حرمتها وعدت بكبشها * في القاع تطعمه السباع حنيدا -
- وفيها يقول المؤلف من قصيدة:
- وفي وقعة الأحزاب والخندق الذي * غدا ثاويا فيها بعقوته عمرو -
تقحمه من بغية في فوارس * يميل به في سيره التيه والكبر -
- اتى معلما آماله قتل أحمد * وكان له من قبل في قتله نذر -
- إذا أنا لم اقتله في حومة الوغى * فلا مس من رأسي دهان ولا عطر -
- فنادى ألا هل فيكم من مبارز * وقد جال في ميدانهم وله خطر -
هنالك خير المرسلين دعاهم * ألا من لعمرو والجنان له أجر -
- ضمنت لمن امسى لعمرو مبارزا * من الخلد أعلاه إذا ضمه الحشر -
- فصموا جميعا لم يجيبوا كأنما * باذانهم عما دعاهم له وقر -
- فقال أبو السبطين اني أنا الذي * أبارزه فهو القطا وأنا الصقر -
- هنالك قال المصطفى فيه قوله * مخلدة عن شأوها يقصر الحزر -
- لقد برز الايمان للشرك كله * وبالخير كل الخير قد قوبل الشر -
- مضى نحوه يمشي وجاد بضربة * بها قط منه الساق وانقصم الظهر -
- وجاء إلى الهادي النبي برأسه * ومن وجهه تبدو البشاشة والبشر -
- لضربته في ذلك اليوم قوبلت * باعمال كل الخلق ما بقي الدهر -
- بها ثبت الاسلام واشتد ركنه * وهدم منها الشرك وانقصم الكفر -
- بها نزل القرآن يعلن مدحه * وإذ يمدح القرآن ما يصنع الشعر -
- بها الله رد المشركين بغيظهم * وكسر ليوم الحشر ما أن له جبر -
- بها قد كفيت المؤمنين قتالهم * ولولاك ما الايمان كان له ذكر -
اخباره في غزوة بني قريظة
وكانت في ذي القعدة سنة خمس من الهجرة ومرت مفصلة في الجزء
الثاني ونعيد هنا ما له تعلق بسيرة أمير المؤمنين ع وقد مر في وقعة
الخندق أن قريظة نقضت العهد بينها وبين النبي ص بوسوسة حيي بن
اخطب الذي هو سيد بني النضير فلما كان الظهر من صبيحة اليوم الذي
رجع فيه رسول الله ص وأصحابه من الخندق إلى المدينة نزل عليه جبرائيل
فقال إن الله يأمرك بالمسير إلى بني قريظة فسار إليهم في ثلاثة آلاف وروى
ابن إسحاق بسنده قال قدم رسول الله ص علي بن أبي طالب برايته إلى بني
قريظة وابتدرها الناس وقال ابن سعد دعا عليه فدفع إليه لواءه. والراية
اللواء الأعظم واللواء دونها وقد يراد باللواء الراية وفي ارشاد المفيد انه ص
ارسل عليا في ثلاثين من الخزرج فساد علي حتى إذا دنا من الحصون سمع
منها مقالة قبيحة لرسول الله ص فرجع حتى لقيه بالطريق فقال يا رسول الله
لا عليك أن لا تدنو من هؤلاء الأخابث قال لم أظنك سمعت منهم لي اذى
قال نعم قال لو رأوني لم يقولوا من ذلك شيئا. قال المفيد قال علي سرت
حتى دنوت من سورهم فأشرفوا علي فلما رأوني صاح صائح منهم قد جاءكم
قاتل عمرو وقال آخر قد اقبل إليكم قاتل عمرو وجعل بعضهم يصيح
ببعض ويقولون ذلك والقى الله في قلوبهم الرعب حتى ركزت الراية في
أصل الحصن فاستقبلوني في صياصيهم يسبون رسول الله ص فلما سمعت
سبهم له كرهت أن يسمع فعملت على الرجوع إليه فإذا به قد طلع وسمع
سبهم له الحديث وحاصرهم رسول الله ص خمسا وعشرين ليلة أو خمسة
عشر يوما حتى جهدهم الحصار وقذف الله في قلوبهم الرعب وكان حيي بن
أخطب قد دخل معهم في حصنهم وفاء لكعب بن أسد بما عاهده عليه قبل وقعة
الأحزاب ثم إنهم نزلوا على حكم رسول الله ص فامر بهم فكتفوا ثم ارجع
أمرهم إلى سعد بن معاذ فحكم بان تقتل الرجال وتقسم الأموال وتسبى
الذرية والنساء وتكون الديار للمهاجرين دون الأنصار وهو قول السيد
الحميري:
- فقضى عقارهم لكل مهاجر * دون الأولى نصروا ولم يتريب -
ثم انصرف النبي ص إلى المدينة وهم معه ثم خرج إلى موضع السوق
فخندق فيه خنادق وخرج علي معه والمسلمون وأمر بهم ان يخرجوا وتقدم إلى
علي أن يضرب أعناقهم في الخندق فاخرجوا ارسالا وقتلوا وفيهم حيي بن
اخطب رئيس بني النضير وكعب بن أسد رئيس قريظة وكانوا بين الستمائة
والسبعمائة أو بين الثمانمائة والتسعمائة وكان يقتل منهم من انبت وجئ
بيحيى بن اخطب فأقيم بين يدي علي ع فقال قتلة شريفة بيد
شريف فقال له علي ع إن خيار الناس يقتلون شرارهم وشرارهم
يقتلون خيارهم فالويل لمن قتله الأخيار الاشراف والسعادة لمن قتله الأراذل
الكفار قال صدقت لا تسلبني حلتي قال هي أهون علي من ذلك قال سترتني
سترك الله ثم قتله ولم يسلبه.
وامتاز علي ع هذه الغزوة بأمور ١ انه صاحب الراية ٢
شدة محافظته على أن لا يسمع رسول الله ص ما يسوؤه من سبهم ٣ ما
وقع في قلوبهم من الرعب حين رأوه ٤ ان عليا تولى قتلهم دون غيره ٥

(١) جزع قطع وعبر (والمذاد) موضع الخندق (ويليل) واد كانت لعمور فيه وقعة مشهورة.
(٣٩٩)

افتخار حيي بان قتله على يد علي ٦ عدم سلبه حييا حلته ووفاؤه بما
وعده. وفي هذه الغزوة يقول الحاج هاشم الكعبي:
- وبني قريظة والنضير وسلعم * والواديين وخثعما وزبيدا -
- مزقت جيب نفاقهم فتركتهم * أمما لعارية السيوف غمودا -
سنة ست من الهجرة
خبره في سرية زيد بن حارثة إلى حسمى
في جمادي الآخرة سنة ست من الهجرة قال ابن الأثير سببها ان
رفاعة بن زيد الجذامي قدم على النبي ص في هدنة الحديبية واسلم فكتب
له كتابا إلى قومه يدعوهم إلى الاسلام فاسلموا واقبل دحية الكلبي من
الشام فأغار عليه الهنيد بن عوض الجذامي وابنه عوض فبلغ ذلك قوم رفاعة
ممن كان أسلم فنفروا إلى الهنيد وابنه واخذوا منهما ما اخذاه من دحية وردوه
عليه فقدم دحية على النبي ص فأخبره خبره فأرسل زيد بن حارثة في جيش
فقتلوا الهنيد وابنه وجمعوا ما وجدوا من مال فلما سمع بذلك رهط رفاعة سار
بعضهم إلى زيد بن حارثة فقالوا انا قوم مسلمون فنادى زيد في الجيش ان
الله حرم علينا ما اخذ من طريق القوم ثم توقف في تسليم السبايا فعادوا إلى
رفاعة فقالوا انك لجالس ونساء جذام أسارى فسار رفاعة وقومه إلى المدينة
وعرض كتاب رسول الله ص فأرسل معهم علي بن أبي طالب إلى زيد بن
حارثة فرد على القوم مالهم حتى كانوا ينتزعون لبد المرأة تحت الرحل وأطلق
الأسارى اه.
وابن الأثير ارخ هذه السرية كما سمعت في جمادي الآخرة سنة ست
وقال إنها وقعت في هدنة الحديبية مع أن هدنة الحديبية كانت غرة ذي القعدة
سنة ست فهي متأخرة عن هذه بنحو خمسة أشهر.
سرية علي ع إلى بني سعد بن بكر بفدك
في شعبان سنة ٦ من الهجرة
ومر ذكر ذلك في السيرة النبوية في الجزء الثاني ومر هناك أن فدكا قرية
بينها وبين المدينة ست ليال وانها الآن خراب وهي بنواحي خيبر وخيبر بين
فدك والمدينة بلغ النبي ص أن حيا من بني سعد قد تجمعوا يريدون أن يمدوا
يهود خيبر ويعطوهم مقابل ذلك من تمر خيبر وذلك قبل محاصرة النبي ص
خيبر فان أهل خيبر لما رأوا ما جرى لقريظة وبني النضير لما نقضوا العهد
خافوا فاتفقوا مع أهل فدك على ذلك فبعث النبي ص عليا من المدينة في
مائة رجل فجعل يسير الليل ويكمن النهار حتى انتهى إلى الغمج (١) ماء
بين فدك وخيبر فوجدوا رجلا فقالوا ما أنت قال باع أي طالب لشئ
ضل مني فقالوا هل لك علم بجمع بني سعد قال لا علم لي فشددوا عليه
فاقر أنه عين لهم بعثوه إلى خيبر يعرض على يهودها نصرهم على أن يجعلوا
لهم من تمرها ما جعلوا لغيرهم قالوا له فأين القوم قال تركتهم قد تجمع
منهم مائتا رجل قالوا فسر بنا حتى تدلنا عليهم قال على أن تؤمنوني فامنوه
فجاء بهم إلى سرحهم فأغاروا عليه وهرب الرعاء إلى جمعهم فتفرقوا فقال
دعوني فقال حتى نبلغ معسكرهم فانتهى بهم إليه فلم يروا أحدا فتركوه
وساقوا النعم وكانت خمسمائة بعير وألفي شاة فاصطفى علي منها لرسول الله
ص ناقة لقوحا تسمى الحفدة (٢) وقسم الباقي على أصحابه كما في السيرة
الحلبية وينبغي كون ذلك بعد إخراج خمسها. ثم كانت وقعة خيبر سنة
سبع من الهجرة فلما فتحت خيبر قذف الله الرعب في قلوب أهل فدك
فبعثوا إلى رسول الله ص فصالحوه على النصف من فدك فكانت فدك
لرسول الله ص خالصة لأنه لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب. وفدك هذه
هي التي تنازعت فيها الزهراء مع أبي بكر فاخذها أبو بكر بناء على أن
الأنبياء لا تورث للرواية التي رواها نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه
صدقة. وقالت الزهراء إن أباها نحلها إياها في حياته فهي ملك لها فلو
سلم أن الأنبياء لا تورث فهذه ليست داخلة في الميراث فطلب منها البينة
فأقامت بينة فقال إنها غير تامة لأنها من رجل وامرأة كما مر في الجزء الثاني في
سيرة الزهراء ومر هناك كثير مما يتعلق بفدك. قال ابن الأثير: كان نصف
فدك خالصا لرسول الله ص لأنه لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب
يصرف ما يأتيه منها على أبناء السبيل ولم يزل هو والخلفاء الأربعة يصنعون
صنيعه بعد وفاته فلما ولي معاوية الخلافة أقطعها مروان بن الحكم فوهبها
مروان ابنيه عبد الملك وعبد العزيز ثم صارت لعمر بن عبد العزيز وللوليد
وسليمان ابني عبد الملك بن مروان فلما ولي الوليد الخلافة وهب نصيبه
عمر بن عبد العزيز فلما ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة خطب الناس
وأعلمهم أمر فدك وأنه قد ردها إلى ما كانت عليه مع رسول الله ص
والخلفاء الأربعة فوليها أولاد فاطمة ثم أخذت منهم فلما كانت سنة ٢١٠
ردها المأمون إليهم اه وفي هذا الكلام تناف بين فإنه إذا كان النبي ص
يصرف حاصلها على أبناء السبيل والخلفاء الأربعة بعده يصنعون صنيعه
فهم كانوا يصرفونه على أبناء السبيل فلما ذا وليها في زمن عمر بن
عبد العزيز أبناء فاطمة ولما ذا ردها المأمون إليهم بعد ما أخذت منهم فهذا
يدل على أنها في زمن الرسول ص كانت في يد فاطمة فلذلك ردها ابن
عبد العزيز والمأمون إليهم ولو كان الرسول والخلفاء الأربعة يصرفون
حاصلها على أبناء السبيل لكان ابن عبد العزيز والمأمون يفعلان بها كذلك
والصواب أن الرسول ص نحلها فاطمة.
خبره في سرية قتل كعب بن الأشرف
في شهر رمضان سنة ست من الهجرة.
ومرت في الجزء الثاني ومر أنه لما قتل أصبحت يهود مذعورين فاتوا
النبي ص فقالوا قتل سيدنا غيلة فذكر لهم تحريضه عليه وأذيته للمسلمين
فازدادوا خوفا ثم كتب بينه وبينهم صلحا قال ابن سعد في الطبقات وكان
ذلك الكتاب مع علي بن أبي طالب.
خبره في غزوة الحديبية أو صلح الحديبية
الحديبية بسكون الياء الأولى وتخفيف الثانية تصغير حدبة وكانت
غرة ذي القعدة سنة ست من الهجرة ومرت مفصلة في الجزء الثاني ونذكر
منها هنا ما له علاقة بسيرة علي ع وخرج النبي ص في ألف
وأربعمائة أو ألف وستمائة أو ألف وخمسمائة وخمسة وعشرين خرج يريد
العمرة ولا يريد حربا ولم يخرج بسلام إلا السيوف في القرب قال المفيد في
الارشاد وكان اللواء يومئذ إلى أمير المؤمنين علي ع كما كان إليه في
المشاهد قبلها وأحرم من ذي الحليفة وساق هو وأصحابه سبعين بدنة وبلغ

(١) بفتح الغين المعجمة وكسر الميم بعدها جيم في القاموس الغمج من المياه ما لم يكن عذبا وفي
طبقات ابن سعد الهمج بدل الغمج وفي تاج العروس الهمج ماء وعيون عليه نخل من المدينة
من جهة وادي القرى.
(٢) الحفدة السريعة. - المؤلف -
(٤٠٠)

الخبر قريشا فاجمع رأيهم على صده وعسكروا وأرسلوا خالد بن الوليد في
مائتي فارس إلى كراع الغميم ودخل بسر بن سفيان الخزاعي الكعبي مكة
فعرف ما يريدون وجاء حتى لقيه وراء عسفان وقدم رسول الله ص عباد بن
بشر أمامه في عشرين فارسا ودنا خالد فقام عباد بازائه وصلى رسول الله ص
بأصحابه الظهر صلاة الخوف وتيامن بأصحابه في طريق تخرجهم على مهبط
الحديبية من أسفل مكة من ناحية جدة فرجعت خيل قريش إليهم راكضين
ينذرونهم فخرجوا حتى نزلوا مياه الحديبية وترددت الرسل بينهم وبينه فأبوا
إلا منعه من دخول مكة فكانت بيعة الرضوان تحت الشجرة قال المفيد في
الارشاد وكان من بلاء علي ع في ذلك اليوم عند صف القوم في
الحرب والقتال ما ظهر خبره واستفاض ذكره وذلك بعد البيعة التي أخذها
النبي ص على أصحابه والعهود عليهم في الصبر وكان علي ع
المبايع للنساء عن النبي ص فكانت بيعته لهن يومئذ أن اطرح ثوبا بينهن
وبينه ثم مسحه بيده فكانت مبايعتهن للنبي ص مسح الثوب ورسول الله
ص يمسح ثوب علي مما يليه ثم اتفقوا على الصلح والموادعة فأرسلت قريش
سهيل بن عمرو وجماعة فدعا رسول الله ص علي بن أبي طالب ليكتب كتاب
الصلح فقال اكتب بسم الله الرحمن الرحيم فقال سهيل لا أعرف هذا ولكن
اكتب باسمك اللهم فكتبها ثم قال اكتب هذا ما صالح عليه محمد رسول
الله سهيل بن عمرو فقال سهيل لو شهدت أنك رسول الله لم أقاتلك ولكن
اكتب اسمك واسم أبيك فقال رسول الله ص اكتب هذا ما صالح عليه
محمد بن عبد الله سهيل بن عمرو فجعل علي يتلكأ ويأبى أن يكتب إلا
محمد رسول الله فقال له اكتب فان لك مثلها تعطيها وأنت مضطهد وفي
رواية ستدعى إلى مثلها فتجيب وأنت على مضض. إشارة إلى ما وقع يوم
الحكمين وهذا يدل على أن ذلك وقع قبل أن يكتب علي محمد رسول الله
وفي رواية أنه جرى ذلك بعد ما كتبها وإن رسول الله ص قال لعلي امح
رسول الله فقال علي والله لا أمحوه أبدا فقال أرنيه فأراه إياه فمحاه بيده وقال
أنا والله رسول الله وإن كذبتموني وفي إرشاد المفيد فقال له علي انه والله
لرسول الله على رغم انفك فقال سهيل اكتب اسمه يمض الشرط فقال له
علي ويلك يا سهيل كف عن عنادك فكتب علي هذا ما صالح عليه محمد بن
عبد الله سهيل بن عمرو واصطلحا على وضع الحرب عشر سنين إلى أن قال
وانك ترجع عنا عامك هذا فلا تدخل علينا مكة وأنه إذا كان عام قابل
خرجنا عنك فدخلتها بأصحابك فأقمت بها ثلاثا معك سلاح الراكب
السيوف في القرب لا تدخلها بغيرها وكتب الكتاب نسختين إحداهما عند
النبي ص والأخرى عند سهيل بن عمرو ونحر رسول الله ص هديه وحلق
ونحر أصحابه وحلق عامتهم وقصر الآخرون قال المفيد في الارشاد
فكان نظام تدبير هذه الغزاة متعلقا بعلي ع وكان ما جرى فيها من
البيعة وصف الناس للحرب ثم الهدنة والكتاب كله لأمير المؤمنين ع
وكان فيما هياه الله من ذلك حقن الدماء وإصلاح أمر الاسلام
اه وكان صلح الحديبية سببا لكثرة المسلمين وإن أجحفت بحقهم.
وقد يسال سائل فيقول ما كان الغرض من عمرة الحديبية والنبي ص يعلم
أو يظن ظنا قريبا من العلم أن قريشا لا تمكنه من دخول مكة وقد تكون
الحكمة فيها التمهيد لعقد الهدنة التي كان فيها تقوية المسلمين بعد الحروب
التي مضت عليهم والتي صارت سببا لفتح مكة بغير حرب فان قريشا لما
خالفت شروط الهدنة بمعاونتها على خزاعة سرا حق للنبي ص أن يغزو مكة
ويفتحها وقريش آمنة غير مستعدة لحربه ولولا الهدنة لكانت دائما في حذر
واستعداد والله أعلم. وقد تكون الحكمة أن يظهر للناس ظلم قريش
وجورها بصدها عن بيت الله المعظم عند الجميع وقد نقم عليهم ذلك
الحليس بن علقمة كما مر في الجزء الثاني قال المفيد. وقد روى الناس لأمير
المؤمنين علي في غزاة الحديبية بعد الذي ذكرنا فضيلتين اختص بهما وانضافا
إلى فضائله العظام ومناقبه الجسام فروى إبراهيم بن عمرو عن رجاله عن
فائد مولى عبد الله بن سالم قال لما خرج رسول الله ص في غزوة الحديبية
نزل الجحفة فلم يجد فيها ماء فبعث سعد بن مالك حتى إذا كان غير بعيد
رجع سعد بالروايا وقال يا رسول الله ما أستطيع أن أمضي لقد وقفت
قدماي رعبا من القوم فقال له النبي ص أجلس ثم بعث رجلا آخر فخرج
بالروايا حتى إذا كان بالمكان الذي انتهى إليه الأول رجع فقال رسول الله
ص لم رجعت قال والذي بعثك بالحق نبيا ما استطعت أن أمضي رعبا فدعا
رسول الله ص عليا ع فأرسله بالروايا وخرج السقاة وهم لا
يشكون في رجوعه لما رأوا من جزع من تقدمه فخرج علي بالروايا حتى ورد
الحرار واستقى ثم أقبل بها إلى النبي ص ولها زجل فلما دخل كبر النبي ص
ودعا له بخير. قال وفي هذه الغزاة أقبل سهيل بن عمرو إلى النبي ص
فقال يا محمد ان أرقاءنا لحقوا بك فارددهم علينا فغضب رسول الله ص
حتى تبين الغضب في وجهه ثم قال لتنتهن يا معشر قريش أو ليبعثن الله
عليكم رجلا امتحن الله قلبه بالايمان يضرب رقابكم على الدين فقال بعض
من حضر يا رسول الله فلان ذلك الرجل قال لا قال ففلان قال لا ولكنه
خاصف النعل في الحجرة فسار الناس إلى الحجرة ينظرون من الرجل فإذا
هو علي ع.
قال وقد روى هذا الحديث جماعة عن علي ع وقالوا فيه ان
عليا قص هذه القصة ثم قال سمعت رسول الله ص يقول من كذب علي
متعمدا فليتبوأ مقعده من النار. وكان الذي أصلحه علي ع من
نعل النبي ص شسعها فإنه كان انقطع فخصف موضعه وأصلحه اه.
سنة سبع من الهجرة
أخباره في غزوة خيبر
وكانت في جمادي الأولى أو المحرم سنة سبع من الهجرة ومرت مفصلة
في الجزء الثاني ونعيد هنا ما له تعلق بسيرة أمير المؤمنين ع كما
فعلنا في غيرها وكان يهود خيبر مظاهرين لغطفان على رسول الله ص وكان
المسلمون في هذه الغزاة ألفا وأربعمائة والخيل مائتي فرس. وكان علي في
هذه الغزاة أرمد فلذلك بعث النبي ص بالراية غيره فعاد منهزما ولحقه علي
وهو أرمد ولم يتخلف عنه وأصابه الرمد هناك فدعا له وتفل في عينيه فبرئتا
وأعطاه الراية فكان الفتح على يده قال ابن هشام قال ابن إسحاق: حدثني
بريدة بن سفيان بن فروة الأسلمي عن أبيه سفيان عن سلمة بن عمرو
الأكوع قال بعث رسول الله ص أبا بكر الصديق برايته وكانت بيضاء إلى
بعض حصون خيبر يقاتل فرجع ولم يك فتح وقد جهد فقال رسول الله
لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله يفتح الله على يديه ليس بفرار
وفي السيرة الحلبية في لفظ كرار غير فرار وفيها عن الامتاع وقد دفع ص
لواءه لرجل من المهاجرين فرجع ولم يصنع شيئا فدفعه إلى آخر من
المهاجرين فرجع ولم يصنع شيئا وخرجت كتائب اليهود يقدمهم ياسر أو
ناشر فكشف الأنصار حتى انتهى إلى رسول الله ص في موقفه فاشتد ذلك
على رسول الله ص وأمسى مهموما قال ابن هشام يقول سلمة فدعا رسول
(٤٠١)

الله ص عليا وهو أرمد فتفل في عينيه ثم قال خذ هذه الراية فامض بها حتى
يفتح الله عليك قال سلمة فخرج والله يهرول هرولة وانا لخلفه نتبع أثره
حتى ركز رايته في رضم من حجارة تحت الحصن فاطلع إليه يهودي من رأس
الحصن فقال من أنت قال أنا علي بن أبي طالب قال يقول اليهودي علوتم أو
غلبتم وما أنزل على موسى أو كما قال فما رجع حتى فتح الله على يديه ورواه
أبو نعيم الأصفهاني في حلية الأولياء بسنده عن سلمة بن الأكوع مثله وروى
الحاكم في المستدرك بسنده عن سلمة بن عمرو بن الأكوع قال بعث رسول
الله ص أبا بكر إلى بعض حصون خيبر فقاتل وجهد ولم يكن فتح وبسنده
عن أبي ليلى عن علي أنه قال يا أبا ليلى أ ما كنت معنا بخيبر قال بلى والله
كنت معكم قال فان رسول الله ص بعث أبا بكر إلى خيبر فسار بالناس
وانهزم حتى رجع هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه البخاري ومسلم
وقال الذهبي في تلخيص المستدرك صحيح ولم يتعقبه. وروى الحاكم في
المستدرك أيضا قال: أخبرنا أبو العباس محمد بن أحمد المحبوبي بمرو حدثنا
سعيد بن مسعود حدثنا عبد الله بن موسى حدثنا نعيم بن حكيم عن أبي
موسى الحنفي عن علي قال سار النبي ص إلى خيبر فلما أتاها بعث عمر
وبعث معه الناس إلى مدينتهم أو قصرهم فقاتلوهم فلم يلبثوا أن هزموا
عمر وصحابه فجاءوا يجبنونه ويجبنهم فسار النبي ص الحديث. هذا
حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه. وقال الذهبي في تلخيص المستدرك
صحيح ولم يتعقبه. وبسنده عن جابر أن النبي ص دفع الراية يوم خيبر إلى
عمر فانطلق فرجع يجبن أصحابه ويجبنونه هذا حديث صحيح على شرط
مسلم ولم يخرجاه وبسنده عن جابر بن عبد الله: لما كان يوم خيبر بعث
رسول الله ص رجلا فجبن إلى أن قال ثم قال رسول الله ص لأبعثن غدا
رجلا يحب الله ورسوله ويحبانه لا يولي الدبر يفتح الله على يديه
فتشوف لها الناس وعلي يومئذ أرمد فقال له رسول الله ص سر
فقال ما أبصر موضعا فتفل في عينيه وعقد له ودفع إليه الراية فقال
يا رسول الله علا م أقاتلهم فقال على أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني
رسول الله فإذا فعلوا ذلك فقد حقنوا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها
وحسابهم على الله عز وجل فلقيهم ففتح الله عليه. وفي أسد الغابة
بسنده عن بريدة قال لما كان يوم خيبر أخذ أبو بكر اللواء فلما كان من
الغد أخذه عمر وقيل محمد بن مسلمة فقال رسول الله ص لأدفعن لوائي إلى
رجل لم يرجع حتى يفتح الله عليه فصلى رسول الله ص صلاة الغداة ثم دعا
باللواء فدعا عليا وهو يشتكي عينيه فمسحهما ثم دفع إليه اللواء ففتح قال
الراوي فسمعت عبد الله بن بريدة يقول حدثني أبي أنه كان صاحب مرحب
يعني عليا وروى الطبري في تاريخه قال حدثنا ابن بشار حدثنا محمد بن
جعفر حدثنا عوف عن ميمون أبي عبد الله أن عبد الله بن بريدة حدث عن
بريدة الأسلمي قال لما كان حين نزل رسول الله ص بحصن أهل خيبر
اعطى اللواء عمر بن الخطاب ونهض من نهض معه من الناس فلقوا أهل
خيبر فانكشف عمر وأصحابه فرجعوا إلى رسول الله ص يجبنه أصحابه
ويجبنهم فقال رسول الله ص لأعطين اللواء غدا رجلا يحب الله ورسوله
ويحبه الله ورسوله فلما كان من الغد تطاول لها أبو بكر وعمر فدعا عليا ع
وهو أرمد فتفل في عينيه وأعطاه اللواء ونهض معه من الناس من
نهض فلقي أهل خيبر فإذا مرحب يرتجز ويقول:
- قد علمت خيبر أني مرحب * شاكي السلاح بطل مجرب -
- أطعن أحيانا وحينا أضرب * إذا الليوث أقبلت تلتهب -
فاختلف هو وعلي ضربتين فضربه علي على هامته حتى عض السيف
منها بأضراسه وسمع أهل العسكر صوت ضربته فما تنام آخر الناس مع علي
ع حتى فتح الله لأولهم. وروى الحاكم في المستدرك بسنده عن
عبد الله بن بريدة الأسلمي أن رسول الله ص لما نزل بحضرة خيبر قال
لأعطين اللواء غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله فلما كان من
الغد تطاول له جماعة من أصحابه فدعا عليا وهو أرمد فتفل في عينيه وأعطاه
اللواء ومعه الناس فلقوا أهل خيبر فإذا مرحب بين أيديهم يرتجز وهو
يقول:
- قد علمت خيبر اني مرحب * شاكي السلاح بطل مجرب -
- إذا السيوف أقبلت تلتهب * أطعن أحيانا وحينا أضرب -
فاختلف هو وعلي بضربتين فضربه علي على رأسه حتى عض السيف
بأضراسه وسمع أهل العسكر صوت ضربته فقتله فما أتى آخر الناس حتى
فتح لأولهم. وروى الحاكم في المستدرك بسنده عن أياس بن سلمة عن أبيه
قال شهدنا مع رسول الله ص خيبر حين بصق في عيني علي فبرئ فأعطاه
الراية فبرز مرحب وهو يقول:
- قد علمت خيبر اني مرحب * شاكي السلاح بطل مجرب -
- إذا الحروب أقبلت تلتهب -
فبرز له علي وهو يقول:
- أنا الذي سمتني أمي حيدره * كليث غابات كريه المنظره -
- أوفيكم بالصاع كيل السندرة -
فضرب مرحبا ففلق رأسه فقتله وكان الفتح. وقال الطبري حدثنا أبو
كريب حدثنا يونس بن بكير حدثنا المسيب بن مسلم الأودي حدثنا
عبد الله بن بريدة عن أبيه قال كان رسول الله ص ربما أخذته الشقيقة فلم
يخرج إلى الناس وأن أبا بكر أخذ راية رسول الله ص ثم نهض فقاتل قتالا
شديدا ثم رجع فاخذها عمر فقاتل قتالا شديدا هو أشد من القتال الأول
ثم رجع فأخبر بذلك رسول الله ص فقال اما والله لأعطينها غدا رجلا يحب
الله ورسوله ويحبه الله ورسوله يأخذها عنوة قال وليس ثم علي ع
فتطاولت لها قريش ورجا كل واحد منهم أن يكون صاحب ذلك فأصبح
فجاء علي ع على بعير له حتى أناخ قريبا من خباء رسول الله ص
وهو أرمد وقد عصب عينيه بشقة برد قطري فقال رسول الله ص ما لك قال
رمدت بعد فقال ادن مني فدنا منه فتفل في عينيه فما اشتكى وجعهما حتى
مضى لسبيله ثم أعطاه الراية فنهض بها وعليه حلة ارجوان حمراء قد اخرج
خملها فاتى مدينة خيبر وخرج مرحب صاحب الحصن وعليه مغفر وبرد
معصفر يمان وحجر قد ثقبه مثل البيضة على رأسه وهو يرتجز ويقول:
- قد علمت خيبر اني مرحب * شاكي السلاح بطل مجرب -
فقال علي ع:
- أنا الذي سمتني أمي حيدره * أكيلكم بالسيف كيل السندرة -
- ليث بغابات شديد قسوره -
فاختلفا ضربتين فبدره علي فضربه فقد الحجر والمغفر ورأسه حتى وقع
السيف في الأضراس وأخذ المدينة. وفي السيرة الحلبية أن مرحبا كان رأى
تلك الليلة كان أسدا افترسه فذكره ذلك علي بقوله:
- أنا الذي سمتني أمي حيدره * ليث بغابات شديد قسوره -
لأن حيدره من أسماء الأسد. وفيها أيضا في رواية أنه ص ألبسه
درعه الحديد وشد ذا الفقار في وسطه وأعطاه الراية ووجهه إلى الحصن
(٤٠٢)

وخرج إليه أهل الحصن وكان أول من خرج إليه منهم الحارث أخو مرحب
وكان معروفا بالشجاعة فانكشف المسلمون وثبت علي فتضاربا فقتله علي
وانهزم اليهود إلى الحصن. وفيها أيضا جاء أن مرحبا لما رأى أخاه قد قتل
خرج سريعا من الحصن في سلاحه وكان قد لبس درعين وتقلد بسيفين
واعتم بعمامين ولبس فوقهما مغفرا وحجرا قد ثقبه قدر البيضة ومعه رمح
لسانه ثلاثة أشبار وهو يرتجز بما مر قال فيروى أن عليا ضربه فتترس فوقع
السيف على الترس فقده وشق المغفر والحجر الذي تحته والعمامتين وفلق
هامته حتى أخذ السيف في الأضراس. وفي طبقات ابن سعد: أخبرنا
عفان بن مسلم أخبرنا وهيب أخبرنا سهيل عن أبيه عن أبي هريرة قال
رسول الله ص يوم خيبر لأدفعن الراية إلى رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله
ورسوله ويفتح عليه قال عمر فما أحببت الامارة قبل يومئذ فتطاولت لها
واستشرفت رجاء أن يدفعها إلي فلما كان الغد دعا عليا فدفعها إليه فقال
قائل ولا تلتفت حتى يفتح الله عليك فسار قريبا ثم نادى يا رسول الله علا م
أقاتل قال حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فإذا فعلوا
ذلك فقد منعوا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله وفي
السيرة النبوية لدحلان يروى أن عليا بلغه مقالة النبي ص يعني قوله لأعطين
الراية الخ قال اللهم لا معطي لما منعت ولا مانع لما أعطيت اه فلم
يتطاول ولم يستشرف وفي السيرة الحلبية: زاد في رواية وأخبرهم بما يجب
عليهم من حق الله فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من أن
يكون لك حمر النعم تتصدق بها في سبيل الله. وروى ابن سعد بسنده عن
سلمة بن الأكوع أن عمه عامرا بارز مرحبا يوم خيبر فاختلفا ضربتين فوقع
سيف مرحب في ترس عامر وذهب عامر يسفل له فوقع السيف على ساق
عامر فقطع أكحله فكانت فيها نفسه قال قال سلمة ثم أن نبي الله أرسلني
إلى علي فقال لأعطين الراية اليوم رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله
فجئت به أقوده أرمد فبصق رسول الله ص في عينيه ثم أعطاه الراية فخرج
مرحب يخطر بسيفه ويرتجز بما مر فقال علي ع وذكر الرجز السابق
ثم قال ففلق رأس مرحب بالسيف وكان الفتح على يديه وفي السيرة
الحلبية أن محمود بن مسلمة حارب حتى أعياه الحرب فانحاز إلى ظل
الحصن فالقى عليه يهودي حجر الرحى ثم مات فقال رسول الله ص لأخيه
محمد بن مسلمة لأعطين الراية إلى رجل يحب الله ورسوله ويحبانه قال وفي
لفظ لأدفعن الراية إلى رجل يحب الله ورسوله لا يولي الدبر يفتح الله عز
وجل على يده فيمكنه الله من قاتل أخيك وعند ذلك لم يكن من الصحابة
أحد له منزلة عند النبي ص إلا يرجو أن يعطاها فبعث إلى علي وكان أرمد
شديد الرمد وكان قد تخلف بالمدينة ثم لحق بالقوم فقيل له أنه يشتكي عينيه
فقال من يأتيني به فذهب إليه سلمة بن الأكوع وأخذ بيده يقوده حتى أتى
به النبي ص قد عصب عينيه فعقد له اللواء فقال له علي يا رسول الله إني
أرمد كما ترى لا أبصر موضع قدمي فوضع رأيه في حجره وتفل في كفه
وفتح له عينيه فدلكهما فبرئا حتى كان لم يكن بها وجع قال علي فما اشتكيتهما
حتى الساعة ثم قال اللهم أكفه الحر والبرد فكان يلبس في الحر الشديد
القباء المحشو الثخين ويلبس في البرد الشديد الثوبين الخفيفين. وقد
يعارض هذا ما وراء هارون بن عنترة عن أبيه: دخلت على علي بالخورنق
وهو يرعد تحت سمل قطيفة فقلت يا أمير المؤمنين إن الله جعل لك في هذا
المال نصيبا وأنت تصنع بنفسك هكذا فقال والله لا أرزؤكم من مالكم سيئا
وأنها لقطيفتي التي خرجت بها من المدينة. وجمع بينهما صاحب السيرة
الحلبية بان رعدته لعلها لحمي أصابته وفيه ما لا يخفى إذ هو كالصريح في
أن رعدته من البرد لعدم وجود ما يستدفئ به وقال الأستاذ العقاد في كتابه
عبقرية الامام أن لبسه ثياب الشتاء في الصيف وثياب الصيف في الشتاء لأنه
من مكانة تركيبه كان لا يبالي الحر والبرد وسئل في ذلك فقال إن رسول الله
ص بعث إلي وأنا أرمد العين يوم خيبر فقلت يا رسول الله إني أرمد العين
فقال اللهم اذهب عنه الحر والبرد فما وجدت حرا ولا بردا منذ يومئذ قال
ولا يفهم من هذا أنه كان معدوم الحس بالحر والبرد فقد كان يرعد للبرد إذا
اشتد ولم يتخذ له عدة من دثار يقيه وذكر خبر هارون بن عنترة المتقدم ثم
قال فليس انعدام حس بالصيف والشتاء إنما هي مناعة قوية خصت بها
بنيته لم يخص بها معظم الناس اه ولا يبعد أن يكون ما في الرواية
الثانية باطلا فان عليا ع مهما بلغ به الزهد لم يكن ليعجز عن
شئ يتقي به البرد من نار أو كساء أو عباءة ونحو ذلك ولو خلقا. وفي
الاستيعاب: روى سعد بن أبي وقاص وسهل بن سعد وأبو هريرة
وبريدة الأسلمي وأبو سعيد الخدري وعبد الله بن عمر وعمران
ابن حصين وسلمة بن الأكوع كلهم بمعنى واحد عن النبي ص أنه
قال في يوم خيبر لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه
الله ورسوله ليس بفرار يفتح الله على يديه فدعا بعلي وهو أرمد
فتفل في عينيه وأعطاه الراية ففتح عليه قال وهذه كلها آثار ثابتة
اه وروى أبو نعيم الأصفهاني أحمد بن عبد الله في حلية الأولياء
بسنده عن سهل بن سعد أن رسول الله ص قال يوم خيبر لأعطين
هذه الراية رجلا يفتح الله على يديه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله
فبات لناس يدوكون (١) ليلتهم أيهم يعطاها فقال أين علي بن أبي طالب
فقالوا يا رسول يشتكي عينيه قال فارسلوا إليه فاتي به فبصق في عينيه ودعا له
فبرئ كان لم يكن به وجع وأعطاه الراية فقال يا رسول الله أقاتلهم حتى
يكونوا مثلنا فقال انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى
الاسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه فوالله لأن يهدي الله بك
رجلا واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النعم، قال رواه سعد بن أبي
وقاص وأبو هريرة وسلمة بن الأكوع أقول ورواه مسلم في صحيحه
بسنده عن سهل بن سعد نحوه ورواه النسائي في الخصائص بسنده عن
سهل بن سعد نحوه إلا أنه قال فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله ص
كلهم يرجو أن يعطى وبسنده عن سعد قال رسول الله ص لأدفعن
الراية إلى رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ويفتح الله بيده
فاستشرف لها أصحابه فدفعها إلى علي وبسنده عن عبد الرحمن بن أبي
ليلى عن أبيه أنه قال لعلي وكان يسبر معه أن الناس قد أنكروا منك شيئا
تخرج في البرد في الملاءتين وتخرج في الحر في الخشن (٢) والثوب الغليظ لم
تكن معنا بخيبر قال بلى قال بعث رسول الله ص أبا بكر وعقد له لواء
فرجع وبعث عمر وعقد له لواء فرجع فقال رسول الله ص لأعطين الراية
رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ليس بفرار فأرسل إلي وأنا أرمد
فتفل في عيني فقال اللهم اكفه اذى الحر والبرد فما وجدت حرا بعد ذلك ولا
بردا وبسنده عن عبد الله بن بريدة سمعت أبي بريدة يقول حاصرنا
خيبر فاخذ الراية أبو بكر فلم يفتح له فأخذنا من الغد عمر فانصرف ولم
يفتح له وأصاب الناس شدة وجهد فقال رسول الله ص إني دافع لوائي غدا
إلى رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله لا يرجع حتى يفتح له وبتنا

(١) في النهاية وقع الناس في دوكة أي في خوض واختلاط.
(٢) لعل صوابه في الحيش.
(٤٠٣)

طيبة أنفسنا أن الفتح غدا فلما أصبح رسول الله ص صلى الغداة ثم جاء
قائما ورمى اللواء والناس على اقصافهم (١) فما منا انسان له منزلة عند
الرسول ص الا وهو يرجو أن يكون صاحب اللواء فدعا علي بن أبي طالب
وهو أرمد فتفل ومسح في عينيه فدفع إليه اللواء وفتح الله عليه وفي
الإصابة: ومن خصائص علي قوله ص يوم خيبر لأدفعن الراية إلى رجل
يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله يفتح الله على يديه فلما أصبح رسول الله
ص غدوا كلهم يرجو أن يعطاها فقال رسول الله ص أين علي بن أبي طالب
فقالوا هو يشتكي عينيه فاتى به فبصق في عينيه فدعا له فبرئ فأعطاه الراية
أخرجاه في الصحيحين من حديث سهل بن سعد ومن حديث سلمة بن
الأكوع نحوه باختصار وفيه يفتح الله على يديه. وفي حديث أبي هريرة عند
مسلم نحوه وفيه فقال عمر ما أحببت الامارة إلا ذلك اليوم وفي حديث
بريدة عن أحمد نحو حديث سهل وفي زيادة في أوله وفي آخره قصة مرحب
وقتل علي له فضربه علي على هامته ضربة حتى عض السيف منه بيضة رأسه
وسمع أهل العسكر صوت ضربته فما قام آخر الناس حتى فتح الله لهم.
قال وفي المسند لعبد الله بن أحمد بن حنبل من حديث جابر أن النبي ص لما
دفع الراية لعلي يوم خيبر أسرع فجعلوا يقولون له ارفق حتى انتهى إلى
الحصن فاجتذب بابه فألقاه على الأرض ثم اجتمع عليه سبعون رجلا حتى
أعادوه قال وفي سنده حرام بن عثمان متروك قال وجاءت قصة الباب من
حديث أبي رافع لكن ذكر دون هذا العدد اه الإصابة وفي خصائص
النسائي بسنده عن عبد الله بن بريدة الأسلمي قال لما كان يوم خيبر ونزل
رسول الله ص بحصن خيبر أعطى اللواء عمر فنهض فيه من نهض من
الناس فلقوا أهل خيبر فانكشف عمر وأصحابه فرجعوا إلى رسول الله ص
فقال ص لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله فلما كان
من الغد تصادر (٢) أبو بكر وعمر فدعا عليا وهو أرمد فتفل في عينيه ونهض
معه من الناس فلقي أهل خيبر فإذا مرحب يرتجز:
- قد علمت خيبر اني مرحب * شاكي السلاح بطل مجرب -
- إذا الليوث أقبلت تلتهب * أطعن أحيانا وحينا أضرب -
فاختلف هو وعلي ضربتين فضربه علي على هامته حتى مضى السيف
منتها منتهى رأسه وسمع أهل العسكر صوت ضربته فما تتام آخر الناس مع
علي حتى فتح لأولهم، وروى أبو نعيم في حلية الأولياء بسنده عن
سلمة بن الأكوع قال بعث رسول الله ص أبا بكر الصديق برايته إلى
حصون خيبر يقاتل فرجع ولم يكن فتح وقد جهد ثم بعث عمر الغد
فقاتل (٣) فرجع ولم يكن فتح وقد جهد فقال رسول الله ص لأعطين الراية
غدا رجلا يحب الله ورسوله يفتح الله على يديه ليس بفرار فدعا بعلي ع
وهو أرمد فتفل في عينيه فقال: هذه الراية امض بها حتى يفتح الله
على يديك قال سلمة فخرج بها والله يهرول هرولة وأنا خلفه نتبع أثره حتى
ركز رايته في رضم من الحجارة تحت الحصن فاطلع إليه يهودي من رأس
الحصن فقال من فقال علي بن أبي طالب فقال اليهودي غلبتم وما أنزل على
موسى فما رجع حتى فتح الله على يديه وروى النسائي في
الخصائص بسنده عن أبي هريرة قال رسول الله ص لأدفعن الراية اليوم إلى
رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله. فتطاول القوم فقال أين علي بن
أبي طالب فقالوا يشتكي عينه فبصق نبي الله في كفيه ومسح بهما عيني علي
ودفع إليه الراية ففتح الله على يديه وبسنده عن أبي هريرة إن رسول الله
ص قال يوم خيبر لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله يفتح الله عليه قال
عمر بن الخطاب ما أحببت الامارة إلا يومئذ فدعا رسول الله ص علي بن
أبي طالب فأعطاه إياها وقال امش ولا تلتفت حتى يفتح الله عليك فسار علي
ثم وقف فصاح يا رسول الله على ما ذا أقاتل الناس قال قاتلهم حتى يشهدوا
أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا منك
دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله وبسنده عن أبي هريرة قال
رسول الله ص لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله يفتح عليه قال
عمر فما أحببت الامارة قط إلا يومئذ فاستشرفت لها فدعا عليا فبعثه ثم ذكر
نحوا مما في الحديث المتقدم وبسنده عن أبي هريرة نحوه. ورواه مسلم
في صحيحه نحوه إلا أنه قال قال عمر بن الخطاب ما أحببت الامارة إلا
يومئذ فتساورت لها (٤) رجاء أن أدعى لها وروى النسائي في الخصائص
بسنده عن عمران بن الحصين ان النبي ص قال لأعطين الراية رجلا يحب
الله ورسوله أو قال يحبه الله ورسوله فدعا عليا وهو أرمد ففتح الله يديه
وبسنده قال جمع الناس الحسن بن علي وعليه عمامة سوداء لما قتل أبوه
فقال لقد قتلتم بالأمس رجلا ما سبقه الأولون ولا يدركه الآخرون وإن
رسول الله ص قال لأعطين الرايعة غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله
ورسوله ثم لا ترد رايته حتى يفتح الله عليه وما ترك دينارا ولا درهما تسعمائة
درهم اخذها عياله من عطاه كان أراد أن يبتاع بها خادما لأهله (٥).
ويأتي في رواية الخرائج ما يدل على أن مرحبا هرب مع من هرب إلى
الحصن لما حمل عليهم أمير المؤمنين ع وان قتله كان بعد فتح
الحصن ولم يذكره غيره. وفي السيرة الحلبية قال بعضهم: الأخبار متواترة
بان عليا هو الذي قتل مرحبا وبه جزم مسلم في صحيحه وقال ابن الأثير هو
الصحيح الذي عليه أهل السير والحديث وفي الاستيعاب انه الصحيح الذي
عليه أكثر أهل السير والحديث وقال الحاكم في المستدرك إن الأخبار متواترة
باسناد كثيرة إن قاتل مرحب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب اه فلا
يلتفت إلى الخبر الشاذ الذي رواه محمد بن إسحاق من أن قاتله محمد بن
مسلمة ولكن الدكتور محمد حسين هيكل في كتابه حياة محمد لم يذكر إلا
هذا الخبر الشاذ الذي وضعه أعداء علي وحاسدوه وأعرض عن الخبر المتواتر
فلم يذكره أصلا ولا أشار إليه ولا عجب فهذا ديدنه في كتابه من غمط علي
حقه في كل مقام ما استطاع وهي شنشنة أخزمية معروفة لكثيرين غيره قال
المفيد: ومن ذلك ما كان في يوم خيبر من انهزام من انهزم وقد أهل لجليل
المقام بحمل الراية وكان بانهزامه من الفساد ما لا خفاء به على الألباء ثم
أعطي صاحبه الراية من بعده وكان من انهزامه فأكبر ذلك رسول الله ص
وأظهر النكير له والمساءة به ثم قال معلنا لأعطين الراية غدا رجلا يحبه الله
ورسوله ويحب الله ورسوله كرارا غير فرار لا يرجع حتى يفتح الله على يديه
فأعطاها أمير المؤمنين ع وكان الفتح على يديه ودل فحوى كلامه
ص على خروج الفارين من صفة الكر والثبوت للقتال وفي تلافي أمير
المؤمنين بخيبر ما فرط من غيره دليل على توحده من الفضل فيه بما لم يشركه
فيه من عداه اه.

(١) كذا في النسخة المطبوعة بمصر ولا اضمن صحتها فإن صحت فلعل الاقصاف جمع قصف وهو
الازدحام أو جمع قصفة وهي التدافع والتزاحم ولعل الصواب على مصافهم بدل اقصافهم
والله أعلم.
(٢) لعل المراد بتصادر رفع صدره.
(٣) كذا في النسخة ولعل صوابه يقاتل.
(٤) في النهاية فتساورت لها اي رفعت لها شخصي.
(٥) الخادم يطلق على المذكر والمؤنث والمراد هنا المؤنث. - المؤلف -
(٤٠٤)

ما جاء في تترسه بالباب وقلعه باب الحصن
كان اسم الحصن القموص وكان أعظم حصون خيبر وكان منبعا
وكان اليهود قد خندقوا على أنفسهم كأنهم تعلموا ذلك من يوم الأحزاب
فان الخنادق لم تكن معروفة عند العرب وتدل الروايات على أن عليا ع
تترس بباب عظيم كان عند الحصن من خشب أو حديد لما سقط
ترسه من يده وانه قلع باب الحصن ودخله وهو أعظم من الباب الذي
تترس به روى ابن هشام عن ابن إسحاق والطبري عن ابن حميد عن سلمة
عن محمد بن إسحاق حدثني عبد الله بن الحسن عن بعض أهله عن أبي رافع
مولى رسول الله ص قال خرجنا مع علي بن أبي طالب حين بعثه رسول الله
ص برايته فلما دنا من الحصن خرج إليه أهله فقاتلهم فضربه رجل من
اليهود فطاح ترسه من يده فتناول علي بابا كان عند الحصن فتترس به عن
نفسه فلم يزل في يده وهو يقاتل حتى فتح الله عليه ثم ألقاه من يده حين
فرع فقد رأيتني في نفر سبعة إناثا منهم نجهد على أن نقلب ذلك الباب فما
نقلبه وفي السيرة الحلبية فحمل مرحب على علي وضربه فطرح ترسه من يده
فتناول علي بابا كان عند الحصن فتترس به عن نفسه فلم يزل في يده وهو
يقاتل حتى فتح الله عليه الحصن ثم ألقاه من يده وراء ظهره ثمانين شبرا
قال الراوي فجهدت انا وسبعة نفر على أن نقلب ذلك الباب فلم نقدر
اه وهذا الباب غير باب الحصن بل هو باب أصغر منه كان ملقى عند
الحصن اخذه علي فتترس به ويوشك ان يكون وقع هنا اشتباه من صاحب
السيرة الحلبية في قوله ثم ألقاه وراء ظهره ثمانين شبرا لأن ذلك وارد في
باب الحصن لا في الباب الذي تترس به فان الروايات الآتية الواردة في قلع
الباب تدل على أنه رمى باب الحصن خلفه أربعين ذراعا والأربعون ذراعا
هي ثمانون شبرا. وقال دحلان في سيرته حمل مرحب على علي وضربه
فطرح ترسه من يده فتناول علي ترسا بابا كان عند الحصن فتترس به عن
نفسه فلم يزل في يده وهو يقاتل حتى فتح الله عليه الحصن ثم ألقاه من يده
وراء ظهره وكان طول الباب ثمانين شبرا ولم يحركه بعد ذلك سبعون رجلا
إلا بعد جهد اه وهذا الاختلاف بين نقل السيرة الحلبية وسيرة دحلان
يدل على عدم التحرير والضبط فالحلبية تقول ألقاه وراء ظهره ثمانين شبرا
ودحلان يقول كان طول الباب ثمانين شبرا والحلبية تقول إن ثمانية نفر لم
يقدروا على قلبه ودحلان يقول لم يحركه سبعون إلا بعد جهد ويوشك ان
يكون عدد السبعين واردا في باب الحصن لا في الباب الترس. أما ما جاء
في باب الحصن ففي بعض الروايات ان عليا ع تترس به أيضا
وفي بعضها أنه جعله بعد الفتح جسرا وفي بعضها انه دحا به خلفه أربعين
ذراعا وفي بعضها انه كان من حجر قال المفيد: لما قتل علي ع
مرحبا رجع من كان معه وأغلقوا باب الحصن عليهم دونه فصار إلى الباب
فعالجه حتى فتحه وأكثر الناس من جانب الخندق فاخذ علي ع
باب الحصن فجعله على الخندق جسرا لهم حتى عبروا فظفروا بالحصن
وغنموا الغنائم فلما انصرفوا من الحصن اخذه بيمناه فاحا به أذرعا من
الأرض وكان الباب يغلقه عشرون رجلا منهم اه.
وهذا يدلنا على أن مرحبا كان قد خرج من الحصن ومعه جماعة ليقاتل
وإذا كان الحصن حوله خندق كما مر فلا بد ان يكون مرحب ومن معه
عبروا على جسر خشبي صغير عند باب الحصن فوق الخندق كما هو الشأن
في الخنادق التي حول الحصون والمدن فلما قتل مرحب وعاد من معه هاربين
إلى الحصن عبروا على ذلك الجسر فيمكن ان يكونوا رفعوه لما دخلوا الحصن
فأعاده علي ومن معه وعبروا عليه ويمكن ان يكون علي قد أعجلهم عن رفعه
فعبر عليه هو ومن معه ومثل هذا الجسر يكون عادة صغيرا لا يكفي إلا
لعبور النفر القليل في دفعة واحدة فلذلك لما قلع باب الحصن جعله جسرا
على الخندق ليعبر عليه أكثر من معه الذين كانوا خارج الخندق ولم يعبر معه
منهم إلا القليل لضيق الطريق. وقال دحلان: عن أبي جعفر محمد بن
علي بن الحسين عن جابر ان عليا حمل الباب يوم خيبر وانه جرب بعد ذلك
فلم يحمله أربعون رجلا رواه البيهقي وفي رواية للبيهقي إن عليا لما انتهى
إلى الحصن المسمى القموص اجتذب أحد أبوابه فألقاه بالأرض فاجتمع
عليه بعده سبعون رجلا فكان جهدهم ان أعادوا الباب مكانه وجمع بين
روايتي السبعين والأربعين بان الأربعين عالجوا حمله فما قدروا فتكاملوا
سبعين فحملوه وعن الحافظ ابن حجر انه جمع بين الرواية السابقة لقد
رأيتني في سبعة نفر الخ وبين رواية الأربعين ان السبعة عالجوا قلبه
والأربعين عالجوا حمله والفرق بينهما ظاهر اه ولكن رواية السبعة واردة
في الباب الترس والأربعين في باب الحصن فلا حاجة إلى الجمع. ثم إن في
بعض الروايات ان عليا ع لما حمل باب الحصن ووضعه على
الخندق جسرا للعبور قصر فامسكه بيده حتى عبر عليه الناس ولم أجد هذه
الرواية الآن لابين محل ذكرها وإليها يشير الحاج هاشم الكعبي بقوله:
- وجعلته جسرا فقصر فاغتدت * طولى يمينك جسرها الممدودا -
وقال الراوندي في الخرائج إن النبي ص دفع الراية إلى علي ع
فاخذها وسار بها المسلمون خلفه حتى وافى باب الحصن فاستقبله
حماة اليهود وفي أولهم مرحب يهدر كما يهدر البعير فدعاهم إلى الإسلام فأبوا
ثم دعاهم إلى الذمة فأبوا فحمل عليهم فانهزموا بين يديه ودخلوا الحصن
وردوا بابه وكان الباب حجرا منقورا في صخر والباب من الحجر في ذلك
الصخر المنقور كأنه حجر رحى وفي وسطه ثقب لطيف فرمى أمير المؤمنين
ع بقوسه من يده اليسرى وجعل يده اليسرى في ذلك الثقب
الذي في وسط الحجر دون اليمنى لأن السيف كان في يده اليمنى ثم جذبه
إليه فانهار الصخر المنقور وصار الباب في يده اليسرى فحملت عليه اليهود
فجعل ذلك ترسا له وحمل عليهم فضرب مرحبا فقتله وانهزم اليهود من بين
يديه فرمى عند ذلك الحجر بيده اليسرى إلى خلفه فمر الحجر الذي هو
الباب على رؤوس الناس من المسلمين إلى أن وقع في آخر العسكر قالوا
فذرعنا المسافة التي مضى فيها الباب فكانت أربعين ذراعا ثم اجتمعنا على
ذلك الباب لنرفعه من الأرض وكنا أربعين رجلا حتى تهيا لنا ان نرفعه قليلا
من الأرض اه. وفي السيرة الحلبية عن الأمتاع انه ذكر جملة ممن خرج
حديث باب خيبر من الحفاظ ردا على من قال إنه لا أصل له اه
وقد امتاز أمير المؤمنين ع في هذه الغزوة كغيرها من
الغزوات بأمور لم يشاركه فيها غيره وهي مستفادة من مجموع ما مر:
١ انه كان صاحب الراية فيها كسائر الغزوات وإنما اخذها غيره لما
كان أرمد فلما عادوا منهزمين واحد بعد واحد وشفاه الله تعالى من الرمد
ببركة الرسول ص كان هو صاحبها.
٢ قول النبي ص لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه
الله ورسوله كرارا غير فرار يفتح الله على يديه.
٣ انه به كشفت الشدة والهم والجهد عن رسول الله ص وعن المسلمين لما
(٤٠٥)

انكشفت الأنصار حتى انتهوا إليه في موقفه فاشتد ذلك عليه وامسى مهموما
وأصاب الناس شدة وجهد ثم طابت أنفسهم ان الفتح غدا.
٤ انه لما خرج بالراية لم يمش الهوينا بل أسرع وهرول هرولة فعل
الشجاع الباسل الذي لا يبالي بشئ فجعلوا يقولون له ارفق فلم يقف حتى
ركز الراية في أصل الحصن.
٥ شدة خوف اليهود وإيقانهم بأنهم مغلوبون لما سمعوا باسمه.
٦ قتله مرحبا بضربة سمع العسكر صوتها
٧ قتله مرحبا وفتحه الحصن قبل ان يتتام لحاق الناس به فإنه ما
تتام آخر الناس معه حتى فتح الله لأولهم.
٨ ان النبي ص ألبسه درعه وعممه بيده والبسه ثيابه وشد ذا الفقار
في وسطه بيده وأركبه بغلته.
٩ قتله الحارث أخا مرحب وكان معروفا بالشجاعة.
١٠ ثباته حين خروج الحارث وانهزام المسلمين.
١١ انه لما بلغه قول النبي ص لأعطين الراية قال اللهم لا معطي لما
منعت ولا مانع لما أعطيت فلم يتطاول ولم يتصادر ولم يتساور ولم يستشرف
ولم يظهر حب الامارة. وكيف يتطاول لها ويستشرف ويتصادر ويتساور من
فر بها بالأمس.
١٢ أمر النبي ص له ان يخبرهم بما يجب عليهم من حق الله وقوله
له لأن يهدي الله بك الخ.
١٣ دعاء النبي ص له ان يكفيه الحر والبرد فاستجاب الله له
ذلك.
١٤ تترسه بباب لم يستطع قلبه ثمانية نفر.
١٥ قلعه باب الحصن والقاؤه على الأرض ووضعه جسرا على
الخندق واجتماع سبعين حتى أعادوه.
وقد أكثر الشعراء من ذكر وقعة خيبر فقال الكميت:
- سقى جرع الموت ابن عثمان بعد ما * تعاورها منه وليد ومرحب -
ابن عثمان هو طلحة بن أبي طلحة العبدري صاحب اللواء قتله يوم
أحد والوليد هو ابن عتبة قتله يوم بدر. واستاذن حسان بن ثابت رسول
الله ص أن يقول في ذلك شعرا فاذن له فقال اورده المفيد:
- وكان علي أرمد العين يبتغي * دواء فلما لم يحس مداويا -
- شفاه رسول الله منه بتفلة * فبورك مرقيا وبورك راقيا -
- وقال سأعطي الراية اليوم صار ما * كميا محبا للرسول مواليا -
- يحب إلهي والاله يحبه * به يفتح الله الحصون الأوابيا -
- فأصفى بها دون البرية كلها * عليا وسماه الوزير المؤاخيا -
قال المفيد وفي حمل أمير المؤمنين ع الباب يقول الشاعر:
- إن امرأ حمل الرتاج بخيبر * يوم اليهود بقدرة لمؤيد -
- حمل الرتاج رتاج باب قموصها * والمسلمون وأهل خيبر حشد -
- فرمى به ولقد تكلف رده * سبعون شخصا كلهم متشدد -
- ردوه بعد تكلف ومشقة * ومقال بعضهم لبعض ارددوا -
قال المفيد وفيه أيضا قال شاعر من شعراء الشيعة على ما رواه أبو
محمد الحسن بن محمد بن جمهور قال قرأت على أبي عثمان المازني:
- بعث النبي براية منصورة * ذاك ابن حنتمة الدلام الأدلما -
- فمضى بها حتى إذا برز واله * دون القموص ثنى وهاب وأحجما -
- فاتى النبي براية مردودة * الا تخوف عارها فتذمما -
- فنكى فبلى النبي له وانبه بها * ودعا امرأ حسن البصيرة مقدما -
- فغدا بها في فيلق ودعا له * ان لا يصد بها وان لا يهزما -
- فزوى اليهود إلى القموص وقد كسا * كبش الكتيبة ذا غرار مخذما -
- وثنى بناس بعدهم فقراهم * طلس الذباب وكل نسر قشعما -
-
ساط الاله بحب آل محمد * وبحب من والاهم مني الدما -
وقال السيد الحميري في القصيدة المذهبة:
- وله بخيبر إذ دعاه لراية * ردت عليه هنالك أكرم منقب -
- إذ جاء حاملها فاقبل متعبا * يهوي بها العدوي أو كالمنعب -
- يهوي بها وفتى اليهود يشله * كالثور ولى من لواحق أكلب -
- غضب النبي لها فأنبه بها * ودعا أخا ثقة لكهل منجب -
- رجل كلا طرفيه من سام وما * حام له باب ولا بأبي أب -
- من لا يفر ولا يرى في نجدة * الا وصارمه خضيب المضرب -
- فمضى بها قبل اليهود مصمما * يرجو الشهادة لا كمشي الأنكب -
- تهتز في يمنى يدي متعرض * للموت أروح في الكريهة محرب -
- في فيلق فيه السوابغ والقنا * والبيض تلمع كالحريق الملهب -
- والمشرفية في الأكف كأنها * لمع البروق بعارض متحلب -
- وذوو البصائر فوق كل مقلص * نهد المرا كل ذي سبيب سلهب -
- ومضى فاقبل مرحب متذمرا * بالسيف يخطر كالهزبر المغضب -
- فتخالسا مهج النفوس فاقلعا * عن جري احمر سائل من مرحب -
- فهوى بمختلف القنا متجدلا * ودم الجبين بخده المتترب -
- أجلي فوارسه واجلى رجله * عن مقعص بدمائه متخضب -
وقال الحاج هاشم الكعبي:
- ولخيبر خبر يصم حديثه * سمع العدى ويفجر الجلمودا -
- يوم به كنت الفتى الفتاك * والكرار والمحبوب والصنديدا -
- من بعد ما ولى الجبان براية ال‍ * يمان تلتحف الهوان برودا -
- ورأتك فانتشرت لقربك بهجة * فعل الودود يعاين المودودا -
- فنصرتها ونضرتها فكأنها * غصن يرنحه الصبا املودا -
- فغدوت ترقل والقلوب خوافق * والنصر يرمي نحوك الاقليدا -
- فلقيتها فعقلت فارسها ولا * عجب إذا افترس الهزبر السيدا -
- ويل امه أيظنك النكس الذي * ولى غداة الطعن يلوي جيدا -
- وتبعتها فحللت عقدة تاجها * بيد سمت ورتاجها الموصودا -
- وجعلته جسرا فقصر فاغتدت * طولى يمينك جسرها الممدودا -
- وأبحت حصنهم المشيد فلم يكن * حصن لهم من بعد ذاك مشيدا -
وقال الأزري في هائيته:
- وله يوم خيبر فتكأت * كبرت منظرا على من رآها -
- يوم قال النبي اني لأعطي * رايتي ليثها وحامي حماها -
- فاستطالت أعناق كل فريق * ليروا اي ماجد يعطاها -
- فدعا أين وارث العلم والحلم * مجير الأيام من باساها -
(٤٠٦)

- أين ذو النجدة الذي لو دعته * في الثريا مروعة لباها -
- فاتاه الوصي أرمد عين * فسقاها من ريقه فشفاها -
- ومضى يطلب الصفوف فولت * عنه علما بأنه أمضاها -
- ويرى مرحبا بكف اقتدار * أقوياء الاقدار من ضعفاها -
- ودحا بابها بقوة باس * لو حمتها الأفلاك منه دحاها -
وقال بعض الظرفاء متغزلا اورده دحلان:
- وشادن أبصرته مقبلا * فقلت من وجدي به مرحبا -
- قد فؤادي في الهوى قدة * قد علي في الوغى مرحبا -
وقال المؤلف من قصيدة:
- وفي خيبر فروا براية احمد * يجبن بعض بعضهم ما لهم صبر -
- فقال سأعطي رايتي من يجوزها * بحق ومن دأبه الكر لا الفر -
- يحب إلهي والاله يحبه * فتى في يديه النجح والفتح والنصر -
- تطاولت الأعناق من ذا يحوزها * فمن حازها يعلو له الشأن والقدر -
- فأين علي ساعدي قيل أرمد * فكان دواه الريق وانمصح الضر -
- إلهي عنه الحر والبرد اقصه * فما ضره من بعد برد ولا حر -
- فسار بها نحو اليهود مهرولا * فنالتهم البؤسى وعمهم الذعر -
-
تنادوا أخو عمرو اتاكم اتاكم * ففروا سراعا راجعين وما قروا -
- وعاجل بالسيف المهند مرحبا * وقد قد منه الهام والبيضة الصخر -
غزوة وادي القرى
في جمادى الآخرة سنة سبع من الهجرة ومرت في الجزء الثاني وهو واد
بين الشام والمدينة كانت قديما منازل ثمود وعاد فينبغي أن تكون بنواحي
مدائن صالح وأهله يهود توجه إليه النبي ص بعد فراغه من خيبر وكان معه
علي ع ولا بد أن تكون معه رايته بعموم قول جملة من المؤرخين
انه كان صاحب رايته في المواقف كلها وقد ذكر المؤرخون انه برز رجل منهم
فقتله الزبير وآخر فقتله علي وثالث فقتله أبو دجانة وفتحت عنوة.
خبره في عمرة القضاء
في ذي القعدة سنة سبع من الهجرة.
سميت بذلك لأنها كانت قضاء للعمرة التي صدت قريش فيها النبي
ص عن العمرة عام الحديبية سنة ست من الهجرة فإنه جاء قاصدا العمرة لا
يريد حربا فصدته قريش ومنعته من ذلك ثم جرت المهادنة والصلح بينهم
وبينه على ترك الحرب عشر سنين وان يرجع عنهم في تلك السنة فإذا كانت
السنة الآتية خرجوا عن مكة ودخلها بأصحابه فاعتمر وأقام بها ثلاثا معه
سلاح الراكب السيوف في الأغماد كما مر تفصيله في الجزء الثاني فلما كانت
هذه السنة جاء لقضاء العمرة التي صد عنها في السنة الماضية حسب المعاهدة
بينه وبين قريش. وكان معه في هذه العمرة علي والزهراء ع ولم
يكن فيها حرب حتى يكون لليث الحروب فيها طعن أو ضرب. وفي السيرة
النبوية لدحلان في البخاري من حديث البراء فلما دخلها ومضى الاجل اتوا
عليا فقالوا قل لصاحبك: اخرج عنا فقد مضى الأجل فخرج النبي ص
فتبعته ابنة حمزة بن عبد المطلب واسمها امامة أو عمارة أو سلمى أو غير
ذلك تنادي يا عم يا عم فتناولها علي وقال لفاطمة وهي في هودجها دونك
ابنة عمك وقال علي للنبي ص علا م نترك ابنة عمنا يتيمة بين ظهراني
المشركين فلم ينهه فخرج بها فلما قدموا المدينة اختصم فيها علي وجعفر
وزيد بن حارثة أيهم تكون عنده فقال علي انا اخذتها وأخرجتها من بين
ظهراني المشركين وقال جعفر خالتها أسماء بنت عميس تحتي وقال زيد هي
ابنة أخي لأن النبي ص آخى بينه وبين حمزة فقضى بها النبي لجعفر وقال
الخالة بمنزلة الأم وقال لعلي أنت مني وانا منك وفي رواية أنت أخي
وصاحبي. وفي السيرة الحلبية عن الامتاع كلم علي بن أبي طالب رسول الله
ص في عمارة بنت حمزة وكانت مع أمها سلمى بنت عميس بمكة فقال علا م
نترك بنت عمنا يتيمة بين أظهر المشركين ويمكن الجمع بين هذا وما مر بان
عليا كلمه في شأنها فلم يأب فأرسل إليها ان تتبعهم حينما يريدون الرحيل
فتبعتهم تنادي يا عم يا عم فتناولها علي ووضعها في هودج فاطمة. وأما
اختصام علي وجعفر وزيد فيها فلم يكن اختصاما ونزاعا وإنما رغب كل
واحد أن تكون عنده طلبا للأجر والفخر ورجا من الآخرين ان يسمحا له
فحجة علي انه هو اخذها واتى بها المدينة ومع ذلك هي ابنة عمه وزوجته
ابنة عمها وحجة جعفر انها ابنة عمه وزوجته خالتها وحجة زيد ضعيفة لأن
هذه المؤاخاة انما كانت لتاليف القلوب وشد عرى الايمان ولا مدخل لها في
حضانة امامة مع كون زوجة زيد التي تريد ان تتولى تربيتها أجنبية عنها لا
تالفها امامة ولا تحنو هي على امامة حنو خالتها وابنة عمها فقضى بها النبي
ص لجعفر وقال الخالة أم فعلي وجعفر يفوقان في حنوهما على امامة كل أحد
ويصعب التفضيل بينهما في ذلك لكن المربية هي المرأة لا الرجل والزهراء
وان لم تقصر عن أسماء في الحنو والشفقة على امامة بل تزيد بما أوتيته من
خلق سام ولكن امامة بسائق الطبيعة البشرية تأنس بخالتها ما لا تأنس
بابنة عمها. واتبع ذلك بقوله لعلي أنت مني وانا منك أو أنت أخي
وصاحبي ليدل على أن اعطاءها لجعفر ليس لفضله على علي وقد كانت
عمتها صفية موجودة الا ان أحدا من ذويها لم يطلبها ومع ذلك فالعمة ان
فرض انها كالخالة في الحنو لكن ليس عند صفية مثل جعفر. وما قد يقال
كيف رخص النبي ص في اخذها وقد كان في صلح الحديبية ان يرد كل من
جاءه مسلما من قريش. يمكن الجواب عنه ان ذلك لا يتناول الأطفال أو لا
يتناول النساء أو بغير ذلك وهذا يدل على أن حمزة رضوان الله عليه لما هاجر
لم تكن هاجرت معه زوجته وابنته.
سنة ثمان من الهجرة
غزوة فتح مكة
في شهر رمضان سنة ثمان من الهجرة وقد مرت مفصلة في الجزء
الثاني ونعيد هنا ما له تعلق بأمير المؤمنين ع وإن لزم بعض
التكرار. مر إنه كانت هدنة بين رسول الله ص وبين قريش عام الحديبية في
ذي القعدة سنة ست من الهجرة عشر سنين ودخلت خزاعة في عقد رسول
الله ص ودخلت بنو بكر في عقد قريش وكان لبني بكر ثار على خزاعة في
الجاهلية فاتفقوا مع جماعة من قريش وعدوا على خزاعة فقتلوا منهم عشرين
رجلا ليلا على ماء يدعى الوتير وجاء أربعون من خزاعة فأخبروا رسول الله
ص بذلك فقال لا نصرت ان لم انصر خزاعة مما انصر منه نفسي وندمت
قريش على ما صنعت وعلمت انه نقض للعهد فارسلوا أبا سفيان إلى المدينة
فقال للنبي ص اشدد العهد وامدد لنا في المدة قال هل كان فيكم من حدث
قال معاذ الله قال نحن على مدتنا وصلحنا ثم استشفع بأبي بكر فقال ما أنا
بفاعل ثم بعمر فكان أشد ثم دخل على علي بن أبي طالب وعنده فاطمة
وعندها ابنها الحسن غلام يدب فقال يا علي أنت أمس القوم بي رحما وقد
(٤٠٧)

جئت في حاجة فلا أرجعن خائبا اشفع لنا عند محمد فقال لقد عزم رسول
الله على أمر ما نستطيع ان نكلمه فيه فطلب إلى فاطمة ان تأمر بنيها الحسن
فيجير بين الناس فقالت ما بلغ ببني ان يجير بين الناس وما يجير على رسول
الله أحد فقال يا أبا الحسن اني ارى الأمور قد اشتدت علي فانصحني فقال
ما أعلم شيئا يغني عنك ولكنك سيد بني كنانة فاجر بين الناس قال أ وترى
ذلك مغنيا عني شيئا قال لا أظن ولكن لا أجد لك غير ذلك فقام في المسجد
وقال أيها الناس اني قد اجرت بين الناس وانطلق فسألته قريش فقال كلمت
محمدا فوالله ما رد علي شيئا ثم جئت ابن أبي قحافة فلم أجد عنده خيرا ثم
جئت ابن الخطاب فوجدته أعدى القوم ثم جئت علي بن أبي طالب فوجدته
ألين وقد أشار علي بشئ صنعته ما أدري يغنيني شيئا أم لا امرني ان أجير
بين الناس قالوا فهل أجاز ذلك محمد قال لا قالوا ما زاد على أن لعب بك.
هذه رواية الطبري وقال المفيد ان عمر دفعه بغلظة كادت ان تفسد الرأي
على النبي ص وقال إنه كان عند علي فاطمة والحسن والحسين وانه طلب
منها ان يجير ابناها بين الناس فقالت ما بلغ بهما أن يجيرا بين الناس ثم قال
المفيد وكان الذي فعله أمير المؤمنين بأبي سفيان من أصوب رأي لتمام أمر
المسلمين وأصح تدبير وتم به لرسول الله ص في القوم ما تم ألا ترى انه
صدق أبا سفيان عن الحال ثم لان له بعض اللين حتى خرج عن المدينة وهو
يظن أنه على شئ فانقطع بخروجه على تلك الحال مواد كيده التي يتشعث
بها الأمر على النبي ص وذلك أنه لو خرج آيسا كما آيسه الرجلان لتجدد
للقوم من الرأي في حربه ع والتحرز منه ما لم يخطر لهم ببال إذا
جاءهم أبو سفيان وأخبرهم بذلك وإن أقام بالمدينة على التمحل لتمام مراده
بالاستشفاع إلى النبي فيتجدد بذلك أمر يصد النبي عن قصد قريش أو
يثبطه عنهم تثبيطا يفوته معه المراد وكان التوفيق من الله تعالى مقارنا لرأي
أمير المؤمنين ع فيما رآه من تدبير الأمر مع أبي سفيان حتى انتظم بذلك
للنبي ص من فتح مكة ما أراد اه وقال المفيد أيضا وكان النبي ص قد
بنى الأمر في مسيره إليها على الاستسرار بذلك فكتب حاطب بن أبي بلتعة
وكان من أهل مكة وقد شهدا بدرا إلى أهل مكة يخبرهم بعزيمة رسول الله
ص على فتحها واعطى الكتاب امرأة سوداء كانت وردت المدينة تستميح بها
الناس وتستبرهم وجعل لها جعلا على أن توصله إلى قوم من أهل مكة
سماهم لها وأمرها ان تأخذ على غير الطريق فنزل الوحي على رسول الله
ص بذلك فاستدعى أمير المؤمنين ع وقال له ان بعض أصحابي
قد كتب إلى أهل مكة يخبرهم بخبرنا والكتاب مع امرأة سوداء قد أخذت
على غير الطريق فخذ سيفك وألحقها وانتزع الكتاب منها وسلها وصر به إلي
ثم استدعى الزبير بن العوام وقال له امض مع علي بن أبي طالب في هذا
الوجه فمضيا واخذا على غير الطريق فادركا المرأة وسبق إليها الزبير فسألها
عن الكتاب الذي معها فأنكرته وحلفت انه لا شئ معها وبكت فقال
الزبير ما أرى يا أبا الحسن معها كتابا فارجع بنا إلى رسول الله ص لنخبره
ببراءة ساحتها فقال له أمير المؤمنين ع يخبرني رسول الله ان معها
كتابا ويأمرني بأخذه منها وتقول أنت إنه لا كتاب معها ثم اخترط السيف
وتقدم إليها فقال اما والله ان لم تخرجي الكتاب لأكشفنك ثم لأضربن
عنقك فقالت له إن كان لا بد من ذلك فاعرض يا ابن أبي طالب بوجهك
عني فاعرض بوجهه عنها فكشفت قناعها وأخرجت الكتاب من عقيصتها
فاخذه أمير المؤمنين وصار به إلى النبي ص فنادى الصلاة جامعة فاجتمعوا
ثم صعد المنبر واخذ الكتاب بيده وقال إن رجلا منكم كتب إلى أهل مكة
يخبرهم بخبرنا فليقم صاحب الكتاب والا فضحه الوحي فلم يقم أحد
فأعاد مقالته ثانية فقام حاطب وهو يرعد كالسعفة في يوم الريح العاصف
فقال أنا يا رسول الله صاحب الكتاب وما أحدثت نفاقا بعد اسلامي ولا
شكا بعد يقيني قال فما حملك على ذلك قال إن لي أهلا بمكة وليس لي بها
عشبرة فأشفقت أن تكون الدائرة لهم علينا فيكون كتابي هذا كفا لهم عن
أهلي ويدا لي عندهم فقال عمر يا رسول الله مرني بقتله فإنه قد نافق فلم
يقبل رسول الله وقال إنه من أهل بدر أخرجوه من المسجد فجعل الناس
يدفعون في ظهره حتى أخرجوه وهو يلتفت إلى النبي ص ليرق عليه فامر
رسول الله ص برده فقال له قد عفوت عنك وعن جرمك فاستغفر ربك ولا
تعد لمثل ما جنيت قال المفيد وهذه المنقبة لاحقة بما سلف من مناقبه وفيها
انه به تم لرسول الله ص التدبير في دخول مكة وكفي مؤونة القوم وما كان
يكرهه من معرفتهم بقصده إليهم حتى فجأهم بغتة ولم يثق في استخراج
الكتاب من المرأة الا بأمير المؤمنين ولا استنصح في ذلك سواه ولا عول على
غيره وكان به ع كفايته المهم وبلوغه المراد وانتظام تدبيره وصلاح أمر
المسلمين ولم يكن في انفاذ الزبير معه فضل يعتد به لأنه لم يكف مهما ولا
أغنى بمضيه شيئا وانما انفذه رسول الله ص لأنه في عداد بني هاشم من جهة
أمه صفية بنت عبد المطلب وكانت للزبير شجاعة وفيه اقدام وكان تابعا
لأمير المؤمنين ع ووقع منه ما لم يوافق صواب الرأي فتداركه أمير
المؤمنين ع وفيما شرحنا في هذه القصة بيان اختصاص أمير المؤمنين
ع من المنقبة والفضيلة بما لم يشركه فيه غيره ولا داناه سواه بفضل يقاربه
فضلا عن أن يكافئه والله المحمود اه وكان ممن لقي النبي ص في
الطريق ابن عمه وأخوه من الرضاعة أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب
وابن عمته عاتكة بنت عبد المطلب عبد الله بن أمية المخزومي أخو أم سلمة
لأبيها فاستاذنا عليه فاعرض عنهما. فتوسطت امرهما أم سلمة رضوان الله
عليها بأسلوبها الرقيق البديع فقالت يا رسول الله ابن عمك وابن عمتك
وصهرك فقال لا حاجة لي بهما اما ابن عمي فهتك عرضي وكان يهجو
رسول الله ص وأما ابن عمتي وصهري فهو الذي قال لي بمكة ما قال يعني
قوله والله لا آمنت بك حتى تتخذ سلما إلى السماء فتعرج فيه ثم تأتي بصك
وأربعة من الملائكة يشهدون ان الله أرسلك. والنبي ص انما أراد بهذا
تأديبهما وتقويمهما والا فهو أرأف واتقى من أن يرد من جاءه مسلما فعادت
أم سلمة إلى استعطافه ولم يمنعها ذلك من معاودة الكلام فقالت له: لا
يمكن ابن عمك وابن عمتك أشقى الناس بك فقال أبو سفيان والله ليأذنن
لي أو لآخذن بيد ابني هذا ثم لنذهبن في الأرض حتى نموت عطشا وجوعا
فرق لهما النبي ص فدخلا عليه وأسلما. وهنا أخذت عليا ع
عاطفة الخير والدين والرحم فقال لأبي سفيان ائت من قبل وجهه فقل له ما
قال اخوة يوسف تالله لقد آثرك الله علينا فقال له ص لا تثريب عليكم اليوم
الآية وانما امره ان يأتيه من قبل وجهه ليرى ذله و انكساره فيزداد عطفه عليه
ودخل رسول الله ص مكة من أعلاها. قال المفيد في موضعين من ارشاده
حاصل ما فيهما ان النبي ص اعطى الراية يوم الفتح سعد بن عبادة وأمره
ان يدخل مكة أمامه فغلظ سعد على القوم وأظهر ما في نفسه من الحنق
عليهم ودخل وهو يقول:
- اليوم يوم الملحمة * اليوم تسبى الحرمة -
فسمعها العباس فقال للنبي ص أ ما تسمع يا رسول الله ما يقول
سعد بن عبادة واني لا آمن ان يكون له في قريش صولة فقال النبي ص لعلي
(٤٠٨)

أدرك سعدا فخذ الراية منه وكن أنت الذي تدخل بها مكة فأدركه علي ع
فاخذها منه ولم يمتنع عليه سعد من دفعها ونحوه ذكر الطبري الا أنه قال
بدل العباس رجل من المهاجرين قال المفيد: فاستدرك رسول الله ص
بأمير المؤمنين ما كاد يفوت من صواب التدبير بتهجم سعد واقدامه على أهل
مكة ولم ير رسول الله ص أحدا من المهاجرين والأنصار يصلح لأخذ الراية
من سيد الأنصار سوى أمير المؤمنين وعلم أنه لو رام ذلك غيره لامتنع سعد
عليه وكان في امتناعه فساد التدبير واختلاف الكلمة بين الأنصار والمهاجرين
وعلم أن الأنصار لا ترضى ان يأخذ أحد من الناس من سيدها سعد الراية
ويعزله عن ذلك الا من كان في شبه حال النبي ص من جلالة القدر ورفيع
المكانة وفرض الطاعة ومن لا يشين سعدا الانصراف به عن تلك الولاية ولو
كان بحضرة النبي ص من يصلح لذلك سوى أمير المؤمنين لعدل بالأمر إليه
وفي هذا من الفضل الذي تخصص به أمير المؤمنين ع ما لم يشركه فيه
أحد وما كشف عن اصطفائه لجسيم الأمور اه باختصار أقول ولو
فرض ان سعدا لا يمتنع عن تسليم الراية لغير علي إطاعة لرسول الله ص إلا
إنه لا بد ان يقع في نفسه حزازة لا تقع بتسليمها لعلي. وامر رسول الله
ص بقتل جماعة رجال ونساء ولو كانوا تحت أستار الكعبة لخبثهم وسوء
أفعالهم فبعضهم استؤمن له فعفا عنه وبعضهم قتل منهم قينتان كانتا تغنيان
بهجاء رسول الله ص وبمراثي أهل بدر قتل علي ع إحداهما
ومنهم الحويرث بن نفيل بن كعب كان يؤذي رسول الله ص بمكة قتله
علي ع قال المفيد ولما دخل رسول الله ص المسجد وجد فيه ثلثمائة
وستين صنما فقال لعلي ع اعطني يا علي كفا من الحصى فناوله فرماها به
وهو يقول قل جاء الحق وزهق الباطل ان الباطل كان زهوقا ثم أمر بها
فأخرجت من المسجد وطرحت وكسرت اه. وأرسل بلالا إلى
عثمان بن طلحة ان يأتي بمفتاح الكعبة فجاء به وفي رواية انه صعد به إلى
سطح الكعبة وامتنع من دفعه فصعد إليه علي بن أبي طالب ولوى يده
واخذه منه قال المفيد وبلغ عليا ع ان أخته أم هانئ قد آوت أناسا من
بني مخزوم أقرباء زوجها هبيرة بن أبي وهب المخزومي منهم الحارث بن
هشام وقيس بن السائب فقصد نحو دارها مقنعا بالحديد فقال اخرجوا من
آويتم قال فجعلوا يذرقون والله كما يذرق الحبارى خوفا منه فخرجت إليه أم هانئ وهي لا تعرفه لأنه مقنع بالحديد فقالت يا عبد الله انا أم هانئ
ابنة عم رسول الله وأخت علي بن أبي طالب انصرف عن داري فقال
اخرجوهم فقالت والله لأشكونك إلى رسول الله ص فنزع المغفر عن رأسه
فعرفته فجاءت تشتد حتى التزمته قالت فديتك حلفت لأشكونك إلى رسول الله
فقال لها اذهبي فبري قسمك قالت فجئت إلى النبي ص وهو في قبة
يغتسل وفاطمة تستره فلما سمع كلامي قال مرحبا بك يا أم هانئ واهلا
فقلت بأبي أنت أشكو إليك اليوم ما لقيت من علي بن أبي طالب فقال
رسول الله قد اجرت من اجرت فقالت فاطمة انما جئت يا أم هانئ تشكين
عليها في أنه أخاف أعداء الله وأعداء رسوله فقال رسول الله ص لقد شكر
الله لعلي سعيه واجرت من اجارت أم هانئ لمكانها من علي بن أبي طالب
فجمع بمكارم أخلاقه بين حفظ شأن علي واكرام أم هانئ لأجله.
قال المفيد: وفيما ذكرناه من اعمال أمير المؤمنين ع في قتل من قتل
من أعداء الله بمكة وإخافة من أخاف ومعونة رسول الله ص على تطهير المسجد
من الأصنام وشدة بأسه في الله وقطع الأرحام في طاعة الله أدل دليل على
تخصصه من الفضل بما لم يكن لأحد منهم سهم فيه اه.
يوم الغميصاء
في شوال سنة ثمان من الهجرة مع بني خزيمة أو جذيمة بن عامر في
معجم البلدان الغميصاء موضع في بادية العرب قرب مكة كان يسكنه بنو
جذيمة بن عامر بن عبد مناة بن كنانة الذين أوقع بهم خالد بن الوليد عام
الفتح فقال رسول الله ص اللهم أني أبرأ إليك مما صنع خالد ووداهم رسول
الله ص على يد علي بن أبي طالب اه وقد تقدمت القصة مفصلة في
الجزء الثاني ونعيد هنا ما له تعلق بأمير المؤمنين ع وإن لزم بعض
التكرار وقد أشار إليها المفيد في ارشاده في موضعين وحاصل القصة أن النبي
ص بعد فتح مكة انفذ خالد بن الوليد إلى بني خزيمة بن عامر وكانوا
بالغميصاء يدعوهم إلى الله عز وجل وإلى الاسلام ولم يرسله محاربا وأرسل
معه عبد الرحمن بن عوف وكان بنو خزيمة مسلمين ولم يعلم رسول الله ص
باسلامهم وكانوا قد قتلوا في الجاهلية الفاكه بن المغيرة عم خالد بن الوليد
وعوفا أبا عبد الرحمن بن عوف فلما رأوا خالدا أخذوا السلاح فقال ما أنتم
قالوا مسلمون قال فما بال السلاح قالوا خفنا أن تكونوا بعض من بيننا
وبينهم عداوة من العرب فقال ضعوا السلاح فقال أحدهم يا بني جذيمة أنه
خالد والله ما بعد وضع السلاح الا الأسئار وما بعد الأسار الا ضرب
الأعناق وأبي أن يضع سلاحه فما زالوا به حتى نزعوا سلاحه ونزعوا
سلاحهم فامر بهم خالد فكتفوا ثم عرضهم على السيف فقتل من قتل فقال
له عبد الرحمن بن عوف عملت بأمر الجاهلية في الاسلام حتى كان بينهما شر
فلما بلغ ذلك رسول الله ص رفع يديه إلى السماء وقال اللهم إني أبرأ إليك
مما صنع خالد ثم دعا علي بن أبي طالب ع فقال يا علي اخرج إلى هؤلاء
القوم فانظر في امرهم واجعل أمر الجاهلية تحت قدميك فخرج حتى جاءهم
ومعه مال قد بعثه رسول الله ص به فودي لهم الدماء وما أصيب من الأموال
حتى أنه ليدي ميلغة الكلب حتى إذا لم يبق شئ من دم ولا مال الا وداه
بقيت معه بقية من المال فقال لهم هل بقي لكم دم أو مال لم يؤد إليكم قالوا
لا قال فاني أعطيكم هذه البقية من هذا المال احتياطا لرسول الله ص مما لا
يعلم ولا تعلمون ففعل ثم رجع إلى رسول الله ص فأخبره الخبر فقال
أصبت وأحسنت ثم قام فاستقبل القبلة قائما شاهرا يديه حتى أنه ليرى
بياض ما تحت منكبيه وهو يقول اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد
ثلاث مرات قال المفيد في الارشاد ومن مناقبه ع أن الله تعالى
خصه بتلافي فارط من خالف نبيه في أوامره واصلاح ما أفسده حتى انتظمت
به أسباب الصلاح وذلك لما انفذ خالد بن الوليد إلى بني خزيمة فخالف امره
وقتل القوم وهم على الاسلام وعمل في ذلك على حمية الجاهلية فشان بذلك
الاسلام ونفر عنه ففزع ص في تلافي فارطه واصلاح ما أفسده ودفع المعرة
عن شرعه بذلك إلى أمير المؤمنين ع فانفذه لعطف القوم وسل
سخائمهم والرفق بهم في تثبيتهم على الايمان وأمره أن يدي القتلى ويرضي
بذلك أولياء دمائهم الأحياء فبلغ أمير المؤمنين من ذلك مبلغ الرضا وزاد
على الواجب فيما تبرع به عليهم من عطيته ما كان بقي في يده من الأموال
وقال لهم قد أديت ديات القتلى وأعطيتكم بعد ذلك من المال ما تعودون به
على مخلفيكم ليرضى الله عن رسوله وترضون بفضله عليكم وأظهر رسول
الله ص بالمدينة ما اتصل بهم من البراءة من صنيع خالد فاجتمع براءة
رسول الله ص مما جناه خالد واستعطاف أمير المؤمنين ع القوم بما صنعه
بهم فتم بذلك الصلاح وانقطعت به مواد الفساد ولم يتول ذلك أحد غير أمير
المؤمنين ع ولا قام به من الجماعة سواه ولا رضي رسول الله ص
(٤٠٩)

لتكليفه أحدا ممن عداه وهذه منقبة يزيد شرفها على كل فضل يدعى لغيره
حقا كان أو باطلا وهي خاصة له لم يشركه فيها أحد منهم ولا حصل لغيره
عدل لها من الأعمال اه.
بعث علي ع إلى اليمن
سنة ثمان من الهجرة. اعلم أن أكثر المؤرخين وأهل السير ذكروا أن
بعث علي ع إلى اليمن كان مرتين سنة ثمان وسنة عشر وممن
صرح به ابن هشام في سيرته فقال: وغزوة علي بن أبي طالب إلى اليمن
غزاها مرتين. وقال ابن سعد في الطبقات الكبير: ثم سرية علي بن أبي
طالب إلى اليمن يقال مرتين إحداهما سنة عشر فذكرها وحدها ولم يذكر
غزوة سنة ثمان وصرح به دحلان في سيرته والذي يلوح لي أن ذلك كان
ثلاث مرات سنة ثمان وما بينها وبين سنة تسع وسنة عشر.
بعثه إلى اليمن في آخر سنة ثمان من الهجرة
وذلك بعد فتح مكة بعثه إلى همدان ليدعوهم إلى الاسلام فأسلمت
همدان كلها في يوم واحد قال المفيد في الارشاد: ومن ذلك ما أجمع عليه
أهل السيرة أن النبي ص بعث خالد بن الوليد إلى أهل اليمن يدعوهم إلى
الاسلام وانفذ معه جماعة من المسلمين فيهم البراء بن عازب رحمه الله وأقام
خالد على القوم ستة أشهر يدعوهم فلم يجبه أحد منهم فساء ذلك رسول
الله ص فدعا أمير المؤمنين وأمره أن يقفل خالدا ومن معه وقال له إن أراد
أحد ممن مع خالد أن يعقب معك فاتركه قال البراء فكنت ممن عقب معه
فلما انتهينا إلى أوائل أهل اليمن وبلغ القوم الخبر تجمعوا له فصلى بنا علي
الفجر ثم تقدم بين أيدينا فحمد الله وأثنى عليه ثم قرأ على القوم كتاب
رسول الله ص فأسلمت همذان كلها في يوم واحد وكتب بذلك أمير المؤمنين
إلى رسول الله ص فلما قرأ كتابه استبشر وابتهج وخر ساجدا شكرا لله تعالى
ثم رفع رأسه وجلس وقال السلام على همدان ثم تتابع بعد اسلام همدان
أهل اليمن على الاسلام اه وقال ابن الأثير أنه قال السلام على همدان
ثلاثا وفي السيرة الحلبية كان رسول الله ص ارسل خالد بن الوليد إلى اليمن
لهمدان يدعوهم إلى الاسلام قال البراء فكنت ممن خرج مع خالد فأقمنا
ستة أشهر ندعوهم إلى الاسلام فلم يجيبوا ثم أن رسول الله ص بعث
علي بن أبي طالب وأمره أن يقفل خالدا ويكون مكانه فلما دنونا من القوم
خرجوا إلينا وصلى بنا علي ثم صفنا صفا واحدا ثم تقدم بين أيدينا وقرأ
عليهم كتاب رسول الله ص باسلامهم فأسلمت همدان جميعا الحديث. وفي
سيرة دحلان عن البخاري عن البراء: بعثنا رسول الله ص مع خالد إلى
اليمن ثم بعث عليا بعد ذلك مكانه فقال مر أصحاب خالد من شاء أن
يعقب معك فليعقب ومن شاء فليقبل فكنت فيمن عقب معه فغنمت أواقي
ذات عدد زاد الإسماعيلي فلما دنونا من القوم خرجوا إلينا فصلى بنا علي
وصفنا صفا واحدا ثم تقدم بين أيدينا فقرأ عليهم كتاب رسول الله ص
فأسلمت همدان جميعا فكتب علي إلى رسول الله ص باسلامهم فلما قرأ
الكتاب خر ساجدا ثم رفع رأسه وقال السلام على همدان. وكان البعث
بعد رجوعهم من الطائف وقسمة الغنائم بالجعرانة ومن ذلك اليوم صارت
همدان من أنصار علي ع وشيعته وأخلصت في ذلك. ولما رد أربد
الفزاري على علي قبل حرب صفين وهرب لحقته همدان إلى السوق البراذين
فقتلوه وطئا بأرجلهم وضربا بأيديهم ونعال سيوفهم فقال فيه الشاعر:
- أعوذ بربي أن تكون منيتي * كما مات في سوق البراذين أربد -
- تعاوره همدان خفق نعالهم * إذا رفعت عند يد وضعت يد -
وقال لهم أمير المؤمنين ع يوم صفين يا معشر همدان أنتم درعي
ورمحي وقال فيهم أيضا:
- ولو كنت بوابا على باب جنة * لقلت لهمدان ادخلوا بسلام -
قال المفيد: وهذه منقبة لأمير المؤمنين ع ليس لأحد من الصحابة
مثلها ولا مقاربها وذلك أنه لما وقف الأمر فيما بعث له خالد وخيف الفساد به
لم يوجد من يتلافى ذلك سوى أمير المؤمنين ع فندب له فقام به أحسن
قيام وجرى على عادة الله عنده في التوفيق لما يلائم ايثار النبي ص وكان يمنه
ورفقه وحسن تدبيره وخلوص نيته في طاعة الله عز وجل هداية من اهتدى
به دية من الناس وإجابة من أجاب إلى الاسلام وعمارة الدين وقوة الايمان
وبلوغ النبي ص ما آثره من المراد وانتظام الأمر فيه على ما قرت به عينه
وظهر استبشاره به وسروره بتمامه لكافة أهل الاسلام وقد ثبت أن الطاعة
تتعاظم تعاظم النفع بها كما تعظم المعصية بتعاظم الضرر بها ولذلك صارت
الأنبياء ع أعظم الخلق ثوابا لتعاظم النفع بدعوتهم على سائر
المنافع باعمال من سواهم من الناس اه وقد وقع هنا اشتباه من بعض
الرواة والمؤرخين فنسبوا ما وقع في سنة عشر إلى هذه السنة وبالعكس قال
دحلان في سيرته: جاء في بعض الروايات أن النبي ص بعث عليا في
رمضان سنة عشر فأسلمت همدان كلها في يوم واحد فكتب بذلك إلى النبي
ص فخر ساجدا ثم جلس فقال السلام على همدان. قال دحلان قوله في
التاريخ سنة عشر وهم لأن بعث علي إلى همدان لم يكن سنة عشر انما كان
سنة عشر بعثه إلى بني مذحج واما بعثه إلى همدان فكان سنة ثمان بعد فتح
مكة فيكون بعث علي إلى اليمن حصل مرتين وقال بعد ايراد حديث
البخاري المتقدم فهذا صريح في أن البعث الأول كان في أواخر سنة ثمان
وأنه إلى همدان واما الثاني فكان في رمضان سنة عشر إلى مذحج اه
وممن ذكر أن بعث علي إلى اليمن واسلام همدان كان سنة عشر ابن الأثير في
تاريخه.
بعثه قاضيا إلى اليمن بين سنة ثمان وتسع
في سيرة دحلان روى أبو داود وغيره من حديث علي قال بعثني النبي
ص إلى اليمن فقلت يا رسول الله تبعثني إلى قوم أسن مني وانا حديث السن
لا أبصر القضاء فوضع يده على صدري فقال اللهم ثبت لسانه واهد قلبه
وقال يا علي إذا جلس إليك الخصمان فلا تقض بينهما حتى تسمع من الآخر
فإنك إذا فعلت ذلك تبين لك القضاء قال علي والله ما شككت في قضاء
بين اثنين وهذا يدل على أن بعثه كان للقضاء لا للغزو والحرب والفتح لقوله
تبعثني إلى قوم وانا حديث السن لا أبصر القضاء فان هذا صريح في أنه
بعثه للقضاء والا فلا معنى لهذا القول وأصرح من ذلك ما ذكره المفيد في
الارشاد حيث قال: لما أراد رسول الله ص تقليده قضاء اليمن وانفاذه إليهم
ليعلمهم الأحكام ويبين لهم الحلال والحكام ويحكم فيهم باحكام القرآن قال
له أمير المؤمنين تندبني يا رسول الله للقضاء وانا شاب لا علم لي بكل
القضاء فقال له ادن مني فدنا منه فضرب على صدره بيده وقال اللهم اهد
قلبه وثبت لسانه قال أمير المؤمنين ع فما شككت في قضاء بين
اثنين بعد ذلك المقام ولما استقرت به الدار باليمن ونظر فيما ندبه إليه رسول
(٤١٠)

الله ص من القضاء والحكم بين المسلمين رفع إليه رجلان الخ فهذا صريح
في أن بعثه كان للقضاء والحكم وقد رويت عنه قضايا كثيرة قضاها باليمن
وذلك يدل على بقائه باليمن مدة طويلة كان يتعاطى فيها القضاء لا أنه جاء
غازيا ولم يذكروا تاريخ هذا البعث ويمكن كونه بين سنة ثمان وتسع فإنه
بعد فتحها يناسب أن يبعث إليها من يعلمهم احكام الاسلام ويقضي بينهم
اما سنة عشر فقد خرج إليها غازيا ومحاربا ثم عاد إليها في حجة الوداع ثم
حصلت وفاة النبي ص وسيأتي الكلام على بعثه إلى اليمن سنة عشر من
الهجرة في اخبار تلك السنة.
قضاياه واحكامه ومسائله العجيبة
لأمير المؤمنين ع قضايا واحكام وأجوبة مسائل عجيبة منها
ما وقع في حياة الرسول ص ومنها في عهد الخلفاء الثلاثة ومنها في خلافته هو
وقد ألفت في ذلك عدة كتب سوى ما ذكر في مضامين الكتب وهذا ما وصل
إلينا من أسمائها أو اطلعنا عليه منها ١ كتاب ضخم ذكره البهائي في
أربعينه وقال إنه اطلع عليه بخراسان ٢ كتاب محمد بن قيس البجلي من
أصحاب الصادقين ع رواه عنه النجاشي والشيخ الطوسي
بسنديهما ٣ كتاب المعلى بن محمد البصري ذكره النجاشي ٤ كتاب
الترمذي صاحب الصحيح ٥ عجائب احكامه رواية محمد بن علي بن
إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن جده عندنا منه نسخة كتبت بين سنة ٤١٠
و ٤٢٠ في ضمن مجموعة ومرت الإشارة إليه عند ذكر مناقبه وفضائله عند
ذكر علمه كما مر هناك أيضا جملة من قضاياه واحكامه ٦ ما اشتمل عليه
كتاب الارشاد للشيخ المفيد من قضاياه واحكامه في زمن النبي ص وزمن
الخلفاء الثلاثة وزمن خلافته ٧ ما اشتمل عليه كتاب المناقب لابن
شهرآشوب ٨ عجائب احكامه الذي جمعناه وأدرجنا فيه كتاب علي بن
إبراهيم المقدم ذكره موزعا وهو مطبوع.
وقد اشتملت كتب السير والتواريخ والكتب المؤلفة في الصحابة
وغيرها على الكثير من ذلك قال المفيد في الارشاد: فاما الأخبار التي جاءت
بالباهر من قضاياه في الدين واحكامه التي افتقر إليه في علمها كافة المؤمنين
بعد الذي أثبتناه من جملة الوارد في تقدمه في العلم وتبريزه على الجماعة
بالمعرفة والفهم ونزع علماء الصحابة إليه فيما أعضل من ذلك والتجائهم إليه
فيه وتسليمهم له القضاء به فهي أكثر من أن تحصى وأجل من أن تتعاطى
فمن ذلك ما رواه نقلة الآثار من العامة والخاصة في قضاياه ورسول الله ص
حي فصوبه فيها وحكم له بالحق فيما قضاه ودعا له بخير وأثنى عليه وابانه
بالفضل في ذلك من الكافة ودل به على استحقاقه الأمر من بعده ووجوب
تقدمه على من سواه في مقام الإمامة كما تضمن ذلك القرآن حيث يقول الله
عز وجل أ فمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أم من لا يهدي الا أن يهدى
فما لكم كيف تحكمون وقوله قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا
يعلمون انما يتذكر أولو الألباب وقوله عز وجل في قصة آدم وقد قالت
الملائكة أ تجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك
ونقدس لك قال إني اعلم ما لا تعلمون وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم
على الملائكة فقال انبؤني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين قالوا سبحانك لا
علم لنا الا ما علمتنا انك أنت العليم الحكيم قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم
فلما أنباهم بأسمائهم قال أ لم أقل لكم اني اعلم غيب السماوات والأرض
واعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون فنبه الله جل جلاله الملائكة على أن آدم
أحق بالخلافة منهم لأنه اعلم منهم بالأسماء وأفضلهم في علم الأنباء وقال
تقدست أسماؤه في قصة طالوت وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم
طالوت ملكا قالوا انى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت
سعة من المال قال إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم والله
يؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم فجعل جهة حقه في التقدم عليهم ما
زاده الله من البسطة في العلم والجسم واصطفاؤه إياه على كافتهم بذلك
وكانت هذه الآيات موافقة لدلائل العقول في أن الأعلم هو أحق بالتقدم في
محل الإمامة ممن لا يساويه في العلم ودلت على وجوب تقدم أمير المؤمنين
على كافة المسلمين في خلافة الرسول وامامة الأمة لتقديمه في العلم والحكمة
اه ونحن ذاكرون بعون الله باختصار جملة من قضاياه واحكامه وأجوبة
مسائله في عهد الرسالة والخلفاء الأربعة موزعة على السنين.
قضاياه واحكامه في عهد الرسول ص وهو باليمن
١ ما رواه المفيد في جارية وطأها شريكان في طهر واحد جهلا
بالتحريم فاقرع بينهما وألحق الولد بمن خرجت القرعة باسمه وألزمه نصف
قيمته لشريكه إن لو كان عبدا وبلغ ذلك رسول الله ص فأمضاه وأقر الحكم
به في الاسلام وقال الحمد لله الذي جعل فينا أهل البيت من يقضي على
سنن داود ع وسبيله في القضاء يعني به القضاء بالالهام اه.
وحكى ابن شهرآشوب في المناقب عن سنن أبي داود وابن ماجة وابن بطة في
الإبانة واحمد في فضائل الصحابة وابن مردويه بطرق كثيرة عن زيد بن أرقم
أن عليا اتاه وهو باليمن ثلاثة يختصمون في ولد كلهم يزعم أنه وقع على امه
في طهر واحد في الجاهلية فاقرع بينهم والزم من خرجت له القرعة ثلثي
الدية لصاحبه فبلغ ذلك النبي ص فقال الحمد لله الذي جعل فينا أهل البيت
من يقضي على سنن داود.
٢ ما رواه المفيد وحكاه ابن شهرآشوب عن أحمد في مسنده
وأحمد بن منيع في أماليه بسندهما إلى حماد بن سلمة عن سماك عن حبيش بن
المعتمر قال ورواه محمد بن قيس عن أبي جعفر ع أنه رفع إليه
وهو باليمن خبر زبية حفرت للأسد فوقع فيها فوقف على شفير الزبية رجل
فزلت قدمه فتعلق باخر وتعلق الآخر بثلث وتعلق الثالث برابع فافترسهم
الأسد فقضى أن الأول فريسة الأسد وعلى أهله ثلث الدية للثاني وعلى أهل
الثاني ثلثا الدية للثالث وعلى أهل الثالث الدية الكاملة للرابع فبلغ ذلك
رسول الله ص فقال لقد قضى أبو الحسن فيهم بقضاء الله عز وجل فوق
عرشه. وروى إبراهيم بن هاشم في كتاب عجائب احكام أمير المؤمنين
ع بسنده عن الصادق ع أن الزبية لما وقع فيها الأسد أصبح
الناس ينظرون إليه ويتزاحمون ويتدافعون حول الزبية فسقط فيها رجل
وتعلق بالذي يليه وتعلق الآخر بالآخر حتى وقع فيها أربعة فقتلهم الأسد
فأمرهم أمير المؤمنين ع أن يجمعوا دية تامة من القبائل الذين
شهدوا الزبية ونصف دية وثلث دية وربع دية فأعطى أهل الأول ربع الدية
من أجل أنه هلك فوقه ثلاثة واعطى أهل الثاني ثلث الدية من أجل أنه
هلك فوقه اثنان واعطى أهل الثالث النصف من أجل أنه هلك فوقه واحد
واعطى أهل الرابع الدية تامة لأنه لم يهلك فوقه أحد فأخبروا رسول الله ص
فقال هو كما قضى والظاهر أنهما واقعتان ففي الرواية الأولى أن الأول زلت
قدمه فوقع ولم يرمه أحد وفي الرواية الثانية أن المجتمعين تزاحموا وتدافعوا
فيكون سقوط الأول بسببهم ولذلك اختلف الحكم فيهما.
(٤١١)

٣ ما ذكره المفيد في الارشاد أنه رفع إليه خبر جارية حملت جارية
على عاتقها عبثا ولعبا فقرصت أخرى الحاملة فقمصت لقرصتها فوقعت
الراكبة فاندقت عنقها وهلكت فقضى على القارصة بثلث الدية وعلى
القامصة بثلثها وأسقط الثالث الباقي لركوب الواقصة عبثا القامصة وبلغ
ذلك رسول الله ص فأمضاه وشهد له بالصواب وحكاه ابن شهرآشوب في
المناقب عن أبي عبيد في غريب الحديث وابن مهدي في نزهة الأبصار عن
الأصبغ بن نباتة عن علي ع وحكاه ابن الأثير في النهاية عن علي
ع وأرسله الزمخشري في الفائق عن النبي ص واعترض عليه صاحب
النهاية بأنه كلام علي. ولعل الزمخشري أسنده إلى النبي ص باعتبار أنه أمضاه.
٤ ما ذكره المفيد وابن شهرآشوب بعد خبر القارصة والقامصة
والواقصة وظاهرهما أنه باليمن في قوم وقع عليهم حائط فقتلهم وفيهم امرأة
حرة لها ولد من حر ومملوكة لها ولد من مملوك فاقرع بينهما وحكم بالحرية لمن
خرج عليه سهمها وبالرقية لمن خرج عليه سهمها ثم أعتقه وجعل مولاه
مولاه وحكم في ميراثهما بالحكم في الحر ومولاه فامضى ذلك رسول الله
ص.
٥ ما عن كتاب قصص الأنبياء عن الصدوق بسنده عن الباقر
ع أنه انفلت فرس لرجل من أهل اليمن فنفح رجلا فقتله فأقام
صاحب الفرس البينة أن الفرس انفلت من داره فأبطل علي ع دم
الرجل وأمضاه النبي ص اه ملخصا أي أنه انفلت قهرا ولم يفلته
صاحبه.
قضاياه في حياة الرسول ص في غير اليمن
٦ ما رواه المفيد في الارشاد وإبراهيم بن هاشم في عجائب
احكامه مرسلا ورواه ابن شهرآشوب في المناقب عن مصعب بن سلام عن
الصادق ع أنه اختصم رجلان إلى النبي ص في بقرة قتلت حمارا
فسال عنها أبا بكر وعمر فقالا بهيمة قتلت بهيمة لا شئ على ربها وقال
علي بن أبي طالب إن كانت البقرة دخلت على الحمار في منامه فعلى ربها قيمة
الحمار لصاحبه وإن كان الحمار دخل على البقرة في منامها فقتلته فلا غرم
على صاحبها فقال رسول الله ص لقد قضى بينكما علي بقضاء الله ثم قال
الحمد لله الذي جعل فينا أهل البيت من يقضي على سنن داود في القضاء
وفي رواية الحمد لله الذي جعل منا من يقضي بقضاء النبيين. قال المفيد:
روى بعض العامة ان هذه القضية كانت منه بين الرجلين في اليمن وروى
بعضهم حسبما قدمناه اه ويمكن تعدد الواقعة.
٧ ما روي في المناقب أن رجلا أوطأ بعيره ادحي نعام فكسر
بيضها فسال عليا فقال له عليك بكل بيضة جنين ناقة أو ضراب ناقة فذكر
ذلك لرسول الله ص فقال قد قال علي بما سمعت ولكن هلم إلى الرخصة
عليك بكل بيضة صوم يوم طعام مسكين اه أقول فاعل ذلك كان
حاجا والنبي ص امضى فيه حكم علي ع ولكنه أفتى السائل بما هو
رخصة وكانه علم أنه غير قادر.
خبره في سرية ذات السلاسل
سنة تسع من الهجرة
ويقال سرية ذات السلسلة ويقال سرية وادي الرمل ومر ذكرها مفصلا
في الجزء الثاني ونعيده هنا وان لزم بعض التكرار اخباره ع متصلة
متتالية بحسب السنين والسلاسل اسم ماء كما في مناقب ابن شهرآشوب
وقيل سميت ذات السلاسل لأنه كان به رمل بعضه على بعض كالسلسلة
وفي مجمع البيان سميت ذات السلاسل لأن المشركين ربطوا بعضهم
بالسلاسل لئلا يفروا وقال المفيد سميت ذات السلاسل لأنه أسر منهم وقتل
وسبى وشد أسراهم في الحبال مكتفين كأنهم في السلاسل.
وهذه السرية ذكرها المفيد في الارشاد وذكرها جماعة غيره كما ستعرف
إلا أن المفيد ذكرها في موضعين مع أنها سرية واحدة أحدهما بعد غزوة
قريظة وقبل غزوة بني المصطلق مع أن غزوة بني المصطلق قبل غزوة قريظة
ولكنه عكس ترتيبهما وذكرها في هذا الموضع إنما يوجد في بعض النسخ دون
بعض ثانيهما بعد غزوة زبيد التي كانت بعد الرجوع من تبوك وغزوة
تبوك كانت سنة تسع من الهجرة وكيف كان فلا يحتمل من
ذكرها بين غزوة قريظة وغزوة بني المصطلق اللتين كانتا سنة خمس انها
كانت سنة خمس لأن فيها ذكر عمرو بن العاص وعمرو أسلم في
صفر سنة ثمان وقيل بين الحديبية وكانت سنة ست وخيبر وكانت سنة
سبع. قال المفيد في الموضع الأول: وقد كان أمير المؤمنين ع
في غزوة وادي الرمل ويقال انها كانت تسمى بغزوة ذات
السلسلة ما حفظه العلماء ودونه الفضلاء ونقله أصحاب الآثار ورواه
نقلة الاخبار مما ينضاف إلى مناقبه في الغزوات ويماثل فضائله في الجهاد وما
توحد به في معناه من كافة العباد وذلك أن أصحاب السير ذكروا أن النبي
ص جاءه اعرابي فجثا بين يديه وقال جئت لأنصحك قال وما نصيحتك قال
قوم من العرب قد عملوا على أن يبيتوك بالمدينة ووصفهم له فامر أمير
المؤمنين أن ينادي بالصلاة جامعة فاجتمع المسلمون فصعد المنبر فحمد الله
وأثنى عليه ثم قال أيها الناس ان هذا عدو الله وعدوكم قد اقبل عليكم
يزعم أنه يبيتكم بالمدينة فمن للوادي فقام رجل من المهاجرين فقال أنا له يا
رسول الله فناوله اللواء وضم إليه سبعمائة رجل وقال له امض على اسم الله
فمضى فوافى القوم ضحوة فقالوا من الرجل قال أنا رسول لرسول الله اما
أن تقولوا لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله أو
لأضربنكم بالسيف فقالوا له ارجع إلى صاحبك فانا في جمع لا تقوم له
فرجع الرجل فأخبر رسول الله ص بذلك فقال النبي ص من للوادي فقام
رجل من المهاجرين فقال أنا له يا رسول الله فدفع إليه الراية ومضى ثم عاد
لمثل ما عاد صاحبه الأول فقال رسول الله ص أين علي بن أبي طالب فقام
أمير المؤمنين فقال أنا ذا يا رسول الله قال امض إلى الوادي فقال نعم
وكانت له عصابة لا يتعصب بها حتى يبعثه النبي ص في وجه شديد فمضى
إلى منزل فاطمة ع فالتمس العصابة منها فقالت أين تريد وأين
بعثك أبي قال إلى وادي الرمل فبكت إشفاقا عليه فدخل النبي ص وهي
على تلك الحال فقال لها ما لك تبكين أ تخافين أن يقتل بعلك كلا إن شاء الله
فقال له علي لا تنفس علي بالجنة يا رسول الله ثم خرج ومعه لواء النبي ص
فمضى حتى وافى القوم بسحر فأقام حتى أصبح ثم صلى بأصحابه الغداة
وصفهم صفوفا واتكى على سيفه مقبلا على العدو فقال يا هؤلاء اني رسول
رسول الله إليكم ان تقولوا لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله والا
أضربكم بالسيف قالوا له ارجع كما رجع صاحباك قال أنا لا ارجع لا والله
حتى تسلموا أو أضربكم بسيفي هذا أنا علي بن أبي طالب بن عبد المطلب
فاضطرب القوم لما عرفوه ثم اجترأوا على مواقعته فواقعهم وقتل منهم ستة أو
سبعة وانهزم المشركون وظفر المسلمون وحازوا الغنائم وتوجه إلى النبي
ص. فروي عن أم سلمة قالت كان نبي الله قائلا في بيتي إذ انتبه فزعا من
(٤١٢)

منامه فقلت له الله جارك قال صدقت الله جاري لكن هذا جبرئيل يخبرني
أن عليا قادم ثم خرج إلى الناس فأمرهم أن يستقبلوا عليا فقام المسلمون له
صفين مع رسول الله ص فلما بصر بالنبي ترجل عن فرسه واهوى إلى قدميه
يقبلهما فقال له اركب فان الله تعالى ورسوله عنك راضيان فبكى أمير
المؤمنين فرحا وانصرف إلى منزله وتسلم المسلمون الغنائم فقال النبي ص
لبعض من كان معه في فرحا واصرف إلى منزله وتسلم المسلمون الغنائم
فقال النبي ص لبعض من كان معه في الجيش كيف رأيتم أميركم قالوا لم
ننكر منه شيئا إلا أنه لم يؤم بنا في صلاة إلا قرأ فيها بقل هو الله أحد فقال
النبي ص سأسأله عن ذلك فلما جاءه قال له لم لم تقرأ بهم في فرائضك إلا
بسورة الاخلاص فقال يا رسول الله أحببتها فقال له النبي فان الله قد
أحبك كما أحببتها ثم قال له يا علي لولا أني أشفق ان تقول فيك طوائف ما
قالت النصارى في عيسى بن مريم لقلت فيك اليوم مقالا لا تمر بملأ منهم
الا أخذوا التراب من تحت قدميك قال المفيد وقد ذكر كثير من أصحاب
السير أن في هذه الغزوة انزل على النبي ص والعاديات ضبحا الخ فتضمنت
ذكر الحال فيما فعله أمير المؤمنين ع فيها اه وقال المفيد في الموضع
الثاني بعد ما ذكر الغزوة زبيد: ثم كانت الغزوة السلسلة وذلك أن أعرابيا اتى
إلى عند النبي ص فجثا بين يديه وقال له جئتك لأنصح لك قال وما
نصيحتك قال قوم من العرب قد اجتمعوا بوادي الرمل وعملوا على أن
يبيتوك بالمدينة ووصفهم له فامر النبي ص ان ينادي الصلاة جامعة فاجتمع
المسلمون وصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أيها الناس ان هذا عدو
الله وعدوكم قد عمل على أن يبيتكم فمن له فقام جماعة من أهل الصفة
فقالوا نحن نخرج إليهم فول علينا من شئت فاقرع بينهم فخرجت القرعة
على ثمانين رجلا منهم ومن غيرهم فاستدعى أبا بكر فقال له خذ اللواء
وامض إلى بني سليم فإنهم قريب من الحرة فمضى ومعه القوم حتى قارب
أرضهم وكانت كثيرة الحجارة والشجر وهم ببطن الوادي والمنحدر إليه
صعب فلما صار إلى الوادي وأراد الانحدار خرجوا إليه فهزموه وقتلوا من
المسلمين جمعا كثيرا وانهزم من القوم فلما ورد على النبي ص عقد لعمر بن
الخطاب وبعثه إليهم فكمنوا له تحت الحجارة والشجر فلما ذهب ليهبط
خرجوا إليه فهزموه فساء رسول الله ص ذلك فقال له عمرو بن العاص
ابعثني يا رسول الله إليهم فان الحرب خدعة فلعلي اخدعهم فانفذه مع
جماعة ووصاه فلما صار إلى الوادي خرجوا إليه فهزموه وقتلوا من أصحابه
جماعة. ومكث رسول الله ص أياما يدعو عليهم ثم دعا أمير المؤمنين فعقد
له ثم قال أرسلته كرارا غير فرار ثم رفع يديه إلى السماء وقال: اللهم إن
كنت تعلم اني رسولك فاحفظني فيه وافعل به وافعل فدعا له ما شاء الله.
وخرج علي وخرج رسول الله ص لتشييعه وبلغ معه إلى مسجد الأحزاب
وعلي على فرس أشقر مهلوب عليه بردان يمانيان وفي يده قناة خطية فشيعه
ودعا له وانفذ معه فيمن انفذ أبا بكر وعمر وعمرو بن العاص فسار بهم
نحو العراق متنكبا للطريق حتى ظنوا انه يريد بهم غير ذلك الوجه ثم اخذ
بهم على محجة غامضة فسار بهم حتى استقبل الوادي من فمه وكان يسير
الليل ويكمن النهار فلما قرب من الوادي أمر أصحابه أن يعكموا الخيل
ووقفهم مكانا وقال لا تبرحوا وانتبذ أمامهم فأقام ناحية منهم فلما رأى
عمرو بن العاص ما صنع لم يشك أن الفتح يكون له فقال لأبي بكر أنا
أعلم بهذه البلاد من علي وفيها ما هو أشد علينا من بني سليم وهي الضباع
والذئاب فان خرجت علينا خفت ان تقطعنا فكلمه يخل عنا نعلو الوادي
فانطلق فكلمه فأطال فلم يجبه علي حرفا واحدا فرجع إليهم فقال لا والله ما
أجابني حرفا واحدا فقال عمرو بن العاص لعمر أنت أقوى عليه فانطلق
عمر فخاطبه فصنع به مثلما صنع بأبي بكر فرجع فأخبرهم فقال عمرو بن
العاص انه لا ينبغي أن نضيع أنفسنا انطلقوا بنا نعل الوادي فقال له
المسلمون لا والله ما نفعل أمرنا رسول الله ص أن نسمع لعلي ونطيع فنترك
أمره ونطيع لك ونسمع فلم يزالوا كذلك حتى أحس علي بالفجر فكبس
القوم وهم غارون فامكنه الله تعالى منهم ونزلت على النبي ص والعاديات
ضبحا إلى آخرها فبشر أصحابه بالفتح وأمرهم ان يستقبلوا أمير المؤمنين
فاستقبلوه والنبي يقدمهم فقاموا له صفين فلما بصر بالنبي ص ترجل عن
فرسه فقال له النبي اركب فان الله ورسوله عنك راضيان فبكى أمير
المؤمنين فرحا فقال له النبي يا علي لولا انني أشفق أن تقول فيك طوائف
من أمتي ما قالت النصارى في المسيح عيسى بن مريم لقلت فيك اليوم مقالا
لا تمر بملأ من الناس إلا أخذوا التراب من تحت قدميك اه. وقال
الطبرسي في مجمع البيان قيل نزلت السورة لما بعث النبي ص عليا إلى ذات
السلاسل فأوقع بهم بعد أن بعث مرارا غيره من الصحابة فرجعوا وهو
المروي عن أبي عبد الله ع في حديث طويل. وذكر هذه الغزوة
بهذا النحو الراوندي في الخرايج وعلي بن إبراهيم في تفسيره وغيرهما وفي
مناقب ابن شهرآشوب عند ذكر غزوة السلاسل عن أبي القاسم بن شبد
الوكيل وأبي الفتح الحفار باسنادهما عن الصادق ع ومقاتل
والزجاج ووكيع والثوري والسدي وأبي صالح وابن عباس انه انفذ النبي
ص بعض المهاجرين في سبعمائة رجل فلما صار إلى الوادي وأراد الانحدار
خرجوا إليه فهزموه وقتلوا من المسلمين جمعا كثيرا فبعث آخر فرجع منهزما
فقال عمرو بن العاص ابعثني يا رسول الله فان الحرب خدعة ولعلي
اخدعهم فبعثه فرجع منهزما وفي رواية انفذ خالدا فعاد كذلك فساء ذلك
النبي ص فدعا عليا وقال أرسلته كرارا غير فرار فشيعه إلى مسجد الأحزاب
إلى آخر ما تقدم. ثم قال ومن روايات أهل البيت ع قالوا فلما
أحس الفجر قال اركبوا بارك الله فيكم وطلع الجبل حتى إذا انحدر على
القوم وأشرف عليهم قال لهم اتركوا اكمة دوابكم فشمت الخيل ريح
الإناث فصهلت فسمع القوم صهيل خيلهم فولوا هاربين. قال: وفي
رواية مقاتل والزجاج انه كبس القوم وهم غارون فقال يا هؤلاء أنا رسول
رسول الله إليكم أن تقولوا لا إله إلا الله أن محمدا رسول الله والا ضربتكم
بالسيف فقالوا انصرف عنا كما انصرف الثلاثة فإنك لا تقاومنا فقال انني لا
انصرف أنا علي بن أبي طالب فاضطربوا وخرج إليه الأشداء السبعة
وناصحوه وطلبوا الصلح فقال اما الاسلام واما المقاومة فبرزوا إليه واحدا
بعد واحد وكان أشدهم آخرهم وهو سعد بن مالك العجلي وهو صاحب
الحصن فقتلهم فانهزموا ودخل بعضهم في الحصن وبعضهم استأمنوا
وبعضهم أسلموا واتوه بمفاتيح الخزائن وفي ذلك يقول السيد الحميري:
- وفي ذات السلاسل من سليم * غداة أتاهم الموت المبير -
- وقد هزموا أبا حفص وعمرا * وصاحبه مرارا فاستطيروا -
- وقد قتلوا من الأنصار رهطا * فحل النذر أو وجبت نذور -
- أزار الموت مشيخة ضخاما * جحاجحة تسد بها الثغور -
ولم تذكر هذه الغزوة بهذه الكيفية في السيرة الهاشمية وطبقات ابن
سعد وما تأخر عنها ولكنهم ذكروا سرية عمرو بن العاص إلى ذات
(٤١٣)

السلاسل وهي وراء وادي القرى بينها وبين المدينة عشرة أميال في جمادي
الآخرة سنة ثمان من الهجرة بلغه أن جمعا من قضاعة تجمعوا يريدون الدنو
إلى أطرافه فبعثه في ثلثمائة فبلغه كثرتهم فبعث يستمده فأرسل أبا عبيدة في
مائتين ولكن الروايات المتقدمة من طريق أهل البيت وغيرهم دلت على أن
سرية ذات السلاسل هي غير هذه والله أعلم.
سرية علي بن أبي طالب ع إلى طئ
في ربيع الآخر كما في طبقات ابن سعد أو الأول كما في سيرة دحلان
سنة تسع من الهجرة. وبلاد طئ هي بلاد نجد وفيها جبلا طئ المعروفان
أجا وسلمى. في طبقات ابن سعد: سرية علي بن أبي طالب إلى الفلس
صنم طئ ليهدمه. قالوا بعث رسول الله ص علي بن أبي طالب في خمسين
ومائة رجل من الأنصار على مائة بعير وخمسين فرسا ومعه راية سوداء ولواء
أبيض إلى الفلس يهدمه فشنوا الغارة على محلة آل حاتم مع الفجر فهدموا
الفلس وخربوه وملأوا أيديهم من السبي والنعم والشاء وفي السبي أخت
عدي بن حاتم وهرب عدي إلى الشام ووجد في خزانة الفلس ثلاثة أسياف
رسوب والمخذم واليماني وثلاثة ادراع فلما نزلوا ركك اقتسموا الغنائم وعزل
للنبي ص صفيا رسوب والمخذم ثم صار له بعد السيف الآخر وعزل
الخمس وعزل آل حاتم فلم يقسموا حتى قدم بهم المدينة اه وقال
دحلان: في رواية كانوا مع علي مائتي رجل. ويمكن كون تمام المائتين من
غير الأنصار والراوي إنما ذكر الذين من الأنصار خاصة أو أنه جعلهم مائة
وخمسين باعتبار أنه كان معهم مائة بعير وخمسون فرسا فظن أنهم كانوا بذلك
العدد ولكنهم كانوا يعتقبون الإبل فكان الركب زائدا عن الركاب والله
أعلم قال فأغار على احياء من العرب وشن الغارة على محلة آل حاتم مع
الفجر وحرق الصنم بعد هدمه وغنم سبيا ونعما وشاء وفضة وقدم بذلك
المدينة وفي السيرة الحلبية وجد ثلاثة أسياف معروفة عند العرب وذكرها.
والفلس بضم الفاء وسكون اللام كما في السيرة الحلبية ولكن في
القاموس الفلس بالكسر صنم لطئ. وفي تاج العروس عن ابن دريد
الفلس بالكسر صنم لطئ في الجاهلية فبعث النبي ص علي بن أبي طالب
فهدمه وأخذ السيفين اللذين كان الحارث بن أبي شمر أهداهما إليه وهما
مخذم ورسوب اه والحارث هذا كان غسانيا من نصارى الشام وكانت
طئ على النصرانية فلذلك اهدى السيفين إلى صنمهم ولذلك هرب عدي
إليهم لأنهم على دينه ثم أن ظاهر الطبقات أن الفلس اسم الصنم وهو
صريح القاموس والسيرة الحلبية. وفي سيرة دحلان أن الفلس اسم الموضع
الذي فيه الصنم. ثم أن ابن سعد قال كما سمعت فهدموا الفلس وخربوه
ودحلان قال وحرق الصنم بعد هدمه ولا يبعد كون الصواب ما في الطبقات
وأن يكون دحلان صحف خرب بحرق فان الصنم يكون من الحجارة
ونحوها فهو يخرب ولا يحرق وابن سعد قال إن الغنائم قسمت في الطريق
وابقي آل حاتم فقط إلى المدينة وظاهر دحلان انه جئ بجميع الغنائم إلى
المدينة. وعزل آل حاتم وعدم قسمتهم حتى قدم بهم المدينة هو تكريم لهم
لمكان حاتم وما اشتهر عنه من مكارم الأخلاق ورجاء للعفو عنهم.
خبر سفانة بنت حاتم الطائي
وأخت عدي بن حاتم التي كانت في السبي اسمها سفانة بفتح السين
المهملة وتشديد الفاء وهي في اللغة الدرة. وقد عطف عليها علي ع
وأشار إليها بان تكلم الرسول الله ص فكلمته فعفا عنها وأكرمها
بسبب إشارة علي إليها بذلك. وخبرها من الأخبار الطريفة الدالة على نبلها
وكمال عقلها وفصاحة لسانها ويمكن للمرء أن يستفيد منه فوائد ويتعلم منه
رأيا واخلاقا وأفعالا كريمة فلا باس بان نذكره هنا بأوسع مما مر في السيرة
النبوية ومع ذلك فله مساس بسيرة أمير المؤمنين التي نحن بصددها. قال
ابن هشام في سيرته فيما حكاه عن ابن إسحاق: فقدم بابنة حاتم على رسول
الله ص في سبايا من طئ وقد بلغه هرب عدي بن حاتم إلى الشام فجعلت
بنت حاتم في حظيرة بباب المسجد كانت السبايا تحبس فيها فمر بها رسول
الله ص فقامت إليه وكانت امرأة جزلة أي ذات وقار وعقل فقالت
يا رسول الله هلك الوالد وغاب الوافد فامنن علي من الله عليك قال ومن
وافدك قالت عدي بن حاتم قال الفار من الله ورسوله. قالت ثم مضى
وتركني حتى إذا كان من الغد مر بي فقلت له مثل ذلك وقال لي مثل ما قال
بالأمس حتى إذا كان بعد الغد مر بي وقد يئست منه فأشار إلي رجل من
خلفه أن قومي فكلميه فقمت إليه وقلت له مثل ذلك فقال قد فعلت فلا
تعجلي حتى تجدي من قومك من يكون لك ثقة يبلغك إلى بلادك فآذنيني،
وسالت عن الرجل الذي أشار إلي أن أكلمه فقيل هو علي بن أبي طالب
فأقمت حتى قدم رهط من طئ وإنما أريد أن آتي أخي بالشام فأخبرته ان لي
فيهم ثقة وبلاغا فكساني وحملني وأعطاني نفقة فخرجت حتى قدمت الشام
على أخي وكان أخوها بدومة الجندل الجوف وفي السيرة الحلبية في رواية
أنها قالت يا محمد ان رأيت أن تخلي عنا ولا تشمت بنا احياء العرب فاني
ابنة سيد قومي وان أبي كان يحمي الذمار ويفك العاني ويشبه الجائع ويكسو
العاري ويقري الضيف ويطعم الطعام ويفشي السلام ولم يرد طالب حاجة
قط أنا ابنة حاتم طئ فقال لها يا جارية هذه صفة المؤمن حقا، لو كان
أبوك مسلما لترحمنا عليه خلوا عنها فان أباها كان يحب مكارم الأخلاق.
وفي رواية قالت له يا محمد ان رأيت أن تمن علي ولا تفضحني في قومي فاني
بنت سيدهم ان أبي كان يطعم الطعام ويحفظ الجوار ويرعى الذمار ويفك
العاني ويشبع الجائع ويكسو العريان ولم يرد طالب حاجة قط أنا بنت حاتم
الطائي فقال لها هذه مكارم الأخلاق حقا، لو كان أبوك مسلما لترحمت عليه
خلوا عنها فان أباها كان يحب مكارم الأخلاق، وإن الله يحب مكارم
الأخلاق. ويمكن أن تكون قالت ذلك كله كل قول في مرة من المرات
الثلاث وفي شرح رسالة ابن زيدون وغيرها: حكي عن علي بن أبي طالب
ع أنه قال يوما: سبحان الله ما أزهد كثيرا من الناس في خير
عجبا لرجل يجيئه أخوه المسلم في حاجة فلا يرى نفسه للخير أهلا فلو كان
لا يرجو ثوابا ولا يخاف عقابا لكان ينبغي له أن يسارع إلى مكارم الأخلاق
فإنها تدل على سبيل النجاح فقام إليه رجل وقال يا أمير المؤمنين أ سمعته من
النبي ص قال نعم لما اتي بسبايا طئ وقفت جارية عيطاء لعساء فلما رأيتها
أعجبت بها وقلت لأطلبنها من النبي ص فلما تكلمت أنسيت جمالها بفصاحتها
قالت يا محمد ان رأيت أن تخلي عني ولا تشمت بي احياء العرب فاني ابنة
سيد قومي وان أبي كان يفك العاني ويشبع الجائع ويكسو العاري ويحفظ
الجار ويحمي الذمار ويفرج عن المكروب ويطعم الطعام ويفشي السلام
ويعين على نوائب الدهر ولم يرد طالب حاجة قط أنا ابنة حاتم الطائي فقال
النبي ص يا جارية هذه صفة المؤمن حقا ولو كان أبوك مسلما لترحمنا عليه
خلوا عنها فان أباها كان يحب مكارم الأخلاق. وقال فيها ارحموا عزيزا ذل
وغنيا افتقر وعالما ضاع بين جهال فأطلقها ومن عليها بقومها فاستاذنته في
الدعاء له فاذن لها وقال لأصحابه اسمعوا وعوا وذكر الدعاء، وذكره دحلان
(٤١٤)

في سيرته بأطول من ذلك فنحن ننقله منها قالت شكرتك يد افتقرت بعد
غني ولا ملكتك يد استغنت بعد فقر وأصاب الله بمعروفك مواضعه ببرك
مواقعه ولا جعل لك إلى لئيم حاجة ولا سلب نعمة من كريم الا وجعلك
سببا لردها عليه. وبعض ما ذكره شارح رسالة ابن زيدون قد انفرد به مثل
قوله: لما اتي بسبايا طئ وقفت جارية إلى قوله: بفصاحتها، وللتأمل في
صحته مجال أولا انه هو الذي جاء بسبايا طئ ومعهن سفانة فلا بد أن
يكون رآها مرارا فكيف يقول فلما رأيتها أعجبت بها ولا يصح أن يريد لما
رأيتها عند سبيها لأن ظاهر السوق ان ذلك كان لما وقفت امام النبي ص
وكلمته ثانيا ان مقام علي ع ارفع من أن يتطلع إلى جارية
مسبية فيعجب بجمالها ثم يقول فلما تكلمت أنسيت جمالها بفصاحتها
ثالثا ان طلبها من النبي إنما هو للتسري بها لما رأى من جمالها ولم يكن
ليتسرى في حياة الزهراء ع ولا ينافيه اصطفاؤه جارية في خبر
سريته لليمن فلعل ذلك كان للخدمة رابعا ان هذا الذي نقله شارح
الرسالة لم يذكره ابن سعد في طبقاته ولا ابن هشام في سيرته ولا صاحب
السيرة الحلبية ولا دحلان في سيرته ولا غيرهم ممن رأينا كلامه وذلك يوجب
الريب في صحته.
وأسلمت سفانة وحسن اسلامها وقدمت على أخيها عدي بدومة
الجندل. قال عدي بن حاتم فأقامت عندي فقلت لها وكانت امرأة حازمة
ما ذا ترين في أمر هذا الرجل قالت أرى والله ان تلحق به سريعا فان يكن
الرجل نبيا فللسابق إليه فضله وان يكن ملكا فلن تذل في عز اليمن وأنت
أنت فقلت والله ان هذا لهو الرأي فقدم عدي على النبي ص بالمدينة واسلم
وحسن اسلامه وكان من خواص أصحاب أمير المؤمنين ع وشهد
معه مشاهده كلها.
مسائل غامضة سئل عنها علي أمير المؤمنين ع
وقد ادرجها ابن شهرآشوب في المناقب وإبراهيم بن هاشم في كتاب
عجائب أحكامه في ضمن قضاياه وأحكامه العجيبة والأولى إفرادها عنها
وهذه كقضاياه منها ما وقع في حياة الرسول ص ومنها في امارة الخلفاء
الثلاثة ومنها في امارته ونحن نذكر كلا منها في محله كما فعلنا في قضاياه
واحكامه.
ما سئل عنه في حياة الرسول ص من المسائل الغامضة
في مناقب ابن شهرآشوب: جابر وابن عباس ان أبي بن كعب قرأ
عند النبي ص واسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة فقال النبي ص لقوم عنده
وفيهم أبو بكر وأبو عبيدة وعمر وعثمان وعبد الرحمن قولوا الآن ما أول نعمة
غرسكم الله بها وبلاكم بها فخاضوا في المعاش والرياش والذرية والأزواج
فلما أمسكوا قال يا أبا الحسن قل فقال: ان الله خلقني ولم أكن شيئا مذكورا
وانه أحسن بي فجعلني حيا لا مواتا وان أنشأني فله الحمد في أحسن صورة
واعدل تركيب وانه جعلني متفكرا واعيا لا ابله ساهيا وانه جعل لي شواعر
أدرك بها ما ابتغيت وجعل في سراجا منيرا وانه هداني لدينه ولم يضلني عن
سبيله وانه جعل لي مردا في حياة لا انقطاع لها وإنه جعلني مالكا لا مملوكا
وانه سخر لي سماءه وارضه وما فيهما وما بينهما من خلقه وانه جعلنا ذكرانا
قواما على حلائلنا لا إناثا. وكان رسول الله ص يقول في كل كلمة
صدقت. ثم قال فما بعد هذا فقال علي: وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها
فتبسم رسول الله ص وقال ليهنئك الحكمة ليهنئك العلم يا أبا الحسن أنت
وارث علمي والمبين لأمتي ما اختلفت فيه من بعدي الخبر.
اخباره في غزوة تبوك
وكانت في رجب سنة تسع من الهجرة.
ومرت مفصلة في الجزء الثاني ونعيد منها هنا ما له تعلق
بأمير المؤمنين ع وان لزم بعض التكرار. كان سببها كما مر
هناك انه بلغه ان الروم قد جمعت جموعا كثيرة بالشام وان هرقل
رزق أصحابه لسنة وأحلبت معه قبائل العرب وقدموا مقدماتهم إلى
البلقاء ومر قول المفيد: فاوحى الله عز اسمه إلى نبيه ص ان يسير
إليها بنفسه ويستنفر الناس للخروج معه واعلمه انه لا يحتاج فيها إلى
حرب ولا يمنى بقتال عدو وان الأمور تنقاد له بغير سيف وتعبده
بامتحان أصحابه بالخروج معه واختبارهم ليتميزا بذلك وتظهر به سرائرهم
فأبطأ أكثرهم ونهض بعضهم على استثقال للنهوض وتخلف آخرون. قال
الطبري: قال ابن إسحاق خلف رسول الله ص علي بن أبي طالب على أهله
وأمره بالإقامة فيهم وخلف على المدينة سباع بن عرفطة الغفاري وقال ابن
هشام استعمل على المدينة محمد بن مسلمة الأنصاري وخلف علي بن أبي
طالب على أهله وأمره بالإقامة فيهم. وقال المفيد لما أراد النبي ص الخروج
استخلف أمير المؤمنين ع في أهله وولده وازواجه ومهاجره وقال
له يا علي ان المدينة لا تصلح الا بي أو بك وذلك أنه ع علم من
خبث نيات الاعراب وكثير من أهل مكة ومن حولها ممن غزاهم وسفك
دماءهم فاشفق ان يطلبوا المدينة عند نأيه عنها وحصوله ببلاد الروم أو
نحوها فمتى لم يكن فيها من يقوم مقامه لم يؤمن من معرتهم وايقاع الفساد
في دار هجرته والتخطي إلى ما يشين أهله ومخلفيه وعلم أنه لا يقوم مقامه في
ارهاب العدو وحراسة دار الهجرة وحياطة من فيها الا أمير المؤمنين
فاستخلفه ظاهرا ونص عليه بالإمامة من بعده نصا جليا ولو علم الله عز
وجل ان لنبيه في هذه الغزاة حاجة إلى الحرب والأنصار لما أذن له في تخليف
أمير المؤمنين عنه بل علم أن المصلحة في استخلافه وان اقامته في دار هجرته
مقامه أفضل الأعمال اه ولم يذكر المفيد استخلاف أحد غيره وهو
الظاهر الموافق للاعتبار فإنه لم يكن ليشرك معه أحدا في الولاية على المدينة
مع ظهور شجاعته وكفاءته وحسن تدبيره. وإذا كان يخلف عليها في أكثر
غزواته كما مر ابن أم مكتوم وهو مكفوف البصر ويكتفي به أ فلا يكون علي
ع فيه الكفاءة للاستخلاف عليها مع اضطراب الرواية فيمن
استخلفه غيره فقيل محمد بن مسلمة وقيل سباع بن عرفطة كما مر وقيل ابن
أم مكتوم حكاه في السيرة الحلبية. وحكى عن ابن عبد البر أنه قال الأثبت
انه علي بن أبي طالب أقول وانما لم يستصحبه لما اخبره الله تعالى بأنه لا
يلقى حربا فكان بقاؤه في المدينة أهم للخوف عليها من المنافقين والعرب
الموتورين وهذا أمر واضح جلي. قال ابن هشام: فارجف به المنافقون
وقالوا ما خلفه الا استثقالا له وتخففا منه فلما قالوا ذلك اخذ علي سلاحه ثم
خرج حتى اتى رسول الله ص وهو نازل بالجرف فقال يا نبي الله زعم
المنافقون انك انما خلفتني لأنك استثقلتني وتخففت مني فقال كذبوا ولكن
خلفتك لما تركت ورائي فارجع فاخلفني في أهلي وأهلك أ فلا ترضى يا علي
أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى الا انه لا نبي بعدي فرجع علي إلى
المدينة اه وقال المفيد تظاهرت الرواية بان أهل النفاق لما علموا
باستخلاف رسول الله ص عليا ع على المدينة حسدوه لذلك
(٤١٥)

وعظم عليهم مقامه فيها وعلموا انها تنحرس به ولا يكون فيها للعدو مطمع
فساءهم ذلك وكانوا يؤثرون خروجه معه لما يرجونه من وقوع الفساد
والاختلاط عند نايه عن المدينة وخلوها من مرهوب مخوف يحرسها وغبطوه
على الرفاهية والدعة بمقامه في أهله وتكلف من خرج منهم المشاق بالسفر
فارجفوا به وقالوا لم يستخلفه اكراما واجلالا ومودة وانما خلفه استثقالا له
فبهتوه بهذا الارجاف وهم يعلمون ضده فلما بلغه ذلك أراد تكذيبهم فلحق
بالنبي ص فأخبره قولهم فقال له النبي ارجع يا أخي إلى مكانك فان المدينة
لا تصلح الا بي أو بك فأنت خليفتي في أهل بيتي ودار هجرتي وقومي أ ما
ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى الا إنه لا نبي بعدي ولو علم
الله لنبيه في هذه الغزوة حاجة إلى الحرب والأنصار لما أذن له في تخليف أمير
المؤمنين عنه بل علم أن المصلحة في استخلافه وبقائه في دار هجرته اه.
بعث سورة براءة مع علي ع
في ذي الحجة سنة تسع من الهجرة
وقد مر في الجزء الثاني مفصلا ونعيده هنا باختصار وان لزم بعض
التكرار:
قال الشيخ الطوسي في المصباح: في أول يوم من ذي الحجة سنة ٩
من الهجرة بعث النبي ص سورة براءة حين أنزلت عليه مع أبي بكر ثم نزل
عليه انه لا يؤديها عنك الا أنت أو رجل منك فانفذ عليا حتى لحق أبا بكر
فاخذها منه. وروى الطبري في تفسيره بسنده عن زيد بن يثيغ قال نزلت
براءة فبعث بها رسول الله أبا بكر ثم ارسل عليا فاخذها منه فلما رجع قال
هل نزل في شئ قال لا ولكن امرت ان ابلغها انا أو رجل من أهل بيتي
فانطلق علي إلى مكة فقام فيهم بأربع: ان لا يدخل مكة مشرك بعد عامه
هذا. ولا يطوف بالبيت عريان. ولا يدخل الجنة الا نفس مسلمة. ومن
كان بينه وبين رسول الله عهد فعهده إلى مدته اه وروى الحاكم في
المستدرك بسنده عن ابن عباس ان رسول الله ص بعث أبا بكر وأمره ان
ينادي بهؤلاء الكلمات فاتبعه عليا فبينا أبو بكر ببعض الطريق إذ سمع رغاء
ناقة رسول الله ص فخرج فزعا فظن أنه رسول الله ص فإذا هو علي إلى أن
قال فنادى علي ان الله برئ من المشركين ورسوله فسيحوا في الأرض
أربعة أشهر لا يحجن بعد العام مشرك ولا يطوفن بالبيت عريان ولا
يدخلن الجنة الا مؤمن وبسنده عن زيد بن يثيغ: سألنا عليا بأي شئ
بعثت في الحجة قال بعثت بأربع: لا يدخلن الجنة الا نفس مؤمنة. ولا
يطوف بالبيت عريان ولا يجتمع مؤمن وكافر في المسجد الحرام بعد عامهم
هذا ومن كان بينه وبين النبي ص عهد فعهده إلى مدته ومن لم يكن له عهد
فاجله أربعة أشهر. وروى النسائي في الخصائص بسنده عن سعد: بعث
رسول الله ص أبا بكر ببراءة حتى إذا كان ببعض الطريق ارسل عليا
فاخذها منه فوجد أبو بكر في نفسه فقال رسول الله ص لا يؤدي عني الا انا
أو رجل مني. وفي رواية أخرى للنسائي: لا ينبغي ان يبلغ هذا الا رجل
من أهلي وبسنده عن زيد بن يثيغ: بعث رسول الله ص ببراءة إلى أهل
مكة مع أبي بكر ثم اتبعه بعلي فلحقه فاخذ الكتاب منه فانصرف أبو بكر
وهو كئيب فقال أ نزل في شئ قال لا إلا اني امرت ان ابلغه انا أو رجل من
أهل بيتي اه ولحقه علي بذي الحليفة على ناقة رسول الله ص العضباء
وذو الحليفة ميقات أهل المدينة بينه وبينها ستة أميال وقيل لحقه بالعرج
موضع بين مكة والمدينة وقيل بالروحاء من عمل الفرع. والأقرب إلى
الاعتبار ان يكون لحقه بذي الحليفة. قال المجلسي أجمع المفسرون ونقلة
الاخبار انه لما نزلت براءة دفعها رسول الله ص إلى أبي بكر ثم اخذها منه
ودفعها إلى علي بن أبي طالب واختلفوا فقيل اخذها منه فقرأها على الناس
وكان أبو بكر أميرا على الموسم وروى أصحابنا انه ولى عليا الموسم أيضا
وقال المفيد في الارشاد: ومن ذلك ما جاء في قصة براءة. وقد دفعها النبي
ص فقال له ان الله يقرئك السلام ويقول لك لا يؤدي عنك الا أنت أو
رجل منك فاستدعى عليا وقال له اركب ناقتي العضباء والحق أبا بكر فخذ
براءة من يده وامض بها إلى مكة وأنبذ بها عهد المشركين إليهم وخير أبا
بكر بين ان يسير مع ركابك أو يرجع إلي فركب أمير المؤمنين
ناقة رسول الله ص العضباء وسار حتى لحق بأبي بكر فلما رآه فزع من
لحوقه به واستقبله فقال فيم جئت يا أبا الحسن أ سائر أنت أم لغير
ذلك فقال إن رسول الله امرني ان ألحقك فاقبض منك الآيات
من براءة وأنبذ بها عهد المشركين إليهم وأمرني ان أخيرك بين ان
تسير معي أو ترجع إليه فقال بل ارجع إليه وعاد إلى النبي ص فلما
دخل عليه قال يا رسول الله انك أهلتني لأمر طالت الأعناق إلي فيه فلما
توجهت له رددتني عنه ما لي أ نزل في قرآن فقال لا ولكن الأمين جبرئيل
هبط إلي عن الله عز وجل بأنه لا يؤدي عنك الا أنت أو رجل منك وعلي
مني ولا يؤدي عني إلا علي في حديث مشهور. وكان نبذ العهد مختصا بمن
عقده أو بمن يقوم مقامه في فرض الطاعة وجلالة القدر وعلو الرتبة وشرف
المقام. ومن لا يرتاب بفعاله ولا يعترض عليه في مقامه. ومن هو كنفس
العاقد وأمره امره فإذا حكم بحكم مضى واستقر وامن الاعتراض فيه.
وكان بنبذ العهد قوة الاسلام وكمال الدين واصلاح أمر المسلمين وفتح مكة
واتساق أمر الصلاح فأحب الله تعالى ان يجعل ذلك في يد من ينوه باسمه
ويعلي ذكره وينبه على فضله ويدل على علو قدره ويبينه به ممن سواه وكان ذلك
أمير المؤمنين ع ولم يكن لأحد من القوم فضل يقارب الفضل الذي
وصفناه ولا يشرك فيه أحد منهم على ما بيناه اه.
اخباره في وفد نجران
سنة عشر من الهجرة
ونجران ببلاد اليمن كان أهلها نصارى ذكر المؤرخون هذا الوفد
وذكروا سنة قدومه ولم يذكروا الشهر قال ابن الأثير في حوادث سنة عشر:
ذكر وفد نجران مع السيد والعاقب ثم قال واما نصارى نجران فإنهم
أرسلوا العاقب والسيد في نفر إلى رسول الله ص وأرادوا مباهلته فخرج
ومعه علي وفاطمة والحسن والحسين فلما رأوهم قالوا هذه وجوه لو أقسمت
على الله ان يزيل الجبال لأزالها ولم يباهلوه وصالحوه على ألفي حلة ثمن كل
حلة أربعون درهما وعلى ان يضيفوا رسله وجعل لهم ذمة الله تعالى وعهده
ان لا يفتنوا عن دينهم ولا يعشروا وشرط عليهم ان لا يأكلوا الربا ولا
يتعاملوا به اه.
وفي وفد نجران نزلت آية المباهلة وهي قوله تعالى في سورة آل عمران
ان مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون
الحق من ربك فلا تكن من الممتدين فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من
العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم
نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين قال الرازي في تفسيره أجمع المفسرون
على أن هذه الآية نزلت عند حضور وفد نجران عند الرسول ص وقال
(٤١٦)

الواحدي في أسباب النزول: قال المفسرون قدم وفد نجران وكانوا ستين
راكبا على رسول الله ص وفيهم أربعة عشر رجلا من أشرافهم وفي الأربعة
عشر ثلاثة نفر إليهم يؤول امرهم فالعاقب أمير القوم وصاحب مشورتهم
الذي لا يصدرون الا عن رأيه واسمه عبد المسيح والسيد امامهم وصاحب
رحلهم واسمه الأيهم وأبو حارثة بن علقمة أسقفهم وحبرهم وامامهم
وصاحب مدارسهم وكان قد شرف فيهم ودرس كتبهم حتى حسن علمه في
دينهم وكانت ملوك الروم قد شرفوه ومولوه وبنوا له الكنائس لعلمه واجتهاده
فقدموا على رسول الله ص ودخلوا مسجده حين صلى العصر عليهم ثياب
الحبرات جبات وأردية في جمال رجال الحارث بن كعب يقول بعض من
رآهم من أصحاب رسول الله ص ما رأينا وفدا مثلهم وقد حانت صلاتهم
فقاموا فصلوا في مسجد رسول الله ص فقال رسول الله ص دعوهم فصلوا
إلى المشرق فكلم السيد والعاقب رسول الله ص فقال لهما أسلما فقالا قد
أسلمنا قبلك قال منعكما من الاسلام دعاؤكما لله ولدا وعبادتكما الصليب
وأكلكما الخنزير قالا إن لم يكن عيسى ولد الله فمن أبوه وخاصموه جميعا في
عيسى ثم روي أنهما قالا للنبي ص ما تقول في عيسى فسكت ونزل
القرآن وفيه ان مثل عيسى عند الله كمثل آدم إلى قوله قل تعالوا ندع
أبناءنا وأبناءكم الآية فدعاهما رسول الله ص إلى الملاعنة اه. وقال
ابن طاووس فيما رواه في كتاب الاقبال ان أبا حارثة اسمه حصين بن علقمة
وهو من بكر بن وائل والعاقب اسمه عبد المسيح بن شرحبيل والسيد اسمه
الأهتم أو الأيهم بن النعمان، فإذا كان الله تعالى قد خلق آدم وابدعه
من التراب بغير أم ولا أب فخلق عيسى ع من أم بدون أب أقل
غرابة، وعن عائشة رض ان رسول الله ص خرج يعني إلى المباهلة
وعليه مرط مرجل من شعر اسود فجاء الحسن فادخله ثم جاء الحسين
فادخله ثم فاطمة ثم علي قال انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت
ومثله في تفسيري النيسابوري والرازي وزادا ويطهركم تطهيرا ثم
قالا وهذه الرواية كالمتفق على صحتها بين أهل التفسير والحديث انتهى
وقال في الكشاف: وفيه دليل لا شئ وأقوى منه على فضل أصحاب
الكساء ع وفيه برهان واضح على صحة نبوته ص لأنه لم يرو
أحد من موافق ولا مخالف انهم أجابوا إلى ذلك انتهى وقال الرازي:
قالوا يا أبا القاسم رأينا ان لا نباهلك فقال فإذا أبيتم المباهلة فاسلموا فأبوا
قال فاني أناجزكم القتال فقالوا ما لنا بحرب العرب طاقة ولكن نصالحك
على أن لا تغزونا ولا تردنا عن ديننا على أن نؤدي إليك الخ ما مر وقال
الواحدي في أسباب النزول: قال الشعبي أبناءنا الحسن والحسين ونساءنا
فاطمة وأنفسنا علي بن أبي طالب رضي الله عنهم اه.
وفي مجمع البيان: لما دعاهم رسول الله ص إلى المباهلة استنظروه
إلى صبيحة غد فلما رجعوا إلى رحالهم قال لهم الأسقف انظروا محمدا في غد
فان غدا بولده وأهله فاحذروا مباهلته وان غدا بأصحابه فباهلوه فإنه ليس
على شئ فلما كان الغد جاء النبي ص آخذا بيد علي بن أبي طالب والحسن
والحسين بين يديه يمشيان وفاطمة تمشي خلفه وخرج النصارى وتقدمهم
أسقفهم فلما رأى النبي ص قد اقبل بمن معه سال عنهم فقيل هذا ابن عمه
وزوج ابنته وأحب الخلق إليه وهذان ابنا بنته من علي وهما من أحب الخلق
إليه وهذه الجارية بنته فاطمة أعز الناس عليه وأقربهم إلى قلبه ثم قال
وأنفسنا يعني عليا خاصة ولا يجوز ان يكون المعني به النبي ص لأنه هو
الداعي ولا يجوز ان يدعو الإنسان نفسه وانما يصح ان يدعو غيره وإذا كان
قوله وأنفسنا لا بد ان يكون إشارة إلى غير الرسول وجب ان يكون إشارة
إلى علي لأنه لا أحد يدعي دخول غير أمير المؤمنين علي وزوجته وولديه في
المباهلة وهذا يدل على غاية الفضل وعلو الدرجة في البلوغ منه إلى حيث لا
يبلغه أحد إذ جعله الله نفس الرسول وهذا ما يدانيه فيه أحد ولا يقاربه ومما
يعضده من الروايات ما صح عن النبي ص انه سئل عن بعض أصحابه
فقال له قائل فعلي فقال انما سألتني عن الناس ولم تسألني عن نفسي وقوله
ص لبريدة الأسلمي يا بريدة لا تبغض عليا فإنه مني وأنا منه.
وعاد وفد نجران بعد ان صالحهم الرسول على ألفي حلة من حلل
الأواقي (١) قيمة كل حلة أربعون درهما جيادا فما زاد أو نقص كان بحساب
ذلك وكتب لهم كتابا على ما صالحهم عليه وكان الكتاب:
بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من محمد النبي رسول الله لنجران
وحاشيتها في كل صفراء وبيضاء وثمرة ورقيق لا يؤخذ منهم شئ غير
ألفي حلة من حلل الأواقي ثمن كل حلة أربعون درهما فما زاد أو نقص
فبحساب ذلك يؤدون ألفا منها في صفر وألفا منها في رجب وعليهم أربعون
دينارا مثواة رسولي فما فوق ذلك وعليهم في كل حدث يكون باليمن من كل
ذي عدن عارية مضمونة ثلاثون درعا وثلاثون فرسا وثلاثون جملا لهم بذلك
جوار الله وذمة محمد بن عبد الله فمن اكل الربا منهم بعد عامهم هذا فذمتي
منه بريئة وأخذ القوم الكتاب وانصرفوا اه.
ثم إنه يستفاد من الآية الشريفة أمور.
الأول ان الحسن والحسين ابنا رسول الله ص وان ابن البنت ابن
حقيقة ويؤيده قوله ص ابناي هذان امامان ان قاما وان قعدا. وفي تفسير
الرازي: هذه الآية دالة على أن الحسن والحسين ع كان ابني
رسول الله ص وعد ان يدعو أبناءه فدعاهما فوجب ان يكونا ابنيه قال: ومما
يؤكد هذا قوله تعالى في سورة الأنعام ومن ذريته داود وسليمان إلى قوله
وزكريا ويحيى وعيسى ومعلوم ان عيسى ع انما انتسب إلى إبراهيم
ع بالأم لا بالأب فثبت ان ابن البنت قد يسمى ابنا.
الثاني ان عليا أفضل الناس بعد رسول الله ص لما سمعت
واعترف به الفخر الرازي في تفسيره.
الثالث فضل أصحاب الكساء عموما كما اعترف به الزمخشري.
الرابع انهم المرادون باهل البيت في آية التطهير. واحتمال إرادة
أزواج النبي ص وحدهم بقرينة ما قبل الآية وما بعدها ينفيه تذكير الضمير
والأخبار الدالة على أن المراد باهل البيت أصحاب الكساء كالخبر السابق
وغيره. واحتمال دخول النساء فيهم وتذكير الضمير للتغليب ينافيه أصالة
الحقيقة. وما رواه الإمامان مسلم وابن حنبل من انكار زيد بن أرقم على
حصين بن سبرة لما قال له أ ليس نساؤه من أهل بيته فقال: نساؤه من أهل
بيته ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده كما بيناه في اقناع اللائم عند
ذكر حديث الثقلين وما رواه الترمذي وصححه الحاكم على شرط البخاري
من أنه ص جلل على الحسن والحسين وعلي وفاطمة كساء وقال اللهم هؤلاء
أهل بيتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا الحديث وهو يدل على
انحصار أهل البيت في ذلك الوقت في الخمسة وفي دلالة الآية على

(١) اي التي قيمة كل واحدة منها أربعون درهما لأن الأوقية هي أربعون درهما.
(٤١٧)

عصمتهم من الذنوب ما لا يخفى. قال الشهيد أعلى الله درجته في مقدمات
الذكرى لا يقال صدر الآية وعجزها في النساء فتكون فيهن قلنا يأباه
الضمير وهذا النقل الصحيح والخروج من حكم إلى آخر في القرآن الكريم
كثير جدا اه ومر في أدلة إمامته ما يرتبط بالمقام.
بعث علي ع إلى اليمن
في شهر رمضان سنة عشر من الهجرة.
ليخمس ركازها والركاز الذهب والفضة ويقبض ما وقع عليه الصلح
مع وفد نجران من الحلل والعين وغير ذلك، وليدعو مذحج وزبيد كامير
بطن من مذحج كمجلس أبو قبيلة من اليمن.
ومر أن بعث علي إلى اليمن كان مرتين واستظهرنا سابقا أنه كان
ثلاث مرات إحداها سنة ثمان والثانية بين ثمان وتسع والثالثة
هذه.
قال ابن سعد في الطبقات الكبير: ثم سرية علي بن أبي طالب إلى
اليمن يقال مرتين إحداهما في شهر رمضان سنة عشر من مهاجر رسول الله
ص قالوا بعث رسول الله ص عليا إلى اليمن وعقد له لواء وعممه بيده
وقال امض ولا تلتفت فإذا نزلت بساحتهم فلا تقاتلهم حتى يقاتلوك فخرج
في ثلثمائة فارس وكانت أول خيل دخلت إلى تلك البلاد وهي بلاد مذحج
ففرق أصحابه فاتوا بنهب وغنائم ونساء وأطفال ونعم وشاء وغير ذلك
وجعل على الغنائم بريدة بن الخصيب الأسلمي فجمع إليه ما أصابوا ثم
لقي جمعهم فدعاهم إلى الاسلام فأبوا ورموا بالنبل والحجارة فصف
أصحابه ودفع لواءه إلى مسعود بن سنان السلمي ثم حمل عليهم علي
بأصحابه فقتل منهم عشرين رجلا فتفرقوا وانهزموا فكف عن طلبهم ثم
دعاهم إلى الاسلام فأسرعوا وأجابوا وبايعه نفر من رؤسائهم على الاسلام
وقالوا نحن على من ورائنا من قومنا وهذه صدقاتنا فخذ منها حق الله وجمع
علي الغنائم فجزأها على خمسة اجزاء فكتب في سهم منها الله وأقرع فخرج
أول السهام سهم الخمس وقسم علي على أصحابه بقية المغنم ثم قفل فوافى
النبي ص بمكة قد قدمها للحج سنة عشر اه وهي حجة الوداع وسيأتي
تمام خبره انش عند ذكر حجة الوداع. وفي سيرة دحلان: فقال علي يا
رسول الله ما اصنع قال إذا نزلت بساحتهم فلا تقاتلهم حتى يقاتلوك
وادعهم إلى قول لا إله إلا الله فان قالوا نعم فمرهم بالصلاة فان أجابوا فلا
تبغ منهم غير ذلك والله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك مما طلعت
عليه الشمس أو غربت إلى أن قال وخرج منهم رجل من مذحج يدعو
إلى المبارزة فبرز إليه الأسود بن خزاعي فقتله الأسود واخذ سلبه وروى
الكليني في الكافي بسنده عن الصادق ع قال: قال أمير المؤمنين ع
بعثني رسول الله ص إلى اليمن وقال لي يا علي لا تقاتلن أحدا حتى تدعوه
وأيم الله لأن يهدي الله على يديك رجلا خير لك مما طلعت عليه الشمس
وغربت ولك ولاؤه يا علي وروي الشيخ في الأمالي بسنده عن الرضا عن
آبائه ع أن رسول الله ص بعث عليا إلى اليمن فقال له
وهو يوصيه يا علي أوصيك بالدعاء فان معه الإجابة وبالشكر فان معه المزيد
وأنهاك عن المكر فإنه لا يحيق المكر السئ إلا باهله وأنهاك عن البغي فإنه
من بغي عليه لينصرنه الله. قال ابن هشام في سيرته قال أبو عمرو المدني
بعث رسول الله ص علي بن أبي طالب إلى اليمن وبعث خالد بن الوليد في
جند آخر وقال إن التقيتما فالأمير علي بن أبي طالب اه. والظاهر أن
هذا البعث هو الذي كان سنة عشر يدل عليه ما ذكره المفيد في موضع من
ارشاده حيث قال: ولما عاد رسول الله ص من تبوك إلى المدينة قدم عليه
عمرو بن معديكرب الزبيدي فامن بالله ورسوله وآمن من معه من قومه
ورجعوا إلى قومهم ثم أن عمرا نظر إلى أبي كعب بن عثعث الخثعمي فاخذ
برقبته ثم جاء به إلى النبي ص فقال أعدني على هذا الفاجر الذي قتل
والدي فقال رسول الله ص هدر الاسلام ما كان في الجاهلية فانصرف عمرو
مرتدا فأغار على قوم من بني الحارث بن كعب ومضى إلى قومه فاستدعى
رسول الله ص علي بن أبي طالب وأمره على المهاجرين وانفذه إلى بني زبيد
وأرسل خالد بن الوليد وأمره أن يقصد جعفي فإذا التقيا فأمير الناس أمير
المؤمنين فسار أمير المؤمنين واستعمل على مقدمته خالد بن سعيد بن العاص
واستعمل خالد على مقدمته أبا موسى الأشعري فاما جعفي فإنها لما سمعت
بالجيش افترقت فرقتين فذهبت فرقة إلى اليمن وانضمت الفرقة الأخرى إلى
بني زبيد فبلغ ذلك أمير المؤمنين ع فكبت إلى خالد بن الوليد ان قف
حيث أدركك رسولي فلم يقف فكتب إلى خالد بن سعيد بن العاص:
تعرض له حتى تحبسه، فاعترض له حتى حبسه وأدركه أمير المؤمنين فعنفه
على خلافه ثم سار علي حتى لقي بني زبيد بواد يقال له كثير فلما رآه بني
زبيد قالوا لعمرو كيف أنت يا أبا ثور إذا لقيك هذا الغلام القرشي فاخذ
منك الإتاوة قال سيعلم ان لقيني وخرج عمرو فقال من يبارز فنهض إليه
أمير المؤمنين وقام إليه خالد بن سعيد وقال له دعني يا أبا الحسن بأبي أنت
وأمي أبارزه فقال له أمير المؤمنين ان كنت ترى أن لي عليك طاعة فقف في
مكانك ثم برز إليه أمير المؤمنين فصاح به صيحة فانهزم عمرو وقتل أخاه
وابن أخيه واخذت امرأته ركانة بنت سلامة وسبي منهم نسوان وانصرف
أمير المؤمنين ع وخلف على بني زبيد خالد بن سعيد لقبض صدقاتهم
ويؤمن من عاد إليه من هرابهم مسلما فرجع عمرو بن معديكرب واستأذن
على خالد بن سعيد فاذن له فعاد إلى الاسلام فكلمه في امرأته وولده
فوهبهم له وقد كان عمرو لما وقف بباب خالد بن سعيد وجد جزورا قد
نحرت فجمع قوائمها ثم ضربها بسيفه فقطعها جميعا وكان يسمي سيفه
الصمصامة فلما وهب خالد بن سعيد لعمرو امرأته وولده وهب له عمرو
الصمصامة.
قال المفيد في موضع آخر من الارشاد: كان رسول الله قد انفذ عليا
إلى اليمن ليخمس ركازها ويقبض ما وافق عليه أهل نجران من الحلل
والعين وغير ذلك فتوجه لما ندبه إليه رسول الله ص فانجزه ممتثلا أمره فيه
مسرعا إلى طاعته ولم يأتمن رسول الله ص أحدا غيره على ما ائتمنه عليه من
ذلك ولا رأي في القوم من يصلح للقيام به سواه فاقامه مقام نفسه في ذلك
واستنابه فيه مطمئنا إليه ساكنا إلى نهوضه بأعباء ما كلفه فيه اه وقال
ابن الأثير في حوادث سنة عشر: ذكر بعث رسول الله ص أمراءه على
الصدقات. ثم قال: وبعث علي بن أبي طالب إلى نجران ليجمع صدقاتهم
وجزيتهم ويعود ففعل وعاد ولقي رسول الله ص بمكة في حجة الوداع ثم
ذكر استخلافه رجلا على الجيش كما يأتي والظاهر أن كلماتهم هذه كلها
المتقدمة لبيان واقعة واحدة وانه غزا بني زبيد الذين هم بطن من مذحج في
تلك السفرة وقبض ما صولح عليه أهل نجران وجمع الزكاة ثم قفل فاجتمع
بالنبي ص في حجة الوداع. وغزوة زبيد المذكورة في كلام المفيد وان أمكن
أن تكون سفرة وحدها غير السفرة لقبض ما صولح عليه أهل نجران إلا أنه
لما ذكر بعث خالد معه علم أنهما سفرة واحدة لان ابن سعد ذكر انه في شهر
(٤١٨)

رمضان سنة عشر بعثه إلى اليمن إلى بلاد مذحج فقتل وسبى وغنم ثم
أسلموا ومعه بريدة ثم قال فوفى النبي بمكة سنة عشر فعلم أنهما واقعة
واحدة. وروي الكليني في الكافي بسنده عن سليمان الجعفري عن أبي
الحسن ع قال سمعته يقول أهدي أمير المؤمنين ع إلى
رسول الله ص أربعة أفراس من اليمن فقال سمها فقال هي ألوان مختلفة
فقال ففيها أشقر قال نعم قال فامسكه علي قال وفيها كميتان أوضحان قال
فاعطهما ابنيك قال والرابع أدهم بهيم قال بعه واستخلف به نفقة لعيالك إنما
يمن الخيل في ذوات الأوضاح اه ولا يعلم أن ذلك في أي سفرة من
أسفاره إلى اليمن.
أخباره في حجة الوداع
وكانت سنة عشر من الهجرة.
وقال المفيد في الارشاد: ثم تلا وفد نجران من القصص المنبئة عن
فضل أمير المؤمنين وتخصصه من المناقب بما بان به من كافة العباد حجة
الوداع وما جرى فيها من الأقاصيص وكان لأمير المؤمنين فيها من جليل
المقامات فمن ذلك أن رسول الله ص كان قد انفذه إلى اليمن ليخمس
ركازها ويقبض ما وافق عليه أهل نجران من الحلل وغيرها فتوجه لما ندبه
إليه إلى أن قال: ثم أراد رسول الله ص التوجه إلى الحج وأداء ما فرض
الله تعالى عليه فاذن في الناس بالحج وبلغت دعوته إلى أقاصي بلاد أهل
الاسلام فتجهز الناس للخروج معه وحضر المدينة من ضواحيها ومن حولها
خلق كثير وتهيئوا للخروج معه فخرج بهم لخمس بقين من ذي القعدة
اه وفي السيرة الحلبية خرج معه أربعون ألفا وقيل سبعون وقيل تسعون
وقيل مائة ألف وأربعة عشر ألفا وقيل مائة وعشرون ألفا وقيل أكثر من ذلك
هذا عدى من حج معه أهل مكة واليمن. وفي سيرة دحلان خرج معه
تسعون ألفا ويقال مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا ويقال أكثر من ذلك
اه ويمكن الجمع بان الذين خرجوا من المدينة وضواحيها كانوا أربعين
ألفا ومع الذين انضموا إليهم مما قرب منها كانوا سبعين أو تسعين والكل
ممن قرب وبعد كانوا مائة وأربعة وعشرين ألفا والله أعلم. قال ابن سعد
وأخرج معه نساءه التسع في الهوادج وابنته فاطمة وأشعر هديه وقلده.
قال المفيد: وكاتب أمير المؤمنين بالتوجه إلى الحج من اليمن ولم يذكر له
نوع الحج الذي عزم عليه وخرج قارنا للحج بسياق الهدي وأحرم من ذي
الحليفة وأحرم الناس معه ولبى من عند الميل الذي بالبيداء فاتصل ما بين
الحرمين بالتلبية وخرج أمير المؤمنين ع بمن معه من المعسكر الذي
كان صحبه إلى اليمن ومعه الحلل التي كان أخذها من أهل نجران فلما
قارب رسول الله ص مكة من طريق المدينة قاربها أمير المؤمنين ع
من طريق اليمن وتقدم الجيش للقاء النبي ص وخلف عليهم رجلا منهم
فأدرك النبي ص وقد أشرف على مكة فسلم عليه وخبره بما صنع وبقبض ما
قبض وانه سارع للقائه امام الجيش فسر رسول الله ص بذلك وابتهج بلقائه
وقال بم أهللت يا علي فقال يا رسول الله انك لم تكتب إلي اهلالك
ولا عزفته فعقدت نيتي بنيتك فقلت اللهم اهلالا كاهلال
نبيك وسقت معي من البدن أربعا وثلاثين بدنة فقال رسول
الله الله أكبر قد سقت أنا ستا وستين وأنت شريكي في حجي ومناسكي
وهديي فاقم على احرامك وعد إلى جيشك فعجل بهم حتى نجتمع
بمكة إن شاء الله وفي سيرة ابن هشام قال رسول الله ص لعلي هل
معك من هدي قال لا فاشركه في هديه وثبت على احرامه حتى فرغا
من الحج ونحر رسول الله ص الهدي عنهما. وفي السيرة الحلبية
يمكن الجمع بين هذا وبين أنه قدم من اليمن ومعه هدي بأن
الهدي كان قد تأخر مجيئه فاشركه في هديه ثم نقل أن الهدي الذي جاء
به علي ع من اليمن كان سبعا وثلاثين والذي جاء به رسول
الله ص كان ثلاثا وستين. قال المفيد: فودعه أمير المؤمنين وعاد إلى
جيشه فلقيهم عن قريب فوجدهم قد لبسوا الحلل التي كانت معهم فأنكر
ذلك عليهم وقال للذي كان استخلفه عليهم ويلك ما دعاك إلى أن تعطيهم
الحلل من قبل ان تدفعها إلى رسول الله ولم أكن أذنت لك في ذلك فقال
سألوني ان يتجملوا بها ويحرموا فيها ثم يردوها علي فانتزعها أمير المؤمنين من
القوم وشدها في الاعدال فاضطغنوا ذلك عليه فلما دخلوا مكة كثرت
شكايتهم منه فامر رسول الله ص فنادى في الناس ارفعوا ألسنتكم عن
علي بن أبي طالب فإنه خشن في ذات الله عز وجل غير مداهن في دينه فكف
القوم عن ذكره وعلموا مكانه من النبي ص وسخطه على من رام الغميزة فيه،
وفي رواية ابن إسحاق فاظهر الجيش شكواه لما صنع بهم قال أبو سعيد
الخدري اشتكى الناس عليا فقام رسول الله ص فينا خطيبا فسمعته يقول
أيها الناس لا تشكن عليا فوالله انه لأخشن في ذات الله أو سبيل الله من أن
يشكي قال المفيد وأقام أمير المؤمنين على احرامه تأسيا برسول الله ص وكان
قد خرج مع النبي ص كثير من المسلمين بغير سياق هدي فأنزل الله تعالى
وأتموا الحج والعمرة لله فقال رسول الله ص دخلت العمرة في الحج إلى
يوم القيامة وشبك إحدى أصابع يديه على الأخرى ثم قال لو استقبلت من
أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ثم أمر مناديه أن ينادي من لم يسق منكم
هديا فليحل وليجعلها عمرة ومن ساق منكم هديا فليقم على احرامه
فأطاع ذلك بعض الناس وخالف بعض وجرت خطوب بينهم فيه وقال منهم
قائلون: رسول الله أشعث أغبر ونحن نلبس الثياب ونقرب النساء وندهن
وقال بعضهم أ ما تستحون ان تخرجوا ورؤوسكم تقطر من الغسل ورسول
الله على احرامه وهذا اعتذار بارد فإطاعة أمر رسول الله الذي هو أمر الله
إلى من اظهار حب المواساة له في البقاء على الاحرام فأنكر رسول الله ص
على من خالف في ذلك وقال لولا أني سقت الهدي لأحللت وجعلتها عمرة
فمن لم يسق هديا فليحل فرجع قوم وأقام آخرون على الخلاف وكان فيمن
أقام على الخلاف بعض أكابرهم فاستدعاه رسول الله ص وقال ما لي أراك
محرما أ سقت هديا قال لم اسق قال فلم لا تحل وقد أمرت من لم يسق بالاحلال
فقال والله يا رسول الله لا أحللت وأنت محرم فقال له النبي ص انك لم
تؤمن بها حتى تموت فلذلك أقام على انكار متعة الحج حتى رقى المنبر في
امارته فنهى عنها نهيا مجددا وتوعد عليها بالعقاب اه وروى مسلم في
صحيحه بسنده عن عائشة قدم رسول الله ص لأربع مضين من ذي الحجة
أو خمس فدخل علي وهو غضبان فقلت من أغضبك يا رسول الله ادخله الله
النار. قال أ وما شعرت اني امرت الناس بأمر فإذا هم يترددون لو اني
استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي معي حتى اشتريه ثم أحل
كما أحلوا، قال النووي في الشرح: أما غضبه فلانتهاك حرمة الشرع
وترددهم في قبول حكمه وقد قال الله تعالى فلا وربك لا يؤمنون حتى
يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا
تسليما فغضب لما ذكرنا من انتهاك حرمة الشرع والحزن عليهم في نقص
ايمانهم وفيها دلالة لاستحباب الغضب عند انتهاك حرمة الدين وفيه جواز الدعاء
على المخالف لحكم الشرع اه اي حتى بادخال النار الذي لا أفظع منه
والذي ربما زاد على اللعن الذي هو الطرد والابعاد من رحمة الله. وفهم ما
(٤١٩)

جاء في هذه الأحاديث على وجهه يتوقف على بيان أقسام الحج وكيف
اختلف حج من ساق الهدي على من لم يسقه فنقول الحج على ثلاثة
أقسام إفراد وقران وتمتع والثالث فرض من بعد عن مكة ثمانية وأربعين ميلا
والأولان فرض أهل مكة ومن بعد عنها بأقل من ذلك، والمفرد يأتي بالحج
أولا ثم بعمرة مفردة ويعقد احرامه بالتلبية وسمي إفرادا لانفراده عن العمرة
وعدم ارتباطه بها فهما نسكان مستقلان وكذلك القارن يأتي بالحج أولا ثم
بالعمرة وهما نسكان مستقلان إلا أنه يسوق الهدي معه عند الاحرام ويعقد
احرامه بسياق الهدي وسمي قرانا لاقترانه بسياق الهدي والمتمتع يأتي أولا
بعمرة التمتع ثم يأتي بالحج ويعقد احرامه بالتلبية ويكون النسك مركبا من
العمرة والحج وهذا معنى قوله ع دخلت العمرة في الحج إلى يوم
القيامة وتشبيكه بين أصابعه وسمي تمتعا لأنه بعد احلاله من احرام العمرة
يتمتع أي ينتفع بما كان محرم عليه حال الاحرام والنبي حين أحرم في حجة
الوداع أحرم بحج القران لأنه ساق الهدي وكذلك علي ع أحرم
كاحرام رسول الله ص وساق الهدي فكان حجه حج قران وأكثر الذين
كانوا مع النبي ص لم يسوقوا الهدي واحرموا بالحج فكان حجهم حج أفراد
ولم يكن حج التمتع مفروضا يومئذ بل كان الحج قسمين فقط إفراد وقرآن
فلما نزل فرض حجم التمتع لمن لم يسق الهدي بقوله تعالى وأتموا الحج
والعمرة لله إلى قوله فمن تمتع بالعمرة إلى الحج الآية أمر رسول
الله ص من ساق الهدي أن يبقى على احرامه ويجعل حجه حج قران ومن لم
يسق الهدي أن يجعلها عمرة تمتع فيحل من احرامه ثم يحرم للحج من مكة
يوم التروية لأن حجه صار حج تمتع وصار ذلك فرض البعيدين عن مكة
بالمسافة السابقة إلى آخر الدهر وقال إن العمرة دخلت في الحج كدخول
أصابعه بعضها في بعض وسئل ان ذلك لعامهم هذا أو لأبد الأبد فقال بل
لأبد الأبد ومن ذلك فهم ان فرضهم مركب من عملين العمرة والحج مرتبط
أحدهما بالآخر أما من ساق الهدي فحجه حج قران في ذلك العام فقط أما
بعده فسيكون حج البعيد حج تمتع لا حج إفراد ولا قران ويظهر ان جماعة
لم يرق لهم أن يكون حج علي كحج النبي وحجهم مخالف لذلك فترددوا
في الاحلال من الاحرام أو امتنعوا حسدا لعلي وقديما كان في الناس
الحسد واعتذروا بما سمعت مما لم يكن بعذر مقبول. وفي قول النبي
ص: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ايماء إلى أن حج
التمتع أفضل. قال ابن سعد: انه بعد ما رمى جمرة العقبة بمنى يوم العيد
نحر الهدى قال صاحب السيرة الحلبية فنحر من البدن ثلاثا وستين بيده
الشريفة وهي التي جاء بها من المدينة وأمر عليا فنحر الباقي وهو تمام المائة
وكانه الذي جاء به من اليمن قال وجاء عن ابن عباس انه اهدى في
حجة الوداع مائة بدنة نحر منها ثلاثين وأمر عليا فنحر الباقي وقال له أقسم
لحومها وجلودها وجلالها بين الناس ولا تعط جزارا منها شيئا وخذ لنا من
بعير جذبة من لحم واجعلها في قدر حتى نأكل من لحمها ونحسو من مرقها
ففعل اه.
حديث الغدير
قال المفيد: لما قضى رسول الله ص نسكه وأشرك عليا في هديه قفل
إلى المدينة وهو معه والمسلمون حتى انتهى إلى الموضع المعروف بغدير خم
وهو مكان قريب من الجحفة بناحية رابغ وذلك يوم الثامن عشر من ذي
الحجة سنة عشر من الهجرة وليس بموضع إذ ذاك يصلح للنزول لعدم الماء
فيه والمرعى فنزل في الموضع ونزل المسلمون معه وكان سبب نزوله في هذا
المكان نزول القرآن عليه بنصبه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب خليفة في
الأمة من بعده وقد كان تقدم الوحي إليه في ذلك من غير توقيت له فاخره
لحضور وقت يامن فيه الاختلاف منهم عليه وعلم الله عز وجل أنه ان تجاوز
غدير خم انفصل عنه كثير من الناس إلى بلدانهم وأماكنهم وبواديهم فأراد
أن يجمعهم لسماع النص على أمير المؤمنين وتأكيد الحجة عليهم فيه فأنزل
الله عليه يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك يعني في استخلاف
علي والنص بالإمامة عليه وان لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من
الناس فأكد الفرض عليه بذلك وخوفه من تأخير الامر فيه وضمن له
العصمة ومنع الناس منه فنزل بذلك المكان ونزل المسلمون حوله وكان يوما
قائظا شديد الحر فامر بدوحات هناك فقم ما تحتها وأمر بجمع الرحال
ووضع بعضها فوق بعض ثم أمر مناديه فنادى في الناس الصلاة جامعة
فاجتمعوا من رحالهم وإن أكثرهم ليلف رداءه على قدميه من شدة الحر فلما
اجتمعوا صعد على تلك الرحال حتى صار في ذروتها واصعد عليا معه حتى
قام عن يمينه ثم خطب الناس فحمد الله وأثنى عليه ووعظ فابلغ في الموعظة
ونعى إلى الأمة نفسه وقال اني قد دعيت ويوشك ان أجيب وقد حان مني
خفوق من بين أظهركم واني مخلف فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا من
بعدي كتاب الله وعترتي أهل بيتي فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ثم
نادى بأعلى صوته أ لست أولى بكم منكم بأنفسكم قالوا اللهم بلى فقال لهم
على النسق وقد اخذ بضبعي أمير المؤمنين ع فرفعهما حتى بان
بياض إبطيهما فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم وال من (١) والاه وعاد
من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله ثم نزل فصلى ركعتين ثم زالت
الشمس فصلى بهم صلاة الظهر وجلس في خيمته وأمر عليا أن يجلس في
خيمة له بازائه وأمر المسلمين أن يدخلوا عليه فوجا فوجا فيهنئوه بالمقام
ويسلموا عليه بإمرة المؤمنين ففعل الناس ذلك كلهم ثم أمر أزواجه وسائر
نساء المؤمنين ممن معه ان يدخلن عليه ويسلمن عليه بإمرة المؤمنين ففعلن
وكان فيمن أطنب في تهنئته بالمقام وأظهر له المسرة عمر بن الخطاب وقال فيما
قال بخ بخ لك يا علي أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة واستأذن
حسان بن ثابت رسول الله ص أن يقول في ذلك ما يرضاه الله فقال:
- يناديهم يوم الغدير نبيهم * بخم واسمع بالنبي مناديا -
الأبيات الستة المتقدمة في الجزء الثاني فقال له رسول الله ص لا تزال
يا حسان مؤيدا بروح القدس ما نصرتنا بلسانك قال وإنما اشترط في الدعاء
له لعلمه بعاقبة امره في الخلاف ولو علم سلامته في مستقبل الأحوال لدعا
له على الاطلاق. ومثل ذلك ما اشترط الله تعالى في مدح أزواج النبي ص
فقال يا نساء النبي لستن كأحد من النساء ان اتقيتن ولم يجعلهن في
ذلك حسبما جعل أهل بيت النبي حيث بذلوا قوتهم لليتيم والمسكين والأسير
فأنزل الله سبحانه في علي وفاطمة والحسن والحسين وقد آثروا على أنفسهم
مع الخصاصة التي كانت بهم فقال تعالى ويطعمون الطعام على حبه
مسكينا ويتيما وأسيرا انما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا
انا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم

(١) لان كلا منهما كان في از أر ورداء كما هو عادة العرب في ذلك العصر في كثير من حالاتهم لا
سيما في حر الحجاز فلما اخذ النبي " ص " بعضدي علي ورفعهما ليراه الناس جميعا ويعرفوه
توكيدا للحجة ومبالغة في التبليغ انحسر الرداء عن إبطيهما وبان بياض إبطيهما من تحت
الرداء. - المؤلف -
(٤٢٠)

نضرة وسرورا وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا فقطع لهم بالجزاء ولم يشترط
لهم كما اشترط لغيرهم لعلمه باختلاف الأحوال اه.
نزول اليوم أكملت لكم دينكم يوم الغدير
واستحباب صومه
في الدر المنثور للسيوطي: أخرج ابن مردويه وابن عساكر بسند
ضعيف عن أبي سعيد الخدري قال لما نصب رسول الله ص عليا يوم غدير
خم فنادى له بالولاية هبط جبرئيل عليه بهذه الآية اليوم أكملت لكم
دينكم. وأخرج ابن مردويه والخطيب وابن عساكر بسند ضعيف عن أبي
هريرة قال لما كان يوم غدير خم وهو ثمانية عشر من ذي الحجة قال النبي
ص من كنت مولاه فعلي مولاه فأنزل الله اليوم أكملت لكم دينكم اه
وقال ابن كثير فاما الحديث الذي رواه ضمرة عن ابن شوذب عن مطر
الوراق عن شهر بن حوشب عن أبي هريرة قال لما أخذ رسول الله ص بيد
علي قال من كنت مولاه فعلي مولاه فأنزل الله عز وجل اليوم أكملت لكم
دينكم وأتممت عليكم نعمتي. قال أبو هريرة وهو يوم غدير خم من صام
يوم ثمانية عشر من ذي الحجة كتب له صيام ستين شهرا فإنه حديث منكر
جدا لمخالفته لما ثبت في الصحيحين أن هذه الآية نزلت في يوم الجمعة يوم
عرفة وكذا قوله أن صيامه يعدل صيام ستين شهرا لا يصح لأنه قد ثبت ما
معناه في الصحيح أن صيام شهر رمضان بعشرة أشهر فكيف يكون صيام
يوم واحد يعدل ستين شهرا هذا باطل ثم نقل عن الذهبي أنه قال هذا
حديث منكر جدا ورواه حبشون الخلال وأحمد بن عبد الله بن أحمد النيري
وهما صدوقان عن علي بن سعيد الرملي عن ضمرة قال أي الذهبي ويروي
هذا الحديث من حديث عمر بن الخطاب ومالك بن الحويرث وأنس
ابن مالك وأبي سعيد وغيرهم بأسانيد واهية قال أي الذهبي وصدر
الحديث متواتر أتيقن أن رسول الله قاله وما اللهم وال من والاه
فزيادة قوية الاسناد وأما هذا الصوم فلا والله ما نزلت هذه الا يوم
عرفة قبل غدير خم بأيام والله تعالى أعلم اه ونقول أما رد ابن كثير
الحديث القائل بان اليوم أكملت لكم دينكم نزلت في يوم الغدير بمخالفته
لرواية الصحيحين فالأحاديث انما ترد بمخالفتها لكتاب الله لا بمخالفة
بعضها بعضا وما في الصحيحين اخبار آحاد وما يعارضها لعله أن يكون
أقوى سندا منها وان ظن أنها أقوى سندا منه وتصحيح الأسانيد إنما هو من
أهل الجرح والتعديل الذين تدخل أقوالهم الأهواء والعصبيات وأهمها
اختلاف المذاهب وتبنى على الظنون والحدس وأما قوله إنه ثبت في الصحيح
أن صيام شهر رمضان بعشرة أشهر فكيف يكون صيام يوم واحد يعدل
ستين شهرا فهو انكار لكرم الله تعالى وتبخيل لأكرم الأكرمين وهل يمنع
العقل ان يعطي الله صائم يوم الغدير اجر من صام ستين شهرا وأكثر من
أجر صائم شهر رمضان ولو كان شهر رمضان أفضل ولو أن أميرا أعطي
بعض رعيته ثوابا على معروف لم يعطه لبعض وزرائه هل يكون ملوما أو
فاعلا ما لا يحسن واما حلف الذهبي بالله انه ما نزلت الآية إلا يوم عرفة
فتتوقف جرأته على ذلك على أن يكون حضر يوم عرفة ويوم الغدير. والخبر
القائل أن آية اليوم أكملت لكم دينكم نزلت يوم الغدير هو الموافق لروايات
أئمة أهل البيت ع بأسانيدهم الصحيحة ويوشك أن يكون
تضعيف سنده لعدم احتمال النفوس مضمونه ويكفي لصحته موافقته
لروايات أهل البيت الصحيحة وقد أكثر شعراء الشيعة قديما وحديثا في ذكر
غدير خم قال الكميت بن زيد الأسدي من أبيات:
- ويوم الدوح دوح غدير خم * ابان له الولاية لو أطيعا -
- ولكن الرجال تبايعوها * فلم أر مثلها خطرا اضيعا -
وقال السيد الحميري من قصيدة:
- وأوجب يوما بالغدير ولاءه * على كل بر من فصيح وأعجم -
- لدى دوح خم آخذا بيمينه * ينادي مبينا باسمه لم يجمجم -
- اما والذي يهوي إلى ركن بيته * بشعث النواصي كل وجناء عيهم -
- يوافين بالركبان من كل بلدة * لقد ضل يوم الدوح من لم يسلم -
وقال السيد الحميري أيضا من قصيدة:
- ثم اتته عزمة بتلة * من ربه ليس لها مفزع -
- بلغ والا لم تكن مبلغا * والله منهم عاصم يمنع -
- فقام للناس النبي الذي * كان بما قيل له يصدع -
- يخطب مأمورا وفي كفه * كف علي لهم تلمع -
- رافعها أكرم بكف الذي * يرفع والكف التي ترفع -
- من كنت مولاه فهذا له * مولى فلم يرضوا ولم يقنعوا -
وقال السيد الحميري أيضا من قصيدة:
- اوصى النبي له بخير وصية * يوم الغدير بابين الافصاح -
- من كنت مولاه فهذا فاعلموا * مولاه قول إشاعة وصراح -
وقال السيد الحميري أيضا في القصيدة المذهبة:
- وبخم إذ قال الإله بعزمه * قم يا محمد في البرية فاخطب -
- وانصب أبا حسن لقومك انه * هاد وما بلغت ان لم تنصب -
- فدعاه ثم دعاهم فاقامه * لهم فبين مصدق ومكذب -
- جعل الولاية بعده لمهذب * ما كان يجعلها لغير مهذب -
وقال السيد الحميري أيضا:
- وقال محمد بغدير خم * عن الرحمن ينطق باعتزام -
- إلا من كنت مولاه فهذا * أخي مولاه فاستمعوا كلامي -
وقال السيد الحميري أيضا:
- قام النبي يوم خم خاطبا * بجانب الدوحات أو حيالها -
- فقال من كنت له مولى فذا * مولاه رب اشهد مرارا قالها -
وقال السيد الحميري أيضا:
- وقام محمد بغدير خم * فنادى معلنا صوتا بديا -
- ألا من كنت مولاه فهذا * له مولى وكان به حفيا -
- إلهي عاد من عادى عليا * وكن لوليه مولى وليا -
وقال أبو تمام حبيب بن أوس الطائي من قصيدة:
- ويوم الغدير استوضح الحق أهله * بفيحاء لا فيها حجاب ولا ستر -
- أقام رسول الله يدعوهم بها * ليقربهم عرف وينآهم نكر -
- يمد بضبعيه ويعلم انه * ولي ومولاكم فهل لكم خبر -
وقال الأمير أبو فراس الحارث بن سعيد الحمداني في قصيدته الشافية:
- قام النبي بها يوم الغدير لهم * والله يشهد والأملاك والأمم -
(٤٢١)

- حتى إذا أصبحت في غير صاحبها * باتت تنازعها الذؤبان والرخم -
- تالله ما جهل الأقوام موضعها * لكنهم ستروا وجه الذي علموا -
وقال المؤلف من قصيدة:
- بيوم الغدير استوضح الحق وانجلى * ولم يبق بين الناس من دونه ستر -
- به تمت النعمى وأكمل دينه * إله السما والمؤمنون به سروا -
- دعاهم رسول الله فيه لبيعة * هي الفوز وهي الذخر ما فوقه ذخر -
- يقول له الرحمن بلغ رسالتي * إليهم ولا يمنعك خوف ولا حذر -
- وان أنت لم تفعل فلست مبلغا * رسالة رب بالعباد هو البر -
- لك الله من شر البرية عاصم * ومن كل من أمسى وفي صدره وغر -
- وقد عاد من حج الوداع وجمعهم * كثير حقيق ان يضيق به البر -
- فبادرهم من قبل ان يتفرقوا * ومنزلهم في ذلك المنزل الوعر -
- أقام عليا جنبه فوق منبر * من الصخر والأحداج إذ أرضهم جمر -
- تظلله الدوحات من حر شمسه * وتستره أوراق دوحاته الخضر -
- يمد بضبعيه وابطاهما بدا * بياضهما كي يرفع الشك والنكر -
- فقام خطيبا فيهم ومناديا * نداء وعاه منهم العبد والحر -
- اما انا أولي منكم بنفوسكم * فقالوا بلى أمر به نطق الذكر -
- فقال الا من كنت مولاه فيكم * فهذا له مولى وحق له النصر -
- بكم انا أولي وهو أولي بكم فما * لكم بعد هذا في خلاف له عذر -
- وهل رتبة تحوي الإمامة تعتلي * على هذه ان صح من ناظر فكر -
- وهل كان هذا الاهتمام لتأفه * به فاه زيد ان هذا هو الهذر -
- فقالوا بخ أصبحت مولى الورى وفي * قلوبهم نكر وفي قولهم ختر -
- وأفرده في خيمة وببيعة * له جاءهم من احمد المصطفى الامر -
- فبايعه فيها الرجال مع النساء * وازواجه ما شاب بيعتهم سر -
- وامسى أمير المؤمنين عليهم * اطاعته فرض هي وعصيانه وزر -
- بمدحته حسان قد قام معلنا * بشعر يحاكي الدر -
أو دونه الدر سنة إحدى عشرة من الهجرة
وفاة النبي ص
وما يتعلق من اخبارها بعلي ع نذكر ذلك هنا وإن كان قد
تقدم جله في الجزء الثاني ولزم بعض التكرار.
كانت وفاة النبي ص في صفر وقيل في ربيع الأول سنة إحدى عشرة من
الهجرة. ومن الغريب قول المفيد في الإرشاد وتبعه الطبرسي في إعلام الورى
انه توفي سنة عشر.
جيش أسامة وبدء المرض برسول الله ص
قال ابن إسحاق: ثم قفل رسول الله ص يعني من حجة الوداع
فأقام بالمدينة بقية ذي الحجة والمحرم وصفرا وضرب على الناس بعثا إلى
الشام وامر عليهم أسامة بن زيد بن حارثة مولاه اه.
وقال ابن سعد في الطبقات أمر النبي ص يوم الاثنين الناس بالتهيؤ
لغزو الروم فلما كان يوم الأربعاء بدئ به المرض فلما أصبح يوم الخميس
عقد لأسامة لواء بيده فخرج وعسكر بالجرف فلم يبق أحد من وجوه
المهاجرين الأولين والأنصار إلا انتدب في تلك الغزوة فيهم أبو بكر الصديق
وعمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد
وغيرهم إلى أن قال وثقل رسول الله ص فجعل يقول أنفذوا بعث
أسامة. وروى ابن هشام في سيرته ان رسول الله ص استبطأ الناس في
بعث أسامة وهو في وجعه فخرج عاصبا رأسه حتى جلس على المنبر وقال
أنفذوا بعث أسامة ثم نزل وانكمش الناس في جهازهم وقال ابن سعد في
روايته فخرج عاصبا رأسه فقال أيها الناس أنفذوا بعث أسامة ثلاث
مرات.
تأكيد الوصاية بالثقلين
وروى ابن سعد بسنده عن أبي سعيد الخدري عن النبي ص أنه قال إني
اوشك ان أدعي فأجيب واني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي كتاب
الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي وإن اللطيف الخبير
اخبرني انهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما.
وقال المفيد في إرشاده: ثم كان مما اكد النبي ص لعلي من الفضل
وتخصصه منه بجليل رتبته ما تلا حجة الوداع من الأمور المتجددة لرسول
الله ص والاحداث التي اتفقت بقضاء الله وقدره وذلك أنه تحقق من دنو
اجله ما كان قدم الذكر به لأمته فجعل يقوم مقاما بعد مقام في المسلمين
يحذرهم الفتنة بعده والخلاف عليه ويؤكد وصاتهم بالتمسك بسنته
والاجتماع عليها والوفاق ويحثهم على الاقتداء بعترته والطاعة لهم والنصرة
والحراسة والاعتصام بهم في الدين ويزجرهم عن الاختلاف والارتداد وكان
فيما ذكره من ذلك ما جاءت به الرواية على اتفاق واجتماع من قوله يا أيها
الناس اني فرطكم وأنتم واردون علي الحوض ألا واني سائلكم عن الثقلين
فانظروا كيف تخلفوني فيهما فان اللطيف الخبير نبأني انهما لن يفترقا حتى
يلقياني وسالت ربي ذلك فأعطانيه الا واني قد تركتهما فيكم كتاب الله
وعترتي أهل بيتي ولا تسبقوهم فتفرقوا ولا تقصروا عنهم فتهلكوا ولا
تعلموهم فإنهم اعلم منكم أيها الناس لا ألفينكم بعدي ترجعون كفارا
يضرب بعضكم رقاب بعض فتلقوني في كتيبة كمجر السيل الجرار الا وان
علي بن أبي طالب أخي ووصيي يقاتل بعدي على تأويل القرآن كما قاتلت
على تنزيله، وكان يقوم مجلسا بعد مجلس بمثل هذا الكلام ونحوه اه.
سر الاهتمام بتنفيذ جيش أسامة
قال المفيد: ثم أنه عقد لأسامة بن زيد بن حارثة الإمرة وأمره وندبه
أن يخرج بجمهور الأمة إلى حيث أصيب أبوه من بلاد الروم واجتمع رأيه على
إخراج جماعة من مقدمي المهاجرين والأنصار في معسكره حتى لا يبقى في
المدينة عند وفاته من يخلف في الرياسة ويطمع في التقدم على الناس بالامارة
ويستتب الامر لمن استخلفه من بعده ولا ينازعه في حقه منازع فعقد له
الإمرة وجد في اخراجهم وامر أسامة بالبروز عن المدينة بعسكره إلى الجرف
وحث الناس على الخروج إليه والمسير معه وحذرهم من التلوم والإبطاء فبينا
هو في ذلك إذ عرضت له الشكاة التي توفي فيها اه.
وإذا أنعمنا النظر في مجاري هذه الحوادث وتأملناها بانصاف مجرد عن
شوائب العقائد أمكننا ان نقول إن النبي ص مع ما تحققه من دنو أجله
وأومأ إليه بما أعلنه للملأ في خطبته التي خطبها في حجة الوداع بقوله فاني لا
أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا وقوله في بعض خطبه قد حان مني
خفوق من بين أظهركم وتأكيده الوصاية بالثقلين وقوله قد كان جبرئيل
يعرض علي القرآن في كل سنة مرة وقد عرضه علي العام مرتين ولا أراه إلا
لحضور أجلي، واعتكافه في ذلك العام عشرين يوما وقد كان يعتكف عشرة
(٤٢٢)

أيام كما رواه ابن سعد في الطبقات وغير ذلك من التصريح والتلويح بأنه
عالم بدنو اجله ومع عروض المرض له واشتداده عليه وهو مع ذلك كله
يجتهد في تجهيز جيش أسامة ويحث عليه ويكرر الحث مرارا أنفذوا بعث
أسامة ويخرج مرة بعد مرة وهو مريض عاصب رأسه ويخطبهم ويقول أنفذوا
بعث أسامة يكررها كل مرة ثلاث مرات وقد عقد لأسامة لواءه بعد عروض
المرض له فقد عرفت عن ابن سعد انه بدئ المرض يوم الأربعاء وعقد
لأسامة يوم الخميس ولا يبقى أحد من وجوه المهاجرين والأنصار إلا
وينتدب للخروج تحت امرة أسامة وهو غلام لا يشغله ما هو فيه من شدة
المرض وتحقق دنو الاجل عن الاشتداد في تجهيز جيش أسامة وقد كان
مقتضى ظاهر الحال وسداد الرأي ان لا يبعث جيشا فيه أكابر الصحابة
وجمهور المسلمين في مثل تلك الحال التي يتخوف على نفسه فيها الموت لأن
تدارك ما يخاف وقوعه عند وفاته واحكام أمر الخلافة في حياته أهم من تسيير
جيش لغزو الروم بل لا يجوز في مثل تلك الحال ارسال الجيوش من المدينة
ويلزم تعزيز القوة فيها استعدادا لما يخاف طروؤه من الفتن بوفاته التي أشار
إليها بقوله أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم، لا سيما انه قد بلغه ارتداد
جماعة من العرب في عدة أماكن وادعاء بعضهم النبوة لما بلغهم مرضه كما
نص عليه الطبري في تاريخه مع تأييده بالوحي وامتيازه عن سائر الخلق
بجودة الرأي.
وعدم تمام ما حث عليه من تجهيز جيش أسامة وبقاء أسامة معسكرا
بالجرف إلى ما بعد وفاته كل ذلك يدلنا على أن تجهيز هذا الجيش لم يكن من
الأمور العادية يقصد به الغزو والفتح بل قصد به ما أشار إليه المفيد في
كلامه السابق وانه كان لأمر أهم مما يتراءى خوف وقوعه بل لو قطعنا النظر
عن ذلك كله لوجدنا ان ظاهر الامر يقتضي ان يشتغل في مثل تلك الحال
بنفسه وبما عراه من المرض الشديد لا بتسيير الجيوش لغزو ليس فيه ما
يقتضي الفور والعجلة مثل مهاجمة عدو أو طرو حادث لا يحسن التأخر
عنه.
ويدلنا على ذلك أيضا اخباره عن فتن تقع بعده وتهويله في ذلك،
روى ابن سعد في الطبقات بسنده عن أبي مويهبة مولى رسول الله ان رسول
الله ص قال من جوف الليل اني قد امرت ان استغفر لأهل البقيع فانطلق
معي فخرجت معه حتى جاء البقيع فاستغفر لأهله طويلا ثم قال ليهنئكم ما
أصبحتم فيه مما أصبح الناس فيه أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع
بعضها بعضا يتبع آخرها أولها الآخرة شر من الأولى. وروى الطبري في
تاريخه بسنده عن أبي مويهبة مولى رسول الله ص قال بعثني رسول الله ص
من جوف الليل فقال لي يا أبا مويهبة اني قد امرت ان استغفر لأهل البقيع
فانطلق معي فانطلقت معه فلما وقف بين أظهرهم قال السلام عليكم أهل
المقابر ليهن لكم ما أصبحتم فيه مما أصبح الناس فيه أقبلت الفتن كقطع
الليل المظلم يتبع آخرها أولها الآخرة شر من الأولى الحديث فما هي هذه
الفتن يا ترى التي هول بها وعظم امرها ووصفها بأنها كقطع الليل المظلم
وانها متتابعة بلا انقطاع لا تنتقل إلى خير بل إلى ما هو شر من الأول وكيف
تجتمع هذه الرواية مع ما يروونه عنه: خير القرون قرني ثم الذي يليه.
وقال المفيد: لما أحس بالمرض اخذ بيد علي واتبعه جماعة وتوجه إلى البقيع
فقال اني قد امرت بالاستغفار لأهل البقيع فانطلقوا معه حتى وقف بين
أظهرهم وقال السلام عليكم أهل القبور ليهنئكم ما أصبحتم فيه مما أصبح
فيه الناس أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع أولها آخرها ثم استغفر
لأهل البقيع طويلا واقبل على علي فقال له ان جبرئيل كان يعرض علي
القرآن في كل سنة مرة وقد عرضه علي العام مرتين ولا أراه إلا لحضور
أجلي، ثم عاد إلى منزله فمكث ثلاثة أيام موعوكا ثم خرج إلى المسجد
معصوب الرأس معتمدا على أمير المؤمنين بيده اليمنى وعلى الفضل بن
العباس باليد الأخرى حتى صعد المنبر فخطب ثم نزل فصلى بالناس صلاة
خفيفة ثم دخل بيته وكان إذ ذاك بيت أم سلمة اه وفي رواية الحاكم
والطبري انه كان بيت ميمونة.
طلب عائشة نقله إلى بيتها والسر فيه
قال المفيد: فجاءت عائشة إلى أم سلمة تسألها ان تنقله إلى بيتها
لتتولى تعليله وسالت أزواجه في ذلك فاذن لها فانتقل إلى البيت الذي اسكنه
عائشة اه.
ولا يمكننا ان نعتقد ان ذلك كان أمرا عاديا يقصد منه ان تتولى تعليله
بل يمكن لذي التأمل الصادق الاعتقاد بأنه كان شيئا وراء ذلك هو إلى
السياسة وتنفيذ خطط مرسومة ابتدأت من يوم بعث جيش أسامة واستغلال
الموقف أقرب منه إلى مجرد تولي تعليله وهل كانت أم سلمة أو ميمونة تقصر
في تولي تعليله وما ذا يحتاج تعليله وهو ليس في مرض يفتقر إلى كثير مزاولة
كالفالج وشبهه انما هو حمى وصداع وشبه ذلك ولو كان الداعي إلى ذلك
الشفقة لأمكن الحضور إلى بيت أم سلمة وهو لا يبعد عن بيتها إلا خطوات
وكان له يومئذ تسع نساء وبيوتهن متقاربة كأنهن في دار واحدة فيمكنهن
التناوب في تعليله في بيت أي كان وبيت فاطمة مجاور لبيوتهن وكيف يمكن
ان تتركه فاطمة في ليل أو نهار، وتدل الأخبار الكثيرة على أن عليا
والفضل بن العباس كانا دائما عنده إلا لضرورة فالتأمل في ذلك وفي مجرى
الحوادث يرشدنا إلى أن الأمر لم يكن أمرا عاديا صرفا ولولا نقله إلى بيتها لما
دفن فيه ولما دفن الشيخان إلى جانبه ولما منع ابنه الحسن من الدفن عنده.
خروجه للصلاة بالناس وهو في أشد المرض
قال المفيد: وثقل فجاء بلال عند صلاة الصبح فنادى الصلاة فأوذن
رسول الله ص لندائه فقال يصلي بالناس بعضهم فاني مشغول بنفسي،
فقالت عائشة مروا أبا بكر، وقالت حفصة مروا عمر، فقال رسول الله
ص حين سمع كلامهما ورأى حرص كل واحدة منها على التنويه بابيها
وافتتانهما بذلك ورسول الله حي: أكففن فإنكن صويحبات يوسف ثم قام
مبادرا لإزالة الشبهة وإنه لا يستقل على الأرض من الضعف فاخذ بيد
علي بن أبي طالب والفضل بن العباس فاعتمد عليهما ورجلاه تخطان الأرض
من الضعف فوجد أبا بكر قد سبق إلى المحارب فاوما إليه بيده ان تأخر عنه
فتأخر وقام ص مقامه فكبر وابتدأ الصلاة التي كان قد ابتدأ بها أبو بكر
ولم يبن على ما مضى من فعاله اه وروى ابن هشام في سيرته انه حين
دعاه بلال إلى الصلاة قال مروا من يصلي بالناس فقال عبد الله بن زمعة
لعمر صل بالناس وكان أبو بكر غائبا فلما كبر عمر سمع رسول الله ص
صوته فأرسل إلى أبي بكر فجاء بعد ان أتم عمر الصلاة فصلى بالناس.
وروى الطبري ونحوه ابن سعد عن عائشة إنه قال مروا أبا بكر ان يصلي
بالناس فقالت عائشة انه رجل رقيق فأعاد فأعادت فغضب وقال إنكن
صواحب يوسف فخرج يهادي بين رجلين وقدماه تخطان في الأرض فلما دنا
من أبي بكر تأخر فأشار إليه ان قم في مقامك فقعد إلى جنب أبي بكر قالت
(٤٢٣)

فكان أبو بكر يصلي بصلاة النبي والناس بصلاة أبي بكر اه وفي رواية
أخرى للطبري ان رسول الله ص قرأ من حيث انتهى أبو بكر.
ونحن إذا تأملنا في هذه الأخبار التي رواها ابن هشام وابن سعد
والطبري ووجدنا اختلافها وتناقضها واشتمالها على ما لا يقبله العقل لم يمكنا
الاعتماد على شئ منها فبعضها ينص على أنه لم يأمر أحدا بعينه أصلا
وبعضها على أنه لم يأمر بذلك أول الأمر ثم أمر به بعد ما سمع تكبير عمر
وإن الناس صلوا الصبح مرتين فإذا كان قال مروا من يصلي بالناس وامر
ابن زمعة عمر فصلى بهم فقد تم ما أمر به ونفذ فما الذي دعاه إلى الإرسال
خلف أبي بكر وإعادة الصلاة خلفه وهي كانت خلف عمر صحيحة مطابقة
لما أمر به فان قالوا إنه قصد بذلك اظهار فضل أبي بكر وانه أحق بالإمامة
الكبرى قلنا فما باله خرج وقد حصل ما يريد بعد إبتداء أبي بكر بالصلاة
وهو لا يستقل من الضعف ورجلاه تخطان الأرض وأوقع الشبهة بخروجه
بأنه لم يرض بامامة أبي بكر وبعضها يدل على أنه أمر أبا بكر من أول الأمر
وخرج لما عارضته عائشة فصلى بأبي بكر وصلى أبو بكر بالناس وهو يناقض
الرواية الناصة على أنه لم يأمر أحدا بعينه أول الأمر. ثم إذا كان قال مروا
أبا بكر ان يصلي بالناس فهل يمكن ان لا تسر عائشة وتبتهج بذلك وهل
يمكن ان تعارضه في ذلك وتقول انه رجل رقيق. وإذا فرض انها عارضته
أولا فهل يمكن ان تعارضه ثانيا حتى تغضبه فيجيبها بما أجابها وهي تعلم
وجوب إطاعته فلم تكن لتخالفه فيما ليس لها فيه حظ فكيف بما لها فيه
الحظ الأوفر. وذكاء عائشة لا ينكر فلم تكن لتخاف على أبيها الرقة إذا
صلى في المحراب وأم الناس فهو لم يكن غرا صغير السن بل كان شيخا
محنكا يعلم أن قيامه في ذلك المقام موجب للسرور والغبطة، فما اشتملت
عليه هذه الرواية لا تقبله عقول صغار الأطفال. وإذا فرض أنها خالفته
وردت عليه مرتين حتى أغضبته فما الذي دعاه إلى أن يخرج وهو في أشد
المرض لا يستقل على الأرض ولا يقدر على نقل قدميه بل يخط بهما الأرض
ولا على الحركة لولا اعتماده على الرجلين ويصلي جالسا بل كان يكفيه
إرسال من يعتمد عليه إلى الناس فيأمرهم بذلك ويؤكد عليهم وقد اتفق
الرواة على أنه خرج بتلك الكيفية. فما الذي اراده بخروجه أ هو تأييد أبي
بكر فقد أيده بالامر بالصلاة خلفه وصلى الناس خلفه، ولو لم يخرج لكان
أشد تأييدا له لأنه بخروجه وقعت الشبهة بان خروجه لأنه لم يرض
بتقدمه. وائتمام أبي بكر به والناس بأبي بكر يوجب ان يكون أبو بكر إماما
ومأموما في وقت واحد وهذا غير جائز في الشرع ولم يقع نظيره فيه ولم لم يتركه
إماما إلى آخر الصلاة ويرجع فيعلم الناس حينئذ أنه أقره على الإمامة ويرفع
عن نفسه المشقة الشديدة ثم إن كان قرأ من حيث انتهى أبو بكر كانت قراءته
ناقصة فتبطل الصلاة. كل ذلك يدلنا على أن ما اشتملت عليه هذه
للروايات غير صحيح وإن الصواب ما ذكره المفيد.
طلب الدواة والكتف وقول بعضهم أنه يهجر
ثم قال المفيد: فلما سلم انصرف إلى منزله واستدعى أبا بكر وعمر
وجماعة من حضر بالمسجد من المسلمين ثم قال أ لم آمركم أن تنفذوا جيش
أسامة؟ فقالوا بلى يا رسول الله، قال فلم تأخرتم عن أمري؟ قال أبو
بكر: إني خرجت ثم رجعت لأجدد بك عهدا، وقال عمر يا رسول الله
إني لم أخرج لأني لم أحب أن أسال عنك الركب، فقال نفذوا جيش أسامة
يكررها ثلاث مرات ثم أغمي عليه من التعب الذي لحقه والأسف فمكث
هنيهة مغمى عليه وبكى المسلمون وارتفع النحيب من أزواجه وولده ونساء
المسلمين وجميع من حضر من المسلمين فافاق ثم قال ائتوني بدواة وكتف
لأكتب لكم كتابا لا تضلوا (١) بعده أبدا ثم أغمي عليه فقام بعض من
حضر يلتمس دواة وكتفا فقال له عمر ارجع فإنه يهجر فرجع، وندم من
حضر على ما كان منهم من التضييع في احضار الدواة والكتف وتلاوموا
بينهم وقالوا إنا لله وإنا إليه راجعون لقد أشفقنا من خلاف رسول الله ص،
فلما أفاق قال بعضهم نأتيك بدواة وكتف؟ فقال أ بعد الذي قلتم ولكني
أوصيكم باهل بيتي خيرا واعرض بوجهه عن القوم فنهضوا. وقد روي في
ذلك عدة روايات غير هذه الرواية الأولى ما رواه البخاري في صحيحه
في باب قول المريض قوموا عني من كتاب المرضى والطب (٢) بسنده عن
عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال لما حضر (٣) رسول الله ص وفي
البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب قال النبي ص هلم اكتب لكم كتابا لا
تضلوا (٤) بعده فقال عمر ان النبي قد غلب عليه الوجع وعندكم القرآن
حسبنا كتاب الله فاختلف أهل البيت فاختصموا منهم من يقول قربوا يكتب
لكم النبي كتابا لن تضلوا بعده ومنهم من يقول ما قال عمر فلما أكثروا
اللغو والاختلاف عند النبي ص قال رسول الله ص قوموا وزاد بعضهم
قوموا عني حكاه القسطلاني قال عبيد الله: وكان ابن عباس يقول إن
الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله ص وبين أن يكتب لهم ذلك
الكتاب من اختلافهم ولغطهم الثانية ما رواه محمد بن سعد كاتب
الواقدي في الطبقات الكبير بسنده عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن
ابن عباس مثله إلا أنه قال بدل حضر حضرته الوفاة وبدل لا تضلوا لن
تضلوا وبدل فلما أكثروا اللغو والاختلاف عند النبي فلما كثر اللغط
والاختلاف وغموا رسول الله وبدل قوموا قوموا عني الثالثة ما رواه
البخاري في صحيحه في باب مرض النبي ص (٥) بسنده عن عبيد الله بن
عبد الله بن عتبة عن ابن عباس قال لما حضر رسول الله ص وفي البيت
رجال فقال النبي ص هلموا اكتب لكم كتابا لا تضلوا (٦) بعده فقال
بعضهم أن رسول الله قد غلبه الوجع وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله
فاختلف أهل البيت واختصموا فمنهم من يقول قربوا يكتب لكم كتابا لا
تضلوا بعده ومنهم من يقول غير ذلك فلما أكثروا اللغو والاختلاف قال
رسول الله ص قوموا قال عبيد الله فكان يقول ابن عباس أن الرزية كل
الرزية ما حال بين رسول الله وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب لاختلافهم
ولغطهم. قال القسطلاني في ارشاد الساري بعد قوله فقال بعضهم: هو
عمر بن الخطاب الرابعة ما رواه ابن سعد في الطبقات الكبير بسنده عن
سعيد بن جبير عن ابن عباس قال اشتكى النبي ص يوم الخميس فجعل
يعني ابن عباس يبكي ويقول يوم الخميس وما يوم الخميس اشتد بالنبي
وجعه فقال ائتوني بدواة وصحيفة اكتب لكم كتابا لا تضلوا (٧) بعده أبدا

(١) هكذا وجد لا تضلوا بحذف النون وسيأتي في روايات آخر مثل ذلك وفي بعض الروايات
الآتية بإثبات النون وهو الظاهر وحذفها على الجزم بجواب الطلب كما يأتي في نظيره عن
ارشاد الساري.
(٢) ج ٤ ص ٥ طبعة عام ١٣٠٤ ه‍ بمصر.
(٣) بالبناء للمجهول أي حضره الموت.
(٤) في ارشاد الساري حذفت نونه لأنه بدل من جواب الأمر وقد جوز بعضهم تعدد جواب الأمر
من غير حرف العطف " اه‍ ".
(٥) ج ٣ ص ٦٥ طبع عام ١٣٠٤ ه‍ بمصر.
(٦) مر مثله في رواية البخاري قريبا.
(٧) مر مثله فراجع.
(٤٢٤)

فقال بعض من كان عنده أن نبي الله ليهجر فقيل ألا نأتيك بما طلبت فقال
أ وبعد ما ذا فلم يدع به الخامسة ما رواه ابن سعد أيضا بسنده عن
جابر بن عبد الله الأنصاري قال لما كان في مرض رسول الله ص الذي توفي
فيه دعا بصحيفة ليكتب فيها لأمته كتابا لا يضلون ولا يضلون فكان في
البيت لغط وكلام وتكلم عمر بن الخطاب فرفضه النبي ص السادسة ما
رواه أيضا بسنده عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه كان يقول يوم
الخميس وما يوم الخميس قال وكأني أنظر إلى دموع ابن عباس على خده
كأنها نظام اللؤلؤ قال قال رسول الله ص ائتوني بالكتف والدواة أكتب لكم
كتابا لا تضلوا (١) بعده ابدا فقالوا إنما يهجر رسول الله ص السابعة ما
رواه الطبري في تاريخه بسنده عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال يوم
الخميس وما يوم الخميس ثم نظرت إلى دموعه تسيل على خديه كأنها نظام
اللؤلؤ، قال: قال رسول الله ص ائتوني باللوح والدواة أو بالكتف والدواة
أكتب لكم كتابا لا تضلون بعده فقالوا ان رسول الله يهجر الثامنة ما
رواه ابن سعد في الطبقات بسنده عن عمر بن الخطاب: كنا عند النبي
ص وبيننا وبين النساء حجاب فقال رسول الله ص اغسلوني بسبع قرب
وائتوني بصحيفة ودواة أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا فقال النسوة
ائتوا رسول الله بحاجته فقلت اسكتن فإنكن صواحبه إذا مرض عصرتن
أعينكن وإذا صح اخذتن بعنقه فقال رسول الله ص هن خير منكم
التاسعة ما رواه ابن سعد أيضا بسنده عن جابر: دعا النبي ص عند
موته بصحيفة ليكتب فيها كتابا لأمته لا يضلوا ولا يضلوا (٢) فلغطوا عنده
حتى رفضها النبي ص العاشرة ما رواه أيضا بسنده عن عكرمة عن ابن
عباس أن النبي ص قال في مرضه الذي مات فيه ائتوني بدواة وصحيفة
اكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا فقال عمر بن الخطاب من لفلانة
وفلانة مدائن الروم أن رسول الله ليس بميت حتى يفتحها ولو مات لانتظرناه
كما انتظرت بنو إسرائيل موسى فقالت زينب زوج النبي ص ألا تسمعون
النبي يعهد إليكم فلغطوا فقال قوموا الحديث.
وهذه الأحاديث والأحاديث الآتية معانيها أظهر من أن تبين
ومضامينها أجلى من أن تفسر. ولكن الأهواء والميول الخاصة تأبى إلا أن
تتمحل لها معاني لا تدل عليها وتحملها على محامل لا تؤول إليها.
قال القسطلاني في إرشاد الساري شرح صحيح البخاري (٣) في شرح
رواية البخاري الأولى: أكتب لكم كتابا فيه استخلاف أبي بكر بعدي
أو فيه مهمات الاحكام لا تضلوا بعده ولا ترتابوا لحصول الاتفاق على
المنصوص عليه فقال عمر ان النبي قد غلب عليه الوجع فلا تشقوا عليه
باملاء الكتاب المقتضي للتطويل مع شدة الوجع وعندكم القرآن فيه
تبيان كل شئ حسبنا كتاب الله المنزل فيه ما فرطنا في الكتاب من شئ
واليوم أكملت لكم دينكم فلا تقع واقعة إلى يوم القيامة إلا وفي القرآن
والسنة بيانها نصا أو دلالة وهذا من دقيق نظر عمر فانظر كيف اقتصر على
ما سبق بيانه تخفيفا عليه ص ولئلا ينسد باب الاجتهاد والاستنباط وفي تركه
ص الإنكار على عمر دليل على استصواب رأيه فاختلف أهل البيت
فاختصموا منهم من يقول قربوا يكتب لكم ومنهم من يقول ما قال عمر
وكأنهم فهموا من قرينة قامت عندهم أن أمره لم يكن للوجوب فلذا اختلفوا
بحسب اجتهادهم اه.
وهذه المحامل والتحملات وإن كانت واضحة البطلان إلا أننا نشير
إلى وجوه بطلانها:
أولا إن حصر ما في الكتاب الذي أراد أن يكتبه لهم فيما ذكره
تخرص على الغيب وظاهر الحال أنه كان يريد أن يؤكد ما تقدم به يوم
الغدير وكان ذلك هو السبب في الحيلولة دون الكتاب ولو كان ما ذكره
لسارع إليه من حال دون الكتاب فإنه لا شئ أحب إليه منه والاعتذار
بإرادة التخفيف ستعرف فساده.
ثانيا المراد كتبه سواء أ كان فيه استخلاف أبي بكر أم غيره
فالحيلولة بين النبي وبينه أوجبت اختلاف الأمة وصيرورتها بعد النبي ص
احزابا ثلاثة أو خمسة وهي مفسدة كبيرة.
ثالثا تفسيره لا تضلوا بلا ترتابوا تفسير بما لا يدل عليه اللفظ
وتقول على حديث الرسول ص فالضلالة ضد الرشاد كما حكاه هو عن
الجوهري فكانت الحيلولة دون الكتاب فيها ايقاع لهم في الضلالة.
رابعا حمله قد غلب عليه الوجع على أن المراد لا تشقوا عليه
باملاء الكتاب المقتضي للتطويل غير صواب بل أن الظاهر أن المراد به ما في
الروايات الأخرى من أنه يهجر كما تضمنته روايات ابن سعد والطبري عن
ابن جبير عن ابن عباس المتقدمة وما تضمنته الروايات الآتية.
خامسا إذا كان مضمون الكتاب غير معلوم فمن أين علم أنه
يقتضي التطويل ولعله يتضمن أمرا واحدا مهما لا يحتاج إلى أكثر من
كلمات معدودة.
سادسا تحمل المشقة إن كانت أولى من الوقوع في الضلالة التي
أشير إليها بقوله لا تضلوا بعده.
سابعا إن كان أشفق عليه من مشقة املاء الكتاب فقد أوقعه في
مشقة أعظم كانت متوقعة وهي حصول النزاع والخصام والاكثار من اللغو
واللغط والاختلاف حتى آذوا رسول الله ص غموه كما تضمنته رواية
الطبقات وحتى احتاج إلى أن يطردهم من عنده ويقول لهم متبرما بهم قوموا
عني مع ما وصفه الله تعالى به من أنه على خلق عظيم. ولو كان القصد
الاشفاق لمنعهم من النزاع واللغط بحضرة النبي ص فإنه لا ينبغي النزاع
بحضرته في حال صحته فكيف في حال مرضه ولكان عليه لما رأى من يخالفه
في الرأي أن يمكن من كتابة الكتاب لينقطع الخصام إشفاقا على النبي ص
وظاهر الحال يقتضي أنه كان في البيت جماعة يوافقونه على المنع من كتابة
الكتاب بل لعلهم كانوا أكثر ولهذا تغلبوا على من وافقوا على كتابته فهل
كان تمكينه من كتابة الكتاب أكثر مشقة عليه من اللغو واللغط والنزاع
والخصام ورفع الأصوات الذي غمه وأكربه وأوجب تبرمه بهم وطردهم من
عنده. فظهر أن التعليل بالاشفاق غير صحيح.
ثامنا كون القرآن مغنيا لأن فيه تبيان كل شئ وأنزل فيه ما فرطنا
في الكتاب من شئ غير صواب فان ذلك يراد به والله العالم أن فيه أصول
الأحكام وإجمالها، والتفاصيل تعرف من السنة كما هو واضح وكما أشار إليه
بقوله الا وفي القرآن والسنة بيانها.

(١) مر مثله فراجع.
(٢) هكذا بحذف النون ويمكن جعل لا ناهية أو حذفت النون على الحكاية.
(٣) ج ٨ ص ٣٤٠.
(٤٢٥)

تاسعا هل كان النبي يجهل ما يشتمل عليه القرآن حتى يرشده إليه
من حال دون الكتاب وهل كان أعلم بذلك من النبي.
عاشرا الناس اختلفوا في أمر الخلافة بعد النبي ص فجملة من
المهاجرين قدموا أبا بكر وقال بعض الأنصار منا أمير ومنكم أمير وقالت
الأنصار أو بعض الأنصار لا نريد إلا عليا رواه الطبري ومعهم جميع بني
هاشم فهل حكم بينهم القرآن الذي فيه تبيان كل شئ، فجعل ذلك من دقيق نظر من
حال دون الكتاب لم يستند إلى نظر دقيق.
حادي عشر قوله ولئلا ينسد باب الاجتهاد والاستنباط طريف
جدا ففتح باب للاجتهاد يوقع في الخطا والضلال وفي غير ما حكم به الله
تعالى مع إمكان سده وإيصال الخلق إلى احكام الله الواقعية يعد سفها
ومنافيا لحكمته تعالى والاجتهاد لا يصار إليه إلا عند الاضطرار.
ثاني عشر قوله في تركه الإنكار عليه دليل على استصواب رأيه،
طريف أيضا، فأي انكار أكثر من قوله أ وبعد ما ذا؟ كما مر في رواية ابن
سعد عن ابن جبير عن ابن عباس وقوله أ بعد الذي قلتم كما مر في رواية
المفيد، وقوله هن خير منكم بعد ما قلن ائتوا رسول الله بحاجته وقال لهن
عمر ما قال فإنه يدل على تصويب رأيهن دون رأيه.
ثالث عشر قوله وكأنهم فهموا من قرينة أن أمره لم يكن للوجوب
فلذا اختلفوا بحسب اجتهادهم، تأويل غريب، فالقرينة لو كانت لنقلت
لتوفر الحاجة ولو كانت لما اختلفوا والاجتهاد لا يكون في مقابل النص بل
القرينة على أنه للوجوب أظهر من أن تخفى وأي قرينة أوضح وأصرح وأدل
وأظهر من قوله لن تضلوا بعده وكيف يتوهم متوهم أن هذا الأمر ليس
للوجوب وهو أمر من سيد الكائنات ورسول رب السماوات الرؤوف
الرحيم بالمؤمنين في آخر ساعة من حياته لأمة يخاف عليها الضلال من بعده
فيريد أن يكتب لها كتابا لا تضل بعده أبدا فأي شئ أوجب وأهم من
كتاب يحفظ الأمة من الضلال بعد النبي ص أبدا إلى آخر الدهر وهل يسوع
في العقول أن يترك هذا الأمر ولكن الواقع أن القرينة الصريحة كانت
موجودة على أنه يريد أن يؤكد ما سبق منه في يوم الغدير وأنهم فهموا منه
أن الكتاب يتعلق بالخلافة والإمامة بعده لأنه لا شئ أهم منها في تلك
الحال وقد فهموا منه مما تقدم به يوم الغدير ويوم جمع بني هاشم في مكة في
أول البعثة ومن أمور كثيرة وعلموا علما لا يداخله ريب أنه لن يعدو بها عليا
فهذا الذي دعا إلى أن يقول بعضهم غلب عليه المرض أو يهجر حسبنا
كتاب ربنا وهل يمكن أن يخالف كتاب رسول الله كتاب ربهم.
رابع عشر يرد كل هذه التحملات ويبطلها إبطالا صريحا ما مر
ويأتي عن ابن عباس من أنه كان يبكي بكاء شديدا إذا ذكر تلك الحادثة
حتى تسيل دموعه على خديه كأنها نظام اللؤلؤ ويتالم تألما شديدا كما يدل
عليه قوله يوم الخميس وما يوم الخميس، وقوله إن الرزية كل الرزية ما
حال بين رسول الله ص وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب الخ. ولا شك
أن ابن عباس فهم أن الكتاب لتأكيد ما جرى يوم الغدير فلذلك كان يبكي
بكاء شديدا عندما يتذكر الحيلولة دون الكتاب ولو كان غير ذلك لما كان
لبكائه موجب فالدين كامل ولم يفرط في القرآن من شئ والخليفة موجود
فلما ذا يبكي ابن عباس ويشتد بكاؤه، وتمحل القسطلاني للاعتذار عما
صدر من ابن عباس بما يأتي في شرح الرواية الثالثة وسنبين فساده.
وقال القسطلاني (١) في شرح الرواية الثالثة: واستنبط منه أن الكتابة
ليست بواجبة وأنه لم يتركها ص لأجل اختلافهم لقوله تعالى: بلغ ما أنزل
إليك، كما لم يترك التبليغ لمخالفة من خالفه ومعاداة من عاداه وكما أمر في
تلك الحالة باخراج اليهود من جزيرة العرب وغير ذلك. قال ولا يعارض
ذلك أن ابن عباس كان يقول: إن الرزية كل الرزية الخ لأن عمر كان
أفقه من ابن عباس قطعا وذلك لأنه إن كان من الكتاب بيان احكام الدين
ورفع الخلاف فقد علم عمر حصول ذلك من قوله اليوم أكملت لكم دينكم
وذكر نحوا مما مر عنه في شرح الرواية الأولى.
ونقول: أولا استنباط أن الكتابة ليست بواجبة من ترك النبي لها
لأجل اختلافهم، في غير محله بل الظاهر أن تركها لما ظهر له من عدم
جدواها بدليل قوله في الرواية الرابعة: أ وبعد ما ذا؟ وفي رواية المفيد أ بعد
الذي قلتم، كما مر، فاكتفى بالتبليغ الشفوي للأمر الذي ترك عمدا أو
قيل عنه أنه نسي فان الواجب التبليغ كتابة أو باللسان والأول أبلغ فلما منع
منه اكتفى بالثاني وكيف كان فليس بيدنا ما يوجب القطع بأنه لم يبلغ
لسانا.
ثانيا التبليغ كان قد حصل منه يوم الغدير وغيره كما مر وظاهر
الحال أن الكتابة كان يراد بها تأكيد ما سبق منه يوم الغدير وغيره وتأكيد
إقامة الحجة فلما سمع منهم نسبته إلى الهجر وإلى غلبة المرض عليه ورأى
لغطهم وصياحهم وخصامهم عنده الذي يراد به تشويش الأمر عليه ليمتنع
من الكتاب أعرض عنهم وطردهم من عنده وتبرم بهم وقال قوموا عني
واكتفى بالتبليغ السابق وبقوله أوصيكم باهل بيتي خيرا وبالشئ الذي زعم
الزاعم أنه نسي.
ثالثا قد عرفت في الأمر الثاني عشر في الرد على تفسيره الرواية
الأولى أن حمل الأمر على الاستحباب فاسد وأنه لا يمكن أن يكون شئ
أوجب من كتابة ما يحفظ الأمة من الضلال إلى آخر الدهر.
رابعا الكتابة إن لم تكن واجبة فلا أقل من رجحانها واستحبابها
كما يدل عليه الأمر بها، والتبليغ كما يجب في الواجبات يجب في المستحبات
وليس لأحد أن يمنع منه في واجب أو مستحب لقوله تعالى فلا وربك لا
يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما
قضيت ويسلموا تسليما والاعتذار عنه بإرادة رفع المشقة عن النبي ص قد
علم فساده مما مر ومن تبليغه الأمور الثلاثة التي نسوا أو تناسوا ثالثها.
خامسا استدلاله على كون عمر أفقه من ابن عباس بمنعه النبي
من الكتابة إشفاقا عليه من المشقة ينافيه أن النبي كان أفقه منهما قطعا وأعلم
بالمصلحة فمنعه من أمر راجح يريد فعله ليس فيه شئ من الأفقهية وإلا
لكان أفقه من النبي أيضا.
سادسا ابن عباس كان يقول أو يقال عنه إن عنده ثلثي علم
رسول الله ص وهو تلميذ علي بن أبي طالب وخريجه الذي كان يقول فيه
عمر: قضية ولا أبو الحسن لها، لا بقيت لمعضلة ليس لها أبو الحسن،
لولا علي لهلك عمر، فدعوى القطع بان عمر أفقه من ابن عباس مجازفة.
وقول زينب أم المؤمنين في الرواية العاشرة ألا تسمعون النبي يعهد

(١) ج ٦ ص ٤٥٣.
(٤٢٦)

إليكم، توبيخ لهم وتقريع على عدم سماعهم عهد النبي إليهم وهو في آخر
حياته الذي يدل على أنه عهد في شئ عظيم. وما تضمنته الرواية العاشرة
من قول عمر ولو مات لانتظرناه كما انتظرت بنو إسرائيل موسى هو قول
بالرجعة.
الوصايا الثلاث التي نسيت إحداهن
الحادية عشرة من الروايات الواردة في طلب الدواة والكتف ما
رواه البخاري في صحيحه في باب مرض النبي ص (١) قال: حدثنا قتيبة
بن سعيد حدثنا سفيان بن عيينة عن سليمان الأحول عن سعيد بن
جبير قال قال ابن عباس يوم الخميس وما يوم الخميس اشتد برسول الله ص
وجعه فقال ائتوني أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا فتنازعوا ولا ينبغي
عند نبي تنازع، فقالوا ما شانه أ هجر؟ استفهموه فذهبوا يردون عليه فقال
دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه وأوصاهم بثلاث قال اخرجوا
المشركين من جزيرة العرب وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم وسكت
عن الثالثة أو قال فنسيتها.
الثانية عشرة ما رواه الطبري في تاريخه بسنده عن سعيد بن جبير
عن ابن عباس مثله إلا أنه قال لا تضلوا بعدي أبدا وقال ولا ينبغي عند
نبي ان يتنازع وقال فذهبوا يعيدون عليه، وقال وسكت عن الثالثة عمدا أو
قال فنسيها ورواه الطبري بطريق آخر مثله غير أنه قال ولا ينبغي عند نبي
أن ينازع.
الثالثة عشرة ما رواه ابن سعد في الطبقات بسنده عن سعيد بن
جبير عن ابن عباس مثله إلا أنه قال ائتوني بدواة وصحيفة وقال فذهبوا
يعيدون عليه وقال فسكت عن الثالثة فلا أدري قالها فنسيتها أو سكت عنها
عمدا اه.
قال القسطلاني في ارشاد الساري (٢) في شرح الرواية الحادية عشرة
فتنازعوا فقال بعضهم نكتب لما فيه من امتثال الأمر وزيادة الايضاح وقال
عمر حسبنا كتاب الله فالأمر ليس للوجوب بل للارشاد إلى الأصلح.
وأقول: اما أن الأمر ليس للوجوب فقد علم فساده مما مر في
الأمر الثاني عشر في الرد على تفسيره الرواية الأولى وانه لا يمكن ان يكون
شئ أوجب من كتاب يحفظ الأمة من الضلال إلى آخر الدهر وهبه للارشاد
فهل هو إرشاد إلى شئ تافه لا يؤبه له أنى والنبي ص يصرح بأنه يحفظ
الأمة من الضلال بعده إلى آخر الدهر قال: ولا يبتغي عند نبي
تنازع: قيل هذا مدرج من قول ابن عباس ويرده قوله ع
في كتاب العلم في باب كتابه العلم ولا ينبغي عندي التنازع
اه.
وأقول إذا قال النبي في موضع لا ينبغي عندي التنازع لا يمنع أن يقول
مثله ابن عباس في موضع آخر ويمكن ان يكون سمع مضمونه منه
فقاله وكيف كان فهو يدل على أنهم أخطأوا وأساؤوا الأدب بتنازعهم عنده.
قال فقالوا ما شانه أ هجر الهجر بالضم الهذيان الذي يقع من كلام
المريض الذي لا ينتظم وانما قال ذلك من قاله منكرا على من توقف في
امتثال امره باحضار الكتف والدواة فكانه قال كيف نتوقف أ تظن انه كغيره
يقول الهذيان في مرضه امتثل امره فإنه لا يقول الا الحق استفهموه
بصيغة الأمر فذهبوا يردون عليه اي يعيدون عليه مقالته ويستثبتونه فيها اه.
وأقول: هذا التأويل الذي ذكره من حمل قولهم: أ هجر؟ على
الاستنكار مع بعده عن سوق الكلام يرده صريحا ما في الروايات الأخرى
المتقدمة ففي الرواية الرابعة: ان نبي الله ليهجر وفي السادسة انما يهجر
رسول الله وفي السابعة فقالوا ان رسول الله يهجر فهذه كلها صريحة في أنهم
أسندوا الهجر إليه فكذلك في هذه الرواية لأن الروايات يفسر بعضها بعضا
وكذلك قول بعضهم قد غلب عليه الوجع أو عليه الوجع لا يراد به الا
الهجر كما مر وكذلك قولهم استفهموه وقوله فذهبوا يردون عليه دال على أن
قولهم أ هجر كان للاستفهام المحض لا للانكار على من توقف في امتثال امره
فبعد ما قالوا استفهموه لتعلموا هل كان كلامه هجر أو عن روية وادراك
قال فقال دعوني فالذي أنا فيه من المشاهدة والتأهب للقاء الله عز وجل
خير مما تدعوني إليه من شأن كتابة الكتاب اه.
وأقول قوله دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني معناه والله العالم
انه خير مما تدعوني إليه من الاستفهام عن إن قولي هجر أو حقيقة فان
محاورتي في ذلك لا تفيد شيئا بعد ان قلتم ما قلتم ولا فائدة في كتابة الكتاب
ولكنني أوصيكم مشافهة بثلاث: حفظ منهن اثنتين ونسيت الثالثة ولعلها
أهمهن والله أعلم لم نسيت أو تنوسيت. أما ما فسر به القسطلاني من أن ما
أنا فيه خير مما تدعوني إليه من شأن كتابة الكتاب فلا يكاد يصح فإنه لو
صح لكان يعلم من أول الأمر ان ما هو فيه خير من شأن كتابة الكتاب
فلما ذا دعا بالدواة والكتف ليكتبه لهم وترك ما هو أقل خيرا منه، هذا ما لا
يفعله حكيم وقال: وسكت عن الثالثة أو قال فنسيتها قيل الساكت هو
ابن عباس والناسي سعيد بن جبير، لكن في مستخرج أبي نعيم قال سفيان
قال سليمان بن أبي مسلم لا أدري أ ذكر سعيد بن جبير الثالثة فنسيتها
أو سكت عنها فهو الراجع اه أقول لا ينبغي التأمل في أن المسند
إليه السكوت أو النسيان هو ابن عباس لأن جميع ما يذكر في الرواية يسند
إلى آخر رجل يذكر في السند وحينئذ فالمراد ان ابن عباس سكت
عن الثالثة أو أنه قال فنسيتها فابن جبير متردد في أن ابن عباس ترك الثالثة
فلم يذكرها أو أنه قال نسيتها ويوضح ذلك ما في رواية الطبري وسكت عن
الثالثة عمدا أو قال فنسيتها فإنه ظاهر في أن ابن جبير شاك في أن ابن عباس
ترك الثالثة عن عمد أو قال فنسيتها فيكون تركها لنسيانه إياها وحينئذ
فيغلب على الظن ان الصواب في رواية الطبقات فلا أدري قال فنسيتها أو
سكت عنها عمدا وابدال قال بقالها من النساخ وما في مستخرج أبي نعيم
لعله اجتهاده وكيف كان فسكوت ابن عباس عن الثالثة عمدا يستلفت
النظر. وكيف يسكت ابن عباس عمدا عن وصية اوصى بها النبي ص في
آخر ساعة من حياته ويكتمها وهو يعلم ما في كتمان العلم من اثم
وعقاب. هذا ما لا يذعن به عاقل فلا بد ان يكون تركه لها عمدا لعذر
معقول وليس إلا الخوف فان ما عداه لا يصلح عذرا فإذا كان داعية لتركها
الخوف فلا بد أن تكون تأكيدا لما جرى يوم الغدير فإنه لا شئ يخاف منه
غير ذلك وإن كان ابن عباس قال إنه نسيها فمما لا يقبله العقل أيضا فابن
عباس في حفظه الشهير وعلمه الغزير لم يكن لينسى وصية للنبي ص في آخر
ساعة من حياته هي بضع كلمات ولا ليتهاون بها ومن يحفظ ثمانين بيتا في
الغزل لابن أبي ربيعة ثم يعيدها طردا وعكسا ويقول عن نفسه ما سمعت

(١) ج ٣ ص ٦٥ طبعة عام ١٣٠٤ بمصر.
(٢) ج ١ ص ٤٥١.
(٤٢٧)

شيئا قط فنسيته واني لأسمع صوت النائحة فاسد أذني كراهة ان احفظ ما
تقول لا يمكن ان ينسى مثل هذه الوصية وهي كلمات معدودة (١) كما لا
يمكن ان يترك نقلها عمدا فيشبه ان يكون تناساها أو تناستها الرواة خوفا
من نقل ما اشتملت عليه ولو سلمنا ان الساكت ابن عباس والناسي ابن
جبير أو إن الساكت ابن جبير والناسي سليمان فليس ذلك مما ينساه ابن
جبير أو يتهاون به ولا سليمان ويظهر الوجه في تناسيه المعبر عنه بالنسيان أو
السكوت عنه مما مر.
ايصاؤه إلى علي ع ودفعه موجوداته إليه
قال المفيد في تتمة كلامه السابق: فنهضوا وبقي عنده العباس
وعلي بن أبي طالب وأهل بيته خاصة فقال له العباس يا رسول الله ان يكن
هذا الأمر فينا مستقرا من بعدك فبشرنا وان كنت تعلم انا نغلب عليه
فاوص بنا فقال أنتم المستضعفون من بعدي واصمت فنهض القوم وهم
يبكون قد يئسوا من النبي ص فلما خرجوا من عنده قال ردوا علي أخي
علي بن أبي طالب وعمي فانفذوا من دعاهما فحضرا فقال يا عم رسول الله
تقبل وصيتي وتنجز عدتي وتقضي ديني قال العباس يا رسول الله عمك شيخ
كبير ذو عيال كثيرة وأنت تباري الريح سخاء وكرما وعليك وعد لا ينهض به
عمك فاقبل على علي بن أبي طالب فقال يا أخي تقبل وصيتي وتنجز عدتي
وتقضي ديني وتقوم بأمر أهلي من بعدي فقال نعم يا رسول الله فقال ادن
مني فدنا منه فضمه إليه ثم نزع خاتمه من يده فقال خذ هذا فضعه في يدك
ودعا بسيفه ودرعه وجميع لامته فدفع إليه ذلك والتمس عصابة كان يشدها
على بطنه إذا لبس سلاحه وخرج إلى الحرب فجئ بها إليه فدفعها إلى أمير
المؤمنين ع وقال له امضى على اسم الله إلى منزلك فلما كان من
الغد حجب الناس عنه وثقل في مرضه اه.
أقرب الناس عهدا به علي
ما يروى من أنه توفي ورأسه في حجر عائشة فمع معارضته بغيره مما
هو أصح وأكثر لا يمكن ان يصح في نفسه فان مثل ذلك لم تجر عادة ان
تتولاه النساء مع ما فيهن من الضعف والجزع ولا يمكن ان يغيب عنه علي
في مثل تلك الحال ويوكله إلى النساء. والباعث على ذكر مثل ذلك معروف
وروى ابن سعد عدة روايات في أنه ص توفي في حجر علي بن أبي طالب
وآخرها ما رواه بسنده عن أبي غطفان عن ابن عباس قال توفي رسول الله
وهو مستند إلى صدر علي قلت فان عروة حدثني عن عائشة انها قالت توفي
رسول الله بين سحري ونحري فقال ابن عباس أ تعقل والله لتوفي رسول الله
ص وانه لمستند إلى صدر علي وهو الذي غسله وأخي الفضل وأبى أبي ان
يحضر الحديث. وروى الحاكم في المستدرك وصححه بسنده عن أحمد بن
حنبل بسنده عن أم سلمة قالت والذي احلف به إن كان علي لأقرب الناس
عهدا برسول الله ص عدنا رسول الله ص غداة وهو يقول جاء علي جاء علي
مرارا فقالت فاطمة كأنك بعثته في حاجة فجاء بعد قالت أم سلمة فظننت
ان له إليه حاجة فخرجنا من البيت فقعدنا عند الباب وكنت من أدناهم إلى
الباب فأكب عليه رسول الله ص وجعل يساره ويناجيه ثم قبض من يومه
ذلك فكان علي أقرب الناس عهدا به اه.
تغسيل علي ع النبي ص وتحنيطه له وتكفينه
روى ابن سعد في الطبقات انه غسل رسول الله ص علي بن أبي
طالب والفضل بن العباس وأسامة بن زيد وفي رواية كان علي يغسله
والفضل وأسامة يحجبانه. وفي رواية كان علي يغسله والفضل محتضنه
وأسامة يختلف. وفي رواية غسله علي يدخل يده تحت القميص والفضل
يمسك الثوب عليه وعلى يد علي خرقة إلى غير ذلك من الروايات التي
اوردها ابن سعد. ويمكن الجمع بان الذي تولى غسله وباشره علي وحده
وكان الفضل وأسامة يساعدانه فتارة يحجبانه بان يمسكا بطرفي ثوب ويحجبانه
عن الناس وتارة كان الفضل يحتضنه وأسامة يختلف في نقل الماء وغيره وتارة
كان الفضل وأسامة كلاهما يناولان عليا الماء.
أول من صلى عليه علي
قال المفيد: فلما فرع علي من غسله وتجهيزه تقدم فصلى عليه وحده لم
يشركه معه أحد في الصلاة عليه وكان المسلمون في المسجد يخوضون فيمن
يؤمهم في الصلاة عليه وأين يدفن فخرج إليهم أمير المؤمنين ع وقال
لهم ان رسول الله امامنا حيا وميتا فيدخل عليه فوج بعد فوج منكم فيصلون
عليه بغير امام وينصرفون. قال ابن عبد البر في الاستيعاب صلى عليه علي
والعباس وبنو هاشم ثم المهاجرون ثم الأنصار.
دفن علي له ومعه أربعة
قال المفيد: ودخل أمير المؤمنين والعباس بن عبد المطلب
والفضل بن العباس وأسامة بن زيد ليتولوا دفن رسول الله ص فنادت
الأنصار من وراء البيت يا علي انا نذكرك الله وحقنا اليوم من رسول الله ان
يذهب ادخل منا رجلا يكون لنا به حظ من مواراة رسول الله فقال ليدخل
أوس بن خولي وكان بدريا فاضلا من بني عوف من الخزرج فلما دخل قال
علي انزل القبر فنزل ووضع أمير المؤمنين ع رسول الله ص على يديه
ودلاه في حفرته فلما حصل في الأرض قال له اخرج فخرج ونزل علي القبر
فكشف عن وجه رسول الله ص ووضع خده على الأرض موجها إلى القبلة
على يمينه ثم وضع عليه اللبن وأهال عليه التراب (٢) وربع قبره وجعل عليه
لبنا ورفعه من الأرض قدر شبر اه وروى ابن سعد في الطبقات انه
رش على قبره الماء.
ما يتعلق به من خبر السقيفة
لما توفي النبي ص كان علي وسائر بني هاشم ومعهم قليل من غيرهم
مشغولين بجهاز النبي ص ودفنه. قال المفيد: ولم يحضر دفنه أكثر الناس لما
جرى بين المهاجرين والأنصار من التشاجر في أمر الخلافة وفات أكثرهم

(١) في حاشية الأمير علي المغني لابن هشام: في السيوطي عن كامل المبرد واغاني أبي الفرج
الأصبهاني: دخل ابن أبي ربيعة وهو غلام على ابن عباس وعنده نافع بن الأزرق فقال له
ابن عباس: الا تنشدنا شعرا من شعرك يا ابن أخي فانشده:
- امن آل نعم أنت غاد فمبكر * غداة غد أم رائح فمهجر -
حتى أتمها وهي ثمانون بيتا. فقال له ابن الأزرق: لله أنت ابن عباس أنضرب إليك أكباد
الإبل نسألك عن الدين ويأتيك غلام من قريش ينشدك سفها فتسمعه، فقال: تا لله ما
سمعت سفها. فقال اما أنشدك:
- رأت رجلا أيما إذا الشمس عارضت * فيخزي واما بالعشي فيخسر -
فقال: ما هكذا قال: انما قال (فيضحي واما بالعشي فيخصر) قال: أو تحفظ الذي
قال؟ فقال والله ما سمعتها الا ساعتي هذه ثم انشدها من أولها إلى آخرها ومن آخرها إلى
أولها فقيل له ما رأينا اروى منك. فقال ما سمعت شيئا قط فنسيته واني لاسمع صوت
النائحة فأسد اذني كراهة ان احفظ ما تقول.
(٢) كان القبر الشريف قد حفر بصفة اللحد لا بصفة الشق فسد وجه اللحد باللبن وأهال عليه
التراب. - المؤلف -
(٤٢٨)

الصلاة عليه لذلك. وقال المفيد أيضا: واغتنم القوم الفرصة بشغل
علي بن أبي طالب برسول الله ص وانقطاع بني هاشم عنهم بمصابهم برسول
الله ص فبادروا إلى ولاية الأمر واتفق لهم ما اتفق من اختلاف الأنصار فيما
بينهم وكراهية الطلقاء والمؤلفة قلوبهم تأخر الأمر حتى يفرع بنو هاشم
اه.
ويتلخص الموقف في أن جيش أسامة الذي أراد النبي ص انفاذه لما
أحس بدنو اجله لأمر سياسي مهم عنده، لم ينفذ لأمر سياسي مهم عند
من لم ينفذه، وإن الناس انقسموا بعد وفاته ص احزابا ثلاثة بل أربعة أو
خمسة ١ حزب سعد بن عبادة رئيس الخزرج من عشيرته الخزرج وربما
كان معهم من الأوس ٢ حزب الشيخين وهم جل المهاجرين ٣ حزب
علي وهم بنو هاشم ومعهم قليل من المهاجرين منهم الزبير وكثير من الأنصار
أو أكثرهم الذين قالوا لا نبايع الا عليا كما رواه الطبري ٤ حزب عثمان
من بني أمية ومن لف لفيفهم ٥ حزب سعد بن أبي وقاص وعبد
الرحمن بن عوف من بني زهرة.
اما حزب سعد بن عبادة فان سعدا كان مريضا فاجتمع عليه الأنصار
في سقيفة بني ساعدة على ما رواه ابن قتيبة في الإمامة والسياسة وغيره،
وسعد هذا كان له مقام في الاسلام عظيم فقد كان شهما رئيسا جوادا وكان
مثريا وقد كان يبعث إلى النبي ص الاجمال من التمر ويبعث إليه باللحم
لاقراء الوفود ويبعث إلى المجاهدين باحمال التمر، وسافر ابنه قيس مع
جماعة من الصحابة فنفذ ما معهم فجعل قيس يستدين وينفق عليهم
فحسده بعض رفاقه وقالوا لمن يستدين منهم انه لا مال له فلما بلغ ذلك أباه
سعدا غضب وقال تريدون ان تبخلوا ابني وتزعموا انه لا مال له انا قوم لا
نستطيع البخل اشهدوا ان البستان الفلاني لقيس والحديقة الفلانية لقيس.
لكن طلبه الخلافة يغمز من قناته ولذلك ورد عن أمير المؤمنين ع
ما معناه ان أول من جرأ الناس علينا سعد، ولا يبعد ان يكون سعد لما
رأى تصميم المهاجرين على عدم اعطاء الحق لأهله طلبه لنفسه، قال ابن
قتيبة في روايته وغيره فقال سعد لابنه قيس: اني لا أستطيع ان اسمع
الناس كلامي لمرضي ولكن تلق مني قولي فاسمعهم ففعل فذكر فضل
الأنصار ونصرتهم الدين وايواءهم الرسول وانهم أحق الناس بهذا الأمر
فأجابوه ان قد وفقت في الرأي ورضوا بامارته.
وأما حزب الشيخين فقال الطبري: اجتمع الأنصار في سقيفة بني
ساعدة ليبايعوا سعد بن عبادة فبلغ ذلك أبا بكر فجاء ومعه عمر وأبو
عبيدة بن الجراح فقال الأنصار منا أمير ومنكم أمير فقال أبو بكر منا الامراء
ومنكم الوزراء قال ابن قتيبة فقام الحباب بن المنذر ابن الجموح
الخزرجي فقال يا معشر الأنصار املكوا علي أيديكم فإنما الناس في فيئكم
وظلالكم ولن يجير مجير على خلافكم ولن يصدر الناس إلا عن رأيكم أنتم
أهل العز والثروة والعدد والنجدة وإنما ينظر الناس ما تصنعون فلا تختلفوا
فيفسد عليكم رأيكم أنتم أهل الايواء والنصرة وإليكم كانت الهجرة ولكم في
السابقين الأولين مثل ما لهم وأنتم أصحاب الدار والايمان من قبلهم والله ما
عبدوا الله علانية إلا في بلادكم ولا جمعت الصلاة الا في مساجدكم ولا
دانت العرب للاسلام الا بأسيافكم فأنتم أعظم الناس نصيبا في هذا الأمر
وان أبى القوم فمنا أمير ومنهم أمير. فقال عمر هيهات لا يجتمع سيفان في
غمد واحد انه والله لا ترضى العرب ان تؤمركم ونبيها من غيركم ولكن
العرب لا تولي هذا الأمر الا قريشا من ينازعنا سلطان محمد وميراثه ونحن
أولياؤه وعشيرته الا مدل بباطل أو متورط في هلكة. فقام الحباب فقال يا
معشر الأنصار املكوا على أيديكم ولا تسمعوا مقالة هذا وأصحابه فيذهبوا
بنصيبكم من هذا الأمر فان أبوا فاجلوهم عن بلادكم وولوا عليكم وعليهم
من أردتم أما والله ان شئتم لنعيدنها جذعة والله لا يرد علي أحد ما أقول الا
حطمت انفه بالسيف. وفي رواية أنه قال انا جذيلها المحكك وعذيقها
المرحب، فلم يجبه عمر واعتذر بأنه كان بينه وبينه منازعة في حياة النبي ص
فنهاه عنه فحلف ان لا يكلمه بما يسؤوه. هكذا ذكر ابن قتيبة، ولكن
الظاهر أنه لم يجبه لما سمع قوله: والله لا يرد علي أحد ما أقول الا حطمت
انفه بالسيف والا فهو قد اجابه في أول الأمر بأخشن جواب. قال ابن قتيبة
فقام أبو عبيدة وقال يا معشر الأنصار أنتم أول من نصر وآوى فلا تكونوا
أول من يبدل ويغير. قال وان بشير بن سعد وهو والد النعمان بن بشير
الذي كان مع معاوية بصفين وكان واليا له ثم لابنه يزيد على الكوفة لما
رأى ما اتفق عليه قومه من تأمير سعد بن عبادة قام حسدا لسعد وكان بشير
من سادات الخزرج فقال يا معشر الأنصار لئن كنا أولى الفضيلة في جهاد
المشركين والسابقة في الدين ما أردنا إن شاء الله غير رضى ربنا وطاعة نبينا
وما ينبغي ان نستطيل بذلك على الناس ولا نبتغي به عرضا من الدنيا
ومحمد رجل من قريش وقومه أحق بميراثه وتولي سلطانه اه. وفيما رواه
ابن هشام عن عمر بن الخطاب ان خطيب الأنصار قال اما بعد فنحن
أنصار الله وكتيبة الاسلام وأنتم يا معشر المهاجرين رهط منا فقال أبو بكر
اما ما ذكرتم فيكم من خير فأنتم له أهل ولن تعرف العرب هذا الأمر الا
لهذا الحي من قريش هم أوسط العرب نسبا ودارا وقد رضيت لكم أحد
هذين الرجلين فبايعوا أيهما شئتم واخذ بيدي ويد أبي عبيدة بن الجراح وهو
جالس بيننا فقلت ابسط يدك يا أبا بكر فبسط يده فبايعته ثم بايعه
المهاجرون ثم الأنصار. وقال الطبري فقال أبو بكر هذا عمر وهذا أبو
عبيدة فأيهما شئتم فبايعوا فقالا لا والله لا نتولى هذا الأمر عليك ابسط يدك
نبايعك فلما ذهبا ليبايعاه سبقهما إليه بشير بن سعد فبايعه وقال الطبري
فقالت الأنصار أو بعض الأنصار لا نبايع الا عليا وقال ابن قتيبة فلما ذهبا
يبايعانه يعني عمر وأبا عبيدة سبقهما إليه بشير الأنصاري فبايعه فناداه
الحباب بن المنذر يا بشير بن سعد حسدت ابن عمك على الامارة قال لا
ولكني كرهت ان أنازع قوما حقا لهم فلما رأت الأوس ما صنع بشير بن سعد
وهو من سادات الخزرج وما تطلب الخزرج من تأمير سعد بن عبادة قال
بعضهم لبعض وفيهم أسيد بن حضير لئن وليتموها سعدا عليكم مرة واحدة
لا زالت لهم بذلك عليكم الفضيلة ولا جعلوا لكم فيها نصيبا ابدا فقوموا
فبايعوا أبا بكر فقاموا فبايعوه اه. وبذلك تم تغلب حزب الشيخين
على حزب سعد وكان سبب مبايعة الأنصار أبا بكر بعد ما قالوا أو بعضهم لا
نبايع الا عليا ما رأوه من تصميم المهاجرين على صرف الأمر عن علي
وحسد رئيس الأوس لرئيس الخزرج وحسد أحد رئيسي الخزرج لسعد
وبقي حزب بني هاشم وحزب بني أمية وبني زهرة. قال ابن قتيبة: وان
بني هاشم اجتمعت عند بيعة الأنصار إلى علي بن أبي طالب ومعهم
الزبير بن العوام وكانت امه صفية بنت عبد المطلب وانما كان يعد نفسه من
بني هاشم وكان علي يقول ما زال الزبير منا أهل البيت حتى نشا بنوه فصرفوه
عنا واجتمعت بنو أمية إلى عثمان وبنو زهرة إلى سعد بن أبي وقاص
وعبد الرحمن بن عوف فكانوا في المسجد مجتمعين فقال لهم عمر ما لي أراكم
(٤٢٩)

مجتمعين حلقا شتى قوموا فبايعوا أبا بكر فقد بايعته وبايعته الأنصار فقام
عثمان ومن معه من بني أمية فبايعوه وقام سعد بن أبي وقاص وعبد
الرحمن ومن معهما من بني زهرة فبايعوا اه.
وذلك لما رأى بنو أمية وبنو زهرة الغلبة لحزب المهاجرين ولم تكن لأبي
سفيان مكانة عثمان في بني أمية فلذلك اجتمعوا على عثمان ولم يجتمعوا عليه
واستغل أبو سفيان الموقف فعدل إلى بني هاشم كما يأتي واما علي والعباس
ومن معهما من بني هاشم فانصرفوا إلى رحلهم ومعهم الزبير بن العوام
اه.
وبذلك تم تغلب حزب الشيخين على جميع الأحزاب عدا حزب بني
هاشم وحاصل الأمر انه بعد مبايعة الأنصار وفراغ بني هاشم من دفن النبي
ص جاءوا مع علي إلى المسجد وجاء بنو أمية مع عثمان وبنو زهرة مع سعد
وعبد الرحمان فلما بايع بنو أمية وبنو زهرة قام بنو هاشم ومن معهم من
المسجد ولم يبايعوا ودخلوا منزل علي، ويفهم ذلك أيضا مما رواه الطبرسي
في الاحتجاج فإنه روى هذا الخبر بنحو ما رواه ابن قتيبة لكن بعبارة أوضح
قال: وبايع جماعة الأنصار ومن حضر من غيرهم وعلي بن أبي طالب
مشغول بجهاز رسول الله ص فلما فرع من ذلك وصلى على النبي والناس
يصلون عليه من بايع أبا بكر ومن لم يبايع جلس في المسجد فاجتمع عليه
بنو هاشم ومعهم الزبير بن العوام واجتمعت بنو أمية إلى عثمان بن عفان
وبنو زهرة إلى عبد الرحمن بن عوف فكانوا في المسجد كلهم مجتمعين إذ اقبل
أبو بكر ومعه عمر وأبو عبيدة بن الجراح فقالوا ما لنا نراكم حلقا شتى قوموا
فبايعوا أبا بكر فقد بايعه الأنصار والناس فقام عثمان وعبد الرحمن ومن
معهما فبايعوا وانصرف علي وبنو هاشم إلى منزل علي ومعهم الزبير اه.
ما فعله أبو سفيان
قال المفيد: وقد كان أبو سفيان جاء إلى باب رسول الله ص وعلي
والعباس متوافران على النظر في أمره فنادى:
- بني هاشم لا تطمعوا الناس فيكم * ولا سيما تيم بن مرة أو عدي -
- فما الأمر إلا فيكم واليكم * وليس لها إلا أبو حسن علي -
ثم نادى بأعلى صوته يا بني عبد مناف أ رضيتم أن يلي عليكم أبو
فصيل... أما والله لو شئتم لأملأنها عليهم خيلا ورجلا فناداه أمير
المؤمنين ارجع يا أبا سفيان فوالله ما تريد الله بما تقول وما زلت تكيد
الاسلام وأهله ونحن مشاغيل برسول الله وعلى كل امرئ ما اكتسب وهو
ولي ما احتقب فانصرف أبو سفيان إلى المسجد فوجد بني أمية مجتمعين فيه
فحرضهم على الأمر فلم ينهضوا له اه. والظاهر أن هذا كان من أبي
سفيان في أول الأمر قبل البيعة لأبي بكر أراد أبو سفيان أن يستغل الموقف
وقد علم أن أبا بكر التيمي وعمر العدوي قد طلبا الأمر وحزبهما قوي فجاء
إلى بني هاشم يحرضهم ويعدهم النصرة لعلهم يقومون لمعارضة حزب
الشيخين لأنه علم أن أقرب الأحزاب إلى معارضة حزب الشيخين هو
حزب بني هاشم فإذا عارضوهم وقعت فتنة في الاسلام وذلك ما يريد لأنه لم
يدخل فيه الا كارها مرغما وحقده عليه لم تنطف جمرته بعد ولن تنطفي فإذا
تطاحن الحزبان ولم يغلب أحدهما الآخر أوجب ذلك وهن المسلمين فيرجو
أن تقوى شوكة الشرك الذي خرج منه كارها فيعود إليه وإن غلب أحدهما
الآخر كان هو مع الغالب وإن لم يعارضوهم استفاد هو من هذا التحريض
والتهويش امارة أو نحوها كما يفعله اليوم وقبل اليوم من يريد منصبا في
الدولة فيهيج الناس عليها ويلقي الفتن ليرضوه بمال أو منصب ويدل على
ذلك أنه لما سمع الخليفة تهويشه ولي ابنه فرضي وسكت وقال وصلته
رحم. روي الطبري بسنده قال لما استخلف أبو بكر قال أبو سفيان ما لنا
ولأبي فصيل إنما هي بنو عبد مناف فقيل له أنه قد ولى ابنك قال وصلته
رحم اه وقد علم علي ع أن أبا سفيان لم يرد بما قاله الخير
لبني هاشم ولا للمسلمين وعلم مراده فلذلك اجابه بما اجابه وبذلك تمت
البيعة لأبي بكر ولم يبق متخلفا عنها غير علي وبني هاشم ومن تبعهم وقليل
سواهم ولكن القضاء على هذا الحزب أصبح سهلا بعد مبايعة جل
المهاجرين والأنصار أبا بكر. وصرف النظر عما جرى يوم الغدير وما جرى
في أول الدعوة من قوله ص من يوازرني على هذا الأمر الخ فلم يجر له
ذكر.
وأما حزب بني هاشم فقد عرفت انهم كانوا مشغولين بتجهيز النبي
ص ودفنه عند اجتماع القوم في السقيفة. ولم يكن علي ومن معه ليتركوا
رسول الله ص بغير دفن ويشتغلوا بطلب الخلافة كما فعل غيرهم. قال
المفيد: وقد جاءت الرواية أنه جاء رجل إلى أمير المؤمنين وهو يسوي قبر
رسول الله ص بمسحاة في يده فقال له إن القوم قد بايعوا أبا بكر ووقعت
الخذلة للأنصار لاختلافهم وبدر الطلقاء بالعقد للرجل خوفا من ادراككم
الأمر فوضع طرف المسحاة على الأرض ويده عليها ثم قال بسم الله
الرحمن الرحيم ألم أ حسب الناس ان يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون
ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين أم
حسب الذين يعلمون السيئات ان يسبقونا ساء ما يحكمون وحكى ابن أبي
الحديد عن كتاب السقيفة لأحمد بن عبد العزيز الجوهري عن عمر بن شبه
عن أبي قبيصة قال لما توفي النبي ص وجرى في السقيفة ما جرى تمثل علي:
- وأصبح أقوام يقولون ما اشتهوا * ويطغون لما غال زيدا غوائله -
ومما مر تعلم أن عمدة احتجاج القوم على استحقاق الخلافة انهم من
قريش عشيرة النبي ص وبذلك دفعوا الأنصار عنها وهذه الحجة توجب حق
علي وبني هاشم في الخلافة لأنهم أقرب الناس إلى الرسول وهم عشيرته فإن كانت
الخلافة بالقرابة فهم أقرب من قريش وإن لم تكن بالقرابة فالأنصار
على دعواهم كما أشار إليه أمير المؤمنين ع في بعض كلامه لما بلغته
اخبار السقيفة وفيه يقول الشاعر قيل أنه أمير المؤمنين وقيل الكميت
- فان كنت بالشورى ملكت أمورهم * فكيف بهذا والمشيرون غيب -
- إن كنت بالقربى وليت عليهم * فغيرك أولى بالنبي وأقرب -
واجتمع بنو هاشم مع علي بن أبي طالب في بيت فاطمة بعد رجوعهم
من المسجد كما مر وامتنعوا من البيعة واجتمع معهم طلحة والزبير ورجال
من المهاجرين فيما رواه الطبري. وقال محمد بن إسحاق فيما حكاه عنه ابن
هشام في سيرته أنه انحاز علي بن أبي طالب والزبير بن العوام وطلحة بن
عبيد الله في بيت فاطمة وقال ابن هشام فيما رواه بسنده عن عمر بن
الخطاب تخلف عنا علي بن أبي طالب والزبير بن العوام ومن معهما اه
واتفقت جميع الروايات على وجود الزبير معهم أما طلحة فقد ذكر في بعضها
دون بعض. والذي يستلفت النظر اجتماع طلحة معهم مع أنه تيمي.
(٤٣٠)

تهديد علي ومن معه بالاحراق إن لم يبايعوا
روى الطبري في تاريخه قال: اتى عمر بن الخطاب منزل علي وفيه
طلحة والزبير ورجال من المهاجرين فقال والله لأحرقن عليكم أو لتخرجن
إلى البيعة فخرج عليه الزبير مصلتا بالسيف فعثر فسقط السيف من يده
فوثبوا عليه فأخذوه. ويأتي أيضا ما يدل على ذلك.
متى بايع علي بن أبي طالب وبنو هاشم
تدل بعض الروايات على أن عليا بايع يومئذ وفاطمة حية ويدل
أكثرها على أنه لم يبايع إلا بعد ستة أشهر بعد وفاة فاطمة وبعضها على أنه لم
يبايع هو ولا أحد من بني هاشم إلا بعد تلك المدة. وبعضها على أن بني
هاشم بايعوا يومئذ إلا علي فلم يبايع إلا بعد تلك المدة، والذي عليه أكثر
الروايات وحققه العلماء أنه لم يبايع إلا بعد وفاة فاطمة وذلك بعد ستة أشهر
من وفاة النبي ص بناء على انها بقيت بعده هذه المدة أو شهرين ونصف بناء
على بقائها بعده ذلك.
لما ذا لم يبايعوا عليا
لم يكن انحراف قريش عن علي لشئ فيه ينقص من أهليته للخلافة
مقدار شعرة ولا لشئ في غيره يوجب امتيازه عن علي أو مساواته له في
القيام بمهام الخلافة ولكن قريشا وجل المهاجرين منها قد وترها علي في
حروبه لتمهيد الاسلام، وكثير منها دخل في الاسلام كرها والضغائن من
نفوسها لم تذهب فهي لا تطيق أن تكون في بني هاشم النبوة والخلافة وهم
من عشيرتها والبغض والحسد في الأهل والعشيرة أشد من غيره مضافا إلى
حب الرياسة الكامن في نفوس البشر فقريش حاولت جهدها ابطال نبوة
محمد ص فلم تفلح وتغلب عليها وقهرها وفتح مكة ودخلها مالكا لها بعد ما
خرج منها هربا وخوفا فكيف تترك بني هاشم تستولي على الخلافة ثانيا
ويكون الرأس فيها علي بن أبي طالب قاتل صناديد قريش وقاهرها ومؤسس
دولة ابن عمه وناصرها فليس من الغريب انحيازها إلى حزب أبي بكر وعمر
وانحرافها عن علي إلا أقلها. أما بنو أمية فانحازوا أولا إلى عثمان ولكن
عثمان لما رأى أنه ليس في وسعه معارضة الشيخين ومن تبعهما انحاز إلى
حزبهما. وبالطبع لم يكن لينحاز إلى حزب بني هاشم وهبه وطن نفسه على
ذلك فقومه لم يكونوا ليطيعوه وقد وترهم بنو هاشم ولا سيما علي وعداوتهم
معهم قديمة قبل الاسلام. ولم تفت هذه الفرصة شيخ بني أمية أبا سفيان
أن يستفيد منها حسبما تساعد عليه الحال في ذلك الوقت فجاء إلى علي وبني
هاشم فحرضهم على طلب الخلافة وانتقص الخليفة. ولم يخف ذلك على
علي فرده أقبح رد وولى الخليفة ابنه فقال وصلتك لاحم وسكت، ولم ينس
الخليفة الثاني هذه المساعدة من عثمان وبني أمية فولى معاوية الشام بعد
أخيه يزيد ورشح عثمان للخلافة يوم الشورى وسن لها قانونا يكون بسببه
الخليفة هو عثمان حتما كما سيأتي هناك وبانحياز أسيد بن حضير رئيس
الأوس ومعه الأوس كلها إلى حزب قريش حسدا لسعد قوي حزب قريش
وبانحياز بشير بن سعد أحد رؤساء الخزرج إلى حزب قريش حسدا لسعد
بقي سعد مفردا ليس معه الا قليل فان بشيرا انحاز معه أكثر الخزرج من
عشيرته وغيرها فعشيرة الرئيس تتبعه بالطبع وغيرها للتقرب إلى الخليفة لئلا
يستأثر غيرهم بالمكانة عنده وسرت هذه المودة من بشير إلى ابنه النعمان بن
بشير الأنصاري فكان من أنصار معاوية يوم صفين حيث لم يكن معه من
الصحابة إلا قليل هو أحدهم. ولم ينس معاوية تلك المساعدة لبشير التي
هي في الحقيقة مساعدة لبني أمية على أعدائهم الألداء بني هاشم ومساعدة
لأوليائهم فجازى ابنه النعمان عليها وعلى نصره له بصفين بان ولاه الكوفة
ثم ولاه أياها ابنه يزيد. وضعف بذلك أيضا حزب بني هاشم ولم يبق
معهم أحد. وكان أقوى الأسباب في ذلك كله الحسد والحسد داء بني آدم
وحواء من زمن آدم إلى اليوم.
الذين احتجوا على البيعة من المهاجرين والأنصار
في احتجاج الطبرسي عن أبان بن تغلب: قلت لأبي عبد الله
جعفر بن محمد الصادق ع جعلت فداك هل كان أحد في
أصحاب رسول الله ص أنكر على أبي بكر فعله قال نعم كان الذي أنكر
عليه اثنا عشر رجلا. من المهاجرين: خالد بن سعيد بن العاص وكان من
بني أمية. وسلمان الفارسي. وأبو ذر الغفاري. والمقداد بن الأسود.
وعمار بن ياسر وبريدة الأسلمي. من الأنصار. والهيثم بن التيهان.
وسهل وعثمان ابنا حنيف. وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين. وأبي بن
كعب. وأبو أيوب الأنصاري. فلما صعد أبو بكر المنبر تشاوروا بينهم فقال
بعضهم لننزلنه عن المنبر وقال آخرون لئن فعلتم إذا أعنتم على أنفسكم فذهبوا
إلى أمير المؤمنين يستشيرونه فقالوا تركت حقا أنت أحق به وأولى ولقد هممنا
أن نصير إليه فننزله عن المنبر فقال لو فعلتم ذلك لما كنتم إلا حربا ولكنكم
كالملح في الزاد وكالكحل في العين ولو فعلتم ذلك لأتوني فقالوا بايع والا
قتلناك. إلى آخر ما أورده الطبرسي.
ولما نحي علي عن الخلافة بعد يوم السقيفة إلى آخر خلافة عثمان
وذلك نحو من ٢٤ سنة لم يدخل مع القوم في إمارة ولا حرب وإنما كان يشير
بما فيه النصح والمصلحة العامة للمسلمين واشتغل بجمع القرآن بتأويله
وتنزيله وتفسيره واقرائه وارشاد الخلق وتعليمهم وبنشر علوم الدين والفتوى
لا سيما في المسائل الغامضة التي كان يرجع إليه فيها الصحابة والقضاء بين
الناس خصوصا في القضايا الغامضة التي كانت تشكل على غيره حتى جمعت
عدة كتب في قضاياه وأحكامه ومسائله العجيبة أشرنا إليها فيما سبق
وبالتاليف في علوم الدين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة الحدود
ونصرة المظلوم واظهار الحق جهده والاصلاح بين الناس واستنبط عيونا
وأنشأ عدة بساتين ومزارع في المدينة وينبع وقفها وجعل النظر فيها لأولاده
من فاطمة وكان يقوم على ملك له بخيبر. وما زعمه ابن الأثير من أنه كان
من جملة كتاب الخليفة الأول مصنوع موضوع لا أصل له، فهو كان يرى
نفسه أعلى من ذلك.
أخباره في خلافة الخليفة الأول
فمن أول ما وقع في خلافته مطالبة فاطمة له بإرثها من أبيها وبفدك
الذي كان نحلها إياه في حياته وبسهم ذوي القربى، أما الإرث فردها عنه بما
رواه عن النبي ص أنا معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة، وأما فدك
فطلب منها البينة فشهد لها علي وأم أيمن فقال: قد علمت يا بنت رسول
الله أنه لا يجوز الا شهادة رجلين أو رجل وامرأتين. وهل كان علي دون
خزيمة ذي الشهادتين، وطلبت سهمها من الخمس فقال لها لم يبلغ علمي
أن هذا السهم من الخمس مسلم إليكم كاملا بل أنفق عليكم منه واصرف
الباقي في مصالح المسلمين، فلم تذعن فاطمة لذلك وغضبت وكذلك علي
لم يذعن لذلك وقال في بعض خطبه متالما: بلى كانت في أيدينا فدك من كل
(٤٣١)

ما أظلته السماء فشحت عليها نفوس قوم وسخت عنها نفوس قوم آخرين
ونعم الحكم الله. ثم أن الزهراء خطبت خطبة طويلة في هذا الشأن وجرى
بينها وبين الخليفة حوار ومحاجة وجدال وبقي الخليفة مصرا على منعها وبقيت
هي مصرة على المطالبة كما مر ذلك كله مفصلا في سيرتها في الجزء الثاني.
قال المرتضى والشيخ الطوسي وغيرهما في روايتهم: ثم انكفأت وأمير
المؤمنين يتوقع رجوعها إليه ويتطلع طلوعها عليه، فلما استقرت بها الدار
قالت لأمير المؤمنين: يا ابن أبي طالب اشتملت شملة الجنين وقعدت
حجزة الظنين نقضت قادمة الأجدل فخانك ريش الأعزل هذا ابن أبي قحافة
ابتزني نحيلة أبي وبليغة ابني لقد اجهد في خصامي وألفيته ألد في كلامي
حتى حستني قبلة نصرها والمهاجرة وصلها وغضت الجماعة دوني طرفها فلا
دافع ولا مانع ولا ناصر ولا شافع خرجت كاظمة وعدت راغمة أ ضرعت
خدك يوم أضعت جدك افترست الذئاب وافترشت التراب ما كففت قائلا
ولا أغنيت طائلا ولا خيار لي ليتني مت قبل منيتي ودون ذلتي عذيري الله
منك عاديا وفيك حاميا ويلاي في كل شارق ويلاي في كل غارب مات العمد
ووهت العضد شكواي إلى أبي وعدواي إلى ربي اللهم انك أشد قوة وحولا
واحد بأسا وتنكيلا. فقال لها أمير المؤمنين لا ويل لك بل الويل لشانئك
نهنهي عن وجدك أبا ابنة الصفوة وبقية النبوة فما ونيت عن ديني ولا أخطأت
مقدوري فان كنت تريدين البلغة فرزقك مضمون وكفيلك مأمون وما أعد
لك أفضل مما قطع عنك فاحتسبي الله فقالت حسبي الله وأمسكت. وهذا
اللوم والتأنيب من الزهراء لأمير المؤمنين ع لا ينافي عصمته
وعصمتها وعلو مقامهما فما هو إلا مبالغة في الإنكار واظهار لما لحقها من شدة
الغيظ كما فعل موسى ع لما رجع إلى قومه غضبان أسفا والقى
الألواح وأخذ برأس أخيه وشريكه في الرسالة يجره إليه.
ومر في الجزء الثاني في السيرة النبوية أن الشيخين استاذنا على فاطمة
ليسترضياها فلم تأذن لهما فاتيا عليا فكلماه فادخلهما عليها وجرى بينها
وبينهما ما مر هناك.
أخباره في قصة بني حنيفة
وهي من حوادث سنة إحدى عشرة
فقد تزوج خولة الحنفية من سبى بني حنيفة وولد له منها ابنه المعروف
بمحمد بن الحنفية وأراد بعض أن يستدل بذلك على رضاه بامامة من قبله
ورده آخرون فكان لذلك مساس بأحواله وأخباره.
قال الشريف المرتضى في كتاب الشافي: روى جميع أهل النقل أن أبا
بكر وصى الجيش الذين أنفذهم لقتال أهل الردة بان يؤذنوا ويقيموا
فان أذن القوم باذانهم وأقاموا كفوا عنهم وان لم يفعلوا أغاروا عليهم. قال
وقصة مالك بن نويرة اليربوعي معروفة عند من تأملها من أهل النقل
لأنه كان على صدقات قومه بني يربوع من قبل رسول الله ص فلما بلغته
وفاته أمسك عن اخذ الصدقة من قومه وقال لهم تربصوا بها حتى يقوم قائم
بعد النبي ص وننظر ما يكون من أمره وقد صرح بذلك في شعره حيث
يقول:
- وقال رجال سدد اليوم مالك * وقال رجال مالك لم يسدد -
- فقلت دعوني لا أبا لأبيكم * فلم أخط رأيا في المقال ولا اليد -
- وقلت خذوا أموالكم غير خائف * ولا ناظر فيما يجيئ به غدي -
- فدونكموها انما هي مالكم * مصررة اخلافها لم تجدد -
- سأجعل نفسي دون ما تحذرونه * وأرهنكم يوما بما قلته يدي -
- فان قام بالأمر المحدث قائم * أطعنا وقلنا الدين دين محمد -
فصرح كما ترى انه استبقى الصدقة في أيدي قومه رفقا بهم وتقربا
إليهم إلى أن يقوم بالأمر من يدفع ذلك إليه، قال وقد روى جماعة من أهل
السير وذكره الطبري في تاريخه أن مالكا نهى قومه عن الاجتماع على منع
الصدقات ثم ذكر رواية الطبري في ذلك ونحن ننقلها من تاريخ الطبري
بوجه أتم مع بعض اختصار، وروى الطبري في تاريخه بسنده أن خالد بن
الوليد قدم البطاح فلم يجد عليه أحدا ووجد مالكا قد فرقهم في أموالهم
ونهاهم عن الاجتماع (١) وقال يا بني يربوع أنا قد كنا عصينا أمراءنا إذ دعونا
إلى هذا الدين وبطانا الناس عنه فلم نفلح ولم ننجح واني قد نظرت في هذا
الأمر فوجدت الأمر يتأتي لهم بغير سياسة وإذا أمر لا يسوسه الناس فاياكم
ومعاداة قوم يصنع لهم (٢) فتفرقوا إلى دياركم وادخلوا في هذا الأمر، فتفرقوا
على ذلك إلى أموالهم ورجع مالك إلى منزله فلما قدم خالد البطاح بث
السرايا وأمرهم بدعاية الاسلام وأن يأتوه بكل من لم يجب وإن امتنع يقتلوه
فجاءته الخيل بمالك بن نويرة في نفر من بني يربوع فاختلفت السرية فيهم
وفيهم أبو قتادة الحارث بن ربعي فكان فيمن شهد انهم قد أذنوا وأقاموا
وصلوا فلما اختلفوا فيهم أمر بهم فحبسوا في ليلة باردة لا يقوم لها شئ فامر
خالد مناديا فنادى ادفئوا أسراكم فظنوا أنه أمرهم بقتلهم لأن هذه اللفظة
تستعمل في لغة كنانة للقتل فقتل ضرار بن الأزور مالكا وقد اختلف القوم
فيهم فقال أبو قتادة هذا عملك فزبره خالد وتزوج خالد أم تميم ابنة المنهال
زوجة مالك الحديث وكانت أم تميم هذه بارعة في الجمال وروى
الطبري أيضا في تاريخه بسنده أن أبا بكر كان من عهده إلى جيوشه ان إذا
غشيتم دارا فسمعتم فيها أذانا للصلاة فامسكوا عن أهلها حتى تسألوهم ما
الذي نقموا وإن لم تسمعوا أذانا فشنوا الغارة وكان ممن شهد لمالك بالاسلام
أبو قتادة الحارث بن ربعي أخو بني سلمة وقد كان عاهد الله ان لا يشهد مع
خالد بن الوليد حربا أبدا بعدها وكان يحدث انهم لما غشوا القوم رعوهم
تحت الليل فاخذ القوم السلاح فقلنا أنا لمسلمون فقالوا أو نحن لمسلمون
قلنا فما بال السلاح معكم قالوا فما بال السلاح معكم قلنا فان كنتم كما
تقولون فضعوا السلاح فوضعوه ثم صلينا وصلوا، وكان خالد يعتذر في
قتله أنه قال وهو يراجعه ما أخال صاحبكم إلا وقد كان يقول كذا وكذا قال
أ وما تعهد لك صاحبا ثم قدمه فضرب عنقه وأعناق أصحابه فلما بلغ قتلهم
عمر بن الخطاب تكلم فيه عند أبي بكر فأكثر وقال عدو الله عدا على امرئ
مسلم فقتله ثم نزا على امرأته. واقبل خالد بن الوليد حتى دخل المسجد
وعليه قباء له عليه صدأ الحديد معتجرا بعمامة له قد غرز في عمامته أسهما
فقام إليه عمر فانتزع الأسهم من رأسه فحطهما ثم قال أ رئاء قتلت امرءا مسلما
ثم نزوت على امرأته والله لأرجمنك باحجارك وخالد لا يكلمه ولا يظن إلا
أن أبا بكر على مثل رأي عمر فيه فدخل على أبي بكر واعتذر إليه فعذره

(١) في الشافي: عن الاجتماع على منع الصدقات كما سمعت وليس ذلك في الطبري وكأن
المرتضى فهم منه أن المراد من الاجتماع الاجتماع على منع الصدقات. والصواب انه نهاهم
عن الاجتماع في مكان واحد وأمرهم بالتفرق في أموالهم لئلا يظن بهم الجيش العصيان إذا
رآهم مجتمعين.
(٢) أراد مالك أنه وجد أمر الاسلام أمرا الاهيا يتأتى ويحصل بغير سياسة من الناس وان الله تعالى
يصنع للمسلمين ما فيه نصرهم فلذلك نهاهم عن معاداة المسلمين لأن من يسوس الله
أمورهم ويصنع لهم لا يعادون. - المؤلف -
(٤٣٢)

فخرج خالد وعمر جالس في المسجد فقال هلم إلي يا ابن أم شملة فعرف
عمر أن أبا بكر قد رضي عنه فلم يكلمه ودخل بيته اه قال الشريف
المرتضى في الشافي: فاما قوله في النبي ص صاحبك فقد قال أهل العلم أنه
أراد القرشية لأن خالدا قرشي، وبعد فليس في ظاهر اضافته إليه دلالة على
نفيه له عن نفسه ولو كان علم من مقصده الاستخفاف والإهانة لوجب أن
يعتذر بذلك خالد عن الشيخين ويعتذر به أبو بكر لما طالبه عمر بقتله فان
عمر ما كان يمتنع من قتل قادح في نبوة النبي ص وإن كان الأمر على ذلك
فأي معنى لقول أبي بكر تأول فأخطأ وانما تأول فأصاب إن كان الامر على ما
ذكره اه.
وروى الطبري أيضا أن مالكا كان من أكثر الناس شعرا وأن أهل
العسكر جعلوا رؤوسهم أثافي للقدور فما من رأس إلا وصلت النار إلى
بشرته إلا مالكا فان القدر نضجت وما وصلت النار إلى بشرته من كثرة شعره
اه وهذا العمل الوحشي الدنئ الذي كشف عن وحشية فاعليه
ورؤسائهم الذين وافقوهم على ذلك قد سود وجه الاسلام والعرب
والإنسانية وأبان عن لؤم الغلبة ونأى عن أخلاق الاسلام ومحاسنه، وروي
الطبري أيضا بسنده أنه قدم أخوه متمم بن نويرة ينشد أبا بكر دمه ويطلب
إليه في سبيهم فكتب له برد السبي. وقد تكلم الناس كثيرا في قتل
مالك بن نويرة ونظم فيه الشعراء قال أبو فراس:
- وجرت منايا مالك بن نويرة * عقيلته الحسناء أيام خالد -
وتزوج علي ع خولة بنت جعفر بن قيس من بني حنيفة قال
ابن حجر في تهذيب التهذيب ويقال من مواليهم سبيت في الردة من اليمامة
اه وربما استدل بعضهم على رضا أمير المؤمنين ع بخلافة من
تقدمه بتزوجه من سبيهم ولا دلالة فيه فإنه إن كان بنو حنيفة مرتدين كان
سبيهم حلالا لكل أحد وإن كانوا غير مرتدين لم يحل سبيهم لأحد فإذا نكح
علي من سبيهم لا بد أن يكون بعقد لا بملك يمين. وفي البحار: سئل
الشيخ المفيد لم أخذ علي عطاءهم ونكح سبيهم وحكم في مجالسهم،
فقال: اما اخذه العطاء فاخذ بعض حقه وأما نكاحه سبيهم فمن طريق
الممانعة، إن الشيعة روت أن الحنفية زوجها أمير المؤمنين محمد بن مسلم
الحنفي. ومن طريق المتابعة أنه لو نكح من سبيهم لم يكن لكم ما أردتم
لأن الذين سباهم أبو بكر كانوا عندكم قادحين في نبوة رسول الله ص كفارا
فنكاحهم حلال لكل أحد ولو كان الذي سباهم يزيد أو زياد وإنما كان
يسوع لكم ما ذكرتموه إذا كان الذين سباهم قادحين في إمامته ثم نكح أمير
المؤمنين منهم. وأما حكمه في مجالسهم فلأن الحكم له واليه اه وقال
ابن أبي الحديد في شرح النهج: اختلف في أمر خولة الحنفية أم محمد فقال
قوم انها من سبايا الردة سباها خالد أيام أبي بكر فدفعها أبو بكر إلى علي من
سهمه وقال قوم منهم أبو الحسن علي بن محمد بن سيف المدائني هي سبية في
أيام رسول الله ص بعث عليا إلى اليمن فأصاب خولة في بني زبيد وقد
ارتدوا وكانوا سبوها من حنيفة فصارت في سهم علي فقال له رسول الله ص
ان ولدت منك غلاما فسمه باسمي وكنه بكنيتي فولدت له محمدا بعد موت
فاطمة فكناه أبا القاسم وقال قوم وهم المحققون وقولهم الأظهر أن بني أسد
غارت على بني حنيفة في خلافة أبي بكر فسبوا خولة فباعوها من علي وبلغ
قومها خبرها فقدموا المدينة على علي فعرفوها وأخبروه بموضعها منهم فاعتقها
وتزوجها بمهر وهذا اختيار أحمد بن يحيى البلاذري في تاريخ الاشراف
اه.
ومن اخباره في خلافة أبي بكر ما رأيته في معجم البلدان عند الكلام
على الأحقاف قال: والصحيح ما رويناه عن ابن عباس وابن اسحق وقتادة
انها رمال بأرض اليمن كانت عاد تنزلها: ويشهد بصحة ذلك ما رواه أبو
المنذر هشام بن محمد عن أبي يحيى السجستاني عن مرة بن عمر الآبلي عن
الأصبغ بن نباته قال: أنا لجلوس عند علي بن أبي طالب في خلافة أبي بكر
إذ اقبل رجل من حضرموت لم أر قط رجلا أنكر منه فاستشرفه الناس
وراعهم منظره واقبل مسرعا حتى وقف علينا وسلم وجثا وكلم أدنى القوم
منه مجلسا وقال من عميدكم فأشاروا إلى علي وقالوا هذا ابن عم رسول الله
ص وعالم الناس والمأخوذ عنه فقام وقال:
- اسمع كلامي هداك الله من هاد * وافرج بعلمك عن ذي غلة صاد -
- جاب التنائف من وادي سكاك إلى * ذات الأماحل في بطحاء أجياد -
- تلفه الدمنة البوغاء معتمدا * إلى السداد وتعليم بارشاد -
- سمعت بالدين دين الحق جاء به * محمد وهو قرم الحاضر البادي -
- فجئت منتقلا من دين باغية * ومن عبادة أوثان وانداد -
- ومن ذبائح أعياد مضللة * نسيكها غائب ذو لوثة عاد -
- فأدلل على القصد وأجل الريب عن خلدي * بشرعة ذات ايضاح وارشاد -
- والمم بفضل هداك الله عن شعثي * واهدني انك المشهور في النادي -
- إن الهداية للاسلام نائبة * عن العمى والتقى من خير أزواد -
- وليس يفرج ريب الكفر عن خلد * أقضه الجهل إلا حية الوادي -
فاعجب عليا والجلساء شعره وقال له لله درك ما أرصن شعرك ممن
أنت قال من حضرموت فسر به علي وشرح له الاسلام وأسلم على يديه
وسأله ذات يوم ونحن مجتمعون للحديث أ عالم أنت بحضرموت إذا جهلتها
لم أعرف غيرها قال أ تعرف الأحقاف قال كأنك تسأل عن قبر هود ع
قال لله درك ما أخطأت قال نعم خرجت في عنفوان شبيبتي في
أغيلمة من الحي نريد قبره فسرنا في بلاد الأحقاف أياما ومعنا رجل قد
عرف الموضع فانتهينا إلى كثيب أحمر فيه كهوف كثيرة فمضى بنا الرجل إلى
كهف منها فدخلناه فامعنا فيه طويلا فانتهينا إلى حجرين قد أطبق أحدهما
دون الآخر وفيه خلل يدخل منه الرجل النحيف متجانفا فدخلته فرأيت
رجلا على سرير شديد الأدمة طويل الوجه كث اللحية وقد يبس على سريره
فإذا مسست شيئا من بدنه أصبته صلبا لم يتغير ورأيت عند رأسه كتابا
بالعربية أنا هود النبي الذي اسفت على عاد بكفرها وما كان لأمر الله من
مرد فقال لنا علي بن أبي طالب كذلك سمعته من أبي القاسم رسول الله
ص اه.
اخباره في امارة عمر
كان في إمارة عمر كثيرا ما يأتي إلى ملك له بينبع وهي ينبع النخل
بنواحي المدينة وهي غير ينبع البحر وكان لعلي فيها عيون استنبطها ونخيل
وزروع منها.
عين أبي نيزر والبغيبغة
وقد تكلمنا عليهما في ج ٧ وفي مستدرك ج ١٥ ص ٤٨٧ في ترجمة أبي
نيزر ونعيد بعض ما ذكرناه هناك لتعلقه بسيرته ع وإن لزم بعض
(٤٣٣)

التكرار. قال المبرد في الكامل: رووا أن عليا لما أوصى إلى الحسن في وقف
أمواله وأن يجعل فيها ثلاثة من مواليه وقف فيها عين أبي نيزر والبغيبغة وهذا
غلط لأن وقفه لهذين الموضعين لسنتين من خلافته والوصية كانت عند وفاته
حدثنا أبو محلم محمد بن هشام في اسناد ذكره آخره أبو نيزر وكان أبو نيزر
من أبناء بعض ملوك الأعاجم قال وصح عندي أنه من ولد النجاشي فرغب
في الاسلام صغيرا فاتى رسول الله ص فأسلم وكان معه في بيوته مؤونته
فلما توفي رسول الله ص صار مع فاطمة وولدها ع. وفي معجم
البلدان بالاسناد عن محمد بن إسحاق بن يسار أن أبا نيزر الذي تنسب إليه
العين هو مولى علي بن أبي طالب كان ابنا للنجاشي ملك الحبشة الذي
هاجر إليه المسلمون لصلبه وأن عليا وجده عند تاجر بمكة فاشتراه إليه
واعتقه مكافاة بما صنع أبوه مع المسلمين حين هاجروا إليه وذكروا أن الحبشة
مرج عليها أمرها بعد موت النجاشي وأنهم أرسلوا وفدا منهم إلى أبي نيزر
وهو مع علي ليملكوه عليهم ويتوجوه ولا يختلفوا عليه فابى وقال ما كنت
لأطلب الملك بعد أن من علي بالاسلام ثم قال المبرد قال أبو نيزر جاءني
علي بن أبي طالب وأنا أقوم بالضيعتين عين أبي نيزر والبغيبغة فقال هل
عندك من طعام فقلت لا أرضاه لأمير المؤمنين قرع من قرع الضيعة صنعته
بإهالة سنخة (١) فقال علي به فقام إلى الربيع وهو جدول فغسل يده ثم
أصاب من ذلك شيئا ثم رجع إلى الربيع فغسل يديه بالرمل حتى أنقاهما ثم
ضم يديه كل واحدة منها إلى أختها وشرب بهما حسا (٢) من ماء الربيع ثم
قال يا أبا نيزر أن الأكف أنظف الآنية ثم مسح ندى ذلك الماء على بطنه
وقال من أدخله بطنه النار فأبعده الله ثم أخذ المعول وانحدر في العين فجعل
يضرب وابطا عليه الماء فخرج وقد تفضح جبينه عرقا فانتكف العرق من
جبينه ثم أخذ المعول وعاد إلى العين فاقبل يضرب فيها وجعل يهمهم
فانثالت كأنها عنق جزور فخرج مسرعا فقال أشهد أنها صدقة، علي بدواة
وصحيفة فعجلت بهما إليه فكتب:
بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما تصدق به عبد الله علي أمير المؤمنين
تصدق بالضيعتين المعروفتين بعين أبي نيزر والبغيبغة على فقراء أهل المدينة
وابن السبيل ليقي الله بهما وجهه حر النار يوم القيامة لا تباعا ولا توهبا حتى
يرثها الله وهو خير الوارثين إلا أن يحتاج إليهما الحسن أو الحسين فهما طلق
لهما وليس لأحد غيرهما. قال محمد بن هشام فركب الحسين دين فحمل إليه
معاوية بعين أبي نيزر مائتي ألف دينار فابى أن يبيع وقال إنما تصدق بها أبي
ليقي بها وجهه حر النار ولست بائعها بشئ. قال وتحدث الزبيريون أن
معاوية كتب إلى مروان بن الحكم وهو والي المدينة وذكر ما مضمونه أنه كتب
إليه أن يخطب أم كلثوم بنت عبد الله بن جعفر على ابنه يزيد وأن يرغب له
في الصداق فقرأ الكتاب على عبد الله فقال إن خالها الحسين بينبع وليس ممن
يفتات عليه بأمر فانظرني إلى أن يقدم وكانت أمها زينب بنت علي بن أبي
طالب ص فلما قدم الحسين ذكر له ذلك عبد الله فدخل إلى
الجارية فقال يا بنية ان ابن عمك القاسم بن محمد بن جعفر أحق بك
ولعلك ترغبين في كثرة الصداق وقد نحلتك البغيبغات فلما حضر القوم
للاملاك تكلم مروان فذكر معاوية وما قصده من صلة الرحم وجمع الكلمة
فتكلم الحسين فزوجها من القاسم فقال مروان أ غدرا يا حسين فقال أنت
بدأت خطب أبو محمد الحسن بن علي ع عائشة بنت عثمان بن
عفان واجتمعنا لذلك فزوجتها من عبد الله بن الزبير فقال مروان ما كان
ذلك فالتفت الحسين إلى محمد بن حاطب فقال أنشدك الله أ كان ذلك قال
اللهم نعم. قال فلم تزل هذه الضيعة في يد بني عبد الله بن جعفر من
ناحية أم كلثوم يتوارثونها حتى ملك المأمون فذكر ذلك له فقال كلا هذا
وقف علي بن أبي طالب ص فانتزعها من أيديهم وعوضهم
عنها وردها إلى ما كانت عليه. وفي مناقب ابن شهرآشوب ما مختصره عن
عبد الملك بن عمير والحاكم والعباس قالوا خطب الحسن عائشة بنت عثمان
فقال مروان أزوجها عبد الله بن الزبير فلما قبض الحسن ومضت أيام من
وفاته كتب معاوية إلى مروان وهو عامله على الحجاز يأمره أن يخطب أم
كلثوم بنت عبد الله بن جعفر لابنه يزيد فأخبر مروان عبد الله بذلك فقال إن
أمرها ليس إلي إنما هو إلى سيدنا الحسين وهو خالها فأخبر الحسين بذلك
فقال استخير الله تعالى اللهم وفق لهذه الجارية رضاك من آل محمد فلما
اجتمع الناس في المسجد أقبل مروان حتى جلس إلى الحسين وقال إن أمير
المؤمنين معاوية أمرني أن أخطب أم كلثوم لابنه يزيد وأن أجعل مهرها
حكم أبيها بالغا ما بلغ وأن الحسين قال له لعمري لو أردنا ذلك ما عدونا
سنة رسول الله ص في بناته ونسائه وأهل بيته وهو اثنتا عشرة أوقية يكون
أربعمائة وثمانين درهما ثم ذكر حوار دار بينهما ثم قال أن الحسين قال
اشهدوا إني قد زوجت أم كلثوم بنت عبد الله بن جعفر من ابن عمها
القاسم بن محمد بن جعفر على أربعمائة وثمانين درهما وقد نحلتها ضيعتي
بالمدينة أو قال أرضي بالعقيق وإن غلتها في السنة ثمانية آلاف دينار
الحديث. وفي الإصابة أبو نيزر بكسر أوله وسكون المثناة التحتية وفتح
الزاي بعدها راء ذكره الذهبي مستدركا وقال يقال إنه من ولد النجاشي جاء
وأسلم وكان مع النبي ص في مؤونته ثم قال في جملة ما حكاه عن كامل المبرد
انه كان يقوم بضيعتي علي اللتين في ينبع (٣) تسمى إحداهما البغيبغة
والأخرى عين أبي نيزر. وفي معجم البلدان ينبع قال عرام بن الأصبغ
السلمي هي لبني حسن بن علي وفيها عيون عذاب غزيرة وقال غيره ينبع
حصن به نخيل وماء وزرع وبها وقوف لعلي بن أبي طالب يتولاه ولده.
هذا ما وقفنا عليه مما يتعلق بهذا المقام وفيه مواضع ينبغي أن نتكلم
عليها:
أولا ان المبرد صرح بان وقف علي ع الضيعتين كان
لسنتين من خلافته وخطاب أبي نيزر بقوله طعام لا أرضاه لأمير المؤمنين
وقوله في كتاب الوقف هذا ما تصدق به عبد الله علي أمير المؤمنين دال على
أن ذلك في زمن خلافته وما ذكره من أن وقفه للضيعتين كان لما جاء أبا نيزر
وهو يقوم بهما وضرب في العين بالمعول فانثالت كأنها عنق بعير دال على أن
ذلك كان وعلي بالحجاز مع أنه بعد أن ذهب إلى العراق واتخذ الكوفة مسكنا
لم يذكر أحد أنه رجع إلى الحجاز ومتى كان يمكنه أن يرجع وهو قد ذهب
للعراق لحرب أصحاب الجمل وبعد فراغه اشتغل بحرب صفين وبعده
بحرب الخوارج ثم استشهد فلم تكن له فرصة لأن يذهب للحجاز وليس
هناك أمر مهم يدعوه للذهاب.

(١) في الفائق الاهالة الودك (الشحم) وعن أبي زيد كل دهن يؤتدم به، وفي النهاية الاهالة كل
شئ من الادهان مما يؤتدم به وقيل هو ما أذيب من الألية والشحم وقيل الدسم الجامد.
(٢) في تاج العروس قال سيبويه التحسي عمل في مهلة ثم قال واسم ما يتحسى الحسية والحساء
والحسو، قال ابن سيدة وارى ابن الأعرابي حكى في الاسم أيضا الحسو على لفظ المصدر
والحسا مقصورا على مثال القفا قال ولست منهما على ثقة " اه‍ " وحينئذ فالحسا هنا بمعنى ما
يتحسى أي شرب من ماء الربيع دفعات بمهلة.
(٣) الذي في النسخة المطبوعة البقيع بدل ينبع وهو تصحيف.
(٤٣٤)

ثانيا كلام المبرد دال على أنه أسلم صغيرا على يدي النبي ص
فكان معه في مؤونته ثم مع فاطمة وولدها وكلام ابن إسحاق دال على أن
عليا ع اشتراه واعتقه وجعله في الضيعتين ويمكن الجمع بان عليا ع
اشتراه من تاجر وهو صغير واعتقه ثم جاء به إلى النبي ص فأسلم
وبقي عند النبي ص إلى وفاته فانتقل إلى بيت علي فصار مع فاطمة وولدها
ثم جعله في الضيعتين.
ثالثا قصة مجيئه أبا نيزر إلى الضيعة هذه تدل على أمور ١ غاية
زهده باكله القرع المطبوخ بالودك المتغير الرائحة ولعله كان بغير خبز وهي
واحدة من كثير مما يدل على غاية زهده ٢ استحباب غسل اليد قبل الأكل
٣ استحباب غسل اليدين بعده ٤ قوله من أدخله بطنه النار فأبعده الله
موعظة بالغة فاكل الحرام الذي هو لذة ساعة ثم يصير عذرة إذا كان يوجب
دخول النار لا يفعله ذو عقل ٥ الحث على العمل والكد بضربه بالمعول
حتى تفضح جبينه عرقا واستئنافه الضرب حتى استنبط الماء العزيز ٦ تأكد
استحباب الوقف في سبل الخبر ٧ استحباب المسارعة إلى فعل الخير
فلذلك بادر إلى الوقف بدون مهلة ٨ استحباب الكتابة للوقف وغيره
فلذلك بادر إلى طلب الدواة ٩ المراد بالصدقة هنا الوقف وقد سمي
الوقف صدقة جارية أي دائمة ١٠ أن الوقف يجوز اشتراط الرجوع فيه
عند الحاجة ولا يفسد بذلك لقوله إلا أن يحتاج إليها الحسن أو الحسين فهما
طلق لهما الخ فجعل ذلك لهما دون باقي ولده إلا أن الحسين لما فيه من سمو
النفس وشرف الطبع لم يرض أن يبيع عين أبي نيزر من معاوية بمائتي ألف
دينار التي تقرب من مائة ألف ليرة عثمانية ذهبا وقد ركبه الدين لتبقى هذه
المكرمة وثوابها لأبيه وإن رخص له في بيعها عند الحاجة وقال إنما تصدق بها
أبي ليقي بها وجهه حر النار ولست بائعها بشئ. تفديك نفسي يا أبا
عبد الله وأي عمل عمله أبوك يخشى منه لفح النار لوجهه، ويمكن أن يريد
بقوله إلا أن يحتاج إليها الحسن والحسين الأعم من الحاجة إلى البيع أو إلى
غلتها فلهما أخذها ولا يلزمهما التصدق بها على الفقراء وابن السبيل.
رابعا كلام المبرد في خبر تزويج أم كلثوم هذه يدل على أن الحسين
ع نحلها البغيبغة ورواية ابن شهرآشوب تدل على أنه نحلها ضيعته
بالمدينة أو أرضه بالعقيق وارض العقيق خارجة عن البغيبغة التي بينبع اما
ضيعته بالمدينة فيمكن انطباقها على التي بينبع لأنها من توابع المدينة وحينئذ
فيرجح ما ذكره المبرد ويضعف أنه نحلها أرضه بالعقيق.
خامسا نحلة الحسين ع البغيبغة الداخلة في الوقف لأم كلثوم
هو أخذ بالرخصة التي رخصها له أبوه ولم يعمل بها في بيع عين أبي نيزر من
معاوية للبون الشاسع بين المقامين فلذلك توارثها بنو عبد الله بن جعفر من
ناحية أم كلثوم.
سادسا ما فعله المأمون أراد به الجمع بين بقاء وقف علي ع
على حاله وعدم الحيف على ولد عبد الله بن جعفر فانتزعها منهم وردها إلى
ما كانت عليه وعوضهم عنها.
سابعا ما حكي في المعجم من أن بينبع وقوفا لعلي بن أبي طالب
يتولاها ولده الظاهر أن المراد به عين أبي نيزر لا البغيبغة لكون الثانية
صارت إلى ولد عبد الله بن جعفر.
ثامنا يستفاد من خبر تزويج أم كلثوم هذا استحباب تقليل المهر
وأن مهر السنة اثنتا عشرة أوقية كل أوقية أربعون درهما مجموعها ٤٨٠ درهما
وان من أراد زيادة المهر فليجعل الزيادة على ذلك نحلة وعطية غير داخلة في
المهر.
حلي الكعبة
ومن أخباره في زمن عمر ما في نهج البلاغة: روي أنه ذكر عند عمر
ابن الخطاب في أيامه حلي الكعبة وكثرته فقال قوم لو أخذته فجهزت به
جيوش المسلمين كان أعظم للأجر وما تصنع الكعبة بالحلي فهم عمر بذلك
وسال عنه أمير المؤمنين ع فقال إن هذا القرآن أنزل على محمد ص
والأموال أربعة. أموال المسلمين فقسمها بين الورثة في الفرائض والفئ
فقسمه على مستحقيه. والخمس فوضعه الله حيث وضعه. والصدقات
فجعلها الله حيث جعلها وكان حلي الكعبة فيها يومئذ فتركه على حاله ولم
يخف عنه مكانا فاقره حيث أقره الله ورسوله فقال عمر لولاك لافتضحنا
وترك الحلي بحاله اه. وقال ابن أبي الحديد في الشرح ما حاصله هذا
استدلال صحيح ويمكن أن يورد على وجهين أحدهما أن الأصل في
الأشياء الحظر كما هو مذهب البعض ثانيها أن حلي الكعبة مال مختص
بالكعبة جار مجرى ستورها وبابها فكما لا يجوز التصرف في ستورها وبابها
فكذلك الحلي بجامع الاختصاص الجاعل كل واحد منها كالجزء من الكعبة
قال وعلى هذا الوجه يجب أن يحمل كلام أمير المؤمنين ع لا على
ظاهره وإلا لكان لمعترض أن يعترض بان الأموال الأربعة أموال متكررة
بتكرر الأزمان يذهب الموجود ويخلفه غيره فكان الاهتمام بها أكثر وليس
كذلك حلي الكعبة وأيضا فهو شئ قليل ليس مثله مما يقال ينبغي أن يكون
الشارع قد تعرض لوجوه مصرفه فافترق الموضعان اه وأقول كلام
أمير المؤمنين ع ليس ناظرا إلى شئ من هذين الوجهين مع فسادهما في
أنفسهما فالأصل في الأشياء الإباحة كما قرر في الأصول لكن في غير
الأموال. واختصاص الحلي بالكعبة يجعله جاريا مجرى ستورها وبابها لكن
كون الحلي والستور كالجزء منها ممنوع لو سلم ذلك في الباب إلا أن منع
التصرف فيما هو مختص بالكعبة حتى ولو صار كالجزء منها محتاج إلى دليل
يدخله تحت عنوان محرم لكن كلام أمير المؤمنين ناظر إلى أن النبي ص لم
يتصرف في حلي الكعبة مع حاجة المسلمين إليه لتجهيز الجيوش أشد من
الحاجة التي كانت في زمن عمر ولم يكن ناسيا له فدل ذلك على عدم جواز
التصرف فيه. هذا وجه إجمالي لعدم جواز التصرف وهناك وجه تفصيلي
وهو أنه موقوف على أن تحلى به الكعبة وبذلك يعلم اندفاع ما أورده من
الاعتراض وعدم الحاجة إلى هذا الجواب مع فساده في نفسه.
إشارته عليه في حرب الروم والفرس
ومن اخباره في زمن عمر ما أشار به عليه من عدم التوجه بنفسه إلى
حرب الروم والفرس وعلل ذلك بأنهم إذا نظروا إليه قالوا هذا رجل العرب
فان قطعتموه فقد قطعتم العرب وكان أشد لكلبهم فربما جرى له مثل ما
جرى يوم خيبر، فقال عمر هذا هو الرأي وقد كنت أحب أن أتابع عليه
فدل على أنه كان كارها للخروج قبل أن يشير عليه بذلك، وقد مر ذلك
مفصلا في الأمر الرابع والعشرين من مناقبه وقضائه فاغنى عن اعادته.
وضع التاريخ
ومن أخباره في خلافة عمر ما أشار به عليه لما جمع الناس فسألهم من أي
يوم يكتب التاريخ فأشار أن يجعل من الهجرة، ومر تفصيله في الأمر الرابع
والعشرين أيضا.
(٤٣٥)

قضاياه في امارة عمر
١ ما ذكره المفيد في الارشاد وابن شهرآشوب في المناقب وقالا رواه
العامة والخاصة من أن قدامة بن مظعون شرب الخمر في إمارة عمر فأراد
عمر أن يحده فقال لا يجب علي الحد لأن الله تعالى يقول ليس على الذين
آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا
الصالحات فدرأ عمر عنه الحد فقال له علي ان قدامة ليس من أهل هذه
الآية ولا من سلك سبيله في ارتكاب ما حرم الله أن الذين آمنوا وعملوا
الصالحات لا يستحلون حراما فاردد قدامة واستتبه مما قال فان تاب فاقم
عليه الحد وإن لم يتب فاقتله فقد خرج عن الملة وعرف قدامة الخبر فاظهر
التوبة فدرأ عمر عنه القتل ولم يدر كيف يحده يسال عليا فقال حده ثمانين
أن شارب الخمر إذا شربها سكر وإذا سكر هذى إذا هذى افترى فحده عمر
ثمانين.
٢ ما في ارشاد المفيد: روى أن عمر استدعى امرأة كانت تتحدث
عندها الرجال فلما جاءتها رسله فزعت وخرجت معهم فأسقطت ووقع إلى
الأرض ولدها ثم مات فجمع أصحاب رسول الله ص وسألهم فقالوا نراك
مؤدبا ولم ترد إلا خيرا ولا شئ عليك، وعلي جالس لا يتكلم فقال له ما
عندك في هذا يا أبا الحسن قال قد سمعت ما قالوا قال فما عندك أنت قال
قد قال القوم ما سمعت قال أقسمت عليك لتقولن ما عندك قال إن كان
القوم قد قاربوك فقد غشوك وإن كانوا ارتأوا فقد قصروا أن الدية على
عاقلتك لأن قتل الصبي خطا تعلق بك فقال أنت والله نصحتني من بينهم
والله لا تبرح حتى تجري الدية على بني غدي ففعل. وفي المناقب: روى
جماعة منهم إسماعيل بن صالح عن الحسن وذكر مثله ثم قال وقد أشار
الغزالي إلى ذلك في الإحياء.
٣ ما في مناقب ابن شهرآشوب: أنه أتى إلى عمر برجل وامرأة قال
لها الرجل يا زانية فقالت أنت أزنى مني فامر بان يجلدا فقال علي لا
تعجلوا. على المرأة حدان حد لفريتها لأنها قذفته وحد لاقرارها على نفسها
وليس على الرجل شئ.
٤ ما في المناقب أيضا عن الرضا ع: قضى أمير المؤمنين
ع في محصنة فجر بها غلام صغير فامر عمر أن ترجم فقال علي لا
يجب عليها الرجم إنما يجب الحد لأن الذي فجر بها ليس بمدرك.
٥ ما فيه أيضا: أمر عمر برجل يمني محصن فجر بالمدينة أن يرجم
فقال علي لا يجب عليه الرجم لأنه غائب عن أهله إنما يجب عليه الحد فقال
عمر لا أبقاني الله لمعضلة لم يكن لها أبو الحسن.
٦ ما في عجائب احكامه: علي بن إبراهيم حدثني أبي عن محمد بن
أبي عميرة عن عمر بن يزيد عن أبي المعلى عن أبي عبد الله ع:
أتى عمر بامرأة تعلقت بانصاري تهواه فلم تقدر على خيلة فصبت بياض
البيض على ثيابها وجسمها ثم جاءت إلى عمر فقالت يا أمير المؤمنين إن هذا
أخذني في موضع كذا ففضحني فهم عمر أن يعاقب الأنصاري فقال يا أمير
المؤمنين تثبت في أمري فقال عمر يا أبا الحسن ما ترى فنظر علي إلى بياض
البيض على ثوبها فقال ائتوني بماء حار مغلي فامر بصبه على ذلك البياض فإذا
هو بياض البيض وأقرت المرأة بذلك.
٧ ما فيه أيضا بعد السند المذكور. وعنه عن أبي إسحاق السبيعي
عن عاصم بن ضمرة: سمعت غلاما بالمدينة وهو يقول يا حاكم الحاكمين
احكم بيني وبين أمي بالحق فقال عمر يا غلام لم تدعو على أمك قال إنها
حملتني تسعا وأرضعتني حولين كاملين فلما ترعرعت طردتني وانتفت مني فاتى
بها مع أربعة اخوة لها وأربعين قسامة يشهدون لها انها لا تعرف الصبي وأنه
مدع ظلوم يريد أن يفضحها في عشيرتها وأنها جارية من قريش لم تتزوج قط
وأنها بخاتم ربها فقال عمر خذوا الغلام إلى السجن حتى نسأل عن الشهود
فان عدلت شهادتهم جلدته حد المفتري فمضوا به إلى السجن فلقيهم علي
فقال الغلام يا ابن عم محمد اني غلام مظلوم فقال علي لعمر أ تأذن لي أن
اقضي بينهم فقال يا سبحان الله وكيف لا وقد سمعت رسول الله ص يقول
أعلمكم علي بن أبي طالب فقال للغلام ما تقول فأعاد الكلام الأول وقال
للمرأة ما تقولين فأعادت ما قالت فقال أ لك شهود قالت نعم فتقدم
الأربعون القسامة فشهدوا بالشهادة الأولى فقال والله لأقضين اليوم بينكما
بقضية هي مرضاة للرب من فوق عرشه ثم قال أ لك ولي؟ قالت نعم
هؤلاء اخوتي، فقال لهم: أمري فيكم وفيها جائز قالوا نعم فقال أشهد
الله ورسوله ومن حضر من المسلمين أني قد زوجت هذه الجارية من هذا
الغلام بأربعمائة درهم والنقد من مالي، يا قنبر علي بالدراهم فاتاه بها
فصبها في حجر الغلام وقال خذها وصبها في حجر امرأتك ولا تأتنا إلا وبك
اثر العرس فصبها الغلام في حجرها ثم أخذ بيدها وقال لها قومي، فنادت
الأمان الأمان يا ابن عم محمد، تريد أن تزوجني من ولدي، هذا والله
ولدي، زوجوني هجينا فولدت منه هذا فلما ترعرع وشب امروني ان انتفي
منه فنادى عمر وا عمراه لولا علي هلك عمر اه باختصار ورواه ابن
شهرآشوب في المناقب عن حدائق أبي تراب الخطيب وكافي الكليني وتهذيب
أبي جعفر عن عاصم بن ضمرة مثله.
٨ ما عن ابن قيم الجوزية في كتاب السياسة الشرعية: إن امرأة
استنكحها رجل اسود اللون ثم ذهب في غزاة فلم يعد فوضعت غلاما اسود
فتعيرته، فبعد أن شب استعداها إلى عمر، فلم يجد شهادة اثبات وكاد يتم
المرأة ما أرادت بيد أن عليا أدرك في طرفه ما تجتهد المرأة في اخفائه فقال يا
غلام أ ما ترضى أن أكون لك أبا والحسن والحسين أخويك؟ فقال بلى وقال
لأولياء المرأة أ ما ترضون أن تضعوا أمرها في يدي قالوا بلى فقال اني زوجت
مولاتي هذه من ابني هذا على صداق قدره كذا وكذا فأجفلت المرأة وقالت
النار يا علي والله أنه ابني ولكن لسواد لونه.
٩ ما في مناقب ابن شهرآشوب عن المهنا بن عبد الرحمن بن عايد
الأزدي: أتى عمر بن الخطاب بسارق فقطعه ثم أتى به الثانية فقطعه ثم أتى
به الثالثة فأراد قطعه فقال علي لا تفعل قد قطعت يده ورجله ولكن
احبسه.
١٠ ما في كتاب عجائب احكامه عن محمد بن أبي عمير عن
معاوية بن وهب عن أبي عبد الله قال أتي عمر بن الخطاب بجارية شهدوا
أنها زنت وكانت يتيمة عند رجل كان كثيرا ما يغيب عن أهله، فشبت
اليتيمة فتخوفت امرأته أن يتزوجها زوجها فسقتها الخمر ودعت نسوة
فامسكنها وأخذت عذرتها بيدها فلما قدم زوجها رمتها بالفاحشة وأقامت
البينة جاراتها اللواتي ساعدنها على ذلك فرفع ذلك إلى عمر فقال للرجل
اذهب بنا إلى علي فقال علي لامرأة الرجل أ لك بينة قالت هؤلاء جاراتي
يشهدن بذلك، فأحضرتهم واخرج السيف من غمده وطرحه بين يديه ثم
أمر بكل واحدة فأدخلت بيتا، ودعا بامرأة الرجل فأدارها بكل وجه فابت
(٤٣٦)

أن تزول عن قولها فردها إلى البيت الذي كانت فيه، ودعا إحدى الشهود
وقال لها أ تعرفيني أنا علي بن أبي طالب وهذا سيفي وقد قالت امرأة الرجل
ما قالت ورجعت إلى الحق وأعطيتها الأمان وإن لم تصدقيني لأملأن السيف
منك، فالتفتت إلى عمر فقالت يا أمير المؤمنين الأمان على الصدق فقال لها
علي فاصدقي فقالت لا والله ولكنها لما رأت جمالا وهيأة خافت فساد زوجها
فسقتها المسكر ودعتنا فأمسكناها فافتضتها بإصبعها، فقال علي: الله
أكبر، وألزم على المرأة حد القاذف وألزمها جميع العقر وجعل عقرها
أربعمائة درهم وأمر بالمرأة أن تنفى من الرجل وطلقها زوجها وزوجه اليتيمة
وساق عنه علي المهر.
١١ ما عن كتاب اعلام الموقعين قال: رفعت إلى عمر قصة رجل
قتلته امرأة أبيه وخليلها فتردد عمر هل يقتل الكثير بالواحد فقال له علي
أ رأيت لو أن نفرا اشتركوا في سرقة جزور فاخذ هذا عضوا وهذا عضوا
أ كنت قاطعهم قال نعم قال فكذلك هذا فعمل عمر على رأيه وكتب إلى
عامله ان اقتلهما فلو اشترك أهل صنعاء كلهم فيه لقتلتهم.
١٢ ما في كتاب الأذكياء لابن الجوزي: أخبرنا سماك بن حرب
عن حنيش بن المعتمر أن رجلين استودعا امرأة من قريش مائة دينار وقالا لا
تدفعيها إلى أحد منا دون صاحبه حتى نجتمع، فلبثا حولا فجاء أحدهما
فقال إن صاحبي قد مات فادفعي إلي الدنانير فابت وقالت إنكما قلتما لا
تدفعيها إلى واحد منا دون صاحبه فتوسل إليها بأهلها وجيرانها قلم يزالوا
بها حتى دفعتها، ثم لبثت حولا فجاء الآخر فقال ادفعي إلي الدنانير فقالت إن
صاحبك جاءني فزعم أنك مت فدفعتها إليه، فاختصما إلى عمر بن
الخطاب فأراد أن يقضي عليها فقالت أنشدك الله أن ترفعنا إلى علي ففعل
فعرف علي انهما قد مكرا بها فقال أ ليس قلتما لا تدفعيها إلى واحد منا دون
صاحبه قال بلى قال مالك عندنا فجئ بصاحبك حتى ندفعها إليك.
١٣ ما في المناقب أيضا عن القاضي نعمان في شرح الأخبار عن
عمر بن حماد القناد باسناده عن أنس: قال كنت مع عمر بمنى إذ اقبل
اعرابي ومعه ظهر فقال لي عمر سله هل يبيعه فسألته قال نعم فاشترى منه
أربعة عشر بعيرا ثم قال يا أنس الحق هذا بالظهر فقال الأعرابي جردها من
أحلاسها وأقتابها فقال عمر إنما اشتريتيها بأحلاسها وأقتابها فاستحكما عليا
فقال كنت اشترطت عليه أقتابها وأحلاسها قال عمر لا قال فجردها فإنما لك
الإبل قال عمر يا أنس جردها وادفع أقتابها وأحلاسها إلى الأعرابي وألحقها
بالظهر ففعلت.
١٤ ما في المناقب أيضا عن الكتاب المذكور قال أبو عثمان
النهدي: جاء رجل إلى عمر فقال اني طلقت امرأتي في الشرك تطليقة وفي
الإسلام تطليقتين فما ترى فسكت عمر فقال له الرجل ما تقول قال كما أنت
حتى يجئ علي بن أبي طالب فجاء علي فسأله فقال هدم الإسلام ما كان
قبله هي عندك على واحدة.
١٥ ما في المناقب أيضا عن الكتابين المذكورين: عمر بن حماد
باسناده عن عبادة بن الصامت قال قدم قوم من الشام حجاجا فأصابوا دحي
نعامة فيه خمس بيضات وهم محرمون فشووهن وأكلوهن ثم قالوا ما نرانا إلا
وقد أخطأنا وأصبنا الصيد ونحن محرمون فاتوا المدينة وسألوا عمر فقال
انظروا إلى قوم من أصحاب رسول الله ص فاسألوهم فسألوا جماعة فاختلفوا
في الحكم بذلك فقال إذا اختلفتم فهاهنا رجل كنا امرنا إذا اختلفنا في
شئ ان نسأله فيحكم فيه، فاستعار أتانا من امرأة يقال لها عطية فركبها
وانطلق بالقوم معه حتى أتى عليا وهو بينبع فخرج إليه علي فتلقاه وقال هلا
أرسلت إلينا فنأتيك فقال الحكم يؤتى في بيته فسألوه فقال مرهم فليعمدوا
إلى خمس قلائص من الإبل فيطرقوها الفحل فإذا أنتجت اهدوا ما نتج منها
جزاءا عما أصابوا، فقال عمر يا أبا الحسن إن الناقة قد تجهض فقال علي
وكذلك البيضة قد تمرق، فقال عمر فلهذا امرنا ان نسالك.
١٦ قضاؤه في المجنونة التي فجر بها رجل
١٧ في التي ولدت لستة أشهر.
١٨ في الحامل التي زنت، وقد مرت القضايا الثلاث في الأمر الثالث
عشر من مناقبه وفضائله.
الشورى
لما طعن عمر في أواخر سنة ٢٣ جعل الامر شورى بين ستة علي
وعثمان وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف وقال إن
رسول الله ص مات وهو راض عن هذه الستة وفي رواية قال إنهم من أهل
الجنة وامر ان يؤخذ بأكثرية الأصوات فان تساوت رجح الجانب الذي فيه
عبد الرحمن بن عوف وامر أبا طلحة الأنصاري فقال كن في خمسين رجلا
من الأنصار حاملي سيوفكم فقف على باب البيت الذي فيه هؤلاء الستة
ليتشاوروا ويختاروا واحدا منهم فان اتفق خمسة وأبى واحد فاضرب عنقه وإن
اتفق أربعة وأبى اثنان فاضرب أعناقهما وإن اتفق ثلاثة وخالف ثلاثة فانظر
الثلاثة التي فيها عبد الرحمن بن عوف فارجع إلى ما قد اتفقت عليه فان
أصرت الثلاثة الأخرى على خلافها فاضرب أعناقها وإن مضت ثلاثة أيام
ولم يتفقوا على أمر فاضرب أعناق الستة ودع المسلمين يختاروا لأنفسهم.
وكان قد دعاهم فحضروا فوصف كل واحد منهم بوصف عابه به على ما
ذكره الجاحظ في كتاب السفيانية وذكره غيره في باب فراسة عمر فقال
للزبير: اما أنت فوقس لقس اي عياب مؤمن الرضا كافر الغضب يوما
انسان ويوما شيطان ولعلها لو أفضت إليك ظلت يومك تلاطم بالبطحاء
على مدمن شعير، وقال لطلحة: لقد مات رسول الله ص ساخطا عليك
بالكلمة التي قلتها يوم أنزلت آية الحجاب وهي قوله ما الذي يغنيه
حجابهن اليوم وسيموت غدا فننكحهن. وقال لسعد: إنما أنت صاحب
مقنب وصاحب قنص وقوس وأسهم وما زهرة والخلافة وأمور الناس. وقال
لعبد الرحمن بن عوف بعد ما مدح إيمانه: ليس يصلح هذا الامر لمن فيه
ضعف كضعفك. وقال لعلي: لله أنت لولا دعابة فيك اما والله لئن وليتهم
لتحملنهم على الحق الواضح والمحجة البيضاء. وقال لعثمان: كأني بك قد
قلدتك قريش هذا الامر فحملت بني أمية وبني أبي معيط على رقاب الناس
وآثرتهم بالفئ. وروى الطبري في تاريخه عن عمرو بن ميمون الأودي في
حديث قال ثم راحوا فقالوا يا أمير المؤمنين لو عهدت عهدا فقال كنت
أجمعت ان انظر فأولي رجلا امركم هو أحراكم أن يحملكم على الحق وأشار
إلى علي ورهقتني غشية فرأيت رجلا دخل جنة قد غرسها فجعل يقطف كل غضة
ويانعة فيضمه إليه ويصيره تحته فعلمت ان الله غالب امره ومتوف عمر فما
أريد ان أتحملها حيا وميتا عليكم هؤلاء الرهط الحديث. فلما دفن عمر
جمعهم أبو طلحة ووقف على باب البيت في خمسين من الأنصار حاملي
سيوفهم. فقال طلحة. قد وهبت حقي من الشورى لعثمان، فقال الزبير
قد وهبت حقي لعلي، فقال سعد بن أبي وقاص وانا قد وهبت حقي من
الشورى لابن عمي عبد الرحمن لأنهما من بني زهرة. فقال عبد الرحمن لعلي
(٤٣٧)

وعثمان أيكما يخرج نفسه من الخلافة ويكون إليه الاختيار فلم يتكلم منهما
أحد، فقال عبد الرحمن أشهدكم اني أخرجت نفسي من الخلافة على أن
اختار أحدهما، فقال لعلي أبايعك على كتاب الله وسنة رسوله وسيرة
الشيخين فقال بل على كتاب الله وسنة رسوله واجتهاد رأيي. وفي رواية
الطبري على كتاب الله وسنة رسوله وسيرة الخليفتين من بعده فقال أرجو ان
افعل وأعمل بمبلغ علمي وطاقتي. وفي رواية أخرى للطبري قال اللهم لا
ولكن على جهدي من ذلك وطاقتي. وفي رواية ابن الأثير في أسد الغابة
أبايعك على كتاب الله وسنة نبيه وسيرة الشيخين فيما استطعت فعدل
إلى عثمان فقال أبايعك على كتاب الله وسنة نبيه وسيرة الشيخين
قال نعم فبايعه فقال السلام عليك يا أمير المؤمنين. قال الطبري
فقال علي حبوته حبو دهر، ليس هذا أول يوم تظاهرتم فيه
علينا فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون. فقال عبد الرحمن
يا علي لا تجعل على نفسك سبيلا، فقال المقداد: يا عبد
الرحمن اما والله لقد تركته يعني عليا من الذين يقضون بالحق وبه
يعدلون فقال يا مقداد لقد اجتهدت للمسلمين فقال المقداد ما رأيت
مثل ما اتي إلى أهل هذا البيت بعد نبيهم اني لأعجب من قريش انهم
تركوا رجلا ما أقول إن أحدا اعلم ولا اقضى منه بالعدل اما والله لو أجد
أعونا اه ويقال ان عليا قال له و الله ما فعلتها إلا لأنك رجوت منه مثل
ما رجا صاحبكما من صاحبه دق الله بينكما عطر منشم مثل يضرب لشدة
العداوة قيل ففسد بعد ذلك بين عثمان وعبد الرحمن فلم يكلم أحدهما
صاحبه حتى مات عبد الرحمن. وفي تاريخ أبي الفداء لما أحدث عثمان ما
أحدث من توليته الأمصار للأحداث من أقاربه روي أنه قيل لعبد
الرحمن بن عوف هذا كله فعلك فقال لم أظن به هذا لكن الله علي ان لا
أكلمه ابدا ومات عبد الرحمن وهو مهاجر لعثمان ودخل عليه عثمان عائدا
في مرضه فتحول إلى الحائط ولم يكلمه اه.
وفي القصة أمور تستلفت النظر الأول ان الخليفة قد عاب كلا من
الخمسة بأمر يبعده عن الخلافة ولم يقل في حق علي إلا أن فيه دعابة وليس
فيها ما يضر ان لم تكن صفة مدح وشهد له مؤكدا بالقسم بأنه ان لو وليهم
ليحملنهم على الحق الواضح والمحجة البيضاء وانه أحرى ان يحملهم على
الحق واعتذر عن عدم توليته بأنه لا يريد ان يتحملها حيا وميتا مع أن جعل
الأمر شورى بين ستة لا يخرجه عن تحملها ميتا الثاني انه عند التساوي
بترجيح الجانب الذي فيه عبد الرحمن مع شهادته لعلي بأنه ان وليهم يحملهم
على الحق الواضح والمحجة البيضاء فأحرى ان يرجح عند التساوي الجانب
الذي هو فيه الثالث انه أمر بقتل من خالف منهم وبقتل الستة ان لم
يتفقوا وقد شهد لهم بان رسول الله ص مات وهو راض عنهم بأنهم من أهل
الجنة مع قوله لطلحة ان رسول الله مات وهو ساخط عليك الرابع إن
عليا لم يكن له في ظاهر الحال إلا صوتان من الستة صوته وصوت الزبير
والأربعة الباقية ليست في جانبه فطلحة لا يريده وعبد الرحمن كان
صهر عثمان لأن أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط كانت
زوجة عبد الرحمن وهي مع ذلك أخت عثمان من أمه، وسعد لا يخالف عبد
الرحمن إذ كلاهما من بني زهرة وسعد لم يكن له هوى في علي ولما بويع
بالخلافة لم يبايعه ولذلك قال علي فيما رواه الطبري لقوم كانوا معه من بني
هاشم ان أطيع فيكم قومكم لم تؤمروا ابدا وقال للعباس عدلت عنا فقال
وما علمك قال قرن بي عثمان وقال كونوا مع الأكثر فان تساووا فكونوا مع
الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف فسعد لا يخالف ابن عمه عبد الرحمن
وعبد الرحمن صهر عثمان فلو كان الآخران معي لم ينفعاني بله اني لا أرجو
إلا أحدهما.
فالمتامل في ذلك يظهر له انه لم يكن المقصود من الشورى: الشورى
بل تثبيت خلافة عثمان بوجه قانوني محكم.
اما ما يذكره بعض المؤرخين من مجابهة العباس عليا بعد هذا الكلام
بقوله: لم أرفعك في شئ إلا رجعت إلي مستأخرا بما أكره أشرت عليك
عند وفاة رسول الله ص ان تسأله فيمن هذا الأمر فأبيت وأشرت عليك بعد
وفاته ان تعاجل الامر فأبيت وأشرت عليك حين سماك عمر في الشورى ان
لا تدخل معهم فأبيت الحديث فباطل أولا إن العباس كان اعرف
بمقام علي وأشد تعظيما له من أن يجابهه بمثل هذا الكلام ثانيا ان العباس
نفسه سال النبي ص هل يكون الامر فيهم بعده فقال له ص أنتم المستضعفون
بعدي فكيف يلوم عليا على عدم سؤاله ثالثا إن النبي ص طلب في
مرضه دواة وكتفا ليكتب لهم ما لا يضلون بعده فلم يفعلوا فما فائدة سؤال
علي له رابعا قد أجاب علي ع العباس عن الأمر الثاني يوم
وفاة النبي ص بقوله لم أكن لأدع رسول الله ص بلا دفن وأشتغل بذلك
فكيف يلومه عليه ثانيا خامسا كيف يلومه على الدخول في الشورى ولم
يكن ذلك اختيارنا بظاهر الحال. وروى الطبري في تاريخه ان عليا
خطب عند اجتماع القوم للشورى فقال الحمد لله الذي بعث محمدا منا نبيا
وبعثه إلينا رسولا فنحن بيت النبوة ومعدن الحكمة وأمان أهل الأرض ونجاة
لمن طلب لنا حق ان نعطه نأخذه وان نمنعه نركب إعجاز الإبل ولو طال
السرى لو عهد إلينا رسول الله ص عهدا لأنفذنا عهده ولو قال لنا قولا
لجادلنا عليه حتى نموت لن يسرع أحد قبلي إلى دعوة حق وصلة رحم ولا
حول ولا قوة إلا بالله اسمعوا كلامي وعوا منطقي عسى ان تروا هذا الامر
من بعد هذا المجمع تنتضي فيه السيوف وتخان فيه العهود حتى تكونوا جماعة
ويكون بعضكم أئمة لأهل الضلالة وشيعة لأهل الجهالة ثم أنشأ يقول:
- فان تك جاسم هلكت فاني * بما فعلت بنو عبد بن ضخم -
- مطيع في الهواجر كل عي * بصير بالنوى من كل نجم اه -
سنة ٣٠ من الهجرة
اخباره المتعلقة بأبي ذر الغفاري في خلافة عثمان
قد ذكرنا ما يتعلق بنفي أبي ذر إلى الشام ثم إلى الربذة في ترجمته في
الجزء ١٦ من هذا الكتاب ونذكر منها هنا ما له ارتباط بالمقام. وذلك أن أبا
ذر نفي إلى الشام ثم أعيد منها إلى المدينة ثم نفي إلى الربذة. قال الطبري
في تاريخه في حوادث ٣٠ من الهجرة فيها كان اشخاص أبي ذر من الشام
إلى المدينة وقد ذكر في سبب اشخاصه أمور كرهت ذكر أكثرها اه.
وروى المفيد في المجالس عن علي بن بلال عن علي بن عبد الله الأصفهاني
عن الثقفي عن محمد بن علي عن الحسين بن سفيان عن أبيه عن أبي
جهضم الأودي عن أبيه في حديث طويل انه لما نفي أبو ذر إلى الربذة أمر
عثمان ان لا يشيعه أحد من الناس فبلغ ذلك علي بن أبي طالب ع
فبكى ثم قال أ هكذا يصنع بصاحب رسول الله إنا لله وإنا إليه راجعون ثم
نهض ومعه الحسن والحسين وعبد الله والفضل وقثم وعبيد الله بنو العباس
حتى لحقوا أبا ذر فشيعوه فلما بصر بهم حن إليهم وبكى وقال بأبي وجوه إذا
رأيتها ذكرت بها رسول الله ص و شملتني البركة برؤيتها ثم رفع يديه إلى
السماء وقال اللهم إني أحبهم ولو قطعت إربا إربا في محبتهم ما زلت عنها
(٤٣٨)

ابتغاء وجهك والدار الآخرة فارجعوا رحمكم الله والله أسال ان يخلفني فيكم
أحسن الخلافة فودعه القوم ورجعوا وهم يبكون على فراقه اه.
وحكى ابن أبي الحديد في شرح النهج عن رواية الواقدي ان أبا ذر
دخل على عثمان بعد رجوعه من الشام قال له عثمان في جملة كلام دار
بينهما أنت الذي تزعم انا نقول يد الله مغلولة وإن الله فقير ونحن أغنياء
فقال لو كنتم لا تقولون هذا لأنفقتم مال الله على عباده - إلى أن قال -
فغضب عليه عثمان وقال أشيروا علي في هذا الشيخ الكذاب فتكلم علي
وكان حاضرا فقال أشير عليك بما قال مؤمن آل فرعون فان يك كاذبا
فعليه كذبه وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم ان الله لا يهدي من
هو مسرف كذاب قال فاجابه عثمان بجواب غليظ واجابه علي بمثله ولم
نذكر الجوابين تذمما منهما اه وقال الواقدي فقال له عثمان امض على
وجهك هذا فلا تعدون الربذة فخرج إليها. وقد وجدنا كيفية اخراج أبي
ذر إلى الربذة في أوراق من كتاب مخطوط من تاليف أبي محنف ورواها أبو
بكر الجوهري في كتاب السقيفة بنحو مما ذكره أبو مخنف وربما وجدت في
أحدهما زيادة عن الآخر لا تغير المعنى ونحن ننقل مجموعها من الكتابين وإذا
كان في أحدهما زيادة ذكرناها قال ابن أبي الحديد: روى أبو بكر أحمد بن
عبد العزيز الجوهري في كتاب السقيفة عن عبد الرزاق عن أبيه عن عكرمة
عن ابن عباس قال لما اخرج أبو ذر إلى الربذة أمر عثمان فنودي في الناس
ان لا يكلم أحد أبا ذر ولا يشيعه وامر مروان ان يخرج به فتحاماه الناس إلا
علي بن أبي طالب وعقيلا أخاه وحسنا وحسينا وعمارا فإنهم خرجوا معه
يشيعونه فجعل الحسن يكلم أبا ذر فقال مروان إيها يا حسن ألا تعلم أن
أمير المؤمنين قد نهى عن كلام هذا الرجل فان كنت لا تعلم فاعلم ذلك
فحمل علي على مروان فضرب بالسوط بين أذني راحلته وقال تنح لحاك الله
إلى النار فرجع مروان مغضبا إلى عثمان فأخبره الخبر فتلظى على علي ووقف
أبو ذر فودعه القوم ومعهم أبو ذكوان مولى أم هانئ بنت أبي طالب فحفظ
كلام القوم وكان حافظا فقال علي ع يا أبا ذر انك غضبت لله ان القوم
خافوك على دنياهم وخفتهم على دينك فامتحنوك بالقلى ونفوك إلى الفلا.
والله لو كانت السماوات والأرض على عبد رتقا ثم اتقى الله لجعل له منها
مخرجا. يا أبا ذر لا يؤنسنك إلا الحق ولا يوحشنك إلا الباطل، ثم قال
لأصحابه: ودعوا عمكم فودعوه بما ذكر في ترجمته. قال الجوهري وأبو
مخنف ورجع القوم إلى المدينة فجاء علي إلى عثمان ما حملك على رد رسولي
وتصغير أمري فقال علي اما رسولك فأراد ان يرد وجهي فرددته واما امرك
فلم أصغره فقال عثمان أ ما بلغك نهيي عن كلام أبي ذر وتقدمي إلى الناس
أن لا يشيعوه قال علي أ وكلما أمر بأمر معصية أطعناك فيه لا لعمر الله ما
نفعل ذاك قال عثمان اقد مروان من نفسك قال مما ذا قال من شتمه وضرب
راحلته قال اما راحلته فراحلتي بها فان أراد ان يضربها فليفعل واما شتمه
إياي فوالله لا يشتمني شتمة إلا شتمتك مثلها بما لا اكذب فيه عليك
فغضب عثمان وقال لم لا يشتمك كأنك خير منه فوالله ما أنت عندي
بأفضل منه فغضب علي وقال إلي تقول هذا يا عثمان وبمروان الطريد ابن
الطريد تعدلني فانا والله أفضل منه ومنك وأبي أفضل من أبيك وأمي
أفضل من أمك وبي جلست مجلسك هذا وهذه نبلي نبلتها فهلم نبلك فانتبل
فغضب عثمان واحمر وجهه وقام فدخل وانصرف علي واجتمع إليه أهل بيته
ورجال من المهاجرين والأنصار فلما كان من الغد اجتمع إلى عثمان أهل بيته
ودخل عليه الناس وفي رواية الجوهري انه ارسل إلى وجوه المهاجرين
والأنصار وإلى بني أمية فشكا إليهم عليا وقال إنه يبغي لي الغوائل ويظاهر
علي من يعيبني ويعرض في أمري ويرد علي رأيي قالوا فاصلح هذا برفقك
فإنه ابن عمك (وفي رواية الجوهري فقالوا أنت الوالي عليه وإصلاحه أجمل
قال وددت ذاك) قال فائتوه فاسألوه ان يمشي إلى مروان ويعتذر إليه فاتوا
عليا فذكروا له ذلك فقال اما مروان فلا أمشي والله إليه معتذرا ولا حبا ولا
كرامة ولكن إن أردتم ان امشي إلى عثمان فعلت فاتوا بذلك إلى عثمان
فقال مروان يا أمير المؤمنين انه لو مشى إلي لما جعلت الأمر إلا إليك فإذا
أرضاك فقد رضيت فأرسل إليه عثمان فاتاه ومعه بنو هاشم فتكلم علي
فحمد الله وأثنى عليه وصلى على نبيه محمد ثم قال: اما بعد فإنك ظننتني في
تشييعي أبا ذر ووداعه واني والله الذي لا إله إلا هو ما أردت بذاك مساءتك
ولا الخلاف عليك وما شيعته ولا ودعته إلا إرادة ان أؤدي من حقه ما يجب
على المسلم ان يؤدي من حق أخيه المسلم عند شخوصه في سفره أو قدومه
وأما ما استقبلت به مروان فإنه استعرضني ليردني عن قضاء حق الله فرددته
رد مثلي مثله وإنما كان ذلك كالأدب مني له ان لا يرد مسلما عن إداء حق
من حقوق الله عليه وأما ما كان بيني وبينك فإنك عجلت علي وأجحفت
ففرط مني ما لم أكن أحب ان يفرط وانا استغفر الله لي ولكم.
فتكلم عثمان فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: اما بعد ما مشيت إلي
فيه فقد حمدتك على ذلك ووهبت لك ما كان منك واما ما كان منك إلى
مروان فقد عفا لك عنه واما ما حلفت عليه فأنت البر الصادق فادن يدك
فاخذ يده فضمها إلى صدره. ولما خرج علي من عند عثمان أقبلت سفهاء
قريش وبنو أمية على عثمان فقالوا أنت رجل قريش حقرك علي وضرب
راحلتك وقد تفانت وائل في ضرع ناقة وهمدان في قتل قيس وعبس وذبيان
في لطمة فرس والأوس والخزرج في تسعة رحل وتحتمل من علي صنعه بك
فدعوا إلى حمية الجاهلية قال أبو مخنف: فقال مروان اما والله ان أردت
تلك منه ما قدرت عليها ولو قدرت لكان ضربي البهيمة عبثا وشتمي عليا
سفها وما ذاك علي بعار انه الأمير المطاع والامام المسيطر وإنني لأرجوه للتي
ما أرجو لها أحدا من قريش وقال مروان في ذلك:
- وان عليا لا أريد مساءه * ففي كل يوم منه خطبة عائب -
- تقول قريش ما لمروان ساكتا * وما بي عي عن لؤي بن غالب -
- وإني لأجراهم إلى الغاية التي * تقصر عنها سابقات الحلائب -
- واصدع ما لا يستطيعون صدعه * وأشعب ما يعيا على كل شاعب -
- ولكنني أرعي له فضل مثله * وأكره ما فيه دبيب العقارب -
- وأرجوه للأمر الذي ليس غيره * له من قريش عند ضربة لازب -
- وما في قريش مثله لملة * تشيب لحاميها رؤوس الكواعب -
- على أن فيه نخوة هاشمية * لتلك التي نرجو بها في العواقب -
- فان ملكتكم هاشم فالنجا النجا * وتلك التي فيها اجتباب الغوارب -
- فيخلو لكم و الراقصات إلى منى * بركبانها مثل النعام الخواضب -
- فتلك التي فيها عليهم إليه * وشر حروب القوم حرب الأقارب -
- وقال رجال رد مروان حقرة * وأدمى بسوط خير رأس الركائب -
- فقلت لهم ردي وضرب مطيتي * لاهون من لبسي ثياب المحارب -
- وقطعي بكفي منه كفا طويلة * لها نبا ما بين بصرى وقارب -
- وقلت دعوني لا أبا لأبيكم * فلست لكم فيما ترون بصاحب -
قال أبو مخنف: وأخبرني عبد الملك بن نوفل عن أبي سعيد المقبري
قال لما انصرف علي من تشييع أبي ذر استقبله الناس فقالوا يا أبا الحسن
(٤٣٩)

غضب عليك عثمان لتشييعك أبا ذر فقال علي غضب الخيل على صم
اللجم. وروى الشيخ الطوسي في الأمالي في جملة حديث ان أبا ذر لما
خرج إلى الربذة أقام مدة ثم اتى المدينة فدخل على عثمان والناس عنده
سماطان فقال يا أمير المؤمنين أخرجتني من أرضي إلى ارض ليس بها زرع
ولا ضرع إلا شويهات وليس لي خادم إلا محررة ولا ظل يظلني إلا ظل
شجرة فاعطني خادما وغنيمات أعيش فيها فحول وجهه عنه فتحول إلى
السماط الآخر فقال مثل ذلك فقال له حبيب بن سلمة لك عندي ألف
درهم وخادم وخمسمائة شاة قال أبو ذر اعط خادمك والفك وشويهاتك من
هو أحوج إلى ذلك مني فاني إنما أسال حقي في كتاب الله فجاء علي فقال له
عثمان ألا تغني عني سفيهك هذا قال اي سفيه قال أبو ذر قال علي ليس
بسفيه سمعت رسول الله ص يقول ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء
أصدق لهجة من أبي ذر أنزله بمنزلة مؤمن آل فرعون إن يك كاذبا فعليه
كذبه وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم اه.
خبره مع عثمان وعبد الله بن مسعود
كان عبد الله بن مسعود يطعن على عثمان، قال المرتضى في
الشافي: لا يختلف أهل النقل في طعن ابن مسعود على عثمان وقوله فيه
أشد الأقوال وأعظمها ثم اورد في ذلك عدة روايات قال أبو مخنف حدثني
نمير بن وعلة الرقاشي من همدان عن الشعبي عن ضبعة بن قيس البكري
قال إني لفي مسجد رسول الله ص إذ دخل عبد الله بن مسعود المسجد
مقدمه من الكوفة إلى أن قال فقال له عثمان اخرج من مسجدنا يا ابن
مسعود فقال أ تخرجني من مسجد رسول الله ص قال اخرج منه كما تؤمر قال
لا افعل فامر غلاما له يقال له يحموم فاحتمله فأخرجه فضرب به الأرض
فكسر ضلعا من اضلاعه بعد ضرب شديد فلبث طويلا مغشيا عليه فخرج
إليه علي بن أبي طالب وامر ابنه الحسن فاتى بماء فصب على وجهه ثم احتمله
في أناس من أهل بيته وغيرهم اه ولهذا كان الحجاج يقول ما اعلم
أحدا يقرأ بقراءة ابن مسعود الا حككتها من المصحف ولو بضلع خنزير
وكان مجئ ابن مسعود من الكوفة إلى المدينة أيام ولاية الوليد بن عقبة على
الكوفة ما بين سنة ٢٥ ٣٠.
خبره مع الوليد بن عقبة حين شرب الوليد الخمر
كان الوالي في سنة ٣٠ على الكوفة الوليد بن عقبة بن أبي معيط
ذكوان بن أمية بن عبد شمس وهو أخو عثمان لأمه أمهما أروى بنت كريز
وكان قد وليها سنة ٢٥ بعد سعد بن أبي وقاص فلما كانت هذه السنة سكر
الوليد وصلى الصبح باهل الكوفة أربعا ثم التفت إليهم وقال أزيدكم؟
فقال ابن مسعود ما زلنا معك في زيادة منذ اليوم وتقيا الخمر في المحراب
فاخذوا خاتمه من يده وهو لا يشعر وجاءوا إلى المدينة فشهدوا عليه بشرب
الخمر عند عثمان فقال لعلي أقم عليه الحد فامر علي ابنه الحسن بجلده فقال
الحسن: ول حارها من تولى قارها فجلده علي وقيل أمر عبد الله بن جعفر
فجلده قيل أربعين والثابت في الجلد ثمانون. وروى ابن عبد البر في
الاستيعاب بسنده عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر قال جلد علي الوليد بن
عقبة في الخمر أربعين جلدة بسوط له طرفان قال وأضاف الجلد إلى علي لأنه
أمر به اه وكان جلده بسوط له طرفان قائما مقام جلده ثمانين قال ابن
الأثير وكان على الوليد خميصة فامر علي بن أبي طالب بنزعها لما جلد وفي
ذلك يقول الحطيئة:
- شهد الحطيئة يوم يلقى ربه * ان الوليد أحق بالعذر -
- نادى وقد تمت صلاتهم * أ أزيدكم سكرا وما يدري -
- فأبوا أبا وهب ولو أذنوا * لقرنت بين الشفع والوتر -
- كفوا عنانك إذ جريت ولو * تركوا عنانك لم تزل تجري -
وفي الاستيعاب: من حديث الحكم عن سعيد بن جبير عن ابن
عباس قال نزلت في علي بن أبي طالب والوليد بن عقبة في قصة ذكرها
أ فمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون.
سنة ٣١ ٣٣
خبره في قصة رسول الكوفيين إلى عثمان في امارة سعيد بن العاص على
الكوفة
ومن اخباره في خلافة عثمان في خبر أبي ربيعة العنزي الذي أرسله
جماعة من أهل الكوفة برسالة إلى عثمان يذكرون فيها أمورا نقموها عليه
ويطلبون إليه الاقلاع عنها وذلك في امارة سعيد بن العاص على الكوفة
وكانت امارته عليها سنة ٣٠ من الهجرة بعد عزل الوليد بن عقبة عنها وبقي
واليا عليها إلى آخر سنة ٣٣ ولا يدري في أي سنة منها كان ذلك قال أبو
مخنف كما في كتابه المخطوط المتقدم إليه الإشارة: كان أول من كتب إليه في
امارة سعيد بن العاص جماعة وعدهم اثني عشر رجلا منهم حجر بن عدي
وعمرو بن الحمق وسليمان بن صرد في رجال من أهل الكوفة ونساكهم
وذوي بأسهم ينصحونه ويطلبون إليه الرجوع عن صرف قرائهم وخيارهم
وقسمة فيئهم بين أشرارهم ويقولون أنت أميرنا ما عبدت الله وأطعته
وأحييت ما في كتابه وكان القريب والبعيد عندك في الحق سواء وسنذكر
الكتاب بتمامه في ترجمة كعب بن ذي الحبكة عبدة النهدي وقالوا لا نحب
أن يعرفنا عثمان لأنا لا نأمنه على أنفسنا فمن يبلغ عنا كتابنا لا يبالي ما اتي
إليه من قتل أو ضرب أو حبس أو تسيير فقام رجل من عنزة يكنى أبا ربيعة
وقال هاتوا كتابكم فقد عزم الله لي على الصبر على هذه الخصال فقام
كعب بن ذي الحبكة النهدي وهو كعب بن عبدة وكان ناسكا متعبدا فقال
والله لأكتبن إليه باسمي ونسبي بالغا عنده ما بلغ فكتب إليه كتابا يأتي
بنصه في ترجمة كعب وجاء ليدفعه إلى العنزي فوجده قد مضى فلحقه
فوجده قد قرب من العذيب فأعطاه الكتاب ومضى العنزي حتى دخل
المدينة واتى عثمان فدفع إليه كتاب أهل الكوفة فلما قرأه التمع لونه وتمغر
وجهه وقال من كتب هذا الكتاب قال اجتمع عليه عامة قراء أهل الكوفة
وأهل الصلاح والفضل في الدين والنسك قال كذبت بل كتبه السفهاء وأهل
البغي والجهل قال خبرني من هم قال ما انا بفاعل قال والله إذا أوجع
جنبيك وأطيل حبسك قال أظن انك ستفعل والله ما جئتك حتى ظنت
نفسي بجميع ما ذكرت قال وهذا كتاب آخر فاقرأه قبل أن تبسط علي
العذاب فاخذه وقرأه فقال من كعب بن عبيدة؟ قال قد نسب لك نفسه قال
فمن أي قبيلة هو قال ما انا بمخبرك عنه الا بما أخبرك عن نفسه، فقال
عثمان لكثير بن شهاب الحارثي هل تعرف كعب بن عبدة؟ قال نعم، ذاك
رجل من بني نهد فامر عثمان بالعنزي فجرد وعلي بن أبي طالب حاضر فقال
سبحان الله أ تضرب الرسول؟ انما هو رجل جاء بكتاب أو رسالة حملها فلم
يجب عليه ضرب بل الرسول يحبى ولا يجفى قال فترى أن نحبسه؟ قال ما
ارى حبسه فخلى سبيله وانصرف العنزي فما راعهم وهم ينتظرون قادما
يقدم عليهم فيأتيهم بخبره إذ طلع عليهم، فما بقي بالكوفة أحد الا اتاه
(٤٤٠)

ممن كان على رأيه وعظم العنزي في أعينهم فسألوه فأخبرهم بما قال وما قيل
له وأحسن القول في علي والثناء عليه.
بعث سعيد بن العاص بهدايا إلى المدينة وإلى علي
ومن اخباره في خلافة عثمان أمر الهدية التي بعث بها إليه سعيد بن
العاص أيام ولايته على الكوفة من قبل عثمان في جملة من بعث إليهم، ومر
أن ولاية سعيد هذا على الكوفة كانت سنة ثلاثين إلى آخر سنة ٣٣، ولا
يدري في أي سنة منها كان ذلك.
روى أبو الفرج الأصفهاني في كتاب الأغاني ج ١١ ص ٢٩ ٣٠
بسنده عن الحارث بن حبيش قال: بعثني سعيد بن العاص أيام ولايته
على الكوفة من قبل عثمان بهدايا إلى المدينة وبعثني إلى علي ع
وكتب إليه: اني لم ابعث إلى أحد بأكثر مما بعثت به إليك الا أشياء في
خزائن أمير المؤمنين، قال: فاتيت عليا فأخبرته فقال لشد ما تحظر بنو أمية
تراث محمد ص، اما والله لئن وليتها لأنفضنها نفض القصاب التراب
الوذمة، قال أبو جعفر الطبري هذا غلط انما هو الوذام التربة. وبسنده
بعث سعيد بن العاص مع ابن أبي عائشة مولاه بصلة إلى علي بن أبي طالب
ع فقال: والله لا يزال غلام من غلمان بني أمية يبعث إلينا مما
أفاء الله على رسوله بمثل قوت الأرملة والله لئن بقيت لأنفضنها نفض
القصاب الوذام التربة، هكذا في هذه الرواية اه. وفي النهاية قال
الأصمعي: سألني شعبة عن هذا الحرف فقلت ليس هو هكذا انما هو
نفض القصاب الوذام التربة.
تفسير الغريب في هذا الخبر
قوله لشد ما تحظر الخ تحظر من الحظر وهو المنع أي لشد ما حازوه
ومنعوه غيرهم أو من الحظيرة وهي الموضع الذي يحاط عليه فيمنع ذلك من
دخوله، اي لشد ما جعلوا حظيرة على تراثه ومنعونا منه. والضميران في
لئن وليتها لأنفضنها يمكن رجوعهما إلى الخلافة أو إلى بني أمية أو بالاختلاف
أي لئن وليت الخلافة لأنفضن الخلافة وأنقيها مما دنسها، أو لئن وليت بني
أمية لأنفضن بني أمية، والظاهر الوجهان الأولان، ومما فعله لما ولي الخلافة
رد قطائع عثمان إلى بيت المال.
والقصاب بتشديد الصاد المهملة والرواية قد رويت بوجهين كما
سمعت والطبري قال إن روايتها على الوجه الأول غلط من الرواة والصواب
الوجه الثاني، وابن الأثير في النهاية تكلف في تفسيرها على الوجه الأول
فقال: التراب بكسر التاء جمع ترب بسكون الراء تخفيف ترب
بكسرها يريد اللحوم التي تعفرت بسقوطها في التراب، والوذمة المتقطعة
الأوذام وهي السيور التي تشد بها عرى الدلو وقيل أراد بالقصاب السبع
والتراب أصل ذراع الشاة، والسبع إذا اخذ الشاة قبض على ذلك المكان
ثم نفضها اه فأنت ترى عدم المناسبة بين تفسير التراب وتفسير الوذمة
على التفسير الأول والتكلف الظاهر في التفسير الثاني، اما على الوجه الثاني
للرواية ففي القاموس الوذمة محركة المعى والكرش جمعها وذام ككتاب
اه والتربة التي سقطت في التراب فان القصاب ينفضها حينئذ لينقيها
من التراب. والرواية لما أخطأ فيها بعض الرواة فقلبها تكلف العلماء في
تفسيرها بهذه التكلفات.
اخباره المتعلقة بمقتل عثمان
قال الطبري في تاريخه ما حاصله: إنه لما نقم الناس على عثمان ما
نقموا، استدعى عماله وفيهم معاوية، فلما خرج معاوية من عند عثمان
مر على نفر من المهاجرين فيهم علي وطلحة والزبير فقال إنكم تعلمون أن
هذا الأمر كان الناس يتغالبون عليه حتى بعث الله نبيه فتفاضلوا بالسابقة
والقدمة والجهاد فان أخذوا بذلك فالأمر امرهم والناس لهم تبع، وإن
طلبوا الدنيا بالتغالب سلبوا ذلك ورده الله إلى غيرهم وإن الله على البدل
لقادر، واني قد خلفت فيكم شيخا فاستوصوا به خيرا وكانفوه تكونوا أسعد
منه بذلك، فقال علي: كنت ارى في هذا خيرا، فقال الزبير: والله ما
كان أعظم قط في صدرك وصدورنا منه اليوم، قوله كنت ارى في هذا
خيرا أي فبأن لي أنه لا خير فيه، وهذا كلام يقوله من يريد بيان أن الحال
الأخيرة أفظع من الأولى ولا يلزمه أنه كان يرى فيه خيرا حقيقة، وقول
الزبير ما كان أعظم الخ يريد به أن كلامه تهديد لهم. قال ابن أبي
الحديد: من هذا اليوم أنشب معاوية أظفاره في الخلافة لأنه غلب على ظنه
قتل عثمان، ألا ترى إلى قوله وإن طلبوا الدنيا بالتغالب سلبوا ذلك ورده
إلى غيرهم وهو على البدل لقادر، وإنما يعني نفسه ولذا تربص بنصرة
عثمان لما استنصره. وقال الواقدي: لما اجلب الناس على عثمان وكثرت
القالة فيه خرج ناس من مصر في ألفين وكان هواهم في علي وناس من
الكوفة في ألفين وكان هواهم في الزبير، وناس من أهل البصرة ولم يذكر
عددهم وكان هواهم في طلحة ومنه يعلم أن تشيع أهل مصر أقدم من
تشيع أهل الكوفة وانما فشا التشيع في الكوفة بعد توطن أمير المؤمنين علي
لها فنزل المصريون ذا خشب والعراقيون ذا المروة، وروى الطبري قال:
لما نزل المصريون ذا خشب يريدون قتل عثمان إن لم ينزع عما يكرهون،
وعلم عثمان ذلك جاء إلى منزل علي فقال: يا ابن عم إن قرابتي قريبة ولي
عليك حق وقد جاء ما ترى من هؤلاء القوم وهم مصبحي ولك عند الناس
قدر وهم يسمعون منك وأحب أن تركب إليهم وتردهم عني فان في دخولهم
علي وهنا لأمري وجرأة علي، فقال علي على أي شئ أردهم قال على أن
أصير إلى ما أشرت به ورأيته لي، فقال علي اني قد كلمتك مرة بعد أخرى
فكل ذلك تخرج وتقول وتعد ثم ترجع وهذا من فعل مروان ومعاوية وابن
عامر وعبد الله بن سعد فإنك أطعتهم وعصيتني، فقال عثمان اني اعصيهم
وأطيعك، فامر علي الناس أن يركبوا معه فركب ثلاثون رجلا من
المهاجرين والأنصار فاتوا المصريين فكلموهم فكان الذي يكلمهم علي
ومحمد بن مسلمة فسمعوا منهما ورجعوا باصحابهم يطلبون مصر ورجع علي
حتى دخل على عثمان فأشار عليه أن يتكلم بكلام يسمعه الناس منه
ليسكنوا إلى ما يعدهم به من النزوع وقال له ان البلاد قد تمخضت عليك
ولا آمن أن يجئ ركب من جهة أخرى فتقول لي يا علي اركب إليهم فإن لم افعل
رأيتني قد قطعت رحمك واستخففت بحقك فخرج عثمان فخطب
الخطبة التي اعطى الناس فيها من نفسه التوبة وقال لهم انا أول من اتعظ
واستغفر الله عما فعلت وتاب إليه فليأتني أشرافكم فليروا رأيهم وليذكر كل
واحد ظلامته لأكشفها وحاجته لأقضيها والله لأعطينكم الرضا ولأنحين
مروان وذويه، فلما نزل وجد مروان وسعدا ونفرا من بني أمية في منزله وقد
بلغتهم خطبته فقال مروان أ أتكلم أم اسكت فقالت نائلة بنت الفرافصة
امرأة عثمان لا بل تسكت فأنتم والله قاتلوه وميتموا أطفاله قد قال مقالة لا
ينبغي له أن ينزع عنها فقال لها مروان وما أنت وذاك وذم أباها فعرضت بذم
(٤٤١)

أبيه فاعرض عنه عثمان ثم عاد فقال أتكلم أم اسكت فقال تكلم فقال بأبي
أنت وأمي والتفدية بالأب والأم لها قيمتها في الخداع والله لوددت أن
مقالتك هذه كانت وأنت ممتنع ولكنك قلت ما قلت وقد بلغ الحزام الطبيين
ما زدت على أن جرأت عليك الناس فقال عثمان إن الفائت لا يرد ولم آل
خيرا قال إن الناس قد اجتمعوا ببابك أمثال الجبال قال ما شأنهم قال أنت
دعوتهم فهذا يذكر مظلمة وهذا يطلب مالا وهذا يسال نزع عامل قال
فاخرج أنت إليهم فكلمهم فاني استحي أن أكلمهم واردهم فخرج مروان
إلى الناس فقال ما شأنكم قد اجتمعتم كأنكم جئتم لنهب شاهت الوجوه
أ تريدون أن تنزعوا ملكنا من أيدينا أغربوا عنا وتهددهم فرجع الناس خائبين
يشتمون عثمان ومروان واتى بعضهم عليا فأخبره الخبر فاقبل علي على عبد
الرحمن بن الأسود الزهري فقال أ حضرت خطبة عثمان قال نعم قال
أ فحضرت مقالة مروان للناس قال نعم فقال اي عباد الله يا لله للمسلمين
اني ان قعدت في بيتي قال لي تركتني وخذلتني وإن تكلمت فبلغت له ما يريد
جاء مروان يلعب به حتى قد صار سيقة له يسوقه حيث يشاء بعد كبر السن
وصحبة الرسول وقام مغضبا من فوره حتى دخل على عثمان فقال له أ ما
يرضى مروان منك الا أن يحرفك عن دينك وعقلك فأنت معه كجمل
الظعينة يقاد حيث يسار به والله ما مروان بذي رأي في دينه ولا عقله واني
لأراه يوردك ثم لا يصدرك وما انا بعائد بعد مقامي هذا لعاتبتك أفسدت
شرفك وغلبت على رأيك، ثم نهض، فدخلت نائله بنت الفرافصة فقالت
قد سمعت قول علي لك وانه ليس براجع إليك ولا معاود لك وقد أطعت
مروان يقودك حيث يشاء، قال فما اصنع؟ قالت تتقي الله وتتبع سنة
صاحبيك فإنك متى أطعت مروان قتلك وليس لمروان عند الناس قدر ولا
هيبة وانما تركك الناس لمكانه وانما رجع عنك أهل مصر لقول علي فأرسل
إليه فاستصلحه فان له عند الناس قدما وانه لا يعصى ومنه يعلم أن
نائلة وهي امرأة كانت أعقل وانصح لعثمان من مروان فأرسل إلى علي
فلم يأته وقال قد أعلمته اني غير عائد. قال الطبري فجاء عثمان إلى منزل
علي بمنزله ليلا فاعتذر إليه ووعد من نفسه الجميل وقال اني فاعل واني غير
فاعل فقال له علي أ بعد ما تكلمت على منبر رسول الله ص وأعطيت من
نفسك ثم دخلت بيتك فخرج مروان إلى الناس يشتمهم على بابك،
فخرج عثمان من عنده وهو يقول خذلتني يا أبا الحسن وجرأت الناس علي
فقال علي والله اني لأكثر الناس ذبا عنك ولكني كلما جئت بشئ أظنه لك
رضا جاء مروان بغيره فسمعت قوله وتركت قولي ولم يعد علي إلى نصر
عثمان إلى أن منع الماء لما اشتد الحصار عليه فغضب على من ذلك غضبا
شديدا وقال لطلحة ادخلوا عليه الروايا فكره طلحة وساءه فلم يزل علي
حتى ادخل الماء إليه اه. وقال ابن أبي الحديد: روى الواقدي
والمدائني وابن الكلبي وغيرهم وذكر أبو جعفر الطبري في التاريخ وذكره
غيره من جميع المؤرخين أن عليا لما رد المصريين رجعوا بعد ثلاثة أيام
فاخرجوا صحيفة في أنبوبة رصاص وقالوا وجدنا غلام عثمان بالموضع
المعرف بالتويت على بعير من ابل الصدفة ففتشنا متاعه لأنا استربنا امره
فوجدنا فيه هذه الصحيفة ومضمونها أمر عبد الله بن سعد بن أبي سرح
عامل مصر من قبل عثمان بجلد عبد الرحمن بن عديس وعمرو بن
الحمق وحلق رؤوسهما ولحاهما وحبسهما وصلب قوم آخرين من أهل مصر
وقيل إن الذي أخذت منه الصحيفة أبو الأعور السلمي ويمكن أنه كان
مصاحبا للغلام وجاء الناس إلى علي وسألوه أن يدخل إلى عثمان فيسأله
عن هذه الحال فجاء فسأله فاقسم عثمان بالله ما كتبته ولا علمته ولا امرت
به فقال محمد بن مسلمة صدق، هذا من عمل مروان فقال لا أدري فقال
المصريون أ فيجترئ عليك ويبعث غلامك على جمل من ابل الصدقة
وينقش على خاتمك ويبعث إلى عاملك بهذه الأمور الفظيعة وأنت لا تدري
قال نعم فقالوا إن كنت كاذبا فقد استحققت الخلع لما امرت به بغير حق
وإن كنت صادقا استحققت الخلع لضعفك، وكثرت الأصوات واللغط
فقام علي واخرج أهل مصر معه وخرج إلى منزله. قال الواقدي وأحاط
المصريون والكوفيون والبصريون بعثمان وحصروه وخرج عثمان يوم الجمعة
فصلى بالناس وقام على المنبر فقال يا هؤلاء إن أهل المدينة يعلمون انكم
ملعونون على لسان محمد ص فامحوا الخطا بالصواب فقام محمد بن مسلمة
فصدقه فاقعده حكيم بن جبلة وقام زيد بن ثابت فاقعده قتيرة بن وهب وثار
القوم فحصبوا الناس حتى اخرجوهم من المسجد وحصبوا عثمان حتى
صرع عن المنبر مغشيا عليه فادخل داره واقبل علي وطلحة والزبير فدخلوا
على عثمان يعودونه من صرعته ويتالمون له وعند عثمان نفر من بني أمية
منهم مروان بن الحكم فقالوا لعلي أهلكتنا وصنعت هذا الذي صنعت والله
إن بلغت هذا الأمر الذي تريده ليمرن عليك الدنيا فقام مغضبا وخرج
الجماعة الذين حضروا معه إلى منازلهم. وروى الطبري أن عمرو بن
العاص كان شديد التحريض والتأليب على عثمان وكان يقول والله إن كنت
لألقي الراعي فأحرضه على عثمان فضلا عن الرؤساء والوجوه فلما سعر
الشر بالمدينة خرج إلى منزله بفلسطين فبينما هو بقصره ومعه ابناه إذ مر به
راكب من المدينة فسألوه عن عثمان فقال محصور فقال عمرو انا أبو عبد الله
العير يضرط والمكواة في النار ثم مر بهم آخر فسألوه فقال قتل عثمان
فقال عمرو أنا أبو عبد الله إذا نكات قرحة أدميتها اه ثم أنه حارب
عليا مع معاوية طلبا بدم عثمان فكان مجتهدا مأجورا!!. وروى الطبري
في تاريخه ان عليا كان في ماله بخيبر لما حصر عثمان (١) فقدم المدينة والناس
مجتمعون على طلحة قال كان لطلحة في حصر عثمان اثر فلما قدم علي اتاه
عثمان وقال له إن لي حق الاسلام وحق الاخاء والقرابة والصهر ولو لم يكن
من ذلك شئ وكنا في جاهلية لكان عارا على بني عبد مناف أن يبتز بنو تيم
امرهم، يعني طلحة، فقال له علي انا أكفيك ثم خرج إلى المسجد فرأى
أسامة بن زيد فتوكا على يده حتى دخل دار طلحة وهي مملوءة من الناس
فقال له يا طلحة ما هذا الأمر الذي صنعت بعثمان فقال يا أبا حسن بعد ان
مس الحزام الطبيين فانصرف علي حتى اتى بيت المال فقال افتحوا فلم يجدوا
المفاتيح فكسر الباب وفرق ما فيه على الناس فانصرفوا من عند طلحة حتى
بقي وحده وسر عثمان بذلك وجاء طلحة إلى عثمان تائبا فقال ما جئت تائبا
بل مغلوبا، الله حسيبك اه وقد ظهر مما مر أن طلحة وعمرو بن
العاص كانا من أشد الناس على عثمان وأحرصهم على قتله. وروى
الطبري عن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي قال دخلت على
عثمان فمر طلحة فقام إليه ابن عديس البلوي فناجاه ثم رجع ابن عديس
فقال لأصحابه لا تتركوا أحدا يدخل إلى عثمان ولا يخرج من عنده فقال لي
عثمان هذا ما أمر به طلحة اللهم اكفني طلحة فإنه حمل هؤلاء القوم والبهم
علي والله لأرجو أن يكون منها صفرا وان يسفك دمه اه. وقال
الطبري أيضا: كان لعثمان على طلحة بن عبيد الله خمسون ألفا فقال

(١) لعل المراد لما أريد حصر عثمان لدلالة الأخبار الكثيرة أنه كان بالمدينة عند حصر عثمان.
(٤٤٢)

طلحة يوما قد تهيا مالك فاقبضه فقال هو لك معونة على مروءتك فلما حصر
عثمان قال علي لطلحة أنشدك الله الا كففت عن عثمان قال لا والله حتى
تعطي بنو أمية الحق من أنفسها فكان علي يقول لحا الله ابن الصعبة أعطاه
عثمان ما أعطاه وفعل به ما فعل اه. وكذلك عائشة كانت تقول في
عثمان اقتلوا نعثلا فقد كفر كما رواه الطبري وغيره، ثم حارب طلحة مع
أم المؤمنين عليا يوم الجمل طلبا بثار عثمان وكان الباعث لطلحة على
التحريض على عثمان الطمع في الخلافة كما كان الباعث لام المؤمنين على
ذلك الطمع في الخلافة لقريبها طلحة التيمي كما كان ذلك هو الباعث على
طلب ثاره من علي وكان الباعث لعمرو على حرب علي الطمع في امارة
مصر، أو أن الباعث للدلالة على ذلك الاجتهاد الذي يؤجر المخطئ فيه
اجرا واحدا والمصيب أجرين!! لله در مهيار حيث يقول:
- وللقتيل يا زمون دمه * وفيهم القاتل غير من قتل -
وفي شرح نهج البلاغة: إن ابن عباس جاء عليا برسالة من عثمان
وهو محصور يسأله فيها الخروج إلى ماله بينبع ليقل هتف الناس باسمه
للخلافة بعد أن كان سأله من ذلك من قبل فقال يا ابن عباس ما يريد
عثمان أن يجعلني الا جملا ناضحا بالغرب (١) اقبل وادبر بعث إلي أن اخرج
ثم الآن يبعث إلي أن اخرج والله لقد دفعت عنه حتى خشيت أن أكون آئما
اه.
قال الطبري: كتب عثمان إلى معاوية وابن عامر وأمراء الأجناد
يستنجدهم فتربص به معاوية وكان عثمان قد استشار نصحاءه في امره
فأشاروا أن يرسل إلى علي ويطلب إليه أن يرد الناس ويعطيهم ما يرضيهم
ليطاولهم حتى يأتيه الامداد فقال إنهم لا يقبلون التعليل وقد كان مني في المرة
الأولى ما كان فقال مروان أعطهم ما سأ لوك وطاولهم ما طاولوك فإنهم قوم
قد بغوا عليك ولا عهد لهم فدعا عليا وقال له قد ترى ما كان من الناس
ولست آمنهم على دمي فارددهم عني فاني أعطيهم ما يريدون من الحق من
نفسي ومن غيري فقال علي إن الناس إلى عدلك أحوج منهم إلى قتلك
وانهم لا يرضون الا بالرضا وقد كنت أعطيتهم من قبل عهدا فلم تف به
فلا تغرر في هذه المرة فاني معطيهم عنك الحق قال أعطهم فوالله لأفين لهم
فخرج علي إلى الناس فقال إنكم انما تطلبون الحق وقد أعطيتموه وأنه
منصفكم من نفسه فسأله الناس أن يستوثق لهم وقالوا انا لا نرضى بقول
دون فعل فدخل إليه فاعلمه فقال اضرب بيني وبين الناس اجلا، قال لا
أقدر على تبديل ما كرهوا في يوم واحد فقال علي اما ما كان بالمدينة فلا أجل
فيه واما ما غاب فاجله وصول امرك قال نعم فأجلني فيما بالمدينة ثلاثة أيام
فاجابه إلى ذلك وكتب بينه وبين الناس كتابا على رد كل مظلمة وعزل كل
عامل كرهوه فكف الناس عنه وجعل يتأهب سرا للقتال ويستعد بالسلاح
واتخذ جندا فلما مضت الأيام الثلاثة ولم يغير شيئا ثار به الناس وخرج قوم
إلى من بذي خشب من المصريين فأعلموهم الحال فقدموا المدينة. قال
الطبري ثم إن محاصري عثمان أشفقوا من وصول أجناد من الشام والبصرة
تمنعه فحالوا بين عثمان وبين الناس ومنعوه كل شئ حتى الماء فأرسل
عثمان سرا إلى علي وإلى أزواج النبي ص انهم قد منعونا الماء فجاء علي في
الغلس فوقف على الناس فوعظهم وقال إن الذي تفعلون لا يشبه أمر
المؤمنين ولا أمر الكافرين إن الفرس والروم لتأسر فتطعم وتسقي فالله الله
لا تقطعوا الماء عن الرجل فاغلظوا له وقالوا لا نعم ولا نعمة عين فلما رأى
منهم الجد رمى بعمامته إلى دار عثمان يعلمه أنه قد نهض وعاد. قال
الطبري: وبقي عثمان ثلاثة أيام لا يدفن ثم أن حكيم بن حزام وجبير بن
مطعم كلما عليا في أن يأذن في دفنه ففعل فلما سمع الناس بذلك قعد له قوم
في الطريق بالحجارة وخرج ناس يسير من أهله ومعهم الحسن بن علي وابن
الزبير بين المغرب والعشاء فاتوا به حائطا من حيطان المدينة يعرف بحش
كوكب خارج البقيع فصلوا عليه وجاء ناس من الأنصار ليمنعوا من الصلاة
عليه فأرسل علي فمنع من رجم سريره وكف الذين راموا منع الصلاة
عليه.
وفي نهج البلاغة من خطبة له في معنى قتل عثمان: لو امرت به
لكنت قاتلا، أو نهيت عنه لكنت ناصرا، غير أن من نصره لا يستطيع أن
يقول خذله من انا خير منه، ومن خذله لا يستطيع أن يقول نصره من هو
خير مني، وانا جامع لكم امره: استأثر فأساء الأثرة وجزعتم فأسأتم
الجزع ولله حكم واقع في المستأثر والجازع.
قال ابن أبي الحديد: ظاهر هذا الكلام أنه ما أمر بقتله ولا نهى عنه
ولا يجوز أن يحمل هذا الكلام على ظاهره لما ثبت من عصمة دم عثمان ولما
ثبت في السير والأخبار أنه كان ينهى عن قتله. وأجاب بحمل النهي على
المنع باليد وانما لم يمنع باليد لأنه غلب على ظنه أنه غير مؤثر فهو قد كان
ينهي عنه باللسان، هذا حاصل جوابه، وهو يرجع إلى أنه غير قادر على
المنع وهو كذلك لقلة الأنصار وخذلان الأكثر وقوة المحاصرين له وكثرتهم
قال ولأجل اشتباه هذا الكلام على السامعين قال كعب بن جعيل شاعر أهل الشام
من أبيات:
- ارى الشام تكره أهل العرا * ق وأهل العراق لهم كارهونا -
- وقالوا علي امام لنا * فقلنا رضينا ابن هند رضينا -
- وما في علي لمستعتب * مقال سوى ضمه المحدثينا -
- وايثاره اليوم أهل الذنوب * ورفع القصاص عن القاتلينا -
- إذا سيل عنه حذا شبهة * وعمى الجواب على السائلينا -
- فليس براض ولا ساخط * ولا في النهاة ولا الآمرينا -
- ولا هو ساء ولا سره * ولا بد من بعض ذا أن يكون -
قال وما قال هذا الشعر الا بعد أن نقل إلى أهل الشام كلام كثير
لعلي في عثمان يجري هذا المجرى كقوله ما ساءني وما سرني وقيل له
أ رضيت فقال لم ارض فقيل له أ سخطت قال لم اسخط. واما قوله غير أن
من نصره الخ فقال: معناه ان خاذليه كانوا خيرا من ناصريه لأن الذين
نصروه كان أكثرهم فساقا كمروان بن الحكم وأضرابه وخذله المهاجرون
والأنصار.
بيعته بالخلافة
بويع علي ع بالخلافة يوم الجمعة لخمس بقين من ذي الحجة على
رواية الطبري سنة ٣٥ وكان قتل عثمان يوم الجمعة لثمان عشرة ليلة خلت
من ذي الحجة فكان بين قتله وبيعة علي سبعة أيام، وروى الحاكم في
المستدرك بسنده انه استخلف علي بن أبي طالب سنة خمس وثلاثين وهو ابن
ثمان وخمسين سنة وأشهر. قال الحاكم في المستدرك: اختلفت الروايات في

(١) الناضح البعير يستقي عليه " والغرب " الدلو العظيمة. - المؤلف -
(٤٤٣)

وقته فقيل أنه بويع بعد أربعة أيام من قتل عثمان وقيل بعد
خمسة وقيل بعد ثلاثة وقيل بويع يوم الجمعة لخمس بقين من ذي الحجة قال وأصح الروايات
انه امتنع عن البيعة إلى أن دفن عثمان ثم بويع على منبر رسول الله ص ظاهرا
وكان أول من بايعه طلحة فقال هذه بيعة نكث.
روى الحاكم في المستدرك بسنده انه لما بويع علي بن أبي طالب على
منبر رسول الله ص قال خزيمة بن ثابت وهو واقف بين يدي المنبر:
- إذا نحن بايعنا عليا فحسبنا * أبو حسن مما نخاف من الفتن -
- رجوناه أولى الناس بالناس انه * أطب قريش بالكتاب وبالسنن -
- وان قريشا ما تشق غباره * إذا ما جرى يوما على الضمر البدن -
- وفيه الذي فيهم من الخير كله * وما فيهم كل الذي فيه من حسن -
وروى فيه بسنده انها لما جاءت بيعة علي إلى حذيفة قال: لا أبايع
بعده الا أصعر أو أبتر.
قال الطبري: اختلف السلف من أهل السير في بيعة من بايعه
والوقت الذي بويع فيه، وقال ابن الأثير اختلفوا في كيفية بيعته.
أقول: ونحن نذكر ذلك مقتبسا من مجموع ما رواه الطبري وذكره ابن
الأثير، وهو انه لما قتل عثمان اجتمع أصحاب رسول الله ص من
المهاجرين والأنصار وفيهم طلحة والزبير فاتوا عليا فقالوا انه لا بد للناس
من امام، قال لا حاجة لي في امركم فمن اخترتم رضيت به قالوا ما نختار
غيرك وترددوا إليه مرارا وقالوا له في آخر ذلك انا لا نجد اليوم أحدا أحق
بهذا الأمر منك لا أقدم سابقة ولا أقرب قرابة من رسول الله ص فقال لا
تفعلوا فاني أكون وزيرا خير من أن أكون أميرا فقالوا لا والله ما نحن
بفاعلين حتى نبايعك، قال: ففي المسجد، فان بيعتي لا تكون خفيا ولا
تكون الا عن رضا المسلمين، وكان في بيته، وقيل في بعض حيطان المدينة
وفي رواية فغشي الناس عليا فقالوا نبايعك فقد ترى ما نزل بالاسلام
فقال دعوني والتمسوا غيري فانا مستقبلون أمرا له وجوه وألوان لا تقوم له
القلوب ولا تثبت عليه العقول فقالوا ننشدك الله ألا ترى ما نحن فيه أ لا
ترى الاسلام ألا ترى الفتنة فقال قد أجبتكم واني ان أجبتكم ركبت بكم ما
اعلم. فلما دخل المسجد دخل المهاجرون والأنصار فبايعوه ثم بايعه الناس
فكان أول من بايعه طلحة والزبير فنظر حبيب بن أبي ذؤيب إلى طلحة حين
بايع فقال أول من بدأ بالبيعة يد شلاء لا يتم هذا الأمر وجاءوا بسعد بن
أبي وقاص فقال علي: بايع، قال لا أبايع حتى يبايع الناس وجاءوا بابن
عمر، فقال مثل ذلك فقال ائتني بكفيل قال لا ارى كفيلا، قال الأشتر
دعني اضرب عنقه، قال علي: دعوه، انا كفيله، انك ما علمت لسئ
الخلق صغيرا وكبيرا. أقول وادعى بعضهم ان طلحة والزبير بايعا
مكرهين ولكن النظر الصحيح ينفي ذلك فمن لم يقبل أول الأمر بالبيعة
حتى ألحوا عليه الحاحا شديدا لا يمكن ان يبدأ بيعته بالاكراه ومن لم يكره
سعدا وابن عمر عليها وليسا بدون طلحة والزبير مكانة في الناس لا سيما
سعد لا يمكن ان يكره طلحة والزبير على البيعة.
المتخلفون عن بيعته
في مروج الذهب: قعد عن بيعته جماعة عثمانية وجماعة لم يروا الا
الخروج من الأمر. وفي أسد الغابة: تخلف عن بيعته جماعة من الصحابة
فلم يلزمهم بالبيعة وسئل علي عمن تخلف عن بيعته فقال أولئك قعدوا عن
الحق ولم ينصروا الباطل، وروى الطبري بسنده عن عبد الله بن الحسن
قال بايعت الأنصار عليا الا نفرا يسيرا منهم وعدهم وقال كانوا عثمانية
اه ونحن نذكر أسماء المتخلفين مأخوذة من مجموع ما ذكره هؤلاء
وهم: حسان بن ثابت. كعب بن مالك وكانا شاعرين. مسلمة بن مخلد
أو خالد. أبو سعيد الخدري. محمد بن مسلمة حليف بني عبد الأشهل.
النعمان بن بشير. زيد بن ثابت. رافع بن خديج. فضالة بن عبيد.
كعب بن عجرة. سعد بن أبي وقاص. عبد الله بن عمر. صهيب بن
سنان. سلمة بن وقش. أسامة بن زيد. عبد الله بن سلام. قدامة بن
مظعون. المغيرة بن شعبة الثقفي. وهبان بن صيفي. قال عبد الله بن
الحسن فيما رواه عنه الطبري في العشرة الأول انهم كانوا عثمانية وقال: اما
حسان فكان شاعرا لا يبالي ما صنع واما زيد بن ثابت فولاه عثمان الديوان
وبيت المال فلما حصر عثمان قال يا معشر الأنصار كونوا أنصار الله مرتين
فقال أبو أيوب ما تنصره الا لأنه أكثر لك من العبدان، واما كعب بن
مالك فاستعمله على صدقة مزينة وترك ما اخذ منهم له، وقال المسعودي
وبايع ابن عمر يزيد بعد ذلك والحجاج لعبد الملك بن مروان. وقال ابن
الأثير: فاما النعمان بن بشير فإنه اخذ أصابع نائلة امرأة عثمان التي قطعت
وقميص عثمان الذي قتل فيه وهرب فلحق بالشام فكان معاوية يعلق
قميص عثمان وفيه الأصابع فإذا رأى ذلك أهل الشام ازدادوا غيظا وجدوا
في امرهم ثم يرفعه فإذا أحس منهم بفتور يقول له عمرو بن العاص حرك
لها حوارها تحن فيعلقهما. وقال المسعودي: بعثت أم حبيبة بنت أبي سفيان
إلى أخيها معاوية بقميص عثمان مخضبا بدمائه مع النعمان بن بشير
الأنصاري. وقال ابن الأثير: وهرب بنو أمية فلحقوا بمكة وجئ بقوم
كانوا قد تخلفوا فقالوا نبايع على إقامة كتاب الله في القريب والبعيد والعزيز
والتذليل فبايعهم ثم قام العامة فبايعوا. وفي مروج الذهب واتاه جماعة
ممن تخلف عن بيعته من بني أمية منهم سعيد بن العاص. ومروان بن الحكم
والوليد بن عقبة بن أبي معيط فجرى بينه وبينهم خطب طويل، وقال له
الوليد انا لم نتخلف عنك رغبة عن بيعتك لكنا قوم وترنا الناس وخفنا
على نفوسنا فعذرنا فيما نقول واضح: اما أنا فقتلت أباه صبرا وضربني حدا،
وقال سعيد بن العاص كلاما كثيرا وقال له الوليد اما سعيد فقتلت أباه صبرا
وأهنت مثواه وأما مروان فإنك شتمت أباه وكبت عثمان في صنعه إياه. قال
وقد ذكر أبو مخنف لوط بن يحيى أن حسان بن ثابت وكعب بن مالك
والنعمان بن بشير قبل نفوذه بالقميص اتوا عليا في آخرين من العثمانية
فقال كعب بن مالك: يا أمير المؤمنين ليس مسيئا من اعتب وخير كفر ما محاه
عذر في كلام كثير ثم بايع وبايع من ذكرنا جميعا، قال واتصلت بيعته
بالكوفة وغيرها من الأمصار وكان أهل الكوفة أسرع إجابة إلى بيعته وأخذ له
البيعة على أهلها أبو موسى الأشعري حتى تكاثر الناس عليه اه ولم
يتخلف عنه سوى أهل الشام مع معاوية فلم يبايعوه.
وفي ارشاد المفيد: روى الشعبي انه لما اعتزل سعد بن أبي وقاص
وعبد الله بن عمر ومحمد بن مسلمة وحسان بن ثابت وأسامة بن زيد أمير
المؤمنين وتوقفوا عن بيعته حمد الله وأثنى عليه ثم قال أيها الناس انكم
بايعتموني على ما بويع عليه من كان قبلي وانما الخيار للناس قبل ان يبايعوا
فإذا بايعوا فلا خيار لهم وان على الامام الاستقامة وعلى الرعية التسليم وهذه
بيعة عامة من رغب عنها رغب عن دين الاسلام واتبع غير سبيل أهله ولم
تكن بيعتكم إياي فلتة وليس أمري وأمركم واحد واني أريدكم لله وأنتم
تريدونني لأنفسكم وأيم الله لا نصحن للخصم ولانصفن المظلوم وقد بلغني
عن سعد وابن مسلمة وأسامة وعبد الله وحسان بن ثابت أمور كرهتها والحق
(٤٤٤)

بيني وبينهم. قال الحاكم في المستدرك: اما قول من زعم أن
عبد الله بن عمر وأبا مسعود الأنصاري وسعد بن أبي وقاص وأبا موسى
الأشعري ومحمد بن مسلمة الأنصاري وأسامة بن زيد قعدوا عن بيعته فان
هذا قول من يجحد حقيقة تلك الأحوال فاسمع الآن حقيقتها: قال اما
عبد الله بن عمرو وروى حديثا مسندا عن الزهري عن حمزة بن عبد الله بن
عمر انه بينما هو جالس مع أبيه إذ جاءه رجل من أهل العراق فقال يا أبا
عبد الرحمن اني والله لقد حرصت ان اتسم بسمتك واقتدي بك في أمر فرقة
الناس واعتزل الشر ما استطعت واني اقرأ آية من كتاب الله محكمة قد
أخذت بقلبي فأخبرني عنها: قول الله عز وجل وان طائفتان من المؤمنين
اقتتلوا فاصلحوا بينهما فان بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى
تفئ إلى أمر الله فان فاءت فاصلحوا بينهما بالعدل واقسطوا ان الله يحب
المقسطين، اخبرني عن هذه الآية فقال عبد الله: ما لك ولذلك انصرف
عني، فانطلق حتى توارى عنا سواده، وأقبل علينا عبد الله بن عمر فقال ما
وجدت في نفسي من شئ ما وجدت في أمر هذه الآية اني لم أقاتل هذه
الفئة الباغية كما امرني الله عز وجل، ثم قال الحاكم: هذا باب كبير قد
رواه عن عبد الله بن عمر جماعة من كبار التابعين وانما اقتصرت على حديث
الزهري لأنه صحيح على شرط الشيخين. أقول: قد احتج هذا
العراقي على ابن عمر بما لم يستطع رده وما كان ينبغي أن يقول له: ما لك
ولذلك، فان هذا انما يقال لمن يدخل فيما لا يعنيه لا لمن يأمر بمعروف
ويرشد إلى أهم واجب ويحتج بالدليل القاطع والبرهان الساطع بل كان يلزم
ان يمدحه ويقول له أصبت وأرشدت لا ان يطرده ويقول: انصرف عني،
بل يقول له: مرحبا بك ويعترف أمامه بخطئه كما اعترف امام جلسائه.
قال الحاكم، واما ما ذكر من امساك أسامة بن زيد وذكر حديثا
مسندا عن أسامة قال بعثني رسول الله ص في سرية في أناس من أصحابه
فاستبقنا انا ورجل من الأنصار إلى العدو فحملت على رجل فلما دنوت منه
كبر فطعنته فقتلته ورأيت أنه انما فعل ذلك ليحرز دمه فلما رجعنا سبقني إلى
النبي ص فقال يا رسول الله لا فارس خير من فارسكم انا استلحقنا رجلا
فسبقني إليه فكبر فلم يمنعه ذلك ان قتله النبي ص يا أسامة ما صنعت اليوم
فقلت حملت على رجل فكبر فرأيت أنه انما فعل ليحرز دمه فقتلته فقال كيف
بعد الله أكبر، فهلا شققت عن قلبه، فلا أقاتل رجلا يقول الله أكبر مما
نهاني عنه حتى ألقاه.
قال واما ما ذكر من اعتزال سعد بن أبي وقاص عن القتال وذكر
حديثا مسندا ان سعدا قال له رجل ان عليا يقع فيك انك تخلفت عنه فقال
سعد والله انه لرأي رأيته أخطأ رأيي، ان علي بن أبي طالب أعطي ثلاثا
لأن أكون أعطيت إحداهن أحب إلي من الدنيا وما فيها، لقد قال له رسول
الله ص يوم غدير خم: هل تعلمون اني أولى بالمؤمنين قلنا نعم قال اللهم
من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وجئ به يوم
خيبر وهو أرمد ما يبصر فقال يا رسول الله اني أرمد فتفل في عينيه ودعا له
فلم يرمد حتى قتل وفتح عليه خيبر واخرج رسول الله ص عمه العباس
وغيره من المسجد فقال له العباس تخرجنا ونحن عصبتك وعمومتك وتسكن
عليا فقال ما انا أخرجتكم وأسكنته ولكن الله أخرجكم وأسكنه. واما ما
ذكر من اعتزال أبي مسعود الأنصاري وأبي موسى الأشعري فإنهما كانا على
الكوفة فأرسل محمد ابنه ومحمد بن أبي بكر لاخذ البيعة فامتنع أبو موسى ان
يبايع فبعث إليه عمار بن ياسر والحسن بن علي فعزلاه واستعمل قرظة بن
كعب فلم يزل عاملا حتى قدم علي من البصرة فعزله فلما سار إلى صفين
استخلف عقبة بن عمرو وأبا مسعود الأنصاري حتى قدم من صفين.
وأما قصة اعتزال محمد بن مسلمة الأنصاري عن البيعة فروي عنه
أنه قال يا رسول الله كيف اصنع إذا اختلف المصلون قال تخرج بسيفك إلى
الحرة فتضربه بها ثم تدخل بيتك حتى تأتيك منية قاضية أو يد خاطئة.
قال الحاكم: بهذه الأسباب وما جانس، كان اعتزال من اعتزل عن
القتال مع علي وقتال من قاتله اه أقول حاصل ما ذكره ان امتناع
من امتنع عن بيعته ليس لاعتقادهم عدم أهليته للخلافة ولا عنادا بل لشبهة
دخلت عليهم. فابن عمر وسعد ظنا انها فتنة، الأرجح عدم الدخول فيها
ثم بان لهما خطؤهما وندما على ترك القتال وعدا أنفسهما مذنبين وأسامة
دخلت عليه شبهة عدم جواز قتل من أظهر الاسلام ولم يتفطن للفرق بين
المقامين وانها شبهة واهية وأبو مسعود استخلفه على الكوفة حيث سار إلى
صفين فدل على أنه بايع وتاب وانحصر الاصرار والامتناع في أبي موسى.
وهذا الذي ذكره الحاكم لا يصلح ان يكون عذرا مبررا لامتناع هؤلاء عن
البيعة وقتال أهل البغى، ولا الحاكم أراد ان يعتذر عنهم بذلك انما أراد
بيان حقيقة الحال في قعودهم.
وروى الطبري ما حاصله انه اجتمع إلى علي طلحة والزبير في
عدة من الصحابة وطلبوا منه ان يقيم الحد على من شرك في دم عثمان ممن
في المدينة وانه ردهم ردا رفيقا فقال يا اخوتاه لست اجهل ما تعلمون ولكن
كيف اصنع بقوم يملكوننا ولا نملكهم قد ثارت معهم عبدانكم وثابت إليهم
اعرابكم فهل ترون موضعا لقدرة على ما تريدون قالوا لا ثم طلب منهم
الهدوء حتى يهدأ الناس وتقع القلوب مواقعها، واشتد على قريش حال
بينهم وبين الخروج، وانما هيجه على ذلك هرب بني أمية، وتفرق القوم
بعضهم يقول لترك هذا الأمر إلى ما قال علي أمثل، وبعضهم يقول إن عليا
لمستغن برأيه وأمره عنا ولا نراه الا سيكون على قريش أشد من غيره. فذكر
ذلك لعلي فقام فحمد الله وأثنى عليه وذكر فضلهم وحاجته إليهم ونظره لهم
وقيامه دونهم وانه ليس له من سلطانهم الا ذلك والاجر من الله عز و جل
ونادى برئت الذمة من عبد لم يرجع إلى مواليه وقال يا معشر الاعراب الحقوا
بمياهكم. وروى الطبري أيضا ما حاصله ان عليا ع قال لابن
عباس سر إلى الشام فقد وليتكها فلم يقبل واعتذر بالخوف من معاوية قال
ولكن اكتب إليه فمنه وعده فابى علي وقال: والله لا كان هذا ابدا، وان
المغيرة بن شعبة أشار على علي باقرار معاوية وعمال عثمان على أعمالهم فإذا
بايعوا له واطمأن الأمر له عزل من أحب وأقر من أحب فابى عليه وقال:
والله لا أداهن في ديني والا أعطي الدنئ في أمري قال فانزع من شئت
واترك معاوية فان له جرأة وهو في أهل الشام يسمع منه فقال له لا استعمل
معاوية يومين ابدا ثم جاءه فأشار عليه بعزلهم فسئل عن ذلك فقال نصحته
في الأولى فعصاني فغششته في الثانية وان ابن عباس وافق المغيرة على رأيه
وأشار عليه بان يثبت معاوية وقال فان بايع لك فعلي ان اقلعه من منزله
فقال والله لا اعطيه الا السيف ثم تمثل:
- وما ميتة ان متها غير عاجز * بعار إذا ما غالت النفس غولها -
وفي هذه الرواية ما يقتضي التأمل: اما إشارة المغيرة عليه أولا بما
زعمه نصحا فالمغيرة لم يكن يرجى منه النصح لعلي وكان علي اعرف الناس
به ولا يبعد ان يكون غاشا في المقامين وأراد بالإشارة بتثبيت معاوية النصح
(٤٤٥)

لمعاوية لا لعلي وباظهار الموافقة ثانيا التقرب إلى علي ودفع التهمة عن
نفسه، فان عليا إذا أقره لم يكن في استطاعته عزله، ومتى هم بعزله خلعه
وطلب بدم عثمان واستطاع استمالة أهل الشام لذلك بما استمالهم به أولا
بأنه ولي الدم، مع أن معاوية في دهائه كان يعلم أن عليا إذا ولاه لا بد ان
يعزله فلم تكن لتنطلي عليه هذه الحيلة فلو كتب إليه علي عهده على الشام
لرد ذلك وقال له ثبت خلافتك أولا وابر من دم عثمان أو سلم إلينا قتلته
فلم يكن في ذلك فائدة غير تولية من لا يستجيز علي توليته وبالجملة هذه
حال من يريد ان يداهن معاوية ويستفيد من مسالمه ان تثبت له الخلافة
والإمرة فيستمر على مداهنته محافظة على ملكه وأمرته كما يفعله اليوم وقبل
اليوم من يريد امارة ونحوها فيداهن ويحابي ويمدح من يستحق الذم ويذم
من يستحق المدح ويرتكب ما لا يرضي الله في سبيل المحافظة على الإمرة
وعدم الاخلال بها أما أمير المؤمنين ع فلم يكن للأمرة عنده شئ
من الأهمية وقد صرح بذلك لابن عباس لما كان نازلا بذي قار لما قال له عن
النعل انها خير عنده من امرتهم الا ان يقيم حقا أو يدفع باطلا فان قال
قائل ان المداراة لا تنافي ذلك بل هي لازمة في الشرع كما كان يصنع النبي
ص مع المؤلفة قلوبهم بل الله تعالى قد فرض لهم نصيبا من الزكاة
قلنا كل ذلك ما لم يستلزم ارتكاب محرم أو اخلالا بالأمر بالمعروف والنهي
عن المنكر، وما كان يصنع مع المؤلفة قلوبهم أجنبي عن ذلك.
أول خطبة خطبها علي ع حين استخلف
أول خطبة خطبها حين استخلف فيما رواه الطبري بسنده عن علي بن
الحسين: حمد الله وأثنى عليه ثم قال إن الله عز وجل انزل كتابا هاديا بين
فيه الخير والشر فخذوا بالخير ودعوا الشر الفرائض أدوها إلى الله سبحانه
يؤدكم إلى الجنة ان الله حرم حرما غير مجهولة وفضل حرمة المسلم على
الحرم كلها وشد بالاخلاص والتوحيد حقوق المسلمين فالمسلم من سلم
المسلمون من لسانه ويده الا بالحق لا يحل دم امرئ مسلم الا بما يجب
فان النار امامكم وان من خلفكم الساعة تحدوكم فخففوا تلحقوا اتقوا الله
عباد الله في بلاده وعباده انكم مسؤولون حتى عن البقاع والبهائم ثم أطيعوا
الله فلا تعصوه وإذا رأيتم الخير فخذوا به وإذا رأيتم الشر فدعوه اذكروا إذا
أنتم قليل مستضعفون في الأرض. قال الطبري فلما فرع من خطبته قال
المصريون وفي رواية قالت السبائية اي أصحاب عبد الله بن سبا أقول إن
صحت الرواية فالقائل واحد منهم ولا يمكن ان يكون جميعهم فكان الراوي
ظن أنه يعبر عن رأيهم:
- خذها إليك واحذرن أبا حسن * انا نمر الأمر امرار الرسن -
- صولة أقوام كاشداد السفن * بمشرفيات كغدران اللبن -
- ونطعن الملك بلدن كالشطن * حتى يمرن على غير عنن -
فقال علي:
- اني عجزت عجزة لا اعتذر * سوف أكيس بعدها واستمر -
- ارفع من ذيلي ما كنت اجر * واجمع الأمر الشتيت المنتشر -
- ان لم يشاغبني العجول المنتصر * أو تتركوني والسلاح يبتدر -
ومن مجموع ما تقدم يعلم حراجة موقف علي ع وتشعب
الأمور عليه وانه ساسها بحكمة وسياسة رشيدة لا يمكن لاحد يريد ان
يجمع بين رضا الله وسياسة الخلافة والإمرة ان يأتي بأحسن منها وأوفق
بالمصلحة بل ولا بمثلها فالشورى كانت قد غرست في نفس طلحة والزبير
وغيرهما انهما أهل للخلافة وطمحت بذلك نفوسهما إلى مساماة علي ومبجراته
فيها والاحداث التي وقعت في زمن عثمان كانت اثرت في النفوس والأخلاق
أثرها وحساد علي ومنافسوه وأصحاب الثارات والدماء التي أهرقها في سبيل
توطيد الاسلام لم يزالوا باقين وعدوه الألد معاوية متمكن من الشام قد
حكمها واستوطنها أعواما عديدة وعرف أخلاق أهلها وعلم من أين تؤكل
الكتف، وقتل عثمان كان قد فتح بابا واسعا لمن يريد الفتن والوصول
إلى آمال ما كان يحلم بها وكانت بسببه الآراء قد تشعبت والقلوب قد
تنافرت وصار الناس احزابا وفرقا وتمهدت السبيل لكل ذي غاية وغرض
وقد أشار إلى بعض ذلك أمير المؤمنين ع بقوله في كلامه المتقدم:
انا مستقبلون أمرا له وجوه وله ألوان الخ.
ومع ذلك فقد ساس الأمة سياسة بهرت العقول واستعمل المداراة
والشدة و اللين كلا في محله حيث لا يخل بشئ من طريقته ومنهجه.
خطبة أخرى له بعد استخلافه
قال ابن أبي الحديد: روى ابن الكلبي بسند يرفعه إلى أبي صالح
عن ابن عباس ان عليا خطب في اليوم الثاني من بيعته بالمدينة فقال إن كل
قطيعة اقطعها عثمان وكل مال أعطاه من مال الله فهو مردود في بيت المال
فان الحق القديم لا يبطله شئ ولو وجدته قد تزوج به النساء وفرق في
البلدان لرددته إلى حاله فان في العدل سعة ومن ضاق عنه الحق فالجور
أضيق (١) قال ابن أبي الحديد: وقد كان عثمان اقطع كثيرا من بني أمية
وغيرهم من أوليائه وأصحابه قطائع من أرض الخراج وأسقط عنهم خراجها
وقد كان عمر اقطع قطائع لكن لأرباب الغناء في الحرب وعثمان اقطعها
صلة لرحمه من غير غناء في الحرب اه وفي مروج الذهب وانتزع علي
املاكا كانت لعثمان اقطعها جماعة من المسلمين وقسم ما في بيت المال على
الناس ولم يفضل أحدا على أحد اه.
ارسال أمير المؤمنين ع عماله إلى الأمصار
قال الطبري وابن الأثير: لما دخلت سنة ٣٦ فرق علي عماله فبعث
عثمان بن حنيف على البصرة وعمارة بن شهاب على الكوفة وكانت له هجرة
وعبيد الله بن عباس على اليمن وقيس بن سعد بن عبادة على مصر
وسهل بن حنيف على الشام ومخنف بن سليم على أصبهان وهمذان فاما سهل
فإنه خرج حتى إذا كان بتبوك لقيته خيل فقالوا من أنت قال أمير قالوا على أي
شئ قال على الشام قالوا إن كان بعثك عثمان فحيهلا بك وإن كان بعثك
غيره فارجع قال أ وما سمعتم بالذي كان قالوا بلى فرجع إلى علي وأما
قيس بن سعد فإنه لما انتهى إلى أيلة لقيته خيل فقالوا له من أنت قال من
قتلة عثمان فانا اطلب من آوي إليه فانتصر به لله قالوا من أنت قال
قيس بن سعد قالوا امض فمضى حتى دخل مصر فافترق أهل مصر فرقا
فرقة دخلت في الجماعة فكانوا معه وفرقة اعتزلت بخربتا بخرنبا ابن
الأثير وقالوا ان قتل قتلة عثمان فنحن معكم والا فنحن على جديلتنا حتى
نحرك أو نصيب حاجتنا وفرقة قالوا نحن مع علي ما لم يقد اخواننا وهم في
ذلك مع الجماعة وكتب قيس إلى أمير المؤمنين بذلك. واما عثمان بن
حنيف فسار فلم يرده أحد عن دخول البصرة ولم يجد لابن عامر في ذلك رأيا

(١) اي إذا ضاق على الوالي تدبير أموره في العدل في الجرر أضيق عليه لأن الجائر في مظنة ان
يمنع ويصد عن جوره (كذا في شرح المنهج). - المؤلف -
(٤٤٦)

ولا استقلالا بحرب وعبد الله بن عامر كان عامل عثمان عليها وافترق
الناس بها فاتبعت فرقة القوم ودخلت فرقة في الجماعة وفرقة قالت ننظر ما
يصنع أهل المدينة واما عمارة بن شهاب فلما بلغ زبالة لقيه طليحة بن
خويلد وكان خرج يطلب بثار عثمان فقال له ارجع فان القوم لا يريدون
بأميرهم بدلا فان أبيت ضربت عنقك فرجع عمارة إلى علي بالخبر وكان
عامل عثمان على الكوفة أبو موسى الأشعري على الصلاة وانطلق
عبيد الله بن عباس إلى اليمن فجمع يعلى بن منية (١) وعامل عثمان على
صنعاء كل شئ من الجبانة وخرج به على حاميته إلى مكة فقدمها بالمال
ودخل عبيد الله اليمن. وكتب علي إلى أبي موسى فكتب إليه أبو موسى
بطاعة أهل الكوفة وبيعتهم وبين الكاره منهم للذي كان والراضي به حتى
كان علي كأنه يشاهدهم. وكتب علي إلى معاوية مع سبرة الجهني اما
بعد فان الناس قد قتلوا عثمان عن غير مشورة مني وبايعوني بمشورة منهم
واجتماع فإذا اتاك كتابي فبايع لي وأوفد إلى أشراف أهل الشام قبلك. فلم
يجبه معاوية بشئ وكلما يتنجز سبرة جوابه لم يزده على قوله:
- أدم إدامة حصن أو خذن بيدي * حربا ضروسا تشب الجزل والضرما -
- في جاركم وابنكم إذ كان مقتله * شنعاء شيبت الاصداع واللمما -
- أعيا المسود بها والسيدون فلم * يوجد لها غيرنا مولى ولا حكما -
حتى إذا كان الشهر الثالث من مقتل عثمان في صفر دعا معاوية رجلا
من بني عبس يدعى قبيصة فدفع إليه طومارا مختوما عنوانه من معاوية إلى
علي وقال له إذا دخلت المدينة فاقبض على أسفل الطومار ثم أوصاه بما يقول
وأعاد رسول علي معه فقدما المدينة في ربيع الأول فدخلها العبسي كما أمره
قد رفع الطومار فتبعه الناس ينظرون إليه وعلموا أن معاوية معترض،
ودخل الرسول على علي فدفع إليه الطومار ففض ختمه فلم يجد فيه كتابا،
فقال للرسول ما وراءك؟ قال آمن أنا؟ قال نعم ان الرسول لا يقتل، قال
تركت قوما لا يرضون إلا بالقود، قال ممن؟ قال من خيط رقبتك، وتركت
ستين ألف شيخ تبكي تحت قميص عثمان وهو منصوب لهم قد ألبسوه منبر
دمشق، قال أمني يطلبون دم عثمان ألست موتورا كترة عثمان؟ اللهم إني
أبرأ إليك من دم عثمان، نجا والله قتلة عثمان إلا أن يشاء الله فإنه إذا أراد
أمرا أصابه، اخرج فخرج العبسي. وقال ابن أبي الحديد: ان معاوية
كتب مع العبسي إلى الزبير بن العوام: لعبد الله الزبير أمير المؤمنين من
معاوية بن أبي سفيان سلام عليك أما بعد فاني قد بايعت لك أهل الشام
فأجابوا واستوسقوا كما يستوسق الحلب فدونك الكوفة والبصرة لا يسبقك
إليهما ابن أبي طالب فإنه لا شئ بعد هذين المصرين وقد بايعت لطلحة من
بعدك فاظهرا الطلب بدم عثمان وادعوا الناس إلى ذلك وليكن منكما الجد
والتشمير أظفركما الله وخذل مناويكما فلما وصل الكتاب إلى الزبير سر به
وأقرأه طلحة فلم يشكا في النصح لهما من قبل معاوية واجمعا عند ذلك على
خلاف علي وانطلت عليهما الحيلة. وأحب أهل المدينة أن يعلموا رأي علي
في معاوية وقتاله أهل القبلة فدسوا إليه زياد بن حنظلة التميمي وكان
منقطعا إلى علي فدخل عليه فجلس فقال له علي يا زياد تهيا فقال لأي شئ
فقال لغزو الشام فقال زياد الرفق والأناة أمثل وقال:
- ومن لم يصانع في أمور كثيرة * يضرس بأنياب ويوطأ بمنسم -
فتمثل علي وكانه لا يريده:
- متى تجمع القلب الذكي وصارما * وانفا حميا تجتنبك المظالم -
فخرج زياد والناس ينتظرونه فقالوا ما وراءك؟ قال: السيف يا قوم
ودعا علي محمد بن الحنيفة فدفع إليه اللواء وولى عبد الله بن عباس ميمنته
وعمر بن أبي سلمة أو عمرو بن سفيان بن عبد الأسد ميسرته وجعل على
مقدمته أبا ليلى بن عمر بن الجراح ابن أخي أبي عبيدة بن الجراح
واستخلف على المدينة قثم بن العباس ولم يول ممن خرج على عثمان أحدا
وكتب إلى قيس بن سعد وإلى عثمان بن حنيف وإلى أبي موسى أن يندبوا
الناس إلى أهل الشام. قال الطبري وأقبل علي على التهيؤ والتجهيز لغزو
الشام وخطب أهل المدينة فقال:
إن الله عز وجل بعث رسولا هاديا مهديا بكتاب ناطق وأمر قائم
واضح لا يهلك عنه إلا هالك وإن المبتدعات والشبهات هن المهلكات إلا
من حفظ الله وإن في سلطان الله عصمة أمركم فاعطوه طاعتكم غير ملوية
ولا مستكره بها والله لتفعلن أو لينقلن الله عنكم سلطان الاسلام ثم لا ينقله
إليكم أبدا حتى يأزر الأمر إليها انهضوا إلى هؤلاء القوم الذين يريدون أن
يفرقوا جماعتكم لعل الله يصلح بكم ما أفسد أهل الآفاق.
ثم جاءه خبر خروج عائشة وطلحة والزبير إلى البصرة فترك ما كان
عزم عليه من الخروج إلى الشام وذهب إلى البصرة قال المسعودي: كان
عمرو بن العاص انحرف عن عثمان لانحرافه عنه وتوليته مصر غيره فنزل
الشام فلما اتصل به أمر عثمان وما كان من بيعة علي كتب إلى معاوية يهزه
ويشير عليه بالمطالبة بدم عثمان وكان فيما كتب به إليه ما كنت صانعا إذا
قشرت من كل شئ تملكه فاصنع ما أنت صانع اه وكان هذا اجتهادا
منهما لوجه الله تعالى يثابان عليه ولو سبب الفتنة وقتل الألوف من
المسلمين!!.
حرب الجمل
في جمادي الثانية سنة ٣٦. في شرح النهج: روى المدائني في كتاب
الجمل قال لما قتل عثمان كانت عائشة بمكة وبلغ قتله إليها وهي بسرف فلم
تشك في أن طلحة هو صاحب الأمر وقالت بعدا لعثمان وسحقا أيه ذا
الإصبع أيه أبا شبل ايه يا ابن عم لكأني انظر إلى إصبعه وهو يبايع له حثوا
الإبل ودعدعوها قال وقال أبو مخنف لوط بن يحيى الأزدي في كتابه ان
عائشة لما بلغها قتل عثمان وهي بمكة أقبلت مسرعة وهي تقول ايه ذا
الإصبع لله أبوك أما انهم وجدوا طلحة لها كفوا فلما انتهت إلى سرف
استقبلها عبيد بن أبي سلمة الليثي فقالت له ما عندك قال قتل عثمان قالت
ثم ما ذا قال ثم حارت بهم الأمور إلى خير محار بايعوا عليا فقالت لوددت أن
السماء انطبقت على الأرض إن تم هذا ويحك انظر ما ذا تقول قال هو ما
قلت لك يا أم المؤمنين فولولت فقال لها ما شأنك يا أم المؤمنين والله ما
أعرف بين لابتيها أحدا أولى بها منه ولا أحق ولا أرى له نظيرا في جميع
حالاته فلما ذا تكرهين ولايته قال فما ردت علي جوابا قال وقد روي من
طرق مختلفة أنه لما بلغها قتله وهي بمكة قالت أبعده الله قال وروى قيس بن
أبي حازم إلى أن قال ثم أمرت برد ركائبها إلى مكة ورأيتها في مسيرها إلى
مكة تخاطب نفسها قتلوا ابن عفان مظلوما فقلت لها يا أم المؤمنين أ لم
أسمعك آنفا تقوليه أبعده الله وقد رأيتك قبل أشد الناس عليه وأقبحهم فيه
قولا فقالت لقد كان ذلك ولكني نظرت في أمره فرأيتهم استتابوه حتى إذا

(١) بضم الميم وسكون النون وفتح المثناة التحتية وهي امه واسم أبيه أمية.
(٤٤٧)

تركوه كالفضة البيضاء أتوه صائما محرما في شهر حرام فقتلوه. وقال ابن
الأثير ان عائشة كانت خرجت إلى مكة وعثمان محصور ثم خرجت من مكة
تريد المدينة قال الطبري فيما رواه بسنده وذكره ابن الأثير أيضا فلما كانت
بسرف لفيها رجل من أخوالها من بني ليث يقال له عبيد أو عبد بن أبي سلمة
وهو ابن أم كلاب فقالت له مهيم (١) قال قتل عثمان وبقوا ثمانيا
قالت ثم صنعوا ما ذا قال أخذها أهل المدينة بالاجتماع فجازت بهم الأمور
إلى خير مجاز اجتمعوا على بيعة علي فقالت ليت هذه انطبقت على هذه ان
تم الأمر لصاحبك ردوني ردوني فانصرفت إلى مكة وهي تقول قتل والله
عثمان مظلوما والله لأطلبن بدمه فقال لها ولم والله أن أول من أمال حرفه
لأنت ولقد كنت تقولين اقتلوا نعثلا فقد كفر قالت إنهم استتابوه ثم قتلوه
وقد قلت وقالوا وقولي الأخير خير من قولي الأول فقال لها ابن أم كلاب:
- منك البداء ومنك الغير * ومنك الرياح ومنك المطر -
- وأنت امرت بقتل الامام * وقلت لنا أنه قد كفر -
- فهبنا أطعناك في قتله * وقاتله عندنا من أمر -
- ولم يسقط السقف من فوقنا * ولم ينكسف شمسنا والقمر -
- وقد بايع الناس ذا تدرء * يزيل الشبا ويقيم الصعر -
- ويلبس للحرب اثوابها * وما من وفى مثل من قد غدر -
فدخلت مكة وقصدت الحجر فسترت فيه فاجتمع الناس حولها
فقالت أيها الناس إن الغوغاء من أهل الأمصار وأهل المياه وعبيد أهل المدينة
اجتمعوا على هذا الرجل المقتول ظلما بالأمس ونقموا عليه استعمال من
حدثت سنه وقد استعمل أمثالهم قبله ومواضع من الحمى حماها لهم فتابعهم
ونزع لهم عنها فلما لم يجدوا حجة ولا عذرا بادروا بالعدوان فسفكوا الدم
الحرام واستحلوا البلد الحرام والشهر الحرام وأخذوا المال الحرام والله
لإصبع من عثمان خير من طباق الأرض أمثالهم ووالله لو أن الذي اعتدوا
به عليه كان ذنبا لخلص منه كما يخلص الذهب من خبثه أو الثوب من درنه
إذ ماصوه كما يماص الثوب بالماء أي يغسل فقال عبد الله بن عامر
الحضرمي وكان عامل عثمان على مكة ها أنا أول طالب فكان أول مجيب
وتبعه بنو أمية على ذلك وكانوا هربوا من المدينة إلى مكة بعد قتل عثمان
ورفعوا رؤوسهم وتبعهم سعيد بن العاص والوليد بن عقبة وسائر بني أمية
وقدم عليهم عبد الله بن عامر بن كريز من البصرة بمال كثير ويعلى بن أمية
وهو ابن منية من اليمن ومعه ستمائة بعير وستمائة ألف درهم فأناخ
بالأبطح. وروى الطبري بسنده عن عبيد بن عمر القرشي قال قدم عليها
مكة رجل يقال له أخضر فقالت ما صنع الناس فقال قتل عثمان المصريين
قالت إنا لله وإنا إليه راجعون أ يقتل قوما جاءوا يطلبون الحق وينكرون
الظلم والله لا نرضى ثم قدم آخر فقالت ما صنع الناس قال قتل المصريون
عثمان قالت العجب لأخضر زعم أن المقتول هو القائل. وطلب طلحة
والزبير من علي أن يوليهما المصرين البصرة والكوفة فقال بل تقيما معي فاني
لا استغني عن رأيكما وقيل استشار ابن عباس فلم يشر به قال ابن أبي
الحديد فاستأذناه في العمرة فقال لهما ما العمرة تريدان وإنما تريدان الغدرة
ونكث البيعة فحلفا بالله ما الخلاف عليه ولا نكث البيعة يريدان وما رأيهما
غير العمرة قال فأعيدا البيعة لي ثانية فأعاداها باشد ما يكون من الايمان
والمواثيق فاذن لهما فلما خرجا قال والله لا ترونهما إلا في فتنة يقتلان فيها قالوا
يا أمير المؤمنين فمر بردهما عليك قال ليقضي الله أمرا كان مفعولا. وقدم
طلحة والزبير من المدينة فلقيا عائشة فقالت ما وراءكما فقالا انا تحملنا هرابا
من المدينة من غوغاء وإعراب وفارقنا قوما حيارى لا يعرفون حقا ولا
ينكرون باطلا ولا يمنعون أنفسهم فامرتهم عائشة بالخروج إلى المدينة فقالوا
نأتي الشام فقال ابن عامر قد كفاكم الشام معاوية فائتوا البصرة فان لي بها
صنائع ولهم في طلحة هوى قالوا قبحك الله فوالله ما كنت بالمسالم ولا
بالمحارب فهلا أقمت كما أقام معاوية فنكفى بك ثم نأتي الكوفة فتسد على
هؤلاء القوم المذاهب فاستقام الرأي على البصرة وقال لها طلحة والزبير نأتي
أرضا قد ضاعت منا وصارت إلى علي وسيحتجون علينا ببيعتنا له ويتركوننا
إلا أن تخرجي فتأمري بمثل ما أمرت في مكة. وكان علي ع بعث
إلى عبد الله بن عمر كميلا النخعي فجاء به فدعاه إلى الخروج معه فقال إنما
أنا من أهل المدينة فان يخرجوا أخرج وإن يقعدوا اقعد قال فاعطني كفيلا
قال لا أفعل فقال له علي لولا ما أعرف من سوء خلقك صغيرا وكبيرا
لأنكرتني دعوه فانا كفيله وخرج ابن عمر من تحت ليلته إلى مكة فدعوه
ليسير معهم فابى. وجاءت عائشة إلى أم سلمة فطلب إليها أن تخرج معها
إلى البصرة مع علمها بميل أم سلمة إلى علي وظنها القوي بأنها لا تجيبها إلى
ذلك لكن حب الشئ والحرص عليه يدعو إلى التوسل لحصوله ولو بالأمور
المستبعد حصولها.
عن المفيد في كتاب الاختصاص عن محمد بن علي بن شاذان عن
أحمد بن يحيى النحوي أبي العباس ثعلب عن أحمد بن سهل عن يحيى بن
محمد بن إسحاق بن موسى عن أحمد بن قتيبة عن عبد الحكم القتيبي عن أبي
كيسبة ويزيد بن رومان قالا: لما أجمعت عائشة على الخروج إلى البصرة أتت
أم سلمة وكانت بمكة فقالت يا أبنة أبي أمية كنت كبيرة أمهات المؤمنين
وكان رسول الله ص يقمؤ (٢) في بيتك وكان يقسم لنا في بيتك وكان ينزل
عليه الوحي في بيتك قالت لها يا ابنة أبي بكر لقد زرتني وما كنت زواره
ولأمر ما تقولين هذه المقالة قالت إن ابني (٣) وابن أختي (٤) أخبراني أن الرجل
قتل مظلوما وأن بالبصرة مائة ألف سيف يطاوعون فهل لك أن أخرج أنا
وأنت لعل الله يصلح بنا بين فئتين متناجزتين أو قالت متناحرتين فقالت يا
ابنة أبي بكر أ بدم عثمان تطلبين فلقد كنت أشد الناس عليه وإن كنت
لتدعينه بالنبز أم أمر ابن أبي طالب تنقضين فقد بايعه المهاجرون والأنصار
انك سدة (٥) بين رسول الله ص وبين أمته وحجابه مضروب على حرمه (٦)

(١) مهيم بوزن مريم كلمة يراد بها السؤال والاستفهام.
(٢) قمأ كجمع وكرم قال أبو العباس ثعلب يقمؤ في بيتك يعني يأكل ويشرب، وفي النهاية قمأت
بالمكان دخلته وأقمت به، وفي القاموس قمأت الإبل بالمكان أقامت به لخصبه فسمنت وتقمأ
المكان وافقه فأقام به، وفي الفائق يقمؤ إلى المنزل يدخل ومنه اقتمى الشئ إذ اجمعه.
(٣) الظاهر أن يقرأ بتشديد الياء ويراد بهما طلحة والزبير وإرادة أحدهما لا وجه لها لكن ينافيه قولها
أخبراني بألف الاثنين ولعله تحريف والصواب أخبروني.
(٤) هو عبد الله بن الزبير لأن أمه أسماء بنت أبي بكر.
(٥) السدة بضم السين وفتح الدال المشددة الباب. في النهاية في حديث أم سلمة أنها قالت
لعائشة لما أرادت الخروج إلى البصرة انك سدة بين رسول الله " ص " وأمته أي باب فمتى
أصيب ذلك الباب بشئ فقد دخل على رسول الله " ص " في حريمه وحوزته واستفتح ما حماه
فلا تكوني أنت سبب ذلك بالخروج. وفي الفائق: تريد انك من رسول الله " ص " بمنزلة سدة
الدار من أهلها فإن نابك أحد بنائبة أو نال منك نائل فقد ناب رسول الله " ص " ونال منه فلا
تعرضي بخروجك أهل الاسلام لهتك حرمة رسول الله " ص ".
(٦) بضم الحاء وفتح الراء جمع حرمة وهو كالمفسر لقولها أنت سدة الخ. وفي الفائق وحجابك
مضروب على حرمته.
(٤٤٨)

وقد جمع القرآن ذيلك (١) فلا تندحيه (٢) وسكن وسكني خ ل عقيراك (٣)
فلا تضحي (٤) بها أو فلا تصحريها الله من وراء هذه الأمة (٥) قد علم رسول
الله ص مكانك ولو أراد أن يعهد إليك علت علت (٦) بل قد نهاك رسول
الله ص عن الفراطة (٧) أو الفرطة في البلاد أن عمود الاسلام لا ترأبه النساء
ان انثلم ولا يشعب بهن ان انصدع (٨) حماديات النساء (٩) غض الأطراف (١٠)
وخفر الأعراض (١١) وقصر الوهازة (١٢) وما كنت قائلة لو أن رسول الله ص
عرض لك عارضك خ ل ببعض الفلوات وأنت ناصة (١٣) قلوصا من
منهل إلى آخر أن يعين الله مهواك (١٤) وعلى رسوله تردين وقد وجهت
سدافته (١٥) وتركت عهيداه (١٦) أقسم بالله لو سرت مسيرك هذا ثم قيل لي
ادخلي الفردوس لاستحييت أن ألقى محمدا هاتكة حجابا قد ضربه علي
اجعلي حصنك بيتك ووقاعة (١٧) الستر قبرك حتى تلقيه وأنت على ذلك أطوع
ما تكونين لله ما لزمته (١٨) وانصر ما تكونين للدين ما جلست عنه. ثم قالت
لو ذكرتك من رسول الله ص خمسا في علي لنهشت بها نهش الرقشاء
المطرقة (١٩) ذات الخبب (٢٠) أ تذكرين إذ كان رسول الله ص يقرع بين نسائه إذا
أراد سفرا فاقرع بينهن فخرج سهمي وسهمك فبينا نحن معه وهو هابط من
قديد ومعه علي يحدثه فذهبت لتهجمي عليه فقلت لك رسول الله معه ابن
عمه ولعل له إليه حاجة فعصيتني ورجعت باكية فسألتك فقلت بأنك
هجمت عليهما فقلت له يا علي إنما لي من رسول الله ص يوم من تسعة أيام
وقد شغلته عني فأخبرتني أنه قال لك أ تبغضينه فما يبغضه أحد من أهلي ولا
من أمتي إلا خرج من الايمان أ تذكرين هذا يا عائشة؟ قالت
نعم. قالت ويوم تبدلنا (٢١) لرسول الله ص فلبست ثيابي ولبست ثيابك فجاء رسول الله
ص فجلس إلى جنبك فقال أ تظنين يا حميراء إني لا أعرفك أما ان لأمتي
منك يوما مرا أو يوما احمر أ تذكرين هذا يا عائشة؟ قالت نعم، قالت ويوم
كنت أنا وأنت مع رسول الله ص فجاء أبوك وصاحبه يستأذنان فدخلنا

(١) جمع الذيل كناية عن الستر وعدم التبرج واسناد ذلك إلى القرآن مجاز باعتبار أنه أمر فيه بما
يقتضي ذلك بقوله تعالى يدنين عليهن من جلابيبهن وقرن في بيوتكن ولا تبرجن.
(٢) في القاموس ندحه كمنعه وسعه ومنه قول أم سلمة لعائشة قد جمع القرآن ذيلك فلا تندحيه
أي لا توسعيه بخروجك إلى البصرة " اه‍ " وفي النهاية ندحت الشئ إذا وسعته وفي
حديث أم سلمة قالت لعائشة قد جمع القرآن ذيلك فلا تندحيه أي لا توسعيه وتنشريه
أرادت قوله تعالى وقرن في بيوتكن ولا تبرجن " اه‍ " وفي تاج العروس ويروى لا تبدحيه
بالباء أي لا تفتحيه من البدح وهو العلانية أرادت قوله تعالى وقرن في بيوتكم ولا تبرجن
وقال الأزهري من قاله بالباء ذهب إلى البداح وهو ما اتسع من الأرض ومن قاله بالنون
ذهب به إلى الندح وهو السعة اه‍ ومنه المندوحة.
(٣) في النهاية: سكن عقيراك أي أسكنك بيتك وسترك فيه فلا تبرزيه وهو اسم مصغر مشتق من
عقر الدار قال القتيبي (هو عبد الله بن مسلم بن قتيبة صاحب كتاب غريب الحديث) لم
أسمع بعقيري الا في هذا الحديث وقال ثعلب سكني عقيراك مقامك وبذلك سمي
العقار لأنه أصل ثابت وعقر الدار أصلها وعقر المرأة وفي الفائق العقيري كأنها تصغير
العقري فعلى من عقر إذا بقي في مكانه لا يتقدم ولا يتأخر فزعا أو أسفا أو خجلا وأصله من
عقرت به إذا أطلت حبسه كأنك عقرت راحلته فبقي لا يقدر على البراح أرادت نفسها اي
سكني نفسك التي صفتها وحقها أن تلزم مكانها ولا تبرح بيتها واعملي بقوله تعالى وقرن في
بيوتكن.
(٤) قال ثعلب فلا تضحي بها قال الله عز وجل وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحي أي لا تبرز
للشمس للنبي " ص " لرجل محرم اضح لمن أحرمت له أي اخرج إلى البراز والموضع الظاهر
المنكشف من الأعطية والستور اه‍ وفي رواية الفائق فلا تصحريها قال اصحر اي خرج إلى
الصحراء وأصحر به غيره وقد جاء هنا معدى على حذف الجار وإيصال العمل اه‍ ويوشك
أن يكون تصحريها مصحف تضحي بها واني اتحد المعنى.
(٥) أي محيط بهم وحافظ لهم وعالم بأحوالهم كقوله تعالى والله من ورائهم محيط.
(٦) علت كقلت أي جرت في هذا الخروج وعدلت عن الصواب والعول الميل والجور. قال تعالى
ذلك أدنى ألا تعولوا. ومن الناس من يرويه علت بكسر العين أي ذهبت في البلاد وأبعدت
السير يقال عال فلان في البلاد أي ذهب وأبعد ومنه قيل للذئب عيال. وفي النهاية: في
حديث أم سملة قالت لعائشة لو أراد رسول الله " ص " أن يعهد إليك علت أي عدلت عن
الطريق وملت وقيل جواب لو محذوف لدلالة الكلام عليه أي فعل، وعلت كلام مستأنف
" اه‍ " ولكن الموجود في الفائق لو أراد أن يعهد إليك عهد علت علت مكررا وكل هذا
يغل على أن جواب الشرط غير موجود في الحديث وما يوجد في بعض الكتب من ذكره بلفظ
عهد أو فعل اصلاح من النساخ فالمتعين أن يكون جواب لو محذوفا أي لفعل أو لعهد كقوله
تعالى ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أي لكان هذا القرآن.
(٧) الفراطة التقدم على القوم في السير وقال ثعلب الفراطة في البلاد السعي والذهاب وفي رواية
الفائق وابن قتيبة الفرطة بدون ألف قال في الفائق الفرطة والفروطة التقدم وفي النهاية في
حديث أم سلمة قالت لعائشة ان رسول الله " ص " نهاك عن الفرطة في الدين يعني السبق
والتقدم ومجاوزة الحد " ص " لكن الذي في الفائق وغيره الفرطة في البلاد ثم قال في النهاية
الفرطة بالضم اسم للخروج والتقدم وبالفتح المرة الواحدة " اه‍ " وقال ابن أبي الحديد أي
عن السفر والشخوص من الفرط وهو السبق والتقدم ورجل فارط إلى الماء أي سابق.
(٨) في رواية الفائق لا يثأب بالنساء ان مال ولا يرأب بهن إن صدع ثم قال أثابه إذ قومه وهو
منقول من ثاب إذا رجع لأنه رجع بالمائل إلى الاستقامة " اه‍ " وفي النهاية الرأب الجمع
والشد ومنه حيث أم سلمة لعائشة لا يرأب بهن ان صدع " اه‍ " والصدع الشق والشعب
بمعنى الرأب.
(٩) أي الصفات التي تحمد منهن في الغاية. في الفائق يقال حماداك أن تفعل كذا أي قصارك
وغاية أمرك الذي تحمد عليه " اه‍ ".
(١٠) في الفائق هكذا أورده القتيبي وفسر الأطراف بجمع طرف وهو العين ويدفعه أن الأطراف في
جمع طرف لم يرد به سماع بل قال الخليل أن الطرف لا يثنى ولا يجمع لأنه مصدر طرف إذا
حرك جفونه في النظر ولأنه غير مطابق لخفر الأعراض ولا أكاد أشك أنه تصحيف والصواب
غض الأطراق (أي بالقاف) والمعنى أن يغضضن من أبصارهن مطرقات أي راميات
بأبصارهن إلى الأرض ويتخفرن من السوء معرضات عنه " اه‍ " ولا يبعد أن يكون
الأطراف جمع طرف بالتحريك وغض الأطراف جمعها.
(١١) الخفر شدة الحياء والأعراض جعله الزمخشري في الفائق بالكسر مصدر أعرض ويمكن أن
يكون جمع عرض وهو الجسد يقال فلان طيب العرض أي طيب ريح الجسد.
(١٢) في الفائق الوهازة الخطو يقال هو يتوهز ويتوهس إذا وطئ وطئا ثقيلا وقال ابن الأعرابي
الوهازة مشي الخفرات " اه‍ ".
(١٣) في الفائق نص الناقة دفعها إلى السير وفي النهاية النص التحريك حتى يستخرج أقصى سير
الناقة واصل النص اقصى الشئ وغايته ثم سمي به ضرب من السير سريع ومنه حديث أم
سلمة لعائشة ما كنت قائلة لو أن رسول الله " ص " عارضك ببعض الفلوات ناصة قلوصا من
منهل إلى منهل أي دافعة لها في السير " اه‍ " ومنه حديث منصوص أي مرفوع.
(١٤) هويك والهوي الانحدار في السير.
(١٥) في الفائق وروي سجافته والسدافة الستارة وتوجيهها هتكها وأخذ وجهها كقولك لأخذ قذى
العين تقذية قال العجاج يصف جيشا (يوجه الأرض ويستاق الشجر) أو تغييرها وجعلها لها
وجها غير الوجه الأول.
(١٦) في الفائق العهيدي من العهد كالجهيدي والعجيلي من الجهد والعجلة يقال لا بلغن جهيداي في
هذا الأمر وهو يمشي العجيلي.
(١٧) في الفائق وقاعة الستر موقعه على الأرض إذا أرسلته وروي وقاعة الستر أي وساحة الستر
وموضعه.
(١٨) في الفائق الضمير للستر والمعنى أطوع أوقات كونك وانصرها وقت لزومك ووقت جلوسك
(اه‍) فاطوع مبتدأ وما بعده خبر.
(١٩) في الفائق لو ذكرتك قولا تعرفينه نهشته نهش الرقشاء المطرق الرقشاء الأفعى (اه‍) وفي
رواية ابن قتيبة لنهشت به نهش الرقشاء المطرقة والظاهر أن ما في الفائق تحريف من الناسخ
والصواب نهشت به وهو بالبناء للمفعول أي لعضك ونهشك ما أذكره لك وأذكرك به كما
ينهشك أفعى أي لكانت حالتك - حالة من نهشة أفعى وخصت الرقشاء لأنها من أخبث
الحيات قال النابغة:
- فبت كأني ساورتني ضئيلة * من الرقش في أنيابها السم ناقع -
والأفعى يوصف بالاطراق وكذلك الأسد والنمر والرجل الشجاع قال الشاعر يصف الأفعى:
- اصم أعمى ما يجيب الرقي * من طول اطراق واسبات -
(٢٠) الخبب الخبث كما في تاج العروس عن ابن الأعرابي.
(٢١) بالدال المهملة وفسره ما بعده.
(٤٤٩)

الخدر فقالا يا رسول الله انا لا ندري قدر مقامك فينا فلو جعلت لنا إنسانا
نأتيه بعدك قال إما اني أعرف مكانه واعلم موضعه ولو أخبرتكم به لتفرقتم
عنه كما تفرقت بنو إسرائيل عن عيسى بن مريم فلما خرجت إليه انا
وأنت وكنت جريئة عليه فقلت من كنت جاعلا لهم فقال خاصف النعل
وكان علي بن أبي طالب يصلح نعل رسول الله ص إذا تخرقت ويغسل ثوبه
إذا اتسخ فقلت ما أرى إلا عليا فقال هو ذاك أ تذكرين هذا يا عائشة؟
قالت نعم، ما اقبلني لوعظك واسمعني لقولك فان اخرج ففي غير حرج
وإن اقعد ففي غير باس وحرج، فخرج رسولها فنادى في الناس من أراد أن
يخرج فان أم المؤمنين غير خارجة فدخل عليها عبد الله بن الزبير فنفث في
أذنها وفتلها في الذروة والغارب فخرج رسولها ينادي من أراد أن يسير فليسر
فان أم المؤمنين خارجة فلما كان من ندمها أنشأت أم سلمة تقول:
- لو كان معتصما من زلة أحد * كانت لعائشة الرتبي على الناس -
- كم سنة لرسول الله ذاكرة * وتلو آي من القرآن مدارس -
- قد ينزع الله من قوم عقولهم * حتى يكون الذي يقضي على الناس -
- فيرحم الله أم المؤمنين لقد * كادت تبدل ايحاشا بايناس -
وروي الطبرسي في الاحتجاج محاورة أم سلمة مع عائشة بطريقين
نحوا مما ذكرناه من أرادهما فليرجع إليه والطريق الثاني عن الصادق ع
وأورد الأبيات بتفاوت فقال:
- لو كن معتصما من زلة أحد * كانت لعائشة الرتبي على الناس -
- من زوجة لرسول الله فاضلة * وذكر آي من القرآن مدارس -
- وحكمة لم تكن إلا لهاجسها * في الصدر تذهب عنها كل وسواس -
- يستنزع الله من قوم عقولهم * حتى يمر الذي يقضي على الراس -
- ويرحم الله أم المؤمنين لقد * تبدلت بي ايحاشا بايناس -
فقالت لها عائشة شتمتني يا أخت فقالت لها أم سلمة ولكن الفتنة إذا
أقبلت غطت على البصيرة وإذا أدبرت ابصرها العاقل والجاهل أه‍. وأورد ابن
أبي الحديد في شرح النهج هذه المحاورة نقلا عن أبي مخنف نحو ذلك.
وطلبوا من حفصة المسير معهم إلى البصرة فاجابتهم فمنعها أخوها
عبد الله بن عمر. وجهزهم يعلى بن منية بالستمائة بعير والستمائة ألف
درهم التي معه وجهزهم ابن عامر بمال كثير. قال ابن الأثير: ونادى
مناديها ان أم المؤمنين وطلحة والزبير شاخصون إلى البصرة فمن أراد اعزاز
الاسلام وقتل المحلين والطلب بثار عثمان وليس له مركب وجهاز فليأت
فحملوا ستمائة على ستمائة بعير. واعطى يعلى بن منية عائشة جملا اسمه
عسكر اشتراه بثمانين دينارا فركبته وقيل اشتروه من رجل من عرينة اعطوه
ناقة لها مهربة وزادوه أربعمائة أو ستمائة درهم. وساروا في ستمائة وقيل
تسعمائة وقيل ألف من أهل المدينة ومكة ولحقهم الناس فكانوا في ثلاثة
آلاف رجل ومعهم أبان والوليد ابنا عثمان ومروان بن الحكم وسائر بني
أمية. قال الطبري وأمرت على الصلاة عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد
فكان يصلي بهم في الطريق والبصرة حتى قتل قال فتركت الطريق ليلة وتيامنت
عنها كأنهم سيارة ونجعة مساحلين لم يدن أحد منهم من المنكدر ولا واسط
ولا فلج حتى اتوا البصرة في عام خصب وتمثلت:
- دعي بلاد جموع الظلم إذ صلحت * فيها المياه وسيري سير مذعور -
- تخيري النبت فارعي ثم ظاهرة * وبطن واد من الضمار ممطور -
وبعثت أم الفضل بنت الحارث زوجة العباس بن عبد المطلب بكتاب
إلى أمير المؤمنين ع تخبره الخبر مع رجل من جهينة اسمه ظفر
استأجرته على أن يطوي المنازل فاتاه بكتابها. فلما جازوا بئر ميمون إذا هم
بجزور قد نحرت ونحرها يثعب فتطيروا. وأذن مروان حين فصل من مكة
ثم جاء فقال على أيكما أسلم بالإمرة وأؤذن بالصلاة فقال عبد الله بن الزبير
على أبي عبد الله وقال محمد بن طلحة على أبي محمد فأرسلت عائشة إلى
مروان أ تريد ان تفرق جرنا، ليصل ابن أختي فكان يصلي بهم عبد الله بن
الزبير ومر انها امرت غيره، فكان بعضهم يقول لو ظفرنا لاقتتلنا. وروى
الطبري بسنده عن المغيرة بن الأخنس قال لقي سعيد بن العاص مروان بن
الحكم وأصحابه بذات عرق فقال أين تذهبون وثاركم على اعجاز الإبل
قال ابن الأثير يعني عائشة وطلحة والزبير اقتلوهم ثم ارجعوا إلى
منازلكم لا تقتلوا أنفسكم قالوا بل نسير فلعلنا نقتل قتلة عثمان جميعا.
وإلى ذلك يشير مهيار بقوله في لاميته الطويلة:
- وللقتيل يلزمون دمه * وفيهم القاتل غير من قتل -
فخلا سعيد بطلحة والزبير فقال إن ظفرتما لمن تجعلان الأمر قالا لأحدنا أينا
اختاره الناس قال بل اجعلوه لولد عثمان فإنكم خرجتم تطلبون بدمه قالا
ندع شيوخ المهاجرين ونجعلها لأبنائهم قال فلا أراني أسعى لأخرجهما من
بني عبد مناف فرجع ورجع معه جماعة. قال الطبري. وتبعها أمهات
المؤمنين إلى ذات عرق فبكوا على الاسلام فلم ير يوم كان أكثر باكيا وباكية
من ذلك اليوم فكان يسمى يوم النجيب اه ولم يبين انهم لما ذا تبعوها ومن أي
شئ بكوا على الاسلام. ولما بلغ عليا ع نكث طلحة والزبير
بيعته واجتماعهم مع عائشة على التأليب عليه خطب بالمدينة على ما في
ارشاد المفيد ناسبا له إلى حفظ العلماء عنه فحمد الله وأثنى عليه وقال: أما
بعد فان الله بعث محمدا للناس كافة وجعله رحمة للعالمين فصدع بما أمر به
وبلغ رسالات ربه فلما به الصدع ورتق به الفتق وآمن به السبل وحقن
به الدماء وألف به بين ذوي الإحن والعداوة والوغر في الصدور والضغائن الراسخة
في القلوب ثم قبضه الله إليه حميدا وكان من بعده ما كان من التنازع
في الإمرة فتولى أبو بكر وبعده عمر ثم تولى عثمان
فلما كان من أمره ما عرفتموه اتيتموني فقلتم بايعنا فقلت لا افعل
فقلتم بلى فقلت لا وقبضت يدي فبسطتموها ونازعتكم فجذبتموها حتى
تداككتم علي تداك الإبل الهيم على حياضها يوم وردها حتى ظننت انكم
قاتلي وان بعضكم قاتل بعضا فبسطت يدي فبايعتموني مختارين وبايعني في
أولكم طلحة والزبير طائعين غير مكرهين ثم لم يلبثا ان استأذناني في العمرة
والله يعلم أنهما أرادا الغدرة فجددت عليهما العهد في الطاعة وان لا يبغيا
الأمة الغوائل فعاهداني ثم لم يفيا لي ونكثا بيعتي ونقضا عهدي فعجبا لهما من
انقيادهما لأبي بكر وعمر وخلافهما لي ولست بدون أحد الرجلين ولو شئت
أن أقول لقلت اللهم احكم عليهما بما صنعا في حقي وصغرا من أمري
وظفرني بهما. وحكى ابن أبي الحديد في شرح النهج عن أبي مخنف في كتاب
الجمل أن عليا خطب لما سار الزبير وطلحة من مكة ومعهما عائشة يريدون
البصرة فقال: أيها الناس إن عائشة سارت إلى البصرة ومعها طلحة والزبير
وكل منهما يرى الأمر له دون صاحبه أما طلحة فابن عمها وأما الزبير فختنها
والله لو ظفروا بما أرادوا ولن ينالوا ذلك أبدا ليضربن أحدهما عنق صاحبه
(٤٥٠)

بعد تنازع منهما شديد والله ان راكبة الجمل الأحمر ما تقطع عقبة ولا تحل
عقدة إلا في معصية الله وسخطه حتى تورد نفسها ومن معها موارد الهلكة،
إلى أن قال: ورب عالم قتله جهله ومعه علمه لا ينفعه حسبنا الله ونعم
الوكيل فقد قامت الفتنة فيها الفئة الباغية أين المحتسبون أين المؤمنون ما لي
ولقريش أما والله لقد قتلتهم كافرين ولأقتلنهم مفتونين وما لنا إلى عائشة من
ذنب إلا أنا أدخلناها في حيزنا والله لأبقرن الباطل حتى يظهر الحق من
خاصرته فقل لقريش فلتضج ضجيجها، ثم نزل. قال ابن الأثير: ولما
بلغ عليا خروجهم إلى العراق دعا وجوه أهل المدينة فخطبهم فحمد الله
وأثنى عليه ثم قال إن آخر هذا الأمر لا يصلح إلا بما صلح أوله فانصروا
الله ينصركم ويصلح لكم أمركم فتثاقلوا فلما رأى زياد بن حنظلة تثاقلهم
قال له من تثاقل عنك فانا نخف معك فنقاتل دونك وقام رجلان صالحان
من أعظم الأنصار أبو الهيثم بن التيهان وهو بدري وخزيمة بن ثيت قيل ذو
الشهادتين وقيل غيره لأن ذا الشهادتين مات أيام عثمان فأجابا إلى نصرته
وقال أبو قتادة الأنصاري لعلي يا أمير المؤمنين ان رسول الله ص قلدني هذا
السيف وقد أغمدته زمانا وقد حان تجريده على هؤلاء القوم الظالمين الذين
لا يألون الأمة غشا وقالت أم سلمة يا أمير المؤمنين لولا أن اعصي الله
وانك لا تقبله مني لخرجت معك وهذا ابني عمر وهو والله أعز علي من نفسي
يخرج معك ويشهد مشاهدك فخرج معه ولم يزل معه واستعمله على
البحرين. واستخلف علي على المدينة تمام بن العباس وقيل سهل بن حنيف
وعلى مكة قثم بن العباس، وخرج معه من نشط من الكوفيين والبصريين
متخففين في سبعمائة رجل وهو يرجو أن يدركهم فيردهم قبل وصولهم إلى
البصرة أو يوقع بهم وسار من المدينة في تعبيته التي تعباها لأهل الشام آخر
ربيع الأول سنة ٣٦ حتى انتهى إلى الربذة فاتاه الخبر بأنهم سبقوه.
قال المفيد: لما نزل أمير المؤمنين ع الربذة لقيه بها آخر
الحاج فاجتمعوا ليسمعوا من كلامه، وهو في خبائه، قال ابن عباس:
فاتيته فوجدته يخصف فعلا فقلت له: نحن إلى أن تصلح امرنا أحوج منا
إلى ما تصلح فلم يكلمني حتى فرع من نعله ثم ضمها إلى صاحبتها وقال
لي قومهما، فقلت ليس لهما قيمة، قال: على ذاك، قلت: كسر درهم
قال: والله لهم أحب إلي من أمركم هذا إلا أن أقيم حقا أو أدفع باطلا.
قلت إن الحاج قد اجتمعوا ليسمعوا من كلامك فتأذن لي أن أتكلم فإن كان
حسنا كان منك وإن كان غير ذلك كان مني قال: لا،
أنا أتكلم، ثم وضع يده على صدري وكان شنن الكفين فالمني ثم
قام فأخذت بثوبه وقلت نشدتك الله والرحم، كأنه خاف أن يتكلم
بما ينفر الحاج قال: لا تنشدني ثم خرج
فاجتمعوا عليه فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فان الله بعث محمدا
وليس في العرب أحد يقرأ كتابا ولا يدعي نبوة فساق الناس إلى منجاتهم أما
والله ما زلت في ساقتها ما غيرت ولا بدلت ولا خنت حتى تولت بحذافيرها
ما لي ولقريش أما والله لقد قاتلتهم كافرين ولأقاتلنهم مفتونين وان مسيري
هذا عن عهد إلي فيه أما والله لأبقرن الباطل حتى يخرج الحق من خاصرته
ما تنقم منا قريش إلا أن الله اختارنا عليهم فأدخلناهم في حيزنا وانشد:
أدمت لعمري شربك المحض خالصا واكلك بالزبد المقشرة البجرا
- ونحن وهبناك العلاء ولم تكن * عليا وحطنا دونك الجرد والسمرا -
وأرسل علي ع إلى المدينة فاتاه ما يريد من دابة وسلاح واتاه وهو
بالربذة جماعة من طئ فقيل له هذه جماعة قد أتتك منهم من يريد الخروج
معك ومنهم من يريد التسليم عليك قال جزى الله كليهما خيرا وفضل
المجاهدين على القاعدين اجرا عظيما ثم سار من الربذة وعلى مقدمته أبو
ليلى بن عمر بن الجراح والراية مع محمد بن الحنفية وعلى الميمنة عبد الله بن
العباس وعلى الميسرة عمر بن أبي سلمة وعلي على ناقة حمراء يقود فرسا كميتا
حتى نزل بفيد فاتته أسد وطئ فعرضوا عليه أنفسهم فقال الزموا قراركم في
المهاجرين كفاية.
وسارت عائشة ومن معها حتى مروا بماء يدعى الحوأب فنبحتهم
كلابه فقالوا أي ماء هذا؟ قيل هذا ماء الحوأب، فصرخت عائشة بأعلى
صوتها ثم ضربت عضد بعيرها فاناخته ثم قالت والله صاحبة كلاب الحوأب
طرقوا، ردوني تقولها ثلاثا، فاناخت وأناخوا حولها يوما وليلة فقال لها
عبد الله بن الزبير انه كذب وجاءوا لها بأربعين رجلا وقيل بخمسين من
الاعراب رشوهم فشهدوا أن هذا ليس بماء الحوأب. قال أبو مخنف فقال لها
قائل مهلا يرحمك الله فقد جزنا ماء الحوأب قالت فهل من شاهد فلفقوا لها
خمسين أعرابيا جعلوا لهم جعلا فحلفوا لها أن هذا ليس بماء الحوأب فسارت
اه وكانت أول شهادة زور أقيمت في الاسلام: وروى الحاكم في
المستدرك بسنده عن أم سلمة قالت ذكر النبي ص خروج بعض أمهات
المؤمنين فضحكت عائشة فقال انظري يا حميراء ان لا تكوني أنت
الحديث وبسنده عن قيس بن أبي حازم لما بلغت عائشة بعض ديار بني
عامر نبحت عليها الكلاب فقالت أي ماء هذا قالوا الحوأب قالت ما أظنني
الا راجعة فقال الزبير لا تقدمي ويراك الناس ويصلح الله ذات بينهم قالت
ما أظنني الا راجعة سمعت رسول الله ص يقول كيف بإحداكن إذا نبحتها
كلاب الحوأب. قال الطبري ولم يزل بها عبد الله بن الزبير وهي تمتنع فقال
لها النجاء النجاء قد أدرككم علي بن أبي طالب فارتحلوا نحو البصرة فلما
كانوا قريبا منها أرسلت عبد الله بن عامر بن كريز الذي كان أميرا على
البصرة من قبل عثمان وله فيها صنائع فاندس إلى البصرة وكتبت إلى
الأحنف بن قيس وجماعة من وجوه البصرة وأقامت بالحفير تنتظر الجواب ولما
بلغ ذلك عثمان بن حنيف أمير البصرة من قبل علي ع ارسل إليها
عمران بن حصين وكان رجل عامة وأبو الأسود الدؤلي وكان رجل خاصة
فانتهيا إليها بالحفير فاذنت لهما فدخلا وسلما وسألاها عن مسيرها فقالت ما
مثلي يغطي لبنيه الخبر أن الغوغاء ونزاع القبائل غزوا حرم رسول الله ص
وأحدثوا فيه وآووا المحدثين فاستوجبوا لعنة الله ولعنة رسوله مع ما نالوا من
قتل المسلمين بلا ترة ولا عذر فسفكوا الدم الحرام وانتهبوا المال الحرام
وأحلوا البلد الحرام والشهر الحرام فخرجت في المسلمين اعلمهم ما أتى
هؤلاء وما الناس فيه وراءنا وما ينبغي لهم من اصلاح هذه القصة وقرأت:
لا خير في كثير من نجواهم الآية فهذا شاننا إلى معروف نأمركم به
ومنكر ننهاكم عنه. فخرجا من عندها واتيا طلحة فقالا ما أقدمك قال
الطلب بدم عثمان قالا أ لم تبايع عليا قال بلى والسيف على عنقي وما استقبل
عليا البيعة إن لم يحل بيننا وبين قتلة عثمان فاتيا الزبير فقالا له مثل ذلك
فأجابهما بمثل قول طلحة ورجعا إلى عثمان، ونادى مناديها بالرحيل، فدخلا
على عثمان فقال أبو الأسود:
- يا ابن حنيف قد أتيت فانفر * وطاعن القوم وجالد واصبر -
- وابرز لهم مستلئما وشمر -
فقال عثمان: إنا لله وإنا إليه راجعون دارت رحى الاسلام ورب
(٤٥١)

الكعبة، فقال عمران: لتعركنكم عركا طويلا، قال فأشر علي، قال
اعتزل فاني قاعد، قال بل أمنعهم حتى يأتي أمير المؤمنين، فانصرف
عمران إلى بيته وقام عثمان في امره.
وقال أبو مخنف: لما انتهت عائشة وطلحة والزبير إلى حفر أبي موسى
قريبا من البصرة ارسل عثمان بن حنيف عامل علي على البصرة إلى القوم أبا
الأسود الدؤلي يعلم له علمهم فجاء حتى دخل على عائشة فسألها عن
مسيرها قالت أطلب بدم عثمان قال إنه ليس بالبصرة من قتلة عثمان أحد
قالت صدقت ولكنهم مع علي بن أبي طالب بالمدينة وجئت استنهض أهل
البصرة لقتاله أ نغضب لكم من سوط عثمان ولا نغضب لعثمان من سيوفكم
فقال لها ما أنت من السوط والسيف إنما أنت حبيس رسول الله ص امرك ان
تقري في بيتك وتتلي كتاب ربك وليس على النساء قتال ولا لهن الطلب
بالدماء وان عليا لاولى بعثمان منك أمس رحما فإنهما ابنا عبد مناف قالت
لست منصرفة حتى امضي لما قدمت له أ فنظن يا أبا الأسود أن أحدا يقدم
على قتالي قال أما والله لتقاتلن قتالا أهونه الشديد ثم قام فاتى الزبير فقال يا
أبا عبد الله عهد الناس بك وأنت يوم بويع أبو بكر آخذ بقائم سيفك تقول
لا أحد أولى بهذا الأمر من ابن أبي طالب وأين هذا المقام من ذاك فذكر له
دم عثمان فقال أنت وصاحبك وليتماه فيما بلغنا قال فانطلق إلى طلحة
فاسمع ما يقول فذهب إلى طلحة فوجده مصرا على الحرب والفتنة فرجع
إلى عثمان بن جنيف فقال إنها الحرب فتأهب لها فاتاه هشام بن عامر فخوفه
عاقبة الحرب وقال ارفق بهم وسامحهم حتى يأتي أمر علي فابى ونادى عثمان
في الناس وأمرهم بلبس السلاح فاجتمعوا إلى المسجد وأمرهم بالتجهيز
وأراد عثمان أن يعرف ما عند الناس فدس إليهم رجلا خدعا كوفيا قيسيا
فقام فقال أيها الناس ان هؤلاء القوم الذين جاءوكم إن كانوا جاءوكم
خائفين فقد اتوا من بلد يامن فيها الطير وإن كانوا جاءوا يطلبون بدم
عثمان فما نحن بقتلته فأطيعوني وردوهم من حيث جاءوا فقام الأسود بن
سريع السعدي فقال إنما اتوا يستعينون بنا على قتلة عثمان منا ومن غيرنا
فحصبه الناس فعرف عثمان ان لهم بالبصرة ناصرا فكسره ذلك وأقبلت
عائشة فيمن معها حتى انتهوا إلى المربد وخرج إليها من أهل البصرة من
أراد أن يكون معها ووقفوا حتى خرج عثمان فيمن معه وتكلم طلحة فحمد
الله وأثنى عليه وذكر عثمان وفضله وما استحل منه ودعا إلى الطلب بدمه
وحث عليه وكذلك الزبير فقال أصحابهما صدقا وبرا وامرا بالحق وقال
أصحاب ابن حنيف فجرا وغدرا وامرا بالباطل بايعا عليا ثم جاءا يقولان ما
يقولان وتحاثى الناس وتحاصبوا وأرهجوا، فخطبت عائشة وكانت جهورية
الصوت، فحمدت الله وقالت: كان الناس يتجنون على عثمان ويزرون
على عماله ويأتوننا بالمدينة فيستشيروننا فيما يخبرنا عنهم فننظر في ذلك
فنجده برا تقيا وفيا ونجدهم فجرة غدرة كذبة فلما قووا كاثروه واقتحموا
عليه داره واستحلوا الدم الحرام والشهر الحرام والبلد الحرام بلا ترة ولا
عذر، إلا مما ينبغي لا ينبغي لكم غيره أخذ قتلة عثمان وإقامة كتاب الله،
وقرأت: أ لم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب الآية فافترق أصحاب
ابن حنيف فرقتين: فرقة قالت صدقت وبرت، وقال آخرون كذبتم والله
ما نعرف ما جئتم به فتحاثوا وتحاصبوا فلما رأت عائشة ذلك انحدرت ومال
بعض أصحاب ابن حنيف إلى عائشة وبقي بعضهم معه. قال الطبري
وابن الأثير: واقبل جارية بن قدامة السعدي فقال يا أم المؤمنين والله لقتل
عثمان أهون من خروجك من بيتك على هذا الجمل الملعون عرضة للسلام
انه قد كان لك من الله ستر وحرمة فهتكت سترك وأبحت حرمك انه من
رأى قتالك يرى قتلك إن كنت أتيتنا طائعة فارجعي إلى منزلك وإن كنت
أتيتنا مكرهة فاستعيني بالناس. وخرج غلام من بني سعد إلى طلحة والزبير
فقال أرى أمكما معكما فهل جئتما بنسائكما قالا لا قال فما أنا منكم في شئ
واعتزل وقال في ذلك:
- صنتم حلائلكم وقدتم أمكم * هذا لعمرك قلة الإنصاف -
- امرت بجر ذيولها في بيتها * فهوت تشق البيد بالإيجاف -
- غرضا يقاتل دونها أبناؤها * بالنبل والخطي والأسياف -
- هتكت بطلحة والزبير ستورها * هذا المخبر عنهم والكافي -
واقبل حكيم بن جبلة العبدي وهو على الخيل فانشب القتال وأشرع
أصحاب عائشة رماحهم وامسكوا ليمسك حكيم وأصحابه فلم ينته وحكيم
يذمر خيله ويركبهم بها ويقول:
- طعنا دراكا انها قريش * ليردبنها جبينها والطبش -
واقتتلوا على فم السكة وأشرف أهل الدور ممن كان له في واحد من
الفريقين هوى فرموا الآخرين بالحجارة. وحجر الليل بينهم ورجع عثمان
إلى القصر واتى أصحاب عائشة إلى ناحية دار الرزق وباتوا يتأهبون وبات
الناس يأتونهم واجتمعوا بساحة دار الرزق وأصبح عثمان بن حنيف فناداهم
وغدا حكيم بن جبلة فاقتتلوا بدار الرزق قتالا شديدا إلى الزوال وكثر القتل
في أصحاب ابن حنيف وكثر الجراح في الفريقين فلما عضتهم الحرب تنادوا
إلى الصلح وتوادعوا فكتبوا بينهم كتابا على أن يبعثوا رسولا إلى المدينة يسال
أهلها فإن كان طلحة والزبير أكرها على البيعة خرج ابن حنيف عن البصرة
والا خرج عنها طلحة والزبير وأرسلوا كعب بن سور إلى المدينة يسألهم فلم
يجبه أحد إلا أسامة بن زيد فقال لم يبايعا إلا وهما كارهان، فامر به تمام بن
العباس فواثبه سهل بن حنيف والناس، وثار صهيب وأبو أيوب الأنصاري
في عدة فيهم محمد بن مسلمة حين خافوا أن يقتل أسامة واخذ صهيب أسامة
إلى منزله ورجع كعب وبلغ عليا الخبر فبادر بالكتاب إلى عثمان يعجزه
ويقول والله ما أكرها على فرقة ولقد أكرها على جماعة وفضل (١) فان كانا
يريدان الخلع فلا عذر لهما وإن كانا يريدان غير ذلك نظرنا ونظروا فقدم
الكتاب على عثمان وقدم كعب بن سور فارسلوا إلى عثمان ليخرج فاحتج
بالكتاب وقال هذا أمر آخر غير ما كنا فيه فجمع طلحة والزبير الرجال في
ليلة مظلمة ذات رياح وندى ومطر ثم قصد المسجد فوافيا صلاة العشاء
وكانوا يؤخرونها فأبطأ عثمان بن حنيف فقدما عبد الرحمن بن عتاب فشهر
الزط (٢) والسبابجة (٣) السلاح ثم وضعوه فيهم فاقبلوا عليهم فاقتتلوا في
المسجد فقتلوا السبابجة وهم أربعون رجلا فادخلا الرجال على عثمان
فاخرجوه إليهما فوطئوه باقدامهم فارسلوا إلى عائشة فقالت اطلقوه وقيل بل
قالت اقتلوه فقالت لها امرأة نشدتك الله في عثمان وصحبته لرسول الله ص
فقالت احبسوه وقال لهم مجاشع بن مسعود اضربوه وانتفوا لحيته وحاجبيه
وأشفار عينيه فضربوه أربعين سوطا ونتفوا لحيته وحاجبيه وأشفار عينيه

(١) يعني ان صح انهما أكرها فلم يكرها على أمر قبيح كالفرقة حتى يتركا ما أكرها عليه ولو فرض
الاكراه فهو على جماعة وفضل فليس لهما مخالفة ذلك وقد عرفت انهما بايعا طائعين.
(٢) الزط جنس من السودان والهنود.
(٣) السبابجة بالبائين الموحدتين والجيم قال الجواهري: السبابجة قوم من السند كانوا بالبصرة
جلاوزة وحراس السجن. - المؤلف -
(٤٥٢)

وحبسوه ودخلوا القصر وأخرجوا منه الحرس الذين كانوا مع عثمان وكانوا
يعتقبون حرس عثمان في كل يوم وفي كل ليلة أربعون. قال الطبري
فيما رواه: كتبت عائشة لما قدمت البصرة إلى زيد بن صوحان بالكوفة: من
عائشة أم المؤمنين حبيبة رسول الله ص إلى ابنها الخالص زيد بن صوحان
أما بعد فإذا اتاك كتابي هذا فاقدم فانصرنا على أمرنا هذا فإن لم تفعل فخذل
الناس عن علي فكتب إليها: من زيد بن صوحان إلى عائشة أما بعد فانا
ابنك الخالص ان اعتزلت هذا الأمر ورجعت بيتك والا فانا أول من
نابذك. قال زيد بن صوحان رحم الله أم المؤمنين امرت أن تلزم بيتها
وأمرنا أن نقاتل فتركت ما امرت به وامرتنا به وصنعت ما أمرنا به ونهتنا
عنه.
وقيل في اخذ ابن حنيف غير هذا وهو انه لما قدمت عائشة ومن معها
البصرة قال لهم عثمان بن حنيف ما نقمتم على صاحبكم؟ فقالوا لم نره
أولى بها منا وقد صنع ما صنع قال فان الرجل امرني فاكتب إليه فاعلمه ما
جئتم له على أن أصلي أنا بالناس حتى يأتينا كتابه فوقفوا عنه فكتب فلم
يلبث الا يومين أو ثلاثة حتى وثبوا على عثمان عند مدينة الرزق فظفروا به
وأرادوا قتله ثم خشوا غضب الأنصار فنتفوا شعر رأسه ولحيته وحاجبيه
وضربوه وحبسوه وأصبح طلحة والزبير بعد اخذ ابن حنيف وبيت المال
والحرس في أيديهما فجعلوا على بيت المال عبد الرحمن بن أبي بكر والناس
معهما ومن لم يكن معهما استتر، وقام طلحة والزبير خطيبين فقالا يا أهل
البصرة توبة لحربة إنما أردنا ان نستعتب أمير المؤمنين عثمان فغلب السفهاء
الحلماء فقتلوه، فقال الناس لطلحة يا أبا محمد قد كانت كتبك تأتينا بغير
هذا فقال الزبير هل جاءكم مني كتاب في شانه ثم ذكر قتل عثمان وأظهر
عيب علي فقام إليه رجل من عبد القيس فقال يا معشر المهاجرين أنتم أول
من أجاب رسول الله ص فكان لكم بذلك فضل ثم دخل الناس في
الاسلام كما دخلتم فلما توفي رسول الله ص بايعتم رجلا منكم فرضينا
وسلمنا ولم تستأمرونا في شئ ثم مات واستخلف عليكم رجلا فلم
تشاورونا فرضينا وسلمنا فلما توفي جل أمركم إلى ستة فاخترتم عثمان عن
غير مشورتنا ثم أنكرتم منه شيئا فقتلتموه عن غير مشورة منا ثم بايعتم عليا
عن مشورة منا فما الذي نقمتم عليه فنقاتله هل استأثر بفئ أو عمل بغير
الحق أو اتى شيئا تنكرونه فنكون معكم عليه فهموا بقتل الرجل فمنعته
عشيرته فلما كان الغد وثبوا عليه وعلى من معه وقتلوا منهم سبعين. وبلغ
حكيم بن جبلة ما صنع بعثمان بن حنيف فقال لست أخاف الله ان لم
انصره فجاء في جماعة من عبد القيس وبكر بن وائل وأكثرهم عبد القيس
وتوجه نحو دار الرزق وبها طعام يرتزقه الناس فأراد عبد الله بن الزبير ان
يرزقه أصحابه فقال عبد الله ما لك يا حكيم؟ قال نريد أن نرتزق من هذا
الطعام وان تخلوا عثمان فيقيم في دار الامارة على ما كتبتم بينكم حتى يقدم
علي والله لو أجد أعوانا عليكم ما رضيت بهذه منكم حتى أقتلكم بمن قتلتم
ولقد أصبحتم وان دماءكم لنا لحلال بمن قتلتم من اخواننا أ ما تخافون الله
عز وجل بم تستحلون سفك الدماء؟ قال بدم عثمان، قال فالذين قتلتم
قتلوا عثمان؟ ما تخافون مقت الله؟ فقال له ابن الزبير لا نرزقكم من هذا
الطعام ولا نخلي سبيل عثمان بن حنيف حتى يخلع عليا. قال حكيم اللهم
أنك حكم عدل فاشهد وقال لأصحابه اني لست في شك من قتال هؤلاء
ونادى أصحاب عائشة من لم يكن من قتلة عثمان فليكفف عنا فانا لا نريد
إلا قتله عثمان فانشب حكيم القتال ولم يرع للمنادي فاقتتلوا قتالا شديدا
ومع حكيم أربعة قواد فكان حكيم بحيال طلحة وذريح بحيال الزبير وابن
المحرش بحيال عبد الرحمن بن عتاب وحرقوص بن زهير بحيال عبد
الرحمن بن الحارث بن هشام فزحف طلحة لحكيم وهو في ثلثمائة رجل
وجعل حكيم يضرب السيف ويقول:
- اضربهم باليابس * ضرب غلام عابس -
- من الحياة آيس * في الغرفات نافس -
فضرب رجل ساق حكيم فقطعها فاخذ حكيم ساقه فرماه بها فأصاب
عنقه فصرعه ووقذه ثم حبا إليه فقتله واتكأ عليه وقال:
- يا فخذ لا تراعي * ان معي ذراعي -
- أحمى بها كراعي -
وقال:
- أقول لما جد بي زماعي * للرجل يا رجلي لن تراعي -
- ان معي من نجدة ذراعي -
وقال:
- ليس علي ان أموت عار * والعار في الناس هو الفرار -
- والمجد لا يفضحه الدمار -
فاتى عليه رجل وهو رثيث رأسه على آخر، فقال ما لك يا حكيم؟
قال قتلت قال من قتلك؟ قال وسادتي فاحتمله فضمه في سبعين من
أصحابه فتكلم يومئذ حكيم وإنه لقائم على رجل واحدة وإن السيوف
لتأخذهم فما يتعتع ويقول إنا خلفنا هذين وقد بايعا عليا وأعطياه الطاعة ثم
أقبلا مخالفين محاربين يطلبان بدم عثمان بن عفان ففرقا بيننا ونحن أهل دار
وجوار اللهم انهما لم يريدا عثمان فقتل حكيم والسبعون الذين معه من عبد
القيس وقتل مع حكيم ابنا الأشرف وأبو الرعل بن جبلة واختلف في قاتل
حكيم فقيل قتله رجل من الحدان يقال له ضخم وقيل قتله يزيد بن
الأسحم الحداني فوجد حكيم قتيلا بين يزيد بن الأسحم وأخيه كعب بن
الأسحم وهما مقتولان فلما قتل حكيم أرادوا قتل عثمان بن حنيف فقال لهم
إن أخي سهلا وال على المدينة فان قتلتموني قتل منكم فاطلقوه وقتل ذريح
ومن معه وافلت حرقوص بن زهير في نفر من أصحابه فلجأوا إلى قومهم،
ثم صار حرقوص بعد ذلك من الخوارج وقتل يوم النهروان. فنادى منادي
طلحة والزبير من كان فيهم أحد ممن غزا المدينة فليأتنا بهم فجئ بهم فقتلوا
ولم ينج منهم إلا حرقوص بن زهير فان عشريته بنى سعد منعوه فمسهم في
ذلك أمر شديد وضربوا لهم فيه اجلا وخشنوا صدور بني سعد مع أنهم
عثمانية وغضبت عبد القيس حين غضبت سعد لمن قتل بعد الوقعة ومن
كان هرب إليهم إلى ما هم عليه من لزوم طاعة علي، وامر طلحة والزبير
للناس بأعطياتهم وارزاقهم وفضلا أهل السمع والطاعة فخرجت عبد
القيس وكثير من بكر بن وائل حين منعوهم الفضول فبادروهم إلى بيت المال
وأكب عليهم الناس فأصابوا منهم وخرجوا حتى نزلوا على طريق علي وكتب
طلحة والزبير إلى أهل الشام يخبرونهم بذلك ويحثونهم على النهوض فكان مما
كتبوا به إنا خرجنا لوضع الحرب وإقامة كتاب الله فبايعنا خبار أهل البصرة
وخالفنا شرارهم وقالوا فيما قالوا نأخذ أم المؤمنين رهينة إن امرتهم بالحق
وحثتهم عليه وإننا نناشدكم الله في أنفسكم إلا نهضتم بمثل ما نهضنا به
وكتبوا إلى أهل الكوفة وأهل اليمامة وأهل المدينة وكتبت عائشة إلى أهل
(٤٥٣)

الكوفة تخبرهم بذلك وتامرهم ان يثبطوا الناس عن علي وتحثهم على طلب
قتلة عثمان فمما ذكرته في كتابها أقيموا كتاب الله بإقامة ما فيه قدمنا
البصرة فدعوناهم إلى إقامة كتاب الله فأجابنا الصالحون واستقبلنا من لا خير فيه
بالسلاح وعزم عليهم عثمان بن حنيف ألا قاتلوني حتى منعني الله عز وجل
بالصالحين واحتجوا بأشياء فاصطلحنا عليها فخافوا وغدروا وخانوا
وحشروا. وكتبت إلى رجال بأسمائهم: فثبطوا الناس عن هؤلاء القوم
ونصرتهم واجلسوا في بيوتكم فان هؤلاء لم يرضوا بما صنعوا بعثمان بن
عفان وفرقوا بين جماعة الأمة وخالفوا الكتاب والسنة حتى شهدوا علينا
بالكفر فأنكر ذلك الصالحون وقالوا ما رضيتم إن قتلتم الامام حتى خرجتم
على زوجة نبيكم ان امرتكم بالحق لتقتلوها وأصحاب رسول الله وأئمة
المسلمين فكان ذلك الدأب ستة وعشرين يوما ندعوهم إلى الحق فغدروا
وخانوا فغادروني في الغلس ليقتلوني والذي يحاربهم غيري فلم يبرحوا حتى
بلغوا سدة بيتي فوجدوا نفرا على الباب فدارت عليهم الرحى. وكتبت إلى
أهل اليمامة وأهل المدينة. وكانت هذه الوقعة لخمس بقين من ربيع الآخر
سنة ست وثلاثين وبايع أهل البصرة طلحة والزبير فقال الزبير ألا ألف
فارس أسير بهم إلى علي ثم اقتله بياتا أو صباحا قبل أن يصل إلينا فلم يجبه
أحد فقال إن هذه للفتنة التي كنا نحدث عنها فقال له مولاه أ تسميها فتنة
وتقاتل فيها.
وكان علي ع ارسل وهو بالربذة محمد بن أبي بكر ومحمد بن
جعفر إلى الكوفة وكتب إليهم اني اخترتكم على الأمصار وفزعت إليكم لما
حدث فكونوا لدين الله أعوانا وأنصارا وانهضوا إلينا فالاصلاح نريد لتعود
هذه الأمة اخوانا فقدما الكوفة وأتيا أبا موسى بكتاب علي وقاما في الناس
بأمره فلم يجابا إلى شئ واستشار ناس من أهل الحجي أبا موسى فقال
القعود سبيل الآخرة والخروج سبيل الدنيا فغضب محمد ومحمد وأغلظا لأبي
موسى فلم ينجع فيه فانطلقا إلى علي فأخبراه الخبر وهو بذي قار. ولما نزل
علي ع الثعلبية اتاه خبر عثمان بن حنيف فأخبر أصحابه وقال
اللهم عافني مما ابتليت به طلحة والزبير من قتل المسلمين فلما انتهى إلى
الآساد اتاه خبر حكيم بن جبلة فقال:
- دعا حكيم دعوة الزماع * حل بها منزلة النزاع -
فلما نزل بذي قار اتاه فيها عثمان بن حنيف وليس في وجهه شعره
وقيل اتاه بالربذة فقال يا أمير المؤمنين بعثتني ذا لحبة وقد جئتك أمرد فقال
أصبت اجرا وخيرا. قال المفيد: ولما نزل بذي قار اخذ البيعة على من
حضره وتكلم فأكثر من الحمد لله والثناء عليه والصلاة على رسول الله ص ثم
قال قد جرت أمور صبرنا عليها في أعيننا القذى تسليما لأمر الله تعالى فيما
امتحننا به ورجاء الثواب على ذلك وكان الصبر عليها أمثل من أن يتفرق
المسلمون وتسفك دماؤهم نحن أهل بيت النبوة وعترة الرسول وأحق الخلق
بسلطان الرسالة ومعدن الكرامة التي ابتدأ الله بها هذه الأمة وهذا طلحة
والزبير وليسا من أهل النبوة ولا من ذرية الرسول حين رأيا ان الله قد رد
علينا حقنا بعد اعصر لم يصبرا حولا واحدا ولا شهرا كاملا حتى وثبا على
دأب الماضين قبلهما ليذهبا بحقي ويفرقا جماعة المسلمين عني. وأقام بذي
قار ينتظر محمدا ومحمدا فاتاه الخبر بما لقيت ربيعة وخروج عبد القيس
ونزولهم بالطريق كما تقدم فقال عبد القيس خير ربيعة وفي كل ربيعة خير
وقال:
- يا لهف ما نفسي على ربيعة * ربيعة السامعة المطيعة -
- قد سبقتني فيهم الوقيعة * دعا علي دعوة سميعه -
- حلوا بها المنزلة الرفيعة -
وعرضت عليه بكر بن وائل فقال لها ما قال لطئ وأسد ولما جاءه
محمد ومحمد واخبراه خبر أبي موسى بذي قار قال للأشتر أنت صاحبنا في أبي
موسى اذهب أنت وابن عباس فاصلح ما أفسدت، وكان الأشتر أشار
بابقاء أبي موسى لما أراد أمير المؤمنين ع عزله، فاتيا الكوفة فكلما أبا
موسى واستعانا عليه بنفر من أهلها فلم يكن من أبي موسى غير التثبيط،
فقال في جملة كلامه: هذه فتنة صماء النائم فيها خير من اليقظان واليقظان
خير من القاعد والقاعد خير من القائم والقائم خير من الراكب والراكب خير
من الساعي فأغمدوا السيوف وانصلوا الأسنة واقطعوا الأوتار حتى تنجلي
هذه الفتنة وكان يكرر هذا الكلام ونحوه في كل مقام فرجعا إلى علي فأخبراه
الخبر فأرسل ابنه الحسن وعمار بن ياسر وقيل بل أرسلهما أولا ثم ارسل
الأشتر وابن عباس وهو الأقرب إلى الاعتبار فان الحسن ع وعمارا شأنهما
اللين والرفق والأشتر شانه الشدة فلما لم يفد في أبي موسى الرفق استعملت
الشدة وآخر الدواء الكي فاقبل الحسن وعمار حتى دخلا المسجد فلقيهما
المسروق بن الأجدع فسلم وأقبل على عمار فقال يا أبا اليقظان علا م قتلتم
عثمان فجرى بينهما في ذلك حوار وخرج أبو موسى فضم الحسن إليه وجعل
يكلم عمارا في قتل عثمان ويؤنبه فقال له الحسن لم تثبط الناس عنا فوالله ما
أردنا إلا الإصلاح ولا مثل أمير المؤمنين يخاف على شئ؟ فقال صدقت
بأبي أنت وأمي ولكن المستشار مؤتمن سمعت رسول الله يقول ستكون
فتنة القاعدة فيها خير من القائم والقائم خير من الماشي والماشي خير من
الراكب وقد جعلنا الله اخوانا وحرم علينا دماءنا وأموالنا، وتلا في ذلك
آيات، قال الطبري فغضب عمار وساءه وقال ابن الأثير وسبه وقال يا أيها
الناس إنما قال له خاصة أنت فيها قاعدا خير منك قائما أقول العجب
لأبي موسى يحتج بمثل هذا الذي لا حجة فيه ويغفل عن قوله تعالى: وإن
طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فاصلحوا بينهما فان بغت إحداهما على الأخرى
فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله. وقام رجل من بني تميم فقال
لعمار: اسكت أيها العبد أنت أمس مع الغوغاء واليوم تسافه أميرنا وثار
زيد بن صوحان وطبقته وثار الناس ووقف زيد على باب المسجد ومعه
كتابان من عائشة إليه وإلى أهل الكوفة وفيهما الامر بملازمة بيوتهم أو نصرتها
فقرأهما على الناس وقال امرت ان تقر في بيتها وأمرنا ان نقاتل حتى لا تكون
فتنة فامرتنا بما امرت به وركبت ما امرنا به فقال له شبث بن ربعي: يا
عماني لأنه من عبد القيس وهم يسكنون عمان وعابه وتهاوى الناس
وقام أبو موسى يسكن الناس ويثبطهم عن الخروج إلى علي ع بشتى
الأفانين وبكلام طويل فقام زيد فشال يده المقطوعة فقال يا عبد الله بن قيس
رد الفرات على ادراجه اردده من حيث يجئ حتى يعود كما بدأ فان قدرت
على ذلك فستقدر على ما تريد فدع عنك ما لست مدركه ثم قرأ: ألم
أ حسب الناس ان يتركوا إلى آخر الآيتين ثم قال سيروا إلى أمير المؤمنين
وسيد المسلمين وانفروا إليه أجمعين تصيبوا الحق، وقال عبد الخير الخيواني
يا أبا موسى هل بايع طلحة والزبير عليا قال نعم قال هل أحدث علي ما
يحل به نقض بيعته قال لا أدري، قال لا دريت، نحن نتركك حتى
تدري، هل تعلم أحدا خارجا من هذه الفتنة، إنما الناس أربع فرق علي
بظهر الكوفة وطلحة والزبير بالبصرة ومعاوية بالشام وفرقة بالحجاز لا غناء
بها ولا يقاتل بها عدو، قال أبو موسى أولئك خير الناس وهي فتنة، فقال
(٤٥٤)

عبد الخير غلب عليك غشك يا أبا موسى، وقال سيحان بن صوحان أيها
الناس لا بد لهذا الامر وهؤلاء الناس من وال يدفع الظالم ويعز المظلوم
ويجمع الناس وهذا واليكم يعني أمير المؤمنين ع يدعوكم لتنظروا فيما
بينه وبين صاحبيه وهو المأمون على الأمة الفقيه في الدين فمن نهض إليه فانا
سائرون معه وقام الحسن بن علي فقال أيها الناس أجيبوا دعوة أميركم
وسيروا إلى إخوانكم فإنه سيوجد لهذا الأمر من ينفر إليه والله لأن يليه أولو
النهي أمثل في العاجل والآجل وخير في العاقبة فأجيبوا دعوتنا وأعينونا على
ما ابتلينا به وابتليتم وإن أمير المؤمنين يقول قد خرجت مخرجي هذا ظالما أو
مظلوما وإني أذكر الله رجلا رعى حق الله الا نفر، فان كنت مظلوما أعانني
وإن كنت ظالما اخذ مني، والله إن طلحة والزبير لأول من بايعني وأول من
غدر فهل استأثرت بمال أو بدلت حكما فانفروا فمروا بالمعروف وانهوا عن
المنكر، فسامح الناس وأجابوا. واتي قوم من طئ عدي بن حاتم فقالوا
ما ذا ترى وما تأمر؟ فقال قد بايعنا هذا الرجل وقد دعانا إلى جميل وإلى هذا
الحدث العظيم لننظر فيه ونحن سائرون وناظرون، فقام هند بن عمرو
فقال إن أمير المؤمنين قد دعانا وأرسل إلينا رسله حتى جاءنا ابنه فاسمعوا
إلى قوله وانتهوا إلى أمره وانفروا إلى أميركم فانظروا معه في هذا الامر
وأعينوه برأيكم وقام حجر بن عدي فقال أيها الناس أجيبوا أمير المؤمنين
وانفروا خفاقا وثقالا مروا وانا أولكم فاذعن الناس للمسير وعلى الرواية
الأخرى ان أمير المؤمنين ارسل الأشتر بعد ابنه الحسن وعمار إلى الكوفة فدخلها
والناس في المسجد وأبو موسى يخطبهم ويثبطهم والحسن وعمار معه في
منازعة وكذلك سائر الناس كما مر والحسن يقول له اعتزل عملنا لا أم لك
وتنح عن منبرنا فجعل الأشتر لا يمر بقبيلة فيها جماعة إلا دعاهم وقال
اتبعوني إلى القصر فانتهى إلى القصر في جماعة من الناس فدخله وأخرج غلمان
أبي موسى منه فخرجوا يعدون وينادون يا أبا موسى هذا الأشتر
قد دخل إلى القصر فضربنا وأخرجنا فنزل أبو موسى فدخل
القصر فصاح به الأشتر اخرج لا أم لك اخرج الله نفسك
فوالله انك لمن المنافقين قديما. ذكره الطبري، فقال: أجلني هذه العشية
فقال هي لك ولا تبيتن في القصر الليلة ودخل الناس ينهبون متاع أبي موسى
فمنعهم الأشتر وقال انا له جار فكفوا وقال الحسن أيها الناس اني غاد فمن
شاء منكم ان يخرج معي على الظهر ومن شاء في الماء فنفر معه تسعة آلاف
اخذ في البر ستة آلاف ومائتان واخذ في الماء ألفان وثمان مائة وقيل إن عدد
من سار من الكوفة اثنا عشر ألف رجل ورجل ويمكن كون الذين ساروا
مع أحسن هم المذكورون والباقون ساروا بعد ذلك. روى الطبري في
حديثه قال: حدثني عمر حدثنا أبو الحسن حدثنا أبو مخنف عن جابر عن
الشعبي عن أبي الطفيل قال علي يأتيكم من الكوفة إثنا عشر ألف رجل ورجل
فقعدت على نجفة ذي قار فأحصيتهم فما زادوا رجلا ولا نقصوا رجلا.
وروى الطبري قال: لما التقوا بذي قار تلقاهم علي في أناس فيهم
ابن عباس فرحب بهم وقال يا أهل الكوفة أنتم قاتلتم ملوك العجم
وفضضتم جموعهم حتى صارت إليكم مواريثهم فمنعتم حوزتكم وأعنتم
الناس على عدوهم وقد دعوتكم لتشهدوا معنا اخواننا من أهل البصرة فان
يرجعوا فذاك الذي نريد وان يلجوا داويناهم بالرفق حتى يبدؤونا بظلم ولم
ندع مرا فيه صلاح إلا آثرناه على ما فيه الفساد إن شاء الله. وفي إرشاد
المفيد: روى عبد الحميد بن عمران العجلي عن سلمة بن كهيل قال لما
التقى أهل الكوفة أمير المؤمنين ع بذي قار رحبوا به ثم قالوا الحمد لله
الذي خصنا بجوارك وأكرمنا بنصرك فقام أمير المؤمنين ع فيهم خطيبا
فحمد الله واثنى علها وقال يا أهل الكوفة انكم من أكرم المسلمين
وأقصدهم تقويما وأعدلهم سنة وأفضلهم سهما في الإسلام وأجودهم في
العرب مركبا ونصابا أنتم أشد العرب ودا للنبي ص وأهل بيته وإنما جئتكم
ثقة بعد الله بكم للذي بذلتم من أنفسكم عند نقض طلحة والزبير وخلعهما
طاعتي وإقبالهما بعائشة للفتنة وإخراجهما إياها من بيتها حتى أقدماها البصرة
فاستغووا طغامها وغوغاءها مع أنه قد بلغني ان أهل الفضل
منهم وخيارهم في الدين قد اعتزلوا وكرهوا ما صنعا. فقال أهل الكوفة
: نحن انصارك وأعوانك على عدوك ولو دعوتنا إلى اضعافهم من
الناس احتسبنا في ذلك الخير ورجوناه فدعا لهم أمير المؤمنين ع واثنى
عليهم ثم قال لقد علمتم معاشر المسلمين ان طلحة والزبير بايعاني طائعين غير
مكرهين راغبين ثم استأذناني في العمرة فاذنت لهما فسارا إلى البصرة فقتلا المسلمين
وفعلا المنكر اللهم انهما قطعاني وظلماني ونكثا بيعتي وألبا الناس علي فاحلل
ما عقدا ولا تحكم ما ابرما وأرهما المساءة فيما عملا اه واجتمعوا عنده
بذي قار وعبد القيس بأسرها في الطريق بين علي والبصرة ينتظرونه وهم
ألوف وكان رؤساء الكوفيين: القعقاع بن عمرو وسعد بن مالك وهند بن
عمرو والهيثم بن شهاب وزيد بن صوحان والأشتر وعدي بن حاتم
والمسيب بن نجبة ويزيد بن قيس وحجر بن عدي وأمثالهم. قال ابن
الأثير: سال علي جرير بن شرس عن طلحة والزبير فأخبره بدقيق امرهما
وجليله وقال له أما الزبير فيقول بايعنا كرها واما طلحة فيتمثل الاشعار
ويقول:
- ألا أبلغ بني بكر رسولا * فليس إلى بني كعب سبيل -
- سيرجع ظلمكم منكم عليكم * طويل الساعدين له فضول -
فتمثل علي عندها:
- أ لم تعلم أبا سمعان انا * نرد الشيخ مثلك ذا صداع -
- ويذهل عقله بالحرب حتى * يقوم فيستجيب لغير داعي -
- فدافع عن خزاعة جمع بكر * وما بك يا سراقة من دفاع -
وسار علي ع من ذي قار ومعه الناس حتى نزل على عبد القيس
فانضموا إليه وسار من هناك فنزل الزاوية وسار من الزاوية يريد البصرة
وسار طلحة والزبير وعائشة فالتقوا عند موضع قصر عبيد الله بن زايد فلما
نزل الناس ارسل شقيق بن ثور إلى عمرو بن مرجوم العبدي أن اخرج فإذا
خرجت فمل بنا إلى عسكر علي فخرجا في عبد القيس وبكر بن وائل فعدلوا
إلى عسكر علي وأقاموا ثلاثة أيام لم يكن بينهم قتال فكان يرسل علي إليهم
يكلمهم ويدعوهم، وكان نزولهم في النصف من جمادى الآخرة سنة ٣٦
يوم الخميس قاله الطبري وابن الأثير، وفي مروج الذهب وكان مسير علي
إلى البصرة سنة ٣٦ وفيها كانت وقعة الجمل وذلك في يوم الخميس لعشر
خلون من جمادي الأولى منها اه.
وظاهر الطبري وابن الأثير ان وصوله كان بذلك التاريخ وظاهر
المسعودي إن الوقعة كانت قبل ذلك التاريخ بخمسة أيام. وخرج إليه
الأحنف بن قيس وبنو سعد مشمرين قد منعوا حرقوص بن زهير وهم
معتزلون، قال ابن الأثير: وكان الأحنف قد بايع عليا بالمدينة بعد قتل
عثمان لأنه كان قد حج وعاد من الحج فبايعه فقال لأمير المؤمنين اختر مني
واحدة من اثنتين اما ان أقاتل معك واما ان اكف عنك عشرة آلاف سيف
(٤٥٥)

قال بل اكفف عنا عشرة آلاف سيف فاعتزل فلما كان القتال فظفر علي
دخلوا فيما دخل فيه الناس وافرين. وروى الطبري قال كانت ربيعة مع
علي يوم الجمل ثلث أهل الكوفة ونصف الناس يوم الوقعة وكانت تعبيتهم
مضر ومضر وربيعة وربيعة واليمن واليمن. وكان عسكر عائشة ثلاثين ألفا
وعسكر علي عشرين ألفا وافترق أهل البصرة ثلاث فرق فرقة مع علي وفرقة
مع عائشة وفرقة اعتزلوا. قال المفيد في الإرشاد ومن كلامه ع حين
دخل البصرة وجمع أصحابه فحرضهم على الجهاد وكان مما قال: عباد الله
انهدوا إلى هؤلاء القوم منشرحة صدوركم بقتالهم فإنهم نكثوا بيعتي
وأخرجوا ابن حنيف عاملي بعد الضرب المبرح والعقوبة الشديدة وقتلوا
السبايجة وقتلوا حكيم بن جبلة العبدي وقتلوا رجالا صالحين ثم تتبعوا منهم
من يحبني يأخذونهم في كل حائط وتحت كل رابية ثم يأتون بهم فيضربون
رقابهم صبرا ما لهم قاتلهم الله انى يؤفكون انهدوا إليهم وكونوا أشداء
عليهم والقوهم صابرين محتسبين تعلمون إنكم منازلوهم ومقاتلوهم وقد
وطنتم أنفسكم على الطعن والضرب ومبارزة الأقرن وأي امرئ منكم
أحس من نفسه رباطة جاش عند اللقاء ورأى من أحد من اخوانه فشلا
فليذب عن أخيه الذي فضل عليه كما يذب عن نفسه فلو شاء الله لجعله
مثله. وخطب ع لما تواقف الجمعان فقال: لا تقاتلوا القوم حتى
يبدؤوكم حجة أخرى وإذا قاتلتموهم فلا تجهزوا على جريح وإذا
هزمتموهم فلا تتبعوا مدبرا ولا تكشفوا عورة ولا تمثلوا بقتيل وإذا وصلتم
إلى رحال القوم فلا تهتكوا سترا ولا تدخلوا دارا ولا تأخذوا من أموالهم شيئا
ولا تهيجوا امرأة بأذى وإن شتمن اعراضكم وسبين أمراءكم وصلحاءكم
فإنهن ضعاف القول والأنفس والعقول لقد كنا نؤمر بالكف عنهن وأنهن
لمشركات وإن كان الرجل ليتناول المرأة بالهراوة والجريدة فيعبر بها وعقبه من
بعده. وروى الحاكم في المستدرك أيضا ان عائشة كانت خطيبة القوم وهم
لها تبع اه.
فلما تراءى الجمعان خرج الزبير على فرس عليه السلاح فقيل لعلي
هذا الزبير فقال اما انه أحرى الرجلين ان ذكر الله ان يذكر وخرج طلحة
فخرج إليهما علي فدنا منهما حتى اختلفت أعناق دوابهم فقال علي لعمري
لقد أعددتما سلاحا وخيلا ورجالا ان كنتما أعددتما عند الله عذرا فاتقيا الله
سبحانه ولا تكونا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا أ لم أكن اخاكما في
دينكما تحرمان دمي وأحرم دماءكما فهل من حدث أحل لكما دمي، قال
طلحة ألبت الناس على عثمان، قال علي يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق
ويعلمون إن الله هو الحق المبين، يا طلحة تطلب بدم عثمان؟ فلعن الله
قتلة عثمان يا طلحة جئت بعرس رسول الله ص تقاتل بها وخبأت عرسك أ ما
بايعتني؟ قال بايعتك والسيف على عنقي. قال الطبري وقال علي للزبير
أ تطلب منى دم عثمان وأنت قتلته سلط الله على أشدنا عليه اليوم ما يكره،
يا زبير أ تذكر يوم مررت مع رسول الله ص في بني غنم فنظر إلي فضحك
وضحكت إليه فقلت لا يدع ابن أبي طالب زهوه فقال لك صه انه ليس به
زهو ولتقاتلنه وأنت له ظالم فقال اللهم نعم ولو ذكرت ما سرت مسيري هذا
والله لا أقاتلك ابدا. فانصرف علي إلى أصحابه فقال اما الزبير فقد اعطى
الله عهدا ان لا يقاتلكم ورجع الزبير إلى عائشة فقال لها ما كنت في موطن
منذ عقلت الا وانا اعرف فيه امرئ غير موطني هذا، قالت فما تريد ان
تصنع؟ قال أريد ان أدعهم واذهب فقال له ابنه عبد الله، جمعت بين
هذين العسكرين حتى إذا حدد بعضهم لبعض أردت ان تتركهم وتذهب،
لكنك خشيت رايات ابن أبي طالب وعلمت انها تحملها فتية انجاد وان
تحتها الموت الأحمر فجبنت، فاحفظه ذلك وقال اني حلفت ان لا أقاتله،
قال كفر عن يمينك وقاتله فأعتق غلامه مكحولا فقال عبد الرحمن بن
سليمان التميمي:
- لم أر كاليوم أخا اخوان * أعجب من مكفر الايمان -
- بالعتق في معصية الرحمن -
وقال رجل من شعرائهم:
- يعتق مكحولا لصون دينه * كفارة لله عن يمينه -
- والنكث قد لاح على جبينه -
وفي رواية: إن الزبير أنصل سنان رمحه وحمل على عسكر علي برمح
لا سنان له فقال علي أفرجوا له فإنه محرج ثم عاد إلى أصحابه ثم حمل ثانية
ثم ثالثة ثم قال لابنه أ جبنا ويلك ترى؟ فقال لقد أعذرت وقال الزبير:
- نادى علي بأمر لست أنكره * وكان عمر أبيك الخير مذ حين -
- فقلت حسبك من عذل أبا حسن * بعض الذي قلت منذ اليوم يكفيني -
- ترك الأمور التي تخشى مغبتها * لله أمثل في الدنيا وفي الدين -
- فاخترت عارا على نار مؤججة * اني يقوم لها خلق من الطين -
مقتل الزبير
فترك الزبير الحرب ولم يحارب مع علي وتوجه من فوره إلى وادي
السباع قاصدا المدينة ومعه غلام له يدعى عطية، والأحنف بن قيس هناك
معتزل في جمع من بني تميم، فقال الأحنف: جمع الزبير بين عسكرين من
المسلمين حتى إذا ضرب بعضهم بعضا لحق ببيته وقال من يأتينا بخبره؟
فقال عمرو بن جرموز انا، فاتبعه وكان فاتكا فلما نظر إليه الزبير قال ما
وراءك قال انما أريد أن أسألك فقال غلام الزبير أنه معد فقال ما يهولك من
رجل، وحضرت الصلاة فقال ابن جرموز الصلاة فقال الزبير الصلاة فنزلا
واستدبره ابن جرموز فطعنه من خلفه فقتله واخذ فرسه وخاتمه وسلاحه
وخلى عن الغلام فدفنه بوادي السباع ورجع إلى الناس بالخبر.
فاما الأحنف فقال والله ما أدري أحسنت أم أسأت ثم انحدر إلى علي
وابن جرموز معه وقيل ذهب ابن جرموز إلى علي وحده فدخل عليه فأخبره
فدعا بالسيف فهزه فقال: سيف طالما كشف به الكرب عن وجه رسول الله
ص، وفي رواية أنه قال له أنت قتلته؟ قال نعم، قال والله ما كان ابن
صفية جبانا ولا لئيما ولكن الحين ومصارع السوء، فقال ابن جرموز الجائزة
يا أمير المؤمنين، فقال اما اني سمعت رسول الله ص يقول بشر قاتل ابن
صفية بالنار، ثم خرج ابن جرموز على علي ع مع أهل النهر فقتله
معهم فيمن قتل ذكره ابن أبي الحديد في شرح النهج.
وروى أبو مخنف أنه لما تزاحف الناس يوم الجمل قال علي ع
لأصحابه لا يرمين رجل منكم بسهم ولا يطعنن أحدكم فيهم برمح حتى
يبدؤوكم بالقتال وبالقتل فرمى أصحاب الجمل عسكر علي ع بالنبل
رميا شديدا متتابعا فضج إليه أصحابه وقالوا عقرتنا سهامهم يا أمير
المؤمنين، وجئ إليه برجل فقيل له هذا فلان قد قتل، فقال اللهم اشهد
ثم قال: اعذروا إلى القوم فاتي برجل آخر فقيل وهذا قد قتل فقال اللهم
اشهد، أعذروا إلى القوم ثم اقبل عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي وهو
من أصحاب رسول الله ص يحمل أخاه عبد الرحمن قد أصابه سهم فقتله
فقال يا أمير المؤمنين هذا أخي قد قتل، فاسترجع علي ع ودعا بدرع
(٤٥٦)

رسول الله ص ذات الفضول فلبسها فتدلت على بطنه فرفعها بيده وقال
لبعض أهله فحزم وسطه بعمامة وتقلد ذا الفقار، ودفع إلى ابنه محمد راية
رسول الله السوداء وتعرف بالعقاب، وقال لحسن وحسين ع انما
دفعت الراية إلى أخيكما وتركتكما لمكانكما من رسول الله ص قال وطاف علي
على أصحابه وهو يقرأ أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين
خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين
آمنوا معه متى نصر الله ألا أن نصر الله قريب ثم قال أفرع الله علينا
وعليكم الصبر وأعز لنا ولكم النصر وكان لنا ولكم ظهيرا في كل أمر، ثم
رفع مصحفا بيده فقال من يأخذ هذا المصحف فيدعوهم إلى ما فيه وله
الجنة؟ فقام غلام شاب اسمه مسلم عليه قباء أبيض فقال انا آخذه، فنظر
إليه علي وقال يا فتى إن أخذته فان يدك اليمنى تقطع فتأخذه بيدك اليسرى
فتقطع ثم تضرب بالسيف حتى تقتل، فقال الغلام لا صبر لي على ذلك
فنادى علي ثانية فقام الغلام وأعاد عليه القول وأعاد الغلام القول مرارا حتى
قال الغلام: انا آخذه وهذا الذي ذكرت في الله قليل، فاخذه وانطلق فلما
خالطهم ناداهم: هذا كتاب الله بيننا وبينكم فضربه رجل فقطع يده اليمنى
فتناوله باليسرى فضربه أخرى فقطع اليسرى فاحتضنه وضربوه بأسيافهم
حتى قتل فقالت أم ذريح العبدية في ذلك:
- يا رب أن مسلما اتاهم * بمصحف أرسله مولاهم -
- للعدل والايمان قد دعاهم * يتلو كتاب الله لا يخشاهم -
- فخضبوا من دمه ظباهم * وأمهم واقفة تراهم -
- تامرهم بالغي لا تنهاهم -
فعند ذلك أمر علي ع ولده محمدا أن يحمل بالراية فحمل وحمل
معه الناس واستحر القتل في الفريقين وقامت الحرب على ساق.
وروى الطبري في تاريخه هذه القصة بما يخالف ذلك بعض المخالفة
فقال: اخذ علي مصحفا يوم الجمل فطاف به في أصحابه وقال من يأخذ
هذا المصحف يدعوهم إلى ما فيه وهو مقتول فقام إليه فتى من أهل الكوفة
عليه قباء أبيض محشو اسمه مسلم بن عبد الله فقال انا، فاعرض عنه ثم
اعاده ثانيا، فقال الفتى انا، فاعرض عنه ثم اعاده الثالثة، فقال انا،
فدفعه إليه فدعاهم فقطعوا يده اليمنى فاخذه بيده اليسرى فدعاهم فقطعوا
يده اليسرى فاخذه بصدره وفي رواية بأسنانه والدماء تسيل على قبائه فقتل،
فكان أول قتيل بين يدي أمير المؤمنين وعائشة، فقال علي، الآن حل
قتالهم فقالت أم الفتى ترثيه:
- لا هم أن مسلما دعاهم * يتلو كتاب الله لا يخشاهم -
- فرملوه رملت لحاهم -
وفي رواية أخرى للطبري:
- لا هم أن مسلما اتاهم * مستسلما للموت إذ دعاهم -
- إلى كتاب الله لا يخشاهم * فرملوه من دم إذ جاءهم -
- وأمهم قائمة تراهم * يأتمرون العي لا تنهاهم -
واقتتل الناس وركبت عائشة الجمل المسمى عسكرا الذي كان اشتراه
لها يعلى بن منية في مكة بمائتي دينار والبسوا هودجها الرفرف وهو البسط ثم
البس جلود النمر ثم البس فوق ذلك دروع الحديد وكان الجمل لواء أهل البصرة
لم يكن لهم لواء غيره وخطبت عائشة والناس قد أخذوا مصافهم
للحرب فقالت: اما بعد فانا كنا نقمنا على عثمان ضرب السوط وامرة
الفتيان وموقع السحابة المحمية الا وانكم استعتبتموه فأعتبكم فلما مصتموه
كما يماص الثوب الرحيض عدوتم عليه فارتكبتم منه دما حراما وأيم الله إن
كان لأحصنكم فرجا وأتقاكم لله واخذ كعب بن سور وهو قاضي البصرة
بخطام الجمل وجعل يرتجز ويقول:
- يا أمنا عائش لا تراعي * كل بنيك بطل المصاع -
- ينعي ابن عفان إليك ناعي * كعب بن سور كاشف القناع -
- فارضي بنصر السيد المطاع * والأزد فيهم كرم الطباع -
وكان اخذ مصحف عائشة فبدر به بين الصفين يناشدهم الله في
دمائهم فرشقوه رشقا واحدا فقتلوه وكان في الجاهلية نصرانيا وكان أول قتيل
بين يدي عائشة من أهل البصرة والكوفة. واقتتلوا إلى صدر النهار وقيل إلى
الزوال ثم انهزم عسكر عائشة. قال الطبري: ضرب محمد بن الحنفية يد
رجل من الأزد فقطعها فنادى يا معشر الأزد فروا واستحر القتل في الأزد
فنادوا نحن على دين علي بن أبي طالب واقبل المنهزمون يريدون البصرة فلما
رأوا الخيل أطافت بالجمل عادوا إلى الحرب وكان القتال في صدر النهار مع
طلحة والزبير وفي وسطه مع عائشة أكثرهم ضبة والأزد.
مقتل طلحة
اما طلحة فجاءه سهم غرب لا يدري راميه عند هزيمة الناس فشك
رجله بصفحة الفرس، وفي رواية فخل ركبته بالسرج وهو ينادي إلي إلي
عباد الله، الصبر الصبر، فقال له القعقاع بن عمرو: يا أبا محمد انك
لجريح وانك عما تريد لفي شغل، فادخل البيوت فدخل ودمه يسيل وهو
يقول اللهم خذ لعثمان مني حتى ترضى، وفي رواية: اعط عثمان مني
حتى يرضى فلما امتلأ خفه دما وثقل قال لغلامه اردفني وامسكني وابلغني
مكانا انزل فيه لا اعرف فيه فلم أر كاليوم شيخا أضيع دما مني فدخل
البصرة فانزله في دار خربة فمات فيها. قال ابن الأثير وكان الذي رمى
طلحة مروان بن الحكم وقيل غيره اه وكان ذلك منه اخذا بثار عثمان
ولما قضى دفن في بني سعد وقال الطبري أنه لما دخل البصرة تمثل مثله ومثل
الزبير:
- فان تكن الحوادث أقصدتني * وأخطأهن سهمي حين ارمي -
- فقد ضيعت حين تبعت سهما * سفاهة ما سفهت وضل حلمي -
- ندمت ندامة الكسعي لما * شريت رضا بني سهم برغمي -
- أطعتهم بفرقة آل لأي * فألقوا للسباع دمي ولحمي -
وحرضت عائشة الناس فحملت مضر البصرة حتى ردت مضر الكوفة
وكانت راية علي ع يوم الجمل مع ولده محمد بن الحنفية فنخس قفاه
وقال له احمل فتقدم حتى لم يجد متقدما الا على سنان رمح فقال تقدم لا أم
لك فتلكأ فتناول الراية من يده وقال يا بني بين يدي. وفي رواية ابن
أبي الحديد أنه دفع إليه الراية يوم الجمل وقد استوت الصفوف. وقال له
احمل فتوقف قليلا فقال له احمل فقال يا أمير المؤمنين أ ما ترى السهام كأنها
شآبيب المطر فدفع في صدره وقال أدركك عرق من أمك ثم اخذ الراية
فهزها ثم قال:
- اطعن بها طعن أبيك تحمد * لا خير في الحرب إذا لم توقد -
- بالمشرفي والقنا المسدد -
(٤٥٧)

ثم حمل وحمل الناس خلفه فطحن عسكر البصرة. قيل لمحمد لم
يغرر بك أبوك في الحرب ولا يغرر بالحسن والحسين فقال إنهما عيناه وانا
يمينه فهو يدفع عن عينيه بيمينه ثم دفع الراية إلى محمد وقال امح الأولى
بالأخرى وهذه الأنصار معك وضم إليه خزيمة بن ثابت ذا الشهادتين في جمع
من الأنصار كثير من أهل بدر وحمل حملات كثيرة أزال بها القوم عن
مواقفهم وابلى بلاء حسنا فقال خزيمة بن ثابت لعلي ع اما أنه لو كان غير
محمد اليوم لافتضح ولئن كنت خفت عليه الجبن وهو بينك وبين حمزة
وجعفر لما خفناه عليه وإن كنت أردت أن تعلمه الطعان فطالما علمته الرجال
وقالت الأنصار يا أمير المؤمنين لولا ما جعل الله تعالى للحسن والحسين ما
قدمنا على محمد أحدا من العرب فقال علي ع أين النجم من الشمس
والقمر اما أنه قد أغنى وابلى وله فضله فقال خزيمة بن ثابت فيه:
- محمد ما في عودك اليوم وصمة * ولا كنت في الحرب الضروس معودا -
- أبوك الذي لم يركب الخيل مثله * علي وسماك النبي محمدا -
- فلو كان حقا من أبيك خليفة * لكنت ولكن ذاك ما لا يرى ابدا -
- وأنت بحمد الله أطول غالب * لسانا وأنداها بما ملكت يدا -
- وأطعنهم صدر الكمي برمحه * وأكساهم للهام عضبا مهندا -
- سوى أخويك السيدين كلاهما * امام الورى والداعيان إلى الهدى -
- أبي الله أن يعطي عدوك مقعدا * من الأرض أو في اللوح مرقى ومصعدا -
وحملت مضر الكوفة فاجتلدوا قدام الجمل ومع علي قوم من غير مضر
منهم زيد بن صوحان طلبوا ذلك منه فقال لزيد رجل من قومه: تنح إلى
قومك ما لك ولهذا الموقف أ لست تعلم أن مضرا بحيالك والجمل بين يديك
وأن الموت دونه فقال الموت خير من الحياة، الموت أريد، فأصيب هو
واخوه سيحان وارتث اخوهما صعصعة واشتدت الحرب فلما رأى ذلك علي
بعث إلى اليمن وإلى ربيعة إن اجتمعوا على من يليكم، قال القعقاع: لقد
رأيتنا يوم الجمل ندافعهم بأسنتنا ونتكي على أزجتنا وهم مثل ذلك حتى لو
أن الرجال مشت عليها لاستقلت بهم وقال آخر لما كان يوم الجمل ترامينا
بالنبل حتى فنيت وتطاعنا بالرماح حتى تشبكت في صدورنا وصدورهم، ثم
قال علي: السيوف يا أبناء المهاجرين فما شبهت أصواتها الا بصوت
القاصرين وتزاحفت الناس وظهرت يمن البصرة على يمن الكوفة فهزمتهم،
وربيعة البصرة على ربيعة الكوفة فهزمتهم، ونهد علي بمضر الكوفة إلى مضر
البصرة وقال: إن الموت ليس منه فوت يدرك الهارب ولا يترك المقيم،
وهذه من الكلمات الجليلة الخالدة. ثم عاد يمن الكوفة فقتل على رايتهم
خمسة عشر من همدان وخمسة من سائر اليمن فلما رأى ذلك يزيد بن قيس
اخذها فثبتت في يده. وقال ابن أبي نمران الهمداني من أصحاب علي ع
وهو يقاتل:
- جردت سيفي في رجال الأزد * اضرب في كهولهم والمرد -
- كل طويل الساعدين نهد -
ورجعت ربيعة الكوفة فاقتتلوا قتالا شديدا فقتل على رايتهم اثنان
واشتد الأمر فلما رأى الشجعان من مضر الكوفة والبصرة الصبر تنادوا طرفوا
إذا فرع الصبر، فجعلوا يقصدون الأطراف: الأيدي والأرجل، فما رئي
وقعة كانت أعظم منها قبلها ولا بعدها ولا أكثر ذراعا مقطوعة وكان الرجل
منهم إذا أصيب شئ من أطرافه استقتل إلى أن يقتل. ونظرت عائشة من
على يسارها فقالت من القوم؟ قال صبرة بن شيمان بنوك الأزد، فقالت يا
آل غسان حافظوا اليوم فجلادكم الذي كنا نسمع به وتمثلت:
- وجالد من غسان أهل حفاظها * وكعب وأوس جالدت وشبيب -
فكان الأزد يأخذون بعر الجمل يشمونه ويقولون بعر جمل أمنا ريحه
ريح المسك وقالت لمن عن يمينها من القوم؟ قالوا بكر بن وائل قالت لكم
يقول القائل:
- وجاءوا إلينا في الحديد كأنهم * من الغرة القعساء بكر بن وائل -
إنما بازائكم عبد القيس تحرضهم بذلك لأن عبد القيس معروفون
بولاء علي ع فاقتتلوا أشد من قتالهم قبل ذلك، وأقبلت على كتيبة بين
يديها فقالت من القوم؟ قالوا بنو ناجية، قالت بخ بخ سيوف أبطحية
قرشية فجالدوا جلادا يتفادى منه وفي رواية انها قالت صبرا يا بني ناجية
فاني اعزف فيكم شمائل قريش. وبنو ناجية مطعون في نسبهم فقتلوا حولها
جميعا، ثم أطافت بها بنو ضبة فقالت ويها جمرة الجمرات فلما رقوا خالطهم
بنو عدي بن عبد مناة وكثروا حولها فقالت من أنتم؟ قالوا بنو عدي خالطنا
اخواننا فاقاموا رأس الجمل وضربوا ضربا شديدا، وكره القوم بعضهم
بعضا وانضمت مجنبتا علي فصاروا في القلب وكذلك فعل أهل البصرة
وتلاقوا جميعا بقلبيهم وقال أصحاب علي ع لا يزال القوم أو يصرع
الجمل، واخذ عميرة بن يثري برأس الجمل وكان قاضي البصرة قبل
كعب بن سور، فشهد الجمل هو واخوه عبد الله قال علي ع من يحمل
على الجمل؟ فانتدب له هند بن عمرو الجملي المرادي وكان خطام الجمل
مع ابن يثري فدفعه إلى ابنه واعترض هندا فاختلفا ضربتين فقتله ابن يثري
ثم حمل علباء بن الهيثم السدوسي فاعترضه ابن يثري فقتله ثم دعا إلى
البراز فقال زيد بن صوحان العبدي يا أمير المؤمنين اني رأيت يدا أشرفت
علي من السماء وهي تقول هلم إلينا وانا خارج إلى ابن يثري فإذا قتلني
فادفني بدمي ولا تغسلني فاني مخاصم عند ربي ثم خرج فقتله ابن يثري
وقتل سيحان بن صوحان وارتث صعصعة ثم رجع إلى خطام الجمل وجعل
يرتجز ويقول:
- أرديت علباء وهندا في طلق * ثم ابن صوحان خضيبا في علق -
- قد سبق اليوم لنا ما قد سبق * والوتر منا في عدي ذي الفرق -
- والأشتر الغاوي وعمرو بن الحمق * والفارس المعلم في الحرب الحنق -
- أعني عليا ليته فينا مرق * ذاك الذي في الحادثات لم يطق -
وقال ابن يثري:
- انا لمن ينكرني ابن يثري * قاتل علباء وهند الجملي -
- وابن لصوحان على دين علي -
وقال أيضا:
- اضربهم ولا ارى أبا حسن * كفى بهذا حزنا من الحزن -
- انا نمر الأمر امرار الرسن -
فبرز إليه عمار وهو ابن تسعين سنة أو أكثر وعليه فرو قد شد وسطه
بحبل ليف وهو أضعف من بارزه فاسترجع الناس وقالوا هذا لاحق
بأصحابه. فترك الزمام في يد رجل من بني عدي اسمه عمرو بن بجرة
وضرب عمارا فاتقاه بدرقته فنشب سيفه فيها فعالجه فلم يخرج وضربه عمار
على رجليه فقطعهما فوقع على استه واخذ أسيرا فاتي به إلى علي، فقال
(٤٥٨)

استبقني، فقال أ بعد ثلاثة تقتلهم؟ وامر به فقتل، وقيل إن المقتول
عمرو بن يثري وإن عميرة بقي حيا حتى ولي قضاء البصرة مع معاوية.
أقول اختلف كلام المؤرخين في هذا المقام كثيرا فابن الأثير ذكر كما مر
والطبري نسب ما مر عن ابن الأثير والرجز الأول إلى ابن يثري من دون أن
يسميه ثم قال وقتل يومئذ عمرو بن يثري علباء بن الهيثم السدوسي
وهند بن عمرو الجملي وزيد بن صوحان وهو يرتجز ويقول: اضربهم ولا
ارى أبا حسن الرجز المتقدم قال وعرض عمار لعمرو بن يثري وذكر
نحوا مما مر إلى قوله فنشب سيفه فيها ثم قال ورماه الناس حتى صرع وهو
يقول:
- إن تقتلوني فانا ابن يثري * قاتل علباء وهند الجملي -
- ثم ابن صوحان على دين علي -
واخذ أسيرا إلى آخر ما مر. وقال بعضهم ان عمرو بن يثري كان
فارس أهل الجمل وشجاعهم فلما برز قال للأزد اني قد وترت القوم وهم
قاتلي ولست اخشى أن اقتل حتى اصرع فان صرعت فاستنقذوني، فقالوا
ما نخاف عليك الا الأشتر قال فإياه أخاف فخرج الأشتر. وهو يقول:
- اني إذا ما الحرب أبدت نابها * وغلقت يوم الوغى أبوابها -
- ومزقت من حنق اثوابها * كنا قداماها ولا أذنابها -
- ليس العدو دوننا أصحابها * من هابها اليوم فلن اهابها -
- لا طعنها اخشى ولا ضرابها -
ثم حمل عليه الأشتر فطعنه فصرعه وحامت عنه الأزد فاستنقذوه
فوثب وهو مشرف على الموت فلم يستطع أن يدفع عن نفسه فطعنه رجل
فصرعه ثانية وسحبه آخر برجله حتى اتى به عليا فناشده الله وقال يا أمير
المؤمنين أعف عني فان العرب لم تزل قائلة عنك انك لم تجهز على جريح قط
فعفا عنه وأطلقه فجاء إلى الصحابة وحضره الموت فقيل له دمك عند اي
الناس فقال ضربني فلان وفلان وصاحبي الأشتر فقالت ابنته ترثيه وشكرت
الأزد وعاتبت قومها وشعرها هذا من جيد الشعر والنساء إذا رثت أجادت لما
في طباعهن من الرقة:
- يا ضب انك قد فجعت بفارس * حامي الحقيقة قاتل الاقران -
- عمرو بن يثري الذي فجعت به * كل القبائل من بني عدنان -
- لم يحمه وسط العجاجة قومه * وحنت عليه الأزد أزد عمان -
- فلهم علي بذاك حادث نعمة * ولحبهم أحببت كل يماني -
- لو كان يدفع عن منية هالك * طول الأكف بذابل المران -
- أو معشر وصلوا الخطى بسيوفهم * وسط العجاجة والحتوف دواني -
ما نيل عمرو والحوادث جمة * حتى ينال النجم والقمران -
- لو غير الأشتر ناله لندبته * وبكيته ما دام هضب ابان -
- لكنه من لا يعاب بقتله * أسد الأسود وفارس الفرسان -
والذي يغلب على الظن انه وقع اشتباه بين عميرة بن يثري وأخيه
عبد الله وعمرو بن يثري فنسب ما لأحدهم للآخر ورواية عفو أمير المؤمنين
ع عنه بعد ما وجب عليه القصاص بقتل من قتل مستبعدة. ولما قتل
ابن يثري دفع العدوي الزمام إلى رجل من بني عدي وبرز فخرج إليه ربيعة
العقيلي وهو يرتجز ويقول:
- يا أمنا أعق أم تعلم * والأم تغذو ولدها وترحم -
- ألا ترين كم شجاع يكلم * وتختلي منا يد ومعصم -
ثم اقتتلا فاثخن كل واحد منهما صاحبه فماتا جميعا وقال أبو مخنف:
الزجر للحارث بن زهير الأزدي من أصحاب علي ع وقام مقام العدوي
الحارث الضبي فما رئي أشد منه وجعل يقول:
- نحن بني ضبة أصحاب الجمل * ننعى ابن عفان بأطراف الأسل -
- الموت أحلى عندنا من العسل * ردوا علينا شيخنا ثم بجل -
وفي رواية:
- نحن بني ضبة أصحاب الجمل * نبارز القرن إذا القرن نزل -
- ننعى ابن عفان بأطراف الأسل * الموت أحلى عندنا من العسل -
وفي رواية ان وسيم بن عمرو بن ضرار الضبي كان يوم الجمل
يقول:
- نحن بني ضبة أصحاب الجمل * ننازل الموت إذا الموت نزل -
- والموت أشهى عندنا من العسل * ننعى ابن عفان بأطراف الأسل -
- ردوا علينا شيخنا ثم بجل -
قال الطبري: كان عمرو بن يثري يحضض قومه يوم الجمل وقد
تعاوروا الخطام يرتجزون:
- نحن بني ضبة لا نفر * حتى نرى جماجما تحز -
- يحز منها العلق المحمر -
- يا أمنا يا عيش لا تراعي * كل بنيك بطل المصاع -
- يا أمنا يا زوجة النبي * يا زوجة المبارك المهدي -
قال أبو مخنف: خرج عوف بن قطن الضبي وهو ينادي ليس لعثمان
ثار الا علي بن أبي طالب وولده فاخذ خطام الجمل وقال:
- يا أم يا أم خلا مني الوطن * لا ابتغي القبر ولا ابغي الكفن -
- من هاهنا محشر عوف بن قطن * ان فاتنا اليوم علي فالغبن -
- أو فاتنا ابناه حسين وحسن * إذن أمت بطول هم وحزن -
ثم تقدم فضرب بسيفه حتى قتل. وتناول عبد الله بن ابزي خطام
الجمل وكان من أراد الجد في الحرب وقاتل قتال مستميت يتقدم إلى الجمل
فيأخذ بخطامه ثم شد ابن ابزي على عسكر علي فقال:
- اضربهم ولا أرى أبا حسن * ها ان هذا حزن من الحزن -
فشد عليه أمير المؤمنين ع بالرمح فطعنه فقتله وقال قد رأيت أبا
حسن فكيف رأيته؟ وترك الرمح فيه، وأخذت عائشة كفا من حصى
فحصبت به أصحاب علي وصاحت بأعلى صوتها شاهت الوجوه، كما صنع
رسول الله ص يوم حنين، فقال لها قائل: وما رميت إذ رميت ولكن الله
رمى. ولم يزل الأمر كذلك حتى قتل على الخطام أربعون رجلا قالت عائشة
ما زال جملي معتدلا حتى فقدت أصوات بني ضبة وأخذ الخطام سبعون
رجلا من قريش كلهم يقتل وهو آخذ به وممن أخذ به محمد بن طلحة فجعل
لا يحمل عليه أحد إلا حمل وقال: حم لا ينصرون. قال ابن الصباغ:
وكان ذلك شعار أصحاب علي ع وكان علي قد أوصى
أصحابه ان لا يقتلوا محمد بن طلحة فحمل عليه شريح بن أوفى العبسي
فقال: حم، وقد سبقه شريح بالطعنة فاتى على نفسه فكان كما قيل: سبق
السيف العذل، وكان محمد بن طلحة هذا من العباد الزهاد واعتزل الناس
وانما خرج برا بأبيه أقول ولكنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
(٤٥٩)

وقال الطبري اجتمع عليه أربعة نفر كل ادعى قتله فانفذه بعضهم بالرمح
وقال ابن الصباغ وفي ذلك يقول قاتله شريح:
- وأشعث قوام بآيات ربه * قليل الأذى فيما ترى العين مسلم -
- هتكت له بالرمح جيب قميصه * فخر صريعا لليدين وللفم -
- على غير شئ غير أن ليس تابعا * عليا ومن لا يتبع الحق يندم -
- يذكرني حم والرمح شاجر * فهلا تلا حم قبل التقدم -
وأحدق أهل النجدات والشجاعة بعائشة فكان لا يأخذ الخطام أحد
الا قتل وما رامه أحد من أصحاب علي الا قتل أو أفلت فلم يعد وحمل
عدي بن حاتم الطائي عليهم ففقئت عينه وخرج رجل من عسكر البصرة
يعرف بجناب بن عمرو الراسبي فارتجز فقال:
- اضربهم ولو ارى عليا * عممته أبيض مشرفيا -
- أريح منه معشرا غويا -
فصمد له الأشتر فقتله ثم تقدم عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد بن
أبي العاص بن أمية ابن عبد شمس وهو من أشراف قريش وكان اسم سيفه
ولول فارتجز فقال:
- انا ابن عتاب وسيفي ولول * والموت عند الجمل المجلل -
فحمل عليه الأشتر فقتله وقتل الأشتر جندب بن زهير الغامدي
وعبد الله بن حكيم ابن حرام اشترك في قتله هو وعدي بن حاتم وكانت
راية بكر بن وائل من أهل الكوفة في بني ذهل، كانت مع الحارث بن
حسان بن خوط الذهلي فقيل له ابق على نفسك وقومك، فاقدم وقال يا
معشر بكر بن وائل انه لم يكن أحد له من رسول الله ص مثل منزلة
صاحبكم فانصروه فاقدم فقتل وقتل ابنه وقتل خمسة اخوة له وقتل من بني
ذهل خمسة وثلاثون رجلا فقال رجل لأخيه وهو يقاتل يا أخي ما أحسن
قتالنا ان كنا على حق قال فانا على الحق ان الناس أخذوا يمينا وشمالا وانما
تمسكنا باهل بيت نبينا، فقاتلا حتى قتلا وجرح عمير بن الأهلب الضبي
فمر به رجل من أصحاب علي وهو يفحص برجليه ويقول:
- لقد أوردتنا حومة الموت أمنا * فلم ننصرف الا ونحن رواء -
- لقد كان عن نصر ابن ضبة امه * وشيعتها مندوحة وغناء -
- أطعنا قريشا ضلة من حلومنا * ونصرتنا أهل الحجاز عناء -
- أطعنا بني تيم بن مرة شقوة * وهل تيم الا أعبد وإماء -
فقال له الرجل قل لا إله إلا الله، قال ادن مني فلقني في فمي فبي
صمم فدنا منه الرجل فوثب عليه فعض أذنه فقطعها. وخرج عبد الله بن
خلف الخزاعي وهو رئيس البصرة وأكثر أهلها مالا وضياعا وطلب المبارزة
وسال ان لا يخرج إليه الا علي وارتجز عليه فقال:
- يا أبا تراب ادن مني فترا * فإنني دان إليك شبرا -
- وان في صدري عليك غمرا -
فخرج إليه علي فلم يمهله ان ضربه ففلق هامته. واستدار الجمل كما
تدور الرحى وتكاثفت الرجال حوله واشتد رغاؤه واشتد زحام الناس عليه
وقصد أهل الكوفة قصد الجمل ودونه كالجبال كلما خف قوم جاء اضعافهم
فنادى أمير المؤمنين ويحكم ارشقوا الجمل بالنبل، اعقروه، فرشق
بالسهام، فلم يبق فيه موضع الا أصابه النبل، وكان مجففا فتعلقت السهام
به فصار كالقنفذ. ونادت الأزد وضبة يا لثارات عثمان فاخذوها شعارا،
ونادى أصحاب علي: يا محمد، فاخذوها شعارا واختلط الفريقان ونادى
علي بشعار رسول الله ص: يا منصور أمت، وقيل كان شعاره: حم لا
ينصرون اللهم انصرنا على القوم الناكثين. وهذا في اليوم الثاني من أيام
الجمل فلما دعا بها تزلزلت اقدام القوم وذلك وقت العصر بعد إن كان
الحرب من الفجر ثم تحاجز الفريقان والقتل فاش فيهما الا إنه في أهل البصرة
أكثر وامارات النصر لائحة لعسكر الكوفة ثم توافقوا في اليوم الثالث
فجاء عبد الله بن الزبير فلم يتكلم وكان كل من يأخذ الخطام ينتسب
فقالت عائشة من أنت قال ابنك ابن أختك قالت وا ثكل أسماء. وفي رواية
ان عبد الله بن الزبير برز في اليوم الثالث أول الناس ودعا إلى المبارزة فبرز
إليه الأشتر فقالت عائشة من برز إلى عبد الله قيل الأشتر فقالت وا ثكل
أسماء وكان الأشتر طاويا ثلاثة أيام وكانت هذه عادته في الحرب وهو شيخ
عالي السن فضرب الأشتر عبد الله على رأسه فجرحه جرحا شديدا وضربه
عبد الله ضربة خفيفة واعتنق كل واحد منهما صاحبه وسقطا إلى الأرض
يعتركان فقال ابن الزبير:
- اقتلوني ومالكا * واقتلوا مالكا معي -
فلو يعلمون من مالك لقتلوه وانما كان يعرف بالأشتر فحمل
أصحاب علي وعائشة فخلصوهما. ودخل الأشتر على عائشة بعد حرب
الجمل فقالت أنت الذي صنعت بابن أختي ما صنعت قال نعم ولولا أني
كنت طاويا ثلاثة أيام لأرحت أمة محمد منه قالت أ ما علمت أن رسول الله
ص قال لا يحل دم مسلم الا بأحد أمور ثلاثة كفر بعد ايمان أو زنا بعد
احصان أو قتل نفس بغير حق فقال على بعض هذه الثلاثة قاتلناه يا أم
المؤمنين والله ما خانني سيفي قبلها وقد أقسمت ان لا يصحبني بعدها وفي
ذلك يقول الأشتر:
- أ عائش لو انني كنت طاويا * ثلاثا لألفيت ابن أختك هالكا -
- غداة ينادي والرماح تنوشه * كوقع الصياصي اقتلوني ومالكا -
- فلم يعرفوه إذ دعاهم وغمه * خدب عليه في العجاجة باركا -
- فنجاه مني اكله وشبابه * واني شيخ لم أكن متماسكا -
- وقالت على أي الخصال صرعته * بقتل اتى أم رده لا أبا لكا -
- أم المحصن الزاني الذي حل قتله * فقلت لها لا بد من بعض ذالكا -
واخذ الخطام الأسود بن أبي البحتري فقتل وهو قرشي واخذه
عمرو بن الأشرف العتكي فقتل وقتل معه ثلاثة عشر رجلا من أهل بيته
وهو أزدي ولم يبق شيخ من بني عامر الا أصيب قدام الجمل وما يأخذ
بخطام الجمل أحد الا قتل حتى ضاع الخطام وكان آخر من اخذه زفر بن
الحارث وهو يرتجز ويقول:
- يا أمنا مثلك لا يراع * كل بنيك بطل شجاع -
وزحف علي نحو الجمل بنفسه في كتيبته الخضراء من المهاجرين
والأنصار وحوله بنوه حسن وحسين ومحمد ودفع الراية إلى محمد وقال أقدم
بها حتى تركزها في عين الجمل ولا تقفن دونه فتقدم محمد فرشقته السهام
فقال لأصحابه رويدا حتى تنفد سهامهم فلم يبق الا رشقة أو رشقتان فانفذ
علي إليه يحثه ويأمره بالمناجزة فلما أبطا عليه جاء بنفسه من خلفه فوضع يده
اليسرى على منكبه الأيمن وقال له أقدم لا أم لك فكان محمد إذا ذكر ذلك
يبكي ويقول لكأني أجد ريح نفسه في قفاي والله لا انسى ذلك ابدا ثم
أدركت عليا رقة على ولده فتناول الراية منه بيده اليسرى وذو الفقار مشهور
(٤٦٠)

في اليمنى ثم حمل فغاص في عسكر الجمل ثم رجع وقد انحنى سيفه فاقامه
بركبته فقال له أصحابه وبنوه والأشتر وعمار نحن نكفيك يا أمير المؤمنين
فلم يجب أحدا منهم ولا رد إليهم بصره وظل ينحط ويزأر زئير الأسد حتى
فرق من حوله وتبادروه وانه لطامح ببصره نحو عسكر البصرة لا يبصر من
حوله ولا يرد حوارا ثم دفع الراية إلى محمد ثم حمل حملة ثانية فدخل
وسطهم فضربهم بالسيف قدما قدما والرجال تفر من بين يديه وتنحاز عنه
يمنة وشامة حتى خضب الأرض بدماء القتلى ثم رجع وقد انحنى سيفه فاقامه
بركبته فاعصوصب به أصحابه وناشدوه الله في نفسه وفي الاسلام وقالوا
انك ان تصب يذهب الدين فامسك ونحن نكفيك فقال والله ما أريد بما
ترون الا وجه الله والدار الآخرة ثم قال لمحمد هكذا تصنع يا ابن
الحنفية فقال الناس من يستطيع ما تستطيعه يا أمير المؤمنين. وعن المدائني
والواقدي ما حفظ رجز قط أكثر من رجز قيل يوم الجمل وأكثره لبني ضبة
والأزد الذين كانوا حول الجمل يحامون عنه ولقد كانت الرؤوس تندر عن
الكواهل والأيدي تطيح من المعاصم وأقتاب البطن تندلق من الأجواف
وهم حول الجمل كالجراد الثابتة لا تتحلحل ولا تتزلزل ونادى علي ع
اعقروا الجمل فإنه ان عقر تفرقوا عنه، وفي رواية حتى لقد صرخ
علي بأعلى صوته ويلكم اعقروا الجمل فإنه شيطان ثم قال اعقروه والا فنيت
العرب ولا يزال السيف قائما وراكعا حتى يهوي هذا البعير إلى الأرض.
روى أبو مخنف عن حبة العرني قال: لما رأى علي ان الموت عند الجمل وانه
ما دام قائما فالحرب لا يطفأ وضع سيفه على عاتقه وعطف نحوه وامر
أصحابه بذلك والخطام مع بني ضبة فاقتتلوا قتالا شديدا وقتل من بني ضبة
مقتلة عظيمة وخلص علي ع في جماعة من النخع وهمدان إلى الجمل فقال
لرجل من النخع اسمه بجير دونك الجمل يا بجير فضرب عجز الجمل
بسيفه فوقع لجنبه وضرب بجرانه الأرض وعج عجيبا لم يسمع بمثله فلما
سقط الجمل كانت الهزيمة وفرت الرجال عنه كما يطير الجراد في الريح
الشديدة الهبوب.
وجاء محمد بن أبي بكر ومعه عمار بن ياسر فقطعا الأنساع عن الهودج
واحتملاه فلما وضعاه ادخل محمد يده فقالت من هذا قال أخوك محمد،
فقالت مذمم، قال يا أخيه هل أصابك شئ قالت ما أنت من ذاك قال
فمن إذا؟ الضلال وقالت بل الهداة. وقيل إنها لما سألته قال أخوك البر
قالت عقوق، وامر علي ع بالجمل ان يحرق ثم يذرى في الريح
وقال لعنه الله من دابة فما أشبهه بعجل بني إسرائيل، وقرأ: وانظر إلى
إلهك الذي ظلت عليه عاكفا لنحرقنه ثم لننسفنه في اليم نسفا. وامر نفرا
ان يحملوا الهودج من بين القتلى وانه كالقنفذ لما فيه من السهام وأمر أخاها
محمد بن أبي بكر ان يضرب عليها قبة فلما كان الليل ادخلها البصرة فانزلها
في دار عبد الله بن خلف الخزاعي وهي أعظم دار بالبصرة وكان علي ع
يقول ذلك اليوم بعد الفراع من القتال:
- إليك أشكو عجري وبجيري * ومعشرا أغشوا علي بصري -
- قتلت منهم مضري بمضري * شفيت نفسي وقتلت معشري -
العفو العام
وامر علي ع مناديا فنادى ألا تتبعوا مدبرا ولا تجهزوا على جريح ولا
تدخلوا الدور ولا ترزأوا سلاحا ولا ثيابا ولا متاعا ومن القى سلاحه فهو
آمن ومن أغلق بابه فهو آمن.
وتسلل الجرحى من بين القتلى ليلا فدخلوا البصرة وجعل أمير
المؤمنين ع يطوف على القتلى، حكى ابن أبي الحديد عن الأصبغ
ابن نباتة انه سار في القتلى يستعرضهم، قال المفيد ومن كلامه عند تطوافه
على القتلى: هذه قريش، جدعت انفي وشفيت نفسي، لقد تقدمت
إليكم أحذركم عض السيف ولكنه الحين وسوء المصرع وأعوذ بالله من سوء
المصرع، ثم مر على معبد بن المقداد فقال: رحم الله أبا هذا لو كان حيا
لكان رأيه أحسن من رأي هذا، فقال عمار بن ياسر: الحمد لله الذي
أوقعه وجعل خده الأسفل انا والله يا أمير المؤمنين لا نبالي من عند عن الحق
من والد وولد، فقال أمير المؤمنين ع رحمك الله وجزاك عن الحق
خيرا، ومر بعبد الله بن ربيعة بن دراج فقال هذا البائس ما كان أخرجه،
أ دين أم نصر لعثمان، والله ما كان رأي عثمان فيه ولا في أبيه بحسن، ثم
مر بمعبد بن زهير فقال: لو كانت الفتنة برأس الثريا لتناولها هذا الغلام
، ثم مر بمسلم بن قرظة فقال: البر اخرج هذا؟ والله لقد كلمني ان أكلم
عثمان في شئ كان يدعيه قبله بمكة فأعطاه عثمان وقال لولا أنت ما أعطيته
ان هذا ما علمت بئس أخو العشيرة، ثم جاء المشوم للحين ينصر عثمان.
ثم مشى قليلا فمر بكعب بن سور فقال هذا الذي خرج علينا في عنقه
المصحف يزعم أنه ناصر امه يدعو الناس إلى ما فيه، ثم استفتح فخاب
كل جبار عنيد، اما إنه دعا الله ان يقتلني فقتله الله، اجلسوا كعب بن
سور فاجلس: فقال أمير المؤمنين ع: يا كعب لقد وجدت ما وعدني
ربي حقا فهل وجدت ما وعدك ربك حقا، ثم قال: اضجعوه
فاضجعوه، وفي رواية الأصبغ بن نباتة أنه قال له: ويل أمك كعب بن
سور لقد كان لك علم لو نفعك ولكن الشيطان أضلك فأذلك فجعلك إلى
النار أرسلوه. قال المفيد: ومر على طلحة فقال هذا الناكث بيعتي والمنشئ
الفتنة في الأمة والمجلب علي والداعي إلى قتلي وقتل عترتي، اجلسوا طلحة
فاجلس، فقال: يا طلحة قد وجدت ما وعدني ربي حقا فهل وجدت ما
وعدك ربك حقا، اضجعوا طلحة، وفي رواية الأصبغ ثم مر بعد الله بن
خلف الخزاعي وكان قتله بيده مبارزة وكان رئيس أهل البصرة فقال اجلسوه
فاجلس فقال الويل لك يا ابن خلف لقد عاينت أمرا عظيما. قال ابن أبي
الحديد وقال شيخنا أبو عثمان الجاحظ: ومر بعبد الرحمن بن عتاب بن أسيد
فقال اجلسوه فاجلس، فقال هذا يعسوب قريش هذا اللباب المحض من
بني عبد مناف، ثم قال: شفيت نفسي وقتلت معشري إلى الله أشكو
عجري وبجري، قتلت الصناديد من بني عبد مناف وأفلتني الأعيار من بني
جمح. فقال له قائل لشد ما أطريت هذا الفتى منذ اليوم يا أمير المؤمنين،
قال: إنه قام عني وعنه نسوة لم يقمن عنك اه وأقام علي ع بظاهر
البصرة ثلاثا وأذن للناس في دفن موتاهم فخرجوا إليهم فدفنوهم. وفي
مروج الذهب: خرجت امرأة من عبد القيس تطوف القتلى يوم الجمل
فوجدت ابنين لها قد قتلا وقد كان قتل زوجها واخوان لها فيمن قتل قبل
مجئ على البصرة فأنشأت تقول:
- شهدت الحروب فشيبنني * فلم أر يوما كيوم الجمل -
- اضر على مؤمن فتنة * واقتله لشجاع بطل -
- فليت الظعينة في بيتها * وليتك عسكر لم ترتحل -
(٤٦١)

اه كانت عبد القيس معروفة بولاء علي ع وابناها قتلا مع
علي ع وزوجها واخوها قتلا في طاعته. قال الطبري وصلى علي على
القتلى من أهل البصرة والكوفة وامر فدفنت الأطراف المقطوعة من الأيدي
ونحوها في قبر عظيم.
وكانت الوقعة يوم الخميس لعشر خلون من جمادى الآخرة سنة ٣٦
في قول الواقدي والمسعودي لكنه مر عن الطبري ان نزولهم كان في النصف
من جمادي الآخرة يوم الخميس سنة ٣٦ وانهم بقوا ثلاثة أيام لم يكن بينهم
قتال وقد ذكر الطبري أيضا إن الوقعة كانت يوم الخميس ومر إن القتال
استمر ثلاثة أيام وفي ذلك من التنافي ما لا يخفى لكن المسعودي قال إن
وقعة الجمل كانت وقعة واحدة في يوم واحد ويمكن الجمع بان الوقعة
العظمى الفاصلة كانت في يوم واحد وغيرها كان مناوشات. وكان القتلى
خمسة عشر ألفا قتل من أهل البصرة في المعركة الأولى خمسة الآف وفي
المعركة الثانية مثلها وقتل من أهل الكوفة خمسة آلاف وقيل كان جميع القتلى
عشرة آف نصفهم من أصحاب علي ونصفهم من أصحاب عائشة، وقتل
من ضبة ألف رجل وقتل من بني عدي حول الجمل سبعون قد قرأوا القرآن
سوى الشباب ومن لم يقرأ ويقال ان أهل المدينة علموا بالوقعة يوم الخميس
قبل ان تغرب الشمس من نسر مر بماء حول المدينة سقط منه كف فيه خاتم
نقشه عبد الرحمن بن عتاب وعلم من بين مكة والمدينة والبصرة بالوقعة بما
ينقل إليهم النسور من الأيدي والاقدام.
ثم دخل ع البصرة يوم الاثنين بعد الوقعة بثلاث فانتهى
إلى المسجد فصلى فيه ثم دخل البصرة فاتاه الناس. قال المفيد: فحمد الله
وأثنى عليه ثم قال: اما بعد فان الله ذو رحمة واسعة ومغفرة دائمة وعفو جم
وعقاب أليم قضى ان رحمته ومغفرته وعفوه لأهل طاعته من خلقه وبرحمته
إهتدى المهتدون وقضى ان نقمته وسطوته وعقابه على أهل معصيته من
خلقه وبعد الهدى والبيانات ما ضل الضالون فما ظنكم يا أهل البصرة
وقد نكثتم بيعتي وظاهرتم علي عدوي. فقام إليه رجل فقال نظن خيرا
ونراك قد ظهرت وقدرت فان عاقبت فقد اجترمنا وان عفوت فالعفو أحب
إلى الله تعالى، فقال قد عفوت عنكم فاياكم والفتنة فإنكم أول الرعية
نكث البيعة وشق عصا هذه الأمة ثم جلس للناس فبايعوه اه قال
الطبري: فبايعه أهلها على راياتهم حتى الجرحى والمستأمنة، وبايع
الأحنف من العشي لأنه كان خارجا في بني سعد. قال الطبري: ثم راح
إلى عائشة على بغلته فلما انتهى إلى دار عبد الله بن خلف وجد النساء يبكين
على عبد الله وعثمان ابني خلف، وكان عبد الله قتل مع عائشة وعثمان قتل
مع علي، وكانت صفية بنت الحارث وهي أم طلحة الطلحات بن
عبد الله بن خلف مختمرة تبكي، فلما رأته قالت له يا علي يا قاتل الأحبة يا
مفرق الجمع أيتم الله منك بنيك كما أيتمت ولد عبد الله منه، فلم يرد
عليها شيئا، ودخل على عائشة فسلم عليها وقعد عندها، وفي رواية: انه
لم يسمع أحد من قول علي شيئا إلا أن عائشة كانت امرأة عالية الصوت قالوا
فسمعنا كهيئة المعاذير اني لم افعل ثم قال: جبهتنا صفية، اما اني لم أرها
منذ كانت جارية، فلما خرج علي أعادت عليه أقول فكف بغلته وقال: اما
لهممت وأشار إلى الأبواب من الدار أن افتح هذا الباب واقتل من فيه
ثم هذا فاقتل من فيه ثم هذا فاقتل من فيه. وكان أناس من الجرحى قد
لجأوا إلى عائشة منهم مروان بن الحكم في حجرة و معه جماعة وعبد الله بن
الزبير في حجرة ومعه جماعة آخرون في حجرة، فأخبر علي بمكانهم عندها
فتغافل عنهم، فسكتت، فخرج علي فقال رجل من الأزد: والله لا تغلبنا
هذه المرأة فغضب وقال طه لا تهتكن سترا ولا تدخلن دارا ولا تهجن امرأة
بأذى وان شتمن اعراضكم وسفهن أمراءكم وصلحاءكم فإنهن ضعاف ولقد
كنا نؤمر بالكف عنهن وأنهن لمشركات وإن الرجل ليكافئن المرأة ويتناولها
بالضرب فيعير بها عقبة من بعده فلا يبلغني عن أحد عرض لامرأة فانكل به
شرار الناس أقول: وهذا غاية الحلم ونهاية الصفح والكرم ومكارم الأخلاق
الخارجة عن مجرى العادة. قال الطبري: ولما فرع أمير المؤمنين
من بيعة أهل البصرة نظر في بيت المال فإذا فيه ستمائة ألف وزيادة فقسمها
على من شهد معه فأصاب كل رجل منهم خمسمائة خمسمائة وقال لكم إذا
أظفركم الله عز وجل بالشام مثلها إلى أعطياتكم اه وحكى ابن أبي الحديد عن أبي
الأسود الدؤلي قال: لما ظهر علي ع يوم الجمل دخل بيت
المال بالبصرة في أناس من المهاجرين والأنصار وأنا معهم فلما رأى كثرة ما
فيه قال: غري غيري، مرارا ثم نظر إلى المال وصعد فيه بصره وصوب
وقال اقسموه بين أصحابي خمسمائة خمسمائة فقسم بينهم فلا والذي بعث
محمدا بالحق ما نقص درهما ولا زاد درهما كأنه كان يعرف مبلغه ومقداره
كان ستة آلاف ألف درهم اي ستة ملايين والناس اثني عشر ألفا،
أقول: هذه الرواية أقرب إلى الصواب لأن جيش أمير المؤمنين ع
كان عشرين ألفا كما مر فقتل منه خمسة آلاف على رواية يبقى خمسة عشر
ألفا وخمسة آلاف وسبعمائة على أخرى يبقى أربعة عشر ألفا وثلثمائة وكلا
الروايتين وإن كان لا ينطبق على أن يكون الباقي اثني عشر ألفا إلا أن مثل
ذلك التفاوت يتسامح فيه عادة في عدد الجيش وعدد من يقتل منه بخلاف
رواية ستمائة ألف فانا إذا قسمناها خمسمائة خمسمائة كان الباقي من الجيش
ألفا ومائتين وهو لا يقارب شيئا من الروايات ولا يطابقه فلا يبعد ان يكون
ستمائة ألف تصحيف ستة آلاف ألف والله أعلم. ثم حكى عن حبة العرني
قال قسم علي بيت مال البصرة على أصحابه خمسمائة خمسمائة واخذ
خمسمائة درهما كواحد منهم فجاءه إنسان لم يحضر الوقعة فقال يا أمير
المؤمنين كنت شاهدا معك في قلبي وإن غاب عنك جسمي فاعطني من
الفئ شيئا فدفع إليه الذي اخذه لنفسه ولم يصب في الفئ شيئا قال
الطبري: وجمع ما كان في العسكر من شئ وبعث به إلى مسجد البصرة
وقال من عرف شيئا فلياخذه إلا سلاحا كان في الخزائن عليه سمة السلطان
اه ولكن ابن أبي الحديد يقول اتفقت الرواة كلها على أنه ع قبض
ما وجد في عسكر الجمل من سلاح ودابة ومملوك ومتاع وعروض فقسمه بين
أصحابه وانهم قالوا إنه أقسم بيننا أهل البصرة فاجعلهم رقيقا فقال لا فقالوا
كيف تحل لنا دماؤهم ويحرم علينا سبيهم فقال كيف يحل لكم ذرية ضعيفة
في دار هجرة وإسلام، اما ما اجلب به القوم في معسكرهم عليكم فهو
لكم مغنم، واما ما دارت عليه الدور وأغلقت عليه الأبواب فهو لأهله،
فلما أكثروا عليه، قال اقترعوا على عائشة، فقالوا نستغفر الله.
قال المفيد: ثم كتب بالفتح إلى أهل الكوفة: بسم الله الرحمن
الرحيم من عبد الله علي بن أبي طالب أمير المؤمنين إلى أهل الكوفة سلام
عليكم فاني احمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فان الله حكم عدل
لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له
وما لهم من دونه من وال أخبركم عنا وعمن سرنا إليه من جموع أهل البصرة
ومن تأشب إليهم من قريش وغيرهم مع طلحة والزبير ونكثهم صفقة
(٤٦٢)

ايمانهم فنهضت من المدينة حين انتهى إلي خبر من سار إليها وجماعتهم وما
فعلوا بعاملي عثمان بن حنيف حتى قدمت ذا قار فبعثت الحسن بن علي
وعمار بن ياسر وقيس بن سعد فاستنفرتكم بحق الله وحق رسوله ص
وحقي فاقبل إلي اخوانكم سراعا حتى قدموا علي فسرت بهم حتى نزلت
ظهر البصرة فأعذرت بالدعاء وقمت بالحجة وأقلت العثرة والزلة من أهل
الردة من قريش وغيرهم واستتبتهم من نكثهم بيعتي وعده الله عليهم فأبوا
الا قتالي وقتال من معي والتمادي في الغي فناهضتهم بالجهاد فقتل الله من
قتل منهم ناكثا وولى من ولى إلى مصرهم وقتل طلحة والزبير وخذلوا وأدبروا
وتقطعت بهم الأسباب فلما رأوا ما حل بهم سألوني العفو عنهم فقبلت منهم
وغمدت السيف عنهم وأجريت الحق والسنة فيهم واستعملت عبد الله بن
العباس على البصرة وانا سائر إلى الكوفة إن شاء الله وقد بعثت زحر بن قيس
الجعفي لتسألوه فيخبركم عنا وعنهم وردهم الحق علينا ورد الله لهم وهم
كارهون والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وروى الكشي في رجاله بسنده والمفيد في الرسالة الكافية بسندين
أحدهما من طريق العامة والآخر من طريق الخاصة وابن أبي الحديد في شرح
النهج بألفاظ متقاربة قالوا بعث أمير المؤمنين علي ع بعد وقعة الجمل
عبد الله بن عباس إلى عائشة يأمرها بتعجيل الرحيل وقلة العرجة. قال ابن
عباس فاتيتها وهي في قصر بني خلف في جانب البصرة فطلبت الإذن عليها
فلم تأذن فدخلت من غير إذن فإذا بيت قفار لم يعد لي فيه مجلس فإذا هي
من وراء ستر فضربت ببصري فإذا في جانب البيت رجل عليه طنفسة
فمددت الطنفسة فجلست عليها، فقالت من وراء الستر: يا ابن عباس
أخطأت السنة دخلت بيتنا بغير إذننا وجلست على وسادتنا بغير إذننا، فقال
لها ابن عباس: نحن أولي بالسنة منك ونحن علمناك السنة وإنما بيتك
الذي خلفك فيه رسول الله ص فخرجت منه فإذا رجعت إلى بيتك لم ندخله
إلا باذنك ولم نجلس على وسادتك إلا بامرك، إن أمير المؤمنين علي بن أبي
طالب يأمرك بالرحيل إلى المدينة وقلة العرجة، قالت وأين أمير المؤمنين ذاك
عمر بن الخطاب، قال وهذا علي بن أبي طالب، قالت أبيت بيت، قال
اما والله إن كان اباؤك فيه إلا قصير المدة عظيم التبعة ظاهر الشؤم بين
النكد، وما كان اباؤك فيه إلا حلب شاة حتى صرت ما تامرين ولا تنهين
ولا ترفعين ولا تضعين وما كنت إلا كما قال أخو بني أسد:
- ما زال إهداء القصائد بيننا * شتم الصديق وكثرة الألقاب -
- حتى تركت كان صوتك بينهم * في كل مجمعة طنين ذباب -
قال فبكت حتى سمع نحيبها من وراء الحجاب، ثم قالت اني
معجلة الرحيل إلى بلادي والله ما من بلد أبغض إلى من بلد أنتم فيه، قال
ولم ذاك؟ وقد جعلناك للمؤمنين اما وجعلنا أباك صديقا، قالت يا ابن
عباس تمنون علي برسول الله؟ قال ولم لا نمن عليك بمن لو كان منك قلامة
منه مننت به علينا ونحن لحمه ودمه ومنه واليه وما أنت إلا حشية من تسع
حشايا فصرت تامرين فتطاعين وتدعين فتجابين: ثم نهضت واتيت أمير
المؤمنين ع فأخبرته بمقالتها وما رددت عليها فسر بذلك وقال لي: ذرية
بعضها من بعض والله سميع عليم. وفي رواية: انا كنت اعلم بك
حيث بعثتك. وروى الطبري ان عمار بن ياسر قال لعائشة حين فرغ
القوم: يا أم المؤمنين ما أبعد هذا المسير من العهد الذي عهد إليك،
قالت أبو اليقظان؟ قال نعم، قالت والله انك ما علمت قوال بالحق، قال
الحمد لله الذي قضى لي على لسانك. قال: وجهز علي عائشة بكل شئ
ينبغي لها من مركب أو زاد أو متاع واخرج معها كل من نجا ممن خرج معها
إلا من أحب المقام واختار لها أربعين امرأة من نساء أهل البصرة المعروفات
وأرسل معها أخاها محمدا وخرجت يوم السبت لغرة رجب سنة ٣٦، وفي
إثبات الوصية للمسعودي وكل بها نساء ملثمات اركبهن الخيل، وفي تذكرة
الخواص عن هشام الكلبي بعث معها أخاها عبد الرحمن في ثلاثين رجلا
وعشرين امرأة ألبسهن العمائم وقلدهن السيوف وقال لا تعلمنها إنكن نسوة
وتلثمن ولا يقرب منها رجل فلما وصلت المدينة عرفنها انهن نسوة، وفي
كامل المبرد قال عمرو بن العاص لعائشة: لوددت انك كنت قتلت يوم
الجمل، فقالت ولم لا أبا لك؟ فقال كنت تموتين بأجلك وتدخلين الجنة
ونجعلك أكبر التشنيع على علي.
واستخلف أمير المؤمنين ع على البصرة ابن عباس وولى زيادا
الخراج وبيت المال وتوجه إلى الكوفة، ثم إن ابن عباس كتب إليه يذكر
اختلاف أهل البصرة فاجابه أمير المؤمنين ع سأخبرك عن القوم: هم
من بين مقيم لرغبة يرجوها أو عقوبة يخشاها فارغب راغبهم بالعدل عليه
والإنصاف له والإحسان إليه وحل عقدة الخوف عن قلوبهم وأحسن إلى هذا
الحي من ربيعة وكل من قبلك فاحسن إليهم ما استطعت إن شاء الله
والسلام وكتب عبد الله بن أبي رافع في ذي القعدة سنة ٣٦ وكتب إلى ابن
عباس أيضا اما بعد فانظر ما اجتمع عندك من غلات المسلمين وفيئهم
فاقسمه على من قبلك حتى تغنيهم وابعث إلينا بما فضل نفسه فيمن قبلنا
والسلام. وكتب ع إلى أمراء الجنود ان لكم عندي ان لا احتجز دونكم
سرا إلا في حرب ولا أطوي عنكم أمرا إلا في حكم ولا أؤخر حقا لكم عن
محله ولا أرزأكم شيئا وان تكونوا عندي في الحق سواء فان أبيتم ان
تستقيموا لي على ذلك لم يكن أهون علي ممن فعل ذلك منكم ثم أعاقبه
عقوبة لا يجد عندي فيها هوادة. وكتب إلى أمراء الخراج: ارحموا ترحموا
ولا تعذبوا خلق الله ولا تكلفوهم فوق طاقتهم وانصفوا الناس من أنفسكم
واصبروا لحوائجهم فإنكم خزان الرعية لا تتخذن حجابا ولا تحجبن أحدا
عن حاجة حتى ينهيها إليكم لا تأخذوا أحدا بأحد إلا كفيلا عمن كفل عنه
وإياكم وتأخير العمل ودفع الخير فان في ذلك الندم والسلام.
وروى نصر بن مزاحم في كتاب صفين بسنده انه لما قدم أمير المؤمنين
ع من البصرة إلى الكوفة يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة مضت من رجب
سنة ست وثلاثين وقد أعز الله نصره وأظهره على عدوه ومعه أشراف الناس
وأهل البصرة استقبله أهل الكوفة وفيهم قراؤهم وأشرافهم فدعوا له
بالبركة وقالوا يا أمير المؤمنين أين تنزل، أ تنزل القصر؟ يعني قصر
الامارة قال لا ولكني انزل الرحبة وهي محلة بالكوفة. وفي رواية انه
لما لحقه ثقله، قالوا اي القصرين تنزل: فقال قصر الخبال لا تنزلونيه،
ونزل على جعدة بن هبيرة المخزومي وهو ابن أخته أم هاني تزوجها هبيرة بن
أبي وهب المخزومي فأولدها جعدة وكان شريفا. ويظهر من هذه الرواية انه
كان بالكوفة قصران للامارة، والخبال الفساد، والظاهر أنه لم يرض ان
ينزل بقصر الامارة وسماه قصر الخبال باعتبار من كان ينزله من بعض حكام
الجور. فتنزه عن أن ينزل في محل نزولهم مبالغة في انكار الظلم ولم يعلم أنه
هل استمر على هجر قصر الامارة أو نزله بعد ما تمهدت له الأمور، لم نجد
في ذلك تصريحا للمؤرخين. وفي طبقات ابن سعد: نزل علي الكوفة في
(٤٦٣)

الرحبة التي يقال لها رحبة علي في اخصاص كانت فيها ولم ينزل القصر الذي
كانت تنزله الولاة قبله اه ولعله نزل أولا على جعدة ثم نزل الرحبة
ولكن يظهر من بعض أحاديث وفاته انها كانت بالقصر فيكون قد نزله بعد
ذلك. وأقبل حتى دخل المسجد الأعظم فصلى فيه ركعتين.
أول خطبة خطبها علي ع بالكوفة
ثم صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وصلى على رسوله ص وقال: اما
بعد يا أهل الكوفة فان لكم في الإسلام فضلا ما لم تبدلوا وتغيروا دعوتكم
إلى الحق فأجبتم وبدأتم بالمنكر فغيرتم إلا أن فضلكم فيما بينكم وبين الله
فاما في الأحكام والقسم فأنتم أسوة من أجابكم ودخل فيما دخلتم فيه إلا أن
أخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوى وطول الأمل، فاما اتباع الهوى فيصد
عن الحق واما طول الأمل فينسي الآخرة ألا ان الدنيا قد ترحلت مدبرة
والآخرة قد ترحلت مقبلة ولكل واحدة منهن بنون فكونوا من أبناء الآخرة،
اليوم عمل ولا حساب وغدا حساب ولا عمل الحمد لله الذي نصر وليه
وخذل عدوه وأعز أنصار الحق وأذل الناكث المبطل عليكم بتقوى الله وطاعة
من أطاع الله من أهل بيت نبيكم الذين هم أولي بطاعتكم فيما أطاعوا الله
فيه من المنتحلين المدعين المقبلين لنا يتفضلون بفضلنا ويجاحدوننا امرنا
وينازعونا حقنا ويدافعوا بنا عنه فقد ذاقوا وبال ما اجترحوا فسوف يلقون
غيا إلا أنه قد قعد عن نصرتي منكم رجال فانا عليهم عاتب زار فاهجروهم
واسمعوهم ما يكرهون حتى يعتبوا ليعرف بذلك حزب الله عند الفرقة.
فقام إليه مالك بن حبيب اليربوعي وكان صاحب شرطته فقال والله اني
لأرى الهجر وسماع المكروه لهم قليلا والله لئن امرتنا لنقتلهم فقال علي
سبحان الله يا مال جزت المدى وعدوت الحد وأغرقت في النزع فقال يا أمير
المؤمنين:
- لبعض الغشم أبلغ في أمور * تنوبك من مهادنة الأعادي -
فقال علي ع هكذا قضى الله يا مال، قال النفس بالنفس فما بال
الغشم وقال ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل
انه كان منصورا، والإسراف في القتل ان تقتل غير قاتلك فقد نهى الله عنه
وذلك هو الغشم. فقام إليه أبو بردة بن الأعوف الأزدي وكان ممن تخلف
عنه فقال يا أمير المؤمنين أرأيت القتلى حول عائشة والزبير وطلحة بم قتلوا قال قتلوا
شيعتي وعمالي وقتلوا أخا ربيعة العبيدي رحمة الله عليه في عصابة
من المسلمين قالوا لا تنكث كما نكثتم ولا نغدر كما غدرتم فوثبوا عليهم
فقتلوهم فسألتهم ان يدفعوا إلي قتلة اخواني اقتلهم بهم ثم كتاب الله حكم
بيني وبينهم فأبوا علي وقاتلوني وفي أعناقهم بيعتي ودماء قريب من ألف رجل
من شيعتي فقتلتهم بهم أ في شك أنت من ذلك؟ قال قد كنت في شك فاما
الآن فقد عرفت واستبان لي خطا القوم وإنك أنت المهدي المصيب. قال
نصر: وكان أشياخ الحي يذكرون انه كان عثمانيا وقد شهد مع علي على
ذلك صفين لكنه بعد ما رجع كان يكاتب معاوية فلما ظهر معاوية اقطعه
قطيعة بالفلوجة وكان عليه كريما. ثم إن عليا تهيا لينزل وقام رجال
ليتكلموا فلما رأوه نزل جلسوا وسكتوا. وفي رواية انه لما قدم الكوفة نزل
على باب المسجد فدخل وصلى ثم تحول فجلس إليه الناس فسال عن رجل
من أصحابه كان ينزل الكوفة فقيل استأثر الله به فقال إن الله لا يستأثر
بأحد من خلقه إنما أراد الله بالموت إعزاز نفسه وإذلال خلقه. وقرأ: وكنتم
أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم.
ودخل عليه سليمان بن صرد الخزاعي فعاتبه وعذله وقال له: ارتبت
وتربصت وراوغت وقد كنت من أوثق الناس في نفسي وأسرعهم فيما أظن
إلى نصرتي فما قعد بك عن أهل بيت نبيك وما زهدك في نصرهم فقال يا
أمير المؤمنين لا تردن الأمور على أعقابها ولا تؤنبني بما مضى فيها واستبق
مودتي تخلص لك نصيحتي وقد بقيت أمور تعرف بها وليك من عدوك
فسكت عنه. وجلس سليمان قليلا ثم نهض فخرج إلى الحسن بن علي وهو
قاعد في المسجد فقال ألا أعجبك من أمير المؤمنين وما لقيت منه من
التبكيت والتوبيخ فقال له الحسن انما يعاتب من ترجى مودته ونصيحته فقال إنه
بقيت أمور سيستوسق فيها القنا وينتضى فيها السيوف ويحتاج فيها إلى
اشباهي فلا تستشبعوا غيبتي ولا تتهموا نصيحتي فقال له الحسن رحمك الله
ما أنت عندنا بالظنين.
ودخل عليه سعد بن قيس فسلم عليه، فقال له علي وعليك السلام
وإن كنت من المتربصين فقال حاش الله يا أمير المؤمنين لست من أولئك
قال فعل الله ذلك.
ودخل عليه مخنف بن سليم فإذا بين يديه رجال يؤنبهم وهم
عبد الله بن المعتم العبسي وحنظلة بن الربيع التميمي وكانت لهما صحبة
وأبو بردة بن عوف الأزدي وغريب بن شرحبيل الهمداني وهو يقول لهم ما
أبطأ بكم عني وأنتم أشراف قومكم والله لئن كان من ضعف النية وتقصير
البصيرة انكم لبور وإن كان من شك في فضلي ومظاهرة علي انكم لعدو قالوا
حاش الله يا أمير المؤمنين نحن سلمك وحرب عدوك ثم اعتذروا بمرض أو
غيبة أو عذر آخر ونظر إلى مخنف فقال لكن مخنف بن سليم وقومه لم يتخلفوا
ولم يكن مثلهم مثل القوم الذين قال الله تعالى وإن منكم لمن ليبطئن فإن
أصابتكم مصيبة قال قد أنعم الله علي إذ لم أكن معهم شهيدا ولئن أصابكم
فضل من الله ليقولن كان لم تكن بينكم وبينه مودة يا ليتني كنت معهم فأفوز
فوزا عظيما.
وأتم علي الصلاة يوم دخل الكوفة فلما كانت الجمعة وحضرت
الصلاة صلى بهم وخطب وأقام بالكوفة واستعمل العمال فبعث يزيد بن
قيس الأرحبي على المدائن جوخى كلها وبعث مخنف بن سليم على أصبهان
وهمدان فلما هرب بالمال قال عذرت. القردان فما بال الحلم (١) وبعث
قرظة بن كعب على البهقباذات وقدامة بن مظعون الأزدي على كسكر وعدي
ابن الحارث على مدينة بهرسير (٢) واستانها (٣) وأبا حسان البكري على ستان
العالي وسعد بن مسعود الثقفي على استان الزوابي وربعي بن كأس (٤) على
سجستان وخليد إلى خراسان فلما دنا من نيسابور بلغه ان أهل خراسان قد
كفروا ونزعوا أيديهم من الطاعة وقدم عليهم عمال كسرى من كابل فقاتل

(١) القردان جمع قراد وفي النهاية: القردان الطبوع يلصق بجسم البعير وفي المصباح: الحلم
القراد الضخم وكانه أراد بالقردان هنا الغار منه أي عذرت أسافل الناس فما بال اشرافهم.
وفي مجمع الأمثال للميداني: القردان جمع قراد والحلم جنس منه صغار وهذا قريب من
قولهم استنت الفصال حتى القرعى " اه‍ " وتفسيره الحلم بالصغار مخالف لما عليه أهل اللغة.
(٢) بهر سير لفظ فارسي معناه المعد للتنزه.
(٣) في القاموس الأسنان أربع كور ببغداد عال وأعلى وادنى وأسفل.
(٤) كأس امه يعرف بها وهو من بني تميم.
(٤٦٤)

أهل نيسابور فهزمهم وحصر أهلها وبعث إلى علي بالفتح.
وبعث الأشتر على الموصل ونصيبين ودارا وسنجار وآمد وهيت
وعانات وما غلب عليه من أرض الجزيرة. وبعث معاوية بن أبي سفيان
الضحاك بن قيس الفهري على ما في سلطانه من أرض الجزيرة وكان بيده
حران والرقة والرها وقرقيسيا وكان من بالكوفة والبصرة من العثمانية قد
هربوا فنزلوا الجزيرة في سلطان معاوية فخرج الأشتر يريد الضحاك بن
قيس بحران فلما بلغ ذلك الضحاك بعث إلى أهل الرقة فأمدوه وجل أهلها
عثمانية فالتقى بهم بمرج مرينا بين حران والرقة فرحل الأشتر حتى نزل
عليهم فاقتتلوا قتالا شديدا فلما كان المساء رجع الضحاك بمن معه فسار ليلته
كلها حتى أصبح بحران وأصبح الأشتر فرأى ما صنعوا فتبعهم حتى اتى
حران فحصرهم و أتى الخبر معاوية فبعث عبد الرحمن بن خالد في خيل
يغيثهم فلما بلغ ذلك الأشتر كتب كتائبه وعبا جنوده وخيله ثم ناداهم
الأشتر الا تنزلون أيها الثعالب الرواغة احتجرتم احتجار الضباب ثم تركهم
وانصرف لما علم بالمدد وبلغ عبد الرحمن بن خالد انصرافه فانصرف.
وحشر علي أهل السواد فلما اجتمعوا أذن لهم فلما رأى كثرتهم قال إني
لا أطيق كلامكم ولا أفقه عنكم فاسندوا امركم إلى أرضاكم في أنفسكم
وأعمه نصيحة لكم، قالوا نرسا ما رضي فقد رضيناه وما سخط فقد
سخطناه، فتقدم فجلس إليه، فقال اخبرني عن ملوك فارس كم كانوا؟
قال كانت ملوكهم في هذه المملكة الآخرة اثنين وثلاثين ملكا، قال كيف
كانت سيرتهم قال ما زالت سيرتهم في عظم امرهم واحدة حتى ملكنا
كسرى بن هرمز فاستأثر بالمال والأعمال وخالف أولينا واخرب الذي للناس
وعمر الذي له واستخف بالناس فأوغر نفوس فارس حتى ثاروا إليه فقتلوه
فقال يا نرسا ان الله عز وجل خلق الخلق بالحق ولا يرضى من أحد الا
بالحق وفي سلطان الله تذكرة مما خول الله وانها لا تقوم مملكة الا بتدبير ولا
بد من امارة، ثم أمر على أهل السواد امراءهم. ثم كتب إلى العمال في
الآفاق، كتب إلى جرير بن عبد الله البجلي مع زحر بن قيس وكان جرير
عاملا لعثمان على ثغر همدان يخبره بوقعة الجمل ونكثهم بيعته وفعلهم
بعامله عثمان بن حنيف وعفوه عنهم ومسيره إلى الكوفة فخطبهم جرير فقال
أيها الناس هذا كتاب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وهو المأمون على الدين
والدنيا وقد كان امره وامر عدوه ما نحمد الله عليه وقد بايعه السابقون
الأولون من المهاجرين والأنصار والتابعين باحسان ولو جعل هذا الامر شورى
بين المسلمين كان أحقهم بها ألا وان البقاء في الجماعة والفناء في الفرقة
وعلي حاملكم على الحق ما استقمتم فان ملتم أقام ميلكم فقال الناس سمعا
وطاعة رضينا رضينا فكتب جرير جواب كتابه بالطاعة، وكان مع علي رجل
من طئ ابن أخت الجرير فكتب إلى خاله أبياتا مع زحر بن قيس منها:
- جرير بن عبد الله لا تردد الهدى * وبايع عليا انني لك ناصح -
- فان عليا خير من وطئ الحصى * سوى احمد والموت غاد ورائح -
- فإنك ان تطلب به الدين تعطه * وان تطلب الدنيا فبيعك رابح -
- أبى الله الا انه خير دهره * وأفضل من ضمت عليه الأباطح -
وقال جرير في ذلك من أبيات:
- مضينا يقينا على ديننا * ودين النبي مجلي الظلم -
- امين الآله وبرهانه * وعدل البرية والمعتصم -
- رسول المليك ومن بعده * خليفتنا القائم المدعم -
- عليا عنيت وصي النبي * نجالد عنه غواة الأمم -
- له الفضل والسبق والمكرمات * وبيت النبوة لا يهتضم -
فسر الناس بخطبة جرير وشعره وقال ابن الأزور القسري يمدح
جريرا في خطبته:
- لعمر أبيك والأنباء تنمى * لقد جلى بخطبته جرير -
- اتاك بأمره زحر بن قيس * وزحر بالتي حدثت خبير -
- فكنت بما اتاك به سميعا * وكدت إليه من فرح تطير -
- فأحرزت الثواب ورب حاد * حدا بالركب ليس له بعير -
- ليهنك ما سبقت به رجالا * من العلياء والفضل الكبير -
ثم اقبل جرير من ثغر همدان حتى ورد على علي ع بالكوفة فبايعه
ودخل فيما دخل فيه الناس من الطاعة. وكتب علي ع إلى
الأشعث بن قيس مع زياد بن مرحب الهمداني والأشعث عامل عثمان على
آذربيجان وقد كان عمرو بن عثمان تزوج ابنة الأشعث بن قيس: اما بعد
لولا هنات كن فيك كنت المقدم في هذا الأمر قبل الناس ولعل امرك يحمل
بعضه بعضا ان اتقيت الله ثم إنه كان من بيعة الناس إياي ما قد بلغك
وكان طلحة والزبير بايعاني ثم نقضا بيعتي على غير حدث واخرجا أم
المؤمنين وسارا إلى البصرة فسرت إليهما فالتقينا فدعوتهم إلى أن يرجعوا فيما
خرجوا منه فأبوا فأبلغت في الدعاء وأحسنت في البقية وان عملك ليس لك
بطعمة ولكنه أمانة وفي يديك مال من مال لله وأنت من خزان الله عليه حتى
سلمه إلي ولعلي ان لا أكون شر ولاتك لك ان أسقمت ولا قوة الا بالله.
وهذا الكتاب هو عزل للأشعث. فقام زياد بن مرحب فخطب وذكر ما
جرى لأهل الجمل ثم قام الأشعث فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أيها الناس
إن أمير المؤمنين عثمان ولاني آذربيجان فهلك وهي في يدي وقد بايع الناس
عليا وطاعتنا له كطاعتنا من كان قبله وقد كان من أمر طلحة والزبير ما قد
بلغكم وعلي المأمون ما غاب عنكم وعنا. فلما أتى منزله دعا أصحابه فقال إن
كتاب علي قد أوحشني وهو آخذ مال آذربيجان وأنا لاحق بمعاوية،
فقالوا الموت خير لك من ذلك أ تدع مصرك وجماعة قومك وتكون ذنبا لأهل
الشام فاستحيا فسار حتى قدم على علي.
حرب صفين
وهي من الحروب العظيمة التي وقعت في الاسلام قتل فيها من
الفريقين مائة وعشرة آلاف على الأكثر وسبعون ألفا على الأقل وكان الباعث
عليها كالباعث على حرب الجمل وهو حب الدنيا والعداوة للرسول وأهل
بيته ولو كانت هذه الحروب في نصرة الاسلام لجرت على الاسلام خيرا
كثيرا بقدر ما جرت عليه من الضرر أو أكثر أو أن الباعث عليه الاجتهاد
وطلب ثار الخليفة وإن كان ثاره عند من طلب بثاره فالاجتهاد بابه واسع
فيمكن للقاتل ان يطلب بثار القتيل لأن اجتهاده أداه إلى ذلك فيقتل بسبب
ذلك مئات الألوف من المسلمين ويجر إلى القاتل والمقتول منهم نفعا عظيما
فيكون كلاهما في الجنة وأي سعادة أعظم من دخول الجنة!!
الكتب المؤلفة في وقعة صفين
وقد صنفت في وقعة صفين كتب مستقلة مثل كتاب نصر بن مزاحم
المنقري وكتاب إبراهيم بن ديزيل وكتاب أبي مخنف لوط بن يحيى الأزدي
وغيرها.
(٤٦٥)

مقدار الجيشين
قال المسعودي: اختلف في مقدار ما كان مع علي من الجيش وما كان
مع معاوية فمكثر ومقل والمتفق عليه من قول الجميع انه كان مع علي
تسعون ألفا ومع معاوية خمسة وثمانون ألفا.
تاريخ الوقعة
الذي ذكره جماعة من المؤرخين انها كانت من ابتداء ذي الحجة سنة
٣٦ وانتهت في ١٣ صفر سنة ٣٧ ففي جمادي الآخرة سنة ٣٦ كانت وقعة
الجمل كما مر وفي ١٢ رجب منها سار أمير المؤمنين ع من البصرة
إلى الكوفة والمسافة بينهما نحو عشرة أيام فيكون وصوله إليها في نحو ٢٢ منه
وقال نصر في كتاب صفين في يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة مضت من رجب
سنة ٣٦ قدم علي من البصرة إلى الكوفة اه وظاهره ان وصوله إليها
كان بذلك التاريخ ويمكن ان يريد خروجه إليها. ثم خرج إلى النخيلة
معسكر الكوفة في أواخر شهر رمضان أو أول شوال منها وفي ٥ أو ٦ من
شوال سار من النخيلة إلى صفين أما وصوله إلى صفين فلا يحضرني الآن تعيينه
ويظهر من الطبري ان وصولهم إلى صفين كان في أواسط ذي القعدة سنة ٣٦
فإنه بعد ما ذكر القتال على الماء عند وصولهم قال فمكث علي يومين لا يراسل
معاوية ثم راسله أول ذي الحجة اه فيكون مقامهم في الطريق بين
الكوفة وصفين نحو شهر وعشرين يوما والمسافة بينهما وإن كان يمكن قطعها
بأقل من نصف هذه المدة الا ان مسير جيش فيه تسعون ألفا أو أكثر باثقالها
لا يمكن الا ان يكون في قليل من كل يوم غدوة وعصرا لا سيما إن كان
يجمع العساكر في طريقه من المدائن وغيرها وان أهل الرقة منعوه من العبور
وقطعوا الجسر ومضت مدة حتى أعادوه وجرت خطوب كما يأتي استغرقت
زمنا طويلا. وقال المسعودي وغيره ان مقامهم بصفين كان مائة يوم وعشرة
أيام كان فيها نحو تسعين أو سبعين وقعة اه وهو يقارب ما ذكره
الطبري بان يكون وصولهم إلى صفين في العشرين من ذي القعدة فإذا
ضمت العشرين الباقية منه إلى ذي الحجة والمحرم وصفر الذي كتبت
الصحيفة لأيام بقيت منه لعلها لا تتجاوز الثلاثة فهذه نحو مائة يوم وإلى ان
أمضيت الصحيفة واستعدوا للسفر مضى نحو ثلاثة عشر يوما فهذه مائة يوم
وعشرة أيام. وقال المسعودي أيضا كان بين دخول علي إلى الكوفة والتقائه
مع معاوية للقتال بصفين ستة أشهر و ١٣ يوما لعله أراد المدة بين دخوله
الكوفة وانتهاء الحرب فخرج من البصرة في ١٢ رجب ووصل الكوفة في
آخره فقطع المسافة بينهما في ١٨ يوما وإن كان يمكن قطعها بأقل فأقام بها
شعبان ورمضان وخرج إلى صفين في شوال أو أواخر شهر رمضان ووصلها في
ذي القعدة وانتهت الحرب في ١٣ صفر فهذه ستة أشهر و ١٣ يوما.
والحاصل انه في جمادي الآخرة سنة ٣٦ كانت وقعة الجمل وفي ١٢
رجب منها سار أمير المؤمنين ع من البصرة إلى الكوفة وفي آخر رمضان
أو أول شوال خرج من الكوفة إلى النخيلة وفي ٥ أو ٦ من شوال سار من
النخيلة إلى صفين فوصلها في ذي القعدة وابتدأ الحرب في أول ذي الحجة
سنة ٣٦ قاله ابن الأثير وغيره واستمر إلى آخره وتركوا الحرب في المحرم سنة
٣٧ واستؤنف واشتد في أول صفر إلى ١٣ منه فوقع الصلح. وفي مروج
الذهب كان الصلح لأيام بقين من صفر سنة ٣٧ وقيل بعد هذا الشهر منها
وفيه في موضع آخر وكتبت صحيفة الصلح لأيام بقين منه اه. واجتمع
الحكمان في شعبان سنة ٣٧. هذا ما ذكره جماعة من المؤرخين في تواريخ
هذه الوقعة.
وقيل كانت الوقعة سنة ٣٨ وعليه ينطبق قول المسعودي كان التقاء
الحكمين سنة ٣٨ وما حكاه الطبري عن الواقدي ان اجتماع الحكمين كان
في شعبان سنة ٣٨ أو ان اجتماع الحكمين تأخر أكثر من سنة وهو بعيد
وقال نصر بن مزاحم في كتاب صفين انهم تراسلوا بعد وصول علي ع
إلى صفين ثلاثة شهور ربيع الثاني وجمادين وهو يقتضي ان يكون وصولهم
لصفين في أواخر ربيع الأول وهو يخالف ما مر من أن وصولهم كان في أواخر
ذي القعدة مع عدم انطباقه على كون الوقعة سنة ٣٦ ولا على كونها سنة ٣٧
ولا ٣٨ لأنه إن كان من سنة ٣٦ فحرب الجمل لم تكن قد وقعت بعد وإن كان
من سنة ٣٧ يلزم كون مقامهم بصفين أكثر من سنة وقد مر انه كان
مائة يوم وعشرة أيام وإن كان من سنة ٣٨ فيلزم ان يكون مقامهم بصفين
أكثر من سنة أيضا.
ونحن نعتمد في حرب صفين على كتاب نصر بن مزاحم فإنه من
الكتب المعتمدة فان أخذنا شيئا من غيره صرحنا به. قال نصر بن مزاحم
ان عليا مكث بالكوفة فقال الشني في ذلك شن عبد القيس:
- قل لهذا الامام قد خبت الحر * ب وتمت بذلك النعماء -
- وفرغنا من حرب من نقض * العهد وبالشام حية صماء -
- تنفث السم ما لمن نهشته * فارمها قبل ان تعض شفاء -
- انه والذي تحج له ألنا * س ومن دون بيته البيداء -
- لضعيف النخاع ان رمي اليوم * بخيل كأنها الأشلاء -
- تتبارى بكل اصيد كالفحل * بكفيه صعدة سمراء -
- أو تذره فما معاوية الدهر * بمعطيك ما أراك تشاء -
- ولنيل السماك أقرب من ذا * ك ونجم العيون والعواء -
- فاضرب الحد والحديد إليهم * ليس والله غير ذاك دواء -
وكتب علي إلى العمال في الآفاق وكان أهم الوجوه إليه الشام وقدم
عليه الأحنف بن قيس وجارية بن قدامة وحارثة بن بدر وزيد بن جبلة
وأعين بن ضبيعة فتكلم الأحنف فقال يا أمير المؤمنين ان تك سعد لم تنصرك
يوم الجمل فإنها لم تنصر عليك وقد عجبوا أمس ممن نصرك وعجبوا اليوم
ممن خذلك لأنهم شكوا في طلحة والزبير ولم يشكوا في معاوية وعشيرتنا
بالبصرة فلو بعثنا إليهم فقدموا إلينا فقاتلنا بهم العدو وانتصفنا بهم وأدركوا
اليوم ما فاتهم أمس فقال علي لجارية بن قدامة وكان رجل تميم بعد الأحنف
ما تقول يا جارية فأجاب بما يدل على كراهته لاشخاص قومه عن البصرة
وكان حارثة بن بدر أسد الناس عند الأحنف وكان شاعر بني تميم وفارسهم
فقال علي ما تقول يا حارثة فقال من جملة كلام: ان لنا في قومنا عددا لا
نلقي بهم عدوا اعدى من معاوية ولا نسد بهم ثغرا أشد من الشام ووافق
الأحنف في رأيه فقال علي للأحنف اكتب إلى قومك فكتب إلى بني سعد اما
بعد فإنه لم يبق أحد من بني تميم الا وقد شقوا برأي سيدهم غيركم
وعصمكم الله برأيي لكم حتى نلتم ما رجوتم وامنتم ما خفتم وأصبحتم
منقطعين من أهل البلاء لاحقين باهل العافية واني أخبركم انا قدمنا على
تميم الكوفة فاخذوا عينا بفضلهم مرتين بمسيرهم إلينا مع علي واجابتهم إلى
المسير إلى الشام فاقبلوا إلينا ولا تتكلوا عليهم وكتب معاوية بن صعصعة
وهو ابن أخي الأحنف إليهم:
(٤٦٦)

- تميم ابن مر ان أحنف نعمة * من الله لم يخصص بها دونكم سعدا -
- وعم بها من بعدكم أهل مصركم * ليالي ذم الناس كلهم الوفدا -
- سواه لقطع الحبل عن أهل مصره * فامسوا جميعا آكلين به رغدا -
- وكان لسعد رأيه أمس عصمة * فلم يخط لا الاصدار فيهم ولا الوردا -
- وفي هذه الأخرى له مخض زبدة * سيخرجها عفوا فلا تعجلوا الزبدا -
- ولا تبطئوا عنه وعيشوا برأيه * ولا تجعلوا مما يقول لكم بدا -
- أ ليس خطيب القوم في كل وفدة * وأقربهم قربا وابعدهم بعدا -
- وان عليا خير حاف وناعل * فلا تمنعوه اليوم جهدا ولا جدا -
- ومن نزلت فيه ثلاثون آية * تسميه فيها مؤمنا مخلصا فردا -
- سوى موجبات جئن فيه وغيرها * بها أوجب الله الولاية والودا -
فلما انتهى كتاب الأحنف وشعر معاوية بن صعصعة إلى بني سعد
ساروا بجماعتهم حتى نزلوا الكوفة قدمت عليهم ربيعة.
ارسال جرير إلى معاوية
وأراد علي ان يبعث إلى معاوية رسولا فقال له جرير بن عبد الله
البجلي ابعثني إليه فإنه لم يزل لي مستنصحا فادعوه إلى أن يسلم لك الأمر
على أن يكون أميرا من أمرائك وعاملا من عمالك ما عمل بطاعة الله
وأدعو أهل الشام إلى طاعتك وجلهم قومي وأهل بلادي وقد رجوت ان لا
يعصوني فقال له الأشتر لا تبعثه فوالله اني لأظن هواه هواهم فقال له علي
دعه حتى ننظر ما يرجع به إلينا فبعثه وقال له ان حولي من أصحاب رسول
الله ص من أهل الدين والرأي من قد رأيت وقد اخترتك عليهم ائت معاوية
بكتابي فان دخل فيما دخل فيه المسلمون والا فانبذ إليه واعلمه اني لا أرضى
به أميرا وقال المبرد في الكامل ان جريرا قال له والله يا أمير المؤمنين ما
ادخرك من نصرتي شيئا وما اطمع لك في معاوية فقال علي انما قصدي حجة
أقيمها فانطلق جرير حتى اتى الشام ودخل على معاوية فقال اما بعد يا
معاوية فإنه قد اجتمع لابن عمك أهل الحرمين وأهل المصرين وأهل الحجاز
واليمن ومصر وأهل العروض وعمان وأهل البحرين واليمامة ولم يبق الا
هذه الحصون التي أنت بها لو سال عليها سيل من أوديته غرقها وقد اتيتك
أدعوك إلى ما يرشدك ويهديك إلى مبايعة هذا الرجل ودفع إليه كتاب علي بن
أبي طالب وفيه:
بسم الله الرحمن الرحيم اما بعد فان بيعتي لزمتك بالمدينة وأنت
بالشام لأنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بويعوا
عليه فلم يك للشاهد أن يختار وللغائب أن يرد وانما الشورى للمهاجرين
والأنصار فإذا اجتمعوا على رجل فسموه إماما كان ذلك لله رضا فان خرج
من امرهم خارج بطعن أو رغبة ردوه إلى ما خرج منه فان أبى قاتلوه على
اتباعه غير سبيل المؤمنين وولاه الله ما تولى ويصليه جهنم وساءت مصيرا
وإن طلحة والزبير بايعاني ثم نقضا بيعتي وكان نقضهما كردهما فجاهدتهما
على ذلك حتى جاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون فادخل فيما دخل فيه
المسلمون فان أحب الأمور إلي فيك العافية إلا أن تتعرض للبلاء فان
تعرضت له قاتلتك واستعنت الله عليك وقد أكثرت في قتلة عثمان فادخل
فيما دخل فيه الناس ثم حاكم القوم إلي أحملك واياهم على كتاب الله فاما
تلك التي تريدها فخدعة الصبي عن اللبن ولعمري لئن نظرت بعقلك دون
هواك لتجدني أبرأ قريش من دم عثمان واعلم انك من الطلقاء الذين لا
تحل لهم الخلافة ولا تعرض فيهم الشورى وقد أرسلت إليك وإلى من قبلك
جرير بن عبد الله وهو من أهل الايمان والهجرة فبايع ولا قوة الا بالله فلما
قرأ الكتاب قام جرير فخطب خطبة قال في آخرها أيها الناس إن أمر عثمان
قد أعيا من شهده فما ظنكم بمن غاب عنه وإن الناس بايعوا عليا غير واتر
ولا موتور وكان طلحة والزبير ممن بايعه ثم نكثا بيعته على غير حدث الا
وإن هذا الدين لا يحتمل الفتن الا وإن العرب لا تحتمل السيف وقد كانت
بالبصرة أمس ملحمة إن يشفع البلاء بمثلها فلا بقاء للناس وقد بايعت
العامة عليا ولو ملكنا والله أمورنا لم نختر لها غيره وما خالف هذا استعتب
فادخل يا معاوية فيما دخل فيه الناس فان قلت استعملني عثمان ثم لم
يعزلني فان هذا أمر لو جاز لم يقم لله دين وكان لكل امرئ ما في يديه
ولكن الله لم يجعل للآخر من الولاة حق الأول وجعل تلك أمورا موطأة
وحقوقا ينسخ بعضها بعضا. فقال معاوية انظر وتنظر واستطلع رأي أهل الشام
وامر معاوية مناديا فنادى الصلاة جامعة فصعد المنبر وقال: الحمد لله
الذي جعل الدعائم للاسلام اركانا والشرائع للايمان برهانا يتوقد قابسه في
الأرض المقدسة التي جعلها الله محل الأنبياء والصالحين من عباده فأحلها
أهل الشام ورضيهم لها ورضيها لهم لما سبق من مكنون علمه من طاعتهم
ومناصحتهم خلفاءه والقوام بأمره والذابين عن دينه وحرماته ثم جعلهم لهذه
الأمة نظاما وفي سبيل الخيرات اعلاما يردع الله بهم الناكثين ويجمع بهم ألفة
المؤمنين والله نستعين على ما تشعب من أمر المسلمين بعد الالتئام وتباعد
بعد القرب اللهم انصرنا على أقوام يوقظون نائمنا ويخيفون آمننا ويريدون
هراقة دمائنا وإخافة سبلنا وقد يعلم الله انا لم نرد بهم عقابا ولا نهتك لهم
حجابا ولا نوطئهم زلقا غير أن الله الحميد كسانا من الكرامة ثوبا لن ننزعه
طوعا ما جاوب الصدى وسقط الندى وعرف الهدى حملهم على خلافنا
البغي والحسد فالله نستعين عليهم أيها الناس قد علمتم اني خليفة أمير
المؤمنين عمر بن الخطاب واني خليفة عثمان بن عفان عليكم وإني لم أقم
رجلا منكم على خزاية قط واني ولي عثمان وقد قتل مظلوما والله يقول ومن
قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل أنه كان منصورا
وانا أحب أن تعلموني ذات أنفسكم في قتل عثمان. فقام أهل الشام
بأجمعهم فأجابوا إلى الطلب بدم عثمان وبايعوه على ذلك وأوثقوا له على أن
يبذلوا أنفسهم وأموالهم ويدركوا ثاره أو يفني الله أرواحهم فلما جن معاوية
الليل وكان قد اغتم وعنده أهل بيته قال:
- تطاول ليلي واعترتني وساوسي * لآت اتى بالترهات البسابس -
- أتانا جرير والحوادث جمة * بتلك التي فيها اجتداع المعاطس -
- أكابده والسيف بيني وبينه * ولست لأثواب الدني بلابس -
- إن الشام أعطت طاعة يمنية * تواصفها أشياخها في المجالس -
- فان يجمعوا أصدم عليا بجبهة * تغث عليه كل رطب ويابس -
- وإني لأرجو خير ما انا نائل * وما أنا من ملك العراق بايس -
واستحثه جرير بالبيعة فقال يا جرير انها ليست بخلسة وانه أمر له ما
بعده فأبلعني ريقي حتى انظر.
طلب معاوية عمرو بن العاص
ودعا ثقاته فقال له عتبة بن أبي سفيان وكان نظيره استعن على هذا
الأمر بعمرو بن العاص وأثمن له بدينه فإنه من قد عرفت وقد اعتزل أمر
عثمان في حياته وهو لأمرك أشد اعتزالا الا أن يرى فرصة فكتب معاوية إلى
عمرو وهو بفلسطين كان ذهب إليها لما حوصر عثمان وكان له منزل بها:
(٤٦٧)

اما بعد فإنه كان من أمر علي وطلحة والزبير ما قد بلغك وقد سقط إلينا
مروان بن الحكم في رافضة أهل البصرة وقدم علينا جرير بن عبد الله في
بيعة علي وقد حبست نفسي عليك حتى تأتيني اقبل أذاكرك أمرا فاستشار
عمرو ابنيه عبد الله ومحمدا فقال عبد الله قتل عثمان وأنت عنه غائب فقر
في منزلك فلست مجعولا خليفة ولا تريد أن تكون حاشية لمعاوية على دنيا
قليلة اوشك أن تهلك فتشقى فيها. وقال محمد انك شيخ قريش وصاحب
امرها وإن تصرم هذا الأمر وأنت فيه خامل تصاغر امرك فالحق بجماعة
أهل الشام فكن يدا من أيديها واطلب بدم عثمان. فقال عمرو اما أنت يا
عبد الله فامرتني بما هو خير لي في دنياي وانا ناظر فيه فلما جنه الليل رفع
صوته وأهله ينظرون إليه فقال:
- تطاول ليلي للهموم الطوارق * وحولي التي تجلو وجوه العواتق -
- وإن ابن هند سائلي أن أزوره * وتلك التي فيها بنات البوائق -
- اتاه جرير من علي بخطة * امرت عليه العيش ذات مضايق -
- فان نال مني ما يؤمل رده * وإن لم ينله ذل ذل المطابق (١) -
- فوالله ما أدري وما كنت هكذا * أكون ومهما قادني فهو سائقي -
- أخادعه أن الخداع دنية * أم اعطيه من نفسي نصيحة وامق -
- أو اقعد في بيتي وفي ذاك راحة * لشيخ يخاف الموت في كل شارق -
- وقد قال عبد الله قولا تعلقت * به النفس إن لم تعتلقني عوائقي -
- وخالفه فيه اخوه محمد * واني لصلب العود عند الحقائق -
فقال عبد الله ترحل الشيخ ودعا عمرو غلاما له يقال له وردان وكان
داهيا ماردا فقال ارحل يا وردان ثم قال حط يا وردان فقال له وردان
خلطت أبا عبد الله اما انك إن شئت أنبأتك بما في نفسك قال هات ويحك
قال اعتركت الدنيا والآخرة على قلبك فقلت علي معه الآخرة في غير دنيا
وفي الآخرة عوض من الدنيا ومعاوية معه الدنيا بغير آخرة وليس في الدنيا
عوض من الآخرة فأنت واقف بينهما قال والله ما أخطأت فما ترى يا وردان
قال ارى أن تقيم في بيتك فان ظهر أهل الدين عشت عفو دينهم وإن ظهر
أهل الدنيا لم يستغنوا عنك قال الآن لما شهدت العرب مسيري إلى معاوية
فارتحل وهو يقول:
- يا قاتل وردانا وقرحته * أبدي لعمرك ما في النفس وردان -
- اما علي فدين ليس يشركه * دنيا وذاك له دنيا وسلطان -
- فاخترت من طمعي دينا على بصر * وما معي بالذي اختار برهان -
- لكن نفسي تحب العيش في شرف * وليس يرضى بذل العيش انسان -
فسار حتى قدم على معاوية وعرف حاجة معاوية إليه فباعده وكايد كل
واحد منهما صاحبه فلما دخل عليه قال أبا عبد الله طرقتنا في ليلتنا هذه ثلاثة
اخبار ليس فيها ورد ولا صدر قال وما ذاك قال ذاك ان محمد بن أبي
حذيفة (٢) ثم صالحه معاوية فغدر به وسجنه. كسر سجن مصر فخرج هو وأصحابه وهو من آفات هذا الدين
ومنها أن قيصر زحف بجماعة الروم إلي ليغلب على الشام ومنها أن عليا نزل
الكوفة متهيأ للمسير إلينا قال ليس كل ما ذكرت عظيما اما ابن أبي حذيفة فما
يتعاظمك من رجل خرج في اشباهه أن تبعث إليه خيلا تقتله أو تأتيك به
وإن فاتك لا يضرك واما قيصر فاهد له من وصفاء الروم ووصائفها وآنية
الذهب والفضة وسله الموادعة فإنه إليها سريع واما علي فلا والله يا معاوية
ما تسوي العرب بينك وبينه في شئ من الأشياء وإن له في الحرب لحظا ما
هو لأحد من قريش وإنه لصاحب ما هو فيه الا أن تظلمه.
وقال معاوية لعمرو يا أبا عبد الله إني أدعوك إلى جهاد هذا الرجل
الذي عصى ربه وقتل الخليفة وأظهر الفتنة وفرى الجماعة وقطع الرحم،
قال عمرو إلى من؟ قال: إلى جهاد علي فقال له عمرو والله يا معاوية ما
أنت وعلي بعكمي (٣) بعير ما لك هجرته ولا سابقته ولا صحبته ولا جهاده
ولا فقهه ولا علمه والله إن له مع ذلك حدا وحدودا وحظا وحظوة وبلاء من
الله حسنا فما تجعل لي إن شايعتك على حربه وأنت تعلم ما فيه من الغرر
والخطر قال حكمك قال مصر طعمة، فتلكأ عليه معاوية وفي رواية قال
له معاوية اني أكره لك أن يتحدث العرب عنك انك انما دخلت في هذا
الأمر لعرض الدنيا قال دعني عنك قال معاوية إني لو شئت أن أمنيك
وأخدعك لفعلت قال عمرو لا لعمر الله ما مثلي يخدع لأنا أكيس من ذلك
قال له معاوية ادن مني برأسك أسارك فدنا منه عمرو يساره فعض معاوية
أذنه وقال هذه خدعة هل ترى في بيتي أحدا غيري وغيرك فانشا عمرو
يقول:
- معاوية لا أعطيك ديني ولم انل * بذلك دنيا فانظرن كيف تصنع -
- فان تعطني مصرا فأربح بصفقة * أخذت بها شيخا يضر وينفع -
- وما الدين والدنيا سواء وانني * لآخذ ما تعطي ورأسي مقنع -
- وأعطيك أمرا فيه للملك قوة * وإني به إن زلت النعش اضرع -
قال يا أبا عبد الله أ لم تعلم أن مصر مثل العراق قال بلى ولكنها انما
تكون لي إذا كانت لك وانما تكون لك إذا غلبت عليا على العراق، وقد
كان أهلها بعثوا بطاعتهم إلى علي ودخل عتبة بن أبي سفيان فقال أ ما ترضى
أن تشتري عمرا بمصر إن هي صفت لك فليتك لا تغلب على الشام فقال
معاوية يا عتبة بت عندنا الليلة. فلما جن الليل على عتبة رفع صوته ليسمع
معاوية وقال من أبيات:
- اعط عمرا ان عمرا تارك * دينه اليوم لدنيا لم تحز -
- اعطه مصرا وزده مثلها * انما مصر لمن عز وبز -
- إن مصرا لعلي أو لنا * يغلب اليوم عليها من عجز -
فلما سمع معاوية قوله ارسل إلى عمرو وأعطاه مصرا فقال عمرو لي
الله عليك بذلك شاهد قال نعم لك الله علي بذلك إن فتح الله علينا الكوفة
فقال عمرو والله على ما نقول وكيل فخرج عمرو من عنده فقال له ابناه ما
صنعت قال أعطانا مصر طعمة قالا وما مصر في ملك العرب قال لا أشبع
الله بطونكما إن لم تشبعكما وكتب معاوية له بمصر كتابا وكتب على أن لا
ينقض شرط طاعة فكتب عمرو على أن لا ينقض طاعة شرطا فكايد كل
واحد منهما صاحبه. ذكر هذا اللفظ أبو العباس محمد بن يزيد المبرد في

(١) المقيد.
(٢) هو محمد بن أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف. في الإصابة ما
حاصله: إنه استأذن عثمان في سكني مصر فأذن له وكان من أشد الناس تأليبا على عثمان
ثم لما قدم عبد الله بن سعد أمير مصر على عثمان حين طلب امراء الأمصار لما قام الناس
عليه استخلف عقبة بن عامر فوثب محمد بن أبي حذيفة على عقبة فأخرجه من مصر
وضبطها، فلما أراد معاوية بن أبي سفيان المسير إلى صفين رأى أن لا يترك أهل مصر مع ابن
أبي حذيفة خلفه فسار إليهم في عسكر كثيف فخرج إليه ابن أبي حذيفة في أهل مصر فمنعه
من دخول الفسطاط ثم صالحه معاوية فغدر به وسجنه.
(٣) العكم بالكسر ما دام فيه المتاع والعكمان العدلان وما أنتما بعكمي بعير أي لستما
متساويين.
(٤٦٨)

الكامل، وتفسيره: إن قول معاوية على أن لا ينقض شرط طاعة أي أن
الاخلال بما شرط له لا ينقض طاعة عمرو له فعليه أن يطيعه ولو أخل
بالشرط وقول عمرو على أن لا ينقض طاعة شرطا أي أن الاخلال بالطاعة
لا ينقض هذا الشرط فعليه أن يفي بما شرط ولو أخل عمرو بالطاعة.
وكان مع عمرو ابن عم له فتى شاب وكان داهيا حليما فلما جاء عمرو
بالكتاب مسرورا عجب الفتى وقال ألا تخبرني يا عمرو بأي رأي تعيش في
قريش أعطيت دينك ومنيت دنيا غيرك أ ترى أهل مصر وهم قتلة عثمان
يدفعونها إلى معاوية وعلي حي وتراها إن صارت إلى معاوية لا يأخذها
بالحرف الذي قدمه في الكتاب فقال عمرو يا ابن الأخ إن الأمر لله دون علي
ومعاوية فقال الفتى في ذلك شعرا:
- الا يا هند أخت بني زياد * دهي عمرو بداهية البلاد -
- له خدع يحار العقل فيها * مزخرفة صوائد للفؤاد -
- تشرط في الكتاب عليه حرفا * يناديه بخدعته المنادي -
- وأثبت مثله عمرو عليه * كلا المرئين حية بطن وادي -
- الا يا عمرو ما أحرزت مصرا * وما ملت الغداة إلى الرشاد -
- وبعت الدين بالدنيا خسارا * فأنت بذاك من شر العباد -
- فلو كنت الغداة أخذت مصرا * ولكن دونها خرط القتاد -
- وفدت إلى معاوية بن حرب * فكنت بها كوافد قوم عاد -
- وأعطيت الذي أعطيت منه * بطرس فيه نضح من مداد -
- أ لم تعرف أبا حسن عليا * وما نالت يداه من الأعادي -
- عدلت به معاوية بن حرب * فيا بعد البياض من السواد -
- ويا بعد الأصابع من سهيل * ويا بعد الصلاح من الفساد -
- أ تأمن أن تراه على خدب * يحث الخيل بالأسل الحداد -
- ينادي بالنزال وأنت منه * بعيد فانظرن من ذا تعادي -
فقال عمرو يا ابن أخي لو كنت مع علي وسعني بيتي ولكن الآن مع
معاوية فقال له الفتى انك إن لم ترد معاوية لم يردك ولكنك تريد دنياه ويريد
دينك وبلغ معاوية قول الفتى فطلبه فهرب فلحق بعلي فحدثه بأمر عمرو
ومعاوية فسره ذلك وقربه. وغضب مروان وقال ما بالي لا اشتري كما
اشتري عمرو؟! فقال له معاوية: انما تبتاع الرجال لك. وقال معاوية
لعمرو ما ترى قال امض الرأي الأول فبعث مالك بن هبيرة الكندي في
طلب ابن أبي حذيفة فأدركه فقتله وبعث إلى قيصر بالهدايا فوادعه ثم قال ما
ترى في علي؟ قال إن رأس أهل الشام شرحبيل بن السمط بن جبلة
الكندي هو عدو لجرير المرسل إليك فأرسل إليه ووطن له ثقاتك فليفشوا في
الناس إن عليا قتل عثمان وليكونوا أهل الرضا عند شرحبيل فإنها كلمة
جامعة لك أهل الشام على ما تحب وإن تعلق بقلبه لم يخرجها شئ ابدا
فكتب، إليه أن جرير بن عبد الله قدم علينا من عند علي بن أبي طالب
بأمر فظيع فاقدم، ودعا جماعة هم رؤساء قحطان واليمن وثقات معاوية
وخاصته وبنو عم شرحبيل وأمرهم أن يلقوه ويخبروه أن عليا قتل عثمان فلما
قدم عليه كتاب معاوية وهو بحمص استشار أهل اليمن فاختلفوا عليه فقام
إليه عبد الرحمن بن غنم الأزدي وكان أفقه أهل الشام فقال إن الله لا يغير
ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم أنه قد القي إلينا قتل عثمان وإن عليا قتله
فان يك قتله فقد بايعه المهاجرون والأنصار وهم الحكام على الناس وإن لم
يكن قتله فعلا م تصدق معاوية عليه لا تهلك نفسك وقومك، فابى شرحبيل
الا أن يسير إلى معاوية فبعث إليه عياض اليماني وكان ناسكا بهذه
الأبيات:
- أ يا شرح يا ابن السمط انك بالغ * بود علي ما تريد من الأمر -
- ويا شرح أن الشام شامك ما بها * سواك فدع قول المضلل من فهر -
- فان ابن حرب ناصب لك خدعة * تكون علينا مثل راغية البكر -
- فان نال ما يرجو بنا كان ملكنا * هنيئا له والحرب قاصمة الظهر -
- وإن عليا خير من وطئ الحصى * من الهاشميين المداريك للوتر -
- له في رقاب الناس عهد وذمة * كعهد أبي حفص وعهد أبي بكر -
- فبايع ولا ترجع على العقب كافرا * أعيذك بالله العزيز من الكفر -
- ولا تسمعن قول الطغام فإنما * يريدون أن يلقوك في لجة البحر -
- وما ذا عليهم أن تطاعن دونهم * عليا بأطراف المثقفة السمر -
- فان غلبوا كانوا علينا أئمة * وكنا بحمد الله من ولد الطهر -
- وإن غلبوا لم يصل بالحرب غيرنا * وكان علي حربنا آخر الدهر -
- يهون على عليا لؤي بن غالب * دماء بني قحطان في ملكهم تجري -
- فدع عنك عثمان بن عفان اننا * لك الخير لا ندري -
- وانك لا تدري على أي حال كان مصرع جنبه * فلا تسمعن قول الاعيور أو عمرو -
فلما قدم شرحبيل على معاوية تلقاه الناس فاعظموه ودخل على معاوية
فقال معاوية إن جرير بن عبد الله يدعونا إلى بيعة علي وعلي خير الناس لولا
أنه قتل عثمان بن عفان وحبست نفسي عليك وانما أنا رجل من أهل
الشام ارضى ما رضوا وأكره ما كرهوا فقال شرحبيل اخرج فانظر فخرج
فلقيه هؤلاء النفر الموطئون له فكلهم يخبره بان عليا قتل عثمان فرجع إلى
معاوية مغضبا فقال يا معاوية أبى الناس الا أن عليا قتل عثمان ووالله لئن
بايعت له لنخرجنك من الشام أو لنقتلنك قال معاوية ما كنت لأخالف
عليكم ما انا الا رجل من أهل الشام قال فرد هذا الرجل إلى صاحبه إذن.
فعرف معاوية أن شرحبيل قد نفذت بصيرته في حرب أهل العراق وإن
الشام كله مع شرحبيل فخرج شرحبيل فقال لحصين بن نمير ابعث إلى جرير
فبعث إليه فاجتمعا عنده فقال شرحبيل يا جرير أتيتنا بأمر ملفف لتلقينا في
لهوات الأسد وأردت أن تخلط الشام بالعراق وأطريت عليا وهو قاتل عثمان
والله سائلك عما قلت يوم القيامة فقال جرير اما قولك إني جئت بأمر ملفف
فكيف يكون أمرا ملففا وقد اجتمع عليه المهاجرون والأنصار وقوتل على رده
طلحة والزبير واما قولك إني ألقيتك في لهوات الأسد ففي لهواته القيت
نفسك واما خلط العراق بالشام فخلطها بها على حق خير من فرقتها على
باطل واما قولك إن عليا قتل عثمان فوالله ما في يديك من ذلك الا القذف
بالغيب من مكان بعيد ولكنك ملت إلى الدنيا وشئ كان في نفسك علي
زمن سعد بن أبي وقاص. فبلغ معاوية قول الرجلين فبعث إلى جرير فزجره
وكتب جرير إلى شرحبيل:
- شرحبيل يا ابن السمط لا تتبع الهوى * فما لك في الدنيا من الدين من بدل -
- وقل لابن حرب ما لك اليوم حرمة * تروم بها ما رمت فاقطع له الأمل -
- شرحبيل إن الحق قد جد جده * وانك مأمون الأديم من النغل -
- وارود (١) ولا تفرط بشئ نخافه * عليك ولا تعجل فلا خير في العجل -
- ولأنك كالمجري إلى شر غاية * فقد خرق السربال واستنوق الجمل -

(١) ارفق وتمهل.
(٤٦٩)

- وقال ابن هند في علي عضيهة (٢) * ولله في صدر ابن أبي طالب أجل -
- وما لعلي في ابن عفان سقطة * بأمر ولا جلب عليه ولا قتل -
- وما كان الا لازما قعر بيته * إلى أن أتى عثمان في بيته الأجل -
- فمن قال قولا غير هذا فحسبه * من الزور والبهتان بعض الذي احتمل -
- وصي رسول الله من دون أهله * وفارسه الأولى به يضرب المثل -
فلما قرأ شرحبيل الكتاب ذعر وفكر وقال هذه نصيحة لي في ديني
ودنياي لا والله لا أعجل في هذا الأمر بشئ فلفلف له معاوية الرجال
يدخلون إليه ويخرجون ويعظمون عنده قتل عثمان ويرمون به عليا ويقيمون
الشهادة الباطلة والكتب المختلفة حتى أعادوا رأيه وشحذوا عزمه وبلغ ذلك
قومه فبعث إليه ابن أخت له من بارق كان يرى رأي علي بن أبي طالب
فبايعه وكان ممن لحق به من أهل الشام وكان ناسكا فقال:
- لعمر أبي الأشقى ابن هند لقد رمى * شرحبيل بالسهم الذي هو قاتله -
- ولفف قوما يسحبون ذيولهم * جميعا وأولى الناس بالذنب فاعله -
- فالقى يمانيا ضعيفا نخاعه * إلى كل ما يهوون تحدى رواحله -
- وقالوا علي في ابن عفان خدعة * ودبت إلين بالشنان غوائله -
- ولا والذي أرسى ثبيرا مكانه * لقد كف عنه كفه ووسائله -
- وما كان إلا من صحاب محمد * وكلهم تغلي عليه مراجله -
فقال شرحبيل هذا بعيث الشيطان الآن امتحن الله قلبي والله
لأسيرن إلى صاحب هذا الشعر أو ليفوتني فهرب الفتى إلى الكوفة وكان
أصله منها وكاد أهل الشام أن يرتابوا وبعث معاوية إلى شرحبيل أنه قد كان
من اجابتك الحق وما وقع فيه اجرك على الله وقبله عنك صلحاء الناس ما
علمت وإن هذا الأمر الذي عرفته لا يتم إلا برضا العامة فسر في مدائن
الشام وناد فيهم بان عليا قتل عثمان وأنه يجب على المسلمين أن يطلبوا بدمه
فسار فبدأ باهل حمص فقام فيهم خطيبا وكان مأمونا في أهل الشام ناسكا
متألها فقال يا أيها الناس إن عليا قتل عثمان وقد غضب له قوم فقتلهم
وغلب على الأرض فلم يبق إلا الشام وهو واضع سيفه على عاتقه ثم
خائض به غمار الموت حتى يأتيكم أو يحدث الله أمرا ولا نجد أحدا أقوى
على قتاله من معاوية فجدوا فاجابه الناس الا نساك من أهل حمص فإنهم
قالوا بيوتنا قبورنا ومساجدنا وأنت أعلم بما ترى وجعل يستنهض مدائن
الشام حتى استفرغها لا يأتي على قوم إلا قبلوا ما أتاهم به فبعث إليه
الناشي بن الحارث وكان صديقا له:
- شرحبيل ما للدين فرقت امرنا * ولكن لبغض المالكي جرير -
- وشحناء دبت بين سعد وبينه * فأصبحت كالحادي بغير بعير -
- أ تنصل أمرا غبت عنه بشبهة * وقد حار فيها عقل كل بصير -
- بقول رجال لم يكونوا أئمة * ولا للتي لقوكها بحضور -
- وما قول قوم غائبين تقاذفوا * من الغيب ما دلاهم بغرور -
- وتترك أن الناس أعطوا عهودهم * عليا على أنس به وسرور -
- إذا قيل هاتوا واحدا تقتدونه * نظيرا له لم يفحصوا بنظير -
- لعلك أن تشقى الغداة بحربه * شرحبيل ما ما جئته بصغير -
وروى نصر بن مزاحم بسنده عن الشعبي أن شرحبيل دخل على
معاوية فقال أنت عامل أمير المؤمنين وابن عمه ونحن المؤمنون فان كنت
رجلا تجاهد عليا وقتلة عثمان حتى ندرك ثارنا أو تفنى أرواحنا استعملناك
علينا وإلا عزلناك واستعملنا غيرك ممن نريد ثم جاهدنا معه حتى ندرك بدم
عثمان أو نهلك فقال جرير يا شرحبيل مهلا فان الله قد حقن الدماء ولم
الشعث وجمع أمر الأمة ودنا من هذه الأمة سكون فإياك أن تفسد بين الناس
وامسك عن هذا القول قبل أن يظهر منك قول لا تستطيع رده، قال لا
والله لا أسره أبدا ثم قال فتكلم فقال الناس صدق صدق، القول ما قال
والرأي ما رأى فايس جرير عند ذلك من معاوية ومن عوام أهل الشام.
وكان معاوية أتى جريرا في منزله فقال إني رأيت رأيا قال هاته قال اكتب إلى
صاحبك يجعل لي الشام ومصر جباية فإذا حضرته الوفاة لم يجعل لأحد بعده
بيعة في عنقي واسلم له هذا الأمر وأكتب إليه بالخلافة فقال جرير أكتب بما
أردت وأكتب معك فكتب معاوية بذلك إلى علي فكتب علي إلى جرير أما
بعد فإنما أراد معاوية أن لا يكون لي في عنقه بيعة وأن يختار من أمره ما
أحب وأراد أن يريثك حتى يذوق أهل الشام وأن المغيرة بن شعبة قد كان
أشار على أن استعمل معاوية على الشام وأنا بالمدينة فأبيت ذلك عليه ولم
يكن الله ليراني اتخذ المضلين عضدا. فان بايعك الرجل وإلا فاقبل. وفشا
كتاب معاوية في العرب فبعث إليه الوليد بن عقبة:
- معاوي أن الشام شامك فاعتصم * بشامك لا تدخل عليك الأفاعيا -
- وحام عليها بالقنابل والقنا * ولا تك محشوش الذراعين وانيا -
- وإن عليا ناظر ما تجيبه * فاهد له حربا يشيب النواصيا -
- والا فسلم أن في السلم راحة * لمن لا يريد الحرب فاختر معاويا -
- وإن كتابا يا ابن حرب كتبته * على طمع يزجي إليك الدواهيا -
- سالت عليا فيه ما لن تناله * ولو نلته لم يبق الا لياليا -
- وسوف ترى منه الذي ليس بعده * بقاء فلا تكثر عليك الأمانيا -
- أ مثل علي تعتريه بخدعة * وقد كان ما جربت من قبل كافيا -
- ولو نشبت أظفاره فيك مرة * حداك ابن هند منه ما كنت حاديا -
وأبطأ جرير عند معاوية حتى اتهمه الناس وقال علي وقت لرسولي وقتا
لا يقيم بعده إلا مخدوعا أو عاصيا وأبطأ على علي حتى ايس منه فكتب إليه
اما بعد فإذا أتاك كتابي هذا فاحمل معاوية على الفصل وخذه بالأمر الجزم ثم
خيره بين حرب مجلية أو سلم محظية فان اختار الحرب فانبذ له وإن اختار
السلم فخذ بيعته. فاقرأ معاوية الكتاب وقال يا معاوية لا أظن أن قلبك
إلا مطبوعا أراك قد وقفت بك الحق والباطل فقال معاوية ألقاك بالفيصل
أول مجلس إن شاء الله فلما بايع معاوية أهل الشام وذاقهم قال يا جرير
ألحق بصاحبك، وكتب إليه بالحرب، قال المبرد الكامل وكتب إليه مع
جرير جواب كتابه المتقدم: من معاوية بن صخر إلى علي بن أبي طالب أما
بعد فلعمري لو بايعك القوم الذين بايعوك وأنت برئ من دم عثمان كنت
كابي بكر وعمر وعثمان ولكنك أغريت بعثمان المهاجرين وخذلت عنه
الأنصار فأطاعك الجاهل وقوي بك الضعيف وقد أبى أهل الشام إلا قتالك
حتى تدفع إليهم قتلة عثمان فان فعلت كانت شورى بين المسلمين ولعمري
ليس حججك علي كحججك على طلحة والزبير لأنهما بايعاك ولم أبايعك وما
حجتك على أهل الشام كحجتك على أهل البصرة لأن أهل البصرة أطاعوك
ولم يطعك أهل الشام فاما شرفك في الاسلام وقرابتك من النبي ص
وموضعك من قريش فلست أدفعه، وكتب في أسفل الكتاب أبيات
كعب بن جعيل:

(١) كذب
(٤٧٠)

- أرى الشام تكره ملك العرا * ق وأهل العراق لهم كارهونا -
- وقالوا علي إمام لنا * فقلنا رضينا -
- ابن هند رضينا وما في علي لمستعتب * مقال سوى ضمه المحدثينا -
- وايثاره اليوم أهل الذنوب * ورفع القصاص عن القاتلينا -
- إذا سيل عنه حدا شبهة * وعمى الجواب عن السائلينا -
- فليس براض ولا ساخط * ولا في النهاة ولا الآمرينا -
- ولا هو ساء ولا سره * ولا بد من بعض ذا أن يكونا -
قال المبرد في الكامل: فاجابه علي ع عن كتابه هذا: من
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب إلى معاوية بن صخر بن حرب أما بعد فإنه
أتاني منك كتاب امرئ ليس له بصر يهديه ولا قائد يرشده دعاه الهوى
فاجابه وقاده الضلال فاتبعه زعمت إنما أفسد عليك بيعتي خطيئتي في عثمان
ولعمري ما كنت إلا رجلا من المهاجرين أوردت كما أوردوا وأصدرت كما
أصدروا وما كان الله ليجمعهم على الضلال ولا يضربهم بالعمى وبعد فما
أنت وعثمان إنما أنت رجل من بني أمية وبنو عثمان أولى بذلك منك فان
زعمت أنك أقوى على دم أبيهم منهم فادخل في طاعتي ثم حاكم القوم إلي
أحملك واياهم على المحجة وأما تمييزك بينك وبين طلحة والزبير وأهل الشام
وأهل البصرة فلعمري ما الأمر فيما هناك إلا سواء لأنها بيعة شاملة لا يستثنى
فيها الخيار ولا يستأنف فيها النظر وأما شرفي في الاسلام وقرابتي من رسول
الله ص وموضعي من قريش فلعمري لو استطعت دفعه لدفعته. وفي هذا
الجواب ما يقطع معاذير أهل الجمل وغيرهم التي كانوا يظهرون التشبث بها
وقلوبهم منطوية على خلافها فإنهم ليس لهم المطالبة بدم عثمان مع وجود
أولاده الذين هم أولياء الدم فعليهم أولا أن يبايعوا ويقدموا الطاعة ثم
يحاكموا قتلة عثمان والمتهمين بقتله فما يوجبه الشرع يجري عليهم على أن
المباشر لقتله واحد أو اثنان ولكن هوى النفس ورقة الدين والعداوة يبعثان
على اختلاف المعاذير. وأمر علي النجاشي فأجاب عن الشعر فقال:
- دعن يا معاوية ما لن يكونا * فقد حقق الله ما تحذرونا -
- أتاكم علي باهل الحجا * ز وأهل العراق فما تصنعونا -
- يرون الطعان خلال العجاج * وضرب الفوارس في النقع دينا -
- هم هزموا الجمع يوم الزبير * وطلحة والمعشر الناكثينا -
- وقالوا يمينا على حلفة * لنهدي إلى الشام حربا زبونا -
- تشيب النواصي قبل المشيب * وتلقي الحوامل منها الجنينا -
- فقل للمضلل من وائل * ومن جعل الغث يوما سمينا -
- جعلتم عليا واتباعه * نظير ابن هند ألا تستحونا -
- إلى أول الناس بغد الرسو * ل وصنو الرسول من العالمينا -
- وصهر الرسول ومن مثله * إذا كان يوم يشيب القرونا -
واجتمع جرير والأشتر عند علي ع فقال الأشتر أما والله يا
أمير المؤمنين لو كنت أرسلتني إلى معاوية لكنت خيرا لك من هذا الذي
أرخى من خناقه وأقام حتى لم يدع بابا يرجو روحه إلا فتحه أو يخاف غمه
إلا سده فقال جرير والله لو اتيتهم لقتلوك وخوفه بعمرو وذي الكلاع
وحوشب ذي ظليم وقد زعموا انك من قتلة عثمان فقال الأشتر لو أتيته لم
يعيني جوابها ولم يثقل علي بحملها ولحملت معاوية على خطة أعجله فيها
عن الفكر قال فائتهم إذن قال الآن وقد أفسدتهم، ووقع بينهما الشر وفي
رواية أن الأشتر قال أ ليس قد نهيتك يا أمير المؤمنين أن تبعث جريرا
وأخبرتك بعداوته وغشه وأقبل الأشتر يقول يا أخا بجيلة والله ما أنت باهل
أن تمشي فوق الأرض حيا إنما أتيتهم لتتخذ عندهم يدا بمسيرك إليهم ثم
رجعت إلينا تهددنا بهم وأنت والله منهم ولا أرى سعيك إلا لهم ولئن
أطاعني فيك أمير المؤمنين ليحسبنك وأشباهك في محبس لا تخرجون منه حتى
تستبين هذه الأمور ويهلك الله الظالمين قال جرير وددت والله أنك كنت
مكاني بعثت إذا والله لم ترجع فلما سمع جرير ذلك لحق بقرقيسا ولحق به
أناس من قسر من قومه فخرج علي إلى دار جرير فهدم منها وحرق مجلسه
فقيل له ان فيها أرضا لغير جرير فخرج منها وأحرق دار ثوير بن عامر وهدم
منها وكان لحق بجرير.
ولما أراد معاوية المسير إلى صفين قال لعمرو بن العاص اني رأيت أن
نلقي إلى أهل مكة وأهل المدينة كتابا نذكر لهم فيه أمر عثمان فاما أن ندرك
حاجتنا وأما أن يكف القوم عنا فقال عمرو إنما نكتب إلى ثلاثة نفر راض
بعلي فلا يزيده ذاك إلا بصيرة ورجل يهوى عثمان فلن نزيده على ما هو
عليه ورجل معتزل فلست بأوثق في نفسه من علي قال علي ذلك فكتبا
فأجابهما عبد الله بن عمر ما أنتما والخلافة أما أنت يا معاوية فطليق وأما أنت
يا عمرو فظنون الا فكفا فليس لكما ولي ولا نصير. وكتب معاوية إلى
عبد الله بن عمر خاصة وإلى سعد بن أبي وقاص وإلى محمد بن مسلمة
فكان في كتابه إلى ابن عمر أما بعد فإنه لم يكن أحد من قريش أحب إلى أن
تجمع عليه الأمة بعد قتل عثمان منك ثم ذكرت خذلك إياه وطعنك على
انصاره فتغيرت لك وقد هون ذلك علي خلافك على علي فأعنا رحمك الله
على حق هذا الخليفة المظلوم فاني لست أريد الامارة عليك ولكني أريدها
لك فان أبيت كانت شورى بين المسلمين فاجابه ابن عمر بأنه لن يترك عليا
في المهاجرين والأنصار وطلحة والزبير وعائشة أم المؤمنين ويتبعه. وكتب
إلى سعد أما بعد فان أحق الناس بنصر عثمان أهل الشورى من قريش
الذين أثبتوا حقه واختاروه على غيره وقد نصره طلحة والزبير وهما شريكان في
الأمر ونظيراك في الاسلام وخفت لذلك أم المؤمنين فلا تكرهن ما رضوا ولا
تردن ما قبلوا فانا نردها شورى بين المسلمين. وقال أبياتا أولها:
- ألا يا سعد قد أظهرت شكا * وشك المرء في الأحداث داء -
- فاما إذ أبيت فليس بيني * وبينك حرمة ذهب الرجاء -
- سوى قولي إذا اجتمعت قريش * على سعد من الله العفاء -
فاجابه سعد:
أما بعد فان عمر لم يدخل في الشورى إلا من تحل له
الخلافة من قريش غير أن عليا قد كان فيه ما فينا ولم يكن فينا ما فيه فاما
طلحة والزبير فلو لزما بيوتهما كان خيرا لهما والله يغفر لأم المؤمنين ما أتت
وأجابه عن شعره بأبيات أولها:
- معاوي داؤك الداء العياء * فليس لما تجئ به دواء -
- فما الدنيا بباقية لحي * ولا حي له فيها بقاء -
- أ تطمع في الذي أعيا عليا * على ما قد طمعت به العفاء -
- ليوم منه خير منك حيا * وميتا أنت للمرء الفداء -
وكتب معاوية إلى أمير المؤمنين ع كتابا نذكره مع جوابه عبرة لمن
نظر واعتبر ليعلم أنه كيف يصف الطائي بالبخل ما در ويعير قسا بالفهاهة
بأقل ويقول السهى للشمس أنت ضئيلة ويقول الدجى للصبح لونك حائل
وتفاخر الأرض السماء وتطاول الشهب الحصى والجنادل وأنه لا يستبعد
وقوع شئ في هذا الكون من بني البشر وأن ابن آدم يمكنه أن يحتج على
الليل بأنه نهار وعلى النهار بأنه ليل وعلى أن العلقم أحلى من العسل ويقبل
(٤٧١)

ذلك منه ويجد له عليه أعوانا، قال ابن أبي الحديد: كتب معاوية: من
عبد الله معاوية بن أبي سفيان إلى علي بن أبي طالب أما بعد فان الله تعالى
يقول في محكم كتابه ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت
ليحبطن عملك وإني أحذرك الله أن تحبط عملك وسابقتك بشق عصا هذه
الأمة وتفريق جماعتها فاتق الله واذكر موقف القيامة وأقلع عما أسرفت فيه
من الخوض في دماء المسلمين وإني سمعت رسول الله ص يقول لو تمالأ أهل
صنعاء وعدن على قتل رجل واحد من المسلمين لأكبهم الله على مناخرهم في
النار فكيف يكون حال من قتل اعلام المسلمين وسادات المهاجرين بله ما
طحنت رحى حربه من أهل القرآن وذوي العبادة والايمان من شيخ كبير
وشاب غرير كلهم بالله مؤمن وبرسوله مقر فان كنت أبا حسن إنما تحارب
على الإمرة والخلافة فلعمري لو صحت خلافتك لكنت قريبا من أن تعذر
في حرب المسلمين ولكنها ما صحت لك وانى صحتها وأهل الشام لم يدخلوا
فيها وخف الله وسطواته وأغمد سيفك عن الناس فقد والله أكلتهم الحرب
فلم يبق منهم الا كالثمد في قرارة الغدير والله المستعان. فكتب إليه أمير
المؤمنين ع وبعضه مذكور في نهج البلاغة: من عبد الله علي أمير
المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان أما بعد فقد اتتني منك موعظة موصلة
ورسالة محبرة نمقتها بضلالك وأمضيتها بسوء رأيك وكتاب امرئ ليس له
بصر يهديه ولا قائد يرشده دعاه الهوى فاجابه وقاده الضلال فاتبعه فهجر
لاغطا وضل خابطا فاما أمرك لي بالتقوى فارجو أن تكون من أهلها واستعيذ
بالله من أن أكون من الذين إذا أمروا بها أخذتهم العزة بالإثم وأما تحذيرك
إياي أن يحبط عملي وسابقتي في الاسلام فلعمري لو كنت الباغي عليك
لكان لك أن تحذرني ذلك ولكني وجدت الله يقول فقاتلوا التي تبغي حتى
تفئ إلى أمر الله فنظرنا إلى الفئتين فاما الفئة الباغية فوجدناها الفئة التي
أنت فيها لأن بيعتي بالمدينة لزمتك وأنت بالشام كما لزمتك بيعة عثمان
بالمدينة وأنت أمير لعمر على الشام وكما لزمت يزيد أخاك بيعة عمر وهو أمير
لأبي بكر على الشام وأما شق عصى هذه الأمة فانا أحق أن أنهاك عنه وأما
تخويفك لي من قتل أهل البغي فان رسول الله ص أمرني بقتالهم وقتلهم
وقال لأصحابه إن فيكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله
وأشار إلي وأنا أولى من اتبع أمره وأما قولك أن بيعتي لم تصح لأن أهل
الشام لم يدخلوا فيها كيف وإنما هي بيعة واحدة تلزم الحاضر والغائب لا
يثنى فيها النظر ولا يستأنف فيها الخيار الخارج منها طاعن والموري فيها
مداهن فأربع على ظلعك وانزع سربال غيك واترك ما لا جدوى له عليك
فليس لك عندي إلا السيف حتى تفئ إلى أمر الله صاغرا وتدخل في البيعة
راغما. قال نصر بن مزاحم:
وكتب أمير المؤمنين ع إلى معاوية: من عبد الله علي أمير المؤمنين
إلى معاوية بن أبي سفيان سلام على من أتبع الهدى إلى أن قال واعلم يا
معاوية أنك قد ادعيت أمرا لست من أهله ولست تقول فيه بأمر بين ولا لك
عليه شاهد من كتاب الله ومتى كنتم يا معاوية ساسة للرعية أو ولاة لأمر
هذه الأمة بغير قدم حسن ولا شرف سابق على قومكم فإنك مترف قد أخذ
منك الشيطان ماخذه فجرى منك مجرى الدم في العروق. واعلم أن هذا
الأمر لو كان إلى الناس أو بأيديهم لحسدونا ولأمتنوا به علينا ولكنه قضاء
ممن امتن به علينا على لسان نبيه الصادق المصدق لا أفلح من شك بعد
البرهان والبينة. وفي الكلام الأخير دلالة على أن الإمامة بالنص. فاجابه
معاوية: أما بعد فدع الحسد فإنك طالما لم تنتفع به ولا تفسد سابقة قدمك
بشرة نخوتك فان الأعمال بخواتيمها ولعمري ما مضى لك من السابقات
يشبه أن يكون ممحوقا لما اجترأت عليه من سفك الدماء وخلاف أهل الحق
فاقرأ سورة الفلق وتعوذ من شر نفسك فإنك الحاسد إذا حسد. ومثل هذا
الجواب نذكره عبرة للناظر كالذي مضى قبله.
ولما قدم عبيد الله بن عمر بن الخطاب على معاوية بالشام أرسل
معاوية إلى عمرو بن العاص فقال يا عمرو إن الله قد أحيا لك عمر بن
الخطاب بالشام بقدوم عبيد الله وقد رأيت أن أقيمه خطيبا فيشهد على علي
بقتل عثمان وينال منه فقال الرأي ما رأيت فبعث إليه معاوية فاتاه فقال يا
ابن أخ لك اسم أبيك فانظر بملء ء عينيك وتكلم بكل فيك فأنت المأمون
المصدق فاشتم عليا وأشهد عليه أنه قتل عثمان فقال أما شتمه فإنه علي بن
أبي طالب وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم فما عسى أن أقول في حسبه وأما
بأسه فهو الشجاع المطرق وأما أيامه فما عرفت ولكني ملزمه دم عثمان
فقال عمرو إذا والله قد نكات القرحة فلما خرج عبيد الله قال معاوية أما
والله لولا قتله الهرمزان ومخافة علي على نفسه ما أتانا أبدا أ لم تر إلى تقريظه
عليا فقال عمرو يا معاوية إن لم تغلب فاخلب (١) فخرج حديثه إلى عبيد الله
فلما قام خطيبا تكلم بحاجته حتى إذا أتى إلى أمر علي أمسك فقال له معاوية
ابن أخ انك بين عي أو خيانة فبعث إليه كرهت أن أقطع الشهادة على رجل
لم يقتل عثمان وعرفت أن الناس محتملوها عني فهجره معاوية واستخف
بحقه وفسقه فقال شعرا يذكر فيه أن عليا آوى قتلة عثمان وقربهم فلما بلغ
معاوية شعره بعث إليه فأرضاه وقربه وقال حسبي هذا منك.
وقام أبو مسلم الخولاني في ناس من قراء الشام إلى معاوية فقالوا
علا م تقاتل عليا وليس لك مثل صحبته ولا قرابته ولا سابقته قال لهم ما
أقاتل عليا وأنا أدعي ان لي في الاسلام مثل صحبته ولا هجرته ولا قرابته
ولا سابقته ولكن أ لستم تعلمون ان عثمان قتل مظلوما قالوا بلى قال فليدفع
إلينا قتلته فنقتلهم به ولا قتال بيننا وبينه قالوا فاكتب إليه كتابا يأته به بعضنا
فكتب إليه مع أبي مسلم الخولاني: بسم الله الرحمن الرحيم من معاوية بن
أبي سفيان إلى علي بن أبي طالب سلام عليك فاني أحمد إليك الله لا إله إلا
هو اما بعد فان الله اصطفى محمدا بعلمه وجعله الأمين على وحيه واحتبى
له من المسلمين أعوانا أيده الله بهم فكانوا في منازلهم عنده على قدر
فضائلهم في الإسلام فكان أفضلهم الخليفة من بعده وخليفة خليفته والثالث
الخليفة المظلوم فكلهم حسدت وعلى كلهم بغيت عرفنا ذلك في نظرك
الشزر وقولك الهجر وتنفسك الصعداء وإبطائك عن الخلفاء تقاد إلى كل
منهم كما يقاد الفحل المخشوش حتى تبايع ثم لم تكن لأحد منهم بأعظم
حسدا منك لابن عمك عثمان فقطعت رحمه وألبت الناس عليه فقتل معك
في المحلة فاقسم صادقا ان لو قمت فيما كان من امره مقاما واحدا تنهنه
الناس عنه ما عدل بك من قبلنا من الناس أحدا واخرى أنت بها عند
أنصار عثمان ظنين ايواؤك قتلة عثمان وقد ذكر لي إنك تنتصل من دمه فان
كنت صادقا فأ مكنا من قتلته نقتلهم به ونحن أسرع إليك وإلا فليس لك
ولأصحابك إلا السيف والله الذي لا إله إلا هو لنطلبن قتلة عثمان في
الجبال والرمال والبر والبحر أو لتلحقن أرواحنا بالله والسلام. فقدم أبو

(١) من الخلاية والخداع بالقول اللطيف ومعنى إن لم تغلب فأخلب إذا أعياك الأمر مغالبة فاطلبه
مخادعة.
(٤٧٢)

مسلم بهذا الكتاب على علي فقام خطيبا وقال في جملة خطبته ان عثمان قتل
مسلما محرما مظلوما فادفع إلينا قتلته وأنت أميرنا فقال له علي اغد علي غدا
فخذ جواب كتابك فجاء من الغد فوجد الناس قد بلغهم الذي جاء فيه
فلبست الشيعة أسلحتها ثم غدوا فملئوا المسجد وأخذوا ينادون كلنا قتلة
ابن عفان وأذن لأبي مسلم فدخل على أمير المؤمنين ع فقال أبو مسلم قد
رأيت قوما ليس لك معهم أمر قال وما ذاك قال بلغهم انك تريد قتلة
عثمان فضجوا واجتمعوا ولبسوا السلاح وزعموا انهم كلهم قتلة عثمان
فقال علي والله ما أردت ان أدفعهم إليك طرفة عين لقد ضربت هذا الأمر
انفه وعينه ما رأيت ينبغي لي ان أدفعهم إليك ولا إلى غيرك وأعطاه جواب
كتاب معاوية فخرج بالكتاب وهو يقول الآن طاب الضراب وكان
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى
معاوية بن أبي سفيان اما بعد فان أخا خولان قدم علي بكتاب منك تذكر فيه
محمدا ص وما أنعم تعالى في نبيه محمد ص وفينا فكنت في ذلك كجالب
التمر إلى هجر والداعي مسدده إلى النضال وذكرت ان الله اجتبى له من
المسلمين أعوانا فكانوا في منازلهم عنده على قدر فضائلهم في الإسلام فلعمر
الله اني لأرجو إذا اعطى الله الناس على قدر فضائلهم في الاسلام
ونصيحتهم لله ورسوله ان يكون نصيبنا في ذلك الأوفر إن محمدا ص لما دعا
إلى الإيمان بالله والتوحيد كنا أهل البيت أول من آمن به فلبثنا أحوالا محرمة
وما يعبد الله في ربع ساكن من العرب غيرنا فأراد قومنا قتل نبينا واجتياح
أصلنا وهموا بنا الهموم وفعلوا بنا الأفاعيل فمنعونا الميرة وامسكوا عنا العذب
واحلسونا الخوف وجعلوا علينا الأرصاد والعيون واضطرونا إلى جبل وعر
وأوقدوا لنا نار الحرب وكتبوا علينا بينهم كتابا لا يواكلونا ولا يشاربونا ولا
يناكحونا ولا يبايعونا ولا نأمن فيهم حتى ندفع إليهم النبي ص فيقتلوه
ويمثلوا به فلم نكن نأمن فيهم إلا من موسم فعزم الله لنا على منعه والذب
عن حوزته والرمي من وراء حرمته والقيام بأسيافنا دونه فاما من أسلم من
قريش بعد فإنهم مما نحن فيه أخلياء فمنهم حليف ممنوع أو ذو عشيرة تدافع
عنه وكان رسول الله ص إذا احمر الباس وأحجم الناس أقام أهل بيته
فاستقدموا فوقى بهم أصحابه حر الأسنة والسيوف فقتل عبيدة يوم بدر
وحمزة يوم أحد وجعفر يوم مؤتة وأراد من لو شئت ذكر اسمه مثل الذي
أرادوا من الشهادة مع النبي ص غير مرة إلا أن آجالهم عجلت ومنيته
أخرت واما ما ذكرت من أمر عثمان فإنه عمل ما بلغك فصنع الناس به ما
قد رأيت واما ما ذكرت من أمر قتلة عثمان فاني نظرت في هذا الأمر
وضربت انفه وعينيه فلم أر دفعهم إليك ولا إلى غيرك ولعمري لئن لم تنزع
عن غيك وشقاقك لتعرفنهم عن قليل يطلبونك ولا يكلفونك ان تطلبهم في
بر ولا بحر ولا جبل ولا سهل.
ولما أراد أمير المؤمنين ع المسير إلى أهل الشام دعا إليه من
كان معه من المهاجرين والأنصار، قال المسعودي: وكان معه من أصحاب
بدر سبعة وثمانون رجل منهم سبعة عشر من المهاجرين وسبعون من
الأنصار وشهد معه من الأنصار ممن بايع تحت الشجرة وهي بيعة الرضوان
تسعمائة وكان جميع من شهد معه من الصحابة ألفين وثمانمائة. فخطبهم
فحمد الله وأثنى عليه وقال اما بعد فإنكم ميامين الرأي مراجيح الحلم
مقاويل بالحق مباركو الفعل والأمر وقد أردنا المسير إلى عدونا وعدوكم
فأشيروا علينا برأيكم. فقام هاشم بن عتبة بن أبي وقاص فحمد الله وأثنى عليه
فما هو أهله ثم قال: اما بعد يا أمير المؤمنين فانا بالقوم جد خبير هم
لك ولأشياعك أعداء وهم لمن يطلب حرث الدنيا أولياء وهم مقاتلوك
ومجاهدوك لا يبقون جهدا مشاحة على الدنيا وضنا بما في أيديهم منها وليس
لهم اربة غيرها إلا ما يخدعون به الجهال من الطلب بدم عثمان كذبوا ليس
بدمه يثارون ولكن الدنيا يطلبون فسر بنا إليهم فان أجابوا إلى الحق فليس
بعد الحق إلا الضلال وإن أبوا إلا الشقاق فذلك الظن بهم والله ما أراهم
يبايعون وفيهم أحد ممن يطاع إذا نهى أو يسمع إذا أمر. وقام عمار بن ياسر
فذكر الله بما هو أهله وحمده وقال يا أمير المؤمنين إن استطعت ان لا تقيم
يوما واحد فاشخص بنا قبل استعار نار الفجرة واجتماع رأيهم على الصدود
والفرقة وادعهم إلى رشدهم وحظهم فان قبلوا سعدوا وان أبوا إلا حربنا
فوالله ان سفك دمائهم والجد في جهادهم لقربة عند الله وهو كرامة منه.
ثم قام قيس بن سعد بن عبادة فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: يا أمير المؤمنين انكمش
بنا إلى عدونا ولا تعرج فوالله لجهادهم أحب إلي من جهاد الترك والروم لأدهانهم في
دين الله واستذلالهم أولياء الله من أصحاب محمد ص من المهاجرين
والأنصار والتابعين باحسان إذا غضبوا على رجل حبسوه أو ضربوه أو حرموه
أو سيروه وفيئنا لهم في أنفسهم حلال ونحن لهم فيما يزعمون قطين قال
يعني رقيق فقال أشياخ الأنصار منهم خزيمة بن ثابت وأبو أيوب الأنصاري
وغيرهما لم تقدمت أشياخ قومك وبدأتهم يا قيس بالكلام فقال اما اني عارف
بفضلكم معظم لشأنكم ولكني وجدت في نفسي الضغن الذي جاش في
صدوركم حين ذكرت الأحزاب فقال بعضهم لبعض ليقم رجل منكم
فليجب أمير المؤمنين عن جماعتكم فقالوا قم يا سهل بن حنيف فقام سهل
فحمد الله وأثنى عليه ثم قال يا أمير المؤمنين نحن سلم لمن سالمت وحرب
لمن حاربت ورأينا رأيك ونحن كف يمينك وقد رأينا ان تقوم بهذا الأمر في
أهل الكوفة فتامرهم بالشخوص وتخبرهم بما صنع الله لهم في ذلك فإنهم هم
أهل البلد وهم الناس فان استقاموا لك استقام لك الذي تريد وتطلب واما
نحن فليس عليك منا خلاف متى دعوتنا أجبناك ومتى امرتنا أطعناك.
فجمع أمير المؤمنين ع أهل الكوفة وحرضهم وأمرهم بالمسير إلى
صفين لقتال أهل الشام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: سيروا إلى أعداء
السنن والقرآن سيروا إلى بقية الأحزاب وقتلة المهاجرين والأنصار فقام رجل
من بني فزارة اسمه أربد فقال أ تريد ان تسيرنا إلى اخواننا من أهل الشام
فنقتلهم لك كما سرت بنا إلى اخواننا من أهل البصرة فقتلناهم كلا ها الله
إذا لا نفعل ذلك. فقام الأشتر فقال من لهذا أيها الناس وهرب الفزاري
واشتد الناس على اثره فلحق في مكان من السوق تباع فيه البراذين فوطئوه
بأرجلهم وضربوه بأيديهم ونعال سيوفهم حتى قتل فقيل يا أمير المؤمنين قتل
الرجل قال ومن قتله قالوا همدان وفيهم شوبة من الناس فقال قتيل عمية لا
يدري من قتله ديته من بيت مال المسلمين فقال علاقة التيمي:
- أعوذ بربي أن تكون منيتي * كما مات في سوق البراذين أربد -
- تعاوره همدان خفق نعالهم * إذا رفعت عنه يد وضعت يد -
وقام الأشتر فقال يا أمير المؤمنين لا يهلك ما سمعت من مقالة هذا
الشقي الخائن ان جميع من ترى من الناس شيعتك وليسوا يرغبون بأنفسهم
عن نفسك ولا يحبون بقاء بعدك فان شئت فسر بنا إلى عدوك والله ما ينجو
من الموت من خافه ولا يعطي البقاء من أحبه وما يعيش بالآمال إلا شقي
وانا لعلى بينة من ربنا ان نفسا لن تموت حتى يأتي اجلها فكيف لا نقاتل
قوما هم كما وصف أمير المؤمنين وقد وثبت عصابة منهم على طائفة من
المسلمين فأسخطوا الله واظلمت بأعمالهم الأرض وباعوا خلاقهم بعرض
(٤٧٣)

من الدنيا يسير. فقال علي ع الطريق مشترك والناس في الحق سواء
ومن اجهد رأيه في نصيحة العامة فله ما نوى وقد قضى ما عليه. وقام
عدي بن حاتم الطائي فقال يا أمير المؤمنين ما قلت إلا بعلم ولا دعوت إلا إلى
حق ولا امرت إلا برشد ثم أشار بالتأني والكتابة إلى أهل الشام. وقام
زيد بن حصين الطائي وكان من أصحاب البرانس المجتهدين فقال والله لئن
كنا في شك من قتال من خالفنا لا يصلح لنا النية في قتلهم حتى نستأنيهم ما
الأعمال إلا في تباب ولا السعي إلا في ضلال والله ما ارتبنا طرفة عين فيمن
يبتغون دمه فكيف باتباعه القاسية قلوبهم القليل في الإسلام حظهم أعوان
الظلم ومسددي أساس الجور والعدوان ليسوا من المهاجرين ولا الأنصار ولا
التابعين باحسان. فقام رجل من طئ فقال يا زيد أ كلام سيدنا عدي
حاتم بن تهجن فقال ما أنت بأعرف بحق عدي مني ولكن لا أدع القول
بالحق وان سخط الناس. فقال عدي: الطريق مشترك والناس في الحق
سواء فمن اجتهد رأيه في نصيحة العامة فقد قضى الذي عليه. ثم قام
عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي فقال يا أمير المؤمنين ان القوم لو كانوا
الله يريدون أو لله يعملون ما خالفونا ولكن القوم انما يقاتلون فرارا من
الأسوة وحبا للأثرة وضنا بسلطانهم وكرها لفراق دنياهم التي في أيديهم وعلى
أحن في أنفسهم وعداوة يجدونها في صدورهم لوقائع أوقعتها يا أمير المؤمنين
بهم قديمة قتلت فيها آباءهم وإخوانهم ثم، التفت إلى الناس فقال: كيف
يبايع معاوية عليا وقد قتل أخاه حنظلة وخاله الوليد وجده عتبة في موقف
واحد والله ما أظن أن يفعلوا ولن يستقيموا لكم دون ان تقصد فيهم المران
وتقطع على هامهم السيوف وتنثر حواجبهم بعمد الحديد وتكون أمور جمة
بين الفريقين. وقال له عمرو بن الحمق اني والله يا أمير المؤمنين ما أحببتك
ولا بايعتك على قرابة بيني وبينك ولا إرادة مال تؤتينيه ولا التماس سلطان
يرفع ذكري به ولكن أحببتك لخصال خمس: انك ابن عم رسول الله ص
وأول من آمن به وزوج سيدة نساء الأمة فاطمة بنت محمد ص وأبو الذرية
التي بقيت فينا من رسول الله ص وأعظم رجل من المهاجرين سهما في
الجهاد فلو اني كلفت نقل الجبال الرواسي أو نزح البحور الطوامي حتى يأتي
على يومي في أمر أقوي به وليك وأوهن به عدوك ما رأيت اني قد أديت فيه
كل الذي حق علي من حقك. فقال أمير المؤمنين اللهم نور قلبه بالتقى
واهده إلى صراط مستقيم ليت ان في جندي مائة مثلك. فقال حجر إذا
والله يا أمير المؤمنين صح جندك وقل فيهم من يغشك. ثم قام حجر فقال
يا أمير المؤمنين نحن بنو الحرب وأهلها الذين نلقحها وننتجها قد ضارستنا
وضارسناها ولنا أعوان ذوو صلاح وعشيرة ذات عدد ورأي مجرب وبأس
محمود وأزمتنا منقادة لك بالسمع والطاعة فان شرقت شرقنا وإن غربت
غربنا وما امرتنا به من أمر فعلناه. فقال علي أ كل قومك يرى مثل رأيك؟
قال ما رأيت منهم إلا حسنا وهذه يدي عنهم بالسمع والطاعة وبحسن
الإجابة. فقال له علي خيرا. ودخل يزيد بن قيس الأرحبي على علي ع
فقال يا أمير المؤمنين نحن على جهاز وعدة وأكثر الناس أهل القوة ومن
ليس بمضعف وليس به علة فمر مناديك فليناد الناس يخرجوا إلى معسكرهم
بالنخيلة فان أخا الحرب ليس بالسئوم ولا النؤوم ولا من إذا أمكنته
الفرص اجلها واستشار فيها ولا من يؤخر الحرب في اليوم إلى غد وبعد
غد. فقال زياد بن النضر لقد نصح لك يا أمير المؤمنين يزيد بن قيس وقال
مما يعرف فتوكل على الله وثق به واشخص بنا إلى هذا العدو راشدا معافى
فان يرد الله بهم خيرا لا يدعوك رغبة عنك إلى من ليس مثلك في السابقة
مع النبي ص والقدم في الإسلام والقرابة من محمد ص وإلا ينيبوا ويقبلوا
ويأبوا إلا حربنا نجد حربهم علينا هينا ورجونا ان يصرعهم الله مصارع
اخوانهم بالأمس. وخرج حجر بن عدي وعمرو بن الحمق يظهران البراءة
من أهل الشام واللعن فأرسل إليهما أمير المؤمنين ع ان كفا عما يبلغني
عنكما فاتياه فقالا أ لسنا محقين؟ قال بلى ولكن كرهت لكم ان تكونوا لعانين
شتامين ولو وصفتم مساوي أعمالهم كان أصوب في القول وأبلغ في العذر
وقلتم مكان اللعن والبراءة اللهم احقن دماءنا ودماءهم وأصلح ذات بيننا
وبينهم واهدهم من ضلالتهم، كان أحب إلي وخيرا لكم فقالا يا أمير
المؤمنين نقبل عظتك ونتأدب بأدبك.
ودخل عليه عبد الله بن المعتم العبسي وحنظلة بن الربيع التميمي في
رجال من غطفان فأشار عليه التميمي مظهرا النصح ان يقيم ويكاتب
معاوية ولا يعجل وقال اني ما أدري ولا تدري لمن تكون إذا التقيتم الغلبة
وعلى من تكون الدبرة وتكلم العبسي ومن معهما بنحو ذلك فقال ع اما
الدبرة فإنها على العاصين ظفروا أو ظفر بهم اما والله اني لأسمع كلام قوم ما
أراهم يريدون ان يعرفوا معروفا ولا ينكروا منكرا فقال معقل بن قيس
الرياحي إن هؤلاء ما اتوك بنصح بل بغش فاحذرهم وقال له مالك بن
حبيب بلغني ان حنظلة هذا يكاتب معاوية فادفعه إلينا نحبسه حتى تنقضي
غزاتك وقال عباس بن ربيعة وفائد بن بكير العبسيان يا أمير المؤمنين إن
صاحبنا عبد الله بن المعتم بلغنا انه يكاتب معاوية فاحبسه حتى تنقضي
غزاتك أو ادفعه إلينا نحبسه، فجعلا يقولان هذا جزاء من نصركم وأشار
عليكم بالرأي فقال لها علي ع الله بيني وبينكم واليه اكلكم وبه استظهر
عليكم اذهبوا حيث شئتم فلحق ابن المعتم بمعاوية مع أحد عشر رجلا من
قومه. وبعث علي ع إلى حنظلة بن الربيع المعروف بحنظلة الكاتب وهو
صحابي فقال أ علي أم لي قال لا عليك ولا لك ثم هرب إلى معاوية مع ثلاثة
وعشرين رجلا من قومه لكنهما اعتزلا الفريقين فامر علي ع بهدم دار
حنظلة هدمها عريفهم بكر بن تميم وشبث بن ربعي. وقالت طائفة من
أصحاب علي ع: له أكتب إلى معاوية وإلى من قبله من قومك بكتاب
تدعوهم فيه إليك وتامر بما لهم فيه من الحظ فان الحجة لن تزداد عليهم
بذلك إلا عظما فكتب إليهم: بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله علي أمير
المؤمنين إلى معاوية ومن قبله قريش سلام عليكم فاني احمد إليكم الله الذي
لا إله إلا هو اما بعد فان لله عبادا آمنوا بالتنزيل وعرفوا التأويل وفقهوا في
الدين وبين الله فضلهم في القرآن الحكيم وأنتم في ذلك الزمان أعداء
لرسول الله ص تكذبون بالكتاب مجمعون على حرب المسلمين من ثقفتم
منهم حبستموه أو عذبتموه أو قتلتموه حتى إذا أراد الله إعزاز دينه وإظهار
رسوله ودخلت العرب في دينه أفواجا وأسلمت هذه الأمة طوعا وكرها على
حين فاز أهل السبق بسبقهم والمهاجرون الأولون بفضلهم فلا ينبغي لمن
ليست له مثل سوابقهم وفضائلهم ان ينازعهم الامر الذي هم أهله وأولى
به ثم أن أولى الناس بأمر هذه الأمة قديما وحديثا أقربها من رسول الله ص
وأعلمها بالكتاب وأفقهها في الدين وأولها إسلاما وأفضلها جهادا وأشدها بما
تحمله الرعية من أمورها اضطلاعا فاتقوا الله الذي إليه ترجعون ولا تلبسوا
الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون واعلموا ان خيار عباد الله الذين
يعملون بما يعطون وإن شرارهم الجهال الذين ينازعون بالجهل أهل العلم
فان للعالم بعلمه فضلا وإن الجاهل لن يزداد بمنازعة العالم إلا جهلا ألا واني
أدعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه ص وحقن دماء هذه الأمة فان قبلتم أصبتم
(٤٧٤)

رشدكم وإن أبيتم إلا الفرقة وشق عصا هذه الأمة لن تزدادوا من الله إلا
بعدا والسلام، فكتب إليه معاوية:
- ليس بيني وبين قيس عتاب * غير طعن الكلى وضرب الرقاب -
فقال علي ع انك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء.
وكتب أمير المؤمنين ع إلى عماله في الآفاق يأمرهم بالمسير إليه
وحث الناس على الجهاد معه فكتب إلى مخنف بن سليم عامله على أصبهان
وهمذان: إذا أتيت بكتابي هذا فاستخلف على عملك أوثق أصحابك في
نفسك واقبل إلينا وكتب عبد الله بن أبي رافع سنة ٣٧ هكذا وردت هذه
الرواية وقد مر ما يدل على أن ذلك كان سنة ٣٦ فاستعمل مخنف
على أصبهان وهمدان رجلين من قومه واقبل حتى شهد معه صفين. وكتب إلى
عبد الله بن عباس إلى البصرة اما بعد فاشخص إلى من قبلك من المسلمين
والمؤمنين وذكرهم بلائي عندهم وعفوي عنهم واستبقائي لهم ورغبهم في
الجهاد واعلمهم الذي لهم في ذلك من الفضل فقرأ عليهم ابن عباس كتاب
علي ع وقال أيها الناس استعدوا للمسير إلى امامكم وانفروا في سبيل الله
خفاقا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم فإنكم تقاتلون المحلين القاسطين
الذين لا يقرؤون القرآن ولا يعرفون حكم الكتاب ولا يدينون دين الحق
مع أمير المؤمنين وابن عمر رسول الله ص الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر
والصادع بالحق والحاكم بحكم الكتاب الذي لا يداهن الفجار ولا تأخذه في
الله لومة لائم. فقام الأحنف بن قيس فقال نعم والله لنجيبنك ولنخرجن
معك على العسر واليسر والرضا والكره نحتسب في ذلك الخير ونامل من الله
عظيم الأجر وقام إليه خالد بن المعمر السدوسي فقال سمعنا وأطعنا فمتى
استنفرتنا نفرنا ومتى دعوتنا أجبنا وقام إليه عمرو بن مرجوم العبدي فقال
وفق الله أمير المؤمنين وجمع له أمر المسلمين ولعن المحلين القاسطين الذين
لا يقرؤون القرآن نحن والله عليهم حنقون ولهم في الله مفارقون فمتى
أردتنا صحبك خيلنا ورجلنا. وأجاب الناس إلى المسير ونشطوا أو خفوا
فاستعمل ابن عباس على البصرة أبا الأسود الدؤلي وقدم على علي ومعه
رؤوس الأخماس خالد بن المعمر السدوسي على بكر بن وائل وعمرو بن
مرجوم العبدي على عبد القيس وصبرة بن شيمان الأزدي على الأزد
والأحنف بن قيس على تميم وضبة والرباب وشريك بن الأعور الحارثي على
أهل العالية فقدموا على علي بالنخيلة. ولم يبرح علي النخيلة حتى قدم عليه
ابن عباس باهل البصرة وكان امراء الأسباع من أهل الكوفة: سعد بن
مسعود الثقفي على قيس وعبد القيس. ومعقل بن قيس اليربوعي ثم
الرياحي على تميم وضبة والرباب وقريش وكنانة وأسد. ومخنف بن سليم
على الأزد وبجيلة وخثعم والأنصار وخزاعة. وحجر بن عدي الكندي على
كندة وحضرموت وقضاعة ومهرة. وزياد بن النضر على مذحج
والأشعريين. وسعيد بن قيس بن مرة الهمداني على همدان ومن معهم من
حمير. وعدي بن حاتم على طئ وتجمعهم الدعوة مع مذحج وتختلف
الرايتان راية مذحج مع زياد بن النضر وراية طئ مع عدي بن حاتم
وقال زياد بن النضر الحارثي لعبد الله بن بديل بن ورقاء إن يومنا ويومهم
ليوم عصيب ما يصبر عليه إلا كل مشبع القلب صادق النية رابط الجاش
وأيم الله ما أظن ذلك اليوم يبقي منا ومنهم إلا الرذال قال عبد الله بن بديل
وأنا والله أظن ذلك فقال علي ليكن هذا الكلام مخزونا في صدوركما لا
تظهراه ولا يسمعه منكما سامع ان الله كتب القتل على قوم والموت على
آخرين وكل آتيه منيته كما كتب الله فطوبى للمجاهدين في سبيل الله
والمقتولين في طاعته، فلما سمع هاشم بن عتبة مقالتهم حمد الله وأثنى عليه
ثم قال سر بنا إلى أمير المؤمنين إلى هؤلاء القوم القاسية قلوبهم الذين نبذوا
كتاب الله وراء ظهورهم وعملوا في عباد الله بغير رضى الله فأحلوا حرامه
وحرموا حلاله واستولاهم الشيطان ووعدهم الأباطيل ومناهم الأماني حتى
أزاغهم عن الهدى وقصد بهم قصد الردى وحبب إليهم الدنيا فهم يقاتلون
على دنياهم رغبة فيها كرغبتنا في الآخرة وأنت يا أمير المؤمنين أقرب الناس
من رسول الله ص رحما وأفضل الناس سابقة وقدما وهم يعلمون منك مثل
الذي علمنا ولكن كتب عليهم الشقاء ومالت بهم الأهواء وكانوا ظالمين
فأيدينا مبسوطة لك بالسمع والطاعة وقلوبنا منشرحة لك ببذل النصيحة
وأنفسنا بنورك جذلة على من خالفك وتولى الامر دونك والله ما أحب ان لي
ما في الأرض مما أقلت وما تحت السماء مما أظلت واني واليت عدوا لك أو
عاديت وليا لك فقال علي ع اللهم ارزقه الشهادة في سبيلك والمرافقة
لنبيك ص ثم إن عليا ع صعد المنبر ودعاهم إلى الجهاد ومما قاله في
خطبته: اعلموا إن الله جعل أمراس الاسلام متينة وعراه وثيقة ونحن
سائرون إن شاء الله إلى من سفه نفسه وتناول ما ليس له وما لا يدركه معاوية
وجنده الفئة الباغية الطاغية يقودهم إبليس ويدليهم بغروره فلا اعرفن أحدا
منكم تقاعس عني فان الذود إلى الذود ابل. ومن لا يذد عن حوضه يتهدم.
ثم اني آمركم بالشدة في الأمر والجهاد في سبيل الله وان لا تغتابوا مسلما
وانتظروا النصر العاجل من الله إن شاء الله. ثم قام الحسن بن علي ع
خطيبا فمما قاله في خطبته: ان مما عظم الله عليكم حقه واسبغ
عليكم من نعمه ما لا يحصى ذكره ولا يؤدى شكره ولا يبلغه صفة ولا قول
ونحن إنما غضبنا لله ولكم فإنه لم يجتمع قوم قط على أمر واحد إلا اشتد
أمرهم واستحكمت عقدتهم فاحتشدوا في قتال عدوكم معاوية وجنوده ولا
تخاذلوا فان الخذلان يقطع نياط القلوب وإن الأقدام على الأسنة نجدة
وعصمة لأنه لم يمتنع قوم قط إلا رفع الله عنهم العلة وكفاهم جوائح الذلة
وهداهم إلى معالم الملة.
- والصلح تأخذ منه ما رضيت به * والحرب يكفيك من أنفاسها جرع -
ثم قام الحسين بن علي ع خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثم
قال يا أهل الكوفة أنتم الأحبة الكرماء الشعار دون الدثار جدوا في احياء
ماثر دينكم واسهال ما توعر عليكم الا أن الحرب شرها ذريع وطعمها فظيع
وهي جرع متحساة فمن اخذ لها أهبتها فذاك صاحبها ومن عاجلها قبل أوان
فرصتها فذاك قمن إن لا ينفع قومه ويهلك نفسه نسأل الله بعونه أن
يدعمكم بألفته، ثم نزل. فاجابه إلى السير والجهاد جل الناس الا أن
أصحاب عبد الله بن مسعود وفيهم عبيدة السلماني وأصحابه قالوا نخرج
معكم ولا ننزل عسكركم ونعسكر على حدة فمن رأيناه أراد ما لا يحل له أو
بدا لنا منه بغي كنا عليه فقال علي ع مرحبا واهلا هذا هو الفقه في
الدين والعلم بالسنة من لم يرض بهذا فهو جائر. وانما رضي منهم بذلك
مع ظهور الحجة عليهم لأنه قد علم من حالهم انهم لا يقبلون بغير هذا فلو
ألزمهم بالحرب معه ربما ينفرون ويكونون مع معاوية فكان رضاه بما قالوا
أصلح الأمرين لأنه يرجى انضمامهم إليه بعد ذلك، وأتاه آخرون من
أصحاب عبد الله بن مسعود فيهم ربيع بن خثيم وهو المدفون بقرب
المشهد الرضوي الذي يسميه الإيرانيون خواجة ربيع وهم يومئذ أربعمائة
رجل فقالوا يا أمير المؤمنين انا شككنا في هذا القتال على معرفتنا بفضلك
ولا غناء بنا ولا بك ولا المسلمين عمن يقاتل العدو فولنا بعض الثغور نكون
(٤٧٥)

به ثم نقاتل عن أهله، فوجهه على ثغر الري فكان أول لواء عقده بالكوفة
لواء ربيع بن خثيم. ودعا علي باهلة فقال يا معشر باهلة أشهد الله انكم
تبغضونني وأبغضكم فخذوا عطاءكم وأخرجوا إلى الديلم وكانوا قد كرهوا
أن يخرجوا معه إلى صفين. قال نصر بن مزاحم: وكتب محمد بن أبي بكر
إلى معاوية: من محمد بن أبي بكر إلى الغاوي معاوية بن صخر سلام على
أهل طاعة الله اما بعد فان الله تعالى خلق خلقا اختارهم على علمه
فاصطفى منهم محمدا ص فاختصه برسالته فدعا إلى سبيل ربه بالحكمة
والموعظة الحسنة فكان أول من أجاب أخوه وابن عمه علي بن أبي طالب
فوقاه كل هول وواساه بنفسه في كل خوف فحارب حربه وسالم سلمه وقد
رأيتك تساميه وأنت أنت وهو هو المبرز السابق في كل خير أول الناس
اسلاما واصدق الناس نية ثم لم تزل أنت وأبوك تبغيان الغوائل لدين الله
وتجتهدان على اطفاء نور الله وتجمعان على ذلك الجموع وتبذلان فيه المال
وتحالفان فيه القبائل على ذلك مات أبوك وعلى ذلك خلفته فكيف يا لك
الويل تعدل نفسك بعلي وهو وارث رسول الله ص وأبو ولده وأول الناس له
اتباعا وآخرهم به عهدا يخبره بسره ويشركه في امره وأنت عدوه وابن عدوه
فتمتع ما استطعت بباطلك وليمدد لك ابن العاص في غوايتك فكان اجلك
قد انقضى وكيدك قد وهى والسلام على من اتبع الهدى. فاجابه معاوية:
من معاوية بن أبي سفيان إلى الزاري على أبيه محمد بن أبي بكر سلام على
أهل طاعة الله اما بعد فقد اتاني كتابك لرأيك فيه تضعيف ولأبيك فيه
تعنيف ذكرت حق ابن أبي طالب وقديم سوابقه وقرابته واحتجاجك بفضل
غيرك لا بفضلك فاحمد إلها صرف الفضل عنك وجعله لغيرك وقد كنا
وأبوك معنا في حياة نبينا نرى حق ابن أبي طالب لازما لنا وفضله مبرزا علينا
فلما اختار الله لنبيه ص ما عنده كان أبوك وفاروقه أول من ابتزه وخالفه ثم
قام بعده عثمان يهتدي بهديهما ويسير بسيرتهما فعبته أنت وصاحبك حتى
طمع فيه الأقاصي من أهل المعاصي فخذ حذرك فسترى وبال امرك وقس
شبرك بفترك تقصر من أن تساوي من يزن الجبال حلمه لا تلين على قسر
قناته ولا يدرك ذو مدى أناته أبوك مهد مهاده وبنى ملكه وشاده فان يكن ما
نحن فيه صوابا فأبوك أوله وإن يكن جورا فأبوك أسسه ونحن شركاؤه
وبهديه أخذنا وبفعله اقتدينا فعب أباك ما بدا لك أو دع والسلام على من
اتبع الهدى.
وبلغ أهل العراق مسير معاوية إلى صفين فنشطوا وجدوا غير أنه كان
من الأشعث بن قيس شئ عند عزله عن الرياسة وذلك أن رياسة كندة
وربيعة كانت للأشعث فجعلها أمير المؤمنين ع لحسان بن محدوج فتكلم
في ذلك أناس من أهل اليمن منهم الأشتر وعدي بن حاتم الطائي
وزحر بن قيس وهاني بن عروة فقالوا يا أمير المؤمنين إن رياسة الأشعث لا
تصلح الا لمثله وما حسان مثل الأشعث فغضبت ربيعة فقال حريث بن جابر
يا هؤلاء رجل برجل وليس بصاحبنا عجز في شرفه وموضعه ونجدته وبأسه
ولسنا ندفع فضل صاحبكم وشرفه وغضب رجال اليمنية فاتاهم سعيد بن
قيس الهمداني فتكلم في اصلاح الحال وقال حريث بن جابر إن كان
الأشعث ملكا في الجاهلية وسيدا في الاسلام فان صاحبنا أهل هذه الرياسة
وما هو أفضل منها فقال حسان للأشعث لك راية كندة ولي راية ربيعة فقال
معاذ الله لا يكون هذا ابدا ما كان لك فهو لي وما كان لي فهو لك وبلع
معاوية ما صنع بالأشعث فقال اقذفوا إلى الأشعث شيئا تهيجونه به على علي
فدعوا شاعرا لهم فقال هذه الأبيات فكتب بها مالك بن هبيرة إلى الأشعث
وكان له صديقا وكان كنديا:
- من كان في القوم مثلوجا باسرته * فالله يعلم اني غير مثلوج -
- زالت عن الأشعث الكندي رياسته * واستجمع الأمر حسان بن محدوج -
- يا للرجال لعار ليس يغسله * ماء الفرات وكرب غير مفروج -
- إن ترض كندة حسانا بصاحبها * ترض الدناة وما قحطان بالهوج -
- كان ابن قيس هماما في أرومته * ضخما يبوء يملك غير مفلوج -
- إن الذين تولوا بالعراق له * لا يستطيعون طرا ذبح فروج -
- ليست ربيعة أولى بالذي خديت * من حق كندة حق غير محجوج -
فلما انتهى الشعر إلى أهل اليمن قال شريح بن هاني يا أهل اليمن ما
يريد صاحبكم الا أن يفرق بينكم وبين ربيعة ومشى حسان بن محدوج إلى
الأشعث برايته حتى ركزها في داره فقال الأشعث: إن هذه الراية عظمت
على علي وهي والله أخف علي من زف النعام ومعاذ الله أن يغيرني ذلك لكم
فعرض عليه أمير المؤمنين ع أن يعيدها إليه فابى وقال يا أمير المؤمنين إن
يكن أولها شرا فليس آخرها بعر فقال له علي انا أشركك فيه فولاه على
ميمنته وهي ميمنة أهل العراق.
وامر علي ع الحارث الأعور أن ينادي في الناس إن اخرجوا إلى
معسكركم بالنخيلة (١) فنادى بذلك وبعث علي إلى مالك بن حبيب
اليربوعي صاحب شرطته فامره أن يحشر الناس إلى المعسكر ودعا عقبة بن
عمرو الأنصاري فاستخلفه على الكوفة وكان أصغر أصحاب العقبة السبعين
ثم خرج علي ع وخرج الناس معه إلى النخيلة.
ولما أراد المسير إلى النخيلة بعث زياد بن النضر وشريح بن هاني على
مقدمته في اثني عشر ألفا شريح على طائفة من الجند وزياد على الكل
وأمرهما أن يأخذا على طريق واحد ولا يختلفا فاخذ شريح يعتزل بمن معه
على حده ولا يقترب من زياد فكتب زياد إلى أمير المؤمنين ع مع مولى له
اسمه شوذب إن شريحا لا يرى لي عليه طاعة وكتب شريح إليه أن زيادا
تنكر واستكبر فان أراد أمير المؤمنين أن يعزله عنا ويبعث مكانه فانا له
كارهون فكتب إليهما علي ع إن جمعكما حرب فزياد على الناس وإن
افترقتما فكل واحد أمير على الطائفة التي وليناه امرها. ومن ذلك يعلم كيف
كان حال أصحابه في تفرقهم.
وصايا للجيش مهمة
واعلما أن مقدمة الجيش عيونهم وعيون المقدمة طلائعهم فإذا أنتما
خرجتما من بلادكما فلا تساما من توجيه الطلائع ومن نقض الشعاب

(١) النخيلة هي معسكر الكوفة قال بحر العلوم في رسالته في صلاة المسافر أظن أنها الموضع
المعروف بالكفل والمسافة بيها وبين الخارج من المسجد وأوساط البلد يوشك أن يكون بريدا
(اه‍) والبريد أربعة فراسخ نحو مسير ست ساعات وسيأتي أن أمير المؤمنين (ع) خرج
من النخيلة حتى إذا جاز حدود الكوفة وذلك بين القنطرة والجسر بعدما قطع الهر صلى
الظهر ركعتين ثم اتى دير أبي موسى وهو على فرسخين من الكوفة فدل على أن النخيلة في
حدود الكوفة وأنه لم يخرج من حدود الكوفة حتى صار بين القنطرة والجسر بعدما قطع النهر
وأن دير أبي موسى الذي هو على فرسخين من الكوفة بعد النخيلة فكيف تكون النخيلة على
أربعة فراسخ من وسط الكوفة ويمكن الجواب بأن الكوفة كانت في ذلك الوقت كبيرة جدا
وأنه كان بين وسطها وآخرها من جهة الشمال أكثر من ثلاثة فراسخ وإن بين آخرها وبين
النخيلة نحو فرسخ أو أقل وإن كان بين وسطها وبين الكفل اليوم المظنون أنه النخيلة نحو
أربعة فراسخ والله أعلم.
(٤٧٦)

والشجر في كل جانب كيلا يغركما عدو أو يكون لهم كمين ولا تسيرن
الكتائب من لدن الصبح إلى المساء الا على تعبية فان دهمكم مكروه كنتم قد
تقدمتم في التعبية وإذا نزلتم بعدو أو نزل بكم فليكن معسكركم في قبل
الاشراف أو سفاح الجبال أو أثناء الأنهار كيما يكون ذلك لكم رداءا وتكون
مقاتلتكم من وجه أو اثنين واجعلوا رقباءكم في صياصي الجبال وبأعالي
الاشراف ومناكب الأنهار يرون لكم لئلا يأتيكم عدو من مكان مخافة أو أمن
وإياكم والتفرق فإذا نزلتم فانزلوا جميعا وإذا رحلتم فارحلوا جميعا وإذا
غشيكم ليل فنزلتم فحفوا عسكركم بالرماح والأترسة ورماتكم يلون
ترستكم ورماحكم وما أقمتم فكذلك فافعلوا كيلا تصاب لكم غفلة ولا
تلفي لكم غرة فما قوم حفوا عسكرهم برماحهم وترستهم من ليل أو نهار الا
كانوا كأنهم في حصون واحرسا عسكركما بأنفسكما واياكما أن تذوقا نوما حتى
تصبحا الا غرارا أو مضمضة ثم ليكن ذلك شأنكما ودأبكما حتى تنتهيا إلى
عدوكما وليكن عندي كل يوم خبركما ورسول من قبلكما فاني ولا شئ الا ما
شاء الله حثيث السير في آثاركما عليكما في حربكما بالتؤدة واياكما والعجلة الا
أن تمكنكم فرصة بعد الاعذار والحجة واياكما أن تقاتلا حتى أقدم عليكما الا
أن تبدأ أو يأتيكما أمري.
وصايا إلى امراء الأجناد
وكتب إلى امراء الأجناد: من عبد الله علي أمير المؤمنين اما بعد
فاعزلوا الناس عن الظلم والعدوان وخذوا على أيدي سفهائكم واحترسوا
أن تعملوا أعمالا لا يرضى الله بها عنا فيرد علينا وعليكم دعاءنا فان الله
تعالى يقول قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم.
وصاياه إلى جنوده
وكتب إلى جنوده يخبرهم بالذي لهم والذي عليهم: من عبد الله علي
أمير المؤمنين اما بعد فان الله جعلكم في الحق جميعا سواء أسودكم وأحمركم
وجعلكم من الوالي وجعل الوالي منكم بمنزلة الوالد من الولد وبمنزلة الولد
من الوالد وإن حقكم عليه انصافكم والتعديل بينكم والكف عن فيئكم
فإذا فعل ذلك معكم وجبت عليكم طاعته بما وافق الحق ونصرته على سيرته
والدفع عن سلطان الله فإنكم وزعة الله في الأرض الوزعة الذين يدفعون
عن الظلم فكونوا له أعوانا ولدينه أنصارا ولا تفسدوا في الأرض بعد
اصلاحها إن الله لا يحب المفسدين. وبقي أمير المؤمنين ع بالنخيلة
حتى اجتمعت إليه الجنود ولم يبرحها حتى قدم عليه ابن عباس باهل
البصرة. ومرت عليه جنازة وهو بالنخيلة فقال ما يقول الناس في هذا
القبر، وفي النخيلة قبر عظيم يدفن اليهود موتاهم حوله فقال الحسن بن
علي يقولون هذا قبر هود النبي لما أن عصاه قومه جاء فمات هاهنا قال
كذبوا لأنا اعلم به منهم هذا قبر يهوذا بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم بكر
يعقوب ثم قال هاهنا أحد من مهزة؟ فاتي بشيخ كبير فقال أين منزلك قال
على شاطئ البحر قال أين هو من الجبل الأحمر قال قريب منه قال وما يقول
قومك فيه قال يقولون قبر ساحر قال كذبوا ذاك قبر هود وهذا قبر يهوذا بن
يعقوب. وبلغ معاوية مكان علي بالنخيلة ومعسكره بها ومعاوية قد ألبس
منبر دمشق قميص عثمان وهو مخضب بالدم وحول المنبر سبعون ألف شيخ
يبكون لا تجف دموعهم على عثمان فخطب معاوية أهل الشام فقال: يا
أهل الشام قد كنتم تكذبونني في علي وقد استبان لكم امره والله ما قتل
خليفتكم غيره وهو أمر بقتله والب الناس عليه وآوى قتلته وهم جنده
وأنصاره وأعوانه وقد خرج بهم قاصدا بلادكم لابادتكم يا أهل الشام الله
الله في عثمان فانا ولي عثمان وأحق من طلب بدمه وقد جعل الله لولي
المظلوم سلطانا فانصروا خليفتكم فقد صنع به القوم ما تعلمون قتلوه ظلما
وبغيا وقد أمر بقتال الفئة الباغية حتى تفئ إلى أمر الله، فاعطوه الطاعة
وانقادوا له وجمع إليه أطرافه واستعمل على فلسطين ثلاثة رهط جعلهم بإزاء
أهل مصر لئلا يغيروا عليهم من خلفهم وكتب إلى معتزلة مصر وهم يومئذ
يكاتبون معاوية ولا يطيقون مكاثرة أهل مصر: أن تحرك قيس عامل علي
على مصر أن يثبتوا له وكان علي ع بعث قيس بن سعد الأنصاري من
الكوفة إلى مصر أميرا عليها وفيها يومئذ معاوية بن خديج وحصين بن نمير.
ولما أراد علي ع الخروج من النخيلة وذلك لخمس مضين من
شوال يوم الأربعاء سنة ٣٦ خطب الناس وقال قد امرت على المصر عقبة بن
عمرو الأنصاري فاياكم والتخلف والتربص فاني قد خلفت مالك بن حبيب
اليربوعي وأمرته أن لا يترك متخلفا إلا الحقه بكم عاجلا إن شاء الله فقام
إليه معقل بن قيس الرياحي فقال يا أمير المؤمنين والله لا يتخلف عنك إلا
ظنين ولا يتربص بك الا منافق فأمر مالك بن حبيب أن يضرب أعناق
المتخلفين، قال علي: قد امرته بامري وليس مقصرا إن شاء الله ودعا
بدابته فجاءته فلما أراد أن يركب وضع رجله في الركاب وقال بسم الله فلما
جلس على ظهرها قال الحمد لله الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وانا
إلى ربنا لمنقلبون ثم قال: اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة
المنقلب والحيرة بعد اليقين وسوء المنظر في الأهل والمال والولد اللهم أنت
الصاحب في السفر والخليفة في الأهل ولا يجمعهما غيرك لأن المستخلف لا
يكون مستصحبا والمستصحب لا يكون مستخلفا ثم خرج وخرج أمامه
الحر بن سهم بن طريف الربعي ربيعة تميم وهو يقول:
- يا فرسي سيري وأمي الشاما * وقطعي الحزون والاعلاما -
- ونابذي من خالف الاماما * إني لأرجو إن لقينا العاما -
- جمع بني أمية الطغاما * ان نقتل العاصي والهماما -
- وان نزيل من رجال هاما -
وقال مالك بن حبيب وهو صاحب شرطته وهو آخذ بعنان دابته يا
أمير المؤمنين أ تخرج بالمسلمين فيصيبوا اجر الجهاد والقتال وتخلفني في حشر
الرجال، فقال له علي: إنهم لن يصيبوا من الأجر شيئا الا كنت شريكهم
فيه وأنت هاهنا أعظم غناء منك عنهم لو كنت معهم فقال سمعا وطاعة
فخرج علي حتى إذا جاز حد الكوفة وذلك بين القنطرة والجسر بعد ما قطع
النهر (١) أمر مناديه فنادى بالصلاة فتقدم فصلى ركعتين حتى إذا قضى
الصلاة اقبل على الناس فقال يا أيها الناس ألا من كان مشيعا أو مقيما فليتم
الصلاة فانا قوم على سفر ومن صحبنا فلا يصم المفروض والصلاة ركعتان
ثم خرج حتى أتى دير أبي موسى وهو من الكوفة على فرسخين فصلى بها
العصر فلما انصرف من الصلاة قال سبحان ذي الطول والنعم سبحان ذي

(١) كان الفرات في ذلك العصر يخترق الكوفة وعليه قنطرة وهي ما يبني بالآجر ولها ذكر في الأخبار
وعليه جسر وهو ما يعمل من السفن فبعد ما عبر النهر اما على القنطرة أو على الجسر وسار
حتى جاز حد الكوفة وبلغ حد الترخص فلا يسمع الاذان ولا يرى الجدران وهو ما يجوز
للمسافر عنده الافطار وقصر الصلاة دخل وقت الظهر فصلى الظهر قصرا واعلم الناس أن
فرض المسافر القصر والافطار.
(٤٧٧)

القدرة والافضال أسال الله الرضا بقضائه والعمل بطاعته والإنابة إلى امره
فإنه سميع الدعاء
قال نصر: ثم خرج حتى نزل على شاطئ البرس (١) فصلى بالناس
المغرب فلما انصرف قال: الحمد لله الذي يولج الليل في النهار ويولج النهار
في الليل الحمد لله كلما وقب ليل وغسق والحمد لله كلما لاح نجم وخفق.
ثم أقام حتى صلى الغداة ثم شخص حتى بلغ قبة قبين (٢) وبها نخل طوال
إلى جانب البيعة فلما رآها قال والنخل باسقات لها طلع نضيد ثم أقحم
دابته النهر فنزلها فمكث بها قدر الغداء وسار فلما جاز جسر الصراة (٣) نزل
فصلى بالناس العصر. ثم خرج حتى اتى دير كعب ولم أجده في مظانه
فلست أدري أين هو قال ثم مضى نحو ساباط (٤) فاتاه دهاقينها يعرضون
عليه النزول والطعام فقال لا ليس ذلك لنا عليكم وبات بساباط فلما أصبح
وهو بمظلم ساباط (٥) قال أ تبنون بكل ربع آية تعبثون. فلما انتهى إلى مدينة
بهرسير (٦) إذا رجل من أصحابه يقال له حريز بن سهم ينظر إلى آثار كسرى
وهو يتمثل قول ابن يعقوب التميمي:
- جرت الرياح على مكان ديارهم * فكانما كانوا على ميعاد -
فقال علي أ فلا قلت: كم تركوا من جنات وعيون وزروع ومقام
كريم ونعمة كانوا فيها فاكهين كذلك وأورثناها قوما آخرين فما بكت عليهم
السماء والأرض وما كانوا منظرين. إن هؤلاء كانوا وارثين فأصبحوا
موروثين إن هؤلاء لم يشكروا النعمة فسلبوا دنياهم بالمعصية إياكم وكفر
النعم لا تحل بكم النقم ثم قال أنزلوا بهذه النجوة. وبعث أمير المؤمنين
ع معقل بن قيس من المدائن في ثلاثة آلاف وقال له خذ على الموصل ثم
نصيبين ثم القني بالرقة فاني موافيها وسكن الناس وأمنهم ولا تقاتل إلا من
قاتلك وسر البردين وغور بالناس وأقم الليل ورفه في السير ولا تسر أول
الليل فان الله جعله سكنا أرح فيه بدنك وجندك وظهرك فإذا كان السحر أو
حين ينبطح الفجر فسر، فخرج حتى اتى الحديثة وهي إذا ذاك منزل الناس
انما بنى مدينة الموصل بعد ذلك محمد بن مروان فإذا هم بكبشين ينتطحان
ومع معقل بن قيس رجل من خثعم يقال له شداد بن أبي ربيعة قتل بعد
ذلك مع الحرورية فاخذ يقول ايه ايه فجاء رجلان فاخذ كل منهما كبشا
فقال الخثعمي لمعقل لا تغلبون ولا تغلبون أ ما ترى الكبشين أحدهما مشرق
والآخر مغرب اقتتلا ولم ينتصف واحد منهما من صاحبه حتى فرق بينهما. ثم
مضوا حتى أتوا عليا بالرقة وأمر علي الحارث الأعور فصاح في أهل المدائن
من كان من المقاتلة فليواف أمير المؤمنين صلاة العصر فوافوه في تلك الساعة
فقال قد تعجبت من تخلفكم دعوتكم وانقطاعكم عن أهل مصركم في هذه
المساكن الظالم أهلها والهالك أكثر سكانها لا معروفا تأمرون به ولا منكرا
تنهون عنه قالوا يا أمير المؤمنين انا كنا ننتظر امرك ورأيك مرنا بما أحببت
فسار وخلف عليهم عدي بن حاتم فأقام عليها ثلاثا ثم خرج في ثمانمائة
وخلف ابنه زيدا فلحقه في أربعمائة منهم ثم لحقا عليا ع. وجاء علي
حتى مر بالأنبار وهي بلدة قرب الفلوجة وهي الآن خراب كان كسرى
يجعلها أنبارا للحبوب فاستقبله بنو خشنوشك (٧) دهاقينها فلما رأوه نزلوا ثم
جاءوا يشتدون معه قال ما هذه الدواب التي معكم وما أردتم بهذا الذي
صنعتم قالوا اما هذا الذي صنعنا فهو خلق منا نعظم به الأمراء واما هذه
البراذين فهدية لك وقد صنعنا لك وللمسلمين طعاما وهيانا لدوابكم علفا
كثيرا قال اما هذا الذي زعمتم أنه منكم خلق تعظمون به الأمراء فوالله ما
ينفع هذا الأمراء وانكم لتشقون به على أنفسكم وأبدانكم فلا تعودوا له
واما دوابكم هذه فان أحببتم أن نأخذها منكم فنحسبها من خراجكم
اخذناها منكم واما طعامكم الذي صنعتم لنا فانا نكره أن نأكل من أموالكم
شيئا إلا بثمن قالوا يا أمير المؤمنين نحن نقومه ثم نقبل ثمنه قال إذا لا
تقومونه قيمته نحن نكتفي بما هو دونه قالوا يا أمير المؤمنين فان لنا من
العرب موالي ومعارف فتمنعنا أن نهدي لهم وتمنعهم أن يقبلوا منا قال ليس
ينبغي لأحد من المسلمين أن يقبل هديتكم وإن غصبكم أحد فاعلمونا قالوا
يا أمير المؤمنين انا نحب أن تقبل هديتنا وكرامتنا قال ويحكم نحن أغنى
منكم فتركهم. ثم مضى أمير المؤمنين ع حتى نزل بأرض الجزيرة
فاستقبله بنو تغلب والنمر بن قاسط بالجزيرة فقال ليزيد بن قيس الأرحبي يا
يزيد قال لبيك يا أمير المؤمنين قال هؤلاء قومك من طعامهم فأطعم ومن
شرابهم فاشرب وصالح وفد بني تغلب على أن يقرهم على دينهم ولا يصبغوا
أبناءهم في النصرانية، ثم سار حتى بلغ قرية دون قرقيسيا فوافاه بها
زياد بن النضر وشريح بن هاني الذين كان قد وجههما في اثني عشر ألفا
مقدمة له فأخذا على شاطئ الفرات من قبل البر مما يلي الكوفة حتى بلغا
عانات فبلغهم اخذ علي على طريق الجزيرة وبلغهم أن معاوية أقبل في جنود
الشام من دمشق لاستقبال علي فقالا والله ما هذا لنا برأي أن نسير وبيننا
وبين أمير المؤمنين هذا البحر ما لنا خير أن نلقي جموع أهل الشام بقلة من
عددنا منقطعين من العدد والمدد فذهبوا ليعبروا من عانات فمنعهم أهلها
وحبسوا عنهم السفن فأرادوا قتالهم فتحصنوا فرجعوا إلى هيت فعبروا منها
ولحقا عليا بتلك القرية فقال ع مقدمتي تأتي ورائي فتقدم إليه شريح
وزياد فأخبراه بالذي رأيا فقال قد أصبتما رشدكما ثم سار حتى اتى الرقة
وجل أهلها العثمانية الذين فروا من الكوفة برأيهم وأهوائهم إلى معاوية
فغلقوا أبوابها وتحصنوا فيها وأميرهم سماك بن مخرمة الأسدي في طاعة
معاوية وكان قد فارق عليا في نحو مائة رجل من بني أسد ثم اخذ يكاتب
قومه حتى لحق به منهم سبعمائة رجل. ووافاه بالرقة معقل بن قيس الذي
كان أرسله علي من المدائن في ثلاثة آلاف وقال لأهل الرقة اجسروا لي جسرا
لكي أعبر من هذا المكان إلى الشام فأبوا وقد كانوا ضموا السفن عندهم
فنهض من عندهم ليعبر على جسر منبج وخلف عليهم الأشتر فناداهم اني
أقسم بالله لئن مضى أمير المؤمنين ولم تجسروا له عند مدينتكم حتى يعبر منها
لأجردن فيكم السيف ولأقتلن مقاتلتكم ولأخربن أرضكم ولآخذن أموالكم
فلقي بعضهم بعضا فقالوا إن الأشتر يفي بما يقول وإن عليا خلفه علينا
ليأتينا منه الشر فبعثوا إليه انا ناصبون لكم جسرا فاقبلوا فأرسل الأشتر إلى
علي فجاء ونصبوا له الجسر فعبر علي الأثقال والرحال ثم أمر الأشتر فوقف

(١) البرس بلدة بين الكوفة والحلة. وفي معجم البلدان برس بالضم موضع بأرض بابل.
(٢) في القاموس قبين موضع بالعراق واسم نهر وولاية بالعراق. وفي معجم البلدان قبين بالضم
ثم الكسر والتشديد ومثناة تحتية اسم أعجمي لنهر وولاية بالعراق، ثم ذكر أن الأقيشر خرج
إلى الشام فلما عبر على جسر سوراء نزل بقرية يقال لها قبين.
(٣) الصراة نهر يخرج من الفرات.
(٤) في معجم البلدان: ساباط كسرى بالمدائن موضع معروف سمي باسم رجل من الفرس كان
ينزله.
(٥) في معجم البلدان: مظلم ساباط مضاف إلى ساباط التي قرب المدائن موضع هناك ولا أدري
لم سمي بذلك.
(٦) لفظ فارسي معناه موضع التنزه.
(٧) في كتاب صفين لنصر بن مزاحم: قال سليمان: خش طيب. نوشك راضي يعني بني
الطيب الراضي بالفارسية.
(٤٧٨)

في ثلاثة آلاف فارس حتى لم يبق أحد من الناس الا عبر ثم أنه عبر آخر
الناس وازدحمت الخيل حين عبرت فسقطت قلنسوة عبد الرحمن بن أبي
الحصين فنزل فاخذها وركب وسقطت قلنسوة عبد الله بن الحجاج فنزل
فاخذها ثم ركب فقال لصاحبه: إن يكن ظن الزاجر الطائر صادقا كما
يزعمون اقتل وشيكا وتقتل فقال عبد الرحمن ما شئ أحب إلي مما ذكرت
فقتلا جميعا يوم صفين فلما عبر علي الفرات دعا زياد بن النضر وشريح بن
هاني فسرحهما أمامه نحو معاوية على حالهما الذي كانا عليه حين خرجا من
الكوفة في اثني عشر ألفا فلقيهم أبو الأعور في جند أهل الشام فدعوهم إلى
الدخول في طاعة أمير المؤمنين ع فأبوا فبعثوا إلى علي ع انا قد لقينا
أبا الأعور السلمي بسور الروم في جند من أهل الشام فدعوناه وأصحابه إلى
الدخول في طاعتك فأبوا فمرنا بامرك فأرسل علي الأشتر فقال يا مال إن
زيادا وشريحا ارسلا إلي يعلماني انهما لقيا أبا الأعور في جند من أهل الشام
بسور الروم فنباني الرسول أنه تركهم متواقفين فالنجاء إلى أصحابك النجاء
فإذا اتيتهم فأنت الأمير عليهم وإياك أن تبدأ القوم بقتال الا أن يبدؤوك ولا
يجرمنك شنآنهم على قتالهم قبل دعائهم والاعذار إليهم مرة بعد مرة واجعل
على ميمنتك زيادا وعلى ميسرتك شريحا وقف في القلب ولا تدن منهم دنو
من يريد أن ينشب الحرب ولا تتباعد منهم تباعد من يهاب الباس حتى أقدم
عليك فاني حثيث السير إليك إن شاء الله وكتب إليهما اما بعد فاني امرت
عليكما مالكا فاسمعا له وأطيعا امره فإنه ممن لا يخاف رهقه ولا سقاطه ولا
بطؤه عما الاسراع إليه احزم ولا الاسراع إلى ما البطؤ عنه أمثل فقدم
عليهم الأشتر وكف عن القتال فلم يزالوا متواقفين حتى إذا كان عند المساء
حمل عليهم أبو الأعور فثبتوا له واضطربوا ساعة ثم انصرف أهل الشام ثم
خرج هاشم بن عتبة في خيل ورجال حسن عدتها وعددها وخرج إليهم أبو
الأعور السلمي فاقتتلوا يومهم ذلك تحمل الخيل على الخيل والرجال على
الرجال فصبر القوم بعضهم لبعض ثم انصرفوا وبكر عليهم الأشتر فقتل
منهم عبد الله بن المنذر التنوخي وكان فارس أهل الشام قتله ظبيان بن
عمارة التميمي وهو فتى حدث السن واخذ الأشتر يقول ويحكم أروني أبا
الأعور ثم رجع أبو الأعور بمن معه فوقفوا على تل من وراء المكان الذي
كان فيه فقال الأشتر لسنان بن مالك النخعي انطلق إلى أبي الأعور فادعه
إلى المبارزة فقال إلى مبارزتي أو مبارزتك قال إلى مبارزتي فقال الأشتر لو
امرتك بمبارزته فعلت قال نعم والله الذي لا اله الا هو لو أمرتني أن
اعترض صفهم بسيفي فعلت فقال يا ابن أخي أطال الله بقاءك قد والله
ازددت فيك رغبة لا ما امرتك بمبارزته انما امرتك أن تدعوه إلى مبارزتي لأنه
لا يبارز الا ذوي الكفاءة والأسنان والشرف وأنت بحمد الله من أهل
الكفاءة والشرف لكنك حديث السن وليس يبارز الأحداث فاذهب إليه
فادعه لمبارزتي فاتاه فقال امنوني فاني رسول فامنوه قال فاتيت أبا الأعور
فقلت إن الأشتر يدعوك إلى مبارزته فسكت طويلا ثم قال إن خفة الأشتر
وسوء رأيه هو الذي دعاه إلى أجلاء عمال عثمان من العراق وافترائه عليه
وإلى أن سار إليه في داره فقتله فيمن قتل لا حاجة لي في جوابك ولا
الاستماع منك اذهب عني فصاح بي أصحابه فانصرفت ولو سمع مني
لأخبرته بعذر صاحبي وحجته فرجعت إلى الأشتر فأخبرته أنه قد أبى المبارزة
فقال لنفسه نظر فتواقفنا حتى حجز بيننا وبينهم الليل وبتنا متحارسين فلما
أصبحنا نظرنا فإذا هم قد انصرفوا وصبحنا علي غدوة فسار نحو معاوية
فتوافوا بقناصرين إلى جنب صفين وكان مع علي مائة وخمسون ألفا وقيل مائة
ألف أو يزيدون ومع معاوية نحو ذلك وقيل كان أهل الشام أكثر من أهل العراق
بالضعف. ويدل شعر بعض شعراء الشام أن أهل الشام كانوا
سبعين ألفا وهو قوله:
- لله در كتائب جاءتكم * تبكي فوارسها على عثمان -
- سبعون ألفا ليس فيهم قاسط * يتلون كل مفصل ومثاني -
وإن صح أن أصحاب علي ع كانوا مائة وخمسين ألفا أو يزيدون
فيكون الصواب أن أهل العراق يزيدون أهل الشام بالضعف والله أعلم.
وعلى مقدمة معاوية أبو الأعور السلمي سفيان بن عمرو وعلى ساقته بسر بن
أرطأة العامري. وطلب علي موضعا لمعسكره وأمر الناس أن يضعوا اثقالهم
فلما نزلوا تسرع فوارس من فوارس علي ع على خيلهم إلى معاوية وكانوا
مائة وثلاثين ولم ينزل بعد معاوية فناوشوهم القتال واقتتلوا هويا (١) فكتب
معاوية إلى علي: عافانا الله وإياك:
- ما أحسن العدل والإنصاف من عمل * وأقبح الطيش ثم النفش (٢) في الرجل -
* * *
- اربط حمارك لا تنزع سويته (٣) * إذا يرد وقيد العير (٤) مكروب (٥) -
- ليست ترى السيد (٦) زيدا (٧) في نفوسهم * كما تراه بنو كور (٨) ومرهوب (٩) -
- ان تسألوا الحق يعط الحق سائله * والدرع محقبة والسيف مقروب -
- أو تأنفون (١٠) فانا معشر أنف * لا نطعم الضيم ان السم مشروب (١١) -
فامر علي الناس فوزعوا عن القتال حتى يأخذ أهل المصاف مصافهم
ثم قال أيها الناس هذا مقام من نصف (١٢) فيه نصف يوم القيامة ومن فلج فيه فلج
يوم القيامة فتراجع الناس إلى معسكرهم.
القتال على الماء
فإذا أبو الأعور السلمي صاحب مقدمة معاوية قد سبق إلى سهول
الأرض وسعة المنزل وشريعة الماء مكان افيح فاتاه الأشتر صاحب مقدمة
علي ع في أربعة آلاف من مستبصري أهل العراق فأزالوا أبا الأعور عن

(١) هوي كغني اي وقتا طويلا.
(٢) النفش كثرة الكلام.
(٣) السوية كغنية كساء محشو بعشب كالبرذعة.
(٤) العير الحمار.
(٥) اي مشدود مضيق.
(٦) السيد قبيلة من ضبة.
(٧) هو زيد الخيل الفارس المشهور وبنو السيد هم بنو عم زيد الخيل وكانت بينهم عداوة.
(٨) بنو كور قبيلة من بني ذهل بن مالك.
(٩) بنو مرهوب أيضا قبيلة من بني ذهل بن مالك يقول إن بني السيد لا يرون زيدا في نفوسهم كما
يراده أهله الأدنون وهم بنو كور وبنو مرهوب وهذا مثل ضربه لعلي عليه السلام يقول له
اردع جيشك عن التسرع والعجلة فإن أهل الشام لا يرون لك ما يراده أهل العراق من
التعظيم والبجيل.
(١٠) كان القياس أو تأنفوا لأنه معطوف على المجزوم فأثبتت النون اما للضرورة أو من باب
الاستئناف.
(١١) اي لا نقبل الذل ولو أدي ذلك إلى أشق الأحوال التي هي كشرب السم فإن منصوب بنزع
الخافض أي لان.
(١٢) نطف كعلم أي تدنس وتلطخ.
(٤٧٩)

معسكره فاقبل معاوية في جميع الفيلق فلما رأى ذلك الأشتر انحاز إلى علي
ع وغلب معاوية على الماء وحال بين أهل العراق وبينه وذهب شباب من
الناس وغلمانهم يستقون فمنعهم أهل الشام فقال عبد بن عوف بن الأحمر
لما قدمنا على معاوية وأهل الشام بصفين وجدناهم قد نزلوا منزلا اختاروه
مستويا بساطا واسعا واخذوا الشريعة فهي في أيديهم وقد صف أبو الأعور
عليها الخيل والرجالة وقدم الرامية ومنهم أصحاب الرماح والدرق وعلى
رؤوسهم البيض وقد اجمعوا أن يمنعونا الماء ففزعنا إلى أمير المؤمنين ع
فأخبرناه فدعا صعصعة بن صوحان فقال ائت معاوية فقل انا سرنا مسيرنا
هذا وأنا أكره قتالكم قبل الاعذار إليكم وانك قد قدمت بخيلك تقاتلنا قبل
ان نقاتلك وبدأتنا بالقتال ونحن من رأينا الكف حتى ندعوك ونحتج عليك
وهذه أخرى قد فعلتموها حلتم بين الناس وبين الماء فخل بينهم وبينه حتى
ننظر فيما بيننا وبينكم وفيما قدمنا له وقدمتم وإن كان أحب إليك أن ندع ما
جئنا له وندع الناس يقتتلون على الماء حتى يكون الغالب هو الشارب فعلنا
فقال معاوية لأصحابه ما ترون قال الوليد بن عقبة أمنعهم الماء كما منعوه
ابن عفان حصروه أربعين يوما يمنعونه برد الماء ولين الطعام اقتلهم عطشا
قتلهم الله قال عمرو بن العاص خل بين القوم وبين الماء فإنهم لن يعطشوا
وأنت ريان ولكن لغير الماء فانظر فيما بينك وبينهم فأعاد الوليد مقالته وقال
عبد الله بن سعد بن أبي سرح وهو أخو عثمان من الرضاعة أمنعهم الماء
إلى الليل فإنهم إن لم يقدروا عليه رجعوا وكان رجوعهم هزيمتهم أمنعهم
الماء منعهم الله إياه يوم القيامة فقال صعصعة إنما يمنعه الله يوم القيام الكفرة
الفجرة شربة الخمر ضربك وضرب هذا الفاسق يعني الوليد بن عقبة
فتواثبوا إليه يشتمونه ويتهددونه فقال معاوية كفوا عن الرجل فإنه رسول
فقال صعصعة لمعاوية ما ترد علي قال سيأتيكم رأيي، فوالله ما راعانا الا
تسوية الرجال والخيل والصفوف فأرسل إلى أبي الأعور أمنعهم الماء وقال
السليل بن عمرو السكوني يخاطب معاوية:
- امنع الماء من صحاب علي * ان يذوقوه والذليل ذليل -
- واقتل القوم مثلما قتل الشيخ * ظما والقصاص أمر جميل -
- فامنع القوم ماءكم ليس للقوم * بقاء وإن يكن فقليل -
فقال معاوية الرأي ما تقول ولكن عمرا لا يدعني فقال عمرو خل
بينهم وبين الماء فان عليا لم يكن ليظما وأنت ريان وفي يده أعنة الخيل وهو
ينظر إلى الفرات حتى يشرب أو يموت وأنت تعلم أنه الشجاع المطرق ومعه
أهل العراق وأهل الحجاز وقد سمعته أنا وأنت وهو يقول لو استمكنت من
أربعين رجلا فذكر أمرا يعني لو أن معي أربعين رجلا يوم فتش البيت يعني
بيت فاطمة، ذكر ذلك نصر في كتاب صفين وفرح أهل الشام بالغلبة على
الماء فقال معاوية يا أهل الشام هذا والله الظفر لا سقاني الله ولا سقى أبا
سفيان ان شربوا منه ابدا حتى يقتلوا بأجمعهم عليه وتباشر أهل الشام فقام
إلى معاوية رجل من أهل الشام يقال له المعري بن الأقبل الهمداني وكان
ناسكا وكان له لسان وكان صديقا ومؤاخيا لعمرو بن العاص فقال يا معاوية
سبحان الله ان سبقتم القوم إلى الفرات فغلبتموهم عليه تمنعونهم عنه أما
والله لو سبقوكم إليه لسقوكم منه أ ما تعلمون أن فيهم العبد والأمة والأجير
والضعيف ومن لا ذنب له هذا والله أول الجور لقد شجعت الجبان وبصرت
المرتاب وحملت من لا يريد قتالك على كتفيك فاغلظ له معاوية وقال لعمرو
اكفني صديقك فاتاه عمرو فاغلظ له فقال الهمداني في ذلك:
- لعمرو أبي معاوية بن حرب * وعمرو ما لدائهما دواء -
- سوى طعن يحار العقل فيه * وضرب حين تختلط الدماء -
- فلست بتابع دين ابن هند * طوال الدهر ما ارسى حراء -
- لقد ذهب العتاب فلا عتاب * وقد ذهب الولاء -
- فلا ولاء وقولي في حوادث كل أمر * على عمرو وصاحبه العفاء -
- الا لله درك يا ابن هند * لقد ذهب الحياء فلا حياء -
- أ تحمون الفرات على رجال * وفي أيديهم الأسل الظماء -
- وفي الأعناق أسياف حداد * كان القوم عندكم نساء -
- فترجوا ان يجاوركم علي * بلا ماء وللأحزاب ماء -
ثم سار الهمداني في سواد الليل فلحق بعلي. وبقي أصحاب علي
ع يوما وليلة بغير ماء واغتم علي ع بما فيه أهل العراق من العطش
فخرج نحو رايات مذحج وإذا رجل ينادي:
- أ يمنعنا القوم ماء الفرات * وفينا السيوف وفينا الحجف -
- وفينا علي له صولة * إذا خوفوه الردى لم يخف -
- فنحن الذين غداة الزبير * وطلحة خضنا غمار التلف -
- فما بالنا أمس أسد العرين * وما بالنا اليوم شاء النجف -
- فاما تحلوا بشط الفرات * ومنا ومنهم عليه الجيف -
- واما تموتوا على طاعة * تحل الجنان وتحبوا الشرف -
ومضى إلى راية كندة فإذا مناد ينادي إلى جنب منزل الأشعث
ويقول:
- لئن لم يجل الأشعث اليوم كربة * من الموت فيها للنفوس تفتت -
- فنشرب من ماء الفرات بسيفه * فهبنا أناسا قبل كانوا فموتوا -
- فان أنت لم تجمع لنا اليوم امرنا * وتلقى التي فيها عليك التشتت -
- فمن ذا الذي تثنى الخناصر باسمه * سواك ومن هذا إليه التلفت -
- وهل من بقاء بعد يوم وليلة * نظل عطاشى والعدو يصوت -
- وأنت امرؤ من عصبة يمنية * وكل امرئ من غصنه حين ينبت -
فلما سمع الأشعث قول الرجل اتى عليا من ليلته فقال: يا أمير
المؤمنين أ يمنعنا القوم ماء الفرات وأنت فينا ومعنا السيوف خل عنا وعن
القوم فوالله لا نرجع حتى نرده أو نموت ومر الأشتر فليعل بخيله حتى
آمره، فقال ذاك إليك فرجع الأشتر فنادى في الناس من كان يريد الموت أو
الماء فميعاده الصبح فاني ناهض إلى الماء فاتاه من ليلته اثنا عشر ألف رجل
وشد عليه سلاحه وهو يقول:
- ميعادنا اليوم بياض الصبح * هل يصلح الزاد بغير ملح -
- لا لا ولا أمر بغير نصح * دبوا إلى القوم بطعن سمح -
- لا صلح للقوم وأين صلحي * حسبي من الاقحام قاب رمح -
فلما أصبح الأشعث دب في الناس وسيوفهم على عواتقهم وجعل
يلقي رمحه ويقول بأبي أنتم وأمي تقدموا قاب رمحي فلم يزل ذلك دأبه حتى
خالط القوم وحسر عن رأسه ونادى انا الأشعث بن قيس خلوا عن الماء
فنادى أبو الأعور السلمي اما والله لا حتى تأخذنا وإياكم السيوف فقال
الأشعث قد والله أظنها دنت منا وحمل عبد الله بن عوف بن الأحمر وكان من
فرسان علي ع فجعل يضربهم بالسيف وهو يقول:
- خلوا لنا عن الفرات الجاري * أو أثبتوا للجحفل الجرار -
(٤٨٠)

- لكل قرم مستميت شاري (١) * مطاعن برمحه كرار -
- ضراب هامات العدى مغوار -
ودعا الأشتر الحارث بن همام النخعي ثم الصهباني فأعطاه لواءه ثم
قال يا حارث لولا أني اعلم انك تصبر عند الموت لأخذت لوائي منك ولم
أحبك بكرامتي قال والله يا مالك لأسرنك اليوم أو لأموتن فأتبعتني فتقدم
وهو يقول:
- يا اشتر الخير ويا خير النخع * وصاحب النصر إذا عم الفزع -
- وكاشف الامر إذا الامر وقع * ما أنت في الحرب العوان بالجذع -
- قد جزع القوم وعموا بالجزع * وجرعوا الغيظ وغصوا بالجرح -
- ان تسقنا الماء فما هي بالبدع * أو نعطش اليوم فجد يقتطع -
- ما شئت خذ منا وما شئت فدع -
فقال اشتر ادن مني يا حارث فدنا منه فقبل رأسه وقال لا تتبع هذا
اليوم الا خيرا ثم قام الأشتر يحرض أصحابه ويقول فدتكم نفسي شدوا
شدة المحرج الراجي الفرج فإذا نالتكم الرماح فالتووا فيها وإذا عضتكم
السيوف فليعض الرجل على نواجذه فإنه أشد لشؤون الرأس ثم استقبلوا
القوم بهاماتكم وكان الأشتر يومئذ على فرس له محذوف أدهم كأنه حلك
الغراب. وقتل الأشتر في تلك المعركة سبعة وقتل الأشعث فيها خمسة فأول
قتيل قتله الأشتر ذلك اليوم بيده من أهل الشام رجل يقال له صالح بن
فيروز وكان مشهورا بشدة الباس فارتجز على الأشتر فقال: - يا صاحب الطرف الحصان الأدهم * أقدم إذا شئت علينا أقدم -
- انا ابن ذي العز وذي التكرم * سيد عك كل عك فاعلم -
فبرز إليه الأشتر وهو يقول:
- آليت لا ارجع حتى اضربا * بسيفي المصقول ضربا معجبا -
- انا ابن خير مذحج مركبا * من خيرها نفسا واما وأبا -
ثم شد عليه بالرمح فقتله فخرج إليه فارس آخر يقال له مالك بن
أدهم السلماني وكان من فرسان أهل الشام وشد على الأشتر فلما رهقه
التوى الأشتر على الفرس ومار السنان فأخطأه ثم استوى على فرسه وشد
عليه بالرمح وهو يقول:
- خانك رمح لم يكن خوانا * وكان قدما يقتل الفرسانا -
- لفارس يخترم الاقرانا * أشهل لا وغلا ولا جبانا -
فقتله ثم فارس آخر يقال له رياح بن عتيك الغساني وهو يقول:
- اني زعيم مالك بضرب * تذي غرارين جميع القلب -
- عبل الذراعين شديد الصلب -
وفي رواية شديد العصب فخرج الأشتر وهو يقول:
- رويد لا تجزع من جلادي * جلاد شخص جامع الفؤاد -
- يجيب في الروع دعا المنادي * يشد بالسيف على الأعادي -
فشد عليه فقتله ثم خرج إليه فارس آخر يقال له إبراهيم بن الوضاح
الجمحي وهو يقول:
- هل لك يا اشتر في برازي * براز ذي غشم وذي اعتزاز -
- مقاوم لقرنه لزاز -
فخرج إليه الأشتر وهو يقول:
- نعم نعم اطلبه شهيدا * معي حسام يقصم الحديدا -
- يترك هامات العدى حصيدا -
فقتله ثم خرج إليه فارس آخر يقال له زامل بن عبيد الخزامي وكان
من أصحاب الألوية فشد عليه وهو يقول:
- يا صاحب السيف الخضيب المذرب * وصاحب الجوشن ذاك المذهب -
- هل لك في طعن غلام محرب * يحمل رمحا مستقيم الثعلب -
- ليس بحياد ولا مغلب -
فطعن الأشتر في موضع الجوشن فصرعه عن فرسه ولم يصب مقتلا
وشد عليه الأشتر فكسف قوائم الفرس بالسيف وهو يقول:
- لا بد من قتلي أو من قتلكا * قتلت منكم خمسة من قبلكما -
- وكلهم كانوا حماة مثلكا -
ثم ضربه بالسيف وهما راجلان فقتله ثم خرج إليه فارس يقال له
الأجلح بن منصور الكندي وكان من اعلام العرب وفرسانها وكان على
فرس يقال له لاحق فلما استقبله الأشتر كره لقاء الأشتر واستحيا ان يرجع
فشد عليه الأشتر وهو يقول:
- بليت بالأشتر ذاك المذحجي * بفارس في حلق مدجج -
- كالليث ليث الغابة المهيج * إذا دعاه القرن لم يعرج -
فضربه الأشتر فقتله وقالت حبلة بنت منصور أخت الأجلح حين
اتاها مصابه ترثيه:
- الا فابكي أخا ثقة * فقد والله أبلينا -
- فقتل الماجد القمقام * لا مثل له فينا -
- أتانا اليوم مقتله * فقد جزت نواصينا -
- كريم ماجد الجدين * يشفي من أعادينا -
- وممن قاد جيشهم * علي والمضلونا -
- شفانا الله من أهل ال‍ * - عراق فقد أبادونا -
- أ ما يخشون ربهم * ولم يرعوا له دينا -
وماتت حزنا على أخيها وقال أمير المؤمنين ع لما بلغه مرثيتها أخاها
اما انهن ليس يملكن ما رأيتم من الجزع اما انهم قد أضروا بنسائهم فتركوهن
خزايا من قبل ابن آكلة الأكباد اللهم حمله آثامهم وأوزارهم وأثقالا مع
اثقالهم ثم خرج إليه محمد بن روضة الجمحي وهو يضرب في أهل العراق
ضربا منكرا ويقول:
- يا ساكني الكوفة يا أهل الفتن * يا قاتلي عثمان ذاك المؤتمن -
- ورث صدري قتله طول الحزن * أضربكم ولا ارى أبا حسن -
فشد عليه الأشتر وهو يقول:
- يا طالبا بالثار في عثمانا * انزل ربي بكم الهوانا -
- ولا يسلي عنكم الاحزانا * مخالف قد خالف الرحمانا -
- نصرتموه عابدا شيطانا -

(١) يشري نفسه الله.
(٤٨١)

ثم ضربه فقتله ثم اقبل الأشتر يضرب بسيفه جمهور الناس حتى
كشف أهل الشام عن الماء وهو يقول:
- لا تذكروا ما قد مضى وفاتا * والله ربي باعث أمواتا -
- من بعد ما صاروا كذا رفاتا * لأوردن خيلي الفراتا -
- شعث النواصي أو يقال ماتا -
وكان لواء الأشعث مع معاوية بن الحارث فقال له الأشعث لله أنت
ليست النخع بخير من كندة قدم لواءك فتقدم صاحب اللواء وهو يقول:
- أ نعطش اليوم فينا الأشعث * فابشروا فإنكم لن تلبثوا -
- ان تشربوا الماء فلا تريثوا -
وكان الأشتر قد تعالى بخيله حيث أمره علي ع فبعث إليه
الأشعث أن أقحم الخيل فاقحمها حتى وضعت سنابكها في الفرات وأخذت
القوم السيوف فولوا مدبرين فقال علي ع هذا يوم نصرنا فيه الأشعث
بالحمية وقال الأشعث يا أمير المؤمنين قد غلب الله لك على الماء. وقال
عمرو بن العاص لمعاوية ما ظنك بالقوم أن منعوك الماء اليوم كما منعتهم
أمس أ تراك ضاربهم عليه كما ضاربوك عليه وما أغنى عنك أن تكشف لهم
السوأة قال دع عنك ما مضى ما ظنك بعلي قال ظني أنه لا يستحل منك ما
استحللت منه وإن الذي جاء له غير الماء فلما غلب علي على الماء فطرد عنه
أهل الشام بعث إلى معاوية أنا لا نكافيك بصنعك هلم إلى الماء فنحن وأنتم
فيه سواء فاخذ كل منهما بالشريعة مما يليه وقال علي لأصحابه ان الخطب
أعظم من منع الماء وقال معاوية لله در عمرو ما عصيته في أمر إلا أخطأت
الرأي فيه.
المراسلة بين علي ومعاوية بصفين
ومكث علي يومين لا يراسل معاوية ولا يأتيه من قبل معاوية أحد ثم
أن عليا دعا بشير بن عمرو بن محصن الأنصاري وسعيد بن قيس الهمداني
وشبث بن ربعي التميمي فقال ائتوا هذا الرجل فادعوه إلى الله عز وجل
وإلى الطاعة والجماعة وإلى اتباع أمر الله تعالى فقال له شبث أ لا نطمعه في
سلطان توليه إياه ومنزلة تكون له بها اثرة عندك إن هو بايعك قال علي ائتوه
الآن فالقوه واحتجوا عليه وانظروا ما رأيه وهذا في ربيع الآخر فاتوه فحمد
الله أبو عمرة بن محصن وأثنى عليه وقال يا معاوية ان الدنيا عنك زائلة وإن
الله مجازيك بغملك وإني أنشدك بالله أن تفرق جماعة هذه الأمة وتسفك
دماءها بينها. فقطع معاوية عليه الكلام فقال هلا أوصيت صاحبك فقال
سبحان الله أن صاحبي ليس مثلك أن صاحبي أحق البرية بهذا الأمر في
الفضل والدين والسابقة في الاسلام والقرابة من رسول الله ص قال معاوية
فتقول ما ذا؟ قال أدعوك إلى تقوى ربك وإجابة ابن عمك إلى ما يدعوك
إليه من الحق فإنه أسلم لك في دينك وخير في عاقبة امرك، قال ويطل دم
عثمان لا والرحمن لا أفعل ذلك أبدا فذهب سعيد يتكلم فبدره شبث بن
ربعي فحمد الله وأثنى عليه ثم قال يا معاوية أنه لا يخفى علينا ما تقرب وما
تطلب أنك لا تجد شيئا تستهوي به الناس إلا أن قلت لهم قتل إمامكم
مظلوما فهلموا نطلب بدمه فاستجاب لك سفهاء طغام رذال وقد علمنا أنك
أبطأت عليه بالنصر وأحببت له القتل لهذه المنزلة التي تطلب ورب مبتغ أمرا
يحول الله دونه وربما أوتي المتمني أمنيته وربما لم يؤتها والله ما لك في واحدة
منهما خير والله ان أخطأك ما ترجو انك لشر العرب حالا ولئن أصبت ما
تتمناه لا تصيبه حتى تستحق صلا النار فاتق الله يا معاوية ولا تنازع الأمر
أهله، فقال معاوية إني أول ما عرفت به سفهك وخفة حلمك قطعك على
هذا الحسيب الشريف سيد قومه منطقه ثم عتبت بعد فيما لا علم لك به
ولقد كذبت ولؤمت أيها الأعرابي الجلف الجافي في كل ما وصفت وذكرت
انصرفوا من عندي فليس بيني وبينكم إلا السيف فخرجوا وشبث يقول:
أ فعلينا تهول بالسيف إنا والله لنعجلنه إليك فاتوا عليا فاخبروه بما كان
وخرج قراء أهل العراق وقراء أهل الشام فعسكروا ناحية صفين في ثلاثين
ألفا وعسكر علي على الماء وعسكر معاوية فوق ذلك ومشت القراء فيما بين
معاوية وعلي فيهم عبيدة السلماني وعلقمة بن قيس النخعي وعبد الله بن
عتبة وعامر بن عبد القيس وقد كان في بعض تلك السواحل فانصرف إلى
عسكر علي فدخلوا على معاوية فقالوا ما الذي تطلب قال اطلب بدم عثمان
قالوا ممن قال من علي قالوا وعلي قتله قال نعم هو قتله وآوى قاتله فدخلوا
على علي فقالوا ان معاوية يزعم أنك قتلت عثمان قال اللهم لكذب فيما قال
لم اقتله فرجعوا إلى معاوية فاخبروه فقال إن لم يكن قتله بيده فقد أمر ومالأ
فرجعوا إلى علي فقالوا ان معاوية يزعم أنك إن لم تكن قتلت بيدك فقد
أمرت ومالأت فقال اللهم كذب فيما قال فرجعوا إلى معاوية فقالوا ان عليا
يزعم أنه لم يفعل فقال إن كان صادقا فليمكنا من قتلة عثمان فإنهم في
عسكره وجنده وأصحابه وعضده فرجعوا إلى علي فاخبروه فقال لهم علي
تأول القوم عليه القرآن ووقعت الفرقة وقتلوه في سلطانه وليس على ضربهم
قود، فخصم علي معاوية ذكره نصر بن مزاحم في كتاب صفين قال
معاوية إن كان الأمر كما يزعم فما له أبتز الأمر دوننا على غير مشورة منا ولا
ممن هاهنا معنا فقال علي إنما الناس تبع المهاجرين والأنصار وهم شهود
المسلمين في البلاد على ولايتهم وأمر دينهم فرضوا بي وبايعوني فرجعوا إلى
معاوية فاخبروه بذلك فقال ليس كما يقول فما بال من هنا من المهاجرين
والأنصار لم يدخلوا في هذا الأمر فانصرفوا إلى علي فقالوا له ذلك فقال
ويحكم هذا للبدريين دون الصحابة ليس في الأرض بدري إلا قد بايعني
وهو معي أو قد أقام ورضي فلا يغرنكم معاوية من أنفسكم ودينكم،
فتراسلوا ثلاثة أشهر ربيع الآخر وجمادين فيزحف بعضهم إلى بعض
ويحجز القراء بينهم فتزاحفوا خمسا وثمانين مرة في ثلاثة أشهر وتحجز القراء
بينهم ولا يكون بينهم قتال وخرج أبو امامة الباهلي وأبو الدرداء فدخلا على
معاوية وكانا معه فقالا علا م تقاتل هذا الرجل فوالله لهو أقدم منك سلما
وأحق بهذا الأمر منك وأقرب من النبي ص فعلا م تقاتله فقال أقاتله على دم
عثمان وأنه آوى قتلته فقولوا له فليقدنا من قتلته وأنا أول من بايعه فانطلقوا
إلى علي فاخبروه فقال هم الذين ترون فخرج عشرون ألفا أو أكثر مسربلين
في الحديد لا يرى منهم إلا الحدق فقالوا كلنا قتلته فان شاؤوا فليروموا ذلك
منا فرجع أبو إمامة وأبو الدرداء فلم يشهدا شيئا من القتال حتى إذا كان
رجب وخاف معاوية أن يبايع القراء عليا على القتال أخذ في المكر وأخذ
يحتال للقراء لكيما يحجموا عنه ويكفوا حتى ينظروا.
حيلة لمعاوية
وكتب معاوية في سهم: من عبد الله الناصح فاني أخبركم أن معاوية
يريد أن يفجر عليكم الفرات فيغرقكم فخذوا حذركم ورمى بالسهم في
عسكر علي فوقع في يد رجل من أهل الكوفة وتداولته الأيدي حتى وصل إلى

(١) هكذا ذكره نصر بن مزاحم في كتاب صفين وذكرنا ما فيه في أول الكلام فراجع.
(٤٨٢)

أمير المؤمنين فقالوا هذا رجل ناصح كتب يخبركم بما أراد معاوية وبعث
معاوية مائتي رجل من الفعلة إلى عاقول من النهر بأيديهم المرور والزبيل
يحفرون فيها بحيال عسكر علي فقال علي ويحكم ان الذي يحاول معاوية لا
يستقيم له وإنما يريد أن يزيلكم عن مكانكم فقالوا له هم والله يحفرون
الساعة فقال يا أهل العراق لا تكونوا ضعفي ويحكم لا تغلبوني على رأيي
فقالوا والله لنرتحلن فان شئت فارتحل وإن شئت فاقم فارتحلوا وصعدوا
بعسكرهم وارتحل علي آخر الناس وهو يقول:
- ولو اني أطعت عصبت قومي * إلى ركن اليمامة أم شام -
- ولكني إذا أبرمت أمرا * منيت بخلف آراء الطغام -
وارتحل معاوية فنزل بمعسكر علي الذي كان فيه فدعا علي الأشتر
فقال أ لم تغلبني على رأيي أنت والأشعث فدونكما فقال الأشعث أنا أكفيك يا
أمير المؤمنين سأداوي ما أفسدت اليوم من ذلك فجمع كندة فقال لا
تفضحوني اليوم إنما أقارع بكم أهل الشام فخرجوا معه رجلا يمشون وبيد
الأشعث رمح له يلقيه على الأرض ويقول أمشوا قيس رمحي فيمشون فلم
يزل يقيس لهم على الأرض برمحه ويمشون معه رجالة قد كسروا جفون
سيوفهم حتى لقوا معاوية وسط بني سليم واقفا على الماء وقد جاءه أداني
عسكره فاقتتلوا قتالا شديدا على الماء ساعة وانتهى أوائل أهل العراق فنزلوا
وأقبل الأشتر في خيل فحمل على معاوية، والأشعث يحارب في ناحية
فانحاز معاوية في بني سليم فردوا وجوه إبله قدر ثلاثة فراسخ ثم نزل
ووضع أهل الشام اثقالهم والأشعث يهدر ويقول أ رضيت يا أمير المؤمنين ثم
غاداهم علي القتال وعلى رايته يومئذ هاشم بن عتبة المرقال وبرز يومئذ عوف
من أصحاب معاوية فبرز إليه علقمة بن عمرو من أصحاب علي فطعنه
علقمة فقتله فمكثوا على ذلك حتى كان ذو الحجة فجعل علي يأمر هذا
الرجل الشريف فيخرج معه جماعة فيقاتل ويخرج إليه من أصحاب معاوية رجل معه جمع آخر فيقتتلان في خيلهما ورجلهما ثم ينصرفان وأخذوا
يكرهون أن يتزاحفوا بجميع الفيلق من أهل العراق وأهل الشام مخافة
الاستئصال والهلاك وكان علي يخرج الأشتر مرة في خيله ومرة حجر بن
عدي أو شبث بن ربعي التميمي أو خالد بن المعمر السدوسي أو زياد بن
النضر الحارثي أو زياد بن جعفر الكندي أو سعيد بن قيس الهمداني أو
معقل بن قيس الرياحي أو قيس بن سعد بن عبادة وأكثرهم خروجا الأشتر
وكان معاوية يخرج إليهم عبد الرحمن بن خالد بن الوليد المخزومي أو أبا
الأعور السلمي أو حبيب بن مسلمة الفهري أو ابن ذي الكلاع أو
عبيد الله بن عمر بن الخطاب أو شرحبيل بن السمط أو حمزة بن مالك
الهمداني فاقتتلوا ذا الحجة وربما اقتتلوا في اليوم الواحد مرتين أوله وآخره
وخرج الأشتر يوما فقاتل بصفين في رجال من القراء ورجال من فرسان
العرب فاشتد قتالهم قال الراوي: فخرج عليا رجل لقلما رأيت رجلا
قط هو أطول ولا أعظم منه فدعا إلى المبارزة فلم يبرز إليه أحد وبرز إليه
الأشتر فاختلفا ضربتين وضربه الأشتر فقتله وأيم الله لقد كنا أشفقنا عليه
وسألناه أن لا يخرج إليه وهو سهم بن أبي العيزار. وجاء رجل من الأزد
فقال أقسم بالله لأقتلن قاتلك فحمل على الأشتر فضربه الأشتر فإذا هو
بين يدي فرسه وحمل أصحابه فاستنقذوه جريحا فقال أبو رقيقة السهمي كان
هذا نارا فصادفت إعصارا فاقتتل الناس ذا الحجة كله فلما مضى ذو الحجة
تداعى الناس أن يكف بعضهم عن بعض إلى أن ينقضي المحرم لعل الله
أن يجري صلحا واجتماعا فكف الناس بعضهم عن بعض.
استئناف المراسلة
ولما توادع علي ومعاوية بصفين اختلفت الرسل فيما بينهما رجاء الصلح
فأرسل علي إلى معاوية عدي بن حاتم وشبث بن ربعي ويزيد بن قيس
الأرحبي وزياد بن حصفة التميمي فدخلوا على معاوية فحمد الله عدي بن
حاتم وأثنى عليه ثم قال أما بعد فانا أتيناك لندعوك إلى أمر يجمع الله به
كلمتنا وأمتنا ويحقن الله به دماء المسلمين وندعوك إلى أفضلها سابقة وأحسنها
في الاسلام آثارا وقد اجتمع له الناس فلم يبق أحد غيرك وغير من معك
فانته يا معاوية من قبل أن يصيبك الله وأصحابك بمثل يوم الجمل فقال
معاوية كأنك إنما جئت متهددا ولم تأت مصلحا هيهات يا عدي كلا والله أني
لابن حرب ما يقعقع لي بالشنان أما والله إنك لمن المجلبين على ابن عفان
وإنك لمن قتلته وقال له شبث وزياد بن خصفة أتيناك فيما يصلحنا وإياك
فأقبلت تضرب الأمثال لنا دع ما لا ينفع من القول والفعل واجبنا فيما يغمنا
وإياك نفعه وقال يزيد بن قيس أن صاحبنا لمن عرفت وعرف المسلمون
فضله ولا أظنه يخفى عليك أن أهل الدين والفضل لن يعدلوك بعلي فاتق
الله يا معاوية ولا تخالف عليا فانا والله ما رأينا رجلا قط أعمل بالتقوى ولا
أزهد في الدنيا ولا أجمع لخصال الخير كلها منه فقال معاوية: إنكم
دعوتم إلى الطاعة والجماعة فاما الجماعة التي دعوتم إليها فنعما هي وأما
الطاعة لصاحبكم فانا لا نراها، إن صاحبكم قتل خليفتنا وفرق جماعتنا
وآوى ثارنا وصاحبكم يزعم أنه لم يقتله فنحن لا نرد ذلك عليه فليدفع إلينا
قتلته لنقتلهم به ونحن نجيبكم إلى الطاعة و الجماعة فقال شبث بن ربعي
أ يسرك أنك أمكنت من عمار بن ياسر فقتلته قال وما يمنعني من ذلك والله لو
أمكنني من ابن سمية ما قتلته بعثمان ولكن بنائل مولى عثمان فقال له شبث
وإله السماء ما عدلت معدلا لا والله لا تصل إلى قتل ابن ياسر حتى تندر
الهام عن كواهل الرجال وتضيق الأرض الفضاء عليك برحبها فقال له
معاوية لو كان ذلك كانت عليك أضيق. ورجعوا فبعث معاوية
إلى زياد بن خصفة فقال له يا أخا ربيعة إن عليا قطع أرحامنا وقتل
إمامنا وآوى قتلة صاحبنا وإني أسألك النصرة عليه
بأسرتك وعشيرتك ولك علي عهد الله وميثاقه إذا ظهرت أن أوليك
أي المصرين أحببت فقال له زياد إني لعلى بينة من ربي وبما أنعم علي
فلن أكون ظهيرا للمجرمين ثم قام فقال معاوية لعمرو بن العاص وكان إلى
جانبه ليس يتكلم رجل منهم بكلمة تخالف صاحبه ما لهم قصمهم الله ما
قلوبهم إلا قلب رجل واحد وبعث معاوية إلى حبيب بن مسلمة الفهري
وشرحبيل بن السمط ومعن بن يزيد بن الأخنس السلمي فدخلوا على علي
فقال حبيب بن مسلمة ان عثمان كان خليفة مهديا فاستثقلتم حياته فعدوتم عليه فقتلتموه فادفع
إلينا قتلة عثمان نقتلهم به فان قلت أنك لم تقتله
فاعتزل أمر الناس فيكون أمرهم شورى بينهم. فقال له علي: وما أنت لا
أم لك والولاية والعزل والدخول في هذا الأمر اسكت فإنك لست هناك ولا
باهل لذاك فقال حبيب بن مسلمة أما والله لتريني حيث تكره فقال له علي
وما أنت ولو أجلبت بخيلك ورجلك اذهب فصوب وصعد ما بدا لك فلا
أبقى الله عليك إن أبقيت فقال شرحبيل إن كلمتك فلعمري ما كلامي إياك
إلا كنحو من كلام صاحبي فهل لي عندك جواب غير الذي أجبته به فقال
علي ع عندي جواب غير الذي أجبته به لك ولصاحبك ثم ذكر
كلاما قال في آخره: ثم ولي أمر الناس عثمان فعمل بأشياء عابها الناس
عليه فسار إليه ناس فقتلوه ثم أتاني الناس وأنا معتزل أمرهم فأبيت عليهم
(٤٨٣)

فقالوا لي ان الأمة لا ترضى إلا بك وأنا نخاف ان لم تفعل أن يفترق الناس
فبايعتهم فلم يرعني الا شقاق رجلين قد بايعاني وخلاف معاوية إياي الذي لم
يجعل الله له سابقة في الدين ولا سلف صدق في الاسلام طليق ابن طليق
وحزب من الأحزاب لم يزل لله ولرسوله وللمسلمين عدوا هو وأبوه حتى
دخلا في الاسلام كارهين مكرهين فعجبنا لكم ولاجلابكم معه وانقيادكم له
وتدعون أهل بيت نبيكم ص الذين لا ينبغي لكم شقاقهم ولا خلافهم ولا
أن تعدلوا بهم أحدا من الناس إني أدعوكم إلى كتاب الله عز وجل وسنة
نبيكم ص وإماتة الباطل وإحياء معالم الدين فقال له شرحبيل ومعن بن يزيد
أ تشهد أن عثمان قتل مظلوما فقال اني لا أقول ذلك قالا فمن لم يشهد أنه
قتل مظلوما فنحن براء منه ثم انصرفا فقال علي ع إنك لا تسمع الموتى
ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين وما أنت بهادي العمي عن
ضلالتهم الآية ثم أقبل على أصحابه فقال لا يكن هؤلاء بأولى بالجد في
ضلالتهم منكم في حقكم. ثم مكث الناس حتى دنا انسلاخ المحرم فقال
حابس بن سعيد الطائي وكان صاحب لواء طئ مع معاوية وقتل معه:
- أما بين المنايا غير سبع * بقين من المحرم أو ثماني -
- أ ينهانا كتاب الله عنهم * ولا ينهاهم السبع المثاني -
فلما انسلخ المحرم و استقبل صفر سنة ٣٧ بعث علي نفرا من أصحابه
فيهم مرثد بن الحارث الجشمي حتى إذا كانوا من عسكر معاوية بحيث
يسمعونهم الصوت نادى مرثد عند غروب الشمس: يا أهل الشام أن أمير
المؤمنين علي بن أبي طالب وأصحاب رسول الله ص يقولون لكم أنا والله ما
كففنا عنكم شكا في أمركم ولا بقيا عليكم وإنما كففنا عنكم لخروج المحرم
ثم انسلخ وأنا قد نبذنا إليكم على سواء أن الله لا يحب الخائنين وفي
رواية أمره فنادى يا أهل الشام الا أن أمير المؤمنين يقول لكم إني قد
استنبذتكم واستأنيتكم لتراجعوا الحق وتنيبوا إليه واحتججت عليكم بكتاب
الله ودعوتكم إليه فلم تتناهوا عن طغيان ولم تجيبوا إلى حق وإني قد نبذت
إليكم على سواء أن الله لا يحب الخائنين فثار الناس إلى أمرائهم ورؤسائهم
وخرج معاوية وعمرو بن العاص يكتبان الكتائب ويعبيان العساكر وأوقدوا
النيران وجاءوا بالشموع وبات علي ليلته كلها يعبي الناس ويكتب الكتائب
ويدور في الناس ويحرضهم.
وصايا أمير المؤمنين ع لعسكره
كان أمير المؤمنين ع يأمر عساكره في كل موطن لقوا معه
عدوه فيقول: لا تقاتلوا القوم حتى يبدؤوكم فإنكم بحمد الله على حجة
وترككم إياهم حتى يبدؤوكم حجة أخرى لكم عليهم فإذا قاتلتموهم
فهزمتموهم فلا تقتلوا مدبرا ولا تجهزوا على جريح ولا تكشفوا عورة ولا
تمثلوا بقتيل فإذا وصلتم إلى رحال القوم فلا تتهتكوا سترا ولا تدخلوا دارا
إلا باذني ولا تأخذوا شيئا من أموالهم إلا ما وجدتم في عسكرهم ولا تهيجوا
امرأة إلا باذني وإن شتمن أعراضكم وتناولن أمراءكم وصلحاءكم فإنهن
ضعاف القوى والأنفس ولقد كنا وإنا لنؤمر بالكف عنهن وإنهن لمشركات
وإن كان الرجل ليتناول المرأة في الجاهلية بالهراوة أو الحديد فيعير بها عقبه
من بعده. وسمع منه ع أيام الجمل وصفين والنهروان أنه كان
يقول للناس: عباد الله اتقوا الله عز وجل وغضوا الأبصار واخفضوا
الأصوات وأقلوا الكلام ووطنوا أنفسكم على المنازلة والمجاولة والمبارزة
والمعانقة والمكادمة واثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون ولا تنازعوا
فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا ان الله مع الصابرين اللهم ألهمهم الصبر
وأنزل عليهم النصر وأعظم لهم الأجر.
ابتداء الوقعة العظمى يوم صفين
قال نصر: عقد أمير المؤمنين ومعاوية الألوية وأمرا الأمراء وكتبا
الكتائب فاستعمل علي ع على الخيل عمار بن ياسر وفي رواية انه
استعمله على رجالة أهل الكوفة وعلى خيل أهل الكوفة الأشتر وعلى خيل
أهل البصرة سهل بن حنيف وعلى الرجالة عبد الله بن بديل بن ورقاء
الخزاعي وعلى رجالة أهل البصرة قيس بن سعد وكان قد أقبل من مصر إلى
صفين فإنه كان واليا بمصر كما مر، ودفع اللواء إلى هاشم بن عتبة بن أبي
وقاص الزهري وجعل الميمنة اليمن وعليها الأشعث بن قيس وعلى رجالتها
سليمان بن صرد الخزاعي وجعل الميسرة ربيعة وعليها عبد الله بن عباس
وعلى رجالتها الحارث بن مرة العبدي وجعل القلب مضر الكوفة والبصرة
وعقد ألوية القبائل فأعطاها قوما بأعيانهم جعلهم رؤساءهم وأمراءهم فعلى
قريش وأسد وكنانة عبد الله بن عباس وعلى كندة حجر بن عدي وعلى بكر
البصرة حضين بن المنذر وعلى تميم البصرة الأحنف بن قيس وعلى خزاعة
عمرو بن الحمق وعلى سعد ورباب البصرة جارية بن قدامة السعدي وعلى
بجيلة رفاعة بن شداد وعلى قضاعة وطئ عدي بن حاتم وعلى همدان
سعيد بن قيس وعلى مذحج الأشتر بن الحارث النخعي وعلى عبد القيس
الكوفة صعصعة بن صوحان وعلى قيس الكوفة عبد الله بن الطفيل الكناني
وعلى ذهل الكوفة يزيد بن رويم الشيباني إلى غير ذلك. واستعمل معاوية
على الخيل عبيد الله بن عمر بن الخطاب وعلى الرجالة مسلم بن عقبة المري
صاحب وقعة الحرة وعلى الميمنة وهم أهل حمص وقنسرين عبد الله بن
عمرو بن العاص وعلى الميسرة وهم أهل الأردن وفلسطين حبيب بن مسلمة
الفهري واعطى اللواء عبد الرحمن بن خالد بن الوليد وعلى أهل دمشق وهم
القلب الضحاك بن قيس الفهري وعلى أهل حمص ذو الكلاع الحميري
وعلى أهل قنسرين زفر بن الحارث وعلى أهل الأردن أبا الأعور السلمي
سفيان بن عمرو وعلى رجالة دمشق بسر بن أبي أرطأة العامري وعلى رجالة
حمص حوشبا ذا ظليم وعلى الخيل عمرو بن العاص واستعمل على باقي
القبائل وأهل البلاد أشخاصا آخرين لا نطيل بذكرهم. وبايع رجال من
أهل الشام على الموت فعقلوا أنفسهم بالعمائم فكانوا خمسة صفوف معقلين
وكانوا يخرجون فيصطفون أحد عشر صفا ويخرج أهل العراق فيصطفون
أحد عشر صفا.
علامة أهل الشام وأهل العراق وشعارهم وألوان راياتهم
قال نصر: كانت علامة أهل العراق بصفين الصوف الأبيض قد
جعلوه في رؤوسهم وعلى أكتافهم، وشعارهم يا الله يا أحد يا صمد يا رب
محمد يا رحمن يا رحيم وكانت علامة أهل الشام خرقا بيضا قد جعلوها على
رؤوسهم وأكتافهم وكان شعارهم: نحن عباد الله حقا حقا يا لثارات
عثمان وكانت رايات أهل العراق سودا وحمرا ودكنا وبيضا ومعصفرة وصفرا
وموردة والألوية مضروبة دكن وسود ولم يذكر ألوان رايات أهل الشام.
ابتداء القتال بعد الهدنة
فخرجوا يوم الأربعاء أول يوم من صفر سنة ٣٧ وعلى من خرج من
أهل الكوفة الأشتر وعلى أهل الشام حبيب بن مسلمة فاقتتلوا قتالا شديدا
جل النهار ثم تراجعوا وقد انتصف بعضهم من بعض ثم خرج هاشم بن
عتبة في خيل ورجالة حسن عددها وعدتها وخرج إليه من أهل الشام أبو
الأعور السلمي فاقتتلوا يومهم ذلك تحمل الخيل على الخيل والرجال على
(٤٨٤)

الرجال ثم انصرفوا وقد صبر القوم بعضهم لبعض. وخرج في اليوم الثالث
عمار بن ياسر وخرج عمرو بن العاص فاقتتل الناس كاشد القتال وجعل
عمار يقول يا أهل الاسلام أ تريدون ان تنظروا إلى من عادى الله ورسوله
وجاهدهما وبغى على المسلمين وظاهر المشركين فلما أراد الله ان يظهر دينه
وينصر رسوله اتى النبي ص فأسلم وهو والله فيما يرى راهب غير راغب وقبض
الله رسوله ص وانا والله لنعرفه بعداوة المسلم ومودة المجرم الا وانه
معاوية. وكان مع عمار زياد بن النضر على الخيل فامره ان يحمل في الخيل
فحمل وصبروا له وشد عمار في الرجالة فأزال عمرو بن العاص عن
موقفه. وبارز زياد بن النضر أخا له من امه من بني عامر اسمه معاوية بن
عمرو العقيلي أمها هند من بني زبيد فلما التقيا تسايلا وتوافقا ثم انصرف كل
واحد منهما عن صاحبه ورجع الناس يومهم ذاك. ورفع عمرو بن العاص
شقة خميصة سوداء في رأس رمح فقال ناس هذا لواء عقده له رسول الله
ص فبلغ ذلك عليا فقال هل تدرون ما أمر هذا اللواء ان خرج له رسول
الله ص هذه الشقة فقال من يأخذها بما فيها فقال وما فيها قال إن لا تقاتل
به مسلما ولا تفر به من كافر فاخذها فقد والله فر به من المشركين وقاتل به
اليوم المسلمين والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما أسلموا ولكن استسلموا
وأسروا الكفر فلما وجدوا أعوانا رجعوا إلى عداوتهم إلا أنهم لم يدعوا الصلاة.
فلما كان من الغد خرج محمد بن علي بن أبي طالب خرج إليه
عبيد الله بن عمر بن الخطاب في جمعين عظيمين فاقتتلوا كاشد القتال ثم إن
عبيد الله بن عمر ارسل إلى محمد بن الحنفية ان اخرج إلي أبارزك قال له
ثم خرج إليه يمشي فبصر به علي فقال من هذان المتبارزان فقيل له ابن
الحنفية وابن عمر فحرك علي دابته ثم دعا محمدا فوقف له وقال أمسك دابتي
فامسكها ثم مشى إليه علي فقال انا أبارزك قال ليس لي في مبارزتك حاجة
واخذ ابن الحنفية يقول لأبيه منعتني من مبارزته لو تركتني لرجوت ان
اقتله قال يا بني لو بارزته انا لقتلته ولو بارزته أنت لرجوت ان تقتله وما كنت
آمن ان يقتلك. فلما كان اليوم الخامس خرج عبد الله بن العباس
والوليد بن عقبة فاقتتلوا قتالا شديدا ودنا ابن عباس من الوليد فاخذ الوليد
يسب بني عبد المطلب فأرسل إليه ابن عباس ان أبرز إلى فابى
وقاتل ابن عباس يومئذ قتالا شديدا ثم انصرفوا عند الظهر وكل غير غالب
وذلك يوم الأحد. وخرج شمر بن أبرهة بن الصباح الحميري في ذلك اليوم
فلحق بعلي في ناس من قراء أهل الشام فلما رأى ذلك معاوية وعمرو بن العاص
وما خرج إلى علي من قبائل أهل الشام فت ذلك في عضد معاوية وعمرو
وقال عمرو يا معاوية انك تريد ان تقاتل باهل الشام رجلا له من محمد ص
قرابة قريبة ورحم ماسة وقدم في الاسلام لا يعتد أحد بمثله ونجدة في
الحرب لم تكن لاحد من أصحاب محمد ص وانه قد سار إليك بأصحاب محمد
المعدودين وفرسانهم وقرائهم وأشرافهم وقدمائهم في الاسلام ولهم في النفوس
مهابة ومهما نسيت فلا تنس انك على باطل فلما قال عمرو لمعاوية ذلك زوق
معاوية خطبة وامر بالمنبر فاخرج ثم أمر أجناد أهل الشام فحضروا فحمد
الله وأثنى عليه ثم قال أيها الناس أعيرنا أنفسكم وجماجمكم ولا تفشلوا ولا
تخاذلوا فان اليوم يوم خطار ويوم حقيقة وحفاظ فإنكم على حق ولكم حجة
وانما تقاتلون من نكث البيعة وسفك الدم الحرام فليس له في السماء عاذر.
ثم صعد عمرو بن العاص مرقاتين من المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال
أيها الناس قدموا المستلئمة وأخروا الحاسر وأعيروا جماجمكم ساعة فقد بلغ
الحق مقطعه فإنما هو ظالم أو مظلوم فلما أخبر علي بخطبة معاوية وعمرو
وتحريضهما الناس عليه أمر بالناس فجمعوا وهو متوكئ على قوسه وقد جمع
أصحاب رسول الله عنده فهم يلونه وأحب ان يعلم الناس ان أصحاب
رسول الله ص متوافرون عليه فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أيها الناس
اسمعوا مقالتي وعوا كلامي فان الخيلاء من التجبر وان النخوة من التكبر وان
الشيطان عدو حاضر يعدكم الباطل الا ان المسلم أخو المسلم لا تنابذوا ولا
تخاذلوا فان شرائع الدين واحدة وسبله قاصدة من اخذ بها لحق ومن تركها
مرق ومن فارقها محق ليس المسلم بالخائن إذا اؤتمن ولا بالمخلف إذ وعد
ولا بالكذاب إذا نطق نحن أهل بيت الرحمة وقولنا الصدق ومن فعالنا
القصد ومنا خاتم النبيين وفينا قادة الاسلام ومنا قراء الكتاب ندعوكم إلى
الله وإلى رسوله وإلى جهاد عدوه والشدة في امره وابتغاء رضوانه وأقام الصلاة
وايتاء الزكاة وحج البيت وصيام شهر رمضان وتوفير الفئ لأهله الا وإن من
أعجب العجب ان معاوية بن أبي سفيان الأموي وعمرو بن العاص
السهمي أصبحا يحرضان الناس على طلب الدين بزعمهما وقد علمتم اني لم
أخالف رسول الله ص قط ولم اعصه في أمر قط أقيه بنفسي في المواطن التي
ينكص فيها الابطال وترعد فيها الفرائص نجدة أكرمني الله بها فله الحمد
ولقد قضى رسول الله ص وان رأسه لفي حجري ولقد وليت غسله بيدي
وحدي تقلبه الملائكة المقربون معي وأيم الله ما اختلفت أمة قط بعد نبيها
الا ظهر أهل باطلها على أهل حقها الا ما شاء الله. فقال عمار بن ياسر اما
أمير المؤمنين فقد أعلمكم ان الأمة لن تستقيم عليه، ثم تفرق الناس وقد
نفذت بصائرهم في قتال عدوهم. وقال علي ع في هذه الليلة حتى متى
لا نناهض القوم بأجمعنا فقام في الناس عشية الثلاثاء ليلة الأربعاء بعد
العصر فخطبهم وقال في آخر خطبته الا انكم لاقوا العدو غدا إن شاء الله
فأطيلوا الليلة القيام وأكثروا تلاوة القرآن واسالوا الصبر والنصر والقوهم
بالجد والحزم وكونوا صادقين ثم انصرف ووثب الناس إلى سيوفهم
ورماحهم ونبالهم يصلحونها فلما كان الليل خرج علي فعبأ الناس ليلته كلها
حتى أصبح وعقد الألوية وأمر الامراء وكتب الكتائب وبعث علي مناديا
فنادى يا أهل العراق اغدوا على مصافكم نصبح أهل الشام في عسكرهم
واجتمعوا إلى معاوية فعبأ خيله وعقد الألوية وكتب الكتائب ثم نادى معاوية
أين الجند المقدم فخرج أهل حمص في راياتهم عليهم أبو الأعور السلمي ثم
نودي أين أهل الأردن فخرجوا في راياتهم عليهم سفيان بن عمرو السلمي
ثم نودي أين أهل قنسرين فجاءوا في راياتهم عليهم زفر بن الحارث ثم
نودي أين جند الأمير فجاء أهل دمشق على راياتهم وهم القلب وعليهم
الضحاك بن قيس الفهري فأطافوا بمعاوية وسار أبو الأعور وسار عمرو بن
العاص حتى وقفوا قريبا من أهل العراق وصف القلب خمسة صفوف وفعل
أهل العراق كذلك وبات علي ليلته كلها يعبي الناس حتى إذا أصبح
الصباح زحف بالناس وخرج إليه معاوية وأهل الشام فاخذ علي يقول من
هذه القبيلة ومن هذه القبيلة يعني قبائل أهل الشام فامر كل قبيلة أهل العراق ان تكفيه أختها من أهل الشام الا بجيلة لم يكن بالشام منهم الا عدد
يسير ففرقهم إلى لخم ثم تناهض القوم يوم الأربعاء فاقتتلوا قتالا شديدا
نهارهم كله وانصرفوا عند المساء وكل غير غالب وكان علي يركب بغلا له
يستلذه فلما حضرت الحرب قال ائتوني بفرس فاتي بفرس له ذنوب أدهم يقاد
بشطنين يبحث بيديه الأرض جميعا له حمحمة وصهيل فركبه وقال سبحان
الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين ولا حول ولا قوة الا بالله العلي
العظيم. فلما كان غداة الخميس غلس علي ع بالغداة فما رئي انه غلس
(٤٨٥)

أشد من تغليسه يومئذ ثم خرج بالناس إلى أهل الشام فزحف إليهم وكان
هو يبدأهم فيسير إليهم فإذا رأوه وقد زحف استقبلوه بزحوفهم فدعا بدعاء
قال في آخره: ان أظهرتنا على عدونا فجنبنا البغي وسددنا للحق وان
أظهرتهم علينا فارزقنا الشهادة واعصم بقية أصحابي من الفتنة. وكان على
ميمنته يومئذ عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي وعلى ميسرته عبد الله بن
العباس وقراء العراق مع ثلاثة نفر مع عمار بن ياسر وقيس بن سعد
وعبد الله بن بديل والناس على راياتهم ومراكزهم وعلي في القلب في أهل
المدينة والكوفة والبصرة وعظم من معه من المدينة الأنصار ومعه من خزاعة
عدد حسن ومن كنانة وغيرهم من أهل المدينة ثم زحف علي بالناس إليهم
ورفع معاوية قبة له عظيمة قد ألقى عليها الكرابيس وجلس تحتها وزحف
عبد الله بن بديل في الميمنة نحو حبيب بن مسلمة فلم يزل يحوزه ويكشف
خيله من الميسرة حتى اضطرهم إلى قبة معاوية عند الظهر.
تحريض علي ع ووصاياه لعسكره
وجعل أمير المؤمنين ع يحرض أصحابه ويوصيهم وصايا مهمة في
الحرب فقال: ان الله قد دلكم على تجارة تنجيكم من العذاب ايمان بالله
ورسوله وجهاد في سبيله وجعل ثوابه مغفرة الذنب ومساكن طيبة في جنات
عدن ورضوان من الله أكبر وأخبركم بالذي يحب فقال إن الله يحب الذين
يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص. فسووا صفوفكم كالبنيان
المرصوص وقدموا الدارع وأخروا الحاسر وعضوا على الأضراس فإنه أنبأ
للسيوف عن الهام وأميتوا الأصوات فإنه اطرد للفشل واولى بالوقار والتووا
في أطراف الرماح فإنه أمور للأسنة وراياتكم فلا تميلوها ولا تزيلوها ولا
تجعلوها الا في أيدي شجعانكم المانعي الذمار. ثم ذكر كلاما معناه النهى
عن أن يكل الرجل قرنه إلى أخيه بل يواسيه بنفسه. وقال وأيم الله لئن
فررتم من سيف العاجلة لا تسلمون من سيف الآخرة واستعينوا بالصدق
والصبر فإنه بعد الصبر ينزل الصبر. وطلب معاوية إلى عمرو بن
العاص ان يسوي صفوف أهل الشام فقال له عمرو على أن لي
حكمي ان قتل الله ابن أبي طالب واستوسقت لك البلاد فقال أ ليس
حكمك في مصر قال وهل مصر تكون عوضا عن الجنة وقتل ابن أبي
طالب ثمنا لعذاب النار فقال معاوية ان لك حكمك أبا عبد الله ان
قتل ابن أبي طالب رويدا لا يسمع أهل الشام كلامك فقال لهم عمرو يا
معشر أهل الشام سووا صفوفكم وأعيروا ربكم جماجمكم وجاهدوا عدو الله
وعدوكم واقتلوهم قتلهم الله وأبادهم واصبروا ان الأرض يورثها من يشاء
والعاقبة للمتقين. وطلب معاوية إلى ذي الكلاع ان يخطب الناس
ويحرضهم على قتال علي وأهل العراق وكان من أعظم أصحاب معاوية
خطرا فقعد على فرسه وخطب خطبة طويلة قال في آخرها كان مما قضي الله
ان ضم بيننا وبين أهل ديننا بصفين وانا لنعلم ان فيهم قوما كانت لهم مع
رسول الله ص سابقة ذات شأن وخطر عظيم ولكنني ضربت الأمر ظهرا
وبطنا فلم أر يسعني ان يهدر دم عثمان وعدد فضائله ثم قال فإن كان أذنب
فقد أذنب من هو خير منه قال الله عز وجل لنبيه ص ليغفر لك الله ما تقدم
من ذنبك وما تأخر وقتل موسى نفسا ثم استغفر الله فغفر له وأذنب نوح
فاستغفر الله فغفر له وأذنب أبوكم آدم ثم استغفر فغفر له وانا لنعلم انها
كانت لابن أبي طالب سابقة حسنة مع رسول الله ص فإن لم يكن مالأ على
قتل عثمان فقد خذله ثم قد اقبلوا من عراقهم حتى نزلوا في شامكم وبلادكم
وانما عامتهم بين قاتل وخاذل ولقد رأيت في منامي لكانا وأهل العراق
اعتورنا مصحفا نضربه بسيوفنا ونحن في ذلك جميعا ننادي ويحكم الله.
حجر الخير وحجر الشر
روى نصر بسنده عن الشعبي ان أول فارسين التقيا في اليوم السابع
من صفر وكان من الأيام العظيمة في صفين ذا أهوال شديدة حجر الخير
وحجر الشر اما حجر الخير فهو حجر بن عدي صاحب أمير المؤمنين علي بن
أبي طالب ع وحجر الشر ابن عمه حجر بن يزيد وذلك أن حجر الشر
دعا حجر بن عدي إلى المبارزة وكلاهما من كندة فاجابه فاطعنا برمحيهما ثم
حجز بينهما خزيمة بن ثابت الأسدي وكان مع معاوية فضرب حجرا ضربة
كسر رمحه وحمل أصحاب علي فقتلوا الأسدي وأفلتهم حجر الشر وحمل
حجر الشر على الحكم بن أزهر وهو يرتجز ويقول:
- انا الغلام اليمني الكندي * قد لبس الديباج والافرندي -
- انا الشريف الأريحي المهدي (١) * يا حكم بن أزهر بن فهد -
- لقد أصبت غارتي وحدي * وكرتي وشدتي وجدي -
- أثبت أقاتلك الغداة وحدي -
فقتل الحكم فحمل رفاعة بن ظالم الحميري ابن عم الحكم على حجر
الشر فقتله فقال علي الحمد الله الذي قتل حجر الشر بالحكم بن أزهر.
وروى نصر عن عمرو بن شمر عن جابر عن تميم ان عليا قال من يذهب
بهذا المصحف إلى هؤلاء القوم فيدعوهم إلى ما فيه فاقبل فتى اسمه
سعيد بن قيس فقال أنا صاحبه ثم أعادها فسكت الناس وقال الفتى أنا
صاحبه فقال دونك واتى معاوية فقرأه عليهم ودعاهم إلى ما فيه فقتلوه وقال
معاوية لعمرو بن العاص ائت ببني أبيك فقاتل بهم فإنه ان يكن عند أحد
خير فعندهم فاتى جماعة أهل اليمن فقال أنتم اليوم الناس وغدا لكم الشأن
هذا يوم له ما بعده من الأمر احملوا معي على هذا الجمع قالوا نعم فحملوا
وحمل عمرو وهو يقول:
- أكرم بجمع طيب يماني * جدوا تكونوا أوليا عثمان -
- خليفة الله على تبيان -
فحمل عليه عمرو بن الحمق وهو يقول:
- بؤسا لجند ضائع يماني * مستوسقين كاتساق الضأن -
- تهوي إلى راع لها وسنان * اقحمها عمرو إلى الهوان -
- يا ليت كفي عدمت بناني * وانكم بالشحر (٢) من عمان -
مقتل حوشب ذي ظليم
وخرج حوشب ذو ظليم وهو يومئذ سيد أهل اليمن في جمعه وصاحب
لوائه يقول:
- نحن اليمانيون منا حوشب * وذو ظليم أين منا المهرب -
- فينا الصفيح والقنا المغلب * والخيل أمثال الوشيج شزب -
- ان العراق حبلها مذبذب * ان عليا فيكم محبب -
- في قتل عثمان وكل مذنب -
فحمل عليه سليمان بن صرد الخزاعي وهو يقول:

(١) مرت هذه الشطور الثلاثة الأولى في رجز لعدي بن حاتم.
(٢) الشحر من سوكل عمان.
(٤٨٦)

- يا لك يوما كاسفا عصبصبا * يا لك يوما لا يواري كوكبا -
- يا أيها الحي الذي تذبذبا * لست أخاف ذا ظليم حوشبا -
- لأن فينا بطلا مجربا * ابن بديل كالهزبر مغضبا -
- امسى علي عندنا محببا * نفديه بالام ولا نبقي أبا -
فطعن حوشبا فقتله.
مقتل عبد الله بن بديل الخزاعي
قال الشعبي: كان عبد الله بن بديل الخزاعي مع علي ع يومئذ
وعليه سيفان ودرعان فجعل يضرب الناس بسيفه قدما وهو يقول:
- لم يبق غير الصبر والتوكل * واخذك الترس وسيفا مصقل -
- ثم التمشي في الرعيل الأول، مشي الجمال في حياض المنهل -
- والله يقضي ما يشأ ويفعل -
فلم يزل يضرب بسيفه حتى انتهى إلى معاوية فازاله عن موقفه. قال
نصر: قاتلهم عبد الله بن بديل في الميمنة حتى انتهى إلى معاوية مع الذين
بايعوه على الموت فاقبلوا إلى معاوية فأمرهم ان يصمدوا لعبد الله بن بديل في
الميمنة وبعث معاوية إلى حبيب بن مسلمة في الميسرة فحمل عليهم بمن كان
معه على ميمنة علي فهزمهم وكشف أهل العراق ميلا من قبل الميمنة حتى لم
يبق مع ابن بديل إلا نحو من مائة مع القراء واستند بعضهم إلى بعض
وانجفل الناس عليهم فامر علي سهل بن حنيف فاستقدم فيمن كان مع علي
من أهل المدينة فاستقبلهم جموع أهل الشام في خيل عظيمة فحملوا عليهم
والحقوهم بالميمنة وكانت الميمنة متصلة إلى موقف علي في القلب في أهل
اليمن فلما انكشفوا انتهت الهزيمة إلى علي فاقبل يمشي نحو الميسرة فانكشفت
عنه مضر من الميسرة وثبتت ربيعة. وجعل عبد الله بن بديل ينادي يا لثارات
عثمان يعني أخا له قد قتل وظن معاوية وأصحابه أنه يعني عثمان بن عفان
ومع معاوية عبد الله بن عامر واقفا فاقبل أصحاب معاوية على عبد الله بن
بديل يرضخونه بالصخر حتى اثخنوه وقتل الرجل واقبل إليه معاوية
وعبد الله بن عامر فاما عبد الله بن عامر فالقى عمامته على وجهه وترحم عليه
وكان له أخا وصديقا فقال معاوية اكشف عن وجهه فقال عبد الله والله لا
يمثل به وفي الروح فقال له معاوية اكشف عن وجهه فقد وهبته لك فكشف
عن وجه فقال معاوية هذا كبش القوم ورب الكعبة اللهم اظفرني بالأشتر
النخعي والأشعث الكندي والله ما مثل هذا الا كما قال الشاعر:
- أخو الحرب ان عضت به الحرب عضها * وان شمرت عن ساقها الحرب شمرا -
- ويحمي إذا ما الموت كان لقاؤه * لدى الشر يحمي الأنف ان يتأخرا -
- كليث هزبر كان يحمي ذماره * رمته المنايا قصدها فتفطرا -
مع أن نساء خزاعة لو قدرت على أن تقاتلني فضلا عن رجالها فعلت.
قتل احمر مولى بني أمية
وروى نصر بسنده عن زيد بن وهب قال: مر علي يومئذ ومعه بنوه
نحو الميسرة واني لأرى النبل يمر بين عاتقيه ومنكبيه وما من بنيه أحد الا يقيه
بنفسه فيكره علي ذلك. فبصر به احمر مولى بني أمية فقال: علي ورب
الكعبة قتلني الله ان لم أقتلك أو تقتلني فاقبل نحوه فخرج إليه كيسان مولى
علي فاختلفا ضربتين فقتله احمر وخالط عليا ليضربه بالسيف فانتهره علي
ووضع يده في جيب درعه فجذبه ثم حمله على عاتقه قال الراوي فكأني
انظر إلى رجليه يختلفان على عنق علي ثم ضرب به الأرض فكسر منكبه
وعضده وشد ابنا علي الحسين ومحمد فضرباه بأسيافهما فكأني انظر إلى علي
قائما وشبلاه يضربان الرجل حتى إذا قتلاه أقبلا إلى أبيهما والحسن معه قائم
قال يا بني ما منعك ان تفعل كما فعل أخواك قال كفياني يا أمير المؤمنين. ثم إن
أهل الشام دنوا منه والله ما يزيده قربهم منه سرعة في مشيه فقال له
الحسن ما ضرك لو سعيت حتى تنتهي إلى هؤلاء الذين صبروا لعدوك من
أصحابك قال يا بني ان لأبيك يوما لن يعدوه لا يبطئ به عنه السعي
ولا يعجل به إليه المشي ان أباك والله ما يبالي وقع على الموت أو وقع الموت
عليه. وخرج علي ع يوم صفين وفي يده عنزة عصا فمر على
سعيد بن قيس الهمداني فقال له سعيد أ ما تخشى يا أمير المؤمنين ان يغتالك
أحد وأنت قرب عدوك فقال له علي انه ليس من أحد إلا عليه من الله
حفظة يحفظونه من أن يتردى في قليب أو يخر عليه حائط أو تصيبه آفة فإذا جاء
القدر خلوا بينه وبينه.
رد الأشتر المنهزمين
ولما انهزمت ميمنة أهل العراق اقبل علي يركض نحو الميسرة يستثيب
الناس ويستوقفهم ويامرهم بالرجوع نحو الفزع حتى مر بالأشتر فقال له يا
مالك قال لبيك يا أمير المؤمنين قال ائت القوم فقل لهم أين فراركم من
الموت الذي لن تعجزوه إلى الحياة التي لا تبقى لكم فمضى الأشتر فاستقبل
الناس منهزمين فقال لهم الكلمات التي امره علي بهن وقال أيها الناس انا
مالك بن الحارث ثم ظن أنه بالأشتر اعرف في الناس فقال أيها الناس انا
الأشتر إلي أيها الناس فأقبلت إليه طائفة وذهبت عنه طائفة فقال عضضتم
بهن أبيكم ما أقبح ما قاتلتم اليوم يا أيها الناس غضوا الابصار وعضوا على
النواجذ واستقبلوا القوم بهامكم ثم شدوا شدة قوم موتورين بآبائهم
وأبنائهم وإخوانهم حنقا على عدوهم قد وطنوا على الموت أنفسهم كيلا يسبقوا
بثار ان هؤلاء القوم والله لن يقارعوكم إلا عن دينكم ليطفئوا السنة ويحيوا
البدعة ويدخلوكم في أمر قد أخرجكم الله منه بحسن البصيرة فطيبا عباد
الله أنفسا بدمائكم دون دينكم فان الفرار فيه سلب العز والغلبة على الفئ
وذل المحيا والممات وعار الدنيا والآخرة وسخط الله واليم عقابه ثم قال أيها
الناس أخلصوا إلي مذحجا فاجتمعت إليه مذحج فقال لهم عضضتم بصم
الجندل والله ما أرضيتم اليوم ربكم ولا نصحتم له في عدوه فكيف بذلك
وأنتم أبناء الحرب وأصحاب الغارات وفتيان الصباح وفرسان الطراد
وحتوف الاقران ومذحج الطعان. يحرضهم بنحو هذا إلى أن قال والذي
نفس مالك بيده ما من هؤلاء وأشار بيده إلى أهل الشام رجل على مثل
جناح بعوضة من دين الله والله ما أحسنتم القراع اجلوا سواد وجهي يرجع في
وجهي دمي عليكم بهذا السواد الأعظم فان الله لو قد فضه تبعه من بجانبه
كما يتبع السيل مقدمه قالوا خذ بنا حيث أحببت فصمد بهم نحو عظمهم مما
نحو الميمنة وأخذ يزحف إليهم الأشتر ويردهم واستقبله سنام من همدان
وكانوا ثمانمائة مقاتل وقد انهزموا آخر الناس وكانوا قد صبروا في ميمنة علي
ع حتى أصيب منهم مائة وثمانون رجلا وقتل منهم أحد عشر رئيسا كلما
قتل منهم رجل اخذ الراية آخر.
قتل اخوة بصفين
فكان أولهم كريب بن شريح وشرحبيل بن شريح ومرثد بن شريح
وهبيرة بن شريح ثم بريم هريم بن شريح وشمر بن شريح قتل هؤلاء
الإخوة الستة جميعا ثم اخذ الراية سفيان بن زيد ثم حبة بن زيد ثم
(٤٨٧)

كرب بن زيد فقتل هؤلاء الإخوة الثلاثة جميعا ثم اخذ الراية عميرة بن بشر
والحارث بن بشر فقتلا ثم اخذ الراية وهيب بن كريب أبو القلوص فأراد أن
يستقتل فقال له رجل من قومه انصرف بهذه الراية ترحها الله من راية فقد
قتل أشراف قومك حولها فلا تقتل نفسك ولا من بقي ممن معك فانصرفوا
وهم يقولون ليت لنا عديدا من العرب يحالفوننا ثم نستقدم نحن وهم فلا
ننصرف حتى نقتل أو نظهر فمروا بالأشتر وهم يقولون هذا القول فقال لهم
الأشتر إلي انا أحالفكم وأعاقدكم على أن لا نرجع ابدا حتى نظهر أو نهلك
فتوافقوا معه في هذا القول وزحف الأشتر نحو الميمنة وثاب إليه أناس
تراجعوا من أهل البصيرة والحياء والوفاء فاخذ لا يصمد لكتيبة الا كشفها
ولا لجمع الا حازه ورده فإنه لكذلك إذ مروا بيزيد بن قيس محمولا إلى
العسكر فقال الأشتر من هذا قالوا يزيد بن قيس لما صرع زياد بن النضر
رفع لأهل الميمنة رايته فقاتل حتى صرع فقال الأشتر هذا والله الصبر
الجميل والفعل الكريم أ لا يستحيي الرجل أن ينصرف لم يقتل ولم يقتل ولم
يشف به على القتل. وكان الأشتر يومئذ يقاتل على فرس له في يده صفيحة
يمانية إذا طأطأها خلت فيها ماء منصبا فإذا رفعها كاد يغشي البصر شعاعها
ويضرب بسيفه قدما وهو يقول غمرات ثم ينجلين ولما اجتمع إلى
الأشتر عظم من كان انهزم من الميمنة حرضهم ثم حمل على أصحاب
معاوية حتى كشفهم فالحقهم صفوف معاوية بين صلاة العصر والمغرب فلما
رأى علي ع أن ميمنته قد عادت إلى موقفها ومصافها وكشفت من بازائها
حتى ضاربوهم في مواقفهم ومراكزهم اقبل حتى انتهى إليهم فقال: إني قد
رأيت جولتكم وانجيازكم عن صفوفكم وتحرزكم الجفاة الطغاة واعراب
أهل الشام وأنتم لهاميم العرب والسنام الأعظم وعمار الليل بتلاوة القرآن
وأهل دعوة الحق إذ ضل الخاطئون فلو لا اقبالكم بعد ادباركم وجب عليكم
ما وجب على المولي يوم الزحف دبره والذي هون علي بعض وجدي إن
رأيتكم باخرة حزتموهم كما حازوكم وأزلتموهم عن مصافهم كما أزالوكم
كالإبل المطرودة الهيم فالآن فاصبروا أنزلت عليكم السكينة وثبتكم الله
بالقين وليعلم المنهزم أنه مسخط لربه وفي الفرار الذل الدائم وإن الفار لا
يزيد الفرار في عمره.
قتال خثعم وخثعم بصفين
وأرسل عبد الله بن حنش الخثعمي رأس خثعم الشام إلى أبي كعب
رأس خثعم العراق إن شئت تواقفنا فلم نقتتل فان ظهر صاحبك كنا معكم
وإن ظهر صاحبنا كنتم معنا فابى أبو كعب ذلك فلما التقوا قال رأس خثعم
الشام لقومه قد عرضت على قومنا العراقيين الموادعة صلة لأرحامهم فأبوا
فكفوا عنهم ما كفوا عنكم فخرج رجل من أصحابه فقال قد ردوا عليك
رأيك وطلب المبارزة فغضب رأس خثعم الشام فقال اللهم قيض له
وهب بن مسعود رجلا من خثعم الكوفة كان معروفا في الجاهلية لم يبارزه
رجل الا قتله فحمل على الشامي فقتله ثم اقتتلوا أشد القتال وجعل أبو
كعب يقول لأصحابه خدموا أي اضربوا موضع الخدمة وهو الخلخال واخذ
صاحب الشام يقول يا أبا كعب قومك فانصف فحمل شمر بن عبد الله
الخثعمي خثعم الشام على أبي كعب فطعنه فقتله وانصرف يبكي ويقول
رحمك الله يا أبا كعب انني قتلتك في طاعة قوم أنت أمس بي رحما منهم
وأحب إلي ولا ارى الشيطان الا قد فتننا ولا ارى قريشا الا قد لعبت بنا
فاخذ الراية كعب بن أبي كعب ففقئت عينه وصرع فاخذها شريح بن مالك
فقاتل القوم تحتها حتى صرع منهم حول رايتهم ثمانون رجلا وأصيب من
خثعم الشام نحو منهم ثم ردها شريح إلى كعب بن أبي كعب.
قتال بجيلة العراق بصفين
وكانت راية بجيلة في صفين في أحمس مع أبي شداد قيس بن المكشوح
قالت له بجيلة خذ رايتنا قال غيري خير لكم مني قالوا ما نريد غيرك قال
فوالله لئن أعطيتمونيها لا انتهي بها دون صاحب الترس المذهب وعلى رأس
معاوية عبد الرحمن بن خالد بن الوليد قائم معه ترس مذهب يستره من
الشمس قالوا اصنع ما شئت فاخذها ثم زحف وهو يقول:
- إن عليا ذو أناة صارم * جلد إذا ما حضر العزائم -
- لما رأى ما تفعل الأشائم * قام له الذروة والأكارم -
- الأشيبان مالك وهاشم -
ثم زحف بالراية حتى انتهى إلى صاحب الترس المذهب وكان في
خيل عظيمة من أصحاب معاوية فاقتتل الناس هنالك قتالا شديدا وشد أبو
شداد بسيفه نحو صاحب الترس فتعرض له من دونه غلام رومي لمعاوية
فضرب قدم أبي شداد فقطعها وضربه أبو شداد فقتله وأشرعت إليه الأسنة
فقتل واخذ الراية عبد الله بن قلع الأحمسي وهو يقول:
- لا يبعد الله أبا شداد * حيث أجاب دعوة المنادي -
- وشد بالسيف على الأعادي * نعم الفتى كان لدى الطراد -
- وفي طعان الخيل والجلاد -
وقاتل حتى قتل فاخذ الراية اخوه عبد الرحمن بن قلع فقاتل فقتل ثم
اخذها عفيف بن اياس فلم تزل بيده حتى تحاجز الناس وقتل حازم بن أبي
حازم أخو قيس بن أبي حازم يومئذ وقتل نعيم بن سهيل بن الثعلبة فاتى ابن
عمه وسميه نعيم بن الحارث بن الثعلبة معاوية وكان معه فقال إن هذا
القتيل ابن عمي فهبه لي أدفنه فقال لا ندفنهم فليسوا أهلا لذلك فوالله ما
قدرنا على دفن عثمان معهم الا سرا قال والله لتأذنن لي في دفنه أو لألحقن
بهم ولأدعنك فقال له معاوية ترى أشياخ العرب لا نواريهم وأنت تسألني
دفن ابن عمك ثم قال له ادفنه إن شئت أو دعه فدفنه.
قتال غطفان العراق بصفين
كانت راية غطفان العراق مع أبي سليم عياش بن شريك فخرج
رجل من آل ذي الكلاع يطلب المبارزة فبرز إليه قايد بن بكير العبسي فشد
عليه الكلاعي فأوهطه فخرج إليه عياش بن شريك فلحقه هرم بن شبير
فقال لا تبرز لهذا الطوال قال هبلتك الهبول وهل هو الا الموت قال وهل يفر
الا منه قال وهل منه بد والله ليقتلني أو ليلحقن بقايد بن بكير ونظر عياب
فإذا الحديد عليه مفرع لا يرى منه الا مثل شراك النعل من عنقه بين بيضته
ودرعه فضربه الكلاعي فقطع حجفته وكانت من جلود الإبل وضربه عياب
على ذلك المكان فقطع نخاعه وخرج ابن الكلاعي ثائرا بأبيه فقتله بكير بن
وائل وقيل زياد بن خصفة وخرج رجل من أزد شنوءة يسال المبارزة فخرج
إليه رجل من أهل العراق فقتله فخرج إليه الأشتر فما لبثه أن قتله فقال
رجل كان هذا نارا فصادفت اعصارا فاقتتل الناس قتالا شديدا يوم الأربعاء
فقال رجل من أصحاب علي والله لأحملن على معاوية حتى اقتله فاخذ فرسا
فركبه ثم ضربه حتى إذا قام على سنابكه دفعه فلم ينهنهه شئ عن الوقوف
(٤٨٨)

على رأس معاوية ودخل معاوية الخباء فنزل الرجل عن فرسه ودخل عليه
فخرج معاوية من الخباء وطلع الرجل في اثره فخرج معاوية وهو يقول:
- أقول لها وقد طارت شعاعا * من الابطال ويحك لا تراعي -
- فإنك لو سالت خلاء يوم * على الأجل الذي لك لم تطاعي -
فأحاط به الناس فقال معاوية ويحكم أن السيوف لم يؤذن لها في هذا
ولولا ذلك لم يصل إليكم عليكم بالحجارة فرضخوه بالحجارة حتى همد
الرجل ثم عاد معاوية إلى مجلسه وهو يقول هذا كما قال الأول:
- أخو الحرب إن عضبت به الحرب عضها * وإن شمرت عن ساقها الحرب شمرا -
وحمل رجل من أهل العراق يدعى أبا أيوب على صف أهل الشام ثم
رجع فوافق رجلا صادرا كان قد حمل على صف أهل العراق ثم رجع
فاختلفا ضربتين فنفحه أبو أيوب فأبان عنقه فثبت رأسه على جسده كما هو
حتى إذا دخل في صف أهل الشام وقع ميتا وندر رأسه فقال علي ع والله
لأنا من ثبات رأس الرجل أشد تعجبا مني لضربته وإن كان إليها ينتهي
وصف الواصف وغدا أبو أيوب إلى القتال فقال له علي ع أنت والله كما
قال القائل:
- وعلمنا الضرب آباؤنا * فسوف نعلم أيضا بنينا -
تبارز الأخوين
وخرج رجل من أهل الشام يطلب المبارزة فخرج إليه رجل من أهل العراق
فاقتتلا بين الصفين قتالا شديدا ثم أن العراقي اعتنقه فوقعا جميعا
بين قوائم فرسيهما فجلس على صدره وكشف المغفر عنه يريد ذبحه فإذا هو
اخوه لأبيه فصاح به أصحاب علي اجهز عليه قال إنه أخي قالوا فاتركه قال
لا حتى يأذن لي أمير المؤمنين فأرسل إليه دعه فتركه.
مقتل حريث مولى معاوية
وكان فارس معاوية الذي يعده لكل مبارز ولكل عظيم حريث مولاه
وكان يلبس سلاح معاوية متشبها به فإذا قاتل قال الناس ذاك معاوية وإن
معاوية دعاه فقال يا حريث اتق عليا وضع رمحك حيث شئت فقال له
عمرو بن العاص انك لو كنت قرشيا لأحب معاوية أن تقتل عليا ولكن كره
أن يكون لك حظها فان رأيت فرصة فاقحم وخرج علي أمام الخيل وحمل
عليه حريث وكان شديدا ذا باس فنادى يا علي هل لك في المبارزة فاقدم أبا
حسن إذا شئت فاقبل علي وهو يقول:
- أنا علي وابن عبد المطلب * نحن لعمر الله أولي بالكتب -
- منا النبي المصطفى غير كذب * أهل اللواء والمقام والحجب -
- نحن نصرناه على جل العرب * يا أيها العبد الغرير المنتدب -
- أثبت لنا يا أيها الكلب الكلب -
ثم ضربه علي فقتله فجزع عليه معاوية جزعا شديدا وعاتب عمرا
وقال معاوية:
- حريث أ لم تعلم وجهلك ضائر * بان عليا للفوارس قاهر -
- وإن عليا لم يبارزه فارس * من الناس لا أقصدته الأظافر -
- امرتك أمرا حازما فعصيتني * فجدك إذ لم تقبل النصح عاثر -
- ودلاك عمرو والحوادث جمة * غرورا وما جرت عليك المقادر -
- وظن حريث أن عمرا نصيحه * وقد يهلك الإنسان من لا يحاذر -
فلما قتل علي حريثا برز عمرو بن حصين السكسكي فنادى يا أبا
حسن هلم إلى المبارزة وحمل على علي ع فبادره إليه سعيد بن قيس
الهمداني ففلق صلبه فقال علي ع في ذلك اليوم:
- دعوت فلباني من القوم عصبة * فوارس من همدان غير لئام -
- فوارس من همدان ليسوا بعزل * غداة الوغى من شاكر وشبام -
- وكل رديني وعضب تخاله * إذا اختلف الأقوام شعل ضرام -
- لهمدان أخلاق ودين يزينهم * وبأس إذا لاقوا وجد خصام -
- وجد وصدق في الحروب ونجدة * وقول إذا قالوا بغير اثام -
- متى تأتهم في دارهم تستضيفهم * تبت ناعما في خدمة وطعام -
- جزى الله همدان الجنان فإنها * سمام العدى في كل يوم سمام -
- فلو كنت بوابا على باب جنة * لقلت لهمدان ادخلوا بسلام -
وخرج رجل من عك يسال المبارزة فخرج إليه قيس بن فهدان
الكندي فطعن العكي فقتله فقال قيس:
- لقد علمت عك بصفين اننا * إذا ما نلاقي الخيل نطعنها شزرا -
- ونحمل رايات القتال بحقها * ونوردها بيضا ونصدرها حمرا -
وحمل عبد الله بن الطفيل البكائي على صفوف أهل الشام فلما
انصرف حمل عليه رجل من بني تميم يقال له قيس بن فهد الحنظلي اليربوعي
وهو ممن لحق بمعاوية من أهل العراق فوضع الرمح بين كتفي عبد الله
فاعترضه يزيد بن معاوية البكائي ابن عم عبد الله بن الطفيل فوضع الرمح
بين كتفي التميمي وقال والله لئن طعنته لأطعننك قال عليك عهد الله لئن
رفعت السنان عن ظهر صاحبك لترفعنه عني قال نعم لك العهد والميثاق
بذلك فرفع السنان عن عبد الله بن الطفيل ورفع يزيد الرمح عن التميمي
فوقف التميمي فقال من أنت قال أحد بني عامر قال جعلني الله فداكم أينما
لقيناكم وجدناكم كراما والله إني لآخر أحد عشر رجلا من بني تميم
قتلتموهم اليوم فلما تراجع الناس عن صفين عتب يزيد على عبد الله بن
الطفيل في بعض ما يعتب الرجل على ابن عمه فقال يزيد:
- أ لم ترني حاميت عنك مناصحا * بصفين إذ خلاك كل حميم -
- ونهنهت عنك الحنظلي وقد اتى * على سابح ذي ميعة وهزيم -
واقتتل الناس قتالا شديدا فعبئت لطئ جموع أهل الشام فجاءهم
حمزة بن مالك فقال من أنتم لله أبوكم فقال عبد الله بن خليفة الطائي نحن
طئ السهل وطئ الجبل الممنوع بالنحل ونحن حماة الجبلين ما بين العذيب
إلى العين نحن طئ الرماح وطئ البطاح وفرسان الصباح فقال له بخ بخ
ما أحسن ثناءك على قومك. ثم إن النخع قاتلوا قتالا شديدا فأصيب منهم
جماعة.
تهمة خالد بن المعمر
وقال ناس لعلي ع انا لا نرى خالد بن المعمر السدوسي الا كاتب
معاوية فبعث إليه وإلى رجال من أشرافهم فقال يا معشر ربيعة أنتم
أنصاري ومجيبو دعوتي ومن أوثق حي في العرب في نفسي وقد بلغني أن
معاوية كاتب صاحبكم خالد بن المعمر ثم قال له يا خالد إن كان ما بلغني
عنك حقا فاني أشهد الله ومن حضرني من المسلمين انك آمن حتى تلحق
(٤٨٩)

بالعراق أو بالحجاز أو ارض لا سلطان لمعاوية فيها وإن كنت مكذوبا عليك
فابر صدورنا بايمان نطمئن إليها فحلف له بالله ما فعل وقال رجال من ربيعة
كثير لو نعلم أنه فعل لقتلناه وقال شقيق بن ثور ما وفق الله خالد بن المعمر
حين نصر معاوية وأهل الشام على علي وربيعة فقال له زياد بن خصفة يا
أمير المؤمنين استوثق من ابن المعمر بالايمان لا يغدر فاستوثق منه.
الحضين بن المنذر ورايته
قال الحضين بن المنذر الرقاشي: لما كان يوم الخميس من أيام صفين
انهزم الناس من الميمنة فجاءنا علي ع حتى انتهى إلينا ومعه بنوه
فنادى بصوت عال جهير كغير المكترث لما فيه الناس وقال لمن هذه الرايات
قلنا رايات ربيعة قال بل هي رايات الله عصم الله أهلها وصبرهم وثبت
اقدامهم ثم قال لي يا فتى أ لا تدني رأيتك هذه ذراعا فقلت له نعم والله
وعشرة أذرع فأدنيتها فقال لي حسبك مكانك وقال أبو الأشعث يحيى بن
مطرف العجلي شهد مع علي صفين: لما نصبت الرايات اعترض علي
الرايات ثم انتهى إلى رايات ربيعة فقال لمن هذه الرايات فقلت رايات
ربيعة فقال بل هي رايات الله. واقبل الحضين بن المنذر وهو يومئذ غلام
يزحف برايته وكانت حمراء فاعجب عليا زحفه وثباته فقال:
- لمن راية حمراء يخفق ظلها * إذا قيل قدمها حضين تقدما -
- ويدنو بها في الصف حتى يزيرها * حمام المنايا تقطر الموت والدما -
- تراه إذ ما كان يوم عظيمة * أبى فيه الا عزة وتكرما -
- جزى الله قوما صابروا في لقائهم * لدى الباس خيرا ما أعف واكرما -
- واحزم صبرا احين يدعى إلى الوغى * إذا كان أصوات الكماة تغمغما -
- ربيعة أعني انهم أهل نجدة * وبأس إذا لاقوا خميسا عرمرما -
وكانت راية ربيعة كلها كوفيتها وبصريتها مع خالد بن المعمر
السدوسي من ربيعة البصرة أعطاه إياها علي ع فتنافس في الراية
خالد بن المعمر وشقيق بن ثور السدوسي ثم اصطلحا على أن يوليا راية
بكر بن وائل من أهل البصرة الحضين بن المنذر وقالا هذا فتى له حسب
ونجعلها له حتى نرى رأينا. قال الجاحظ في البيان والتبيين: لما خرج أهل البصرة
إلى صفين تنازع شقيق وخالد الرياسة فصيرها عند ذلك علي إلى
حضين بن المنذر فرضي كل واحد منهما وكان يخاف أن يصيرها إلى خصمه
فسكتت بكر وعرف الناس صحة تدبير علي في ذلك اه وضرب معاوية
لحمير على ثلاث قبائل لم يكن لأهل العراق قبائل أكثر منها عددا يومئذ على
ربيعة وهمدان وكندة فوقع سهم حمير على ربيعة وكان بصفين من عنزة وهي
من قبائل ربيعة أربعة آلاف محجف فقال ذو الكلاع قبحك الله من سهم
كرهت الضراب واقبل ذو الكلاع في حمير ومن لف لفها ومعه عبيد الله بن
عمر بن الخطاب في أربعة آلاف من قراء أهل الشام قد بايعوا على الموت
وهي ميمنة أهل الشام وعليها ذو الكلاع فحملوا على ربيعة وهي ميسرة
أهل العراق وعليها عبد الله بن العباس حملة شديدة فتضعضعت رايات
ربيعة وانصرف أهل الشام فلم يلبثوا الا قليلا حتى كروا وعبيد الله بن عمر
يقول يا أهل الشام هذا الحي من أهل العراق قتلة ابن عفان وأنصار علي
وإن هزمتم هذه القبيلة أدركتم ثاركم في عثمان وهلك علي وأهل العراق
فشدوا على الناس شدة شديدة فثبتت لهم ربيعة وصبروا صبرا حسنا الا
قليلا من الضعفاء وثبت أهل الرايات وأهل البصائر منهم والحفاظ وقاتلوا
قتالا شديدا.
ما فعله خالد بن المعمر
فلما رأى خالد بن المعمر أناسا قد انهزموا من قومه انصرف فلما رأى
أصحاب الرايات قد ثبتوا ورأى قومه قد صبروا رجع وصاح بمن انهزم
وأمرهم بالرجوع فقال من أراد ان يتهمه أراد الانصراف فلما رآنا قد ثبتنا
رجع إلينا وقال لهم لما رأيت رجالا منا قد انهزموا رأيت أن استقبلهم
واردهم إليكم فأقبلت إليكم بمن أطاعني منهم فجاء بأمر مشتبه. قال ابن
أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: لا ريب عند علماء السير ان خالد بن
المعمر كان له باطن سوء مع معاوية وانه انهزم هذا اليوم ليكسر الميسرة على
علي ع ذكر ذلك الكلبي والواقدي وغيرهما ويدل على باطنه هذا انه لما
استظهرت ربيعة على صفوف أهل الشام اليوم الثاني من هذا اليوم ارسل
إليه معاوية ان كف عني ولك امارة خراسان ما بقيت فكف عنه ورجع
بربيعة وقد شارفوا اخذه من مضربه اه واشتد قتال ربيعة وحمير ونادى
منادي أهل الشام ألا ان معنا الطيب بن الطيب عبد الله بن عمر فقال
عمار بن ياسر بل هو الخبيث ونادى منادي أهل العراق الا ان معنا الطيب
ابن الطيب محمد بن أبي بكر فادى منادي أهل الشام بل هو الخبيث بن
الطيب. وخرج نحو من خمسمائة فارس أو أكثر من أصحاب علي على
رؤوسهم البيض وهم غائصون في الحديد لا يرى منهم إلا الحدق وخرج
إليهم من أهل الشام نحوهم في العدد فاقتتلوا بين الصفين والناس تحت
راياتهم فلم يرجع من هؤلاء ولا من هؤلاء مخبر لا عراقي ولا شامي قتلوا
جميعا بين الصفين وقد كان معاوية نذر سبي نساء ربيعة وقتل المقاتلة فقال
في ذلك خالد بن المعمر:
- تمنى ابن حرب نذره في نسائنا * ودون الذي ينوي قراع القواضب -
- وتمنح ملكا أنت حاولت خلعه * بني هاشم قول امرئ غير كاذب -
فلما كان يوم الخميس التاسع من صفر سنة ٣٧ خطب الناس معاوية
وحرضهم ثم خطبهم مرة أخرى قبل الوقعة العظمى فقال في آخر كلامه
انظروا يا أهل الشام فإنما تلقون غدا أهل العراق فكونوا على إحدى ثلاث
أحوال اما ان تكونوا قوما طلبتم ما عند الله في قتال قوم بغوا عليكم فاقبلوا
من بلادهم حتى نزلوا في بيضتكم واما ان تكونوا قوما تطلبون بدم خليفتكم
وصهر نبيكم ص واما ان تكونوا قوما تذبون عن نسائكم وأبنائكم.
مقتل ذي الكلاع الحميري
واتى زياد بن خصفة عبد القيس يوم صفين وقد عبيت قبائل حمير مع
ذي الكلاع وفيهم عبيد الله بن عمر لبكر بن وائل فقاتلوا قتالا شديدا حتى
خافوا الهلاك فقال زياد لعبد القيس لا بكر بعد اليوم ان ذا الكلاع وعبيد الله
أبادا ربيعة فانهضوا لهم وإلا هلكوا فركبت عبد القيس وجاءت كأنها غمامة
سوداء فشدت ازاء الميسرة فعظم القتال وشدت عك ولخم وجذام
والأشعرون من أهل الشام على مذحج وبكر بن وائل فقال العكي في
ذلك:
- ويل لأم مذحج من عك * لنتركن أمهم تبكي -
- نقتلهم بالطعن ثم الصك * فلا رجال كرجال عك -
فحميت مذحج من قول العكي ونادى مناديهم يا آل مذحج خدموا
فاعترضت مذحج لسوق القوم فكان بوار عامة القوم وخاضت الخيل
والرجال في الدماء ونادى أبو شجاع الحميري وكان من ذوي البصائر مع
(٤٩٠)

علي فقال يا معشر حمير أ ترون معاوية خيرا من علي أضل الله سعيكم ثم
أنت يا ذا الكلاع فوالله ان كنا نرى ان لك نية في الدين فقال ذو الكلاع
أيها أبا شجاع فوالله لأعلمن ما معاوية بأفضل من علي ولكن انما أقاتل على
دم عثمان.
بحث ذي الكلاع عن حديث عمار تقتله الفئة الباغية
قال أبو نوح الكلاعي الحميري: كنت في خيل علي ع يوم صفين
إذا أنا برجل من أهل الشام يقول من دل على الحميري أبي نوح فقلنا هذا
الحميري فأيهم تريد قال أريد الكلاعي أبا نوح قلت قد وجدته فمن أنت
قال انا ذو الكلاع سر إلي قلت معاذ الله ان أسير إليك إلا في كتيبة قال لك
ذمة الله ورسوله وذمة ذي الكلاع حتى نرجع إلى خيلك فإنما أريد ان
أسألك عن أمر فيكم تمارينا فيه فسار إليه فقال ذو الكلاع انما دعوتك
أحدثك حديثا حدثناه عمرو بن العاص في إمارة عمر بن الخطاب ان رسول
الله ص قال: إلى قوله: وفي إحدى الكتيبتين الحق ومعه عمار بن ياسر
قال أبو نوح لعمر الله انه لفينا قال أ جاد هو في قتالنا قال نعم ورب الكعبة
هو أشد على قتالكم مني ولوددت انكم خلق واحد فذبحته وبدأت بك
قبلهن وأنت ابن عمي قال ذو الكلاع علا م تتمنى ذلك منا والله ما قطعتك
وان رحمك لقريبة وما يسرني اني أقتلك قال أبو نوح ان الله قطع بالاسلام
أرحاما قريبة ووصل به أرحاما متباعدة فقال له ذو الكلاع هل تستطيع ان
تأتي معي صف أهل الشام فانا جار لك منهم حتى تأتي عمرو بن العاص
فيعرف منك حال عمار وجده في قتالنا لعله ان يكون صلحا بين هذين
الجندين فقال له أبو نوح انك رجل غادر وأنت في قوم غدر ان لم ترد الغدر
أغدروك فقال ذو الكلاع انا جار لك ان لا تقتل وتسلب ولا تكره على بيعة
ولا تحبس عن جندك وانما هي كلمة تبلغها عمرو وهو عند معاوية فقال ذو
الكلاع لعمرو وهل لك في رجل ناصح يخبرك عن عمار بن ياسر لا يكذبك
قال من هو قال ابن عمي هذا وهو من أهل الكوفة فقال له اني لأرى عليك
سيماء أبي تراب فقال أبو نوح علي سيماء محمد ص وأصحابه وعليك سيماء
أبي جهل وفرعون فسل أبو الأعور سيفه وقال لا ارى هذا الكذاب اللئيم
يشاتمنا بين أظهرنا فقال ذو الكلاع أقسم بالله لئن بسطت يدك إليه لأحطمن
انفك بالسيف ابن عمي وجاري جئت به اليكما ليخبركما عما تماريتم فيه
فقال عمرو بن العاص أ فيكم عمار بن ياسر قال أبو نوح ما انا بمخبرك عنه
حتى تخبرني لم تسألني عنه فان معنا من أصحاب رسول الله ص عدة غيره
وكلهم جاد على قتالكم قال عمرو وسمعت رسول الله ص يقول إن عمارا
تقتله الفئة الباغية وإنه ليس لعمار ان يفارق الحق ولن تأكل النار منه شيئا
قال أبو نوح لا إله إلا الله والله أكبر والله انه لفينا جاد على قتالكم فقال
عمرو والله انه لجاد على قتالنا قال نعم والله الذي لا اله الا هو لقد حدثني
يوم الجمل إنا سنظهر عليهم وحدثني أمس ان لو ضربتمونا حتى تبلغوا بنا
سعفات هجر لعلمنا انه على حق وأنتم على باطل وكانت قتلانا في الجنة
وقتلاكم في النار فقال له عمرو هل تستطيع ان تجمع بيني وبينه قال نعم
فجمع بينهما فقال عمرو بن العاص اني رأيتك أطوع أهل هذا العسكر فيهم
أذكرك الله الا حقنت دماءهم فعلا م تقاتلنا قال عمار امرني رسول الله ص
ان أقاتل الناكثين وقد فعلت وأمرني ان أقاتل القاسطين فأنتم هم واما
المارقين فما أدري أدركهم أم لا أيها الأبتر أ لست تعلم أن رسول الله ص
قال لعلي من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانا
مولى الله ورسوله وعلي بعده فقال له عمرو لم تشتمني يا أبا اليقظان ولست
أشتمك قال عمار وبم تشتمني أ تستطيع ان تقول اني عصيت الله ورسوله
يوما قط قال إن فيك المسبات سوى ذلك قال عمار ان الكريم من أكرمه
الله كنت وضيعا فرفعني الله ومملوكا فاعتقني الله وضعيفا فقواني الله وفقيرا
فأغناني الله قال قال عمرو فما ترى في قتل عثمان قال فتح لكم باب
كل سوء. وجرى بينهما حوار في ذلك فقام أهل الشام وركبوا خيولهم
ورجعوا فبلغ معاوية ما كان بينهم فقال هلكت العرب إذا أخذتهم
خفة العبد الأسود يعني عمار بن ياسر ومشى عبد الله بن سويد سيد جرش
إلى ذي الكلاع فقال له لم جمعت بين الرجلين قال الحديث سمعته من عمرو
ذكر انه سمعه من رسول الله ص وهو يقول لعمار بن ياسر تقتلك الفئة
الباغية فخرج عبد الله بن عمر العنسي وكان من عباد أهل زمانه ليلا
فأصبح في عسكر علي فحدث الناس بقول عمرو في عمار وقال الجرشي:
- ما زلت يا عمرو قبل اليوم مبتدئا * تبغي الخصوم جهارا غير اسرار -
- حتى لقيت أبا اليقظان منتصبا * لله در أبي اليقظان عمار -
- ما زال يقرع منك العظم منتقيا * مخ العظام بنزر غير مكثار -
- حتى رمى بك في بحر له حدب * يهوي بك الموج ها فاذهب إلى النار -
وقال العنسي لذي الكلاع:
- والراقصات بركب عامدين له * ان الذي جاء من عمرو لمأثور -
- قد كنت اسمع والأنباء شائعة * هذا الحديث فقلت الكذب والزور -
- حتى تلقيته عن أهل غيبته * فاليوم ارجع والمغرور مغرور -
- واليوم أبرأ من عمرو وشيعته * ومن معاوية المحدو به العير -
- لا لا أقاتل عمارا على طمع * بعد الرواية حتى ينفخ الصور -
- تركت عمرا وأشياعا له نكدا * اني بتركهم يا صاح معذور -
- يا ذا الكلاع فدع لي معشرا كفروا * أو لا فدينك غبن فبه تغرير -
- ما في مقال رسول الله في رجل * شك ولا في مقال الرسل تخيير -
فلما سمع معاوية ذلك بعث إلى عمرو فقال أفسدت علي أهل الشام
أ فكلما سمعت من رسول الله ص تقوله فقال عمرو قلتها ولست والله أعلم
الغيب ولا أدري ان صفين تكون قلتها و عمار يومئذ لك ولي وقد رويت
أنت فيه مثل الذي رويت فيه فاسال أهل الشام فغضب معاوية وتنمر
لعمرو ومنعه خيره فقال عمرو لا خير لي في جوار معاوية ان تجلت هذه
الحرب عنا وكان عمرو حمي الأنف فقال في ذلك:
- تعاتبني ان قلت شيئا سمعته * وقد قلت لو أنصفتني مثله قبلي -
- أ فعلك فيما قلت فعل ثبيتة * وتزلق بي في مثل ما قلته نعلي -
- وما كان لي علم بصفين انها * تكون وعمار يحث على قتلي -
- فلو كان لي بالغيب علم كتمتها * وكايدت أقواما مراجلهم تغلي -
- أبى الله إلا أن صدرك واغر * علي بلا ذنب جنيت ولا ذحل -
- سوى انني والراقصات عشية * بنصرك مدخول الهوى ذاهل العقل -
- فلا وضعت عندي حصان قناعها * ولا حملت وجناء ذعلبة رحلي -
- ولا زلت أدعي في لؤي بن غالب * قليلا غنائي لا أمر ولا أحلي -
- إن الله ارخى من خناقك مرة * ونلت الذي رجيت ان لم ازر أهلي -
- واترك لك الشام التي ضاق رحبها * عليك ولم يهنك بها العيش من أجلي -
فاجابه معاوية يقول:
- أ ألان لما ألقت الحرب بركها * وقام بنا الأمر الجليل على رجل -
(٤٩١)

- غمزت قناتي بعد سبعين حجة * تباعا كأني لا أمر ولا أحلي -
- أتيت بأمر فيه للشام فتنة * وبي دون ما أظهرته زلة النعل -
- فقلت لك القول الذي ليس ضائرا * ولو ضر لم يضررك حملك لي ثقلي -
- فعاتبتني في كل يوم وليلة * كان الذي أبليك ليس كما ابلي -
- فيا قبح الله العتاب وأهله * أ لم تر ما أصبحت فيه من الشغل -
- فدع ذا ولكن هل لك اليوم حيلة * ترد بها قوما مراجلهم تغلي -
- دعاهم علي فاستجابوا لدعوة * أحب إليهم من ثرى المال والاهل -
- إذا قلت هابوا حومه الموت ارقلوا * إلى الموت ارقال الهلوك إلى الفحل -
فلما أتى عمرا شعر معاوية اتاه فأعتبه وصار امرهما واحدا وعظم القتل
فقتل ذو الكلاع الحميري قتله خندف البكري من بكر بن وائل فقال معاوية
لأنا أشد فرحا بقتل ذي الكلاع مني بفتح مصر لو فتحتها. قال نصر لأن ذا
الكلاع كان يحجر على معاوية في أشياء كان يأمر بها أقول بل لأن ذا
الكلاع وقع في ريب وشك من امره لما روى له عمرو حديث عمار تقتله
الفئة الباغية وسمع من عمار ما سمع فخاف ان يلحق بعلي فيكون عليه
فتق يتعذر رتقه فلما قتل أمن من ذلك وقال نصر في موضع آخر كان ذو
الكلاع يسمع عمرو بن العاص يقول قال رسول الله ص لعمار بن سمية
تقتلك الفئة الباغية وآخر شربة تشربها ضياح من لبن فقال ذو الكلاع لعمرو
ويحك ما هذا قال عمرو انه سيرجع إلينا وذلك قبل ان يقتل عمار فقتل
عمار مع علي وقتل ذو الكلاع مع معاوية فقال عمرو والله يا معاوية ما
أدري بقتل أيهما انا أشد فرحا والله لو بقي ذو الكلاع حتى يقتل عمار لمال
بعامة قومه إلى علي ولأفسد علينا جندنا اه وهذا يدل على ما قلناه
وأرسل ابن ذي الكلاع إلى الأشعث بن قيس ان ذا الكلاع أصيب في
الميسرة فتأذن لنا فيه وذو الكلاع والأشعث يمانيان فقال أخاف ان يتهمني
علي كاد المريب فاطلبه إلى سعيد فإنه في الميمنة فاتى ابن ذي الكلاع
سعيد بن قيس فاستأذنه في ذلك فاذن له فطاف في الميمنة فلم يجده ثم طاف
في الميسرة فوجده قد ربط رجله بطنب من أطناب بعض فساطيط العسكر
فوقف على باب الفسطاط فقال السلام عليكم يا أهل البيت فقالوا له
وعليك السلام ومعه عبد له اسود ليس معه غيره فقال أتأذنون لنا في طنب
من اطناب فسطاطكم قالوا قد أذنا لكم ثم قالوا معذرة إلى ربنا عز وجل
واليكم اما انه لولا بغيه علينا ما صنعنا به ما ترون فنزل ابنه إليه وكان من
أعظم الناس خلقا وقد انتفخ شيئا فلم يستطيعا احتماله فقال ابنه هل من
فتى معوان فخرج إليه خندف البكري فقال تنحوا فقال له ابن ذي الكلاع
ومن يحمله إذا تنحينا قال يحمله الذي قتله فاحتمله خندف ثم رمى به على
ظهر البغل ثم شده بالحبال فانطلق به.
تقسيم معاوية الحرب بين أصحابه
قال نصر: لما تعاظمت الأمور على معاوية دعا عمرو بن العاص
وبسر بن أرطأة وعبيد الله بن عمر بن الخطاب وعبد الرحمن بن خالد بن
الوليد فقال لهم انه قد غمني رجال من أصحاب علي منهم سعيد بن قيس في
همدان والأشتر في قومه والمرقال وعدي بن حاتم وقيس بن سعد في الأنصار
وقد وقتكم يمانيتكم بأنفسها حتى لقد استحييت لكم وأنتم عدتهم من
قريش وقد أردت ان يعلم الناس انكم أهل غناء وقد عبات لكل رجل منهم
رجلا منكم فاجعلوا ذلك إلي قالوا ذلك إليك قال انا أكفيكم سعيد بن
قيس وقومه غدا وأنت يا عمرو لأعور بني زهرة المرقال وأنت يا بسر
لقيس بن سعد وأنت يا عبيد الله للأشتر وأنت يا عبد الرحمن بن خالد
لأعور طئ يعني عدي بن حاتم فجعلها نوبا في خمسة أيام لكل رجل منهم
يوم فأصبح معاوية فلم يدع فارسا إلا حشده ثم قصد لهمدان وتقدم الخيل
وهو يقول:
- لا عيش إلا فلق قحف الهام * لن تمنع الحرمة بعد العام -
- ساملك العراق بالشام * انعى ابن عفان مدى الأيام -
فطعن في اعراض الخيل مليا فتنادت همدان بشعارها واشتد القتال ثم
أقحم سعيد بن قيس فرسه على معاوية فذكرت همدان ان معاوية فاتها ركضا
فقال سعيد بن قيس في ذلك:
- يا لهف نفسي فاتني معاوية * فوق طمر كالعقاب هاويه -
- والراقصات لا يعود ثانية * إلا على ذات خصيل طاويه -
- ان يعد اليوم فكفي عالية -
فانصرف معاوية ولم يعمل شيئا وحجز بينهم الليل. وغدا عمرو بن
العاص في اليوم الثاني في حماة الخيل فقصد المرقال ومع المرقال لواء علي
الأعظم في حماة الناس فتقدم عمرو وهو يقول:
- لا عيش ان لم الق يوما هاشما * ذاك الذي ان ينج مني سالما -
- يكن شجى حتى الممات لازما -
فطعن في اعراض الخيل مزبدا فحمل هاشم وهو يقول:
- لا عيش ان لم الق يومي عمرا * ذاك الذي أحدث فينا الغدرا -
- أو يحدث الله لأمر أمرا * لا تجزعي يا نفس صبرا صبرا -
- ضربا مداريك وطعنا شزرا * يا ليت ما تحتي يكون قبرا -
فطعن عمرا حتى رجع واشتد القتال وانصرف الفريقان ولم يسر
معاوية ذلك. وغدا في اليوم الثالث بسر بن إرطاة في حماة الخيل
فلقي قيس بن سعد في كماة الأنصار فاشتدت الحرب بينهما وبرز قيس كأنه
فنيق مقرم وهو يقول:
- انا ابن سعد زانه عباده * والخزرجيون رجال ساده -
- ليس فراري في الوغى بعاده * إن الفرار للفتى قلادة -
- يا رب أنت لقني الشهادة * والقتل خير من عناقي غاده -
- حتى متى تثنى لي الوسادة -
فطعن خيل بسر وبرز له بسر بعد ملي وهو يقول:
- انا ابن أرطأة عظيم القدر * مراود في غالب بن فهر -
- ليس الفرار من طباع بسر * ان يرجع اليوم بغير وتر -
- وقد قضيت في عدوي نذري * يا ليت شعري ما بقي من عمري -
وطعن بسر قيسا فضربه قيس بالسيف فرده على عقبيه ورجع القوم
جميعا ولقيس الفضل. وتقدم عبيد الله بن عمر في اليوم الرابع ولم
يترك فارسا مذكورا وجمع من استطاع فقال له معاوية انك أفاعي أهل العراق
فارفق واتئد فلقيه الأشتر امام الخيل مزبدا وكان الأشتر إذا أراد القتال أزبد
وهو يقول:
- في كل يوم هامتي مقترة * بالضرب ابغي منة مؤخرة -
- والدرع خير من برود حبره * يا رب جنبني سبيل الكفرة -
- واجعل وفاتي بأكف الفجرة * لا تعدل الدنيا جميعا وبره -
- ولا بعوضا في ثواب البررة -
(٤٩٢)

فرد الخيل فاستحيا عبيد الله فبرز امام الخيل وكان فارسا فحمل عليه
الأشتر فطعنه واشتد الامر وانصرف القوم وللأشتر الفضل فغم ذلك
معاوية. وغدا عبد الرحمن بن خالد في اليوم الخامس كان أرجاهم عند
معاوية ان ينال حاجته فقواه بالخيل والسلاح وكان معاوية يعده ولدا فلقيه
عدي بن حاتم في حماة مذحج وقضاعة فبرز عبد الرحمن امام الخيل وهو
يقول:
- قل لعدي ذهب الوعيد * انا ابن سيف الله لا مزيد -
- وخالد يزينه الوليد * فما لنا ولا لكم محيد -
- عن يومنا ويومكم فعودوا -
ثم حمل فطعن الناس وقصده عدي بن حاتم وهو يقول:
- أرجو إلهي وأخاف ذنبي * وليس شئ مثل عفو ربي -
- يا ابن الوليد بغضكم في قلبي * كالهضب بل فوق قنان الهضب -
فلما كاد ان يخالطه بالرمح توارى عبد الرحمن في العجاج واستتر
باسنة أصحابه واختلط القوم ورجع عبد الرحمن إلى معاوية مقهورا وانكسر
معاوية وشمت بذلك أيمن بن خريم بن فاتك الأسدي وكان انسك رجل
من أهل الشام وأشعره وكان في ناحية معتزلا وقال في ذلك أبياتا ذكرناها في
ترجمته. وأظهر معاوية لعمرو شماتة وقال لقد أنصفتكم إذ لقيت سعيد بن
قيس في همدان وفررتم وانك يا عمرو لجبان فغضب عمرو ثم قال والله لو
كان عليا ما قحمت عليه يا معاوية فهلا برزت إلى علي إذ دعاك ان كنت
شجاعا كما تزعم وقال هذه الأبيات:
- تسير إلى ابن ذي يزن سعيد * وتترك في العجاجة من دعاكا -
- فهل لك في أبي حسن علي * لعل الله يمكن من قفاكا -
- دعاك إلى النزال فلم تجبه * ولو نازلته تربت يداكا -
- وكنت اصم إذ ناداك عنها * وكان سكوته عنها مناكا -
- فأب الكبش قد طحنت رحاه * بنجدته ولم تطحن رحاكا -
- فما أنصفت صحبك يا ابن هند * أ تفرقه وتغضب من كفاكا -
- فلا والله ما أضمرت خيرا * ولا أظهرت لي إلا هواكا -
- واستحيا القرشيون مما صنعوا وشمت بهم اليمانية فقال معاوية يا
معشر قريش والله لقد قربكم لقاء القوم من الفتح ولكن الأمر لأمر الله إنما
لقيتم كباش أهل العراق وقتلتم وقتل منكم وما لكم علي من حجة لقد
عبات تعبيتي لسيدهم سعيد بن قيس فانقطعوا عن معاوية أياما فقال معاوية
في ذلك:
- لعمري لقد أنصفت والنصف عادة * وعاين طعنا في العجاج المعاين -
- أ تدرون من لاقيتم فل جيشكم * لقيتم ليوثا أصحرتها العرائن -
- لقيتم صناديد العراق ومن بهم * إذا جاشت الهيجاء تحمى الظعائن -
- وما كان منكم فارس * دون فارس ولكنه ما قدر الله كائن -
فاتوه فاعتذروا إليه
مقتل عبيد الله بن عمر
وتضعضعت أركان حمير بعد مقتل ذي الكلاع وثبتت مع عبيد الله بن
عمر. وبعث عبيد الله بن عمر إلى الحسن بن علي فقال إن لي إليك حاجة
فالقني فلقيه فقال إن أباك قد وتر قريشا أولا وآخرا وقد شنئوه فهل لك أن
تخلعه ونوليك هذا الأمر قال كلا والله لا يكون ذلك ثم قال له الحسن لكأني
أنظر إليك مقتولا في يومك أو غدك أما ان الشيطان قد زين لك وخدعك
حتى أخرجك مخلقا بالخلوق تري نساء أهل الشام موقفك وسيصرعك الله
ويبطحك لوجهك قتيلا. قال نصر وبلغنا أن عبيد الله بن عمر بعثه معاوية
في أربعة آلاف وهي كتيبته الرقطاء ويقال لهم الخضرية لأن ثيابهم خضر أو
لأنهم اعلموا بالخضرة بعثهم ليأتوا عليا من ورائه فبلغ عليا ذلك فبعث
إليهم اعدادهم ليس منهم إلا تميمي واقتتل الناس من لدن اعتدال النهار إلى
صلاة المغرب ما كان صلاة القوم إلا التكبير عند مواقيت الصلاة ثم أن
ميسرة أهل العراق كشفت ميمنة أهل الشام فطاروا في سواد الليل والتقى
عبيد الله هو وكرب رجل من عكل فقتل كربا وقتل الذين معه جميعا وإنما
انكشف الناس لذلك فكشف أهل الشام أهل العراق فاختلطوا في سواد
الليل وتبدلت الرايات بعضها ببعض فلما أصبح الناس وجد أهل الشام
لواءهم ليس حوله إلا ألف رجل فاقتلعوه وركزوه من وراء موضعه الأول
وأحاط به ووجد أهل العراق لواءهم مركوزا وليس حوله إلا ربيعة وعلي
بينهم وهم محيطون به وهو لا يعلم من هم ويظنهم غيرهم فلما أذن مؤذن
علي حين طلع الفجر قال:
- يا مرحبا بالقائلين عدلا * وبالصلاة مرحبا وأهلا -
فلما صلى علي الفجر أبصر وجوها ليست بوجوه أصحابه بالأمس وإذا
مكانه الذي هو به ما بين الميسرة والقلب بالأمس، فقال من القوم؟ قالوا
ربيعة وقد بت فيهم البارحة، فقال: فخر طويل لك يا ربيعة، ثم قال
لهاشم خذ اللواء فوالله ما رأيت مثل هذه الليل ثم خرج نحو القلب حتى
ركز اللواء به وإذا سعيد بن قيس على مركزه فلحقه رجل من ربيعة يقال له
نغير فقال له أ لست الزاعم إن لم تنته ربيعة لتكونن ربيعة ربيعة ومضر مضر
فما أغنت عنك مضر البارحة فنظر إليه علي نظر منكر فلما أصبحوا نهدوا
للقتال غير ربيعة لم تتحرك فبعث إليهم علي أن انهدوا إلى عدوكم فأبوا
فبعث إليهم ثانيا قالوا كيف ننهد وهذه الخيل من وراء ظهرنا قل لأمير
المؤمنين فليأمر همدان أو غيرها بمناجزتهم لننهد فبعث إليهم الأشتر وكان
جهير الصوت فقال يا معشر ربيعة ما منعكم أن تنهدوا وأنتم أصحاب كذا
وأصحاب كذا وجعل يعدد أيامهم قالوا ما نفعل حتى ننظر هذه الخيل التي
خلف ظهورنا وهي أربعة آلاف قل لأمير المؤمنين فليبعث إليهم من يكفيه
أمرهم فقال لهم الأشتر فان أمير المؤمنين يقول لكم اكفونيها أنتم لو بعثتم
إليها طائفة منكم لتركوكم وفروا كالعصافير فوجهت ربيعة إليهم تيم اللات
والنمر بن قاسط وعنزة قالوا فمشينا إليهم مستلئمين مقنعين في الحديد وكان
عامة قتال صفين مشيا فلما أتيناهم هربوا وانتشروا انتشار الجراد قال
الراوي فذكرت قول الأشتر كأنهم اليعافير فرجعنا إلى أصحابنا وقد نشب
القتال بينهم وبين أهل الشام وقد اقتطع أهل الشام طائفة من أهل العراق
بعضها من ربيعة فأحاطوا بها فلم نصل إليها حتى حملنا على أهل الشام
فعلوناهم بالأسياف حتى انفرجوا لنا و أفضينا إلى أصحابنا، قال فاجتلدوا
بالسيوف وعمد الحديد فما تحاجزنا حتى حجز بيننا سواد الليل وما نرى
رجلا منا ولا منهم موليا وحمل عبيد الله بن عمر وهو يقول:
- انا عبيد الله ينميني عمر * خير قريش من مضى ومن غبر -
- إلا نبي الله والشخى الأغر * قد أبطأت عن نصر عثمان مضر -
- والربعيون فلا اسقوا المطر * وسارع الحي اليمانون الغرر -
- والخير في الناس قديما يبتدر -
(٤٩٣)

فحمل عليه حريث بن جابر الحنفي وهو يقول:
- قد صابرت في نصرها ربيعة * في الحق والحق لهم شريعه -
- فاكفف فلست تارك الوقيعه * في العصبة السامعة المطيعة -
- حتى تذوق كأسها الفظيعه -
فطعنه فصرعه وكان حريث هذا نازلا بين العسكرين في قبة له حمراء
وكان إذا التقى الناس للقتال أمدهم بالشراب من اللبن والسويق والماء.
ومر الحسن فإذا هو برجل متوسد رجل قتيل قد ركز رمحه في عينه وربط
فرسه برجله فقال الحسن لمن معه انظروا من هذا فإذا هو برجل من همدان
فإذا القتيل عبيد الله بن عمر قد قتله وبات عليه حتى أصبح ثم سلبه وأخذ
سيفه ذا الوشاح فلما ملك معاوية بعث إلى قاتله فاخذ السيف منه وفي قتل
عبيد الله بن عمر يقول كعب بن جغيل الثعلبي شاعر أهل الشام بصفين:
- معاوي لا تنهض بغير وثيقة * فإنك بعد اليوم بالذل عارف -
- تركتم عبيد الله بالقاع مسندا * يمج نجيعا والعروق نوازف -
- إلا إنما تبكي العيون لفارس * بصفين أجلت خيله وهو واقف -
- بنوء ويعلوه شآبيب من دم * كما لاح في جيب القميص الكفائف -
- تبدل من أسماء أسياف وائل * وأي فتى لو أخطأته المتالف -
- ألا أن شر الناس في الناس كلهم * بنو أسد أني لما قلت عارف -
فقال أبو جهمة الأسدي يرد عليه من أبيات:
- وقد صبرت حول ابن عم محمد * لدى الموت شهباء المناكب شارف -
- فما برحوا حتى رأى الله صبرهم * وحتى أتيحت بالأكف المصاحف -
- بمرج ترى الرايات فيه كأنها * إذا جنحت للطعن طير عواكف -
وقال الصلتان العبدي:
- ألا يا عبيد الله ما زلت مولعا * ببكر لها تهدى اللقا والتهددا -
- وكنت سفيها قد تعودت عادة * وكل امرئ جار على ما تعودا -
- فأصبحت مسلوبا على شر آلة * صريع قنا وسط العجاجة مفردا -
ثم تمادى الناس في القتال فاضطربوا بالسيوف حتى تقطعت وصارت
كالمناجل وتطاعنوا بالرماح حتى تكسرت ثم جثوا على الركب فتحاثوا
بالتراب ثم تعانقوا وتكادموا وتراموا بالصخر والحجارة ثم تحاجزوا فجعل
الرجل من أهل العراق يمر على أهل الشام فيقول أين آخذ إلى رايات بني
فلان فيقولون هاهنا لا هداك الله ويمر الرجل من أهل الشام على أهل
العراق فيقول كيف آخذ إلى رايات بني فلان فيقولون هاهنا لا حفظك الله
ولا عافاك.
قتال ربيعة بصفين
وقال أبو عرفاء جبلة بن عطية الذهلي الرقاشي للحضين بن المنذر
الرقاشي يوم صفين وكانت راية علي ع مع الحضين هل لك أن تعطيني
رأيتك أحملها فيكون لك ذكرها ولي أجرها قال وما غناي عن أجرها مع
ذكرها قال له اعرنيها ساعة فما أسرع ما ترجع إليك فعلم أنه يريد أن
يستقتل فأعطاه إياها فاخذها وقال يا أهل هذه الراية إن عمل الجنة كره كله
وإن عمل النار خف كله وإن الجنة لا يدخلها إلا الصابرون الذين صبروا
أنفسهم على فرائض الله وأمره وليس شئ مما افترض الله على العباد أشد
من الجهاد هو أفضل الأعمال ثوابا فإذا رأيتموني قد شددت فشدوا ويحكم
أ ما تشتاقون إلى الجنة أ ما تحبون أن يغفر الله لكم فشد وشدوا معه فاقتتلوا
قتالا شديدا وأخذ الحضين يقول:
- شدوا إذا ما شد باللواء * ذاك الرقاشي أبو عرفاء -
فقاتل أبو عرفاء حتى قتل وفي ذلك اليوم يقول أبو مجزاة بن ثور:
- أضربهم ولا أرى معاوية * الابرج العين العظيم الحاوية -
- هوت به في النار أم هاوية * جاوره فيها كلاب عاويه -
- أعوى طغاما لا هداه هاديه -
وقال معاوية لعمرو بن العاص: أ ما ترى يا أبا عبد الله إلى ما قد
وقعنا فيه كيف ترى أهل العراق غدا صانعين أنا لفي خطر عظيم فقال
عمرو إن أصبحت ربيعة منعطفين حول علي تعطف الإبل حول فحلها
لقيت منهم جلادا صادقا وبأسا شديدا قال أبخولتك تخوفني يا أبا عبد الله
قال إنك سألتني فأجبتك.
فلما أصبحوا في اليوم العاشر أصبحوا وربيعة محدقة بعلي ع
احداق بياض العين بسوادها قال عتاب بن لقيط البكري حيث انتهى علي
إلى رايات ربيعة إذا أصيب علي فيكم افتضحتم وقد لجا إلى راياتكم وقال
لهم شقيق بن ثور يا معشر ربيعة ليس لكم عذر في العرب إن أصيب علي
فيكم ومنكم رجل حي، إن منعتموه فحمد الحياة لبستموه فقاتلوا قتالا
شديدا لم يكن قبله مثله حين جاءهم علي. وقام خالد بن المعمر فنادى من
يبايع على الموت ويشري نفسه لله فبايعه سبعة آلاف على أن لا ينظر رجل
منهم خلفه حتى يرد سرادق معاوية فاقتتلوا قتالا شديدا وقد كسروا جفون
سيوفهم فلما نظر إليهم معاوية قد اقبلوا قال:
- إذا قلت قد ولت ربيعة أقبلت * كتائب منهم كالجبال تجالد -
ثم قال معاوية لعمرو ما ترى قال أرى أن لا تحنث أخوالي اليوم
فخلى معاوية عنهم وعن سرادقه وخرج فارا عنه لائذا إلى بعض مضارب
العسكر فدخل فيه وبعث معاوية إلى خالد بن المعمر انك قد ظفرت ولك
امرة خراسان إن لم تتم فطمع خالد في ذلك ولم يتم فامره معاوية حين بايعه
الناس على خراسان فمات قبل أن يصل إليها فإذا صح ذلك فقد خسر
الدنيا والآخرة وفي فرار معاوية بصفين يقول النجاشي من أبيات:
- ونجى ابن حرب سابح ذو علالة * اجش هزيم والرماح دواني -
- إذا قلت أطراف الرماح ينلنه * مرته به الساقان والقدمان -
- حسبت طعان الأشعرين ومذحج * وهمدان أكل الزبد بالصرفان -
- فما قتلت عك ولخم وحمير * وغيلان الا يوم حرب عوان -
- وما دفنت قتلى قريش وعامر * بصفين حتى حكم الحكمان -
- غشيناهم يوم الهرير بعصبة * يمانية كالسيل سيل عران -
- فأصبح أهل الشام قد رفعوا القنا * عليها كتاب الله خير قران -
- ونادوا عليا يا ابن عم محمد * أ ما تتقي أن يهلك الثقلان -
- فمن ير خيلينا غداة تلاقيا * يرى جبلي جيلا ينتطحان -
ثم أن عليا ع صلى الغداة ثم زحف إليهم فلما بصروه استقبلوه
بزحوفهم فاقتتلوا قتالا شديدا ثم أن خيل أهل الشام حملت على خيل أهل
العراق فاقتطعوا من أصحاب على ألف رجل أو أكثر فأحاطوا بهم وحالوا
بينهم وبين أصحابهم فنادى علي أ لا رجل يشري نفسه لله فاتاه رجل من
جعف يقال له عبد العزيز بن الحارث على فرس أدهم كأنه غراب مقنعا
(٤٩٤)

بالحديد لا يرى منه إلا عيناه فقال يا أمير المؤمنين مرني بامرك فوالله ما
تأمرني بشئ إلا صنعته فقال علي ع:
- سمحت بأمر لا يطاق حفيظة * وصدقا واخوان الحفاظ قليل -
- جزاك اله الناس خيرا فقد وفت * يداك بفضل ما هناك جزيل -
أبا الحارث شد الله ركنك احمل على أهل الشام حتى تأتي أصحابك
فتقول لهم أمير المؤمنين يقرأ عليكم السلام ويقول لكم هللوا وكبروا من
ناحيتكم ونهلل نحن ونكبر من هاهنا احملوا من جانبكم ونحمل نحن من
جانبنا على أهل الشام فضرب الجعفي فرسه حتى إذا قام على السنابك حمل
على أهل الشام المحيطين بأصحاب علي فطاعنهم ساعة وقاتلهم فانفرجوا له
حتى أتى أصحابه فلما رواه استبشروا به وفرحوا وقالوا ما فعل أمير المؤمنين
قال: صالح، يقرئكم السلام ويقول لكم هللوا وكبروا واحملوا حملة رجل
واحد من ذلك الجانب ونهلل نحن من جانبنا ونكبر ونحمل من خلفكم
فهللوا وكبروا وهلل علي وأصحابه من ذلك الجانب وحملوا على أهل الشام
من هناك وحمل علي من هاهنا في أصحابه فانفرج أهل الشام عنهم فخرجوا
وما أصيب منهم رجل واحد ولقد قتل من فرسان أهل الشام يومئذ زهاء
سبعمائة رجل وقال علي ع من أعظم الناس غناء؟ قالوا أنت يا أمير
المؤمنين قال كلا ولكنه الجعفي.
قتال مضر بصفين
وذكروا أن عليا ع كان لا يعدل بربيعة أحدا من الناس فشق
ذلك على مضر وأظهروا لهم القبيح وأبدوا ذات أنفسهم فقال حضين بن
المنذر شعرا أغضب مضرا فيه:
- رأت مضر صارت ربيعة دونهم * شعار أمير المؤمنين وذا الفضل -
- فابدوا إلينا ما تجن صدورهم * علينا من البغضا وذاك لها أصل -
- وأنا أناس خصنا الله بالتي * رآنا لها أهلا وأنتم لها أهل -
- فابلوا بلانا أو أقروا بفضلنا * ولن تلحقونا الدهر ما حنت الإبل -
فغضبوا من شعره فقام أبو الطفيل عامر بن واثلة الكناني وعمير بن
عطارد بن حاجب بن زرارة التميمي ووجوه بني تميم وقبيصة بن جابر
الأسدي في وجوه بني أسد وعبيد الله بن عامر العامري في وجوه هوازن
فاتوا عليا ع فتكلم أبو الطفيل فقال يا أمير المؤمنين أنا والله ما نحسد
قوما خصهم الله منك بخير إن حمدوه وشكروه وإن هذا الحي من ربيعة قد
ظنوا أنهم أولى بك منا وإنك لهم دوننا فاعفهم عن القتال أياما واجعل لكل
امرئ منا يوما يقاتل فيه فانا ان اجتمعنا اشتد عليك بلاؤنا فقال علي
أعطيتم ما طلبتم وذلك يوم الأربعاء وأمر ربيعة أن تكف عن القتال وكانت
بإزاء اليمن من صفوف أهل الشام فغدا عامر بن واثلة في قومه من كنانة
وهم جماعة عظيمة فتقدم أمام الخيل وهو يقول طاعنوا وضاربوا ثم حمل وهو
يقول:
- قد صبرت في حربها كنانه * والله يجزيها بها جنانه -
- من أفرع الصبر عليه زانه * أو غلب الجبن عليه شانه -
- أو كفر الله فقد أهانه * غدا يعض من عصى بنانه -
فاقتتلوا قتالا شديدا ثم انصرف أبو الطفيل إلى علي ع فقال يا
أمير المؤمنين انك نباتنا أن أشرف القتل الشهادة واحظى الأمر الصبر وقد
والله صبرنا حتى أصبنا فقتيلنا شهيد وحينا ثائر فاطلب بمن بقي ثار من
مضى فانا وإن كان قد ذهب صفونا وبقي كدرنا فان لنا دينا لا يميل به
الهوى ويقينا لا تزحمه الشبهة فاثنى علي عليه خيرا. ثم غدا يوم الجمعة
عمير بن عطارد بجماعة من بني تميم وهو يومئذ سيد مضر من أهل الكوفة
فقال يا قوم إني اتبع آثار أبي الطفيل وتتبعون آثار كنانة وتقدم برايته وهو يقول:
- قد ضاربت في حربها تميم * إن تميما حظها عظيم -
- لها حديث ولها قديم * إن الكريم نسله كريم -
- إن لم تردهم رايتي فلوموا * دين قويم وهدى سليم -
فطعن برايته حتى خضبها دما وقاتل أصحابه قتالا شديدا حتى أمسوا
وانصرف عمير إلى علي ع وعليه سلاحه فقال يا أمير المؤمنين قد كان
ظني بالناس حسنا وقد رأيت منهم فوق ظني بهم قاتلوا من كل جهة وبلغوا
جهدهم من عدوهم. ثم غدا يوم السبت قبيصة بن جابر الأسدي في بني
أسد وهم حي الكوفة بعد همدان فقال يا معشر بني أسد أما انا فلا اقصر
دون صاحبي وأما أنتم فذلك إليكم ثم تقدم برايته وهو يقول:
- قد حافظت في حربها بنو أسد * ما مثلها تحت العجاج من أحد -
- أقرب من يمن واناى من نكد * كأننا ركن ثبير أو أحد -
- لسنا بأوباش ولا بيض البلد * لكننا المحة من ولد سعد -
- كنت ترانا في العجاج كالأسد * يا ليت روحي قد نأى عن الجسد -
فقاتل القوم ولم يكونوا على ما يريد في الجهد فعدلهم على ما يحب
فظفر ثم أتى عليا ع فقال يا أمير المؤمنين ان استهانة النفوس في الحرب
أبقى لها والقتل خير لها في الآخرة. ثم غدا يوم الأحد عبد الله بن الطفيل
العامري وكان سيد بني عامر فغدا بجماعة هوازن وهو يقول:
- قد ضاربت في حربها هوازن * أولاك قوم لهم محاسن -
- حبي لهم حزم وجاش ساكن * طعن مدارك وضرب واهن -
- هذا وهذا كل يوم كائن * لم يخبروا عنا ولكن عاينوا -
واشتد القتال بينهم حتى الليل ثم انصرف عبد الله بن الطفيل فقال يا
أمير المؤمنين لقيت والله بقومي اعدادهم من عدوهم فما ثنوا أعنتهم حتى
طعنوا في عدوهم ثم رجعوا إلي فاستكرهوني على الرجوع إليهم
واستكرهتهم على الانصراف إليك فأبوا ثم عادوا فاقتتلوا فاثنى عليهم علي
خيرا وفخرت المضرية بما كان منهم على الربعية وانتصفوا من ربيعة وقال
عامر بن واثلة في ذلك:
- حامت كنانة في حربها * وحامت تميم وحامت أسد -
- وحامت هوازن يوم اللقاء * فما خام منا ومنهم أحد -
- لقينا الفوارس يوم الخميس * والعيد فالسبت ثم الأحد -
- وامدادهم خلف أذنابهم * وليس لنا من سوانا مدد -
- فلما تنادوا بآبائهم * دعونا معدا ونعم المعد -
- فظلنا نفلق هاماتهم * ولم نك فيها ببيض البلد -
- ونعم الفوارس يوم اللقاء * فقل في عديد وقل في عدد -
- وقل في طعان كفرع الدلاء * وضرب عظيم كنار الوقد -
- ولكن عصفنا بهم عصفة * وفي الحرب يمن وفيها نكد -
- طحنا الفوارس وسط العجاج * وسقنا الزعانف سوق النقد -
- وقلنا علي لنا والد * ونحن له طاعة كالولد -
(٤٩٥)

وخطب علي ع الناس يومئذ بصفين فقال في آخر خطبته:
وابن عم نبيكم معكم بين أظهركم يدعوكم إلى طاعة ربكم ويعمل بسنة
نبيكم ص فلا سواء من صلى قبل كل ذكر ولم يسبقني بصلاتي مع رسول الله
ص أحد وانا من أهل بدر ومعاوية طليق ابن طليق والله انكم لعلى حق
وانهم لعلى باطل فلا يكونن القوم على باطلهم اجتمعوا عليه وتتفرقون عن
حقكم حتى يغلب باطلهم قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم فإن لم تفعلوا
يعذبهم بأيدي غيركم. فاجابه أصحابه فقالوا يا أمير المؤمنين انهض بنا إلى
عدونا وعدوك إذا شئت فوالله ما نريد بك بدلا نموت معك ونحيا معك
فقال لهم والذي نفسي بيده لنظر إلي رسول الله ص اضرب قدامه بسيفي
فقال:
- لا سيف الا ذو الفقار * ولا فتى الا علي -
وقال يا علي أنت مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي
وموتك وحياتك يا علي معي والله ما كذبت ولا كذبت ولا ضللت ولا ضل
بي وما نسيت ما عهد إلي واني لعلى بينة من ربي واني لعلى الطريق الواضح
القطه لقطا ثم نهض إلى القوم فاقتتلوا من حيث طلعت الشمس حتى غاب
الشفق وما كانت صلاة القوم الا تكبيرا
فعل كريب بن الصباح وقتله
وبرز رجل من حمير من آل ذي يزن اسمه كريب بن الصباح ليس في
أهل الشام يومئذ رجل أشهر شدة بالباس منه ثم نادى من يبارز فبرز إليه
المرتفع بن الوضاح الزبيدي فقتل المرتفع ثم نادى من يبارز فبرز إليه
الحارث بن الجلاح فقتله ثم نادى من يبارز فبرز إليه عايذ بن مسروق
الهمداني فقتل عايذا ثم رمى بأجسادهم بعضها فوق بعض ثم قام عليها
بغيا واعتداء ثم نادى هل بقي من مبارز فبدر إليه علي ع ثم ناداه
ويحك يا كريب اني أحذرك وأدعوك إلى سنة الله وسنة رسوله ويحك لا
يدخلنك ابن آكلة الأكباد النار فكان جوابه ان قال ما أكثر ما قد سمعنا
هذه المقالة منك فلا حاجة لنا فيها أقدم إذا شئت من يشتري سيفي وهذا
اثره فقال علي ع لا حول ولا قوة الا بالله ثم مشى إليه فلم يمهله ان
ضربه ضربة خر منها قتيلا يتشحط في دمه ثم نادى من يبارز فبرز إليه
الحارث بن وداعة الحميري فقتل الحارث ثم نادى من يبارز فبرز إليه
المطاع بن المطلب العبسي فقتل مطاعا ثم نادى من يبارز فلم يبرز إليه أحد
ثم إن عليا ع نادى يا معشر المسلمين الشهر الحرام بالشهر الحرام
والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا بمثل ما اعتدي عليكم واتقوا
الله واعلموا ان الله مع الصابرين. ويحك يا معاوية هلم فبارزني ولا يقتلن
الناس فيما بيننا فقال عمرو اغتنمه منتهزا فقد قتل ثلاثة من ابطال العرب
واني أطمع ان يظفرك الله به فقال معاوية ويحك يا عمرو والله ان تريد الا
ان اقتل فتصيب الخلافة بعدي اذهب إليك فليس مثلي يخدع.
وقام عمر بن العاص قبل الوقعة العظمى منحنيا على قوس يحرض
أصحابه وقال في آخر خطبته انا نحتسب عند الله ما أصبح في أمة محمد ص
من اشتعال نيرانها واضطراب حبلها ووقوع بأسها بينها فانا لله وانا إليه
راجعون أ ولا تعلمون ان صلاتنا وصلاتهم وصيامنا وصيامهم وحجنا
وحجهم وقبلتنا وقبلتهم وديننا ودينهم واحد ولكن الأهواء متشتتة اللهم
أصلح هذه الأمة بما أصلحت به أولها واحفظ فيها نبيها مع أن القوم قد
وطئوا بلادكم وبغوا عليكم فجدوا في قتال عدوكم ثم جلس.
وقام عبد الله بن العباس خطيبا فقال في آخر خطبته: حتى كان فيما
اضطرب من حبل هذه الأمة وانتشر من امرها ان ابن آكلة الأكباد وقد وجد
من طغام أهل الشام أعوانا على علي بن أبي طالب ابن عم رسول الله
وصهره وأول من ذكر صلى معه بدري قد شهد مع رسول الله ص كل
مشاهده التي فيها الفضل ومعاوية وأبو سفيان مشركان يعبدان الأصنام لقد
قاتل علي مع رسول الله ص وعلي يقول صدق الله ورسوله ومعاوية وأبو
سفيان يقولان كذب الله ورسوله فما معاوية في هذه بأبر ولا اتقى ولا أرشد
ولا أصوب منه في تلكم والله انكم لعلى الحق وان القوم لعلى الباطل فلا
يكونن أولى بالجد في باطلهم منكم في حقكم أقول قولي هذا واستغفر الله لي
ولكم.
وقام عمار بن ياسر فقال في جملة كلامه: امضوا عباد الله إلى قوم
يطلبون فيما يزعمون بدم عثمان والله ما أظنهم يطلبون دمه ولكن القوم
ذاقوا الدنيا فاستحبوها واستمرؤوها وعلموا لو أن الحق لزمهم لحال بينهم
وبين ما يرغبون فيه منها ولم يكن للقوم سابقة في الاسلام يستحقون بها
الطاعة والولاية فخدعوا أتباعهم بان قالوا قتل امامنا مظلوما ليكونوا بذلك
جبابرة وملوكا وتلك مكيدة قد بلغوا بها ما ترون ولولا هي ما بايعهم من
الناس رجلان.
قتال عمار بصفين
ثم مضى عمار ومضى معه أصحابه فلما دنا من عمرو بن العاص قال
يا عمرو بعت دينك بمصر تبا لك وطالما بغيت الاسلام عوجا ثم حمل عمار
وهو يقول:
- صدق الله وهو للصدق أهل * وتعالى ربي وكان جليلا -
- رب عجل شهادة لي بقتل * في الذي قد أحب قتلا جميلا -
- مقبلا غير مدبر ان للقتال * على كل ميتة تفضيلا -
- انهم عند ربهم في جنان * يشربون الرحيق والسلسبيلا -
- من شراب الأبرار خالطه السمك * وكأسا مزاجها زنجبيلا -
ثم قال اللهم انك لتعلم أني لو أعلم ان رضاك ان اقذف بنفسي في
هذا البحر لفعلت اللهم انك تعلم اني لو اعلم أن رضاك ان أضع ظبة
سيفي في بطني ثم انحي عليها حتى يخرج من ظهري لفعلت ولو اعلم اليوم
عملا هو أرضى لك من جهاد هؤلاء الفاسقين لفعلته. ونادى عمار بن
ياسر يومئذ أين من يبغي رضوان به ولا يؤوب إلى مال ولا ولد فاتته عصابة
من الناس فقال يا أيها الناس اقصدوا بنا نحو هؤلاء القوم الذين يبغون دم
عثمان.
مقتل هاشم المرقال
ودفع علي ع الراية إلى هاشم بن عتبة بن أبي وقاص وكان عليه
درعان فقال له علي كهيئة المازح يا هاشم أ ما تخشى من نفسك أن تكون
أعور جبانا قال ستعلم يا أمير المؤمنين والله لألفن بين جماجم القوم لف رجل
ينوي الآخرة وفي رواية أنه قال له يا هاشم حتى متى تأكل الخبز وتشرب
الماء فاخذ رمحا فهزه فانكسر ثم أخذ آخر فوجده جاسيا فألقاه ثم دعا برمح
لين فشد به لواءه ولما دفع علي الراية إلى هاشم قال له رجل من بكر بن
وائل من أصحاب هاشم أقدم هاشم يكررها ثم قال ما لك يا هاشم قد
انتفخ سحرك أ عورا وجبنا؟! قال من هذا قالوا فلان قال أهلها وخير منها
(٤٩٦)

إذا رأيتني قد صرعت فخذها ثم قال لأصحابه شدوا شسوع نعالكم وشدوا
ازركم فإذا رأيتموني قد هززت الراية ثلاثا فاعلموا ان أحدا منكم لا
يسبقني إليها ثم نظر هاشم إلى عسكر معاوية فرأى جمعا عظيما فقال من
أولئك قالوا جند أهل المدينة وقريش قال قومي لا حاجة لي في قتالهم قال
من عند هذه القبة البيضاء قيل معاوية وجنده قال فاني أرى دونهم اسودة (١)
قالوا ذاك عمرو بن العاص وابناه واخذ الراية فهزها فقال له رجل من
أصحابه امكث قليلا ولا تعجل فقال هاشم:
قد اكثرا لومي وما اقلا * اني شريت النفس لن اعتلا -
- أعور يبغي أهله محلا * لا بد ان يغل أو يغلا -
- قد عالج الحياة حتى ملا * أشلهم بذي الكعوب شلا -
وفي رواية أنه قال:
- أشلهم بذي الكعوب شلا * مع ابن عم احمد المعلى -
- فيه الرسول بالهدى استهلا * أول من صدقه وصلى -
- فجاهد الكفار حتى أبلى -
وجعل عمار بن ياسر يتناوله بالرمح ويقول أقدم يا أعور: لا خير في
أعور لا يأتي الفزع وكان هاشم عالما بالحرب فيتقدم فيركز الراية فجعل
عمرو بن العاص يقول اني لارى لصاحب الراية السوداء عملا لئن دام على
هذا ليفنين العرب اليوم فاقتتلوا قتالا شديدا وجعل عمار يقول صبرا عباد
الله الجنة تحت ظلال البيض وكان لواء أهل الشام مع أبي الأعور السلمي
ولم يزل عمار ينخسه حتى شب القتال وزحف هاشم بالراية يرقل بها ارقالا
وكان يسمى المرقال وزحف الناس بعضهم إلى بعض والتقى الزحفان فاقتتل
الناس قتالا شديدا لم يسمع الناس بمثله وكثرت القتلى في الفريقين كليهما
قال بعض الرواة لما التقينا باهل الشام في ذلك اليوم وجدناهم خمسة
صفوف قد قيدوا أنفسهم بالعمائم فقتلنا صفا صفا حتى قتلنا ثلاثة صفوف
وخلصنا إلى الصف الرابع ما على الأرض شامي ولا عراقي يولي دبره. ثم إن
الأزد وبجيلة كشفوا همدان غلوة حتى الجأوهم إلى التل فصعدوا عليه
فشدت عليهم الأزد وبجيلة حتى أجدروهم منه ثم عطفت عليهم همدان
حتى الجأوهم إلى أن تركوا مصافهم وقتل من الأزد وبجيلة يومئذ ثلاثة
آلاف واقتتل الناس قتالا شديدا لم يسمع بمثله وكثرت القتلى حتى إن كان
الرجل لينشد طنب فسطاطه بيد الرجل أو برجله قال الأشعث لقد رأيت
أخبية أهل صفين وأروقتهم وما منها خباء ولا رواق ولا فسطاط الا مربوطا
بيد رجل أو رجله. قال الأحنف بن قيس اني لواقف إلى جانب عمار بن
ياسر فتقدمنا حتى إذا دنونا من هاشم بن عتبة قال له عمار احمل فداك أبي
وأمي ونظر عمار إلى رقة في الميمنة فقال له هاشم رحمك الله يا عمار انك
رجل تأخذك خفة في الحرب و اني انما ازحف باللواء زحفا وارجو ان أنال
بذلك حاجتي واني ان خففت لم آمن الهلكة وقال معاوية لعمرو بن العاص
ويحك ان اللواء اليوم مع هاشم بن عتبة وكان من قبل يرقل به ارقالا وان
زحف به اليوم انه لليوم الأطول لأهل الشام وان زحف في عنق من أصحابه
اني لاطمع ان يقتطع فلم يزل به عمار حتى حمل فبصر به معاوية فوجه إليه
حماة أصحابه وكان في ذلك الجمع عبد الله بن عمرو بن العاص ومعه سيفان
قد تقلد واحدا وهو يضرب بالآخر وأطافت به خيل علي فقال عمرو يا الله
يا رحمن ابني ابني قال معاوية اصبر اصبر فإنه لا باس عليه فقال عمرو ولو
كان يزيد إذا لصبرت ولم يزل حماة أهل الشام يذبون عنه حتى نجا هاربا
على فرسه ومن معه. ودعا هاشم بن عتبة في الناس عند المساء الا من كان
يريد الله والدار الآخرة فليقبل فشد في عصابة من أصحابه على أهل الشام
مرارا فليس من وجه يحمل عليهم الا صبروا له فقال لأصحابه لا يهولنكم
ما ترون من صبرهم فما ترون منهم الا حمية العرب وانهم لعلى الضلال
وانكم لعلى الحق يا قوم اصبروا وصابروا ثم امشوا بنا إلى عدونا على تؤدة
رويدا واذكروا الله ولا يسلم رجل أخاه ولا تكثروا الالتفات وجالدوهم
محتسبين حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين فمضى في عصابة من القراء
فقاتل قتالا شديدا وهو وأصحابه حتى رأوا بعض ما يسرون به إذ خرج
عليهم شاب وهو يقول:
- انا ابن أرباب الملوك غسان * والدائن اليوم بدين عثمان -
- أنبأنا اقوامنا بما كان * ان عليا قتل ابن عفان -
ثم شد فلا ينثني بضرب سيفه ثم يلعن ويشتم ويكثر الكلام فقال له
هاشم ان هذا الكلام بعده الخصام وان هذا القتال بعده الحساب فاتق الله
فإنك راجع إلى ربك فسائلك عن هذا الموقف قال فاني أقاتلكم لان
صاحبكم لا يصلي كما ذكروا وانكم لا تصلون وأقاتلكم ان صاحبكم قتل
خليفتنا وأنتم وازرتموه على قتله فقال له هاشم ما أنت وذاك انما قتله
أصحاب محمد وهم أصحاب الدين وأولي بالنظر في أمور المسلمين وما أظن أن
أمر هذه الأمة وامر هذا الدين عناك طرفة عين قط قال الفتى أجل والله
لا اكذب فان الكذب يضر ولا ينفع ويشين ولا يزين فقال له هاشم ان هذا
الامر لا علم لك به فخله وأهل العلم به قال أظنك والله نصحتني وقال له
هاشم واما قولك ان صاحبنا لا يصلي فهو أول من صلى لله مع رسول الله
ص وأفقهه في دين الله وأولاه برسول الله واما من ترى معه فكلهم قارئ
الكتاب لا ينامون الليل تهجدا فلا يغررك عن دينك الأشقياء قال الفتى يا
عبد الله اني لأظنك امرأ صالحا فهل تجد لي من توبة قال نعم تب إلى الله
يتب عليك فإنه يقبل التوبة من عباده ويعفو عن السيئات فذهب الفتى بين
الناس راجعا فقال له رجل من أهل الشام خدعك العراقي قال لا ولكن
نصحني وقاتل هاشم قتالا شديدا حتى أتت كتيبة لتنوخ فشدوا على الناس
فقاتلهم حتى قتل تسعة نفر أو عشرة وحمل عليه الحارث بن المنذر التنوخي
فطعنه فسقط وبعث إليه علي ع ان قدم لواءك فقال للرسول انظر إلى
بطني فإذا هو قد انشق فمر به رجل وهو صريع بين القتلى فقال له اقرأ أمير
المؤمنين السلام ورحمة الله وبركاته وقل له أنشدك بالله الا أصبحت وقد
ربطت مقاود خيلك بأرجل القتلى فان الدبرة تصبح غدا لمن غلب على
القتلى فأخبر الرجل عليا بذلك فسار في بعض الليل حتى جعل القتلى خلف
ظهره وكانت الدبرة له عليهم فاخذ الراية رجل من بكر بن وائل ورفع
هاشم رأسه فإذا عبيد الله بن عمر قتيلا إلى جانبه فحبا حتى دنا منه فعض
على ثديه حتى بينت فيه أنيابه ثم مات هاشم وهو على صدر عبيد الله بن
عمر وضرب البكري الذي معه الراية فسقط فرفع رأسه فابصر عبيد الله بن
عمر قريبا منه فحبا إليه حتى عض على ثديه الآخر فتبينت أنيابه فيه ومات
أيضا فوجدا جميعا على صدر عبيد الله بن عمر هاشم والبكري وفرح أهل الشام
بمقتل هاشم فاخذ الراية عبد الله بن هاشم وخطب فقال: يا أيها
الناس ان هاشما كان عبدا من عباد الله الذين قدر أرزاقهم وكتب آثارهم
واحصى أعمالهم وقضى آجالهم فدعاه الله ربه الذي لا يعصى فاجابه

(١) جمع سواد وهو الشخص.
(٤٩٧)

وسلم لأمر الله وجاهد في طاعة ابن عم رسول الله وأول من آمن به
وأفقههم في دين الله المخالف لأعداء الله المستحلين ما حرم الله الذين عملوا
في البلاد بالجور والفساد واستحوذ عليهم الشيطان فزين لهم الاثم والعدوان
فحق عليكم جهاد من خالف سنة رسول الله ص وعطل حدود الله وخالف
أولياء الله فجودوا بمهج أنفسكم في طاعة الله في هذه الدنيا تصيبوا الآخرة
والمنزل الاعلى والملك الذي لا يبلى فلو لم يكن ثواب ولا عقاب ولا
جنة ولا نار لكان القتال مع علي أفضل من القتال مع معاوية ابن آكلة الأكباد فكيف
وأنتم ترجون ما ترجون. ولما قتل هاشم جزع الناس عليه جزعا شديدا
وأصيب معه عصابة من أسلم من القراء فمر عليهم ع وهم قتلى
حوله فقال:
- جزى الله خيرا عصبة اسلمية * صباح الوجوه صرعوا حول هاشم -
- يزيد وعبد الله بشر ومعبد * وسفيان وابنا هاشم ذي المكارم -
- وعروة لا يبعد ثناه وذكره * إذا اخترطت يوما خفاف الصوارم -
وقال عبد الله يرثي أباه هاشما بهذا الرجز:
- يا هاشم بن عتبة بن مالك * أعزز بشيخ من قريش هالك -
- تخبطه الخيلات بالسنابك * في اسود من نقعهن حالك -
- ابشر بحور العين في الأرائك * والروح والريحان عند ذلك -
وقال أبو الطفيل عامر بن واثلة يرثي هاشما:
- يا هاشم الخير جزيت الجنة * قاتلت في الله عدو السنة -
- والتاركي الحق وأهل الظنه * أعظم بما فزت به من منه -
- صيرني الدهر كأني شنه * يا ليت أهلي قد علوني رنه -
- من حوبة وعمة وكنه -
قال نصر والحوبة القرابة يقال لي في بني فلان حوبة اي قربى.
مقتل عمار بن ياسر
كان على عمار يوم صفين درع وهو يقول: أيها الناس الرواح إلى
الجنة. وقال حين نظر إلى راية عمرو بن العاص والله ان هذه الراية قد
قاتلتها ثلاث عركات وما هذه بأرشدهن ثم قال:
- نحن ضربناكم على تنزيله * فاليوم نضربكم على تأويله -
- ضربا يزيل الهام عن مقيله * ويذهل الخليل عن خليله -
- أو يرجع الحق إلى سبيله -
ثم استسقى وقد اشتد ظمأه فاتته امرأة طويلة اليدين قال الراوي
والله ما أدري أ عس معها أو إداوة فيها ضياح من لبن فقال حين شرب:
الجنة تحت الأسنة اليوم القى الأحبة محمدا وحزبه والله لو ضربونا حتى
يبلغوا بنا سعفات هجر لعلمنا انا على الحق وهم على باطل. وفي رواية ان
الذي جاءه باللبن غلام له اسمه راشد ثم حمل وحمل عليه ابن جون
السكسكي وأبو العادية الفزاري فاما أبو العادية فطعنه واما ابن جون فإنه
احتز رأسه. فكان لا يزال رجل يجئ فيقول لمعاوية وعمرو انا قتلت عمارا
فقال له عمرو فما كان آخر منطقه قال سمعته يقول: اليوم القى الأحبة محمدا
وحزبه فقال له عمرو صدقت أنت صاحبه واما والله ما ظفرت يداك ولكن
أسخطت ربك. واحتج رجلان بصفين في سلب عمار بن ياسر وفي قتله
فاتيا عبد الله بن عمرو بن العاص فقال لهما ويحكما اخرجا عني فان رسول
الله ص قال أولعت قريش بعمار ما لهم ولعمار يدعوهم إلى الجنة ويدعونه
إلى النار قاتله وسالبه في النار قال السدي فبلغني ان معاوية قال انما قتله من
أخرجه يخدع بذلك طغام أهل الشام. وقال مالك الأشتر ذكره نصر:
- نحن قتلنا حوشبا * لما غدا قد اعلما -
- وذا الكلاع قبله * ومعبدا إذ اقدما -
- ان تقتلوا منا أبا ال‍ * يقظان شيخا مسلما -
- فقد قتلنا منكم * سبعين رأسا مجرما -
- اضحوا بصفين وقد * لاقوا نكالا مؤتما -
وقال عمرو بن العاص:
- ونحن قتلنا هاشما وابن ياسر * ونحن قتلنا ابني بديل تعسفا -
وبعث علي خيلا ليحبسوا عن معاوية مادة فبعث معاوية الضحاك بن
قيس الفهري في خيل إلى تلك الخيل فأزالوها وجاءت عيون علي فأخبرته بما
قد كان فقال لأصحابه ما ترون فاختلفوا فلما رأى اختلافهم امرهم بالغدو
إلى القوم فغاداهم القتال فانهزم أهل الشام وغلب أهل العراق على قتل أهل
حمص وغلب أهل الشام على قتلى أهل العالية وانهزم عتبة بن أبي سفيان
عشرين فرسخا عن موضع المعركة حتى اتى الشام فقال النجاشي من قصيدة
أولها:
- لقد أمعنت يا عتب الفرارا * وأورثك الوغى خزيا وعارا -
- فلا يحمد خصاك سوى طمر * إذا أجريته انهمر انهمارا -
ثم إن عليا ع أمر مناديه فنادى في الناس ان اخرجوا إلى مصافكم
فخرج الناس إلى مصافهم واقتتلوا واقبل أبو الأعور السلمي يقول:
- اضربهم ولا ارى عليا * وكفى بهذا حزنا عليا -
وقعة الخميس
قال نصر ثم كانت بين الفريقين الوقعة المعروفة بوقعة الخميس قال
القعقاع بن الأبرد الطهوي والله إني لواقف قريبا من علي يوم وقعة الخميس
وقد التفت مذحج وكانوا في ميمنة علي وعك وجذام ولخم والأشعرون كانوا
مستبصرين في قتال علي ولقد والله رأيت ذلك اليوم من قتالهم وسمعت من
وقع السيوف على الرؤوس وخبط الخيول بحوافرها في الأرض وفي القتلى ما
الجبال تهد ولا الصواعق تصعق بأعظم هولا في الصدور من ذلك الصوت
نظرت إلى علي وهو قائم فدنوت منه فسمعته يقول لا حول ولا قوة الا بالله
والمستعان الله ثم نهض حين قام قائم الظهيرة وهو يقول: ربنا افتح بيننا
وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين وحمل على الناس بنفسه وسيفه مجرد
بيده فلا والله ما حجز بيننا وبينهم الا رب العالمين في قريب من ثلث الليل
وقتلت يومئذ اعلام العرب وكان في رأس علي ثلاث ضربات وفي وجهه
ضربتان قال نصر وقد قيل إن عليا لم يجرح قط وقتل في هذا اليوم خزيمة بن
ثابت ذو الشهادتين فقالت ابنته ضبيعة ترثيه:
- عين جودي على خزيمة بالدمع * قتيل الأحزاب يوم الفرات -
- قتلوا ذا الشهادتين عتوا * أدرك الله منهم بالترات -
- قتلوه في فتية غير عزل * يسرعون الركوب للدعوات -
- نصروا احمد الموفق للعد * ل ودانوا بذاك حتى الممات -
- لعن الله معشرا قتلوه * ورماهم بالخزي والآفات -
(٤٩٨)

وروى نصر عن أبي سليمان الحضرمي وكان حضر صفين مع علي ع
إن الفيلقين التقيا بصفين واضطربوا بالسيوف ليس معهم غيرها إلى
نصف الليل. وعن زياد بن النضر وكان على مقدمة علي ع قال شهدت
مع علي بصفين فاقتتلنا ثلاثة أيام وثلاث ليال حتى تكسرت الرماح ونفدت
السهام ثم صارت إلى المسايفة فاجتلدنا بها إلى نصف الليل حتى صرنا نحن
وأهل الشام في اليوم الثالث يعانق بعضنا بعضا وقد قاتلت يومئذ بجميع
السلاح فلم يبق شئ من السلاح الا قاتلت به حتى تحاثينا بالتراب
وتكادمنا حتى صرنا قياما ينظر بعضنا إلى بعض ما يستطيع واحد من
الفريقين أن ينهض إلى صاحبه ولا يقاتل فلما كان نصف الليل من الليلة
الثالثة انحاز معاوية وخيله من الصفو وغلب علي ع على القتلى واقبل على
أصحاب محمد وأصحابه فدفنهم وقد قتل كثير منهم وقتل من أصحاب
معاوية أكثر وقال عمرو بن العاص:
- إذا تخازرت وما بي من خزر * ثم خبأت العين من غير عوو -
- ألفيتني ألوي بعيد المستمر * ذا صولة في المصمئلات الكبر -
- احمل ما حملت من خير وشر * كالحية الصماء في أصل الصخر -
وقال محمد بن عمرو بن العاص:
- لو شهدت جمل مقامي وموقفي * بصفين يوما شاب منها الذوائب -
- غداة غدا أهل العراق كأنهم * من البحر موج لجه متراكب -
- وجئناهم نمشي صفوفا كأننا * سحاب خريف صفقته الجنائب -
- فطار إلينا بالرماح كمأتهم * وطرنا إليهم والسيوف قواضب -
- فدارت رحانا واستدارت رحاهم * سراة النهار ما تولى المناكب -
- إذا انا قلت استهزموا برزت لنا * كتائب حمر وارجحنت كتائب -
- فقالوا نرى من رأينا ان تبايعوا * عليا فقلنا بل نرى أن تضاربوا -
- فابنا وقد نالوا سراة رجالنا * وليس لما لاقوا سوى الله حاسب -
- كان تلالي البيض فينا وفيهم * تلألؤ برق في تهامة ثاقب -
فرد عليه محمد بن الحنفية:
- لو شهدت جمل مقامك أبصرت * مقام لئيم وسطته الكتائب -
- أ تذكر يوما لم يكن لك فخره * وقد ظهرت فيها عليك الجلائب -
- وأعطيتمونا ما نقمتم أذلة * على غير تقوى الله والدين واصب -
وجاء علقمة بن تميم الأنصاري إلى علي ع فقال يا أمير
المؤمنين إن عمرو بن العاص ينادي:
- انا الغلام القرشي المؤتمن * الماجد الأبلج ليث كالشطن -
- يرضى بي الشام إلى ارض عدن * يا قادة الكوفة من أهل الفتن -
- يا أيها الاشراف من أهل اليمن * أضربكم ولا ارى أبا حسن -
- أعني عليا وابن عم المؤتمن * كفى بهذا حزنا من الحزن -
فضحك علي ثم قال اما والله لقد حاد عدي الله عني وإنه لبمكاني
عالم كما قال العربي غير لوهي ترقعين وأنت مبصرة (١) ويحكم أروني
مكانه لله أبوكم وخلاكم ذم وحمل غلامان من الأنصار جميعا اخوان حتى
انتهيا إلى سرادق معاوية فقتلا عنده وأقبلت الكتائب بعضها نحو بعض
فاقتتلت قياما في الركب لا يسمع السامع الا وقع السيوف على البيض
والدرق وقال عمرو بن العاص:
- أ جئتم إلينا تسفكون دماءنا * وما رمتم وعر من الأمر أعسر -
- تعاورتم ضربا بكل مهند * إذا شد وردان تقدم قنبر -
وردان عبده وقنبر غلام أمير المؤمنين ع. وجاء عدي بن حاتم
يلتمس عليا ما يطأ الا على انسان ميت أو قدم أو ساعد فوجده تحت رايات
بكر بن وائل فقال يا أمير المؤمنين أ لا نقوم حتى نموت فقال علي ع ادن
فدنا حتى وضع أذنه عند انفه فقال ويحك إن عامة من معي يعصيني وإن
معاوية فيمن يطيعه ولا يعصيه وقال عدي بن حاتم يوم صفين:
- أقول لما إن رأيت المعمعة * واجتمع الجندان وسط البلقعة -
- هذا علي والهدى حقا معه * يا رب فاحفظه ولا تضيعه -
- فإنه يخشاك رب فارفعه * ومن أراد غيه فضعضعه -
قال علي وا نفساه أ يطاع معاوية واعصى ما قاتلت أمة قط أهل بيت
نبيها وهي مقرة بنبيها الا هذه الأمة ثم أن عليا ع أمر الناس أن يحملوا
على أهل الشام فحملت خيل علي على صفوف أهل الشام فقوضت
صفوفهم فقال عمرو يومئذ على من هذا الرهج الساطع قيل على ابنيك
عبد الله ومحمد قال يا وردان قدم لواءك فتقدم فأرسل إليه معاوية ان ليس
على ابنيك باس فلا تنقض الصف والزم موقفك فقال عمرو هيهات
هيهات:
- الليث يحمي شبليه * ما خيره بعد ابنيه -
فتقدم فلقي الناس وهو يحمل فأدركه رسول معاوية فقال إنه ليس
على ابنيك باس فلا تحملن فقال له عمرو قل له انك لم تلدهما انا ولدتهما
وبلغ مقدم الصفوف فقال له الناس مكانك إنه ليس على ابنيك باس انهما
في مكان حريز فقال اسمعوني أصواتهما حتى اعلم أ حيان هما أم قتيلان
ونادى يا وردان قدم لواءك قدر قيس قوسي ولك فلانة جارية له فتقدم
بلوائه فأرسل علي إلى أهل الكوفة أن احملوا وإلى أهل البصرة أن احملوا
فحمل الناس من كل جانب فاقتتلوا قتالا شديدا فخرج رجل من أهل
الشام فقال من يبارز فخرج إليه رجل من أصحاب علي فاقتتلا ساعة ثم إن
العراقي ضرب رجل الشامي فقطعها فقاتل ولم يسقط إلى الأرض ثم ضرب
يده فقطعها فرمى الشامي بسيفه بيده اليسرى إلى أهل الشام وقال دونكم
سيفي هذا فاستعينوا به على عدوكم فأخذوه فاشتراه معاوية من أولياء
المقتول بعشرة آلاف واقتتل الناس بعد المغرب قتالا شديدا فما صلى كثير من
الناس الا ايماء. وكان رجل من أصحاب علي ع يدعى هاني بن
نمر الحضرمي فخرج رجل من أهل الشام يطلب المبارزة فلم يخرج إليه أحد
فقال سبحان الله ما يمنعكم أن يخرج رجل منكم إلى هذا فلو لا أني موعوك
وإني أجد لذلك ضعفا لخرجت إليه فما رد عليه أحد فوثب فقال أصحابه
سبحان الله تخرج وأنت موعوك قال والله لأخرجن إليه ولو قتلني فخرج وإذا
هو رجل من قومه حضرموت وبينهما قرابة من قبل النساء فقال له يا هاني
ارجع فإنه أن يخرج إلي غيرك أحب إلي اني لست أريد قتلك قال له هاني ما
خرجت الا وانا موطن نفسي على القتل ما أبالي أنت قتلتني أو غيرك ثم
مشى نحوه فقال اللهم في سبيلك وسبيل رسولك ونصرة لابن عم نبيك ثم
اختلفا ضربتين فقتله هاني وشد أصحابه نحوه وشد أصحاب هاني نحوه ثم

(١) الوهي بضم الواو والقصر جمع وهي وهو الفتق مثل يضرب لمن يعرف أمرا فيتجاهله ويتظاهر
بخلافه.
- المؤلف -
(٤٩٩)

اقتتلوا وانفرجوا عن اثنين وثلاثين قتيلا ثم أن عليا ارسل إلى الناس إن
احملوا فحمل الناس على راياتهم كل قوم بحيالهم فتجالدوا بالسيوف وعمد
الحديد لا يسمع الا صوت الحديد ومرت الصلوات كلها ولم يصلوا الا
تكبيرا عند مواقيت الصلاة حتى تفانوا ورق الناس. قال عبد الرحمن بن
حاطب خرجت التمس أخي سويدا في القتلى بصفين فإذا برجل قد اخذ
بثوبي صريع في القتلى فالتفت فإذا بعبد الرحمن بن كلدة فقلت إنا لله وإنا إليه
راجعون هل لك في الماء قال لا حاجة لي في الماء قد أنفذني السلاح
وخرقني ولست أقدر على الشرب هل أنت مبلغ عني أمير المؤمنين رسالة
قلت نعم قال اقرأ عليه مني السلام وقل يا أمير المؤمنين احمل جرحاك إلى
عسكرك حتى تجعلهم من وراء القتلى فان الغلبة لمن فعل ذلك ثم لم أبرح
حتى مات واتيت عليا فأخبرته فاسترجع وأبلغته الرسالة قال صدق والذي
نفسي بيده فنادى منادي العسكر إن احملوا جرحاكم إلى عسكركم ففعلوا
فلما أصبح نظر إلى أهل الشام وقد ملوا الحرب. وكان علي إذا أراد القتال
هلل وكبر ثم قال:
- من اي يومي من الموت أفر * أيوم ما قدر -
أم يوم قدر واقبل عبد الرحمن بن خالد بن الوليد ومعه لواء معاوية الأعظم وهو
يقول:
- انا ابن سيف الله ذاكم خالد * اضرب كل قدم وساعد -
- بصارم مثل الشهاب الواقد * انصر عمي إن عمي والدي -
- بالجهد لا بل فوق جهد الجاهد * ما انا فيما نابني براقد -
فاستقبله جارية بن قدامة السعدي وهو يقول:
- أثبت لصدر الرمح يا ابن خالد * أثبت لليث ذي فلول حارد -
- من أسد خفان شديد الساعد * ينصر خير راكع وساجد -
- من حقه عندي كحق الوالد * ذاكم علي كاشف الأوابد -
وأطعنا مليا ومضى عبد الرحمن وانصرف جارية وعبد الرحمن لا يأتي
على شئ الا أهمده وهو يقول:
- اني إذا ما الحرب قرت عن كبر * تخالني أخزر من غير خزر -
- أقحم والخطي في النقع كشر * كالحية الصماء في رأس الحجر -
- احمل ما حملت من خير وشر -
فغم ذلك عليا وأقبل عمرو بن العاص في خيل من بعده فقال أقحم
يا ابن سيف الله فإنه الظفر. واقبل الناس على الأشتر فقالوا يوم من أيامك
الأول وقد بلغ لواء معاوية حيث ترى فاخذ الأشتر لواء فحمل وهو يقول:
- اني انا الأشتر معروف الشتر * أني انا الأفعى العراقي الذكر -
لا من ربيعة ولا حي مضر * لكنني من مذحج الغر الغرر -
فضارب القوم حتى ردهم على اعقابهم فرجعت خيل عمرو وقال
النجاشي في ذلك:
- رأينا اللواء لواء العقاب * يقحمه الشانئ الأخزر -
- كليث العرين خلال العجاج * واقبل في خيله الأبتر -
دعونا لها الكبش كبش العراق * وقد خالط العسكر العسكر -
- فرد اللواء على عقبه * وفاز بحظوتها الأشتر -
- كما كان يفعل في مثلها * إذا الناب معصوصب منكر -
- فان يدفع الله عن نفسه * فحظ العراق بها الأوفر -
- إذا الأشتر الخير خلى العراق * فقد ذهب العرف والمنكر -
- وتلك العراق ومن عرقت * كفقع تبينه القرقر -
ولما رد لواء معاوية ورجعت خيل عمرو انتدب همام بن قبيصة وكان
من اشتم الناس لأمير المؤمنين ع ومعه لواء هوازن فقصد لمذحج
وهو يقول:
- اني إذا ما دعيت نزال * أقدم اقدام الهزبر العالي -
- أهل العراق انكم من بالي * كل تلادي وطريف مالي -
- حتى أنال فيكم المعالي * أو أطعم الموت وتلكم حالي -
- في نصر عثمان ولا أبالي -
فقال عدي بن حاتم لصاحب لوائه ادن مني فاخذه وحمل وهو
يقول:
- يا صاحب الصوت الرفيع العالي * إن كنت تبغي في الوغى نزالي -
- فادن فاني كاشف عن حالي * تفدي عليا مهجتي ومالي -
- وأسرتي يتبعها عيالي -
فضربه وسلب لواءه. ثم حمل خزيمة بن ثابت وهو يقول:
- قد مر يومان وهذا الثالث * هذا الذي يلهث فيه اللاهث -
- هذا الذي يبحث فيه الباحث * كم ذا يرجي أن يعيش الماكث -
- الناس موروث ومنهم وارث * هذا علي من عصاه ناكث -
فقاتل حتى قتل ثم خرج خالد بن خالد الأنصاري وهو يقول:
- هذا علي والهدى أمامه * هذا لوا نبينا قدامه -
- يقحمه في نقعه اقحامه * لا جبنه نخشى ولا اثامه -
فطعن ساعة ثم رجع. ثم حمل جندب بن زهير وهو يقول:
- هذا علي والهدى حقا معه * يا رب فاحفظه ولا تضيعه -
- فإنه يخشاك رب فارفعه * نحن نصرناه على من نازعه -
- صهر النبي المصطفى قد طاوعه * أول من بايعه وتابعه -
واقبل الأشتر يضرب بسيفه وهو يقول:
-
اضربهم ولا ارى معاوية * الأخزر العين العظيم الحاوية -
- هوت به في النار أم هاوية * جاوره فيها كلاب عاويه -
- أغوى طعاما لا هداه هاديه -
هكذا ذكر نصر ولكنه في موضع آخر نسب هذا الرجز إلى أبي
مجزاة بن ثور الربعي وسيأتي نسبة الشطور الثلاثة الأول إلى علي ع
واختلط أمر الناس حتى ترك أهل الرايات مراكزهم وتفرق الناس عن علي
فاتى ربيعة ليلا فكان فيهم وتعاظم الأمر واقبل عدي بن حاتم يطلب عليا
في موضعه الذي تركه فيه فلم يجده فطاف يطلبه فاصابه في مصاف ربيعة
فقال يا أمير المؤمنين اما إذا كنت حيا فالأمر أمم ما مشيت إليك الا على
قتيل وما أبقت هذه الوقعة لنا ولهم عميدا فقاتل حتى يفتح الله عليك فان
في الناس بقية بعد واقبل الأشعث يلهث جزعا فلما رأى عليا هلل وكبر وقال
(٥٠٠)

يا أمير المؤمنين خيل كخيل ورجال كرجال ولنا الفضل إلى ساعتنا هذه فعد
إلى مقامك الذي كنت فيه فان الناس انما يظنونك حيث تركوك وأرسل
سعيد بن قيس انا مشتغلون بامرنا مع القوم وفينا فضل فان أردت أن نمد
أحدا أمددناه فاقبل علي على ربيعة فقال أنتم درعي ورمحي قال نصر فربيعة
تفتخر بهذا الكلام إلى اليوم فقال عدي بن حاتم يا أمير المؤمنين إن قوما
أنست بهم وكنت فيهم في هذه الجولة لعظيم حقهم علينا والله إنهم لصبر
عند الموت أشداء عند القتال وركب علي ع فرسه الذي كان لرسول الله
ص وكان يقال له المرتجز فتقدم امام الصفوف ثم قال بل البغلة فقدمت له
بغلة رسول الله ص فركبها ثم تعصب بعمامة رسول الله السوداء ثم نادى
أيها الناس من يشري نفسه لله يربح هذا يوم له ما بعده إن عدوكم قد قرح
كما قرحتم فانتدب له من بين العشرة آلاف إلى اثني عشر ألفا وضعوا
سيوفهم على عواتقهم وتقدمهم علي على بغلة رسول الله ص وهو يقول:
- دبوا دبيب النمل لا تفوتوا * وأصبحوا بحربكم وبيتوا -
- حتى تنالوا للثار أو تموتوا * أو لا فاني طالما عصيت -
- قد قلتم لو جئتا فجيت * ليس لكم ما شئتم وشيت -
- بل ما يريد المحيي المميت -
وتبعه عدي بن حاتم بلوائه وهو يقول:
- أ بعد عمار وبعد هاشم * وابن بديل فارس الملاحم -
- نرجو البقاء مثل حلم الحالم * وقد عضضنا أمس بالأباهم -
-
فاليوم لا نقرع سن نادم * ليس امرؤ من يومه بسالم -
وتقدم الأشتر وهو يقول:
- حرب بأسباب الردى تأجج * يهلك فيها البطل المدجج -
- يكفيكها همدانها ومذحج * روحوا إلى الله ولا تعرجوا -
- دين قويم وسبيل منهج -
وحمل الناس حملة واحدة فلم يبق لأهل الشام صف الا انتقض
واهمدوا ما أتوا عليه حتى أفضى الأمر إلى مضرب معاوية وعلي يضربهم
بسيفه وهو يقول:
- اضربهم ولا ارى معاوية * الأخزر العين العظيم الحاوية -
- هوت به في النار أم هاوية -
فدعا معاوية بفرسه لينجو عليه فلما وضع رجله في الركاب تمثل بقول
عمرو بن الإطنابة:
- أبت لي عفتي وأبى بلائي * واخذي الحمد بالثمن الربيح -
- واقدامي على المكروه نفسي * وضربي هامة البطل المشيح -
- وقولي كلما جشات وجاشت * مكانك تحمدي أو تستريحي -
-
لأدفع عن ماثر صالحات * واحمي بعد عن عرض صحيح -
- بذي شطب كلون الملح صاف * ونفس ما تقر على القبيح -
وقال يا ابن العاص اليوم صبر وغدا فخر فقال عمرو صدقت وثنى
رجله من الركاب فنزل فاستصرخ بعك والأشعرين فوقفوا دونه وجالدوا عنه
حتى كره كل من الفريقين صاحبه وتحاجز الناس. ثم إن معاوية لما أسرع
أهل العراق في أهل الشام قال هذا يوم تمحيص أن القوم قد أسرع فيهم كما
أسرع فيكم اصبروا يومكم هذا وخلاكم ذم وحضض علي أصحابه فقام
إليه الأصبغ بن نباتة التميمي فقال يا أمير المؤمنين انك جعلتني على شرطة
الخميس وقدمتني في الثقة دون الناس وانك اليوم لا تفقد لي صبرا ولا نصرا
اما أهل الشام فقد هدهم ما أصبنا منهم ونحن ففينا بعض البقية فاطلب بنا
امرك وائذن لي في التقدم فقال تقدم بسم الله واقبل الأحنف بن قيس
السعدي فقال يا أهل العراق والله لا تصيبون هذا الأمر أذل عنقا منه اليوم
قد كشف القوم عنكم قناع الحياء وما يقاتلون على دين وما يصبرون الا
حياء فتقدموا فقالوا إن تقدمنا اليوم فقد تقدمنا أمس فما تقول يا أمير
المؤمنين قال تقدموا في موضع التقدم وتأخروا في موضع التأخر تقدموا من
قبل أن يتقدموا إليكم وحمل أهل العراق وتلقاهم أهل الشام فاجتلدوا.
نكول معاوية عن مبارزة علي يوم صفين
روى نصر بن مزاحم في كتاب صفين: إنه ارسل علي إلى معاوية إن
أبرز إلي واعف الفريقين من القتال فاينا قتل صاحبه كان الأمر له، قال
عمرو لقد أنصفك الرجل فقال معاوية اني لأكره أن أبارز الأهوج الشجاع
لعلك طمعت فيها يا عمرو؟ وروى في موضع آخر أن عليا ع
قام بين الصفين ثم نادى يا معاوية يكررها فقال معاوية اسألوه ما شانه قال
أحب أن يظهر لي فأكلمه كلمة واحدة فبرز معاوية ومعه عمرو بن العاص
فلما قارباه لم يلتفت إلى عمرو وقال لمعاوية ويحك علا م يقتتل الناس بيني
وبينك أبرز إلي فاينا قتل صاحبه فالأمر له، فالتفت معاوية إلى عمرو فقال
ما ترى يا أبا عبد الله أبارزه؟ فقال عمرو لقد أنصفك الرجل واعلم انك
إن نكلت عنه لم تزل سبة عليك وعلى عقبك ما بقي عربي، فقال معاوية يا
عمرو ليس مثلي يخدع عن نفسه والله ما بارز ابن أبي طالب رجلا قط الا
سقى الأرض من دمه ثم انصرف معاوية راجعا إلى آخر الصفوف وعمرو
معه، وقال معاوية ويحك يا عمرو ما أحمقك أ تراني أبرز إليه ودوني عك
والأشعرون وجذام وحقدها معاوية على عمرو وقال ما أظنك يا عمرو الا
مازحا فلما جلس معاوية مجلسه اقبل عمرو حتى جلس فقال معاوية:
- يا عمرو انك قد قشرت لي العصا * برضاك في وسط العجاج برازي -
- ولقد أعدت فقلت مزحة مازح * والمزح يحمله مقال الهازي -
- فإذا الذي منتك نفسك خاليا * قتلي جزاك بما نويت الجازي -
فقال له عمرو أيها الرجل أ تجبن عن خصمك وتتهم نصيحك وقال
مجيبا له:
- معاوي إن نكلت عن البراز * لك الويلات فانظر في المخازي -
- وما ذنبي بان نادى علي * وكبش القوم يدعى للبراز -
- فلو بارزته بارزت ليثا * حديد الناب ينفذ كل بازي -
- وتزعم انني أضمرت غشا * جزاني بالذي أضمرت جازي -
- أ ضبع في العجاجة يا ابن هند * وعند الباه كالتيس الحجازي -
- تعرض عمرو بن العاص لعلي وكشفه سوأته
قيل كان السبب في ذلك ان الحارث بن نصر الجشمي كان عدوا
لعمرو بن العاص وكان عمرو قلما يجلس مجلسا الا ذكر فيه الحارث فقال
الحارث في ذلك:
- ليس عمرو تبارك ذكره الحر * ب مدى الدهر أو يلاقي عليا -
- واضع السيف فوق منكبه الأيمن * لا يحسب الفوارس شيا -
(٥٠١)

- ليس عمرو يلقاه في حمس النقع * وقد صارت السيوف عصيا -
- فوق شهب مثل السحوق من النخل * ينادي المبارزين اليا -
- ثم يا عمرو تستريح من الفخر * وتلقى به فتى هاشميا -
- فالقه ان أردت مكرمة الدهر * أو الموت كل ذاك عليا -
فلما سمع عمرو شعره قال والله لو علمت اني أموت ألف موتة
لبارزت عليا في أول ما ألقاه، وقيل إن عمرا حمل معلما وهو يقول:
- شدوا علي شكتي لا تنكشف * يوم لهمدان ويوم للصدف (١) -
- وفي تميم نخوة لا تنحرف * اضربها بالسيف حتى تنصرف -
- ومثلها لحمير أو ترف * والربعيون لهم يوم عصف -
فاعترضه علي ع وهو يقول:
- قد علمت ذات القرون الميل * والخصر والأنامل الطفول -
- احمي وارمي أول الرعيل * بصارم ليس بذي فلول -
وقيل إن عمرا تعرض لعلي في يوم من أيام صفين وظن أنه يطمع منه
في غرة فيصيبه فحمل عليه ع فلما كاد أن يخالطه رمى نفسه عن فرسه
ورفع ثوبه وشغر برجله فبدت عورته فصرف علي وجهه عنه وقام معفرا
بالتراب هاربا على رجليه معتصما بصفوفه فقال القوم أفلت الرجل يا أمير
المؤمنين قال وهل تدرون من هو؟ قالوا لا، قال: فإنه عمرو بن العاص
تلقاني بعورته فصرفت وجهي عنه، ورجع عمرو إلى معاوية فقال له: ما
صنعت يا عمرو؟ قال: لقيني علي فصرعني، قال: فاحمد الله وعورتك
اما والله ان لو عرفته ما أقحمت عليه وقال معاوية في ذلك شعرا:
- ألا لله من هفوات عمرو * يعاتبني على تركي برازي -
- فقد لاقي أبا حسن عليا * فأب الوائلي مآب خازي -
- فلو لم يبد عورته للاقى * به ليثا يذلل كل نازي -
- له كف كان براحتيها * منايا القوم يخطف خطف بازي -
- فان تكن المنية أخطأته * فقد غنى بها أهل الحجاز -
فغضب عمرو وقال: ما أشد تعظيمك عليا في أمري هذا هل هو الا
رجل لقيه ابن عمه فصرعه أ فترى السماء قاطرة لذلك دما؟ قال: ولكنها
تعقبك جنبا. قال نصر: ولما شمت معاوية بعمرو قال عمرو في ذلك:
- معاوي لا تشمت بفارس بهمة * لقي فارسا لا تعتريه الفوارس -
- معاوي ان أبصرت في الخيل مقبلا * أبا حسن يهوي دهتك الوساوس -
- وأيقنت ان الموت حق وانه * لنفسك ان لم تمض في الركض خالس -
- فإنك لو لاقيته كنت بومة * أتيح لها صقر من الجو آنس -
- وما ذا بقاء القوم بعد اختباطه * وان امرأ يلقي عليا لآيس -
- دعاك فصمت دونه الاذن هاربا * بنفسك قد ضاقت عليها الأمالس -
- وتشمت بي ان نالني حد رمحه * وعضعضني ناب من الحرب ناهس -
- أبى الله الا انه ليث غابة * أبو الشبل تهدى إليه الفرائس -
- واني امرؤ باق فلم يلف شلوه * بمعترك تسفي عليه الروامس -
- فان كنت في فانهج عجاجه * والا فتلك الترهات البسابس -
ثم أن عليا غلس بالناس بصلاة الفجر ثم زحف بهم فخرج الناس
على راياتهم واعلامهم وزحف إليهم أهل الشام فقال أبرهة بن الصباح بن
أبرهة الحميري ويلكم يا معشر أهل اليمن والله اني لأظن قد أذن بفنائكم
ويحكم خلوا بين هذين الرجلين فليقتتلا فأيهما قتل صاحبه ملنا معه جميعا،
وكان من رؤساء أصحاب معاوية، فبلغ ذلك عليا فقال صدق أبرهة،
وبلغ معاوية كلام أبرهة فتأخر آخر الصفوف وقال لمن حوله: اني لأظن
أبرهة مصابا في عقله، فقال أهل الشام: والله ان أبرهة لأفضلنا دينا ورأيا
وبأسا، ولكن معاوية كره مبارزة علي فقال أبرهة في ذلك:
- لقد قال ابن أبرهة مقالا * وخالفه معاوية بن حرب -
- وكم بين المنادي من بعيد * ومن يغشى الحروب بكل عضب -
- أيهجرني معاوية بن حرب * وما هجرانه سخطا لربي -
- وعمرو ان يفارقني بقول * فان ذراعه بالغدر رحب -
- واني ان أفارقهم بديني * لفي سعة إلى شرق وغرب -
- وبرز يومئذ عروة بن داود الدمشقي فقال: إن كان معاوية كره
مبارزتك يا أبا الحسن فهلم إلي، فتقدم إليه علي فقال له أصحابه: ذر هذا
الكلب فإنه ليس لك بخطر، فقال: والله ما معاوية اليوم بأغيظ لي منه ثم
حمل عليه فضربه قطعتين سقطت إحداهما يمنة والأخرى يسرة وارتج
العسكران لهول الضربة ثم قال يا عروة اذهب فأخبر قومك اما والذي بعث
محمدا بالحق لقد عانيت النار وأصبحت من النادمين. وقال ابن عم لعروة
وا سوء صباحاه قبح الله البقاء بعد أبي داود وحمل على علي فطعنه فضرب
علي الرمح فبراه ثم قنعه ضربة فالحقه بأبي داود ومعاوية واقف على التل
يبصر ويشاهد فقال ثبا لهذه الرجال وقبحا أ ما فيهم من يقتل هذا مبارزة أو
غيلة أو في اختلاط الفيلق وثوران النقع فقال الوليد بن عقبة أبرز إليه أنت
فإنك أولي الناس بمبارزته فقال والله لقد دعاني إلى البراز حتى استحييت من
قريش واني والله لا أبرز إليه، ما جعل العسكر بين يدي الرئيس الا وقاية
له فقال الوليد ألهوا عن هذا كأنكم لم تسمعوا نداءه فقد علمتم انه قتل حريثا
وفضح عمرا ولا أرى أحدا يتحكك به الا قتله.
فعل بسر كفعل عمرو
فقال معاوية لبسر بن أرطأة أ تقوم لمبارزته فقال ما أحد أحق بها منك
وإذا أبيتموه فانا له فقال له معاوية اما انك ستلقاه في العجاجة غدا في أول
الخيل وكان عند بسر ابن عم له قد قدم من الحجاز يخطب ابنته فاتى بسرا
فقال له اني سمعت انك وعدت من نفسك ان تبارز عليا أ ما تعلم أن الوالي
بعد معاوية اخوه عتبة ثم اخوه محمد فما يدعوك إلى ذلك قال الحياء، خرج
مني كلام فانا استحي ان ارجع عنه فضحك الغلام وقال:
- تنازله يا بسر ان كنت مثله * والا فان الليث للضبع آكل -
- كأنك يا بسر بن أرطأة جاهل * باثاره في الحرب أو متجاهل -
- معاوية الوالي وصنواه بعده * وليس سواء مستعار وثاكل -
- أولئك هم أولي به منك انه * علي فلا تقربه أمك هابل -
- متى تلقه فالموت في رأس رمحه * وفي سيفه شغل -
لنفسك شاغل فقال بسر هل هو الا الموت لا بد والله من لقاء الله تعالى فغدا علي
منقطعا من خيله ومعه الأشتر وهو يريد التل وهو يقول:
- انا علي فسلوا لتخبروا * ثم ابرزوا إلى الوغى أو أدبروا -
- سيفي حسام وسناني أزهر * منا النبي الطيب المطهر -
- وحمزة الخير ومنا جعفر * له جناح في الجنان اخضر -

(١) الصدف اسم قبيلة.
(٥٠٢)

- وأسد الله وفيه مفخر * هذا بهذا وابن هند محجر -
- مذبذب مطرد مؤخر -
فاستقبله بسر قريبا من التل وهو مقنع في الحديد لا يعرف فناداه أبرز
إلي أبا حسن فانحدر إليه علي على تؤدة غير مكترث به حتى إذا قاربه طعنه
وهو دارع فألقاه على الأرض ومنع الدرع السنان ان يصل إليه فاتقاه بسر
وقصد ان يكشف سوأته ليستدفع بأسه فانصرف عنه علي ع مستدبرا له
فعرفه الأشتر حين سقط فقال يا أمير المؤمنين هذا بسر بن أرطأة عدو الله
وعدوك فقال دعه عليه لعنة الله أ بعد ان فعلها فحمل ابن عم لبسر شاب على
علي ع وهو يقول:
- أرديت بسرا والغلام ثائره * أرديت شيخا غاب عنه ناصره -
فحمل عليه الأشتر وهو يقول:
- أ كل يوم رجل شيخ شاغره * وعورة وسط العجاج ظاهره -
- تبرزها طعنة كف واتره * عمرو وبسر رميا بالفاقرة -
وطعنه الأشتر فكسر صلبه وقام بسر من طعنة علي وولت خيله وناداه
علي يا بسر معاوية كان أحق بهذا منك ورجع إلى معاوية فقال له معاوية
ارفع طرفك قد أدال الله عمرا منك وقال في ذلك النضر بن الحارث وفي
شرح النهج الحارث بن نضر الجشمي أو الخثعمي:
- أ في كل يوم فارس تندبونه * له عورة وسط العجاجة باديه -
- يكف بها عنه علي سنانه * ويضحك منها في الخلاء معاوية -
- بدت أمس من عمرو فقنع رأسه * وعورة بسر مثلها حذو حاذيه -
- فقولا لعمرو وابن أرطأة ابصرا * سبيلكما لا تلقيا الليث ثانية -
- ولا تحمدا الا الحيا وخصاكما * هما كانتا والله للنفس واقية -
- فلولاهما لم تنجوا من سنانه * وتلك بما فيها عن العود ناهيه -
- متى تلقيا الخيل المشيحة صبحة * وفيها علي فاتركا الخيل ناحية -
- وكونا بعيدا حيث لا يبلغ القنا * نحوركما ان التجارب كافيه -
- وإن كان منه بعد في النفس حاجة * فعودا إلى ما شئتما هي ماهيه -
وفي ذلك يقول المؤلف أيضا من قصيدة:
- لاقاه عمرو والأسنة شرع * لقيا الحمامة للعقاب الكاسر -
- وتلاه بسر ثم ما نجاهما * منه سوى فعل الخسيس الغادر -
- فثنى حياء عنهما وعفا ولم * يرهقهما فعل الكريم القادر -
فكان بسر بعد ذلك إذا لقي الخيل التي فيها علي تنحى ناحية
وتحامى، فرسان أهل الشام عليا.
واجتمع ليلة عند معاوية بصفين عتبة بن أبي سفيان والوليد بن عقبة
ومروان بن الحكم وعبد الله بن عامر بن طلحة الطلحات فقال عتبة ان امرنا
وأمر علي لعجيب ليس منا لا موتور له اما انا فقتل جدي واشترك في دم
عمومتي يوم بدر واما أنت يا وليد فقتل أباك يوم بدر واما أنت يا عبد الله فقتل
أباك يوم الجمل وايتم اخوتك واما أنت يا مروان فكما قال الأول:
- وافلتهن علباء جريضا * ولو أدركنه صفر الوطاب -
قال معاوية هذا الاقرار فأين الغير قال مروان اي غير تريد قال أريد
ان يشجر بالرماح قال والله انك لهازل أو قد ثقلنا عليك فقال الوليد بن
عقبة:
- يقول لنا معاوية بن حرب * أ ما فيكم لواتركم طلوب -
- يشد على أبي حسن علي * بأسمر لا تهجنه الكعوب -
- فيهتك مجمع اللبات منه * ونقع الحرب مطرد يثوب -
- فقلت له أ تلعب يا ابن هند * كأنك وسطنا رجل غريب -
- أتغرينا بحية بطن واد * إذا نهشت فليس لها طبيب -
- وما ضبع يدب ببطن واد * أتيح له به أسد مهيب -
- بأضعف حيلة منا إذا ما * لقيناه وذا منا عجيب -
- دعا للقاه في الهيجاء لاق * فأخطأ نفسه الاجل القريب -
- سوى عمرو وقته خصيتاه * نجا ولقلبه منه وجيب -
- كان القوم لما عاينوه * خلال النقع ليس لهم قلوب -
- لعمر أبي معاوية بن حرب * وما ظني ستلحقه العيوب -
- لقد ناداه في الهيجا علي * فاسمعه ولكن لا يجيب -
فغضب عمرو وقال إن كان الوليد صادقا فليلق عليا أو ليقف حيث
يسمع صوته وقال عمرو:
- يذكرني الوليد دعا علي * ونطق المرء يملؤه الوعيد -
- متى تذكر مشاهده قريش * يطر من خوفه القلب الشديد -
- فاما في اللقاء فأين منه * معاوية بن حرب والوليد -
- وعيرني الوليد لقاء ليث * إذا ما شد هابته الأسود -
- لقيت ولست أجهله عليا * وقد بلت من العلق اللبود -
- فاطعنه ويطعنني خلاسا * وما ذا بعد طعنته أريد -
- فرمها منه يا ابن أبي معيط * وأنت الفارس البطل النجيد -
- فاقسم لو سمعت ندا علي * لطار القلب وانتفخ الوريد -
- ولو لاقيته شقت جيوب * عليك ولطمت فيك الخدود -
وروى الواقدي ان معاوية قال يوما بعد استقرار الخلافة له لعمرو بن
العاص: يا أبا عبد الله لا أراك الا ويغلبني الضحك قال بما ذا قال أذكر يوم
حمل عليك أبو تراب في صفين فأذريت نفسك فرقا من شبا سنانه وكشفت
سوأتك له فقال عمرو انا منك أشد ضحكا اني لاذكر يوم دعاك إلى البراز
فانتفخ سحرك وربا لسانك في فمك وغصصت بريقك وارتعدت فرائصك
وبدا منك ما أكره ذكره لك فقال معاوية لم يكن هذا كله وكيف يكون
ودوني عك والأشعرون قال إنك لتعلم ان الذي وصفت دون الذي أصابك
وقد نزل ذلك بك ودونك عك والأشعرون فكيف كانت حالك لو جمعكما
ماقط الحرب، قال يا أبا عبد الله خض بنا الهزل إلى الجد ان الجبن والفرار
من علي لا عار على أحد فيهما.
مخادعة معاوية للأشعث
ودعا معاوية أخاه عتبة بن أبي سفيان وكان لا يطاق لسانه فقال الق
الأشعث بن قيس فإنه ان رضي رضيت العامة فلقيه فقال إن معاوية لو كان
لاقيا رجلا غير علي للقيك انك رأس أهل العراق وسيد أهل اليمن وقد
سلف من عثمان إليك ما سلف من الصهر والعمل ولست كأصحابك اما
الأشتر فقتل عثمان واما عدي فحرض عليه واما سعيد فقلد عليا دينه واما
شريح وزحر بن قيس فلا يعرفان غير الهوى وانك حاميت عن أهل العراق
تكرما وحاربت أهل الشام حمية وقد بلغنا والله منك وبلغت منا ما أردت
وانا لا ندعوك إلى ترك علي ونصر معاوية ولكنا ندعوك إلى البقية التي فيها
صلاحك وصلاحنا فقال الأشعث اما قولك ان معاوية لا يلقى الا عليا فان
لقيني لما عظم عني ولا صغرت عنه فان أحب ان أجمع بينه وبين علي فعلت
(٥٠٣)

واما قولك اني رأس أهل العراق وسيد أهل اليمن فان الرأس المتبع والسيد
المطاع هو علي بن أبي طالب واما ما سلف من عثمان إلي فوالله ما زادني
صهره شرفا ولا عمله عزا واما عيبك أصحابي فان هذا لا يقربك مني ولا
يبعدني عنهم واما محاماتي عن أهل العراق فمن نزل بيتا حماه واما البقية
فلستم بأحوج إليها منا وسنرى رأينا فيها فلما بلغ معاوية كلام الأشعث قال
يا عتبة لا تلقه بعدها فان الرجل عظيم عند نفسه وإن كان قد جنح للسلم
وشاع في أهل العراق ما دار بين عتبة والأشعث فقال النجاشي يمدح الأشعث:
- يا ابن قيس وحارث ويزيد * أنت والله رأس أهل العراق -
- أنت والله حية تنفث السم * قليل منها غناء الراقي -
- أنت كالشمس والرجال نجوم * لا يرى ضوؤها مع الاشراق -
- قد حميت العراق بالأسل السمر * وبالبيض كالبروق الرقاق -
- وأجبناك إذ دعوت إلى الشام * على القب كالسحوق العتاق -
- وسعرنا القتال في الشام بالبيض * المواضي وبالرماح الدقاق -
- وأدرنا كأس المنية في الفتنة * بالضرب والطعان الدفاق -
- كلما قلت قد تصرمت الهيجاء * سقيتها بكأس دهاق -
- أنت حلو لن تقرب بالود * وللشامتين مر المذاق -
- بئس ما ظنه ابن هند ومن مثلك * للناس عند ضيق الخناق -
مخادعة معاوية لابن عباس
فلما ايس معاوية من جهة الأشعث قال لعمرو بن العاص ان رأس
الناس بعد علي وعبد الله بن عباس فلو القيت إليه كتابا لعلك ترفقه به فإنه
ان قال شيئا لم يخرج علي منه وقد أكلتنا الحرب ولا أرانا نصل العراق الا
بهلاك أهل الشام فقال له عمرو ان ابن عباس لا يخدع ولو طمعت فيه
طمعت في علي فقال معاوية علي ذلك فاكتب إليه فكتب إليه عمرو اما بعد
فان الذي نحن وأنتم فيه ليس بأول أمر قاده البلاء وأنت رأس هذا الجمع
بعد علي فانظر فيما بقي ودع ما مضى فوالله ما أبقيت هذه الحرب لنا ولا
لكم حياء ولا صبرا واعلموا ان الشام لا تملك الا بهلاك العراق وان العراق
لا تملك الا بهلاك الشام وما خيرنا بعد هلاك اعدادنا منكم وما خيركم بعد
هلاك اعدادكم منا ولسنا نقول ليت الحرب عادت ولكنا نقول ليتها لم تكن
وان فينا من يكره القتال كما أن فيكم من يكرهه وانما هو أمير مطاع أو مأمور
مطيع أو مؤتمن مشاور وهو أنت وكتب في أسفل الكتاب:
- طال البلاء وما يرجى له آسي * بعد الآله سوى رفق ابن عباس -
- يا ابن الذي زمزم سقيا الحجيج له * أعظم بذلك من فخر على الناس -
- انظر فدى لك نفسي قبل قاصمة * للظهر ليس لها راق ولا آسي -
- اني ارى الخير في سلم الشام لكم * والله يعلم ما بالسلم من باس -
- فيها التقى وأمور ليس يجهلها * الا الجهول وما النوكى كاكياس -
فاتى ابن عباس بالكتاب إلى أمير المؤمنين ع فضحك وقال
قاتل الله ابن العاص ما أغراه بك يا ابن عباس أجبه وليرد عليه شعره
الفضل بن العباس فإنه شاعر فكتب ابن عباس إلى عمرو: اما بعد فاني لا
اعلم رجلا من العرب أقل حياء منك انه مال بك معاوية إلى الهوى وبعته
دينك بالثمن اليسير ثم خبطت بالناس في عشوة طمعا في الملك فلما لم تر
شيئا أعظمت الدنيا اعظام أهل الذنوب وأظهرت فيها نزاهة أهل الورع فان
كنت ترضي الله بذلك فدع مصر وارجع إلى بيتك وهذه الحرب ليس فيها
معاوية كعلي ابتدأها علي بالحق وانتهى فيها إلى العذر وبدأها معاوية بالبغي
وانتهى فيها إلى السرف وليس أهل العراق فيها كاهل الشام بايع أهل العراق
عليا وهو خير منهم وبايع معاوية أهل الشام وهم خير منه وليس انا
وأنت فيها بسواء أردت الله وأردت أنت مصر فان ترد شرا لا نسبقك به وان
ترد خيرا لا تسبقنا إليه ثم قال لأخيه الفضل يا ابن أم أجب عمرا فقال
الفضل:
- يا عمرو حسبك من خدع ووسواس * فاذهب فليس لداء الجهل من آسي -
- الا تواتر طعن في نحوركم * يشجي النفوس ويشفي نخوة الراس -
- هذا الدواء الذي يشفي جماعتكم * حتى يطيعوا عليا وابن عباس -
- اما علي فان الله فضله * بفضل ذي شرف عال على الناس -
- ان تعقلوا الحرب نعقلها مخيسة * أو تبعثوها فانا غير انكاس -
- قد كان منا ومنكم في عجاجتها * ما لا يرد وكل عرضة الباس -
- قتلى العراق بقتلى الشام ذاهبة * هذا بهذا وما بالحق من باس -
- لا بارك الله في مصر فقد جلبت * شرا وحظك منها حسوة الكاس -
ثم عرض الشعر والكتاب على علي ع فقال لا أراه يجيبك بشئ
بعدها أبدا إن كان يعقل ولعله يعود فتعود عليه فلما انتهى الكتاب إلى عمرو
اتى به معاوية فقال أنت دعوتني إلى هذا ما كان أغناني وإياك عن بني عبد
المطلب فقال إن قلب ابن عباس وقلب علي قلب واحد وكلاهما ولدا عبد
المطلب وإن كان قد خشن فقد لان وإن كان قد تعظم وعظم صاحبه فلقد
قارب وجنح إلى السلم وكان معاوية يكاتب ابن عباس فيجيبه بقول لين
وذلك قبل ان تعظم الحرب فلما قتل أهل الشام قال معاوية ان ابن عباس
رجل قريش وانا كاتب له في عداوة بني هاشم لنا وأخوفه عواقب هذه
الحرب لعله يكف عنا فكتب إليه اما بعد فإنكم يا معشر بني هاشم لستم
إلى أحد أسرع بالمساءة منكم إلى أنصار عثمان حتى انكم قتلتم طلحة
والزبير لطلبهما دمه فان يكن ذلك كراهة لسلطان بني أمية فقد وليها عدي
وتيم وأظهرتهم لهم الطاعة وقد اكلت هذه الحروب بعضها من بعض حتى
استوينا فيها فما أطمعكم فينا أطمعنا فيكم وما آيسكم منا آيسنا منكم
ولستم بملاقينا اليوم بأحد من حد أمس ولا غدا بأحد من حد اليوم وقد
قنعنا بما كان في أيدينا من ملك الشام فاقنعوا بما في أيديكم من ملك العراق
وابقوا على قريش فإنما بقي من رجالها ستة رجلان بالشام انا وعمرو
ورجلان بالعراق أنت وعلي ورجلان بالحجاز سعد وابن عمر واثنان من
الستة ناصبان لك واثنان واقفان وأنت رأس هذا الجمع اليوم ولو بايع لك
الناس بعد عثمان كنا إليك أسرع. فلما انتهى الكتاب إلى ابن عباس
اسخطه ثم قال حتى متى يخطب إلي عقلي وحتى متى أجمجم على ما في نفسي
فكتب إليه: اما ما ذكرت من سرعتنا بالمساءة في أنصار ابن عفان وكراهتنا
لسلطان بني أمية فلعمري لقد أدركت في عثمان حاجتك حين استنصرك
فلم تنصره حتى صرت إلى ما صرت إليه وبيني وبينك في ذلك ابن عمك
وأخو عثمان الوليد بن عقبة واما طلحة والزبير فنقضا البيعة وطلبا الملك
فقاتلناهما على النكث وقاتلناك على البغي واما قولك انه لم يبق من قريش
غير ستة فما أكثر رجالها وأحسن بقيتها قد قاتلك من خيارها من قاتلك ولم
يخذلنا الا من خذلك وقد بقي لك منا يوم ينسيك ما قبله ويخاف ما بعده
واما قولك انه لو بايع الناس لي لاستقامت لي فقد بايع الناس عليا وهو خير
(٥٠٤)

مني فلم يستقيموا له وما أنت يا معاوية والخلافة وأنت طليق وابن طليق.
فلما انتهى الكتاب إلى معاوية قال هذا عملي بنفسي والله لا اكتب إليه كتابا
سنة وقال معاوية في ذلك:
- دعوت ابن عباس إلى جل خطة * وكان امرأ أهدي إليه رسائلي -
- فاخلف ظني والحوادث جمة * وما زاد أن أغلي عليه مراجلي -
- فأبرق وارعد ما استطعت فإنني * إليك بما يشجيك سبط الأنامل -
فقال الفضل بن عباس يجيبه على ذلك
- الا يا ابن هند انني غير غافل * وانك ما تسعى له غير نائل -
- وأيقنت انا أهل حق وانما * دعوت لأمر كان أبطل باطل -
- دعوت ابن عباس إلى السلم خدعة * وليس لها حتى تدين بسائل -
- فلا سلم حتى تشجر الخيل بالقنا * وتضرب هامات الرجال الأماثل -
- وآليت لا تهدي إليه رسالة * إلى أن يحول الحول من رأس قابل -
- أردت به قطع الجواب وانما * رماك فلم يخطئ بنات المقاتل -
- وقلت له لو بايعوك تبعتهم * فهذا علي خير حاف وناعل -
- وصي رسول الله من دون أهله * وفارسه ان قيل هل من منازل -
فعرض شعره على علي فقال أنت أشعر قريش فضرب بها الناس إلى
معاوية.
مقاتلة عك وهمدان
ولما اشتد القتال ارسل معاوية إلى عمرو ان قدم عكا والأشعرين إلى
من بازائهم فبعث عمرو إلى معاوية اني أقدم عكا إلى همدان فاتاهم عمرو
فقال يا معشر عك ان عليا قد عرف انكم حي أهل الشام فعبأ لكم حي
أهل العراق همدان فاصبروا وهبوا لنا جماجمكم ساعة من النهار فقد بلغ
الحق مقطعه فقال ابن مسروق العكي أمهلوني حتى آتي معاوية فاتاه فقال
اجعل لنا فريضة ألفي رجل في ألفين ألفين ومن هلك فابن عمه مكانه لتقر
اليوم عينك قال ذلك لك فرجع ابن مسروق إلى أصحابه فأخبرهم الخبر
فقالت عنك نحن لهمدان فتقدمت عك إلى همدان وفي ذلك يقول القائل:
- همدان همدان وعك عك * سيعلم اليوم من الارك -
وكانت على عك الدروع وليست عليهم رانات (١) فنادى سعيد بن
قيس يا لهمدان خدموا القوم اي اضربوا سوقهم والتخديم ضرب مكان
الخدمة وهي الحجل فنادى أبو مسروق العكي يا لعك بركا كبرك الكمل ثم
رموا بحجر بين أيديهم وقالوا لا نفر حتى يفر هذا الحكر وهم يقلبون الجيم
كافا وفي رواية ان عكا قيدت أرجلها بالعمائم يوم صفين حتى لا تفر فبركوا
تحت الحجف وشجروهم بالرماح وتقدم شيخ من همدان وهو يقول:
- يا لبكيل لخمها وحاشد * نفسي فداكم طاعنوا وجالدوا -
- حتى تخر منكم القماحد * وأرجل تتبعها سواعد -
- بذاك اوصى جدكم والوالد -
وتقدم رجل من عك وهو يقول:
- يدعون همدان وندعو عكا * ان خدم القوم فبركا بركا -
- لا تدخلوا نفسي عليكم شكا -
فالقى القوم الرماح وساروا إلى السيوف وتجالدوا حتى أدركهم الليل
فقالت همدان يا معشر عك انا والله لا ننصرف حتى تنصرفوا وقالت عك
مثل ذلك فأرسل معاوية إلى عك أبروا قسم القوم فانصرفت عك ثم
انصرفت همدان وقال عمرو في ذلك:
- ان عكا وحاشدا وبكيلا * كأسود الضراب لاقت اسودا -
- وحبا القوم بالقنا وتساقوا * بظبات السيوف موتا عتيدا -
- يعلم الله ما رأيت من القوم * ازورارا ولا رأيت صدودا -
- غير ضرب فوق الطلى وعلى الها * م وقرع الحديد يعلو الحديدا -
- ولقد قال قائل خدموا السوق * فخرت هناك عك قعودا -
- كبراك الجمال اثقلها الحمل * فما تستقل الا وئيدا -
ولما اشترطت عك والأشعرون على معاوية ما اشترطوا من الفريضة
والعطاء فأعطاهم لم يبق من أهل العراق أحد في قلبه مرض الا طمع في
معاوية وشخص بصره إليه حتى فشا ذلك في الناس وبلغ عليا فساءه وجاء
المنذر بن أبي حميضة الأوزاعي وكان فارس همدان وشاعرهم فقال يا أمير
المؤمنين ان عكا والأشعرين طلبوا إلى معاوية الفرائض والعقار فأعطاهم
فباعوا الدين بالدنيا وانا رضينا بالآخرة من الدنيا وبالعراق من الشام وبك
من معاوية والله لآخرتنا خير من دنياهم ولعراقنا خير من شامهم ولإمامنا
اهدى من امامهم فامتحنا بالصبر واحملنا على الموت وقال:
- ان عكا سألوا الفرائض والأشعر * سألوا جوائزا بثنيه -
- تركوا الدين للعطاء وللفرض * فكانوا بذاك شر البرية -
- وسألنا حسن الثواب من الله * وصبرا على الجهاد ونيه -
- فلكل ما سأله ونواه * كلنا يحسب الخلاف خطيه -
- ولأهل العراق أحسن في الحر * ب إذا ما تدانت السمهرية -
- ولأهل العراق احمل للثقل * إذا عمت البلاد بليه -
- ليس منا من لم يكن في الله * وليا يا ذا الولا والوصية -
فقال علي ع حسبك رحمك الله وأثنى عليه خيرا وعلى قومه وانتهى
شعره إلى معاوية فقال والله لأستميلن بالأموال ثقات علي ولأقسمن فيهم
المال حتى تغلب دنياي آخرته.
حسن بلاء همدان بصفين
ولما أصبح الناس غدوا على مصافهم ونادى معاوية في احياء اليمن
فقال عبوا كل فارس مذكور فيكم اتقوا به لهذا الحي من همدان فخرجت
خيل عظيمة فلما رآها علي عرف انها عيون الرجال فنادى يا لهمدان فاجابه
سعيد بن قيس فقال علي احمل فحمل حتى خالط الخيل بالخيل واشتد القتال
وحطمتهم همدان حتى الحقوهم بمعاوية فقال ما لقيت من همدان وجزع
جزعا شديدا وأسرع في فرسان أهل الشام القتل وجمع علي همدان فقال يا
معشر همدان أنتم درعي ورمحي يا همدان ما نصرتم الا الله ولا أجبتم غيره
فقال سعيد بن قيس أجبنا الله وأنت ونصرنا نبي الله ص في قبره وقاتلنا معك
من ليس مثلك فارم بنا حيث أحببت وفي ذلك اليوم قال علي ع:
- ولو كنت بوابا على باب جنة * لقلت لهمدان ادخلي بسلام -
فقال علي لصاحب لواء همدان اكفني أهل حمص فاني لم الق من أحد
ما لقيت منهم فتقدم وتقدمت همدان وشدوا شدة واحدة على أهل حمص
فضربوهم ضربا شديدا متداركا بالسيوف وعمد الحديد حتى ألجأوهم إلى

(١) جمع ران وهو كالخف الا انه لا قدم له وهو أطول من الخف يحفظ به الساق.
- المؤلف -
(٥٠٥)

قبة معاوية وارتجز رجل من همدان في أرحب فقال:
- قد قتل الله رجال حمص * حرصا على المال وأي حرص -
- غروا بقول كذب وخرص * قد نكص القوم وأي نكص -
- عن طاعة الله وفحوى النص -
وحمل أهل حمص ورجل من كندة يقدمهم وهو يقول:
- قد قتل الله رجال العالية * حتى يكونوا كرجال باليه -
- من عهد عاد وثمود الثاوية * بالحجر أو يملكهم معاوية -
ولما عبا معاوية حماة الخيل لهمدان فردت خيله اسف فخرج بسيفه
فحملت عليه فوارس همدان ففارقها ركضا وانكسر حماة أهل الشام ورجعت
همدان إلى مكانها.
دعاء معاوية مروان وعمرا لقتال الأشتر
ودعا معاوية مروان بن الحكم فقال إن الأشتر قد غمني فاخرج بهذه
الخيل في كلاع ويحصب فالقه فقاتل بها فقال مروان ادع لها عمرا فإنه
شعارك دون دثارك قال وأنت نفسي دون وريدي قال لو كنت كذلك
ألحقتني به في العطاء أو ألحقته بي في الحرمان ولكنك أعطيته ما في يديك
ومنيته ما في يدي غيرك فان غلبت طاب له المقام وان غلبت خف عليه
الهرب فقال معاوية يغني الله عنك قال اما اليوم فلا ودعا معاوية عمرا وأمره
بالخروج إلى الأشتر فقال والله اني لا أقول لك كما قال مروان قال ولم تقوله
وقد قدمتك واخرته وأدخلتك وأخرجته قال عمرو اما والله لئن كنت فعلت
لقد قدمتني كافيا وأدخلتني ناصحا وقد أكثر القوم عليك في أمر مصر وإن كان
لا يرضيهم الا اخذها فخذها فخرج عمرو في تلك الخيل فلقيه الأشتر
امام الخيل وهو يقول:
- يا ليت شعري كيف لي بعمرو * ذاك الذي أوجبت فيه نذري -
- ذاك الذي اطلبه بوتري * ذاك الذي فيه شفاء صدري -
- ذاك الذي ان القه بعمري * تغل به عند اللقاء قدري -
- أو لا فربي عاذري بعذري -
فعرف عمرو انه الأشتر فجبن وفشل واستحيا ان يرجع فاقبل نحو
الصوت وهو يقول:
- يا ليت شعري كيف لي بمالك * كم فارس قتلته وفاتك -
- هذا وهذا عرضة المهالك -
فلما غشيه الأشتر بالرمح راع عنه عمرو فطعنه الأشتر في وجهه فلم
يصنع شيئا وثقل عمرو فامسك على وجهه وثنى عنان فرسه ورجع راكضا
إلى المعسكر. ونادى غلام من يحصب يا عمرو عليك العفا ما هبت الصبا
يا لحمير هاتوا اللواء فاخذه وكان غلاما شابا وهو يقول:
- ان يك عمرو قد علاه الأشتر * بأسمر فيه سنان أزهر -
- فذاك والله لعمري مفخر * يا عمرو يكفيك الطعان حمير -
- واليحصبي بالطعان أمهر * دون اللواء اليوم موت احمر -
فنادى الأشتر ابنه إبراهيم خذ اللواء فغلام لغلام فاخذه إبراهيم وتقدم
وهو يقول:
- يا أيها السائل عني لا ترع * أقدم فاني من عرانين النخع -
- كيف ترى طعن العراقي الجذع * أطير في يوم الوغى ولا أقع -
- ما ساءكم سر وما ضر نفع * أعددت ذا اليوم لهول المطلع -
وحمل على الحميري فالتقاه الحميري بلوائه ورمحه ولم يبرحا يطعن كل
واحد منهما صاحبه حتى سقط الحميري قتيلا وشمت مروان بعمرو وغضب
القحطانيون على معاوية وقالوا تولي علينا من لا يقاتل معنا ولا رجلا منا
والا فلا حاجة لنا فيك فقال لهم معاوية لا اولي عليكم بعد موقفي هذا الا
رجلا منكم. ولما أسرع أهل العراق في أهل الشام قال معاوية هذا يوم
تمحيص ان القوم قد أسرع فيهم كما أسرع فيكم فاصبروا وكونوا كراما
وحرض علي أصحابه فقام إليه الأصبغ بن نباتة فقال يا أمير المؤمنين انك
جعلتني على شرطة الخميس وقدمتني في الثقة دون الناس أو فقدمني في
البقية من الناس فإنك لا تفقد لي اليوم صبرا ولا نصرا اما أهل الشام فقد
هدهم ما أصبنا منهم واما نحن ففينا بعض البقية ائذن لي فأتقدم قال تقدم
باسم الله والبركة فتقدم واخذ الراية ومضى بها ورجع وقد خضب سيفه
ورمحه دماء وكان شيخا ناسكا عابدا وكان من ذخائر علي وممن بايعه على
الموت وكان من فرسان أهل العراق وكان علي ع يضن به على الحرب
والقتال. وكانوا قد ثقلوا عن البراز حين عضتهم الحرب فقال الأشتر يا
أهل العراق أ ما من رجل يشري نفسه لله.
تبارز الأب وابنه
فخرج أثال بن حجل فنادى بين العسكرين هل من مبارز فدعا
معاوية حجلا فقال دونك الرجل وكانا مستبصرين في رأيهما فبرز كل واحد
منهما إلى صاحبه فبدره الشيخ بطعنة فطعنه الغلام وانتمى فإذا هو ابنه فنزلا
فاعتنق كل واحد منهما صاحبه وبكيا فقال له الأب اني أثال هلم إلى الدنيا
فقال له الغلام يا أبه هلم إلى الآخرة والله يا أبه لو كان من رأيي الانصراف
إلى أهل الشام لوجب عليك ان يكون من رأيك لي ان تنهاني وا سوأتا ما ذا
أقول لعلي وللمؤمنين الصالحين كن على ما أنت عليه وانا أكون على ما انا
عليه وانصرف حجل إلى أهل الشام وانصرف أثال إلى أهل العراق فخبر
كل واحد منهما أصحابه وقال في ذلك حجل:
- ان حجل بن عامر واثالا * أصبحا يضربان في الأمثال -
- اقبل الفارس المدجج في النقع * أثال يدعو يريد نزالي -
- دون أهل العراق يخطر كالفح‍ل * على ظهر هيكل ذيال -
- فدعاني له ابن هند وما زال * قليلا في صحبه امثالي -
- فتناولته ببادرة الرم‍ح * واهوى بأسمر عسال -
- فاطعنا وذاك من حدث الده‍ر * عظيم فتى لشيخ بحال -
- شاجرا بالقناة صدر أبيه * وعظيم علي طعن أثال -
- لا أبالي حين اعترضت اثالا * واثال كذاك ليس يبالي -
- فافترقنا على السلامة والنفس * يقيها مؤخر الآجال -
- لا يراني على الهدى واراه * من هدانا على سبيل ضلال -
فلما انتهى شعره إلى أهل العراق قال ابنه أثال مجيبا له وكان مجتهدا
مستبصرا:
- ان طعني وسط العجاجة حجلا * لم يكن في الذي نويت عقوقا -
- كنت أرجو به الثواب من الله * وكوني مع النبي رفيقا -
- لم أزل انصر العراق من الشام * أراني بفعل ذاك حقيقا -
- قال أهل العراق إذ عظم الخطب * ونق المبارزون نقيقا -
(٥٠٦)

- من فتى يأخذ الطريق إلى الله * فكنت الذي أخذت الطريقا -
- حاسر الرأس لا أريد سوى الموت * ارى الأعظم الجليل دقيقا -
- فإذا فارس تقحم في النقع * خدبا مثل السحوق فنيقا -
- فبداني حجل ببادرة الطع‍ن * وما كنت قبلها مسبوقا -
- فتلقيته بعالية الرم‍ح * كلانا يطاول العيوقا -
- احمد الله ذا الجلالة والقدرة * حمدا يزيدني توفيقا -
- لم انل قتله ببادرة الطع‍مة * مني ولم أكن مفروقا -
- قلت للشيخ لست أكفرك الدهر‍ * لطيف الغذاء والتفنيقا -
- غير اني أخاف ان تدخل النار * فلا تعصني وكن لي رفيقا -
- وكذا قال لي فغرب تغري‍ * أبا وشرقت راجعا تشريقا -
ذم معاوية للأنصار
ودعا معاوية النعمان بن بشير بن سعد الأنصاري ومسلمة بن مخلد
الأنصاري ولم يكن معه من الأنصار غيرهما فقال يا هذان لقد غمني ما لقيت
من الأوس والخزرج صاروا واضعي سيوفهم على عواتقهم يدعون إلى النزال
حتى والله جبنوا أصحابي الشجاع والجبان أو حتى والله ما أسال عن فارس
من أهل الشام إلا قالوا قتله الأنصار أما والله لألقينهم بجدي وحديدي
ولاعين لكل فارس منهم فارسا ينشب في حلقه ثم لأرمينهم باعدادهم من
قريش رجال لم يغذهم التمر والطفيشل (١) يقولون نحن الأنصار قد والله
آووا ونصروا ولكن أفسدوا حقهم بباطلهم فغضب النعمان فقال يا معاوية
لا تلومن الأنصار بسرعتهم في الحرب فإنهم كذلك كانوا في الجاهلية وأما
دعاؤهم إلى النزال فلقد رأيتهم مع رسول الله ص وأما لقاؤك إياهم في
اعدادهم من قريش فقد علمت ما لقيت قريش منهم فان أحببت أن ترى
فيهم مثل ذلك آنفا فافعل وأما التمر والطفيشل فان التمر كان لنا فلما ان
ذقتموه شاركتمونا فيه وأما الطفيشل فكان لليهود فلما أكلناه غلبناهم عليه كما
غلبت قريش على السخينة (٢) ثم تكلم مسلمة بن مخلد فقال يا معاوية ان
الأنصار لا تعاب احسابها ولا نجداتها وأما غمهم إياك فقد والله غمونا ولو
رضينا ما فارقونا وما فارقنا جماعتهم وإن في ذلك لما فيه من مباينة العشيرة
ولكن حملنا ذلك ورجونا منك عوضه وأما التمر والطفيشل فإنهما يجران
عليك نسب السخينة والخرنوب (٣) وانتهى الكلام إلى الأنصار فجمع
قيس بن سعد الأنصاري الأنصار ثم قام خطيبا فيهم فقال إن معاوية قد
قال ما بلغكم وأجاب عنكم صاحبكم فلعمري لئن غظتم معاوية اليوم لقد
غظتموه بالأمس وان وترتموه في الاسلام لقد وترتموه في الشرك وما لكم إليه
من ذنب أعظم من نصر هذا الدين الذي أنتم عليه فجدوا اليوم جدا
تنسونه ما كان أمس وجدوا غدا جدا تنسونه ما كان اليوم فأنتم مع هذا
اللواء الذي كان يقاتل عن يمينه جبرائيل وعن يساره ميكائيل والقوام مع
لواء أبي جهل والأحزاب وأما التمر فانا لم نغرسه ولكن غلبنا عليه من غرسه
وأما الطفيشل فلو كان طعامنا سمينا به كما سميت قريش السخينة ثم قال
قيس بن سعد في ذلك شعرا:
- يا ابن هند دع التوثب في الحر * ب إذا نحن بالجياد سرينا -
- نحن من قد علمت فادن إذا شئت * بمن شئت في العجاج إلينا -
- ان تشأ فارس له فارس منا * وإن شئت باللفيف التقينا -
- اي هذين ما أردت فخذه * ليس منا وليس منك الهوينا -
- ثم لا تنزع العجاجة حتى * تنجلي حربنا لنا أو علينا -
- ليت ما تطلب الغداة أتانا * أنعم الله بالشهادة عينا -
- أننا أننا الذين لدى الفتح * شهدنا وخيبرا وحنينا -
- بعد بدر وتلك قاصمة الظهر * واحد وبالنضير ثنينا -
- يوم الأحزاب فيه قد علم الناس * شفينا من نحوكم واشتفينا -
فلما بلغ شعره معاوية دعا عمرو بن العاص فقال ما ترى في شتم
الأنصار قال أرى أن توعد ولا تشتم ما عسى أن تقول لهم إذا أردت ذمهم
ذم أبدانهم ولا تذم أحسابهم، قال معاوية ان خطيب الأنصار قيس بن
سعد يقوم كل يوم خطيبا وهو والله يريد أن يفنينا غدا إن لم يحبسه عنا
حابس الفيل فما الرأي؟ قال: الرأي التوكل والصبر، فأرسل معاوية إلى
رجال من الأنصار فعاتبهم فمشوا إلى قيس فقالوا ان معاوية لا يريد شتمنا
فكف عن شتيمه فقال إن مثلي لا يشتم ولكن لا أكف عن حربه حتى القى
الله. وتحركت الخيل غدوة فظن قيس بن سعد أن فيها معاوية فحمل على
رجل يشبهه فقنعه بالسيف فإذا هو غير معاوية، وحمل على آخر يشبهه أيضا
فضربه ثم انصرف، فلما تحاجز الفريقان شتمه معاوية شتما قبيحا وشتم
الأنصار فغضب النعمان ومسلمة فأرضاهما بعد ما هما أن ينصرفا إلى
قومهما. ثم أن معاوية سال النعمان أن يخرج إلى قيس فيعاتبه ويسأله
السلم فخرج فقال له: يا قيس أ لستم معشر الأنصار تعلمون أنكم أخطأتم
في خذل عثمان وقتلتم أنصاره يوم الجمل وأقحمتم خيولكم على أهل الشام
بصفين فلو كنتم إذ خذلتم عثمان خذلتم عليا لكانت واحدة بواحدة
ولكنكم خذلتم حقا ونصرتم باطلا ثم لم ترضوا أن تكونوا كالناس حتى
أعملتم في الحرب ودعوتم إلى البراز ثم لم ينزل بعلي أمر قط إلا هونتم عليه
المصيبة ووعدتموه الظفر وقد أخذت الحرب منا ومنكم ما قد رأيتم فاتقوا
الله في البقية. فضحك قيس ثم قال: ما كنت أراك يا نعمان تجترئ على هذه
المقالة أنه لا ينصح أخاه من غش نفسه، وأنت والله الغاش الضال
المضل، أما ذكرك عثمان فإن كانت الأخبار تكفيك فخذ عني واحدة: قتل
عثمان من لست خيرا منه وخذله من هو خير منك، وأما أصحاب الجمل
فقاتلناهم على النكث، وأما معاوية فوالله أن لو اجتمعت عليه العرب
لقاتلته الأنصار، وأما قولك أنا لسنا كالناس فنحن في هذه الحرب كما كنا
مع رسول الله ص نتقي السيوف بوجوهنا والرماح بنحورنا حتى جاء الحق
وظهر أمر الله وهم كارهون، ولكن انظر يا نعمان هل ترى مع معاوية إلا
طليقا أو أعرابيا أو يمانيا مستدرجا بغرور؟ أين المهاجرون والأنصار
والتابعون باحسان الذين رضي الله عنهم؟ ثم هل ترى مع معاوية غيرك
وصويحبك ولستما والله ببدريين ولا أحديين ولا لكما سابقة في الاسلام ولا
آية في القرآن، ولعمري لئن شغبت علينا لقد شغب علينا أبوك يشير إلى
ما فعله أبوه يوم السقيفة، وقال قيس في ذلك:
- والراقصات بكل أشعث أغبر * خوص العيون تحثها الركبان -
- ما ابن المخلد ناسيا أسيافنا * عمن نحاربه ولا النعمان -

(١) الطفيشل كسميذع مرق معروف.
(٢) السخينة كسفينة طعام رقيق يتخذ من دقيق كانت تتخذه قريش فعيرت به وصار لقبا لها قال
الشاعر:
- زعمت سخينة ان ستغلب ربها * وليغلبن مغالب الغلاب -
فكما عير معاوية الأنصار بالطفيشل عيره النعمان بالسخينة.
(٣) الخرنوب ثمر الشوك الذي يوقد بالعراق شبيه بالكلى لا بالتفاح كما في بعض كتب اللغة أما
الثمر الحلو الذي يتخذ منه الدبس ببلاد الشام فهو الخروب لا الخرنوب وبعض أهل اللغة
خلط بينهما وليس بصحيح والخرنوب يؤكل في المجاعة وكأن قريشا كانت تأكله فتعير به.
(٥٠٧)

- تركا العيان وفي العيان كفاية * لو كان ينفع صاحبيه عيان -
قال نصر: كان فارس أهل الكوفة الذي لا ينازع العكبر بن جدير
الأسدي وفارس أهل الشام الذي لا ينازع عوف بن مجزاة المرادي المكنى أبا
أحمر، وهو أبو الذي استنقذ الحجاج بن يوسف يوم صرع في المسجد
بمكة، وكان العكبر له عبادة ولسان لا يطاق، فقام إلى علي ع وقال يا
أمير المؤمنين إن في أيدينا عهدا من الله لا نحتاج فيه إلى الناس وقد ظننا
باهل الشام الصبر وظنوا بنا فصبرنا وصبروا وقد عجبت من صبر أهل
الدنيا لأهل الآخرة ثم قرأت آية من كتاب الله فعلمت أنهم مفتونون: ألم
أ حسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون الآية فاثنى عليه
علي خيرا وقال له خيرا. وخرج الناس إلى مصافهم وخرج المرادي نادرا
من الناس وكذلك كان يصنع وقد كان قتل قيل ذلك نفرا مبارزة فنادى يا
أهل العراق هل من رجل عصاه سيفه يبارزني ولا أغركم من نفسي فانا
فارس رؤوف فصاح الناس بالعكبر فخرج إليه منقطعا من أصحابه والناس
وقوف والمرادي يقول:
- بالشام أمن ليس فيه خوف * بالشام عدل ليس فيه حيف -
- أنا المرادي ورهطي روف * أنا ابن مجزاة واسمي عوف -
- هل من عراقي عصاه سيف * يبرز لي وكيف لي وكيف -
فبرز إليه العكبر وهو يقول:
- الشام محل والعراق تمطر * بها الامام والامام معذر -
- أنا العراقي واسمي العكبر * ابن جدير وأبوه المنذر -
- ادن فاني للكمي مصحر -
فاطعنا فصرعه العكبر فقتله ومعاوية على التل في جماعة فوجه العكبر
فرسه فملأ فروجه ركضا يضربه بالسوط مسرعا نحو التل فنظر إليه معاوية
فقال إن هذا الرجل مغلوب على عقله أو مستأمن اسألوه فاتاه رجل وهو في
حمو فرسه فناداه فلم يجبه فمضى حتى انتهى إلى معاوية وجعل يطعن في
أعراض الخيل ورجا المعكبر أن يفردوا له معاوية فقتل رجالا وقام القوم دون
معاوية بالسيوف والرماح فلما لم يصل إليه نادى أولى لك يا ابن هند وأنا
الغلام الأسدي ورجع إلى علي فقال له ما دعاك إلى ما صنعت يا عكبر؟
قال: أردت غرة ابن هند وكان شاعرا فقال:
- قتلت المرادي الذي جاء باغيا * ينادي وقد ثار العجاج نزال -
- يقول أنا عوف بن مجزاة والمنى * لقاء ابن مجزاة بيوم قتال -
- فقلت له لما علا القوم صوته * بليت بمشبوح اليدين طوال -
- فأوجرته في معظم النقع صعدة * ملأت بها رعبا قلوب رجال -
- وقدمت مهري راكضا نحو صفهم * أعرقه في جريه بشمالي -
- أريد به التل الذي فوق رأسه * معاوية الجاني لكل خبال -
- فلما رأوني أصدق الطعن فيهم * جلا عنهم رجم الغيوب فعالي -
- فقام رجال دونه بسيوفهم * وقام رجال دونه بعوالي -
- فلو نلته نلت التي ليس بعدها * من الأمر شئ غير قيل وقال -
- ولو مت في نيل المنى ألف ميتة * لقلت إذا ما مت لست أبالي -
وانكسر أهل الشام لقتل المرادي وهدر معاوية دم العكبر فقال العكبر
يد الله فوق يد معاوية فأين دفاع الله عن المؤمنين. قال نصر: وكانت
طلائع أهل الشام وأهل العراق يلتقون فيما بين ذلك ويتناشدون الأشعار
ويفخر بعضهم على بعض ويحدث بعضهم بعضا على أمان، فالتقوا يوما
وفيهم النجاشي فتذاكروا رجراجة علي وخضرية معاوية فالأولى أربعة
آلاف مجفف من همدان مع سعيد بن قيس الهمداني عليهم البيض والسلاح
والدروع والرجراجة الكتيبة التي تموج من كثرتها أو تمخض في سيرها ولا
تكاد تسير لكثرتها والثانية أربعة آلاف مع عبيد الله بن عمر عليهم ثياب
خضر أو معلمون بالخضرة وتسمى الرقطاء أيضا كما مر، فافتخر كل قوم
بكتيبتهم وقالوا في ذلك الاشعار. قال نصر: وجزع أهل الشام على
قتلاهم جزعا شديدا فقال معاوية بن خديج: يا أهل الشام قبح الله ملكا
يملكه المرء بعد حوشب وذي الكلاع، فقال معاوية: يا أهل الشام ما
جعلكم الله أحق بالجزع على قتلاكم من أهل العراق على قتلاهم، فوالله
ما ذو الكلاع فيكم بأعظم من عمار بن ياسر فيهم، ولا حوشب فيكم
بأعظم من هاشم فيهم، وما عبيد الله بن عمر فيكم بأعظم من ابن بديل
فيهم، وما الرجال إلا أشباه، فابشروا فان الله قد قتل من القوم عمار بن
ياسر وهو فتاهم، وهاشما وكان جمرتهم، وابن بديل وهو فاعل الأفاعيل
وبقي الأشعث والأشتر وعدي بن حاتم، فاما الأشعث فإنما حمى عنه
مصره وأما الأشتر وعدي فغضبا للفتنة والله قاتلهما غدا، فقال ابن
خديج: إن يكن الرجال عندك أشباها فليست عندنا كذلك وغضب ابن
خديج. وروى نصر عن عمر بن سعد عن عبد الرحمن بن عبد الله أن
عبد الله بن كعب قتل يوم صفين فمر به الأسود بن قيس باخر رمق فقال
عز علي والله مصرعك أما والله لو شهدتك لآسيتك ولدافعت عنك ولو
أعرف الذي أشعرك (١) لأحببت أن لا يزايلني حتى اقتله أو يلحقني بك ثم
نزل إليه فقال والله إن كان جارك ليأمن بوائقك وإن كنت لمن الذاكرين الله
كثيرا أوصني رحمك الله قال أوصيك بتقوى الله وأن تناصح أمير المؤمنين
وأن تقاتل معه المحلين حتى يظهر الحق أو تلحق بالله وأبلغه عني السلام
وقل له قاتل على المعركة حتى تجعلها خلف ظهرك فإنه من أصبح والمعركة
خلف ظهره كان الغالب، ثم لم يلبث أن مات فاقبل الأسود إلى علي فأخبره
فقال رحمه الله جاهد معنا عدونا في الحياة و نصح لنا في الوفاة. وروى نصر
أن معاوية جمع كل قرشي بالشام فقال: العجب يا معشر قريش أنه ليس
لأحد منكم في هذه الحرب فعال يطول به لسانه ما عدا عمرا فما بالكم أين
حمية قريش؟ فغضب الوليد بن عقبة وقال: وأي فعال تريد؟ والله ما
نعرف في أكفائنا من قريش العراق من يغني عنا باللسان ولا باليد، فقال
معاوية: بل إن أولئك وقوا عليا بأنفسهم، قال الوليد: كلا بل وقاهم
علي بنفسه، قال ويحكم أ ما منكم من يقوم لقرنه منهم مبارزة أو مفاخرة
فقال مروان أما البراز فان عليا لا يأذن لحسن ولا لحسين ولا لمحمد بنيه فيه
ولا لابن عباس واخوته ويصلى بالحرب دونهم فلأيهم نبارز؟ وأما المفاخرة
فبما ذا نفاخرهم أ بالاسلام أم بالجاهلية؟ فإن كان بالاسلام فالفخر لهم
بالنبوة، وإن كان بالجاهلية فالملك فيه لليمن فان قلنا قريش قالت العرب
فأقروا لبني عبد المطلب.
ما جرى بين عتبة بن أبي سفيان وجعدة بن هبيرة
فقال عتبة بن أبي سفيان ألهوا عن هذا فاني لاق بالغداة جعدة بن
هبيرة فقال معاوية بخ بخ قومه بنو مخزوم وأمه أم هاني بنت أبي طالب وأبوه
هبيرة بن أبي وهب كفو كريم ونابذ معاوية الوليد بن عقبة فاغلظ له الوليد

(١) كأنه من أشعر البدنة إذا جرحها في سنامها.
(٥٠٨)

وظهر العتاب بين عتبة والقوم حتى أغلظ لهم وأغلظوا له، ثم ما أمسوا
حتى اصطلحوا وأرضاهم معاوية من نفسه ووصلهم بأموال جليلة وبعث إلى
أخيه عتبة ما أنت صانع في جعدة قال ألقاه اليوم وأقاتله غدا وكان لجعدة في
قريش شرف عظيم وكان له لسان وكان من أحب الناس إلى علي فغدا عليه
عتبة فنادى يا جعدة يا جعدة فاستأذن عليا في الخروج إليه فاذن له فاجتمع
الناس لكلامهما فقال عتبة يا جعدة إنه والله ما أخرجك علينا إلا حب
خالك وعمك ابن أبي سلمة عامل البحرين وإنا والله ما نزعم أن معاوية
أحق بالخلافة من علي لولا أمره في عثمان ولكن معاوية أحق بالشام لرضا
أهلها به فاعفوا لنا عنها فوالله ما بالشام رجل به طرف إلا وهو أجد من
معاوية في القتال وما بالعراق من له مثل جد علي في القتال ونحن أطوع
لصاحبنا منكم لصاحبك وما أقبح بعلي أن يكون في قلوب المسلمين أولى
الناس بالناس حتى إذا أصاب سلطانا افنى العرب فقال جعدة: أما حبي
لخالي فوالله لو كان لك خال مثله لنسيت أباك وأما ابن أبي سلمة فلم يصب
أعظم من قدره والجهاد أحب إلي من العمل وأما فضل علي على معاوية
فهذا ما لا يختلف فيه وأما رضاك اليوم بالشام فقد رضيتم بها أمس وأما
قولك أنه ليس بالشام من رجل إلا وهو أجد من معاوية وليس بالعراق
لرجل مثل جد علي فهكذا ينبغي أن يكون مضى بعلي يقينه وقصر بمعاوية
شكه وقصد أهل الحق خير من جهد أهل الباطل وأما قولك نحن أطوع
لمعاوية منكم لعلي فوالله لا نسأله إن سكت ولا نرد عليه إن قال وأما قتل
العرب فان الله كتب القتال فمن قتله الحق فإلى الله. فغضب عتبة وفحش
على جعدة فلم يجبه واعرض عنه وانصرفا جميعا مغضبين وجمع عتبة خيله
فلم يستبق منها وجل أصحابه السكون والأزد والصدف وتهيأ جعدة بما
استطاع فالتقيا وصبر القوم جميعا وباشر جعدة القتال بنفسه وجزع عتبة
فأسلم خيله وأسرع هاربا إلى معاوية فقال له فضحك جعدة وهزمك لا
تغسل رأسك منها أبدا قال عتبة. لا والله لا أعود إلى مثلها أبدا وقد
أعذرت وما كان على أصحابي من عتب ولكن الله أبى أن يديلنا منهم فما
أصنع، فحظي بها جعدة عند علي، وقال النجاشي أبياتا يذكر فيها ذلك
وقال الشني مثلها وذكرناهما في ترجمة جعدة. قال نصر: وأظهر علي ع
أنه مصبح غدا معاوية ومناجزه فبلغ ذلك معاوية وفزع أهل الشام لذلك
وانكسروا لقوله وكان معاوية بن الضحاك بن سفيان صاحب راية بني سليم
مع معاوية وكان مبغضا لمعاوية وكان يكتب بالاخبار إلى عبد الله بن الطفيل
العامري ويبعث بها إلى علي فبعث إلى عبد الله بن الطفيل إني قائل شعرا
أذعر به أهل الشام وأذعر به معاوية وكان معاوية لا يتهمه وكان له فضل
ونجدة ولسان فقال ليلا ليسمع أصحابه من أبيات:
- ألا ليت هذا الليل أصبح سرمدا * علينا وأنا لا نرى بعده غد -
- حذار علي أنه غير مخلف * مدى الدهر ما لبى الملبون موعدا -
- كأني به في الناس كاشف رأسه * على ظهر خوار الرحالة اجردا -
- يخوض غمار الموت في مرجحنة * ينادون في نقع العجاج محمدا -
- فوارس بدر والنضير وخيبر * واحد يروون الصفيح المهندا -
- ويوم حنين جاهدوا عن نبيهم * فريقا من الأحزاب حتى تبددا -
- هنالك لا تلوي عجوز على ابنها * وإن أكثرت في القول نفسي لك الفدا -
- فقل لابن حرب ما الذي أنت صانع * أ تثبت أم ندعوك في الحرب قعددا -
- فلا رأي إلا تركنا الشام جهرة * وإن أبرق الفجفاج فيها وارعدا -
فلما سمع أهل الشام شعره أتوا به معاوية فهم بقتله ثم راقب فيه
قومه وطرده عن الشام فلحق بمصر وقال معاوية والله لقول السلمي أشد
على أهل الشام من لقاء علي وقال الأشتر حين قال علي انني مناجز القوم إذا
أصبحت:
- قد دنا الفصل في الصباح وللسلم * رجال وللحروب رجال -
- فرجال الحروب كل خدب * مقحم لا تهده الأهوال -
- يضرب الفارس المدجج بالسيف * إذا قل في الوغى الاكفال -
- يا ابن هند شد الحيازيم للموت * ولا تذهبن بك الآمال -
- إن في الصبح إن بقيت لأمراء * تتنادى من هوله الأبطال -
- فيه عز العراق أو ظفر الشام * باهل العراق والزلزال -
- فاصبرن للطعان بالأسل السم * ر وضرب تجري به الأمثال -
- إن تكونوا قتلتم النفر النبيض * وغالت أولئك الآجال -
- فلنا مثلهم وإن عظم الخطب * قليل أمثالهم ابدال -
- يخضبون الوشيج طعنا إذا جرر * للموت بينهم أذيال -
- طلبوا الفوز في المعاد وفي ذا * تستهان النفوس والأموال -
فلما انتهى إلى معاوية شعر الأشتر قال شعر منكر من شاعر منكر
رأس أهل العراق وعظيمهم ومسعر حربهم وأول الفتنة وآخرها.
كتاب معاوية إلى علي يسأله الشام وجواب علي له
وقال معاوية رأيت أن أكتب إلى علي كتابا أساله الشام والقي في نفسه
الشك والرقة فضحك عمرو بن العاص وقال أين أنت يا معاوية من خدعة
علي فقال أ لسنا بني عبد مناف قال بلى ولكن لهم النبوة دونك وإن شئت أن
تكتب فاكتب فكتب إليه:
أما بعد فاني أظنك أن لو علمت أن الحرب تبلغ بنا وبك ما بلغت
وعلمنا لم يجنها بعضنا على بعض وإن كنا قد غلبنا على عقولنا فقد بقي لنا
منها ما نندم به على ما مضى ونصلح به ما بقي وقد كنت سألتك الشام على
أن لا يلزمني لك طاعة ولا بيعة فأبيت ذلك علي فأعطاني الله ما منعت وأنا
أدعوك اليوم إلى ما دعوتك إليه أمس فاني لا أرجو من البقاء إلا ما ترجو ولا
أخاف من الموت إلا ما تخاف وقد والله رقت الأجناد وذهبت الرجال ونحن
بنو عبد مناف ليس لبعضنا على بعض فضل الا فضل لا يستذل به عزيز ولا
يسترق به حر والسلام. فلما انتهى كتاب معاوية إلى علي قرأه ثم قال
العجب لمعاوية وكتابه ثم دعا عبيد الله بن أبي رافع كاتبه فقال اكتب: أما
بعد فقد جاءني كتابك تذكر أنك لو علمت وعلمنا أن الحرب تبلغ بنا وبك
ما بلغت لم يجنها بعضنا على بعض فانا وإياك منها في غاية لم تبلغها وإني لو
قتلت في ذات الله وحييت ثم قتلت ثم حييت سبعين مرة لم أرجع عن
الشدة في ذات الله والجهاد لأعداء الله وأما قولك انه قد بقي من عقولنا ما
نندم به على ما مضى فاني ما نقصت عقلي ولا ندمت على فعلي فاما طلبك
الشام فاني لم أكن لأعطيك اليوم ما منعتك أمس وأما استواؤنا في الخوف
والرجاء فإنك لست بأمضى على الشك مني على اليقين وليس أهل الشام
بأحرص على الدنيا من أهل العراق على الآخرة وأما قولك أنا بنو عبد مناف
ليس لبعضنا على بعض فضل فلعمري أنا بنو أب واحد ولكن ليس أمية
كهاشم ولا حرب كعبد المطلب ولا أبو سفيان كابي طالب ولا المهاجر
كالطليق ولا المحق كالمبطل وفي أيدينا فضل النبوة التي أذللنا بها العزيز
وأعززنا بها الذليل والسلام. فلما أتى معاوية كتاب علي كتمه عن عمرو بن
العاص أياما ثم دعاه فاقرأه الكتاب فشمت به عمرو ولم يكن أحد من
(٥٠٩)

قريش أشد تعظيما لعلي من عمرو منذ يوم لقيه وصفح عنه فقال عمرو فيما
كان أشار به على معاوية:
- إلا لله درك يا ابن هند * ودر الآمرين لك الشهود -
- أ تطمع لا أبا لك في علي * وقد قرع الحديد -
- على الحديد وترجو ان تخبره بشك * وترجو ان يهابك بالوعيد -
- وقد كشف القناع وجر حربا * يشيب لهولها رأس الوليد -
- له جاءوا مظلمة طحون * فوارسها تلهب كالأسود -
- يقول لها إذا دلفت إليه * وقد ملت طعان القوم عودي -
- فان وردت فاولها ورودا * وان صدرت فليس بذي صدود -
- وما هي من أبي حسن بنكر * وما هي من مسائك بالبعيد -
- وقلت له مقالة مستكين * ضعيف الركن منقطع الوريد -
- دعن الشام حسبك يا ابن هند * من السوءات والرأي الزهيد -
- ولو أعطاكها ما ازددت عزا * ولا لك لو أجابك من مزيد -
- ولم تكسر بذاك الرأي عودا * لركته ولا ما دون عود -
فلما بلغ معاوية قول عمرو دعاه فقال اني اعلم ما أردت بهذا قال ما
أردت قال أردت تفييل رأيي واعظام علي وقد فضحك فقال اما تفييلي رأيك
فقد كان واما اعظامي عليا فإنك باعظامه أشد معرفة مني ولكنك تطويه
وانا انشره واما فضيحتي فلم يفتضح امرؤ لقي أبا حسن.
ليلة الهرير
روى نصر بن مزاحم إن عليا ع غلس بالناس في صلاة
الغداة يوم الثلاثاء عاشر ربيع الأولى سنة ٣٧ وقيل عاشر صفر ثم زحف
إلى أهل الشام بعسكر العراق والناس على راياتهم وزحف إليهم أهل الشام
وقد كانت الحرب اكلت الفريقين ولكنها في أهل الشام أشد نكاية
وأعظم وقعا فقد ملوا الحرب وكرهوا القتال وتضعضعت أركانهم فخرج
رجل من أهل العراق على فرس كميت ذنوب عليه السلاح لا يرى منه إلا
عيناه وبيده الرمح فجعل يضرب رؤوس أصحاب علي بالقناة وهو يقول
سووا صفوفكم حتى إذا عدل الصفوف والرايات استقبلهم بوجهه وولى
أهل الشام ظهره ثم حمد الله وأثنى عليه ثم قال الحمد لله الذي جعل فيكم
ابن عم نبيكم اقدمهم هجرة وأولهم اسلاما سيف من سيوف الله صبه على
أعدائه فانظروا إلي إذا حمي الوطيس وثار القتام وتكسرت المران وجالت
الخيل بالابطال فلا اسمع إلا غمغمة أو همهمة ثم حمل على أهل الشام
وكسر فيهم رمحه ثم رجع فإذا هو الأشتر: وخرج رجل من أهل الشام
ينادي بين الصفين يا أبا حسن يا علي أبرز لي فخرج إليه علي حتى اختلفت
أعناق دابتيهما فقال يا علي ان لك قدما في الاسلام وهجرة فهل لك في أمر
اعرضه عليك يكون فيه حقن هذه الدماء وتأخير هذه الحروب حتى ترى من
رأيك فقال له علي وما ذاك قال ترجع إلى عراقك فنخلي بينك وبين أهل العراق
ونرجع إلى شامنا فتخلي بيننا وبين الشام فقال له علي لقد عرفت انك
إنما عرضت هذا نصيحة وشفقة ولقد أهمني هذا الامر وأسهرني وضربت
انفه وعينه فلم أجد إلا القتال أو الكفر بما انزل على محمد ص ان الله تبارك
وتعالى لم يرض من أوليائه ان يعصى في الأرض وهم سكوت مذعنون لا
يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر فوجدت القتال أهون علي من معالجة
الأغلال في جهنم فرجع الشامي وهو يسترجع ولما كان قبل ليلة الهرير بليلة
قال أصحاب معاوية والله ما نبرح العرصة حتى يفتح الله لنا أو نموت وقال
أصحاب علي ع مثل ذلك فباكروا القتال غدا يوما من أيام الشعرى
طويلا شديد الحر فتراموا بالنبل حتى فنيت نبالهم ثم تطاعنوا بالرماح حتى
تقصفت واندقت ثم مشى بعضهم إلى بعض بالسيوف وقد كسروا جفونها
وعمد الحديد فلم يسمع السامع إلا تغمغم القوم وتكادم الأفواه وصليل
السيوف في الهام ووقع الحديد بعضه على بعض لهو أشد هولا في صدور
الرجال من الصواعق ومن جبال تهامة يدك بعضها بعضا وكسفت الشمس
وثار القتام وضلت الألوية والرايات فاجتلدوا بالسيوف وعمد الحديد من
صلاة الغداة إلى نصف الليل ومرت مواقيت أربع صلوات لم يسجد لله
فيهن سجدة ولم يصلوا لله صلاة إلا التكبير ثم استمر القتال من نصف
الليل إلى ارتفاع الضحى وافترقوا على سبعين ألف قتيل في ذلك اليوم
وتلك الليلة وهي ليلة الهرير والأشتر في ميمنة الناس وابن عباس
في الميسرة وعلي في القلب والأشتر في هذا الحال يسير فيما بين الميمنة
والميسرة فيأمر كل قبيلة أو كتيبة من القراء بالاقدام على التي تليها فلم
يزل يفعل ذلك حتى أصبح والمعركة خلف ظهره ونادت المشيخة في
تلك الغمرات يا معشر العرب الله الله في الحرمات من النساء والبنات قال
جابر فبكى أبو جعفر محمد الباقر ع وهو يحدثني بهذا الحديث وجعل
الأشتر يقول لأصحابه وهو يزحف بهم نحو أهل الشام ازحفوا قيد رمحي
هذا فإذا فعلوا قال ازحفوا قاب هذا القوس فإذا فعلوا سألهم مثل ذلك حتى
مل أكثر الناس الاقدام ثم دعا بفرسه وركز رايته وكانت مع حيان بن هوذة
النخعي واقبل الأشتر على فرس له كميت محذوف قد وضع مغفره على
قربوس السرج وهو يقول اصبروا يا معشر المؤمنين فقد حمي الوطيس
ورجعت الشمس من الكسوف واشتد القتال وخرج يسير في الكتائب ويقول
ألا من يشري نفسه لله ويقاتل مع الأشتر حتى يظهر أو يلحق بالله فلا يزال
الرجل من الناس يخرج إليه ويقاتل معه. ويقول واحد في تلك الحال اي
رجل هذا لو كانت له نية فيقول له صاحبه وأي نية أعظم من هذه ثكلتك
أمك وهبلتك إن رجلا فيما قد ترى قد سبح في الدماء وما أضجرته الحرب
وقد غلت هام الكماة من الحر وبلغت القلوب الحناجر وهو كما ترى يقول
هذه المقالة اللهم لا تبقنا بعد هذا. ثم قام الأشتر في أصحابه فقال شدوا
فدا لكم عمي وخالي شدة ترضون بها الله وتعزون بها الدين فإذا شددت
فشدوا ثم نزل وضرب وجه دابته ثم قال لصاحب رايته أقدم فاقدم بها ثم
شد على القوم وشد معه أصحابه يضرب أهل الشام حتى انتهى بهم إلى
عسكرهم فقاتلوا عند المعسكر قتالا شديدا فقتل صاحب رايته واخذ علي لما
رأى الظفر قد جاء من قبله يمده بالرجال وخطب الأشعث بن قيس في كندة
ليلة الهرير فقال ملاما ظاهره النصح لقومه وباطنه الغش لعلي ع فمما
قال: قد رأيتم يا معشر المسلمين ما قد كان في يومكم هذا الماضي وما فني
فيه من العرب فوالله لقد بلغت من السن ما شاء الله ان أبلغ فما رأيت مثل
هذا اليوم قط الا فليبلغ الشاهد الغائب إنا ان نحن تواقفنا غدا انه لفناء
العرب وضيعة الحرمات اما والله ما أقول هذه المقالة جزعا من الحتف ولكني
رجل مسن أخاف على النساء والذراري غدا إذا فنينا. وروى نصر عن
عمرو بن شمر عن جابر بن عمير الأنصاري قال والله لكأني اسمع عليا يوم
الهرير حين سار أهل الشام وذلك بعد ما طحنت رحى مذحج فيما بيننا وبين
عك ولخم وجذام والأشعريين بأمر عظيم تشيب منه النواصي من حين
استقبلت الشمس حتى قام قائم الظهيرة ثم إن عليا قال حتى متى نخلي بين
هذين الحيين قد فنيا وأنتم وقوف تنظرون إليهم أ ما تخافون مقت الله ثم
(٥١٠)

انفتل إلى القبلة ورفع يديه إلى الله ثم نادى يا الله يا رحمن يا واحد يا صمد
يا الله يا اله محمد اللهم إليك نقلت الأقدام وأفضت القلوب ورفعت
الأيدي وامتدت الأعناق وشخصت الابصار وطلبت الحوائج إنا نشكو إليك
غيبة نبينا ص وكثرة عدونا وتشتت أهوائنا ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق
وأنت خير الفاتحين سيروا على بركة الله ثم نادى لا إله إلا الله والله أكبر
كلمة التقوى. قال الراوي لا والله الذي بعث محمدا ص بالحق نبيا ما
سمعنا برئيس قوم منذ خلق الله السماوات والأرض أصاب بيده في يوم
واحد ما أصاب يخرج بسيفه منحنيا فيقول معذرة إلى الله واليكم من هذا
لقد همت ان أفلقه ولكن حجزني عنه اني سمعت رسول الله ص يقول
كثيرا:
- لا سيف إلا ذو الفقار * ولا فتى إلا علي -
وانا أقاتل به دونه قال فكنا نأخذه فنقومه ثم يتناوله من أيدينا فيقتحم
به في عرض الصف فلا والله ما ليث باشد نكاية منه في عدوه وخطب
علي ع الناس فقال أيها الناس قد بلغ بكم الامر وبعدوكم ما قد رأيتم
ولم يبق منهم إلا آخر نفس وإن الأمور إذا أقبلت اعتبر آخرها بأولها وقد
صبر لكم القوم على غير دين حتى بلغنا منهم وانا غاد عليهم بالغداة
أحاكمهم إلى الله عز وجل.
رفع المصاحف
فبلغ ذلك معاوية فدعا عمرو بن العاص فقال يا عمرو انما هي الليلة
حتى يغدو علي علينا بالفيصل فما ترى قال ارى إن رجالك لا يقومون
لرجاله ولست مثله هو يقاتلك على أمر وأنت تقاتله على غيره أنت تريد
البقاء وهو يريد الفناء وأهل العراق يخافون منك ان ظفرت بهم وأهل الشام
لا يخافون عليا ان ظفر بهم ولكن الق إليهم أمرا إن قبلوه اختلفوا وإن ردوه
اختلفوا ادعهم إلى كتاب الله حكما فيما بينك وبينهم فإنك بالغ به حاجتك
في القوم فاني لم أزل أؤخر هذا الامر لحاجتك إليه فقال معاوية صدقت.
وأصبح أهل الشام وقد رفعوا المصاحف على رؤوس الرماح وقلدوها
الخيل، والناس على راياتهم قال تميم بن حذيم لما أصبحنا من ليلة الهرير
نظرنا فإذا أشباه الرايات امام صف أهل الشام وسط الفيلق فلما ان أسفرنا
فإذا هي المصاحف قد ربطت على أطراف الرماح وكان جميعها خمسمائة
مصحف فاستقبلوا عليا بمائة مصحف ووضعوا في كل مجنبة مائتي مصحف
وشدوا ثلاثة رماح جميعا وربطوا عليها مصحف المسجد الأعظم يمسكه
عشرة رهط ونادوا يا أهل العراق كتاب الله بيننا وبينكم يا معشر العرب الله
الله في نسائكم وبناتكم فمن للروم والأتراك وأهل فارس غدا إذا فنيتم الله
الله في دينكم واقبل أبو الأعور السلمي على برذون أبيض وقد وضع
المصحف على رأسه ينادي يا أهل العراق كتاب الله بيننا وبينكم فقال أمير
المؤمنين اللهم انك تعلم أنهم ما الكتاب يريدون فاحكم بيننا وبينهم انك
أنت الحكيم الحق المبين فاختلف أصحاب علي ع في الرأي فطائفة قالت
القتال وطائفة قالت المحاكمة إلى الكتاب لا يحل لنا الحرب وقد دعينا إلى
حكم الكتاب وتمت الحيلة على أهل العراق، واقبل عدي بن حاتم فقال يا
أمير المؤمنين إن كان أهل الباطل لا يقومون باهل الحق فإنه لم يصب عصبة
منا إلا وقد أصيب مثلها منهم وكل مقروح ولكنا أمثل بقية منهم وقد جزع
القوم وليس بعد الجزع إلا ما تحب فناجز القوم فقام الأشتر النخعي فقال
إن معاوية لا خلف له من رجاله ولك بحمد الله الخلف ولو كان له مثل
رجالك لم يكن له مثل صبرك ولا بصرك فاقرع الحديد بالحديد واستعن بالله
الحميد وقام عمرو بن الحمق فقال يا أمير المؤمنين انا والله ما اخترناك ولا
نصرناك عصبية على الباطل ولا أحببنا إلا الله عز وجل ولا طلبنا إلا الحق
ولو دعانا غيرك إلى ما دعوتنا إليه لكان فيه اللجاج وطالت فيه النجوى وقد
بلغ الحق مقطعه وليس لنا مع رأيك رأي وقام الأشعث بن قيس مغضبا
فقال يا أمير المؤمنين انا لك اليوم على ما كنا عليه أمس وقد صدق
وليس آخر امرنا كأوله وما من القوم أحد احنى على أهل العراق ولا اوتر
لأهل الشام مني فأجب القوم إلى كتاب الله فإنك أحق به منهم وقد أحب
الناس البقاء وكرهوا القتال. وماح الناسي وقالوا أكلتنا الحرب وقتلت
الرجال وقال قوم نقاتل القوم على ما قاتلناهم عليه أمس ولم يقل هذا إلا
قليل من الناس فقال أمير المؤمنين ع إنه لم يزل أمري معكم على
ما أحب إلى أن أخذت منكم الحرب وقد والله أخذت منكم وتركت
واخذت من عدوكم فلم تترك وانها فيهم أنكى وانهك إلا اني كنت بالأمس
أمير المؤمنين فأصبحت اليوم مأمورا وكنت ناهيا فأصبحت منهيا وقد أحببتم
البقاء وليس لي ان أحملكم على ما تكرهون ثم قعد. وتكلم رؤساء القبائل
فاما من ربيعة وهي الجبهة العظمى فقام كردوس بن هانئ البكري فقال
أيها الناس انا والله ما تولينا معاوية منذ تبرأنا منه ولا تبرأنا من علي مذ
توليناه وإن قتلانا لشهداء وإن أحياءنا لأبرار وإن عليا لعلى بينة من ربه وما
أحدث الا الإنصاف وكل محق منصف فمن سلم له نجا ومن خالفه هلك
وقام شقيق بن ثور البكري فقال أيها الناس إنا دعونا أهل الشام إلى كتاب
الله فردوه علينا فقاتلناهم عليه وانهم دعونا إلى كتاب الله فان رددناه عليهم
حل لهم منا ما حل لنا منهم ولسنا نخاف ان يحيف الله علينا ولا رسوله وان
عليا ليس بالراجع الناكص ولا الشاك الواقف وهو اليوم علي ما كان عليه
أمس وقد أكلتنا هذه الحرب ولا نرى البقاء إلا في الموادعة وقام حريث بن
جابر البكري فقال أيها الناس ان عليا لو كان خلفا من هذا الأمر لكان
المفزع إليه فكيف وهو قائده وسائقه انه والله ما قبل من القوم اليوم إلا ما
دعاهم إليه أمس ولو رده عليهم كنتم له أعنت وقام خالد بن المعمر فقال
يا أمير المؤمنين إنا لا نرى البقاء إلا فيما دعاك إليه القوم إن رأيت ذلك فإن لم
تره فرأيك أفضل ثم قام الحضين بن المنذر الرقاشي وهو من أصغر القوم
سنا فقال أيها الناس ان لنا داعيا قد حمدنا ورده وصدره وهو المصدق على ما
قال المأمون علي ما فعل فان قال لا قلنا لا وإن قال نعم قلنا نعم وقال
رفاعة بن شداد البجلي أيها الناس انه لا يفوتنا شئ من حقنا وقد دعونا في
آخر امرنا إلى ما دعوناهم إليه في أوله فان يتم الامر على ما نريد وإلا
اثرناها جذعة. وروى نصر ان أمير المؤمنين ع لما رفع أهل الشام
المصاحف يدعون إلى حكم القرآن قال: عباد الله انا أحق من أجاب إلى
كتاب الله ولكن معاوية وعمرو بن العاص وابن أبي معيط وحبيب بن مسلمة
وابن أبي سرح ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن اني اعرف بهم منكم صحبتهم
أطفالا وصحبتهم رجالا فكانوا شر أطفال وشر رجال انها كلمة حق يراد بها
باطل انهم والله ما رفعوها حقا انهم يعرفونها ولا يعملون بها وما رفعوها لكم
إلا خديعة ومكيدة أعيروني سواعدكم وجماجمكم ساعة واحدة فقد بلغ الحق
مقطعه ولم يبق إلا أن يقطع دابر الذين ظلموا فجاءه زهاء عشرين ألفا
مقنعين في الحديد وشاكي السلاح سيوفهم على عواتقهم وقد سودت
جباههم من السجود يتقدمهم مسعر بن فدكي وزيد بن حصين وعصابة من
القراء الذين صاروا خوارج من بعد فنادوه باسمه لا بإمرة المؤمنين يا علي
أجب القوم إلى كتاب الله إذ دعيت إليه وإلا قتلناك كما قتلنا ابن عفان فوالله
(٥١١)

لنفعلنها إن لم تجبهم فقال لهم ويحكم انا أول من دعا إلى كتاب الله وأول من
أجاب إليه وليس يحل لي ولا يسعني في ديني ان أدعي إلى كتاب الله فلا
اقبله اني إنما أقاتلهم ليدينوا بحكم القرآن فإنهم قد عصوا الله فيما امرهم
ونقضوا عهده ونبذوا كتابه ولكني قد أعلمتكم انهم قد كادوكم وانهم ليسوا
العمل بالقرآن يريدون قالوا فابعث إلى الأشتر ليأتيك وكان الأشتر صبيحة
ليلة الهرير قد أشرف على عسكر معاوية ليدخله فأرسل إليه علي يزيد بن
هانئ فاتاه فبلغه فقال الأشتر قل له ليس هذه الساعة ينبغي لك ان تزيلني
فيها عن موقفي اني قد رجوت ان يفتح الله لي فلا تعجلني فرجع يزيد بن
هانئ إلى علي فأخبره وارتفع الرهج وعلت الأصوات من قبل الأشتر
وظهرت دلائل الفتح والنصر لأهل العراق ودلائل الخذلان والأدبار على
أهل الشام فقال له القوم والله ما نراك إلا أمرته بقتال القوم قال رأيتموني
ساررت رسولي أ ليس انما كلمته على رؤوسكم علانية وأنتم تسمعون قالوا
فابعث إليه فليأتك والا فوالله اعتزلناك قال ويحك يا يزيد قل له اقبل إلي
فان الفتنة قد وقعت فاتاه فاخره فقال له الأشتر أ لرفع هذه المصاحف قال
نعم قال اما والله لقد ظننت انها حين رفعت ستوقع اختلافا وفرقة انها من
مشورة ابن النابغة يعني عمرو بن العاص وقال ليزيد أ لا ترى إلى الفتح أ لا
ترى إلى ما يلقون أ لا ترى إلى الذي يصنع الله لنا أ ينبغي ان ندع هذا
وننصرف عنه فقال له يزيد أ تحب انك ظفرت هاهنا وان أمير المؤمنين
بمكانه الذي هو به يفرج عنه ويسلم إلى عدوه قال سبحان الله والله ما أحب
ذلك قال فإنهم قالوا لترسلن إلى الأشتر فليأتينك أو لنقتلك كما قتلنا عثمان
أو لنسلمنك إلى عدوك فاقبل الأشتر فصاح يا أهل الذل والوهن أ حين
علوتم القوم فظنوا انكم لهم قاهرون رفعوا المصاحف يدعونكم إلى ما فيها
وقد والله تركوا ما أمر الله فيها وسنة من أنزلت عليه فلا تجيبوهم أمهلوني
فواقا فاني قد أحسست بالفتح قالوا لا قال فامهلوني عدو الفرس فاني قد
طمعت في النصرة قالوا إذا ندخل معك في خطيئتك قال فحدثوني عنكم
وقد قتل أماثلكم وبقي أراذلكم متى كنتم محقين حيث كنتم تقتلون أهل الشام
فأنتم الآن حين أمسكتم عن القتال مبطلون أم الآن محقون فقتلاكم
الذين لا تنكرون فضلهم وكانوا خيرا منكم في النار قالوا دعنا منك يا أشتر
قاتلناهم في الله وندع قتالهم في الله إنا لسنا نطيعك فاجتنبنا قال خدعتم
ودعيتم إلى وضع الحرب فأجبتم يا أصحاب الجباه السود كنا نظن إن
صلاتكم زهادة في الدنيا وشوق إلى لقاء الله فلا أرى فراركم إلا إلى الدنيا
من الموت إلا قبحا يا أشباه النيب الجلالة ما أنتم برائين بعدها عزا أبدا
فأبعدوا كما بعدوا القوم الظالمون فسبوه وسبهم وضربوا بسياطهم وجه دابته
وضرب بسوطه وجوه دوابهم فصاح بهم علي ع فكفوا.
ومن ذلك يعلم أن أصحاب أمير المؤمنين ع كانوا أربعة أصناف
الأول أهل البصيرة المخلصون له في الظاهر والباطن العارفون يحقه
العالمون بأنها خدعة وهم القليل أمثال الأشتر وحجر بن عدي وعمرو بن
الحمق وكردوس بن هانئ والحضين بن المنذر الثاني المخلصون له
بقلوبهم لكنهم خدعوا أو أحبوا البقاء أمثال شقيق بن ثور وحريث بن جابر
ووفاعة بن شداد الثالث الذين ليس لعلي ع في قلوبهم مكانته التي
يجب أن تكون له مضافا إلى أنهم قد خدعوا وهم القراء أهل الجباه السود
وهؤلاء كانوا وما زالوا في كل عصر أضر من الفساق المتجاهرين بالفسق
الرابع المنافقون الذين يظهرون النصيحة ويبطنون الغش أمثال الأشعث
وخالد بن المعمر فكيف يتم مع هؤلاء أمر. وكتب معاوية إلى علي ع
ان هذا الامر قد طال بيننا وبينك وكل واحد منا يرى أنه على الحق وقد قتل
فيما بيننا كثير وأنا أتخوف ان يكون ما بقي أشد مما مضى وإنا نسأل عن ذلك
الموطن ولا يحاسب به غيري وغيرك فهل لك في أمر لنا ولك فيه حياة وعذر
وصلاح للأمة وحقن للدماء وألفة للدين وذهاب للضغائن والفتن ان يحكم
بيننا وبينكم حكمان رضيان أحدهما من أصحابي والآخر من أصحابك
فيحكمان بما في كتاب الله بيننا فاتق الله فيما دعيت له وارض بحكم القرآن
ان كنت من أهله والسلام فكتب إليه علي ع كتابا قال في آخره ثم انك قد
دعوتني إلى حكم القرآن ولقد علمت أنك لست من أهل القرآن ولست حكمه
تريد والله المستعان وقد أجبنا القرآن إلى حكمه ولسنا إياك أجبنا ومن لم يرض
بحكم القرآن فقد ضل ضلالا بعيدا.
اختيار الحكمين
وجاء الأشعث بن قيس إلى علي ع فقال ما ارى الناس الا قد
رضوا وسرهم أن يجيبوا الناس إلى ما دعوهم إليه من حكم القرآن فان
شئت أتيت معاوية فسألته ما يريد فقال ائته فاتاه فقال لأي شئ رفعتم هذه
المصاحف قال لنرجع نحن وأنتم إلى ما أمر الله به في كتابه فابعثوا منكم
رجلا ترضونه ونبعث منا رجلا ثم نأخذ عليهما أن يعملا بكتاب الله لا يعدو
انه ثم نتبع ما اتفقا عليه فقال الأشعث هذا هو الحق وانصرف إلى علي
فأخبره فقال الناس قد رضينا وقبلنا فبعث علي قراء من أهل العراق وبعث
معاوية قراء من أهل الشام فاجتمعوا بين الصفين ومعهم المصحف فنظروا
فيه وتدارسوه وأجمعوا على أن يحيوا ما أحيا القرآن ويميتوا ما أمات ثم رجع
كل فريق إلى أصحابه أقول لم يذكر المؤرخون ما ذا أنتجه اجتماعهم
ومدارستهم القرآن ولا شك أن ذلك من حواشي الاحتيال الذي أكره علي
ع على قبوله فقال أهل الشام انا قد رضينا واخترنا عمرو بن العاص
وقال الأشعث والقراء الذين صاروا خوارج فيما بعد انا قد رضينا واخترنا أبا
موسى الأشعري فقال لهم علي ع اني لا ارضى بأبي موسى ولا ارى أن
أوليه فقال الأشعث ويزيد بن حصين ومسعر بن فدكي في عصابة من القراء
لا نرضى الا به فإنه قد حذرنا ما وقعنا فيه قال علي ع فإنه ليس لي
برضى وقد فارقني وخذل الناس عني ثم هرب حتى امنته بعد أشهر ولكن
هذا ابن عباس أوليه ذلك قالوا والله ما نبالي أنت كنت أو ابن عباس لا
نريد الا رجلا هو منك ومن معاوية سواء قال علي فاني اجعل الأشتر قال
الأشعث وهل سعر الأرض علينا غير الأشتر وهل نحن الا في حكم الأشتر
قال وما حكمه قال حكمه أن يضرب بعضنا بعضا بالسيوف حتى يكون ما
أردت وما أراد. وروى نصر بسنده عن جابر عن أبي جعفر محمد بن علي
الباقر ع قال لما أراد الناس عليا أن يضع حكمين قال لهم ان معاوية لم
يكن ليضع أحدا هو أوثق برأيه ونظره من عمرو بن العاص وانه لا يصلح
للقرشي الا مثله فعليكم بعبد الله بن عباس فارموه به فان عمرو لا يعقد
عقدة الا حلها عبد الله ولا يحل عقدة الا عقدها ولا يبرم أمرا الا نقضه ولا
ينقض أمرا الا أبرمه فقال الأشعث لا والله لا يحكم فينا مضريان حتى تقوم
الساعة ولكن اجعله رجلا من أهل اليمن إذ جعلوا رجلا من مضر فقال
علي ع اني أخاف أن يخدع يمنيكم فان عمرو ليس من الله في شئ إذا
كان له في أمر هواه فقال الأشعث والله لأن يحكما ببعض ما نكره واحدهما
من أهل اليمن أحب إلينا من أن تكون ما نحب في حكمهما وهما مضريان
وذكر الشعبي مثل ذلك. أقول: ليس العجب من الأشعث إذا ظهرت
ذات نفسه لعلي ع وجابهه بهذا القول في الأشتر وتمسك بهذه الاعذار
(٥١٢)

الواهية في اختيار أبي موسى لأن الأشعث كان منطويا على غش أمير المؤمنين
ع ورأى اختلاف الكلمة أظهر ذات نفسه وجابه بما جابه به ولكن
العجب من القراء أهل الجباه السود من طول السجود وأهل البلادة والجمود
الذين لا يزال أمثالهم بلاء على الأمة الاسلامية إلى اليوم كيف يقولون لعلي
ع ما نبالي كنت أنت أو ابن عباس لا نريد الا رجلا هو منك ومن
معاوية سواء ولا يقولون لمعاوية ما نبالي كنت أنت أو عمرو لا نريد الا
رجلا هو منك ومن علي سواء. ومن الذين جاءوا بعد ذلك فلم يشاؤوا
أن ينظروا إلى الأمور الا من وراء غشاء فقالوا إن كل ما جرى من الفئة
الباغية كان عن حسن نية واجتهاد قال المؤلف:
- داء لعمرك أعيا الطبيب * والمتطبب -
- إن كان هذا اجتهادا * فليس في الأرض مذنب -
وجاء الأشتر فقال يا أمير المؤمنين أرني عمرو بن العاص فوالله الذي
لا اله الا هو لئن ملأت عيني منه لأقتلنه وجاء الأحنف بن قيس التميمي
فقال يا أمير المؤمنين انك قد رميت بحجر الأرض ومن حارب الله ورسوله
وأنف الاسلام واني قد عجمت هذا الرجل يعني أبا موسى وحلبت أشطره
فوجدته كليل الشفرة قريب القعر وانه رجل يماني وقومه مع معاوية وانه لا
يصلح لهؤلاء القوم الا رجل يدنو منهم حتى يكون في أكفهم ويتباعد منهم
حتى يكون بمنزلة النجم فان شئت أن تجعلني حكما فاجعلني وإن قلت اني
لست من أصحاب رسول الله ص فابعث رجلا من أصحابه غير
عبد الله بن قيس واجعلني ثانيا أو ثالثا فإنه لا يعقد عقدة الا حللتها ولن
يحل عقدة الا عقدتها وعقدت لك أخرى أشد منها فعرض ذلك على الناس
فأبوه وقالوا لا يكون الا أبا موسى وفي رواية إن القوم اتوني بعبد الله بن
قيس مبرنسا فقالوا ابعث هذا فقد رضينا به والله بالغ امره. قال علي ع
قد أبيتم الا أبا موسى قالوا نعم قال فاصنعوا ما أردتم فبعثوا إلى أبي موسى
وكان معتزلا بأرض من ارض الشام يقال لها عرض فاتاه مولى له فقال إن
الناس اصطلحوا قال الحمد لله قال وقد جعلوك حكما قال إنا لله وإنا إليه
راجعون فجاء أبو موسى حتى دخل عسكر علي ع.
كتاب الصلح
قال نصر: لما رضي أهل الشام بعمرو بن العاص وأهل العراق بأبي
موسى أخذوا في كتاب الموادعة ورضوا بالحكم حكم القرآن فكتبوا: هذا
ما تقاضي عليه علي أمير المؤمنين فقال معاوية بئس الرجل انا إن أقررت أنه
أمير المؤمنين ثم قاتلته وقال عمرو للكاتب اكتب اسمه واسم أبيه انما هو
أميركم واما أميرنا فلا فلما أعيد إليه الكتاب أمر بمحوه فقال له الأحنف لا
تمح اسم امرة المؤمنين عنك فاني أتخوف إن محوتها أن لا ترجع إليك لا
تمحها وإن قتل الناس بعضهم بعضا فابى مليا من النهار أن يمحوها ثم جاء
الأشعث بن قيس فقال امح هذا الاسم فقال علي لا إله إلا الله والله أكبر
سنة سنة اما والله لعلى يدي دار هذا الأمر يوم الحديبية حين كتبت الكتاب
عن رسول الله ص: هذا ما تصالح عليه محمد رسول الله ص وسهيل بن
عمرو فقال سهيل لو اعلم انك رسول الله لم أقاتلك اني إذا ظلمتك إن
منعتك أن تطوف ببيت الله وأنت رسول الله ولكن اكتب محمد بن عبد الله
فقال محمد ص يا علي اني لرسول الله واني لمحمد بن عبد الله ولن يمحو عني
الرسالة كتابي إليهم من محمد بن عبد الله فراجعني المشركون فاليوم اكتبها
إلى أبنائهم كما كتبها رسول الله ص إلى آبائهم سنة ومثلا فقال عمرو بن
العاص سبحان الله شبهتنا بالكفار ونحن مؤمنون فقال له علي ع يا ابن
النابغة ومتى لم تكن للكافرين وليا وللمسلمين عدوا فقام عمرو فقال والله لا
يجمع بيني وبينك مجلس ابدا بعد هذا اليوم فقال علي اما والله اني لأرجو أن
يظهر الله عليك وعلى أصحابك وكان كتاب الصلح في صحيفة صفراء
عليها خاتمان من أعلاها وأسفلها خاتم علي وخاتم معاوية وفي كل منهما
محمد رسول الله.
صورة كتاب الصلح
ذكر له نصر في كتاب صفين صورتين إحداهما عن جابر عن زيد بن
حسن انه املاه عليه من كتاب عنده والثانية عن أبي إسحاق الشيباني عن
سعيد بن أبي بردة أنه قرأ كتاب الصلح عنده وبين الصورتين بعض التفاوت
ونحن ننقله منتزعا من مجموع الصورتين:
بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما تقاضى عليه علي بن أبي طالب
ومعاوية بن أبي سفيان وشيعتهما فيما تراضيا به من الحكم بكتاب الله وسنة
نبيه ص قضية علي على أهل العراق ومن كان معه من شيعته من شاهد أو
غائب وقضية معاوية بن أبي سفيان على أهل الشام ومن كان معه من شيعته
انا ننزل عند حكم القرآن فيما حكم به ونقف عند أمره فيما أمر ولا يجمع
بيننا الا ذلك وانا جعلنا كتاب الله حكما فيما بيننا فيما اختلفنا فيه من فاتحته
إلى خاتمته نحيي ما أحيا ونميت ما أمات على ذلك تقاضيا وبه تراضيا فما
وجد الحكمان في كتاب الله بيننا وبينكم فإنهما يتبعانه وما لم يجداه في كتاب
الله اخذا بالسنة العادلة الجامعة غير المفرقة وإن عليا وشيعته رضوا أن يبعثوا
عبد الله بن قيس ناظرا ومحاكما كما رضي معاوية وشيعته أن يبعثوا عمرو بن
العاص ناظرا ومحاكما واخذوا عليهما عهد الله وميثاقه وأعظم ما اخذ الله على
أحد من خلقه ليتخذان الكتاب إماما فيما بعثا له لا يعدوانه إلى غيره في
الحكم بما وجداه فيه مسطورا وما لم يجداه مسمى في الكتاب رداه إلى سنة
رسول الله ص الجامعة لا يتعمدان لها خلافا ولا يتبعان في ذلك لهما هوى
ولا يدخلان في شبهة وأخذ عبد الله بن قيس وعمرو بن العاص على علي
ومعاوية عهد الله وميثاقه بالرضى بما حكما به من كتاب الله وسنة نبيه ص
وليس لهما أن ينقضا ذلك ولا أن يخالفاه إلى غيره وانهما آمنان في حكومتهما
على دمائهما وأموالهما وأهلهما ما لم يعدوا الحق رضي بذلك راض أو أنكره
منكر وان الأمة أنصار لهما على ما قضيا به من العدل فان توفي أحد الحكمين
قبل انقضاء الحكومة فأمير شيعته وأصحابه يختارون مكانه رجلا لا يألون
عن أهل المعدلة والأقساط على ما كان عليه صاحبه من العهد والميثاق
والحكم بكتاب الله وسنة رسوله ص وله مثل شرط صاحبه وإن مات أحد
الأميرين من قبل القضاء فلشيعته أن يولوا مكانه رجلا يرضون عدله وقد
وقعت القضية ومعها الأمن والتفاوض ووضع السلاح والسلام والوداعة
وعلى الحكمين عهد الله وميثاقه أن لا يألوا جهدا ولا يتعمدا جورا ولا
يدخلا في شبهة ولا يعدوا حكم الكتاب وسنة رسول الله ص فإن لم يفعلا
برئت الأمة من حكمهما ولا عهد لهما ولا ذمة وقد وجبت القضية على ما قد
سمي في هذا الكتاب من مواقع الشروط على الأميرين والحكمين والفريقين
والله أقرب شهيدا وأوفى حفيظا والناس آمنون على أنفسهم وأهليهم
وأموالهم إلى انقضاء مدة الأجل والسلاح موضوع والسبل مخلاة والغائب
والشاهد من الفريقين سواء في الأمن وللحكمين أن ينزلا منزلا عدلا بين
أهل العراق وأهل الشام ولا يحضرهما فيه الا من أحبا عن ملأ منهما وتراض
وإن المسلمين قد أحلوا القاضيين إلى انسلاخ رمضان فان رأى الحكمان
(٥١٣)

تعجيل الحكومة فيما وجها له عجلاها وإن أرادا تأخيرها بعد رمضان إلى
انقضاء الموسم فان ذلك إليهما فان هما لم يحكما بكتاب الله وسنة نبيه إلى
انقضاء الموسم فالمسلمون على امرهم الأول في الحرب ولا شرط بين واحد
من الفريقين وعلى الأمة عهد الله وميثاقه على التمام والوفاء بما في هذا
الكتاب وهم يد على من أراد فيه الحادا أو ظلما أو حاول له نقضا.
وشهد بما في الكتاب من أصحاب علي: عبد الله بن عباس.
الأشعث بن قيس. الأشتر مالك بن الحارث. سعيد بن قيس الهمداني.
الحصين والطفيل ابنا الحارث بن المطلب. أبو أسيد ربيعة بن مالك
الأنصاري. عوف بن الحارث بن المطلب القرشي. بريدة السلمي.
عقبة بن عامر الجهني. رافع بن حديج الأنصاري. عمرو بن الحمق
الخزاعي. الحسن والحسين ابنا علي ع. عبد الله بن جعفر
الهاشمي. النعمان بن عجلان الأنصاري. حجر بن عدي الكندي.
ورقاء بن مالك بن كعب الهمداني. ربيعة بن شرحبيل. أبو صفرة بن
يزيد. الحارث بن مالك الهمداني. حجر بن يزيد. عقبة بن حجية.
ومن أصحاب معاوية: حبيب بن مسلمة الفهري. أبو الأعور بن
سفيان السلمي. بسر بن أرطأة القرشي. معاوية بن خديج الكندي.
المخارق بن الحارث الحميري. دعبل بن عمرو السكسكي. عبد
الرحمن بن خالد المخزومي. حمزة بن مالك الهمداني. سبيع بن يزيد
الهمداني. يزيد بن الحر الثقفي. مسروق بن حرملة العكي. نمير بن يزيد
الحميري. عبد الله بن عمرو بن العاص. علقمة بن يزيد الكلبي.
خالد بن المعرض السكسكي. علقمة بن يزيد الجرمي. عبد الله بن عامر
القرشي. مروان بن الحكم. الوليد بن عقبة القرشي. عتبة بن أبي
سفيان. محمد بن أبي سفيان. محمد بن عمرو بن العاص، يزيد بن عمرو
الجذامي، عمار بن الأحوص الكلبي. مسعدة بن عمر التجيبي.
الحارث بن زياد القيني. عاصم بن المنتشر الجذامي. عبد الرحمن بن ذي الكلاع
الحميري. الفتاح بن جلهمة الحميري. ثمامة بن حوشب.
علقمة بن حكيم. حمزة بن مالك.
وإن بيننا على ما في هذه الصحيفة عهد الله وميثاقه وكتب عميرة
يوم الأربعاء لثلاث عشرة ليلة بقيت من صفر سنة ٣٧.
واتعد الحكمان أذرح وإن يجئ علي بأربعمائة من أصحابه ويجئ
معاوية بأربعمائة من أصحابه يشهدون الحكومة والأجل إلى شهر رمضان
لثمانية أشهر. ولما كتبت الصحيفة دعي لها الأشتر فقال لا صحبتني يميني
ولا نفعتني بعدها الشمال إن كتب لي في هذه الصحيفة اسم على صلح ولا
موادعة أ ولست على بينة من ربي ويقين من ضلالة عدوي أ ولستم قد رأيتم
الظفر إن لم تجمعوا على الخور فقال له رجل انك والله ما رأيت ظفرا ولا
خورا هلم فاشهد على نفسك وأقرر بما في هذه الصحيفة فإنه لا رغبة بك
عن الناس قال بلى والله إن بي لرغبة عنك في الدنيا للدنيا وفي الآخرة
للآخرة ولقد سفك الله بسيفي هذا دماء رجال ما أنت بخير منهم عندي ولا
أحرم دما قال عمار بن ربيعة فنظرت إلى ذلك الرجل وكأنما قصع على انفه
الحمم وهو الأشعث بن قيس ثم قال لكن قد رضيت بما صنع علي أمير
المؤمنين ودخلت فيما دخل فيه وخرجت مما خرج منه فإنه لا يدخل الا في
هدى وصواب.
أول من حكم وظهور مقالة الخوارج
وخرج الأشعث بذلك الكتاب يقرؤه على الناس ويعرضه عليهم ويمر
به على صفوف أهل الشام وراياتهم فرضوا بذلك ثم مر به على صفوف أهل
العراق وراياتهم حتى مر برايات عنزة وكان منهم بصفين مع علي ع
أربعة آلاف مجفف فقرأه عليهم فقال معدان وجعد العنزيان فتيان اخوان
منهم لا حكم الا لله ثم حملا على أهل الشام بسيوفهما حتى قتلا على باب
رواق معاوية. ثم مر بها على مراد فقال صالح بن شقيق من رؤسائهم:
- ما لعلي في الدماء قد حكم * لو قاتل الأحزاب يوما ما ظلم -
لا حكم الا لله ولو كره المشركون. ثم مر على رايات بني راسب
فقرأها عليهم فقال رجل منهم لا حكم الا لله يقضي بالحق وهو خير
الفاصلين فقال رجل منهم لآخر اما هذا فقد طعن طعنة نافذة وخرج
عروة بن أدية أخو مرداس بن أدية التميمي فقال أ تحكمون الرجال في أمر
الله لا حكم الا لله فأين قتلانا يا أشعث وشد بسيفه ليضرب به الأشعث
فأخطأه وضرب به عجز دابته ضربة خفيفة وصاح به الناس ان أمسك يدك
فكف ورجع الأشعث إلى قومه فمشى إليه رجال من بني تميم فيهم
الأحنف بن قيس واعتذروا إليه فقبل منهم وانطلق إلى علي فقال يا أمير
المؤمنين قد عرضت الحكومة على صفوف أهل الشام وأهل العراق فقالوا
جميعا قد رضينا حتى مررت برايات بني راسب ونبذ من الناس سواهم فقالوا
لا نرضى لا حكم الا لله فلنحمل باهل العراق وأهل الشام عليهم فنقتلهم
فقال علي ع هل هي غير راية أو رايتين ونبذ من الناس قال لا وظن علي
ع انهم قليلون لا يعبأ بهم فما راعه الا نداء الناس من كل جهة لا حكم
الا لله الحكم لله يا علي لا لك لا نرضى بان يحكم الرجال في دين لله إن
الله قد امضى حكمه في معاوية وأصحابه أن يقتلوا أو يدخلوا في حكمنا
عليهم وقد كانت منا زلة حين رضينا بالحكمين فرجعنا وتبنا فارجع أنت يا
علي كما رجعنا وتب إلى الله كما تبنا والا برئنا منك فقال ويحكم أ بعد الرضا
والعهد نرجع أ وليس الله تعالى قال أوفوا بالعقود وقال وأوفوا بعهد الله إذا
عاهدتم ولا تنقضوا الايمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا وأبت
الخوارج الا تضليل التحكيم والطعن فيه وبرئت من علي وبرئ منهم.
وقيل لعلي ع لما كتبت الصحيفة ان الأشتر لم يرض بما في الصحيفة ولا
يرى الا قتال القوم فقال علي بلى ان الأشتر يرضى إذا رضيت وقد رضيت
ورضيتم ولا يصلح الرجوع بعد الرضا ولا التبديل بعد الاقرار الا أن
يعصي الله ويتعدى ما في كتابه واما الذي ذكرتم من تركه أمري فلست
أتخوفه على ذلك وليت فيكم مثله اثنين بل ليت فيكم مثله واحدا يرى في
عدوه مثل رأيه إذا لخفت علي مؤونتكم ورجوت أن يستقيم لي بعض
أودكم. وكان عمر بن أوس الأودي قاتل مع علي ع واسره معاوية في
اسرى كثيرة فقال له عمرو بن العاص اقتلهم فقال عمر بن أوس لمعاوية
انك خالي فلا تقتلني فقال معاوية وكيف ذاك وليس بيننا وبين أود مصاهرة
فقال أ ليست أختك أم حبيبة أم المؤمنين وانا ابنها فأنت خالي فقال معاوية
لله أبوه خلوا سبيله وأسر علي ع يوم صفين اسرى فخلى سبيلهم وأسر
معاوية اسرى فقال له عمرو بن العاص اقتلهم فما شعروا الا بأسراهم قد
خلى علي سبيلهم فقال معاوية لو أطعناك لوقعنا في قبيح وخلى سبيلهم وكان
علي ع إذا اخذ أسيرا من أهل الشام خلى سبيله الا أن يكون قد قتل من
أصحابه أحدا فيقتله به فإذا خلى سبيله وعاد الثانية قتله وكان لا يجهز على
الجرحى ولا يتبع مدبرا. ثم إن الناس اقبلوا على دفن قتلاهم.
(٥١٤)

رجوع أمير المؤمنين ع إلى الكوفة
روى نصر عن عبد الرحمن بن جندب قال لما اقبل علي ع من
صفين اقبلنا معه قال نصر ورجع أمير المؤمنين ع إلى الكوفة فاخذ
طريقا غير الطريق الذي اقبلنا فيه فقال آئبون عابدون لربنا حامدون اللهم إني
أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنقلب وسوء المنظر في المال والأهل
ثم اخذ بنا طريق البر على شاطئ الفرات حتى انتهينا إلى هيت واخذنا على
صندوداء فخرج الأنماريون بنو سعيد بن خريم واستقبلوه فعرضوا عليه
النزول فلم يقبل فبات بها ثم غدا حتى جزنا النخيلة ورأينا بيوت الكوفة
فإذا شيخ في ظل بيت عليه اثر المرض فقال له علي ع ما لي أرى وجهك
منكسفا أ من مرض قال نعم قال لعلك كرهته قال ما أحب أنه يعتري قال
أ ليس احتسبت بالخير فيما أصابك منه قال بلى قال ابشر برحمة ربك وغفران
ذنبك من أنت قال انا صالح بن سليم من بني سلامان والجوار والدعوة في
بني سليم بن منصور قال سبحان الله ما أحسن اسمك واسم أبيك واسم
اعدادك ومن اعتزيت إليه، ما يقول الناس فيما كان بيننا وبين أهل الشام؟
قال منهم المسرور وأولئك أغنياء الناس ومنهم المكبوت الآسف وأولئك
نصحاء الناس لك فقال صدقت جعل الله ما كان من شكواك حظا لسيئاتك
فان المرض لا اجر فيه ولكن لا يدع للعبد ذنبا الا حطه انما الأجر في القول
باللسان والعمل باليد والرجل وإن الله عز وجل يدخل بصدق النية
والسريرة الصالحة من عباده الجنة ثم مضى فلقيه عبد الله بن وديعة
الأنصاري فقال ما سمعت الناس يقولون في امرنا هذا؟ قال منهم المعجب
به ومنهم الكاره له والناس كما قال الله تعالى ولا يزالون مختلفين قال ما يقول
ذوو الرأي قال يقولون إن عليا كان له جمع عظيم ففرقه وحصن حصين
فهدمه فمتى يبني مثل ما هدم ومتى يجمع مثلما فرق فلو أنه كان مضى بمن
أطاعه إذ عصاه من عصاه فقاتل حتى يظهره الله أو يهلك كان ذلك هو
الحزم، فقال انا هدمت أم هم هدموا، وانا فرقت أم هم تفرقوا؟ وأما
قولهم لو أنه مضى بمن أطاعه إذ عصاه من عصاه فوالله إن كنت سخي
النفس بالدنيا طيب النفس بالموت، ولقد هممت بالاقدام فنظرت إلى هذين
قد استقدماني يعني الحسن والحسين فعلمت انهما إن هلكا انقطع نسل
محمد ص من هذه الأمة. ثم مضى حتى جزنا دور بني عوف فإذا نحن
بقبور سبعة أو ثمانية عن ايماننا فسال عنها فقيل له إن خباب بن الأرت توفي
بعد مخرجك فاوصى أن يدفن في الظهر فدفن الناس حوله فترحم عليه وأثنى عليه
ثم اقبل حتى دخل سكة الثوريين ثور همدان فسمع البكاء، فقال ما
هذه الأصوات قيل هذا البكاء على من قتل بصفين، قال اما اني شهيد لمن
قتل منهم صابرا محتسبا بالشهادة، ثم مر بالشباميين فسمع رنة شديدة
فخرج إليه حارب بن شرحبيل الشبامي، فقال علي: أ يغلبكم نساؤكم أ لا
تنهونهن عن هذا الصياح والرنين، فقال يا أمير المؤمنين لو كانت دارا أو
دارين أو ثلاثا قدرنا على ذلك ولكن من هذا الحي ثمانون ومائة قتيل فليس
من دار الا وفيها بكاء، اما نحن معاشر الرجال فانا لا نبكي ولكن نفرح
لهم بالشهادة فقال علي: رحم الله قتلاكم وموتاكم واقبل يمشي معه وعلي
راكب، فقال له ارجع ووقف، ثم قال ارجع فان مشي مثلك فتنة للوالي
ومذلة للمؤمنين، ثم مضى حتى مر بالناعطيين (١) فسمع رجلا منهم يقال
له عبد الرحمن بن مرثد فقال ما صنع علي والله شيئا، ذهب ثم انصرف في
غير شئ، فلما نظر أمير المؤمنين ع إليه أبلس، فقال علي ع وجوه
قوم ما رأوا الشام العام ثم قال لأصحابه قوم فارقتهم آنفا خير من هؤلاء ثم
قال:
- أخوك الذي إن أجرضتك ملمة * من الدهر لم يبرح لبثك واجما -
- وليس أخوك بالذي إن تمنعت * عليك أمور ظل يلحاك لائما -
ثم مضى فلم يزل يذكر الله حتى دخل الكوفة.
اجتماع الحكمين بدومة الجندول
حكى الطبري عن الواقدي انه كان ذلك في شعبان سنة ٣٨
وللصواب انه كان سنة ٣٧ روى نصر ان عليا ع بعث أربعمائة رجل
وبعث عليهم شريح بن هانئ الحارثي وبعث عبد الله بن عباس يصلي بهم
ويلي أمورهم وأبو موسى الأشعري معهم وبعث معاوية شرحبيل بن السمط
مع عمرو بن العاص في أربعمائة رجل فكان إذا كتب علي بشئ اتاه أهل الكوفة
فقالوا ما الذي كتب به إليك أمير المؤمنين فيكتمهم فيقولون كتب
إليك في كذا وكذا ويجئ رسول معاوية إلى عمرو بن العاص فلا يدري في
أي شئ جاء ولا في أي شئ ذهب فأنب ابن عباس أهل الكوفة بذلك ثم
ودع شرحبيل عمرو بن العاص وقال له انك رجل قريش وان معاوية لم
يبعثك الا ثقة بك وانك لن تؤتى من عجز ولا مكيدة فكن عند ظننا بك
وانصرف وودع شريح أبا موسى وقال إنك قد نصبت لأمر عظيم لا يجبر
صدعه و لا يستقال فتقه وانه لا بقاء لأهل العراق ان ملكها معاوية ولا باس
لأهل الشام ان ملكها علي وقد كانت منك تثبيطة بالكوفة فان تشفعها بمثلها
يكن الظن فيك يقينا والرجاء يأسا. وكان آخر من ودع أبا موسى
الأحنف بن قيس فقال له يا أبا موسى أعرف خطب هذا الامر وأعلم ان له
ما بعده وانك ان أضعت العراق فلا عراق فاتق الله فإنها تجمع لك دنياك
وآخرتك وإذا لقيت عمرا غدا فلا تبدأه بالسلام فإنها وإن كانت سنة الا انه
ليس من أهلها وإياك ان يقعدك على صدر الفراش فإنها خدعة ولا تلقه الا
وحده واحذره ان يكلمك في بيت فيه مخدع تخبأ فيه الرجال والشهود. ثم
أراد ان يختبر ما في نفسه فقال له فإن لم يستقم لك عمرو على الرضا بعلي
فخيره بين ان يختار أهل العراق من قريش الشام من شاؤوا أو يختار أهل
الشام من قريش العراق من شاؤوا قال أبو موسى قد سمت ما قلت ولا
يستنكر ذلك فاتى الأحنف عليا فقال يا أمير المؤمنين اخرج والله أبا موسى
زبدة سقائه في أول مخضة لا أرانا الا بعثنا رجلا لا ينكر خلعك فقال علي يا
أحنف ان الله غالب على امره قال فمن ذلك تجزع وفشا أمر الأحنف وأبي
موسى في الناس فجهز الشني راكبا فتبع به أبا موسى بهذه الأبيات:
- أبا موسى جزاك الله خيرا * عراقك ان حظك في العراق -
- وان الشام قد نصبوا إماما * من الأحزاب معروف النفاق -
- وانا لا نزال لهم عدوا * أبا موسى إلى يوم التلاقي -
- فلا تجعل معاوية بن حرب * إماما ما مشت قدم بساق -
- ولا يخدعك عمرو ان عمرا * أبا موسى تحاماه الرواقي -
- فكن منه على حذر وانهج * طريقك لا تزال بك المراقي -
وقال شريح مع ذلك:
- أبا موسى رميت بشر خصم * فلا تضع العراق فدتك نفسي -

(١) نسبة إلى ناعط لقب ربيعة بن مرثد أبو بطن من همدان واصله اسم جبل بصنعاء.
- المؤلف -
(٥١٥)

- واعط الحق شامهم وخذه * فان اليوم في مهل كامس -
- وان غدا يجئ بما عليه * يدور الامر من سعد ونحس -
- ولا يخدعك عمرو ان عمرا * عدو الله مطلع كل شمس -
- له خدع يحار العقل فيها * مموهة مزخرفة بلبس -
- فلا تجعل معاوية بن حرب * كشيخ في الحوادث غير نكس -
- هداه الله للاسلام فردا * سوى عرس النبي وأي عرس -
فقال أبو موسى ما ينبغي لقوم اتهموني ان يرسلوني لأدفع عنهم باطلا
أو اجر إليهم حقا. ثم إنهم خلوا بين الحكمين فكان رأي أبي موسى في
عبد الله بن عمر وكان يقول والله ان استطعت لأحيين سنة عمر. وأبطأت
الاخبار على معاوية فبعث إلى رجال من قريش من الذين كرهوا ان يعينوه
في حربه فاتوه منهم عبد الله بن الزبير وأتاه المغيرة بن شعبة وكان مقيما
بالطائف لم يشهد صفين فقال يا مغيرة ما ترى قال لو وسعني ان أنصرك
لنصرتك ولكن علي ان آتيك بأمر الرجلين فركب حتى اتى دومة الجندل
فدخل على أبي موسى كأنه زائر فقال يا أبا موسى ما تقول فيمن اعتزل هذه
الحرب قال أولئك خيار الناس ثم اتى عمرا فقال ما تقول فيمن اعتزل هذه
الحرب قال عمرو أولئك شرار الناس ولم يعرفوا حقا ولم ينكروا باطلا فرجع
إلى معاوية فقال له قد ذقت الرجلين اما عبد الله بن قيس فخالع صاحبه
وجاعلها لرجل لم يشهد هذا الامر وهواه في عبد الله بن عمر واما عمرو فهو
صاحبك الذي تعرف.
واقبل أبو موسى إلى عمرو فقال هل لك في أمر هو للأمة صلاح
ولصلحاء الناس رضا نولي هذا الامر إلى عبد الله بن عمر بن الخطاب الذي
لم يدخل في شئ من هذه الفتنة وعبد الله بن عمرو بن العاص وعبد الله بن
الزبير قريبان يسمعان هذا الكلام فقال عمرو فأين أنت من معاوية فابى
عليه أبو موسى وشهدهم عبد الله بن هشام وعبد الرحمن بن عبد يغوث وأبو
الجهم بن حذيفة العدوي والمغيرة بن شعبة فقال عمرو أ لست تعلم أن
عثمان قتل مظلوما قال بلى قال اشهدوا فما يمنعك يا أبا موسى من معاوية
ولي عثمان وبيته في قريش ما قد علمت فان خشيت أن يقول الناس ولى
معاوية وليست له سابقة فان لك بذلك حجة تقول اني وجدته ولي عثمان
الخليفة المظلوم الطالب بدمه الحسن السياسة الحسن التدبير وهو أخو أم
حبيبة أم المؤمنين واحد الصحابة ثم عرض له بالسلطان فقال إن هو ولى
هذا الامر أكرمك كرامة لم يكرمك أحد قط مثلها فقال أبو موسى اتق الله يا
عمرو اما ذكرك شرف معاوية فان هذا الامر ليس على الشرف يولاه أهله
ولو كان على الشرف لكان أحق الناس به أبرهة بن الصباح انما هو لأهل
الدين والفضل مع اني لو كنت اعطيه أفضل قريش شرفا أعطيته علي بن أبي
طالب واما قولك ان معاوية ولي عثمان فاني لم أكن أوليه معاوية وأدع
المهاجرين الأولين واما تعريضك بالسلطان فوالله لو خرج لي من سلطانه ما
وليته ولا كنت لأرتشي في الله ولكنك ان شئت احيينا سنة عمر بن الخطاب
أو اسم عمر بن الخطاب قال إن كنت تريد ان تبايع ابن عمر فما يمنعك من
ابني وأنت تعرف فضله وصلاحه قال إن ابنك رجل صدق لكنك قد غمسته
في هذه الفتنة فان شئت ولينا هذا الامر الطيب عبد الله بن عمر بن الخطاب
قال عمرو ان هذا الامر لا يصلح له الا رجل ضرس يأكل ويطعم وان
عبد الله ليس هناك وكان في أبي موسى غفلة فقال عبد الله بن الزبير لابن
عمر اذهب إلى عمرو بن العاص فارشه فقال ابن عمر لا والله ما أرشوا
عليها ابدا ما عشت ولكنه قال ويلك يا ابن العاص ان العرب قد أسندت
إليك امرها بعد ما تقارعت بالسيوف وتشاجرت بالرماح فلا تردهم في فتنة
واتق الله وكان عمرو وأبو موسى حيث التقيا بدومة الجندل اخذ عمرو يقدم
أبا موسى في الكلام ويقول انك قد صحبت رسول الله ص قبلي وأنت أكبر
مني فتكلم ثم أتكلم وجعل يقدمه في كل شئ يغتره بذلك ليقدمه فيبدأ
بخلع علي فلما اراده عمرو على معاوية فابى واراده على ابنه فابى واراده أبو
موسى على عبد الله بن عمر فابى قال عمرو اخبرني يا أبا موسى ما رأيك
قال رأيي ان اخلع هذين الرجلين عليا ومعاوية ثم نجعل هذا الامر شورى
بين المسلمين يختارون لأنفسهم من شاؤوا فقال له عمرو الرأي ما رأيت
فاقبلا إلى الناس وهم مجتمعون فتكلم أبو موسى فحمد الله وأثنى عليه فقال إن
رأيي ورأي عمرو قد اتفق على أمر نرجو ان يصلح الله به أمر هذه الأمة
قال عمرو صدق ثم قال يا أبا موسى تقدم فتكلم فتقدم أبو موسى ليتكلم
فدعاه ابن عباس فقال ويحك والله اني لأظنه قد خدعك ان كنتما قد اتفقتما
على أمر فقدمه قبلك فيتكلم بذلك الامر قبلك ثم تكلم أنت بعده فان
عمرا رجل غدار ولا آمن ان يكون قد أعطاك الرضا فيما بينك وبينه فإذا
قمت به في الناس خالفك وكان أبو موسى رجلا مغفلا فقال انا قد اتفقنا
فتقدم أبو موسى ثم قال يا أيها الناس انا قد نظرنا في أمر هذه الأمة وقد
أجمع رأيي ورأي صاحبي على خلع علي ومعاوية ونستقبل هذا الامر فيكون
شورى بين المسلمين فيولون أمورهم من أحبوا واني قد خلعت عليا ومعاوية
فاستقبلوا امركم وولوا من رأيتم لها أهلا ثم تنحى فقعد وقام عمرو بن
العاص مقامه فقال إن هذا قال ما قد سمعتم وخلع صاحبه وانا اخلع
صاحبه كما خلعه وأثبت صاحبي معاوية فإنه ولي عثمان والطالب بدمه
وأحق الناس بمقامه فقال له أبو موسى ما لك لا وفقك الله قد غدرت
وفجرت وانما مثلك مثل الكلب ان تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث فقال
عمرو انما مثلك مثل الحمار يحمل أسفارا. ولنعم ما قال الأستاذ عباس
محمود العقاد في كتابه عبقرية الامام: كلب وحمار فيما حكما به على نفسيهما
غاضبين وهما يقضيان على العالم باسره ليرضى بما قضياه وانتهت المأساة بهذه
المهزلة أو انتهت المهزلة بهذه المأساة اه وحمل شريح بن هاني على عمرو
فقنعه بالسوط وحمل على شريح ابن لعمرو فضربه بالسوط وقام الناس
فحجزوا بينهم فكان شريح يقول ما ندمت على شئ ندامتي على أن لا
أكون ضربته بالسيف بدل السوط اتى الدهر بما اتى والتمس أصحاب علي
أبا موسى فركب ناقته فلحق بمكة فكان ابن عباس يقول قبح الله أبا موسى
حذرته وأمرته بالرأي فما عقل وكان أبو موسى يقول قد حذرني ابن عباس
غدرة الفاسق ولكن اطمأننت إليه وظننت انه لن يؤثر شيئا على نصيحة
الأمة وقام سعيد بن قيس فقال والله لو اجتمعتما على الهدى ما زدنا على ما
نحن الآن عليه وما ضلالكما بلازمنا وانا اليوم لعلى ما كنا عليه أمس وتكلم
الناس غير الأشعث بن قيس ولما فعل عمرو ما فعل واختلط الناس رجع إلى
منزله وجهز راكبا إلى معاوية يخبره بالامر من أوله إلى آخره ثم انصرف
عمرو وأهل الشام إلى معاوية فسلموا عليه بالخلافة ورجع ابن عباس
وشريح ومن معهما إلى علي وقال ابن عم لأبي موسى:
- أبا موسى بليت فكنت شيخا * قريب القعر مدهوش الجنان -
- رمى عمرو صفاتك يا ابن قيس * بأمر لا تنوء به اليدان -
- وقد كنا نجمجم عن ظنون * فصرحت الظنون عن العيان -
- فعض الكف من ندم وما ذا * يرد عليك عضك بالبنان -
(٥١٦)

وبهذا انتهت مهزلة تحكيم الحكمين التي دبرها عمرو بن العاص وشرى
دينه بامارة مصر ثم إن معاوية بعد ما ولاه مصر عزله عنها وولاها عبد
العزيز بن مروان بن الحكم فكتب إليه عمرو:
- معاوية الحال لا تجهل * وعن طرق الحق لا تعدل -
- خلعت الخلافة من حيدر * كخلع النعال من الأرجل -
- وألبستها لك يا ابن اللئام * كلبس الخواتم في الأنمل -
- ولولاي كنت كمثل النساء * تعاف الخروج من المنزل -
- ولم تك والله من أهلها * ورب العباد ولم تكمل -
- فأين الحصى من نجوم السماء * وأين الحسام من المنجل -
- وأين الثريا وأين الثرى * وأين معاوية من علي -
- وأعطيت مصرا لعبد العزيز * ولم تعطني زبة الخردل -
قال الشيخ محمد الأمير من كبار علماء مصر في حاشيته على المغني عند
ذكر هذه الأبيات ما لفظه: وكانه رضي الله عنه تبين له خطا اجتهاده
اه فانظر واعجب وقل له: لا ما تبين له خطا اجتهاده لأنه لم يكن
مجتهدا الا في تحصيل حطام الدنيا وانما تبين له ان مصر التي باع بها دينه قد
ذهبت منه انها لا تعمى الابصار ولكن...
وروى نصر انه دخل على علي عبد الله بن عمر وسعد بن أبي وقاص
والمغيرة بن شعبة فسألوه عطاءهم وكانوا قد تخلفوا عنه في الجمل وصفين
فقال ما خلفكم عني؟ قالوا قتل عثمان ولا ندري حل دمه أو لا وقد كان
أحدث احداثا ثم استتبتموه فتاب ثم دخلتم في قتله فلسنا ندري أصبتم أم
أخطأتم مع انا عارفون بفضلك يا أمير المؤمنين وسابقتك وهجرتك، قال
علي أ لستم تعلمون ان الله قد امركم ان تامروا بالمعروف وتنهوا عن المنكر
فقال وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فاصلحوا بينهما فان بغت إحداهما
على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله قال سعد اعطني
سيفا يعرف الكافر من المؤمن، أخاف ان اقتل مؤمنا فادخل النار، قال
لهم علي أ ليس قد بايعتم عثمان على السمع والطاعة فعلا م خذلتموه إن كان
محسنا وكيف لم تقاتلوه إن كان مسيئا وقد ظلمتم إذ لم تقوموا بيننا وبين
عدونا بما امركم الله به إذ قال قاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله فردهم
ولم يعطهم شيئا اه ويقال لسعد كان يلزم على الله تعالى حين أمر بقتال
الطائفة الباغية ان ينزل سيوفا من السماء تعرف الباغي من المبغي عليه.
وروى نصر بسنده عن تميم بن جذيم الناجي انه أصيب بصفين من
أهل الشام خمسة وأربعون ألفا وأصيب من أهل العراق خمسة وعشرون
ألفا.
* * *
آخر الكلام على حرب صفين وانتهى تسويده عصير يوم الأحد
خامس شعبان المعظم سنة ١٣٥٤ على يد مؤلفه العبد الفقير محسن الأمين
الحسيني العاملي بمنزله في قرية شقراء من جبل عامل صين عن الآفات
والغوائل حامدا مصليا مسلما.
ارسال أمير المؤمنين ع قيس بن سعد واليا على مصر
كان يلزم تقديم ذلك على وقعة صفين لكن أخرناه لتكون اخبار ولاة
مصر متتابعة متوالية من سنة ٣٦ إلى سنة ٣٨.
في صفر سنة ٣٦ أرسل أمير المؤمنين علي ع قيس بن
سعد بن عبادة من المدينة إلى مصر واليا عليها. وكان ذا رأي وبأس وحزم
ومن شيعة أمير المؤمنين ع ومناصحيه. قال ابن الأثير
وإبراهيم بن سعد بن هلال الثقفي في كتاب الغارات فيما حكاه عنه ابن أبي
الحديد: قال أمير المؤمنين لقيس ائتها اي مصر بجند فان ذلك ارعب
لعدوك وأعز لوليك وأحسن إلى المحسن واشدد على المريب وارفق بالعامة
فان الرفق يمن فقال اما الجند فادعه لك واما ما وصيتني به من الرفق
والاحسان فالله تعالى هو المستعان على ذلك فدخلها في سبعة من أهله
وذلك يدل على حزمه وشدة ثقته بنفسه فصعد المنبر وامر بكتاب أمير
المؤمنين ع فقرئ على أهل مصر بامارته ويامرهم بمبايعته ومساعدته على
الحق ثم قام فخطب. خطبة مختصرة جمعت فأوعت فقال: الحمد لله
الذي جاء بالحق وأمات الباطل وكبت الظالمين أيها الناس انا قد بايعنا خير
من نعلم بعد نبينا فقوموا فبايعوا على كتاب الله وسنة رسوله فان نحن لم
نعمل لكم بذلك فلا بيعة لنا عليكم فبايعه الناس الا أهل قرية يقال لها
خربتا كان أهلها عثمانية فهادنهم وجبى الخراج ليس أحد ينازعه وخرج أمير
المؤمنين ع إلى الجمل ورجع وهو بمكانه فكان أثقل خلق الله على
معاوية مخافة ان يقبل علي في أهل العراق وقيس في أهل مصر فيقع بينهما
معاوية فكتب معاوية إلى قيس يلزمه بدم عثمان ويطلب منه مبايعته ويعده
بسلطان العراق له وسلطان الحجاز لمن أحب من أهله فاجابه قيس مخادعا
بأنه ينظر في ذلك فاجابه معاوية مصرحا وقال إنه ليس مثلي يصانع بالخداع
ولا يخادع بالمكائد فاجابه قيس حينئذ جوابا صريحا وتهدده أيضا فايس منه
معاوية وعمد إلى حيلة أخرى فاظهر لأهل الشام ان قيسا صار مواليا له
مساعدا على الطلب بدم عثمان وزور كتابا عن قيس له بذلك وقرأه على
أهل الشام فبلغ ذلك عليا من عيونه بالشام ومن محمد بن أبي بكر ومحمد بن
جعفر بن أبي طالب فأعظمه واكبره وقال والله ما أصدق بهذا عنه.
عزل قيس عن مصر وتولية محمد بن أبي بكر
فأشار عليه عبد الله بن جعفر بعزل قيس وجاء كتاب قيس يخبر بحال
أهل خربتا وكفه عن قتالهم فقال ابن جعفر ما أخوفني ان يكون ذلك ممالأة
منه فمره بقتالهم فامره به فاجابه قد عجبت لأمرك بقتال قوم كافين عنك
مفرغيك لعدوك ومتى حاددناهم ساعدوا عليك عدوك فأطعني يا أمير
المؤمنين واكفف عنهم فان الرأي تركهم فقال ابن جعفر يا أمير المؤمنين
ابعث محمد بن أبي بكر على مصر واعزل قيسا فقد بلغني ان قيسا يقول إن
سلطانا لا يستقيم الا بقتل مسلمة بن مخلد لسلطان سوء وكان ابن جعفر
أخا محمد بن أبي بكر لأمه أمهما معا أسماء بنت عميس فولى محمدا مصر
فغضب قيس وذهب إلى المدينة فشمت به حسان بن ثابت وكان عثمانيا
فقال له قتلت عثمان وعزلك علي فبقي عليك الاثم ولم يحسن لك الشكر
فقال له قيس يا أعمى القلب والبصر والله لولا أن القي بين قومي وقومك
حربا لضربت عنقك اخرج عني ثم خرج قيس هو وسهل بن حنيف إلى علي
فشهدا معه صفين وكتب أمير المؤمنين ع مع محمد كتابا إلى أهل
مصر يخاطبهم فيه ويخاطب محمدا وهو كتاب طويل جدا جليل يشتمل على
وصايا جليلة وآداب عظيمة قال إبراهيم فكان محمد ينظر في هذا
الكتاب ويتأدب بآدابه فلما قتله عمرو بن العاص بعث به إلى معاوية ينظر فيه
ويتعجب منه فقال له الوليد بن عقبة مر بهذه الأحاديث ان تحرق فقال لا
ارى ذلك قال أ فمن الرأي ان يعرف الناس ان أحاديث أبي تراب عندك
(٥١٧)

تتعلم منها قال ويحك أ تأمرني ان أحرق علما مثل هذا والله ما سمعت بعلم
هو أجمع منه ولا احكم فقال إن كنت تعجب من علمه وقضائه فعلا م تقاتله
ثم قال لجلسائه انا لا نقول هذه من كتب علي بن أبي طالب بل من كتب
أبي بكر كانت عند والده فلم تزل تلك الكتب في خزائن بني أمية حتى ولي
عمر بن عبد العزيز فهو الذي أظهر انها من أحاديث علي بن أبي طالب
وكلامه. وبعث محمد بن أبي بكر إلى المعتزلين اما ان تدخلوا في طاعتنا وان
تخرجوا عنا فأجابوه لا نفعل وطلبوا المهلة فابى عليهم فامتنعوا وكانت وقعة
صفين وهم هائبون لمحمد فلما رجع علي عن معاوية وصار الامر إلى
التحكيم طمعوا في محمد فبعث إليهم محمد بن الحارث الجعفي فقاتلهم
فقاتلوه وقتلوه فبعث إليهم آخر فقتلوه.
ارسال الأشتر واليا على مصر وقتله
فلما بلغ أمير المؤمنين ع اضطراب أمر مصر على محمد قال
لا يصلح لمصر إلا قيس أو الأشتر وكان الأشتر بعد صفين قد عاد إلى
عمله بالجزيرة وقال علي لقيس أقم عندي على شرطتي حتى تنقضي الحكومة
ثم تسير إلى أذربيجان وأرسل إلى الأشتر وهو بنصيبين فاستدعاه وولاه مصر
وكتب له عهدا مشهورا مذكورا في نهج البلاغة فيه من ضروب السياسة
وآداب الحكام والولاة وغير ذلك كنز ثمين، وبلغ محمدا عزله بالأشتر
فاستاء لذلك فكتب إليه أمير المؤمنين ع: بلغني موجدتك من
تسريح الأشتر إلى عملك واني لم افعل ذلك استبطاء لك في الجهد ولا
ازديادا لك في الجد، ولو نزعت ما تحت يدك من سلطانك لوليتك ما هو
أيسر عليك مؤونة واعجب إليك ولاية. فبعث معاوية إلى المقدم على أهل
الخراج بالقلزم ان يسم الأشتر وتكفل له باسقاط الخراج عنه ما داما حيين
فسمه في شربة من عسل وهو صائم وجعل معاوية يقول لأهل الشام ان
عليا قد وجه الأشتر إلى مصر فادعوا عليه فدعوا عليه كل يوم فلما بلغه
الذي سقاه السم موته خطب أهل الشام فقال لهم قد استجاب الله دعاءكم
وقال كانت لعلي يمينان قطعت إحداهما بصفين يعني عمار بن ياسر وقطعت
الأخرى اليوم يعني الأشتر، وقال إن لله جنودا من عسل، ولما بلغ عليا
قتله قال إنا لله وإنا إليه راجعون، مالك وما مالك وهل موجود مثل ذلك،
لو كان من حديد لكان فندا أو من حجر لكان صلدا على مثله فلتبك
البواكي.
فتح عمرو بن العاص مصر وقتل محمد بن أبي بكر
ثم إن عمرو بن العاص سار إلى مصر في ستة آلاف فكتب محمد بن
أبي بكر إلى أمير المؤمنين ع يستصرخه فندب الناس إلى نصرته فما
اجتمع له الا ألفان بعد شهر مع مالك بن كعب فسار بهم خمس ليال
فبلغهم قتل محمد وفتح مصر فرجعوا، ولما قتل محمد بن أبي بكر وضعوه في
جيفة حمار واحرقوه بالنار، وهكذا يكون لؤم الغلبة. وقدم على أمير
المؤمنين عينه بالشام فأخبره بسرورهم بقتل محمد فقال اما ان حزننا عليه بقدر
سرورهم به لا بل يزيد اضعافا فعند الله نحتسبه اما والله إن كان كلما
علمت لممن ينتظر القضاء ويعمل للجزاء ويبغض شكل الفاجر ويحب هدي
المؤمن، وكان ذلك سنة ٣٨، وكتب أمير المؤمنين إلى ابن عباس وهو على
البصرة يخبره بفتح مصر وقتل محمد فاجابه ابن عباس عن كتابه ثم قدم
عليه إلى الكوفة يعزيه بمحمد وكان محمد ربيب أمير المؤمنين تزوج امه أسماء
بنت عميس بعد وفاة زوجها أبي بكر وكان قبل أبي بكر عند جعفر بن أبي
طالب وكانت كابنها محمد من خيار شيعة أمير المؤمنين ع. وقال ابن أبي
الحديد في شرح النهج ج ٢ ص ٥٧٥ في شرح قول أمير المؤمنين ع والله
ما معاوية بأدهى مني ولكنه يغدر ويفجر الخ عند ذكر الأمور التي ينسب إليه
فيها من لا يعرف حقيقته ضعف الرأي ما مثاله: ومنها تعلقهم بتولية أمير
المؤمنين ع محمد بن أبي بكر مصر وعزله قيس بن سعد عنها حتى
قتل محمد بها واستولى معاوية عليها والجواب ان يقال: إنه ليس يمكن ان
يقال إن محمدا لم يك باهل لولاية مصر لأنه كان شجاعا زاهدا فاضلا صحيح
العقل والرأي وممن لا يتهم ولا يرتاب بنصحه وهو ربيبه وخريجه ثم كان
المصريون على غاية المحبة له والايثار لولايته ولما حاصروا عثمان وطالبوه بعزل
عبد الله بن سعد بن أبي سرح عنهم اقترحوا تأمير محمد بن أبي بكر على
مصر لما ظهر من ميل المصريين إليه وايثارهم له واستحقاقه لذلك بتكامل
خصال الفضل فيه فكان الظن قويا باتفاق الرعية على طاعته وانقيادهم إلى
نصرته واجتماعهم على محبته فكان من امره ما كان وليس ذلك بعيب على
أمير المؤمنين ع فان الأمور انما يعتمدها الامام على حسب ما يظن فيها
من المصلحة ولا يعلم الغيب الا الله وقد ولى رسول الله ص جعفرا وزيدا
وعبد الله بن رواحة يوم مؤتة فقتلوا وهزم الجيش وعاد من عاد منهم إلى
المدينة بأسوأ حال فهل لاحد ان يعيب رسول الله ص بذلك ويطعن في
تدبيره اه.
ارسال معاوية عبد الله بن الحضرمي إلى البصرة لالقاء الفتنة
قال ابن الأثير: في سنة ٣٨ بعد مقتل محمد بن أبي بكر ارسل معاوية
عبد الله بن الحضرمي إلى البصرة لايقاع الفتنة والفساد لعلمه ان جل
أهلها عثمانية وانهم حنقون لما أصابهم يوم الجمل وكان ابن عباس أميرهم
قد ذهب إلى الكوفة ليعزي أمير المؤمنين ع عن محمد بن أبي بكر
واستخلف على البصرة زياد بن أبيه فنزل ابن الحضرمي في بني تميم فاتاه
العثمانية وغيرهم فخطبهم ودعاهم إلى الطلب بدم عثمان فقام الضحاك بن
قيس الهلالي وكان على شرطة ابن عباس فقال قبح الله ما جئتنا به أتيتنا والله
بمثل ما أتانا به طلحة والزبير اتيانا وقد بايعنا عليا واستقامت أمورنا فحملانا
على الفرقة ونحن الآن مجتمعون على بيعته وقد أقال العثرة وعفا عن المسئ
أفتأمرنا ان ننتضي أسيافنا يضرب بعضنا بعضا ليكون معاوية أميرا والله ليوم
من أيام علي خير من معاوية وآل معاوية فرد عليه عبد الله بن حازم السلمي
وأجاب إلى ما دعا إليه الضحاك وقال له اقرأ كتاب معاوية فقرأه وفيه الدعوة
إلى الطلب بدم عثمان ووعده بأنه يعطيهم عطائين في السنة ترغيبا لهم في
المال فقال الأحنف لا ناقتي في هذا ولا جملي واعتزل، وقام عمر بن
مرجوم العبدي فدعا إلى لزوم الطاعة وعدم نكث البيعة وخالفه عباس بن
صحار العبدي وكان مخالفا لقومه في حب على ع فأجاب إلى نصرة ابن
الحضرمي فرد عليه المثنى بن مخرمة العبدي فخاف زياد فاستجار بحضين بن
المنذر ومالك بن مسمع فقال حضين نعم وقال مالك وكان مائلا إلى بني
أمية استشير وانظر، فلما رأى زياد تثاقل مالك خاف ان تختلف عليه
ربيعة فاستجار بصبرة بن شيمان الحداني فنقل بيت المال إلى داره، وكتب
زياد إلى أمير المؤمنين ع بالخبر فأرسل إليه أعين بن ضبيعة
المجاشعي ثم التميمي ليفرق قومه عن ابن الحضرمي فان امتنعوا قاتل بمن
أطاعه من عصاه، فاتى قومه ونهض إلى ابن الحضرمي بمن معه ودعاهم
فشتموه وواقفهم نهاره ثم انصرف فدخل عليه قوم قيل إنهم من الخوارج
(٥١٨)

وقيل وضعهم ابن الحضرمي على قتله وكان معهم فقتلوا غيلة وكتب زياد إلى
علي السلام بذلك فأرسل جارية بن قدامة السعدي مع جماعة فقرأ عليهم
كتاب علي ع يوبخهم ويتهددهم بالمسير إليهم والإيقاع بهم وقعة لا تكون
وقعة الجمل عندها شيئا وسار جارية إلى ابن الحضرمي ومعه الأزد ومن
غارة الضحاك بن قيس الفهري على الحاج ونهبه الأموال وقتله
النفوس البريئة بأمر معاوية بعد الحكمين وقبل وقعة النهروان
في شرح النهج (١) روى إبراهيم بن محمد بن سعيد بن هلال الثقفي في
كتاب الغارات ان غارة الضحاك بن قيس كانت بعد الحكمين وقبل قتال
النهروان وذلك أن معاوية لما بلغه ان عليا ع بعد واقعة الحكمين
تحمل إليه مقبلاها له ذلك فخرج من دمشق معسكرا وبعث إلى كور الشام
نسخة واحدة فقرئت على الناس وفيها انا كنا كتبنا كتابا بيننا وبين علي
وشرطنا فيه شروطا وحكمنا رجلين يحكمان علينا وعليه بحكم الكتاب لا
يعدوانه وجعلنا عهد الله وميثاقه على من نكث العهد ولم يمض الحكم وان
حكمي اثبتني وحكمه خلعه وقد اقبل إليكم ظالما ومن نكث فإنما ينكث على
نفسه تجهزوا للحرب بأحسن الجهاز يسرنا الله وإياكم لصالح الأعمال.
فاجتمع إليه الناس فاستشار أصحابه وقال إن عليا قد خرج من الكوفة
وعهد العاهد به انه قد فارق النخيلة فأشار حبيب بن مسلمة بالذهاب إلى
صفين وأشار عمرو بن العاص بالايغال في الجزيرة فمكثوا يومين أو ثلاثة
يجيلون الرأي حتى قدمت عليهم عيونهم ان عليا فارقته فرقة أنكروا أمر
التحكيم وانه قد رجع عنكم إليهم فكبر الناس سرورا بذلك ثم جاء الخبر
بقتل الخوارج وان عليا أراد بعد قتلهم ان يقبل إليكم ولكن أصحابه
استنظروه فسروا بذلك. قال الطبري: وكان عمارة بن عقبة بن
أبي معيط مقيما بالكوفة بعد قتل عثمان لم يهجه علي ولم يذعره تكرما منه
وتمسكا بالدين وكان يكتب إلى معاوية بالاخبار سرا وروى ابن إسحاق انه
جاء كتاب عمارة إلى معاوية وهو معسكر بان عليا خرج عليه قراء أصحابه
ونساكهم فقتلهم وقد فسد عليه جنده قال فدعا معاوية الضحاك بن قيس
الفهري فسرحه فيما بين ثلاثة آلاف إلى خمسة آلاف وقال سر حتى تمر بناحية
الكوفة وترتفع عنها ما استطعت فمن وجدته من الاعراب في طاعة علي فاغر
عليه وان وجدت له مسلحة أو خيلا فاغر عليها فاقبل الضحاك فنهب الأموال
وقتل من لقي من الأعراب حتى مر بالثعلبية فأغار على الحاج فاخذ أمتعتهم
ثم لقي عمرو بن عميس بن مسعود الذهلي وهو ابن أخي عبد الله بن مسعود
الصحابي فقتله في طريق الحاج عند القطقطانة وقتل معه ناسا من أصحابه
اه وكان ذلك كله اجتهادا يثاب فاعله!! فخطب أمير المؤمنين ع
الناس وأنبههم وحثهم على الخروج إلى عدوهم فردوا عليه ردا ضعيفا
ورأى منهم عجزا وفشلا ثم نزل فخرج يمشي حتى بلغ الغريين ثم دعا
حجر بن عدي الكندي فعقد له أربعة آلاف فخرج حجر حتى مر بالسماوة
وهي أرض كلب فلقي بها امرأ القيس بن عدي الكلبي وهم أصهار الحسين
ع لأن الحسين ع كان متزوجا الرباب ابنة امرئ القيس
هذا فكانوا أدلاءه على الطريق وعلى المياه فلم يزل مغذا في اثر الضحاك
حتى لقيه بناحية تدمر فواقعه فاقتتلوا ساعة فقتل من أصحاب الضحاك
تسعة عشر رجلا وقتل من أصحاب حجر رجلان وحجز الليل بينهم فلما
أصبحوا لم يجدوا للضحاك ولا لأصحابه أثرا اه.
اخباره مع أخيه عقيل
قال ابن أبي الحديد في شرح النهج (٢): لم يشهد عقيل مع أخيه
أمير المؤمنين شيئا من حروبه أيام خلافته وعرض نفسه وولده عليه فأعفاه ولم
يكلفه حضور الحرب ثم قال واختلف الناس في عقيل هل التحق بمعاوية
وأمير المؤمنين حي فقال قوم نعم ورووا ان معاوية قال يوما وعقيل عنده
هذا أبو يزيد لولا علمه إني خير له من أخيه لما أقام عندنا وتركه فقال عقيل
أخي خير لي في ديني وأنت خير لي في دنياي وقد آثرت دنياي واسال الله
خاتمة خير. وقال أيضا (٣): روي أن عقيلا قدم على أمير المؤمنين فوجده
جالسا في صحن مسجد الكوفة فقال السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة
الله وبركاته وكان عقيل قد كف بصره فقال والسلام عليك يا أبا يزيد ثم
التفت إلى ابنه الحسن فقال قم فأنزل عمك فقام فزله إليه ثم عاد فقال
اذهب فاشتر لعمك قميصا جديدا ورداء جديدا وازارا ونعلا
جديدا فذهب فاشترى له فغدا عقيل على علي ع في الثياب
فقال السلام عليك يا أمير المؤمنين قال وعليك السلام يا أبا يزيد قال يا أمير
المؤمنين ما أراك أصبت من الدنيا شيئا واني لا ترضى نفسي من خلافتك ما
رضيت به لنفسك فقال يا أبا يزيد يخرج عطائي فادفعه إليك فلما ارتحل عن
أمير المؤمنين اتى معاوية فامر له بمائة ألف فقبضها ثم غدا عليه يوما بعد
ذلك وبعد وفاة أمير المؤمنين وبيعة الحسن لمعاوية الحديث ثم قال ابن
أبي الحديد في تتمة كلامه السابق: وقال قوم انه لم يأت إلى معاوية الا بعد
وفاة أمير المؤمنين ع واستدلوا على ذلك بالكتاب الذي كتبه إليه
في آخر خلافته والجواب الذي اجابه به ع قال وهذا القول هو
الاظهر عندي اه وأشار بالكتاب والجواب إلى ما رواه ابن إسحاق في
كتاب الغارات قال كتب عقيل بن أبي طالب إلى أخيه أمير المؤمنين ع
في اثر وقعة الضحاك بن قيس حين بلغه خذلان أهل الكوفة
وتقاعدهم به ومر ذكر غارة الضحاك آنفا.
كتاب عقيل إلى أمير المؤمنين بعد وقعة الضحاك
لعبد الله علي أمير المؤمنين من عقيل بن أبي طالب سلام عليك فاني
احمد إليك الله الذي لا إله إلا هو اما بعد فان الله حارسك من كل سوء
وعاصمك من كل مكروه وعلى كل حال اني قد خرجت إلى مكة معتمرا
فلقيت عبد الله بن سعد بن أبي سرح في نحو من أربعين شابا من أبناء
الطلقاء فعرفت المنكر في وجوههم فقلت إلى أين يا أبناء الشانئين أ بمعاوية
تلحقون عداوة والله منكم قديمة غير مستنكرة تريدون بها اطفاء نور الله
وتبديل امره فاسمعني القوم وأسمعتهم فلما قدمت مكة سمعت أهلها
يتحدثون ان الضحاك بن قيس أغار على الحيرة فاحتمل من أموالها ما شاء
ثم انكفا راجعا سالما فاف لحياة في دهر جرأ عليك الضحاك وما الضحاك
فقع بقرقر وقد توهمت حين بلغني ذلك ان شيعتك وأنصارك خذلوك فاكتب
إلي يا ابن أمي برأيك فان كنت الموت تريد تحملت إليك ببني أخيك وولد

(١) ج ١ ص ١٥٣ - ١٥٤.
(٢) ج ٣ ص ٨٢.
(٣) ج ١ ص ١٥٧
(٥١٩)

أبيك فعشنا معك ما عشت ومتنا معك إذا مت فوالله ما أحب ان أبقى في
الدنيا بعدك فواقا وأقسم بالأعز الاجل ان عيشا نعيشه بعدك في الحياة لغير
هنئ ولا مرئ ولا نجيع والسلام عليك ورحمة الله وبركاته (١).
جواب أمير المؤمنين ع لأخيه عقيل
فكتب إليه أمير المؤمنين ع: من عبد الله علي أمير المؤمنين
إلى عقيل بن أبي طالب سلام عليك فاني احمد إليك الله الذي لا اله الا هو.
اما بعد كلأنا الله وإياك كلاءة من يخشاه بالغيب انه حميد مجيد قد وصل
إلي كتابك مع عبد الرحمن بن عبيد الأزدي تذكر فيه انك لقيت عبد الله بن
أبي سرح مقبلا من قديد في نحو من أربعين فارسا من أبناء الطلقاء متوجهين
إلى جهة الغرب وان ابن أبي سرح طالما كاد الله ورسوله وكتابه وصد عن
سبيله وبغاها عوجا فدع ابن أبي سرح ودع عنك قريشا وخلهم
وتركاضهم في الضلال وتجوالهم في الشقاق الا وإن العرب قد أجمعت على
حرب أخيك اليوم اجماعها على حرب رسول الله ص قبل اليوم فأصبحوا قد
جهلوا حقه وجحدوا فضله وبادروه العداوة ونصبوا له الحرب وجهدوا عليه
كل الجهد وجروا إليه جيش الأحزاب اللهم فأجز قريشا عني الجوازي فقد
قطعت رحمي وظاهرت علي ودفعتني عن حقي وسلبتني سلطان ابن أمي
وسلمت ذلك إلى من ليس مثلي في قرابتي من الرسول وسابقتي في الاسلام
الا ان يدعي مدع ما لا اعرفه ولا أظن الله يعرفه والحمد لله على كل حال
واما ما ذكرته من غارة الضحاك على أهل الحيرة فهو أقل وأذل من أن يلم
بها أو يدنو منها ولكنه قد كان اقبل في جريدة خيل فاخذ على السماوة حتى مر
بواقصة وشراف والقطقطانة مما والى ذلك الصقع فوجهت إليه جندا كثيفا
من المسلمين فلما بلغه ذلك فر هاربا فاتبعوه فلحقوه ببعض الطريق وقد
أمعن وكان ذلك حين طفلت الشمس للاياب فتناوشوا القتال قليلا فلم
يصبر لوقع المشرفية وولى هاربا وقتل من أصحابه بضعة عشر رجلا ونجا
جريضا بعد ما اخذ منه بالمخنق فلأيا بلأي ما نجا (٢) فاما ما سألتني ان
اكتب لك برأيي فيما انا فيه فان رأيي جهاد المحلين حتى القى الله لا يزيدني
كثرة الناس معي عزة ولا تفرقهم عني وحشة لأنني محق والله مع المحق
ووالله لا أكره الموت على الحق وما الخير كله الا بعد الموت لمن كان محقا واما
ما عرضت به من سيرك إلي ببنيك وبني أبيك فلا حاجة لي في ذلك فاقم
راشدا محمودا فوالله ما أحب ان تهلكوا معي ان هلكت ولا تحسبن ابن أمك
لو أسلمه الناس متخشعا ولا متضرعا انه لكما قال أخو بني سليم:
- ان تسأليني كيف أنت فإنني * صبور على ريب الزمان صليب -
- جهيد على أن لا ترى بي كآبة * فيشمت واش أو يساء حبيب -
وحكى ابن الحديد في شرح النهج (٣) عن الزبير بن بكار انه روى في
كتاب الموفقيات بسنده انه لما حصر عثمان أبرد مروان بريدين إلى الشام
واليمن ومع كل منهما كتاب إلى يعلى بن منية باليمن ومعاوية بالشام يستنجد
بهما ثم جاء كتاب مروان إلى معاوية بقتل عثمان فكتب معاوية إلى جماعة من
بني أمية وغيرهم يحرضهم على الطلب بدم عثمان فكلهم كتبوا إلى معاوية
يحرضونه ويقرونه الا سعيد بن العاص فإنه كتب إليه ينهاه عن ذلك.
قال وقد روى في خبر مشهور ان معاوية وبخ سعيد بن العاص على
تأخره عنه في صفين فقال سعيد لو دعوتني لوجدتني قريبا ولكن جلست
مجلس عقيل وغيره من بني هاشم ولو أوعبنا لأوعبوا اه وقال ابن أبي
الحديد (٤) فاما عقيل فالصحيح الذي اجتمع ثقات الرواة عليه انه لم يجتمع
مع معاوية إلا بعد وفاة أمير المؤمنين ع ولكنه لازم المدينة ولم يحضر
حرب الجمل وصفين وكان ذلك بإذن أمير المؤمنين ع وقد كتب عقيل
إليه بعد الحكمين يستأذنه في القدوم عليه الكوفة بولده وبقية أهله
فامره بالمقام اه.
وفي بعض خطب النهج: وعاودني اي عقيل مؤكدا وكرر علي
القول مرددا فأصغيت إليه سمعي فظن اني أبيعه ديني واتبع قياده مفارقا
طريقتي فأحميت له حديدة إلى آخر الكلام.
هذا ما وصل إلينا من اخباره مع أخيه عقيل ويمكننا ان نلخصه في
أمور: الأول ان عقيلا كان قد بقي بأولاده في المدينة كما يدل
عليه قول سعيد بن العاص ولكن جلست مجلس عقيل الخ وكتاب
عقيل إلى أخيه الدال على أن عقيلا كان بالحجاز مع أولاده عند
غارة الضحاك التي كانت بعد الحكمين وان أمير المؤمنين امره بالإقامة
بأولاده بالحجاز وعدم المجئ إلى العراق كما نص عليه جواب
الكتاب. الثاني ان عقيلا لم يذهب إلى معاوية في حياة أمير المؤمنين
وانما ذهب بعد موته ويدل على ذلك الكتاب والجواب وكلام سعيد بن
العاص فكلام سعيد يدل على أن عقيلا كان عند حرب صفين بالحجاز
والكتاب والجواب يدلان على أنه كان بعد الحكمين بمدة بها أيضا وذلك في
آخر خلافة أمير المؤمنين. ويمكن ان القائل بذهابه إلى معاوية في حياة أخيه
اشتبه عليه ذهابه بعد وفاة أخيه بذهابه في حياته الثالث هل جاء عقيل
إلى الكوفة في خلافة أخيه يمكن أن يقال نعم وانه أمر ابنه الحسن ان ينزله
عنده وان يشتري له كسوة جديدة ونعلا جديدا ففعل وجاء إليه في غدوة
اليوم الثاني في ثيابه ونعله الجدد فأخبره عقيل انه لا يرضى لنفسه ما رضيه
اخوه لنفسه من المساواة مع باقي المسلمين في العطاء وانه يريد التميز عنهم
فهو أخو الخليفة فيلزم ان يميز عن غيره في العطاء ولكن أمير المؤمنين ع
وقد اختط لنفسه خطة العدل والمساواة بين الناس وبدأ في ذلك
بنفسه وبولديه أعز الناس عليه فاخذ لنفسه من العطاء ما يأخذه اي شخص
من المسلمين واعطى ولديه كذلك ولما جاء إليه اخوه عقيل أكرمه غاية جهده
فجعله ضيفا عند ولده وكساه كسوة جديدة ولما طلب الزيادة عن الناس في
العطاء قال يخرج عطائي فادفعه إليك وهذا غاية ما في وسع أمير المؤمنين أن
يفعله وهو غاية الجود والكرم والرأفة والشفقة فأمير المؤمنين لم يكن يدخر مالا
ونفقته ونفقة عياله محصورة في عطائه فجاد به على عقيل وهو كل ما يملك
ووطن نفسه على أن يبقى بدون نفقة ويستدين على عطائه الثاني فليس من
المبالغة في شئ قولنا هذا غاية الجود والشفقة ولكن عقيلا لم يرضه ذلك ولم
يقنعه وكرر المطالبة وألح وألحف وعاود أخاه مؤكدا وكرر عليه القول مردا
ولزمه لزوم الأعمى غريمه حتى أحرجه ولم يجد منه مخرجا الا احماء الحديدة
وادناءها من جسمه ليعتبر بها، وكان صرفه واقناعه منحصرا في ذلك ومنه
يعلم أن أمير المؤمنين ع لم يقصر في اكرام أخيه عقيل وبره بغاية ما تتسع
له ذات يده ويساعد عليه دينه وعدله وان ما فعله مع عقيل الذي يريد حمله
بإلحاح والحاف على ما لا يمكن ان يفعله من احماء الحديدة ليس فيه شئ

(١) ان الذي يكتب هذا الكتاب لا يمكن ان يقال عنه انه التحق بمعاوية في حياة أخيه.
" الناشر "
(٢) اي كانت نجاته بعد جهد ومشقة.
(٣) ج ٢ ص ٥٧٩
(٤) ج ٢ ص ٥٧٥
(٥٢٠)

من القسوة والجفوة كما يتوهم في بادي النظر والظاهر أن عقيلا لما جاء إلى
الكوفة أحضر معه ولده ليكون وجودهم أدعى للعطف عليه ثم عاد بهم إلى
المدينة ولا بد ان يكون أمير المؤمنين لما خرج عطاؤه بعث به إليه مع عطاء
عقيل فإنه لم يكن ليخلف ما وعد به.
وقعة النهروان مع الخوارج
سنة ٣٧ وقيل سنة ٣٨
الخوارج هم الذين أنكروا التحكيم الذي وقع يوم صفين وقالوا لا
حكم الا الله وقد مر ذكر أول من قال ذلك ويقال لهم الحرورية أيضا لأنهم
في أول امرهم اجتمعوا بمكان يقال له حروراء وقاتلهم علي ع وقتلهم
بمكان يسمى النهروان وهو موضع بين بغداد وحلوان فسميت الوقعة به
وأساس عقيدتهم تولي الشيخين والبراءة من الصهرين فيتولون عثمان إلى حين
وقوع الاحداث ويتولون عليا إلى حين وقوع التحكيم وهم القراء الذين
كانوا في صفين وقد اسودت جباههم من طول السجود وقال لهم أمير
المؤمنين ع انها حيلة فلم يقبلوا واجبروه على التحكيم ثم أنكروه ثم
كانت لهم وقائع مشهورة مذكورة في كتب التواريخ في زمان ملوك بني أمية
وبني العباس ولا يزال منهم طائفة إلى اليوم في زنجبار والمغرب وشمال
إفريقية وغيرها.
وروى الطبري في تاريخه أن عليا لما أراد أن يبعث أبا موسى للحكومة
أتاه رجلان من الخوارج زرعة بن البرج الطائي وحرقوص بن زهير السعدي
فقالا له لا حكم إلا لله فقال علي لا حكم إلا لله قال له حرقوص تب من
خطيئتك وارجع عن قضيتك واخرج بنا إلى عدونا فقال قد أردتكم على
ذلك فعصيتموني وقد كتبنا بيننا وبينهم كتابا وشرطنا شروطا وأعطينا عليها
عهودنا ومواثيقنا وقد قال الله عز وجل وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا
تنقضوا الايمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا فقال له حرقوص
ذلك ذنب ينبغي أن تتوب منه قال علي ما هو ذنب ولكنه عجز من الرأي
وضعف من الفعل وقد تقدمت إليكم فيما كان منه ونهيتكم عنه فقال له
زرعة. أما والله يا علي لئن لم تدع تحكيم الرجال في كتاب الله عز وجل
قاتلتك اطلب بذلك وجه الله ورضوانه، قال علي: بؤسا لك ما أشقاك
كأني بك قتيلا تسفي عليك الريح قال وددت أنه كان ذلك قال له علي لو
كنت محقا كان في الموت على الحق تعزية عن الدنيا أن الشيطان قد
استهواكم فاتقوا الله فخرجا من عنده يحكمان وخرج علي ذات يوم يخطب
فإنه لفي خطبته إذ حكمت المحكمة في جوانب المسجد، فقال: الله
أكبر، كلمة حق يراد بها باطل. وقال له رجل منهم يوما وهو يخطب:
ولقد أوحى إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك
ولتكونن من الخاسرين فقال علي: فاصبر أن وعد الله حق ولا يستخفنك
الذين لا يوقنون. وروى الطبري أنه لما وقع التحكيم ورجع علي من صفين
رجعوا مباينين له فلما انتهوا إلى النهر أقاموا به فدخل علي في الناس الكوفة
ونزلوا بحروراء قال ابن الأثير لما رجع علي من صفين فارقه الخوارج وأتوا
حروراء فنزلوا بها اثنا عشر ألفا ونادى مناديهم: أمير القتال شبث بن ربعي
وأمير الصلاة عبد الله بن الكواء، والأمر شورى بعد الفتح، والبيعة لله عز
وجل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقامت الشيعة فقالوا لعلي في
أعناقنا بيعة ثانية نحن أولياء من واليت وأعداء من عاديت، فقالت
الخوارج: استبقتم أنتم وأهل الشام إلى الكفر كفرسي رهان، بايع أهل
الشام معاوية على ما أحبوا وكرهوا وبايعتم عليا على أنكم أولياء من والى
وأعداء من عادى، فقال لهم زياد بن النضر أما والله ما بايعنا عليا إلا على
كتاب الله وسنة نبيه ولكنكم لما خالفتموه جاءته شيعته فقالوا نحن أولياء من
واليت وأعداء من عاديت ونحن كذلك وهو على الحق والهدى ومن خالفه
ضال مضل. قال الطبري وبعث إليهم ابن عباس فرجع ولم يصنع
شيئا. وقال المبرد وغيره لما وجه ابن عباس إليهم ليناظرهم قال لهم ما الذي
نقمتم على أمير المؤمنين قالوا له قد كان للمؤمنين أميرا فلما حكم في دين
الله خرج من الايمان فليتب بعد إقراره بالكفر نعد له فقال ابن عباس ما
ينبغي لمؤمن لم يشب إيمانه بشك أن يقر على نفسه بالكفر قالوا إنه حكم.
قال إن الله أمر بالتحكيم في قتل صيد قال يحكم به ذوو عدل منكم فكيف
في إمامة قد أشكلت على المسلمين فقالوا انه حكم عليه فلم يرض فقال إن
الحكومة كالإمامة ومتى فسق الامام وجبت معصيته وكذلك الحكمان لما خلفا
نبذت أقاويلهما فقال بعضهم لبعض اجعلوا احتجاج قريش حجة عليهم
فهذا من الذين قال الله فيهم بل هم قوم خصمون وقال جل شانه وتنذر به
قوما لدا. قال المبرد ثم ناظرهم أمير المؤمنين بعد مناظرة ابن عباس فكان فيما
قال لهم أ لا تعلمون أن هؤلاء القوم لما رفعوا المصاحف قلت لكم ان هذه
مكيدة وأنهم لو قصدوا إلى حكم المصاحف لأتوني وسألوني أ فتعلمون أن
أحدا كان أكره للتحكيم مني قالوا صدقت قال فهل تعلمون أنكم
استكرهتموني على ذلك حتى أجبتكم إليه فاشترطت أن حكمها نافذ ما
حكما بحكم الله فمتى خالفاه فانا وأنتم من ذلك براء وأنتم تعلمون ان
حكم الله لا يعدوني قالوا اللهم نعم فقالوا حكمت في دين الله برأينا ونحن
مقرون بانا كفرنا ولكننا الآن تائبون فاقر بما أقررنا به وتب ننهض معك إلى
الشام قال أ ما تعلمون أن الله قد أمر بالتحكيم في شقاق بين الرجل وامرأته
فقال سبحانه فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها وفي صيد أصيب
كأرنب يساوي نصف درهم فقال يحكم به ذوو عدل منكم فقالوا له فان
عمرا لما أبى عليك أن تقول في كتابك هذا ما كتبه عبد الله علي أمير المؤمنين
محوت اسمك من الخلافة وكتبت علي بن أبي طالب فقد خلعت نفسك فقال
لي برسول الله ص أسوة حين أبي عليه سهيل بن عمرو ان يكتب هذا كتاب
كتبه محمد رسول الله وسهيل بن عمرو وقال لو أقررت بأنك رسول الله ما
خالفتك ولكن أقدمك لفضلك فاكتب محمد بن عبد الله فقال لي يا علي امح
رسول الله فقلت يا رسول الله لا تشجعني نفسي على محو اسمك من النبوة
فمحاه بيده ثم قال اكتب محمد بن عبد الله ثم تبسم إلي وقال يا علي أما أنك
ستسأم مثلها فتعطي فرجع معه ألفان من حروراء وكانوا تجمعوا بها فسموا
الحرورية. قال المبرد ومن شعر أمير المؤمنين الذي لا اختلاف فيه أنه قاله
وكان يردده لما ساموه أن يقر بالكفر ويتوب حتى يسيروا معه إلى الشام فقال
أ بعد صحبة رسول الله ص والتفقه في الدين ارجع كافرا ثم قال:
- يا شاهد الله علي فاشهد * أني على دين النبي أحمد -
- من شك في الله فاني مهتدي -
وفي رواية ذكرها المبرد في الكامل أيضا أنه ع خرج إليهم
إلى حروراء فقال هذا مقام من فلج فيه اليوم فلج يوم القيامة ثم كلمهم
وناشدهم فقالوا إنا أذنبنا ذنبا عظيما بالتحكيم وقد تبنا
فتب إلى الله كما تبنا نعد معك فقال علي ع أنا استغفر الله من كل ذنب فرجعوا معه وهم
ستة آلاف فلما استقروا بالكوفة أشاعوا أن عليا رجع عن التحكيم ورآه
ضلالا فاتى الأشعث عليا فقال يا أمير المؤمنين ان الناس قد تحدثوا
انك رأيت الحكومة ضلالا والإقامة عليها كفرا فقام علي يخطب
(٥٢١)

فقال من زعم إني رجعت عن الحكومة فقد كذب ومن رآها ضلالا
فقد ضل فخرجت الخوارج من المسجد فحكمت. قال ابن أبي الحديد
كل فساد في خلافة علي أصله الأشعث ولولا فعله هذا لم يكن حرب
النهروان فإنه ع أراد أن يسلك معهم مسلك التعريض
فقال لهم كلمة مجملة يقولها الأنبياء والمعصومون فرضوا بها فالجاه
الأشعث إلى التصريح حيث سأله بحضور من لا يمكنه معه إلا
التصريح فانتقض ما دبره. قال الطبري لما بعث علي ع أبا موسى
لانفاذ الحكومة اجتمعت الخوارج في منزل عبد الله بن وهب الراسي
فخطبهم وقال اخرجوا بنا من هذه القرية الظالم أهلها ثم ولوه أمرهم وكاتبوا
من بالبصرة وتعبدوا ليلة الجمعة ويومها وساروا يوم السبت حتى نزلوا جسر
النهروان فاتى عليا أصحابه وشيعته فبايعوه وقالوا نحن أولياء من واليت
وأعداء من عاديت فشرط لهم في سنة رسول الله ص فجاء ربيعة بن أبي
شداد الخثعمي وكان شهد معه الجمل وصفين ومعه راية خثعم فقال له علي
ع بايع على كتاب الله وسنة رسوله ص فقال على سنة أبي بكر وعمر
فقال علي ويلك لو أن أبا بكر وعمر عملا بغير كتاب الله وسنة رسوله لم
يكونا على شئ من الحق فبايعه فنظر إليه علي وقال أما والله لكأني بك وقد
نفرت مع هذه الخوارج فقتلت وكأني بك وقد وطأتك الخيل بحوافرها فقتل
يوم النهر مع خوارج البصرة.
وأما خوارج البصرة فاجتمعوا في خمسمائة وجعلوا عليهم مسعر بن
فدكي التميمي فعلم بهم ابن عباس فاتبعهم أبا الأسود الدؤلي فلحقهم
بالجسر الأكبر فتواقفوا حتى حجز بينهم الليل وأدلج مسعر بأصحابه حتى
لحق بعبد الله بن وهب بالنهر وقام علي ع في الكوفة فخطبهم فقال
الحمد لله وإن أتى الدهر بالخطب الفادح والحدثان الجليل أما بعد فان
المعصية تورث الحسرة وتعقب الندم وقد كنت امرتكم في هذين الرجلين
وفي هذه الحكومة أمري ونحلتكم رأيي لو كان لقصير أمر ولكن أبيتم إلا ما
أردتم فكنت أنا وأنتم كما قال أخو هوازن:
- أمرتهم أمري بمنعرج اللوى * فلم يستبينوا الرشد الا ضحى الغد -
إلا أن هذين الرجلين الذين اخترتموهما حكمين قد نبذا حكم القرآن
وراء ظهورهما وأحييا ما أمات القرآن واتبع كل واحد منهما هواه بغير هدى
من الله فحكما بغير حجة بينة ولا سنة ماضية واختلفا في حكمهم وكلاهما لم
يرشد فبرئ الله منهما ورسوله وصالح المؤمنين استعدوا وتأهبوا للمسير إلى
الشام وأصبحوا في معسكركم إن شاء الله يوم الاثنين، ثم نزل وكتب إلى
الخوارج أن الرجلين الذين ارتضينا حكمهما قد خالفا كتاب الله واتبعا
أهواءهما فاقبلوا فانا سائرون إلى عدونا وعدوكم ونحن على الأمر الذي كنا
عليه فكتبوا إليه إنك لم تغضب لربك إنما غضبت لنفسك فان شهدت على
نفسك بالكفر واستقبلت التوبة نظرنا فيما بيننا و بينك وإلا فقد نابذناك على
سواء أن الله لا يحب الخائنين فايس منهم ورأى أن يدعهم ويمضي بالناس
إلى أهل الشام وكتب إلى عبد الله بن عباس أمير البصرة يأمره باشخاص
أهلها إليه فقرأ عليهم الكتاب وأمرهم بالشخوص مع الأحنف فشخص معه
منهم ألف وخمسمائة فاستقلهم ابن عباس فخطبهم وقال لم يشخص منكم
إلا ألف وخمسمائة وأنتم ستون ألفا ألا انفروا مع جارية بن قدامة السعدي
وتهدد من يتأخر وأمر أبا الأسود بحشرهم فاجتمع إلى جارية ألف وسبعمائة
فقدموا عليه بالنخيلة ثم جمع رؤساء أهل الكوفة وقال أنتم اخواني
وأنصاري وأعواني على الحق وصحابتي على جهاد عدوي المحلين، بكم
أضرب المدبر وارجو تمام طاعة المقبل، وطلب إليهم أن يكتب له كل رئيس
ما في عشيرته فقام سعيد بن قيس الهمداني فقال يا أمير المؤمنين سمعا
وطاعة وودا ونصيحة أنا أول الناس جاء بما سالت وقام معقل بن قيس
الرياحي فقال له نحوا من ذلك وقام عدي بن حاتم وزياد بن خصفة
وحجر بن عدي وأشراف الناس والقبائل فقالوا مثل ذلك فرفعوا إليه خمسة
وستين ألفا فكانوا مع أهل البصرة ثمانية وستين ألفا ومائتين وبلغه أن
الناس يقولون لو سار بنا إلى هذه الحرورية فبدأنا بهم ثم خرجنا إلى المحلين
فخطبهم وقال إن غير هذه الخارجة أهم إلينا منهم فدعوا ذكرهم وسيروا إلى
قوم يقاتلونكم كيما يكونوا جبارين ملوكا ويتخذوا عباد الله خولا فتنادوا من
كل جانب سر بنا يا أمير المؤمنين حيث أحببت وقام صيفي بن فسيل
الشيباني فقال يا أمير المؤمنين نحن حزبك وأنصارك نعادي من عاديت
ونشايع من أناب إلى طاعتك فسر بنا إلى عدوك من كانوا وأينما كانوا فإنك
إن شاء الله لن تؤتى من قلة عدد ولا ضعف نية اتباع وقام إليه محرز بن
شهاب التميمي من بني سعد فقال يا أمير المؤمنين شيعتك كقلب رجل
واحد في الاجماع على نصرتك والجد في جهاد عدوك فابشر بالنصر وسر بنا
إلى أي الفريقين أحببت فانا شيعتك الذين نرجو في طاعتك وجهاد من
خالفك صالح الثواب ونخاف في خذلانك والتخلف عنك شدة الوبال.
وقال المسعودي كان علي انفصل عن الكوفة في خمسة وثلاثين ألفا وأتاه من
البصرة من قبل ابن عباس وكان عامله عليها عشرة آلاف فيهم الأحنف بن
قيس وجارية بن قدامة السعدي وذلك في سنة ٣٨ فنزل على الأنبار والتأمت
إليه العساكر فخطب الناس وحرضهم على الجهاد وقال سيروا إلى قتلة
المهاجرين والأنصار قد طالما سعوا في اطفاء نور الله وحرضوا على قتل
رسول الله ص ومن معه إلا أن رسول الله أمرني بقتال الناكثين وهم هؤلاء
الذين فرغنا منهم والمارقين ولم نلقهم بعد فسيروا إلى القاسطين فهم أهم
علينا من الخوارج سيروا إلى قوم يقاتلونكم كيما يكونوا جبارين يتخذهم
الناس أربابا ويتخذون عباد الله خولا ومالهم دولا فأبوا إلا أن يبدأوا
بالخوارج اه وأما الخوارج فقد قال أبو العباس المبرد في الكامل انهم
مضوا إلى النهروان فمن طريف أخبارهم أنهم أصابوا في طريقهم مسلما
ونصرانيا فقتلوا المسلم لأنه عندهم كافر لأنه على خلاف معتقدهم
واستوصوا بالنصراني وقالوا احفظوا ذمة نبيكم. قال ونحو ذلك ان
واصل بن عطاء أقبل في رفقة فأحس بالخوارج فقال واصل لأهل الرفقة ان
هذا ليس من شأنكم فاعتزلوا ودعوني وإياهم وكانوا قد أشرفوا على
العطب، فقالوا شأنك، فخرج إليهم فقالوا ما أنت وأصحابك؟ قال قوم
مشركون مستجيرون بكم ليسمعوا كلام الله ويفهموا حدوده قالوا قد
أجرناكم قال فعلمونا فجعلوا يعلمونهم أحكامهم ويقول واصل قد قبلت أنا
ومن معي قالوا فامضوا مصاحبين فقد صرتم اخواننا فقال بل تبلغوننا مامنا
لأن الله تعالى يقول وان أحد من المشركين استجارك فاجره حتى يسمع كلام
الله ثم أبلغه مامنه قال فينظر بعضهم إلى بعض ثم قالوا ذاك لكم فساروا
معهم بجمعهم حتى ابلغوهم المأمن. قال ولقيهم عبد الله بن خباب
صاحب رسول الله ص في عنقه مصحف على حمار ومعه امرأته وهي حامل
فقالوا له ان هذا الذي في عنقك يأمرنا بقتلك فوثب رجل منهم على رطبة
سقطت من نخلة فوضعها في فيه فصاحوا به فلفظها تورعا وعرض لرجل
منهم خنزير فضربه فقتله فقالوا هذا فساد في الأرض. قال الطبري: فاتى
صاحب الخنزير فأرضاه فلما رأى ذلك منهم ابن خباب قال لئن كنتم
(٥٢٢)

صادقين فيما أرى فما علي منكم باس أني لمسلم ما أحدثت في الاسلام حدثا
ولقد آمنتموني قلتم لا روع عليك وكانوا قالوا له ذلك لما لقيهم، قال
المبرد: فقالوا له ما تقول في علي بعد التحكيم والحكومة؟ قال: إن عليا
أعلم بالله منكم وأشد توقيا على دينه وأنفذ بصيرة، قالوا انك لست تتبع
الهدى إنما تتبع الرجال على أسمائهم، قال الطبري: قالوا والله لنقتلنك
قتلة ما قتلناها أحدا فأخذوه فكتفوه ثم أقبلوا به وبامرأته وهي حبلى متم
فاضجعوه فذبحوه وسال دمه في الماء واقبلوا إلى المرأة فقالت إني إنما أنا امرأة
أ لا تتقون الله فبقروا بطنها وقتلوا ثلاث نسوة من طئ وقتلوا أم سنان
الصيداوية قال المبرد وساوموا رجلا نصرانيا بنخلة له فقال هي لكم فقالوا
ما كنا نأخذها إلا بثمن فقال وا عجباه أ تقتلون مثل عبد الله بن خباب ولا
تقبلون جنا نخلة إلا بثمن، وقال المسعودي: اجتمعت الخوارج في أربعة
آلاف فبايعوا عبد الله بن وهب الراسبي ولحقوا بالمدائن وقتلوا عبد الله بن
خباب عامل علي عليها ذبحوه ذبحا وبقروا بطن امرأته وكانت حاملا وقتلوا
غيرها من النساء قال الطبري فبلغ عليا قتلهم عبد الله بن خباب
واعتراضهم الناس فبعث إليهم الحارث بن مرة العبدي لينظر فيما بلغه عنهم
فقتلوه فبلغ ذلك أمير المؤمنين ع فقال له الناس علا م ندع هؤلاء
وراءنا يخلفوننا في أموالنا وعيالنا سر بنا إليهم فإذا فرغنا مما بيننا وبينهم سرنا
إلى عدونا من أهل الشام وقام إليه الأشعث الكندي فكلمه بمثل ذلك وكان
الناس يتهمونه قبل أن يقول ذلك أنه يرى رأيهم فنادى علي ع بالرحيل
وسار إليهم وقال المسعودي بعث إليهم بالحارث بن مرة العبدي رسولا
يدعوهم إلى الرجوع فقتلوه وبعثوا إلى علي إن تبت من حكومتك وشهدت
على نفسك بالكفر بايعناك وإن أبيت فاعتزلنا حتى نختار لأنفسنا إماما فانا
منك براء فبعث إليهم علي أن ابعثوا إلي بقتلة اخواني فاقتلهم ثم أتارككم
إلى أن أفرع من قتال أهل المغرب ولعل الله يقلب قلوبكم فبعثوا إليه كلنا
قتلة أصحابك وكلنا مستحل لدمائهم مشتركون في قتلهم اه وروى
إبراهيم بن ديزيل في كتاب صفين أنه لما عزم علي ع على الخروج
من الكوفة إلى الحرورية قال له منجم من أصحابه اسمه مسافر بن عفيف
الأزدي يا أمير المؤمنين لا تسر في هذه الساعة وسر في ساعة كذا فإنك إن
سرت في هذه الساعة أصابك وأصحابك أذى وضر شديد وإن سرت في
الساعة التي أقول لك ظفرت وظهرت فقال له علي ع أ تدري ما في بطن
فرسي قال إن حسبت علمت فقال من صدقك بهذا فقد كذب بالقرآن قال
الله تعالى ان الله عنده علم الساعة وينزل الغيث و يعلم ما في الأرحام
الآية ثم قال إن محمدا ص ما كان يدعي علم ما ادعيت أ تزعم أنك
تهدي إلى الساعة التي يصيب النفع من سار فيها وتصرف عن الساعة التي
يحيق السوء بمن سار فيها فمن صدقك بهذا فقد استغنى عن الاستعانة بالله
وينبغي للموقن بامرك أن يوليك الحمد دون الله فمن آمن بك في هذا لم
آمن عليه أن يكون كمن اتخذ من دون الله ضدا وندا اللهم لا طير إلا طيرك
ولا ضير إلا ضيرك ولا إله غيرك ثم قال نخالف ونسير في الساعة التي نهيت
عنها ثم أقبل على الناس فقال أيها الناس إياكم والتعلم للنجوم إلا ما يهتدي
به في ظلمات البر والبحر إنما المنجم كالكاهن والكاهن كالكافر والكافر في
النار أما والله لئن بلغني أنك تعمل بالنجوم لأخلدنك السجن ولأحرمنك
العطاء ثم سار في الساعة التي نهاه عنها فظفر ثم قال لو سرنا في الساعة التي
أمرنا بها لقال الناس ظفر لأنه سار في الساعة التي أمره أما أنه ما كان لمحمد
ص منجم ولا لنا من بعده. قال المسعودي: وأخبره الرسول الذي
أرسله إليهم فأجابوه بانا كلنا قتلة أصحابك وكان من يهود السواد أن
القوم قد عبروا نهر طبرستان وهذا النهر في هذا الوقت عليه قنطرة تعرف
بقنطرة طبرستان بين حلوان وبغداد فقال علي والله ما عبروه ولا يقطعونه
حتى نقتلهم بالرميلة دونه ثم تواترت عليه الاخبار بقطعهم لهذا النهر
وعبورهم هذا الجسر وهو يأبى ذلك ويحلف أنهم لم يعبروه وإن مصارعهم
دونه. وقال ابن الأثير: ثم أن الخوارج قصدوا جسر النهر وكانوا غربه
فقال لعلي أصحابه انهم قد عبروا النهر فقال لن يعبروا فأرسل طليعة فعاد
وأخبره أنهم عبروا النهر وكان بينهم وبينه عطفة من النهر فلخوف الطليعة
منهم لم يقربهم فعاد فقال إنهم عبروا النهر.
قال المدائني في كتاب الخوارج: لما خرج علي ع إلى أهل النهر
أقبل رجل من أصحابه ممن كان على مقدمته يركض حتى انتهى إلى علي
ع فقال البشرى يا أمير المؤمنين قال ما بشراك قال إن القوم عبروا النهر
لما بلغهم وصولك فابشر فقد منحك الله أكتافهم فقال له: الله أنت رأيتهم
قد عبروا قال نعم فأحلفه ثلاث مرات في كلها يقول نعم فقال علي ع
والله ما عبروه ولن يعبروه وأن مصارعهم لدون النطفة والذي فلق
الحبة وبرأ النسمة لن يبلغوا الأثلاث ولا قصر بوران حتى يقتلهم الله وقد
خاب من افترى ثم أقبل فارس آخر يركض فقال كقول الأول فلم يكترث
علي ع بقوله وجاءت الفرسان تركض كلها تقول مثل ذلك فقام علي
ع فجال في متن فرسه فلما انتهى إلى النهر وجد القوم قد كسروا جفون
سيوفهم وعرقبوا خيلهم وجثوا على ركبهم وحكموا تحكيمة واحدة بصوت
عظيم له زجل. قال المسعودي فسار علي فأشرف عليهم وقد عسكروا
بالموضع المعروف بالرميلة.
قال ابن الأثير في الكامل تقدم علي فرآهم عند الجسر لم يعبروه وكان
الناس قد شكوا في قوله وارتاب به بعضهم فلما رأوا الخوارج لم يعبروا كبروا
وأخبروا عليا بحالهم فقال والله ما كذبت ولا كذبت.
قال الطبري: فلما وصل النهر بعث إليهم ادفعوا لنا قتلة اخواننا
منكم نقتلهم بهم ثم أنا تارككم وكاف عنكم حتى ألقى أهل الشام فلعل
الله يردكم إلى خير مما أنتم عليه فقالوا كلنا قتلتهم وكلنا نستحل دماءهم
ودماءكم وخرج إليهم قيس بن سعد بن عبادة فوعظهم واحتج عليهم وقال
لهم ركبتم عظيما من الأمر تشهدون علينا بالشرك وتسفكون دماء المسلمين
فلم ينجع ذلك فيهم وخطبهم أبو أيوب الأنصاري فقال أنا وإياكم على
الحال الأولى التي كنا عليها فعلا م تقاتلوننا فقالوا انا لو تابعناكم اليوم
حكمتم غدا قال فاني أنشدكم الله أن تعجلوا فتنة العام مخافة ما يأتي في
القابل وقال لهم أمير المؤمنين ع أيتها العصابة التي أخرجها عداوة
المراء واللجاجة وصدها عن الحق الهوى أ لم تعلموا إني نهيتكم عن الحكومة
وأخبرتكم أن طلب القوم إياها منكم مكيدة ونبأتكم أن القوم ليسوا
بأصحاب دين ولا قرآن وإني اعرف بهم منكم عرفتهم أطفالا ورجالا وهم
أهل المكر والغدر وإنكم إن فارقتم رأيي جانبتم الحزم، فعصيتموني حتى
إذا أقررت بان حكمت فلما فعلت شرطت واستوثقت فأخذت على الحكمين
أن يحييا ما أحيا القرآن ويميتا ما أمات فاختلفا وخالفا حكم الكتاب والسنة
فنبذنا أمرهما ونحن على أمرنا الأول فما الذي بكم ومن أين أتيتم قالوا انا
حكمنا فلما حكمنا أثمنا وكنا بذلك كافرين وقد تبنا فان تبت كما تبنا فنحن
منك ومعك وإن أبيت فاعتزلنا فانا منابذوك على سواء إن الله لا يحب
(٥٢٣)

الخائنين فقال علي أصابكم حاصب (١) ولا بقي منكم آبر (٢) أ بعد ايماني
برسول الله ص وهجرتي معه وجهادي في سبيل الله أشهد على نفسي بالكفر
لقد ضللت إذا وما أنا من المهتدين، ثم انصرف عنهم فتنادوا لا تخاطبوهم
ولا تكلموهم وتهيئوا للقاء الرب، الرواح الرواح إلى الجنة، وخرج علي
فعبأ أصحابه وعبأت الخوارج. قال الطبري ورفع علي ع راية أمان مع
أبي أيوب فناداهم من جاء هذه الراية ممن لم يقتل فهو آمن ومن انصرف إلى
الكوفة أو المدائن فهو آمن فانصرف خمسمائة فارس منهم إلى البندنيجين
وخرجت طائفة إلى الكوفة وخرج إلى المدائن نحو مائة وكانوا أربعة آلاف
فبقي منهم ألفان وثمانمائة وزحفوا إلى علي. قال المسعودي: وقف عليهم
علي بنفسه فدعاهم إلى الرجوع والتوبة فأبوا ورموا أصحابه فقيل له قد
رمونا فقال كفوا فكرروا القول عليه ثلاثا وهو يأمرهم بالكف حتى اتي برجل
قتيل متشحط بدمه فقال علي: الله أكبر الآن حل قتالهم احملوا على القوم
فحمل رجل من الخوارج على أصحاب علي فجرح فيهم وجعل يغشى كل
ناحية ويقول:
- اضربهم ولو ارى عليا * ألبسته أبيض مشرفيا -
فخرج إليه علي ع وهو يقول:
- يا أي هذا المبتغي عليا * اني أراك جاهلا شقيا -
- قد كنت عن كفاحه غنيا * هلم فأبرز هاهنا اليا -
وحمل عليه علي فقتله ثم خرج منهم آخر فحمل على الناس ففتك
فيهم وجعل يكر عليهم وهو يقول:
- اضربهم ولو أرى أبا حسن * ألبسته بصارمي ثوب غبن -
فخرج إليه علي وهو يقول:
- يا أيهذا المبتغي أبا حسن * إليك فانظر أينا يلقي الغبن -
وحمل عليه وشكه بالرمح وترك الرمح فيه وانصرف علي وهو يقول
لقد رأيت أبا حسن فرأيت ما تكره وقال المبرد لما واقفهم علي ع
بالنهروان قال لا تبدؤوهم بقتال حتى يبدؤوكم فحمل منهم رجل على صف
علي فقتل منهم ثلاثة ثم قال:
- اقتلهم ولا ارى عليا * ولو بدا أوجرته الخطيا -
فخرج إليه علي ع فضربه فقتله فلما خالطه سيفه قال يا حبذا
الروحة إلى الجنة فقال عبد الله بن وهب من رؤساء الخوارج والله ما أدري
إلى الجنة أم إلى النار فقال رجل منهم من بني سعد انما حضرت اغترارا بهذا
الرجل يعني عبد الله واراه قد شك واعتزل عن الحرب بجماعة من الناس
وقال علي ع لا يقتل منكم عشرة ولا يسلم منهم عشرة فقتل من أصحابه
تسعة أو سبعة وسلم من الخوارج ثمانية، وقال المسعودي أنه قال والله لا
يفلت منهم الا عشرة ولا يقتل منكم عشرة فقتل من أصحاب علي تسعة ولم
يفلت من الخوارج الا عشرة. ثم تنادى الخوارج الرواح الرواح إلى الجنة
وشدوا على الناس. روى أبو عبيدة معمر بن المثنى قال التفت علي إلى
أصحابه فقال لهم شدوا عليهم فانا أول من يشد عليهم وحمل بذي الفقار
حملة منكرة ثلاث مرات كل حملة يضرب به حتى يعوج متنه ثم يخرج
فيسويه بركبتيه ثم يحمل به حتى أفناهم. قال الطبري فاستقبلت المرامية
وجوههم بالنبل وعطفت عليهم الخيل من الميمنة والميسرة ونهض إليهم
الرجال بالرماح والسيوف فما لبثوهم أن أناموهم، ثم إن صاحب خيلهم لما
رأى الهلاك نادى أصحابه إن أنزلوا فذهبوا لينزلوا فلم يستقروا حتى حملت
عليهم الخيل فأهمدوا في الساعة. وروى أبو عبيدة معمر بن المثنى قال طعن
واحد من الخوارج يوم النهروان فمشى في الرمح وهو شاهر سيفه إلى أن
وصل إلى طاعنه فضربه فقتله وهو يقرأ وعجلت إليك رب لترضى.
قال الطبري: وطلب من به رمق منهم فوجدوا أربعمائة رجل فامر
بهم علي ع فدفعوا إلى عشائرهم وقال احملوهم معكم فداووهم فإذا
برئوا فوافوا بهم الكوفة وخذوا ما في عسكرهم من شئ واما السلاح
والدواب وما شهدوا به الحرب فقسمه بين المسلمين واما المتاع والعبيد
والإماء فإنه حين قدم رده على أهله، وكان مع الخوارج طرفة بن عدي بن
حاتم قتل معهم فدفنه أبوه يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي
ودفن رجال من الناس قتلاهم فقال أمير المؤمنين ع ارتحلوا إذا تقتلونهم
ثم تدفنونهم فارتحل الناس اه وقال أمير المؤمنين ع: لا تقاتلوا
الخوارج بعدي فليس من طلب الحق فأخطأه كمن طلب الباطل فاصابه.
قال ابن الأثير: ولما فرع علي من أهل النهر حمد الله وأثنى عليه وقال
إن الله قد أحسن بكم وأعز نصركم فتوجهوا من فوركم هذا إلى عدوكم
بالشام قالوا يا أمير المؤمنين نفدت نبالنا وكلت سيوفنا ونصلت أسنة رماحنا
وعاد أكثرها قصدا فارجع بنا إلى مصرنا فلنستعد ولعل أمير المؤمنين يزيد في
عدتنا، وتولى كلامه الأشعث بن قيس فاقبل حتى نزل النخيلة فامر الناس
أن يلزموا معسكرهم ويوطنوا على الجهاد أنفسهم ويقلوا زيارة أبنائهم
ونسائهم فاقاموا أياما ثم تسللوا فدخلوا الكوفة وتركوا المعسكر خاليا الا
رجالا من وجوه الناس، فلما رأى ذلك دخل الكوفة وانكسر عليه رأيه في
المسير، وخطبهم مرة بعد مرة فقال: أيها الناس استعدوا للمسير إلى
عدوكم ومن في جهاده القربة إلى الله عز وجل ودرك الوسيلة عنده حيارى
عن الحق جفاة عن الكتاب فأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل
وتوكلوا على الله وكفى بالله وكيلا وكفى بالله نصيرا، فلم ينفروا، ثم دعا
رؤساءهم ووجوههم فسألهم عن رأيهم فمنهم المعتل ومنهم المتكره وأقلهم
من نشط، فخطبهم فقال: عبدا الله ما بالكم إذا أمرتكم أن تنفروا اثاقلتم
إلى الأرض أ رضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة وبالذل والهوان من العز خلفا
وكلما ناديتكم إلى الجهاد دارت أعينكم كأنكم من الموت في سكرة لله أنتم ما
أنتم الا أسد الشري في الدعة وثعالب رواغة حين تدعون إلى الباس ما أنتم
لي بثقة سجيس الليالي ما أنتم بركب يصال به لعمر الله لبئس حشاش
الحرب أنتم انكم تكادون ولا تكيدون وتنتقص أطرافكم وأنتم لا
تتحاشون.
الخوارج بعد النهروان
قال ابن الأثير: لما قتل أهل النهروان خرج أشرس بن عوف الشيباني
على علي بالدسكرة في مائتين ثم سار إلى الأنبار فوجه إليه علي الأبرش بن
حسان في ثلثمائة فواقعه فقتل أشرس في ربيع الآخر سنة ٣٨.
ثم خرج هلال بن علفة من تيم الرباب ومعه اخوه مجالد فاتى

(١) الحاصب الريح الشديد التي تثير الحصباء.
(٢) قال الرضي يروى على ثلاثة أوجه آبر بالراء للذي يأبر النخل أي يلقحه، ويروى آثر بالثاء
المثلثة الذي يأثر الحديث أي يحكيه ويرويه قال وهو أصح الوجوه عندي كأنه قال لا بقي
منكم مخبر، ويروى آبز بالزاي المعجمة وهو الواثب.
(٥٢٤)

ماسبذان فوجه إليه علي معقل بن قيس الرياحي فقتله وقتل أصحابه وهم
أكثر من مائتين وكان قتلهم في جمادى الأولى سنة ٣٨.
ثم خرج الأشهب أو الأشعث بن بشر من بجيلة في مائة وثمانين
رجلا فاتى المعركة التي أصيب فيها هلال وأصحابه فصلى عليهم ودفن من
قدر عليه منهم فوجه إليهم علي جارية بن قدامة السعدي وقيل حجر بن
عدي فاقتتلوا بجرجرايا من ارض جوخى فقتل الأشهب وأصحابه في
جمادي الآخرة سنة ٣٨.
ثم خرج سعيد بن قفل التميمي من تيم الله بن ثعلبة في رجب
بالبندنيجين ومعه مائتا رجل فاتى درزنجان وهي من المدائن على فرسخين
فخرج إليهم سعد بن مسعود فقتلهم في رجب سنة ٣٨.
ثم خرج أبو مريم السعدي التميمي فاتى شهرزور وأكثر من معه من
الموالي لم يكن معه من العرب غير ستة هو أحدهم واجتمع معه مائتان وقيل
أربعمائة وعاد حتى نزل على خمسة فراسخ من الكوفة فأرسل إليه علي يدعوه
إلى بيعته ودخول الكوفة فلم يفعل وقال ليس بيننا غير الحرب فبعث إليه
علي شريح بن هانئ في سبعمائة فحمل الخوارج على شريح وأصحابه
فانكشفوا وبقي شريح في مائتين فانحاز إلى قرية فتراجع إليه بعض أصحابه
ودخل الباقون الكوفة فخرج علي بنفسه وقدم بين يديه جارية بن قدامة
السعدي فدعاهم جارية إلى طاعة علي وحذرهم القتل فلم يجيبوا ولحقهم
علي أيضا فدعاهم فأبوا عليه وعلى أصحابه فقتلهم أصحاب علي ولم يسلم
منهم غير خمسين رجلا استأمنوا فامنهم وكان في الخوارج أربعون جريحا فامر
علي بادخالهم الكوفة ومداواتهم حتى برئوا، وكان قتلهم في شهر رمضان
سنة ٣٨ وكانوا من أشجع من قاتل من الخوارج ولجرأتهم قاربوا الكوفة.
خبر الخريت بن راشد الناجي ومصقلة بن هبيرة الشيباني
مع أمير المؤمنين علي ع
قال ابن الأثير: في حوادث سنة ٣٨ في هذه السنة أظهر الخريت بن
راشد من بني ناجية الخلاف على علي أمير المؤمنين وكان مع علي من بني
ناجية ثلثمائة خرجوا معه من البصرة وشهدوا معه الجمل وصفين فجاء
الخريت إلى أمير المؤمنين في ثلاثين راكبا فقال له يا علي والله لا أطيع امرك
ولا أصلي خلفك واني غدا مفارق لك فقال له ثكلتك أمك إذا تعصي ربك
وتنكث عهدك ولا تضر الا نفسك خبرني لم تفعل ذلك؟ قال لأنك حكمت
وضعفت عن الحق وركنت إلى القوم الذين ظلموا، فقال له هلم أدارسك
الكتاب وأناظرك في السنن وأفاتحك أمورا انا اعلم بها منك فلعلك تعرف ما
أنت له الآن منكر، قال فاني عائد إليك، قال لا يستهوينك الشيطان ولا
يستخفنك الجهال والله لئن استرشدتني وقبلت مني لأهدينك سبيل الرشاد،
فخرج وسار من ليلته بأصحابه، فقال علي بعدا لهم كما بعدت ثمود إن
الشيطان اليوم استهواهم وأضلهم وهو غدا متبرئ منهم، فقال له زياد بن
خصفة البكري من بكر بن وائل يا أمير المؤمنين أنه لم يعظم علينا فقدهم
فتأسى عليهم لكنا نخاف أن يفسدوا علينا جماعة كثيرة فائذن لي في اتباعهم
فقال له اخرج رحمك الله وانزل دير أبي موسى حتى يأتيك أمري فان كانوا
ظاهرين فسيكتب إلي عمالي بخبرهم فخرج في مائة وثلاثين رجلا ونزل دير
أبي موسى وأتى عليا كتاب عامله قرظة بن كعب الأنصاري يخبره أنهم
توجهوا نحو نفر وانهم قتلوا دهقانا كان قد أسلم فقالوا له أ مسلم أنت أم
كافر؟ قال بل مسلم قالوا فما تقول في علي؟ قال: أقول فيه خيرا أنه أمير
المؤمنين وسيد البشر ووصي الرسول ص فقالوا كفرت وقتلوه، واخذوا معه
يهوديا فقالوا ما دينك قال يهودي فتركوه فأرسل علي إلى زياد مع عبد الله بن
وال يخبره بذلك وأمره بردهم إليه فان أبوا يناجزهم فاستأذنه عبد الله في
المسير مع زياد فاذن له وقال له اني لأرجو أن تكون من أعواني على الحق
وأنصاري على القوم الظالمين. قال ابن وال فوالله ما أحب أن لي بمقالته
تلك حمر النعم، واتى زيادا بكتاب علي وساروا حتى أتوا نفر فقيل لهم انهم
ساروا نحو جرجرايا فتبعوهم حتى أدركوهم بالمذار وهم نزول قد أقاموا
يومهم فاتاهم زياد وقد تقطع أصحابه وتعبوا فلما رأوهم ركبوا خيولهم وقال
لهم الخريت ما تريدون؟ فقال له زياد وكان مجربا رفيقا قد ترى ما بنا
من التعب والذي جئناك له لا يصلحه الكلام علانية ولكن ننزل ثم نخلو
جميعا فنتذاكر امرنا فان رأيت ما جئناك به حظا لنفسك قبلته وإن رأينا فيما
تقول أمرا نرجو فيه العافية لم نرده عليك، قال فأنزل فنزل زياد وأصحابه
على ماء هناك وأكلوا وعلقوا على دوابهم ووقف زياد في خمسة فوارس بين
أصحابه وبين القوم وقد نزلوا وقال زياد لأصحابه إن عدتنا كعدتهم وارى
امرنا يصير إلى القتال فلا تكونوا أعجز الفريقين وخرج زياد إلى الخريت
فسمعهم يقولون جاءونا وهم تعبون فتركناهم حتى استراحوا هذا والله سوء
الرأي فقال زياد للخريت ما الذي نقمت على أمير المؤمنين وعلينا حتى
فارقتنا فقال لم أر صاحبكم إماما ولا سيرتكم سيرة فرأيت أن أكون مع من
يدعو إلى الشورى فقال له زياد وهل يجتمع الناس على رجل يداني صاحبك
الذي فارقته علما بالله وسنته وكتابه مع قرابته من الرسول ص وسابقته في
الاسلام؟ فقال: لا أقول لا، فقال: ففيما قتلت ذلك الرجل المسلم؟
فقال: ما انا قتلته انما قتله طائفة من أصحابي، قال فادفعهم إلينا قال ما
إلى ذلك سبيل، فدعا زياد أصحابه ودعا الخريت أصحابه فاقتتلوا قتالا
شديدا تطاعنوا بالرماح حتى لم يبق رمح وتضاربوا بالسيوف حتى انحنت
وعقرت عامة خيولهم وكثرت الجراحة فيهم وقتل من أصحاب زياد رجلان
ومن أولئك خمسة وجرح زياد وحجز بينهم الليل وهرب الخريت ليلا وسار
زياد إلى البصرة واتاهم خبر الخريت انه اتى الأهواز واجتمع إليه نحو مائتين
وانضاف إليه علوج من أهل الأهواز كثير أرادوا كسر الخراج ولصوص
وطائفة من العرب ترى رأيه وطمع أهل الخراج في كسره فكسروه فكتب
زياد إلى علي بخبرهم وانه مقيم يداوي الجرحى وينتظر امره فندب علي
لقتالهم معقل بن قيس في ألفين من أهل الكوفة وكتب إلى ابن عباس أن
يبعث من أهل البصرة رجلا شجاعا معروفا بالصلاح في ألفين إلى معقل
وهو أمير أصحابه حتى يلقى معقلا فإذا لقيه فمعقل أمير الجميع وكتب إلى
زياد بن خصفة يشكره ويأمره بالعود ووصى علي معقل بن قيس حين سار
فقال له اتق الله ما استطعت ولا تبغ على أهل القبلة ولا تظلم أهل الذمة
ولا تتكبر وإن الله لا يحب المتكبرين. هذه وصية أمير المؤمنين لجنوده
ووصية معاوية لجنوده أن يقتلوا كل من هو في طاعة علي وان ينهبوا الأموال
ويقول لهم إن نهب الأموال لا يقصر عن قتل الرجال، ولكنه كان مجتهدا
يطلب بذلك ثواب الله والدار الآخرة!! وسار معقل وأدركه المدد مع
خالد بن معدان الطائي فلحقوا الخوارج قريب جبل من جبال رامهرمز
فصف معقل أصحابه وصف الخريت أصحابه وحرك معقل رأسه مرتين ثم

(١) نفر بكسر النون وتشديد الفاء آخره راء بلد من نواحي بابل من اعمال الكوفة
- المؤلف -
(٥٢٥)

حمل في الثالثة فصبروا له ساعة ثم انهزموا فقتل أصحاب معقل منهم سبعين
رجلا من بني ناحية ومن معهم من العرب ونحوا من ثلثمائة من العلوج
والأكراد وانهزم الخريت إلى أسياف البحر وبها كثير من قومه فما زال يغويهم
حتى اتبعه كثير منهم وكتب معقل إلى علي بالفتح فقراه على أصحابه
واستشارهم فأشاروا بان يأمر معقلا باتباع الخريت حتى يقتله أو ينفيه لأنه لا
يؤمن أن يفسد الناس فكتب إلى معقل يثني عليه وعلى من معه ويأمره
باتباعه وقتله أو نفيه فسار إليهم معقل حتى انتهى إلى أسياف البحر فلما
سمع الخريت بمسيره قال لمن معه من الخوارج انا على رأيكم في انكار
التحكيم وللآخرين من أصحابه ان عليا حكم فخلعه حكمه وكان هذا رأيه
وقال للعثمانية سرا انا على رأيكم وعثمان قتل مظلوما فارضى الجميع فلما
انتهى إليه معقل نصب راية أمان وقال من اتاها فهو آمن الا الخريت
وأصحابه الذين حاربونا أول مرة فتفرق عن الخريت أكثر من كان معه من
غير قومه وعبى معقل أصحابه وزحف نحو الخريت فقال الخريت لمن معه
قاتلوا عن حريمكم وأولادكم فوالله لئن ظهروا عليكم ليقتلنكم وليسبينكم
فقال له رجل من قومه هذا والله ما جرته علينا يدك ولسانك فقال سبق
السيف العذل ثم حمل معقل بأصحابه فقاتلوا قتالا شديدا وصبروا له وبصر
النعمان بن صهبان الراسبي بالخريت فحمل عليه وقتله وقتل معه في المعركة
سبعون ومائة رجل وتفرق الباقون وسبى معقل من أدرك من حريمهم
وذراريهم واخذ رجالا كثيرا فمن كان مسلما خلاه وأخذ بيعته وترك له عياله
وعرض الاسلام على المرتدين فرجعوا فخلى سبيلهم وسبيل عيالهم واخذ
الصدقة ممن منعها عن عامين واما غيرهم الذين ساعدوا على حربه ونقضوا
عهد الذمة فاحتملهم وعيالاتهم معه وكتب إلى أمير المؤمنين ع بالفتح
ومر بهم على مصقلة بن هبيرة الشيباني وهو عامل علي ع على اردشير خره
وهم خمسمائة فبكى إليه النساء والصبيان وتصايح الرجال يا أبا الفضل يا
حامل الثقل امنن علينا فاشترنا واعتقنا فبعث مصقلة إلى معقل أن يبيعه
إياهم فباعه إياهم بخمسمائة ألف درهم ودفعهم إليه فاعتقهم وقال عجل
بالمال إلى أمير المؤمنين واقبل معقل فأخبر أمير المؤمنين بما كان فقال له
أحسنت وأصبت ووفقت. وابطا مصقلة بالمال وبلغ أمير المؤمنين أنه
اطلقهم ولم يسألهم أن يعينوه فقال ما أظنه الا تحمل حمالة سترونه عن قريب
منها مبلدا ثم كتب إليه أن يبعث إليه بالمال وانه أمر رسوله أن لا يدعه ساعة
واحدة يقيم الا أن يبعث بالمال أو يحضر إلى الكوفة، وأدى مائتي ألف
درهم وعجز عن الباقي وقال لذهل بن الحارث ان أمير المؤمنين يسألني هذا
المال ولا أقدر عليه فقال لو شئت ما مضت جمعة حتى تحمله فقال ما كنت
لأحملها قومي اما والله لو كان ابن هند ما طالبني بها ولو كان ابن عفان
لوهبها لي أ ما تراه أطعم الأشعث بن قيس كل سنة من خراج آذربيجان مائة
ألف فقال إن هذا لا يرى ذلك الرأي ولا يترك منها شيئا فهرب مصقلة من
ليلته فلحق بمعاوية فقال أمير المؤمنين ع ما له ترحه الله فعل فعل السيد
وفر فرار العبد وخان خيانة الفاجر فما أنطق مادحه حتى اسكته ولو أقام
لأخذنا ميسوره وانتظرنا بماله وفوره، وهدم داره وأجاز عتق السبي وقال
أعتقهم مبتاعهم وصارت أثمانهم دينا عليه وكان اخوه نعيم بن هبيرة شيعة
لعلي فكتب إليه مصقلة من الشام مع رجل من تغلب اسمه حلوان أن
معاوية قد وعدك الامارة والكرامة فاقبل فاخذ مالك بن كعب الأرحبي
الرسول فسرحه إلى علي فقطع يده فمات وكتب نعيم إلى مصقلة من
أبيات:
- لا ترمين هداك الله معترضا * بالظن منك فما بالي وحلوانا -
- ما ذا أردت إلى ارساله سفها * ترجو سقاط امرئ لم يلف وسنانا -
- قد كنت في منظر عن ذا ومستمع * تحمي العراق وتدعى خير شيبانا -
- عرضته لعلي أنه أسد * يمشي العرضنة من آساد خفانا -
- لو كنت أديت مال الله مصطبرا * للحق زكيت أحيانا وموتانا -
- لكن لحقت بأرض الشام ملتمسا * فضل ابن هند وذاك الرأي اشجانا -
- فاليوم تقرع سن العجز من ندم * ما ذا تقول وقد كان الذي كانا -
- أصبحت تبغضك الاحياء قاطبة * لم يرفع الله بالبغضاء انسانا -
فلما وقع الكتاب إليه علم أن التغلبي هلك وأتاه التغلبيون فطلبوا منه
دية صاحبهم فوداه.
اخباره مع عبد الله بن العباس
كان ابن عباس تلميذ أمير المؤمنين ع وخريجه مضافا إلى ما
اخذه عن النبي ص ولذلك كان يسمى حبر الأمة وصحبه في حروبه كلها
الجمل وصفين والنهروان وولاه البصرة وكان يعده لمهام الأمور فقد أرسله
إلي أم المؤمنين بعد حرب الجمل فكان له في ذلك المقام المشهود والحجة
القاطعة واراده للحكومة يوم صفين فابى أهل الجباه السود العمي القلوب
وبعثه إلى الخوارج يوم النهروان فاحتج عليهم بأبلغ الحجج وكان له في
نصرة أمير المؤمنين وأبنائه مواقف مشهودة منها لما مر بصفة زمزم وسمع
شاميا يسب عليا ع ومنها مع عبد الله بن الزبير ومع معاوية وهو
الذي كتب إلى يزيد بعد قتل الحسين ع بما كتب وكان يمسك بركاب
الحسنين ع إذا ركبا وروى الكشي بسنده أنه قال لما حضرته
الوفاة اللهم إني أحيا على ما حيي عليه علي بن أبي طالب وأموت على ما
مات عليه علي بن أبي طالب.
ما نسب إليه من مفارقة أمير المؤمنين ع واخذ مال البصرة
قد نسب إليه انه فارق أمير المؤمنين ع واخذ مال البصرة وذهب
إلى مكة وأنكر ذلك جماعة. روى الكشي في رجاله بسنده عن الزهري عن
الحارث قال استعمل علي ص على البصرة عبد الله بن عباس
فحمل كل مال في بيت المال بالبصرة ولحق بمكة وكان مبلغه ألفي ألف
درهم فصعد علي ع المنبر حين بلغه ذلك فبكى فقال هذا ابن عم
رسول الله ص في علمه وقدره يفعل مثل هذا فكيف يؤمن من كان دونه
الحديث. وقال ابن الأثير في حوادث سنة ٤٠ في هذه السنة خرج
عبد الله بن عباس من البصرة ولحق بمكة في قول أكثر أهل السير وقد أنكر
ذلك بعضهم وقال لم يزل عاملا عليها لعلي حتى قتل علي وشهد صلح
الحسن مع معاوية ثم خرج إلى مكة والأول أصح وانما كان الذي شهد
صلح الحسن عبيد الله بن عباس اه ثم ذكر سبب خروجه وهو انه مر
بأبي الأسود وكان على قضاء البصرة فقال لو كنت من البهائم لكنت جملا
ولو كنت راعيا لما بلغت المرعى فكتب أبو الأسود إلى أمير المؤمنين ع ان
ابن عمك قد اكل ما تحت يديه بغير علمك فكتب إلى ابن عباس في ذلك
فكتب إليه ابن العباس ان الذي بلغك باطل فكتب إليه أمير المؤمنين ع
اعلمني ما أخذت من الجزية ومن أين أخذت وفيما وضعت فكتب إليه ابن
عباس قد فهمت تعظيمك مرزأة ما بلغك اني رزأته فابعث إلى عملك من أحببت
وخرج واستدعى أخواله من بني هلال بن عامر فاجتمعت معه قيس كلها فحمل
(٥٢٦)

مالا وقال هذه ارزاقنا اجتمعت فتبعه أهل البصرة يريدون اخذ المال فمنعته
قيس ومضى إلى مكة اه. وفي نهج البلاغة: من كتاب له ع
إلى بعض عماله ولم يصرح باسم المكتوب إليه والكتاب يتضمن ذما
عظيما للمكتوب إليه، ولكن الكشي في رجاله روى بسنده عن الشعبي ان
المكتوب إليه هو عبد الله بن عباس لما احتمل بيت مال البصرة وذهب به إلى
الحجاز، وذكر الكتاب بطوله وذكره ابن أبي الحديد في شرح النهج أيضا،
ومن جملته: فاني أشركتك في أمانتي وجعلتك شعاري وبطانتي ولم يكن في
أهلي رجل أوثق منك في نفسي فلما رأيت الزمان على ابن عمك قد كلب
قلبت لابن عمك ظهر المجن ففارقته مع المفارقين وخذلته مع الخاذلين وخنته
مع الخائنين، فلا ابن عمك آسيت ولا الأمانة أديت، وكأنك انما كنت
تكيد هذه الأمة عن دنياهم فلما أمكنتك الشدة في خيانة الأمة أسرعت
الكرة واختطفت ما قدرت عليه من أموالهم المصونة لأراملهم وأيتامهم
فحملته إلى الحجاز غير متأثم من أخذه كأنك لا أبا لغيرك حدرت إلى أهلك
تراثك من أبيك وأمك. فسبحان الله، أ ما تؤمن بالمعاد؟ أ وما تخاف
نقاش الحساب أيها المعدود عندنا كان من اولي الألباب؟ ووالله لو أن
الحسن والحسين فعلا مثل الذي فعلت ما كانت لهما عندي هوادة. وبعد
تصريح الكشي بان المكتوب إليه ابن عباس لا حاجة إلى ما حكاه ابن أبي
الحديد عن أصحاب القول الأول من أنهم استدلوا على ذلك بألفاظ من
الكتاب كقوله أشركتك في أمانتي الخ ولم يكن في أهلي رجل أوثق منك،
وقوله ابن عمك ثلاث مرات، وقوله لا أبا لغيرك وهذه كلمة لا تقال إلا
لمثله اما غيره من افناء الناس فكان يقول له لا أبا لك (١) وقوله أيها المعدود
عندنا من اولي الألباب، وقوله لو أن الحسن والحسين الدال على أن
المكتوب إليه قريب من أن يجري مجراهما عنده. قال الكشي وابن أبي
الحديد واللفظ للثاني: فكتب إليه ابن عباس جوابا عن هذا الكتاب: أتاني
كتابك تعظم علي ما أصبت من بيت مال البصرة ولعمري ان حقي في بيت
المال أكثر مما أخذت. فكتب إليه علي: ان من العجب ان تزين لك
نفسك ان لك في بيت مال المسلمين من الحق أكثر مما لرجل واحد من
المسلمين وقد بلغني انك اتخذت مكة وطنا وضربت بها عطنا تشتري بها
مولدات مكة والمدينة والطائف تختارهن على عينك وتعطي فيهن مال غيرك
فارجع هداك الله إلى رشدك وتب إلى ربك واخرج إلى المسلمين من أموالهم
فعما قليل تفارق من ألفت وتترك ما جمعت وتغيب في صدع من الأرض غير
موسد ولا ممهد قد فارقت الأحباب وسكنت التراب وواجهت الحساب غنيا
عما خلفت فقيرا إلى ما قدمت. فكتب إليه ابن عباس انك قد أكثرت علي
ووالله لأن القى الله قد احتويت على كنوز الأرض كلها وذهبها وعقيانها
ولجينها أحب إلي من ألقاه بدم امرئ مسلم.
قال المؤلف ما ذكره ابن الأثير من أنه واجه أبا الأسود بهذا الكلام
البشع يصعب تصديقه فابن عباس كان اعرف بفضل أبي الأسود من كل
أحد فكيف يواجهه بهذا الكلام الذي لا يصدر إلا من الأسافل وابن عباس
مع فضله وكمال معرفته لا يمكن ان يفوه بمثل هذا مهما كان السبب الداعي
إليه والذي يظهر ان ناسب ذلك إليه أراد الحط من مقام أبي الأسود
وابن عباس معا لغرض في نفسه وذلك لاخلاصهما في حب علي ع
وتشيعهما له. اما ما رواه أصحاب القول الأول من المكاتبة
بين أمير المؤمنين ع وابن عباس فان أمكننا تصديقه لم يمكنا تصديق
الجواب الأخير منه المشتمل على قول ابن عباس لأن القى الله بكذا أحب إلي من أن
القى الله بدم امرئ مسلم فابن عباس مع فضله المشهور كيف يعيب أمير
المؤمنين ع بقتل من أمر الله بقتله وقتاله بقوله فقاتلوا التي تبغي وهبه
أراد التمويه والاقتداء بمن قال إن عمارا قتله من ألقاه إلينا، أ فتراه كان
يجهل ان ذلك مما يعيبه به الناس ويوجب سقوطه من نفوسهم وهو كان
شريكا في تلك الدماء فيعيب نفسه قبل ان يعيب غيره وهو ليس بمضطر إلى
هذا الجواب كما اضطر من أجاب عن قتل عمار وإن كان قصده بهذا
الجواب ابداء عذره أمام الناس فلم يصنع شيئا لأن الناس يعلمون انه
جواب فاسد وإنه شريك في تلك الدماء فيزداد بذلك لوما عندهم بدلا عن أن
يعذروه ولو قصد ذلك لأقتصر على جوابه الأول ان له حقا في بيت المال
فاخذه فلما اجابه علي ع انك أخذت أكثر من حقك كان يمكنه ان يجيب
بجواب مموه يدل على أنه ليس أكثر من حقه فيكون أقرب إلى القبول من
هذا الجواب الذي يعرف فساده كل أحد، ومن ذلك يتطرق الشك إلى
باقي المكاتبة وجواباتها. وحكى ابن أبي الحديد عن الراوندي ان المكتوب
إليه هو عبيد الله لا عبد الله ورده بان عبيد الله كان عاملا لعلي على اليمن
ولم ينقل عنه انه اخذ مالا ولا فارق طاعة، قال وقد أشكل علي أمر هذا
الكتاب فان قلت إنه موضوع على أمير المؤمنين ع خالفت الرواة فإنهم
أطبقوا على رواية هذا الكلام عنه، وإن صرفته إلى عبد الله بن عباس
صدني عنه ما اعلمه من ملازمته لطاعة أمير المؤمنين ع في حياته وبعد
وفاته. وإن صرفته إلى غيره لم أعلم إلى من اصرفه من أهل أمير المؤمنين
وهو يشعر بان المخاطب به من أهله وبني عمه اه أقول بعد تصريح
الكثير بأنه لأمير المؤمنين ع إلى ابن عباس وظهور مضامينه ظهورا بينا في أنه
لا يصلح ان يكون المخاطب به غير ابن عباس لم يبق مجال لتردده.
ويظهر ان أمر مفارقته عليا ع واخذه مال بيت مال البصرة كان
مشهورا فقد حكي عن قيس بن سعد بن عبادة انه خطب الجيش الذي
أرسله الحسن ع للقاء معاوية عندما تركهم أميرهم عبيد الله بن
العباس وذهب إلى معاوية فقال ما معناه: لا يهولنكم ما فعل فان هؤلاء قد
خرج أبوهم العباس لحرب رسول الله ص يوم بدر، وابنه عبد الله اخذ
مال البصرة وهرب إلى مكة وابنه عبيد الله فعل ما ترون، وقد عيره بذلك
ابن الزبير فقال إنه اخذ مال البصرة وترك المسلمين بها يرتضخون النوى ولم
يتبرأ ابن عباس من ذلك بل اجابه بأنه كان لنا فيه حق فاخذناه.
وقال ابن أبي الحديد: الأكثرون على القول الأول، وقال آخرون
وهم الأقلون هذا لم يكن ولا فارق عبد الله بن عباس عليا ع ولا باينه
ولا خالفه ولم يزل أميرا على البصرة إلى أن قتل علي ع. ثم قال: وهذا
عندي هو الأمثل والأصوب اه. وقال العلامة في الخلاصة: كان محبا
لعلي ع أشهر من أن يخفى، وقد ذكر الكشي أحاديث تتضمن قدحا فيه
وهو أجل من ذلك اه ومن جملة تلك الأحاديث حديث مفارقته عليا
ع واخذه مال بيت مال البصرة المتقدم والحديث الآتي من كتاب أمير
المؤمنين إليه في ذلك وجوابه.
وقال الشهيد الثاني في حاشية الخلاصة: جملة ما ذكره الكشي من
الطعن فيه خمسة أحاديث كلها ضعيفة السند. وقال السيد ابن طاوس:

(١) في كتاب الكشي لا أبا لك ولعله من سبق القلم أو تحريف النساخ فأمير المؤمنين عليه السلام
أجل من أن يقول ذلك لعمه وابن عمه.
(٥٢٧)

حاله في المحبة والإخلاص لمولانا أمير المؤمنين ع وموالاته والنصر
له والذي عنه والخصام في رضاه والموازرة له مما لا شبهة فيه ثم قال معرضا
باخبار الذم ومثل الحبر موضع ان يحسده الناس ويباهتوه:
- كضرائر الحسناء قلن لوجهها * حسدا وبغيا انه لدميم -
قال ولو ورد في مثله ألف رواية أمكن ان تعرض للتهمة فكيف بهذه
الأخبار الضعيفة الركيكة اه قال ابن أبي الحديد ويدل على عدم مفارقة
ابن عباس أمير المؤمنين ع ما رواه أبو الفرج الأصفهاني انه لما استشهد
أمير المؤمنين ع دس معاوية رجلا من حمير إلى الكوفة ورجلا من بني
القين إلى البصرة يكتبان له بالاخبار فدل عليهما فقتلا فكتب عبد الله بن
العباس من البصرة إلى معاوية اما بعد فإنك ودسك أخا بني القين إلى
البصرة تلتمس من غفلات قريش إلى آخر الكتاب فهو يدل على وجوده في
البصرة عند وفاة أمير المؤمنين ع قال وقالوا كيف يكون ذلك ولم يخدعه
معاوية ويجره إلى جهته فقد علمتم كيف اختدع كثيرا من عمال أمير المؤمنين
ع واستمالهم بالأموال فما باله و قد علم النبوة التي حدثت بينهما لم يستمل
ابن عباس وكل من قرأ السير وعرف التواريخ يعرف مشاقة ابن عباس
لمعاوية بعد وفاة علي ع وما كان يلقاه به من قوارع الكلام وما كان يثني
به على أمير المؤمنين ويذكر خصائصه وفضائله ويصدع به من مناقبه وماثره
فلو كان بينهما غبار أو كدر لما كان الأمر كذلك اه.
قال المؤلف: انكار اخذ ابن عباس المال من البصرة وانكار
كتاب أمير المؤمنين ع إليه المقدم ذكره صعب جدا بعد ملاحظة ما تقدم
ولا يحتاج فيه إلى تصحيح روايات الكشي وبعد ما ذكرناه من الشواهد على
اشتهار الأمر في ذلك كما أن اخلاص ابن عباس لأمير المؤمنين ع وتفوقه
في معرفة فضله لا يمكن انكاره والذي يلوح لي ان ابن عباس لما ضايقه أمير
المؤمنين ع في الحساب عما اخذ ومن أين اخذ وفيما وضع كما يقتضيه
عدله ومحافظته على أموال المسلمين وعلم أنه محاسب على ذلك أدق حساب
وغير مسامح في شئ سولت له نفسه اخذ المال من البصرة والذهاب إلى
مكة وهو ليس معصوم وحب الدنيا مما طبعت عليه النفوس فلما كتب إليه
أمير المؤمنين ع ووعظه وطلب منه التوبة تاب وعاد سريعا. وعدم نص
المؤرخين على عوده لا يضر بل يكفي ذكرهم انه كان بالبصرة عند وفاه أمير
المؤمنين ع كما دل عليه كتابه السابق إلى معاوية اما الجواب الأخير الذي
زعموا انه أجاب به أمير المؤمنين ع فمعاذ الله ان يصدر منه والله العالم
بحقائق الأحوال.
سنة ٣٩
غارة النعمان بن بشير على عين التمر
كان النعمان صحابيا أنصاريا ممالئا لمعاوية وابنه يزيد قال ابن الأثير في
حوادث سنة ٣٩ فيها وجه معاوية النعمان بن بشير في ألف رجل إلى عين
التمر شفاثا اجتهادا منهما للفساد في الأرض وسفك الدماء الحرام
ونهب الأموال بغير حلها فكانا بذلك مأجورين ثابتة عدالتهما!! وفيها
مالك بن كعب مسلحة لعلي في ألف رجل وكان مالك قد أذن لهم فاتوا
الكوفة ولم يبق معه إلا مائة رجل فلما سمع بالنعمان كتب إلى أمير المؤمنين
يخبره ويستمده فخطب بالناس وأمرهم بالخروج فتثاقلوا فصعد المنبر فخطبهم
وقال يا أهل الكوفة كلما سمعتم بجمع من أهل الشام أظلكم انحجر كل
امرئ منكم في بيته وأغلق عليه بابه انحجار الضب في جحره والضبع في
وجارها في كلام آخر وبخهم به. وواقع مالك النعمان وجعل جدار القرية
في ظهور أصحابه واقتتلوا أشد قتال وكتب مالك إلى مخنف بن سليم يستعينه
فوجه مخنف ابنه عبد الرحمن في خمسين رجلا فانتهوا إلى مالك وأصحابه وقد
كسروا جفون سيوفهم واستقتلوا فلما رآهم أهل الشام انهزموا عند المساء
وظنوا ان لهم مددا وتبعهم مالك وقتل منهم ثلاثة نفر.
غارة سفيان بن عوف على الأنبار
قال وفيها وجه معاوية سفيان بن عوف في ستة آلاف وأمره ان يقطع
هيت ويأتي الأنبار (١) والمدائن فيوقع بأهلها فاتى هيت فلم يجد بها أحدا ثم
اتي الأنبار وفيها مسلحة لعلي تكون خمسمائة رجل وقد تفرقوا ولم يبق منهم
إلا مائتان لأنه كان عليهم كميل بن زياد فبلغه ان قوما بقرقيسيا يريدون
الغارة على هيت فسار إليهم بغير أمر علي فاتى أصحاب سفيان وكميل غائب
عنها وخليفته أشرس بن حسان البكري فطمع سفيان في أصحاب علي
لقتلهم فقاتلهم فصبروا له وقتل صاحبهم أشرس وثلاثون رجلا واحتملوا
ما في الأنبار من أموال أهلها ورجعوا إلى معاوية وبلغ الخبر عليا فغضب
على كميل وكتب إليه ينكر عليه فعله وأرسل في طلبهم فلم يدركوا.
غارة عبد الله بن مسعدة على تيماء
تيماء بليدة في أطراف الشام بينها وبين وادي القرى قال وفيها وجه
معاوية عبد الله بن مسعدة الفزاري في ألف وسبعمائة رجل إلى تيماء وأمره
ان يصدق من مر به من أهل البوادي ويقتل من امتنع ففعل ذلك وبلغ مكة
والمدينة واجتمع إليه بشر كثير من قومه وبلغ ذلك عليا فأرسل المسيب بن
نجبة الفزاري في ألفين فلحقهم بتيماء فاقتتلوا قتالا شديدا وحمل المسيب على
ابن مسعدة فضربه ثلاث ضربات لا يريد قتله ويقول له النجاء النجاء
لأنه من قومه فدخل ابن مسعدة وجماعة معه الحصن وهرب الباقون
وانتهب الأعراب ابل الصدقة التي مع ابن مسعدة وحصرهم ثلاثة أيام ثم
أحرق الباب فأشرفوا عليه وقالوا يا مسيب قومك فرق لهم وامر باطفاء النار
وقال جاءتني عيوني بان جندا قد اتاكم من الشام فقال له عبد الرحمن بن
شبيب سرحني في طلبهم فابى فقال غششت أمير المؤمنين وداهنت في
امرهم.
مسير يزيد بن شجرة إلى مكة
قال وفيها ارسل معاوية يزيد بن شجرة الرهاوي (٢) إلى مكة في ثلاثة
آلاف فارس ليقيم للناس الحج ويأخذ له البيعة وينفي عامل علي عنها وهو
قثم بن العباس فخطب قثم أهل مكة ودعاهم إلى حربهم فلم يجيبوه بشئ
إلا شيبة بن عثمان العبدري فاجابه بالسمع والطاعة فأراد قثم مفارقة مكة
إلى بعض شعابها ومكاتبة أمير المؤمنين فنهاه أبو سعيد الخدري عن ذلك
وقال أقم فان رأيت بك قوة على قتالهم والا فالمسير امامك فأقام وكتب إلى
أمير المؤمنين يخبره بذلك فسير إليه جيشا في أول ذي الحجة وقدم ابن شجرة
قبل التروية بيوم وبعث إلى قثم ان يعتزل الصلاة ويعتزلها هو وصلى بالناس
شيبة بن عثمان وحج بهم ورجع يزيد إلى الشام وأقبلت خيل علي وعليهم
معقل بن قيس فتبعوهم وأدركوهم وقد رحلوا عن وادي القرى فظفروا بنفر

(١) مدينة كانت قرب الفلوجة هي الآن خراب.
(٢) منسور إلى الرها بفتح الراء اسم قبيلة واما البلد فبضم الراء.
(٥٢٨)

منهم فأخذوهم أسارى ففادى بهم أمير المؤمنين أسارى كانت له عند
معاوية.
غارة عبد الرحمن بن قباث على أهل الجزيرة
قال وفيها سير معاوية عبد الرحمن بن قباث إلى بلاد الجزيرة وفيها
شبيب بن عامر بنصيبين فكتب إلى كميل بن زياد وهو بهيت يعلمه خبرهم
فسار كميل إليه في ستمائة فارس فادركهم وقاتلهم وهزمهم وغلب على
عسكرهم وأكثر القتل على أهل الشام وامر ان لا يتبع مدبر ولا يجهز على
جريح وقتل من عسكره رجلان وكتب إلى علي بالفتح فجزاه خيرا واجابه
جوابا حسنا ورضي عنه بعد سخطه عليه لما مر واقبل شبيب من نصيبين
فرأى كميلا قد أوقع بهم فهناه بالظفر واتبع الشاميين فلم يلحقهم فعبر
الفرات وبث خيله فأغارت على أهل الشام حتى بلغ بعلبك فوجه إليه
معاوية حبيب بن مسلمة فلم يدركه ورجع شبيب فأغار على نواحي الرقة
فلم يدع للعثمانية بها ماشية إلا استاقها ولا خيلا ولا سلاحا إلا اخذه
وكتب إلى علي فكتب إليه علي ينهاه عن اخذ أموال الناس وحاشاه ان
يفعل كفعل معاوية إلا الخيل والسلاح الذي يقاتلون به وقال رحم الله
شبيبا لقد أبعد الغارة وعجل الانتصار.
غارة الحارث بن نمر التنوخي على أهل الجزيرة
قال لما قدم يزيد بن شجرة على معاوية وجه الحارث بن نمر التنوخي
إلى الجزيرة ليأتيه بمن هو في طاعة علي فاخذ من أهل دارا سبعة نفر من بني
تغلب وكان جماعة من بني تغلب قد فارقوا عليا إلى معاوية فسألوه في إطلاق
أصحابهم فلم يفعل فاعتزلوه وكتب معاوية إلى علي ليفادي من أسرهم
معقل بن قيس من أصحاب يزيد بن شجرة بهؤلاء السبعة ففعل وبعث علي
عبد الرحمن الخثعمي إلى ناحية الموصل ليسكن الناس فلقيه التغلبيون
المعتزلون معاوية فتشاتموا واقتتلوا فقتلوه فأراد علي ان يوجه إليهم جيشا
فقالت له ربيعة: هم معتزلون لعدوك داخلون في طاعتك وإنما قتلوه خطا
فامسك عنهم.
بعث معاوية رجلا إلى السماوة لأخذ الصدقات
قال وفيها بعث معاوية زهير بن مكحول العامري إلى السماوة ليأخذ
صدقات الناس وبلغ ذلك عليا فبعث جعفر بن عبد الله الأشجعي
وعروة بن العشبة والجلاس بن عمير الكلبيين ليصدقوا من في طاعته من
كلب وبكر بن وائل فوافوا زهيرا فاقتتلوا فانهزم أصحاب علي وقتل جعفر
ومر الجلاس براع فاخذ جبته وأعطاه جبة خز فأدركته الخيل فقالوا أين اخذ
هؤلاء الترابيون فأشار إليهم أخذوا هاهنا ثم أقبل إلى الكوفة وظهرت
الخيانة من ابن العشبة فان زهيرا حمله على فرس فلحق بعلي فعنفه وعلاه
بالدرة لأنه اتهمه بسبب حمل زهير إياه فغضب ولحق بمعاوية وهكذا كان
كل من يغضب من عدل علي يلحق بمعاوية فهذه سبع غارات في سنة
واحدة سعيا في الأرض بالفساد.
بعث معاوية مسلم بن عقبة إلى دومة الجندل
وهي المسماة اليوم بالجوف قال فيها بعث معاوية مسلم بن عقبة
المري صاحب وقعة الحرة إلى دومة الجندل وكان أهلها امتنعوا من بيعة
علي ومعاوية فدعاهم إلى بيعة معاوية فامتنعوا وبلغ ذلك عليا فسير مالك بن
كعب الهمداني إليهم في جمع فلم يشعر مسلم إلا وقد وافاه مالك فاقتتلوا
يوما وانهزم مسلم وأقام مالك أياما يدعوهم إلى بيعة علي فلم يفعلوا
فانصرف عنهم.
غزو السند
قال وفيها توجه الحارث بن مرة العبدي إلى بلاد السند غازيا متطوعا
بأمر أمير المؤمنين علي فأصاب غنائم وسبيا كثيرا وقسم في يوم واحد ألف
رأس.
ولاية زياد بن أبيه بلاد فارس
قال وفيها ولى علي زيادا كرمان وفارس شيراز ونواحيها لأنه لما
قتل ابن الحضرمي واختلف الناس على علي طمع أهل فارس وكرمان في
كسر الخراج وأخرجوا عاملهم سهل بن حنيف فاستشار علي الناس فأشار
جارية بن قدامة بتولية زياد وقال إنه صلب الرأي عالم بالسياسة كاف لما ولي
فامر علي ابن عباس ان يوليها زيادا فسيره إليها في جمع كثير وقيل إن ابن
عباس أشار بولايته فلم يزل يبعث إلى رؤوسهم يعد من ينصره ويعينه
ويخوف من امتنع عليه وضرب بعضهم ببعض وصفت له فارس ولم يلق
منهم حربا اه ثم أدرك زيادا سوء العاقبة فاستلحقه معاوية في خلافة
الحسن ع بشهادة أبي مريم الخمار ان أبا سفيان زنى بأمه سمية وهي
تحت عبيد فكان أضر على شيعة علي ع وأبنائه من فرعون على بني إسرائيل.
سنة ٤٠
غارة بسر بن أبي أرطأة على الحجاز واليمن
كان بسر صحابيا وكان من شيعة معاوية وشهد معه صفين واقتدى
بعمرو في كشف سوأته كما مر في حرب صفين وذكرنا ترجمته مفصلة في حرب
الباء من هذا الكتاب وغارته على الحجاز واليمن وما فعله من قبائح الأفعال
ونذكر اجمالها هنا وما لم نذكره هنالك.
روى إبراهيم بن هلال الثقفي في كتاب الغارات وابن الأثير في
حوادث سنة ٤٠ أن معاوية بعث بسر بن أبي أرطأة في ثلاثة آلاف وقال سر
حتى تمر بالمدينة ومكة وصنعاء وانهب أموال كل من أصبت له مالا ممن لم
يكن دخل في طاعتنا فقدم بسر المدينة وبها أبو أيوب الأنصاري عامل علي
عليها فهرب أبو أيوب ودخلها بسر فصعد منبرها وشتم الناس وتهددهم
وشتم الأنصار فقال يا معشر اليهود وأبناء العبيد وقال والله لولا ما عهد إلي
معاوية ما تركت بها محتلما وهدم بها دورا وأكره جماعة على البيعة منهم
جابر بن عبد الله واستخلف عليهم أبا هريرة ثم اتى مكة فهرب عامل علي
عليها قثم بن العباس فشتمهم بسر وانبهم وقتل في طريقه رجالا واخذ
أموالا وأكره الناس على البيعة ثم سار إلى اليمن وكان عليها عبيد الله بن
عباس عاملا لعلي فهرب منه واخذ بسر ابنين لعبيد الله صغيرين فقتلهما
قال المبرد اخذهما من تحت ذيل أمهما وذبحهما على درج صنعاء فذهب
عقلها وكانت لا تزال تنشدهما في المواسم فتقول:
- ها من أحس بابني اللذين هما * كالدرتين تشظى عنهما الصدف -
في أبيات ذكرناها في ترجمته وقتل جماعة من شيعة علي باليمن وقال
(٥٢٩)

إبراهيم الثقفي قتل بسر في وجهه ذلك ثلاثين ألفا وحرق قوما بالنار وهو
مع ذلك ومن أرسله مجتهدان مثابان ثبتت لهما العدالة لأنهما صحابيان!!
وبلغ عليا الخبر فأرسل جارية بن قدامة السعدي في ألفين ووهب بن مسعود
في ألفين فسار جارية إلى البصرة ثم اخذ طريق الحجاز حتى اتى اليمن وبلغ
بسرا مسيره فانحدر إلى اليمامة واتى جارية نجران فقتل بها ناسا من شيعة
عثمان وصمد نحو بسر وبسر بين يديه يفر من جهة إلى جهة حتى أخرجه
من اعمال علي كلها ووثب الناس ببسر لما انصرف من بين يدي جارية لسوء
سيرته وفظاظته وظلمه وغشمه وتبعه جارية حتى اتى مكة وكان أمير
المؤمنين ع قد استشهد فقال بايعوا أمير المؤمنين فقالوا قد هلك فلمن
نبايع قال لمن بايع له أصحاب علي فبايعوا الحسن ع خوفا منه ثم اتى
المدينة وأبو هريرة يصلي بالناس فهرب منه فقال جارية لو وجدت أبا سنور
لقتلته ثم قال لأهل المدينة بايعوا الحسن بن علي فبايعوه ثم عاد إلى الكوفة.
دعوى الربوبية فيه
كانت هذه الدعوى في زمن خلافته ولسنا نعلم وقتها على التحقيق
فلذلك أوردناها في هذا المكان ويمكن أن يستفاد مما يأتي انها قبل وفاته
بسنة.
قال ابن أبي الحديد في شرح النهج: وبمقتضى ما شاهد الناس من
معجزاته وأحواله المنافية لقوى البشر غلا فيه من غلا بحلول الجوهر الآلهي
فيه، وقد اخبره النبي ص بذلك فقال يهلك فيك رجلان محب غال
ومبغض قال، وقال له مرة أخرى والذي نفسي بيده لولا أني أشفق أن
يقول فيك طوائف من أمتي ما قالت النصارى في ابن مريم لقلت اليوم فيك
مقالا لا تمر بملأ من الناس الا أخذوا التراب من تحت قدميك للبركة
اه.
وروى هشام بن سالم في الصحيح عن أبي عبد الله الصادق ع
قال اتى قوم أمير المؤمنين فقالوا السلام عليك يا ربنا فاستتابهم فلم
يتوبوا الحديث.
وقال ابن أبي الحديد في موضع من شرح النهج: روى أبو العباس
أحمد بن عبيد الله بن عمار الثقفي بسنده أن عليا ع مر بقوم
يأكلون في شهر رمضان فقال أ سفر أم مرضى قالوا ولا واحدة منهما قال أ من
أهل الكتاب أنتم فتعصمكم الذمة والجزية قالوا لا قال فما بال الأكل في نهار
رمضان فقالوا أنت أنت يومون إلى ربوبيته فنزل عن فرسه فألصق خده
بالأرض وقال ويلكم انما انا عبد من عبيد الله فاتقوا الله وارجعوا إلى
الاسلام فأبوا الحديث.
ثم استترت هذه المقالة سنة أو نحوها ثم ظهر عبد الله بن سبا وكان
يهوديا يتستر بالاسلام بعد وفاة أمير المؤمنين فاظهرها واتبعه قوم فسموا
السبائية. وقال في موضع آخر منه وشفع جماعة من أصحاب علي منهم
عبد الله بن عباس في ابن سبا وقالوا انه تاب فاطلقه وشرط عليه أن لا يقيم
بالكوفة فنفاه إلى المدائن فلما قتل أمير المؤمنين قال والله لو جئتمونا بدماغه
في سبعين صرة لعلمنا أنه لم يمت ولا يموت حتى يسوق العرب بعصاه.
وقد أشار إلى دعوى الربوية فيه جماعة من الشعراء قال الحاج هاشم
الكعبي من قصيدة:
- بشر أقل صفاته ان عاينوا * منهن ما ظنوا به المعبودا -
وقال ابن أبي الحديد من قصيدة:
- تقبلت أفعال الربوية التي * عذرت بها من شك انك مربوب -
وقال آخر:
- كفى في فضل مولانا علي * مقال الخلق فيه أنه الله -
وقال آخر:
- ضلت خلائق في علي مثلما * ضلت بعيسى قبل ذاك خلائق -
وقال بعض شعراء الشيعة كما حكاه ابن أبي الحديد:
- إذا كنتم ممن يروم لحاقه * فهلا برزتم نحو عمرو ومرحب -
- وكيف فررتم يوم أحد وخيبر * ويوم حنين مهربا بعد مهرب -
- أ لم تشهدوا يوم الاخاء وبيعة ال‍ * - غدير وكل حضر غير غيب -
- فكيف غدا صنو النفيلي ويحه * أميرا على صنو النبي المرجب -
- وكيف علا من لا يطأ ثوب أحمد * على من علا من أحمد فوق منكب -
- يجل عن الافهام كنه صفاته * ويرجع عنها الذهن رجعة أخيب -
- فليس بيان القول عنه بكاشف * غطاء ولا فصل الخطاب بمعرب -
- وحق لقبر ضم أعضاء حيدر * وغودر منه في صفيح مغيب -
- يكون ثراه سر قدس ممنع * وحصباؤه من نور وحي محجب -
- وتغشاه من نور الاله غمامة * تغاديه من قدس الجلال بصيب -
- وتنقض أسراب النجوم عواكفا * على حجزتيه كوكبا بعد كوكب -
- ولم يغل فيك المسلمون جهالة * ولكن لسر في غلاك مغيب -
مقتل أمير المؤمنين علي ع
وقدر عمره ومدة خلافته
قتل ص سنة ٤٠ من الهجرة في شهر رمضان ضرب ليلة تسع عشرة ليلة
الأربعاء وقبض ليلة الجمعة ليلة إحدى وعشرين على
المعروف بين أصحابنا وعليه عمل الشيعة اليوم وروى الطبري وابن الأثير
أنه ضرب ليلة الجمعة لأحدى عشرة ليلة بقيت من شهر رمضان فتكون
وفاته ليلة الأحد. وعمره ثلاث وستون سنة رواه الحاكم في المستدرك عن
محمد بن الحنفية أو أربع وستون أو خمس وستون سنة منها عشر سنين أو اثنتا
عشرة سنة قبل البعثة وثلاث وعشرون مع النبي ص بعد البعثة ثلاث عشرة
بمكة وعشر بالمدينة وثلاثون سنة بعد وفاة النبي ص وقيل في سنه غير ذلك
فروى الحاكم في المستدرك عن جعفر بن محمد عن أبيه أنه قتل وهو ابن
ثمان وخمسين سنة. وأشهر الأقوال الأول والثالث قال ابن شهرآشوب في
المناقب: قبض ص قتيلا في مسجد الكوفة وقت التنوير ليلة الجمعة لتسع عشرة ليلة
مضين من شهر رمضان فبقي يومين إلى نحو الثلث
من الليل وله يومئذ خمس وستون سنة في قول الصادق ع وقالت
العامة ثلاث وستون سنة اه وروى الحاكم في المستدرك بسنده عن عبد
الرحمن بن أبي ليلى: قتل علي يوم الجمعة لسبع عشرة ليلة خلت من شهر
رمضان سنة ٤٠ وهو يوم قتل ابن ثلاث وستين سنة أو أربع وستين
(٥٣٠)

وبسنده عن أبي بكر بن أبي شيبة: قتل علي بن أبي طالب سنة ٤٠ من
مهاجر رسول الله ص وهو ابن ثلاث وستين سنة قتل يوم الجمعة للحادي
والعشرين من شهر رمضان ومات يوم الأحد ودفن بالكوفة اه.
وكانت مدة خلافته خمس سنين الا نحوا من أربعة أشهر أو ثلاثة أشهر لأنه
بويع لخمس بقين من ذي الحجة سنة ٣٥ كما مر. وروى الحاكم في
المستدرك عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أن خلافته كانت خمس سنين الا ثلاثة
أشهر ثم روى عن أبي بكر بن أبي شيبة أنه قال ولي علي بن أبي طالب خمس
سنين اه وكانه مبني على نوع من التسامح.
نعيه نفسه قبل مقتله
قال ابن الأثير في الكامل قيل من غير وجه أن عليا كان يقول ما يمنع
أشقاكم أن يخضب هذه من هذه يعني لحيته من دم رأسه.
وقال الحسن بن كثير عن أبيه: خرج علي من الفجر فاقبل الأوز
يصحن في وجهه فطردوهن عنه فقال ذروهن فإنهن نوائح، فضربه ابن
ملجم في ليلته، وقال الحسن بن علي يوم قتل علي: خرجت البارحة وأبي
يصلي في مسجد داره فقال لي يا بني اني بت اوقظ أهلي لأنها ليلة الجمعة
فملكتني عيناي فنمت فسنح لي رسول الله ص فقلت يا رسول الله ما ذا
لقيت من أمتك من الأود واللدد قال أبو الفرج: والأود العوج واللدد
الخصومات فقال لي: ادع عليهم فقلت اللهم أبدلني بهم من هو خير
منهم وأبدلهم بي من هو شر مني فجاء ابن الثباج فاذنه بالصلاة فخرج
وخرجت خلفه فضربه ابن ملجم فقتله.
وفي تذكرة الخواص عن الشعبي أنشد علي ع قبيل قتله
بأيام:
- تلكم قريش تمناني لتقتلني * فلا وربك لا فازوا ولا ظفروا -
- فان بقيت فرهن ذمتي لهم * بذات ودقين لا يعفو لها اثر -
- وسوف يورثهم فقدي على وجل * ذل الحياة بما خانوا وما غدروا -
سبب قتل أمير المؤمنين ع
قال الطبري في تاريخه وابن الأثير في الكامل: كان سبب قتله ع
أن عبد الرحمن بن ملجم المرادي والبرك بن عبد الله التميمي
الصريمي واسمه الحجاج وعمرو بن أبي بكر التميمي السعدي وهم من
الخوارج اجتمعوا فتذاكروا أمر الناس وعابوا الولاة ثم ذكروا أهل النهر
فترحموا عليهم وقالوا ما نصنع بالبقاء بعدهم فلو شرينا أنفسنا لله وقتلنا أئمة
الضلال وأرحنا منهم البلاد فقال ابن ملجم انا أكفيكم عليا وقال البرك بن
عبد الله انا أكفيكم معاوية وقال عمرو بن بكر انا أكفيكم عمرو بن العاص
فتعاهدوا أن لا ينكص أحدهم عن صاحبه الذي توجه إليه حتى يقتله أو
يموت دونه واخذوا سيوفهم فسموها واتعدوا لتسع عشرة أو سبع عشرة من
رمضان فاتى ابن ملجم الكوفة فلقي أصحابه بها وكتمهم امره ورأى يوما
أصحابا له من تيم الرباب ومعهم امرأة منهم اسمها قطام بنت الأخضر
التيمية قتل أبوها واخوها يوم النهر وكانت فائقة الجمال فخطبها فقالت لا
أتزوجك الا على ثلاثة آلاف وعبد وقينة وقتل علي فقال اما قتل علي فما أراك
ذكرته وأنت تريدينني قالت بل التمس غرته فان أصبته شفيت نفسك
ونفسي ونفعك العيش معي وإن قتلت فما عند الله خير من الدنيا وما فيها
قال والله ما جاء بي الا قتل علي فلك ما سالت قالت سأطلب لك من يشد
ظهرك ويساعدك وبعثت إلى رجل من قومها اسمه وردان فأجابها واتى ابن
ملجم رجلا من أشجع اسمه شبيب بن بجرة فقال هل لك في شرف الدنيا
والآخرة قال وما ذاك قال قتل علي بن أبي طالب قال شبيب ثكلتك أمك لقد
جئت شيئا إدا كيف تقدر على قتله قال اكمن له في المسجد فإذا خرج إلى
صلاة الغداة شددنا عليه فقتلناه قال ويحك لو كان غير علي كان أهون قد
عرفت سابقته وفضله وبلاءه في الاسلام وما أجدني انشرح لقتله قال أ ما
تعلمه قتل أهل النهر العباد الصالحين قال بلى قال فلنقتله بمن قتل من
أصحابنا فاجابه فلما كان ليلة الجمعة (١) وهي الليلة التي واعد ابن ملجم
فيها أصحابه على قتل علي ومعاوية وعمرو جاءوا قطام وهي في المسجد
الأعظم معتكفة فدعت لهم بالحرير وعصبتهم به. وقال المفيد انهم اتوا قطام
ليلة الأربعاء. وقال أبو الفرج في مقاتل الطالبيين انهم اتوا قطام بنت
الأخضر بن شجنة من تيم الرباب وهي معتكفة في المسجد الأعظم قد
ضربت عليها قبة فدعت لهم بحرير فعصبت به صدورهم وتقلدوا سيوفهم
ومضوا فجلسوا مما يلي السدة التي كان يخرج منها أمير المؤمنين ع
إلى الصلاة. قال المفيد وقد كانوا قبل ذلك ألقوا إلى الأشعث ما في
نفوسهم من العزيمة على قتل أمير المؤمنين ع وأوطأهم على ذلك
وحضر الأشعث في تلك الليلة لمعونتهم وكان حجر بن عدي في تلك الليلة
بائتا في المسجد فسمع الأشعث يقول لابن ملجم النجاء النجاء لحاجتك
فقد فضحك الصبح فأحس حجر بما أراد الأشعث فقال قتلته يا أعور
وخرج مبادرا ليمضي إلى أمير المؤمنين ع ليخبره الخبر ويحذره من
القوم وخالفه أمير المؤمنين ع في الطريق فدخل المسجد قال
الطبري وابن الأثير فلما خرج علي نادى الصلاة الصلاة فضربه شبيب
بالسيف فوقع سيفه بعضادة الباب أو الطلق وضربه ابن ملجم على قرنه
بالسيف وقال الحكم لله لا لك يا علي ولا لأصحابك. وقال أبو الفرج
فضربه ابن ملجم فأثبت الضربة في وسط رأسه قال ابن عبد البر: فقال
علي فزت ورب الكعبة لا يفوتنكم الرجل. قال المفيد وأبو الفرج: واقبل
حجر والناس يقولون قتل أمير المؤمنين وروى أبو الفرج بسنده عن
عبد الله بن محمد الأزدي قال إني لأصلي في تلك الليلة في المسجد الأعظم
مع رجال من أهل المصر كانوا يصلون في ذلك الشهر من أوله إلى آخره إذ
نظرت إلى رجال يصلون قريبا من السدة إذ خرج علي بن أبي طالب ع
لصلاة الفجر فاقبل ينادي الصلاة الصلاة فما أدري أ نادى أم رأيت بريق
السيوف وقائلا يقول الحكم لله يا علي لا لك ولا لأصحابك وسمعت عليا
يقول لا يفوتنكم الرجل. وفي الاستيعاب اختلفوا هل ضربه في الصلاة أو
قبل الدخول فيها وهرب القوم نحو أبواب المسجد وتبادر الناس لأخذهم
قال أبو الفرج فاما شبيب فاخذه رجل فصرعه وجلس على صدره وأخذ
السيف ليقتله به فرأى الناس يقصدون نحوه فخشي أن يعجلوا عليه ولم
يسمعوا منه فوثب عن صدره وخلاه وطرح السيف من يده ومضى شبيب
هاربا حتى دخل منزله ودخل عليه ابن عم له فرآه يحل الحرير عن صدره
فقال له ما هذا لعلك قتلت أمير المؤمنين فأراد أن يقول له لا فقال نعم
فمضى ابن عمه واشتمل على سيفه ثم دخل عليه فضربه حتى قتله، قال

(١) هكذا في تاريخ الطبري وكامل ابن الأثير ولعل الصواب ما يأتي عن المفيد ناقلا له عن أبي
مخنف أنه ضرب ليلة الأربعاء وقبض ليلة الجمعة وأنه وقع اشتباه بين ليلة الضرب وليلة
الوفاة والله أعلم.
(٥٣١)

المفيد: واما ابن ملجم فلحقه رجل من همدان فطرح عليه قطيفة ثم صرعه
واخذ السيف من يده وجاء به أمير المؤمنين ع وافلت الثالث
وانسل بين الناس، وفي رواية الطبري وابن الأثير أن الذي قتل وردان
والذي أفلت شبيب. قال ابن الأثير: وقدم علي ع جعدة بن هبيرة ابن
أخته أم هانئ يصلي بالناس الغداة قال الشيخ في الأمالي وخرج الحسن
والحسين ع واخذا ابن ملجم وأوثقاه، واحتمل أمير المؤمنين
ع فادخل داره فقعدت لبابة عند رأسه وجلست أم كلثوم عند رجليه
ففتح عينيه فنظر إليهما فقال الرفيق الأعلى خير مستقرا وأحسن مقيلا ثم
عرق ثم أغمي عليه ثم أفاق فقال رأيت رسول الله ص يأمرني بالرواح إليه
عشاء ثلاث مرات، قال ابن الأثير: وادخل ابن ملجم على أمير المؤمنين
وهو مكتوف فقال اي عدو الله أ لم أحسن إليك قال بلى قال فما حملك على
هذا؟ قال شحذته أربعين صباحا وسالت الله أن يقتل به شر خلقه، قال
علي لا أراك الا مقتولا به ولا أراك الا من شر خلق الله ثم قال النفس
بالنفس إن هلكت فاقتلوه كما قتلني وإن بقيت رأيت فيه رأيي، يا بني عبد
المطلب لا ألفينكم تخوضون دماء المسلمين تقولون قتل أمير المؤمنين ألا لا
يقتلن الا قاتلي، انظر يا حسن إذا انا مت من ضربتي هذه فاضربه ضربة
بضربة، ولا تمثلن بالرجل فاني سمعت رسول الله ص يقول إياكم والمثلة
ولو بالكلب العقور، قال المفيد: فقال ابن ملجم والله لقد ابتعته بألف
وسممته بألف فان خانني فأبعده الله، ونادته أم كلثوم يا عدو الله قتلت أمير
المؤمنين قال انما قتلت أباك، قالت يا عدو الله اني لأرجو أن لا يكون عليه
باس، قال لها فأراك انما تبكين علي إذا والله لقد ضربته ضربة لو قسمت
بين أهل الأرض لأهلكتهم. فاخرج من بين يديه وان الناس ينهشون لحمه
بأسنانهم كأنهم سباع وهم يقولون يا عدو الله ما فعلت أهلكت أمة محمد
وقتلت خير الناس وأنه لصامت لا ينطق فذهب به إلى الحبس وجاء الناس
إلى أمير المؤمنين فقالوا مرنا بامرك في عدو الله والله لقد أهلك الأمة وأفسد
الملة فقال لهم إن عشت رأيت فيه رأيي وإن هلكت فاصنعوا به كما يصنع
بقاتل النبي اقتلوه ثم احرقوه بعد ذلك بالنار. قال الطبري: وفي قتل علي
يقول ابن أبي مياس المرادي ونسبها الحاكم في المستدرك إلى الفرزدق:
- ولم أر مهرا ساقه ذو سماحة * كمهر قطام من فصيح وأعجم -
- ثلاثة آلاف وعبد وقينة * وضرب علي بالحسام المصمم -
- فلا مهر أغلى من علي وإن غلا * ولا فتك الا دون فتك ابن ملجم -
قال الطبري: واما البرك بن عبد الله فإنه في تلك الليلة قعد لمعاوية
فلما خرج ليصلي الغداة شد عليه بسيفه فوقع في اليته فاخذ فقال إن عندي
خبرا أسرك به فان أخبرتك فنافعي ذلك عندك قال نعم قال إن أخا لي قتل
عليا في مثل هذه الليلة قال لعله لم يقدر على ذلك قال بلى إن عليا يخرج
ليس معه من يحرسه فامر به معاوية فقتل، وبعث معاوية إلى الساعدي
وكان طبيبا فقال اختر اما أن احمي حديدة فأضعها موضع السيف واما أن
أسقيك شربة تقطع منك الولد وتبرأ فان ضربتك مسمومة، قال: اما النار
فلا صبر لي عليها واما الولد فان في يزيد وعبد الله ما تقر به عيني فسقاه
الشربة فبرئ وعالج جرحه حتى التام ولم يولد له بعدها. قال سبط ابن
الجوزي: لما بلغ القاضي أبا حازم ذلك قال يا ليت ذلك قبل أن يولد
يزيد، وامر معاوية عند ذلك بالمقصورات وحرس الليل وقيام الشرط على
رأسه إذا سجد، قال ابن الأثير: وهو أول من عملها في الاسلام أقول
المقصورة بناء أو شبهه يصلي داخله الحامل لقب الخلافة لئلا يغتاله أحد
ويصلي الناس خلفه. أول من عمله معاوية واقتدى به من بعده. واما
عمرو بن بكر فجلس لعمرو بن العاص تلك الليلة فلم يخرج وكان اشتكى
بطنه، فامر خارجة بن حذافة صاحب شرطته من بني عامر بن لؤي فخرج
ليصلي فشد عليه وهو يرى أنه عمرو فقتله فاخذ إلى عمرو فرآهم يسلمون
عليه بالامرة فقال من هذا قالوا عمرو قال فمن قتلت قالوا خارجة فقال
لعمرو اما والله يا فاسق ما ظننته غيرك قال عمرو أردتني وأراد الله خارجة
فقدمه عمرو فقتله وبلغ ذلك معاوية فكتب إلى عمرو:
- وقتك وأسباب المنايا كثيرة * منية شيخ من لؤي بن غالب -
- فيا عمرو مهلا انما أنت همه * وصاحبه دون الرجال الأقارب -
- نجوت وقد بل المرادي سيفه * من ابن أبي شيخ الأباطح طالب -
- ويضربني بالسيف آخر مثله * فكانت علينا تلك ضربة لازب -
أقول: وفي ذلك يقول ابن عبدون في رائيته المشهورة:
- وليتها إذ فدت عمرا بخارجة * فدت عليا بمن شاءت من البشر -
وروى أبو الفرج الأصبهاني في مقاتل الطالبيين وابن عبد البر في
الاستيعاب باسناديهما وبين كل منهما بعض التفاوت ونحن نذكر محصل
الكلامين: انه جمع لعلي ع أطباء الكوفة يوم جرح فلم يكن
اعلم بجرحه من أثير بن عمرو بن هاني السكوني وكان ابصرهم بالطب
وكان متطببا صاحب كرسي يعالج الجراحات وقال أبو الفرج كان من
الأربعين غلاما الذين كان خالد بن الوليد أصابهم في عين التمر فسباهم
وقال ابن عبد البر وهو الذي تنسب إليه صحراء أثير فلما نظر إلى الجرح
اخذ رئة شاة حارة فتتبع عرقا منها فاستخرجه وادخله في الجرح ثم نفخ
العرق فاستخرجه فإذا عليه بياض الدماع فقال يا أمير المؤمنين أعهد عهدك
فان عدو الله قد وصلت ضربته إلى أم رأسك. قال أبو الفرج الأصبهاني
روى أبو مخنف عن أبي الطفيل ان صعصعة بن صوحان استأذن على علي
ع وقد اتاه عائدا لما ضربه ابن ملجم فلم يكن عليه إذن فقال
صعصعة للآذن: قل له يرحمك الله يا أمير المؤمنين حيا وميتا لقد كان الله
في صدرك عظيما ولقد كنت بذات الله عليما. فابلغه الآذن فقال قل له
وأنت يرحمك الله فلقد كنت خفيف المئونة كثير المعونة.
وروى الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي في أماليه بسنده إلى
الأصبغ بن نباتة قال لما ضرب ابن ملجم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب
ع غدونا عليه نفر من أصحابنا انا والحارث وسويد بن غفلة
وجماعة معنا فقعدنا على الباب فسمعنا البكاء من الدار فبكينا فخرج إلينا
الحسن بن علي ع فقال يقول لكم أمير المؤمنين انصرفوا إلى
منازلكم فانصرف القوم غيري واشتد البكاء في منزله فبكيت فخرج الحسن
فقال أ لم أقل لكم انصرفوا فقلت لا والله يا ابن رسول الله ما تتابعني نفسي
ولا تحملني رجلاي ان انصرف حتى ارى أمير المؤمنين وبكيت فدخل الدار
ولم يلبث ان خرج فقال لي ادخل فدخلت على أمير المؤمنين ع فإذا هو
مستند معصوب الرأس بعمامة صفراء قد نزف دمه واصفر وجهه فما أدري
وجهه أشد صفرة أم العمامة فأكببت عليه فقبلته وبكيت فقال لي لا تبك يا
أصبغ فإنها والله الجنة فقلت له جعلت فداك اني اعلم والله انك تصير إلى
الجنة وانما أبكي لفقداني إياك يا أمير المؤمنين وروى قطب الدين
سعيد بن هبة الله الراوندي في كتاب الخرائج عن عمرو بن الحمق قال
(٥٣٢)

دخلت على علي ع حين ضرب الضربة بالكوفة فقلت ليس عليك
باس انما هو خدش قال لعمري اني لمفارقكم ثم أغمي عليه فبكت أم كلثوم
فلما أفاق قال لا تؤذيني يا أم كلثوم فإنك لو ترين ما ارى ان الملائكة من
السماوات السبع بعضهم خلف بعض والنبيين يقولون انطلق يا علي فما
امامك خير لك مما أنت فيه. وروى ابن الأثير في أسد الغابة بسنده عن
عمرو ذي مر قال لما أصيب علي بالضربة دخلت عليه وقد عصب رأسه
فقلت يا أمير المؤمنين أرني ضربتك فحلها فقلت خدش وليس بشئ قال إني
مفارقكم فبكت أم كلثوم من وراء الحجاب فقال لها اسكتي فلو ترين ما
ارى لما بكيت فقلت يا أمير المؤمنين ما ذا ترى قال هذه الملائكة وفود
والنبيون وهذا محمد ص يقول يا علي ابشر فما تصير إليه خير مما أنت فيه.
وروى الشيخ أبو جعفر الطوسي في الأمالي بسنده عن حبيب بن عمرو
نحوه.
وصية أمير المؤمنين ع
ذكرها أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في تاريخه وأبو الفرج
الأصبهاني في مقاتل الطالبيين. بسم الله الرحمن الرحيم. هذا ما اوصى به
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب اوصى انه يشهد ان لا إله إلا الله وحده لا
شريك له وأن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على
الدين كله ولو كره المشركون ثم إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب
العالمين لا شريك له وبذلك امرت وانا أول المسلمين أوصيكما بتقوى الله
وان لا تبغيا الدنيا وان بغتكما ولا تأسفا على شئ منها زوي عنكما وقولا
بالحق واعملا للاجر للآخرة خ ل وكونا للظالم خصما وللمظلوم عونا
أوصيكما وجميع ولدي وأهل بيتي ومن بلغهم كتابي هذا من المؤمنين بتقوى
الله ونظم امركم وصلاح ذات بينكم فاني سمعت رسول الله ص يقول
صلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام وان البغضة حالقة
الدين ولا قوة الا بالله انظروا ذوي ارحامكم فصلوهم يهون الله عليكم
الحساب والله الله في الأيتام لا تغيروا أفواههم ولا يضيعوا بحضرتكم فاني
سمعت رسول الله ص يقول من عال يتيما حتى يستغني أوجب الله له الجنة
كما أوجب لآكل مال اليتيم النار والله الله في القرآن فلا يسبقكم إلى العمل
به غيركم والله الله في جيرانكم فإنهم وصية نبيكم ما زال يوصينا بهم حتى
ظننا انه سيورثهم والله الله في بيت ربكم فلا يخلون منكم ما بقيتم فإنه ان
ترك لم تناظروا وان أدنى ما يرجع به من امه ان يغفر له ما سلف من ذنبه
والله الله في الصلاة فإنها خير العمل وانها عمود دينكم والله الله في الزكاة
فإنها تطفئ غضب ربكم والله الله في صيام شهر رمضان فان صيامه جنة
من النار والله الله في الجهاد في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم فإنما يجاهد في
سبيل الله رجلان امام هدى ومطيع له مقتد بهداه والله الله في ذرية نبيكم
فلا يظلمن بين أظهركم والله الله في أصحاب نبيكم الذين لم يحدثوا حدثا
ولم يؤووا محدثا فان رسول الله ص اوصى بهم ولعن المحدث منهم ومن
غيرهم والمؤوي للمحدث والله الله في الفقراء والمساكين فاشركوهم في
معايشكم والله الله في النساء وما ملكت ايمانكم فان آخر ما تكلم به رسول
الله ص ان قال أوصيكم بالضعيفين نسائكم وما ملكت ايمانكم ثم قال
الصلاة الصلاة ولا تخافن في الله لومة لائم يكفكم من أرادكم وبغى عليكم
قولوا للناس حسنا كما امركم الله عز وجل ولا تتركوا الامر بالمعروف والنهي
عن المنكر فيولي الله الامر شراركم ثم تدعون فلا يستجاب لكم عليكم
بالتواصل والتباذل والتبار وإياكم والتقاطع والتدابر والتفرق وتعاونوا على البر
والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان واتقوا الله ان الله شديد العقاب
حفظكم الله من أهل بيت وحفظ فيكم نبيكم واستودعكم الله خير مستودع
واقرأ عليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
وقال ابن الأثير انه دعا الحسن والحسين ع فقال لهما
أوصيكما بتقوى الله ولا تبغيا الدنيا وان بغتكما ولا تبكيا على شئ زوي
عنكما منها وقولا الحق وارحما اليتيم وكونا للظالم خصما وللمظلوم ناصرا
واعملا بما في كتاب الله ولا تأخذكما في الله لومة لائم ثم نظر إلى محمد بن
الحنفية فقال هل حفظت ما أوصيت به أخويك قال نعم قال فاني أوصيك
بمثله وأوصيك بتوقير أخويك العظيم حقهما عليك ولا تقطع دونهما أمرا ثم
قال أوصيكما به فإنه شقيقكما وابن أبيكما وقد علمتما ان أباكما كان يحبه وقال
للحسن أوصيك أي بني بتقوى الله وأقام الصلاة وايتاء الزكاة وغفر الذنب
وكظم الغيظ وصلة الرحم والحلم عن الجاهل والتفقه في الدين والتعاهد
للقرآن وحسن الجوار والامر بالمعروف والنهي عن المنكر واجتناب
الفواحش.
ثم قال للحسن: ابصروا ضاربي اطعموه من طعامي واسقوه من
شرابي. ثم قال للحسن ع إذا أنا مت فلا تغال في كفني وصل
علي وكبر علي سبعا وفي رواية خمسا وغيب قبري.
قال ابن الأثير ثم لم ينطق الا بلا إله الا الله حتى توفي ص
اه وبقي إلى نحو ثلث الليل وتوفي فصرخت بناته ونساؤه
وارتفعت الصيحة في القصر فعلم أهل الكوفة ان أمير المؤمنين ع
قد قبض فاقبل الرجال والنساء يهرعون أفواجا أفواجا وصاحوا صيحة
عظيمة فارتجت الكوفة بأهلها وكثر البكاء والنحيب وكثر الضجيج بالكوفة
وقبائلها ودورها وجميع أقطارها فكان ذلك كيوم مات فيه رسول الله ص فلما
توفي غسله الحسن والحسين ع ومحمد يصب الماء وقال أبو الفرج
غسله الحسن وعبد الله بن عباس وقال ابن الأثير وعبد الله بن جعفر مكان
عبد الله بن عباس (١) وكفن في ثلاثة أثواب بيض ليس فيهما قميص ولا
عمامة بل كان القميص والعمامة من غيرها وحنط ببقية حنوط رسول الله
ص. ثم وضعوه على سريره وصلى عليه الحسن ابنه وكبر خمسا وقيل ستا
وقيل سبعا وقيل تسعا وحمل في جوف الليل من تلك الليلة إلى ظهر الكوفة
إلى النجف فدفن بالثوية عند قائم الغريين.
وفي خبر عن الباقر ع دخل قبره الحسن والحسين ومحمد
بنوه ع وعبد الله بن جعفر رضي الله عنه. وكان اخفاء قبره
بوصية منه ع خوفا من بني أمية ومن الخوارج.
وروى أبو الفرج الأصبهاني في مقاتل الطالبيين بسنده عن أبي

(١) روى المفيد انه كان يفطر ليلة عند الحسن وليلة عند الحسين وليلة عند عبد الله بن جعفر.
والذي في الأصل عبد الله بن عباس ووضع عبد الله بن جعفر مكان عبد الله بن عباس خطأ
مطبعي ولعل الصواب انه كان يفطر ليلة عند الحسن واليلة عند الحسين وليلة عند عبد الله بن
جعفر وليلة عند عبد الله بن العباس وان هؤلاء هم الذين غسلوه. وهذا من الأدلة على أن
ابن عباس لم يفارق أمير المؤمنين عليه السلام كما أنه سيأتي في سيرة الحسن عليه السلام ان
عبد الله بن العباس قام بين يديه ودعا الناس إلى بيعته فبادروا إليها وان الحسن (ع) رتب
العمال وانفذ عبد الله بن العباس إلى البصرة وهو أيضا من الأدلة على عدم مفارقته أمير
المؤمنين عليه السلام الا ان يكون الصواب عبيد الله بن العباس مصغرا بدل عبد الله مكبرا
كما ربما يدل عليه قول الطبري وابن الأثير ان الذي حضر صلح الحسن هو عبيد الله لا
عبد الله والله أعلم.
- المؤلف -
(٥٣٣)

البختري انه لما جاء عائشة قتل أمير المؤمنين ع سجدت. وقال
الطبري في تاريخه وابن الأثير في الكامل وروى أبو الفرج في مقاتل الطالبيين
وابن سعد في الطبقات وذكر المرزباني في معجم الشعراء انه لما اتى عائشة
نعي أمير المؤمنين ع تمثلت:
- فألقت عصاها واستقرت بها النوى * كما قر عينا بالإياب المسافر -
ثم قالت من قتله؟ قيل رجل من مراد فقالت:
- فان يك نائيا فلقد نعاه * غلام ليس في فيه التراب -
فقالت زينب ابنة أبي سلمة أ لعلي تقولين هذا؟! فقالت اني انسى
فإذا نسيت فذكروني قال أبو الفرج ثم تمثلت:
- ما زال اهداء القصائد بيننا * شتم الصديق وكثرة الألقاب -
- حتى تركت كان قولك فيهم * في كل مجتمع طنين ذباب -
اه وفي ضربة ابن ملجم أمير المؤمنين ع يقول
عمران بن حطان الرقاشي الخارجي:
- يا ضربة من تقي ما أراد بها * الا ليبلغ من ذي العرش رضوانا -
- اني لأذكره حينا فاحسبه * اوفى البرية عند الله ميزانا -
- أكرم بقوم بطون الأرض اقبرهم * لم يخلطوا دينهم بغيا وعدوانا -
- لله در المرادي الذي سفكت * كفاه مهجة شر الخلق انسانا -
- امسى عشية غشاه بضربته * مما جناه من الآثام عريانا -
وقد رد عليه جملة من الشعراء منهم طاهر بن محمد حكاه عنه سبط بن
الجوزي في تذكرة الخواص فقال:
- يا ضربة من لعين ما أراد بها * الا امام الهدى ظلما وعدوانا -
- اني لأذكره يوما فأثبته * أشقى البرية عند الله خسرانا -
- وقال هذا رسول الله سيدنا * وخاتم الرسل اعلاما واعلانا -
ومنهم القاضي أبو الحارث الطبري اورده سبط بن الجوزي أيضا وفي
الإصابة عارضه الإمام أبو الطيب الطبري وذكر البيتين الأولين فقط:
- اني لأبرأ مما أنت قائله * عن ابن ملجم الملعون بهتانا -
- اني لأذكره يوما فألعنه * دينا وألعن عمران بن حطانا -
- عليك ثم عليه الدهر متصلا * لعائن الله اسرارا واعلانا -
- فأنتم من كلاب النار جاء به * نص الشريعة برهانا وتبيانا -
ومنهم السيد الحميري فقال:
- لا در در المراد الذي سفكت * كفاه مهجة خير الخلق انسانا -
- قد صار مما تعاطاه بضربته * مما عليه من الاسلام عريانا -
- ابكى السماء لباب كان يعمره * منها وحنت عليه الأرض تحنانا -
- طورا أقول ابن ملعونين ملتقط * من نسل إبليس بل قد كان شيطانا -
- ويل امه اي ما ذا لعنة ولدت * لا ان كما قال عمران بن حطانا -
- عبد تحمل اثما لو تحمله * ثهلان طرفة عين هد ثهلانا -
ومنهم أبو المظفر الشهرستاني في كتابه التبصير فقال:
- كذبت وأيم الذي حج الحجيج له * وقد ركبت ضلالا منك بهتانا -
- لتلقين بها نارا مؤججة * يوم القيامة لا زلفى ورضوانا -
- تبت يداه لقد خابت وقد خسرت * وصار أبخس من في الحشر ميزانا -
- هذا جوابي لذاك النذل مربحلا * أرجو بذاك من الرحمن غفرانا -
وقال أبو بكر بن حماد أو بكر بن حماد التاهرتي:
- قل لابن ملجم والاقدار غالبة * هدمت ويلك للاسلام اركانا -
- قتلت أفضل من يمشي على قدم * وأول الناس اسلاما وايمانا -
- واعلم الناس بالقرآن ثم بما * سن الرسول لنا شرعا وتبيانا -
- صهر النبي ومولاه وناصره * أضحت مناقبه نورا وبرهانا -
- وكان منه على رغم الحسود له * مكان هارون من موسى بن عمرانا -
- وكان في الحرب سيفا صارما ذكرا * ليثا إذا لقي الاقران اقرانا -
- ذكرت قاتله والدمع منحدر * فقلت سبحان رب الناس سبحانا -
- اني لاحسبه ما كان من بشر * كلا ولكنه قد كان شيطانا -
- أشقى مراد إذا عدت قبائلها * واخسر الناس عند الله ميزانا -
- كعاقر الناقة الأولى التي جلبت * على ثمود بأرض الحجر خسرانا -
- قد كان يخبرهم ان سوف يخضبها * قبل المنية أشقاها وقد كانا -
- فلا عفا الله عنه ما تحمله * ولا سقى قبر عمران بن حطانا -
- لقوله في شقي ظل مجترما * ونال ما ناله ظلما وعدوانا -
- يا ضربة من تقي ما أراد بها * الا ليبلغ من ذي العرش رضوانا -
- بل ضربة من غوي اوردته لظى * فسوف يلقى بها الرحمن غضبانا -
- كأنه لم يرد قصدا بضربته * الا ليصلى عذاب الخلد نيرانا -
قتل ابن ملجم لعنه الله
كان أمير المؤمنين ع لما ضربه ابن ملجم اوصى به فيما رواه
الحاكم في المستدرك فقال أحسنوا إليه فان أعش فهضم أو قصاص وان أمت
فعاجلوه فاني مخاصمه عند ربي عز وجل وفي رواية للحاكم لما جاءوا
بابن ملجم إلى علي ع قال اصنعوا به ما صنع رسول الله ص برجل
جعل له على أن يقتله فامر ان يقتل ويحرق بالنار.
قال الطبري ولما قبض أمير المؤمنين ع بعث الحسن إلى ابن
ملجم فأحضره فقال للحسن هل لك في خصلة اني أعطيت الله عهدا ان لا
أعاهد عهدا الا وفيت به واني عاهدت الله عند الحطيم ان اقتل عليا
ومعاوية أو أموت دونهما فان شئت خليت بيني وبينه فلك علي عهد الله ان
لم اقتله وبقيت ان آتيك حتى أضع يدي في يدك فقال له الحسن لا والله حتى
تعاين النار ثم قدمه فقتله واخذه الناس فادرجوه في بواري واحرقوه
بالنار، وقال المفيد في الارشاد: استوهبت أم الهيثم بنت الأسود النخعية
جيفته منه لتتولى احراقها فوهبها لها فأحرقتها بالنار، وروى الحاكم في
المستدرك بسنده عن أبي إسحاق الهمداني رأيت قاتل علي بن أبي طالب يحرق
بالنار في أصحاب الرماح.
موضع قبر أمير المؤمنين ع
قد عرفت انه حمل ليلا إلى ناحية الغريين ودفن هناك واخفي قبره
بوصية منه. وحكى ابن أبي الحديد في شرح النهج عن أبي القاسم البلخي
أنه قال إن عليا ع لما قتل قصد بنوه ان يخفوا قبره خوفا من بني أمية ان
يحدثوا في قبره حدثا فأوهموا الناس في موضع قبره تلك الليلة وهي ليلة دفنه
ايهامات مختلفة فشدوا على جمل تابوتا موثقا بالحبال يفوح منه روائح الكافور
واخرجوه من الكوفة في سواد الليل صحبة ثقاتهم يوهمون انهم يحملونه إلى
(٥٣٤)

المدينة فيدفنونه عند فاطمة ع وأخرجوا بغلا وعليه جنازة مغطاة
يوهمون انهم يدفنونه بالحيرة وحفروا حفائر عدة منها بالمسجد ومنها برحبة
قصر الامارة ومنها في حجرة من دور آل جعدة بن هبيرة المخزومي ومنها في
أصل دار عبد الله بن يزيد القسري بحذاء باب الوراقين مما يلي قبلة المسجد
ومنها في الكناسة ومنها في الثوية فعمي على الناس موضع قبره ولم يعلم دفنه
على الحقيقة الا بنوه والخواص المخلصون من أصحابه فإنهم خرجوا به ع
وقت السحر في الليلة الحادية والعشرين من شهر رمضان فدفنوه على
النجف بالموضع المعروف بالغري بوصاة منه ع إليهم في ذلك
وعهد كان عهد به إليهم وعمي موضع قبره على الناس واختلفت الأراجيف
في صبيحة ذلك اليوم اختلافا شديدا وافترقت الأقوال في موضع قبره
الشريف وتشعبت وادعى قوم ان جماعة من طئ وقعوا على جمل في تلك
الليلة وقد أضله أصحابه ببلادهم وعليه صندوق فظنوا فيه مالا فلما رأوا ما
فيه خافوا ان يطلبوا به فدفنوا الصندوق بما فيه ونحروا البعير وأكلوه وشاع
ذلك في بني أمية وشيعتهم واعتقدوه حقا فقال الوليد بن عقبة من أبيات
يقصد فيها الرد على رسول الله ص حيث قال وان تولوها عليا تجدوا هاديا
مهديا:
- فان يك قد ضل البعير بحمله * فما كان مهديا وكان هاديا -
اه ما حكاه ابن أبي الحديد ولذلك وقع الاختلاف في موضع قبره
الشريف بين غير الشيعة اما الشيعة فمتفقون خلفا عن سلف نقلا عن
أئمتهم أبناء أمير المؤمنين ع انه لم يدفن الا في الغري في
الموضع المعروف الآن ووافقهم المحققون من علماء سائر المسلمين والاخبار
فيه متواترة وقد كتب السيد عبد الكريم بن طاوس كتابا في ذلك سماه فرحة
الغري استقصى فيه الآثار والأخبار الواردة في ذلك واتى بما لا مزيد عليه.
وروى المفيد في الارشاد بسنده عن جابر بن يزيد قال سألت أبا
جعفر بن علي الباقر ع أين دفن أمير المؤمنين قال دفن بناحية
الغريين ودفن قبل طلوع الفجر وبسنده عن أبي عمير عن رجاله قيل
للحسين بن علي ع أين دفنتم أمير المؤمنين قال خرجنا به ليلا
على مسجد الأشعث حتى خرجنا به إلى الظهر بجنب الغريين فدفناه هناك
وقال ابن الأثير دفن عند مسجد الجماعة وقيل في القصر وقيل غير ذلك
والأصح أن قبره هو الموضع الذي يتبرك به ويزار اه. أقول وهذا
مما لا شبهة فيه ولا ريب لأن أولاده وذريته وشيعتهم كانوا يزورونه في هذا
الموضع وأعرف الناس بقبر الميت أهله وأتباعه وعليه جميع الشيعة وأئمة أهل
البيت وجميع المسلمين إلا من شذ. وفي تذكرة الخواص: حكى أبو نعيم
الأصفهاني أن الذي على النجف إنما هو قبر المغيرة بن شعبة قال ولو علم به
زواره لرجموه قلت وهذا من أغلاط أبي نعيم فان المغيرة بن شعبة لم يعرف
له قبر وقيل أنه مات بالشام اه قال المفيد في الارشاد لم يزل قبره ع
مخفيا لا يعرفه غير بنيه وخواص شيعتهم حتى دل عليه الصادق
جعفر بن محمد ع في الدولة العباسية وزاره عند وروده إلى أبي
جعفر وهو بالحيرة فعرفته الشيعة واستأنفوا إذ ذاك زيارته اه قال
صفوان بن مهران الجمال فيما روي عنه في فرحة الغري: لما وافيت مع
جعفر الصادق ع الكوفة يريد أبا جعفر المنصور قال لي يا صفوان أنخ
الراحلة فهذا قبر جدي أمير المؤمنين فأنختها ثم نزل فاغتسل وغير ثوبه
وتحفى وقال لي افعل مثلما افعل ثم أخذ نحو الذكوة وقال لي قصر خطاك
طلبا لثواب زيادة الخطى إلى أن قال ثم مشى ومشيت معه وعلينا السكينة
والوقار نسبح ونقدس ونهلل إلى أن بلغنا الذكوات فوقف ونظر يمنة ويسرة
وخط بعكازته فقال لي اطلب فطلبت فإذا اثر القبر ثم أرسل دموعه وقال:
السلام عليك أيها الوصي إلى آخر الزيارة إلى أن قال قلت يا سيدي
تأذن لي أن أخبر أصحابنا من أهل الكوفة به فقال نعم وأعطاني دراهم
وأصلحت القبر وفي رواية عن الصادق ع أنه قال لما كنت بالحيرة
عند أبي العباس يعني السفاح كنت آتي قبر أمير المؤمنين ص
ليلا بناحية نجف الحيرة إلى جانب غري النعمان فاصلي عنده صلاة
الليل وانصرف قبل الفجر وفي رواية عن صفوان الجمال قال حملت
جعفر بن محمد ع فلما انتهيت إلى النجف قال يا صفوان تياسر
حتى تجوز الحيرة فتأتي القائم فبلغت الموضع الذي وصف فنزل و توضأ ثم
تقدم هو وعبد الله بن الحسن فصليا عند قبر فلما قضيا صلاتهما قلت جعلت
فداك أي موضع هذا القبر قال هذا قبر علي بن أبي طالب وهو القبر الذي
تأتيه الناس هناك وينبغي أن يكون هذا في خلافة السفاح لأنه هو الذي
وفد عليه عبد الله بن الحسن وعن فرحة الغري بسنده عن عبد الله بن
عبيد بن زيد قال رأيت جعفر بن محمد وعبد الله بن الحسن بالغري عند قبر
أمير المؤمنين ع وروى ابن قولويه في كتاب كامل الزيارة بسنده عن
صفوان الجمال قال سألت أبا عبد الله ع عن موضع قبر أمير المؤمنين
ع فوصف لي موضعه حيث دكادك (١) الميل فاتيته فصليت عنده ثم عدت
إلى أبي عبد الله ع من قابل فأخبرته بذهابي وصلاتي عنده فقال أصبت
فمكثت عشرين سنة أصلي عنده. أقول: صفوان كان جمالا يسافر
بجماله من الحجاز إلى العراق وبالعكس فكان كلما سافر إلى العراق يصلي
عند القبر الشريف وكان هذا كان قبل أن يركب معه الصادق ع من
الحجاز إلى العراق كما مر فدله على القبر فعرفه بالوصف ثم لما حمله على جمله
دله على موضعه بالتعيين وكان من أصحاب الصادق ع وشيعته وفي
عدة روايات عن الصادق ع أنه لما أتى الكوفة صلى ركعتين ثم تنحى
فصلى ركعتين ثم تنحى فصلى ركعتين فسئل عن ذلك فقال الأولى موضع
قبر أمير المؤمنين والثانية موضع رأس الحسين (٢) والثالثة موضع منبر القائم
ع وقد دل الصادق ع جماعة من أصحابه على قبر أمير
المؤمنين ع بظهر الكوفة في المكان المعروف منهم أبو بصير وعبد الله بن
طلحة ومعلى بن خنيس ويونس بن ظبيان وزارة وغيرهم وقبل ذلك جاء
الإمام علي زين العابدين ع من الحجاز إلى العراق مع خادم له لزيارته
فزاره ثم رجع ولكن لم يعرفه جميع الناس ثم عرفه وأظهره الرشيد العباسي
بعد سنة ١٧٠ فعرفه عامة الناس روى المفيد في الارشاد عن محمد بن زكريا
حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد الله عن ابن عائشة حدثني عبد الله بن حازم
قال خرجنا يوما مع الرشيد من الكوفة نتصيد فصرنا إلى ناحية الغريين
والثوية فرأينا ظباء فأرسلنا عليها الصقور والكلاب فجاولتها ساعة ثم لجات
الظباء إلى أكمه فوقفت عليها فسقطت الصقور ناحية ورجعت الكلاب
فعجب الرشيد من ذلك ثم إن الظباء هبطت من الأكمة فهبطت الصقور
والكلاب فرجعت الظباء إلى الأكمة فتراجعت عنها الصقور والكلاب فعلت
ذلك ثلاثا فقال الرشيد اركضوا فمن لقيتموه فائتوني به فاتيناه بشيخ من بني

(١) الدكادك جمع دكدك ما يكبس من الرمل أو أرض فيها غلظ والميل ثم الغري الذي مر تفسيره
في الحاشية السابقة.
(٢) لما روي من أن رأس الحسين مدفون مما يلي رأس أمير المؤمنين عليهما السلام.
(٥٣٥)

أسد فقال له هارون أخبرني ما هذه الأكمة قال إن جعلت لي الأمان
أخبرتك قال لك عهد الله وميثاقه أن لا أهيجك ولا أوذيك قال حدثني أبي
عن آبائه أنهم كانوا يقولون أن في هذه الأكمة قبر علي بن أبي طالب جعله
الله حرما لا يأوي إليه شئ إلا امن فنزل هارون فدعا بماء فتوضأ وصلى
عند الأكمة وتمرع عليها وجعل يبكي ثم انصرفنا قال محمد بن عائشة وكان
قلبي لا يقبل ذلك فحججت إلى مكة فرأيت بها ياسرا خادم الرشيد فقال
قال لي الرشيد ليلة من الليالي وقد قدمنا من مكة فنزلنا الكوفة يا ياسر قل
لعيسى بن جعفر فليركب فركبا جميعا وركبت معهما حتى إذا صرنا إلى
الغريين فاما عيسى فطرح نفسه فنام وأما الرشيد فجاء إلى أكمة فصلى
عندها فكلما صلى ركعتين دعا وبكى وتمرع على الأكمة ثم يقول يا ابن عم
انا والله اعرف فضلك وسابقتك وبك والله جلست مجلسي الذي أنا فيه
وأنت وأنت ولكن ولدك يؤذونني ويخرجون علي ثم يقوم فيصلي ثم يعيد هذا
الكلام ويدعو ويبكي حتى إذا كان وقت السحر قال لي يا ياسر أقم عيسى
فأقمته فقال له يا عيسى قم فصل عند قبر ابن عمك قال له وأي ابن عم
مني هذا قال هذا قبر علي بن أبي طالب فتوضأ عيسى وقام يصلي فلم يزالا
كذلك حتى طلع الفجر فقلت يا أمير المؤمنين أدركك الصبح فركبنا ورجعنا
إلى الكوفة اه.
تعمير القبر الشريف
العمارة الأولى
أول من عمره هارون الرشيد بعد سنة ١٧٠ وما في بعض الكتب من
أن ذلك كان سنة ١٥٥ اشتباه لأن الرشيد استخلف سنة ١٧٠ ومات سنة
١٩٣ وإظهاره القبر وتعميره إنما كان في خلافته قال الديلمي الحسن بن أبي
الحسن محمد في ارشاد القلوب بعد ما ذكر مجئ هارون إلى القبر: وأمر أن
تبنى عليه قبة بأربعة أبواب اه وقال أحمد بن علي بن الحسين الحسني في
كتابه عمدة الطالب بعد ما ذكر زيارة الرشيد للقبر الشريف: ثم أن هارون
أمر فبنى عليه قبة وأخذ الناس في زيارته والدفن لموتاهم حوله وقال السيد
عبد الكريم بن أحمد بن طاوس الحسني في كتاب فرحة الغري: ذكر ابن
طحال أن الرشيد بنى عليه بنيانا باجر أبيض أصغر من هذا الضريح اليوم
من كل جانب بذراع ولما كشفنا الضريح الشريف وجدنا مبنيا عليه تربة
وجصا وأمر الرشيد أن يبنى عليه قبة فبنيت من طين أحمر وعلى رأسها جرة
خضراء وهي في الخزانة اليوم اه.
ويظهر من حديث رواه السيد عبد الكريم بن طاوس في كتاب فرحة
الغري الآنف الذكر أن داود العباسي (١) عمل على القبر صندوقا وقال أبو
الحسن علي بن الحسن بن الحجاج أنه رأى هذا الصندوق لطيفا قال السيد
عبد الكريم بن أحمد بن موسى بن طاوس في فرحة الغري: أخبرني عمي
السعيد علي بن موسى بن طاوس والفقيه نجم الدين أبو القاسم بن سعيد
والفقيه المقتدى بقية المشيخة نجيب الدين يحيى بن سعيد أدام الله بركاتهم
كلهم عن الفقيه محمد بن عبد الله بن زهرة الحسيني عن محمد بن الحسن
العلوي الساكن بمشهد الكاظم ع عن القطب الراوندي عن محمد بن
علي بن المحسن الحلبي عن الشيخ الطوسي ونقلته من خطه حرفا حرفا عن
المفيد محمد بن محمد بن النعمان عن محمد بن أحمد بن داود عن أبي الحسين
محمد بن تمام الكوفي حدثنا أبو الحسن علي بن الحسن بن الحجاج من حفظه
قال كنا جلوسا في مجلس ابن عمي أبي عبد الله محمد بن عمران بن الحجاج
وفيه جماعة من أهل الكوفة من المشايخ وفيمن حضر العباس بن أحمد
العباسي وكانوا قد حضروا عند ابن عمي يهنونه بالسلامة لأنه حضر وقت
سقوط سقيفة سيدي أبي عبد الله الحسين بن علي بن أبي طالب ع في ذي
الحجة سنة ٢٧٣ فبينا هم قعود يتحدثون إذ حضر المجلس إسماعيل بن
عيسى العباسي فأحجمت الجماعة عما كانت فيه وأطال إسماعيل الجلوس
فقال يا أصحابنا أعزكم الله لعلي قطعت حديثكم بمجيئي فقال أبو الحسن
علي بن يحيى السليماني وكان شيخ الجماعة ومقدما فيهم لا والله يا أبا
عبد الله أعزك الله ما أمسكنا لحال من الأحوال فقال لهم يا أصحابنا اعلموا
أن الله عز وجل مسائلي عما أقول لكم وما اعتقده من المذهب حتى حلف
بعتق جواريه ومماليكه وحبس دوابه أنه لا يعتقد إلا ولاية علي بن أبي طالب
والسادة من الأئمة وعدهم واحدا واحدا فانبسط إليه أصحابنا ثم قال لهم
رجعنا يوم الجمعة من الصلاة مع عمي داود فقال لنا أينما كنتم قبل أن
تغرب الشمس فصيروا إلي ولا يتخلف منكم أحد وكان جمرة بني هاشم
فصرنا إليه فقال صيحوا بفلان وفلان من الفعلة فجاءه رجلان معهما آلتهما
فقال لنا اركبوا في وقتكم هذا وخذوا معكم الجمل غلاما كان له أسود
يعرف بالجمل وكان هذا الغلام لو حمل على سكر دجلة لسكرها من شدته
وبأسه وأمضوا إلى هذا القبر الذي قد افتتن به الناس ويقولون أنه قبر علي
حتى تنبشوه وتجيؤوني بأقصى ما فيه فمضينا إلى الموضع فحفر الحفارون
وهم يقولون لا حول ولا قوة إلا بالله في أنفسهم حتى نزلوا خمسة أذرع
فقالوا قد بلغنا إلى موضع صلب وليس نقوى بنقره فانزلوا الحبشي فاخذ
المنقار فضرب ضربة سمعنا لها طنينا شديدا ثم ضرب ثانية فسمعنا طنينا
أشد ثم ضرب الثالثة فسمعنا طنينا أشد ثم صاح الغلام صيحة فقلنا اسألوه
ما باله فلم يجبهم وهو يستغيث فشدوه بالحبل واخرجوه فإذا على يده من
أطراف أصابعه إلى مرافقه دم وهو يستغيث لا يكلمنا ولا يحير جوابا فحملناه
على بغل ورجعنا طائرين حتى انتهينا إلى عمي فأخبرناه فالتفت إلى القبلة
وتاب ورجع عن مذهبه وركب بعد ذلك في الليل إلى مصعب بن جابر
فسأله أن يعمل على القبر صندوقا ولم يخبره بشئ مما جرى ووجه من طم
الموضع وعمر الصندوق عليه قال أبو الحسن بن حجاج رأينا هذا الصندوق
الذي هذا حديثه لطيفا إلى أن قال: هذا آخر ما نقلته من خط الطوسي
رض ورواه الشريف أبو عبد الله محمد بن علي بن الحسن بن علي بن
الحسين بن عبد الرحمن الشجري باسناده نحوه، قال الفقيه صفي الدين
محمد بن معد: وقد رأيت هذا الحديث بخط أبي يعلى محمد بن حمزة
الجعفري صهر الشيخ المفيد والجالس بعد وفاته مجلسه أقول وقد رأيته بخط
أبي يعلى الجعفري أيضا في كتابه كما ذكره صفي الدين اه المراد نقله
من كلام ابن طاوس في فرحة الغري.
العمارة الثانية
عمارة محمد بن زيد الحسني الملقب بالداعي الصغير صاحب بلاد
الديلم وطبرستان فإنه أمر بعمارته وعمارة الحائر بكربلاء والبناء عليهما بعد
سنة ٢٧٩ وبنى على المشهد العلوي حصنا فيه سبعون طاقا، وهو محمد بن
زيد بن محمد بن إسماعيل بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي

(١) ذكر بعض المعاصرين أن داود هذا هو داود بن عيسى بن موسى بن محمد بن محمد بن علي بن
عبد الله بن عباس لكن سيأتي أن إسماعيل بن عيسى قال عمي داود وإذا كان داود هو ابن
عيسى يكون أخاه لا عمه إلا أن يكون إسماعيل وأبوه كلاهما يسمى عيسى أو غير ذلك.
(٥٣٦)

طالب الملقب بالداعي الصغير ملك الطبرستان بعد أخيه الحسن بن زيد،
وأقام بها سبع عشرة سنة وسبعة أشهر وخطب له رافع بن هرثمة بنيسابور
ثم سار إلى خراسان لما بلغه أسر الصفار ليستولي عليها، وحاربه محمد بن
هارون السرخسي صاحب إسماعيل بن أحمد الساماني وجرى بينهما قتال
شديد ثم انهزم عسكر العلوي وجرح جراحات عديدة ومات منها بعد أيام
سنة ٢٨٧ وأسر ابنه زيد بن محمد في المعركة وحمله إلى إسماعيل الساماني
فأكرمه ووسع عليه وحمل رأسه إلى إسماعيل إلى بخارى ودفن بدنه بجرجان
عند قبر الديباج محمد بن الصادق. قال ابن طاوس في فرحة الغري أن
محمد بن زيد الداعي بنى المشهد الشريف الغروي أيام المعتضد اه
والمعتضد بويع سنة ٢٧٩ وتوفي ٢٨٩. وعن محمد بن أبي طالب في
كتابه زينة المجالس أنه قال: إلى أن خرج الداعيان الحسن ومحمد ابنا زيد
ابن الحسن فامر محمد بعمارة المشهدين مشهد أمير المؤمنين ومشهد أبي
عبد الله الحسين وأمر بالبناء عليهما اه وممن ذكر بناء محمد بن زيد
العلوي محمد بن طحال فيما حكي عنه.
ويدل بعض الأخبار أن الذي بناه الحسن بن زيد الملقب بالداعي
الكبير أخو محمد بن زيد المتقدم ظهر بطبرستان سنة ٢٥٠ وتوفي سنة ٢٧٠
قتله مرداويج الديلمي ففي ذيل خبر داود العباسي المتقدم الذي مر أنه عمر
عليه الصندوق قال أبو الحسن بن حجاج رأينا هذا الصندوق الذي هذا
حديثه لطيفا وذلك قبل أن يبنى عليه الحائط الذي بناه الحسن بن زيد، وفي
ذيل حديث ابن الشجري المشار إليه آنفا وذلك قبل أن يبنى عليه الحائط
الذي بناه الحسن بن زيد بن محمد بن إسماعيل بن الحسن بن زيد بن
الحسن بن علي بن أبي طالب المعروف بالداعي الخارج بطبرستان اه
ولعله وقع اشتباه من النساخ أو بعض المؤلفين فأبدل اسم محمد باسم أخيه
الحسن أو أن الحسن كان قد بنى عليه حائطا ثم بناه أخوه محمد فجعل له
حصنا بسبعين طاقا كما مر وبعد ذلك زيد فيه.
وممن عمره الشريف عمر بن يحيى بن الحسين بن أحمد بن عمر
المقتول سنة ٢٥٠ ابن يحيى بن الحسين ذي الدمعة بن زيد بن علي بن
الحسين بن علي بن أبي طالب. في مستدركات الوسائل أن عمر الثاني هذا
رد الله على يده الحجر الأسود لما نهبت القرامطة مكة سنة ٣٢٣ وبنى قبة
جده أمير المؤمنين ع من خالص ماله اه.
هذا ولكن يظهر من بعض الروايات أن ابن زيد هو أول من بنى على
القبر الشريف وأنه قبل عمارته لم يكن عليه بناء ولم يكن عليه شئ وما كان
إلا الأرض وهو ينافي ما مر من أن أول من بناه الرشيد وأن داود العباسي
عمل له صندوقا، فعن الطبري في دلائل الإمامة عن حبيب بن الحسين عن
عبيد بن خارجة عن علي بن عثمان عن فرات بن أحنف عن الصادق ع
في حديث زيارته لأمير المؤمنين ع قال: هاهنا قبر أمير
المؤمنين، أما أنه لا تذهب الأيام حتى يبعث الله رجلا ممتحنا في نفسه
بالقتل يبني عليه قال حبيب بن الحسين سمعت هذا الحديث قبل أن يبنى
على الموضع شئ ثم أن محمد بن زيد وجه فبنى عليه اه. وعن كتاب
المنتظم لأبي الفرج الجوزي: أنبأنا شيخنا أبو بكر بن عبد الباقي سمعت أبا
الغنائم ابن السرسي كان يقول توفي بالكوفة ٣١٣ من الصحابة لا يدري
أحد منهم قبره إلا قبر علي، وجاء جعفر بن محمد ومحمد بن علي بن
الحسين فزارا الموضع من قبر أمير المؤمنين علي ولم يكن إذ ذاك القبر وما كان
إلا الأرض حتى جاء محمد بن زيد الداعي فاظهر القبر اه. ولكن ما
تقدم يؤكد بناء الرشيد عليه لا سيما قول ابن طاوس أن الجرة الخضراء التي
أنت على أعلى القبة موجودة في الخزانة، ويمكن أن يكون بناء الرشيد قد
انهدم ودرس لا سيما أنه كان من طين أحمر وأما بناؤه القبر بالآجر الأبيض
فالظاهر أنه كان تحت الأرض ولم يكن ظاهرا منه إلا قدر أربع أصابع أو
نحو ذلك فطمر بالرمال على طول المدة.
العمارة الثالثة
عمارة السلطان عضد الدولة فناخسرو بن بويه الديلمي في أيام
الطائع فإنه عمر المشهدين العلوي والحسيني وبلغ الغاية في تعظيمهما
والأوقاف عليهما وعمر مشهد أمير المؤمنين ع عمارة عظيمة وأنفق عليه
أموالا جليلة وستر حيطانه بخشب الساج المنقوش ووقف له الأوقاف وبنى
عليه قبة بيضاء، وفيها يقول ابن الحجاج الشاعر المشهور:
- يا صاحب القبة البيضاء على النجف * من زار قبرك واستشفى لديك شفي -
وملك عضد الدولة العراق سنة ٣٦٧ وتوفي ٣٧٢ والظاهر أن
العمارة كانت سنة ٣٦٩ فما يوجد في بعض المؤلفات أن عمارته كانت سنة
٣٣٨ وما في بعضها أنها كانت سنة ٣٧٦ اشتباه لأن التاريخ الأول متقدم
على ولايته العراق والثاني متأخر عن وفاته. قال الديلمي في ارشاد القلوب
بعد ما ذكر أن الرشيد أمر أن يبنى عليه قبة بأربعة أبواب: وبقي إلى أيام
السلطان عضد الدولة فجاء فأقام في ذلك الطريق قريبا من سنة هو وعساكره
وبعث فاتي بالصناع والأستاذية من الأطراف وخرب تلك العمارة وصرف
أموالا كثيرة جزيلة وعمر المشهدين عمارة جليلة حسنة هي العمارة التي
كانت قبل عمارة اليوم اه وظاهره أن العمارة التي كانت قبل عمارة
عضد الدولة هي عمارة الرشيد مع أنها عمارة الحسن بن زيد. وفي عمدة
الطالب عند ذكره لهذه العمارة قال: وعين له أوقافا ولم تزل عمارته باقية
إلى سنة ٧٥٣ وكان قد ستر الحيطان بخشب الساج المنقوش فاحترقت تلك
العمارة وجددت عمارة المشهد على ما هي عليه الآن ولم يبق من عمارة
عضد الدولة الا القليل وقبور آل بويه هناك ظاهرة مشهورة لم تحترق
اه. ولكن عن آخر كتاب الأماقي في شرح الإيلاقي لعبد الرحمن
العتايقي الحلي المجاور بالنجف الأشرف في نسخته المخطوطة في الخزانة
العلوية الذي تم كتابة في المحرم سنة ٧٥٥ قال: في هذه السنة احترقت
الحضرة الغروية صلوات الله على مشرفها وعادت العمارة وأحسن منها في
سنة ٧٦٠ اه وهو أعرف بتاريخ احتراقها من صاحب ارشاد
الديلمي لأنه شاهده وذلك متأخر عنه لأنه توفي ٨٤١ وأراد عضد الدولة
أن يجري الماء من الفرات إلى النجف تحت الأرض لأن مكانه مرتفع لا
يمكن أن يصل إليه الماء على وجه الأرض فحفر إلى جهة الشمال فنبعت في
أثناء الحفر عين منعت من مواصلة الحفر لكن ماءها ليس بشروب فاكتفى
بها للانتفاع بغير الشرب وساق ماءها إلى آبار عميقة محكمة البناء ووصل
بينها بقنوات محكمة يسير فيها الفارس فيجري الماء من بئر إلى بئر ثم يخرج
ما يفضل منه إلى جهة المغرب، ثم حفر الناس بعد ذلك آبارا أخر منها
موصول بتلك الآبار ومنها غير موصول ولذلك كانت بعضها آبارا شرعية
وبعضها حكم مائها حكم الماء الجاري. والسراديب التي لها شبابيك إلى
تلك الآبار يأتي إليها الهواء البارد في الصيف لاتصال بعضها ببعض، وقد
شاهد عمارة عضد الدولة ابن بطوطة في رحلته وكانت سنة ٧٢٧ فقال:
(٥٣٧)

دخلنا من باب الحضرة حيث القبر الذي يزعمون أنه قبر علي ع وبإزائه
المدارس والزوايا والخوانق معمورة أحسن عمارة وحيطانها بالقاشاني وهو
شبه الزليج عندنا لكن لونه أشرق ونقشه أحسن ويدخل من باب الحضرة
إلى مدرسة عظيمة يسكنها الطلبة والصوفية من الشيعة ولكل وارد عليها
ضيافة ثلاثة أيام من الخبز و اللحم والتمر ومن تلك المدرسة يدخل إلى باب
القبة ثم أشار إلى الاستئذان وتقبيل العتبة قال وهي من الفضة وكذلك
العضادتان ثم يدخل الزائر القبة وفي وسطها مصطبة مربعة مكسوة بالخشب
عليه صفائح الذهب المنقوشة المحكمة العمل مسمرة بمسامير الفضة قد
غلب على الخشب بحيث لا يظهر منه شئ وارتفاعها دون القامة وفوقها
ثلاثة قبور يزعمون أنها قبر آدم ونوح عليهما الصلاة والسلام وعلي رضي الله
عنه وبين القبور طشوت ذهب وفضة فيها ماء الورد والمسك وأنواع الطيب
يغمس الزائر في ذلك يده ويدهن به وجهه تبركا وللقبة باب آخر عتبته أيضا
من الفضة يفضي إلى مسجد وله أبواب أربعة عتبتها فضة اه وذلك
هو الذي بناه عمران بن شاهين في أيام عضد الدولة بعد عمارة عضد
الدولة وقوله إن بين القبور طشوت ذهب وفضة لعله اشتباه منه فرأى أواني
تشبه الذهب والفضة فظنها منهما فاستعمال أواني الذهب والفضة محرم لا
يمكن أن يرخص فيه العلماء ولا أن يستعمل من دون إذنهم. وقال ابن
طاوس في فرحة الغري: إن عضد الدولة بني الرواق المعروف برواق عمران
في المشهدين الشريفين الغروي والحائري على مشرفهما السلام اه وإلى
الآن يعرف الباقي منه في دهليز باب الطوسي بمسجد عمران. وبلغ عضد
الدولة الغاية في تعظيم المشهد وبنى لنفسه قبة عظيمة في النجف بجوار المشهد
من جهة الغرب وأوصى أن يدفن فيها فدفن هناك وبقيت القبة حتى هدمها
السلطان سليمان العثماني لما دخل العراق سنة ٩٤٠ وجعلها تكية للبكتاشية
وبقيت إلى هذا الزمان وبابها في الجهة الغربية من الصحن الشريف. وبعض
يظن أن الذي فعل ذلك هو السلطان سليم والصواب أنه ولده سليمان وإنما
نسب إلى سليم لشهرته. وحكى بعض المعاصرين عن صاحب خريدة
العجائب أنه قال عند ذكر الكوفة وفيها قبة عظيمة يقال أنها قبر علي بن أبي
طالب والقبة بناء أبي العباس عبد الله بن حمدان في دولة بني العباس. وفي
نزهة الجليس للسيد عباس الموسوي العاملي المكي أنه قد عقدت على قبر آدم
ونوح وعلي ع قبة عظيمة وأول من عقد هذه القبة عليهم
عبد الله بن حمدان في دولة بني العباس ثم عمرها الملوك من بعده اه
وعبد الله هذا هو والد سيف الدولة الملقب بأبي الهيجاء ولاه المكتفي امارة
الموصل سنة ٢٩٣، وإذا صحت هذه الرواية كان بناء عبد الله بن حمدان
قبل بناء عضد الدولة لأن ابن حمدان توفي قبل سنة ٣١٧ وعضد الدولة توفي
سنة ٧٧٢ ولكن لم نجد من ذكر بناء عبد الله بن حمدان غيرهما والله أعلم.
العمارة الرابعة
التي حصلت بعد عمارة عضد الدولة التي احترقت كما مر فجددت سنة
٧٦٠ ولا يعلم مجددها وربما تكون من جماعة لا من شخص واحد ولذلك لم
يذكر مجددها والعادة قاضية بأنها لو كانت من شخص واحد لذكر اسمه
خصوصا إذا كان معروفا وخصوصا ممن شاهدها كابن العتايقي كما مر. وفي
أثناء هذه المدة حدثت فيه اصلاحات وعمارات من البويهيين والحمدانيين
وبعض العباسيين وبني جنكيز والإيلخانيين وغيرهم.
العمارة الخامسة
الموجودة اليوم والمشهور بين أهل النجف انها للشاه عباس الصفوي
الأول وان المباشر والمهندس لها الشيخ البهائي فجعل القبة خضراء بعد ما
كانت بيضاء ولكن في رسالة نزهة أهل الحرمين إن الابتداء بها كان بأمر
الشاه صفي الصفوي سنة ١٠٤٧ كما ذكره صاحب البحر المحيط واشتغلوا
بها إلى أن توفي الشاه صفي سنة ١٠٥٢ فأتمها ابنه الشاه عباس الثاني وما
اشتهر بين أهل النجف انها عمارة الشاه عباس بهذا الاعتبار ثم استشهد
على ذلك بكلام السيد شرف الدين علي النجفي في حواشيه على اثني
عشرية صاحب المعالم حيث قال عند ذكر محراب مسجد الكوفة وحائطه
القبلي وان فيهما تيامنا عكس ضريحه المقدس ما لفظه: وعند عمارته بأمر
السلطان الأعظم الشاه صفي قلت للمعمار غيره إلى التيامن فغيره ومع هذا
فله تياسر في الجملة ومخالف لمحراب الكوفة اه واستشهد أيضا بقول
الشيخ محمد بن سليمان بن زوير السليماني: الذي ثبت عندي ان أول
عمارته الموجودة الآن كانت سنة ١٠٥٧ والشاه صفي توفي ١٠٥٢
والمشهور بين أهل المشهد ان العمارة كانت في أكثر من عشرين سنة ولا
يستقيم ذلك إلا بان يكون مبدأ العمارة كان زمن الشاه صفي وإتمامها على
يد الشاه عباس اه أقول كلام السيد شريف الدين يدل على عمارته
بأمر الشاه صفي ولا ينفي ان يكون عمر قبل ذلك بأمر الشاه عباس
الأول فقد بقي في الملك ٧٢ سنة فيمكن ان يكون عمره في أوائل سلطنته ثم
وقع فيه خلل فأعاده حفيده الشاه صفي واما كلام السليماني فظاهر انه
اجتهاد لقوله: الذي ثبت عندي وبنائه ان إكمال عمارته على يد الشاه
عباس الثاني على ما اشتهر بين أهل المشهد فإذا كانت للشهرة بينهم قيمة
فليعتبر ما اشتهر بينهم إن مؤسسها الشاه عباس الأول ويحصل الجمع بذلك
على إن امتداد العمارة أكثر من عشرين سنة والآمر بها ملك عظيم بعيد عن
الاعتبار على أن المحكي عن المنتظم الناصري في حوادث سنة ١٠٤٢ إن
الشاه صفي حينما زار المشهد الشريف رأى بعض النقصان في بناء المرقد
فامر وزيره ميرزا تقي المازندراني باصلاح تلك الأماكن المشرفة فجاء
بالمعمارين والمهندسين إلى النجف ومكث فيها ثلاث سنين مشغولا بهذا
العمل اه وهو ينافي ما تقدم عن السليماني ولعله الصواب هذا مع ما
يظهر من بعض القيود ان الشاه صفي وسع الصحن الشريف وزاد عليه
والله أعلم ثم جدد عمارة الصفوية السلطان نادر الأفشاري وزاد عليها
وزخرف القبة الشريفة ومنارتي المشهد وايوانه بالذهب الأبريز بعد فتحه
الهند كما هي عليه اليوم ويقال ان على كل لبنه تومانا نادريا من الذهب
واهدى إلى المشهد الشريف من الجواهر والتحف شيئا كثيرا وذلك في سنة
١١٥٦ أو ٥٤ وكتب اسمه داخل طاق الباب الشرقي هكذا المتوكل على
الملك القادر السلطان نادر وتحته تاريخ لم يبق بذاكرتي وأظنه التاريخ
السابق وعمر فيه الشاه احمد ناصر الدين القاجاري بعد ذلك وتنافست
الملوك والأمراء في عمارته والإهداء إليه واهدى إليه السلطان عبد العزيز
العثماني شمعدانين عظيمين من الفضة المؤزرة بالذهب على أبدع شكل
وكذلك إلى مشهد الحسين ع ومثلهما إلى مشهدي الكاظمية
وسامراء ومشهد الشيخ عبد القادر الجيلاني في بغداد.
أسوار النجف
لما كانت النجف على طرف البرية المتصلة ببر الشام وكان يخشى
(٥٣٨)

عليها من غزو الاعراب وغيرهم اجتهد ملوك الشيعة وامراؤها في حفظها
ورد عادية الغزاة عنها فبنوا عليها سورا وجددوه كلما اقتضى الحال.
السور الأول
بناه عضد الدولة فناخسرو بن بويه الديلمي ملك العراق حين عمر
الحضرة الشريفة بين سنة ٣٦٧ و ٣٧٢ كما مر.
السور الثاني
بناه الحسن بن سهلان وزير سلطان الدولة بن بويه الديلمي سنة
٤٠٠ كما ذكره ابن الأثير وغيره وذلك أنه مرض فنذر ان عوفي ان يبني عليها
سورا فعوفي فامر ببنائه اما بان يكون الأول قد استهدم فهدمه وأعاد بناءه أو
بنى سورا أوسع من الأول وهدم الأول.
السور الثالث
بناه بعض ملوك الهند كما عن بستان السياحة ويقال انه أوسع من
السور الثاني ويقال ان نادر شاة حين مجيئه للنجف أمر بتسويرها وكان مجيئه
إليها سنة ١١٥٦ ولعله أصلح السور السابق.
السور الرابع
بناه نظام الدولة محمد حسين خان العلاف الأصفهاني وزير فتح علي
شاة القاجاري وهو أعلى الأسوار التي بنيت واحكمها وهو الموجود الآن وفي
هذه السنين هدم كثير منه لعدم الحاجة إليه.
أول من أمر بضرب السكة الاسلامية
ذكر الفاضل المتتبع الشيخ حيدر قلى خان بن نور محمد خان الكابلي
نزيل كرمانشاه في رسالته غاية التعديل في الأوزان والمكاييل وأخبرني به من
لفظه بمنزله في كرمانشاه يوم السبت العشرين من المحرم سنة ١٣٥٣ في
طريقنا إلى زيارة الرضا ع وهو يعرف اللغة الإنكليزية جيدا قال
رأيت في دائرة المعارف البريطانية في صفحة ٩٠٤ من الطبعة الثالثة
والعشرين عند الكلام على المسكوكات العربية ما تعريبه ملخصا: ان أول
من أمر بضرب السكة الاسلامية هو الخليفة علي بالبصرة سنة ٤٠ من
الهجرة الموافقة لسنة ٦٦٠ مسيحية ثم أكمل الامر عبد الملك الخليفة سنة
٧٦ من الهجرة الموافقة لسنة ٦٩٥ مسيحية اه ويأتي في سيرة الباقر ع
خبر ضرب السكة في عهد عبد الملك بن مروان.
مؤلفات أمير المؤمنين ع
قد ذكرناها مفصلة في الجزء الأول في المقدمات عدى الأخيرين ونعيد
ذكرها هاهنا إجمالا لترتبط بسيرته ع.
١ جمع القرآن وتأويله أو جمعه على ترتيب النزول كما مر في
المقدمات.
٢ كتاب املى فيه ستين نوعا من أنواع علوم القرآن وذكر لكل نوع
مثالا يخصه وذكرنا في المقدمات سندنا إليه.
٣ الجامعة ٤ الجفر ٥ صحيفة الفرائض ٦ كتاب في زكاة
النعم ٧ كتاب في أبواب الفقه ٨ كتاب آخر في الفقه ٩ عهده
للأشتر ١٠ وصيته لمحمد بن الحنفية ١١ كتاب عجائب احكامه
وقضاياه وقد جمعها جماعة من العلماء وجمعناها نحن في كتاب وأدرجنا فيه
كتاب عجائب احكامه رواية محمد بن علي بن إبراهيم بن هاشم القمي عن
أبيه عن جده مطبوع ١٢ ما اثر عنه من الأدعية والمناجاة جمعه بعض
العلماء وسماه الصحيفة العلوية ط ١٣ مسنده الذي جمعه النسائي
اي ما اثر عنه من الأحاديث والروايات. في كشف الظنون ما صورته:
مسند علي لأبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي المتوفي سنة ٣٠٣
اه وهو غير كتاب خصائص النسائي في فضل علي بن أبي طالب ع
الذي ذكر في كشف الظنون أيضا. والثلاثة الأخيرة انما يمكن عدها
من مؤلفاته بنوع من التوسع ١٤ جنة الأسماء. في كشف الظنون ما
صورته. جنة الأسماء للإمام علي بن أبي طالب شرحها الامام حجة الإسلام
محمد بن محمد الغزالي المتوفي سنة ٥٠٥ كذا وجدت في بعض الكتب
اه ولم يظهر ما هي جنة الأسماء هذه التي شرحها الغزالي وما هي جهة
نسبتها إلى أمير المؤمنين ع ولعله وقع تحريف في الكلام.
الكتب المجموعة من كلامه ع
مر في القسم الأول من هذا الجزء قول ابن أبي الحديد انه لم يدون
لأحد من فصحاء الصحابة العشر ولا نصف العشر مما دون له. وقد أشرنا
إلى أسماء ما اطلعنا عليه مما دون من كلامه في ج ٣ ق ١ ونعيد ذكرها هنا
باختصار وزيادة عما ذكر هناك ١ نهج البلاغة جمعه الشريف الرضي طبع
عدة مرات ٢ ما فات نهج البلاغة من كلامه جمعه الفاضل المعاصر
الشيخ هادي ابن الشيخ عباس ابن الشيخ حسن ابن الشيخ جعفر الفقيه
النجفي الشهير ط ٣ مائة كلمة جمع الجاحظ ط ٤ غرر الحكم ودرر
الكلم جمع عبد الواحد بن محمد بن عبد الواحد الآمدي التميمي جمعه من
حكمه القصيرة يقارب نهج البلاغة ودعاه إلى جمعه ما تبجج به الجاحظ في
جمعه المائة كلمة ط ٥ دستور معالم الحكم ط ٦ نثر اللآلئ جمع أبي
علي الفضل بن الحسن الطبرسي صاحب مجمع البيان ط ٧ كتاب
مطلوب كل طالب من كلام علي بن أبي طالب جمع أبي إسحاق الوطواط
الأنصاري فيه مائة من الحكم المنسوبة إليه طبع في لبسك وبولاق وترجم إلى
الفارسية والألمانية ٨ قلائد الحكم وفرائد الكلم جمع القاضي أبي يوسف
يعقوب بن سليمان الأسفرايني ٩ كتاب معميات علي ع
١٠ أمثال الإمام علي بن أبي طالب طبع الجوائب مرتب على حروف
المعجم ١١ ما جمعه المفيد في كتاب الارشاد من كلامه ع ١٢ ما
اشتمل عليه كتاب صفين لنصر بن مزاحم من خطبه وكتبه ١٣ ما
اشتمل عليه كتاب جواهر المطالب من كلامه إلى غير ذلك.
الكلام على نهج البلاغة
نهج البلاغة كتاب جمعه الشريف الرضي محمد بن أبي احمد الحسين
الهاشمي العلوي واختاره وانتخبه من كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب
ع وقال في خطبته رأيت كلامه ع يدور على أقطاب ثلاثة، أولها:
الخطب والأوامر، ثانيها: الكتب والرسائل، ثالثها: الحكم والمواعظ،
وقال في خطبته أيضا وفيه حاجة العالم والمتعلم وبغية البليغ والزاهد ويمضي
في أثنائه من عجيب الكلام في التوحيد والعدل وتنزيه الله سبحانه وتعالى
عن شبه الخلق ما هو بلال كل غلة وشفاء كل علة وجلاء كل شبهة
اه.
(٥٣٩)

ويمكن تقسيم محتويات هذا الكتاب إلى أقسام ١ الكلام في
التوحيد والعدل وصفات الباري تعالى وتنزيهه عن شبه الخلق ٢ الخطب
السياسية وخطب الحروب والتظلم ٣ الخطب الدينية في الوعظ
والترهيب والترغيب وذم الدنيا والأخلاقيات والوصايا ومدح العلم ٤
الوصايا ٥ الأدعية ٦ الملاحم ٧ الصفات كوصف الطاووس
والخفاش والنملة والجرادة ووصف الجنة وغيره ٨ الكتب والرسائل
٩ الحكم القصيرة والأمثال.
وهذا الكتاب قد حوى من نفائس الكلام ما استحق به ان يسمى
نهج البلاغة واشتهر في جميع الأقطار والأمصار والأعصار اشتهار الشمس في
رائعة النهار. وشرح نيفا وثلاثين شرحا من أعاظم العلماء، وأول من
شرحه علي بن الناصر المعاصر للشريف الرضي جامع النهج وآخر من شرحه
الشيخ محمد عبده مفتي الديار المصرية من أهل هذا العصر وهذا الكتاب
الذي هو من مفاخر العرب والاسلام مجموع من أماكن متبددة من كتب
العلماء كغيره من الكتب التي جمعت من كلام الفصحاء من الشعراء
والخطباء وغيرهم كديوان الحماسة الذي جمعه أبو تمام من مختارات الأشعار
وكتاب المفضليات للضبي وحماسة البحتري التي جمعها على نحو حماسة أبي
تمام وكتاب البيان والتبيين للجاحظ وغير ذلك من الكتب التي لا تحصى
المجموعة من كلام البلغاء نثرا ونظما ولم نجد أحدا قدح فيها أو في نسبتها
إلى أصحابها إلا شاذا قد يخطئون فيه المؤلف في نسبته شعرا أو كلاما لرجل
فيقولون قد روى فلان انه لغيره. ولكن نهج البلاغة تناوله جماعة
بالانكار، فقال بعضهم انه كله من كلام جامعه لا من كلام من نسب
إليه، وبعضهم أخطأ في اسم جامعه فنسبه إلى الشريف المرتضى أخي
الشريف الرضي وادعى انه من وضعه لا من كلام علي. وبعضهم تنازل
عن هذه الدعوى إلى ما هو أخف منها فقال: انه قد ادخل فيه ما ليس من
كلام علي ع. وبعضهم كالذهبي في ميزانه تجاوز الحد فادعى ان كلامه
ركيك وانه ليس من نفس القرشيين.
وإذا تأملنا بعين البصيرة والإنصاف وجدنا ان الباعث لهؤلاء على
انكار نهج البلاغة كله أو بعضه إنما هو اشتماله على ما يعدونه قدحا في
الصحابة المقدسين عن كل قدح كالذي اشتملت عليه الخطبة الشقشقية
وغيرها، واشتماله على ما يظهر منه التألم ممن تقدمه في الخلافة وإظهار انه
أحق بها منهم، هذا هو الباعث لهم على الإنكار لا أقل ولا أكثر. وقد
أوضح عن هذا المعنى أمير البيان الأمير شكيب ارسلان في كلام له في مجمع
من أفاضل دمشق المشهورين حين زارها بعد رجوعه من أوربا بعد الحرب
العامة الثانية فجرى ذكر نهج البلاغة فقال أحدهم انه موضوع على لسان
علي ووافقه الباقون والأمير شكيب ساكت فسألوه عن رأيه في ذلك فقال إذا
كان موضوعا فمن هو واضعه هل هو الشريف الرضي؟ قالوا نعم قال إن
الشريف الرضي لو قسم أربعين رجلا ما استطاع ان يأتي بخطبة واحدة
قصيرة من خطب نهج البلاغة أو جملة من جمله، نهج البلاغة من كلام أمير
المؤمنين علي بن أبي طالب دون شك أو ريب ولكن الذي أوجب الشك فيه
اشتماله على القدح في الصحابة الذين هم مقدسون في انظار الناس
اه.
ولما كان نهج البلاغة له منه عليه شواهد وهو كسائر كلام علي كما قيل
عنه انه بعد كلام النبي ص فوق كلام المخلوق ودون كلام الخالق لا
يرتاب في ذلك إلا أمثال من يريد التشكيك في الشمس الضاحية وقد تشبث
جماعة من أهل هذا العصر بوجوه اقتبسوا أكثرها من أقوال بعض المستشرقين
ممن يهمهم التشكيك في كل اثر اسلامي.
منها إنه ليس فيه أسانيد. والجواب ان جامعه لما كان من
العلماء الثقات الخيرين وجب قبول قوله في أنه اخذ ما جمعه من كتب العلماء
المعتبرة ولم يكن قصده من جمعه ان تؤخذ منه الاحكام ومسائل الحلال
والحرام ليذكر أسانيده وإنما قصد جمع مختارات كلام له حظه في الفصاحة
والبلاغة والمضامين العالية لينتفع قراؤه بذلك. ولو علم الشريف الرضي
انه سيجئ زمان ينكر فيه بعض الناس ان نهج البلاغة من كلام علي
ويدعي فيه الركة وهو لا يعرف جامعه فينسبه إلى غيره لأجتهد في ذكر
أسانيده وذكر الكتب التي انتخبه منها كما أنه أشار إلى بعضها.
ومنها وجود كلمات فيه لم تتكلم بها العرب في الجاهلية ولا في
الاسلام حتى ترجمت كتب المنطق والفلسفة ووضع علم الأصول وذلك
كلفظة الكيفية وما اشتق منها بقوله في خطبة الأشباح لتجري في كيفية
صفاته وقوله فتكون في مهب فكرها مكيفا وبعد كون اللفظة عربية
والاشتقاق منها عربي لا يضر عدم اطلاع هؤلاء على وجودها في كلام
العرب في جاهلية أو اسلام ومتى أحاطوا بكلام العرب أو بما نقل في كتب
الأدب من كلام العرب وقد وجدت كلمة القسطاس وغيرها من الألفاظ
الغير العربية في القرآن المجيد ولم يعترض منكرو القرآن على القرآن بان فيه
كلمات غير عربية أو لم ترد في كلام العرب ومثل هذا الاعتراض انما يقوله
العاجز الذي لا يجد اعتراضا ويريد ان يتشبث بالأوهام. وكلفظ الخاص
والعام والمحكم والمتشابه والمجمل والمبين التي هي من مصطلح علم
الأصول الذي وضع في القرن الثاني وهي موجودة في الخطبة التي يذكر فيها
إبتداء خلق السماوات والأرض وآدم ومن البعيد ان يتفق لانسان سرد أسماء
متعددة موضوعة لمعان خاصة بها في علم خاص من غير أن يكون له اطلاع
على ذلك العلم ومعرفة بمواضعات أهله. وهذا الاعتراض كسابقه في أنه
اعتراض من يريد ان يعترض ولا يجد بابا للاعتراض فيتشبث بما ليس فيه
تشبثا فهذه الألفاظ عربية صحيحة ورد بعضها وهو المحكم والمتشابه في
القرآن الكريم في قوله تعالى في سورة آل عمران هو الذي أنزل عليك
الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب واخر متشابهات، والعام
والخاص والمجمل والمبين من الألفاظ الشائعة في كلام العرب الكثيرة
الاستعمال وقد وجد العموم والخصوص والاجمال والتبيين في القرآن
الكريم فإذا أراد علي ان يبين هذه المعاني الموجودة في القرآن عند كلامه على
القرآن فبأي لفظ يريد ان يعبر هل كان عليه ان يجتنب لفظ العموم
والخصوص والاجمال والتبيين لأنها ستوجد في مصطلح الأصوليين ما هذا إلا
تحكم، ولعل الأصوليين انما اخذوها من كلام علي وكلام غيره من العلماء
السابقين عليهم. وكلفظ أزل وأزلية بمعنى القدم فقد تكررت هذه
الكلمة في مواضع من نهج البلاغة وقد صرح أئمة اللغة ان قولهم أزلي وأزلية
مصنوع وليس من كلام العرب و تكلفوا لتخريجه وهذا أيضا كسابقيه
فقد نص الفيروزبادي في قاموسه وهو ما لا ينكر تبحره في اللغة وسعة
اطلاعه على أن الأزل عربي فقال ما لفظه: الأزل بالتحريك القدم وهو
أزلي أو أصله يزلي منسوب إلى لم يزل ثم أبدلت الياء ألفا للخفة كما قالوا في
الرمح المنسوب إلى ذي يزن أزني وفي الصحاح الأزل بالتحريك القدم
(٥٤٠)

يقال أزلي وذكر بعض أهل العلم ان أصل هذه الكلمة قولهم للقديم لم يزل
ثم نسب إلى هذا فلم يستقم إلا بالاختصار فقالوا يزلي ثم أبدلت الياء ألفا
لأنها أخف فقالوا أزلي كما يقال في الرمح المنسوب إلى دي يزن أزني
ونصل إثربي أي منسوب إلى يثرب وكيف كان فقد اعترف صاحب
القاموس بوجود أزل وأزلي في كلام العرب اما انه مأخوذ ومولد من لم
يزل كما حكي عن بعض أهل العلم أو مرتجل فامر لا يقدح في وجوده في
كلام العرب ولا يوجب الشك في نهج البلاغة إذا وجد فيه إلا ممن يريد ان
يتشبث بما لا تشبث فيه.
وكقوله في خطبة خلق السماء والأرض لشهادة كل صفة انها غير
الموصوف وشهادة كل موصوف انه غير الصفة فان هذا التعبير لم تعرفه
العرب قبل ان يوضع علم الكلام في العصر العباسي. وهذا أيضا كالأمور
السابقة فان العبارات لا حجر فيها على أحد وإذا وافقت كلمة من كلمات
نهج البلاغة تعبير أهل الكلام فليس لأحد ان يقدح في صحة نسبة نهج
البلاغة إلى علي بكونها موافقة لاصطلاح علماء الكلام إلا أن يريد ان يتعنت
ويتعسف ولعل أهل علم الكلام أخذوا هذه العبارة من كلام علي فبعد أن تكون
ألفاظها عربية فصيحة شائعة في استعمال العرب فلا حجر على أحد
في استعمالها ولا استبعاد في وجودها في نهج البلاغة ومن أين لنا ان نقول إن
هذا التعبير لم تعرفه العرب وهو عربي فصيح ومفرداته شائعة في كلام العرب
كثيرة الدوران على ألسنتهم.
ومنها وجود كلمات مخالفة لقواعد اللغة والفصيح المشهور منها
مثل كلمة معلول في قوله وكل خوف محقق الا خوف الله فإنه معلول
وقوله وكل قائم في سواه معلول ولم ترد هذه الكلمة في كلام صحيح إذ
يقال على يعل بالبناء للفاعل فهو عليل واعله الله فهو معل. ولكن
صاحب الصحاح نص على صحة استعمال على بالبناء للمفعول فهو
معلول فقال وعلى الشئ فهو معلول اما صاحب القاموس فإنه قال
عل يعل واعتل واعله الله تعالى فهو معل وعليل ولا تقل معلول
والمتكلمون يقولونها ولست منه على ثلج. وفي تاج العروس استعمل أبو إسحاق
لفظ المعلول في العروض وقال في شرح قوله ولست منه على ثلج لأن
المعروف انما هو اعله الله فهو معل إلا أن يكون على ما ذهب إليه سيبويه
من قولهم مجنون ومسلول. فقد ظهر ان لفظ معلول عربي نص عليه
صاحب الصحاح وكفى به إماما في علم اللغة وكون الفيروزبادي ليس منه
على ثقة لا يوجب عدم صحته مع كون صاحب الصحاح منه على ثقة
والقياس يقتضيه باقتضائه جواز ان يقال على بالبناء للمعقول كحم وجن
وكفى دليلا وجوده في كلام علي فبدلا ان يستدل بهذه اللفظة على عدم
صحة نهج البلاغة لورودها فيه يجب ان يستدل على صحتها بوجودها في
نهج البلاغة.
ومنها استعمال التقى به والعرب تقول التقى الرجلان. وإذا كانت
العرب تقول التقى الرجلان فما ذا يقول الرجل إذا أراد ان يخبر انه التقى
مع رجل آخر هل له عبارة الا أن يقول التقيت به والتضمين في كلام العرب
شائع فلا مانع من أن يضمن التقى معنى اجتمع فيقال التقى به كما يقال
اجتمع به وعدم نص أهل اللغة على ذلك لا يجعله غير صحيح فكم فات
أهل اللغة من الاستعمالات الصحيحة العربية ونرى العرب يقولون علمته
وعلمت به فيعدون علم بالباء مع أنه متعد بنفسه.
ومنها وجود كلمات مولدة مثل تلاشت في قوله وما تلاشت
عنه بروق الغمام وكلمة تلاشى مولدة لم ترد في كلام صحيح للمتقدمين.
وكون كلمة تلاشى مولدة عن لا شئ لا يمنع من استعمالها في كلام
المتقدمين من فصحاء العرب وعدم العثور عليها في كلامهم لا يوجب
انتفاءها فعدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود.
ومنها وجود الغيرية والابعاض وهما بكلام المناطقة والمتكلمين
أشبه. فاما الغيرية فهي نسبة إلى غير والنسب قياسية واما الابعاض فهي
جمع بعض بنص الجوهري والفيروز آبادي ودخول الألف واللام عليها لا
مانع منه حتى لو سلمنا عدم جواز دخولها على مفردها كما يقوله بعضهم مع أنه
غير مسلم فدخولها على الجمع لا مانع منه لأنه نكرة ووجودها في كلام
المناطقة والمتكلمين لا يمنع من وجودها في الكلام العربي الفصيح ولعل
المناطقة والمتكلمين انما اخذوها من كلام العرب الفصيح.
ومنها وجود مبالغة في الوصف كقوله في وصف النملة لا تكاد تنال
بلحظ البصر ولا بمستدرك الفكر، وفي وصف الطاووس: فكيف تصل إلى
هذا عمائق الفطن أو تبلغه قرائح العقول أو ننتظم وصفه أقوال الواصفين
وأقل اجزائه قد أعجز الأوهام ان تدركه والألسنة ان تصفه، وهذا بأسلوب
أهل الخيال من الشعراء والكتاب أشبه منه بأسلوب العلماء أهل الورع في
تقرير الأدلة على قدرة الخالق وابداع صنعته. والمبالغة قد جاءت في القرآن
الكريم في قوله تعالى أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج
من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا اخرج يده لم يكد يراها ومن
لم يجعل الله له نورا فما له من نور سورة النور آية ٣٩ وقوله تعالى أ لم
تر ان الله يزجي سحابا إلى قوله وينزل من السماء من جبال فيها من
برد إلى قوله يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار سورة النور آية ٤٣
وقوله تعالى أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق يجعلون
أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت يكاد البرق يخطف أبصارهم
سورة البقرة آية ٣٣ والمبالغة المعتدلة هي من أقسام البلاغة فلا مانع من
وجودها في أقوال العلماء أهل الورع في تقرير الأدلة على اي شئ كان.
ومنها ان فيه ما ينافي زهده في الدنيا كتلهفه على الخلافة مما
تضمنته الخطبة الشقشقية والجواب ان ذلك لا ينافي الزهد بوجه من
الوجوه وإذا كان يرى أن الخلافة حق له وفرض ديني واجب عليه فلا جرم
ان يتألم ويتلهف من منعه إياه.
ومنها بعض الجمل المشتملة على اللعن أو الذم كقوله لابن عباس
لا تلقين طلحة فإنك ان تلقه تجده كالثور عاقصا قرنه وقوله للأشعث بن
قيس عليك لعنة اللاعنين حائك ابن حائك ومنافق ابن كافر وكقوله
للمغيرة بن الأخنس يا ابن اللعين الأبتر وقوله من كتاب إلى عمرو بن
العاص فطلبت فضله اتباع الكلب للضرغام وكقوله من كتاب إلى
عثمان بن حنيف وسأجهد في أن أطهر الأرض من هذا الشخص
المعكوس والجسم المركوس. والجواب ان تعبيره عن طلحة بذلك يراد به
الشدة ولم يكن هذا التعبير يعد فحشا في ذلك العصر على أنه إذا ذم من نكث
عهده وخرج لحربه ولو استطاع قتله لقتله لم يكن في ذلك استغراب. واما
الأشعث فقد كان منافقا وعدوا لأمير المؤمنين وكان يفسد عليه أموره فلا غرو
ان قال له ذلك. وكذلك المغيرة بن الأخنس واجهه بكلام ولا يواجه به مثله
من قوله انا أكفيك. وكتابه إلى عمرو بن العاص هو دون ما يستحق وكذلك
كتابه إلى عثمان بن حنيف هو دون ما يستحقه من قيل فيه ذلك.
(٥٤١)

ومنها اخباره عن كثير من أمور الغيب. ولكنه ع يقول:
ليس هو بعلم بغيب وانما هو تعلم من ذي علم.
ومنها ان فيه ما يصادم أحكام الشريعة كقوله عن النساء لا
تطيعوهن في المعروف حتى لا يطمعن في المنكر فان النهي عن إطاعتهن في
المعروف لا يلائم أحكام الشريعة والجواب ان المراد بذلك ليس النهي
عن فعل المعروف الذي تأمر به النساء بل النهي عن اظهار ان فعله بسبب
إطاعتهن حتى لا يطمعن في المنكر ويظهر منهن الغضب عند عدم إطاعتهن
فيه فيقع الرجال في المشقة فإذا أيسن من إطاعتهن استراح الرجال من مشقة
مخالفتهن. وضعف آرائهن ظاهر لا يحتاج إلى البرهان. وكقوله عن الباري
تعالى يقول لما أراد كونه كون فيكون لا بصوت يقرع ولا بنداء يسمع وانما
كلامه سبحانه فعل منه انشاه ومثله لم يكن من قبل ذلك كائنا ولو كان قديما
لكان إلها ثانيا وهذا من أدلة المعتزلة على مذهبهم في الصفات والجواب
ان الكلام في الصفات وانها قديمة مغايرة للذات أو غير مغايرة هو من مسائل
الكلام الدقيقة المعضلة التي وقع فيها الخلاف بين الامامية والمعتزلة من
جانب والأشاعرة من جانب فإذا وافق كلام أمير المؤمنين أحد المذهبين ليس
لنا ان نجزم بأنه ليس كلامه لأجل تلك الموافقة لان المسألة من المسائل
النظرية الدقيقة لا من المسائل البديهية. ودعوى قوم ان الحق معهم فيها لا
تجعلها كذلك واقعا.
ومنها ان فيه كثيرا من امتداح نفسه كقوله سلوني قبل ان
تفقدوني وأمثال ذلك والجواب ان مدح النفس قد وقع من الرسول ص
فقال أنا أفصح من نطق بالضاد، وأنا سيد ولد آدم وامتداح النفس
لغرض صحيح ليس فيه ما يعاب. مع أنه مروي في أسد الغابة.
ومنها ان فيه كثيرا من كلام النبي ص ولسنا ندري اي مانع من
موافقة بعض كلامه لكلام النبي ص من باب توارد الخواطر خصوصا في
المعاني المطروقة. وقد وقع توارد الخاطر كثيرا بين الخطباء والشعراء وهو قد
ربي في حجر النبي ص وطبع بطابعه فلا غرو ان اتى على بعض آرائه
ومعتقداته في الحياة.
ومنها ان في كلامه كثيرا من كلام عمر بن الخطاب. وهذا
كسابقه. مع أن المظنون ان لم يكن المتقين انه نسب إلى عمر كثير مما اثر
عن علي.
ومنها ان في كلامه كلاما مرويا لابن المقفع في رسائل البلغاء.
وموافقة كلام ابن المقفع لكلامه ترشدنا إلى أن ابن المقفع اخذ من كلام علي
ولا توجب الشك في نسبة الكلام إلى علي.
ومنها اختلاف بعض النسخ بالزيادة والنقصان وان النهج الذي
بين أيدينا لم يصل إلينا كما جمعه جامعه بل تضخم بالزيادات على توالي
الأيام بعد وفاة الرضي والمرتضى بل بعد وفاة شارحه ابن أبي الحديد ٦٥٤
إذ ان في النسخة التي علق عليها الشيخ محمد عبده المطبوعة في بيروت نحو
خمسين صفحة في الجزء الأول من ص ٣٧٧ ٤٣٣ لم يروها ابن أبي الحديد
فيما شرحه ونحن راجعنا النسخة المطبوعة في بيروت التي علق عليها الشيخ
محمد عبده فوجدنا آخر الجزء الأول منه ص ٢٥٨ وآخر الجزء الثاني ص
١٥٠ فأين هي الخمسون صفحة التي علق عليها الشيخ محمد عبده ولم
يروها ابن أبي الحديد وهي تبلغ نحو خمس الجزء الأول فلا شك انه وقع
اشتباه من هذا الناقد بنى عليه نقده فهو خطا مبني على خطا ونسخ نهج
البلاغة المخطوطة والمطبوعة في إيران ودمشق وغيرهما وشروحه المطبوعة
والمخطوطة كلها متحدة ليس بينها تفاوت وقد مضى على جمعه مئات السنين
وانتشرت نسخه في الأقطار وكتب بالخطوط الفاخرة ورواه العلماء عن
شيوخهم بالأسانيد العديدة شأن كثير من الكتب المؤلفة ولم نجد أحدا ادعى
وقوع زيادة أو نقصان في نسخه وذلك مما تقضي العادة بعثور العلماء على
تلك الزيادة وتنبيههم عليها لو كانت وهل من الممكن ان يطلع الشيخ محمد
عبده على نسخة من نهج البلاغة فيها زيادة ٥٦ صفحة عما في أيدي الناس
ولا يطلع عليها أحد من العلماء في أكثر من ألف سنة وأين عثر الشيخ
محمد عبده على هذه النسخة ولو كان عثر على نسخة مخطوطة نادرة لقابلها
أقله بنسخة من النسخ المطبوعة ولعثر على تلك الزيادة فيها ونبه عليها فان
ذلك من أهم ما ينبه عليه كلا فالشيخ محمد عبده لم يأخذ الا نسخة من
النسخ المطبوعة وعلق عليها وطبعها ولكن هذا الناقد تسرع بما قال فأخطأ
وأحوجنا إلى تصحيح خطئه بما كنا في غنى عنه.
وهناك أشياء أخرى تشبث بها المشككون في نهج البلاغة من أهل هذا
العصر لا تستحق الذكر ولا تستحق الجواب ولكننا نذكرها لدفع الوهم.
مثل ان أكثر الأحاديث النبوية رويت بالمعنى فكيف بكلام الامام.
فكون أكثر الأحاديث النبوية رويت بالمعنى لم يقل به أحد وإذا جاز رواية
الحديث بالمعنى لأنه ليس المقصود فصاحته وبلاغته بل ما تضمنه من حكم
شرعي أو غيره فلا يجوز رواية الخطب والكتب وسائر الكلام الذي يراد منه
زيادة على معانيه فصاحته وبلاغته. وإذا شكك هذا الرجل في كلام النهج
لاحتمال ان يكون روي بالمعنى فليشكك في خطب النبي ص وفي كل خطبة
وكلام نسب إلى الفصحاء من العرب لاحتمال ان يكون روي بالمعنى وهذا
ما لا يلتزمه ذو معرفة.
ومثل ان النزعات المذهبية والاغراض السياسية لا تتحرج من الوضع
والدس. فالنزعات المذهبية والاغراض السياسية لا تجوز الوضع والدس فما
رواه ثقات العلماء لا يسوع لاحد ان يشكك فيه لموافقته لغرض سياسي أو
نزعة مذهبية فان ذلك لا يكون الا من غير الثقات.
ومثل ان جامع الكتاب نفسه يقول في المقدمة ما يشعر بعدم القطع
بصحة ما جمعه قال وربما جاء في أثناء هذا الاختيار اللفظ المردد والمعنى
المكرر والعذر في ذلك ان روايات كلامه تختلف اختلافا شديدا وهذا
الكلام ليس معناه تشكيك جامعه فيما جمعه بل إنه يقول إن روايات كلامه
في المعنى الواحد تختلف اختلافا شديدا فيروي فيه بعض كلاما لم يروه
الآخر وهذا لا يمنع ان يكون كلا الكلامين صحيحا قد قاله الامام مرارا
فاختلفت بعض عباراته وتكررت معانيه بل ذلك دليل على شدة ورع جامعه
بابدائه العذر في جمع كلام مكرر المعنى مختلف العبارة ونحن نرى مثل ذلك
موجودا في كلام النبي ص وفي كلام سائر البلغاء فإذا اختلفت الرواية فيه لا
يوجب ذلك الشك في صحته وقد وقع الاختلاف في الرواية في بعض
الأحاديث الصحيحة النبوية.
وانه ليس فيه كلام الا بعد قتل عثمان. وهذا غير صحيح إذ فيه من
الكلام الكثير الذي قاله قبل مقتل عثمان وكثير من الكلام الذي لا يعلم
تاريخه.
(٥٤٢)

واستعمال لفظة لأن وهي لم ترد في القرآن ولا في كلام فصيح.
فالقرآن لم يجمع جميع كلمات العرب فهل فيه الحوذان والنفل والجنوب
والشمال والقرنقل وحينئذ وساعتئذ وحتام وحتى متى ونعم وأجل وغيرها
حتى من الكلمات الكثيرة الدوران ومن أين لنا ان نجزم بان لفظة لأن لم
ترد في كلام فصيح ومن الذي أحاط علما بجميع الكلام الفصيح. على انها
وردت في حديث نبوي رواه الطبراني والحاكم وصححه السيوطي أحب
العرب لثلاث لاني عربي الخ ووردت في قول الشاعر الذي استشهد
النحويون بشعره مع قلب الهمزة هاء:
- لهنك سمح ذا يسار ومعدما * كما قد ألفت الحلم مرض ومغضبا -
وكثرة ما فيه من التزويق والصنعة. وهذا ان لم يدل على الصحة لم
يدل على البطلان فهو كاشف عن مزيد القدرة على صوع الكلام.
واشتماله على التقسيم العددي مثل الايمان على أربع دعائم. فمن
الغريب ان يعد ذلك من موجبات الشك فيه فالتقسيم العددي يعرفه
ويحتاجه كل خطيب وبليغ وقد وجد في الحديث النبوي نظير ذلك بني
الاسلام على خمس دعائم كما في الجامع الصغير للسيوطي وشرحه
للعزيزي.
وكدقة ما فيه من الوصف واحاطته بصفات الموصوف كما في خطبة
الخفاش والطاووس مع أنهما شائعان في كلام العرب في الجاهلية والاسلام
وموجودان في وصف أم معبد الخزاعية النبي ص فوجودهما في النهج أقوى
دليل على بلاغته فهو أولي بان يجعل دليلا على الصحة من أن يجعل دليلا
على عدمها:
- إذا محاسني اللاتي أدل بها * عدت ذنوبا فقل لي كيف اعتذر -
وكاشتماله على مباحث تتعلق بعلم الطبيعة. ولم يبينوا ما هي هذه
المباحث، ولما يفترض جهل علي بها.
ومن الغريب ما حكاه بعض أهل العصر ممن يروق لهم الاستشهاد
بكلام الغربيين صحيحه وسقيمه عن الأستاذ المستشرق المسيو ماسينيون
الفرنسوي انه مع اعتقاده بان نهج البلاغة من كلام علي وانه لا يمكن ان
يكون من وضع الشريف الرضي لأسباب ذكرها. فهو يعتقد ان الكتب
التي اخذ عنها الشريف الرضي هي كتب الزيدية لا الامامية لأسباب أهمها
ان الامامية لا يعترفون بخلافة الشيخين بعكس الزيدية الذين يقولون
بصحة خلافتهما وإن كان علي أحق منهما بتولي أمور المسلمين فالزيدية إذن
واسطة تفاهم وتوفيق بين السنيين والشيعيين لذلك كانوا يعتنون بجمع كلام
علي ونشره بين الناس وكان غرضهم من هذا الجمع ليس كغرض المؤرخين
بل إن عليا كان بنظرهم مثلا أعلى يجب ان يحتذي وصاحب أخلاق سامية
يجب ان تخلد وطريقه في الحكم والادارة وحل المشاكل يجب ان تعرف وما
كان مثل هذه الحاجة يعرض للشيعيين لان كتاب هؤلاء هو امامهم الذي
يعيش في عصرهم لذلك لما اضطر الشيعة إلى جمع كلام علي نقلوا عن كتب
الزيدية اه وهو اعتقاد فاسد فان عليا إذا كان بنظر الزيدية مثلا أعلى
يجب ان يقتدى به وصاحب أخلاق سامية يجب ان تخلد وطريقه في الحكم
والادارة يجب ان تعرف فهو عند الشيعة الإمامية لا ينقص عن ذلك بل
يزيد وان الشيعة الإمامية تعتقد ان قوله وفعله وتقريره حجة. وتعليله ذلك
بان كتاب الامامية هو امامهم الذي يعيش في عصرهم قد أخطأ فيه
فالامامية لا فرق عندهم بين امامهم الذي يعيش في عصرهم وغيره في أن
كلام الجميع وفعلهم وتقريرهم حجة وإن كان علي أفضلهم. والزيدية وان
قال البترية منهم بامامة الشيخين الا ان الباقين والبترية بعد الشيخين
يشترطون في الامام ان يكون من ولد علي وفاطمة ولا فرق بينهم من هذه
الجهة وبين الامامية. فقد تعاطى الأستاذ ماسينيون في ذلك ما ليس من
صنعته وما لم تصل إليه معلوماته.
وتساءل الأستاذ ماسينيون فيما حكاه عنه هذا البعض عن الشئ
الذي كان يقود الشريف الرضي في اختياره لنصوص النهج أ هو الذوق
الأدبي أم النزعة الامامية وزعم أن النزعة الامامية كان لها اثرها في اختيار
قطع النهج بدليل وجود خطب أخرى تنسب لعلي كانت معروفة قبل عصر
الرضي ولم تدخل في الكتاب لمخالفتها لعقيدة الامامية بل ربما دخل في النهج
كلام ليس لعلي بتأثير هذه النزعة وتصرف ببعض الخطب وحذف وقصر فيها
وضمنت بعض الحشو. ولكن كل هذا لم يمنعه من الاعتراف بان كلام علي
ظل في الكتاب محترما لم يمس. وهذا أيضا غير صواب فالذي كان يقود
الشريف في اختياره لنصوص النهج هو الذوق الأدبي والبلاغة والفصاحة لا
النزعة الامامية كما توهم واستدلاله بوجود خطب تنسب لعلي قبل عصر
الرضي لم تدخل في الكتاب لمخالفتها للعقيدة الامامية غير صحيح أولا
لجواز ان يكون الرضي لم يطلع عليها فلا يطلع على جميع الأمور الا علام
الغيوب ثانيا لعل تلك الخطب التي لم يذكرها مما لم يقع عليه اختياره فإنه
لا يذكر كلما وجده من كلام أمير المؤمنين ع بل ينتخبه انتخابا واما
قوله بل ربما دخل في النهج الخ فلعله يشير به إلى ما اشتملت عليه الخطبة
الشقشقية وغيره مما أجبنا عنه واما الحذف من الخطب فقد بين الرضي
انه لا ينقل جميع كلامه بل ينتخبه انتخابا ومن كان دأبه كذلك لا بد له من
التصرف بحذف البعض. واما الحشو الذي يزعمه فكان عليه ان يبينه فانا
لا نرى في نهج البلاغة شيئا من هذا الحشو المزعوم.
الخطبة الشقشقية
سميت بذلك لان عليا ع لما وصل إلى آخر الموجود منها قام إليه
رجل من أهل السواد فناوله كتابا فاقبل ينظر فيه فقال له ابن عباس يا أمير
المؤمنين لو اطردت خطبتك من حيث أفضيت فقال هيهات يا ابن عباس
تلك شقشقة هدرت ثم قرت.
فهذه الخطبة بسبب اشتمالها على تظلم علي ع ممن قبله في أمر
الخلافة وعلى انه كان أحق بالخلافة منهم أنكرها جماعة من الناس وزعموا
انها من كلام الرضي. دسها في نهج البلاغة ونحلها عليا ع وليس لهم
مستند في ذلك الا اشتمالها على ما ذكرناه فهو يقول فيها اما والله لقد
تقمصها ابن أبي قحافة وانه ليعلم ان محلي منها اي الخلافة محل القطب
من الرحى فسدلت دونها ثوبا وطويت عنها كشحا وطفقت أرتأي بين ان
أصول بيد جذاء أو أصبر على طخية عمياء يهرم فيها الكبير ويشيب فيها
الصغير ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربه فرأيت أن الصبر على هاتا أحجى
فصبرت وفي العين قذى وفي الحلق شجى ارى تراثي نهبا حتى مضى الأول
لسبيله فأدلى بها إلى ابن الخطاب بعده ثم تمثل بقول الأعشى:
- شتان ما يومي على كورها * ويوم حيان أخي جابر -
فيا عجبا بينا هو يستقيلها في حياته إذ عقدها لآخر بعد وفاته لشد ما
(٥٤٣)

تشطرا ضرعيها فصبرت على طول المدة وشدة المحنة حتى إذا مضى لسبيله
جعلها في جماعة زعم اني أحدهم فيا لله وللشورى متى اعترض الريب في مع
الأول منهم حتى صرت أقرن إلى هذه النظائر فصغى رجل منهم لضغينه
ومال الآخر لصهره (١) إلى أن قام ثالث القوم نافجا حضنيه بين نثيله ومعتلفه
وقام معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضمة الإبل نبتة الربيع إلى أن انتكث
فتله واجهز عليه عمله وكبت به بطنته فلما نهضت بالامر نكثت طائفة
ومرقت أخرى وقسط آخرون (٢) كأنهم لم يسمعوا كلام الله حيث يقول
تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا
والعاقبة للمتقين بلى والله لقد سمعوها ووعوها ولكنهم حليت الدنيا في
أعينهم وراقهم زبرجها.
والمتأمل في هذه الخطبة يعلم أنها من كلام علي ع وانه لا فرق
بينها وبين سائر كلامه وخطبه في أسلوبها وبلاغتها وانها لا تفترق عن سائر
كلامه بشئ وان الذي دعاهم إلى أن يقولوا انها منحولة انها لا تتوافق مع
بعض ميولهم المذهبية ولكن هذا لا يوجب الشك فيها بعد ان رواها الثقات
عن علي ع وكانت في بلاغتها وفصاحتها لا تفترق عن شئ من كلامه
والميول المذهبية لا تصلح سندا لانكار شئ علم ثبوته فما فيها ذكر الجاحظ
نظيره في البيان والتبيين ج ٢ ص ٣٨ من ضمن خطبة لعلي يقول فيها:
سبق الرجلان وقام الثالث كالغراب همته بطنه ويحه لو قص جناحاه وقطع
رأسه لكان خيرا له. قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: حدثني
شيخي أبو الخير مصدق بن شبيب الواسطي سنة ٦٠٣ قال قرأت على
الشيخ أبي محمد عبد الله بن أحمد المعروف بابن الخشاب هذه الخطبة وقلت
له أ تقول انها منحولة فقال لا والله واني لأعلم انها كلامه كما اعلم انك
مصدق، فقلت له ان كثيرا من الناس يقولون انها من كلام الرضي فقال ما
للرضي ولغير الرضي هذا النفس وهذا الأسلوب قد وقفنا على رسائل
الرضي وعرفنا طريقته وفنه في الكلام المنثور وما يقع مع هذا الكلام في خل
ولا خمر، ثم قال والله لقد وقفت على هذه الخطبة في كتب صنفت قبل ان
يخلق الرضي بمائتي سنة ولقد وجدتها مسطورة بخطوط أعرفها وأعرف
خطوط من هو من العلماء وأهل الأدب قبل ان يخلق النقيب أبو أحمد والد
الرضي. قال ابن أبي الحديد: وقد وجدت انا كثيرا من هذه الخطبة في
تصانيف شيخنا أبي القاسم البلخي امام البغداديين من المعتزلة وكان في
دولة المقتدر قبل ان يخلق الرضي بمدة طويلة، ووجدت أيضا كثيرا منها في
كتاب أبي جعفر بن قبه أحد متكلمي الإمامية وهو الكتاب المشهور المعروف
بكتاب الإنصاف وكان أبو جعفر هذا من تلامذة الشيخ أبي القاسم البلخي
ومات في ذلك العصر قبل ان يكون الرضي موجودا اه.
والخلاصة ان اشتمال هذه الخطبة على ما لا يتلاءم مع بعض الميول
المذهبية هو الذي دعا إلى انكارها بل إلى انكار نهج البلاغة كله من اجلها،
وقد ظهر مما ذكرنا أن هذا الإنكار بغير محله وان نهج البلاغة له منه عليه
شواهد، وان الشريف الرضي مهما بلغت بلاغته وفصاحته ليس له قدرة
على أن يأتي بخطبة واحدة من خطب نهج البلاغة وكتاب رسائله موجود
وجملة منه منقولة في كتب الأدب وهي كما قال ابن الخشاب ليست من
كلام نهج البلاغة في خل ولا خمر وهي لا تتناسب معه في شئ. يعرف يعرف ذلك كل ناظر فيه وفيها.
شروح نهج البلاغة
شرحه أعاظم العلماء والأدباء من عصر جامعه إلى اليوم شروحا
كثيرة، قال العالم الكبير الشهير الشيخ محمد عبده مفتي الديار المصرية في
مقدمة شرحه على النهج وقد عني جماعة من أجلة العلماء بشرحه وأطال كل
منهم في بيان ما انطوى عليه من الاسرار اه. وذكر الفاضل المتتبع
المعاصر الميرزا حسين بن محمد تقي النوري في خاتمة مستدركات الوسائل منها
٣١ شرحا ونحن قد وقفنا من أسماء شروحه على ٣٧ شرحا فنذكر أولا ما
ذكره هو ثم ما عثرنا عليه زيادة على ما ذكره.
١ شرح أبي الحسن البيهقي علي بن زيد الشهير بفريد خراسان
وهو أول من شرحه بعد علي بن الناصر الآتي ٢ شرح الامام فخر الدين
الزاري صاحب التفسير الا انه لم يتم صرح بذلك الوزير جمال الدين
القفطي في تاريخ الحكماء ٣ منهاج البراعة للقطب الراوندي سعيد بن
هبة الله بن الحسن الفقيه في مجلدين ٤ شرح القاضي عبد الجبار المردد بين
ثلاثة لا يعلم أيهم هو الا انه قريب العصر من الشيخ الطوسي ٥ شرح
الامام أفضل الدين الحسن بن علي بن أحمد المهابادي شيخ منتجب الدين
صاحب الفهرست ٦ المعراج لرجل مجهول أشار إليه الكيدري في كلامه
الآتي ٧ شرح لأبي الحسين محمد بن الحسين بن الحسن البيهقي
الكندري أو الكيذري (٣) فرع منه سنة ٥٧٦ وقال في أوله انه استمد من
كتابي المنهاج والمعراج المقدم ذكرهما فالمنهاج للراوندي والمعراج لا يعرف
مؤلفه. قال الفاضل النوري المقدم ذكره وصاحب كشف الحجب فيما
حكي عنه ان اسم هذا الشرح الاصباح ولكن الموجود في رجال بحر العلوم
ان قطب الدين الكيدري له الاصباح في الفقه وشرح نهج البلاغة وفي الذريعة
ان شرحه على النهج اسمه حدائق الحقائق ولكنه في مقام آخر نسب
حدائق الحقائق للسيد علاء الدين محمد بن أبي تراب الأصفهاني من سادات
كلستانه وان له بهجة الحدائق مختصر من هذا الشرح وحينئذ فيكون تسمية
شرحه بالاصباح من سهو القلم. قال الفاضل النوري: وهذه الشروح
كلها قبل شرح ابن أبي الحديد بزمان طويل ومع ذلك يقول إنه لم يشرح
هذا الكتاب قبلي فيما اعلم الا القطب الراوندي أقول واسبق من الجميع
شرح علي بن الناصر المعاصر للشريف الرضي كما يأتي ٨ شرح عبد
الحميد بن أبي الحديد المعتزلي طبع مرتين في إيران ومرة في مصر ٩
مختصر شرح ابن أبي الحديد للمولى سلطان محمود بن غلام علي الطبسي ثم
المشهدي القاضي في المشهد الرضوي ١٠ شرح الشيخ كمال الدين ميثم
البحراني الكبير يقارب شرح ابن أبي الحديد مطبوع بإيران ١١ شرحه
المتوسط ١٢ شرحه الصغير ١٣ شرح كمال الدين عبد الرحمن بن
محمد بن إبراهيم العتائقي الحلي من علماء المائة الثامنة في أربع مجلدات اختاره
من شرح ابن ميثم الكبير وشروح الكندري والقاضي عبد الجبار وابن أبي

(١) قال ابن أبي الحديد: فصغي رجل منهم لضغينه يعني طلحة لأنه تيمي وقد كان حصل في
نفوس بني هاشم على بني تيم حقد شديد لأجل الخلافة وكذلك صار في نفوس بني تيم على
بني هاشم. واما قوله ومال الآخر لصهره فإنه يعني عبد الرحمن بن عوف مال إلى عثمان لان
أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط كانت تحت ابن عبد الرحمن وهي أخت عثمان من امه.
(٢) نكثت طائفة يريد بهم أصحاب الجمل ومرقت أخرى يريد بهم معاوية وأصحابه وقسط
آخرون يريد بهم الخوارج.
(٣) الكندري بالنون نسبة إلى كندر كقنفذ حقق بحر العلوم في رجاله انه اسم أثلاث قرى
والمعروف الكيدري بالمثناة التحتية ولكن لا يوجد قرية تسمى كيدر بالدال المهملة انما يوجد
كيذر بالذال المعجمة.
(٥٤٤)

الحديد ١٤ منهج الفصاحة في شرح نهج البلاغة لجلال الدين الحسين بن
شرف الدين عبد الحق الأردبيلي المعروف بالإلاهي المتوفي سنة ٩٠٥ ألفه
للشاه إسماعيل الصفوي بالفارسية منه نسخة في خزانة أسعد أفندي
بالآستانة ١٥ تنبيه الغافلين وتذكرة العارفين لفتح الله بن شكر الله
القاشاني فارسي ١٦ شرح علي بن الحسن الزوارئي المفسر المعروف أستاذ
فتح الله المذكور فارسي هو أحسن الشروح الفارسية ١٧ شرح الشيخ
حسين بن شهاب الدين بن الحسين بن محمد بن الحسين بن الجنيدر العاملي
الكركي المتوفي سنة ١٠٧٧ عد في الأمل من كتبه شرح نهج البلاغة كبير
١٨ اعلام نهج البلاغة للسيد علي بن الناصر وهو معاصر للسيد الرضي
جامع النهج فإذا شرحه أقدم الشروح وعن كشف الحجب: وأوثقها وأتقنها
وأخصرها ١٩ أنوار الفصاحة واسرار البراعة لنظام الدين الجيلاني
فرع من بعض مجلداته سنة ١٠٥٣ ٢٠ شرح السيد ماجد البحراني.
في أمل الآمل: لم يتم ٢١ شرح السيد رضي الدين علي بن طاوس نسبه
إليه صاحب كشف الحجب ٢٢ شرح عبد الباقي الخطاط الصوفي التبريزي
المعاصر للشاه عباس الأول فارسي مبسوط كما في الرياض ٢٣ شرح
عز الدين الآملي شريك المحقق الشيخ علي الكركي في الدرس عند الشيخ
علي بن هلال الجزائري كما في الرياض ٢٤ حاشية عماد الدين علي
القاري الاسترآبادي ٢٥ شرح السيد نعمة الله الجزائري كما في رياض
العلماء ٢٦ شرح قال رأيته في مشهد الرضا ع وقد سقط من أوله
أوراق وهو مختصر لم اعرف مؤلفه لكن النسخة عتيقة جدا ٢٧ بهجة الحدائق
للسيد علاء الدين كلستانه وفي الذريعة بهجة الحدائق في شرح نهج البلاغة
هو الشرح الصغير والشرح الكبير يسمى حدائق الحقائق كلاهما للسيد
علاء الدين محمد بن أبي تراب من سادات كلستانه الأصفهاني المتوفي سنة
١١١٠ ومر انه نسب حدائق الحقائق إلى شخص آخر ٢٨ شرح آخر له
كبير الا إنه لم يتجاوز الخطبة الشقشقية الا يسيرا ٢٩ شرح السيد
عبد الله بن السيد رضا شبر الحسيني ٣٠ شرح آخر له ٣١ شرح الميرزا
إبراهيم الخوئي المعاصر، هذا ما ذكره العلامة النوري قال ولعل المسرح طرفه
في اكناف التراجم يقف على اضعاف ذلك. واما ما عثرنا عليه زيادة على
ذلك فهو ٣٢ التحفة العلية في شرح نهج البلاغة الحيدرية لأفصح
الدين محمد بن حبيب الله بن أحمد الحسني الحسيني توجد نسخته في النجف
بخط مؤلفه فرع منه ٢٩ صفر سنة ٨٨١ ذكره صاحب الذريعة ٣٣ شرح
المولى قوام الدين يوسف بن حسن الشهير بقاضي بغداد المتوفي سنة ٩٢٢
كما في كشف الظنون وذكر هذا الشرح أيضا صاحب شذرات الذهب ج ٨
ص ٨٥ ٣٤ شرح الشيخ إبراهيم البحراني نزيل كازرون المدفون فيها
ذكره السيد شهاب الدين التبريزي نزيل قم فيما كتبه إلينا ٣٥ شرح علي
المعروف بالحكيم الصوفي بالفارسية فرع منه سنة ١٠١٦ رأيت منه نسخة
بهمذان ولا يبعد ان يكون شرح الزوارئي المتقدم فقد قيل عن الزوارئي انه
يميل إلى التصوف ولعل الطبقة لا تنافيه فان فتح الله بن شكر الله القاشاني
تلميذ الزوارئي توفي سنة ٩٨٨ ٣٦ شرح السيد يحيى بن إبراهيم
ابن يحيى بن المهدي بن إبراهيم بن المهدي بن أحمد جحاف الحبوري اليماني
ذكره السيد محمد بن زبارة الحسني اليماني الصنعاني في ملحق البدر الطائع.
عهده للأشتر حين ولاه مصر
قال الشريف الرضي: وهو أطول عهد كتبه واجمعه للمحاسن اه
وقد احتوى على جميع ما يحتاج إليه الوالي بل كل أحد من الأمور الاجتماعية
وسياسة الرعية فلذلك أوردناه بطوله نقلا من نهج البلاغة فإنه كنز ثمين ومر
بعض الكلام عليه عند ذكر توليته الأشتر مصر وأوله:
بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أمر به عبد الله علي أمير المؤمنين
مالك بن الحارث الأشتر في عهده إليه حين ولاه مصر جباية خراجها وجهاد
عدوها واستصلاح أهلها وعمارة بلادها
ما وصاه به في ذات نفسه من التقوى
امره بتقوى الله وايثار طاعته واتباع ما أمر به في كتابه من فرائضه
وسننه التي لا يسعد أحد الا باتباعها ولا يشقى الا من جحودها واضاعتها
وان ينصر الله سبحانه بيده وقلبه ولسانه فإنه جل اسمه قد تكفل بنصر من
نصره واعزاز من أعزه وأمره ان يكسر من نفسه عند الشهوات وينزعها عند
الجمحات فان النفس امارة بالسوء الا ما رحم الله.
ترغيبه في حسن الذكر
ثم اعلم يا مالك اني قد وجهتك إلى بلاد قد جرت عليها دول قبلك
من عدل وجور وان الناس ينظرون من أمورك في مثل ما كنت تنظر فيه من
أمور الولاة قبلك ويقولون فيك ما كنت تقوله فيهم وانما يستدل على
الصالحين بما يجري الله لهم على ألسن عباده فليكن أحب الذخائر إليك
ذخيرة العمل الصالح فاملك هواك وشح بنفسك عما لا يحل لك فان الشح
بالنفس الإنصاف منها فيما أحبت أو كرهت.
امره بالرحمة والمحبة للرعية واللطف بهم والعفو عنهم
وأشعر قلبك الرحمة للرعية، والمحبة لهم، واللطف بهم، ولا
تكونن عليهم سبعا ضاريا تغتنم أكلهم فإنهم صنفان اما أخ لك في الدين
واما نظير لك في الخلق (١) يفرط منهم الزلل وتعرض لهم العلل ويؤتى على
أيديهم في العمد والخطا. فاعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب
وترضى ان يعطيك الله من عفوه وصفحه، فإنك فوقهم ووالي الأمر عليك
فوقك والله فوق من ولاك، وقد استكفاك امرهم وابتلاك بهم فلا تنصبن
نفسك لحرب له، فإنه لا يدمي لك بنقمته ولا غنى بك عن عفوه ورحمته
ولا تندمن على عفو، ولا تبجحن بعقوبة، ولا تسرعن إلى بادرة وجدت
عنها مندوحة، ولا تقولن اني مؤمر آمر فأطاع فان ذلك إدغال في القلب
ومنهكة للدين، وتقرب من الغير.
نهيه عن الكبر
وإذا أحدث لك ما أنت فيه من سلطانك أبهة أو مخيلة فانظر إلى عظم
ملك الله فوقك وقدرته منك على ما لا تقدر عليه من نفسك فان ذلك
يطامن إليك من طماحك ويكف عنك من غربك ويفئ إليك بما عزب
عنك من عقلك إياك ومساماة الله في عظمته والتشبه به في جبروته فان الله
يذل كل جبار ويهين كل مختال.
امره بالأنصاف ونهيه عن الظلم
انصف الله وانصف الناس من نفسك ومن خاصة أهلك ومن لك

(١) اي المسلم منهم أخوك في الدين وغير المسلم نظيرك في الخلق فتقتضي رقة الجنسية الرحمة له.
(٥٤٥)

هوى فيه من رعيتك فإنك ان لا تفعل تظلم. ومن ظلم عبدا لله كان الله
خصمه دون عباده ومن خاصمه الله ادحض حجته وكان لله حربا حتى ينزع
ويتوب. وليس شئ أدعى إلى تغيير نعمة الله وتعجيل نقمته من إقامة على
ظلم. فان الله يسمع دعوة المضطهدين وهو للظالمين بالمرصاد.
امره بتقديم رضى العامة مع العدل على رضى الخاصة
قال: وليكن أحب الأمور إليك أوسطها في الحق وأعمها في العدل
واجمعها لرضى الرعية. فان سخط العامة يجحف برضى الخاصة وان
سخط الخاصة يغتفر مع رضى العامة وليس أحد من الرعية أثقل على الوالي
مؤونة في الرخاء وأقل معونة له في البلاء وأكره للانصاف وأسال بالالحاف
وأقل شكرا عند الاعطاء وابطا عذرا عند المنع واضعف صبرا عند ملمات
الدهر من أهل الخاصة، وانما عمود الدين وجماع المسلمين والعدة للأعداء
العامة من الأمة، فليكن صفيك لهم وميلك معهم.
نهيه عن قبول قول النمام والواشي
وليكن أبعد رعيتك منك وأشنأهم عندك اطلبهم لمعايب الناس فان
في الناس عيوبا الوالي أحق من سترها، فلا تكشفن عما غاب عنك منها،
فإنما عليك تطهير ما ظهر لك والله يحكم على ما غاب عنك فاستر العورة ما
استطعت يستر الله منك ما تحب ستره من رعيتك اطلق عن الناس عقدة
كل حقد واقطع عنك سبب كل وتر وتغاب عن كل ما لا يصلح لك، ولا
تعجلن على تصديق ساع فان الساعي غاش وان تشبه بالناصحين.
نهيه عن استشارة البخيل والجبان والحريص.
ولا تدخلن في مشورتك بخيلا يعدل بك عن الفضل ويعدك الفقر،
ولا جبانا يضعفك عن الأمور، ولا حريصا يزين لك الشره بالجور فان
البخل والجبن والحرص غرائز شتى يجمعها سوء الظن بالله.
من الذي ينبغي ان يستوزره
ان شر وزرائك من كان قبلك للأشرار وزيرا، ومن شركهم في
الآثام فلا يكونن لك بطانة فإنهم أعوان آثمة واخوان ظلمة وأنت واجد
منهم خير الخلف ممن له مثل آرائهم ونفاذهم وليس عليه مثل آصارهم (١)
وأوزارهم وآثامهم ممن لم يعاون ظالما على ظلمه، ولا آثما على إثمه أولئك
أخف عليك مؤونة وأحسن لك معونة وأحنى عليك عطفا وأقل لغيرك ألفا،
فاتخذ أولئك خاصة لخلواتك وحفلاتك ثم ليكن آثرهم عندك أقولهم بمر الحق
لك وأقلهم مساعدة فيما يكون منك مما كره الله لأوليائه واقعا ذلك من هواك
حيث وقع.
من ينبغي ان يجالسهم
وألصق باهل الورع والصدق، ثم رضهم على أن لا يطروك ولا
يبجحوك بباطل لم تفعله فان كثرة الاطراء تحدث الزهو وتدني من العزة.
ايصاؤه بعدم التسوية بين المحسن والمسئ
ولا يكونن المحسن والمسئ عندك بمنزلة سواء، فان في ذلك تزهيدا
لأهل الاحسان في الاحسان وتدريبا لأهل الإساءة على الإساءة والزم كلا منهم
ما ألزم نفسه.
امره بالاحسان إلى الرعية
اعلم أنه ليس شئ بادعى إلى حسن ظن وال برعيته من احسانه
إليهم وتخفيف المؤنات عليهم، وترك استكراهه إياهم على ما ليس له
قبلهم، فليكن منك في ذلك أمر يجتمع لك به حسن الظن برعيتك فان
حسن الظن يقطع عنك نسبا طويلا فان أحق من حسن ظنك به لمن حسن
بلاؤك عنده، وان أحق من ساء ظنك به لمن ساء بلاؤك عنده.
امره باتباع السنة الصالحة
ولا تنقض سنة صالحة عمل بها صدور هذه الأمة واجتمعت بها
الألفة وصلحت عليها الرعية، ولا تحدثن سنة تضر بشئ من ماضي تلك
السنن فيكون الاجر لمن سنها والوزر عليك بما نقضتها.
امره بمدارسة العلماء والحكماء
وأكثر مدارسة العلماء ومناقشة الحكماء، في تثبيت ما صلح عليه أمر
بلادك وإقامة ما استقام به الناس قبلك.
تقسيمه الرعية إلى طبقات وبيان ما يجب لكل طبقة منهم
واعلم أن الرعية طبقات لا يصلح بعضها الا ببعض ولا غنى ببعضها
عن بعض فمنها جنود الله ومنها كتاب العامة والخاصة ومنها قضاة العدل ومنها
عمال الإنصاف والرفق ومنها أهل الجزية والخراج من أهل الذمة ومسلمة
الناس، ومنها التجار وأهل الصناعات ومنها الطبقة السفلى من ذوي
الحاجات والمسكنة. وكل قد سمى الله له سهمه ووضع على حده وفريضته
في كتابه أو سنة نبيه ص عهدا منه محفوظا فالجنود بإذن الله حصون الرعية
وزين الولاة وعز الدين وسبل الأمن وليس تقوم الرعية الا بهم. ثم لا قوام
للجنود الا بما يخرج الله لهم من الخراج الذي يقوون به على جهاد عدوهم
ويعتمدون عليه فيما يصلحهم ويكون من وراء حاجتهم ثم لا قوام لهذين
الصنفين الا بالصنف الثالث من القضاء والعمال والكتاب لما يحكمون من
المعاقد ويجمعون من المنافع ويأ تمنون عليه من خواص الأمور وعوامها ولا
قوام لهم جميعا الا بالتجار وذوي الصناعات فيما يجتمعون عليه من مرافقهم
ويقيمونه من أسواقهم ويكفونهم من الترفق بأيديهم مما لا يبلغه رفق
غيرهم. ثم الطبقة السفلى من أهل الحاجة والمسكنة الذين يحق رفدهم
ومعونتهم وفي الله لكل سعة ولكل على الوالي حق بقدر ما يصلحه.
امره بالاستعانة بالله لقضاء هذه الحقوق
وليس يخرج الوالي من حقيقة ما ألزمه الله تعالى من ذلك الا
بالاهتمام والاستعانة بالله وتوطين نفسه على لزوم الحق والصبر عليه فيما خف
عليه أو ثقل.
شروط امراء الجيوش
فول من جنودك انصحهم في نفسك لله ولرسوله وامامك وأنقاهم جيبا
وأفضلهم حلما ممن يبطئ عن الغضب ويستريح إلى العذر ويرأف بالضعفاء
وينبو على الأقوياء وممن لا يثيره العنف ولا يقعد به الضعف ثم ألصق
بذوي المروءات والأحساب وأهل البيوتات الصالحة والسوابق الحسنة ثم
أهل النجدة والشجاعة والسخاء والسماحة فإنهم جماع من الكرم وشعب
من العرف.

(١) الآصار بالمد جمع أصر بالكسر وهو الذنب
(٥٤٦)

تفقد أمور الجند وما يلزم عمله معهم
ثم تفقد من أمورهم ما يتفقد الوالدان من ولدهما ولا يتفاقمن في
نفسك شئ قويتهم به ولا تحقرن لطفا تعاهدتهم به وان قل فإنه داعية لهم
إلى بذل النصيحة لك وحسن الظن بك ولا تدع تفقد لطيف أمورهم اتكالا
على جسيمها فان لليسير من لطفك موضعا ينتفعون به وللجسيم موقعا لا
يستغنون عنه.
ما يلزم عمله مع رؤساء الجند
وليكن آثر رؤوس جندك عندك من واساهم في معونته. وأفضل
عليهم من جدته بما يسعهم من وراءهم من خلوف أهليهم حتى يكون همهم
هما واحدا في جهاد العدو فان عطفك عليهم يعطف قلوبهم عليك وان أفضل
قرة عين الولاة استقامة العدل في البلاد وظهور مودة الرعية وانه لا تظهر
مودتهم الا بسلامة صدورهم ولا تصح نصيحتهم الا بحيطتهم على ولاة
أمورهم وقلة استثقال دولهم وترك استبطاء انقطاع مدتهم فافسح في آمالهم
وواصل في حسن الثناء عليهم وتعديد ما أبلى ذوو البلاء منهم فان كثرة الذكر
لحسن أفعالهم تهز الشجاع وتحرض الناكل إن شاء الله تعالى ثم اعرف لكل
امرئ منهم ما أبلى ولا تضيفن بلاء امرئ إلى غيره ولا تقصرن به دون
غاية بلائه ولا يدعونك شرف امرئ إلى أن تعظم من بلائه ما كان صغيرا
ولا ضعة امرئ إلى أن تصغر من بلائه ما كان عظيما.
امره بالرجوع فيما يشتبه عليه إلى الكتاب والسنة
واردد إلى الله ورسوله ما يضلعك من الخطوب ويشتبه عليك من
الأمور فقد قال الله سبحانه وتعالى أحب ارشادهم يا أيها الذين آمنوا
أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فان تنازعتم في شئ فردوه إلى
الله والرسول فالرد إلى الله الاخذ بمحكم كتابه والرد إلى الرسول الاخذ
بسنته الجامعة غير المفرقة.
اختيار القضاة
ثم اختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك في نفسك ممن لا تضيق به
الأمور ولا تمحكه الخصوم ولا يتمادى في الزلة ولا يحصر من الفئ إلى الحق
إذا عرفه. ولا تشرف نفسه على طمع ولا يكتفي بأدنى فهم دون أقصاه
أوقفهم في الشبهات وآخذهم بالحجج وأقلهم تبرما بمراجعة الخصم
وأصبرهم على تكشف الأمور وأصرمهم عند اتضاح الحكم ممن لا يزدهيه
اطراء ولا يستميله إغراء وأولئك قليل. ثم أكثر تعاهد قضائه وأفسح له في
البذل ما يزيل علته وتقل معه حاجته إلى الناس. وأعطه من المنزلة لديك
ما لا يطمع فيه غيره من خاصتك ليأمن بذلك اغتيال الرجال له عندك.
فانظر في ذلك نظرا بليغا فان هذا الدين قد كان أسيرا في أيدي الأشرار
يعمل فيه بالهوى ويطلب به الدنيا.
اختيار العمال والولاة
ثم انظر في أمور عمالك فاستعملهم اختبارا ولا تولهم محاباة وأثرة
فإنهما جماع من شعب الجور والخيانة. وتوخ منهم أهل التجربة والحياء من
أهل البيوتات الصالحة والقدم في الاسلام المتقدمة فإنهم أكرم أخلاقا وأصح
أعراضا وأقل في المطامع إشرافا وأبلغ في عواقب الأمور نظرا ثم أسبغ
عليهم الأرزاق فان ذلك قوة لهم على استصلاح أنفسهم وغنى لهم عن
تناول ما تحت أيديهم وحجة عليهم إن خالفوا أمرك أو ثلموا أمانتك، ثم
تفقد أعمالهم وابعث العيون من أهل الصدق والوفاء عليهم فان تعاهدك في
السر لأمورهم حدوة لهم على استعمال الأمانة والرفق بالرعية وتحفظ من
الأعوان.
ما يلزم أن يفعله مع من خان من العمال
فان أحد منهم بسط يده إلى خيانة اجتمعت بها عليه عندك أخبار
عيونك اكتفيت بذلك شاهدا فبسطت عليه العقوبة في بدنه وأخذته بما
أصاب من عمله ثم نصبته بمقام المذلة ووسمته بالخيانة وقلدته عار التهمة.
اصلاح الخراج ومالية الدولة وعمارة البلاد
وتفقد أمر الخراج بما يصلح أهله فان في إصلاحه وصلاحهم صلاحا
لمن سواهم ولا صلاح لمن سواهم إلا بهم لأن الناس كلهم عيال على الخراج
وأهله. وليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج
لأن ذلك لا يدرك إلا بالعمارة ومن طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد
وأهلك العباد ولم يستقم أمره إلا قليلا فان شكوا ثقلا أو علة أو انقطاع
شرب أو بالة (١) أو إحالة أرض اغتمرها غرق أو أجحف بها عطش خففت
عنهم بما ترجو أن يصلح به أمرهم ولا يثقلن عليك شئ خففت به المئونة
عنهم فإنه ذخر يعودون به عليك في عمارة بلادك وتزيين ولايتك مع
استجلابك حسن ثنائهم وتبجحك باستفاضة العدل فيهم معتمدا فضل
قوتهم بما ذخرت عندهم من اجمامك لهم والثقة منهم بما عودتهم من عدلك
عليهم ورفقك بهم فربما حدث من الأمور ما إذا عولت فيه عليهم من بعد
اجتملوه طيبة أنفسهم به فان العمران محتمل ما حملته وإنما يؤتى خراب
الأرض من إعواز أهلها وإنما يعوز أهلها لأشراف أنفس الولاة على الجمع
وسوء ظنهم بالبقاء وقلة انتفاعهم بالعبر.
الكتاب وأصحاب الديوان
ثم انظر في حال كتابك فول على أمورك خيرهم وأخصص رسائلك
التي تدخل فيها مكايدك وأسرارك بأجمعهم لوجوه صالح الأخلاق ممن لا
تبطره الكرامة فيجترئ بها عليك في خلاف لك بحضرة ملأ ولا تقصر به
الغفلة عن إيراد مكاتبات عمالك عليك وإصدار جواباتها على الصواب
عنك وفيما يأخذ لك ويعطي منك ولا يضعف عقدا اعتقده لك ولا يعجز
عن اطلاق ما عقد عليك ولا يجهل مبلغ قدر نفسه في الأمور فان الجاهل
بقدر نفسه يكون بقدر غيره أجهل ثم لا يكن اختيارك إياهم على فراستك
واستنامتك وحسن الظن منك فان الرجال يتعرفون لفراسات الولاة
بتصنعهم وحسن خدمتهم وليس وراء ذلك من النصيحة والأمانة شئ
ولكن اختبرهم بما ولوا للصالحين قبلك فاعمد لأحسنهم كان في العامة أثرا
وأعرفهم بالأمانة وجها. فان ذلك دليل على نصيحتك لله ولمن وليت أمره.
أمره بتوزيع فنون الكتابة وضروبها بينهم
واجعل لرأس كل أمر من أمورك رأسا منهم لا يقهره كبيرها ولا
يتشتت عليه كثيرها. ومهما كان في كتابك من عيب فتغابيت عنه ألزمته.

(١) بتشديد اللام من اليلل قال ابن أبي الحديد يعني المطر.
(٥٤٧)

الوصاية بالتجار وذوي الصناعات وعيوب التجار ومنع الاحتكار
ثم استوص بالتجار وذوي الصناعات وأوص بهم خيرا المقيم منهم
والمضطرب بماله والمترفق ببدنه فإنهم مواد المنافع وأسباب المرافق وجلابها من
المباعد والمطارح في برك وبحرك وسهلك وجبلك وحيث لا يلتئم الناس
لمواضعها ولا يجترؤون عليها، فإنهم سلم لا تخاف بائقته وصلح لا تخشى
غائلته، وتفقد أمورهم بحضرتك وفي حواشي بلادك، واعلم مع ذلك أن
في كثير منهم ضيفا فاحشا وشحا قبيحا واحتكارا للمنافع وتحكما في البياعات
وذلك باب مضرة للعامة وعيب على الولاة، فامنع من الاحتكار فان رسول
الله ص منع منه وليكن البيع بيعا سمحا بموازين عدل وأسعار لا تجحف
بالفريقين من البائع والمبتاع. فمن قارف حكرة بعد نهيك إياه فنكل به
وعاقبه من غير اسراف.
الوصاية بفقراء الرعية وأيتامهم وشيوخهم
ثم الله الله في الطبقة السفلى من الذين لا حيلة لهم من المساكين
والمحتاجين وأهل البؤسى والزمني فان في هذه الطبقة قانعا (١) ومعترا (٢)
واحفظ لله ما استحفظك من حقه فيهم واجعل لهم قسما من بيت مالك
وقسما من غلات صوافي (٣) الاسلام في كل بلد فان للأقصى منهم مثل
الذي للأدنى وكل قد استرعيت حقه ولا يشغلنك عنهم بطر فإنك لا تعذر
بتضييع التافه لاحكامك الكثير المهم. فلا تشخص همك عنهم، ولا
تصعر خدك لهم، وتفقد أمور من لا يصل إليك منهم ممن تقتحمه العيون
وتحتقره الرجال ففرع لأولئك ثقتك من أهل الخشية والتواضع فليرفع إليك
أمورهم ثم اعمل فيهم بالأعذار إلى الله سبحانه يوم تلقاه فان هؤلاء من
بين الرعية أحوج إلى الإنصاف من غيرهم وكل فاعذر إلى الله في تأدية حقه
إليه، وتعهد أهل اليتم وذوي الرقة في السن ممن لا حيلة له ولا ينصب
للمسألة نفسه وذلك على الولاة ثقيل والحق كله ثقيل وقد يخففه الله على
أقوام طلبوا العافية فصبروا أنفسهم ووثقوا بصدق موعود الله لهم.
أصحاب الحاجات والمصالح
واجعل لذوي الحاجات منك قسما تفرع لهم فيه شخصك وتجلس لهم
مجلسا عاما فتتواضع فيه لله الذي خلقك وتقعد عنهم جندك وأعوانك من
احراسك وشرطك حتى يكلمك متكلمهم غير متعتع فاني سمعت رسول الله
ص يقول في غير موطن لن تقدس أمة لا يؤخذ للضعيف فيها حقه من
القوي غير متعتع ثم احتمل الخرق منهم والعي ونح عنهم الضيق والأنف
يبسط الله عليك بذلك اكناف رحمته ويوجب لك ثواب طاعته.
الاعطاء والمنع
واعط ما أعطيت هنيئا وامنع في اجمال واعذار.
ما يجب أن يباشره بنفسه
ثم أمور من أمورك لا بد لك من مباشرتها منها إجابة عمالك بما يعيا
عنه كتابك ومنها إصدار حاجات الناس عند ورودها عليك بما تحرج به
صدور أعوانك.
عدم ادخال عمل يوم في يوم
وامض لكل يوم عمله، فان لكل يوم ما فيه.
ايصاؤه له بأداء الفرائض
واجعل لنفسك فيما بينك وبين الله أفضل تلك المواقيت واجزل تلك
الأقسام وإن كانت كلها لله إذا صلحت فيها النية وسلمت منها الرعية،
وليكن في خاصة ما تخلص لله به دينك إقامة فرائضه التي هي له خاصة
فاعط الله من بدنك في ليلك ونهارك ووف ما تقربت به إلى الله سبحانه من
ذلك كاملا غير مثلوم ولا منقوص بالغا من بدنك ما بلغ وإذا قمت في
صلاتك للناس فلا تكونن منفرا ولا مضيعا فان في الناس من به العلة وله
الحاجة وقد سالت رسول الله ص حين وجهني إلى اليمن كيف أصلي بهم
فقال صل بهم كصلاة اضعفهم وكن بالمؤمنين رحيما.
نهيه عن الاحتجاب عن الرعية
وأما بعد هذا فلا تطولن احتجابك عن رعيتك فان احتجاب الولاة
عن الرعية شعبة من الضيق وقلة علم بالأمور والاحتجاب منهم يقطع عنهم
علم ما احتجبوا دونه فيصغر عندهم الكبير ويعظم الصغير ويقبح الحسن
ويحسن القبيح ويشاب الحق بالباطل وإنما الوالي بشر لا يعرف ما توارى عنه
الناس به من الأمور وليست على الحق سمات تعرف بها ضروب الصدق من
الكذب وإنما أنت أحد رجلين أما امرؤ سخت نفسك بالبذل في الحق ففيم
احتجابك من واجب حق تعطيه أو فعل كريم تسديه أو مبتلى بالمنع فما
أسرع كف الناس عن مسألتك إذا أيسوا من بذلك مع أن أكثر حاجات
الناس إليك ما لا مؤونة فيه عليك من شكاة مظلمة أو طلب انصاف في
معاملة.
ما يلزم أن يعمله مع خاصته وبطانته
ثم أن للوالي خاصة وبطانة فيهم استئثار وتطاول وقلة انصاف في
معاملة فاحسم مادة أولئك بقطع أسباب تلك الأحوال ولا تقطعن لأحد من
حاشيتك وحامتك قطيعة ولا يطمعن منك في اعتقاد عقدة تضر بمن يليها
من الناس في شرب (٤) أو عمل مشترك يحملون مؤونته على غيرهم فيكون
مهنا ذلك لهم دونك وعيبه عليك في الدنيا والآخرة والزم الحق من لزمه من
القريب والبعيد وكن في ذلك صابرا محتسبا واقعا ذلك من قرابتك وخاصتك
حيث وقع وابتغ عاقبته بما يثقل عليك منه، فان مغبة ذلك محمودة.
إبداء عذره للرعية إذا ظنوا به الجور
وإن ظنت الرعية بك حيفا فاصحر لهم بعذرك وأعدل عنك ظنونهم
باصحارك فان في ذلك رياضة منك لنفسك ورفقا برعيتك واعذار تبلغ به
حاجتك من تقويمهم على الحق.
أمره بقبول الصلح والحذر بعده من العدو والوفاء بالعهد
ولا تدفن صلحا دعاك إليه عدوك لله فيه رضى فان في الصلح دعة
لجنودك وإراحة من همومك وأمنا لبلادك ولكن الحذر كل الحذر من عدوك بعد
صلحه فان العدو ربما قارب ليتغفل فخذ بالحزم واتهم في ذلك حسن النية وإن

(١) القانع السائل.
(٢) المعتر الذي يعرض لك ولا يسألك.
(٣) هي الأرض لم تؤخذ بحرب.
(٤) الشرب بكسر الشين وسكون الراء النهر يستقى منه.
(٥٤٨)

عقدت بينك وبين عدو لك عقدة أو ألبسته منك ذمة فحط عهدك بالوفاء
وارع ذمتك بالأمانة واجعل نفسك جنة دون ما أعطيت فإنه ليس من
فرائض الله شئ الناس أشد عليه اجتماعا مع تفرق أهوائهم وتشتت
آرائهم من تعظيم الوفاء بالعهود وقد لزم ذلك المشركون فيما بينهم دون
المسلمين لما استوبلوا (١) من عواقب الغدر فلا تغدرن بذمتك ولا تخيسن
بعهدك ولا تختلن عدوك فإنه لا يجترئ على الله إلا جاهل شقي وقد جعل
الله عهده وذمته أمنا أفضاه بين العباد برحمته وحريما يسكنون إلى منعته
ويستفيضون إلى جواره فلا إدغال ولا مدالسة ولا خداع فيه، ولا تعقد
عقدا تجوز فيه العلل ولا تعولن على لحن القول بعد التأكيد والتوثقة ولا
يدعونك ضيق أمر لزمك فيه عهد الله إلى طلب انفساخه بغير الحق فان
صبرك على ضيق أمر ترجو انفراجه وفضل عاقبته خير من غدر تخاف تبعته
وان تحيطه بك من الله طلبة لا تستقبل فيها دنياك ولا آخرتك.
نهيه عن سفك الدماء الحرام
إياك والدماء وسفكها بغير حلها فإنه ليس شئ أدعى لنقمة ولا
أعظم لتبعة ولا أحرى بزوال نعمة وانقطاع مدة من سفك الدماء بغير حقها
والله سبحانه مبتدئ بالحكم بين العباد فيما تسافكوا من الدماء يوم القيامة
فلا تقوين سلطانك بسفك دم حرام فان ذلك مما يضعفه ويوهنه بل يزيله
وينقله ولا عذر لك عند الله ولا عندي في قتل العمد لأن فيه قود البدن وإن
ابتليت بخطأ وإفراط عليك سوطك أو سيفك أو يدك بالعقوبة فان في
الوكزة فما فوقها مقتلة فلا تطمحن بك نخوة سلطانك عن أن تؤدي إلى
أولياء المقتول حقهم.
وصاياه بآداب عامة والنهي عن أخلاق وأفعال سيئة
العجب وحب المدح
وإياك والاعجاب بنفسك والثقة بما يعجبك منها وحب الاطراء فان
ذلك من أوثق فرص الشيطان في نفسه ليمحق ما يكون من احسان
المحسنين.
المن والتزيد وخلف الوعد
وإياك والمن على رعيتك باحسانك أو التزيد فيما كان من فعلك (٢) أو
أن تعدهم فتتبع موعدك بخلفك فان المن يبطل الاحسان والتزيد يذهب
بنور الحق والخلف يوجب المقت عند الله والناس. قال الله سبحانه وتعالى
كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون.
العجلة والتهاون واللجاجة والوهن
وإياك والعجلة بالأمور قبل أوانها أو التساقط فيها عند امكانها أو
اللجاجة فيها إذا تنكرت أو الوهن عنها إذا استوضحت. فضع كل أمر
موضعه وأوقع كل عمل موقعه.
الاستئثار والتغابي
وإياك والاستئثار بما الناس فيه أسوة والتغابي عما تعنى به مما قد وضح
للعيون فإنه مأخوذ منك لغيرك وعما قليل تنكشف عنك أغطية الأمور
ينتصف منك للمظلوم.
الحلم والأناء والخوف من الله والاقتداء بصالح السلف
أملك حمية انفك وسورة حدك وسطوة يدك وغرب لسانك واحترس
من كل ذلك بكف البادرة وتأخير السطوة حتى يسكن غضبك فتملك
الاختيار ولن تحكم ذلك من نفسك حتى تكثر همومك بذكر المعاد إلى ربك
والواجب عليك أن تتذكر ما مضى لمن تقدمك من حكومة عادلة أو سنة
فاضلة أو اثر عن نبينا ص أو فريضة في كتاب الله فتقتدي بما شاهدت مما
عملنا به فيها وتجتهد لنفسك في اتباع ما عهدت إليك في عهدي هذا
واستوثقت به من الحجة لنفسي عليك لكي لا تكون لك علة عند تسرع
نفسك إلى هواها.
آخر العهد
وانا أسال الله بسعة رحمته وعظيم قدرته على إعطاء كل رغبة أن
يوفقني وإياك لما فيه رضاه من الإقامة على العذر الواضح إليه وإلى خلقه من
حسن الثناء في العباد وجميل الأثر في البلاد وتمام النعمة وتضعيف الكرامة
وأن يختم لي ولك بالسعادة والشهادة إنا إلى الله راغبون والسلام على رسول
الله ص.
بعض الأمثال في كلامه ع
في الفائق: علي ع شرعك ما بلغك المحلا أي حسبك
وأشرعني كذا أي احسبني وكان معناه الكفاية الظاهرة المكشوفة من شرع
الدين شرعا إذا أظهره وبينه اه وفي النهاية في حديث علي شرعك ما
بلغك المحلا أي حسبك وكافيك وهو مثل يضرب في التبليغ باليسير
اه وشرعك بكسر الشين وسكون الراء.
الشعر المأثور عن أمير المؤمنين ع
عن الجاحظ في كتابي البيان والتبيين وفضائل بني هاشم والبلاذري في
أنساب الأشراف أن عليا أشعر الصحابة وأفصحهم وأخطبهم وأكتبهم،
وعن تاريخ البلاذري كان أبو بكر يقول الشعر وعمر يقول الشعر وعثمان
يقول الشعر وكان علي أشعر الثلاثة. وعن الشعبي كان أبو بكر شاعرا
وعمر شاعرا وعثمان شاعرا وكان علي أشعر الثلاثة. وعن سعيد بن المسيب
كان أبو بكر وعمر وعلي يجيدون الشعر وعلي أشعر الثلاثة اه. وقد
ذكر له ع في الكتب أشعار كثيرة اشتهرت نسبتها إليه ورواها
الثقات ودلت بلاغتها على صحة نسبتها، وقال المرزباني في معجم الشعراء
يروى له شعر كثير اه فما يحكى عن المازني وصوبه الزمخشري من أنه لم
بصح أنه تكلم بشئ من الشعر غير هذين البيتين:
- تلكم قريش تمناني لتقتلني * فلا وربك ما بروا وما ظفروا -
- فان هلكت فرهن ذمتي لهم * بذات ودقين لا يعفو لها أثر -
وما يحكى عن يونس النحوي: ما صح عندنا ولا بلغنا أنه قال شعرا
إلا هذين البيتين ليس بصواب.
جامعوا ديوانه
وقد جمع شعر أمير المؤمنين ع جماعة فجعلوه ديوانا كسائر
الدواوين الأول أبو أحمد عبد العزيز بن يحيى الجلودي المتوفي بعد ٣٣٠
الثاني علي بن أحمد النيسابوري الفنجكردي القريب عصره من عصر
السيد الرضي الثالث القطب الكيدري المتوفى بعد سنة ٥٧٦ جمعه مرتين

(١) أي رأوا الوبال.
(٢) أي فعل شئ وذكره في المجالس أزيد مما فعل.
(٥٤٩)

مرة اقتصر على الآداب والحكم وسماه الحديقة الأنيقة ومرة سماه أنوار
العقول من أشعار وصي الرسول الرابع أبو عبد الله المرزباني المتوفي سنة
٣٨٤ ذكر ذلك صاحب مجموعة شعرية في الأمثال موجودة في الخزانة
الرضوية الخامس أبو البركات هبة الله بن علي بن محمد المعروف بابن
الشجري السادس بعض القدماء استخرجه من كتاب محمد بن إسحاق السابع
القاضي القضاعي محمد بن سلامة المغربي صاحب كتاب الشهاب المجموع
من كلمات النبي ص المتوفي سنة ٤٥٤ لكنه لم يجعله ديوانا مستقلا بل جمع
ما اتصل إليه بالرواية منه وجعله بابا سابعا لكتابه دستور معالم الحكم
المجموع من الكلمات أمير المؤمنين ع نظير كتاب الشهاب
الثامن سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص حيث قال قد ذكرنا ما وقع
عليه اختيارنا من اللؤلؤ المنثور في فنون العلوم فنذكر ما وصل إلينا من الدر
المنظوم فنقول: أخبرنا بما نسب إلى أمير المؤمنين من الشعر جماعة منهم
إبراهيم بن محمد العلوي وأبو القاسم الخطيب الموصلي وعمر بن صافي
وغيرهم باسنادهم إلى مشايخهم وذلك في فنون من إبكار الفضائل والعيون
التاسع الفقير مؤلف هذا الكتاب جمع ديوان أمير المؤمنين على الرواية
الصحيحة وقد طبع. ولكن هذه الدواوين التي جمعها من ذكرناهم من
شعره ع لا يوجد منها بأيدينا اليوم سوى نسخة واحدة طبعت
مرارا في عدة أماكن والظاهر أنها هي التي جمعها علي بن أحمد النيسابوري
وشرحها بالفارسية القاضي حسين بن معين الدين الميبدي المتوفي سنة ٨٧٠
من علماء أهل السنة ولم يأل جامعها جهدا في جمع ما صحت نسبته إلا
مولانا أمير المؤمنين ع فجمع جله وفاته شئ كثير عثرنا عليه أثناء
تتبعاتنا لكنه أضاف إليه ما علم أنه ليس له وما يحتمل كونه له ولا امارة
تنفي ذلك وما يظن أنه ليس له فاما أن يكون هذا الديوان تناولته أيدي
الزيادة والتحريف من الناس أو يكون جامعه قليل البصيرة لبعده عن
اللسان العربي وعدم اقتصاره على المصادر الصحيحة فخلط الدر بالحصباء
فمما أورده مما علم أنه ليس له هذين البيتين:
- أ تصبر للبلوى عزاء وحسبة * فتؤجر أم تسلو سلو البهائم -
- خلقنا رجالا للتجلد والاسى * وتلك الغواني للبكا والمآتم -
مع أنهما لأبي تمام الطائي من قصيدة في ديوانه والذي أوقعه في
الاشتباه البيت الذي قبلهما وهو:
- وقال علي في التعازي لأشعث * وخاف عليه بعض تلك العظائم -
وأشار به أبو تمام إلى كلام منثور قاله ع للأشعث يعزيه عن
ابن له وأورده الرضي في الباب الأخير من نهج البلاغة وهو: يا أشعث ان
صبرت جرى عليك القدر وأنت مأجور وان جزعت جرى عليك القدر
وأنت مازور. وهذا التوهم لا يصدر ممن له أدنى معرفة ومنه ايراده هذا
البيت:
- ليس من مات فاستراح بميت * انما الميت ميت الاحياء -
مع أنه أحد بيتين ثانيهما:
- انما الميت من يعيش كئيبا * كاسفا باله قليل الرجاء -
وقد ذكرهما صاحب قطر النداء وذكر صاحب شرح شواهده المسمى
بمعالم الاهتداء ان قائلهما عذري الغساني. ومنه ايراده هذا البيت:
- أريد حباءه ويريد قتلي * عذيرك من خليلك من مراد -
وهو لعمرو بن معديكرب تمثل به أمير المؤمنين ع ومنه ايراده هذا
البيت:
- وحسبك داء ان تبيت ببطنة * وحولك أكباد تحن إلى القد -
مع أنه تمثل به مصرحا بذلك بقوله: أو أكون كما قال القائل ومنه
ايراده هذين البيتين:
- قال المنجم والطبيب كلاهما * لا تحشر الأموات قلت اليكما -
- ان صح قولكما فلست بخاسر * أو صح قولي فالخسار عليكما -
مع أنهما لأبي العلاء المعري في ديوانه لزوم ما لا يلزم إلى غير ذلك
ونحن نورد هنا طرفا مما صحت روايته أو وجد في الكتب المعتمدة ورتبناها
على حروف المعجم.
حرف الألف
قال ع اورده القاضي القضاعي في دستور معالم الحكم وفي
الديوان قال يوم بدر:
- نصرنا رسول الله لما تدابروا * وثاب إليه المسلمون ذوو الحجى -
- ضربنا غواة الناس عنه تكرما * ولما يروا قصد السبيل ولا الهدى -
- ولما أتانا بالهدى كان كلنا * على طاعة الرحمن والحق والتقى -
حرف الباء
وقال ع اورده الخطيب البغدادي في تاريخه:
- إذا اشتملت على الياس القلوب * وضاق لما به الصدر الرحيب -
- وأوطنت المكاره واستقرت * وأرست في أماكنها الخطوب -
- ولم تر لانكشاف الضر وجها * ولا أغنى بحيلته الأريب -
- اتاك على قنوط منك غوث * يمن به اللطيف المستجيب -
- وكل الحادثات إذا تناهت * فموصول بها فرج قريب -
وقال ع اورده جامع الديوان وصاحب جواهر المطالب
عدى الأخير:
- اني أقول لنفسي وهي ضيقة * وقد أناخ عليها الدهر بالعجب -
- صبرا على شدة الأيام ان لها * عقبى وما الصبر الا عند ذي الحسب -
- سيفتح الله عن قرب بنافعة * فيها لمثلك راحات من التعب -
وقال ع لما قتل عمرو بن عبد ود اورده المفيد في الارشاد
وابن اسحق في المغازي:
- نصر الحجارة من سفاهة رأيه * ونصرت دين محمد بصواب -
- فضربته فتركته متجدلا * كالجذع بين دكادك وروابي -
- وعففت عن أثوابه ولو انني * كنت المقطر بزني أثوابي -
- لا تحسبن الله خاذل دينه * ونبيه يا معشر الأحزاب -
وأوردها الحاكم في المستدرك هكذا:
- أ علي يقتحم الفوارس هكذا * عني وعنهم خبروا أصحابي -
- اليوم يمنعني الفرار حفيظتي * ومصمم في الرأس ليس بنابي -
- آلى ابن عبد حين شد الية * وحلفت فاستمعوا من الكذاب -
(٥٥٠)

- اني لاصدق من يهلل بالتقى * رجلان يضطربان كل ضراب -
- فصدرت حين تركته متجدلا * كالجدع بين دكادك وروابي -
- وعففت عن أثوابه ولو انني * كنت المقطر بزني أثوابي -
- عبد الحجارة من سفاهة رأيه * وعبدت رب محمد بصواب -
وقال ع في يوم أحد كما عن تاريخ الطبري والأغاني حين
خرج طلحة بن أبي طلحة العبدري صاحب لواء قريش وطلب المبارزة قال
قتادة فخرج إليه علي وهو يقول:
- انا ابن ذي الحوضين عبد المطلب * وهاشم المطعم في العام السغب -
- أوفي بميعادي واحمي عن حسب -
و قال ع ذكره الرضي في نهج البلاغة بعد ذكر قوله ع
وا عجبا أ تكون الخلافة بالصحابة والقرابة فقال: وقد روي له في
هذا المعنى:
- فان كنت بالشورى ملكت أمورهم * فكيف بهذا المعنى والمشيرون غيب -
- وان كنت بالقربى حججت خصيمهم * فغيرك أولي بالنبي وأقرب -
وقد أوما الكميت إلى هذا المعنى بقوله:
- بحقكم أمست قريش تقودنا * وبالفذ منها والرديفين نركب -
- فان هي لم تصلح لحي سواهم * فان ذوي القربى أحق وأوجب -
وقال ع وهو بصفين رواه نصر في كتاب صفين:
- أ لم تر قومي إذ دعاهم اخوهم * أجابوا وان أغضب على القوم يغضبوا -
- هم حفظوا غيبي كما كنت حافظا * لقومي أخرى مثلها إذ تغيبوا -
- بنو الحرب لم تقعد بهم أمهاتهم * وآباؤهم آباء صدق فأنجبوا -
وقال ع كما في تذكرة الخواص:
- ذهب الوفاء ذهاب أمس الذاهب * فالناس بين مخاتل وموارب -
حرف التاء
وقال ع في بعض أيام صفين حين ندب أصحابه فانتدب له
من بين عشرة آلاف إلى اثني عشر ألفا فتقدمهم على بغلة رسول الله ص
وهو يقول رواه نصر في كتاب صفين:
- دبوا دبيب النمل لا تفوتوا * وأصبحوا بحربكم وبيتوا -
- حتى تنالوا الثار أو تموتوا * أو لا فاني طالما عصيت -
- قد قلتم لو جئتنا فجيت * ليس لكم ما شئتم وشيت -
- بل ما يريد المحيي المميت -
وقال ع في تذكرة الخواص:
- وكم نظرة قادت إلى القلب شهوة * فأصبح منها القلب في الهلكات -
حرف الجيم
في جواهر المطالب للباغندي مما ينسب إليه ع:
- لئن كنت محتاجا إلى الحلم انني * إلى الجهل في بعض الأحايين أحوج -
- ولي فرس للحلم بالحلم ملجم * ولي فرس للشر بالشر مسرج -
- فمن شاء تقويمي فاني مقوم * ومن شاء تعويجي فاني معوج -
حرف الدال
وقال ع في مهاجرته من مكة إلى المدينة حين أدركه الطلب
وهم ثمانية فوارس فشد عليهم شدة ضيغم وهو يقول:
- خلوا سبيل الجاهد المجاهد * آليت الا أعبد غير الواحد -
حرف الراء
قال ع كما في الديوان حين برز إليه مرحب فقال:
- انا أناس ولدتنا عبهره * لباسنا الوشي وريط حبره -
- أبناء حرب ليس فينا غدره -
فاجابه أمير المؤمنين ع:
- انا الذي سمتني أمي حيدره * ضرغام آجام وليث قسوره -
- عبل الذراعين شديد القصره * كليث غابات كريه المنظره -
- أكيلكم بالسيف كيل السندرة * أضربكم ضربا يبين الفقرة -
- واترك القرن بقاع جزره * اضرب بالسيف رقاب الكفرة -
- ضرب غلام ماجد حزوره * من يثرك الحق يقوم صعره -
وقال ع اورده صاحب مجموعة الأمثال الشعرية:
- لئن ساءني دهر لقد سرني دهر * وان مسني عسر فقد مسني يسر -
- لكل من الأيام عندي عادة * فان ساءني صبر وان سرني شكر -
قال سبط بن الجوزي في تذكرة الخواص والمرزباني في ديوان شعر أمير
المؤمنين ع قال له رجل قد عيل صبري فاعطني قال فأنشدك شيئا أم
أعطيك فقال كلامك أحب إلي من عطائك فقال:
- ان عضك الدهر فانتظر فرجا * فإنه نازل بمنتظره -
- أو مسك الضر أو بليت به * فاصبر على عسره وفي يسره -
- رب معافى على تهوره * ومبتلى لا ينام من حذره -
- وآمن في عشاء ليلته * دب إليه البلاء في سحره -
- من مارس الدهر ذم صحبته * ونال من صفوه ومن كدره -
وقال ع في ذم الناس قال سبط بن الجوزي في تذكرة
الخواص رأيت في كتاب سر العالمين للغزالي رحمه الله نسبتها إليه
ع:
- المرء في زمن الاقبال كالشجره * وحولها الناس ما دامت بها الثمرة -
- حتى إذا ما عرت من حملها انصرفوا * عنها عقوقا وقد كانوا بها برره -
- وحاولوا قطعها من بعد ما شفقوا * دهرا عليها من الأرياح والغبره -
- قلت مروات أهل الأرض كلهم * الا الأقل فليس العشر من عشره -
- لا تحمدن امرأ حتى تجربه * فربما لم يوافق خبره خبره -
وقال ع في القدر اورده سبط بن الجوزي في تذكرة
الخواص:
- للناس حرص على الدنيا بتدبير * وصفوها لك ممزوج بتكدير -
- لم يرزقوها بعقل حينما رزقوا * لكنما رزقوها بالمقادير -
- لو كان عن قوة أو عن مغالبة * طار البزاة بارزاق العصافير -
وقال ع يذكر مبيته على فراش رسول الله ص ليلة الغار رواه
الشيخ الطوسي في الأمالي عن عبد الله بن أبي رافع عنه ع ورواه
(٥٥١)

الحاكم في المستدرك بسنده عن علي بن الحسين ع عدى البيت
الأخير مع بعض التغيير:
- وقيت بنفسي خير من وطئ الحصى * ومن طاف بالبيت العتيق وبالحجر -
- محمد لما خاف ان يمكروا به * فوقاه ربي ذو الجلال من المكر -
- وبت أراعيهم متى ينشرونني * وقد وطنت نفسي على القتل والأسر -
- وبات رسول الله في الغار آمنا * هناك وفي حفظ الآله وفي ستر -
- أقام ثلاثا ثم زمت قلائص * قلائص يفرين الحصى أينما يفري -
وقال ع ذكره جامع الديوان وصاحب جواهر المطالب:
- دواؤك فيك وما تشعر * وداؤك منك وما تبصر -
- وتحسب انك جرم صغير * وفيك انطوى العالم الأكبر -
حرف الزاي
وقال عمرو بن عبد ود العامري يوم الخندق:
- ولقد بححت من الندا * ء بجمعكم هل من مبارز -
- ووقفت إذ جبن الشجا * ع بموقف البطل المناجز -
- اني كذلك لم أزل * متسرعا نحو الهزاهز -
- ان الشجاعة والسمائة * في الفتى خير الغرائز -
فبرز إليه أمير المؤمنين ع وهو يقول اورده خلق كثير:
- لا تعجلن فقد أتا * ك مجيب صوتك غير عاجز -
- ذو نية وبصيرة * والصدق منجى كل فائز -
- اني لأرجو ان أقيم * عليك نائحة الجنائز -
- من ضربة نجلاء يب‍ * في ذكرها عند الهزاهز -
حرف العين
قال ع ذكر ابن أبي الحديد انه من الشعر المنسوب إليه:
- ان أخاك الحق من كان معك * ومن يضر نفسه لينفعك -
- ومن إذا ريب الزمان صدعك * شتت فيك شمله ليجمعك -
حرف اللام
وقال ع في شكوى الزمان اورده القاضي القضاعي في
دستور معالم الحكم:
- ارى علل الدنيا علي كثيرة * وصاحبها حتى الممات عليل -
- لكل اجتماع من خليلين فرقة * وكل الذي دون الممات قليل -
- وإن افتقادي واحدا بعد واحد * دليل على أن لا يدوم خليل -
- وقال ع يوم صفين لرجل من أصحابه اسمه عبد العزيز بن
الحارث امره ان يذهب إلى جماعة من أصحابه اقتطعهم أهل الشام ويبلغهم
رسالته فأجاب رواه نصر في كتاب صفين:
- سمحت بأمر لا يطاق حفيظة * وصدقا واخوان الحفاظ قليل -
- جزاك اله الناس خيرا فقد وفت * يداك بفضل ما هناك جزيل -
وقال ع في بعض أيام صفين اورده نصر:
- قد علمت ذات القرون الميل * والحضر والأنامل الطفول -
- اني بنصل السيف خنشليل * احمي وارمي أول الرعيل -
- بصارم ليس بذي فلول -
وقال ع اورده صاحب جواهر المطالب وسبط بن الجوزي
في تذكرة الخواص:
- يمثل ذو اللب في نفسه * مصائبه قبل ان تنزلا -
- فان نزلت بغتة لم يرع * لما كان في نفسه مثلا -
- رأى الأمر يفضي إلى آخر * فصير آخره أولا -
- وذو الجهل يامن أيامه * وينسى مصارع من قد خلا -
- فان بدهته صروف الزمان * ببعض مصائبه أعولا -
- ولو مثل الحزم في نفسه * لعلمه الصبر عند البلا -
وقال ع اورده صاحب جواهر المطالب فقال مما أنشده
الصولي للإمام علي ع سوى البيت الثالث فذكره جامع الديوان:
- الا فاصبر على الحدث الجليل * وداو جواك بالصبر الجميل -
- ولا تجزع وإن أعسرت يوما * فقد أيسرت في الزمن الطويل -
- ولا تيأس فان الياس كفر * لعل الله يغني عن قليل -
- ولا تظنن بربك غير خير * فان الله أولي بالجميل -
- وإن العسر يتبعه يسار * وقول الله أصدق كل قيل -
- فلو ان العقول تجر رزقا * لكان الرزق عند ذوي العقول -
حرف الميم
قال للحضين بن المنذر الرقاشي اورده ابن العديم في تاريخ حلب
مسندا إليه ع وأورده نصر في كتاب صفين وغيرهما من الرواة:
- لمن راية سوداء (١) يخفق ظلها * إذا قيل قدمها حضين تقدما -
- فيوردها في الصف حتى يزيرها * حياض المنايا تقطر الموت والدما -
- تراه إذا ما كان يوم عظيمة * أبى فيه إلا عزة وتكرما -
- جزى الله قوما قاتلوا في لقائهم * لدى الموت قدما ما أعز واكرما -
- واحزم صبرا حين يدعى إلى الوغى * إذا كان أصوات الرجال تغمغما -
- ربيعة أعني انهم أهل نجدة * وبأس إذا لاقوا خميسا عرمرما -
وقال علي ع بعد ما قتل حريثا مولى معاوية وبرز إليه
عمرو بن حصين السكسكي فنادى يا أبا حسن هلم إلى المبارزة فانشا علي
ع يقول رواه نصر في كتاب صفين:
- ما علتي وانا جلد حازم * وعن يميني مذحج القماقم -
- وعن يساري وائل الخضارم * والقلب حولي مضر الجماجم -
- وأقبلت همدان في الحضارم * مشي الجمال البزل الخلاجم -
- أقسمت بالله العلي العالم * لا انثني إلا برد الراغم -
وقال ع بعد رجوعه من أحد وقد خضب الدم يده إلى كتفه
ومعه ذو الفقار فناوله فاطمة ع وقال خذي هذا السيف فقد
صدقني اليوم وأنشأ يقول رواه المفيد في الارشاد:
- أ فاطم هاك السيف غير ذميم * فلست برعديد ولا بمليم -
- لعمري لقد أعذرت في نصر احمد * وطاعة رب بالعباد عليم -
- اميطي دماء القوم عنه فإنه * سقى آل عبد الدار كأس حميم -

(١) في رواية حمراء. - المؤلف -
(٥٥٢)

وأورد الطبري في تاريخه هذه الأبيات هكذا:
- أ فاطم هاك السيف غير ذميم * فلست برعديد ولا بمليم -
- لعمري لقد قاتلت في حب احمد * وطاعة رب بالعباد رحيم -
- وسيفي بكفي كالشهاب اهزه * أجذ به من عاتق وصميم -
- فما زلت حتى فض ربي جموعهم * وحتى شفينا نفس كل حليم -
وقال ع لما كتب معاوية في سهم ورماه في عسكر علي ع
يوم صفين ان معاوية يريد ان يفجر عليكم الفرات فخاف أهل العراق
وارتحلوا ونهاهم علي ع فلم يقبلوا:
- لو اني أطعت عصبت قومي * إلى ركن اليمامة أو شام -
- ولكني إذا أبرمت أمرا * منيت بخلف آراء الطغام -
وقال ع يوم صفين وقد بالغت في نصره همدان ذلك اليوم
قال ابن أبي الحديد في شرح النهج وهو من الشعر الذي لا يشك ان قائله
علي ع لكثرة الرواة له أقول ولكن الروايات فيه مختلفة زيادة
ونقيصة فننقله مقتبسا من مجموعها:
- لما رأيت الخيل تقرع بالقنا * فوارسها حمر العيون دوامي -
- واقبل رهج في السماء كأنه * غمامة دجن ملبس بقتام -
- ونادى ابن هند ذا الكلاع ويحصبا * وكندة في لخم وحي جذام -
- تيممت همدان الذين هم هم * إذا ناب أمر جنتي وحسامي -
- دعوت فلباني من القوم عصبة * فوارس من همدان غير لئام -
- فوارس من همدان ليسوا بعزل * غداة الوغى من شاكر وشبام -
- ومن أرحب الشم المطاعين بالقنا * وفهم واحياء السبيع وسام -
- ومن كل حي قد اتتني فوارس * ذوو نجدات في اللقاء كرام -
- بكل رديني وعضب تخاله * إذا اختلف الأقوام شعل ضرام -
- لهمدان أخلاق ودين بزينهم * وبأس إذا لاقوا وجد خصام -
قال نصر وفي حديث عمر بن سعد:
- وجد وصدق في الحروب ونجدة * وقول إذا قالوا بغير أثام -
- متى تأتهم في دارهم تستضيفهم * تبت ناعما في خدمة وطعام -
- يقودهم حامي الحقيقة منهم * سعيد بن قيس والكريم محامي -
- جز الله همدان الجنان فإنها * سمام العدى في كل يوم زحام -
- فلو كنت بوابا على باب جنة * لقلت لهمدان ادخلوا بسلام -
وقال ع في قتله عمرو بن عبد ود وأورده ابن شهرآشوب
في المناقب عن أمالي النيسابوري:
- يا عمرو قد لاقيت فارس بهمة * عند اللقاء معاود الاقدام -
- يدعو إلى دين الاله ونصره * وإلى الهدى وشرائع الاسلام -
إلى قوله:
- شهدت قريش والبراجم كلها * ان ليس فيها من يقوم مقامي -
وأوردها جامع الديوان وزاد بعد الأول:
- من آل هاشم من سناء باهر * ومهذبين متوجين كرام -
وبعد الثاني:
- بمهند عضب رقيق حده * ذي رونق يفري الفقار حسام -
- ومحمد فينا كان جبينه * شمس تجلت من خلال غمام -
- والله ناصر دينه ونبيه * ومعين كل موحد مقدام -
وقال ع لما قتل عمرو بن عبد ود اورده المرتضى في
الفصول المختارة من المجالس والعيون والمحاسن للمفيد وأورده ابن
شهرآشوب في المناقب:
- ضربته بالسيف فوق الهامه * بضربة صارمة هدامه -
- انا علي صاحب الصمصامة * وصاحب الحوض لدى القيامة -
- أخو رسول الله ذي العلامة * قد قال إذ عممني عمامه -
- أنت الذي بعدي له الإمامة -
وقال ع اورده ابن الصباغ في الفصول المهمة:
- عش موسرا ان شئت أو معسرا * لا بد في الدنيا من الغم -
- دنياك بالأحزان مقرونة * لا تقطع الدنيا بلا هم -
وقال ع اورده ابن الصباغ في الفصول المهمة أيضا:
- حلاوة دنياك مسمومة * فلا تأكل الشهد إلا بسم -
- محامدك اليوم مذمومة * فلا تكسب الخمد إلا بذم -
- إذا تم أمر بدا نقصه * توق زوالا إذا قيل تم -
- إذا كنت في نعمة فارعها * فان المعاصي تزيل النعم -
- وداوم عليها بشكر الاله * فان الاله سريع النقم -
- فان تعط نفسك آمالها * فعند مناها يحل الندم -
وقال ع كما في تذكرة الخواص:
- لا تكره المكروه عند حلوله * ان العواقب لم تزل متباينه -
- كم من يد لا تستقل لشكرها * لله في طي المكاره كامنه -
وقال ع كما في الفائق للزمخشري ان سعد بن أبي وقاص
قال رأيت عليا يوم بدر وهو يقول:
- بازل عامين حديث سني * سنحنح الليل كأني جني -
- لمثل هذا ولدتني أمي * ما تنقم الحرب العوان مني -
قال ويروى: سمعمع كأنني من جن
وقال ع في القدر اورده سبط بن الجوزي في تذكرة
الخواص:
- ما لا يكون فلا يكون بحيلة * ابدا وما هو كائن سيكون -
- سيكون ما هو كائن في وقته * وأخو الجهالة متعب محزون -
- يسعى القوي فلا ينال بسعيه * حظا ويدرك عاجز موهون -
وقال ع اورده سبط بن الجوزي في تذكرة الخواص:
- هذا زمان ليس اخوانه * يا أيها المرء باخوان -
- اخوانه كلهم ظالم * له لسانان ووجهان -
- يلقاك بالبشر وفي قلبه * داء يواريه بكتمان -
- حتى إذا ما غبت عن عينه * رماك بالزور وبهتان -
- هذا زمان هكذا أهله * تعز عن رؤية انسان -
وقال ع في ذم الدنيا اورده سبط بن الجوزي في تذكرة
الخواص:
- دنيا تجول بأهلها * في كل يوم مرتين -
- فغدوها لتجمع * ورواحها لشتات بين -
(٥٥٣)

حرف الواو قال ع اورده سبط بن الجوزي في تذكرة الخواص:
- ولربما نطق الفتى فتنافست * فيه العيون وانه لمموه -
- ولربما سكت الفتى عن خصمه * حذر الجواب وانه لمفوه -
- ولربما صبر الفتى عند الأذى * وفؤاده من حره يتأوه -
شئ من مدائحه
ما من شخصية في العالم شغلت الشعر بمثل ما شغلته شخصية أمير
المؤمنين علي بن أبي طالب ع، فقد وجد شعراء العصور في شخصيته
من المناقب أعظم ما يثير شاعرياتهم ويحرك عواطفهم ويلهم أقلامهم، ولا
بدع فان سيرته المثلى وما انطوى عليه من ألمعيات وأريحيات وبطولات، وما
مني به من ظلم واهتضام وحرمان، وما اجتمع على حربه من لؤم وعقوق
وفجور، كل ذلك جعل منه لدى المنصفين المخلصين أروع صورة انسانية
توحي الشعر وتلهم النثر. والنفوس التي لم تدنسها الأغراض والأهواء ولم
يلوثها التقليد والتعصب، والنفوس البريئة لا بد ان تهيم ابدا بشخصية
علي بن أبي طالب.
وليس مستطاعا احصاء ما نظمه الشعراء على كل العصور تغنيا به
ورثاء له بجميع اللغات الاسلامية من عربية وفارسية وتركية وأوردية، وإننا
لنأخذ لهذا الجزء هذه القصائد التالية نماذج لغيرها.
ولا بد من الإشارة إلى أمر خطير في تاريخ الأدب العربي أهمل ذكره
أو لم ينتبه له مؤرخو هذا الأدب، ذلك ان الشعراء الذين نظموا في علي بن
أبي طالب قد أوجدوا إلى حد ما الملحمة العربية التي يفتقدها مؤرخو
الأدب فلا يجدونها في حين ان نواتها على الأقل موجودة في الشعر
العلوي (١).
قصيدة السيد الحميري المتوفي سنة ١٧٣:
- ولقد حلفت وقلت قولا صادقا * بالله لم آثم ولم اتريب -
- لمعاشر غلب الشقاء عليهم * وهوى آمالهم لأمر متعب -
- من حمير أهل السماحة والندى * وقريش الغر الكرام وتغلب -
- أين التطرب بالولاء وبالهوى * أ إلى الكواذب من بروق الخلب -
- أ إلى أمية أم إلى شيع التي * جاءت على الجمل الخدب الشوقب (٢) -
- تهوي من البلد الحرام فنبهت * بعد الهدو كلاب أهل الحوأب -
- يحدو الزبير بها وطلحة عسكرا * يا للرجال لرأي أم مشجب (٣) -
- يا للرجال لرأي أم قادها * ذئبان يكتنفانها في أذؤب -
- ذئبان قادهما الشقاء وقادها * للحين فاقتحما بها في منشب (٤) -
- في ورطة لحجا بها فتحملت * منها على قتب بإثم محقب (٥) -
- أم تدب إلى ابنها ووليها * بالمؤذيات له دبيب العقرب -
- اما الزبير فحاص حين بدت له * جأواء تبرق في الحديد الأشهب (٦) -
- حتى إذا امن الحتوف وتحته * عاري النواهق ذو نجاء ملهب (٧) -
- أثوى ابن جرموز عمير شلوه * في القاع منعفرا كشلو التولب (٨) -
- واغتر طلحة عند مختلف القنا * عبل الذراع شديد أصل المنكب (٩) -
- فاختل حبة قلبه بمذلق * ريان من دم جوفه المتصبب (١٠) -
- في مارقين من الجماعة فارقوا * باب الهدى وحيا الربيع المخصب -
- خير البرية بعد احمد من له * مني الهوى وإلى بنيه تطربي -
- أمسي وأصبح معصما مني له * بهوى وحبل ولاية لم يقصب (١١) -
- ونصيحة خلص الصفاء له بها * مني وشاهد نصرة لم يعزب -
- ولقد سرى فيما يسير بليلة * بعد العشاء بكربلا في موكب -
- حتى اتى متبتلا في قائم * القى قواعده بقاع مجدب (١٢) -
- بانيه ليس بحيث يلقى عامرا * غير الوحوش وغير أصلع أشيب (١٣) -
- في مدمج زلق أشم كأنه * حلقوم أبيض ضيق مستصعب (١٤) -
- فدنا فصاح به فأشرف ماثلا * كالنسر فوق شظية من مرقب (١٥) -
- هل قرب قائمك الذي بوأته * ماء يصاب فقال ما من مشرب (١٦) -

(١) الناشر
(٢) الخدب بكسر الخاء وفتح الدال وتشديد الباء الضخم (والشوقب) الطويل.
(٣) مشجب مهلك.
(٤) الحين بفتح الحاء الهلاك (والمنشب) من نشب في الشئ إذا دخل فيه وعلق به كما ينشب
الصيد في الحبالة.
(٥) الورطة الهلكة (ولحجابها) كعلما اي نشبا بها (ومحقب) بوزن اسم المفعول من قولهم احتقب
الذنب واصل الاحتقاب وضع الشئ في الحقيبة وهي وعاء من جلد.
(٦) حاص بالحاء والصاد المهملتين عدل وحاد أو حام ويروى جاض بالجيم والضاد المعجمة اي
حاد وعدل (والجأواء) الكتيبة التي يضرب لونها إلى السواد من صدأ الحديد (والأشهب)
الأبيض يتخلله سواد.
(٧) النواهق العظمان الشاخصان من ذي الحافر في مجرى الدمع اي عاري النواهق من اللحم
ويحمد في الفرس ان يكون قليل لحم الخدين (والنجاء) الاسراع (وملهب) بصيغة اسم
الفاعل سريع العدو.
(٨) الشلو العضو من اللحم (والتولب) الجحش.
(٩) اغتره طلب غرته.
(١٠) اختل بالخاء المعجمة اي دخل في خلل قلبه.
(١١) معصما متمسكا (ويقصب) بالصاد المهملة اي لم يقطع وفي نسخة لم يقضب بالضاد المعجمة
وهو بمعناه
(١٢) أراد بالمتبتل الراهب وسمي متبتلا لقطعه نفسه عن الناس من البتل وهو القطع (والقائم)
صومعة الراهب. وهذا البيت وما بدعه إلى ١٣ بيتا إشارة إلى ما روي مما حاصله انه لما سار
أمير المؤمنين " ع " إلى حرب صفين اخذ طريق البر وترك الفرات وأصاب أصحابه عطش
شديد فلاح لهم دير فهتف به فأشرف من صومعته فال هل قرب قائمك من ماء قال بيني
وبين الماء أكثر من فرسخين فسار قليلا ونزل بموضع فيه رمل وأشار إلى مكان فكشفوه
فأصابوا تحته صخرة بيضاء عظيمة تلمه فأمرهم بقلعها فلم يقدروا فاقتلعها بيده ونحاها فإذا
تحتها ماء فشرب الناس وارتووا وحملوا منه " الحديث ".
(١٣) رواه السيد المرتضى (تأتيه ليس بحيث تلقى عامرا) وفي نسخة (يأتيه ليس بحيث يلقى
عامرا) وفي نسخة عامر بالرفع فيلقى يمكن ان يقرأ بالبناء للفاعل وعامرا مفعول أو بالبناء
للمفعول وعامر بالرفع نائب فاعل ويمكن ان يقرأ يلفي أو يلفي بالفاء - والمراد بالأصلع
الأشيب الراهب.
(١٤) في مدمج بذل من قوله في قائم (والمدمج) قال السيد في الشرح هو الشئ المستور
يقال دمج الرجل ودمج بتشديد الميم إذا دخل في شئ فاستتر به وصومعة الراهب تستر من
دخل فيها لا محالة (اه‍) (أقول) الأولى ان يقرأ مدمج اسم مفعول. في الصحاح دمج
الشئ دموجا إذا دخل في الشئ واستحكم فيه والتأم. وفي تاج العروس عن الأزهري
صلح دماج تام محكم قوي وفي التاج أيضا أدمجت الماشطة ضفائر المرأة أدرجتها وملستها
وادمج الحبل أجاد فتله وقيل احكم فتله في رقة ورجل مدمج ومندمج مداخل كالحبل
المحكم الفتل ونسوة مدمجات الخلق كالحبل المدمج (اه‍) فيكون وصف بناء الصومعة بأنه
مدمج إما لأنه قد دخل بعضه في بعض واستحكم والتأم وقوي ولأنه كالحبل المداخل المحكم
الفتل وهو راجع إلى الأول أو لأنه مدرج مملس كالضفيرة ولعل هذا هو الأنسب بقوله زلق
(والزلق) الذي لا تثبت عليه قدم (والأشم) الطويل المشرف (الأبيض) قال السيد هو
ها هنا الطائر الكبير من طيور الماء والعرب تسمي الكبير من طيور الماء أبيض وتشبيه
الصومعة الطويلة بحلقوم طائر الماء من أوقع التشبيه اه‍ (وضيق مستصعب) صفتان لمدمج
وفي نسخة متصعب.
(١٥) الماثل المنتصب. وشبه الراهب بالنسر لعلو سنه (والشظية) قطعه من الجبل منفردة
(والمرقب) المكان العالي.
(١٦) بوثته أسكنته.
(٥٥٤)

- إلا بغاية فرسخين ومن لنا * بالماء بين نقى وقي سبسب (١) -
- فثنى الأعنة نحو وعث فاجتلى * ملساء تبرق كاللجين المذهب (٢) -
- قال اقلبوها انكم ان تقلبوا * ترووا ولا تروون ان لم تقلب -
- فاعصوصبوا في قلعها فتمنعت * منهم تمنع صعبة لم تركب (٣) -
- حتى إذا أعيتهم اهوى لها * كفا متى ترد المغالب تغلب (٤) -
- فكانها كرة بكف حزور * عبل الذراع دحا بها في ملعب (٥) -
- فسقاهم من تحتها متسلسلا * عذبا يزيد على الألذ الأعذب (٦) -
- حتى إذا شربوا جميعا ردها * ومضى فخلت مكانها لم يقرب -
- أعني ابن فاطمة الوصي ومن يقل * في فضله وفعاله لم يكذب -
- ليست ببالغة عشير عشير ما * قد كان اعطيه مقالة مطنب -
- صهر النبي وجاره في مسجد * طهر بطيبة للرسول مطيب (٧) -
- سيان فيه عليه غير مذمم * ممشاه ان جنبا وان لم يجنب (٨) -
- وسرى بمكة حين بات مبيته * ومضى بروعة خائف مترقب (٩) -
- خير البرية هاربا من شرها * بالليل مكتتما ولم يستصحب (١٠ -
- باتوا وبات على الفراش ملفعا * فيرون ان محمدا لم يذهب (١١) -
- حتى إذا طلع الشميط كأنه * في الليل صفحة خدادهم مغرب (١٢) -
- ثاروا لاخذ أخي الفراش فصادفت * غير الذي طلبت اكف الخيب -
- فوقاه بادرة الحتوف بنفسه * حذرا عليه من العدو المجلب -
- حتى تغيب عنهم في مدخل * صلى الاله عليه من متغيب -
- وجزاه خير جزاء مرسل أمة * أدى رسالته ولم يتهيب -
- فتراجعوا لما رأوه وعاينوا * أسد الاله وعصبوا في منهب (١٣) -
- قالوا اطلبوه فوجهوا من راكب * في مبتغاه وطالب لم يركب -
- حتى إذا قصدوا لباب مغارة * ألفوا عليه نسيج غزل العنكب -
- صنع الاله له فقال فريقهم * ما في المغار لطالب من مطلب -
- ميلوا وصدهم المليك ومن يرد * عنه الدفاع مليكه لا يعطب -
- حتى إذا امن العيون رمت به * خوص الركاب إلى مدينة يثرب (١٤) -
- فاحتل دار كرامة في معشر * آووه في سعة المحل الارحب -
- وله بخيبر إذ دعاه لراية * ردت عليه هناك أكرم منقب -
- إذ جاء حاملها فاقبل متعبا * يهوي بها العدوي أو كالمتعب -
- يهوي بها وفتى اليهود يشله * كالثور ولى من لواحق أكلب -
- غضب النبي لها فأنبه بها * ودعا أخا ثقة لكهل منجب (١٥) -
- رجلا كلا طرفيه من سام وما * حام له باب ولا بأبي أب (١٦) -
- من لا يفر ولا يرى في نجدة * الا وصارمه خضيب المضرب (١٧) -
- فمشى بها قبل اليهود مصمما * يرجو الشهادة لا كمشي الأنكب (١٨) -
- تهتز في يمنى يدي متعرض * للموت أروع في الكريهة محرب (١٩) -
- في فيلق فيه السوابغ والقنا * والبيض تلمع كالحريق الملهب -
- والمشرفية في الأكف كأنها * لمع البروق بعارض متحلب -
- وذوو البصائر فوق كل مقلص * نهد المراكل ذي سبيب سلهب (٢٠) -
- حتى إذا دنت الأسنة منهم * ورموا فنالهم سهام المقنب (٢١) -
- شدوا عليه ليرجلوه فردهم * عنه بأسمر مستقيم الثعلب (٢٢) -
- ومضى فاقبل مرحب متذمرا * بالسيف يخطر كالهزبر المغضب (٢٣) -
- فتخالسا مهج النفوس فاقلعا * عن جري احمر سائل من مرحب -
- فهوى بمختلف القنا متجدلا * ودم الجبين بخده المتترب (٢٤) -
- أجلي فوارسه واجلى رجله * عن مقعص بدمائه متخضب (٢٥) -

(١) النقا قطعة من الرمل محدودبة (والقي) بكسر القاف وتشديد الياء في القاموس قفر الأرض
وفي شرح السيد المرتضى الصحراء الواسعة ويوجد في بعض النسخ الصخرة الواسعة وهو
تصحيف (والسبسب) الأرض القفر.
(٢) الوعث المكان اللين الذي لا يسلك لأن الاخفاف تغيب فيه ومن الرمل كل لين سهل
(واجتلى) اي نظر إلى صخرة ملساء وانجلت لعينه (واللجين) الفضة.
(٣) اعصوصبوا اجتمعوا وصاروا عصبة واحدة.
(٤) في نسخة متى ترمي المغالب تغلب وفي نسخة متى يوما تغالب تغلب.
(٥) الحزور الغلام القوي (والعبل) الغليظ الممتلئ
(٦) المتسلسل السلس في الحلق ويقال انه البارد أيضا
(٧) أراد بالمسجد مسجد النبي " ص " بالمدينة وهي طيبة (ومطيب) اي طاهر كقوله تعالى فتيمموا
صغيدا طيبا ويحتمل ان يكون المراد أنه مضمخ بالطيب.
(٨) إشارة إلى ما روي من أن الله تعالى اوحى إلى نبيه " ص " ان يسد جميع الأبواب النافذة إلى المسجد
الا بابه وباب علي (ع) ومنع أحدا ان يمر في المسجد جبنا غيرهما.
(٩) سرى سار ليلا وفاعل سرى ومضى خير البرية في البيت الذي بعده وفاعل بات راجع إلى علي
(ع) (ومبيته) اي الموضع الذي كان يبيت فيه النبي " ص " وهذا إشارة إلى مبيت علي (ع) على
فراش الرسول " ص " ليلة الغار (الروعة) الخوف (والترقب) الانتظار.
(١٠) اي عند خروجه من داره لأنه كان قد أمر صاحبه وهند بن أبي هالة ان يقعدا له بمكان ذكره
لهما في طريقه إلى الغار.
(١١) ملفعا اي مغطى.
(١٢) الشميط الصبح لاختلاط بياضه بباقي ظلمة الليل وكل خليطين فهما شميط (وأدهم) اي
فرس أدهم (ومغرب) بالغين المعجمة وضم الميم وفتح الراء قال السيد في شرح الفرس
المغرب هو الذي ابيضت أشفار عينيه (اه‍) وفي الصحاح المغرب ما أبيض أشفاره من كل
شئ وفي تاج العروس المغرب من الخيل التي تتسع غرته في وجهه حتى تجاوز عينيه (اه‍)
فوجه التشبيه اختلاط سواده ببياضه وفي بعض النسخ معرب بالعين المهملة وهو تصحيف
لان المعرب من الخيل الذي ليس فيه عرق هجين ويقال اعرب الفرس فهو معرب إذا صهل
فبأن عنقه وسلامته من الهجنة وذلك لا يناسب المقام.
(١٣) وعصبوا هكذا في بعض النسخ ومعناه غير ظاهر وفي نسخة (وغيضوا) ولا يظهر له أيضا
معنى يناسب وفي نسخة (مجالدا) ومعناه ظاهر (ومنهب) يمكن ان يكون من النهب ضرب
من الركض نص عليه اللحياتي اي تراجعوا في مركض اي راكضين.
(١٤) في القاموس الخوص محركة غؤر العين خوص كفرح فهو أخوص (اه‍) والخوص هنا جمع
خوصاء كحمر وحمراء (والركاب) الإبل وتخصيص خوص الركاب بالذكر كأنه لبيان انها
لشدة سيردها غارت عيونها.
(١٥) أراد بالكهل المنجب أبا طالب والد أمير المؤمنين (ع).
(١٦) قال السيد في الشرح يروى أجلي والاجلى الذي انحسر شعر رأسه حتى بلغ النصف
(وسام) والد البيضان (وحام) والد السودان.
(١٧) النجدة القتال وشدة الباس.
(١٨) الأنكب المنحرف.
(١٩) المحرب كمنبر الحسن البلاء في الحرب.
(٢٠) المقلص بوزن اسم الفاعل قال السيد مأخوذ من التشمير في الثياب وغيرها ووصف الفرس
بذلك لتشمر لحمه وارتفاعه عن قوائمه (ونهد المراكل) اي كثير لحم المراكل وهي مواضع
ركل الفارس برجله يصف جسمه بالحسن والتمام. (والسبيب) والسبيبة خصل شعر
الناصية وجمعها سبائب (والسلهب) الطويل.
(٢١) قال السيد: المقنب كمنبر جماعة الخيل إذا غارت وليست بالكثيرة.
(٢٢) ليرجلوه بالراء والجيم اي ليحطوه عن فرسه ويجعلوه راجلا ويروى ليزحلوه بالزاي والحاء،
المهملة اي ليمنحوه (والأسمر) الرمح (والثعلب) طرف الرمح الداخل في السنان ويسمى
مدخل الرمح من السنان جبة السنان.
(٢٣) متذمرا قال السيد يحتمل ان يكون من الذمر وهو الشجاع المنكر كأنه قال اقبل متشجعا
مقدما متهجما وأن يكون من الحث يقال ذمرته إذا حثثته كأنه قال اقبل حاتا لنفسه (اه‍)
ويحتمل أن يكون من قولهم ذمر الأسد اي زأر (ويخطر) من قولهم خطر البعير إذا مشى فضرب
بذنبه يمينا وشمالا (والهزبر) الأسد.
(٢٤) مختلف القنا الموضع الذي تختلف فيه جهات الطعن (ومتجدلا) ملقى على الجدالة وهي
الأرض السهلة.
(٢٥) أجلي انكشف (وفوارسه ورجله) اي الفرسان والرجالة (والمقعص) المقتول والقعص القتيل
يقال ضربه فأقعسه ومات قعصا إذا اصابته ضربة أو رمية فمات في مكانه.
(٥٥٥)

- فكان زوره العواكف حوله * من بين خامعة ونسر أهدب (١) -
- شعث لعامظة دعوا لوليمة * أو يأسرون تخالسوا في منهب (٢) -
- فاسال فإنك سوف تخبر عنهم * وعن ابن فاطمة الأغر الأغلب (٣) -
- وعن ابن عبد الله عمرو قبله * وعن الوليد وعن أبيه الصقعب (٤) -
- وبني قريضة يوم فرق جمعهم * من هاربين وما لهم من مهرب -
- وموائلين إلى أزل ممنع * رأسي القواعد مشمخر حوشب (٥) -
- رد الخيول عليهم فتحصنوا * من بعد أرعن جحفل متحزب (٦) -
- إن الضباع متى تحس بنباة * من صوت أشوس تقشعر وتهرب (٧) -
- فدعوا ليمضي حكم احمد فيهم * حكم العزيز على الذليل المذنب (٨) -
- فرضوا باخر كان أقرب منهم * دارا فمتوا بالجوار الأقرب (٩) -
- قالوا الجوار من الكريم بمنزل * يجري لديه كنسبة المتنسب -
- فقضى بما رضي الاله لهم به * بالحرب والقتل الملح المخرب (١٠) -
- قتل الكهول وكل أمرد منهم * وسبى عقائل بدنا كالربرب (١١) -
- وقضى عقارهم لكل مهاجر * دون الالى نصروا ولم يتهيب -
- وبخم إذ قال الاله بعزمة * قم يا محمد بالولاية فاخطب -
- وانصب أبا حسن لقومك انه * هاد وما بلغت ان لم تنصب -
- فدعاه ثم دعاهم فاقامه * لهم فبين مصدق ومكذب -
- جعل الولاية بعده لمهذب * ما كان يجعلها لغير مهذب -
- وله مناقب لا ترام متى يرد * ساع تناول بعضها يتذبذب (١٢) -
- انا ندين بحب آل محمد * دينا ومن يحببهم يستوجب -
- منا المودة والولاء ومن يرد * بدلا بال محمد لا يحبب -
- وكان قلبي حين يذكر أحمدا * ووصي احمد نيط من ذي مخلب -
- بذرى القوادم من جناح مصعد * في الجو أو بذرى جناح مصوب (١٣) -
- حتى يكاد من النزاع إليهما * يفري الحجاب عن الضلوع الصلب (١٤) -
- هبة وما يهب الاله لعبده * يزدد ومهما لا يهب لا يوهب -
- يمحو ويثبت ما يشاء وعنده * علم الكتاب وعلم ما لم يكتب -
قصيدة الحاج هاشم الكعبي المتوفى سنة ١٢٢١:
- أخذوا بمسروب السراب وجانبوا * عذبا يمير الوافدين برودا -
- مصباح ليلتها صباح نهارها * يمنى نداها تاجها المعقودا -
- بشر أقل صفاته ان عاينوا * منهن ما ظنوا به المعبودا -
- ضلت قريش كم تقيس بسابق * الحلبات ملطوم الجبين مذودا -
- يا صاحب المجد الذي لجلاله * عنت السرايا منصفا وعنيدا -
- لك غر أفعال إذا استقريتها * أخذت علي مفاوزا ونجودا -
- وصفات فضل أشكلت معنى فلا * اطلاق يكشفها ولا تقييدا -
- ومراتب قلدتها بمناقب * كالعقد تلبسه الحسان الخودا -
- ما مر يومك أبيضا عند الندى * الا انثنى بدم العدا خنديدا -
- اجيته بأبيك وجه خريدة * فكسوت أبيض خدها التوريدا -
- انى يشق غبار شاوك معشر * كنت الوجود لهم وكنت الجودا -
- يجنون ما غرست يداك قضية * ألقت على شهب العقول خمودا -
- انى هم والخيل ينشر وقعها * نقعا تخال به السماء كديدا -
- ومواقف لك دون أحمد جاوزت * بمقامك التعريف والتحديدا -
- فعلى الفراش مبيت ليلك والعدي * تهدي إليك بوارقا ورعودا -
- فرقدت مثلوج الفؤاد كأنما * يهدي القراع لسمعك التغريدا -
- فكفيت ليلته وقمت معارضا * بالنفس لا فشلا ولا رعديدا -
- واستصبحوا فرأوا دوين مرادهم * جبلا أشم وفارسا صنديدا -
- رصدوا الصباح لينفقوا كنز الهدى * أ وما دروا كنز الهدى مرصودا -
- وغداة بدر وهو أم وقائع * كثرت وما زالت لهن ولودا -
- قابلتهن فلم تدع لعقودها * نظما ولا لنظامهن عقيدا -
- فالتاح عتبة ثاويا بيمين من * يمناه أردت شيبة ووليدا -
- سجدت رؤوسهم لديك وانما * كان الذي ضربت عليه سجودا -
- وتوحدت بعد ازدواج والذي * ندبت إليه لتهتدي التوحيدا -
- وقضية المهراس عن كثب وقد * عم الفرار اساودا وأسودا -
- فشددت كالليث الهزبر فلم تدع * ركنا لجيش ضلالة مشدودا -
- وكشفتهم عن وجه أبيض ماجد * لم يعرف الأدبار والتعريدا -

(١) العواكف من العكوف وهو طول المقام (والخامعة) الضبع لأنها تتخمع في مشيها فتمشي كأن بها
عرجا والخمع والخماع العرج (والأهدب) كثير أشفار العين قال أسيد انما وصفه بأنه أهدب
لسبوع ريشه ولحوقه بالأرض (اه‍) يعني انه استعار كثرة الأشفار لكثرة الريش.
(٢) شعث جمع أشعث وهو البعيد العهد بالدهن (ولعامظة) باللام والعين المهملة والميم والظاء
المعجمة جمع لعموظ كعصفور وهو النهم الشره (والياسرون) جمع ياسر وهو في الأصل
الجزار الذي يلي قسمة الجزور ثم استعمل في الضارب بالقداح والمقامر على الجزور وهو المراد
هنا (وتخالسوا) خلس بعضهم بعضا اي اخذه خلسة وغفلة وذلك شأن المتقامرين
(والمنهب) موضع النهب والسلب.
(٣) ابن فاطمة هو أمير المؤمنين (ع) لان امه فاطمة بنت أسد (والأغر) قال السيد هو ذو الغرة
البيضاء ويوصف بذلك الكريم النجيب (والأغلب) قال السيد الأفعل من الغلبة وهو أشبه
ها هنا بالمعنى من أن يريد به القصير العنق الغليظها لان الغلباء من الأعناق القصيرة
الغليظة.
(٤) ابن عبد الله عمرو وهو بن عبد ود وسماه ابن ابن عبد الله نظرا إلى الحقيقة (والوليد) هو ابن عتبة
ابن ربيعة قتلة علي (ع) يوم بدر وشرك مع عمه حمزة في قتل عتبة (والصعقب) الطويل
من الرجال.
(٥) موائلين لاجئين (والأزل) الذي تزل به الاقدام لطوله ووعورة طرقه وهو حصنهم.
(والمشمخر) العالي (والحوشب) بالحاء المهملة والشين المعجمة العظيم الجنبين.
(٦) في لسان العرب الرعن أنف يتقدم الجبل والجمع رعان ومنه قيل للجيش العظيم أرعن وجيش
أرعن له فضول كرعان الجبال وقيل هو المضطرب لكثرته (والجحفل) الجيش الكثير الوافر
(ومتحزب) بالزاي قال السيد مشتق من الحزب وهو الجماعة من الناس والجمع احزاب اه‍
وفي نسخة متحرب بالراء اي غضبان يقال حربته بالتشديد اي حملته على الغضب. وقوله
من بعد أرعن متعلق بتحصنوا اي بعدما جاءهم الجيش الأرعن المتحزب دخلوا حصنهم
وتحصنوا به من الجيش.
(٧) النبأ الصوت (والأشوس) الرافع رأسه تكبرا وأراد به هنا الأسد (تقشعر) ترجف.
(٨) الذليل إذا كان مذنبا كان ذلك أشد لخضوعه وخشوعه.
(٩) المت في النسب ان تصل نفسك بغيرك. ولما حوصروا وضاق ذرعهم دعاهم النبي " ص " لينزلوا
على حكمه فأبوا ورضوا بحكم سعد بن معاذ لأنه كان جارا لهم فظنوا أنه يحكم بما يوافقهم
فحكم بقتل مقاتليهم وسبي ذراريهم وقسمة أموالهم بين المهاجرين.
(١٠) الملح المستمر (والمخرب) بالخاء المعجمة فإنه إذا استمر عليهم القتل اخلى ديارهم واخربها.
(١١) العقائل جمع عقيلة وهي الكريمة من النساء (والبدن) جمع بادن يقال للمذكر والمؤنث وهي
الوافرة لحم الجسم (الربرب) جماعة بقر الوحش ما كان دون العشرة.
(١٢) التذبذب الاضطراب والتردد والتحير.
(١٣) الذرى جمع ذروة وذروة كل شئ أعلاه (والقوادم) جمع قادمة وهن أربع ريشات في مقدم
الجناح وتليهن المناكب ثم الأباهر ثم الخوافي ثم الكلى أو الذنابي أربعة أربعة فذلك عشرون
ريشة (والمصعد) الصاعد علوا (والمصوب) الهاوي سفلا. ومعنى البيتين ان قلبي عند
ذكرهما يطير مسرة بهما واشتياقا إليهما وينزو ويعلو ويجئ ويذهب ارتياحا ونزاعا حتى كأنه
معلق بأعلى ريش طائر ذي مخلب يرتفع به ويهبط وخض ذا المخلب لأنه أقوى الطير.
(١٤) يفري يقطع وأراد بالحجاب حجاب القلب (والصلب) بضم الصاد وتشديد اللام المفتوحة
قال السيد في الشرح هي حجارة المسن، والصلب - يعني بضم الصادر وسكون اللام -
الموضع الغليظ " اه‍ " وهو من الصلابة ضد الرخاوة ولا يخفى ان الصلب بمعنى حجارة
المسن لا تناسب المقام والصلبة ضد الرخوة لا يقال في جمعها صلب الا ان يكون أراد
بالصلب الشبيهة بحجارة المسن في الصلابة.
(٥٥٦)

- وعشية الأحزاب لما أقبلت * كالسيل مفعمة تقود القودا -
- عدلت عن النهج القويم وأقبلت * حلف الضلال كتائبا وجنودا -
- فأبحت حرمتها وعدت بكبشها * في القاع تطعمه السباع حنيدا -
- وبني قريضة والنضير وسلحم * والواديين وخثعما وزبيدا -
- مزقت جيب نفاقهم فتركتهم * أمما لعارية السيوف غمودا -
- وشللت عشرا فاقتنصت رئيسهم * وتركت تسعا للفرار عبيدا -
- وعلى حنين أين يذهب جاحد * لما ثبت به وراح شريدا -
- ولخيبر خبر يصم حديثه * سمع العدى ويفجر الجلمودا -
- يوم به كنت الفتى الفتاح والكرار * والمحبوب والصنديدا -
- من بعد ما ولى الجبان براية * الايمان تلتحف الهوان برودا -
- ورأتك فانتشرت بقربك بهجة * فعل الودود يعاين المودودا -
- فنصرتها ونضرتها فكانما * غصن يرنحه الصبا املودا -
- فغدوت ترقل والقلوب خوافق * والنصر يرمي نحوك الاقليدا -
- فلقيتها وعقلت فارسها ولا * عجب إذا افترس الهزبر السيدا -
- ويل امه أيظنك النكس الذي * ولى غداة الطعن يلوي الجيدا
وتبعتها فحللت عقدة تاجها * بيد سمت ورتاجها الموصودا -
- وجعلته جسرا فقصر فاغتدت * طولى يمينك جسرها الممدودا -
- وأبحت حصنهم المشيد فلم يكن * حصن لهم من بعد ذاك مشيدا -
- وحديث أهل النكث عسكر عسكر * بهم البهيمة جندها المحشودا -
- لاقاك فارسهم فبغدد هاربا * لو كان محتوم القضا مردودا -
- وعلى ابن هند طار منك بأشأم * يوم غدا لبني الولاء سعودا -
- ألفى جحاش الكرملين فقادهم * جهلا فأبئس قائدا ومقودا -
- فغدوت مقتنصا نفوس كماته * لله مقتنص يصيد الصيدا -
- حتى إذا اعتقد الفنا * ورأى القنا مذروية ورأى الحسام حديدا -
- وبدا له العضب الذي من قبله * قد فل آباء له وجدودا -
- رفع المصاحف لا ليرفعها علا * لكن ليخفض قدرها ويكيدا -
- فجنى بها ثمر الأمان وخلفه * يوم يجرعه الشراب صديدا -
- وكذاك أهل النهر ساعة فارقوا * بفراقهم لجلالك التأييدا -
- فوضعت سيفك فيهم فأفادهم * تلفا فديتك متلفا ومبيدا -
- ولقد روى مسروقهم عن امه * والحق ينطق منصفا وعنيدا -
- قالت هم شر الورى ومبيدهم * خير الورى أكرم بذاك مبيدا -
- سبقت مكارمك المكارم مثلما * ختمت لعمر فخارك التأبيدا -
- اني لأعذر حاسديك على العلا * وعلاك عذري لو عذرت حسودا -
- فليحسد الحساد مثلك انه * شرف يزيد على المدى تجديدا -
- ما أنصفتك عصابة جهلتك إذ * جعلت لذاتك في الوجود نديدا -
- ثم ارتقت حتى أبتك رضى بمن * لم يرض كعبك أن يراه صعيدا -
- ضلت أدلتها أ تبدل بالعمى * رشدا وبالعدم المحال وجودا -
قصيدة الشيخ كاظم الآزري المتوفى سنة ١٢٠١ وهذه القصيدة تبلغ
ألف بيت أكلت الأرضة منها أكثر من أربعمائة بيت بعد أن احتفظ بها
صاحبها في طومار ولم يبق منها الا ٥٧٨ بيتا نأخذ منها ما يلي:
- أسد الله ما رأت مقلتاه * نار حرب تشب الا اصطلاها -
- فارس المؤمنين في كل حرب * قطب محرابها امام وغاها -
- لم يخض في الهياج الا وابدى * عزمة يتقي الردى إياها -
- ذاك رأس الموحدين وحامي * بيضة الدين من اكف عداها -
- من ترى مثله إذا صرت الحر * ب ودارت على الكلمات رحاها -
- ذاك قمقامها الذي لا يروي * غير صمصامه أوام صداها -
- وبه استفتح الهدى يوم بدر * من طغاة أبت سوى طغواها -
- صب صوب الردى عليهم همام * ليس يخشى عقبى التي سواها -
- يوم جاءت وفي القلوب غليل * فسقاها -
- حسامه ما سقاها فأقامت ما بين طيش ورعب * وكفاها ذاك المقام كفاها -
- ظهرت منه في الوغى سطوات * ما أتى القوم كلهم ماتاها -
- يوم غصت بجيش عمرو بن ود * لهوات الفلا وضاق فضاها -
- وتخطى إلى المدينة فردا * بسرايا عزائم ساراها -
- فدعاهم وهم ألوف ولكن * ينظرون الذي يشب لظاها -
- أين أنتم عن قسور عامري * تتقي الأسد بأسه في شراها -
- فابتدى المصطفى يحدث عما * تؤجر الصابرون في أخراها -
- قائلا ان للجليل جنانا * ليس غير المجاهدين يراها -
- أين من نفسه تتوق إلى * الجنات أو يورد الجحيم عداها -
- من لعمرو وقد ضمنت * على الله له من جنانه أعلاها -
- فالتووا عن جوابه كسوام * لا تراها مجيبة من دعاها -
- وإذا هم بفارس قرشي * ترجف الأرض خيفة إذ يطأها -
- قائلا ما لها سواي كفيل * هذه ذمة علي وفاها -
- ومشى يطلب الصفوف كما * تمشي خماص الحشا إلى مرعاها -
- فانتضى مشرفيه فتلقى * ساق عمرو بضربة فبراها -
- وإلى الحشر رنة السيف منه * يملأ الخافقين رجع صداها -
- يا لها ضربة حوت مكرمات * لم يزن ثقل اجرها ثقلاها -
- هذه من علاه إحدى المعالي * وعلى هذه فقس ما سواها -
- وبأحد كم فل آحاد شوس * كلما أوقدوا الوغى اطفاها -
- يوم دارت بلا ثوابت إلا * أسد الله كان قطب رحاها -
- يوم خانت نبالة القوم عهدا * لنبي الهدى فخاب رجاها -
- يوم خانت نبالة القوم عهدا * لنبي الهدى فخاب رجاها -
- وتراءت لها غنائم شتى * فاقتفى الأكثرون اثر ثراها -
- وأحاطت به مذاكي الأعادي * بعد ما أشرفت على استيلاها -
- فترى ذلك النفير كما تخبط * في ظلمة الدجى عشواها -
- يتمنى الفتى ورود المنايا والمنايا * لو تشترى لاشتراها -
- كلما لاح في المهامة برق * حسبته قنا العدى وظباها -
- لم تخلها الا أضالع عجف * قد رآها السرى فحل براها -
- لأتلمها لحيرة وارتياع * فقدت عزها فعز عزاها -
- ان يفتها ذاك الجميل فعذرا * إنما حلية الرجال حجاها -
- قد أراها في ذلك اليوم ضربا * لو رأته الشبان شابت لحاها -
- وكساها العار الذميم بطعن * من حلى الكبرياء قد أعراها -
- يوم سالت سيل الرمال ولكن * هب فيها نسيمة فذراها -
- لا ترم وصفه ففيه معان * لم يصفها إلا الذي سواها -
- وله يوم خيبر فتكأت * كبرت منظرا على من رآها -
- يوم قال النبي اني لأعطي * رايتي ليثها وحامي حماها -
- فاستطالت أعناق كل فريق * ليروا أي ماجد يعطاها -
- فدعا أين وارث العلم والحلم * مجير الأيام من باساها -
- أين ذو النجدة الذي لو دعته * في الثريا مروعة لباها -
(٥٥٧)

فاتاه الوصي أرمد عين * فسقاه من ريقه فشفاها -
- ومضى يطلب الصفوف فولت * عنه علما بأنه أمضاها -
- وبرى مرحبا بكف اقتدار * أقوياء الاقدار من ضعفاها -
- ودحا بابها بقوة باس * لو حمتها الأفلاك منه دحاها -
- عائد للمؤملين مجيب * سامع ما تسر من نجواها -
- من تلقى يد الوليد بضرب * حيدري بري اليراع براها -
- وسقى منه عتبة كأس بؤس * كان صرفا إلى المعاد احتساها -
- ورأى تيه ذي الخمار فردا * ه من الذل بردة ما ارتداها -
- ومن المهتدي بيوم حنين * حين غاوي الفرار قد أغواها -
- حيث بعض الرجال تهرب من * بيض المواضي والبعض من قتلاها -
- حيث لا يلتوي إلى الألف إلف * كل نفس أطاشها ما دهاها -
- من سقاها في ذلك اليوم كأسا * فايضا بالمنون حتى رواها -
- أعجب القوم كثرة العد منها * ثم ولت والرعب حشو حشاها -
- وقفوا وقفة الذليل وفروا * من اسود الشري فرار مهاها -
- وعلي يلقى الألوف بقلب * صور الله فيه شكل فناها -
- انما تفضل النفوس بجد * وعلى قدره مقام علاها -
- لو تراه وجوده مستباح * قبل كشف العفاة سر عفاها -
- خلت من أعظم السحائب سحبا * سقت الروض قبل ما استسقاها -
- وهو للدائرات دائرة السعد * الا ساء حظ من ناواها -
- لم يدع ذلك الطبيب كلوما * قد أساءت بالدهر الا اساها -
- صادق الفعل والمقالة يحوي * غرة مثل حسنه حسناها -
- لم تفه ملة من الشرك الا * فض بالصارم الإلهي فاها -
- وطواها طي السجل همام * نشر الحرب علمه وطواها -
- كم عرا مشكل فحل عراه * ليس للمشكلات الا فتاها -
- واسال الأعصر القديمة عنه * كيف كانت يداه روح غذاها -
- اي نفس لا تهتدي بهداه * وهو من كل صورة مقلتاها -
- وبخم ما ذا جرى يوم خم * تلك أكرومة أبت ان تضاهى -
- ذاك يوم من الزمان أبانت * ملة الحق فيه عن مقتداها -
- كم حوى ذلك الغدير نجوما * ما جرت أنجم الدجى مجراها -
- إذ رقى منبر الحدايج هاد * طاول السبعة العلى برقاها -
- موقفا للأنام في فلوات * وعرات بالقيظ يشوى شواها -
- أيها الناس حدثوا اليوم عني * وليبلغ أدنى الورى أقصاها -
- كل نفس كانت تراني مولى * فلتر اليوم حيدرا مولاها -
- رب هذي أمانة لك عندي * واليك الأمين قد أداها -
- وال من لا يرى الولاية الا * لعلي وعاد من عاداها -
* * *
- أيها الراكب المجد رويدا * بقلوب تقلبت في جواها -
- ان تراءت أرض الغريين فاخضع * واخلع النعل دون وادي طواها -
- وإذا شمت قبة العالم الأعلى * وأنوار ربها تغشاها -
- فتواضع فثم دارة قدس * تتمنى الأفلاك لثم ثراها -
- قل له والدموع سفح عقيق * والجوى تصطلي بنار غضاها -
- يا بن عم النبي أنت يد الله * التي عم كل شئ نداها -
- حسبك الله في ماثر شتى * هي مثل الاعداد لا تتناهى -
- ليت عينا بغير روضك ترعى * قذيت واستمر فيها قذاها -
- يا أبا النيرين أنت سماء * قد محا كل ظلمة قمراها -
- لم يزل بانتظارك الدين حتى * جردت كف عزمتيك ظباها -
- فجعلت الرشاد فوق الثريا * ومقام الضلال تحت ثراها -
- إنما الباس والتقى والعطايا * حلبات بلغت اقصى مداها -
قصيدة الشيخ عبد المهدي مطر انشدها يوم الاحتفال بافتتاح الباب
الذهبي الذي أهداه بعض الإيرانيين لمقام أمير المؤمنين في النجف سنة
١٣٧٣:
- ارصف بباب علي أيها الذهب * واخطف بابصار من سروا ومن غضبوا -
- وقل لمن كان قد أقصاك عن يده * عفوا إذا جئت منك اليوم اقترب -
- لعل بادرة تبدو لحيدرة * ان ترتضيك لها الأبواب والعتب -
- فقد عهدناه والصفراء منكرة * لعينه وسناها عنده لهب -
- ما قيمة الذهب الوهاج عند يد * على السواء لديها التبر والترب -
- ما سره أن يرى الدنيا له ذهبا * وفي البلاد قلوب شفها السغب -
- ولا تضجر أكباد مفتتة * حتى يذوب عليها قلبه الحدب -
- أو يسقط الدمع من عيني مولهة * أجابها الدمع من عينيه ينسكب -
- تهفو حشاه لانات اليتيم بلا * أم تناغي ولا يحنو عليه أب -
- هذي هي السيرة المثلى تموج بها * روح الوصي وهذا نهجه اللحب -
- فاحذر دخول ضريح أن تطوف به * الا بإذن علي أيها الذهب -
- باب به ريشة الفنان قد لعبت * فأودعته جمالا كله عجب -
- تكاد لا تدرك الابصار دقته * مما تماوج في شرطانه اللهب -
- كان لجة أنوار تموج به * خلالها صور الرائين تضطرب -
- سبائك صبها الابداع فارتسمت * روائع الفن فيها الحسن منسكب -
- يدنو الخيال لها يوما لينعتها * وصفا فيرجع منكوسا وينقلب -
- أدلت بها يد فنان منقمة * تعنو لروعتها الأجيال والحقب -
- ملء الجوانح ملء العين رهبتها * ومربض الليث غاب ملؤه رهب -
* * *
- يا قالع الباب والهيجاء شاهدة * من بعد ما طفحت كأس بمن هربوا -
- بابان لم ندر في التبريح أيهما * أشهى إليك حديثا حين يقتضب -
- باب من التبر أم باب يقومه * مسماره وجذوع النخل والخشب -
- هذا يشع عليه التبر ملتهبا * وذاك راح بنار الحقد يلتهب -
- وأي داريك أحرى أن نطوف بها * وأن تجللها الأستار والحجب -
- دار تحج بها الدنيا لمجدك أم * دار عليك بها العادون قد وثبوا -
- هذي تدال بها للحق دولته * زهوا وفي تلك فئ الحق يغتصب -
- حتى إذا جاءت الدنيا مكفرة * عما جنته وجاء الدهر يتهب -
- شادت عليك ضريحا تستطيل على * هام السماء به الاعلام والقبب -
- وتلك عقبى صراع قد صبرت له * وذا فدينك مظلوما هو الغلب -
* * *
- بلغ معاوية عني مغلغلة * وقل له وأخو التبليغ ينتدب -
- قم وانظر العدل قد شيدت عمارته * والجور عندك خزي بيته خرب -
- تبني على الظلم صرحا رن معوله * بجانبيه وهدت ركنه النوب -
- أبت له حكمة الباري بصرختها * ان لا يخلد مختال ومرتكب -
- قم وانظر الكعبة العظمى تطوف بها * حشد الألوف وتجثو عندها الركب -
- تأتي له من أقاصي الأرض طالبة * وليس الا رضا الباري هو الطلب
(٥٥٨)

قل للمعربد حيث الكاس فارغة * خفض عليك فلا خمر ولا عنب -
- سموك زورا أمير المؤمنين وهل * يرضى بغير علي ذلك اللقب -
- هذا هو الرأس معقود لهامته * تاج الخلافة فاخسأ أيها الذنب -
* * *
- يا باب حطة سمعا فالحقيقة قد * تكشفت حيث لا شك ولا ريب -
- مواهب الله قد وافتك مجزية * ما كنت تبذل من نفس وما تهب -
- هذي هي الوقفات الغر كنت بها * للدين حصنا منيعا دونه الهضب -
- هذي هي الضربات الوتر يعرفها * ضلع بها انقد أو جنب بها يجب -
- هذي هي اللمعات البيض كان بها * عن وجه خير البرايا تكشف الكرب -
- هذي هي النفس قد روضت جامحها * فراق للعين منها عيشها الجشب -
- فلا الخوان لها يوما ملونة * منه الطعوم ولا ابرادها قشب -
- لا تكتسي وفتاة الحي عارية * ولا تعب ومهضوم الحشا سغب -
- نفس هي الطهر ما همت بموبقة * وليس تعرف كيف الذنب يرتكب -
- هذي التي انقادت الأجيال خاشعة * لهديها وترامت عندها النجب -
- تعيفوا وركبنا في سفينته * فميز اللج من عافوا ومن ركبوا -
- وساوموا فاشترينا حب حيدرة * ولا نبيع ولو أن الدنا ذهب -
- يا فرصة كنت للاسلام ضيعها * حقد النفوس وابلى جدها اللعب -
- شجوا برغمك أمرا أنت تعصبه * في ذمة الله ما شجوا وما شجبوا -
- فرحت تنفض من هذا الحطام يدا * إذ شمت فيه يد الأطماع تنتشب -
- تكالب عنه قد نزهت محتقرا * له وعندك ما يشفى به الكلب -
- فاستنزلوك عن العرش الذي ارتفعت * بك القواعد منه فهو منتصب -
- لو أنصفوك لفاظ العلم منتشرا * في الخافقين وسارت بالهدى كتب -
- ولازدهى باسمك الاسلام دوحته * فينانة وفناه مربع خصب -
- ولابتنيت عليه من سماء علا * ما ليس تافل عن آفاقها الشهب -
- لله أنت فقد حملت من محن * ما لم يطق صابر في الله محتسب -
- أمر به ضاقت الدنيا بما رحبت * ولم يضق عنه يوما صدرك الرحب -
* * *
- جاءتك فارس باسم الباب يجذبها * لك الولاء على شوق فتنجذب -
- أن يبعدوا عنك بالأوطان نائية * فكم لهم قربات باسمها قربوا -
- هم في المحاريب أشباح مقوسة * وفي الحروب ليوث غابها أشب -
قصيدة الشاعر المصري الشيخ محمد بن عبد المطلب المتوفى سنة
١٣٥٠:
- أبا السبطين كيف تفي المعاني * نثارا في مديحك أو نظاما -
- مقام دونه نجب القوافي * وإن كانت مسمومة كراما -
- فحسبك يا أخا الشعراء عذرا * رميت بها مكانا لن يراما -
- وما ادراك ويحك ما علي * فتكشف عن مناقبه اللثاما -
- ومن هو كلما ذكرت قريش * أناف على غواربها سناما -
- تبصر هل ترى إلا عليا * إذا ذكر الهدى ذاك الغلاما -
- غلام يبتغي الاسلام دينا * ولما يعد أن بلغ الفطاما -
- إذ الروح الأمين بقم فانذر * أتى طه لينذرهم فقاما -
- وأ متهم إلى الاسلام أم * غدت بالسبق أوفرهم سهاما -
- وصلى حيدر فشأى قريشا * إلى الحسنى فسموه الاماما -
- كأني بالثلاثة في المصلى * جميعا عند ربهم قياما -
- تحييهم ملائكة كرام * وتقرأهم عند الله السلاما -
- وما اعتنق الحنيف بغير رأي * ولم يسلك محجته اقتحاما -
- ولكن النبوة أمهلته * ليجمع رأيه يوما تماما -
- فاقبل والحجى يرخي عليه * جلالا يصغر الشيخ الهاما -
- يمد إلى النبي يد ابن عم * بحبل الله يعتصم اعتصاما -
- وإذ يدعو العشيرة يوم جمع * لينذر في رسالته الأناما -
- فكهل في جهالته تولى * وشيخ في ضلالته تعامى -
- وهذا يوسع المختار لوما * وذلك عن ملامته تحامى -
- وآخر لا يبين له جوابا * أطاع الصمت واجتنب الكلاما -
- وأيده على التقوى أخوه * إذا ما خاف كل أخ وخاما -
- ولجت في عمايتها قريش * تصارحه العداوة والخصاما -
- وجاشت بين أضلعها قلوب * على الاسلام تلتهب احتداما -
- فما فعل الفتى والشر تغلي * مراجله وتهتزم اهتزاما -
- مضى كالسيف لم يعقد ازارا * على ريب ولم يشدد حزاما -
- يروح على مجامعهم ويغدو * كشبل الليث يعترم اعتراما -
- صغير السن يخطر في إباء * فلا ضيما يخاف ولا ملاما -
- وما زالت به الأيام ترقى * على درج النهى عاما فعاما -
- وقد جمع الحجى والدين فيه * خلائق تجمع الخير اقتساما -
- فما اوفى على العشرين حتى * شهدنا من عظائمه عظاما -
- فلن ينسى النبي له صنيعا * عشية ودع البيت الحراما -
- عشية سامه في الله نفسا * لغير الله تكبر ان تساما -
- فارخصها فدى لأخيه لما * تسجى في حظيرته وناما -
- وأقبلت الصوارم والمنايا * لحرب الله تنتحم انتحاما -
- فلم يأبه لها انفا علي * ولم تقلق بحفنيه مناما -
- وأغشى الله أعينهم فراحت * ولم تر ذلك البدر التماما -
- وغادرت البطاح به ركاب * إلى الزوراء تعتزم اعتزاما -
- وفي أم القرى خلى أخاه * على وجد به يشكو الأواما -
- أقام بها ليقضيها حقوقا * على الهادي بها كانت لزاما -
- فان يك عهده فيها وبالا * على الطاغوت أو داءا عقاما -
- فكم طابت به للحق نفس * بطيبة حين أوطنها مقاما -
- وكم شهدت له الزوراء يوما * وكم حمد الحنيف له مقاما -
- سل الرايات كم شهدت عتيا * يصرف تحتها الجيش اللهاما -
- كأني بابن عتبة يوم بدر * يعاني تحت مجثمه جثاما -
- ولو علم الوليد بمن سيلقى * لألقى قبل مصرعه السلاما -
- رويد بني ربيعة قد ظلمتم * بني الأعمام والرحم الحراما -
- وصلناكم بها وقطعتموها * فكان الحزم أن تردوا الحماما -
- فهل ينسون للفرقان يوما * سقاهم من صوارمنا سماما -
- وما صهر النبي إذا تنادوا * كمن يدعو ربيعة أو هشاما -
- ومن غدت البتول إليه تهدى * بنى في النجم بيتا لا يسامى -
- بأمر الله قد زفت إليه * عشية راح يخطبها وساما -
- كأني بالملائك إذ تدلت * بذاك البيت تزدحم ازدحاما -
- فلو كشف الحجاب رأيت فيه * جنود الله تنتظم انتظاما -
- أطافوا بالحظيرة في جلال * صفوفا حول فاطمة قياما -
- تفيض على منصتها وقارا * وتكسو حسن طلعتها وساما -
(٥٥٩)

فلا يحزن خديجة ان تولت * ولم تبلغ بجلوتها مراما -
- تولاها الذي ولى أباها * رسالته وزوجها الاماما -
- قران زاده الاسلام يمنا * وشمل زاده الحب التئاما -
- فان تك خير من عقدت ازارا * وأكرم كل من أرخت لثاما -
- فما شغلته عن خوض المنايا * إذا التطمت زواخرها التطاما -
- فان تسأل فسائل عنه أحدا * غداة هناك طير الموت حاما -
- وجاءت في زمازمها قريش * يهزون المثقف والهذاما -
- فقطر كبشها وهوى صريعا * على الدقعاء يلتهم الرغاما -
- هوى من تحت رايتهم فخرت * بام الأرض ترتطم ارتطاما -
- فويح المسلمين هناك ولوا * فرارا لا اسميه انهزاما -
- وخلوا ثم احمد في وغاها * بجند الكفر يصطدم اصطداما -
- فارجف بالنبي هناك قوم * فعاذوا حول موقفة حياما -
- وحطم غمد صارمه علي * وذب عن النبي بها وحامى -
- واقبل نحوهم وهوى إليهم * هوي الباز يعتبط الحماما -
- فطاروا عن مواقفهم شعاعا * وطاحوا في مصارعهم حطاما -
- فذاك ولو ترى إذ جاب قوم * على الاسلام خندقه اقتحاما -
- واقبل في لباس الباس عمرو * يزيد على مخيلته عراما -
- فجال منازلا ودعا مدلا * فعم الهول حين دعا وغاما -
- نزال بني الهدى هل من كمي * يسوم الخلد بالنفس استياما -
- هنالك بادر الكرار لما * غدوا والرعب قد منع الكلاما -
- إذا ما هم اقعده أخوه * وزاد إلى اللقاء جوى فقاما -
- مكانك يا علي فذاك عمرو * له الابطال يوم وغى تحامى -
- فقال وان يكن عمرا فاني * علي سوف ألجمه الحساما -
- فلم يك غير أن اودى ابن ود * وخاض السيف في دمه وعاما -
- وعاد إلى النبي يفيض بأسا * ويزخر في حميته جماما -
- وراح الكفر يرجف جانباه * وامسى عضب عزته كهاما -
- وسائل يوم خيبر عن علي * تجد فيها مأثره جساما -
- إذ الرايات في جهد عليها * تعاصي الفتح والهرب استداما -
- فاقبل بالعقاب على خميس * يهرول مسرعا يمضي إماما -
- فشد على مناكبها وثاقا * ولف على معاطسها خطاما -
- ولم تغن الحصون ولا الصياصي * وان قام الحديد لها دعاما -
- واقبل مرحب في الباس يحوا * وكان الباس صاحبه لزاما -
- وما علم الفتى ان المنايا * خططن بذي الفقار له مناما -
- وان له من الكرار يوما * عبوسا مدنيا منه الحماما -
- ضفا حلق الحديد عليه مثنى * وظاهر فوق بيضته الرخاما -
- فشد على الامام بذي شطوب * تضمن حده موتا زؤاما -
- فزال مجنه فإذا رتاج * هناك تخاله جبلا تسامى -
- فسل يسراه كيف تلقفته * وقد أعيا تحمله فئاما (١) -
- علاه بضربة لو أن رضوى * تلقاها لعاد بها هياما (٢) -
- فلم يعصمه من حين رخام * ولم يجد الحديد له عصاما -
- وعادت خيبر لله فيئا * يقسم في كتائبه اقتساما -
- فدع عنك المواطن والمغازي * ومن سل الظبا فيها وشاما -
- ومن اجرى عتاق الخيل قبا * فأوطاها من الأعداء هاما -
- يخوض بها المواطن معلمات * ونصر الله كان لها علاما -
- فما وجدت كحيدرة إماما * يصيد الصيد فذا أو تواما -
- وسل أهل السلام تجد عليا * امام الناس يبتدر السلاما -
- حوى علم النبوة في فؤاد * طما بالعلم زخارا فطاما (٣) -
- سقاه الحق أفواق المعاني * وهيمه بها حبا فهاما -
- رمى في عالم الأنوار سبحا * إلى سوح الجلال به ترامى -
- ونفسا لم تذق طعم الدنايا * ولا لذت من الدنيا طعاما -
- غذاها الدين مذ كانت فشبت * على التقوى رضاعا وانفطاما -
- ونشاها على كرم وأيد * وصاع من الجلال لها قواما -
- زكت فسمت عن الدنيا طلابا * واضنى حبها قوما وتاما (٤) -
- طوى عنها على الضراء كشحا * وعن فاني زخارفها تسامى -
- ووجهها فاض نور الله فيه * فالبسه المهابة والقساما (٥) -
- يروع الليث منظره عبوسا * ويخجل ضاحك الغيث ابتساما -
- ترى فيه مخايل خندفي (٢) * بسيما الحق يزدان اتساما -
- وفيض يد من الوسمي أندى * إذا الحي اشتكى سنة أزاما -
- على حب الطعام يصد عنه * ليطعمه الأرامل واليتامى -
- سل القرآن أو جبريل تعلم * مكارم لن تبيد ولن تراما -
- من الأبرار يغتبقون كأسا * من الرضوان مترعة وجاما -
- علي والبتول وكوكباه * ضياء الأرض ان أفق أغاما -
- ثناء في الكتاب له عبير * تقصر عنه أرواح الخزامي -
- وكم اجرى على المحراب دمعا * لخوف الله ينسجم انسجاما -
- إذا ما قام في المحراب قامت * له زمر الملائكة احتشاما -
- صلاة الليل يجعلها سحورا * إذا ما في الغداة نوى الصياما -
- ترى صبر القنوع له غذاء * جرى دمع الخشوع له إداما -
- رأينا في الكهولة منه شيخا * حوى الجد اشتمالا واعتماما -
- فما للدهر لم يعرف حقوقا * له شيخا ولم ينكر ظلاما -
- سجا ليل الحوادث بعد طه * فعم الدين والدنيا ظلاما -
- وحلت بالخلافة مرزئات * طواحن تحتشي الناس التهاما -
- رمت بالمسلمين إلى شتات * وأمسى حبل وحدتهم رماما -
- فمنهم من أقام بكسر بيت * وأخلد للسكينة فاستناما -
- وطائفة على الحق استقرت * فكانت بين إخوتها قواما -
- تبايع وهي راضية عليا * وترعى في خلافته الذماما -
- وأخرى أوضعت في الخلف تغلو * ولم تحذر عواقبه الوخاما -
- رضوا بالسيف لما حكموه * فقام السيف بالامر احتكاما -
- وأقبلت الجياد الجرد تعدو * على الآكام تحسبها النعاما -
- إلى صفين تحشدها منايا * وقد غص الفضاء بها زحاما -
- أقام الموت في صفين سوقا * وأرخصت النفوس بها سواما -
- ترى مضرا تبيع بها نزارا * ولخما تستبيح بها جذاما -

(١) الفئام الجماعة من الناس.
(٢) الهيام الرمل المهيل.
(٣) طام حسن عمله.
(٤) تام يتم.
(٥) القسام الحسن.
(٦) خندقي منسوب إلى خندق كزبرج لقب ليلى بنت حلوان بن عمران زوجة الياس بن مضر من
أجداد النبي " ص " واليها تنسب قريش وكل من ولده الياس.
(٥٦٠)

ألا صلى الآله على نفوس * ترى في الحق مصرعها لزاما -
- تموت على منازعها كراما * فتحيا في منازعها كراما -
- فلما كاد حكم السيف يمضي * وولى الجمع واستبقوا الخياما -
- أناب إلى الكتاب دهاء عمرو * دهاء يأكل السيف الحساما -
- وما هم بالكتاب أبر منه * ولا أولى بحكمته ائتماما -
- ولكن حيلة جرت بلاء * على الدنيا وأياما وخاما -
- إذا الحكمان بالأمر استقلا * فليتهما على النهج استقاما -
- لقد قرنوا أبا موسى بعمرو * وما ادراك ما عمرو إذا ما -
- مضى الحكمان ما حسما خلافا * ولا فضا لمشكلة ختاما -
- أمير المؤمنين ارى زمانا * لحربك هز مخذمه وشاما -
- واقبل بالوفاء على ابن حرب * يصافيه المودة والوئاما -
- فما نقمت أمية منك حتى * تناصبك العداء والانتقاما -
- بلى ان الزمان لفي ضلال * لوى في الحق وانتهك الذماما -
- زهاهم زخرف الدنيا فهاموا * مع الشيطان بالدنيا غراما -
- وليس لطالب الدنيا دواء * إذا كانت له الدنيا سقاما -
- رمى بالخرق أقوام عليا * وهم أولى بما زعموا اتصاما -
- فما شهد الزمان له سفاها * ولا نكروا له رأيا عقاما -
- ولا يغني الأريب حجى ورأي * إذا قاد الأسافل والطغاما -
- علمنا رأيه فلقا مبينا * له نهج على الحق استقاما -
- رأى ورأوا فسد وما أصابوا * وأيقظ حزمه وجثوا نياما -
- فاكبر همه مذ كان طفلا * حدود الله يحرص ان تقاما -
- فليتهم وعوا خطبا أتتهم * ضوافي تسمع الصم السلاما -
- سوابغ نسج أروع هاشمي * سما ملك البيان به وسامى -
- إذا ابتدر المقالة يوم خطب * وهز على منصتها الحساما -
- أصاخ النجم أبرقت المواضي * وزايلت الضراغمة الأجاما -
- إذا ما رن صوت الحق فيها * تولى الإفك وانحطم انحطاما -
- بني الشامات ويحكم أفيقوا * علا م تنكب الحسنى علاما -
- ظلمتم سيد الأبرار لما * ركبتم في عداوته الثماما -
- سلوا الصديق والفاروق عنه * كم اعتصما بحكمته اعتصاما -
- وكم وردا له رأيا نجيحا * وكم سلكا به سبلا قواما -
- بني الشامات ويحكم شققتم * عصا الاسلام فانقسم انقساما -
- مددتم خوارج حبل خلف * به شدوا إلى الفتن الحزاما -
- فيا قتل الخوارج يوم جروا * على الاسلام أدهية دهاما -
- لقد مردت بفاجرها مراد * على العدوان لا بلغت مراما -
- ألا تبت يد بالغدر ثارت * تمد إلى أبي حسن حساما -
- لو أن السيف كان له خيار * لعرد عنه وانثلم انثلاما -
- ولكن القضاء جرى برزء * له انفصمت عرى الصبر انفصاما -
- به فجع المدينة والمصلى * وزلزل بطن مكة والمقاما -
- نعى الناعي أبا حسن فراحت * بواكي الدين تلتدم التداما -
- بنفسي غرة يجري عليها * دم أزكى من المسك اشتماما -
- بنفسي إذ يجود بخير نفس * تخاف على الحنيفة أن تضاما -
- مضى زين الصحابة في سبيل * إلى ملأ بجيرته استهاما -
- إلى دار السلام مضى علي * وجاور في منازلها السلاما -
من قصيدة لسفيان بن مصعب العبدي المتوفى حدود سنة ١٢٠:
- ما هز عطفي من شوقي إلى وطني * ولا اعتراني من وجد ومن طرب -
- مثل اشتياقي من بعد ومنترح * عن الغري وما فيه من الحسب -
- أذكى ثرى ضم أزكى العالمين فذا * خير الرجال وهذي أشرف الترب -
- إن كان عن ناظري بالغيب محتجبا * فإنه عن ضميري غير محتجب -
- مرت عليه ضروع المزن رائحة * من الجنوب فروته من الحلب -
- بل جاد ما ضم ذاك الترب من شرف * مزن المدامع من جار ومنكسب -
- ولو تكون لي الأيام مسعدة * لطاب لي عنده بعدي ومقتربي -
- يا راكبا جسرة تطوي مناسمها * ملاءة البيد بالتقريب والخبب -
- بلغ سلامي قبرا بالغري حوى * أوفى البرية من عجم ومن عرب -
- واجعل شعارك لله الخشوع به * وناد خير وصي صنو خير نبي -
- اسمع أبا حسن ان الأولى عدلوا * عن حكمك انقلبوا عن خير منقلب -
- ما بالهم نكبوا نهج النجاة وقد * أوضحته واقتفوا نهجا من العطب -
- ودافعوك عن الأمر الذي اعتلقت * زمامه من قريش كف مغتصب -
- ظلت تجاذبها حتى لقد خرمت * خشاشها (١) تربت من كف مجتذب -
- وأنت توسعه صبرا على مضض * والحلم أحسن ما يأتي مع الغضب -
- وكنت قطب رحى الاسلام دونهم * ولا تدور رحى الا على قطب -
- ما أنت الا أخو الهادي وناصره * ومظهر الحق والمنعوت في الكتب -
- وزوج بضعته الزهراء يكنفها * دون الورى وأبو أبنائها النجب -
- من كل مجتهد في الله معتضد * بالله معتقد لله محتسب -
- وارين هادين ان ليل الظلام دجا * كانوا لطارقهم اهدى من الشهب -
- لقبت بالرفض لما ان منحتهم * ودي وأفضل ما أدعى به لقبي -
- صلاة ذي العرش تترى كل آونة * على ابن فاطمة الكشاف للكرب -
من قصيدة لعبد الباقي العمري المتوفى سنة ١٢٧٨:
- أنت العلي الذي فوق العلى رفعا * ببطن مكة وسط البيت إذ وضعا -
- وأنت ذاك الهزبر الأنزع البطل ال‍ * ذي بمخلبه للشرك قد نزعا -
- وأنت يعسوب نحل المؤمنين إلى * اي الجهات انتحى يلقاهموا تبعا -
- وأنت من حمت الاسلام وفرته * ودرعت لبدتاه الدين فأدرعا -
- وأنت من فجع الدين المبين به * ومن بأولاده الاسلام قد فجعا -
- وأنت أنت الذي لله ما وصلا * وأنت أنت الذي لله ما قطعا -
- لله در فتى الفتيان منك فتى * ضرع الفواطم في مهد الهدى رضعا -
- نهج البلاغة نهج عنك بلغنا * رشدا به اجتث عرق الغي فانقمعا -
- ما فرق الله شيئا في خليقته * من الفضائل الا عندك اجتمعا -
- أبا الحسين انا حسان مدحك لا * انفك أظهر في انشائه البدعا -
من قصيدة لأبي تمام الطائي المتوفى سنة ٢٣١:
- اخوه إذا عد الفخار وصهره * فلا مثله أخ ولا مثله صهر -
- وشد به أزر النبي محمد * كما شد موسى بهارونه الأزر -
- وما زال صبارا دياجير غمرة * يمزقها عن وجهه الفتح والنصر -
- هو السيف سيف الله في كل مشهد * وسيف الرسول لا ددان ولا دثر (٢) -
- فأي يد للذم لم يبر زندها * ووجه ضلال ليس فيه له إثر -
- ثوى ولا هل الدين امن بحده * وللواصمين الدين في حده ذعر -

(١) الخشخاش بالكسر ما يدخل في عظم أنف البعير من الخشب.
(٢) الددان كسحاب من لا غناء عنده والسيف الكهام (والدثر) بالفتح الرجل البطئ الخامل
النؤوم.
(٥٦١)

يسد به الثغر المخوف من الردى * ويعتاص (١) من أرض العدو به الثغر -
- بأحد وبدر حين ماج برجله * وفرسانه أحد وماج بهم بدر -
- ويوم حنين والنضير وخيبر * وبالخندق الثاوي بعقوته عمرو -
- سما للمنايا الحمر حتى تكشفت * وأسيافه حمر وأرماحه حمر -
- مشاهد كان الله كاشف كربها * وفارجه والأمر ملتبس إمر -
- ويوم الغدير استوضح الحق أهله * بفيحاء لا فيها حجاب ولا سر -
- أقام رسول الله يدعوهم بها * ليقربهم عرف وينآهم نكر -
- فكان له جهر باثبات حقه * وكان لهم في بزهم حقه جهر -
- لكم ذخركم ان النبي ورهطه * وجيليهم ذخري إذا التمس الذخر -
- جعلت هواي الفاطميين زلفة * إلى خالقي ما دمت أو دام لي عمر -
استدراك
مما يستدرك على اخباره ع أيام خلافته ما ذكره المؤرخون
ومنهم ابن خلكان انه أصاب أهل الكوفة مجاعة وبها غالب أبو الفرزدق
الشاعر فخرج أكثر الناس إلى البوادي وكان غالب ممن خرج وهو رئيس
قومه، وخرج سحيم بن وثيل الرياحي وهو رئيس قومه، واجتمعوا بمكان
يقال له صوأر بوزن جعفر على مسيرة يوم من الكوفة فعقر غالب لأهله ناقة
وصنع منها طعاما واهدى إلى قوم من بني تميم لهم جفانا من ثريد ووجه إلى
سحيم جفنة فكفاها وضرب الذي أتاه بها وقال: انا مفتقر إلى طعام
غالب؟ إذا نحر هو ناقة نحرت أنا أخرى، فوقعت المنافرة بينهما وكان
ينبغي لسحيم لو عقل ان يقبل الهدية والكرامة وينحر ويهدي لغالب كما
اهدى له وعقر سحيم لأهله ناقة، فعقر غالب من الغد ناقتين، فعقر سحيم
ناقتين، فعقر غالب في اليوم الثالث ثلاثا، فعقر سحيم ثلاثا، فعقر غالب
في اليوم الرابع مائة ناقة فلم يكن عند سحيم هذا القدر فلم يعقر شيئا، فلما
عاد الناس إلى الكوفة قال بنو رياح لسحيم جررت علينا عار الدهر هلا نحرت
مثلما نحر وكنا نعطيك مكان كل ناقة ناقتين، فاعتذر بغياب ابله وعقر
ثلثمائة ناقة وقال للناس شأنكم بها، وكان ذلك في خلافة أمير المؤمنين
علي بن أبي طالب ع فاستفتي في حل الأكل منها فقضى بحرمتها
وقال: هذه ذبحت لغير مأكلة ولم يكن المقصود منها الا المفاخرة والمباهاة
فألقيت لحومها على كناسة الكوفة فأكلتها الكلاب والعقبان والرخم اه
هكذا وردت هذه الرواية والذي يلوح لي انه ع نهى عن الأكل منها
لا لأن لحمها كان بمنزلة الميتة بل لتقبيح هذا الفعل والمبالغة في النهي عن مثله
قطعا لمادة المفاخرة التي تجر إلى أسوأ العواقب فان من ذبح للمباهاة والمفاخرة
وسمى على الذبيحة لم تحرم، نعم هو بقصده ذلك مراء مأثوم.
٤: أبو محمد الحسن بن علي بن أبي طالب ع
ثاني أئمة أهل البيت الطاهر وأول السبطين سيدي شباب أهل الجنة
ريحانتي المصطفى واحد الخمسة أصحاب العبا. أمه فاطمة بنت رسول
الله ص سيدة نساء العالمين.
مولده الشريف
ولد بالمدينة ليلة النصف من شهر رمضان على الصحيح المشهور بين
الخاصة والعامة وقيل في شعبان ولعله اشتباه بمولد أخيه الحسين ع
سنة ثلاث أو اثنتين من الهجرة وقيل غير ذلك ولكن المشهور
الأثبت أحد هذين. وهو أول أولاد علي وفاطمة ع روى
الكليني في الكافي عن الصادق ع انه كان بين الحسن والحسين
ع طهر واحد وكان بينهما في الميلاد ستة أشهر وعشر فالعشر هي
أقل الطهر والستة الأشهر مدة الحمل، وذكر علي بن إبراهيم في تفسيره انه
كان بينهما طهر واحد وان الحسين ع كان في بطن امه ستة أشهر ولكن
ينافي ذلك ما ذكروه في تاريخ ولادتهما من أن الحسن ع ولد منتصف
شهر رمضان سنة ثلاث أو اثنتين والحسين ع لخمس خلون من شعبان
سنة أربع أو ثلاث فيكون بين ميلاديهما عشرة أشهر وعشرون يوما وهو الذي
اعتمده ابن شهرآشوب في المناقب وإذا كان ميلاد الحسن ع سنة اثنتين
والحسين ع سنة أربع يكون بين ميلاديهما سنة وعشرة أشهر وعشرون
يوما وهو قريب مما حكي عن قتادة من أن بين ولادتيهما سنة وعشرة أشهر
فالظاهر أنه وقع اشتباه في نسبة الولادة لستة أشهر إلى الحسين ع وانما
هي للحسن ع فالراوي سمع ان بين ولادة الحسن والحمل بالحسين طهر
واحد وان الحسن ولد لستة أشهر فنسي ونسبه إلى الحسين أو وقع الاشتباه
من الرواة بين الاسمين لتقارب الحروف خصوصا في الخط القديم الذي هو
بغير نقط فرتب على هذا الاشتباه أن بينهما في الميلاد ستة أشهر وعشرا ونسب
ذلك إلى الصادق ع ملفقا من روايتين إحداهما ان بين الحمل
والولادة طهر واحد هي صواب والثانية ان الحسين ولد لستة أشهر وهو
اشتباه وانما هو للحسن والله أعلم وعن الواقدي ان بين ولادة الحسن
والحمل بالحسين خمسين ليلة.
فلما ولد الحسن قالت فاطمة لعلي سمه فقال ما كنت لأسبق باسمه
رسول الله ص فجاء النبي ص فاخرج إليه فقال: اللهم إني أعيذه بك وولده
من الشيطان الرجيم وأذن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى وفي أسد الغابة عن
أبي احمد العسكري سماه النبي ص حسنا ولم يكن يعرف هذا الاسم في
الجاهلية. وروى الكليني بسنده عن الصادق ع قال عق رسول الله
ص عن الحسن بيده وقال بسم الله عقيقة عن الحسن وقال اللهم عظمها
بعظمه ولحمها بلحمه ودمها بدمه وشعرها بشعره اللهم اجعلها وقاء لمحمد
وآله وفي رواية عق عنه بكبشين أملحين. ولعل الرواية انه عق عن
الحسن والحسين بكبشين أملحين كما في طبقات ابن سعد من أنه عق عنهما
بكبشين فوقع اشتباه في النقل، واعطى القابلة فخذا ودينارا وحلق رأسه وامر
أن يتصدق بزنة شعره فضة فكان وزنه درهما وشيئا وقيل بل أمر أمه ان تفعل
ذلك قال ابن الصباغ فصارت العقيقة والتصدق بوزن الشعر سنة مستمرة
عند العلماء بما فعله النبي ص في حق الحسن وطلى رأسه بالخلوق وقال الدم
فعل الجاهلية، وفي أسد الغابة بسنده عن أم الفضل زوجة العباس بن عبد
المطلب انها قالت يا رسول الله رأيت كان عضوا من أعضائك في بيتي قال
خيرا رأيت تلد فاطمة غلاما فترضعينه بلبن قثم فولدت الحسن فأرضعته بلبن
قثم.
كنيته أبو محمد لا غير كناه به النبي ص كما في أسد الغابة عن أبي احمد
العسكري.
لقبه
أشهر ألقابه: التقي والزكي والسبط

(١) يعتاص يقوى ويشتد.
(٥٦٢)

نقش خاتمه
في الفصول المهمة: العزة لله وحده وفي الوافي وغيره عن الرضا
ع العزة لله وفي عنوان المعارف للصاحب بن عباد الله أكبر
وبه أستعين وفي الوافي وغيره عن الصادق ع أن نقش خاتم
الحسن والحسين ع حسبي الله.
بوابه
سفينة مولى رسول الله ص.
ملك عصره معاوية
أولاده
كان له خمسة عشر ولدا ما بين ذكر وأنثى وهم: زيد، أم الحسن،
أم الحسين، أمهم أم بشير بنت أبي مسعود الخزرجية. الحسن، امه خولة
بنت منضور الفزارية. عمر. القاسم عبد الله، أمهم أم أولد.
عبد الرحمن، امه أم ولد. الحسين الملقب بالأثرم. طلحة، فاطمة أمهم
أم اسحق بنت طلحة بن عبيد الله التميمي. أم عبد الله. فاطمة. أم
سلمة. رقية، لأمهات شتى ولم يعقب منهم غير الحسن وزيد.
صفته ع في خلقه وحليته
عن الغزالي في الاحياء والمكي في قوت القلوب ان النبي ص قال
للحسن ع اشبهت خلقي وخلقي. وقال المفيد في الارشاد كان الحسن
ع أشبه الناس برسول الله ص خلقا وهيأة وهديا وسؤددا. وفي أسد
الغابة بسنده عن انس بن مالك لم يكن أحد أشبه برسول الله ص من
الحسن بن علي وروى البغوي الحسين بن مسعود في كتابه مصابيح السنة
عن انس بن مالك مثله وزاد: وقال في الحسين أيضا كان أشبههم برسول
الله ص أقول قال ذلك انس لما رأى رأس الحسين ع بين يدي ابن
زياد. والجمع بين الحديثين يقتضي ان يكون الحسن أشبه الناس به ما عدا
الحسين، والحسين أشبه به ما عدا الحسن وحاصله انه لم يكن أحد أشبه
برسول الله ص منهما ع وقد يجمع بينهما بما رواه أحمد بن حنبل في
مسنده بسنده عن علي ع أنه قال الحسن أشبه برسول الله ص ما بين
الصدر إلى الرأس والحسين أشبه ما أسفل من ذلك اه ويمكن ان يجمع
بينهما بان الحسن كان في حياته أشبه برسول الله ص من أخيه الحسين ومن
جميع الناس وبعد وفاة الحسن ع صار الحسين ع أشبه بجده من بقية
الناس وحاصله ان الحسين أشبه به ص بعد الحسن ولكن قد ينافي ذلك ما
حكي عن الزهراء ع انها كانت ترقص الحسن ع
وتقول:
- أشبه أباك يا حسن * واخلع عن الحق الرسن -
- وأعبد إلها ذا منن * ولا توال ذا الإحن -
وقالت للحسين ع:
- أنت شبيه بأبي * لست شبيها بعلي -
مع امكان الجمع أيضا بإرادة الشبه من بعض الجهات دون بعض لا
عموم الشبه من جميع الوجوه والله أعلم. وكيف كان فمما جاء في صفته ع
ما رواه غير واحد من العلماء منهم ابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة
مرفوعا إلى أحمد بن محمد بن أيوب المقبري وغيره قالوا: كان الحسن ع
أبيض اللون مشربا بحمرة أدعج (١) العينين سهل الخدين (٢) دقيق المسربة (٣)
كث اللحية (٤) ذا وفرة (٥) كان عنقه بريق فضة (٦) عظيم الكراديس (٧) بعيد ما
بين المنكبين ربعة ليس بالطويل ولا بالقصير مليحا من أحسن الناس وجها
وكان يخضب بالسواد وكان جعد الشعر (٨) حسن البدن وقال ابن سعد: كان
الحسن والحسين يخضبان بالسواد اه.
صفته في أخلاقه واطواره
ذكر غير واحد من العلماء ان الحسن ع كان من أوسع الناس
صدرا وأسجحهم خلقا. وقال المدائني: كان الحسن ع أكبر ولد علي
وكان سيدا سخيا حليما وكان رسول الله ص يحبه.
وروى الصدوق في الأمالي باسناده عن الصادق عن أبيه عن جده
ع ان الحسن بن علي بن أبي طالب كان أعبد الناس في زمانه
وأزهدهم وأفضلهم وكان إذا حج حج ماشيا وربما مشى حافيا، ولا يمر في
شئ من أحواله الا ذكر الله سبحانه وكان أصدق الناس لهجة وأفصحهم
منطقا وكان إذا بلغ باب المسجد رفع رأسه ويقول إلهي ضيفك ببابك يا
محسن قد اتاك المسئ فتجاوز عن قبيح ما عندي بجميل ما عندك يا
كريم. وعن الزبير بن بكار في كتاب انساب قريش. روت زينب بنت أبي
رافع قالت أتت فاطمة ع بابنيها إلى رسول الله ص في شكواه التي توفي
فيها فقالت يا رسول الله هذان ابناك فورثهما شيئا فقال اما حسن فان له
هيبتي وسؤددي واما حسين فان له جرأتي وجودي اه. قال الطبرسي
في إعلام الورى: ويصدق هذا الخبر ما رواه محمد بن إسحاق قال: ما بلغ
أحد من الشرف بعد رسول الله ص ما بلغ الحسن بن علي كان يبسط له
على باب داره فإذا خرج وجلس انقطع الطريق فما يمر أحد من خلق الله
اجلالا له فإذا علم قام ودخل بيته فيمر الناس قال الراوي: ولقد رأيته في
طريق مكة نزل عن راحلته فمشى فما من خلق الله أحدك الا نزل ومشى
حتى رأيت سعد بن أبي وقاص قد نزل ومشى إلى جنبه. وعن واصل بن
عطاء: كان الحسن بن علي ع عليه سيماء الأنبياء وبهاء
الملوك. قال المفيد في الارشاد: كان الحسن بن علي وصي أبيه أمير
المؤمنين ع ووصاه بالنظر في وقوفه وصدقاته وكتب إليه عهدا
مشهورا ووصية ظاهرة في معالم الدين وعيون الحكمة والآداب وقد نقل هذه
الوصية جمهور العلماء واستبصر بها في دينه ودنياه كثير من الفقهاء.
فضائل الحسن والحسين ع
اما شرف النسب فكفاهما ان جدهما محمد المصطفى سيد ولد آدم
ص وأبوهما علي المرتضى سيد الأوصياء وأمهما فاطمة البضعة الزهراء سيدة
النساء. وجدتهما خديجة بنت خويلد أول نساء هذه الأمة اسلاما وأول امرأة

(١) الدعج شدة سواد العين مع سعتها
(٢) صلتهما اي سائل الخدين غير مرتفع الوجنتين
(٣) بفتح الميم وضم الراء الشعر المستدق الذي يأخذ من الصدر إلى السرة
(٤) كثير شعرها.
(٥) الوفرة الشعر إلى شحمة الأذن
(٦) اي سيف فضة في البريق واللمعان وكذلك كانت صفة النبي " ص " وأمير المؤمنين (ع)
(٧) كل عظمين التقيا في مفصل فهو كردوس مثل المنكبين والركبتين
(٨) الجعد ضد السبط.
(٥٦٣)

بذلت أموالها في سبيل الله وأعانت رسول الله ص جهدها على تبليغ رسالته
وخففت من آلامه لاذى قومه.
وعمهما جعفر وعم أبيهما حمزة أسد الله وأسد رسوله ص وسيد الشهداء
وجدهما أبو طالب ناصر رسول الله ص والمدافع عنه والمتحمل الأذى في
سبيله. وجد أبيهما عبد المطلب شيبة الحمد وسيد البطحاء. وجد جدهما
هاشم مطعم الحجيج وهاشم الثريد وسيد قريش:
- شرف تورث كابرا عن كابر * كالرمح انبوبا على أنبوب -
* * *
- خير الفروع فروعهم * وأصولهم خير الأصول -
وقال رسول الله ص: إن الله تعالى جعل ذرية كل نبي من صلبه
خاصة وجعل ذريتي من صلب علي بن أبي طالب اه فكانت ذريته ص
منحصرة في الحسن والحسين وأبنائهما.
وروى النسائي في الخصائص وابن عبد البر في الاستيعاب بالاسناد
عن أبي سعيد الخدري في حديث قال رسول الله ص الحسن والحسين سيدا
شباب أهل الجنة.
وروى النسائي بسنده عن انس بن مالك قال: دخلت أو ربما
دخلت على رسول الله ص والحسن والحسين ينقلبان على بطنه ويقول
ريحانتاي من هذه الأمة.
وفي أسد الغابة باسناده عن عمر بن أبي سلمة ربيب النبي ص قال
نزلت هذه الآية على النبي ص انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت
ويطهركم تطهيرا في بيت أم سلمة فدعا النبي ص فاطمة وحسنا
وحسينا فجللهم بكساء وعلي خلف ظهره ثم قال اللهم هؤلاء أهل بيتي
فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا. قالت أم سلمة وانا معهم يا رسول
الله، قال أنت على مكانك أنت إلى خير.
وباسناده عن زيد بن أرقم: قال رسول الله ص اني تارك فيكم ما ان
تمسكتم به لن تضلوا أحدهما أعظم من الآخر كتاب الله حبل ممدود من
السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض
فانظروا كيف تخلفوني فيهما اه.
شدة حب النبي ص لهما
ووجوب محبتهما على كل واحد وان حبهما حب رسول الله ص
وان بغضهما بغضه
قال المفيد في الارشاد وكانا حبيبي رسول الله ص بين جميع أهله
وروى الترمذي في صحيحه بسنده عن انس بن مالك سئل رسول الله
ص أي أهل بيتك أحب إليك قال الحسن والحسين وكان يقول لفاطمة
ادعي لي ابني فيشمهما ويضمهما إليه.
وروى النسائي في الخصائص بسنده عن أسامة بن زيد عن النبي
ص أنه قال في الحسن والحسين ع وهما على وركيه هذان ابناي وابنا ابنتي
اللهم انك تعلم اني أحبهما فأحبهما ورواه في أسد الغابة بسنده عن النبي
ص مثله. وفي الاستيعاب: روي عن النبي ص من وجوه أنه قال في
الحسن والحسين اللهم إني أحبهما فأحبهما وأحب من يحبهما وفي الإصابة
وعند احمد من طريق عبد الرحمن بن مسعود عن أبي هريرة خرج علينا
رسول الله ص ومعه الحسن والحسين هذا على عاتقه وهذا على عاتقه وهو
يلثم هذا مرة وهذا مرة حتى انتهى إلينا فقال من أحبهما فقد أحبني ومن
أبغضهما فقد أبغضني وقال ص من أحب الحسن والحسين أحببته ومن أحببته
أحبه الله ومن أحبه الله ادخله الجنة ومن أبغضهما أبغضته ومن أبغضته
أبغضه الله ومن أبغضه الله ادخله النار. وروى أبو عمرو الزاهد في
كتاب اليواقيت عن زيد بن أرقم كنت عند النبي ص في مسجده فمرت
فاطمة ص خارجة من بيتها إلى حجرة رسول الله ص ومعها
الحسن والحسين ع ثم تبعها علي ع فرفع رسول الله ص رأسه
إلي فقال من أحب هؤلاء فقد أحبني ومن أبغض هؤلاء فقد أبغضني. وعن
زيد بن أرقم ان النبي ص قال لعلي وفاطمة والحسن والحسين انا سلم لمن
سالمتم وحرب لمن حاربتم. وعن أسلم رأيت الحسن والحسين على عاتق
رسول الله ص فقلت نعم الفرس لكما فقال رسول الله ص ونعم الفارسان
هما.
وروى الترمذي والنسائي في صحيحيهما بالاسناد إلى بريدة كان رسول
الله ص يخطب فجاء الحسن والحسين وعليهما قميصان أحمران يمشيان
ويعثران فنزل رسول الله ص من المنبر فحملهما ووضعهما بين يديه ثم قال
صدق الله انما أموالكم وأولادكم فتنة نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان
ويعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما.
جوامع مناقبهما
روي أن الحسن والحسين ع مرا على شيخ يتوضأ ولا يحسن
الوضوء فاظهرا تنازعا يقول كل منهما للآخر أنت لا تحسن الوضوء وقالا أيها
الشيخ كن حكما بيننا فتوضأ وقالا أينا يحسن الوضوء فقال الشيخ كلاكما
تحسنان الوضوء ولكن هذا الشيخ الجاهل هو الذي لم يحسن وقد تعلم الآن
منكما وتاب على يديكما ببركتكما وشفقتكما على أمة جدكما.
وقال مدرك بن زياد لابن عباس وقد أمسك للحسن ثم للحسين
بالركاب وسوى عليهما ثيابهما: أنت أسن منهما تمسك لهما بالركاب؟ فقال يا
لكع وما تدري من هذان؟ هذان ابنا رسول الله ص أ وليس مما أنعم الله
علي به ان أمسك لهما وأسوي عليهما. وفي تذكرة الخواص في إفراد
البخاري عن ابن عباس: كان رسول الله يعوذ الحسن والحسين فيقول
أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة ويقول إن
أباكما إبراهيم كان يعوذ بها إسماعيل واسحق.
مناقب الحسن ع
شدة محبة النبي ص له
في تذكرة الخواص روى أحمد بن حنبل في المسند بسنده عن البراء بن
عازب: رأيت رسول الله ص واضعا الحسن على عاتقه وهو يقول اللهم إني
أحبه فأحبه متفق عليه وفي رواية فأحب من يحبه. ورواه أبو نعيم في
الحلية بسنده عن البراء الا أنه قال من أحبني فليحبه. وروى أحمد بن حنبل
بسنده عن أبي هريرة في حديث فجاء النبي ص فجلس بفناء بيت فاطمة
ع. إلى أن قال فجاء الحسن يشتد حتى عانقه وقبله وقال اللهم أحبه
وأحب من يحبه متفق عليه. وعن كتاب بشارة المصطفى عن يعلى بن مرة
قال خرجنا مع النبي ص وقد دعي إلى طعام فإذا الحسن ع يلعب في
الطريق فأسرع النبي ص امام القوم ثم بسط يده فجعل يمر مرة هاهنا ومرة
هاهنا يضاحكه حتى اخذه فجعل إحدى يديه في رقبته والاخرى على رأسه
(٥٦٤)

ثم اعتنقه فقبله ثم قال حسن مني وانا منه أحب الله من أحبه اه.
سخاء الحسن ع
روى أبو نعيم في الحلية ان الحسن بن علي ع قاسم الله ماله
نصفين وبسنده خرج الحسن بن علي من ماله مرتين وقاسم الله تعالى
ماله ثلاث مرات حتى إن كان ليعطي نعلا ويمسك نعلا ويعطي خفا
ويمسك خفا. وذكر مثله محمد بن حبيب في أماليه. وذكر ابن سعد في
الطبقات انه قاسم الله ماله ثلاث مرات حتى كان يعطي نعلا
ويمسك نعلا وخرج من ماله لله تعالى مرتين. وفي شرح النهج روى أبو جعفر محمد بن
حبيب في أماليه ان الحسن ع اعطى شاعرا فقال له رجل من جلسائه
سبحان الله أ تعطي شاعرا يعصى الرحمن ويقول البهتان فقال يا عبد الله ان
خير ما بذلت من مالك ما وقيت به عرضك وان من ابتغاء الخير اتقاء
الشر. وروى ابن شهرآشوب في المناقب ان رجلا سأله فأعطاه خمسين ألف
درهم وخمسمائة دينار وقال ائت بحمال يحمل لك فاتى بحمال فأعطاه
طيلسانه وقال هذا كرى الحمال. وجاءه بعض الاعراب فقال اعطوه ما في
الخزانة فوجد فيها عشرون ألف درهم فدفعها إليه فقال الأعرابي يا مولاي
أ لا تركتني أبوح بحاجتي وانشر مدحتي فانشا الحسن ع يقول: نحن
أناس نوالنا خضل الأبيات الآتية. وروى المدائني قال خرج الحسن
والحسين وعبد الله بن جعفر حجاجا ففاتتهم اثقالهم فجاعوا وعطشوا فرأوا
عجوزا في خباء فاستسقوها فقالت هذه الشويهة احلبوها وامتذقوا لبنها
ففعلوا واستطعموها فقالت ليس الا هذه الشاة فليذبحها أحدكم فذبحها
أحدهم وكشطها ثم شوت لهم من لحمها فأكلوا وقالوا عندها فلما نهضوا
قالوا نحن نفر من قريش نريد هذا الوجه فإذا عدنا فألمي بنا فانا صانعون
بك خيرا ثم رحلوا فلما جاء زوجها أخبرته فقال ويحك تذبحين شاتي لقوم لا
تعرفينهم ثم تقولين نفر من قريش ثم مضت الأيام فأضرت بها الحال
فرحلت حتى اجتازت بالمدينة فرآها الحسن ع فعرفها فقال لها أ تعرفينني
قالت لا قال انا ضيفك يوم كذا وكذا فامر لها بألف شاة وألف دينار وبعث
معها رسولا إلى الحسين ع فأعطاها مثل ذلك ثم بعثها إلى عبد الله بن
جعفر فأعطاها مثل ذلك.
تواضعه ع
حكى ابن شهرآشوب في المناقب عن كتاب الفنون وكتاب نزهة
الأبصار ان الحسن ع مر على فقراء وقد وضعوا كسيرات على الأرض وهم
قعود يلتقطونها ويأكلونها فقالوا له هلم يا ابن بنت رسول الله إلى الغداء فنزل
وقال فان الله لا يحب المتكبرين وجعل يأكل معهم ثم دعاهم إلى ضيافته
واطعمهم وكساهم.
اخباره
ارسال علي ابنه الحسن ع إلى الكوفة قبل حرب الجمل
لما خرج أمير المؤمنين ع إلى العراق في اثر أصحاب الجمل ووصل
إلى الربذة بعث عبد الله بن عباس ومحمد بن أبي بكر إلى أبي موسى
الأشعري إلى الكوفة لما بلغه ان أبا موسى يخذل أهلها عن اللحاق به وكان
واليا عليها من قبل عثمان فاقره علي فأبطأ عليه الرجلان قال أبو مخنف فلما
أبطا ابن عباس وابن أبي بكر عن علي ولم يدر ما صنعا رحل عن الربذة إلى
ذي قار فنزلها وبعث إلى الكوفة الحسن ابنه وعمار بن ياسر وزيد بن
صوحان وقيس بن سعد بن عبادة ومعهم كتاب إلى أهل الكوفة فاقبلوا حتى
كانوا بالقادسية فتلقاهم الناس فلما دخلوا الكوفة قرأوا كتاب علي ع.
خطبة الحسن ع بالكوفة
قال أبو مخنف: لما دخل الحسن وعمار الكوفة اجتمع إليهما الناس
فقام الحسن فاستنفر الناس فحمد الله وصلى على رسوله ثم قال:
أيها الناس انا جئنا ندعوكم إلى الله والى كتابه وسنة رسوله والى
أفقه من تفقه من المسلمين واعدل من تعدلون وأفضل من تفضلون وأوفى من
تبايعون من لم يعيه القرآن ولم تجهله السنة ولم تقعد به السابقة إلى من قربه
الله تعالى ورسوله قرابتين قرابة الدين وقرابة الرحم إلى من سبق الناس إلى
كل مأثرة إلى من كفى الله به رسوله والناس متخاذلون فقرب منه وهم
متباعدون وصلى معه وهم مشركون وقاتل معه وهم منهزمون وبارز معه وهم
محجمون وصدقه وهم يكذبون إلى من لم ترد له ولا تكافأ له سابقة وهو
يسألكم النصر ويدعوكم إلى الحق ويأمركم بالمسير إليه لتؤازروه وتنصروه
على قوم نكثوا بيعته وقتلوا أهل الصلاح من أصحابه ومثلوا بعماله وانتهبوا
بيت ماله فاشخصوا إليه رحمكم الله فمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر
واحضروا بما يحضر به الصالحون.
قال أبو مخنف: ولما فرع الحسن بن علي من خطبته قام بعده عمار
فخطب خطبة حث فيها الناس على الخروج إلى أمير المؤمنين ع فلما
سمع أبو موسى خطبة الحسن وعمار قام فصعد المنبر وخطب خطبة طويلة
خذل فيها الناس عن علي وبالغ في ذلك فرد عليه عمار ثم جذبه فنزل عن
المنبر اه وقال الطبري في تاريخه ان عليا ع ارسل ابن عباس من ذي
قار إلى الكوفة فلقي أبا موسى واجتمع الرؤساء فخطبهم أبو موسى
وخذلهم فرجع ابن عباس إلى علي ع فأخبره فدعا الحسن ابنه وعمار بن
ياسر وارسلهما إلى الكوفة فلما قدماها خرج أبو موسى فلقي الحسن ع
فضمه إليه وقال لعمار يا أبا اليقظان أ عدوت فيمن عدا على أمير المؤمنين
وأحللت نفسك مع الفجار قال لم افعل ولم يسؤني فقطع عليهما الحسن
الكلام وقال يا أبا موسى لم تثبط الناس عنا فوالله ما أردنا الا الاصلاح وما
مثل أمير المؤمنين يخاف على شئ قال أبو موسى صدقت بأبي وأمي ولكن
المستشار مؤتمن فغضب عمار ورد عليه فقام رجل من بني تميم ورد على
عمار وثار زيد بن صوحان وطبقته فانتصروا لعمار وصعد أبو موسى المنبر
فقام شبث بن ربعي ورد على زيد وقام الحسن بن علي فقال أيها الناس
أجيبوا دعوة امامكم وسيروا إلى اخوانكم فإنه سيوجد لهذا الأمر من ينصره
والله لأن يليه أولو النهى أمثل في العاجلة وخير في العاقبة فأجيبوا دعوتنا
وأعينونا على امرنا أصلحكم الله.
واتت الاخبار عليا ع باختلاف الناس بالكوفة فقال للأشتر أنت
شفعت في أبي موسى ان أقره على الكوفة فاذهب فاصلح ما أفسدت فاقبل
الأشتر حتى دخل الكوفة ووصل القصر فاقتحمه وأبو موسى يخطب الناس
على المنبر ويثبطهم وعمار يخاطبه والحسن يقول له اعتزل عملنا وتنح عن
منبرنا لا أم لك إذ دخل غلمان أبي أبو موسى يقولون هذا الأشتر قد جاء
فدخل القصر فضربنا وأخرجنا فنزل أبو موسى من المنبر.
(٥٦٥)

اخباره في حرب صفين
حضر الحسن والحسين ع مع أبيهما حرب الجمل وصفين
والنهروان ولم يكن يأذن لهما في مباشرة القتال. في نهج البلاغة: من كلام له
ع في بعض أيام صفين وقد رأى الحسن ابنه ع يتسرع إلى الحرب:
املكوا عني هذا الغلام لا يهدني فاني أنفس بهذين يعني الحسن والحسين
ع على الموت لئلا ينقطع بهما نسل رسول الله ص اه وفي هذا دلالة على أن
الحسنين ع نسل رسول الله ص وولداه وابناه مع ما دلت عليه
آية المباهلة: فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم وانما عنى الحسن والحسين
وسمى الله تعالى عيسى ذرية إبراهيم ع في قوله ومن ذريته داود
وسليمان إلى أن قال ويحيى وعيسى فاما قوله تعالى ما كان محمد أبا أحد من
رجالكم فإنما عنى به زيد بن حارثة لانهم كانوا يقولون إنه ابن محمد. ومن
اخباره يوم صفين ما ذكره نصر بن مزاحم في كتاب صفين قال ارسل عبيد
الله بن عمر إلى الحسن بن علي ع ان لي إليك حاجة فالقني فلقيه الحسن
ع فقال له عبيد الله ان أباك قد وتر قريشا أولا وآخرا وقد شنئه الناس
فهل لك في خلعه وان تتولى أنت هذا الأمر فقال كلا والله لا يكون ذلك ثم
قال يا ابن الخطاب والله لكأني انظر إليك مقتولا في يومك أو غدك اما ان
الشيطان قد زين لك وخدعك حتى أخرجك مخلقا بالخلوق تري نساء أهل الشام
موقفك وسيصرعك الله ويبطحك لوجهك قتيلا قال نصر فوالله ما
كان الا بياض ذلك اليوم حتى قتل عبيد الله فمر الحسن ع فإذا رجل متوسد رجل
قتيل قد ركز رمحه في عينه وربط فرسه برجله فقال الحسن ع
لمن معه انظروا من هذا فإذا رجل من همدان وإذا القتيل عبيد الله بن
عمر بن الخطاب قد قتله الهمداني في أول الليل وبات عليه حتى أصبح
اه وقول عبيد الله هذا للحسن ع خداع ما كان لينطلي على
الحسن.
جعل علي ع الولاية في أوقافه للحسن ثم للحسين ع
جعل أمير المؤمنين على الولاية في أوقافه لابنه الحسن وبعده لأخيه
الحسين ع. فقال في كتاب الوقف الذي رواه السيد الرضي في
نهج البلاغة هذا ما أمر به عبد الله علي بن أبي طالب أمير المؤمنين في ماله
ابتغاء وجه الله فإنه يقوم بذلك الحسن بن علي يأكل منه بالمعروف وينفق منه
بالمعروف فان حدث بحسن حدث وحسين حي قام بالأمر بعده وأصدر
مصدره وان لبني فاطمة من صدقة علي مثل الذي لبني علي واني انما جعلت
القيام بذلك إلى ابني فاطمة ابتغاء وجه الله وقربة إلى رسول الله ص وتكريما
لحرمته وتشريفا لوصلته.
وصايا علي لولده الحسن ع
كتب أمير المؤمنين لولده الحسن وصية جليلة عظيمة طويلة بعد
منصرفه من صفين مذكورة في نهج البلاغة ووصاياه لابنه الحسن وله
وللحسين ع في نهج البلاغة كثيرة.
وصية علي لولده الحسن ع عند وفاته
كان الحسن ع وصي أبيه اوصى إليه لما ضربه ابن ملجم
بالوصية التي ذكرها أبو الفرج الأصفهاني في مقاتل الطالبيين فقال فيها
أوصيك يا حسن وجميع ولدي الخ.
ما فعله الحسن قبيل مقتل أبيه ع
إلى ما بعد دفنه
روى الطبري باسناده عن أبي عبد الرحمن السلمي قال قال لي
الحسن بن علي ع خرجت وأبي يصلي في المسجد فقال لي يا بني
اني بت الليلة اوقظ أهلي لأنها ليلة الجمعة لتسع عشرة ليلة خلت من شهر
رمضان إلى أن قال قال الحسن ع وجاء ابن أبي الهياج فاذنه
بالصلاة فخرج وخرجت خلفه فاعتوره الرجلان فاما أحدهما فوقعت ضربته
في الطاق واما الآخر فاثبتها في رأسه اه والحسن هو الذي تولى غسل
أبيه والصلاة عليه وقتل عبد الرحمن بن ملجم.
وروى أبو الفرج الأصفهاني بسنده ان أمير المؤمنين ع لما
توفي ولى غسله ابنه الحسن وعبد الله بن عباس وصلى عليه ابنه الحسن فكبر
عليه خمس تكبيرات. قال أبو الفرج فاما ابن ملجم فان الحسن بن علي
بعد دفنه أمير المؤمنين دعا به وامر بضرب عنقه فقال له ان رأيت أن تأخذ
علي العهود أن ارجع إليك حتى أضع يدي في يدك بعد أن امضي إلى الشام
فانظر ما صنع صاحبي بمعاوية فإن كان قتله والا قتلته ثم عدت إليك حتى
تحكم في حكمك فقال هيهات والله لا تشرب الماء البارد حتى تلحق روحك
بالنار ثم ضرب عنقه واستوهبت أم الهيثم بنت الأسود النخعية جيفته منه
فوهبها لها فحرقتها بالنار.
خطبته بعد وفاة أبيه ع
وهذه الخطبة رواها الأبشيهي في كتاب المستطرف وأبو الفرج
الأصفهاني في مقاتل الطالبيين ورواها الحاكم في المستدرك بسند كل من فيه
سادة أشراف وبين رواياتهم تفاوت.
خطبته ع برواية الأبشيهي
قال إن الحسن صعد المنبر بعد وفاة أبيه فأراد الكلام فخنقته العبرة
ثم نطق فقال فيما قاله:
الحمد لله ما أحببنا وكرهنا وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك
له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ص وإني احتسب عند الله عز وجل
مصابي بأفضل الآباء رسول الله القائل من أصيب بمصيبة فليتسل بمصيبته
في فإنها أعظم المصائب والله الذي لا إله إلا هو الذي انزل على عبده
الفرقان لقد قبض في هذه الليلة رجل ما سبقه الأولون بعد رسول الله ص
ولا يدركه الآخرون فعند الله نحتسب ما دخل علينا وعلى جميع أمة محمد
ص فوالله لا أقول اليوم إلا حقا إلى أن قال وما ترك صفراء ولا بيضاء
الا سبعمائة درهم أراد ان يبتاع بها خادما لأهله إلا أن أمور الله تعالى
تجري على أحوالها فما أحسنها من أمر الله وما أسوأها من أنفسكم إلا أن
قريشا أعطت أزمتها شياطينها فقادتها بأعنتها إلى النار فمنهم من قاتل رسول
الله ص حتى أظهره الله تعالى عليه ومنهم من أسر الضغينة حتى وجد على
النفاق أعوانا رفع الكتاب وجف القلم وأمور تقضي في كتاب قد خلا.
بيعته بالخلافة
فقام عبد الله بن العباس بين يديه فقال: معاشر الناس هذا ابن
نبيكم ووصي امامكم فبايعوه فاستجاب الناس فقالوا ما أحبه إلينا وأوجب
حقه علينا وأحقه بالخلافة وبادروا إلى البيعة له بالخلافة. قال المفيد في
(٥٦٦)

الارشاد: كانت بيعته يوم الجمعة ٢١ رمضان سنة ٤٠ قال أبو الفرج: ثم
نزل من المنبر فرتب العمال وأمر الامراء ونظر في الأمور وانفذ عبد الله بن
العباس إلى البصرة قال: وكان أول شئ أحدثه الحسن بن علي ع
أنه زاد المقاتلة مائة مائة وقد كان علي ع أبوه فعل ذلك يوم
الجمل والحسن ع فعله على حال الاستخلاف فتبعه الخلفاء من بعد
ذلك.
قال المفيد: فلما بلغ معاوية وفاة أمير المؤمنين ع وبيعة الناس ابنه
الحسن ع دس رجلا من حمير إلى الكوفة ورجلا من بني القين إلى البصرة
ليكتبا إليه بالأخبار ويفسدا على الحسن الأمور فعرف ذلك الحسن فامر
باستخراج الحميري من عند لحام بالكوفة فاخرج وأمر بضرب عنقه وكتب
إلى البصرة باستخراج القيني من بني سليم فاخرج وضربت عنقه.
المكاتبة بين الحسن وابن عباس ومعاوية
وكتب الحسن إلى معاوية أما بعد فإنك دسست إلي الرجال كأنك
تحب اللقاء لا أشك في ذلك فتوقعه إن شاء الله وبلغني انك شمت بما لم
يشمت به ذو الحجى وإنما مثلك في ذلك كما قال الأول:
- فانا ومن قد مات منا لكالذي * يروح فيمسي في المبيت ليغتدي -
- فقل للذي يبقى خلاف الذي مضى * تجهز لأخرى مثلها فكان قد -
فاجابه معاوية: أما بعد فقد وصل كتابك وفهمت ما ذكرت فيه ولقد علمت
بما حدث فلم أفرح ولم أحزن ولم أشمت ولم آس وان عليا أباك لكما قال أعشى
بني قيس بن ثعلبة:
- وأنت الجواد وأنت الذي * إذا ما القلوب ملأن الصدورا -
- جدير بطعنة يوم اللقاء * يضرب منها النساء النحورا -
- وما مزبد من خليخ البحار * يعلو الآكام ويعلو الجسورا -
- بأجود منه بما عنده * يعطي الألوف ويعطي البدورا -
قال أبو الفرج وكتب عبد الله بن العباس من البصرة إلى معاوية:
اما بعد فإنك ودسك أخا بني القين إلى البصرة تلتمس من غفلات
قريش بمثل ما ظفرت به من يمانيتك لكما قال أمية يعني ابن الأشكر:
- لعمرك اني والخزاعي طارقا * كنعجة غار حتفها تتحفز -
- أثارت عليها شفرة بكراعها * فظلت بها من آخر الليل تنحر -
- شمت بقوم من صديقك هلكوا * أصابهم يوم من الدهر اصفر -
فاجابه معاوية: اما بعد فان الحسن كتب إلي بنحو ما كتبت به وإنك
لم تصب مثلكم ومثلي ولكن مثلنا ما قاله طارق الخزاعي يجيب أمية عن هذا
الشعر:
- فوالله ما أدري واني لصادق * إلى اي من يضطنني أتعذر -
- أعنف إن كانت زنيبة أهلكت * ونال بني لحيان شر ونفروا -
وروى المدائني ان ابن عباس كتب إلى الحسن: أما بعد فان المسلمين
لوك أمرهم بعد علي ع فشمر للحرب وجاهد عدوك وقارب أصحابك
وهو كتاب طويل وهذا وكتابه السابق إلى معاوية يدل على وجوده بالبصرة
كما أن ما تقدم في خبر البيعة للحسن ع يدل على أنه كان حين وفاة أمير
المؤمنين ع في الكوفة وكل ذلك ينافي ما روي أنه حمل مال البصرة
وذهب إلى مكة وخالف عليا ع وباعده فاما أن خبر مفارقته غير صحيح
وإما أنه رجع إلى أمير المؤمنين ع.
قال أبو الفرج: وكتب الحسن بن علي إلى معاوية بن أبي سفيان مع
جندب بن عبد الله الأزدي وقال المدائني أنه أرسل معه أيضا الحارث بن
سويد التيمي تيم الرباب: بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله بن علي
أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان سلام عليك فاني أحمد إليك الله الذي
لا إله إلا هو أما بعد فان الله جل وعز بعث محمدا ص رحمة للعالمين فبلغ
رسالات الله حتى توفاه الله غير مقصر ولا وان حتى أظهر الله به الحق ومحق
الشرك وأعز به العرب عامة وشرف به قريشا خاصة فقال تعالى وانه لذكر
لك ولقومك فلما توفي ص تنازعت سلطانه العرب فقالت قريش نحن قبيلته
وأسرته فرأت العرب ان القول كما قالت قريش ثم حاججنا نحن قريشا
بمثل ما حاجت به العرب فلم تنصفنا قريش انصاف العرب لها فلما صرنا
أهل بيت محمد ص وأولياءه إلى محاجتهم وطلب النصف منهم باعدونا
واستولوا بالاجتماع على ظلمنا ومراغمتنا فأمسكنا عن منازعتهم مخافة على
الدين أن يجد المنافقون والأحزاب بذلك مغمزا يتلمسونه به واليوم فليعجب
المتعجب من توثبك يا معاوية على أمر لست من أهله لا بفضل في الدين
معروف ولا أثر في الاسلام محمود وأنت ابن حزب من الأحزاب وابن
اعدى قريش لرسول الله ص وسترد فتعلم لمن عقبى الدار أن عليا رضوان
الله عليه لما مضى لسبيله رحمة الله عليه يوم قبض ويوم من الله عليه
بالاسلام ويوم يبعث حيا ولاني المسلمون الأمر بعده وإنما حملني على هذا
الكتاب الاعذار فيما بيني وبين الله في أمرك ولك في ذلك إن فعلت الحظ
الجسيم وللمسلمين فيه صلاح فدع التمادي في الباطل وادخل فيما دخل فيه
الناس من بيعتي فإنك تعلم إني أحق بهذا الأمر منك عند الله وعند كل
أواب حفيظ ودع البغي واحقن دماء المسلمين وإن أنت أبيت الا التمادي
في غيك نهدت إليك بالمسلمين فحاكمتك حتى يحكم الله بيننا وهو خير
الحاكمين. قال المدائني فقدما على معاوية فدعواه إلى بيعة الحسن فلم يجب
إلى ذلك.
قال أبو الفرج: فكتب إليه معاوية من عبد الله معاوية أمير المؤمنين
إلى الحسن بن علي سلام عليك فاني احمد إليك الله الذي لا إله إلا هو أما
بعد فقد بلغني كتابك وفهمت ما ذكرت به رسول الله ص من الفضل وهو
أحق الأولين والآخرين بالفضل كله وذكرت تنازع المسلمين الأمر من بعده
فرأيتك صرحت بتهمة أبي بكر الصديق وعمر الفاروق وأبي عبيدة الأمين
وحواري رسول الله ص وصلحاء المهاجرين والأنصار فكرهت ذلك لك
فإنك امرؤ عندنا وعند الناس غير ضنين وأنا أحب لك القول السديد
والذكر الجميل إن هذه الأمة لما اختلفت بعد نبيها لم تجهل فضلكم ولا
سابقتكم ولا قرابتكم من نبيكم ولا مكانكم من الاسلام فرأت الأمة أن
تخرج من هذا الأمر لقريش لمكانها من نبيها ورأى صلحاء الناس أن يولوا
هذا الأمر من قريش أقدمها سلما وأعلمها بالله وأقواها على أمر الله فاختاروا
أبا بكر فأوقع ذلك في صدوركم لهم التهمة ولو رأى المسلمون فيكم من
يغني غناءه ما عدلوا إلى غيره وقد فهمت الذي دعوتني إليه من الصلح
والحال فيما بيني وبينك اليوم مثل الحال التي كنتم عليها وأبو بكر بعد النبي
ص ولو علمت أنك اضبط مني للرعية وأقوى على جمع الأموال وأكيد للعدو
لأجبتك إلى ما دعوتني إليه ولكن قد علمت إني أطول منك ولاية وأقدم
تجربة وأكثر سياسية وأكبر سنا فادخل في طاعتي ولك الأمر من بعدي ولك
(٥٦٧)

ما في بيت مال العراق وخراج أي كور العراق شئت يجيبها امينك ويحملها
إليك في كل سنة ولك أن لا يستولي عليك بالإشاءة ولا تقضي دونك
الأمور ولا تعصى في أمر أردت به طاعة الله.
قال المدائني: إن معاوية كتب في آخر كتابه إلى الحسن ع فان أباك
سعى على عثمان حتى قتل مظلوما وطالب الله بدمه ومن يطلبه الله فلن يفوته
ثم أبتز الأمة أمرها وفرق جماعتها فخالفه نظراؤه من أهل السابقة والجهاد
والقدم في الاسلام وادعى انهم نكثوا بيعته فقاتلهم فسفكت الدماء
واستحلت الحرم ثم أقبل إلينا لا يدعي علينا بيعة ولكنه يريد أن يملكا
اعتزازا فحاربناه وحاربنا ثم صارت الحرب إلى أن اختار رجلا واخترنا رجلا
ليحكما بما تصلح عليه الأمة وتعود به الجماعة والألفة وأخذنا بذلك عليهما
ميثاقا وعليه وعلينا مثله على الرضى بما حكما فامضى الحكمان عليه الحكم
بما علمت وخلعاه فوالله ما رضي بالحكم ولا صبر لأمر الله فكيف
تدعوني إلى أمر إنما تطلبه بحق أبيك وقد خرج عنه فانظر لنفسك ولدينك
والسلام ثم قال للحارث وجندب ارجعا فليس بيني وبينكم الا السيف.
فرجعا وأقبل إلى العراق في ستين ألفا واستخلف على الشام الضحاك بن
قيس الفهري.
قال جندب: فلما أتيت الحسن ع بكتاب معاوية قلت إن الرجل سائر
إليك فابدأ بالمسير إليه حتى تقابله في أرضه وبلاده وعمله فاما أن تقدر أنه
ينقاد لك فلا والله حتى يرى يوما أعظم من يوم صفين، فقال افعل.
وكتب معاوية إلى الحسن ع: أما بعد فان الله عز وجل يفعل في عباده
ما يشاء لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب فاحذر أن تكون منيتك على
أيدي رعاع من الناس وآيس من أن تجد فينا غميزة وإن أنت أعرضت عما
أنت فيه وبايعتني وفيت لك بما وعدت ثم الخلافة لك من بعدي فأنت أولى
الناس بها والسلام.
فاجابه الحسن ع: أما بعد فقد وصل إلي كتابك فتركت جوابك
خشية البغي عليك فاتبع الحق تعلم إني من أهله والسلام. فلما وصل
كتاب الحسن إلى معاوية كتب إلى عماله على النواحي نسخة واحدة: أما
بعد فالحمد لله الذي كفاكم مؤونة عدوكم وقتلة خليفتكم إن الله بلطفه
وحسن صنعه أتاح لعلي بن أبي طالب رجلا من عباده فاغتاله فقتله فترك
أصحابه متفرقين مختلفين وقد جاءتنا كتب أشرافهم وقادتهم يلتمسون الأمان
لأنفسهم وعشائرهم فاقبلوا إلي حين يأتيكم كتابي هذا بجدكم وجهدكم
وحسن عدتكم فقد أصبتم بحمد الله الثار وبلغتم الأمل وأهلك الله أهل
البغي والعدوان والسلام.
فاجتمعت العساكر إلى معاوية وسار قاصدا إلى العراق وبلغ الحسن
خبر مسيره وإنه قد بلغ جسر منبج فتحرك لذلك وبعث حجر بن عدي يأمر
العمال والناس بالتهيؤ للمسير ونادى المنادي الصلاة جامعة فاقبل الناس
يتوثبون ويجتمعون فقال الحسن ع إذا رضيت جماعة الناس
فاعلمني، وجاء سعيد بن قيس الهمداني فقال اخرج، فخرج الحسن ع
فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فان الله كتب الجهاد
على خلقه وسماه كرها ثم قال لأهل الجهاد من المؤمنين اصبروا إن الله مع
الصابرين فلستم أيها الناس نائلين ما تحبون إلا بالصبر على ما تكرهون إنه
بلغني ان معاوية بلغه انا كنا أزمعنا على المسير إليه فتحرك لذلك فاخرجوا
رحمكم الله إلى معسكركم بالنخيلة وإنه في كلامه ليتخوف خذلان الناس
له فسكتوا فما تكلم منهم أحد ولا أجابه بحرف، فلما رأى ذلك عدي بن
حاتم قام فقال: إنا ابن حاتم سبحان الله ما أقبح هذا المقام أ لا تجيبون
امامكم وابن بنت نبيكم أين خطباء مضر المصر الذين ألسنتهم
كالمخاريق في الدعة فإذا جد الجد فرواغون كالثعالب أ ما تخافون مقت الله
ولا عيبها وعارها ثم استقبل الحسن بوجهه فقال أصاب الله بك المراشد
وجنبك المكاره ووفقك لما تحمد ورده وصدره قد سمعنا مقالتك وانتهينا إلى
أمرك لك وأطعناك فيما قلت وما رأيت وهذا وجهي إلى معسكري فمن
أحب أن يوافيني فليواف ثم مضى لوجهه فخرج عن المسجد ودابته بالباب
فركبها ومضى إلى النخيلة وأمر علامه أن يلحقه بما يصلحه وكان عدي بن
حاتم أول الناس عسكرا وقام قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري
ومعقل بن قيس الرياحي وزياد بن صعصعة التيمي فأنبوا الناس ولاموهم
وحرضوهم وكلموا الحسن بمثل كلام عدي بن حاتم في الإجابة والقبول
فقال لهم الحسن ع صدقتم رحمكم الله ما زلت أعرفكم بصدق النية
والوفاء والقبول والمودة الصحيحة فجزاكم الله خيرا ثم نزل وخرج الناس
فعسكروا ونشطوا للخروج وخرج الحسن ع إلى المعسكر واستخلف على
الكوفة المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب وأمره باستحثاث الناس
واشخاصهم إليه فجعل يستحثهم ويخرجهم حتى يلتئم العسكر وسار الحسن
ع في عسكر عظيم وعدة حسنة حتى أتى دير عبد الرحمن فأقام به ثلاثا
حتى اجتمع الناس ثم دعا عبيد الله بن عباس فقال له يا ابن عم اني باعث
معك اثني عشر ألفا من فرسان العرب وقراء المصر الرجل منهم يرد الكتيبة
فسر بهم وألن لهم جانبك وابسط وجهك وافرش لهم جناحك وأدنهم من
مجلسك فإنهم بقية ثقة أمير المؤمنين وسر بهم على شط الفرات حتى تقطع بهم
الفرات ثم تصير بمسكن ثم امض حتى تستقبل معاوية فان أنت لقيته
فاحبسه حتى نأتيك في اثرك وشيكا وليكن خبرك عندي كل يوم وشاور
هذين يعني قيس بن سعد وسعيد بن قيس فإذا لقيت معاوية فلا تقاتله حتى
يقاتلك وإن فعل فقاتله فان أصبت فقيس على الناس وإن أصيب قيس
فسعيد بن قيس على الناس. فسار عبيد الله حتى انتهى إلى شينور حتى
خرج إلى شاهي ثم لزم الفرات وقرى الفلوجة حتى اتى مسكن قال
المفيد استنفر الحسن ع الناس للجهاد فتثاقلوا عنه ثم خفوا ومعه
أخلاط من الناس بعضهم شيعة له ولأبيه وبعضهم محكمة اي خوارج
يؤثرون قتال معاوية بكل حيله وبعضهم أصحاب فتن وطمع في الغنائم
وبعضهم شكاك وأصحاب عصبية اتبعوا رؤساء قبائلهم لا يرجعون إلى
دين فسار حتى اتى حمام عمر ثم أخذ إلى دير كعب ثم بكر ونزل ساباط دون
القنطرة وبات هناك فلما أصبح أراد أن يمتحن أصحابه ويستبرئ أحوالهم
في الطاعة ليتميز بذلك أولياؤه من أعدائه ويكون على بصيرة من لقاء معاوية
وأهل الشام فامر أن ينادى بالصلاة جامعة فاجتمعوا وصعد المنبر فخطبهم
فقال:
الحمد لله كلما حمده حامد وأشهد أن لا إله إلا الله كلما شهد له شاهد
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالحق وأئتمنه على الوحي ص أما بعد
فوالله إني لأرجو أن أكون قد أصبحت بحمد الله ومنه وأنا انصح خلق الله
لخلقه وما أصبحت محتملا على مسلم ضغينة ولا مريدا له سوءا ولا غائلة
ألا وان ما تكرهون في الجماعة خير لكم مما تحبون في الفرقة ألا واني ناظر
لكم خيرا من نظركم لأنفسكم فلا تخالفوا أمري ولا تردوا على رأيي غفر
(٥٦٨)

الله لي ولكن وأرشدني وإياكم لما فيه المحبة والرضا.
فنظر الناس بعضهم إلى بعض وقالوا ما ترونه يريد بما قال؟ قالوا
نظنه والله يريد أن يصالح معاوية ويسلم الأمر إليه فقالوا كفر والله الرجل
وهذا يدل على أنهم كانوا خوارج ثم شدوا على فسطاطه وانتهبوه حتى
أخذوا مصلاه من تحته ثم شد عليه عبد الرحمن بن عبد الله بن جعال
الأزدي فنزع مطرفه عن عاتقه فبقي جالسا متقلدا السيف بغير رداء ثم دعا
بفرسه فركبه وأحدق به طوائف من خاصته وشيعته ومنعوا منه من أراده
فقال ادعوا لي ربيعة وهمدان فدعوا له فأطافوا به ودفعوا الناس عنه ومعهم
شوب من غيرهما فلما مر في مظلم ساباط بدر إليه رجل من بني أسد يقال له
الجراح بن سنان أو سنان بن الجراح وكان قد تقدمه إلى مظلم ساباط فوقف
به فلما حاذاه أخد بلجام فرسه أو بغلته وبيده مغول وهو سيف دقيق يكون
غمده كالسوط فقال الله أكبر يا حسن أشركت كما أشرك أبوك من قبل
وهذا يدل على أنه كان خارجيا ثم طعنه فوقعت الطعنة في فخذه فشقه
حتى بلغ أربيته وهي أصل الفخذ أو ما بين أعلاه وأسفل البطن وفي
رواية حتى بلغ العظم وضرب الحسن ع الذي طعنه بسيف كان بيده
واعتنقه فخرا جميعا إلى الأرض، وفي رواية انه غشي عليه فوثب إليه رجل
من شيعة الحسن يقال له عبد الله بن خطل الطائي فنزع المغول من يده
فخضخضه به واكب ظبيان بن عمارة على الجراح فقطع انفه ثم اخذا
الآجر (١) فشدخوا وجهه ورأسه حتى قتلوه، وحمل الحسن ع على سرير إلى
المدائن فأنزل بها على سعيد بن مسعود الثقفي وكان عامل أمير
المؤمنين ع بها فاقره الحسن ع على ذلك واشتغل الحسن بنفسه يعالج
جرحه جاءه سعد بن مسعود بطبيب فقام عليه حتى برئ، هكذا ذكر المفيد
وأبو الفرج. والذي ذكره الطبري وابن الأثير وسبط بن الجوزي ناقلا له
عن الشعبي انه لما نزل الحسن ع المدائن نادى مناد في العسكر أ لا ان
قيس بن سعد قد قتل فانفروا فنفروا إلى سرادق الحسن فنهبوا متاعه حتى
نازعوه بساطا كان تحته فازداد لهم بغضا ومنهم ذعرا أقول من كانت هذه
حالتهم كيف يمكر الركون إليهم والانتصار بهم قال المفيد وكتب جماعة من
رؤساء القبائل إلى معاوية بالسمع والطاعة في السر واستحثوه على المسير
نحوهم وضمنوا له تسليم الحسن إليه عند دنوهم من عسكره وبلغ الحسن
ذلك وروى الصدوق في العلل ان معاوية دس إلى عمرو بن حريث
والأشعث بن قيس وحجار بن أبجر وشبث بن ربعي دسيسا أفرد كل واحد
منهم بعين من عيونه انك إذا قتلت الحسن فلك مائة ألف درهم وجند من
أجناد الشام وبنت من بناتي فبلغ الحسن ع ذلك فاستلأم ولبس
درعا وسترها وكان يحترز ولا يتقدم للصلاة الا كذلك فرماه أحدهم في الصلاة
بسهم فلم يثبت فيه لما عليه من اللامة وفي الخرائج ان الحسن ع بعث
إلى معاوية قائدا من كندة في أربعة آلاف فلما نزل الأنبار بعث إليه معاوية
بخمسمائة ألف درهم ووعده بولاية بعض كور الشام والجزيرة فصار إليه في
مائتين من خاصته ثم بعث رجلا من مراد ففعل كالأول بعد ما حلف بالايمان
التي لا تقوم لها الجبال انه لا يفعل وأخبرهم الحسن ع انه سيفعل
كصاحبه.
قال أبو الفرج: ثم إن معاوية وافى حتى نزل قرية يقال لها الحبوبية
بمسكن فاقبل عبيد الله بن العباس حتى نزل بازائه فلما كان الغد بعث معاوية
إلى عبيد الله ان الحسن قد راسلني في الصلح وهو مسلم الأمر إلي فان
دخلت في طاعتي الآن كنت متبوعا والا دخلت وأنت تابع ولك أن جئتني
الآن ان أعطيك ألف ألف درهم يعجل لك في هذا الوقت النصف وإذا
دخلت الكوفة النصف الآخر فانسل عبيد الله ليلا فدخل عسكر معاوية فوفى
له بما وعده فأصبح الناس ينتظرون أن يخرج فيصلي بهم فلم يخرج وطلبوه
فلم يجدوه وصلى بهم قيس بن سعد ثم خطبهم فقال: أيها الناس لا يهولنكم
ولا يعظمن عليكم ما صنع هذا الرجل الوله الورع اي الجبان ان هذا وأباه
وأخاه لم يأتوا بيوم خير قط ان أباه عم رسول الله ص خرج يقاتله ببدر فاسره
أبو اليسر كعب بن عمرو الأنصاري فاتى به رسول الله ص فاخذ فداءه فقسمه
بين المسلمين وان أخاه ولاه علي ع على البصرة فسرق مال الله ومال
المسلمين فاشترى به الجواري وزعم أن ذلك له حلال وان هذا ولاه أيضا على
اليمن فهرب من بسر بن أرطأة وترك ولده حتى قتلوا وصنع الآن هذا الذي
صنع فنادى الناس الحمد لله الذي أخرجه من بينا امض بنا إلى عدونا
قال المفيد: وورد على الحسن ع كتاب قيس بن سعد يخبره بما
صنع عبيد الله بن العباس فازدادت بصيرته بخذلان القوم له وفساد نيات
المحكمة فيه بما اظهروا له من السب والتكفير واستحلال دمه ونهب أمواله ولم
يبق معه من يامن غوائله الا خاصته من شيعته وشيعة أبيه وهم جماعة لا
تقوم لاجناد الشام فكتب إليه معاوية في الهدنة والصلح وانفذ إليه بكتب
أصحابه الذين ضمنوا له فيها الفتك به أو تسليمه إليه فاشترط على نفسه
في إجابته إلى صلحه شروطا كثيرة وعقد له عقودا كان في الوفاء بها مصالح
شاملة فلم يثق به الحسن ع وعلم باحتياله بذلك واغتياله غير أنه لم يجد
بدا من اجابته إلى ما التمس من ترك الحرب وانفاذ الهدنة لما كان عليه
أصحابه مما وصفناه من ضعف البصائر في حقه والفساد عليه والخلف منهم
له وما انطوى عليه كثير منهم في استحلال دمه وتسليمه إلى خصمه وما كان
من خذلان ابن عمه له ومصيره إلى عدوه وميل الجمهور منهم إلى العاجلة
وزهدهم في الآجلة فتعلق ع لنفسه من معاوية بتوكيد الحجة عليه
والاعذار فيما بينه وبينه عند الله تعالى وعند كافة المسلمين فاجابه معاوية إلى
ذلك. واما قيس بن سعد بن عبادة فقال أبو الفرج انه نهض بمن معه لقتال
معاوية وخرج إليهم بسر بن أرطأة في عشرين ألفا فصاحوا بهم هذا أميركم
قد بايع وهذا الحسن قد صالح فعلا م تقتلون أنفسكم فقال قيس
لأصحابه: اختاروا أحد اثنين اما القتال مع غير امام أو تبايعون بيعة ظلال
فقالوا بل نقاتل بلا امام فخرجوا وضربوا أهل الشام حتى ردوهم إلى
مصافهم وكتب معاوية إلى قيس يدعوه ويمنيه فكتب إليه قيس لا والله لا
تلقاني ابدا الا وبيني وبينك السيف والرمح وجرت بينهما مكاتبات أغلظ كل
منهما فيها لصاحبه فقال عمرو بن العاص لمعاوية مهلا إن كاتبته أجابك باشد
من هذا وإن تركته دخل فيما يدخل فيه الناس فامسك عنه أقول: شتان
بين عبيد الله بن العباس وقيس بن سعد فهذا يسالم معاوية بعد ما ذبح
بسر بن أرطأة أولاده الصغار على درج صنعاء حين أرسله معاوية ويبيع شرفه
بالمال ويرضي بالذل والعار وقيس بن سعد يحلف ان لا يلقى معاوية إلا
وبينه وبينه الرمح أو السيف بعد ما بلغه ان الحسن ع قد صالح:
- أبت الحمية ان تفارق أهلها * وأبى العزيز بان يعيش ذليلا -
ثم انصرف قيس بمن معه إلى الكوفة وانصرف الحسن ع.

(١) من غريب ما وقع من التصحيف في هذا المقام أنه صحف الآجر بالجيم الآخر بالخاء المعجمة
حتى أن المفيد في الارشاد قال واخذ آخر كان معه فقتل ولفظ الآجر وقع في الرواية معرفا بأل
فلو كان بالخاء بالخاء المعجمة لزم ان يكون له ذكر متقدم مع أنه لم يتقدم ذكره ولقد تبعنا في هذا
التوهم المفيد في كتابنا المجالس السنية ثم وجدناه في شرح المنهج الآجر بالجيم كما ذكرناه.
(٥٦٩)

أقول ومما تقدم يعلم أن الحسن ع لم يفرط في أمر السياسة واخذ
بالحزم والتدبير فعلم بالجاسوسين اللذين أرسلهما معاوية بعد وفاة أمير
المؤمنين ع وقتلهما واستحث أهل العراق وسار بمن اتبعه منهم لقتال
معاوية وأرسل اثني أشر ألفا مقدمة له وأمر عليهم ابن عمه عبيد الله بن
العباس وأمره بمشاورة قيس وسعيد لما يعلم من نصحهما وان امارات
الخذلان كانت بادية على أهل العراق بتثاقلهم أول الأمر حين دعاهم وانهم
لم يخرجوا إلا بعد التأنيب والتوبيخ ممن عرفت وان المخلصين منهم له كانوا
أقل قليل وأكثرهم خوارج وأهل عصبية خرجوا تبعا لرؤسائهم وطمعا في
النهب وانه كان يتخوف خذلان أصحابه من أول الأمر وان خطبته بالمدائن
لم تكن الا لاختبارهم واظهار اسرارهم وانه لم يكن من الرأي ان يسير بهم
على تلك الحال إذ لا يؤمن ان يسلموه إلى معاوية فلما ظهر له فساد نيات
الخوارج فيه بما أظهروه له من السب والتكفير واستحلال دمه ونهب أمواله
مع ما كان من فعل عبيد الله بن عباس والقائدين المرسلين بعده وما علمه
من مكاتبة أصحابه معاوية وما ضمنوه له من الفتك به أو تسليمه إليه وعلم أنه
لو لم يصالح لسلموه إلى معاوية ولكانت المفسدة أعظم أجاب إلى الصلح
مكرها مرغما واختار أقل الضررين وأهون المفسدتين وان صلحه هذا لا
يجعل لمعاوية عذرا ولا يرفع عنه وزرا بل يزيده ذما واثما. ومما يدل على ما
ذكرناه ما ذكره ابن الأثير في الكامل قال لما راسل معاوية الحسن في تسليم
الأمر إليه خطب فقال انا والله ما يثنينا عن أهل الشام شك ولا ندم وإنما كنا
نقاتل أهل الشام بالسلامة والصبر فشيبت السلامة بالعداوة والصبر بالجزع
وكنتم في مسيركم إلى صفين ودينكم امام دنياكم وأصبحتم اليوم ودنياكم امام
دينكم الا وقد أصبحتم بين قتيلين قتيل بصفين تبكون له وقتيل بالنهروان
تطلبون بثاره فاما الباكي فخاذل واما الطالب فثائر الا ان معاوية دعانا لأمر
ليس فيه عز ولا نصفة فان أردتم الموت رددناه عليه وان أردتم الحياة قبلناه
واخذنا لكم الرضى فناداه الناس من كل جانب: البقي البقية. وما حكاه
سبط بن الجوزي عن السدي أنه قال لم يصالح الحسن معاوية رغبة في
الدنيا وانما صالحه لما رأى أهل العراق يريدون الغدر به وفعلوا معه ما فعلوا
فخاف منهم أن يسلموه إلى معاوية والدليل على أنه خطب بالنخيلة قبل
الصلح فقال أيها الناس إن هذا الأمر الذي اختلفت فيه انا ومعاوية إنما هو
حق اتركه إرادة لاصلاح الأمة وحقنا لدمائها وإن أدري لعله فتنة لكم
ومتاع إلى حين. وقال ابن الأثير لما تم الصلح قال الحسن يا أهل العراق إنه
سخي بنفسي عنكم ثلاث قتلكم أبي وطعنكم إياي وانتهابكم متاعي.
وقال ع في جملة كلام له رواه الطبرسي في الاحتجاج:
والله ما سلمت الأمر إلى معاوية إلا لأني لم أجد أنصارا
ولو وجدت أنصارا لقاتلته ليلي ونهاري حتى يحكم الله بيني وبينه.
ومن مجموع ما مر يعلم الوجه في صلحه ع وانه كان هو الرأي
والصواب وسيأتي في سيرة أخيه الحسين ع وجه الفرق بين
حالتيهما.
شروط الصلح
حكى الصدوق عن كتاب الفروق بين الأباطيل والحقوق تاليف
محمد بن بحر الشيباني عن أبي بكر محمد بن الحسن بن إسحاق بن خزيمة
النيسابوري ثنا أبو طالب زيد بن اجزم ثنا أبو داود ثنا
القاسم بن فضيل ثنا يوسف بن مازن الراسبي قال: بايع الحسن بن علي معاوية على أن لا
يسميه أمير المؤمنين ولا يقيم عنده شهادة وأن لا يتعقب على شيعة علي شيئا
ويؤمنهم ولا يتعرض لأحد منهم بسوء ويوصل إلى كل ذي حق منهم حقه
وأن يفرق في أولاد من قتل مع أبيه يوم الجمل وصفين ألف ألف درهم وأن
يجعل ذلك من خراج دار ابجرد من بلاد فارس اه وكان فيما شرطه أن
يترك سب أمير المؤمنين والقنوت عليه في الصلاة. وقال ابن الأثير انه لم
يجبه إلى الكف عن شتم علي فطلب أن لا يشتم وهو يسمع فاجابه إلى ذلك
ثم لم يف له به أيضا اه وعاهد معاوية الحسن على ما تم بينهما من
الشروط وحلف له بالوفاء وكتب بينه وبينه بذلك كتابا ثم لم يف له بشئ
مما عاهده عليه.
صورة كتاب الصلح بين الحسن ومعاوية
ذكره ابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة. بسم الله الرحمن
الرحيم هذا ما صالح عليه الحسن بن علي بن أبي طالب معاوية بن أبي
سفيان صالحه على أن يسلم إليه ولاية المسلمين على أن يعمل فيهم بكتاب
الله وسنة رسوله وليس لمعاوية أن يعهد إلى أحد من بعده عهدا على أن
الناس آمنون حيث كانوا من أرض الله تعالى في شامهم ويمنهم وعراقهم
وحجازهم وعلى أن أصحاب علي وشيعته آمنون على أنفسهم وأموالهم
ونسائهم وأولادهم حيث كانوا وعلى معاوية بذلك عهد الله وميثاقه وعلى أن
لا يبغي للحسن بن علي ولا لأخيه الحسين ولا لأحد من بيت رسول الله ص
غائلة سوء سرا وجهرا ولا يخيف أحدا منهم في أفق من الآفاق شهد عليه
بذلك فلان وفلان وكفى بالله شهيدا.
قال المفيد: فلما تم الصلح سار معاوية حتى نزل النخيلة وهي
معسكر الكوفة وكان ذلك يوم جمعة فصلى بالناس وخطبهم وقال أبو الفرج
انه جمع الناس بالنخيلة فخطبهم قبل أن يدخل الكوفة خطبة طويلة لم
ينقلها أحد من الرواة تامة وجاءت مقطعة فنذكر ما انتهى إلينا منها فقال:
ما اختلفت أمة بعد نبيها إلا ظهر أهل باطلها على أهل حقها ثم انتبه
فاستدرك وقال إلا هذه الأمة فإنها وانها. قال المفيد وأبو الفرج وقال في
خطبته إني والله ما قاتلتكم لتصلوا ولا لتصوموا ولا لتحجوا ولا لتزكوا انكم
لتفعلون ذلك ولكني قاتلتكم لأتأمر عليكم وقد أعطاني الله ذلك وأنتم
كارهون إلا واني كنت منيت الحسن وأعطيته أشياء وجميعها تحت قدمي لا
أفي بشئ منها. وفي رواية أبي الفرج أنه قال إن كل شئ أعطيته
الحسن بن علي تحت قدمي هاتين لا أفي به قال أبو الفرج قال شريك في
حديثه هذا هو التهتك. وقال المدائني: خطب معاوية أهل الكوفة فقال:
أ تراني قاتلتكم على الصلاة والزكاة والحج وقد علمت أنكم تصلون وتزكون
وتحجون ولكنني قاتلتكم لأتأمر عليكم وعلى رقابكم وقد آتاني الله ذلك
وأنتم كارهون إن كل مال أو دم أصيب في هذه الفتنة لمطلول وكل شرط
شرطته فتحت قدمي هاتين قال أبو الفرج: لما بويع معاوية خطب فذكر
عليا ع فنال منه ونال من الحسن ع فقام الحسين ع ليرد عليه
فاخذ الحسن بيده فأجلسه ثم قام فقال أيها الذاكر عليا انا الحسن وأبي علي
وأنت معاوية وأبوك صخر وأمي فاطمة وأمك هند وجدي رسول الله ص
وجدك حرب وجدتي خديجة وجدتك قتيلة فلعن الله أخملنا ذكرا والأمنا حسبا
وشرنا قديما وأقدمنا كفرا ونفاقا. فقال طوائف من أهل المسجد: آمين قال
يحيى بن معين ونحن نقول آمين قال أبو عبيد ونحن أيضا نقول آمين قال أبو
الفرج وانا أقول آمين قال المؤلف وانا أقول آمين.
وأقام معاوية ومن بعده من ملوك بني أمية على سب أمير المؤمنين ع
(٥٧٠)

إلا ما كان من عمر بن عبد العزيز وأخاف معاوية شيعة أمير المؤمنين
وقتلهم وشردهم وهدم كثيرا من دورهم فقتل عمرو بن الحمق وحبس
زوجته آمنة بنت الشريد سنتين في سجن دمشق وقتل حجر بن عدي
وأصحابه بمرج عذراء وحمل عبد الله بن هاشم المرقال إليه مكبلا بالحديد من
العراق إلى الشام وأما خراج دار أبجرد فقال ابن الأثير ان أهل البصرة منعوا
الحسن منه وقالوا فيئنا لا نعطيه أحدا قال وكان منعهم بأمر معاوية، وقال
المدائني كان الحضين بن المنذر الرقاشي يقول والله ما وفى معاوية للحسن
بشئ مما أعطاه: قتل حجرا وأصحاب حجر وبايع لابنه يزيد وسم
الحسن.
قال ابن عبد البر في الاستيعاب سلم الأمر الحسن إلى معاوية في
النصف من جمادى الأولى من سنة ٤١ وكل من قال أنه كان سنة أربعين
فقد وهم اه. وفي المستدرك للحاكم كان ذلك في جمادي الأولى سنة ٤١
اه.
وقيل كان ذلك لخمس بقين من ربيع الأول وقيل في ربيع الآخر فعلى
الأول تكون مدة خلافته الظاهرة سبعة أشهر وأربعة وعشرين يوما لأن بيعته
كانت في الحادي والعشرين من شهر رمضان سنة ٤٠ وعلى الثاني تكون
خلافته ستة أشهر وأربعة أيام وقيل ثلاثة أيام وقيل خمسة أيام وذلك بناء على
الخلاف في تاريخ وفاة أمير المؤمنين ع وعلى الثالث تكون أكثر
من ذلك بأيام.
معاتبة أصحاب الحسن ع له
على الصلح واعتذاره إليهم
قال أبو الفرج الأصبهاني في مقاتل الطالبيين اجتمع إلى الحسن ع
وجوه الشيعة وأكابر أصحاب أمير المؤمنين ع يلومونه ويبكون إليه جزعا
مما فعله.
وقال المدائني ان معاوية لما خطب الناس بالكوفة وقال في جملة خطبته
كل شرط شرطته فتحت قدمي هاتين قال المسيب بن نجبة للحسن ع ما
ينقضي عجبي منك بايعت معاوية ومعك أربعون ألفا لنفسك وثيقة وعقدا
ظاهرا أعطاك أمرا فيما بينك وبينه ثم قال ما قد سمعت والله ما أراد بها
غيرك قال فما ترى قال أرى أن ترجع إلى ما كنت عليه فقد نقض ما كان بينه
وبينك فقال يا مسيب اني لو أردت بما فعلت الدنيا لم يكن معاوية بأصبر
عند اللقاء ولا أثبت عند الحرب مني ولكني أردت صلاحكم وكف بعضكم
عن بعض فارضوا بقدر الله وقضائه حتى يستريح بر ويستراح من فاجر.
قال المدائني ودخل عبيد بن عمرو الكندي على الحسن ع وكان
ضرب على وجهه مع قيس بن سعد بن عبادة فقال ما الذي ارى بوجهك
قال أصابني مع قيس فالتفت حجر بن عدي إلى الحسن وقال كلاما لا يخلو
من سوء أدب حمله عليه شدة الحب ثم قال انا رجعنا راغمين بما كرهنا
ورجعوا مسرورين بما أحبوا فتغير وجه الحسن وغمز الحسين حجرا فسكت
فقال الحسن ع يا حجر ليس كل الناس يحب ما تحب ولا رأيه رأيك وما
فعلت ما فعلت إلا ابقاء عليك والله كل يوم في شأن.
بعض أخبار الحسن ع
قال المدائني روى أبو الطفيل أن الحسن ع قال لمولى له أ تعرف
معاوية بن خديج قال نعم قال إذا رأيته فاعلمني فرآه خارجا من دار عمرو بن
حريث فقال هو هذا فدعاه فقال له أنت الشاتم عليا عند ابن آكلة الأكباد اما
والله لئن وردت الحوض ولا ترده لترينه مشمرا عن ساقيه حاسرا عن ذراعيه
يذود عنه المنافقين.
قال المدائني وحدثنا سليمان بن أيوب عن الأسود بن قيس العبدي
ان الحسن ع لقي يوما حبيب بن مسلمة فقال له يا حبيب رب مسير لك
في غير طاعة الله قال اما مسيري إلى أبيك فليس من ذلك قال بلى والله
ولكنك أطعت معاوية على دنيا قليلة زائلة فلئن قام بك في دنياك لقد قعد
بك كفي آخرتك ولو كنت إذ فعلت شرا قلت خيرا كان ذلك كما قال الله
عز وجل خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا ولكنك كما قال الله سبحانه كلا بل
ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون.
ما جرى بين الحسن ع وزياد ابن أبيه
ولنقدم قبل ذلك الكلام على نسب زياد واستلحاق معاوية إياه:
كانت سمية أم زياد أمة للحارث بن كلدة بن عمرو بن علاج الثقفي طبيب
العرب وكانت تحت عبيد عبد من عبيد ثقيف فقدم أبو سفيان إلى الطائف
فنزل على رجل خمار يقال له أبو مريم فطلب منه بغيا فاتى له بسمية وهي
متزوجة بعبيد فبات معها فولدت زيادا على فراش عبيد فكان يقال له
زياد بن عبيد ثم إن أبا سفيان أدعاه في خلافة عمر لكنه لم يجسر على
المجاهرة بذلك خوفا من عمر ومن المسلمين لمخالفة ذلك لقوله ص الولد
للفراش وللعاهر الحجر وحيث إن زيادا ولد على فراش عبيد فهو ابنه شرعا
وزنا أبي سفيان بأمه لا يسوع الحاقه به. روى غير واحد من المؤرخين أن
زيادا تكلم كلاما وهو غلام حدث بمحضر عمر في خلافته أعجب
الحاضرين وأبو سفيان حاضر وعلي بن أبي طالب ع وعمرو بن العاص
فقال عمرو لله أبو هذا الغلام لو كان قرشيا لساق العرب بعصاه فقال أبو
سفيان انه لقرشي وإني لأعرف الذي وضعه في رحم أمه فقال علي ومن هو
قال انا فقال مهلا يا أبا سفيان فقال عمرو هلا تستلحقه قال أخاف هذا
الجالس يعني عمر ان يخرق علي أهابي قال المدائني فلما كان زمن علي ع
ولى زيادا فارس أو بعض أعمالها فضبطها ضبطا صالحا وجبى خراجها
وكتب إليه معاوية كتابا يتهدده فيه وكتب في أسفل الكتاب شعرا يعرض له
فيه بأنه اخوه من جملته:
- چتنسى أباك وقد شالت نعامته * إذ يخطب الناس والوالي لهم عمر -
فلما ورد الكتاب على زياد خطب الناس فقال العجب من ابن آكلة
الأكباد ورأس النفاق يهددني وبيني وبينه ابن عم رسول الله ص وزوج
سيدة نساء العالمين وأبو السبطين وصاحب الولاية والمنزلة والاخاء في مائة
ألف من المهاجرين والأنصار و التابعين لهم باحسان اما والله لو تخطى هؤلاء
أجمعين إلي لوجدني ضرابا بالسيف. ثم كتب إلى علي ع وبعث بكتاب
معاوية في كتابه فكتب إليه علي ع أما بعد فاني قد وليتك ما وليتك وأنا
أراك لذلك أهلا وإنه قد كانت من أبي سفيان فلتة في أيام عمر من أماني
التيه وكذب النفس لم تستوجب بها ميراثا ولم تستحق بها نسبا وان معاوية
كالشيطان الرجيم يأتي المرء من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله
فاحذره ثم أحذره ثم أحذره والسلام. فلما قرأ زياد الكتاب قال شهد بها
ورب الكعبة ولم تزل في نفسه حتى أدعاه معاوية فلما قتل علي ع بقي
(٥٧١)

زياد في عمله وخاف معاوية جانبه فكتب إليه كتابا يتهدده فيه من جملته:
من أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان إلى زياد بن عبيد أما بعد فإنك عبد
قد كفرت النعمة واستدعيت النقمة إنك لا أم لك بل لا أب لك ظننت
انك تخرج من قبضتي ولا ينالك سلطاني أمس عبد واليوم أمير خطة ما
ارتقاها مثلك يا ابن سمية إذ اتاك كتابي هذا فخذ الناس بالطاعة والبيعة
فإنك إن تفعل فدمك حقنت والا أحتطفتك بأضعف ريش ونلتك بأهون
سعي والسلام. فلما ورد الكتاب على زياد غضب غضبا شديدا
وجمع الناس وصعد المنبر وقال: ابن آكلة الأكباد وقاتلة أسد الله
ومظهر الخلاف ومسر النفاق ورئيس الأحزاب ومن أنفق ماله في اطفاء نور
الله كتب إلي يرعد ويبرق عن سحابة جفل لا ماء فيها وعما قليل تصيرها
الرياح قزعا كيف ارهبه وبيني وبينه ابن بنت رسول الله ص وابن ابن عمه
في مائة ألف من المهاجرين والأنصار والله لو أذن لي فيه لأريته الكواكب
نهارا. وكتب إلى معاوية اما بعد فقد وصل إلي كتابك فوجدتك كالغريق
يغطيه الموج فيتشبث بالطحلب ويتعلق بأرجل الضفادع طمعا في الحياة إنما
يكفر النعم و يستدعي النقم من حاد الله ورسوله وسعى في الأرض فسادا
فاما سبك لي فلو لا حلم ينهاني عنك وخوفي إن أدعي سفيها لأثرت لك
مخازي لا يغسلها الماء وأما تعييرك لي بسمية فان كنت ابن سمية فأنت ابن
جماعة واما زعمك انك تختطفني بأضعف ريش وتتناولني بأهون سعي فهل
رأيت بازيا يفزعه صفير القنابر أم هل سمعت بذئب أكله خروف
والسلام، فلما ورد كتاب زياد على معاوية غمه وأحزنه وبعث إلى المغيرة بن
شعبة فخلا به وقال اني أريد مشاورتك في أمر أهمني فانصحني فيه وكن لي
أكن لك فقد خصصتك بسري وآثرتك على ولدي قال المغيرة والله لتجدني
في طاعتك امضى من الماء في الحدور قال إن زيادا قد أقام بفارس يكش لنا
كشيش الأفاعي وهو رجل ثاقب الرأي ماضي العزيمة جوال الفكر مصيب
إذا رمى وقد خفت منه الآن ما كنت آمنه إذ كان صاحبه حيا وأخشى ممالأته
حسنا قال المغيرة أنا له إن لم أمت أن زيادا رجل يحب الشرف وصعود المنابر
فلو لاطفته المسألة وألنت له الكتاب لكان إليك أميل وبك أوثق فاكتب إليه
وأنا الرسول فكتب إليه معاوية كتابا يظهر له فيه انه اخوه ويعده بالامرة من
جملته: من أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان إلى زياد بن أبي سفيان انك
قاطع الرحم واصل العدو حملك سوء ظنك بي وبغضك لي على أن عققت
قرابتي وقطعت رحمي حتى كأنك لست أخي وليس صخر بن حرب أباك
وأبي وشتان ما بيني وبينك أطلب بدم ابن أبي العاص وأنت تقاتلني فكنت:
- كتاركة بيضها بالعراء * وملحفة بيض أخرى جناحا -
وقد رأيت أن اعطف عليك ولا أؤاخذك بسوء سعيك وان أصل
رحمك وابتغي الثواب في أمرك فاعلم أبا المغيرة إنك لو خضت في طاعة
القوم فتضرب بالسيف حتى ينقطع متنه لما ازددت منهم إلا بعدا فان بني
عبد شمس أبغض إلى بني هاشم من الشفرة إلى الثور الصريع وقد أوثق
للذبح فارجع رحمك الله إلى أصلك واتصل بقومك فان أحببت جانبي
ووثقت بي فامرة بامرة وإلا ففعل جميل لا علي ولا لي والسلام. فقدم المغيرة
بالكتاب على زياد فجعل يتأمله ويضحك فقال له المغيرة دع عنك اللجاج
وارجع إلى قومك وصل أخاك ثم جمع زياد الناس بعد يومين أو ثلاثة
فخطبهم وقال: أيها الناس ادفعوا البلاء ما اندفع عنكم وارغبوا إلى الله في
دوام العافية لكم فقد نظرت في أمور الناس منذ قتل عثمان فوجدتهم
كالأضاحي في كل عيد يذبحون ولقد افنى هذان اليومان الجمل وصفين ما
ينيف على مائة ألف كلهم يزعم أنه طالب حق فإن كان الأمر هكذا فالقاتل
والمقتول في الجنة كلا ليس كذلك ولكن أشكل الأمر والتبس على القوم وإني
لخائف أن يرجع الأمر كما بدأ فكيف لامرئ بسلامة دينه وقد نظرت في أمر
الناس فوجدت أحمد العاقبتين العافية وسأعمل في أموركم ما تحمدون عاقبته
ومغبته فقد حمدت طاعتكم إن شاء الله ثم نزل وكتب جواب الكتاب: أما
بعد فقد وصل كتابك يا معاوية مع المغيرة بن شعبة وفهمت ما فيه فالحمد
لله الذي عرفك الحق وردك إلى الصلة ولست ممن يجهل معروفا ولقد قمت
يوم قرأت كتابك مقاما يعبأ به الخطيب المدرة فتركت من حضر لا أهل ورد
ولا صدر كالمتحيرين بمهمة ضل بهم الدليل وأنا على أمثالها قدير. فأعطاه
معاوية جمع ما سأله وكتب إليه بخط يده ما وثق به وقدم عليه الشام، قال
المدائني فلما أراد معاوية استلحاقه صعد المنبر وأصعد زيادا معه فأجلسه بين
يديه على المرقاة التي تحت مرقاته ثم قال أيها الناس إني قد عرفت نسبنا أهل
البيت في زياد فمن كان عنده شهادة فليقم بها فقام ناس فشهدوا أنه ابن أبي
سفيان وانهم سمعوا ما أقر به قبل موته فقام أبو مريم السلولي وكان خمارا في
الجاهلية فقال أشهد أن أبا سفيان قدم علينا بالطائف فاشتريت له لحما وخمرا
وطعاما فلما أكل قال أصب لي بغيا فاتيت سمية فقلت لها ان أبا سفيان
أمرني أن صيب له بغيا فهل لك قالت نعم يجئ الآن عبيد بغنمه وكان
راعيا فإذا تعشى ونام أتيته فلم تلبث أن جاءت تجر ذيلها فدخلت معه حتى
أصبحت فقلت له كيف رأيت صاحبتك قال خير صاحبة لولا ذفر في
ابطيها. فقال له زياد من فوق المنبر يا أبا مريم لا تشتم أمهات الرجال
فشتم أمك. واستلحقه معاوية فصار يسمى زياد بن أبي سفيان بعد ما كان
يسمى زياد بن عبيد وزوج معاوية ابنته من محمد بن زياد ليؤكد بذلك
صحة الاستلحاق وذلك سنة ٤٤ ذكره في الاستيعاب. واستعظم ذلك
المسلمون وتحرجوا من أن يسموه زياد بن أبي سفيان وخافوا أن يسموه
زياد بن عبيد فكانوا يقولون زياد بن أبيه أو ابن امه أو ابن سمية أو زياد
بدون نسبة ولكن في عصر معاوية سماه أكثر الناس زياد بن أبي سفيان لأن
الناس مع الملوك رهبة أو رغبة وليس اتباع الدين فيهم الا كالقطرة من
البحر المحيط وكتبت عائشة إلى زياد كتابا فلم تدر ما تكتب عنوانه إن كتبت
زياد بن عبيد أو ابن أبيه أغضبته وإن كتبت زياد بن أبي سفيان أثمت
فكتبت: من عائشة أم المؤمنين إلى ابنها زياد فلما قرأه ضحك وقال لقد
لقيت أم المؤمنين من هذا العنوان نصبا. وقال الجاحظ ان زيادا مر وهو
والي البصرة بأبي العريان العدوي وكان شيخا مكفوفا ذا لسن وعارضة
شديدة فقال أبو العريان ما هذه الجلبة قالوا زياد بن أبي سفيان فقال ما ترك
أبو سفيان الا فلانا وفلانا من أين جاء زياد فبلغ ذلك زيادا فأرسل إليه
مائتي دينار فقال له الرسول ابن عمك زياد الأمير أرسل إليك هذه قال
وصلته رحم أي والله ابن عمي حقا ثم مر به زياد من الغد في موكبه فسلم
عليه فبكى أبو العريان فقيل له ما يبكيك قال عرفت صوت أبي سفيان في
صوت زياد فبلغ ذلك معاوية فكتب إلى أبي العريان:
- ما لبثتك الدنانير التي بعثت * ان لونتك أبا العريان ألوانا -
- امسى إليك زياد في أرومته * نكرا فأصبح ما أنكرت عرفانا -
- لله در زياد لو تعجلها * كانت له دون ما تخشاه قربانا -
فقال أبو العريان اكتب جوابه يا غلام:
- أحدث لنا صلة تحيا النفوس بها - قد كدت يا ابن أبي سفيان تنسانا -
(٥٧٢)

- اما زياد فقد صحت مناسبه * عندي فلا ابتغي في الحق بهتانا -
- من يسد خيرا يصبه حين يفعله * أو يسد شرا يصبه حيثما كانا -
وقال في ذلك عبد الرحمن بن الحكم أخو مروان:
- الا أبلغ معاوية بن حرب * لقد ضاقت بما تأتي اليدان -
- أ تغضب ان يقال أبوك عف * وترضى ان يقال أبوك زاني -
- فاشهد أن رحمك من زياد * كرحم الفيل من ولد الأتان -
- وأشهد انها حملت زيادا * وصخر من سمية غير داني -
فبلغ ذلك معاوية فغضب على عبد الرحمن وقال لا أرضى عنه حتى
يأتي زيادا فيترضاه ويعتذر إليه فاتاه فانشده من أبيات:
- إليك أبا المغيرة تبت مما * جرى بالشام من خطل اللسان -
- عرفت الحق بعد ضلال رأيي * وبعد الغي من زيغ الجنان -
- زياد من أبي سفيان غصن * تهادى ناظرا بين الجنان -
- وان زيادة في آل حرب * أحب إلي من وسطى بناني -
- الا أبلغ معاوية بن حرب * لقد ظفرت بما تأتي اليدان -
فقال معاوية لحا الله زيادا لم يتنبه لقوله وان زيادة في آل حرب.
وقال يزيد بن مفرع الحميري في زياد:
- شهدت بان أمك لم تباشر * أبا سفيان واضعة القناع -
- ولكن كان أمر فيه لبس * على حذر شديد وارتياع -
وقال أيضا:
- ان زيادا ونافعا وأبا بكرة * عندي من أعجب العجب -
- هم رجال رجال ثلاثة خلقوا * في رحم أنثى وكلهم لأب -
- ذا قرشي كما تقول وذا * مولى وهذا ابن عمه عربي -
وقال أيضا:
- فكر ففي ذاك ان فكرت معتبر * هل نلت مكرمة الا بتأمير -
- عاشت سمية ما عاشت وما علمت * ان ابنها من قريش في الجماهير -
وكما استلحق معاوية زيادا استلحق زياد عبيد الله بن مرجانة قاتل
الحسين ع فقد قال الحسين ع فيه ألا وان الدعي ابن الدعي قد ركز
بين اثنتين السلة والذلة، وروى ابن ابن الكلبي ان عبادا استلحقه زياد كما
استلحق معاوية زيادا كلاهما لدعوة. قال: لما أذن لزياد في الحج فبينا هو
يتجهز وأصحاب القرب يعرضون عليه قربهم إذ تقدم عباد وكان خرازا
فقال له زياد: من أنت؟ قال ابنك! وقعت على أمي فلانة فولدتني وكانت
أمة لبني قيس بن ثعلبة فانا مملوك لهم، فقال صدقت اني لأعرف ما تقول،
فبعث فاشتراه واستلحقه، وولي معاوية عبادا سجستان بعد موت زياد وولى
عبيد الله البصرة، وفيهما يقول يزيد بن المفرع الحميري:
- أ عباد ما للؤم عنك محول * ولا لك أم من قريش ولا أب -
- فقل لعبيد الله ما لك والد * بحق ولا يدري امرؤ كيف تنسب -
واستاذن زياد معاوية في الحج فاذن له فبلغ ذلك أبا بكرة أخاه وأمهما
جميعا سمية وكان قد حلف ان لا يكلمه لما لجلج في الشهادة على المغيرة بن
شعبة في الزنا أيام عمر فجلد أبا بكرة وباقي الشهود، فلما استلحقه معاوية
زاد غيظ أبي بكرة منه فلما بلغه انه يريد الحج جاء إليه وجعل يكلم ولدا له
فقال يا غلام ان أباك ركب في الاسلام عظيما زنى امه وانتفى من أبيه ثم
يريد أن يركب ما هو أعظم يوافي الموسم غدا ويوافي أم حبيبة بنت أبي
سفيان وهي من أمهات المؤمنين فان أذنت له فاعظم بها فرية على رسول
الله ص وان منعته فاعظم بها فضيحة على أبيك فامتنع زياد عن الحج،
ذكره الجاحظ، وذكر ابن عبد البر في الاستيعاب أن زيادا حج مع معاوية
فأراد الدخول على أم حبيبة فذكر قول أبي بكرة فلم يفعل وقيل إنها حجبته
ولم تأذن له، وقيل حج ولم يزر المدينة من أجل ذلك.
قال ابن أبي الحديد قال الحسن البصري: ثلاث كن في معاوية لو لم
تكن فيه الا واحدة منهن لكانت موبقة: انتزؤاه على هذه الأمة بالسفهاء
حتى ابتزها امرها واستلحاقه زيادا مراغمة لقول رسول الله ص الولد
للفراش وللعاهر الحجر وقتله حجر بن عدي، فيا ويله من حجر وأصحاب
حجر. وقال أيضا: روى الشرقي بن القطامي قال: كان سعيد بن
سرح مولى حبيب بن عبد شمس شيعة لعلي بن أبي طالب ع فلما قدم
زياد الكوفة طلبه وأخافه فاتى الحسن بن علي ع مستجيرا به فوثب زياد
على أخيه وولده وامرأته فحبسهم وأخذ ماله ونقض داره فكتب الحسن بن
علي ع إلى زياد: اما بعد فإنك عمدت إلى رجل من المسلمين له ما لهم
وعليه ما عليهم فهدمت داره وأخذت ماله وحبست أهله وعياله فإذا أتاك
كتابي هذا فابن له داره واردد عليه عياله وشفعني فيه فقد أجرته والسلام.
فكتب إليه زياد: من زياد بن أبي سفيان إلى الحسن بن فاطمة أما بعد فقد
أتاني كتابك تبدأ فيه بنفسك قبلي وأنت طالب حاجة وأنا سلطان وأنت سوقة
تأمرني فيه بأمر المطاع المسلط على رعيته كتبت إلي في فاسق آويته إقامة منك
على سوء الرأي وأيم الله لا تسبقني به ولو كان بين جلدك ولحمك غير رفيق
بك ولا مرع عليك فان أحب لحم إلي أن آكله اللحم الذي أنت منه فسلمه
بجريرته إلى من هو أولى به منك فان عفوت عنه لم أكن شفعتك فيه وإن
قتلته لم أقتله إلا لحبه أباك والسلام.
فلما ورد الكتاب على الحسن ع قرأه وتبسم، وكتب جواب كتاب
زياد كلمتين لا ثالثة لهما: من الحسن بن فاطمة إلى زياد بن سمية أما بعد
فان رسول الله ص قال: الولد للفراش وللعاهر الحجر والسلام.
وحكى ابن أبي الحديد في ترجمة الحسن ع عن المدائني أن زيادا
طلب رجلا من أصحاب الحسن ع ممن كان في كتاب الأمان فكتب فيه
الحسن: من الحسن بن علي إلى زياد أما بعد فقد علمت ما كنا أخذنا من
الأمان لأصحابنا وقد ذكر لي فلان أنك تعرضت له فأحب أن لا تعرض له
إلا بخير والسلام. فغضب زياد حيث لم ينسبه إلى أبي سفيان فكتب إليه:
من زياد بن أبي سفيان إلى الحسن وذكر نحوا مما مر في خبر سعيد بن
سرح، فالظاهر أنها واقعة واحدة ويحتمل التعدد، وكيف كان فيظهر أن
الحسن ع لم ينسبه في قصة ابن سرح إلى أبي سفيان فلذلك غضب
ونسب الحين ع إلى أمه. وهذا ثمرة ما فعلته الأمة إلى أهل البيت
ع فغصبتهم حقهم ودفعتهم عن مقامهم ولم ترع فيهم وصية
جدهم ص وحكمت فيهم الطلقاء وأبناء الطلقاء والأدعياء وأبناء الأدعياء
حتى أصبح نغل سمية يخاطب الحسن ع بهذا الخطاب ويتكلم في أمير
المؤمنين ع بهذا الكلام:
- لا أضحك الله سن الدهر ان ضحكت * وآل أحمد مظلومون قد قهروا -
(٥٧٣)

مناظرة الحسن ع ومفاخرته معاوية وأصحابه
أوردها سبط ابن الجوزي الحنفي يوسف قزأو علي في تذكرة الخواص
بصورة مختصرة. وأوردها الزبير بن بكار في كتاب المفاخرات كما في شرح
النهج لابن أبي الحديد بصورة مطولة ومع ذلك بين الروايتين بعض التفاوت
ونحن نذكرها مقتبسة من مجموعهما، قال أهل السير: لما سلم الحسن
الأمر إلى معاوية اجتمع إلى معاوية رهط من شيعته وهم عمرو بن العاص
والوليد بن عقبة بن أبي معيط وعتبة بن أبي سفيان بن حرب والمغيرة بن
شعبة وقد كان بلغهم عن الحسن بن علي ع قوارص وبلغه عنهم مثل
ذلك فقالوا لمعاوية أن الحسن قد أحيا أباه وذكره قال فصدق وأمر فأطيع
وخفقت له النعال وإن ذلك لرافعه إلى ما هو أعظم منه ولا يزال يبلغنا عنه
ما يسؤنا فابعث إليه فليحضر لنسبه ونسب أباه ونعيره ونوبخه ونخبره أن
أباه قتل عثمان ونقرره بذلك قال معاوية إني لا أرى ذلك ولا أفعله فعزموا
عليه فقال لا تفعلوا فوالله ما رأيته قط جالسا عندي إلا خفت مقامه وعيبه لي
وقال إنه ألسن بني هاشم، قالوا أبعث إليه على كل حال، قال إن بعثت
إليه لأنصفنه منكم، فقال عمرو بن العاص أ تخشى أن يأتي باطله على
حقنا، قال معاوية أما اني ان بعثت إليه لآمرنه ان يتكلم بلسانه كله
واعلموا انهم أهل بيت لا يعيبهم العائب ولا يلصق بهم العار ولكن اقذفوه
بحجره تقولون له أن أباك قتل عثمان وكره خلافة الخلفاء قبله، فجاءه
الرسول فقال يا جارية ابغيني ثيابي اللهم إني أعوذ بك من شرورهم وأدرأ
بك في نحورهم وأستعين بك عليهم فاكفنيهم كيف شئت وأنى شئت بحول
منك وقوة يا أرحم الراحمين، ثم قام فلما دخل على معاوية أعظمه وأكرمه
وأجلسه إلى جانبه وقد ارتاد القوم وخطروا خطران الفحول بغيا في أنفسهم
وعلوا، ثم قال: يا أبا محمد إن هؤلاء بعثوا إليك وعصوني، فقال
الحسن: سبحان الله الدار دارك والاذن فيها إليك إن كنت أجبتهم إلى ما
أرادوا وما في أنفسهم إني لأستحيي لك من الفحش، وإن كانوا غلبوك على
رأيك إني لأستحيي لك من الضعف، أما إني لو علمت بمكانهم جئت
بمثلهم من بني عبد المطلب وما لي أن أكون مستوحشا منك ولا منهم وان
وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين فقال معاوية إني كرهت أن
أدعوك ولكن هؤلاء حملوني على ذلك وإن لك منهم النصف ومني وانما
دعوناك لنقررك ان عثمان قتل مظلوما وأن أباك قتله فأجبهم ولا تمنعك
وحدتك واجتماعهم ان تتكلم بكل لسانك فتكلم عمرو بن العاص فذكر
عليا ع فلم يدع شيئا يعيبه به الا قاله وقال إنه شتم أبا بكر وكره
خلافته وبايعه مكرها وشرك في دم عمر وقتل عثمان وادعى من الخلافة ما
ليس له ثم ذكر الفتنة يعيده بها ثم قال إنكم يا بني عبد المطلب لم يكن الله
ليعطيكم الملك على قتلكم الخلفاء واستحلالكم ما حرم الله من الدماء
وحرصكم على الملك واتيانكم ما لا يحل ثم انك يا حسن تحدث نفسك إن لخلافة
صائرة إليك وليس عندك عقل ذلك ولا لبه وانما دعوناك لنسبك وأباك فاما أبوك
فقد تفرد الله به وكفانا أمره وأما أنت فلو قتلناك ما كان علينا إثم من الله
ولا عيب من الناس. وقال الوليد بن عقبة يا بني هاشم كنتم أخوال عثمان
فنعم الولد كان لكم فعرف حقكم وكنتم اصهاره فنعم الصهر كان لكم
فكنتم أول من حسده فقتله أبوك ظلما فكيف ترون الله طلب بدمه والله ان
بني أمية خير لبني هاشم من بني هاشم لبني أمية وقال عتبة بن أبي سفيان يا
حسن كان أبوك شر قريش لقريش اسفكه لدمائها واقطعه لأرحامها طويل
السيف واللسان يقتل الحي ويعيب الميت وأما رجاؤك الخلافة فلست في
زندها قادحا ولا في ميزانها راجحا وانكم يا بني هاشم قتلتم عثمان وأن في
الحق أن نقتلك وأخاك به فاما أبوك فقد كفانا الله أمره. وتكلم المغيرة بن
شعبة فشتم عليا وقال والله ما أعيبه في قضية بخون ولا في حكم بميل ولكنه
قتل عثمان. ثم سكتوا فتكلم الحسن بن علي ع فحمد الله
وأثنى عليه وصلى على رسوله ص ثم قال أما بعد يا معاوية فما هؤلاء
شتموني ولكنك شتمتني فحشا ألفته وسوء رأي عرفت به وخلقا سيئا ثبت
عليه وبغيا علينا عداوة منك لمحمد وأهله ولكن اسمع يا معاوية واسمعوا
فلأقولن فيك وفيهم ما هو دون ما فيكم: أنشدكم الله هل تعلمون ان
الذي شتمتموه صلى القبلتين وأنت يا معاوية بهما كافر وبايع البيعتين بيعة
الفتح وبيعة الرضوان وأنت بإحداهما كافر وبالأخرى ناكث وأنشدكم الله
هل تعلمون انه أول الناس ايمانا وانك يا معاوية وأباك من المؤلفة قلوبهم
تسرون الكفر وتظهرون الاسلام وتستمالون بالأموال وأنه كان صاحب راية
رسول الله ص يوم بدر وان راية المشركين كانت مع معاوية ومع أبيه ثم
لقيكم يوم أحد ويوم الأحزاب ومعه راية رسول الله ص ومعك ومع أبيك
راية الشرك وفي كل ذلك يفتح الله له ويفلج حجته وينصر دعوته ويصدق
حديثه ورسول الله ص في تلك المواطن كلها عنه راض وعليك وعلى أبيك
ساخط وبات يحرس رسول الله ص من المشركين وفداه بنفسه ليلة الهجرة
حتى أنزل الله فيه: ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله. وانزل فيه:
انما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة
وهم راكعون وقال له رسول الله ص أنت مني بمنزلة هارون من موسى وأنت
أخي في الدنيا والآخرة وجاء أبوك على جمل احمر يوم الأحزاب يحرض الناس
وأنت تسوقه وأخوك عتبة هذا يقوده فرآكم رسول الله ص فلعن الراكب
والقائد والسائق أ تنسى يا معاوية الشعر الذي كتبته إلى أبيك لما هم ان
يسلم تنهاه عن الاسلام:
- يا صخر لا تسلمن يوما فتفضحنا * بعد الذين ببدر أصبحوا مزقا -
- خالي وعمي وعم الأم ثالثهم * وحنظل الخير قد اهدى لنا الارقا -
- لا تركنن إلى أمر تقلدنا * والراقصات بنعمان به الخرقا -
- فالموت أهون من قول العداة لقد * حاد ابن حرب عن العزى إذا فرقا -
والله لما أخفيت من أمرك أكبر مما أبديت وأنشدكم الله أ تعلمون ان
عليا حرم الشهوات على نفسه بين أصحاب رسول الله ص فأنزل فيه يا أيها
الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم وأنت يا معاوية دعا عليك
رسول الله ص لما أراد أن يكتب كتابا إلى بني خزيمة فبعث إليك فنهمك إلى
يوم القيامة فقال اللهم لا تشبعه. وان رسول الله ص بعث أكابر أصحابه
إلى بني قريظة فنزلوا من حصنهم فهزموا فبعث عليا بالراية فاستنزلهم على
حكم الله وحكم رسوله وفعل في خيبر مثلها. وأنتم أيها الرهط نشدتكم
الله أ لا تعلمون أن رسول الله ص لعن أبا سفيان في سبعة مواطن لا
تستطيعون ردها أولها يوم لقي رسول الله ص خارجا من مكة إلى الطائف يدعو ثقيفا إلى
الدين فوقع به وسبه وسفهه وشتمه وكذبه وتوعده
وهم أن يبطش به والثانية يوم العير والثالثة يوم أحد حيث وقف
تحت الجبل ورسول الله ص في أعلاه وهو ينادي أعل هبل والرابعة يوم
الأحزاب والخامسة يوم الحديبية ولعن القادة والاتباع فقيل يا رسول الله
أ فما يرجى الاسلام لأحد منهم فقال لا تصيب اللعنة أحدا من الاتباع يسلم
وأما القادة فلا يفلح منهم أحد والسادسة يوم الجمل الأحمر والسابعة
(٥٧٤)

يوم وقفوا لرسول الله ص في العقبة ليستنفروا ناقته وكانوا اثني عشر رجلا
منهم أبو سفيان. فهذا لك يا معاوية وأما أنت يا ابن النابغة فادعاك خمسة
من قريش غلب عليك ألأمهم حسبا وأخبثهم منصبا وولدت على فراش
مشترك ثم قام أبوك فقال انا شانئ محمد الأبتر فأنزل الله فيه أن شانئك هو
الأبتر وقاتلت رسول الله ص في جميع المشاهد وهجوته وآذيته بمكة وكدته
وكنت من أشد الناس له تكذيبا وعداوة ثم خرجت تريد النجاشي لتأتي
بجعفر وأصحابه فلما أخطأك ما رجوت ورجعك الله خائبا وأكذبك واشيا
جعلت حدك على صاحبك عمارة بن الوليد فوشيت به إلى النجاشي
ففضحك الله وفضح صاحبك فأنت عدو بني هاشم في الجاهلية والاسلام
وهجوت رسول الله ص بسبعين بيتا من الشعر فقال اللهم إني لا أقول
الشعر ولا ينبغي لي اللهم العنه بكل حرف ألف لعنة. وأما ما ذكرت من
أمر عثمان فأنت سعرت عليه الدنيا نارا ثم لحقت بفلسطين فلما أتاك قتله
قلت أنا أبو عبد الله إذا نكات قرحة أدميتها ثم حبست نفسك إلى معاوية
وبعت دينك بدنياه فلسنا نلومك على بغض ولا نعاتبك على ود وبالله ما
نصرت عثمان حبا ولا غضبت له مقتولا ويحك يا ابن العاص أ لست القائل
لما خرجت إلى النجاشي:
- تقول ابنتي أين هذا الرحيل * وما السير مني بمستنكر -
- فقلت ذريني فاني امرؤ * أريد النجاشي في جعفر -
- لأكويه عنده كية * أقيم بها نخوة الأصعر -
- وشأني احمد من بينهم * وأقولهم فيه بالمنكر -
- واجري إلى عيبه جاهدا * ولو كان كالذهب الأحمر -
- ولا أنثني عن بني هاشم * بما اسطعت في الغيب والمحضر -
- فان قبل العيب مني له * والا لويت له مشفري -
وأما أنت يا وليد فوالله ما ألومك على بغض علي وقد قتل أباك بين
يدي رسول الله ص صبرا وجلدك ثمانين في الخمر لما صليت بالمسلمين
الفجر سكران وفيك يقول الحطيئة:
- شهد الحطيئة حين يلقى ربه * ان الوليد أحق بالعذر -
- نادى وقد تمت صلاتهم * أ أزيدكم سكرا وما يدري -
- ليزيدهم أخرى ولو قبلوا * لاتت صلاتهم على العشر -
- فأبوا أبا وهب ولو قبلوا * لقرنت بين الشفع والوتر -
- حبسوا عنانك إذ جريت ولو * تركوا عنانك لم تزل تجري -
وسماك الله في كتابه فاسقا وسمى أمير المؤمنين مؤمنا حيث تفاخرتما
فقلت له اسكت يا علي فانا أشجع منك جنانا وأطول منك لسانا. فقال
لك علي اسكت يا وليد فانا مؤمن وأنت فاسق فأنزل الله تعالى في موافقة
قوله: أ فمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون ثم أنزل فيك على
موافقة قوله: إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ومهما نسيت فلا تنس قول
الشاعر فيك وفيه:
- انزل الله والكتاب عزيز * في علي وفي الوليد قرانا -
- فتبوا الوليد إذ ذاك فسقا * وعلي مبوأ ايمانا -
- ليس من كان مؤمنا عمرك الله * كمن كان فاسقا خوانا -
- سوف يدعى الوليد بعد قليل * وعلي إلى الحساب عيانا -
- فعلي يجزي بذاك جنانا * ووليد يجزى بذاك هوانا -
- رب جد لعقبة بن ابان * لابس في بلادنا تبانا -
وما أنت وقريش إنما أنت علج من أهل صفورية وأقسم بالله لانت
أكبر في الميلاد وأسن ممن تدعى إليه وأما أنت يا عتبة فوالله ما أنت بحصيف
فأجيبك ولا عاقل فأحاورك وأعاتبك وما عندك خير يرجى ولا شر يتقى وما
عقلك وعقل أمتك الا سواء وما يضر عليا لو سببته على رؤوس الاشهاد
وأما وعيدك إياي بالقتل فهلا قتلت اللحياني إذ وجدته على فراشك فقال فيك
نصر بن حجاج:
- يا للرجال وحادث الأزمان * ولسبة تخزي أبا سفيان -
- نبئت عتبة خانه في عرسه * جبس لئيم الأصل في لحيان -
وكيف ألومك على بغض علي وقد قتل خالك الوليد مبارزة يوم بدر
وشرك حمزة في قتل جدك عتبة وأوحدك من أخيك حنظلة في مقام واحد.
وأما أنت يا مغيرة فلم تكن بخليق ان تقع في هذا وشبهه إنما
مثلك مثل البعوضة إذ قالت للنخلة استمسكي فاني طائرة عنك فقالت النخلة
هل علمت بك واقعة علي فاعلم بك طائرة عني وان حد الله عليك في الزنا
لثابت ولقد درأ عمر عنك حقا الله سائله عنه ولقد سالت رسول الله ص
هل ينظر الرجل إلى المرأة يريد أن يتزوجها فقال لا باس بذلك يا مغيرة ما لم
ينو الزنا لعلمه بأنك زان. واما فخركم علينا بالامارة فان الله تعالى يقول:
وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها
تدميرا. ثم قام الحسن فنفض ثوبه وانصرف فتعلق عمرو بثوبه وقال يا
أمير المؤمنين قد شهدت قوله في وانا مطالب له بحد القذف فقال معاوية
خل عنه لا جزاك الله خيرا فتركه فقال معاوية قد أنبأتكم أنه ممن لا تطاق
عارضته ونهيتكم ان تسبوه فعصيتموني والله ما قام حتى أظلم علي البيت
قوموا عني فلقد فضحكم الله وأخزاكم بترككم الحزم وعدو لكم عن رأي
الناصح المشفق وقال:
- امرتكم أمرا فلم تسمعوا له * وقلت لكم لا تبعثن إلى الحسن -
- فجاء ورب الراقصات عشية * بركبانها يهوين من سرة اليمن -
- أخاف عليكم منه طول لسانه * وبعد مداه حين اجراره الرسن -
- فلما أبيتم كنت فيكم كبعضكم * وكان خطابي فيه غبنا من الغبن -
- فحسبكم ما قال مما علمتم * وحسبي بما ألقاه في القبر والكفن -
رجوعه إلى المدينة
قال المدائني: أقام الحسن ع بالكوفة أياما ثم تجهز للشخوص إلى
المدينة فدخل عليه المسيب بن الفزاري وظبيان بن عمارة التميمي ليودعاه
فقال الحسن ع الحمد لله الغالب على أمره لو جمع الناس جميعا على أن لا
يكون ما هو كائن ما استطاعوا إلى أن قال فعرض له المسيب وظبيان
بالرجوع فقال ليس إلى ذلك سبيل فلما كان الغد خرج وتوجه إلى المدينة هو
وأخوه الحسين ع وأهل بيته وحشمهم وجعل الناس يبكون عند مسيرهم
من الكوفة فلما صار بدير هند نظر إلى الكوفة وقال:
- ولا عن قلى فارقت دار معاشري * هم المانعون حوزتي وذماري -
قال المفيد: خرج الحسن ع إلى المدينة فأقام بها كاظما
غيظه لازما منزله منتظرا لأمر ربه.
وفاة الحسن ع
روى الزبير بن بكار في كتاب انساب قريش عن محمد بن حبيب في
(٥٧٥)

أماليه عن ابن عباس أنه قال أول ذل دخل على العرب موت الحسن
ع. وفي مقاتل الطالبيين قيل لأبي إسحاق متى ذل الناس قال حيث
مات الحسن وادعي زياد وقتل حجر بن عدي وكان الحسن ع شرط على
معاوية في شروط الصلح أن لا يعهد إلى أحد بالخلافة بعده وأن تكون
الخلافة له من بعده، قال أبو الفرج وأراد معاوية البيعة لابنه يزيد فلم يكن
شئ أثقل عليه من أمر الحسن بن علي وسعد بن أبي وقاص فدس إليهما سما
فماتا منه أرسل إلى ابنة الأشعث أني مزوجك بيزيد ابني على أن تسمي
الحسن وبعث إليها بمائة ألف درهم فسوغها المال ولم يزوجها منه فخلف
عليها رجل من آل طلحة فأولدها فكان إذا وقع بينهم وبين بطون قريش
كلام عيروهم وقالوا يا بني مسمة الأزواج وكان ذلك بعد ما مضى من إمارة
معاوية عشر سنين، وقال ابن عبد البر في الاستيعاب قال قتادة وأبو بكر بن
حفص: سم الحسن بن علي سمته امرأته بنت الأشعث بن قيس الكندي
وقالت طائفة كان ذلك منه بتدسيس معاوية إليها وما بذل لها في ذلك ا
ه، وقال المدائني دس إليه معاوية سما على يد جعدة بنت الأشعث بن
قيس زوجة الحسن وقال لها ان قتلته بالسم فلك مائة ألف وأزوجك يزيد
ابني فمرض أربعين يوما فلما مات وفى لها بالمال ولم يزوجها من يزيد وقال
اخشى أن تصنعي بابني ما صنعت بابن رسول الله ص، وقال المفيد: لما تم
لمعاوية عشر سنين من إمارته وعزم على البيعة لابنه يزيد دس إلى جعدة بنت
الأشعث بن قيس وكانت زوجة الحسن ع من حملها على سمه وضمن لها
أن يزوجها بابنه يزيد فأرسل إليها مائة ألف درهم فسقته جعدة السم فبقي
أربعين يوما ومضى لسبيله، وفي تذكرة الخواص لسبط بن الجوزي قال
علماء السير منهم ابن عبد البر سمته زوجته جعدة بنت الأشعث بن قيس
الكندي وقال الشعبي دس إليها معاوية فقال سمي الحسن وأزوجك يزيد
وأعطيك مائة ألف درهم فلما مات الحسن بعث إليها بالمال ولم يزوجها بيزيد
قال وحكى جدي في كتاب الصفوة قال ذكر يعقوب بن سفيان في تاريخه أن
جعدة هي التي سمته وقال الشاعر في ذلك:
- تعزفكم لك من سلوة * تفرج عنك غليل الحزن -
- بموت النبي وقتل الوصي * وقتل الحسين وسم الحسن -
وقال الصادق ع أن الأشعث شرك في دم أمير المؤمنين ع
وابنته جعدة سمت الحسن ع وابنه محمد شرك في دم الحسين
ع.
وصية الحسن بن علي إلى أخيه الحسين ع
رواها الشيخ الطوسي في أماليه عن ابن عباس: هذا ما أوصى به
الحسن بن علي إلى أخيه الحسين أوصى أنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا
شريك له وأنه يعبده حق عبادته لا شريك له في الملك ولا ولي له من الذل
وأنه خلق كل شئ فقدره تقديرا وأنه أولى من عبد وأحق من حمد من
أطاعه رشد ومن عصاه غوى ومن تاب إليه اهتدى فاني أوصيك يا حسين
بمن خلفت من أهلي وولدي وأهل بيتك أن تصفح عن مسيئهم وتقبل من
محسنهم وتكون لهم خلفا ووالدا وأن تدفنني مع رسول الله ص فاني أحق به
وببيته فان أبوا عليك فأنشدك الله بالقرابة التي قرب الله عز وجل منك
والرحم الماسة من رسول الله ص ان لا تهريق في أمري محجمة من دم حتى
نلقى رسول الله ص فنختصم إليه ونخبره بما كان من الناس إلينا.
وروى الحاكم في المستدرك أنه لما توفي أقام نساء بني هاشم النوح
عليه شهرا، وعن أبي جعفر قال مكث الناس يبكون على الحسن بن علي
وعطلت الأسواق، قال الشيخ الطوسي في الأمالي: فلما توفي دعا الحسين
ابن عباس وعبد الرحمن بن جعفر وعلي بن عبد الله بن عباس فأعانوه على
غسله وحنطوه والبسوه أكفانه وخرجوا به إلى المسجد فصلوا عليه وقال
المفيد: لما مضى لسبيله غسله الحسين ع وكفنه وحمله على سريره ولم
يشك مروان ومن معه من بني أمية أنهم سيدفنونه عند رسول الله ص
فتجمعوا لذلك ولبسوا السلاح فلما توجه به الحسين ع إلى قبر جده
رسول الله ص ليجدد به عهدا أقبلوا إليهم في جمعهم ولحقتهم عائشة على
بغل وهي تقول ما لي ولكم تريدون أن تدخلوا بيتي من لا أحب وجعل
مروان يقول: يا رب هيجا هي خير من دعة. أ يدفن عثمان في أقصى
المدينة ويدفن الحسن مع النبي لا يكون ذلك أبدا وأنا أحمل السيف،
وكادت الفتنة أن تقع بين بني هاشم وبني أمية، وقال سبط ابن الجوزي:
قال ابن سعد عن الواقدي لما احتضر الحسن قال ادفنوني عند أبي يعني
رسول الله ص فأراد الحسين ع ان يدفنه في حجرة رسول الله ص
فقامت بنو أمية ومروان بن الحكم وسعيد بن العاص وكان واليا على المدينة
فمنعوه وقامت بنو هاشم لتقاتلهم فقال أبو هريرة أ رأيتم لو مات ابن لموسى
أ ما كان يدفن مع أبيه قال ابن سعد ومنهم أيضا عائشة وقالت لا يدفن مع
رسول الله ص أحد. وقال أبو الفرج الأصبهاني: قال يحيى بن الحسن:
سمعت علي بن طاهر بن زيد يقول لما أرادوا دفنه ركبت عائشة بغلا
واستعونت بني أمية ومروان ومن كان هناك منهم ومن حشمهم وهو قول
القائل: فيوما على بغل ويوما على جمل. قال المفيد في تتمة الخبر
السابق: فبادر ابن عباس إلى مروان فقال له إرجع يا مروان من حيث
جئت ما نريد دفن صاحبنا عند رسول الله ص لكنا نريد أن نجدد به عهدا
بزيارته ثم نرده إلى جدته فاطمة بنت أسد فندفنه عندها بوصيته بذلك إلى
آخر كلامه وقال الحسين ع: والله لولا عهد الحسن بحقن الدماء وإن
لا أهريق في أمره محجمة دم لعلمتم كيف تأخذ سيوف الله منكم مأخذها وقد
نقضتم العهد بيننا وبينكم وأبطلتم ما اشترطنا عليكم لأنفسنا. ومضوا
بالحسن فدفنوه بالبقيع عند جدته فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد
مناف.
ولما بلغ معاوية موت الحسن ع سجد وسجد من حوله وكبر
وكبروا معه، ذكره الزمخشري في ربيع الأبرار وابن عبد البر في الاستيعاب
وغيرهما فقال بعض الشعراء:
- أصبح اليوم ابن هند شامتا * ظاهر النخوة إذ مات الحسن -
- يا ابن هند ان تذق كأس الردى * تك في الدهر كشئ لم يكن -
- لست بالباقي فلا تشمت به * كل حي للمنايا مرتهن -
ولما أتى نعيه إلى البصرة وذلك في أمار زياد بن سمية بكى الناس
فسمع الضجة أبو بكرة أخو زياد وكان مريضا فقال ما هذا فقالت له زوجته
وكانت ثقفية مات الحسن بن علي والحمد لله الذي أراح الناس منه فقال
اسكتي ويحك فقد أراحه الله من شر كثير وفقد الناس بموته خيرا كثيرا يرحم
الله حسنا. ذكره المدائني.
وكانت وفاته ع بالمدينة يوم الخميس لليلتين بقيتا من صفر
وقيل في السابع منه وقيل لخمس بقين من ربيع الأول وفي رواية الحاكم
(٥٧٦)

لخمس خلون منه سنة خمسين من الهجرة أو خمس وأربعين أو تسع وأربعين
أو إحدى وخمسين أو أربع وأربعين أو سبع وأربعين أو ثمان وخمسين وله
سبع وأربعون سنة أو ست وأربعون وأربعة أشهر وثلاثة عشرة يوما وقيل
غير ذلك ووقع هنا اشتباهات من أعاظم العلماء مثل الكليني والمفيد
والطبرسي بيناها في الجزء الخامس من المجالس السنية، وقبض رسول الله
ص وله سبع سنين وستة أشهر وقيل ثمان سنين وقام بالامر بعد أبيه وله
سبع وثلاثون سنة وأقام إلى أن صالح معاوية ستة أشهر وخمسة أيام أو ثلاثة
أيام على الخلاف في وفاة أمير المؤمنين ع أنها ليلة إحدى وعشرين أو
ثلاث وعشرين من شهر رمضان وقيل غير ذلك كما تقدم وبقي بعد الصلح
تسع سنين وتسعة أشهر وثلاثة عشرة يوما وقيل غير ذلك والله أعلم.
كتابة العلم
عن السيوطي في تدريب الراوي أنه كان بين السلف من الصحابة
والتابعين اختلاف كثير في كتابة العلم فكرهها كثير منهم وأباحها طائفة
وفعلوها منهم علي وابنه الحسن اه ولا شك في أنه لولا كتابة العلم
لضاع العلم فهي منقبة لعلي وولده ع.
كلام له ع في التوحيد
روى الصدوق في كتاب التوحيد أنه جاء رجل إلى الحسن ع فقال
له يا ابن رسول الله صف لي ربك كأني أنظر إليه فأطرق مليا ثم رفع رأسه
فقال: الحمد لله الذي لم يكن له أول معلوم ولا آخر متناه ولا قبل مدرك
ولا بعد محدود ولا أمد بحتي ولا شخص فيتجزى ولا اختلاف صفة
فيتناهى ولا تدرك العقول وأوهامها ولا الفكر وخطراتها ولا الألباب وأذهانها
صفته فتقول متى ولا بدئ مما ولا ظاهر على ما ولا باطن فيما ولا تارك فهلا
خلق الخلق فكان بديا بديئا ابتدأ ما ابتدع وابتدع ما ابتدأ وفعل ما أراد
وأراد ما استزاد ذلكم الله رب العالمين.
المأثور عنه ع
في الحكم والآداب والمواعظ ونحوها
قال له جنادة بن أبي أمية في مرضه الذي توفي فيه: عظني يا ابن
رسول الله قال نعم استعد لسفرك وحصل زادك قبل حلول اجلك واعلم
أنك تطلب الدنيا والموت يطلبك ولا تحمل هم يومك الذي لم يأت على
يومك الذي أنت فيه واعلم أنك لا تكسب من المال شيئا فوق قوتك إلا
كنت فيه خازنا لغيرك واعلم أن الدنيا في حلالها حساب وفي حرامها عقاب
وفي الشبهات عتاب فأنزل الدنيا بمنزلة الميتة خذ منها ما يكفيك فإن كان
حلالا كنت قد زهدت فيها وإن كان حراما لم يكن في وزر فأخذت منه كما
أخذت من الميتة وإن كان العتاب فالعتاب يسير واعمل لدنياك كأنك تعيش
أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا وإذا أردت عزا بلا عشيرة وهيبة بلا
سلطان فاخرج من ذل معصية الله إلى عز طاعة الله عز وجل وإذا نازعتك
إلى صحبة الرجال حاجة فاصحب من إذا صحبته زانك وإذا خدمته صانك
وإذا أردت معونة أعانك وإن قلت صدق قولك وإن صلت شد صولك وإن
مددت يدك بفضل مدها وان بدت منك ثلمة سدها وإن رأى منك حسنة
عدها وإن سألته أعطاك وإن سكت عنه ابتداك وإن نزلت بك إحدى
الملمات واساك من لا تأتيك منه البوائق ولا تختلف عليك منه الطرائف ولا
يخذلك عند الحقائق وإن تنازعتما منقسما آثرك.
شئ من حكمه القصيرة
منقول من تحف العقول
قال ع: ما تشاور قوم إلا هدوا إلى رشدهم، اللؤم أن لا
تشكر النعمة، وقال لبعض ولده: يا بني لا تؤاخ أحدا حتى تعرف موارده
ومصادره، القريب من قربته المودة وان بعد نسبه والبعيد من باعدته المودة
وان قرب نسبه، الخير الذي لا شر فيه الشكر مع النعمة والصبر على
النازلة، العار أهون من النار، وقال في وصف أخ صالح كان له: كان من
أعظم الناس في عيني وكان رأس ما عظم به في عيني صغر الدنيا في عينه
كان لا يشتكي ولا يسخط ولا يتبرم كان أكثر دهره صامتا فإذا قال بذ
القائلين كان إذا جالس العلماء على أن يستمع احرص منه على أن يقول كان
إذا غلب على الكلام لم يغلب على السكوت كان لا يقول ما لا يفعل ويفعل
ما لا يقول كان إذا عرض له أمران لا يدري أيهما أقرب إلى ربه نظر أقربهما
من هواه فخالفه كان لا يلوم أحدا على ما قد يقع العذر في مثله، وقيل له
فيك عظمة فقال بل في عزة الله تعالى: ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين،
وسئل عن المروءة فقال شح الرجل على دينه وإصلاحه ماله وقيامه
بالحقوق. وسأله رجل أن يجالسه فقال إياك أن تمدحني فانا أعلم بنفسي
منك أو تكذبني فإنه لا رأي لمكذوب أو تغتاب عندي أحدا فقال له الرجل
ائذن لي في الانصراف قال نعم إذا شئت، ومر ع في يوم فطر
بقوم يلعبون ويضحكون فوقف على رؤوسهم فقال إن الله جعل شهر
رمضان مضمارا لخلقه يستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته فسبق قوم ففازوا
وقصر آخرون فخابوا فالعجب كل العجب من ضاحك لاعب في اليوم الذي
يثاب فيه المحسنون ويخسر فيه المبطلون وأيم الله كشف الغطاء لعلموا أن
المحسن مشغول باحسانه والمسئ مشغول باساءته ثم مضى، ومن الفصول
المهمة: هلاك المرء في ثلاث الكبر والحرص والحسد فالكبر هلاك الدين
وبه لعن إبليس والحرص عدو النفس وبه خرج آدم من الجنة والحسد رائد
السوء ومنه قتل قابيل هابيل. ومن كشف الغمة: لا أدب لمن لا عقل له
ولا مروءة لمن لا همة له ولا حياء لمن لا دين له ورأس العقل معاشرة الناس
بالجميل وبالعقل تدرك الداران جميعا ومن حرم العقل حرمهما جميعا. لا
تأت رجلا إلا أن ترجو نواله أو تخاف يده أو تستفيد من علمه أو ترجو بركة
دعائه أو تصل رحما بينك وبينه. ما رأيت ظالما بمظلوم من حاسد. وقال
ع: يا ابن آدم عف عن محارم الله تكن عابدا وارض بما قسم الله
تكن غنيا وأحسن جوار من جاورك تكن مسلما وصاحب الناس بمثل ما تحب
أن يصاحبوك به تكن عدلا أنه كان بين أيديكم أقوام يجمعون كثيرا ويبنون
مشيدا ويأملون بعيدا أصبح جمعهم بورا وعملهم غرورا ومساكنهم قبورا يا
ابن آدم لم تزل في هدم عمرك منذ سقطت من بطن أمك فخذ مما في يديك
لما بين يديك فان المؤمن يتزود والكافر يتمتع، وقال ع: ما فتح
الله عز وجل على أحد باب مسالة فخزن عنه باب الإجابة ولا فتح على
رجل باب عمل فخزن عنه باب القبول ولا فتح لعبد باب شكر فخزن عنه
باب المزيد وقال ع: المعروف ما لم يتقدمه مطل ولا يتبعه من
والاعطاء قبل السؤال من أكبر السؤدد، وسئل عن البخل فقال هو أن
يرى الرجل ما أنفقه تلفا وما أمسكه شرفا، وقال ع لا تعاجل
الذنب بالعقوبة واجعل بينهما للاعتذار طريقا، المزاح يأكل الهيبة وقد أكثر
من الهيبة الصامت، المسؤول حر حتى يعد ومسترق حتى ينجز، الفرصة
سريعة الفوت بطيئة العود، تجهل النعم ما أقامت فإذا ولت عرفت.
(٥٧٧)

المأثور عن الحسن ع من الشعر
فمنه ما أورده ابن شهرآشوب في المناقب وهو قوله ع:
- ذري كدر الأيام ان صفاءها * تولى بأيام السرور الذواهب -
- وكيف يغر الدهر من كان بينه * وبين الليالي محكمات التجارب -
وقوله ع:
- قل للمقيم بغير دار إقامة * حان الرحيل فودع الأحبابا -
- إن الذين لقيتهم وصحبتهم * صاروا جميعا في القبور ترابا -
وقوله ع:
- يا أهل لذات دنيا لا بقاء لها * إن المقام بظل زائل حمق -
وقوله ع:
- لكسرة من خسيس الخبز تشبعني * وشربة من قراح الماء تكفيني -
- وطمرة من رقيق الثوب تسترني * حيا وإن مت تكفيني لتكفيني -
وقال وقد جاءه أعرابي فقال أعطوه ما في الخزانة فكان عشرين ألف
درهم فقال يا مولاي أ لا تركتني أبوح بحاجتي وانشر مدحتي فانشا الحسن
ع يقول:
- نحن أناس نوالنا خضل * يرتع فيه الرجاء والأمل -
- تجود قبل السؤال أنفسنا * خوفا على ماء وجه من يسل -
- لو علم البحر فضل نائلنا * لغاض من بعد فيضه خجل (١) -
وفي كتاب العمدة لابن رشيق: وهو أي الحسن ع القائل وقد
خرج على أصحابه مختضبا رواه البرد:
- نسود أعلاها وتأبى أصولها * فليت الذي يسود منها هو الأصل -
أبو عبد الله الحسين بن علي بن أبي طالب ع
ثالث أئمة أهل البيت الطاهر وثاني السبطين سيدي شباب أهل الجنة
وريحانتي المصطفى وأحد الخمسة أصحاب العبا وسيد الشهداء وأمه فاطمة
بنت رسول الله ص.
مولده الشريف
ولد بالمدينة في الثالث من شعبان وقيل لخمس خلون منه سنة ثلاث
أو أربع من الهجرة وروى الحاكم في المستدرك من طريق محمد بن إسحاق
الثقفي بسنده عن قتادة أن ولادته لست سنين وخمسة أشهر ونصف من
التاريخ اه وقيل ولد في أواخر ربيع الأول وقيل لثلاث أو خمس خلون
من جمادى الأولى والمشهور المعروف أنه ولد في شعبان وكانت مدة حمله ستة
أشهر ومر في سيرة الحسن ع ما روي أنه كان بين ولادة الحسن والحمل
بالحسين ع طهر واحد وأن الحسين ع كان في بطن أمه ستة
أشهر وذكرنا منافاة ذلك للمشهور في تاريخ ولادتيهما فان الحسن ع ولد في
منتصف شهر رمضان والحسين ع لخمس خلون من شعبان على المشهور
فيكون بين ميلاديهما عشرة شهور وعشرون يوما. نعم ربما يتجه ذلك على
القول بان ولادة الحسين ع في أواخر ربيع الأول ولعل القائل به استنبطه
من الجمع بين تاريخ ولادة الحسن وأن بينها وبين الحمل بالحسين طهر واحد
وان مدة حمل الحسين ستة أشهر والله أعلم وروى الحاكم في المستدرك من
طريق محمد بن إسحاق الثقفي بسنده عن قتادة ولدت فاطمة حسينا بعد
الحسن لسنة وعشرة أشهر.
ولما ولد جئ به إلى رسول الله ص فاستبشر به وأذن في أذنه اليمنى وأقام
في اليسرى فلما كان اليوم السابع سماه حسينا وعق عنه بكبش وأمر أن تحلق
رأسه وتتصدق بوزن شعره فضة كما فعلت بأخيه الحسن فامتثلت ما أمرها به
وعن الزبير بن بكار في كتاب أنساب قريش أن رسول الله ص سمى حسنا
وحسينا يوم سابعهما واشتق اسم حسين من اسم حسن اه وروى
الحاكم في المستدرك وصححه بسنده عن أبي رافع رأيت رسول الله ص أذن
في أذن الحسين حين ولدته فاطمة وبسنده عن جعفر بن محمد عن أبيه
عن جده علي ع وصححه أن رسول الله ص أمر فاطمة فقال زني شعر
الحسين وتصدقي بوزنه فضة وأعطي القابلة رجل العقيقة. وبسنده أن
رسول الله ص عق عن الحسن والحسين يوم السابع وسماهما وأمر أن يماط
عن رؤوسهما الأذى. وبسنده عن محمد بن علي بن الحسين عن أبيه عن
جده علي بن أبي طالب قال عق رسول الله ص عن الحسين بشاة وقال يا
فاطمة احلقي رأسه وتصدقي بزنة شعره فوزناه وكان وزنه درهما وبسنده أن
النبي ص عق عن الحسن والحسين عن كل واحد منهما كبشين اثنين مثليين
متكافيين.
شهادته ومدة عمره
قتل ع شهيدا في كربلاء من أرض العراق عاشر المحرم
سنة ٦١ من الهجرة بعد الظهر مظلوما ظمآن صابرا محتسبا قال المفيد يوم
السبت والذي صححه أبو الفرج في مقاتل الطالبيين أنه استشهد يوم
الجمعة قال وكان أول المحرم الأربعاء استخرجنا ذلك بالحساب الهندي من
سائر الزيجات تنضاف إليه الرواية. أما ما تعارفه العوام من أنه قتل يوم
الاثنين فلا أصل له ولا وردت به رواية اه وكان عمره ع يوم قتل
٥٦ سنة وخمسة أشهر وسبعة أيام أو خمسة أيام أو تسعة أشهر وعشرة أيام أو
ثمانية أشهر وسبعة أيام أو خمسة أيام أو ٥٧ سنة بنوع من التسامح بعد السنة
الناقصة سنة كاملة أو ٥٨ سنة أو ٥٥ سنة وستة أشهر على اختلاف
الروايات والأقوال المتقدمة في مولده وغيرها. ومن الغريب قول المفيد ان
عمره الشريف ٥٨ سنة مع ذكره ان مولده لخمس خلون من شعبان سنة
أربع وشهادته كما مر فان عمره على هذا يكون ٥٦ سنة وخمسة أشهر وخمسة
أيام. عاش منها مع جده رسول الله ص ست سنين أو سبع سنين وشهورا
وقال المفيد سبع سنين ومع أبيه أمير المؤمنين ٣٧ سنة قاله المفيد ومع أبيه
بعد وفاة جده ص ٣٠ سنة إلا أشهرا ومع أخيه الحسن ٤٧ سنة قاله المفيد
ومع أخيه بعد وفاة أبيه نحو عشر سنين وقال المفيد إحدى عشرة سنة وقيل
خمس سنين وأشهرا للاختلاف في وفاة الحسن ع وهي مدة خلافته
وإمامته.
كنيته ولقبه ونقش خاتمه
كنيته: أبو عبد الله
لقبه: الرشيد والوفي والطيب والسيد الزكي والمبارك والتابع لمرضاة

(١) أي وهو خجل أو فيه اقواء. - المؤلف -
(٥٧٨)

الله والدليل على ذات الله والسبط وأعلاها رتبة ما لقبه به جده ص في قوله
عنه وعن أخيه الحسن أنهما سيدا شباب أهل الجنة وكذلك السبط لقوله ص
حسين سبط من الأسباط.
نقش خاتمه: في الفصول المهمة: لكل أجل كتاب وفي الوافي
وغيره عن الصادق ع حسبي الله وعن الرضا ع أن الله بالغ
أمره ولعله كان له عدة خواتيم هذه نقوشها.
شاعره: يحيى بن الحكم وجماعة.
بوابه: أسعد الهجري.
ملوك عصره: معاوية وابنه يزيد.
أولاده
له من الأولاد ستة ذكور وثلاث بنات. علي الأكبر شهيد كربلاء أمه
ليلى بنت أبي مرة بن عروة بن مسعود الثقفية. علي الأوسط. علي الأصغر
زين العابدين أمه شاة زنان بنت كسرى يزدجرد ملك الفرس ومعنى
شاة زنان بالعربية ملكة النساء. وقال المفيد: الأكبر زين العابدين والأصغر
شهيد كربلاء والمشهور الأول. ومحمد. وجعفر مات في حياة أبيه ولم يعقب أمه
قضاعية. وعبد الله الرضيع جاءه سهم وهو في حجر أبيه فذبحه. وسكينة
أمها وأم عبد الله الرضيع الرباب بنت امرئ القيس بن عدي بن أوس بن
جابر بن كعب بن عليم، كلبية معدية. وفاطمة أمها أم إسحاق بنت
طلحة بن عبد الله تيمية. وزينب.
والذكر المخلد والثناء المؤبد لعلي زين العابدين ع ومنه
عقبه.
مناقبه ع
مر الكلام على جملة مما يشترك فيه مع أخيه الحسن ع في
سيرة الحسن فاغنى عن إعادته.
كرمه وسخاؤه ع
دخل الحسين ع على أسامة بن زيد وهو مريض وهو يقول وا غماه
فقال وما غمك قال ديني وهو ستون ألف درهم فقال هو علي قال إني أخشى
أن أموت قبل أن يقضى قال لن تموت حتى اقضيها عنك فقضاها قبل
موته. ولما أخرج مروان الفرزدق من المدينة أتى الفرزدق الحسين ع
فأعطاه الحسين أربعمائة دينار فقيل له انه شاعر فاسق فقال إن خير مالك ما
وقيت به عرضك وقد أثاب رسول الله ص كعب بن زهير وقال في العباس
ابن مرداس اقطعوا لسانه عني. وروى ابن عساكر في تاريخ دمشق أن
سائلا خرج يتخطى أزقة المدينة حتى أتى باب الحسين فقرع الباب وأنشأ
يقول:
- لم يخب اليوم من رجاك ومن * حرك من خلف بابك الحلقه -
- فأنت ذو الجود أنت معدنه * أبوك قد كان قاتل الفسقة -
وكان الحسين واقفا يصلي فخفف من صلاته وخرج إلى الأعرابي فرأى
عليه أثر ضر وفاقة فرجع ونادى بقنبر فاجابه لبيك يا ابن رسول الله ص قال
ما تبقى معك من نفقتنا؟ قال مائتا درهم أمرتني بتفريقها في أهل بيتك فقال
هاتها فقد أتى من هو أحق بها منهم فاخذها وخرج يدفعها إلى الأعرابي وأنشأ
يقول:
خذها فاني إليه معتذر * واعلم باني عليك ذو شفقة -
- لو كان في سيرنا الغداة عصا (١) * كانت سمانا عليك مندفقه -
- لكن ريب الزمان ذو نكد * والكف منا قليلة النفقة -
فاخذها الأعرابي وولى وهو يقول:
مطهرون نقيات جيوبهم * تجري الصلاة عليهم أينما ذكروا -
- وأنتم أنتم الأعلون عندكم * علم الكتاب وما جاءت به السور -
- من لم يكن علويا حين تنسبه * فما له في جميع الناس مفتخر -
اه وقد أوردنا هذا الخبر في لواعج الاشجان بنحو آخر ولا
ندري الآن من أين نقلناه، وفيه أنه قنبر هل بقي من مال الحجاز شئ قال
نعم أربعة آلاف دينار فامره أن يعطيه إياها وزيادة بعد البيتين:
- لولا الذي كان من أوائلكم * كانت علينا الجحيم منطبقه -
وليس فيه الأبيات الثلاثة الأخيرة مع أنها تنسب لأبي نواس في الرضا
ع والله أعلم.
وعلم أبو عبد الرحمن عبد الله بن حبيب السلمي ولدا للحسين ع
الحمد فلما قرأها على أبيه أعطاه ألف دينار وألف حلة وحشا فاه درا فقيل له
في ذلك فقال وأين يقع هذا من عطائه يعني تعليمه وأنشد الحسين ع:
- إذا جادت الدنيا عليك فجد بها * على الناس طرا قبل أن تتفلت -
- فلا الجود يفنيها إذا هي أقبلت * ولا البخل يبقيها إذا ما تولت -
ودخلت على الحسين ع جارية فحيته بطاقة ريحان فقال لها أنت
حرة لوجه الله تعالى فقيل له تجيئك بطاقة ريحان لا خطر لها فتعتقها قال كذا
أدبنا الله، قال الله تعالى وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها
وكان أحسن منها عتقها.
وجاء إعرابي إلى الحسين ع فقال يا ابن رسول الله قد ضمنت دية كاملة
وعجزت عن أدائها فقلت في نفسي أسال أكرم الناس وما رأيت أكرم من
أهل بيت رسول الله ص فقال الحسين ع يا أخا العرب أسألك عن
ثلاث مسائل فان أجبت عن واحدة أعطيتك ثلث المال وإن أجبت عن
اثنتين أعطيتك ثلثي المال وإن أجبت عن الكل أعطيتك الكل، فقال
الأعرابي يا ابن رسول الله أ مثلك يسال مثلي وأنت من أهل العلم
والشرف، فقال الحسين ع بلى سمعت جدي رسول الله ص يقول
المعروف بقدر المعرفة، فقال الأعرابي سل عما بدا لك فان أجبت والا
تعلمت منك ولا قوة إلا بالله فقال الحسين ع أي الأعمال أفضل؟ فقال
الأعرابي: الايمان بالله، فقال الحسين ع: فما النجاة من الهلكة؟ فقال
الأعرابي: الثقة بالله، فقال الحسين ع: فما يزين الرجل؟ فقال
الأعرابي: علم معه حلم، فقال: فان أخطاه ذلك؟ فقال: مال معه
مروءة، فقال: فان اخطاه ذلك؟ فقال: فقر معه صبر، فقال الحسين
ع: فان اخطاه ذلك؟ فقال الأعرابي: فصاعقة تنزل من السماء وتحرقه
فإنه أهل لذلك، فضحك الحسين ع ورمى إليه بصرة فيها ألف دينار

(١) الذي في الأصل (لو كان في سيرنا عصا تمتد اذن) ولا يخفى اختلال وزنه ولعل صوابه (في
سيرنا لو عصا تمد اذن) أو غير ذلك والله أعلم. - المؤلف -
(٥٧٩)

وأعطاه خاتمه وفيه فص قيمته مائتا درهم وقال يا إعرابي اعط الذهب إلى
غرمائك واصرف الخاتم في نفقتك فاخذ الأعرابي ذلك وقال الله اعلم حيث
يجعل رسالته.
وفي تحف العقول: أتاه رجل فسأله فقال إن المسألة لا تصلح إلا في
غرم فادح أو فقر مدقع أو حمالة مفظعة فقال الرجل ما جئت إلا في إحداهن
فامر له بمائة دينار.
وفي تحف العقول: جاءه رجل من الأنصار يريد أن يسأله حاجة
فقال يا أخا الأنصار صن وجهك عن بذلة المسألة وارفع حاجتك في رقعة
فاني آت فيها ما هو سارك إن شاء الله فكتب يا أبا عبد الله إن لفلان علي
خمسمائة دينار وقد ألح بي فكلمه أن ينظرني إلى ميسرة فلما قرأ الحسين ع
الرقعة دخل إلى منزله فاخرج صرة فيها ألف دينار وقال له: أما خمسمائة
فاقض بها دينك وأما خمسمائة فاستعن بها على دهرك، ولا ترفع حاجتك إلا
إلى ثلاثة إلى ذي دين أو مروءة أو حسب، فاما ذو الدين فيصون دينه،
وأما ذو المروءة فإنه يستحيي لمروءته، وأما ذو الحسب فيعلم انك لم تكرم
وجهك أن تبذله له في حاجتك فهو يصون وجهك أن يردك بغير قضاء
حاجتك.
وروى البخاري في صحيحه وغيره أن أسامة بن زيد أرسل مولاه
حرملة من المدينة إلى الكوفة إلى علي ع يسأله شيئا من المال وقال
له انه سيسالك ما خلف صاحبك عني فقل له يقول لك لو كنت في شدق
الأسد لأحببت أن أكون معك فيه ولكن هذا أمر لم أره أي لم يكن من
رأيه القتال فلم يعطني شيئا فذهبت إلى حسن وحسين وابن جعفر فأوقروا
لي راحلتي. قال ابن حجر في فتح الباري شرح صحيح البخاري: اعتذر
إليه بان تخلفه لكراهية قتال المسلمين فلم ير علي ان يعطيه لتخلفه عن القتال
وأعطاه الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر من أموالهم من ثياب ونحوها
قدر ما تحمله راحلته.
قال المؤلف: ما اعتذر به أسامة عذر غير مقبول بعد قوله تعالى
فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله، وكان ينبغي له أن يستحيي من
علي ع ولا يسأله من مال المسلمين بعد ما خذله وتخلف عن
نصره، بل في بعض الروايات انه لم يبايعه، وما فعله علي ع من منعه
ان صح هو عين الصواب ونفس الاستحقاق، وما فعله الحسنان ع
وابن جعفر رضي الله عنه هو مقتضى كرم بني هاشم ومقابلتهم
الإساءة بالاحسان فإذا كان منعه علي ع مما لا يستحقه فقد
عوضوه عنه من مالهم جريا على شيمتهم الكريمة.
وروى أحمد بن سليمان بن علي البحراني في عقد اللآل في مناقب الآل
ان الحسين ع كان جالسا في مسجد جده رسول الله ص بعد وفاة أخيه
الحسن ع وكان عبد الله بن الزبير جالسا في ناحية المسجد، وعتبة بن
أبي سفيان في ناحية أخرى، فجاء أعرابي على ناقة فعقلها باب المسجد
ودخل فوقف على عتبة بن أبي سفيان فسلم عليه فرد عليه السلام فقال له
الأعرابي إني قتلت ابن عم لي وطولبت بالدية فهل لك أن تعطيني شيئا؟
فرفع رأسه إلى غلامه وقال إدفع إليه مائة درهم، فقال الأعرابي: ما أريد
إلا الدية تماما ثم تركه، وأتى عبد الله بن الزبير وقال له مثل ما قال لعتبة
فقال عبد الله لغلامه ادفع إليه مائتي درهم فقال الأعرابي ما أريد إلا الدية
تماما ثم تركه، وأتى الحسين ع فسلم عليه وقال يا ابن رسول الله إني
قتلت ابن عم لي وقد طولبت بالدية فهل لك أن تعطيني شيئا؟ فقال له يا
إعرابي نحن قوم لا نعطي المعروف إلا على قدر المعرفة، فقال سل ما تريد
فقال له الحسين يا إعرابي ما النجاة من الهلكة؟ قال التوكل على الله عز
وجل، فقال وما الهمة؟ قال الثقة بالله، ثم سأله الحسين غير ذلك وأجاب
الأعرابي فامر له الحسين ع بعشرة آلاف درهم وقال له هذه لقضاء
ديونك وعشرة آلاف درهم أخرى وقال هذه تلم بها شعثك وتحسن بها
حالك وتنفق منها على عيالك، فانشا الأعرابي يقول:
- طربت وما هاج لي معبق * ولا لي مقام ولا معشق -
- ولكن طربت لآل الرسو * ل فلذ لي الشعر والمنطق -
- هم الأكرمون هم الأنجبون * نجوم السماء بهم تشرق -
- سبقت الأنام إلى المكرمات * فقصر عن سبقك السبق -
- بكم فتح الله باب الرشاد * وباب الفساد بكم مغلق -
رأفته بالفقراء والمساكين وإحسانه إليهم
وجد على ظهره ع يوم الطف أثر فسئل زين العابدين ع عن
ذلك فقال هذا مما كان ينقل الجراب على ظهره إلى منازل الأرامل واليتامى
والمساكين.
تواضعه
مر ع بمساكن وهم يأكلون كسرا على كساء فسلم عليهم فدعوه
إلى طعامهم فجلس معهم وقال لو أنه صدقة لأكلت معكم ثم قال قوموا إلى
منزلي فاطعمهم وكساهم وأمر لهم بدراهم.
وروى ابن عساكر في تاريخ دمشق أنه ع مر بمساكين يأكلون في
الصفة فقالوا الغداء فنزل وقال إن الله لا يحب المتكبرين فتغدى ثم قال لهم
قد أجبتكم فأجيبوني قالوا نعم فمضى بهم إلى منزله وقال للرباب خادمته
اخرجي ما كنت تدخرين اه.
حلمه
جنى غلام له جناية توجب العقاب فامر بضربه فقال يا مولاي
والكاظمين الغيظ قال خلوا عنه، فقال يا مولاي والعافين عن الناس قال
قد عفوت عنك، قال يا مولاي والله يحب المحسنين قال أنت حر لوجه الله
ولك ضعف ما كنت أعطيك.
فصاحته وبلاغته ع
ربي الحسين ع بين رسول الله ص أفصح من نطق بالضاد
وأمير المؤمنين ع الذي كان كلامه بعد كلام النبي ص فوق كلام
المخلوق ودون كلام الخالق وفاطمة الزهراء التي تفرع عن لسان أبيها ص
فلا غرو إن كان أفصح الفصحاء وأبلغ البلغاء وهو الذي كان يخطب يوم
عاشوراء وقد اشتد الخطب وعظم البلاء وضاق الأمر وترادفت الأهوال فلم
يزعزعه ذلك ولا اضطرب ولا تغير وخطب في جموع أهل الكوفة بجنان
قوي وقلب ثابت ولسان طلق ينحدر منه الكلام كالسيل فلم يسمع متكلم
قط قبله ولا بعده أبلغ في منطق منه وهو الذي قال فيه عدوه وخصمه في
ذلك اليوم: ويلكم كلموه فإنه ابن أبيه والله لو وقف فيكم هكذا يوما
جديدا لما انقطع ولما حصر.
(٥٨٠)

اباؤه للضيم
أما اباؤه للضيم ومقاومته للظلم واستهانته القتل في سبيل الحق والعز
فقد ضربت به الأمثال وسارت به الركبان وملئت به المؤلفات وخطبت به
الخطباء ونظمته الشعراء وكان قدوة لكل أبي ومثالا يحتذيه كل ذي نفس
عالية وهمة سامية ومنوالا ينسج عليه أهل الاباء في كل عصر وزمان وطريقا
يسلكه كل من أبت نفسه الرضا بالدنية وتحمل الذل والخنوع للظلم، وقد
أتى الحسين ع في ذلك بما حير العقول وأذهل الألباب وأدهش
النفوس وملأ القلوب وأعيا الأمم عن أن يشاركه مشارك فيه واعجز العالم
أن يشابهه أحد في ذلك أو يضاهيه وأعجب به أهل كل عصر وبقي ذكره
خالدا ما بقي الدهر، أبى أن يبايع يزيد بن معاوية السكير الخمير صاحب
الطنابير والقيان واللاعب بالقرود والمجاهر بالكفر والالحاد والاستهانة بالدين
قائلا لمروان وعلى الاسلام السلام إذ قد بليت الأمة براع مثل يزيد،
ولأخيه محمد بن الحنفية: والله لو لم يكن في الدنيا ملجأ ولا مأوى لما بايعت
يزيد بن معاوية، في حين أنه لو بايعه لنال من الدنيا الحظ الأوفر والنصيب
الأوفى ولكان معظما محترما عنده مرعي الجانب محفوظ المقام لا يرد له طلب
ولا تخالف له إرادة لما كان يعلمه يزيد من مكانته بين المسلمين وما كان
يتخوفه من مخالفته له وما سبق من تحذير أبيه معاوية له من الحسين فكان
يبذل في إرضائه كل رخيص وغال، ولكنه أبى الانقياد له قائلا: أنا أهل
بيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة بنا فتح الله وبنا ختم ويزيد
رجل فاسق شارب الخمر قاتل النفس المحترمة ومثلي لا يبايع مثله، فخرج
من المدينة باهل بيته وعياله وأولاده، ملازما للطريق الأعظم لا يحيد عنه،
فقال له أهل بيته: لو تنكبته كما فعل ابن الزبير كيلا يلحقك الطلب،
فابت نفسه أن يظهر خوفا أو عجزا وقال: والله لا أفارقه حتى يقضي الله ما
هو قاض، ولما قال له الحر: أذكرك الله في نفسك فاني أشهد لئن قاتلت
لتقتلن، أجابه الحسين ع مظهرا له استهانة الموت في سبيل الحق
ونيل العز، فقال له: أ فبالموت تخوفني وهل يعدو بكم الخطب أن
تقتلوني، وسأقول كما قال أخو الأوس وهو يريد نصرة رسول الله ص
فخوفه ابن عمه وقال: أين تذهب فإنك مقتول: فقال:
- سامضي وما بالموت عار على الفتى * إذا ما نوى حقا وجاهد مسلما -
- أقدم نفسي لا أريد بقاءها * لتلقي خميسا في الوغى وعرمرما -
- فان عشت لم أندم وإن مت لم ألم * كفى بك ذلا أن تعيش فترغما -
يقول الحسين ع: ليس شاني شأن من يخاف الموت ما أهون
الموت علي في سبيل نيل العز وإحياء الحق ليس الموت في سبيل العز إلا حياة
خالدة، وليست الحياة مع الذل إلا الموت الذي لا حياة معه، أ فبالموت
تخوفني هيهات طاش سهمك وخاب ظنك لست أخاف الموت إن نفسي
لأكبر من ذلك وهمتي لاعلى من أن أحمل الضيم خوفا من الموت وهل تقدرون
على أكثر من قتلي مرحبا بالقتل في سبيل الله ولكنكم لا تقدرون على هدم
مجدي ومحو عزي وشرفي فإذا لا أبالي بالقتل. وهو القائل: موت في عز
خير من حياة ذل، وكان يحمل يوم الطف وهو يقول:
- الموت خير من ركوب العار * والعار أولى من دخول النار -
- والله من هذا وذا جاري -
ولما أحيط به بكربلاء وقيل له: انزل على حكم بني عمك، قال:
لا والله! لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أقر إقرار العبيد، فاختار المنية
على الدنية وميتة العز على عيش الذل، وقال: إلا أن الدعي ابن الدعي
قد ركز بين اثنتين السلة والذلة وهيهات منا الذلة يأبى الله ذلك لنا ورسوله
والمؤمنون وجدود طابت وحجور طهرت وأنوف حمية ونفوس أبية لا تؤثر
طاعة اللئام على مصارع الكرام. أقدم الحسين ع على الموت مقدما
نفسه وأولاده وأطفاله وأهل بيته للقتل قربانا وفاء لدين جده ص بكل سخاء
وطيبة نفس وعدم تردد وتوقف قائلا بلسان حاله:
- إن كان دين محمد لم يستقم * إلا بنفسي يا سيوف خذيني -
روى المدائني: إن الحسن لما صالح معاوية قال أخوه الحسين: لقد
كنت كارها لما كان طيب النفس على سبيل أبي حتى عزم علي أخي فأطعته
وكأنما يجذ أنفي بالمواسي.
وقال ابن أبي الحديد: سيد أهل الاباء الذي علم الناس الحمية
والموت تحت ظلال السيوف اختيارا له على الدنية: أبو عبد الحسين بن
علي بن أبي طالب ع، عرض عليه الأمان وأصحابه، فانف من
الذل وخاف من ابن زياد أن يناله بنوع من الهوان مع أنه لا يقتله، فاختار
الموت على ذلك. وسمعت النقيب أبا زيد يحيى بن زيد العلوي البصري
يقول: كان أبيات أبي تمام في محمد بن حميد الطائي ما قيلت إلا في الحسين
ع:
- وقد كان فوت الموت سهلا فرده * إليه الحفاظ المر والخلق الوعر -
- ونفس تعاف الضيم حتى كأنه * هو الكفر يوم الروع أو دونه الكفر -
- فأثبت في مستنقع الموت رجله * وقال لها من تحت أخمصك الحشر -
- تردى ثياب الموت حمرا فما أتى * لها الليل إلا وهي من سندس خضر -
وقال ابن أبي الحديد في شرح النهج أيضا: ومن مثل الحسين بن علي
ع؟ قالوا يوم الطف: ما رأينا مكثورا قد أفرد من إخوته وأهله
وأنصاره أشجع منه. كان كالليث المحرب يحطم الفرسان حطما، وما ظنك
برجل أبت نفسه الدنية وأن يعطي بيده، فقاتل حتى قتل هو وبنوه وإخوته
وبنو عمه بعد بذل الأمان لهم والتوثقة بالايمان المغلظة، وهو الذي سن
للعرب الاباء واقتدى به بعده أبناء الزبير وبنو المهلب وغيرهم.
شجاعته
أما شجاعته فقد أنست شجاعة الشجعان وبطولة الأبطال وفروسية
الفرسان من مضى ومن سيأتي إلى يوم القيامة، فهو الذي دعا الناس إلى
المبارزة فلم يزل يقتل كل من برز إليه حتى قتل مقتلة عظيمة، وهو الذي
قال فيه بعض الرواة: والله ما رأيت مكثورا قط قد قتل ولده وأهل بيته
وأصحابه أربط جاشا ولا أمضى جنانا ولا أجرأ مقدما منه والله ما رأيت
قبله ولا بعده مثله وإن كانت الرجالة لتشد عليه فيشد عليها بسيفه
فتنكشف عن يمينه وعن شماله انكشاف المعزى إذا شد فيها الذئب، ولقد
كان يحمل فيهم فينهزمون من بين يديه كأنهم الجراد المنتشر، وهو الذي
حين سقط عن فرسه إلى الأرض وقد أثخن بالجراح، قاتل راجلا قتال
الفارس الشجاع يتقي الرمية ويفترص العورة. ويشد على الشجعان وهو
يقول: أ علي تجتمعون، وهو الذي جبن الشجعان وأخافهم وهو بين الموت
والحياة حين بدر خولي ليحتز رأسه فضعف وأرعد. وفي ذلك يقول السيد
حيدر الحلي:
(٥٨١)

- عفيرا متى عاينته الكماة * يختطف الرعب ألوانها -
- فما أجلت الحرب عن مثله * قتيلا يجبن شجعانها -
وهو الذي صبر على طعن الرماح وضرب السيوف ورمي السهام حتى
صارت السهام في درعه كالشوك في جلد القنفذ وحتى وجد في ثيابه مائة
وعشرون رمية بسهم وفي جسده ثلاث وثلاثون طعنة برمح وأربع وثلاثون
ضربة بسيف.
أهل بيته
أما أهل بيته من أبنائه وأخواته وبني أخيه وبني عمه فكانوا خيرة أهل
الأرض وفاء وإباء وشجاعة وإقداما وعلو همم وشرف نفوس وكرم طباع،
أبوا أن يفارقوه وقد أذن لهم وفدوه بنفوسهم بذلوا دونه مهجهم وقالوا له لما
أذن لهم بالانصراف: ولم نفعل ذلك لبقي بعدك لا أرانا الله ذلك أبدا،
ولما قال لبني عقيل: حسبكم من القتل بصاحبكم مسلم، اذهبوا فقد
أذنت لكم، قالوا: سبحان الله! فما يقول الناس لنا، وما نقول لهم إنا
تركنا شيخنا وسيدنا وبني عمومتنا خير الأعمام ولم نرم معهم بسهم ولم نطعن
معهم برمح ولم نضرب معهم بسيف ولا ندري ما صنعوا، لا والله ما
نفعل، ولكنا نفديك بأنفسنا وأحوالنا وأهلينا ونقاتل معك حتى نرد
موردك، فقبح الله العيش بعدك، فقتلوا جميعا بين يديه مقبلين غير
مدبرين، وهو الذي كان يقول لهم، وقد حمي الوطيس وأحمر الباس
مبتهجا بأعمالهم: صبرا يا بني عمومتي صبرا يا أهل بيتي فوالله لا رأيتم
هوانا بعد هذا اليوم أبدا. فلله درهم من عصبة رفعوا منا الفخر ولبسوا
ثياب العز غير مشاركين فيها وتجلببوا جلباب الوفاء، وضمخوا أعوام الدهر
بعاطر ثنائهم ونشروا راية المجد والشرف تخفق فوق رؤوسهم، وجلوا جيد
الزمان بأفعالهم الجميلة، وأمسى ذكرهم حيا مدى الأحقاب والدهور مالئا
المشارق والمغارب ونقشوا على صفحات الأيام سطور مدح لا تمحى وإن
طال العهد وعاد سنا أنوارهم يمحو دجى الظلمات ويعلو نور الشمس
والكواكب.
أصحابه
وأما أصحابه فكانوا خير أصحاب فارقوا الأهل والأحباب وجاهدوا
دونه جهاد الأبطال وتقدموا مسرعين إلى ميدان القتال قائلين له أنفسنا لك
الفداء نقيك بأيدينا ووجوهنا يضاحك بعضهم بعضا قلة مبالاة بالموت
وسرورا بما يصيرون إليه من النعيم، ولما أذن لهم في الانصراف أبوا
وأقسموا بالله لا يخلونه أبدا ولا ينصرفون عنه قائلين أ نحن نخلي عنك وقد
أحاط بك هذا العدو وبم نعتذر إلى الله في أداء حقك، وبعضهم يقول لا
والله لا يراني الله أبدا وأنا أفعل ذلك حتى أكسر في صدورهم رمحي
وأضاربهم بسيفي ما ثبت قائمه بيدي ولو لم يكن معي سلاح أقاتلهم به
لقذفتهم بالحجارة ولم أفارقك أو أموت معك وبعضهم يقول والله لو علمت
إني أقتل فيك ثم أحيا ثم أحرق حيا يفعل بي ذلك سبعين مرة ما فارقتك
وبعضهم يقول والله لوددت أني قتلت ثم نشرت ألف مرة وان الله يدفع
بذلك القتل عنك وعن أهل بيتك وبعضهم يقول أكلتني السباع حيا إن فارقتك
ولم يدعو أن يصل إليه أذى وهم في الأحياء ومنهم من جعل نفسه كالترس له
ما زال يرمي بالسهام حتى سقط وأبدوا يوم عاشوراء من الشجاعة والبسالة
ما لم ير مثله فأخذت خيلهم تحمل وإنما هي اثنان وثلاثون فارسا فلا تحمل
على جانب من خيل الأعداء إلا كشفته.
بعض أخباره ع
روى صاحب كشف الغمة أنه لما قتل معاوية حجر بن عدي رحمه الله
وأصحابه لقي في ذلك العام الحسين فقال يا أبا عبد الله هل بلغك ما
صنعت بحجر وأصحابه من شيعة أبيك؟ قال لا، قال قتلناهم
وكفناهم وصلينا عليهم، فتبسم الحسين ع ثم قال: خصمك القوم
يوم القيامة يا معاوية أما والله لو ولينا مثلها من شيعتك ما كفناهم ولا صلينا
عليهم وقد بلغني وقوعك بأبي حسن وقيامك به واعتراضك بني هاشم
بالعيوب وأيم الله لقد أوترت غير قوسك ورميت غير غرضك وتناولتها
بالعداوة من مكان قريب ولقد أطعت أمرأ ما قدم إيمانه ولا حدث نفاقه وما
نظر لك فانظر لنفسك أو دع يريد عمرو بن العاص اه.
وروى ابن عساكر في تاريخ دمشق أن نافع بن الأزرق وهو من
رؤساء الخوارج قال له صف لي إلهك الذي تعبد فقال يا نافع من وضع
دينه على القياس لم يزل الدهر في الالتباس مائلا إذا كبا عن المنهاج ظاعنا
بالاعوجاج ضالا عن السبيل قائلا غير الجميل يا ابن الأزرق أصف إلهي بما
وصف به نفسه لا يدرك بالحواس ولا يقاس بالناس قريب غير ملتصق
وبعيد غير مستقصى يوحد ولا ببعض معروف بالآيات موصوف بالعلامات
لا إله إلا هو الكبير المتعال. فبكى ابن الأزرق وقال ما أحسن كلامك،
فقال له بلغني إنك تشهد على أبي وعلى أخي بالكفر وعلي، قال ابن
الأزرق: أما والله يا حسين لئن كان ذلك لقد كنتم منار الاسلام ونجوم
الأحكام، فقال له الحسين ع إني سائلك عن مسالة، قال سل فسأله
عن قوله تعالى وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة فقال: يا ابن
الأزرق من حفظ في الغلامين فقال أبوهما، فقال الحسين أبوهما خير أم
رسول الله فقال ابن الأزرق قد أنبأ الله تعالى عنكم إنكم قوم خصمون اه.
المكاتبة بينه وبين معاوية
روى ابن قتيبة في الإمامة والسياسة والكشي في كتاب الرجال أن
مروان بن الحكم كتب إلى معاوية وهو عامله على المدينة أما بعد فان
عمرو بن عثمان ذكر أن رجالا من أهل العراق ووجوه أهل الحجاز يختلفون
إلى الحسين بن علي وأنه لا يامن وثوبه وقد بحثت عن ذلك فبلغني انه يريد
الخلاف يومه هذا فاكتب إلي برأيك فكتب إليه معاوية بلغني كتابك وفهمت
ما ذكرت فيه من أمر الحسين فإياك أن تعرض للحسين في شئ واترك
حسينا ما تركك فانا لا نريد أن نعرض له بشئ ما وفى ببيعتنا ولم ينازعنا
سلطاننا فاكمن عنه ما لم يبد لك صفحته. وكتب معاوية إلى الحسين
ع: أما بعد فقد انتهت إلي أمور عنك إن كانت حقا فاني أرغب بك
عنها ولعمر الله ان من اعطى الله عهده وميثاقه لجدير بالوفاء وإن أحق
الناس بالوفاء من كان مثلك في حطرك وشرفك ومنزلتك التي أنزلك الله بها
ونفسك فاذكر وبعهد الله أوف فإنك متى تنكرني أنكرك ومتى تكدني أكدك
فاتق شق عصا هذه الأمة وأن يردهم الله على يديك في فتنة فقد عرفت
الناس وبلوتهم فانظر لنفسك ولدينك ولأمة محمد ص ولا يستخفنك
السفهاء والذين لا يعلمون. فلما وصل الكتاب إلى الحسين ع كتب
إليه: أما بعد فقد بلغني كتابك تذكر فيه انه انتهت إليك عني أمور أنت لي
(٥٨٢)

عنها راغب وأنا بغيرها عندك جدير فان الحسنات لا يهدي لها ولا
يسدد إليها إلا الله تعالى وأما ما ذكرت أنه رقي إليك عني فإنه رقاه إليك
الملاقون المشاءون بالنميم المفرقون بين الجمع وكذب الغاوون، ما أردت
لك حربا ولا عليك خلافا وإني لأخشى الله في ترك ذلك منك ومن الأعذار
فيه إليك وإلى أوليائك القاسطين الملحدين حزب الظلمة وأولياء الشياطين:
أ لست القاتل حجر بن عدي أخا كندة وأصحابه المصلين العابدين الذين
كانوا ينكرون الظلم ويستفظعون البدع ويامرون بالمعروف وينهون عن المنكر
ولا يخافون في الله لومة لائم ثم قتلتهم ظلما وعدوانا من بعد ما أعطيتهم
الايمان المغلظة والمواثيق المؤكدة لا تأخذهم بحدث كان بينك وبينهم جرأة
على الله واستخفافا بعهده أ ولست قاتل عمرو بن الحمق صاحب رسول
الله ص العبد الصالح الذي أبلته العبادة فنحل جسمه واصفر لونه، فقتلته
بعد ما أمنته وأعطيته من العهود ما لو فهمته العصم لنزلت من رؤوس
الجبال أ ولست المدعي زياد بن سمية المولود على فراش عبيد من ثقيف
فزعمت أنه ابن أبيك وقال رسول الله ص: الولد للفراش
وللعاهر الحجر فتركت سنة رسول الله ص تعمدا وتبعت هواك بغير هدى
من الله ثم سلطته على أهل الاسلام يقتلهم ويقطع أيديهم وأرجلهم ويسمل
أعينهم ويصلبهم على جذوع النخل كأنك لست من هذه الأمة وليسوا منك
أ ولست صاحب الحضرميين الذين كتب فيهم ابن سمية أنهم على دين علي
ص فكتبت إليه أن أقتل كل من كان على دين علي فقتلهم
ومثل بهم بامرك ودين علي هو دين ابن عمه ص الذي كان يضرب عليه
أباك ويضربك وبه جلست مجلسك الذي أنت فيه ولولا ذلك لكان شرفك
وشرف آبائك تجثم الرحلتين رحلة الشتاء والصيف، وقلت فيما قلت أنظر
لنفسك ولدينك ولأمة محمد واتق شق عصا هذه الأمة وان تردهم إلى فتنة،
وإني لا أعلم فتنة أعظم على هذه الأمة من ولايتك عليها ولا أعظم نظرا
لنفسي ولديني ولأمة محمد ص أفضل من أن أجاهدك فان فعلت فإنه قربة
إلى الله وإن تركته فاني أستغفر الله لديني وأساله توفيقه لارشاد أمري،
وقلت فيما قلت إن أنكرتك تنكرني وإن أكدك تكديم، فكدني ما بدا لك
فاني أرجو أن لا يضرني كيدك وأن لا يكون على أحد أضر منه على نفسك
لأنك قد ركبت جهلك وتحرصت على نقض عهدك ولعمري ما وفيت بشرط
ولقد نقضت عهدك بقتل هؤلاء النفر الذين قتلتهم بعد الصلح والايمان
والعهود والمواثيق فقتلتهم من غير أن يكونوا قاتلوا وقتلوا ولم تفعل ذلك
بهم إلا لذكرهم فضلنا وتعظيمهم حقنا فقتلتهم مخافة أمر لعلك لو لم تقتلهم
مت قبل أن يفعلوا أو ماتوا قبل أن يدركوا فابشر يا معاوية بالقصاص
واستيقن بالحساب واعلم أن لله تعالى كتابا لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا
أحصاها وليس الله بناس لأخذك بالظنة وقتلك أولياءه على التهم ونفيك
أولياءه من دورهم إلى دار الغربة وأخذك للناس ببيعة ابنك غلام حدث
يشرب الشراب ويلعب بالكلاب ما أراك إلا قد خسرت نفسك وبترت
دينك وغششت رعيتك وأخربت أمانتك وسمعت مقالة السفيه الجاهل
وأخفت الورع التقي والسلام.
قال الكشي: فلما قرأ معاوية الكتاب قال لقد كان في نفسه ضب ما
أشعر به، فقال يزيد يا أمير المؤمنين أجبه جوابا يصغر إليه نفسه تذكر فيه
أباه بشر فعله، قال ودخل عبد الله بن عمرو بن العاص فقال معاوية أ ما
رأيت ما كتب به الحسين قال وما هو قال فاقرأه الكتاب فقال وما يمنعك أن
تجيبه بما يصغر إليه نفسه وإنما قال ذلك في هوى معاوية فقال يزيد رأيت يا
أمير المؤمنين رأيي فضحك معاوية وقال أما يزيد فقد أشار علي بمثل رأيك
قال عبد الله قد أصاب يزيد فقال معاوية أخطأتما أ رأيتما لو إني ذهبت لعيب
علي محقا فما عسيت أن أقول فيه ومثلي لا يحسن أن يعيب بالباطل وما لا
يعرف ومتى ما عبت رجلا بما لا يعرفه الناس لم يحفل به ولا يراه الناس شيئا
وكذبوه وما عسيت أن أعيب حسينا ووالله ما أرى للعيب فيه موضعا وقد
رأيت أن أكتب إليه أتوعده وأتهدده ثم رأيت أن لا
أفعل.
وكان لمعاوية عين بالمدينة يكتب إليه بما يكون من أمور الناس فكتب إليه
أن الحسين بن علي أعتق جارية له وتزوجها فكتب معاوية إلى الحسين من
أمير المؤمنين معاوية إلى الحسين بن علي أما بعد فإنه بلغني أنك تزوجت
جاريتك وتركت اكفاءك من قريش من تستنجبه للولد وتمجد به في الصهر
فلا لنفسك نظرت ولا لولدك انتقيت فكتب إليه الحسين ع:
أما بعد فقد بلغني كتابك وتعييرك إياي باني تزوجت مولاتي وتركت
أكفائي من قريش فليس فوق رسول الله منتهى في شرف ولا غاية في نسب
وإنما كانت ملك يميني خرجت عن يدي بأمر التمست فيه ثواب الله ثم
ارتجعتها على سنة نبيه ص وقد رفع الله بالاسلام الخسيسة ووضع عنا به
النقيصة فلا لوم على امرئ مسلم إلا في أمر ماثم وإنما اللوم لوم الجاهلية.
فلما قرأ معاوية كتابه نبذه إلى يزيد فقرأه وقال لشد ما فخر عليك
الحسين قال لا ولكنها ألسنة بني هاشم الحداد التي تفلق الصخر وتغرف من
البحر اه.
رده على معاوية حين أراد البيعة ليزيد
روى ابن قتيبة في الإمامة والسياسة أن معاوية لما أراد البيعة ليزيد
قدم المدينة فدخل عليه الحسين وابن عباس فسال الحسين عن حال بني أخيه
وأسنانهم فأخبره ثم خطب معاوية خطبة ذكر فيها النبي ص وقال في آخرها
قد كان من أمر يزيد ما سبقتم إليه وقد علم الله ما أحاول به في أمر الرعية
من سد الخلل ولم الصدع بولاية يزيد بما أيقظ العين وأحمد الفعل هذا
معناي في يزيد وفيكما فضل القرابة وحظوة العلم وكمال المروءة وقد أصبت
من ذلك عند يزيد على المناظرة والمقابلة ما أعياني مثله وعند غيركما مع علمه
بالسنة وقراءة القرآن والحلم الذي يرجح بالصم الصلاب وقد علمتما أن
الرسول المحفوظ بعصمة الرسالة قدم على الصديق والفاروق ومن دونهما من
أكابر الصحابة وأوائل المهاجرين يوم غزوة السلاسل من لم يقارب القوم.
وفي رسول الله ص أسوة حسنة فمهلا بني عبد المطلب فانا وأنتم شعبا نفع
وجد وما زلت أرجو الإنصاف في اجتماعكما فما يقول القائل إلا بفضل
قولكما فردا على ذي رحم مستعتب ما يحمد به البصيرة في عتابكما واستغفر
الله لي ولكما.
قال فتيسر ابن عباس للكلام ونصب يده للمخاطبة فأشار إليه
الحسين ع وقال على رسلك فانا المراد ونصيبي في التهمة أوفر
فامسك ابن عباس.
فقام الحسين فحمد الله وصلى على الرسول ثم قال أما بعد يا معاوية
فلن يؤدي القائل وأن أطنب في صفة الرسول ص من جميع جزءا وقد
فهمت ما لبست به الخلف بعد رسول الله من إيجاز الصفة والتنكب عن
استبلاع البيعة وهيهات هيهات يا معاوية فضح الصبح فحمة الدجى
(٥٨٣)

وبهرت الشمس أنوار السرج ولقد فضلت حتى أفرطت واستأثرت حتى
أجحفت ومنعت حتى بخلت وجرت حتى جاوزت ما بذلت لذي حق من
اسم حقه من نصيب حتى أخذ الشيطان حظه الأوفر ونصيبه الأكمل
وفهمت ما ذكرته عن يزيد من اكتماله وسياسته لأمة محمد تريد أن توهم
الناس في يزيد كأنك تصف محجوبا أو تنعت غائبا أو تخبر عما كان مما احتويته
بعلم خاص وقد دل يزيد من نفسه على موقع رأيه فخذ ليزيد فيما أخذ به
من استقرائه الكلاب المهارشة عند التحارش والحمام السبق لاترابهن
والقينات ذوات المعازف وضروب الملاهي تجده ناصرا ودع عنك ما تحاول
فما أغناك أن تلقى الله بوزر هذا الخلق بأكثر مما أنت لاقيه فوالله ما برحت
تقدح باطلا في جور وحنقا في ظلم حتى ملأت الأسقية وما بينك وبين الموت
إلا غمضة فتقدم على عمل محفوظ في يوم مشهود ولات حين مناص ورأيتك
عرضت بنا بعد هذا الأمر ومنعتنا عن آبائنا تراثا ولقد لعمر الله أورثنا
الرسول ع ولادة وجئت لنا بما حججتم به القائم عند
موت الرسول ص فاذعن للحجة بذلك ورده الايمان إلى النصف فركبتم
الأعاليل وفعلتم الأفاعيل وقلتم كان ويكون حتى أتاك الأمر يا معاوية من
طريق كان قصدها لغيرك فهناك فاعتبروا يا أولي الأبصار وذكرت قيادة
الرجل القوم بعهد رسول الله ص وتأميره له وقد كان ذلك ولعمرو بن
العاص يومئذ فضيلة بصحبة الرسول وببعثه له وما صار لعمرو يومئذ حتى
أنف القوم امرته وكرهوا تقديمه وعدوا عليه أفعاله فقال ص لا جرم معشر
المهاجرين لا يعمل عليكم بعد اليوم فكيف تحتج بالمنسوخ من فعل الرسول
في أوكد الأحوال وأولاها بالمجتمع عليه من الصواب أم كيف ضاهيت
بصاحب تابعا وحولك من يؤمن في صحبته ويعتمد في دينه وقرابته
وتتخطاهم إلى مسرف مفتون تريد أن تلبس الناس شبهة يسعد بها الباقي في
دنياه وتشقى بها في آخرتك إن هذا لهو الخسران المبين واستغفر الله لي
ولكم.
قال فنظر معاوية إلى ابن عباس فقال ما هذا يا ابن عباس ولما عندك
أدهى وأمر فقال ابن عباس لعمر الله إنها لذرية الرسول وأحد أصحاب
الكساء ومن البيت المطهر فاساله عما تريد فان لك في الناس مقنعا حتى
يحكم الله بأمره وهو خير الحاكمين.
إقامة الذكرى لقتل الحسين ع
والبكاء عليه كل عام
قد قضى العقل والدين باحترام عظماء الرجال أحياء وأمواتا وتجديد
الذكرى لوفاتهم وشهادتهم وإظهار الحزن عليهم لا سيما من بذل نفسه
وجاهد حتى قتل لمقصد سام وغاية نبيلة وقد جرت على ذلك الأمم في كل
عصر وزمان وجعلته من أفضل أعمالها وأسنى مفاخرها فحقيق المسلمين بل
جميع الأمم أن يقيموا الذكرى في كل عام للحسين بن علي بن أبي طالب
ع فإنه من عظماء الرجال وأعاظمهم في نفسه ومن الطراز الأول
جمع أكرم الصفات وأحسن الأخلاق وأعظم الأفعال وأجل الفضائل
والمناقب علما وفضلا وزهادة وعبادة وشجاعة وسخاء وسماحة وفصاحة
ومكارم أخلاق وإباء للضيم ومقاومة للظلم وقد جمع إلى كرم الحسب شرف
العنصر والنسب فهو أشرف الناس أبا وأما وجدا وجدة وعما وعمة وخالا
وخالة جده رسول الله ص سيد النبيين وأبوه علي أمير المؤمنين وسيد
الوصيين وأمه فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين وأخوه الحسن المجتبى وعمه
جعفر الطيار وعم أبيه حمزة سيد الشهداء وجدته خديجة بنت خويلد أول
نساء هذه الأمة إسلاما وعمته أم هانئ وخاله إبراهيم ابن رسول الله ص
وخالته زينب بنت رسول الله ص. وقد جاهد لنيل أسمى المقاصد وأنبل
الغايات وقام بما لم يقم بمثله أحد قبله ولا بعده فبذل نفسه وماله وآله في
سبيل إحياء الدين وإظهار فضائح المنافقين واختار المنية على الدنية وميتة
العز على حياة الذل ومصارع الكرام على طاعة اللئام وأظهر من إباء الضيم
وعزة النفس والشجاعة والبسالة والصبر والثبات ما بهر العقول وحير الألباب
واقتدى به في ذلك كل من جاء بعده حتى قال القائل:
- وإن الأولى بالطف من آل هاشم * تأسوا فسنوا للكرام التأسيا -
وحتى قال آخر كان أبيات أبي تمام ما قيلت إلا في الحسين ع
وهي قوله:
- وقد كان فوت الموت سهلا فرده * إليه الحفاظ المر والخلق الوعر -
الأبيات المتقدمة وحقيق بمن كان كذلك أن تقام له الذكرى في
كل عام وتبكي له العيون دما بدل الدموع.
الحسين ع معظم حتى عند الخوارج أعداء أبيه وأخيه وليس
أعجب ممن يتخذ يوم عاشوراء يوم فرح وسرور واكتحال وتوسعة على
العيال لاخبار وضعت في زمن الملك العضوض اعترف بوضعها النقاد وسنها
الحجاج بن يوسف عدو الله وعدو رسوله وأي مسلم تطاوعه نفسه أو
يساعده قلبه على الفرح في يوم قتل ابن بنت نبيه وريحانته وابن وصيه وبما ذا
يواجه رسول الله ص وبما ذا يتعذر إليه وهو مع ذلك يدعي محبة رسول الله
ص وآله ومن شروط المحبة والفرح لفرح المحبوب والحزن لحزنه. ولو
أنصف باقي المسلمين ما عدوا طريقة الشيعة في إقامة الذكرى للحسين
ع كل عام وإقامة مراسم الحزن يوم عاشوراء، فهل كان الحسين ع
دون جاندارك التي يقيم لها الإفرنسيون الذكرى في كل عام وهل عملت
لأمتها ما عمله الحسين لأمته أو دونه. الحسين ع سن للناس درسا
نافعا، ونهج لهم سبيلا مهيعا في تعلم الآباء والشمم وطلب الحرية
والاستقلال، ومقاومة الظلم، ومعاندة الجور، وطلب العز ونبذ الذل،
وعدم المبالاة بالموت في سبيل نيل الغايات السامية، والمقاصد العالية، وأبان
فضائح المنافقين، ونبه الأفكار إلى التحلي بمحاسن الصفات، وسلوك طريق
الأباة والاقتداء بهم وعدم الخنوع للظلم والجور والاستعباد.
وبكى زين العابدين على مصيبة أبيه ع أربعين سنة وكان
الصادق ع يبكي لتذكر مصيبة الحسين ع ويستنشد الشعر في
رثائه ويبكي وكان الكاظم ع إذا دخل شهر المحرم لا يرى ضاحكا وكانت
الكابة تغلب عليه حتى تمضي عشرة أيام منه، فإذا كان اليوم العاشر كان
ذلك اليوم يوم مصيبته وحزنه، وقال الرضا ع ان يوم الحسين
اقرح جفوننا وأسال دموعنا وأورثنا الكرب والبلاء إلى يوم الانقضاء، وقد
حثوا شيعتهم وأتباعهم على إقامة الذكرى لهذه الفاجعة الأليمة في كل
عام، وهم نعم القدوة وخير من اتبع وأفضل من اقتفى أثره وأخذت منه
سنة رسول الله.
وقال السيد علي جلال الحسيني المصري المعاصر في كلام له في مقدمة كتاب
الحسين التقطنا منه هذه الكلمات، وفيها جملة من صفات الحسين ع
(٥٨٤)

واستحسان إقامة الذكرى له: إن الأمة التي تعنى بسير عظمائها ومن امتاز
منها بأمر في الدين أو تفرد بعمل من أعمال الدنيا وتعرف أخبارهم
تحفظ تاريخ حياتها وتستفيد منه، والسيد الإمام أبو عبد الله
الحسين ع ابن بنت رسول الله ص وريحانته وابن أمير المؤمنين علي
ع ونشاة بيت النبوة له أشرف نسب وأكمل نفس، جمع الفضائل
ومكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال من علو الهمة ومنتهى الشجاعة وأقصى
غاية الجود وأسرار العلم وفصاحة اللسان ونصرة الحق والنهي عن المنكر
وجهاد الظلم والتواضع عن عز والعدل والصبر والحلم والعفاف والمروءة
والورع وغيرها، واختص بسلامة الفطرة وجمال الخلقة ورجاحة العقل وقوة
الجسم. وأضاف إلى هذه المحامد كثرة العبادة وأفعال الخير، كالصلاة
والصوم والحج والجهاد في سبيل الله والاحسان. وكان إذا أقام بالمدينة أو
غيرها مفيدا بعلمه مرشدا بعمله مهذبا بكريم أخلاقه مؤدبا ببليغ بيانه
سخيا بماله متواضعا للفقراء معظما عند الخلفاء مواصلا للصدقة على الأيتام
والمساكين منتصفا للمظلومين مشتغلا بعبادته، مشى من المدينة على قدميه
إلى مكة حاجا خمسا وعشرين مرة، وعاش مدة يقاتل مع أبيه أصحاب
الجمل فجنود معاوية فالخوارج، فكان الحسين في وقته علم المهتدين ونور
الأرض، فاخبار حياته فيها هدى للمسترشدين بأنوار محاسنه المقتفين آثار
فضله، ولا شك ان الأمة تنفعها ذكرى ما أصابها من الشدائد في زمن
بؤسها كما يفيدها تذكر ما كسبته من المآثر أيام عزها. ومقتل الحسين من
الحوادث العظيمة وذكراه نافعة وإن كان حديثه يحزن كل مسلم ويسخط
كل عاقل. وقال في الكتاب المذكور:
ومن عجيب أمره ع أن يقتله شيعته ثم يجددون الحزن عليه
في جميع بلاد المسلمين كل عام من يوم قتله إلى الآن.
أقول: حاش لله أن يكون الذين قتلوه هم شيعته، بل الذين
قتلوه بعضهم أهل طمع لا يرجع إلى دين، وبعضهم أجلاف أشرار،
وبعضهم اتبعوا رؤساءهم الذين قادهم حب الدنيا إلى قتاله، ولم يكن
فيهم من شيعته ومحبيه أحد، أما شيعته المخلصون فكانوا له أنصارا وما
برحوا حتى قتلوا دونه ونصروه بكل ما في جهدهم إلى آخر ساعة من حياتهم
وكثير منهم لم يتمكن من نصره أو لم يكن عالما بان الأمر سينتهي إلى ما
انتهى إليه وبعضهم خاطر بنفسه وخرق الحصار الذي ضربه ابن زياد على
الكوفة وجاء لنصره حتى قتل معه، أما ان أحدا من شيعته ومحبيه قاتله
فذلك لم يكن، وهل يعتقد السيد علي جلال إن شيعته الخلص كانت لهم
كثرة مفرطة؟ كلا، فما زال أتباع الحق في كل زمان أقل قليل ويعلم ذلك
بالعيان وبقوله تعالى: وقليل ما هم، وقليل من عبادي الشكور. ومن
ذلك تعلم الخطا في قوله ثم يجددون الحزن عليه الخ وهذه هفوة من هذا
السيد الذي أجاد في أكثر ما كتبه عن الحسين ع في كتابه المذكور لكنه
تبع في هذا الكلام عن سلامة نية من يريد عيب الشيعة بكل وسيلة
ويستنكر تجديد الحزن على الحسين ع في كل عام. ثم قال ونعم ما
قال: كما إن حياة الحسين ع منار المهتدين فمصرعه عظة المعتبرين
وقدوة المستبسلين. أ لم تر كيف اضطره نكد الدنيا إلى إيثار الموت على الحياة
وهو أعظم رجل في وقته لا نظير له في شرقها ولا غربها. وأبت نفسه
الكريمة الضيم واختار السلة على الذلة فكان كما قال فيه أبو نصر بن نباتة:
- والحسين الذي رأى الموت في العز * حياة والعيش في الذل قتلا -
ومع التفاوت الذي بلغ أقصى ما يتصور بين فئته القليلة وجيش ابن
زياد في العدد والمدد قد كان ثباته ورباطة جأشه وشجاعته تحير الألباب ولا
عهد للبشر بمثلها كما كانت دناءة أخصامه لا شبيه لها. وما سمع منذ خلق
العالم ولن يسمع حتى يفنى أفظع من ضرب ابن مرجانة من ابن سمية
بقضيب ثغر ابن بنت رسول الله ورأسه بين يديه بعد أن كان سيد الخلق
ع يلثمه، ومن آثار العدل الإلهي قتل عبيد الله بن زياد
يوم عاشوراء كما قتل الحسين يوم عاشوراء وان يبعث برأسه إلى علي بن
الحسين كما بعث برأس الحسين إلى ابن زياد. وهل أمهل يزيد بن معاوية
بعد الحسين إلا ثلاث سنين أو أقل. وأي موعظة أبلغ من أن كل من
اشترك في دم الحسين اقتص الله تعالى منه فقتل أو نكب. وأي عبرة لأولي
الأبصار أعظم من كون ضريح الحسين حرما معظما وقبر يزيد بن معاوية
مزبلة. وتأمل عناية الله بالبيت النبوي الكريم يقتل أبناء الحسين ولا يترك
منهم إلا صبي مريض أشفى على الهلاك فيبارك الله في أولاده فيكثر عددهم
ويعظهم شأنهم. والذين قتلوا مع الحسين من أهل بيته رجال ما على وجه
الأرض يومئذ لهم شبه كما قال الحسن البصري: وكانوا جرثومة الشهامة
والشمم والقدوة في الصبر والحرب والكرم:
- وإن الأولى بالطف من آل هاشم * تأسوا فسنوا للكرام التأسيا -
وكل من أصابته الشدائد جعل رئيس هؤلاء الكرام أسوة
كمصعب بن الزبير وبني المهلب وغيرهم. ومقتل الحسين ع بغض بني
أمية إلى الناس وأيد حجة أعدائهم وزعزع أوتاد ملكهم وكان أكبر أسباب
زوال دولتهم. والحسين ع هو الذي عبد للأمم طريق الخروج على ولاة
الفسق والجور ودعا إلى جهاد الظلم من استطاع إليه سبيلا فجاد بنفسه
وبذل مهجته لإقامة الحق والعدل والسنة مقام الباطل والاستبداد والأهواء.
ولو قدرت ولاية الحسين ع لكانت خيرا للأمة في حكومتها وحياتها
وأخلاقها وجهادها، وشتان ما السبط الزكي والظالم السكير يزيد القرود
والطنابير، وهل يستوي الفاسق الجائر والعادل الامام، وأين الذهب من
الرغام؟ لكن اقتضت الحكمة الإلهية سير الحوادث بخلاف ذلك وإذا أراد
الله أمرا فلا مرد له، واقتضت أيضا أن يبقى أثر جهاد الحسين ع على
ممر الدهور كلما أرهق الناس الظلم تذكرة من ندب نفسه لخدمة الأمة فلم
يحجم عن بذل حياته متى كانت فيه مصلحة لها.
الاعتذار عمن خذله
قال السيد علي جلال الحسيني في كتاب الحسين: الصحابة الموجودون
في عصر الحسين كانوا يعلمون فسق يزيد وظلمه فمنهم من رأى الخروج عليه
كابن الزبير ومنهم من امتنع عن مبايعته كعبد الله بن عمر بن العاص حتى
دعا نائب أمير مصر بالنار ليحرق عليه بابه، ومنهم من أبى الخروج عليه
وقعدوا عن نصرة الحسين، وهؤلاء كان عدم خروجهم اجتهادا منهم،
وهم إن قعدوا عما رآه الحسين حقا فلم ينصروا الباطل ولا لوم عليهم فيما
فعلوا.
أقول: بل اللوم عليهم حاصل والاجتهاد في مقابل النص
باطل، ومن خذل الحق فهو كمن نصر الباطل وكلاهما عن الصواب مائل
لا يعذره عاقل، أما ابن الزبير فما كان خروجه إلا طلبا للملك ولو كان لنصر
الحق لنصر الحسين وقد كان الحسين أثقل الناس عليه بمكة.
(٥٨٥)

قال: واللوم على أهل العراق فهم المسؤولون عما صنعوا لانهم
أخلفوا الحسين ما وعدوه ثم خذلوه وقاتلوه وقتلوه.
أقول: إذا كان الحسين على الحق، وهو على الحق، فنصرته
واجبة على كل أحد سواء من وعده النصرة وغيرهم أهل العراق وغيرهم.
قال: ومن غريب أمر شيعة الحسين أنهم خذلوه حيا ونصروه ميتا
فإنهم بعد قتله ندموا على ما فرطوا في حقه وسموا أنفسهم التوابين وقاموا
لأخذ ثاره فلم يستبينوا الرشد إلا ضحى الغد.
أقول: وأعجب منهم عموم أمة جده الذين خذلوه حيا وميتا ولم
ينصروه ولم يستبينوا الرشد لا في ضحى الغد ولا في غيره فمن خذله حيا ثم
ندم وتاب وطلب بثاره أحسن حالا من خذله وبقي مصرا على ذنبه ولم يتب
ولم يندم وأقام على طاعة أعداء الله، على أن هؤلاء التوابين أكثرهم لم يكن
مخلى السرب لينصره بل كان محجورا عليه من قبل ابن زياد وأتباعه وكان لا
يمكنه الوصول إليه إلا بشدة.
بكاء علي بن الحسين زين العابدين على أبيه ع.
روى ابن شهرآشوب في المناقب عن الصادق جعفر بن محمد ع
أنه قال: بكى علي بن الحسين عشرين سنة وما وضع بين يديه
طعام إلا بكى، حتى قال له مولى له جعلت فداك يا ابن رسول الله إني
أخاف أن تكون من الهالكين، قال ع: إنما أشكو بي وحزني إلى الله
وأعلم من الله ما لا تعلمون إني لم أذكر مصرع بني فاطمة إلا خنقتني العبرة
ورواه ابن قولويه في الكامل بسنده عن الصادق ع مثله إلا أنه زاد
بعد عشرين سنة أو أربعين سنة. قال ابن شهرآشوب: وفي رواية:
أ ما آن لحزنك أن ينقضي فقال له ويحك إن يعقوب النبي ع كان له إثنا
عشر ابنا فغيب الله واحدا منهم فابيضت عيناه من كثرة بكائه واحدودب
ظهره من الغم وكان ابنه حيا في دار الدنيا، وأنا نظرت إلى أبي وأخي
وعمي وسبعة عشر رجلا من أهل بيتي مقتولين حولي فكيف ينقضي حزني
قال وقد ذكر في الحلية نحوه وقيل أنه بكى حتى خيف على عينيه. وقيل
له إنك لتبكي دهرك فلو قتلت نفسك لما زدت على هذا فقال نفسي قتلتها
وعليها أبكي اه.
بكاء أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق
على مصيبة جده الحسين ع
روى ابن قولويه في الكامل بسنده عن ابن خارجة قال: كنا عند أبي
عبد الله جعفر الصادق ع فذكرنا الحسين بن علي ع فبكى أبو
عبد الله وبكينا ثم رفع رأسه فقال: قال الحسين بن علي أنا قتيل العبرة لا
يذكرني مؤمن إلا بكى وروى في الكتاب المذكور بسنده عن مسمع
كردين قال: قال لي أبو عبد الله يا مسمع أنت من أهل العراق أ ما تأتي قبر
الحسين قلت لا أنا رجل مشهور من أهل البصرة وعندنا من يتبع هوى هذا
الخليفة وأعداؤنا كثيرة من أهل القبائل من النصاب وغيرهم ولست آمنهم
أن يرفعوا حالي عند ولد سليمان فيميلوا علي قال أ فما تذكر ما صنع به قلت
بلى قال فتجزع قلت والله واستعبر لذلك حتى يرى أهلي أثر ذلك علي فامتنع
من الطعام حتى يستبين ذلك في وجهي قال رحم الله دمعتك أما إنك من
الذين يعدون في أهل الجزع لنا والذين يفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا
ويخافون لخوفنا ويأمنون إذا أمنا إلى أن قال ثم استعبر واستعبرت معه
فقال الحمد لله الذي فضلنا على خلقه بالرحمة وخصنا أهل البيت بالرحمة يا
مسمع إن الأرض والسماء لتبكي منذ قتل أمير المؤمنين رحمة لنا وما بكى
أحد رحمة لنا وما لقينا إلا رحمه الله. وروى الشيخ الطوسي في مصباح
المتهجد عن عبد الله بن سنان قال دخلت على سيدي أبي عبد الله جعفر بن
محمد ع في يوم عاشوراء فلقيته كاسف اللون ظاهر الحزن
ودموعه تنحدر من عينيه كاللؤلؤ المتساقط فقلت يا ابن رسول الله مم
بكاؤك لا أبكى الله عينيك فقال لي أ وفي غفلة أنت أ ما علمت أن
الحسين بن علي أصيب في مثل هذا اليوم فقلت يا سيدي فما قولك في صومه
فقال لي صمه من غير تبييت وأفطره من غير تشميت ولا تجعله يوم صوم
كامل وليكن إفطارك بعد صلاة العصر بساعة على شربة من ماء فإنه في مثل
ذلك الوقت من اليوم تجلت الهيجاء عن آل رسول الله ص وانكشفت
الملحمة عنهم وفي الأرض منهم ثلاثون رجلا صريعا في مواليهم يعز على
رسول الله ص مصرعهم ولو كان في الدنيا يومئذ حيا لكان ص
هو المعزي بهم قال وبكى أبو عبد الله ع حتى أخضلت لحيته
بدموعه.
وروى ابن قولويه في الكامل بسنده عن أبي بصير قال كنت عند أبي
عبد الله الصادق ع إلى أن قال يا أبا بصير إذا نظرت إلى ولد الحسين
أتاني ما لا أملكه بما أوتي إلى أبيهم وإليهم يا أبا بصير إن فاطمة لتبكيه إلى
أن قال أ ما تحب أن تكون فيمن يسعد فاطمة فبكيت حين قالها فما قدرت
على النطق من البكاء وقال الكاظم ع كان أبي إذا دخل شهر المحرم لا
يرى ضاحكا وكانت الكابة تغلب عليه حتى تمضي عشرة أيام منه فإذا كان
اليوم العاشر كان ذلك اليوم يوم مصيبته وحزنه وبكائه ويقول هو اليوم
الذي قتل فيه الحسين ع.
وروى أبو الفرج الأصبهاني وهو من عظماء المؤرخين الموثوق بهم
والمعترف بفضلهم وسعة إطلاعهم عند جميع المسلمين في كتاب الأغاني
بسنده عن علي بن إسماعيل التميمي عن أبيه قال كنت عند أبي عبد الله
جعفر بن محمد ع فاستأذن آذنه للسيد الحميري فامر بايصاله وأقعد
حرمه خلف ستر ودخل فسلم وجلس فاستنشده فانشد قوله:
- امرر على جدث الحسين * فقل لأعظمه الزكية -
- يا أعظما لا زلت من * وطفاء ساكبة رويه -
- وإذا مررت بقبره * فاطل به وقف المطية -
- وابك المطهر للمطهر * والمطهرة النقية -
- كبكاء معولة أتت * يوما لو إحداها المنيه -
قال فرأيت دموع جعفر بن محمد تتحدر على خديه وارتفع الصراخ
من داره حتى أمره بالامساك فامسك.
بكاء الرضا على الحسين ع
روى الصدوق في الأمالي بسنده عن الرضا ع أنه قال إن
المحرم شهر كان أهل الجاهلية يحرمون فيه الظلم والقتال فاستحلت فيه
دماؤنا وهتكت فيه حرمتنا وسبي فيه ذرارينا ونساؤنا وأضرمت النار في
مضاربنا وانهب ما فيه من ثقلنا ولم ترع لرسول الله ص حرمة في أمرنا أن
يوم الحسين أقرح جفوننا وأسبل دموعنا وأذل عزيزنا بأرض كرب وبلاء
(٥٨٦)

وأورثنا الكرب والبلاء إلى يوم الانقضاء فعلى مثل الحسين فليبك
الباكون.
روى الصدوق في عيون أخبار الرضا بسنده عن عبد السلام بن
صالح الهروي قال دخل دعبل بن علي الخزاعي رحمه الله علي أبي الحسن
علي بن موسى الرضا ع بمرو فقال له يا ابن رسول الله إني قد قلت فيكم
قصيدة وآليت على نفسي أن لا أنشدها أحدا قبلك فقال ع هاتها
فانشده:
- مدارس آيات خلت من تلاوة * ومنزل وحي مقفر العرصات -
فلما بلغ إلى قوله:
- أرى فيأهم في غيرهم متقسما * وأيديهم من فيئهم صفرات -
بكى أبو الحسن الرضا ع وقال له صدقت يا خزاعي.
حداد بني هاشم ونسائهم على الحسين ع حتى قتل ابن زياد
عن الصادق ع أنه قال ما اكتحلت هاشمية ولا اختضبت
ولا رئي في دار هاشمي دخان خمس سنين حتى قتل عبيد الله بن زياد.
وعن فاطمة بنت علي أمير المؤمنين ع أنها قالت ما تحنات امرأة منا
ولا أجالت في عينها مرودا ولا امتشطت حتى بعث المختار برأس عبيد الله بن
زياد. وروى ابن قولويه في كامل الزيارة بسنده عن أبي عبد الله جعفر
الصادق ع أنه قال: ما اختضب منا امرأة ولا ادهنت ولا اكتحلت
ولا رجلت حتى أتانا رأس عبيد الله بن زياد وما زلنا في عبرة بعده وكان جدي
يعني علي بن الحسين ع إذا ذكره بكى حتى تملأ عيناه لحيته
وحتى يبكي لبكائه رحمة له من رآه.
الحزن يوم عاشوراء سنة
وجعله عيدا أقبح البدع
من السنة يوم عاشوراء إظهار الحزن والجزع والبكاء والجلوس لذلك،
أولا لأن فيه مواساة لرسول الله ص الذي لا شك في أنه حزين في ذلك
اليوم جزعا على ولده وفلذة كبده ومن كان في حياته يحبه أشد الحب ويعزه
ويكرمه ويلاعبه ويداعبه ويحمله على كتفه والذي كان بكاؤه يؤذيه ولم
يرضى من أم الفضل ان تناله بشئ يبكيه وأي مسلم يرغب عن مواساة نبيه
في حزنه على حبيبه وولده وفلذة كبده أم اي طاعة أعظم وأجل وأفضل عند
الله تعالى وأحب إليه وأشد تقريبا لديه من مواساة أفضل رسله في حزنه على
ولده الذي بذل نفسه لأحياء دينه، ثانيا انه ثبت عن أئمة أهل البيت النبوي
انهم أقاموا المآتم في مثل هذا اليوم بل في كل وقت وحزنوا وبكوا لهذه
الفاجعة وحثوا اتباعهم على ذلك فقد ثبت عن الإمام الرضا ع أنه قال
كان أبي إذا دخل شهر المحرم لا يرى ضاحكا وكانت الكابة تغلب عليه
حتى تمضي عشرة أيام منه فإذا كان العاشر كان ذلك اليوم يوم مصيبته
وحزنه وقد مر بكاء الصادق ع لما أنشده السيد الحميري حتى
بكى حرمه من خلف الستر ومر بكاء زين العابدين بعد قتل أبيه ع
طول حياته واحتجاجه لما ليم في ذلك بان يعقوب بن إسحاق بن
إبراهيم كان نبيا ابن نبي وقد بكى على فراق ولده يوسف حتى ذهب بصره
واحدودب ظهره وابنه حي في دار الدنيا قال وأنا رأيت أبي وأخي وسبعة
عشر رجلا من أهل بيتي صرعى مقتولين فكيف ينقضي حزني ويقل بكائي
وتقدم بكاء سائر أئمة أهل البيت ع لذلك وهم نعم القدوة
ولنا بهم أحسن الأسوة. اما اتخاذ يوم عاشوراء يوم عيد وفرح وسرور
واجراء مراسيم الأعياد فيه من طبخ الحبوب وشراء الألبان والاكتحال
والزينة والتوسعة على العيال فهي سنة أموية حجاجية وهي من أقبح البدع
وأشنعها وإن كان قد اختلق فيها علماء السوء وأعوان الظلمة شيئا من
الأحاديث فإنما ذاك في عهد الملك العضوض عداوة لرسول الله ص وأهل بيته
ع ومراغمة لشيعتهم ومحبيهم وتبعهم من تبعهم غفلة عن
حقيقة الحال وكيف يرضى المسلم لنفسه ان يفرح في يوم قتل ابن بنت نبيه
وفي يوم يحزن فيه رسول الله ص وأهل بيته كما مر في مطاوي ما تقدم ولم
يكن جعل يوم عاشوراء عيدا معروفا في الديار المصرية وأول من أدخله إليها
صلاح الدين الأيوبي كما حكاه المقريزي في خططه والظاهر أن الباعث عليه
كان أمرا سياسيا وهو مراغمة الفاطميين الذين سلبهم صلاح الدين ملكهم
فقصد إلى محو كل اثر لهم. ومن السنة في يوم عاشوراء ترك السعي في
الحوائج وترك ادخار شئ فيه.
خروجه من المدينة
قال المفيد: روى الكلبي والمدائني وغيرهما من أصحاب
السيرة قالوا لما مات الحسن ع تحركت الشيعة بالعراق وكتبوا إلى
الحسين ع في خلع معاوية و البيعة له فامتنع عليهم وذكر ان بينه
وبين معاوية عهدا وعقدا لا يجوز له نقضه حتى تمضي المدة فإذا مات
معاوية نظر في ذلك. فلما مات معاوية منتصف رجب سنة ستين من
الهجرة وتخلف بعده ولده يزيد وكان الوالي في ذلك الوقت على المدينة
الوليد بن عتبة بن أبي سفيان وعلى مكة عمرو بن سعيد بن العاص المعروف
بالأشدق من بني أمية وعلى الكوفة النعمان بن بشير الأنصاري وعلى البصرة
عبيد الله بن زياد. كتب يزيد إلى ابن عمه الوليد بن عتبة والي المدينة مع
مولى لمعاوية يقال له ابن أبي زريق يأمره بأخذ البيعة على أهلها وخاصة على
الحسين ع ولا يرخص له في التأخر عن ذلك ويقول إن أبى عليك
فاضرب عنقه وابعث إلي برأسه. وكان معاوية قبل وفاته قد حذر يزيد من
أربعة: الحسين بن علي وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عمر وعبد
الرحمن بن أبي بكر ولا سيما من الحسين وابن الزبير اما ابن الزبير فهرب إلى
مكة على طريق الفرع هو واخوه جعفر ليس معهما ثالث وأرسل الوليد خلفه
أحد وثمانين راكبا فلم يدركوه وكان ابن عمر بمكة. واما الحسين ع
فاحضر الوليد مروان بن الحكم واستشاره في امره. فقال إنه لا يقبل ولو
كنت مكانك لضربت عنقه، فقال الوليد: ليتني لم أك شيئا مذكورا، ثم
بعث إلى الحسين ع في الليل فاستدعاه فعرف الحسين ع الذي أراد
فدعا بجماعة من أهل بيته ومواليه وكانوا ثلاثين رجلا وأمرهم بحمل
السلاح وقال لهم ان الوليد قد استدعاني في هذا الوقت ولست آمن ان
يكلفني فيه أمرا لا أجيبه إليه وهو غير مأمون فكونوا معي فإذا دخلت
فاجلسوا على الباب فان سمعتم صوتي قد علا فأدخلوا عليه لتمنعوه عني،
فصار الحسين ع إلى الوليد فوجد عنده مروان بن الحكم فنعى إليه
الوليد معاوية فاسترجع الحسين ع ثم قرأ عليه كتاب يزيد وما امره فيه
من أخذ البيعة منه ليزيد، فلم يرد الحسين ع ان يصارحه بالامتناع من
البيعة وأراد التخلص منه بوجه سلمي، فورى عن مراده وقال: اني أراك
لا تقنع ببيعتي سرا حتى أبايعه جهرا فيعرف ذلك الناس، فقال له الوليد
أجل، فقال الحسين ع تصبح وترى رأيك في ذلك، فقال له الوليد
(٥٨٧)

انصرف على اسم الله حتى تأتينا مع جماعة الناس، فقال له مروان والله لئن
فارقك الحسين الساعة ولم يبايع لا قدرت منه على مثلها أبدا حتى تكثر القتلى
بينكم وبينه ولكن احبس الرجل فلا يخرج من عندك حتى يبايع أو تضرب
عنقه، فلما سمع الحسين ع هذه المجابهة القاسية من مروان الوزع ابن
الوزع صارحهما حينئذ بالامتناع من البيعة وانه لا يمكن ان يبايع ليزيد أبدا،
فوثب الحسين ع عند ذلك وقال لمروان: ويلي عليك يا ابن الزرقاء أنت
تأمر بضرب عنقي، كذبت والله ولؤمت، ثم أقبل على الوليد فقال: أيها
الأمير انا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة بنا فتح الله وبنا
ختم، ويزيد فاسق شارب الخمر قاتل النفس المحترمة معلن بالفسق، ومثلي
لا يبايع مثله، ولكن نصبح وتصبحون وننظر وتنظرون أينا أحق بالخلافة
والبيعة، ثم خرج يتهادى بين مواليه وهو يتمثل بقول يزيد بن المفرع:
- لا ذعرت السوام في غسق الصبح * مغيرا ولا دعيت يزيدا -
- يوم أعطي مخافة الموت ضيما * والمنايا يرصدنني ان أحيدا -
حتى اتى منزله. وقيل إنه انشدهما لما خرج من المسجد الحرام متوجها
إلى العراق، وقيل غير ذلك، فقال مروان للوليد: عصيتني لا والله لا
يمكنك مثلها من نفسه ابدا، فقال له الوليد: ويحك انك أشرت علي
بذهاب ديني ودنياي والله ما أحب ان أملك الدنيا بأسرها واني قتلت
حسينا، سبحان الله اقتل حسينا لما ان قال لا أبايع، والله ما أظن أحدا
يلقى الله بدم الحسين الا وهو خفيف الميزان لا ينظر الله إليه يوم القيامة ولا
يزكيه وله عذاب اليم. فقال مروان فإذا كان هذا رأيك فقد أصبت فيما
صنعت، يقول هذا وهو غير حامد له على رأيه، قال المؤرخون: وكان
الوليد يحب العافية. والحقيقة انه كان متورعا عن أن ينال الحسين ع
منه سوء لمعرفته بمكانته لا مجرد حب العافية. ولما بلغ يزيد ما صنع الوليد عزله
عن المدينة وولاها عمرو بن سعيد بن العاص الأشدق فقدمها في رمضان.
وأقام الحسين ع في منزله تلك الليلة وهي ليلة السبت
لثلاث بقين من رجب سنة ستين فلما أصبح خرج من منزله يستمع الأخبار،
فلقيه مروان فقال له يا أبا عبد الله اني لك ناصح فأطعني ترشد، فقال
الحسين ع وما ذاك قل حتى اسمع، فقال مروان: اني آمرك ببيعة
يزيد بن معاوية فإنه خير لك في دينك ودنياك، فقال الحسين ع: انا لله
وإنا إليه راجعون وعلى الاسلام السلام إذ قد بليت الأمة براع مثل يزيد.
وطال الحديث بينه وبين مروان حتى انصرف وهو غضبان فلما كان آخر نهار
السبت بعث الوليد الرجال إلى الحسين ع ليحضر فيبايع فقال لهم
الحسين ع أصبحوا ثم ترون ونرى فكفوا تلك الليلة عنه ولم يلحوا عليه
فخرج في تلك الليلة وقيل في غداتها وهي ليلة الأحد ليومين بقيا من رجب
متوجها نحو مكة. ولما علم ابن الحنفية عزمه على الخروج من المدينة لم يدر
أين يتوجه، فقال له يا أخي أنت أحب الناس إلي وأعزهم علي ولست والله
ادخر النصيحة لأحد من الخلق وليس أحد من الخلق أحق بها منك لأنك
مزاج مائي ونفسي وروحي وبصري وكبير أهل بيتي ومن وجبت طاعته في
عنقي لأن الله قد شرفك علي وجعلك من سادات أهل الجنة تنح ببيعتك
عن يزيد وعن الأمصار ما استطعت ثم ابعث رسلك إلى الناس فادعهم إلى
نفسك فان تابعك الناس وبايعوا لك حمدت الله على ذلك وان اجتمع الناس
على غيرك لم ينقص الله بذلك دينك ولا عقلك ولا تذهب به مروءتك ولا
فضلك وإني أخاف عليك أن تدخل مصرا من هذه الأمصار فيختلف الناس
بينهم فمنهم طائفة معك وأخرى عليك فيقتتلون فتكون لأول الأسنة غرضا
فإذا خير هذه الأمة كلها نفسا وأبا وأما أضعيها دما وأذلها أهلا، فقال له
الحسين ع فأين أذهب يا أخي؟ قال تخرج إلى مكة فان اطمانت بك
الدار بها فذاك وإن تكن الأخرى خرجت إلى بلاد اليمن فإنهم أنصار جدك
وأبيك وهم أرأف الناس وأرقهم قلوبا وأوسع الناس بلادا فان اطمانت بك
الدار والا لحقت بالرمال وشعف الجبال وجزت من بلد إلى بلد حتى تنظر ما
يؤول إليه أمر الناس ويحكم الله بيننا وبين القوم الفاسقين فإنك أصوب ما
تكون رأيا حين تستقبل الأمر استقبالا، فقال الحسين ع يا أخي والله لو
لم يكن في الدنيا ملجأ ولا مأوى لما بايعت يزيد بن معاوية، فقطع محمد بن
الحنفية عليه الكلام وبكى، فبكى الحسين ع معه ساعة، ثم قال: يا
أخي جزاك الله خيرا فقد نصحت وأشفقت وأرجو ان يكون رأيك سديدا
موفقا وأنا عازم على الخروج إلى مكة وقد تهيأت لذلك انا واخوتي وبنو أخي
وشيعتي امرهم أمري ورأيهم رأيي وأما أنت يا أخي فلا عليك ان تقيم بالمدينة
فتكون لي عينا عليهم لا تخفي عني شيئا من أمورهم.
وأقبلت نساء بني عبد المطلب فاجتمعن للنياحة لما بلغهن ان الحسين
ع يريد الشخوص من المدينة، حتى مشى فيهن الحسين ع فقال:
أنشدكن الله ان تبدين هذا الامر، معصية لله ولرسوله، قالت له نساء بني
عبد المطلب: فلن نستبقي النياحة والبكاء فهو عندنا كيوم مات فيه رسول
الله ص وعلي وفاطمة والحسن ورقية وزينب وأم كلثوم جعلنا الله فداك من
الموت يا حبيب الأبرار من أهل القبور.
ولما عزم الحسين ع على الخروج من المدينة مضى
في جوف الليل إلى قبر أمه فودعها ثم مضى إلى قبر أخيه الحسن ع
ففعل كذلك وخرج معه بنو أخيه وإخوته وجل أهل بيته إلا محمد بن الحنفية
وعبد الله بن جعفر.
وخرج ع من المدينة في جوف الليل وهو يقرأ فخرج منها
خائفا يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين ولزم الطريق الأعظم فقال
له أهل بيته لو تنكبت الطريق الأعظم كما فعل ابن الزبير كيلا يلحقك
الطلب فقال لا والله لا أفارقه حتى يقضي الله ما هو قاض، فلقيه عبد الله
ابن مطيع فقال له جعلت فداك أين تريد؟ قال أما الآن فمكة وأما بعد فاني
استخير الله قال خار الله لك وجعلنا فداك فإذا أتيت مكة فإياك أن تقرب
الكوفة فإنها بلدة مشئومة بها قتل أبوك وخذل أخوك واغتيل بطعنة كادت تأتي
على نفسه الزم الحرم فأنت سيد العرب لا يعدل بك أهل الحجاز أحدا
ويتداعى إليك الناس من كل جانب لا تفارق الحرم فداك عمي وخالي،
فوالله لئن هلكت لنسترقن بعدك. وكان دخوله ع إلى مكة يوم
الجمعة لثلاث مضين من شعبان فيكون مقامه في الطريق نحوا من خمسة أيام
لأنه خرج من المدينة لليلتين بقيتا من رجب كما مر.
ودخلها وهو يقرأ ولما توجه تلقاء مدين قال عيسى ربي ان يهديني
سواء السبيل فأقام بمكة باقي شعبان وشهر رمضان وشوالا وذا القعدة
وثماني ليال من ذي الحجة. وأقبل أهل مكة ومن كان بها من المعتمرين
وأهل الآفاق يختلفون إليه وابن الزبير بها قد لزم جانب الكعبة فهو قائم
يصلي عندها عامة النهار ويطوف ويأتي الحيين ع فيمن يأتيه اليومين
المتواليين وبين كل يوم مرة ولا يزال يشير عليه بالرأي وهو أثقل خلق الله
على ابن الزبير لأنه قد علم أن أهل الحجاز لا يبايعونه ما دام الحسين ع
باقيا في البلد وان الحسين ع أطوع في الناس منه وأجل.
(٥٨٨)

دعوة أهل الكوفة
ولما بلغ أهل الكوفة موت معاوية وامتناع الحسين ع من البيعة
أرجفوا بيزيد وعقد اجتماع في منزل سليمان بن صرد الخزاعي فلما تكاملوا
قام سليمان فيهم خطيبا وقال في آخر خطبته: انكم قد علمتم بان معاوية قد
هلك وصار إلى ربه وقدم على عمله وقد قعد في موضعه ابنه يزيد وهذا
الحسين بن علي قد خالفه وصار إلى مكة هاربا من طواغيت آل سفيان وأنتم
شيعته وشيعة أبيه من قبله وقد احتاج إلى نصرتكم اليوم فان كنتم تعلمون
انكم ناصروه ومجاهدو عدوه فاكتبوا إليه وان خفتم الوهن والفشل فلا تغروا
الرجل من نفسه قالوا بل نقاتل عدوه ونقتل أنفسنا دونه فارسلوا وفدا من
قبلهم وعليهم أبو عبد الله الجدلي وكتبوا إليه معهم بسم الله الرحمن
الرحيم للحسين بن علي من سليمان بن صرد والمسيب بن نجبة ورفاعة بن
شداد البجلي وحبيب بن مظاهر وعبد الله بن وال وشيعته من المؤمنين
والمسلمين سلام عليك اما بعد فالحمد لله الذي قصم عدوك وعدو أبيك من
قبل الجبار العنيد الغشوم الظلوم الذي انتزى على هذه الأمة فابتزها امرها
وغصبها فيأها وتامر عليها بغير رضا منها ثم قتل خيارها واستبقى شرارها
وجعل مال الله دولة بين جبابرتها وعتاتها فبعدا له كما بعدت ثمود وانه ليس
علينا امام غيرك فاقبل لعل الله يجمعنا بك على الحق والنعمان بن بشير في
قصر الامارة ولسنا نجتمع معه في جمعة ولا نخرج معه إلى عيد ولو قد بلغنا
انك أقبلت أخرجناه حتى يلحق بالشام إن شاء الله تعالى والسلام عليك
ورحمة الله يا ابن رسول الله وعلى أبيك من قبلك ولا حول ولا قوة الا بالله
العلي العظيم. وقيل إنهم سرحوا الكتاب مع عبد الله بن مسمع الهمذاني
وعبد الله بن وال وامروهما بالنجاء فخرجا مسرعين حتى قدما على الحسين
ع بمكة لعشر مضين من شهر رمضان ثم لبثوا يومين وانفذوا قيس بن
مسهر الصيداوي وعبد الرحمن بن عبد الله بن شداد الأرحبي وعمارة بن
عبد الله السلولي إلى الحسين ع ومعهم نحو مائة وخمسين صحيفة من
الرجل والاثنين والأربعة وهو مع ذلك يتأنى ولا يجيبهم فورد عليه في يوم
واحد ستمائة كتاب وتواترت الكتب حتى اجتمع عنده في نوب متفرقة اثنا
عشر ألف كتاب ثم لبثوا يومين آخرين وسرحوا إليه هاني بن هاني السبيعي
وسعيد بن عبد الله الحنفي وكانا آخر الرسل وكتبوا إليه بسم الله الرحمن
الرحيم للحسين بن علي من شيعته من المؤمنين والمسلمين اما بعد فحيهلا
فان الناس ينتظرونك لا رأي لهم غيرك فالعجل العجل ثم العجل العجل
والسلام. ثم كتب معهما أيضا شبث بن ربعي التميمي وحجار بن أبجر
العجلي ويزيد بن الحارث بن يزيد بن رويم الشيباني وعزرة بن قيس
الأحمسي وعمرو بن الحجاج الزبيدي ومحمد بن عمير بن عطارد بن حاجب
ابن زرارة التميمي اما بعد فقد أخضر الجناب وأينعت الثمار فإذا شئت
فاقبل على جند لك مجند والسلام عليك ورحمة الله وبركاته وعلى أبيك من
قبلك.
وفي رواية ان أهل الكوفة كتبوا إليه أن لك هنا مائة ألف سيف فلا
تتأخر وتلاقت الرسل كلها عنده فقال الحسين ع لهاني وسعيد
خبراني من اجتمع على هذا الكتاب الذي سير إلي معكما فقالا يا ابن رسول
الله شبث بن ربعي وحجار بن أبجر ويزيد بن الحارث بن يزيد بن رويم
وعزرة بن قيس وعمرو بن الحجاج ومحمد بن عمير بن عطارد وكل هؤلاء
خرج لقتال الحسين ع وهم من أعيان الكوفة ووجوهها فعندها قام الحسين
ع فصلى ركعتين بين الركن والمقام وسال الله الخيرة في ذلك ثم كتب مع هاني بن
هاني وسعيد بن عبد الله بسم الله الرحمن الرحيم من الحسين بن علي إلى الملأ
من المؤمنين والمسلمين أما بعد فان هانيا وسعيدا قدما علي بكتبكم وكانا آخر من
قدم علي من رسلكم وقد فهمت كل الذي اقتصصتم وذكرتم ومقالة جلكم انه
ليس علينا امام فاقبل لعل الله يجمعنا بك على الحق والهدى وانا باعث إليكم أخي
وابن عمي وثقتي من أهل بيتي مسلم بن عقيل فان كتب إلي انه قد اجتمع رأي
ملئكم وذوي الحجى والفضل منكم على مثل ما قدمت به رسلكم وقرأت في
كتبكم فاني أقدم إليكم وشيكا إن شاء الله تعالى فلعمري ما الامام الا الحاكم
بالكتاب القائم بالقسط الدائن بدين الحق الحابس نفسه على ذلك لله والسلام
ودعا الحسين ع ابن عمه مسلم بن عقيل وقيل إنه كتب معه
جواب كتبهم فسرحه مع قيس بن مسهر الصيداوي ورجلين آخرين وأمره
بالتقوى وكتمان امره واللطف فان رأى الناس مجتمعين مستوسقين عجل إليه
بذلك فاقبل مسلم رحمه الله حتى اتى المدينة واستأجر دليلين من قيس فاقبلا
به يتنكبان الطريق وأصابهما عطش شديد فعجزا عن السير فاوما له إلى سنن
الطريق ومات الدليلان عطشا فكتب مسلم إلى الحسين ع من الموضع
المعروف بالمضيق وهو ماء لبني كلب مع قيس بن مسهر اما بعد فاني أقبلت
من المدينة مع دليليين فجارا عن الطريق فضلا واشتد علينا العطش فلم يلبثا ان
ماتا واقبلنا حتى انتهينا إلى الماء فلم ننج الا بحشاشة أنفسنا وذلك الماء
بمكان يدعى المضيق من بطن الخبت وقد تطيرت من توجهي هذا فان رأيت
أعفيتني منه وبعثت غيري والسلام فكتب إليه الحسين ع: قد خشيت
ان لا يكون حملك لي الاستعفاء الا الجبن فامض لوجهك الذي وجهتك فيه
فقال مسلم اما هذا فلست أتخوفه على نفسي فاقبل حتى مر بماء لطئ فنزل
ثم ارتحل عنه فإذا برجل يرمي الصيد فنظر إليه وقد رمى ظبيا حين أشرف
له فصرعه فقال مسلم نقتل عدونا إن شاء الله ثم اقبل حتى دخل الكوفة
فنزل دار المختار وأقبلت الناس تختلف إليه فكلما اجتمع إليه منهم جماعة قرأ
عليهم كتاب الحسين ع وهم يبكون وبايعه الناس حتى بايعه منهم ثمانية
عشر ألفا فكتب إلى الحسين ع اما بعد فان الرائد لا يكذب أهله وان
جميع أهل الكوفة معك وقد بايعني منهم ثمانية عشر ألفا فعجل الاقبال حين
تقرأ كتابي هذا والسلام وجعل الناس يختلفون إليه حتى علم بمكانه فبلغ
النعمان بن بشير ذلك وكان واليا على الكوفة من قبل معاوية فاقره يزيد
عليها وكان صحابيا حضر مع معاوية حرب صفين وكان من اتباعه وقتله
أهل حمص في فتنة ابن الزبير وكان واليا عليها فصعد المنبر وخطب الناس
وحذرهم الفتنة قام إليه عبد الله بن مسلم بن سعيد الحضرمي حليف بني
أمية فقال له انه لا يصلح ما ترى الا الغشم ان هذا الذي أنت عليه رأي
المستضعفين فقال له النعمان ان أكون من المستضعفين في طاعة الله أحب
إلي من أن أكون من الأعزين في معصية الله ثم نزل فكتب عبد الله بن
مسلم إلى يزيد يخبره بقدوم مسلم بن عقيل الكوفة ومبايعة الناس له ويقول إن
كان لك في الكوفة حاجة فابعث إليها رجلا قويا ينفذ امرك ويعمل مثل
عملك في عدوك فان النعمان بن بشير رجل ضعيف أو هو يتضعف وكتب
إليه عمارة بن الوليد بن عقبة وعمر بن سعد بنحو ذلك فدعا يزيد سرجون
الرومي مولى معاوية وكان سرجون مستوليا على معاوية في حياته
واستشاره فيمن يولي على الكوفة وكان يزيد عاتبا على عبيد الله بن زياد وهو
يومئذ وال على البصرة وكان معاوية قد كتب لابن زياد عهدا بولاية الكوفة
ومات قبل انفاذه فقال سرجون ليزيد لو نشر لك معاوية ما كنت آخذا برأيه
(٥٨٩)

قال بلى قال هذا عهده لعبيد الله على الكوفة فضم يزيد البصرة والكوفة إلى
عبيد الله وكتب إليه بعهده وسيره مع مسلم بن عمرو الباهلي وكتب إلى
عبيد الله معه: اما بعد فإنه كتب إلي شيعتي من أهل الكوفة يخبرونني ان
ابن عقيل فيها يجمع الجموع ليشق عصا المسلمين فسر حين تقرأ كتابي هذا
حتى تأتي الكوفة فتطلب ابن عقيل طلب الخرزة حتى تثقفه فتوثقه أو تقتله أو
تنفيه والسلام فخرج مسلم بن عمرو حتى قدم على عبيد الله بالبصرة فامر
عبيد الله بالجهاز من وقته والتهيؤ والمسير إلى الكوفة من الغد.
كتاب الحسين ع إلى أهل البصرة
وكتب الحسين إلى رؤساء الأخماس بالبصرة والى أشرافها مع ذراع
السدوسي ومع مولى للحسين ع اسمه سليمان ويكنى أبا رزين فكتب
إلى مالك بن مسمع البكري والأحنف بن قيس ويزيد بن مسعود النهشلي
والمنذر بن الجارود العبدي ومسعود بن عمر الأزدي بنسخة واحدة اما
بعد فان الله اصطفى محمدا ص على خلقه وأكرمه بنبوته واختاره لرسالته ثم
قبضه الله إليه وقد نصح لعباده وبلغ ما ارسل به ص وكنا أهله وأولياءه
وأوصياءه وورثته وأحق الناس بمقامه في الناس فاستاثر علينا قومنا فأغضينا
كراهية للفرقة محبة للعافية ونحن نعلم انا أحق بذلك الحق المستحق علينا
ممن تولاه وقد بعثت رسولي إليكم بهذا الكتاب وانا أدعوكم إلى كتاب الله
وسنة نبيه فان السنة قد أميتت وان البدعة قد أحييت فان تجيبوا دعوتي
وتطيعوا أمري أهدكم سبيل الرشاد. فجمع يزيد بن مسعود بني تميم وبني
حنظلة وبني سعد فلما حضروا قال يا بني تميم كيف ترون موضعي فيكم
وحسبي منكم فقالوا بخ بخ أنت والله فقرة الظهر ورأس الفخر حللت في
الشرف وسطا وتقدمت فيه فرطا قال فاني قد جمعتكم لأمر أريد
ان أشاوركم فيه وأستعين بكم عليه فقالوا إذا والله نمنحك
النصيحة ونجهد لك الرأي فقل نسمع فقال: ان معاوية قد مات
فأهون به الله هالكا ومفقودا الا وانه قد انكسر باب الجور والاثم
وتضعضعت أركان الظلم وقد كان أحدث بيعة عقد بها أمرا ظن أن
قد احكمه وهيهات الذي أراد اجتهد والله ففشل وشاور فخذل وقد قام ابنه
يزيد شارب الخمور ورأس الفجور يدعي الخلافة على المسلمين ويتامر
عليهم بغير رضى منهم مع قصر حلم وقلة علم لا يعرف من الحق موطئ
قدمه فاقسم الله قسما مبرورا لجهاده على الدين أفضل من جهاد المشركين
وهذا الحسين بن علي ابن رسول الله ص ذو الشرف الأصيل والرأي الأثيل
له فضل لا يوصف وعلم لا ينزف وهو أولي بهذا الامر لسابقته وسنه وقدمه
وقرابته يعطف على الصغير ويحنو على الكبير فأكرم به راعي رعية وإمام قوم
وجبت لله به الحجة وبلغت به الموعظة وقد كان صخر بن قيس وهو
الأحنف انخذل بكم يوم الجمل فاغسلوها بخروجكم إلى ابن رسول الله
ص ونصرته والله لا يقصر أحد عن نصرته الا أورثه الله تعالى الذل في ولده
والقلة في عشيرته وها أنذا قد لبست للحرب لامتها وأدرعت لها بدرعها من
لم يقتل يمت ومن يهرب لم يفت فاحسنوا رحمكم الله رد الجواب. فتكلمت
بنو حنظلة فقالوا أبا خالد نحن نبل كنانتك وفرسان عشيرتك ان رميت بنا
أصبت وان غزوت بنا فتحت لا تخوض والله غمرة الا خضناها وتلقى والله
شدة الا لقيناها ننصرك والله بأيدينا ونفديك بدمائنا إذا شئت فافعل.
وتكلمت بنو سعد بن يزيد فقالوا أبا خالد ان أبغض الأشياء إلينا خلافك
والخروج عن رأيك وقد كان صخر بن قيس الأحنف امرنا بترك القتال
يوم الجمل فحمدنا رأيه فأمهلنا نراجع الرأي فنأتيك برأينا. وتكلمت بنو
عامر بن تميم فقالوا يا أبا خالد نحن بنو أبيك وحلفاؤك لا نرضى ان
غضبت ولا نوطن ان ظعنت والامر إليك فادعنا نجبك ومرنا نطعك والأمر
لك إذا شئت. فقال والله يا بني سعد لئن فعلتموها لا رفع الله السيف عنكم
ابدا ولا زال سيفكم فيكم
ثم كتب إلى الحسين ع: وصل إلي كتابك وفهمت ما ندبتني إليه
ودعوتني له من الأخذ بحظي من طاعتك والفوز بنصيبي من نصرتك وان الله لم
يخل الأرض قط من عامل عليها بخير أو دليل على سبيل نجاة وأنتم حجة
الله على خلقه ووديعته في ارضه تفرعتم من زيتونة أحمدية هو أصلها وأنتم
فرعها فاقدم سعدت بأسعد طائر فقد ذللت لك أعناق بني تميم وتركتهم
أشد تتابعا في طاعتك من الإبل الظماء لورود الماء يوم خمسها وكظها وقد
ذللت لك رقاب بني سعد وغسلت درن صدورها بماء سحابة مزن حين
استهل برقها فلمع.
فلما قرأ الحسين ع الكتاب قال: ما لك آمنك الله يوم الخوف
وأعزك وأرواك يوم لعطش الأكبر. فلما تجهز المشار إليه للخروج إلى الحسين
ع بلغه قتله قبل ان يسير فجزع من انقطاعه عنه.
ومما يلاحظ هنا ان بني حنظلة وبني عامر الذين أجابوا يزيد بن
مسعود إلى القيام معه لم يكن في كلامهم كلمة واحدة تدل إلى أن قيامهم
لنصرة الحق ولكون الحسين ع إمام حق تجب نصرته والجهاد معه
نصرة للدين والحق بل يلوح من كلامهم ان إطاعتهم له لكونه رئيسا لهم فبنو
حنظلة لا يخوض غمرة الا خاضوها ولا يلقى شدة الا لقوها وبنو عامر لا
يرضون ان غضب ولا يوطنون ان ظعن وهكذا حال أكثر الناس، اما هو
فكلامه يدل على معرفته بحق الحسين ع وان قيامه معه لمحض نصرة
الحق والدين. وكتب إليه الأحنف: أما بعد فاصبر إن وعد الله حق
ولا يستخفنك الذين لا يوقنون واما المنذر بن الجارود فإنه جاء بالكتاب
والرسول إلى عبيد الله بن زياد في عشية الليلة التي يريد ابن زياد ان يذهب
في صبيحتها إلى الكوفة لأن المنذر خاف ان يكون دسيسا من عبيد الله
وبئس ما فعل وكانت بحرية بنت المنذر زوجة عبيد الله فاخذ عبيد الله
الرسول فصلبه، ثم إنه خطب الناس وتوعدهم على الخلاف وخرج من
البصرة واستخلف عليها أخاه عثمان.
مجئ ابن زياد إلى الكوفة
وأقبل إلى الكوفة ومعه مسلم بن عمرو الباهلي رسول يزيد
وشريك بن الأعور الحارثي وقيل كان معه خمسمائة فتأخروا عنه رجاء أن
يقف عليهم ويسبقه الحسين ع إلى الكوفة فلم يقف على أحد منهم
وسار فلما أشرف على الكوفة نزل حتى أمسى ودخلها ليلا مما يلي النجف
وعليه عمامة سوداء وهو متلثم فدخلها من جهة البادي في زي أهل الحجاز
ليوهمهم أنه الحسين ع والناس قد بلغهم إقبال الحسين ع فهم
ينتظرونه فظنوا حين رأوا عبيد الله أنه الحسين ع فقالت امرأة الله أكبر ابن
رسول الله ص فتصايح الناس وقالوا أنا معك أكثر من أربعين ألفا وأخذ لا يمر على
جماعة من الناس إلا سلموا عليه وقالوا مرحبا بك يا ابن رسول الله قدمت
خير مقدم فرأى من تباشرهم بالحسين ع ما ساءه وازدحموا عليه حتى
(٥٩٠)

أخذوا بذنب دابته فقال لهم عبد الله بن مسلم الباهلي لما كثروا تأخروا هذا
الأمير عبيد الله بن زياد وحسر اللثام عن وجه وقال أنا عبيد الله فتساقط
القوم ووطئ بعضهم بعضا وسار حتى وافى القصر بالليل فاغلق النعمان
ابن بشير عليه وعلى خاصته فناداه بعض من كان مع زياد ليفتح لهم الباب
فاطلع عليه النعمان وهو يظنه الحسين ع فقال أنشدك الله إلا تنحيت
والله ما أنا بمسلم إليه أمانتي وما لي في قتالك من أرب فجعل لا يكلمه ثم
أنه دنا فتدلى النعمان من شرف القصر فجعل يكلمه فقال ابن زياد افتح لا
فتحت فقد طال ليلك يا نعيم ففتح له النعمان فدخل وضربوا الباب في
وجوه الناس وانفضوا وأصبح ابن زياد فنادى في الناس الصلاة جامعة
فاجتمعوا فخطبهم وتوعد العاصي بالعقوبة والمطيع بالاحسان وقال الصدق
ينبئ عنك لا الوعيد ونزل وأخذ الوفاء والناس أخذا شديدا فقال اكتبوا
لي الغرباء ومن فيكم من طلبة أمير المؤمنين فمن لم يفعل برئت منه الذمة
وحلال لنا دمه وماله وإيما عريف وجد في عرافته من بغية أمير المؤمنين أحد
لم يرفعه إلينا صلب على باب داره وألغيت تلك العرافة من العطاء ولما سمع
مسلم بن عقيل مجئ عبيد الله إلى الكوفة ومقالته التي قالها خرج من دار
المختار إلى دار هاني بن عروة في جوف الليل فأخذت انصاره يختلفون إليه
في دار هاني على تستر واستخفاء وألح عبيد الله في طلب مسلم ولا يعلم أين
هو وكان شريك بن الحارث الهمداني لما جاء من البصرة مع عبيد الله بن
زياد نزل دار هاني فمرض فأرسل إليه ابن زياد أنه يريد أن يعوده فقال
لمسلم إذا جلس أخرج إليه فاقتله ونهاه هاني ولما أراد الخروج تعلقت به امرأة
لهاني وبكت في وجهه وناشدته الله أن يفعل وخرج ابن زياد ومات شريك
من مرضه ذلك ولما خفي على ابن زياد أمر مسلم عمد إلى التجسس فدعا
غلاما له اسمه معقل ودفع إليه أربعة آلاف درهم وأمره بحسن التوصل إلى
أصحاب مسلم وأن يدفع إليهم المال ليستعينوا به ويظهر لهم أنه منهم من
أهل حمص فجاء إلى مسلم بن عوسجة فاغتر بكلامه وأدخله على مسلم بن
عقيل فأخبر ابن زياد بكل ما أراد وبلغ الذين بايعوا مسلما خمسة وعشرين
ألف رجل فعزم على الخروج، فقال هانئ لا تعجل، وخاف هانئ
عبيد الله على نفسه فانقطع عن مجلسه وتمارض فدعا ابن زياد محمد بن
الأشعث وحسان بن أسماء بن خارجة وعمرو بن الحجاج الزبيدي وكان
هانئ متزوجا رويحة بنت عمرو هذا فقال لهم ما يمنع هانئ من زيارتنا
قالوا إنه مريض قال بلغني أنه برئ وإنه يجلس على باب داره فالقوه ومروه
أن لا يدع ما عليه من حقنا فاني لا أحب أن يفسد عندي مثله من أشراف
العرب وقالوا ما يمنعك من لقاء الأمير فإنه قد ذكرك، قال المرض، قالوا
بلغه أنك برئت، وأقسموا عليه أن يذهب معهم، فذهب، ولم يكن
حسان يعلم بشئ مما كان، وكان محمد بن الأشعث عالما به فلما دخل على
ابن زياد قال: ايه يا هانئ ما هذه الأمور التي تربص في دارك لأمير
المؤمنين وعامة المسلمين؟ جئت بمسلم بن عقيل فأدخلته دارك وجمعت له
الجموع والسلاح في الدور حولك وظننت أن ذلك يخفى علي فأنكر هانئ
أن يكون قد فعل، فدعا ابن زياد معقلا، فعلم هانئ أنه كان عينا عليهم
فسقط في يده ساعة ثم راجعته نفسه وجعل يعتذر إلى ابن زياد بأنه دعا
مسلما إلى منزله وإنما جاءه يسأله النزول فاستحيا من رده وداخله من ذلك
ذمام وأنه يذهب الآن فيخرجه، فقال ابن زياد والله لا تفارقني حتى تأتيني
به فقال لا والله لا أجيئك به، أجيئك بضيفي تقتله. وخلا به مسلم بن
عمرو الباهلي ليقنعه بان يأتي به فابى، فقال ابن زياد والله لتأتيني به أو
لأضربن عنقك، قال إذا تكثر البارقة حول دارك، فقال وا لهفاه عليك
أبالبارقة تخوفني؟ وهانئ يظن أن عشيرته سيمنعونه، ثم قال: أدنوه مني
فاستعرض وجهه بالقضيب حتى كسر أنفه وشق حاجبه ونثر لحم جبينه
وخده على لحيته وسالت الدماء على ثيابه ووجهه ولحيته وكسر القضيب،
وضرب هانئ يده على قائم سيف شرطي وجاذبه الشرطي ومنعه، فقال
عبيد الله: أ حروري سائر اليوم، قد حل دمك، جروه فجروه فألقوه في
بيت من بيوت الدار وأغلقوا عليه بابه وجعلوا عليه حرسا، فقام إليه
حسان بن خارجة فقال: أ رسل غدر سائر اليوم؟! أمرتنا أن نجيئك
بالرجل حتى إذا جئناك به فعلت به هذا، فقال عبيد الله: وأنك لهاهنا فامر
به فضرب وتعتع واجلس ناحية، فقال محمد بن الأشعث: رضينا بما رأى
الأمير، لنا كان أم علينا إنما الأمير مؤدب. وبلغ عمرو بن الحجاج أن
هانيا قد قتل فاقبل في مذحج حتى أحاط بالقصر فقال ابن زياد لشريح
القاضي ادخل على صاحبهم فانظر إليه ثم أعلمهم أنه حي ففعل فقالوا أما
إذا لم يقتل فالحمد لله وانصرفوا.
وهكذا يتمكن الظالم من ظلمه بأمثال محمد بن الأشعث من أعوان
الظلمة وأمثال شريح من قضاة السوء المظهرين للدين المصانعين الظلمة
اللابسين جلود الكباش وقلوبهم قلوب الذئاب وبأمثال مذحج الذين اغتروا
بكلام شريح وانصرفوا ولم يأخذوا بالحزم. ولما ضرب عبيد الله هانئا وحبسه
خاف ان يثب به الناس فخرج فصعد المنبر ومعه أشراف الناس وشرطه
وحشمه وخطب خطبة موجزة وحذر الناس وهددهم.
خروج مسلم في الكوفة
وكان مسلم أرسل إلى القصر من يأتيه بخبر هانئ فلما أخبر أنه
ضرب وحبس، قال لمناديه ناد يا منصور أمت، وكان ذلك شعارهم فنادى
فاجتمع إليه أربعة آلاف كانوا في الدور حوله. وقال المسعودي اجتمع إليه
في وقت واحد ثمانية عشر ألف رجل فسار إلى ابن زياد فما نزل ابن زياد
حتى دخلت النظارة المسجد يقولون جاء ابن عقيل فدخل عبيد الله القصر
مسرعا وأغلق أبوابه وقدم مسلم مقدمته وعبا أصحابه ميمنة وميسرة ووقف
هو في القلب وأقبل نحو القصر وتداعى الناس واجتمعوا حتى امتلأ المسجد
والسوق وضاق بعبيد الله أمره وبعث إلى وجوه أهل الكوفة فجمعهم عنده
وليس معه إلا ثلاثون رجلا من الشرط وعشرون رجلا من أشراف الناس
وخاصته وجعل من في القصر مع ابن زياد يشرفون على أصحاب مسلم وأصحاب مسلم
يرمونهم بالحجارة ويشتمونهم ويفترون على عبيد الله وامه
وأبيه، فدعا ابن زياد كثير بن شهاب وأمره أن يخرج فيمن أطاعه من
مذحج ويخذل الناس عن ابن عقيل ويخوفهم وأمر محمد بن الأشعث أن
يخرج فيمن أطاعه من كندة وحضرموت فيرفع راية أمان وأمر جماعة من
الاشراف بمثل ذلك وحبس باقي وجوه الناس عنده استيحاشا إليهم لقلة من
معه وأقام الناس مع ابن عقيل يكثرون حتى المساء وأمرهم شديد، وأمر
ابن زياد من عنده من الاشراف أن يشرفوا على الناس فيمنوا أهل الطاعة
الزيادة والكرامة ويخوفوا أهل المعصية الحرمان والعقوبة وجعل كثير يخذل
الناس ويخوفهم باجناد الشام فاخذوا يتفرقون، وكانت المرأة تأتي ابنها
وأخاها فتقول انصرف، الناس يكفونك، ويجئ الرجل إلى ابنه وأخيه
ويقول غدا يأتيك أهل الشام فما تصنع بالحرب حتى أمسى ابن عقيل في
خمسمائة فلما اختلط الظلام جعلوا يتفرقون فصلى المغرب وما معه إلا ثلاثون
(٥٩١)

نفسا فتوجه نحو باب المسجد فلم يبلغه إلا ومعه عشرة أنفس فخرج من
الباب فإذا ليس معه أحد. ومن هنا يعلم أن مسلما رضوان الله عليه لم
يقصر في حزم ولا تدبير وأنه أصيب من جهة خذلان أهل الكوفة، فمضى
على وجهه متلددا في أزقة الكوفة حتى باب امرأة اسمها طوعة ولها ولد اسمه
بلال كان قد خرج مع الناس وأمه قائمة تنتظره فسلم عليها ابن عقيل
فردت عليه السلام وطلب منها ماء فسقته وجلس ودخلت ثم خرجت
فقالت يا عبد الله أ لم تشرب قال بلى قالت فاذهب إلى أهلك فسكت ثم
أعادت مثل ذلك فسكت فقالت سبحان الله يا عبد الله ثم عافاك الله إلى
أهلك فإنه لا يصلح لك الجلوس على بأبي ولا أحله لك فقام وقال يا أمة
الله ما لي في هذا المصر أهل ولا عشيرة فهل لك في أجر ومعروف ولعلي
مكافيك بعد اليوم قالت وما ذاك قال أنا مسلم بن عقيل قالت أنت مسلم قال
نعم قالت ادخل فدخل إلى بيت في دارها غير الذي تكون فيه وفرشت له
وعرضت عليه العشاء فلم يتعش، وجاء ابنها فرآها تكثر الدخول في البيت
والخروج منه فاستراب بذلك ولم يزل بها حتى أخبرته، وجعل ابن زياد لا
يسمع لأصحاب ابن عقيل صوتا كما كان يسمع فقال لأصحابه ان يشرفوا
فينظروا هل يرون أحدا فلم يروا أحدا ونزعوا الخشب من سقف المسجد
ودلوا شعل النار والقناديل فلم يروا أحدا فاخبروه بتفرق القوم فخرج
بأصحابه إلى المسجد ونادى مناديه برئت الذمة من رجل من الشرط والعرفاء
والمناكب والمقاتلة صلى العتمة إلا في المسجد فامتلأ المسجد من الناس فصلى
بهم وأقام الحرس خلفه ثم صعد المنبر وقال إن ابن عقيل السفيه الجاهل قد
أتى ما رأيتم من الخلاف والشقاق فبرئت ذمة الله من رجل وجدناه في داره
ومن جاء به فله ديته اتقوا الله عباد الله ولا تجعلوا على أنفسكم سبيلا، يا
حصين بن تميم وهو صاحب شرطته ثكلتك أمك إن ضاع باب من
سكك الكوفة وخرج هذا الرجل ولم تأتني به وقد سلطتك على دور أهل
الكوفة ثم دخل القصر فلما أصبح جلس مجلسه وأذن للناس فدخلوا عليه
وأقبل محمد بن الأشعث فقال له مرحبا بمن لا يستغش ولا يتهم واقعده إلى
جنبه، وجاء ابن تلك المرأة فأخبر عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث بمكان
مسلم من أمه، وكانت أمه أم ولد للأشعث بن قيس فاعتقها وتزوجها أسيد
الحضرمي فولدت له بلالا فبين بلال وأولاد الأشعث علاقة بسبب تلك
المرأة، ولعل بعضهم كان أخا بلال لامه، فجاء عبد الرحمن فأخبر أباه سرا
وهو عند ابن زياد فعرف ابن زياد سراره فبعث سبعين رجلا حتى أتوا الدار
التي فيها مسلم فلما سمع مسلم وقع حوافر الخيل وأصوات الرجال علم أنه
قد أتي فخرج إليهم بسيفه واقتحموا عليه الدار فشد عليهم يضربهم بسيفه
حتى أخرجهم من الدار ثم عادوا إليه فشد عليهم كذلك فاخرجهم مرارا
وقتل منهم جماعة واختلف هو وبكر بن حمران ضربتين فضرب بكر فم مسلم
فقطع شفته العليا وأسرع السيف في السفلى وفصلت له ثنيتاه وضربه في
رأسه ضربة منكرة وثناه بأخرى على حبل العاتق كادت تطلع إلى جوفه
فأشرفوا عليه من فوق البيوت يرمونه بالحجارة ويلهبون النار في اطنان
القصب ويلقونها عليه فلما رأى ذلك قال أ كل ما أرى من الاجلاب لقتل
مسلم بن عقيل يا نفس اخرجي إلى الموت الذي ليس عنه محيص فخرج
عليهم مصلتا سيفا في السكة فقاتلهم فناداه ابن الأشعث لك الأمان وهو
يقاتلهم ويتمثل:
- أقسمت لا اقتل إلا حرا * وان رأيت الموت شيئا نكرا -
- أخاف أن أكذب أو أغرا * أو أخلط البارد سخن مرا -
- رد شعاع الشمس فاستقرا * كل امرئ يوما ملاق شرا -
- أضربكم ولا أخاف ضرا -
فقال له ابن الأشعث: انك لا تكذب ولا تغر وكان قد أثخن
بالحجارة وعجز عن القتال فأسند ظهره إلى جنب تلك الدار وأعاد عليه ابن
الأشعث لك الأمان وقيل أنهم تكاثروا عليه بعد أن أثخن بالجراح فطعنه
رجل من خلفه فخر إلى الأرض فاخذ أسيرا وحمل على بغلة وانتزع ابن
الأشعث سيفه وسلاحه وفي ذلك يقول بعض الشعراء يهجو ابن الأشعث:
- وتركت عمك ان تقاتل دونه * فشلا ولولا أنت كان منيعا -
- وقتلت وافد آل بيت محمد * وسلبت أسيافا له ودروعا -
فبئس عند ذلك من نفسه ودمعت عيناه وبكى، فقيل له: إن الذي
يطلب مثل الذي تطلب إذا نزل به مثلما نزل بك لم يبك، فقال: والله ما
لنفسي بكيت ولا لها من القتل ارثي وإن كنت لم أحب لها طرفة عين تلفا،
ولكني أبكي لأهل المقبلين إلي، أبكي لحسين وآل حسين، ثم قال لابن
الأشعث هل عندك خير؟ تستطيع أن تبعث من عندك رجلا على لساني
يبلغ حسينا فاني لا أراه الا وقد خرج اليوم أو هو خارج غدا
وأهل بيته، ويقول له ان ابن عقيل بعثني إليك وهو أسير في أيدي القوم لا يرى أنه
يمسي حتى يقتل وهو يقول لك ارجع فداك أبي وأمي باهل بيتك ولا يغررك
أهل الكوفة فإنهم أصحاب أبيك الذي كان يتمنى فراقهم بالموت أو القتل،
قال ابن الأشعث والله لأفعلن وكذب وجئ به إلى باب القصر وقد
اشتد به العطش وعلى الباب قلة فيها ماء بارد فقال أسقوني من هذا الماء
فقال له مسلم بن عمرو الباهلي والد قتيبة أمير خرسان أ تراها ما أبردها لا
والله لا تذوق منها قطرة حتى تذوق الحميم ومنعهم أن يسقوه فقال له ابن
عقيل لامك الثكل ما أجفاك وأفظك وأقسى قلبك أنت يا ابن باهلة أولى
بالحميم والخلود في نار جهنم مني وأرسل عمرو بن حريث غلاما له فاتاه بقلة
عليها منديل وقدح فصب فيه ماء وقال له اشرب فاخذ كلما شرب امتلأ
القدح دما من فمه فلا يقدر أن يشرب فعل ذلك مرة أو مرتين فلما ذهب في
الثالثة ليشرب سقطت ثناياه في القدح فقال الحمد لله لو كان لي من الرزق
المقسوم لشربته ثم أدخل على ابن زياد فلم يسلم عليه بالامرة فقال له
الحرسي سلم على الأمير فقال اسكت ويحك والله ما هو لي بأمير فقال ابن
زياد: لا عليك سلمت أم لم تسلم فإنك مقتول قال إن قتلتني فلقد قتل
من هو شر منك من هو خير مني، قال قتلني الله إن لم أقتلك قتلة لم يقتلها أحد
في الاسلام، فقال إما أنك أحق من أحدث في الاسلام ما لم يكن، وإنك لا
تدع سوء القتلة وقبح المثلة وخبث السريرة ولؤم الغلبة لاحد أولى بها
منك. فقال يا عاق يا شاق شققت عصا المسلمين وألقحت الفتنة، قال
كذبت إنما شق عصا المسلمين معاوية وابنه يزيد واما الفتنة فإنما ألفحتها أنت
وأبوك زياد بن عبيد عبد بني علاج من ثقيف، قال ايه ابن عقيل أتيت
الناس وهم جميع وأمرهم ملتئم فشتت أمرهم وفرقت كلمتهم، قال كلا
لست لذلك أتيت ولكنكم أظهرتم المنكر ودفنتم المعروف وتامرتم على
الناس بغير رضا منهم وعملتم فيهم باعمال كسرى وقيصر فاتيناهم لنامر
فيهم بالمعروف وننهى عن المنكر وندعهم إلى حكم الكتاب والسنة وكنا أهل
ذلك. فاقبل ابن زياد يشتمه ويشتم عليا والحسن والحسين وعقيلا، فقال
له مسلم: أنت وأبوك أحق بالشتيمة فاقض ما أنت قاض يا عدو الله، فقال
ابن زياد: اصعدوا به فوق القصر فاضربوا عنقه ثم اتبعوه جسده، فصعد
به وهو يكبر ويستغفر الله ويسبحه ويصلي على رسوله ص فضرب عنقه
(٥٩٢)

واتبع رأسه جثته. وقام ابن الأشعث فشفع في هاني فوعده ابن زياد ثم بدا
له فامر بهاني بعد قتل مسلم فقال أخرجوه إلى السوق فاضربوا عنقه
أخرجوه وهو مكتوف فجعل يقول وا مذحجاه ولا مذحج لي اليوم ثم جذب
يده فنزعها من الكتاف ووثبوا إليه فشدوه وثاقا وضربه مولى تركي
لعبيد الله بن زياد يقال له رشيد فقتله. قال المسعودي: وهو يصيح يا آل
مراد وهو شيخها وزعيمها وهو يومئذ يكرب في أربعة آلاف دارع وثمانية
آلاف راجل وإذا أجابتها أحلافها من كندة وغيرها كان في ثلاثين ألف دارع
فلم يجد زعيمهم منهم أحدا شللا وخذلانا وقال الشاعر يرثي هانئا ومسلما
ويذكر ما نالهما:
- إذا كنت لا تدرين ما الموت فانظري * إلى هانئ في السوق وابن عقيل -
- إلى بطل قد هشم السيف وجهه * وآخر يهوي في طمار قتيل -
- أصابهما فرخ البغي فأصبحا * أحاديث من يسعى بكل سبيل -
- تري جسدا قد غير الموت لونه * ونضح دم قد سال كل مسيل -
- فتى كان أحيا من فتاة حيية * واقطع من ذي شفرتين صقيل -
- أ يركب أسماء (١) الهماليج آمنا * وقد طلبته مذحج بذحول -
وكان خروج مسلم في الكوفة يوم الثلاثاء لثمان مضين من ذي الحجة
يوم التروية وقتله يوم الأربعاء يوم عرفة لتسع خلون منه.
خروج الحسين إلى العراق
وأمر ابن زياد بجثة مسلم وهانئ فصلبتا بالكناسة وبعث برأسيهما إلى
يزيد بن معاوية وأخبره بامرهما فأعاد يزيد الجواب إليه يشكره على فعله
وسطوته ويقول له قد بلغني أن حسينا قد سار إلى الكوفة فضع المناظر
والمسالح واحبس على الظنة وخذ على التهمة واكتب إلي في كل ما يحدث
وكان يزيد بن معاوية قد انفذ عمرو بن سعيد بن العاص من المدينة إلى
مكة في عسكر عظيم وولاه أمر الموسم وأمره على الحاج كلهم فحج بالناس
وأوصاه بقبض الحسين ع سرا وإن لم يتمكن منه يقتله غيلة وأمره أن
يناجز الحسين ع القتل إن هو ناجزه فلما كان يوم التروية قدم
عمرو بن سعيد إلى مكة في جند كثيف فلما علم الحسين ع بذلك عزم
على التوجه إلى العراق وكان قد أحرم بالحج وقد وصله قبل ذلك كتاب
مسلم بن عقيل ببيعة أهل الكوفة له فطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة
وقصر من شعره وأحل من إحرام الحج وجعلها عمرة مفردة لأنه لم يتمكن
من إتمام الحج مخافة أن يقبض عليه فخرج من مكة يوم الثلاثاء وقيل يوم
الأربعاء يوم التروية لثمان مضين من ذي الحجة فكان الناس يخرجون إلى
منى والحسين ع خارج إلى العراق ولم يكن علم بقتل مسلم بن عقيل
لأن مسلما قتل في ذلك اليوم الذي خرج فيه الحسين ع إلى العراق.
ولما عزم الحسين ع على الخروج من مكة إلى العراق قام خطيبا في
أصحابه فكان مما قال: الحمد لله وما شاء الله ولا قوة إلا بالله وصلى الله
على رسوله رضا الله رضانا أهل البيت نصبر على بلائه ويوفينا أجور
الصابرين لن تشذ عن رسول الله لحمته بل هي مجموعة له في حظيرة
القدس تقر بهم عينه وينجز بهم وعده، من كان باذلا فينا مهجته وموطنا
على لقاء الله نفسه فليرحل معنا إني راحل مصبحا إن شاء الله تعالى
وجاءه أبو بكر عمر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي فنهاه
عن الخروج إلى العراق فقال له الحسين ع: جزاك الله خيرا يا ابن عم
قد اجتهدت رأيك ومهما يقض الله يكن. وجاءه عبد الله بن عباس فنهاه
عن الخروج أيضا فقال استخير الله وانظر ما يكون ثم أتاه مرة ثانية
فأعاد عليه النهي وقال إن أبيت إلا الخروج فاخرج إلى اليمن فقال الحسين
ع يا ابن عم اني والله لاعلم أنك ناصح مشفق وقد أزمعت أجمعت
المسير ثم خرج ابن عباس فمر باب الزبير وانشد:
- يا لك من قبرة بمعمر * خلا لك الجو فبيضي واصفري -
- ونقري ما شئت أن تنقري * هذا حسين خارج فابشري -
وجاءه عبد الله بن الزبير فأشار عليه بالعراق ثم خشي أن يتهمه
فقال لو أقمت لما خالفنا عليك، فلما خرج ابن الزبير قال الحسين ع
: ان هذا ليس شئ أحب إليه من أن أخرج من الحجاز ثم
جاءه عبد الله بن عمر فأشار عليه بصلح أهل الضلال وحذره من القتل
والقتال فقال له يا أبا عبد الرحمن أ ما علمت أن من هوان الدنيا على الله أن
رأس يحيى بن زكريا أهدي إلى بغي من بغايا بني إسرائيل أ ما تعلم أن بني
إسرائيل كانوا يقتلون ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس سبعين نبيا ثم
يجلسون في أسواقهم يبيعون ويشترون كان لم يصنعوا شيئا فلم يعجل الله
عليهم بل اخذهم بعد ذلك أخذ عزيز ذي انتقام، اتق الله يا أبا عبد
الرحمن ولا تدعن نصرتي. وكان الحسين ع يقول وأيم الله لو كنت في
جحر هامة من هذه الهوام لاستخرجوني حتى يقتلوني والله ليعتدن علي كما
اعتدت اليهود في السبت والله لا يدعوني حتى يستخرجوا هذه العلقة من
جوفي فإذا فعلوا ذلك سلط الله عليهم من يذلهم حتى يكونوا أذل من فرام (٢)
المرأة وجاءه محمد بن الحنفية في الليلة التي أراد الحسين ع الخروج في
صبيحتها عن مكة فقال له يا أخي ان أهل الكوفة قد عرفت غدرهم بأبيك
وأخيك وقد خفت أن يكون حالك كحال من مضى فان رأيت أن تقيم
فإنك أعز من بالحرم وأمنعه فقال يا أخي قد خفت أن يغتالني يزيد بن
معاوية بالحرم فأكون الذي يستباح به حرمة هذا البيت فقال له ابن الحنفية.
فان خفت ذلك فصر إلى اليمن أو بعض نواحي البر فإنك امنع الناس به
ولا يقدر عليك أحد، فقال انظر فيما قلت، فلما كان السحر ارتحل الحسين
ع فبلغ ذلك ابن الحنفية فاتاه فاخذ بزمام ناقته وقد ركبها فقال يا أخي
أ لم تعدني النظر فيما سألتك قال بلى قال فما حداك على الخروج عاجلا قال
أتاني رسول الله ص بعد ما فارقتك فقال يا حسين اخرج فان الله قد شاء أن
يراك قتيلا فقال محمد بن الحنفية إنا لله وإنا إليه راجعون فما معنى حملك
هؤلاء النسوة معك وأنت تخرج على مثل هذا الحال فقال إن الله قد شاء أن
يراهن سبايا. فسلم عليه ومضى. وسمع عبد الله بن عمر بخروجه
فقدم راحلته وخرج خلفه مسرعا فأدركه في بعض المنازل فقال أين تريد يا
ابن رسول الله قال العراق قال مهلا ارجع إلى حرم جدك فابى الحسين ع
فلما رأى ابن عمر إباءه قال يا أبا عبد الله اكشف لي عن الموضع الذي كان
رسول الله ص يقبله منك فكشف الحسين ع عن سرته فقبلها ابن
عمر ثلاثا وبكى وقال استودعك الله يا أبا عبد الله فإنك مقتول في وجهك
هذا ولما خرج الحسين ع من مكة اعترضته رسل عمرو بن سعيد بن
العاص أمير الحجاز من قبل يزيد، عليهم اخوه يحيى بن سعيد ليردوه فابى

(١) هذا يدل على أن الذي جاء بهانئ إلى ابن زياد هو أسماء بن حسان بن أسماء بن خارجة كما هو
أحد الروايتين لاحسان بن أسماء.
(٢) الفرام خرقة الحيض. - المؤلف -
(٥٩٣)

عليهم وتدافع الفريقان وتضاربوا بالسياط ثم امتنع عليهم الحسين ع
وأصحابه امتناعا شديدا ومضى الحسين ع على وجهه فبادروا وقالوا يا
حسين أ لا تتقي الله تخرج من الجماعة وتفرق بين هذه الأمة فقال لي عملي
ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل وأنا برئ مما تعملون وعن علي بن
الحسين ع قال خرجنا مع الحسين ع فما نزل منزلا ولا أرتحل
منه إلا ذكر يحيى بن زكريا وقتله وكتب عمرو بن سعيد وهو والي المدينة
بأمر الحسين ع إلى يزيد فلما قرأ الكتاب تمثل بهذا البيت:
- فان لا تزر أرض العدو وتأته * يزرك عدو أو يلومنك كاشح -
ثم سار ع حتى مر بالتنعيم فلقي هناك عيرا تحمل هدية
قد بعث بها بحير بن ريسان الحميري عامل اليمن إلى يزيد بن معاوية
وعليها الورس والحلل فاخذ الهدية وقال لأصحاب الجمال من أحب أن
ينطلق معنا إلى العراق وفينا كراه وأحسنا معه صحبته ومن أحب أن يفارقنا
أعطيناه كراه ما قطع من الطريق فمضى معه قوم وامتنع آخرون فمن فارقه
أعطاه حقه ومن سار معه أعطاه كراه وكساه وإنما أخذها لأنها من مال
المسلمين ومرجع أمورهم إليه لا إلى يزيد الذي ليس أهلا للخلافة ثم
سار ع حتى أتى الصفاح فلقيه الفرزدق الشاعر وقال سبط ابن
الجوزي في تذكرة الخواص أنه لقيه ببستان بني عامر قال الفرزدق حججت
بأمي سنة ستين فبينما أنا أسوق بعيرها حتى دخلت الحرم إذ لقيت الحسين
ع خارجا من مكة معه أسيافه وأتراسه فقلت لمن هذا القطار فقيل
للحسين بن علي فاتيته وسلمت عليه وقلت له أعطاك الله سؤالك وأملك
فيما تحب بأبي أنت وأمي يا ابن رسول الله ما أعجلك عن الحج فقال لو لم
أعجل لأخذت ثم قال لي من أنت قلت رجل من العرب فلا والله ما فتشني
عن أكثر من ذلك ثم قال لي اخبرني عن الناس خلفك فقلت الخبير سالت
قلوب الناس معك وأسيافهم عليك والقضاء ينزل من السماء والله يفعل ما
يشاء فقال صدقت لله الامر من قبل ومن بعد وكل يوم هو في شأن إن نزل
القضاء بما نحب فنحمد الله على نعمائه وهو المستعان على أداء الشكر وإن
حال القضاء دون الرجاء فلم يبعد من كان الحق نيته والتقوى سيرته فقلت
له أجل بلغك الله ما تحب وكفاك ما تحذر وسألته عن أشياء من نذور
ومناسك فأخبرني بها وحرك راحلته وقال السلام عليك وألحق
عبد الله بن جعفر الحسين ع بابنيه عون ومحمد وكتب على أيديهما
كتابا يقسم عليه فيه بالرجوع ويقول إني مشفق عليك من هذا الوجه أن
يكون فيه هلاكك وإن هلكت اليوم طفئ نور الأرض فإنك علم المهتدين
وصار عبد الله إلى عمرو بن سعيد أمير المدينة فسأله أن يكتب للحسين
ع أمانا ويمنيه البر والصلة فكتب له وانفذه مع أخيه يحيى بن سعيد
فلحقه يحيى وعبد الله بن جعفر وجهدا به في الرجوع فقال إني رأيت رسول
الله ص في المنام وأمرني بما أنا ماض له فقالا له فما تلك الرؤيا قال ما
حدثت بها أحدا وما أنا محدث بها أحدا حتى القى ربي عز وجل فلما أيس
منه عبد الله بن جعفر أمر ابنيه عونا ومحمدا بلزومه والمسير معه والجهاد دونه
ورجع هو إلى مكة وسار الحسين ع نحو العراق مسرعا لا يلوي على
شئ حتى بلغ وادي العقيق فنزل ذات عرق فلقيه رجل من بني أسد
يسمى بشر بن غالب واردا من العراق فسأله عن أهلها فقال خلفت القلوب
معك والسيوف مع بني أمية فقال صدق أخو بني أسد إن الله يفعل ما يشاء
ويحكم ما يريد ولما بلغ الحسين ع إلى الحاجر من بطن الرمة كتب
كتابا إلى جماعة من أهل الكوفة منهم سليمان بن صرد الخزاعي والمسيب بن
نجبة ورفاعة بن شداد وغيرهم وأرسله مع قيس بن مسهر الصيداوي وذلك
قبل أن يعلم بقتل مسلم يقول فيه: بسم الله الرحمن الرحيم من
الحسين بن علي إلى إخوانه من المؤمنين والمسلمين سلام عليكم فاني أحمد
إليكم الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فان كتاب مسلم بن عقيل جاءني
يخبرني بحسن رأيكم واجتماع ملئكم على نصرنا والطلب بحقنا فسالت الله
أن يحسن لنا الصنيع وأن يثيبكم على ذلك أعظم الأجر وقد شخصت إليكم
من مكة يوم الثلاثاء لثمان مضين من ذي الحجة يوم التروية فإذا قدم
عليكم رسولي فانكمشوا في أمركم وجدوا فاني قادم عليكم في أيامي هذه إن
شاء الله تعالى والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته وكان مسلم بن عقيل
قد كتب إليه قبل أن يقتل بسبع وعشرين ليلة. فاقبل قيس بكتاب الحسين
ع وكان ابن زياد لما بلغه مسير الحسين ع من مكة إلى الكوفة
بعث الحصين بن تميم صاحب شرطته حتى نزل القادسية ونظم الخيل ما بين
القادسية إلى خفان وما بين القادسية إلى القطقطانة وإلى جبل لعلع قال
الناس هذا الحسين يريد العراق فلما انتهى قيس إلى القادسية اعترضه
الحصين بن تميم ليفتشه فاخرج قيس الكتاب وخرقه فحمله الحصين إلى ابن
زياد فلما مثل بين يديه قال له من أنت قال أنا رجل من شيعة أمير المؤمنين
علي بن أبي طالب وابنه قال فلما ذا خرقت الكتاب قال لئلا تعلم ما فيه قال
وممن الكتاب وإلى من قال من الحسين إلى جماعة من أهل الكوفة لا أعرف
أسماءهم فغضب ابن زياد وقال والله لا تفارقني حتى تخبرني بأسماء هؤلاء
القوم أو تصعد المنبر فتسب الحسين بن علي وأباه وأخاه وإلا قطعتك أربا
أربا فقال قيس أما القوم فلا أخبرك بأسمائهم واما سب الحسين وأبيه وأخيه
فافعل وكان قصده أن يبلغ رسالة الحسين ع إلى أهل الكوفة فصعد
قيس فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي ص وأكثر من الترحم على علي
والحسن والحسين ولعن عبيد الله بن زياد وأباه ولعن عتاة بني أمية ثم قال
أيها الناس إن هذا الحسين بن علي خير خلق الله ابن فاطمة بنت رسول الله
ص وأنا رسوله إليكم وقد خلفته بالحاجر فأجيبوه. فامر به ابن زياد فرمي
من أعلى القصر فتقطع فمات فبلغ الحسين ع قتله فاسترجع
واستعبر بالبكاء ولم يملك دمعته ثم قرأ فمنهم من قضى نحبه ومنهم من
ينتظر وما بدلوا تبديلا ثم قال جعل الله له الجنة ثوابا اللهم اجعل لنا
ولشيعتنا منزلا كريما واجمع بيننا وبينهم في مستقر من رحمتك ورغائب مذخور
ثوابك إنك على كل شئ قدير. ثم أقبل الحسين ع من الحاجر حتى
انتهى إلى ماء من مياه العرب فإذا عليه عبد الله بن مطيع العدوي وهو نازل
به فلما رأى الحسين ع قام إليه فقال بأبي أنت وأمي يا ابن رسول الله ما
أقدمك واحتمله فانزله فقال له الحسين ع: كان من موت معاوية ما قد
بلغك فكتب إلي أهل العراق يدعونني إلى أنفسهم فقال له عبد الله أذكرك
الله يا ابن رسول الله وحرمة الاسلام أن تنتهك أنشدك الله في حرمة قريش
أنشدك الله في حرمة العرب فوالله لئن طلبت ما في أيدي بني أمية ليقتلنك ولئن
قتلوك لا يهابوا بعدك أحدا أبدا والله إنها لحرمة الاسلام تنتهك وحرمة
قريش وحرمة العرب فلا تفعل ولا تأت الكوفة ولا تعرض نفسك لبني أمية
وكان عبيد الله بن زياد أمر فاخذ ما بين واقصة إلى طريق الشام إلى
طريق البصرة فلا يدعون أحدا يلج ولا أحد يخرج وأقبل الحسين ع لا
يشعر بشئ حتى لقي الاعراب فسألهم فقالوا لا والله ما ندري غير أنا لا
نستطيع أن نلج ولا نخرج فسار تلقاء وجهه وكان زهير بن القين البجلي
(٥٩٤)

قد حج في تلك السنة وكان عثمانيا فلما رجع من الحج جمعه الطريق مع
الحسين ع فحدث جماعة من فزارة وبجيلة قالوا كنا مع زهير بن
القين حين أقبلنا من مكة فكنا نساير الحسين ع فلم يكن شئ أبغض
إلينا من أن نسير معه إلى مكان واحد أو ننزل معه في منزل واحد فإذا سار
الحسين تخلف زهير بن القين وإذا نزل الحسين تقدم زهير فنزلنا يوما في منزل
لم نجد بدا من أن ننزل معه فيه فنزل هو في جانب ونزلنا في جانب آخر فبينا
نحن جلوس نتغدى من طعام لنا إذ أقبل رسول الحسين ع حتى سلم ثم
دخل فقال يا زهير إن أبا عبد الله بعثني إليك لتأتيه فطرح كل إنسان منا ما
في يده كان على رؤوسنا الطير كراهة أن يذهب زهير إلى الحسين ع قال
أبو مخنف فحدثتني دلهم بنت عمرو وهي امرأة زهير قالت: فقلت له الله
أ يبعث إليك ابن رسول الله ثم لا تأتيه سبحان الله لو أتيته فسمعت من
كلامه ثم انصرفت، فاتاه زهير على كره فما لبث أن جاء مستبشرا قد أشرق
وجهه فامر بفسطاطه وثقله ورحله فحول إلى الحسين ع ثم قال لامرأته
أنت طالق الحقي باهلك فاني لا أحب أن يصيبك بسببي إلا خير وقد
عزمت على صحبة الحسين ع لأفديه بروحي واقيه بنفسي، ثم أعطاها
مالها وسلمها إلى بعض بني عمها ليوصلها إلى أهلها، فقامت إليه وبكت
وودعته وقالت خار الله لك أسألك أن تذكرني في القيامة عند جد الحسين
ع وقال لأصحابه من أحب منكم أن يتبعني وإلا فهو آخر العهد مني،
إني سأحدثكم حديثا: إنا غزونا بلنجر وهي بلدة ببلاد الخزر ففتح الله
علينا وأصبنا غنائم ففرحنا فقال لنا سلمان الفارسي: إذا أدركتم قتال
شباب آل محمد فكونوا أشد فرحا بقتالكم معهم مما أصبتم من الغنائم،
فاما أنا فاستودعكم الله، ولزم الحسين ع حتى قتل معه.
ولما نزل الحسين ع الخزيمية أقام بها يوما وليلة ثم سار حتى
نزل الثعلبية فبات بها فلما أصبح إذا برجل من أهل الكوفة يكنى أبا هرة
الأزدي قد أتاه فسلم عليه ثم قال يا ابن رسول الله ما الذي أخرجك عن
حرم الله وحرم جدك محمد ص فقال الحسين ع ويحك يا أبا هرة إن بني
أمية أخذوا مالي فصبرت وشتموا عرضي فصبرت وطلبوا دمي فهربت وأيم
الله لتقتلني الفئة الباغية وليلبسهم الله ذلا شاملا وسيفا قاطعا وليسلطن الله
عليهم من يذلهم حتى يكونوا أذل من قوم سبا إذ ملكتهم امرأة فحكمت في
أموالهم ودمائهم وروى عبد الله بن سليم والمذري بن المشعل الأسديان
قالا لما قضينا حجنا لم يكن لنا همة إلا اللحاق بالحسين ع لننظر ما يكون
من أمره فاقبلنا ترقل بنا ناقتانا مسرعين حتى لحقناه بزرود فلما دنونا منه إذا
نحن برجل من أهل الكوفة قد عدل عن الطريق حين رأى الحسين ع
فوقف الحسين كأنه يريده ثم تركه ومضى فقال أحدنا لصاحبه إذهب بنا إلى
هذا لنسأله فان عنده خبر الكوفة فمضينا إليه فقلنا ممن الرجل قال أسدي قلنا
له ونحن أسديان، ثم قلنا له أخبرنا عن الناس من ورائك قال لم اخرج
من الكوفة حتى قتل مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة ورأيتهما يجران
بأرجلهما في السوق فاقبلنا حتى لحقنا الحسين ع فسايرناه حتى نزل
الثعلبية ممسيا فجئنا فقلنا له رحمك الله إن عندنا خبرا إن شئت حدثناك
علانية وإن شئت سرا فنظر إلينا وإلى أصحابه ثم قال ما دون هؤلاء سر
فقلنا قد والله استبرأنا لك خبره وكفيناك مسألته وهو امرؤ منا ذو رأي
وصدق وعقل وإنه حدثنا أنه لم يخرج من الكوفة حتى قتل مسلم وهانئ
ورآهما يجران في السوق بأرجلهما، فقال انا لله وإنا إليه راجعون رحمة الله
عليهما يردد ذلك مرارا فقلنا له ننشدك الله في نفسك وأهل بيتك إلا
انصرفت من مكانك هذا فإنه ليس لك بالكوفة ناصر ولا شيعة بل نتخوف
بأن يكونوا عليك، فنظر إلى بني عقيل فقال ما ترون فقد قتل مسلم؟
فقالوا والله لا نرجع حتى نصيب ثارنا أو نذوق ما ذاق، فاقبل علينا الحسين
ع وقال لا خير في العيش بعد هؤلاء فعلمنا انه قد عزم رأيه على المسير
فقلنا له خار الله لك، فقال رحمكما الله وارتج الموضع بالبكاء لقتل مسلم بن
عقيل وسالت الدموع عليه كل مسيل، فلما كان السحر قال لفتيانه وغلمانه
أكثروا من الماء فاستقوا وأكثروا وكان لا يمر بماء إلا أتبعه من عليه، ثم
ارتحلوا فسار حتى انتهى إلي زبالة فاتاه بها خبر عبد الله بن بقطر (١) وهو أخو
الحسين ع من الرضاعة (٢) قال الطبري: وكان سرحه إلى مسلم بن عقيل
من الطريق وهو لا يعلم بقتله فأخذته خيل الحصين فسيره من القادسية إلى
ابن زياد وقيل بل أرسله الحسين ع مع مسلم فلما رأى مسلم الخذلان
بعثه إلى الحسين يخبره بما انتهى إليه الامر فقبض عليه الحصين وأرسله إلى
ابن زياد فقال له ابن زياد اصعد فوق القصر والعن الكذاب ابن الكذاب
ثم انزل حتى أرى فيك فصعد فاعلم الناس بقدوم الحسين ع ولعن ابن
زياد وأباه فألقاه من القصر فتكسرت عظامه وبقي به رمق فاتاه عبد
الملك بن عمير اللحمي قاضي الكوفة فذبحه بمديته فعيب عليه فقال أردت
أن أريحه. فلما أبلغ الحسين ع خبره أخرج إلى الناس كتابا فقرأه عليهم
وفيه: بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإنه قد أتاني خبر فظيع قتل
مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة وعبد الله بن بقطر وقد خذلنا شيعتنا فمن
أحب منكم الانصراف فلينصرف في غير حرج ليس عليه ذمام. فتفرق
الناس عنه واخذوا يمينا وشمالا حتى بقي في أصحابه الذين جاءوا معه من المدينة
ونفر يسير ممن انضموا إليه، وكان اجتمع إليه مدة مقامه بمكة نفر من أهل
الحجاز ونفر من أهل البصرة وإنما فعل ذلك لعلمه بان أكثر من اتبعوه إنما
اتبعوه ظنا أنه يقدم بلدا قد استقامت له طاعة أهله فكره أن يسيروا معه الا
وهم يعلمون ما يقدمون عليه وقد علم أنه إذا بين لهم لم يصحبه إلا من
يريد مواساته والموت معه وقيل إن خبر مسلم وهانئ أتاه في زبالة
أيضا. ولقيه الفرزدق بعد ما رجع من الحج فسلم عليه وقال يا ابن رسول
الله كيف تركن إلى أهل الكوفة وهم الذين قتلوا ابن عمك مسلم بن عقيل
وشيعته فاستعبر الحسين ع باكيا ثم قال رحم الله مسلما فلقد صار إلى
روح الله وريحانه وتحياته ورضوانه أما أنه قد قضى ما عليه وبقي ما علينا
وأنشأ يقول:
- لئن تكن الدنيا تعد نفيسة * فان ثواب الله أعلى وأنبل -
- وان تكن الأبدان للموت أنشئت * فقتل امرئ بالسيف في الله أفضل -
- وان تكن الأرزاق قسما مقدرا * فقلة حرص المرء في السعي أجمل -
- وان تكن الأموال للترك جمعها * فما بال متروك به المرء يبخل -
فلما كان وقت السحر أمر الحسين ع أصحابه فاستقوا ماء
وأكثروا ثم ثار من زبالة حتى مر ببطن العقبة فنزل عليها فلقيه شيخ من بني
عكرمة وهو لوذان (٣) فسأله: أين تريد فقال له الحسين ع الكوفة فقال

(١) بالباء الموحدة كما ضبطه ابن الأثير
(٢) قيل كانت امه حاضنة للحسين (ع) ولم يكن رضع منها ولكنه سمي رضيعا له لحضانة امه له.
(٣) الذي في ارشاد المفيد يقال له عمرو بن لوذان والذي في تاريخ الطبري، ثم سار حتى مر
ببطن العقبة فنزل بها قال أبو مخنف فحدثني لوذان أحد بني عكرمة ان أحد عمومته سأل
الحسن (ع) أين تريد إلى آخره ما ذكره المفيد. وعليه فالظاهر أن صواب العبارة فلقيه شيخ
من بني عكرمة وهو عم لوذان كما ذكرناه فصحف عم بعمرو وزيد عليه يقال له عمرو،
والله أعلم.
(٥٩٥)

الشيخ أنشدك الله لما انصرفت فوالله ما تقدم إلا على الأسنة وحد السيوف
وإن هؤلاء الذين بعثوا إليك لو كانوا كفوك مؤونة القتال ووطؤوا لك
الأشياء فقدمت عليهم كان ذلك رأيا فاما على هذا الحال التي تذكر فاني لا
أرى لك أن تفعل فقال له الحسين ع يا عبد الله: ليس يخفى علي الرأي
ولكن الله تعالى لا يغلب على أمره، ثم قال ع والله لا يدعوني حتى
يستخرجوا هذه العلقة من جوفي فإذا فعلوا سلط الله عليهم من يذلهم حتى
يكونوا أذل من فرق الأمة ثم سار حتى نزلوا شراف، فلما كان في
السحر أمر فتيانه فاستقوا من الماء فأكثروا.
التقاؤه بالحر
ثم سار منها حتى انتصف النهار، فبينا هو يسير إذ كبر رجل من
أصحابه، فقال الحسين ع: الله أكبر، لم كبرت؟ قال: رأيت
النخل فقال له جماعة من أصحابه: والله إن هذا المكان ما رأينا به نخلة
قط، فقال لهم الحسين ع فما ترونه؟ قالوا نراه والله أسنة الرماح
وآذان الخيل، قال وأنا والله أرى ذلك، ثم قال ع ما لنا ملجأ
نلجأ إليه فنجعله في ظهورنا ونستقبل القوم بوجه واحد؟ فقالوا له بلى هذا
ذو حسم وهو جبل إلى جنبك فمل إليه عن يسارك فان سبقت إليه فهو كما
تريد فاخذ إليه ذات اليسار وملنا معه فما كان بأسرع من أن طلعت علينا
هوادي الخيل فتبيناها وعدلنا عن الطريق فلما رأونا عدلنا عدلوا إلينا كان
أسنتهم اليعاسيب وكان راياتهم أجنحة الطير فاستبقنا إلى ذي حسم
فسبقناهم إليه وذلك على مرحلتين من الكوفة وأمر الحسين ع بأبنيته
فضربت وجاء القوم زهاء ألف فارس مع الحر بن يزيد التميمي حتى وقف
هو وخيله مقابل الحسين في حر الظهيرة والحسين وأصحابه معتمون متقلدو
أسيافهم فقال الحسين ع لفتيانه اسقوا القوم وأرووهم من الماء
ورشفوا الخيل ترشيفا أي اسقوها قليلا فاقبلوا يملؤون القصاع والطساس
من الماء ثم يدنونها من الفرس فإذا عب فيها ثلاثا أو أربعا أو خمسا عزلت عنه
وسقوا آخر حتى سقوها عن آخرها قال علي بن الطعان المحاربي: كنت مع الحر
يومئذ فجئت في آخر من جاء من أصحابه فلما رأى الحسين ع ما بي
وبفرسي من العطش قال أنخ الراوية، والراوية عندي السقاء ثم قال يا
ابن الأخ أنخ الجمل (١) فأنخته فقال اشرب، فجعلت كلما شربت سال الماء
من السقاء فقال الحسين ع اخنث السقاء أي اعطفه فلم أدر كيف أفعل
فقام فخنثه بيده فشربت وسقيت فرسي، وقال الحسين ع للحر أ لنا أم
علينا؟ فقال بل عليك يا أبا عبد الله فقال الحسين ع: لا حول ولا قوة
إلا بالله العلي العظيم وكان مجئ الحر من القادسية وكان عبد الله بن
زياد بعث الحصين بن تميم وأمره أن ينزل القادسية ويقدم الحر بين يديه في
ألف فارس يستقبل بهم الحسين فلم يزل الحر موافقا للحسين حتى حضرت
صلاة الظهر فامر الحسين ع الحجاج بن مسروق ان يؤذن فلما حضرت
الإقامة خرج الحسين ع في إزار ورداء ونعلين فحمد الله وأثنى عليه ثم
قال أيها الناس إنها معذرة إلى الله وإليكم إني لم آتكم حتى اتتني كتبكم
وقدمت علي رسلكم أن أقدم علينا فإنه ليس لنا إمام لعل الله أن يجمعنا بك
على الهدى والحق فان كنتم على ذلك فقد جئتكم فاعطوني ما أطمئن إليه
من عهودكم ومواثيقكم وإن لم تفعلوا وكنتم لقدومي كارهين انصرفت عنكم
إلى المكان الذي جئت منه إليكم فسكتوا فقال للمؤذن أقم فأقام الصلاة
فقال للحر أ تريد أن تصلي بأصحابك قال لا بلى تصلي أنت ونصلي بصلاتك
فصلى بهم الحسين ع ثم دخل فاجتمع إليه أصحابه وانصرف الحر إلى
مكانه الذي كان فيه فدخل خيمة قد ضربت له واجتمع إليه جماعة من
أصحابه وعاد الباقون إلى صفهم الذي كانوا فيه فأعادوه ثم أخذ كل رجل
منهم بعنان دابته وجلس في ظلها فلما كان وقت العصر أمر الحسين ع
أن يتهيأوا للرحيل ففعلوا ثم أمر مناديه فنادى بالعصر وأقام فاستقدم الحسين
ع وقام فصلى ثم سلم وانصرف إليهم بوجهه فحمد الله وأثنى عليه ثم
قال أما بعد أيها الناس فإنكم إن تتقوا الله وتعرفوا الحق لأهله يكن أرضى
لله عنكم ونحن أهل بيت محمد أولى بولاية هذا الأمر عليكم من هؤلاء
المدعين ما ليس لهم والسائرين فيكم بالجور والعدوان وإن أبيتم إلا الكراهية
لنا والجهل بحقنا وكان رأيكم الآن غير ما اتتني به كتبكم وقدمت به علي
رسلكم انصرفت عنكم. فقال له الحر انا والله ما أدري ما هذه الكتب
والرسل التي تذكر فقال الحسين ع لبعض أصحابه يا عقبة بن سمعان
أخرج الخرجين اللذين فيهما كتبهم إلي فاخرج خرجين مملوءين صحفا فنثرت
بين يديه، فقال له الحر: إنا لسنا من هؤلاء الذين كتبوا إليك وقد أمرنا
إذا نحن لقيناك أن لا نفارقك حتى نقدمك الكوفة على عبيد الله، فقال له
الحسين ع: الموت أدنى إليك من ذلك، ثم قال لأصحابه قوموا فاركبوا فركبوا
وانتظر هو حتى ركبت نساؤه، فقال لأصحابه انصرفوا، فلما ذهبوا
لينصرفوا حال القوم بينهم وبين الانصراف، فقال الحسين ع للحر:
ثكلتك أمك ما تريد؟ فقال له الحر: أما لو غيرك من العرب يقولها لي وهو
على مثل الحال التي أنت عليها ما تركت ذكر امه بالثكل كائنا من كان ولكن
ما لي إلى ذكر أمك من سبيل إلا بأحسن ما أقدر عليه، فقال له الحسين
ع فما تريد؟ قال أريد أن انطلق بك إلى الأمير عبيد الله بن زياد،
فقال إذا والله لا أتبعك، فقال إذا والله لا أدعك، فترادا القول ثلاث
مرات فلما كثر الكلام بينهما قال له الحر: إني لم أؤمر بقتالك إنما أمرت أن
لا أفارقك حتى أقدمك الكوفة فإذا أبيت فخذ طريقا لا يدخلك الكوفة ولا
يردك إلى المدينة بيني وبينك نصفا حتى أكتب إلى الأمير عبيد الله بن زياد
فلعل الله أن يرزقني العافية من أن ابتلي بشئ من أمرك فخذ ههنا فتياسر
عن طريق العذيب والقادسية فتياسر الحسين وسار والحر يسايره فقال
الحسين ع ان رسول الله ص قال: من رأى سلطانا جائرا مستحلا لحرم
الله ناكثا لعهد الله مخالفا لسنة رسول الله ص يعمل في عباد الله بالاثم
والعدوان فلم يغير بقول ولا فعل كان حقا على الله أن يدخله مدخله، إلا
وأن هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان وتولوا عن طاعة الرحمن وأظهروا الفساد
وعطلوا الحدود واستأثروا بالفئ وأحلوا حرام الله وحرموا حلاله وإني بهذا
الأمر وقد اتتني كتبكم وقدمت علي رسلكم ببيعتكم أنكم لا تسلموني ولا
تخذلوني فان وفيتم لي ببيعتكم فقد أصبتم حظكم ورشدكم وانا الحسين بن
علي ابن فاطمة بنت رسول الله ص ونفسي مع أنفسكم وأهلي وولدي مع
أهاليكم وأولادكم ولكم بي أسوة وإن لم تفعلوا ونقضتم عهدي وخلعتم
بيعتي فلعمري ما هي منكم بنكر لقد فعلتموها بأبي وأخي وابن عمي
مسلم بن عقيل والمغرور من اغتر بكم فحظكم أخطأتم ونصيبكم ضيعتم
ومن نكث فإنما ينكث على نفسه وسيغني الله عنكم والسلام فقال له الحر
أذكرك الله في نفسك فاني أشهد لئن قاتلت لتقتلن فقال له الحسين ع:
أ فبالموت تخوفني وهل يعدو بكم الخطب ان تقتلوني وسأقول كما قال أخو

(١) الرواية في لسان أهل الحجاز اسم للجمل الذي يستقي عليه وفي لسان أهل العراق اسم
للسقاء الذي فيه الماء فلذلك لم يفهم مراد الحسين عليه السلام حتى قال له أنخ الجمل.
(٥٩٦)

الأوس لابن عمه وهو يريد نصرة رسول الله ص فخوفه ابن عمه وقال أين
تذهب إنك مقتول فقال:
- سامضي وما بالموت عار على الفتى * إذا ما نوى حقا وجاهد مسلما -
- وواسى الرجال الصالحين بنفسه * وفارق مثبورا وودع مجرما -
- أقدم نفسي لا أريد بقاءها * لتلقى خميسا في الوغى وعرمرما -
- فان عشت لم أندم وإن مت لم ألم * كفى بك ذلا إن تعيش وترغما -
- فلما سمع الحر ذلك تنحى عنه وجعل يسير ناحية عن الحسين ع ولم يزل الحسين سائرا حتى انتهوا إلى عذيب الهجانات فإذا هم
بأربعة نفر قد ابلوا من الكوفة لنصرة الحسين على رواحلهم وهم عمرو بن
خالد الصيداوي ومجمع العائذي وابنه وجنادة بن الحارث السلماني ومعهم
غلام لنافع بن هلال الجملي، وهو يجنب فرسا لنافع يقال له الكامل وكان
نافع خرج إلى الحسين ع قبلهم فلقيه في الطريق واوصى ان يتبع بفرسه
المسمى بالكامل ومعهم دليل يقال له الطرماح بن عدي الطائي على فرسه
وكان قد أمتار لأهله من الكوفة ميرة فخرج بهم على غير الطريق حتى إذا
قاربوا الحسين ع حدا بهم الطرماح فقال:
- يا ناقتي لا تذعري من زجري * وشمري قبل طلوع الفجر -
- بخير ركبان وحير سفر * حتى تحلي بكريم النجر -
- الماجد الحر الرحيب الصدر * أتى به الله لخير أمر -
ثمة أبقاه بقاء الدهر
فلما وصلوا إلى الحسين ع أراد الحر حبسهم أو ردهم إلى الكوفة
فمنعه الحسين ع من ذلك وقال: لأمنعنهم مما امنع منه نفسي انما هؤلاء
أنصاري وهم بمنزلة من جاء معي فان بقيت على ما كان بيني وبينك وإلا
ناجزتك فكف الحر عنهم، ثم سألهم الحسين ع عن خبر الناس فقالوا
اما الاشراف فقد استمالهم ابن زياد بالأموال فهم إلب واحد عليك واما
سائر الناس فأفئدتهم لك وسيوفهم مشهورة عليك قال فهل لكم علم
برسولي قيس بن مسهر؟ قالوا نعم قتله ابن زياد، فترقرقت عينا الحسين
ع ولم يملك دمعته ثم قال منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما
بدلوا تبديلا اللهم اجعل لنا ولهم الجنة نزلا واجمع بيننا وبينهم في مستقر من
رحمتك ورغائب مذخور ثوابك وقال له الطرماح بن عدي أذكرك الله في
نفسك لا يغرنك أهل الكوفة فوالله ان دخلتها لتقتلن واني لأخاف ان لا
تصل إليها وما أرى معك كثير أحد ولو لم يقاتلك إلا هؤلاء لكفى ولقد
رأيت قبل خروجي من الكوفة جمعا عظيما يريدون المسير إليك فأنشدك
الله ان قدرت ان لا تقدم إليهم شبرا فافعل وطلب منه ان يذهب معه إلى
بلاد قومه حتى يرى رأيه وان ينزل جبلهم أجا ويبعث إلى من باجا وسلمى
وهما جبلان لطئ فجزاه الحسين ع وقومه خيرا وقال له إن بيننا وبين
القوم قولا لا نقدر معه على الانصراف، فان يدفع الله عنا فقديما ما أنعم
علينا وكفى وان يكن ما لا بد منه ففوز وشهادة ان الله، وسار الطرماح مع
الحسين ع ثم ودعه ووعده ان يوصل الميرة لأهله ويعود لنصره فلما عاد
بلغه خبر قتله في عذيب الهجانات فرجع وفي رواية ان الحسين ع قال
لأصحابه هل فيكم أحد يعرف الطريق على غير الجادة فقال الطرماح بن عدي
نعم يا ابن رسول الله انا أخبر الطريق قال سر بين أيدينا فسار الطرماح
امامهم وجعل يرتجز (١):
- يا ناقتي لا تذعري من زجر * وامضي بنا قبل طلوع الفجر -
- بخير فتيان وخير سفر * آل رسول الله آل الفخر -
- السادة البيض الوجوه الزهر * الطاعنين بالرماح السمر -
- الضاربين بالسيوف البتر * حتى تحلي بكريم النجر -
- الماجد الجد الرحيب الصدر * أصابه الله بخير أمر -
- عمره الله بقاء الدهر * يا مالك النفع معا والضر -
- أيد حسينا سيدي بالنصر * على الطغاة من بقايا الكفر -
- على اللعينين سليلي صخر * يزيد لا زال حليف الخمر -
- وابن زياد العهر بن العهر -
روائع البطولة
ولم يزل الحسين ع سائرا حتى انتهى إلى قصر بني مقاتل
فنزل به فلما كان آخر الليل أمر فتيان فاستقوا من الماء ثم أمر بالرحيل
فارتحل من قصر بني مقاتل ليلا. قال عقبة بن سمعان فسرنا معه ساعة
فخفق وهو على ظهر فرسه خفقة ثم انتبه وهو يقول إنا لله وانا إليه راجعون
والحمد لله رب العالمين ففعل ذلك مرتين أو ثلاثا فاقبل إليه ابنه علي الأكبر (٢)
فقال يا أبه جعلت فداك مم حمدت واسترجعت قال يا بني اني خفقت خفقة
فعن لي فارس على فرس وهو يقول القوم يسيرون والمنايا إليهم فعلمت
انها أنفسنا نعيت إلينا فقال له يا أبة لا أراك الله سوءا أ لسنا على الحق؟ قال
بلى والذي إليه مرجع العباد، قال إذا لا نبالي ان نموت محقين. فقال له
الحسين ع: جزاك الله من ولد خير ما جزى ولدا عن والده.
فلما أصبح نزل فصلى الغداة ثم عجل الركوب فاخذ يتياسر
بأصحابه يريد أن يفر بهم فيأتيه الحر فيرده وأصحابه فجعل إذا ردهم نحو
الكوفة ردا شديدا امتنعوا عليه وارتفعوا فلم يزالوا يتياسرون كذلك حتى
انتهوا إلى نينوى فإذا راكب على نجيب له عليه السلاح متنكب قوسا مقبل
من الكوفة وهو مالك بن النسر الكندي فوقفوا جميعا ينتظرونه فلما انتهى
إليهم سلم على الحر وأصحابه ولم يسلم على الحسين ع وأصحابه
ودفع إلى الحر كتابا من ابن زياد فإذا فيه: أما بعد فجعجع بالحسين اي
ضيق عليه حين يبلغك كتابي ويقدم عليك رسولي فلا تنزله الا بالعراء في
غير حصن وعلى غير ماء وقد امرت رسولي ان يلزمك فلا يفارقك حتى يأتيني
بانفاذك أمري والسلام. فعرض لهم الحر أصحابه ومنعوهم من السير
واخذهم الحر بالنزول في ذلك المكان على غير ماء ولا قرية فقال له الحسين
ع ألم تامرنا بالعدول عن الطريق قال بلى ولكن كتاب الأمير عبيد الله قد
وصل يأمرني فيه بالتضييق عليك وقد جعل علي عينا يطالبني بذلك فنظر
يزيد بن زياد بن مهاصر الكندي وكان خرج إلى الحسين ع من الكوفة
قبل أن يلاقيه الحر إلى رسول ابن زياد فعرفه فقال له ثكلتك أمك ماذا
جئت به قال أطعت امامي ووفيت ببيعتي فقال له ابن مهاصر بل عصيت

(١) هكذا ذكرت هذه الأبيات في لواعج الاشجان ولا أعلم الآن من أين نقلتها وقوله حتى تحلي
بالحاء المهملة يدل على أنه قالها قبل وصوله إلى الحسين (ع) ورسمها تجلي بالجيم تصحيف
والذي ذكره الطبري ان الطرماح قال الأبيات السابقة قبل وصولهم إلى الحسين فلما انتهوا
إليه انشدوه إياها لكن بدون زيادة على ما تقدم فإن صحت الزيادة فالظاهر أن الطرماح لما
انشدها ثانيا زاد عليها ولعل الزيادة من غيره والله أعلم.
(٢) كان للحسين ولدان باسم علي وهذا الأكبر اما الأصغر فهو الملقب زين العابدين.
(٥٩٧)

ربك وأطعت امامك في هلاك نفسك وكسبت العار والنار وبئس الامام
امامك قال الله تعالى وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار فامامك منهم،
فقال الحسين ع للحر دعنا ويحك ننزل هذه القرية أو هذه يعني نينوى
والغاضرية أو هذه يعني شفية فقال لا أستطيع هذا رجل قد بعث علي
عينا.
فقال زهير بن القين للحسين ع اني والله لا أرى أن يكون بعد الذي
ترون إلا أشد مما ترون يا ابن رسول الله ان قتال هؤلاء الساعة أهون علينا
من قتال من يأتينا بعدهم فلعمري ليأتينا من بعدهم ما لا قبل لنا به فقال
الحسين ع ما كنت لأبدأهم بالقتال فقال له سر بنا إلى هذه القرية حتى
ننزلها فإنها حصينة وهي على شاطئ الفرات فان منعونا قاتلناهم فقتالهم
أهون علينا من قتال من يجئ بعدهم فقال الحسين ع ما هي؟ قال
العقر، قال اللهم إني أعوذ بك من العقر، قال له فسر بنا يا ابن رسول
الله حتى ننزل كربلاء فإنها على شاطئ الفرات فنكون هناك فان قاتلونا
قاتلناهم واستعنا الله عليهم، قال فدمعت عينا الحسين ع ثم
قال: اللهم إني أعوذ بك من الكرب والبلاء. ثم خطب أصحابه وقيل إنه
خطب هذه الخطبة بذي حسم وقيل في كربلاء فحمد الله وأثنى عليه
وقال: انه قد نزل بنا من الأمر ما قد ترون وان الدنيا تغيرت وتنكرت
وادبر معروفها واستمرت حذاء ولم يبق منها الا صبابة كصبابة الاناء
وخسيس عيش كالمرعى الوبيل أ لا ترون إلى الحق لا يعمل به وإلى الباطل
لا يتناهى عنه ليرغب المؤمن في لقاء ربه محقا فاني لا أرى الموت إلا سعادة
والحياة مع الظالمين إلا برما.
فقام زهير بن القين فقال: قد سمعنا هداك الله يا ابن رسول الله
مقاتلك ولو كانت الدنيا لنا باقية وكنا فيها مخلدين لآثرنا النهوض معك على
الإقامة فيها ووثب نافع بن هلال الجملي فقال والله ما كرهنا لقاء ربنا
وانا على نياتنا وبصائرنا نوالي من والاك ونعادي من عاداك وقام برير بن
خضير فقال والله يا ابن رسول الله لقد من الله بك علينا أن نقاتل بين يديك
وتقطع فيك أعضاؤنا ثم يكون جدك شفيعنا يوم القيامة.
وصوله كربلاء
ثم إن الحسين ع قام وركب وكلما أراد المسير يمنعونه تارة
ويسايرونه أخرى حتى بلغ كربلاء يوم الخميس الثاني من المحرم سنة إحدى
وستين فلما وصلها قال ما اسم هذه الأرض؟ فقيل كربلاء فقال اللهم إني
أعوذ بك من الكرب والبلاء. ثم أقبل على أصحابه فقال: الناس عبيد الدنيا
والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درت معايشهم فإذا محصوا بالبلاء قل
الديانون، ثم قال: أ هذه كربلاء قالوا نعم يا ابن رسول الله فقال هذا
موضع كرب وبلاء، أنزلوا، هاهنا مناخ ركابنا ومحط رحالنا ومقتل رجالنا
ومسفك دمائنا، فنزلوا جميعا ونزل الحر وأصحابه ناحية. ثم إن الحسين
ع جمع ولده وإخوته وأهل بيته ثم نظر إليهم فدمعت عيناه ثم قال:
اللهم انا عترة نبيك محمد ص وقد ازعجنا وطردنا وأخرجنا عن حرم جدنا
وتعدت بنو أمية علينا اللهم فخذ لنا بحقنا وانصرنا على القوم الظالمين
وكتب الحر إلى عبيد الله بن زياد يعلمه بنزول الحسين بكربلاء، فكتب
ابن زياد إلى الحسين أما بعد فقد بلغني يا حسين نزولك بكربلاء وقد كتب
إلي أمير المؤمنين يزيد ان لا أتوسد الوثير ولا أشبع من الخمير أو ألحقك
باللطيف الخبير أو ترجع إلى حكمي وحكم يزيد والسلام فلما قرأ
الحسين الكتاب ألقاه من يده وقال لا أفلح قوم اشتروا مرضاة المخلوق
بسخط الخالق، فقال له الرسول الجواب يا أبا عبد الله فقال له ما عندي
جواب فرجع الرسول إلى ابن زياد فأخبره فاشتد غضبه وجهز إليه العساكر
وجمع الناس في مسجد الكوفة وخطبهم ومدح يزيد وأباه وذكر حسن سيرتهما
ووعد بتوفير العطاء وزادهم في عطائهم مائة مائة وأمر بالخروج إلى حرب
الحسين ع.
مجئ ابن سعد لقتاله
فلما كان من الغد وهو اليوم الثالث من المحرم قدم عمر بن سعد بن
أبي وقاص في أربعة آلاف وكان ابن زياد قد ولاه الري وأرسل معه أربعة
آلاف لقتال الديلم فلما جاء الحسين ع قال له سر إليه فإذا فرغت فسر
إلى عملك فاستعفاه فقال نعم إلى أن ترد إلينا عهدنا فاستمهله واستشار
نصحاءه فنهوه عن ذلك فبات ليلته مفكرا فسمعوه وهو يقول:
- دعاني عبيد الله من دون قومه * إلى خطة فيها خرجت لحيني -
- فوالله لا أدري واني لواقف * أفكر في أمري على خطرين -
- أ أترك ملك الري والري رغبة * أم أرجع مذموما بقتل حسين -
- وفي قتله النار التي ليس دونها * حجاب وملك الري قرة عين -
وجاءه حمزة بن المغيرة بن شعبة وهو ابن أخته فقال له أنشدك الله يا
خال ان تسير إلى الحسين فتأثم عند ربك وتقطع رحمك فوالله لأن تخرج من
دنياك ومالك وسلطان الأرض كلها لو كان لك خير لك من أن تلقى الله
بدم الحسين فقال له ابن سعد اني أفعل إن شاء الله وجاء ابن سعد إلى
ابن زياد فقال إنك وليتني هذا العمل يعني الري وتسامع به الناس فان
رأيت أن تنفذ لي ذلك وتبعث إلى الحسين من أشراف الكوفة من لست خيرا
منه وسمى له أناسا فقال له ابن زياد لست أستشيرك في من أبعث إن سرت
بجندنا وإلا فابعث إلينا بعهدنا قال فاني سائر وقبل ان يحارب الحسين
ع. وسار ابن سعد إلى قتال الحسين ع بالأربعة الآلاف
التي كانت معه وانضم إليه الحر وأصحابه فصار في خمسة آلاف ثم
جاءه شمر في أربعة آلاف ثم اتبعه ابن زياد بيزيد بن ركاب الكلبي في
ألفين والحصين بن تميم السكوني في أربعة آلاف وفلان المازني في ثلاثة آلاف
ونصر ابن فلان في ألفين، فذلك عشرون ألف فارس تكملت عنده إلى
ست ليال خلون من المحرم، وبعث كعب بن طلحة في ثلاثة آلاف
وشبث بن ربعي الرياحي في ألف وحجار بن أبجر في ألف فذلك خمسة
وعشرون ألفا وما زال يرسل إليه بالعساكر حتى تكامل عنده ثلاثون ألفا ما
بين فارس وراجل. هكذا ذكره المفيد في الارشاد وهو المروي عن الصادق
ع وقال الطبري في التاريخ اقبل ابن سعد في أربعة آلاف من أهل
الكوفة حتى نزل بالحسين وقال سبط بن الجوزي في تذكرة الخواص كان
ابن زياد قد جهز عمر بن سعد لقتال الحسين في أربعة آلاف وجهز خمسمائة
فارس فنزلوا على الشرائع وقال المسعودي كان جميع من حضر مقتل الحسين
من أهل الكوفة خاصة. ثم قال الطبري: ان أصحاب ابن سعد كانوا
ستة آلاف مقاتل.
أقول كلام سبط بن الجوزي ليس في دلالة على أن جميع
أصحاب ابن سعد كانوا أربعة آلاف لأن الذين جاءوا معه كانوا أربعة
(٥٩٨)

آلاف في جميع الروايات ثم اتبعه ابن زياد ببقية العسكر كما قال المفيد
وانضم إليه الحر بمن معه والقول بأنهم كانوا ستة آلاف مردود بما مر عن
المفيد والمثبت مقدم على النافي ثم كتب إليه اني لم أجعل لك علة في كثرة
الخيل والرجال فانظر لا أصبح ولا أمسي إلا وخبرك عندي غدوة وعشية وكان
يستحثه لستة أيام مضين من المحرم وأراد ابن سعد ان يبعث إلى الحسين
رسولا يسأله ما الذي جاء به فعرض ذلك على جماعة من الرؤساء فكلهم
أبى استحياء من الحسين ع لأنهم كاتبوه فقام إليه كثير بن عبد الله
الشعبي وكان فارسا شجاعا لا يرد وجهه شئ فقال انا أذهب إليه والله إن
شئت لأفتكن به فقال عمر ما أريد أن تفتك به ولكن اذهب فسله ما الذي
جاء به فاقبل فلما رآه أبو ثمامة الصائدي قال للحسين ع أصلحك الله يا
أبا عبد الله قد جاءك شر أهل الأرض وأجرأه على دم وأفتكه وقام إليه فقال له
ضع سيفك قال لا والله ولا كرامة انما انا رسول فإن سمعتم مني والا
انصرفت قال فاخذ بقائم سيفك ثم تكلم قال لا والله لا تمسه قال اخبرني
بما جئت به وأنا ابلغه عنك ولا أدعك تدنو منه فإنك فاجر فاستبا وانصرف
إلى عمر بن سعد فأخبره فأرسل قرة بن قيس الحنظلي، فلما رآه الحسين
ع مقبلا قال أ تعرفون هذا؟ قال حبيب بن مظاهر نعم هذا رجل من
حنظلة تميم وهو ابن أختنا وقد كنت اعرفه بحسن الرأي وما كنت أراه
يشهد هذا المشهد فجاء حتى سلم على الحسين ع وبلغه رسالة عمر بن
سعد فقال له الحسين ع كتب إلي أهل مصركم هذا ان أقدم فاما إذا
كرهتموني فاني انصرف عنكم فقال له حبيب بن مظاهر ويحك يا قرة أين
ترجع إلى القوم الظالمين أنصر هذا الرجل الذي بآبائه أيدك الله بالكرامة
فقال له ارجع إلى صاحبي بجواب رسالته وأرى رأيي فانصرف إلى ابن
سعد فأخبره فقال أرجو أن يعافيني الله من أمره وكتب إلى ابن زياد بذلك فلما
قرأ الكتاب قال:
- الآن إذ علقت مخالبنا به * يرجو النجاة ولات حين مناص -
ثم كتب إلى ابن سعد ان اعرض على الحسين أن يبايع ليزيد هو وجميع أصحابه فإذا هو
فعل ذلك رأينا رأينا فقال ابن سعد قد خشيت أن لا
يقبل ابن زياد العافية.
منعه من الماء
وورد كتاب ابن زياد في الأثر إلى ابن سعد ان حل بين الحسين
وأصحابه وبين الماء فلا يذوقوا منه قطرة كما صنع بالتقي الزكي عثمان بن
عفان فبعث عمر في الوقت عمرو بن الحجاج في خمسمائة فارس فنزلوا على
الشريعة وحالوا بين الحسين ع وأصحابه وبين الماء ومنعوهم ان
يستقوا منه قطرة وذلك قبل قتل الحسين ع بثلاثة أيام. فلما اشتد
العطش على الحسين ع وأصحابه أمر أخاه العباس بن علي ع
فسار في عشرين رجلا يحملون القرب وثلاثين فارسا فجاءوا حتى دنوا من
الماء ليلا وأمامهم نافع بن هلال الجملي يحمل اللواء، فقال عمرو بن
الحجاج من الرجل؟ قال نافع، قال ما جاء بك؟ قال: جئنا نشرب من
هذا الماء الذي حلأتمونا عنه، قال فاشرب هنيئا، قال لا والله لا أشرب
منه قطرة والحسين عطشان هو وأصحابه، فقالوا لا سبيل إلى سقي هؤلاء
إنما وضعنا بهذا المكان لنمنعهم الماء فقال نافع لرجاله املؤوا قربكم
فملئوها، وثار إليهم عمرو بن الحجاج وأصحابه فحمل عليهم العباس
ونافع بن هلال فكشفوهم واقبلوا بالماء، ثم عاد عمرو بن الحجاج
وأصحابه وأرادوا ان يقطعوا عليهم الطريق فقاتلهم العباس وأصحابه حتى
ردوهم وجاءوا بالماء إلى الحسين ع، وقال سبط بن الجوزي انهم
اقتتلوا على الماء ولم يمكنوهم من الوصول إليه وضيق القوم على الحسين
ع حتى نال منه العطش ومن أصحابه، فقال له برير بن خضير الهمداني
يا ابن رسول الله أ تأذن لي أن اخرج إلى القوم فاذن له فخرج إليهم فقال:
يا معشر الناس إن الله عز وجل بعث محمدا بالحق بشيرا ونذيرا وداعيا إلى
الله باذنه وسراجا منيرا وهذا ماء الفرات تقع فيه خنازير السواد وكلابه وقد
حيل بينه وبين ابنه، فقالوا: يا برير قد أكثرت الكلام فاكفف والله
ليعطش الحسين كما عطش من كان قبله، فقال الحسين ع اقعد يا برير
ثم وثب الحسين ع متوكئا على قائم سيفه ونادى أعلى صوته فقال
أنشدكم الله هل تعرفونني قالوا نعم أنت ابن رسول الله ص وسبطه قال
أنشدكم الله هل تعلمون ان جدي رسول الله ص قالوا اللهم نعم قال
أنشدكم الله هل تعلمون ان أمي فاطمة بنت محمد ص قالوا اللهم نعم قال
أنشدكم الله هل تعلمون ان أبي علي بن أبي طالب ع قالوا اللهم نعم قال
أنشدكم الله هل تعلمون ان جدتي خديجة بنت خويلد أول نساء هذه الأمة
اسلاما قالوا اللهم نعم قال أنشدكم الله هل تعلمون ان سيد الشهداء حمزة
عم أبي قالوا اللهم نعم قال فأنشدكم الله هل تعلمون ان هذا سيف رسول
الله ص انا متقلده قالوا اللهم نعم قال أنشدكم الله هل تعلمون ان هذه
عمامة رسول الله ص انا لابسها قالوا اللهم نعم قال أنشدكم الله هل تعلمون
ان عليا كان أول القوم اسلاما وأعلمهم علما وأعظمهم حلما وانه ولي كل
مؤمن ومؤمنة قالوا اللهم نعم قال فيم تستحلون دمي وأبي الذائد عن
الحوض يذود عنه رجالا كما يذاد البعير الصاد (١) عن الماء ولواء الحمد في يد
أبي يوم القيامة قالوا قد علمنا ذلك كله ونحن غير تاركيك حتى تذوق
الموت عطشا فلما خطب هذه الخطبة وسمع بناته وأخواته كلامه بكين
وارتفعت أصواتهن فوجه إليهن أخاه العباس وعليا ابنه وقال لهما اسكتاهن
فلعمري ليكثرن بكاؤهن.
المراسلة بينه وبين ابن سعد
وأرسل الحسين ع إلى عمر بن سعد مع عمرو بن قرظة
الأنصاري اني أريد ان أكلمك فالقني الليلة بين عسكري وعسكرك فخرج
إليه ابن سعد في عشرين وخرج الحسين ع في مثلها فامر الحسين ع
أصحابه فتنحوا وبقي معه أخوه العباس وابنه علي الأكبر وأمر ابن سعد
أصحابه فتنحوا وبقي معه ابنه حفص وغلام له فقال له الحسين ع
ويلك يا ابن سعد أ ما تتقي الله الذي إليه معادك أ تقاتلني وانا ابن من
علمت ذر هؤلاء القوم وكن معي فإنه أقرب لك إلى الله فقال ابن سعد
أخاف أن تهدم داري فقال الحسين أنا ابنيها لك فقال أخاف أن تؤخذ
ضيعتي فقال الحسين أنا اخلف عليك خيرا منها من مالي بالحجاز فقال لي
عيال وأخاف عليهم ثم سكت ولم يجبه إلى شئ فانصرف عنه الحسين وهو
يقول ما لك ذبحك الله على فراشك عاجلا ولا غفر لك يوم حشرك فوالله
إني لأرجو أن لا تأكل من بر العراق إلا يسيرا فقال: في الشعير كفاية عن
البر مستهزئا بذلك القول وأرسل إليه مرة أخرى إني أريد أن ألقاك فاجتمعا

(١) الصاد بلفظ حرف الهجاء البعير الذي اصابه الصيد وهو داء يلوي العنق كذا في الفائق
للزمخشري.
(٥٩٩)

ليلا بين العسكرين وتناجيا طويلا والتقى الحسين وعمر بن سعد مرارا ثلاثا
أو أربعا ثم كتب عمر إلى ابن زياد اما بعد فان الله قد أطفأ النائرة وجمع
الكلمة وأصلح أمر الأمة هذا الحسين قد أعطاني ان يرجع إلى المكان الذي
منه اتى أو أن يسير إلى ثغر من الثغور فيكون رجلا من المسلمين له ما لهم
وعليه ما عليهم أو أن يأتي أمير المؤمنين يزيد فيضع يده في يده فيرى فيما
بينه وبينه رأيه وفي هذا لك رضا وللأمة صلاح وعن عقبة بن سمعان
أنه قال والله ما أعطاهم الحسين ع أن يضع يده في يد يزيد ولا أن يسير
إلى ثغر من الثغور ولكنه قال دعوني أرجع إلى المكان الذي أقبلت منه أو
أذهب في هذه الأرض العريضة قال فلما قرأ ابن زياد الكتاب قال هذا
كتاب ناصح لأميره مشفق على قومه فقام إليه شمر بن ذي الجوشن وقال
أ تقبل هذا منه وقد نزل بأرضك وإلى جنبك والله لئن رحل من بلادك ولم
يضع يده في يدك ليكونن أولي بالقوة والعزة ولتكونن أولى بالضعف والعجز
ولكن لينزل على حكمك هو وأصحابه فان عاقبت فأنت أولى بالعقوبة وأن
عفوت كان ذلك لك فقال له ابن زياد نعم ما رأيت الرأي رأيك اخرج بهذا
الكتاب إلى عمر بن سعد فليعرض على الحسين وأصحابه النزول على
حكمي فإذا فعلوا فليبعث بهم إلي سلما وان أبوا فليقاتلهم فان فعل فاسمع
له وأطع وان أبى فأنت أمير الجيش فاضرب عنقه وابعث إلي برأسه وكتب
إلى ابن سعد اني لم أبعثك إلى الحسين لتكف عنه ولا لتطاوله ولا لتمنيه
السلامة والبقاء ولا لتعتذر عنه ولا لتكون له عندي شافعا انظر فان نزل
حسين وأصحابه على حكمي واستسلموا فابعث بهم لي سلما وان أبوا
فازحف إليهم حتى تقتلهم وتمثل بهم فإنهم لذلك مستحقون فان قتلت
حسينا فاوطئ الخيل صدره وظهره فإنه عاق شاق قاطع ظلوم ولست أرى
أن هذا يضر بعد الموت شيئا ولكن على قول قد قتله لو قد قتلته لفعلت
هذا به فان أنت مضيت لامرنا جزيناك جزاء السامع المطيع وإن أبيت
فاعتزل عملنا وجندنا وخل بين شمر بن ذي الجوشن وبين العسكر فانا قد
أمرناه بامرنا والسلام فلما قرأ ابن سعد الكتاب قال له ما لك ويلك لا قرب
الله دارك وقبح الله ما قدمت به علي والله اني لأظنك أنت نهيته ان يقبل ما
كتبت به إليه وأفسدت علينا أمرا كنا قد رجونا أن يصلح لا يستسلم والله
حسين ان نفس أبيه لبين جنبيه فقال له شمر بن ذي الجوشن اخبرني بما
أنت صانع أ تمضي لأمر أميرك وتقاتل عدوه والا فخل بيني وبين الجند
والعسكر قال لا ولا كرامة لك ولكن أنا أتولى ذلك فدونك فكن أنت على
الرجالة ونهض عمر بن سعد إلى الحسين ع عشية يوم الخميس
لتسع مضين من المحرم وجاء شمر حتى وقف على أصحاب الحسين
ع فقال أين بنو أختنا يعني العباس وجعفر وعبد الله وعثمان أبناء علي
ع فقال الحسين ع أجيبوه وإن كان فاسقا فإنه بعض أخوالكم،
وذلك أن أمهم أم البنين كانت من بني كلاب وشمر من بني كلاب، فقالوا
له ما تريد؟ فقال لهم: أنتم يا بني أختي آمنون فلا تقتلوا أنفسكم مع
اخيكم الحسين والزموا طاعة يزيد، فقالوا له لعنك الله ولعن أمانك أ تؤمننا
وابن رسول الله لا أمان له، وناداه العباس ابن أمير المؤمنين ع
تبت يداك ولعن ما جئتنا به من أمانك يا عدو الله أ تامرنا ان نترك أخانا
وسيدنا الحسين بن فاطمة وندخل في طاعة اللعناء وأولاد اللعناء، فرجع
الشمر إلى عسكره مغضبا وكان ابن خالهم عبد الله بن أبي المحل بن
حرام وقيل جرير بن عبد الله بن مخلد الكلابي قد اخذ لهم أمانا من ابن زياد
وأرسله إليهم مع مولى له وذلك أن أمهم أم البنين بنت حرام زوجة علي
ع هي عمة عبد الله هذا فلما رأوا الكتاب قالوا لا حاجة لنا في أمانكم
أمان الله خير من أمان ابن سمية ثم نادى عمر بن سعد يا خيل الله
اركبي وبالجنة أبشري فركب الناس ثم زحف نحوهم بعد العصر والحسين
ع جالس امام بيته محتب بسيفه إذ خفق برأسه على ركبتيه فسمعت أخته
زينب الصيحة فدنت من أخيها فقالت يا أخي أ ما تسمع هذه الأصوات قد
اقتربت فرفع الحسين ع رأسه فقال اني رأيت رسول الله ص الساعة في
المنام فقال إنك تروح إلينا فلطمت أخته وجهها ونادت بالويل فقال لها
الحسين ع ليس لك الويل يا أخية اسكتي رحمك الله وفي رواية انه
ع جلس فرقد ثم استيقظ وقال يا أختاه رأيت الساعة جدي
محمدا وأبي عليا وأمي فاطمة وأخي الحسن وهم يقولون يا حسين انك رائح
إلينا عن قريب وقال له العباس يا أخي اتاك القوم فنهض ثم قال يا
عباس اركب أنت حتى تلقاهم وتقول لهم ما بالكم وما بدا لكم وتسألهم عما
جاء بهم فاتاهم في نحو عشرين فارسا فيهم زهير بن القين وحبيب بن
مظاهر فسألهم فقالوا قد جاء أمر الأمير ان نعرض عليكم ان تنزلوا على
حكمه أو نناجزكم قال فلا تعجلوا حتى ارجع إلى أبي عبد الله فاعرض عليه
ما ذكرتم فوقفوا ورجع العباس إليه بالخبر ووقف أصحابه يخاطبون القوم
ويعظونهم ويكفونهم عن قتال الحسين ع فلما اخبره العباس بقولهم قال
له ارجع إليهم فان استطعت ان تؤخرهم إلى غدوة وتدفعهم عنا العشية
لعلنا نصلي لربنا الليلة وندعوه ونستغفره فهو يعلم اني كنت أحب الصلاة له
وتلاوة كتابه وكثرة الدعاء والاستغفار وأراد الحسين ع أيضا ان يوصي
أهله فسألهم العباس ذلك فتوقف ابن سعد فقاح له عمرو بن الحجاج
الزبيدي سبحان الله والله لو أنهم من الترك أو الديلم وسألونا مثل ذلك
لأجبناهم فكيف وهم آل محمد وقال له قيس بن الأشعث بن قيس أجبهم
لعمري ليصبحنك بالقتال.
الأبطال
فأجابوهم إلى ذلك فجمع الحسين ع أصحابه عند قرب المساء
قال زين العابدين ع فدنوت منه لأسمع ما يقول لهم وانا إذ
ذاك مريض فسمعت أبي يقول لأصحابه: اثني على الله أحسن الثناء واحمده
على السراء والضراء اللهم إني أحمدك على أن أكرمتنا بالنبوة وعلمتنا القرآن
وفقهتنا في الدين وجعل لنا اسماعا وابصارا وأفئدة فاجعلنا لك من
الشاكرين أما بعد فاني لا أعلم أصحابا أوفى ولا خيرا من أصحابي ولا
أهل بيت أبر ولا أوصل من أهل بيتي فجزاكم الله عني خيرا ألا واني لأظن
يوما لنا من هؤلاء ألا وإني قد أذنت لكم فانطلقوا جميعا في حل ليس
عليكم مني ذمام وهذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا وليأخذ كل واحد
منكم بيد رجل من أهل بيتي وتفرقوا في سواد هذا الليل وذروني وهؤلاء القوم
فإنهم لا يريدون غيري قال له اخوته وأبناؤه وبنو أخيه وأبناء عبد الله بن
جعفر ولم نفعل ذلك لنبقى بعدك لا أرانا الله ذلك ابدا، بدأهم بهذا القول
أخوه العباس بن أمير المؤمنين واتبعه الجماعة عليه فتكلموا بمثله ونحوه
ثم نظر إلى بني عقيل فقال حسبكم من القتل بصاحبكم مسلم اذهبوا
قد أذنت لكم قالوا سبحان الله فما يقول الناس لنا وما نقول لهم انا تركنا
شيخنا وسيدنا وبني عمومتنا خير الأعمام ولم نرم معهم بسهم ولم نطعن
معهم برمح ولم نضرب معهم بسيف ولا ندري ما صنعوا لا والله ما نفعل
(٦٠٠)

ذلك ولكننا نفديك بأنفسنا وأموالنا وأهلينا ونقاتل معك حتى نرد موردك
فقبح الله العيش بعدك وقام إليه مسلم بن عوسجة الأسدي فقال أنحن
نخلي عنك وقد أحاط بك هذا العدو وبم نعتذر إلى الله في أداء حقك ولا
والله لا يراني الله ابدا وأنا أفعل ذلك حتى اكسر في صدورهم رمحي
وأضاربهم بسيفي ما ثبت قائمه بيدي ولو لم يكن معي سلاح أقاتلهم به
لقذفتهم بالحجارة ولم أفارقك أو أموت معك وقام سعيد بن عبد الله
الحنفي فقال لا الله يا ابن رسول الله لا نخليك ابدا حتى يعلم الله انا قد
حفظنا فيك وصية رسوله محمد ص والله لو علمت اني اقتل فيك ثم أحيا ثم
أحرق ثم أذرى يفعل ذلك بي سبعين مرة ما فارقتك حتى القى حمامي دونك
وكيف لا أفعل ذلك وإنما هي قتلة واحدة ثم أنال الكرامة التي لا انقضاء لها
ابدا وقام زهير بن القين وقال والله يا ابن رسول لوددت اني قتلت ثم
نشرت ألف مرة وان الله تعالى يدفع بذلك القتل عن نفسك وعن نفس
هؤلاء الفتيان من اخوانك وولدك وأهل بيتك وتكلم جماعة أصحابه
بكلام يشبه بعضه بعضا وقالوا أنفسنا لك الفداء نقيك بأيدينا ووجوهنا فإذا
نحن قتلنا بين يديك نكون قد وفينا لربنا وقضينا ما علينا ووصل الخبر إلى
محمد بن بشير الحضرمي في تلك الحال بان ابنه قد أسر بثغر الري فقال
عند الله احتسبه ونفسي ما كنت أحب أن يؤسر وابقى بعده فسمع الحسين
ع قوله فقال رحمك الله أنت في حل من بيعتي فاعمل في فكاك ابنك
فقال أكلتني السباع حيا إن فارقتك قال فاعط ابنك هذا هذه الأثواب البرود
يستعين بها في فداء أخيه فأعطاه خمسة أثواب برود قيمتها ألف دينار فحملها مع
ولده. وأمر الحسين ع أصحابه ان يقربوا بين بيوتهم ويدخلوا الاطناب
بعضها في بعض ويكونوا بين يدي البيوت فيستقبلون القوم من وجه واحد
والبيوت من ورائهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم قد حفت بهم الا الوجه
الذي يأتيهم منه عدوهم وروى أبو مخنف عن علي بن الحسين زين
العابدين ع قال إني لجالس في تلك العشية التي قتل أبي في صبيحتها
وعمتي زينب عندي تمرضني إذ اعتزل أبي في خباء له وعنده جون مولى أبي
ذر وهو يعالج سيفه ويصلحه وأبي يقول (١):
- يا دهر أف لك من خليل * كم لك بالاشراق والأصيل -
- من صاحب وطالب قتيل * والدهر لا يقنع بالبديل -
- وكل حي سالك السبيل * ما أقرب الوعد من الرحيل -
- وإنما الأمر إلى الجليل -
فأعادها مرتين أو ثلاثا حتى فهمتها وعرفت ما أراد فخنقتني العبرة
فرددتها ولزمت السكوت وعلمت أن البلاء قد نزل واما عمتي فإنها لما
سمعت وهي امرأة ومن شأن النساء الرقة والجزع لم تملك نفسها أن وثبت
تجر ثوبها حتى انتهت إليه ونادت وا ثكلاه ليت الموت اعدمني الحياة اليوم
ماتت أمي فاطمة وأبي علي وأخي الحسن يا خليفة الماضي وثمال الباقي
فنظر إليها الحسين ع فقال لها يا أخية لا يذهبن حلمك الشيطان فقالت
بأبي وأمي تستقل نفسي فداك فرد غصته وترقرقت عيناه بالدموع ثم قال
لو ترك القطا ليلا لنام فقالت يا ويلتاه أفتغتصب نفسك اغتصابا فذلك
اقرح لقلبي وأشد على نفسي ولطمت وجهها وأهوت إلى جيبها فشقته
وخرت مغشيا عليها فقام إليها الحسين ع فصب على وجهها الماء حتى أفاقت
وقال لها يا أخية اتقي الله وتعزي بعزاء الله واعلمي أن أهل الأرض يموتون
وان أهل السماء لا يبقون وان كل شئ هالك الا وجهه الذي خلق الخلق
بقدرته ويبعث الخلق ويعيدهم وهو فرد وحده جدي خير مني وأبي خير مني
وأمي خير مني وأخي خير مني ولي ولكل مسلم برسوله الله ص أسوة.
فعزاها بهذا ونحوه وقال بها يا أخية اني أقسمت عليك فابري قسمي لا
تشقي علي جيبا ولا تخمشي علي وجها ولا تدعي علي بالويل والثبور إذا انا
هلكت وفي رواية انها لما سعت الأبيات قالت يا أخي هذا كلام من
أيقن بالقتل فقال نعم يا أختاه فقالت زينب وا ثكلاه ينعي إلي الحسين نفسه
وبكى النسوة ولطمن الخدود وشققن الجيوب وجعلت أم كلثوم تنادي
وا محمداه وا علياه وا أماه وا أخاه وا حسيناه وا ضيعتنا بعدك يا أبا عبد الله
وقام الحسين وأصحابه الليل كله يصلون ويستغفرون ويدعون وباتوا
ولهم دوي كدوي النحل ما بين راكع وساجد وقائم وقاعد فعبر إليهم في تلك
الليلة من عسكر ابن سعد اثنان وثلاثون رجلا قال بعض أصحاب
الحسين ع مرت بنا خيل لابن سعد تحرسنا وكان الحسين ع يقرأ ولا
يحسبن الذين كفروا انما نملي لهم خير لأنفسهم انما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم
عذاب مهين ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من
الطيب فسمعها رجل من تلك الخيل يقال له عبد الله بن سمير فقال نحن
ورب الكعبة الطيبون ميزنا منكم فقال له برير بن خضير يا فاسق أنت
يجعلك الله من الطيبين فقال له من أنت ويلك قال انا برير بن خضير فتسابا
فلما كان وقت السحر خفق الحسين ع برأسه خفقة ثم استيقظ فقال
رأيت كان كلابا قد جهدت لتهشني وفيها كلب أبقع رأيته أشدها على وأظن أن
الذي يتولى قتلي رجل أبرص.
صفة القتال
وأصبح الحسين ع فعبأ أصحابه بعد صلاة الغداة وكان
معه اثنان وثلاثون فارسا وأربعون راجلا وقيل ثمانية وأربعون راجلا وفي
رواية ثمانون راجلا وعن الباقر ع انهم كانوا خمسة وأربعين فارسا
ومائة راجل وقيل كانوا سبعين فارسا ومائة راجل فجعل زهير بن
القين في الميمنة وحبيب بن مظاهر في الميسرة واعطى رايته العباس أخاه
وجعلوا البيوت في ظهورهم وأمر بحطب وقصب كان من وراء البيوت
ان يترك في خندق كانوا قد حفروه هناك في ساعة من الليل وان يحرق بالنار
مخافة ان يأتوهم من ورائهم فنفعهم ذلك وأصبح ابن سعد في ذلك
اليوم وهو يوم الجمعة أو يوم السبت فعبأ أصحابه فجعل على ميمنته
عمرو بن الحجاج وعلى ميسرته شمر بن الجوشن وعلى الخيل عزرة بن قيس
وعلى الرجالة شبث بن ربعي واعطى الراية دريدا مولاه وجعل على ربع
أهل المدينة عبد الله الأزدي وعلى ربع ربيعة وكندة قيس بن الأشعث وعلى
ربع مذحج وأسد عبد الرحمن الجحفي وعلى ربع تميم وهمدان الجر بن يزيد
الرياحي وأمر الحسين ع بفسطاط فضرب وأمر بحفنة فيها مسك
كثير وجعل عندها نورة ثم دخل ليطلي فروي ان برير بن خضير الهمداني
وعبد الرحمن بن عبد ربه الأنصاري وقفا على باب الفسطاط ليطليا بعده
فجعل برير يضاحك عبد الرحمن فقال له عبد الرحمن يا برير ما هذه ساعة
باطل فقال برير لقد علم قومي اني ما أحببت الباطل كهلا ولا شابا وانما

(١) يوجد في بعض الروايات ان الحسين عليه السلام جلس يصلح سيفه ويقول (يا دهر أف لك
من خليل) الأبيات والصواب ما رواه أبو مخنف من أن جونا هو الذي كان يصلح سيف
الحسين (ع) ولم يكن ال حسين ليتعاطى اصلاح سيفه بنفسه ولم يكن أصحابه وخدمه
وحشمه ليدعوه يفعل ذلك فما في هذه الرواية نشأ من قول الراوي وهو يصلح سيفه
فظن أن الضمير راجع إلى الحسين وانما هو راجع إلى جون.
(٦٠١)

افعل ذلك استبشارا بما نصير إليه فوالله ما هو الا ان نلقى هؤلاء القوم
بأسيافنا نعالجهم بها ساعة ثم نعلق الحور العين ثم ركب الحسين ع
دابته ودعا بمصحف فوضعه أمامه وركب أصحاب عمر بن سعد واقبلوا
يجولون حول بيوت الحسين ع فيرون الخندق في ظهورهم والنار تضطرم
في الحطب والقصب الذي كان القي فيه فنادى شمر بأعلى صوته أ تعجلت
النار قبل يوم القيامة فقال الحسين ع من هذا كأنه شمر قالوا نعم،
قال: أنت أولي بها صليا ورام مسلم بن عوسجة ان يرميه بسهم فمنعه
الحسين ع من ذلك فقال دعني حتى ارميه فإنه الفاسق من أعداء الله
وعظماء الجبارين وقد أمكن الله منه فقال له الحسين ع لا ترمه فاني أكره
ان ابدأهم بقتال واقبل رجل من عسكر ابن سعد يقال له ابن أبي
جويرية المزنى فلما رأى النار تتقد نادى يا حسين أبشروا بالنار فقد تعجلتموها
في الدنيا ثم برز تميم بن حصين الفزاري فنادى يا حسين ويا أصحاب
حسين أ ما ترون ماء الفرات يلوح كأنه بطون الحيات والله لا ذقتم منه قطرة
حتى تذوقوا الموت جرعا ولما ركب أصحاب ابن سعد قرب إلى الحسين
ع فرسه فاستولى عليه وكان اسم فرسه اليحموم وتقدم نحو القوم في نفر
من أصحابه وبين يديه برير بن خضير فقال له الحسين ع كلم القوم
فتقدم برير فقال يا قوم اتقوا الله فان ثقل محمد ص قد أصبح بين أظهركم
هؤلاء ذريته وعترته وبناته وحرمه فهاتوا ما عندكم وما الذي تريدون
ان تصنعوه بهم فقالوا نريد أن نمكن منهم الأمير ابن زياد فيرى رأيه
فيهم فقال لهم برير أ فلا تقبلون منهم ان يرجعوا إلى المكان الذي جاءوا
منه ويلكم أ نسيتم كتبكم وعهودكم التي أعطيتموها وأشهدتم الله
عليها يا ويلكم دعوتم أهل بيت نبيكم وزعمتم انكم تقتلون أنفسكم دونهم
حتى إذا اتوكم أسلمتموهم وحلأتموهم عن ماء الفرات بئس ما خلفتم نبيكم
في ذريته ما لكم لا سقاكم الله يوم القيامة فبئس القوم أنتم فقال له نفر
منهم يا هذا ما ندري ما تقول فقال الحمد لله الذي زادني فيكم بصيرة اللهم إني
أبرأ إليك من فعال هؤلاء القوم المهم الق بأسهم بينهم حتى يلقوك
وأنت عليهم غضبان فجعل القوم يرمونه بالسهام فرجع إلى ورائه وتقدم
الحسين ع حتى وقف بإزاء القوم فجعل ينظر إلى صفوفهم كأنهم السيل
ونظر إلى ابن سعد واقفا في صناديد الكوفة فقال: الحمد لله الذي خلق
الدنيا فجعلها دار فناء وزوال متصرفة بأهلها حالا بعد حال فالمغرور من
غرته والشقي من فتنته فلا تغرنكم هذه الدنيا فإنها تقطع رجاء من ركن
إليها وتخيب طمع من طمع فيها وأراكم قد اجتمعتم على أمر قد أسخطتم
الله فيه عليكم واعرض بوجهه الكريم عنكم وأحل بكم نقمته وجنبكم
رحمته فنعم الرب ربنا وبئس العبيد أنتم أقررتم بالطاعة وآمنتم بالرسول
محمد ص ثم انكم زحفتم إلى ذريته وعترته تريدون قتلهم لقد استحوذ
عليكم الشيطان فأنساكم ذكر الله العظيم فتبا لكم ولما تريدون انا لله وانا
إليه راجعون هؤلاء قوم كفروا بعد ايمانهم فبعدا للقوم الظالمين. فقال ابن
سعد ويلكم كلموه فإنه ابن أبيه والله لو وقف فيكم هكذا يوما جديدا لما
انقطع ولما حصر فتقدم شمر فقال يا حسين ما هذا الذي تقول أفهمنا حتى
نفهم فقال أقول اتقوا الله ربكم ولا تقتلوني فإنه لا يحل لكم قتلي ولا انتهاك
حرمتي فاني ابن بنت نبيكم وجدتي خديجة زوجة نبيكم ولعله قد بلغكم
قول نبيكم الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة قال المفيد ثم دعا
الحسين ع براحلته فركبها ونادى بأعلى صوته وكلهم أو جلهم يسمعون
فقال: أيها الناس اسمعوا قولي ولا تعجلوا حتى أعظكم بما يحق لكم علي
وحتى اعذر إليكم فان أعطيتموني النصف كنتم بذلك أسعد وإن لم تعطوني
النصف من أنفسكم فاجمعوا أمركم ثم لا يكن امركم عليكم غمة ثم
اقضوا إلي ولا تنظرون ان وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى
الصالحين ثم حمد الله وأثنى عليه وذكره بما هو أهله وصلى على النبي ص
وعلى ملائكته وأنبيائه فلم يسمع متكلم قط قبله ولا بعده أبلغ في منطق منه
ثم قال اما بعد فانسبوني فانظروا من انا ثم ارجعوا إلى أنفسكم وعاتبوها
فانظروا هل يصلح ويحل لكم قتلي وانتهاك حرمتي أ لست ابن بنت نبيكم
وابن وصيه وابن عمه وأول المؤمنين بالله والمصدق برسول الله ص وبما جاء
به من عند ربه أ وليس حمزة سيد الشهداء عمي أ وليس جعفر الطيار في
الجنة بجناحين عمي أ ولم يبلغكم ما قال رسول الله ص لي ولأخي هذان
سيدا شباب أهل الجنة فان صدقتموني بما أقول وهو الحق والله ما تعمدت
كذبا مذ علمت أن الله يمقت عليه أهله وإن كذبتموني فان فيكم من إذا
سألتموه عن ذلك أخبركم سلوا جابر بن عبد الله الأنصاري وأبا سعيد
الخدري وسهل بن سعد الساعدي وزيد بن أرقم وأنس بن مالك يخبروكم
انهم سمعوا هذه المقالة من رسول الله ص لي ولأخي أما في هذا حاجز لكم
عن سفك دمي فقال له شمر بن ذي الجوشن هو يعبد الله على حرف إن كان
يدري ما تقول، فقال له حبيب بن مظاهر والله اني لا أراك تعبد الله
على سبعين حرفا وانا أشهد انك صادق ما تدري ما يقول قد طبع الله على
قلبك، ثم قال لهم الحسين ع فان كنتم في شك من هذا أ فتشكون في اني
ابن بنت نبيكم فوالله ما بين المشرق والمغرب ابن بنت نبي غيري فيكم ولا
في غيركم، ويحكم أ تطلبوني بقتيل منكم قتلته أو مال لكم استهلكته أو
بقصاص من جراحة. فاخذوا لا يكلمونه فنادى يا شبث بن ربعي ويا
حجار بن أبجر ويا قيس بن الأشعث ويا يزيد بن الحارث أ لم تكتبوا إلي ان
قد أينعت الثمار واخضرت الجنان وانما تقدم على جند لك مجند فقال له
قيس بن الأشعث ما ندري ما تقول ولكن انزل على حكم بني عمك فإنهم
لن يروك الا ما تحب فقال له الحسين ع لا والله لا
أعطيكم بيدي اعطاء الذليل ولا أفر فرار العبيد أو لا أقر اقرار
العبيد ثم نادى يا عباد الله اني عذت بربي وربكم ان ترجمون
أعوذ بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب ثم إنه أناخ
راحلته وأمر عقبة بن سمعان فعقلها فاقبلوا يزحفون نحوه. وقال
غير المفيد انه ع ركب ناقته أو فرسه وخرج إلى الناس
فاستنصتهم فأبوا أن ينصتوا حتى قال ويلكم ما عليكم ان تنصتوا لي
فتسمعوا قولي وانما أدعوكم إلى سبيل الرشاد فمن أطاعني كان من المرشدين
ومن عصاني كان من المهلكين وكلكم عاص لأمري غير مستمع قولي فقد
ملئت بطونكم من الحرام وطبع على قلوبكم ويلكم أ لا تنصتون أ لا تسمعون
فتلاوم أصحاب عمر بن سعد بينهم وقالوا انصتوا له فحمد الله وأثنى عليه
وذكره بما هو أهله وصلى على محمد ص وعلى الملائكة والأنبياء والرسل وأبلغ
في المقال ثم قال: تبا لكم أيتها الجماعة وترحا أ حين استصرختمونا والهين
فأصرخناكم موجفين سللتم علينا سيفا لنا في ايمانكم وحششتم علينا نارا
قدحناها على عدوكم وعدونا فأصبحتم إلبا على أوليائكم ويدا عليهم
لأعدائكم بغير عدل أفشوه فيكم ولا أمل أصبح لكم فيهم إلا الحرام
من الدنيا أنالوكم وخسيس عيش طمعتم فيه من غير حدث منا ولا رأي
تفيل لنا فهلا لكم الويلات إذ كرهتمونا وتركتمونا تجهزتموها والسيف مشيم
والجأش طامن والرأي لما يستحصف ولكن أسرعتم إليها كطيرة الدبا
(٦٠٢)

وتداعيتم إليها كتداعي الفراش فسحقا لكم يا عبيد الأمة وشذاذ الأحزاب
ونبذة الكتاب ونفثة الشيطان وعصبة الآثام ومحرفي الكتاب ومطفئي السنن
وقتلة أولاد الأنبياء ومبيدي عترة الأوصياء وملحقي العهار بالنسب ومؤذي
المؤمنين وصراخ أئمة المستهزئين الذين جعلوا القرآن عضين ولبئس ما
قدمت لهم أنفسهم وفي العذاب هم خالدون وأنتم ابن حرب وأشياعه
تعضدون وعنا تخاذلون أجل والله الخذل فيكم معروف وشجت عليه
أصولكم وتازرت عليه فروعكم وثبتت عليه قلوبكم وغشيت صدوركم
فكنتم أخبث ثمر شجي للناظر واكلة للغاصب الا لعنة الله على الناكثين
الذين ينقضون الايمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا فأنتم والله
هم، الا وان الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة والذلة
وهيهات منا الذلة يأبى الله ذلك لنا ورسوله والمؤمنون وجدود طابت وحجور
طهرت وأنوف حمية ونفوس أبية لا تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام،
الا قد أعذرت وأنذرت، الا واني زاحف بهذه الأسرة مع قلة العدد وكثرة
العدو وخذلان النصر، ثم وصل ع كلامه بأبيات فروة بن مسيك
المرادي فقال:
- فان نهزم فهزامون قدما * وان نغلب فغير مغلبينا -
- وما ان طبنا جبن ولكن * منايانا ودولة آخرينا -
- فأفنى ذلكم سروات قومي * كما افنى القرون الأولينا -
- فلو خلد الملوك إذن خلدنا * ولو بقي الكرام إذن بقينا -
- فقل للشامتين بنا أفيقوا * سيلقى الشامتون كما لقينا -
ثم قال: أما والله لا تلبثون بعدها الا كريث ما يركب الفرس حتى
تدور بكم دور الرحى وتقلق بكم قلق المحور فاجمعوا امركم وشركاءكم ثم
لا يكن امركم عليكم غمة ثم اقضوا إلي ولا تنظرون اني توكلت على الله
ربي وربكم ما من دابة الا هو آخذ بناصيتها ان ربي على صراط مستقيم.
وخرج زهير بن القين على فرس له ذنوب شاك في السلاح فوعظهم فسبوه
وأثنوا على ابن زياد فقال لهم: يا عباد الله ان ولد فاطمة أحق بالود والنصر
من ابن سمية فان كنتم لم تنصروهم فأعيذكم بالله ان تقتلوهم فرماه شمر
بسهم وتسابا وقال له شمر ان الله قاتلك وصاحبك عن ساعة، قال:
أ فبالموت تخوفني والله للموت أحب إلي من الخلد معكم، فامره الحسين
ع فرجع.
ولما رأى الحر بن يزيد ان القوم قد صمموا على قتال الحسين
ع قال لعمر بن سعد أ مقاتل أنت هذا الرجل قال اي والله قتالا أيسره
ان تسقط الرؤوس وتطيح الأيدي قال فما لكم فيما عرضه عليكم رضى قال
أما لو كان الأمر إلي لفعلت ولكن أميرك قد أبى، فاقبل الحر حتى وقف من
الناس موقفا ومعه رجل من قومه يقال له قرة بن قيس فقال له يا قرة هل
سقيت فرسك اليوم؟ قال لا، قال فما تريد ان تسقيه؟ قال قرة فظننت والله
انه يريد ان يتنحى فلا يشهد القتال فكره ان أراه حين يصنع ذلك، فقلت
له لم اسقه وانا منطلق فاسقيه فاعتزلت ذلك المكان الذي كان فيه فوالله لو
اطلعني على الذي يريد لخرجت معه إلى الحسين ع، فاخذ الحر يدنو من
الحسين ع قليلا قليلا، فقال له المهاجر بن أوس ما تريد يا ابن يزيد؟
أ تريد أن تحمل؟ فلم يجبه وأخذه مثل الأفكل وهي الرعدة، فقال له
المهاجر ان امرك لمريب والله ما رأيت منك في موقف قط مثل هذا ولو قيل
لي من أشجع أهل الكوفة ما عدوتك، فما هذا الذي أرى منك، فقال
الحر: اني والله أخير نفسي بين الجنة والنار، فوالله اني لا اختار على الجنة
شيئا ولو قطعت وحرقت، ثم ضرب فرسه قاصدا إلى الحسين ع ويده
على رأسه وهو يقول: اللهم إليك أنيب فتب علي فقد أرعبت قلوب
أوليائك وأولاد بنت نبيك، وقال للحسين ع جعلت فداك يا ابن رسول
الله انا صاحبك الذي حبستك عن الرجوع وسايرتك في الطريق وجعجعت
بك إلى هذا المكان وما ظننت ان القوم يردون عليك ما عرضته عليهم ولا
يبلغون منك هذه المنزلة، والله لو علمت أنهم ينتهون بك إلى ما أرى ما
ركبت مثل الذي ركبت، واني قد جئتك تائبا مما كان مني إلى ربي مواسيا
لك بنفسي حتى أموت بين يديك فهل ترى لي من توبة؟ فقال الحسين
ع: نعم يتوب الله عليك فأنزل، قال أنا لك فارسا خير منى راجلا
أقاتلهم على فرسي ساعة والى النزول يصير آخر أمري، فقال له الحسين
ع فاصنع يرحمك الله ما بدا لك، فاستقدم أمام الحسين ع ونادى
أهل الكوفة ووعظهم وأنبهم فحمل عليه رجال يرمونه بالنبل فرجع حتى
وقف امام الحسين ع. ونادى عمر بن سعد يا دريد ادن رأيتك
فأدناها ثم وضع سهما في كبد قوسه فرمى به نحو عسكر الحسين ع وقال
اشهدوا لي عند الأمير اني أول من رمى وأقبلت السهام من القوم كأنها القطر
فلم يبق من أصحاب الحسين ع أحد الا أصابه من سهامهم فقال
ع لأصحابه قوموا رحمكم الله إلى الموت الذي لا بد منه فان هذه
السهام رسل القوم إليكم، فاقتتلوا ساعة من النهار حملة وحملة حتى قتل من
أصحاب الحسين ع جماعة. ثم صاح الحسين ع أ ما من مغيث يغيثنا
لوجه الله، أ ما من ذاب يذب عن حرم رسول الله ص وكان يزيد بن
زياد بن مهاصر الكندي ويكنى أبا الشعثاء في أصحاب ابن سعد، فلما
ردوا على الحسين ع ما عرضه عليهم عدل إليه فقاتل بين يديه وجعل
يرتجز ويقول:
- انا يزيد وأبي مهاصر * أشجع من ليث بغيل خادر -
- يا رب اني للحسين ناصر * ولابن سعد تارك وهاجر -
وجثا بين يدي الحسين ع فرمى بمائة سهم ما سقط منها خمسة
أسهم وكان راميا وكلما رمى يقول له الحسين ع اللهم سدد رميته واجعل
ثوابه الجنة فقتل خمسة من أصحاب عمر بالنشاب وكان أول من قتل ثم
ارتمى الناس وتبارزوا فكان أصحاب الحسين ع كما قيل فيهم:
- قوم إذا نودوا لدفع ملمة * والخيل بين مدعس ومكردس -
- لبسوا القلوب على الدروع واقبلوا * يتهافتون على ذهاب الأنفس -
فبرز يسار مولى زياد وسالم مولى عبيد الله بن زياد وقالا من يبارز
فقام عبد الله بن عمير بن جناب الكلبي فاستأذن الحسين ع في مبارزتهما
وكان طويلا بعيد ما بين المنكبين فنظر إليه الحسين ع وقال اني احسبه
للاقران قتالا وأذن له وكان قد خرج من الكوفة ليلا ومعه امرأته أم وهب
إلى الحسين ع لأنه لما رأى العساكر تعرض بالنخيلة لتسير إلى حرب
الحسين ع قال والله لقد كنت على جهاد أهل الشرك حريصا واني لأرجو
ان لا يكون جهاد هؤلاء الذين يغزون ابن بنت نبيهم أقل ثوابا عند الله من
جهاد المشركين، فأخبر زوجته فقالت أصبت أخرج واخرجني معك فشد
على يسار فضربه بسيفه حتى برد وهو أول من قتل من أصحاب ابن سعد،
فإنه لمشتغل بضربه إذ شد عليه سالم مولى عبيد الله فصاحوا به قد رهقك
العبد فلم يعبأ به حتى غشيه فبدره بضربة اتقاها ابن عمير بيده اليسرى
(٦٠٣)

فأطارت أصابع كفه ثم شد عليه ابن عمير فضربه حتى قتله فرجع وقد
قتلهما جميعا وهو يرتجز ويقول:
- حسبي بيتي في عليم حسبي * اني امرؤ ذو مرة وعصب (١) -
- ولست بالخوار عند النكب * اني زعيم لك أم وهب -
- بالطعن فيهم صادقا والضرب * ضرب غلام مؤمن بالرب -
فأخذت امرأته أم وهب عمود خيمة وأقبلت نحو زوجها تقول له
فداك أبي وأمي قاتل دون الطيبين ذرية محمد فاقبل إليها يردها نحو النساء
فأخذت بجانب ثوبه ثم قالت اني لن أدعك دون أن أموت معك، فناداها
الحسين جزيتم من أهل بيت خيرا ارجعي رحمك الله إلى النساء فاجلسي
معهن فإنه ليس على النساء قتال فانصرفت إليهن.
ثم قاتل زوجها قتالا شديدا حتى قتل رجلين آخرين، فقتله هاني بن
ثبيت الحضرمي وبكير بن حي التيمي وخرجت امرأته فجلست عند رأسه
تمسح التراب عن وجهه وتقول هنيئا لك الجنة فامر شمر غلاما له يقال
له رستم فضرب رأسها بالعمود فماتت مكانها وبرز عمر بن خالد الصيداوي
فقال له الحسين ع تقدم فانا لاحقون بك عن ساعة فحمل هو وسعد
مولاه وجبار بن الحارث السلماني ومجمع بن عبيد الله العائذي فاوغلوا في
أصحاب عمر بن سعد فعطف عليهم أصحاب ابن سعد فقطعوهم عن
أصحابهم فحمل العباس بن علي ع فاستنقذهم وقد جرحوا ثم
حملوا فقاتلوا حتى قتلوا في مكان واحد وحمل عمرو بن الحجاج على ميمنة
أصحاب الحسين فيمن كان معه من أهل الكوفة فلما دنا من أصحاب
الحسين ع جثوا له على الركب واشرعوا الرماح نحوهم فلم تقدم خيلهم
على الرماح فذهبت الخيل ترجع فرشقهم أصحاب الحسين ع بالنبل
فصرعوا منهم رجالا وجرحوا آخرين وجاء رجل من بني تميم يقال له
عبد الله بن حوزة فقال يا حسين ابشر بالنار فقال له الحسين ع كذبت
بل أقدم على رب رحيم وشفيع مطاع، ثم رفع الحسين ع يديه فقال
اللهم حزه إلى النار فاضطرب به فرسه في جدول فوقع وتعلقت رجله
اليسرى بالركاب وارتفعت اليمنى فشد عليه مسلم بن عوسجة فضرب رجله
اليمنى فطارت وعدا به فرسه يضرب رأسه بكل حجر ومدر حتى مات وعجل
الله بروحه إلى النار وكان مسروق بن وائل الحضرمي قد خرج مع ابن
سعد وقال لعلي أصيب رأس الحسين فأصيب به منزلة عند ابن زياد، فلما
رأى ما صنع بابن حوزة بدعاء الحسين ع رجع وقال لقد رأيت من أهل
هذا البيت شيئا لا أقاتلهم ابدا، ونشب القتال فخرج برير بن
خضير الهمداني وكان زاهدا عابدا وكان أقرأ أهل زمانه وكان يقال له سيد
القراء وهو يقول:
- انا برير وأبي خضير * لا خير فيمن ليس فيه خير -
فخرج إليه يزيد بن معقل فقال له برير هلم أباهلك ولندع الله ان
يلعن الكاذب منا وان يقتل المحق منا المبطل فتباهلا ثم تبارزا فاختلفا
ضربتين فضرب يزيد بريرا ضربة خفيفة فلم يضره شيئا وضربه برير ضربة
قدت المغفر ووصلت إلى دماغه فسقط، فحمل كعب بن جابر الأزدي على
برير وطعنه بالرمح في ظهره وضربه بسيفه حتى قتله رضوان الله عليه
وفي بعض الروايات ان بريرا قتل ثلاثين رجلا، فلما رجع كعب بن
جابر قالت له امرأته أعنت على ابن فاطمة وقتلت بريرا سيد القراء لا
أكلمك ابدا ثم برز وهب بن حباب الكلبي (٢) وكانت معه امه وزوجته
فقالت امه قم يا بني فانصر ابن بنت رسول الله ص فقال افعل يا أماه ولا
اقصر فبرز وهو يقول:
- سوف تروني وترون ضربي * وحملتي وصولتي في الحرب -
- أدرك ثاري بعد ثار صحبي * وأدفع الكرب امام الكرب -
- ليس جهادي في الوغى باللعب -
ثم حمل ولم يزل يقاتل حتى قتل جماعة ثم رجع إلى امرأته وامه
وقال يا أماه أ رضيت فقالت ما رضيت حتى تقتل بين يدي الحسين ع
فقالت امرأته بالله عليك لا تفجعني بنفسك فقالت له أمه يا بني أعزب عن
قولها وارجع فقاتل بين يدي ابن بنت نبيك تنل شفاعة جده يوم القيمة
فرجع فلم يزل يقاتل حتى قطعت يداه ثم قتل رضوان الله عليه وقال
الحر للحسين ع فإذا كنت أول من خرج عليك فائذن لي أن أكون أول
قتيل بين يديك (٣) لعلي ان أكون ممن يصافح جدك محمدا ص غدا في القيامة
فحمل على أصحاب عمر بن سعد وهو يتمثل بقول عنترة:
- ما زلت ارميهم بغرة وجهه * ولبانه حتى تسربل بالدم -
ثم جعل يرتجز ويقول:
- اني انا الحر ومأوى الضيف * اضرب في اعراضكم بالسيف -
- عن خير من حل بأرض الخيف * أضربكم ولا أرى من حيف -
وقاتل قتالا شديدا وقال:
- اني انا الحر ونجل الحر * أشجع من ذي لبد هزبر -
- ولست بالجبان عند الكر * لكنني الوقاف عند الفر -
وجعل يضربهم بسيفه حتى قتل نيفا وأربعين رجلا وكان يحمل هو
وزهير بن القين فإذا حمل أحدهما وغاص فيهم حمل الآخر حتى يخلصه ففعلا
ذلك ساعة ثم حملت الرجالة على الحر وتكاثروا عليه فقتلوه فاحتمله
أصحاب الحسين ع حتى وضعوه بين يدي الحسين ع وبه رمق فجعل
يمسح التراب عن وجهه ويقول أنت الحر كما سمتك أمك وخرج من
أصحاب الحسين ع نافع بن هلال الجملي فقاتل قتالا شديدا
وجعل يقول:
- انا ابن هلال الجملي * انا على دين علي * ودينه دين النبي -
فبرز إليه رجل يقال له مزاحم بن حريث فحمل عليه نافع فقتله
وكان قد كتب اسمه على فوق نبله وكانت مسمومة فقتل بها اثني عشر أو
ثلاثة عشر رجلا سوى من جرح.
فلم يزل يرميهم حتى فنيت سهامه ثم ضرب يده إلى سيفه وجعل
يقول:

(١) العصب بالصاد المهملة الشدة وبالضاد المعجمة الطعن والضرب.
(٢) هذا ذكره ابن طاوس ولم يذكره الطبري وابن الأثير والمفيد وقد بينا في حاشية لواعج الاشجان
وقوع خلط من المؤرخين بين قصة عبد الله بن جناب الكلبي المتقدمة وقصة وهب هذا
والصواب ما ذكرناه هنا ويحتمل كونهما رجلا واحدا وان وهب تصحيف أبو وهب وحباب
تصحيف جناب.
(٣) مقتضى الروايات انه قتل جماعة قبل الحر وهو المستفاد من تاريخ ابن الأثير فلذلك حمل على أن
المراد أول قتيل من المبارزين ويمكن كون الحر أول المقتولين وعدم صحة ما دل على خلاف
ذلك كما لعله من ارشاد المفيد فإنه لم يذكر ان أحدا تقدم الحر في القتل سوى ان ابن
عوسجة صرع قبله.
(٦٠٤)

- انا الغلام اليمني الجملي * ديني على دين حسين وعلي -
- أضربكم ضرب غلام بطل * ان اقتل اليوم فهذا املي -
- فذاك رأيي وألاقي عملي -
فكسروا عضديه واخذ أسيرا فاخذه شمر واتى به إلى ابن سعد فقال
له ابن سعد ويحك يا نافع ما حملك على ما صنعت بنفسك قال إن ربي يعلم
ما أردت والدماء تسيل على وجهه ولحيته وهو يقول لقد قتلت منكم اثني
عشر رجلا سوى من جرحت ولو بقيت لي عضد وساعد ما أسرتموني
فانتضى شمر سيفه ليقتله فقال له نافع والله لو كنت من المسلمين لعظم
عليك ان تلقى الله بدمائنا فالحمد لله الذي جعل منايانا على يدي شرار
خلقه فقتله شمر وخرج عمرو بن قرظة الأنصاري فاستأذن الحسين ع
فاذن له فبرز وهو يرتجز ويقول:
- قد علمت كتيبة الأنصار * اني سأحمي حوزة الذمار -
- ضرب غلام غير نكس شاري * دون حسين مهجتي وداري (١) -
فقاتل قتال المشتاقين إلى الجزاء وبالغ في خدمة سلطان السماء حتى
قتل جمعا كثيرا من حزب ابن زياد وجمع بين سداد وجهاد وكان لا يأتي إلى
الحسين ع سهم إلا اتقاه بيده ولا سيف إلا تلقاه بمهجته فلم يكن يصل
إلى الحسين ع سوء حتى أثخن بالجراح فالتفت إلى الحسين ع وقال يا
ابن رسول الله أ وفيت؟ قال نعم أنت أمامي في الجنة فاقرأ رسول الله ص
عني السلام واعلمه إني في الأثر فقاتل حتى قتل رضوان الله عليه.
وبرز جون مولى أبي ذر الغفاري وكان عبدا أسود فقال له الحسين
ع أنت في إذن مني فإنما تبعتنا للعافية فلا تبتل بطريقتنا فقال يا ابن
رسول الله أنا في الرخاء ألحس قصاعكم وفي الشدة أخذ لكم والله أن
ريحي لنتن وان حسبي للئيم وإن لوني لأسود فتنفس علي بالجنة فيطيب
ريحي ويشرف حسبي ويبيض وجهي لا والله لا أفارقكم حتى يختلط هذا
الدم الأسود مع دمائكم ثم برز وهو يقول:
- كيف ترى الكفار ضرب الأسود * بالسيف ضربا عن بني محمد -
- أذب عنهم باللسان واليد * أرجو به الجنة يوم المورد -
ثم قاتل حتى قتل فوقف عليه الحسين ع فقال اللهم بيض وجهه
وطيب ريحه وحشره مع الأبرار وعرف بينه وبين محمد وآل محمد ص
وبرز عمرو بن خالد الصيداوي فقال للحسين ع يا أبا
عبد الله قد هممت أن ألحق بأصحابي وكرهت أن أتخلف وأراك وحيدا من
أهلك قتيلا فقال له الحسين ع: تقدم فانا لاحقون بك عن ساعة فتقدم
فقاتل حتى قتل وجاء حنظلة بن أسعد الشبامي فوقف بين يدي الحسين
ع يقيه السهام والرماح والسيوف بوجهه ونحره فما أحقه بقول عرقلة بن
حسان الدمشقي:
- ويرد صدر السمهري بصدره * ما ذا يؤثر ذابل في يذبل -
- وكانه والمشرفي بكفه * بحر يكر على الكماة بجدول -
وأخذ ينادي يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب مثل دأب قوم
نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم وما الله يريد ظلما للعباد يا قوم إني
أخاف عليكم يوم التناد يوم تولون مدبرين ما لكم من الله من عاصم يا قوم
لا تقتلوا حسينا فيسحتكم الله بعذاب وقد خاب من افترى فقال له الحسين
يا ابن أسعد رحمك الله إنهم قد استوجبوا العذاب حين ردوا عليك ما
دعوتهم إليه من الحق ونهضوا إليك يشتمونك وأصحابك فكيف بهم الآن
وقد قتلوا إخوانك الصالحين قال صدقت جعلت فداك أ فلا نروح إلى ربنا
ونلحق باخواننا قال بلى رح إلى ما هو لك خير من الدنيا وما فيها وإلى ملك
لا يبلي فقال السلام عليك يا ابن رسول الله صلى الله عليك وعلى أهل بيتك
وعرف بيننا وبينك في الجنة فقال الحسين ع آمين آمين وتقدم فقاتل قتالا
شديدا فحملوا عليه فقتلوه.
وبرز مسلم بن عوسجة وهو يرتجز ويقول:
- إن تسألوا عني فاني ذو لبد * من فرع قوم من ذرى بني أسد -
- فمن بغانا حائد عن الرشد * وكافر بدين جبار صمد -
فقاتل قتالا شديدا. وصاح عمرو بن الحجاج بالناس يا حمقاء
أ تدرون من تقاتلون؟ تقاتلون فرسان أهل المصر وأهل البصائر وقوما
مستميتين، لا يبرز إليهم منكم واحد، والله لو لم ترموهم إلا بالحجارة
لقتلتموهم، فقال ابن سعد صدقت ثم أرسل إلى الناس من يعزم عليهم
أن لا يبارز رجل منكم رجلا منهم.
ثم حمل عمرو بن الحجاج في أصحابه على الحسين ع من نحو
الفرات فاضطربوا ساعة فصرع مسلم بن عوسجة الأسدي رحمة الله عليه
وبقي به رمق وانصرف عمرو بن الحجاج وأصحابه وانقطعت الغبرة فإذا
مسلم صريع فمشى إليه الحسين ع ومعه حبيب بن مظاهر، فقال
الحسين ع رحمك الله يا مسلم فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر
وما بدلوا تبديلا ودنا منه حبيب بن مظاهر فقال: عز علي مصرعك يا
مسلم أبشر بالجنة، فقال له مسلم قولا ضعيفا بشرك الله بخير، ثم قال له
حبيب: لولا إني أعلم إني في الأثر من ساعتي هذه لأحببت أن توصيني بكل
ما أهمك، فقال له مسلم: فاني أوصيك بهذا وأشار إلى الحسين ع
فقاتل دونه حتى تموت، فقال له حبيب لأنعمنك عينا، ثم مات رضوان
الله عليه، وصاحت جارية له يا سيداه يا ابن عوسجاه، فنادى أصحاب
ابن سعد مستبشرين قتلنا مسلم بن عوسجة، فقال شبث بن ربعي ثكلتكم
أمهاتكم أما انكم تقتلون أنفسكم بأيديكم وتذلون أنفسكم لغيركم
أ تفرحون بقتل مسلم بن عوسجة والذي أسلمت له لرب موقف له في
المسلمين كريم لقد رأيته يوم آذربايجان قتل ستة من المشكرين قبل أن تلتئم
خيول المسلمين.
ثم تراجع القوم إلى الحسين ع فحمل شمر في الميسرة على
ميسرة أصحاب الحسين ع فثبتوا له وطاعنوه وحملوا على الحسين ع
وأصحابه من كل جانب وقاتلهم أصحاب الحسين ع قتالا شديدا
فأخذت خيلهم تحمل وإنما هي اثنان وثلاثون فارسا فلا تحمل على جانب
من خيل الأعداء إلا كشفته فلما رأى ذلك عزرة بن قيس وهو على الخيل
بعث إلى ابن سعد أ ما ترى ما تلقى خيلي هذا اليوم من هذه العدة اليسيرة
أبعث إليهم الرجال والرماة وقاتل أصحاب الحسين ع القوم أشد
قتال خلقه الله حتى انتصف النهار فبعث ابن سعد الحصين بن تميم في
خمسمائة من الرماة فاقتتلوا حتى دنوا من الحسين ع وأصحابه فلما رأوا

(١) قال ابن نما عليه الرحمة قوله وداري إشارة إلى عمر بن سعد لما التمس منه الحسين عليه السلام
المهادنة فقال تهدم داري (اه‍) وهو استنباط حسن.
(٦٠٥)

صبر أصحاب الحسين ع تقدم الحصين إلى أصحابه أن يرشقوا أصحاب
الحسين ع بالنبل فرشقوهم فلم يلبثوا أن عقروا خيولهم وجرحوا
الرجال وبقي الحسين ع وليس معه فارس. وحمل شمر بن ذي الجوشن
في أصحابه على أصحاب الحسين ع فحمل عليهم زهير بن القين
في عشرة رجال من أصحاب الحسين ع فكشفوهم عن البيوت وقتلوا
منهم وعطف عليهم شمر فقتل منهم ورد الباقين إلى مواضعهم وكان يقتل
من أصحاب الحسين ع الواحد والاثنان فيبين ذلك فيهم لقلتهم ويقتل
من أصحاب ابن سعد العشرة فلا يبين ذلك فيهم لكثرتهم. وحمل شمر
حتى بلغ فسطاط الحسين ع فطعنه بالرمح ونادى علي بالنار حتى أحرق
هذا البيت على أهله، فصاحت النساء وخرجن، وصاح الحسين ع
أنت تحرق بيتي على أهلي أحرقك الله بالنار، فقال حميد بن مسلم أ تقتل
الولدان والنساء والله أن في قتل الرجال لما يرضى به أميرك، فلم يقبل،
فاتاه شبث بن ربعي فقال أ فزعنا النساء ثكلتك أمك فاستحيا وانصرف
واشتد القتال بينهم، ولم يقدروا ان يأتوهم إلا من جانب واحد لاجتماع
أبنيتهم وتقارب بعضها من بعض، فأرسل عمر بن سعد الرجال ليقوضوها
عن أيمانهم وشمائلهم ليحيطوا بهم وأخذ الثلاثة والأربعة من أصحاب
الحسين ع يتخللون البيوت فيقتلون الرجل وهو يقوض وينهب فيرمونه
عن قريب فيصرعونه فيقتلونه فقال ابن سعد أحرقوها بالنار فأحرقت، فقال
لهم الحسين ع دعوهم يحرقوها فإنهم إذا فعلوا ذلك لم يجوزوا إليكم
فكان كما قال وحضر وقت صلاة الظهر فقال أبو ثمامة الصيداوي
للحسين ع يا أبا عبد الله نفسي لنفسك الفداء هؤلاء اقتربوا منك ولا
والله ولا تقتل حتى أقتل دونك وأحب أن القى الله ربي وقد صليت هذه
الصلاة فرفع الحسين ع رأسه إلى السماء وقال ذكرت الصلاة جعلك
الله من المصلين الذاكرين نعم هذا أول وقتها ثم قال سلوهم أن يكفوا عنا
حتى نصلي ففعلوا فقال لهم الحصين بن تميم إنها لا تقبل فقال له حبيب بن
مظاهر زعمت لا تقبل الصلاة من آل رسول الله ص وتقبل منكم يا
خمار فحمل عليه الحصين وحمل عليه حبيب فضرب وجه فرسه بالسيف
فشب به الفرس ووقع عنه الحصين فاستنقذه أصحابه وشدوا على حبيب
فقتل رجلا منهم وقال الحسين ع لزهير بن القين وسعيد بن عبد الله
تقدما أمامي حتى أصلي الظهر فتقدما أمامه في نحو من نصف أصحابه حتى
صلى بهم صلاة الخوف فوصل إلى الحسين ع سهم فتقدم سعيد بن
عبد الله ووقف يقيه النبال بنفسه ما زال ولا تخطى فما زال يرمى بالنبل حتى
سقط إلى الأرض وهو يقول اللهم العنهم لعن عاد وثمود اللهم أبلغ نبيك
عني السلام وأبلغه ما لقيت من ألم الجراح فاني أردت ثوابك في نصر ذرية
نبيك ثم قضى نحبه رضوان الله عليه فوجد فيه ثلاثة عشر سهما سوى ما به
من ضرب السيوف وطعن الرماح وقيل صلى الحسين ع وأصحابه
فرادى بالايماء وتقدم سويد بن عمرو بن أبي المطاع وكان شريفا كثير
الصلاة ثم جعل يرتجز ويقول:
- أقدم حسين اليوم تلقى أحمدا * وشيخك الحبر عليا ذا الندى -
- وحسنا كالبدر وافى الأسعدا * وعمك القرم الهمام الأرشدا -
- حمزة ليث الله يدعى أسدا * وذا الجناحين تبوأ مقعدا -
- في جنة الفردوس يعلو صعدا -
فقاتل قتال الأسد الباسل وبالغ في الصبر على الخطب النازل حتى سقط
بين القتلى وقد أثخن بالجراح فلم يزل كذلك وليس به حراك حتى سمعهم
يقولون قتل الحسين فتحامل وأخرج سكينا من خفه وجعل يقاتل حتى قتل
رضوان الله عليه فكان آخر من بقي من أصحاب الحسين ع
وخرج زهير بن القين وهو يرتجز ويقول:
- أنا زهير وأنا ابن القين * أذودكم بالسيف عن حسين -
- إن حسينا أحد السبطين * من عترة البر التقي الزين -
- ذاك رسول الله غير المين * أضربكم ولا أرى من شين -
- يا ليت نفسي قسمت قسمين -
فقاتل قتالا شديدا حتى قتل جماعة فشد عليه كثير بن عبد الله الشعبي
ومهاجر بن أوس التميمي فقتلاه فقال الحسين ع حين صرع زهير
لا يبعدك الله يا زهير وجاء عابس بن أبي شبيب الشاكري ومعه شوذب
مولى بني شاكر فقال: يا شوذب ما في نفسك أن تصنع قال ما أصنع أقاتل
معك دون ابن بنت رسول الله ص حتى أقتل قال ذلك الظن بك فتقدم
بين يدي أبي عبد الله فان هذا يوم ينبغي لنا أن نطلب فيه الأجر بكل ما
نقدر عليه فإنه لا عمل بعد اليوم وإنما هو الحساب وتقدم شوذب فقال
السلام عليك يا أبا عبد الله ورحمة الله وبركاته استودعك الله ثم قاتل حتى
قتل وتقدم عابس فقال يا أبا عبد الله أما والله ما أمسى على وجه الأرض
قريب ولا بعيد أعز علي ولا أحب إلي منك ولو قدرت أن أدفع عنك الضيم
أو القتل بشئ أعز من نفسي ودمي لفعلت السلام عليك يا أبا عبد الله
أشهد الله إني على هداك وهدى أبيك ثم مضى بالسيف مصلتا نحوهم
وبه ضربة على جبينه وكان من أشجع الناس وأخذ ينادي أ لا رجل لرجل
فتحاماه الناس لشجاعته فقال لهم ابن سعد أرضخوه بالحجارة فرموه
بالحجارة من كل جانب فلما رأى ذلك القى درعه ومغفره وشد على الناس
فهزمهم بين يديه قال الراوي فوالله لقد رأيته يطرد أكثر من مائتين من
الناس ثم أحاطوا به من كل جانب فقتلوه وبرز حبيب بن مظاهر
الأسدي فقاتل قتالا شديدا فقتل رجلا من بني تميم اسمه بديل بن صريم
وحمل عليه آخر من تميم فطعنه فذهب ليقوم فضربه الحصين بن تميم
على رأسه بالسيف فوقع ونزل إليه التميمي فاحتز رأسه فهد مقتله الحسين
ع وقال عند الله احتسب نفسي وحماة أصحابي وقال الحصين
للتميمي أنا شريك في قتله قال لا والله قال أعطني الرأس أعلقه في عنق
فرسي ليرى الناس إني شاركتك في قتله ثم خذه فلا حاجة لي فيما يعطيك
ابن زياد فأعطاه الرأس فجال به في الناس ثم رده إليه فلما رجع إلى الكوفة
علقه في عنق فرسه، فلينظر الناظر إلى أي درجة بلغت رداءة النفوس
وسقوطها بهؤلاء القوم وكان لحبيب ابن يسمى القاسم قد راهق فجعل
يتبع الفارس الذي معه رأس أبيه فارتاب به فقال ما لك تتبعني قال إن هذا
الرأس الذي معك رأس أبي فاعطني إياه حتى أدفنه فقال إن الأمير لا يرضى
أن يدفن وارجو أن يثيبني فقال لكن الله لا يثيبك إلا أسوأ الثواب وبكى
الغلام ثم لم يزل يتبع أثر قاتل أبيه بعد ما أدرك حتى قتله وأخذ بثار أبيه
وذلك أنه كان في عسكر فهجم عليه وهو في خيمة له نصف النهار فقتله
وأخذ رأسه وخرج جنادة بن الحارث السلماني وكان خرج بعياله وولده
إلى الحسين ع فقاتل حتى قتل فلما قتل أمرت زوجته ولدها عمر وهو
شاب ان ينصر الحسين ع فقالت أخرج يا بني وقاتل بين يدي ابن
رسول الله فخرج واستاذن الحسين فقال الحسين ع هذا شاب قتل
(٦٠٦)

أبوه ولعل أمه تكره خروجه فقال الشاب أمي أمرتني بذلك، وهذا منتهى
علو النفس وصدق الولاء من هذه المرأة وابنها أن يكون زوجها قد قتل وهي
تنظر إليه ثم تأمر ولدها الشاب بنصرة الحسين ع وهي تعلم إنه مقتول
فتسوقه إلى القتل مختارة طائعة ويطيعها ابنها في ذلك فيقدم على القتل غير
مبال ولا وجل ثم يرخص له الحسين ع في ترك القتال مخافة أن تكون
أمه تكره قتاله بعد ما قتل أبوه زوجها في المعركة فيأبى ويقول أمي أمرتني
بذلك، حقا إنه لمقام عظيم وموقف جليل تزل فيه الأقدام وتذهل فيه
الألباب ولثبات امرأة فيه وولد شاب يدل على سمو عظيم في نفسيهما، فبرز
ذلك الشاب وهو يقول ولله دره:
- أميري حسين ونعم الأمير * سرور فؤاد البشير النذير -
- علي وفاطمة والداه * فهل تعلمون له من نظير -
- له طلعة مثل شمس الضحى * له غرة مثل بدر منير -
قال المؤلف: قد شطرت هذه الأبيات استحسانا لها فقلت:
- أميري حسين ونعم الأمير * أمير عظيم جليل خطير -
- حبيب الوصي عزيز البتول * سرور فؤاد البشير النذير -
- علي وفاطمة والده * ومشبهه في البرايا شبير -
- سما قدره فوق كل الأنام * فهل تعلمون له من نظير -
- له طلعة مثل شمس الضحى * ترد الشموس بطرف حسير -
- له راحة مثل غيث همى * له غرة مثل بدر منير -
وقاتل حتى قتل وحز رأسه ورمي به إلى عسكر الحسين ع فحملت
أمه رأسه وقالت أحسنت يا بني يا سرور قلبي ويا قرة عيني ثم رمت برأس
ابنها رجلا وأخذت عمود خيمة وحملت عليهم وهي تقول:
- أنا عجوز سيدي ضعيفه * خاوية بالية نحيفه -
- أضربكم بضربة عنيفه * دون بني فاطمة الشريفة -
وضربت رجلين فامر الحسين ع بصرفها ودعا لها ولما رأى
أصحاب الحسين ع أنهم قد غلبوا وانهم لا يقدرون أن يمنعوا
الحسين ع ولا أنفسهم تنافسوا في أن يقتلوا بين يديه فجاءه عبد الله
وعبد الرحمن ابنا عروة الغفاريان فقالا يا أبا عبد الله عليك السلام قد حازنا
الناس إليك فاحببنا أن نقتل بين يديك قال مرحبا بكما ادنوا مني فدنوا مني
وجعلا يقاتلان حتى قتلا.
وأتاه فتيان وهما سيف بن الحارث بن سريع ومالك بن عبد الله بن
سريع الجابريان وهما ابنا عم واخوان لأم وهما يبكيان فقال لهما ما يبكيكما
فوالله إني لأرجو أن تكونا بعد ساعة قريري العين فقالا جعلنا الله فداك
والله ما على أنفسنا نبكي ولكن نبكي عليك نراك وقد أحيط بك ولا نقدر
على أن نمنعك فقال جزاكما الله يا ابني أخي بوجدكما من ذلك ومواساتكما
إياي بأنفسكما أحسن جزاء المتقين ثم استقدما وقالا السلام عليك يا ابن
رسول الله فقال وعليكما السلام ورحمة الله وبركاته فقاتلا حتى قتلا
وخرج غلام تركي كان للحسين ع اسمه أسلم وكان قارئا
للقرآن فجعل يقاتل حتى قتل جماعة ثم سقط صريعا فجاء إليه الحسين
ع فبكى ففتح عينيه فرأى الحسين ع فتبسم ثم صار إلى ربه.
وكان يأتي الرجل بعد الرجل إلى الحسين فيقول: السلام عليك
يا ابن رسول الله فيجيبه الحسين ع ويقول عليك السلام ونحن
خلفك، ثم يقرأ فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر حتى قتلوا عن
آخرهم ولم يبق مع الحسين ع سوى أهل بيته وهم: ولد علي، وولد
جعفر، وولد عقيل، وولد الحسن، وولد الحسين فاجتمعوا يودع بعضهم بعضا
وعزموا على الحرب وكانوا سبعة عشر رجلا في المتفق عليه، وفي حديث الرضا
ع مع ابن شبيب وقتل معه من أهل بيته ثمانية عشر رجلا فيمكن أن
يكون عد معهم مسلم بن عقيل فإنه وإن لم يقتل مع الحسين ع فكانه
قتل معه، وإذا عددنا جميع من ذكره المؤرخون ومنهم مسلم كانوا ثلاثين أو
أكثر ويأتي سرد أسمائهم وفيهم يقول سراقة الباهلي وفي مروج الذهب انها
لمسلم بن قتيبة مولى بني هاشم:
- عين بكي بعبرة وعويل * واندبي ان ندبت آل الرسول -
- تسعة منهم لصلب علي * قد أبيدوا وسبعة لعقيل -
- وابن عم النبي عونا أخاهم * ليس فيما ينوبهم بخذول -
- وسمي النبي غودر فيهم * قد علوه بصارم مسلول -
فأول من خرج منهم علي بن الحسين الأكبر وكان علي من أصبح
الناس وجها وأحسنهم خلقا وكان عمره تسع عشرة سنة أو ثماني عشرة سنة
أو خمسا وعشرين سنة وهو أول قتيل يوم كربلاء من آل أبي طالب، فاستأذن
أباه بالقتال فاذن له ثم نظر إليه نظر آيس منه وأرخى عينيه فبكى ثم رفع
سبابتيه نحو السماء وقال اللهم كن أنت الشهيد عليهم فقد برز إليهم غلام
أشبه الناس خلقا وخلقا ومنطقا برسولك وكنا إذا اشتقنا إلى نبيك نظرنا
إليه، ثم رفع صوته وتلا ان الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل
عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم. فشد علي
على الناس وهو يقول:
- انا علي بن الحسين بن علي * نحن وبيت الله أولي بالنبي -
- تالله لا يحكم فينا ابن الدعي * اضرب بالسيف أحامي عن أبي -
- ضرب غلام هاشمي علوي -
فجعل يشد عليهم ثم يرجع إلى أبيه فيقول يا أباه العطش فيقول له
الحسين ع اصبر حبيبي فإنك لا تمسي حتى يسقيك رسول الله ص
بكأسه، فجعل يكر كرة بعد كرة والأعداء يتقون قتله فقتل جماعة فنظر إليه
مرة بن منقذ العبدي فقال علي آثام العرب ان هو فعل مثل ما أراه يفعل ومر
بي أن لم اثكله امه فمر يشد على الناس كما كان يفعل فاعترضه مرة بن منقذ
وطعنه بالرمح وقيل بل رماه بسهم فصرعه فنادى يا أبتاه عليك السلام هذا
جدي يقرئك السلام ويقول لك عجل القدوم علينا واعتوره الناس فقطعوه
بأسيافهم فجاء الحسين ع حتى وقف عليه وقال: قتل الله قوما قتلوك يا
بني ما أجرأهم على الرحمن وعلى انتهاك حرمة الرسول، على الدنيا بعدك
العفا. وخرجت زينب بنت علي ع وهي تنادي يا حبيباه ويا
ابن أخاه وجاءت فأكبت عليه فجاء الحسين ع فاخذ بيدها وردها إلى
الفسطاط واقبل بفتيانه وقال احملوا أخاكم فحملوه من مصرعه حتى وضعوه
بين يدي الفسطاط الذي كانوا يقاتلون أمامه وبرز عبد الله بن مسلم بن
عقيل بن أبي طالب وفي مناقب ابن شهرآشوب انه أول من برز وأمه رقية
بنت علي بن أبي طالب ع وهو يرتجز ويقول:
- اليوم ألقى مسلما وهو أبي * وفتية بادوا على دين النبي -
- ليسوا بقوم عرفوا بالكذب * لكن خيار وكرام النسب -
- من هاشم السادات أهل الحسب -
(٦٠٧)

فقتل عدة رجال في ثلاث حملات فرماه عمير بن صبيح الصدائي وقيل
غيره بسهم فوضع عبد الله يده على جبهته يتقيه فأصاب السهم كفه ونفذ
إلى جبهته فسمرها فلم يستطيع ان يحركها ثم طعنه أسيد بن مالك بالرمح
في قلبه فقتله وحمل الناس على الحسين ع وأهل بيته من كل جانب
فخرج محمد بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب وامه زينب بنت أمير
المؤمنين ع ثم قاتل حتى قتل عشرة أنفس فحمل عليه عامر بن نهشل
التميمي فقتله وخرج اخوه عون بن عبد الله بن جعفر ع وامه
أيضا زينب بنت أمير المؤمنين ع وهو يقول:
- ان تنكروني فانا ابن جعفر * شهيد صدق في الجنان أزهر -
- يطير فيها بجناح أخضر * كفى بهذا شرفا في المحشر -
ثم قاتل حتى قتل جماعة كثيرة فحمل عليه عبد الله بن قطبة الطائي
فقتله (١) وخرج القاسم بن الحسن بن علي بن أبي طالب ع
وأمه أم ولد وهو غلام لم يبلغ الحلم فلما نظر الحسين ع إليه قد برز
اعتنقه وجعلا يبكيان ثم استأذن عمه في المبارزة فابى أن يأذن له فلم يزل
الغلام يقبل يديه ورجليه حتى أذن له ودموعه تسيل على خديه وهو يقول:
- ان تنكروني فانا ابن الحسن * سبط النبي المصطفى والمؤتمن -
- هذا حسين كالأسير المرتهن * بين أناس لا سقوا صوب المزن -
فقاتل قتالا شديدا حتى قتل على صغر سنة ثلاثة منهم وقيل أكثر.
قال حميد بن مسلم: خرج علينا غلام كان وجهه شقة قمر وفي يده
سيف وعليه قميص وازار ونعلان قد انقطع شسع أحدهما ما انسى انها
كانت اليسرى، فقال لي عمرو بن سعد بن نفيل الأزدي: والله لأشدن
عليه فقلت سبحان الله وما تريد بذلك والله لو ضربني ما بسطت إليه يدي
دعه يكفكه هؤلاء الذين تراهم قد احتوشوه، فقال والله لأشدن عليه فشد
عليه فما ولى حتى ضرب رأسه بالسيف ففلقه ووقع الغلام إلى الأرض
لوجهه ونادى يا عماه، فجلى الحسين ع كما يجلي الصقر ثم شد شدة
ليث أغضب فضرب عمرو بن سعد بن نفيل بالسيف فأنقاها بالساعد
فقطعها من لدن المرفق فصاح صيحة سمعها أهل العسكر ثم تنحى عنه
الحسين ع وحمل الأعداء ليستنقذوه فوطئت الخيل عمرا بأرجلها حتى
مات، وانجلت الغبرة فإذا بالحسين ع قائم على رأس الغلام وهو
يفحص برجليه والحسين يقول: بعدا لقوم قتلوك ومن خصمهم يوم القيمة
فيك جدك وأبوك، ثم قال ع: عز والله على عمك ان تدعوه
فلا يجيبك أو يجيبك فلا ينفعك، صوت والله كثر واتره وقل ناصره، ثم
حمله ووضع صدره على صدره وكأني انظر إلى رجلي الغلام يخطان الأرض
فجاء به حتى ألقاه مع ابنه علي والقتلى من أهل بيته، فسالت عنه فقيل لي
هو القاسم بن الحسن بن علي بن أبي طالب ع، وصاح الحسين ع
في تلك الحال: صبرا يا بني عمومتي صبرا يا أهل بيتي فوالله لا رأيتم هوانا
بعد هذا اليوم ابدا وتقدمت اخوة الحسين ع عازمين على أن يموتوا
دونه فأول من خرج منهم أبو بكر (٢) بن علي واسمه عبيد الله وامه ليلى
بنت مسعود من بني نهشل فتقدم وهو يرتجز ويقول:
- شيخي علي ذو الفخار الأطول * من هاشم الصدق الكريم المفضل -
- هذا حسين ابن النبي المرسل * عنه نحامي بالحسام المصقل -
- تفديه نفسي من أخ مبجل -
فلم يزل يقاتل حتى قتله زحر بن بدر النخعي ثم برز من بعده
اخوه عمر بن علي فحمل على زحر قاتل أخيه فقتله واستقبل القوم وجعل
يضرب بسيفه ضربا منكرا وهو يقول:
- خلوا عداة الله خلوا عن عمر * خلوا عن الليث الهصور المكفهر -
- يضربكم بسيفه ولا يفر * وليس فيها كالجبان المنحجر -
فلم يزل يقاتل حتى قتل ولما رأى العباس بن علي كثرة القتلى من
أهله قال لاخوته من أبيه وأمه وهم عبد الله وعمره خمس وعشرون سنة
وجعفر وعمره تسع عشرة سنة وعثمان وعمره إحدى وعشرون سنة وأمهم أم
البنين بنت خالد بن حرام الكلابية واسمها فاطمة: يا بني أمي تقدموا حتى
أراكم قد نصحتم لله ولرسوله فإنه لا ولد لكم فتقدموا فقاتلوا حتى قتلوا
وبرز من بعدهم اخوهم العباس بن علي وهو أكبرهم ويكنى أبا الفضل
ويلقب بالسقا وقمر بني هاشم وهو صاحب لواء الحسين، وكان العباس
وسيما جميلا يركب الفرس المطهم ورجلاه يخطان في الأرض فيروى انه خرج
يطلب الماء وحمل على القوم وهو يقول:
- لا أرهب الموت إذا الموت رقا * حتى أوارى في المصاليت لقا -
- نفسي لسبط المصطفى الطهر وقا * اني انا العباس أغدو بالسقا -
- ولا أخاف الشر يوم الملتقى -
ففرقهم وضربه زيد بن ورقاء على يمينه فقطعها فاخذ السيف بشماله
وحمل وهو يرتجز ويقول:
- والله ان قطعتم يميني * اني أحامي دائما عن ديني -
- وعن امام صادق اليقين * نجل النبي الطاهر الأمين -
فضربه حكيم بن الطفيل على شماله فقطعها فقال:
- يا نفس لا تخشي من الكفار * وابشري برحمة الجبار -
- مع النبي السيد المختار * قد قطعوا ببغيهم يساري -
- فاصلهم يا رب حر النار -
فضربه آخر بعمود من حديد فقتله ويروى في كيفية قتله غير ذلك
وهو ان الحسين ع لما اشتد به العطش ركب المسناة يريد الفرات وبين
يديه العباس اخوه فاعترضتهما خيل ابن سعد وأحاطوا بالعباس فاقتطعوه
عنه فجعل العباس يقاتلهم وحده حتى قتل قتله زيد بن ورقاء الحنفي
وحكيم بن الطفيل السنبسي بعد أن أثخن بالجراح فلم يستطع حراكا فبكى
الحسين ع لقتله بكاء شديدا ولنعم ما قال القائل:
- أحق الناس ان يبكى عليه * فتى ابكى الحسين بكربلاء -
- اخوه وابن والده علي * أبو الفضل المضرج بالدماء -
- ومن واساه لا يثنيه شئ * وجاد له على عطش بماء -
ثم أن الحسين ع دعا الناس إلى البراز فلم يزل يقتل كل من برز
إليه حتى قتل مقتلة عظيمة ثم حمل على الميمنة وهو يقول:
- القتل أولي من ركوب العار * والعار أولي من دخول النار -
- والله من هذا وهذا جاري -

(١) في تاريخ الطبري ان قاتله عامر بن نهشل وقاتل أخيه عبد الله بن قطبة عكس ما ذكرناه.
(٢) قال الطبري في تاريخه وابن الأثير في الكامل وقد شك في قتله.
(٦٠٨)

ثم حمل على الميسرة وهو يقول:
- انا الحسين بن علي * آليت ان لا انثني -
- احمي عيالات أبي * امضي على دين النبي -
وخرج غلام من خباء من أخبية الحسين ع وهو محمد بن أبي
سعيد بن عقيل وفي أذنيه درتان فاخذ بعود من عيدانه وهو مذعور فجعل
يلتفت يمينا وشمالا وقرطاه يتذبذبان فحمل عليه هاني بن ثبيت الحضرمي
فضربه بالسيف فقتله فصارت امه شهربانويه تنظر إليه ولا تتكلم كالمدهوشة
ونادى الحسين ع هل من ذاب يذب عن حرم رسول الله ص هل
من موحد يخاف الله فينا هل من مغيث يرجو الله في إغاثتنا هل من معين
يرجو ما عند الله في اعانتنا فارتفعت أصوات النساء بالعويل فتقدم إلى
باب الخيمة وقال لزينب ناوليني ولدي الصغير حتى أودعه فاتي بابنه عبد الله
وامه الرباب بنت امرئ القيس فاخذه وأجلسه في حجره وأومأ إليه ليقبله فرماه
حرملة بن كاهل الأسدي بسهم فوقع في نحره فذبحه فقال لزينب خذيه ثم
تلقى الدم بكفيه فلما أملأتا رمى بالدم نحو السماء ثم قال هون علي ما نزل
به انه بعين الله ثم حمله حتى وضعه مع قتلى أهل بيته وفي رواية انه حفر
له بجفن سيفه ورمله بدمه فدفنه وعطش الحسين ع حتى اشتد عليه
العطش فدنا ليشرب من الماء فرماه الحصين بن تميم بسهم فوقع في فمه
الشريف فجعل يتلقى الدم من فمه ويرمي به إلى السماء وحمل القوم
على الحسين ع فغلبوه على معسكره وقد اشتد به العطش فركب المسناة
يريد الفرات فاعترضته خيل ابن سعد وفيهم رجل من بني أبان بن دارم
فقال لهم ويلكم حولوا بينه وبين الفرات ولا تمكنوه من الماء فحالوا بينه
وبين الفرات فقال الحسين ع اللهم اظمئه. وفي رواية اللهم اقتله عطشا
ولا تغفر له فغضب الدارمي ورماه بسهم فأثبته في حنكه الشريف فانتزع
الحسين ع السهم وبسط يديه تحت حنكه فامتلأت راحتاه من الدم
فرمى به نحو السماء ثم حمد الله وأثنى عليه ثم قال اللهم إني أشكو إليك ما
يفعل بابن بنت نبيك ثم إن الحسين ع عاد إلى مكانه وقد اشتد به
العطش واقبل شمر في جماعة من أصحابه فأحاطوا به فأسرع منهم رجل
يقال له مالك بن النسر الكندي فشتم الحسين ع وضربه على رأسه
الشريف بالسيف وكان على رأسه برنس وقيل قلنسوة فقطع البرنس ووصل
السيف إلى رأسه فامتلأ البرنس دما ثم القى البرنس أو القلنسوة ودعا
بخرقة فشد بها رأسه واستدعى بقلنسوة أخرى فلبسها واعتم عليها
وأخذ الكندي البرنس وكان من خز فلما قدم على أهله اخذ يغسل عنه
الدم فقالت له امرأته أ سلب ابن رسول الله يدخل بيتي أخرجه
عني ورجع شمر ومن معه عن الحسين ع إلى مواضعهم فمكثوا هنيهة
ثم عادوا إليه فاخذ الحسين يشد عليهم فينكشفون عنه ثم إنهم أحاطوا به
فخرج عبد الله بن الحسن بن علي ع من عند النساء وهو غلام لم يراهق
فلحقته زينب بنت علي ع لتحبسه فقال لها الحسين ع
أحبسيه أختي فامتنع عليها امتناعا شديدا وجاء يشتد إلى عمه الحسين حتى
وقف إلى جنبه وقال: لا أفارق عمي، فاهوى أبجر ابن كعب إلى الحسين
ع بالسيف، فقال له الغلام: ويلك يا ابن الخبيثة أ تقتل عمي؟!
فضربه أبجر بالسيف فاتقاها الغلام بيده فأطنها إلى الجلد فإذا هي معلقة،
فنادى الغلام يا عماه أو يا أماه فاخذه الحسين ع فضمه إلى صدره وقال
يا ابن أخي اصبر على ما نزل بك واحتسب في ذلك الخير فان الله يلحقك
بآبائك الصالحين برسول الله ص وعلي وحمزة وجعفر والحسن صلى الله
عليهم أجمعين، فرماه حرملة بسهم فذبحه وهو في حجر عمه.
ولما بقي الحسين ع في ثلاثة أو أربعة من أصحابه وفي رواية
رهط من أهله قال ابغوني ثوبا لا يرغب فيه أحد أجعله تحت ثيابي لئلا أجرد
منه بعد قتلي فاني مقتول مسلوب فاتي بتبان قال لا ذاك لباس من ضربت
عليه الذلة ولا ينبغي لي أن ألبسه وفي رواية أنه قال هذا لباس أهل الذمة
فاخذ ثوبا خلقا فخرقه وجعله تحت ثيابه وفي رواية انه أتى بشئ
أوسع منه دون السراويل وفوق التبان فلبسه فلما قتل جردوه منه ثم
استدعى بسراويل من حبرة يمانية يلمع فيها البصر ففزرها ولبسها وانما
فزرها لئلا يلبسها بعد قتله فلما قتل سلبها منه أبجر بن كعب وتركه مجردا
وأقبل الحسين ع على القوم يدفعهم عن نفسه والثلاثة الذين معه
يحمونه حتى قتل الثلاثة وبقي وحده وقد أثخن بالجراح في رأسه وبدنه
فجعل يضاربهم بسيفه وحمل الناس عليه عن يمينه وشماله فحمل على الذين
عن يمينه فتفرقوا ثم حمل على الذين عن يساره فتفرقوا قال بعض الرواة
فوالله ما رأيت مكثورا قط قد قتل ولده وأهل بيته وأصحابه اربط جاشا ولا
امضى جنانا ولا أجرأ مقدما منه والله ما رأيت قبله ولا بعده مثله وإن كانت
الرجالة لتشد عليه فيشد عليها بسيفه فتنكشف عن يمينه وعن شماله
انكشاف المعزى إذا شد فيها الذئب ولقد كان يحمل فيهم وقد تكلموا
ثلاثين ألفا فينهزمون من بين يديه كأنهم الجراد المنتشر ثم يرجع إلى مركزه
وهو يقول لا حول ولا قوة إلا بالله فلما رأى شمر ذلك استدعى الفرسان
فصاروا في ظهور الرجالة وأمر الرماة أن يرموه فرشقوه بالسهام حتى صار
كالقنفذ فأحجم عنهم فوقفوا بازائه وجاء شمر في جماعة من أصحابه فحالوا
بينه وبين رحله الذي فيه ثقله وعياله فصاح الحسين ع ويلكم يا شيعة
آل سفيان ان لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون يوم المعاد فكونوا أحرارا في
دنياكم هذه وارجعوا إلى أحسابكم ان كنتم عربا كما تزعمون فناداه شمر ما
تقول يا ابن فاطمة فقال أقول إني أقاتلكم وتقاتلونني والنساء ليس عليهن
جناح فامنعوا عتاتكم وجهالكم وطغاتكم من التعرض لحرمي ما دمت حيا
فقال شمر لك ذلك يا ابن فاطمة ثم صاح إليكم عن حرم الرجل واقصدوه
بنفسه فلعمري هو كفؤ كريم فقصدوه بالحرب وجعل شمر يحرضهم على
الحسين ع والحسين يحمل عليهم فينكشفون عنه وهو في ذلك يطلب
شربة من ماء فلا يجد وكلما حمل بفرسه على الفرات حملوا عليه بأجمعهم
حتى اجلوه عنه ولما أثخن بالجراح وبقي كالقنفذ طعنه صالح بن وهب
المزني على خاصرته طعنة فسقط عن فرسه على الأرض على خده الأيمن ثم
قام وخرجت أخته زينب إلى باب الفسطاط وهي تنادي وا أخاه وا سيداه وا
أهل بيتاه وقد دنا عمر بن سعد فقالت يا عمر: أ يقتل أبو عبد الله وأنت
تنظر إليه فدمعت عيناه حتى سالت دموعه على خديه ولحيته وصرف وجهه
عنها ولم يجبها بشئ فنادت ويلكم أ ما فيكم مسلم، فلم يجبها أحد بشئ
وقاتل ع راجلا قتال الفارس الشجاع يتقي الرمية ويفترص العورة ويشد
على الخيل وهو يقول: أ على قتلي تجتمعون اما والله لا تقتلون بعدي عبدا
من عباد الله، الله اسخط عليكم لقتله مني وأيم الله اني لأرجو ان يكرمني
الله بهوانكم ثم ينتقم لي منكم من حيث لا تشعرون اما والله لو قتلتموني
لألقى الله بأسكم بينكم وسفك دماءكم ثم لا يرضى لكم بذلك حتى
يضاعف لكم العذاب الأليم ولم يزل يقاتل حتى أصابه اثنان وسبعون
(٦٠٩)

جراحة فوقف يستريح ساعة وقد ضعف عن القتال فبينا هو واقف إذ اتاه
حجر فوقع على جبهته فاخذ الثوب ليمسح الدم عن جبهته فاتاه سهم
مسموم له ثلاث شعب فوقع على قلبه فقال بسم الله وبالله وعلى ملة رسول
الله ص ثم رفع رأسه إلى السماء وقال إلهي تعلم أنهم يقتلون رجلا ليس على
وجه الأرض ابن بنت نبي غيره ثم أخذ السهم فأخرجه من وراء ظهره
فانبعث الدم كأنه ميزاب فضعف ووقف وتحاماه الناس فمكث طويلا من
النهار وكلما جاءه أحد انصرف عنه كراهية ان يلقى الله بدمه وصاح
شمر بالفرسان والرجالة ويحكم ما تنتظرون بالرجل اقتلوه ثكلتكم أمهاتكم
فحملوا عليه من كل جانب فضربه زرعة بن شريك على كتفه اليسرى
وضرب الحسين ع زرعة فصرعه وضربه آخر على عاتقه المقدس ضربة
كبا بها لوجهه وكان قد أعيا وجعل يقوم ويكبو وطعنه سنان بن انس
النخعي في ترقوته ثم انتزع الرمح فطعنه في بواني صدره ورماه بسهم فوقع
في نحره فسقط وجلس قاعدا فنزع السهم من نحره وقرن كفيه جميعا
فكلما امتلأنا من دمائه خضب بها رأسه ولحيته وهو يقول: هكذا القى الله
مخضبا بدمي مغصوبا علي حقي.
مقتله
قال هلال بن نافع اني لواقف مع أصحاب عمر بن سعد إذ صرخ
صارخ ابشر أيها الأمير فهذا شمر قد قتل الحسين فخرجت بين الصفين فوقفت
عليه وانه ليجود بنفسه فوالله ما رأيت قتيلا مخضبا بدمه أحسن منه ولا أنور
وجها ولقد شغلني نور وجهه وجمال هيأته عن الفكرة في قتله فاستسقى في
تلك الحال فسمعت رجلا يقول والله لا تذوق الماء حتى ترد الحامية فتشرب
من حميمها فسمعته يقول انا أرد الحامية فاشرب من حميمها لا والله بل أرد
على جدي رسول الله ص فاسكن معه في داره في مقعد صدق عند مليك
مقتدر وأشرب من ماء غير آسن وأشكو إليه ما ارتكبتم مني وفعلتم بي
فغضبوا بأجمعهم حتى كان الله لم يجعل في قلب أحد منهم من الرحمة شيئا.
وقال عمر بن سعد لرجل عن يمينه انزل ويحك إلى الحسين فأرحه
وقيل بل قال سنان لخولي بن يزيد احتز رأسه فبدر خولي ليحتز رأسه
فضعف وارعد فقال له سنان وقيل شمر فت الله في عضدك ما لك ترعد
ونزل سنان وقيل شمر إليه فذبحه ثم احتز رأسه الشريف وهو يقول اني
لاحتز رأسك وأعلم انك السيد المقدم وابن رسول الله وخير الناس أبا وأما
ثم دفع الرأس الشريف إلى خولي فقال أحمله إلى الأمير عمر بن سعد، وفي
ذلك يقول الشاعر:
- فأي رزية عدلت حسينا * غداة تبيره كفا سنان -
وجاءت جارية من ناحية خيم الحسين ع فقال رجل يا أمة
الله ان سيدك قتل قالت الجارية فأسرعت إلى سيداتي وأنا أصيح فقمن في
وجهي وصحن.
أسماء من اتصلت بنا أسماؤهم
من أنصار الحسين ع الذين قتلوا معه من بني هاشم
أولاد أمير المؤمنين ع
١ أبو بكر بن علي شك في قتله
٢ عمر بن علي
٣ محمد الأصغر بن علي
٤ عبد الله بن علي
٥ العباس بن علي
٦ محمد بن العباس بن علي
٧ عبد الله بن العباس بن علي
٨ عبد الله الأصغر
٩ جعفر بن علي
١٠ عثمان بن علي وفي بعضهم خلاف
أولاد الحسن ع
١١ القاسم بن الحسن
١٢ أبو بكر بن الحسن
١٣ عبد الله بن الحسن
١٤ بشر بن الحسن
أولاد الحسين ع
١٥ علي بن الحسين الأكبر
١٦ عبد الله الرضيع
١٧ إبراهيم بن الحسين ذكره ابن شهرآشوب وذكر زيادة عن ذلك
أولاد عبد الله بن جعفر
١٨ محمد بن عبد الله بن جعفر
١٩ عون بن عبد الله بن جعفر
٢٠ عبيد الله بن عبد الله بن جعفر
أولاد عقيل بن أبي طالب
٢١ مسلم بن عقيل
٢٢ جعفر بن عقيل
٢٣ جعفر بن محمد بن عقيل ذكره ابن شهرآشوب
٢٤ عبد الرحمن بن عقيل
٢٥ عبد الله الأكبر بن عقيل
٢٦ عبد الله بن مسلم بن عقيل
٢٧ عون بن مسلم بن عقيل
٢٨ محمد بن مسلم بن عقيل
٢٩ محمد بن أبي سعيد بن عقيل
من لم يعرف بعينه
٣٠ أحمد بن محمد الهاشمي ذكره ابن شهرآشوب. ويلاحظ انه لم
يكن معه من ولد العباس ولا غيرهم أحد الا احمد هذا.
أسماء من اتصلت بنا أسماؤهم
من أنصار الحسين ع من غير بني هاشم مرتبة على حروف المعجم
١ إبراهيم بن الحصين الأسدي
٢ أبو الحتوف بن الحارث الأنصاري
٣ أبو عامر النهشلي
٤ الأدهم بن أمية العبدي
٥ أسلم التركي مولى الحسين ع
(٦١٠)

٦ أمية بن سعد الطائي
٧ أنس بن الحارث الكاهلي صحابي
٨ أنيس بن معقل الأصبحي
٩ برير بن خضير الهمداني
١٠ بشر بن عبد الله الحضرمي
١١ بكر بن حي التيمي
١٢ جابر بن الحجاج التيمي
١٣ جبلة بن علي الشيباني
١٤ جنادة بن الحارث السلماني
١٥ جنادة بن كعب الأنصاري
١٦ جندب بن حجير الخولاني
١٧ جون مولى أبي ذر
١٨ جوين بن مالك التميمي
١٩ الحارث بن امرئ القيس الكندي
٢٠ الحارث بن نبهان مولى حمزة
٢١ الحباب بن الحارث
٢٢ الحباب بن عامر الشعبي
٢٣ حبشي بن قاسم النهمي
٢٤ حبيب بن مظهر الأسدي
٢٥ الحجاج بن بدر السعدي
٢٦ الحجاج بن مسروق الجعفي
٢٧ الحر بن يزيد الرياحي
٢٨ الحلاس بن عمرو الراسبي
٢٩ حنظلة بن أسعد الشبامي
٣٠ حنظلة بن عمرو الشيباني
٣١ رافع مولى مسلم الأزدي
٣٢ زاهر بن عمرو الكندي مولى عمرو بن الحمق
٣٣ زهير بن بشر الخثعمي
٣٤ زهير بن سليم الأزدي
٣٥ زهير بن القين البجلي
٣٦ زياد بن عريب الصائدي
٣٧ سالم مولى بني المدينة الكلبي
٣٨ سالم مولى عامر العبدي
٣٩ سعد بن الحارث الأنصاري
٤٠ سعد مولى علي بن أبي طالب ع
٤١ سعد مولى عمرو بن خالد الصيداوي
٤٢ سعيد بن عبد الله الحنفي
٤٣ سلمان بن مضارب البجلي
٤٤ سليمان مولى الحسين ع
٤٥ سوار بن منعم النهمي
٤٦ سويد بن عمرو بن أبي المطاع
٤٧ سيف بن الحارث بن سريع الجابري
٤٨ سيف بن مالك العبدي
٤٩ شبيب مولى الحارث الجابري
٥٠ شوذب مولى بني شاكر
٥١ الضرغامة بن مالك
٥٢ عائذ بن مجمع العائذي
٥٣ عابس بن أبي شبيب الشاكري
٥٤ عامر بن حسان بن شريح بن سعد بن حارثة بن لام بن عمرو بن
طريف بن عمرو بن بشامة بن ذهل بن جدعان بن سعد بن قظرة بن
طئ. ذكر النجاشي في ترجمة حفيده أحمد بن عامر انه قتل مع الحسين
ع وهو غير عامر بن مسلم العبدي الآتي فذاك ابن مسلم وهذا
ابن حسان وذاك عبدي وهذا طائي
٥٥ عامر بن مسلم العبدي
٥٦ عباد بن المهاجر الجهني
٥٧ عبد الأعلى بن يزيد الكلبي
٥٨ عبد الرحمن الأرحبي
٥٩ عبد الرحمن بن عبد ربه الأنصاري
٦٠ عبد الرحمن بن عروة الغفاري
٦١ عبد الرحمن بن مسعود التيمي
٦٢ عبد الله بن أبي بكر. قال الجاحظ في كتاب الحيوان وهو شهيد من
شهداء يوم الطف
٦٣ عبد الله بن بشر الخثعمي
٦٤ عبد الله بن عروة الغفاري
٦٥ عبد الله بن عمير بن جناب الكلبي
٦٦ عبد الله بن يزيد العبدي
٦٧ عبيد الله بن يزيد العبدي
٦٨ عقبة بن سمعان
٦٩ عقبة بن الصلت الجهني
٧٠ عمارة بن صلخب الأزدي
٧١ عمران بن كعب بن حارثة الأشجعي
٧٢ عمار بن حسان الطائي
٧٣ عمار بن سلامة الدالاني
٧٤ عمرو بن عبد الله الجندعي
٧٥ عمرو بن خالد الأزدي
٧٦ عمرو بن خالد الصيداوي
٧٧ عمرو بن قرظة الأنصاري
٧٨ عمرو بن مطاع الجعفي
٧٩ عمرو بن جنادة الأنصاري
٨٠ عمرو بن ضبيعة الضبعي
٨١ عمرو بن كعب أبو ثمامة الصائدي
٨٢ قارب مولى الحسين ع
٨٣ قاسط بن زهير التغلبي
٨٤ القاسم بن حبيب الأزدي
٨٥ كردوس التغلبي
٨٦ كنانة بن عتيق التغلبي
٨٧ مالك بن ذودان
٨٨ مالك بن عبد الله بن سريع الجابري
(٦١١)

٨٩ مجمع الجهني
٩٠ مجمع بن عبيد الله العائذي
٩١ محمد بن بشير الحضرمي
٩٢ مسعود بن الحجاج التيمي
٩٣ مسلم بن عوسجة الأسدي صحابي
٩٤ مسلم بن كثير الأزدي
٩٥ مقسط بن زهير التغلبي
٩٦ منجح مولى الحسن ع
٩٧ الموقع بن ثمامة الأسدي
٩٨ نافع بن هلال الجملي
٩٩ نصر مولى علي ع
١٠٠ النعمان بن عمرو الراسبي
١٠١ نعيم بن عجلان الأنصاري
١٠٢ واضح الرومي مولى الحارث السلماني
١٠٣ وهب بن حباب الكلبي
١٠٤ يزيد بن ثبيط العبدي
١٠٥ يزيد بن زياد بن مهاصر الكندي
١٠٦ يزيد بن مغفل الجعفي
وإذا ضممناهم إلى الثلاثين من بني هاشم كانوا ١٣٦ وإذا ضممنا
إليهم قيس بن مسهر الصيداوي وعبد الله بن بقطر وهاني بن عروة كانوا
١٣٩.
الأمور المتأخرة عن قتله
واقبل القوم على سلب الحسين ع فاخذ قميصه إسحاق بن
حوية (١) الحضرمي ووجد في قميصه ع مائة وبضع عشرة ما بين
رمية وطعنة وضربة وقيل وجد في ثيابه مائة وعشرون رمية بسهم وفي جسده
الشريف ثلاث وثلاثون طعنة برمح وأربع وثلاثون ضربة بسيف وعن
الصادق ع انه وجد بالحسين ع ثلاث وثلاثون طعنة وأربع وثلاثون
ضربة وعن الباقر ع انه وجد به ثلثمائة وبضع وعشرون جراحة وفي
رواية ثلثمائة وستون جراحة واخذ سراويله أبجر بن كعب التميمي
وأخذ ثوبه أخ لإسحاق بن حوية وأخذ قطيفة له كانت من خز
قيس بن الأشعث بن قيس واخذ عمامته الأخنس بن مرثد وقيل
جابر بن يزيد واخذ برنسه مالك بن النسر واخذ نعليه الأسود بن
خالد واخذ درعه البتراء عمر بن سعد فلما قتل عمر أعطاها المختار
لقاتله واخذ سيفه الفلافس النهشلي من بني دارم وقيل جميع بن الخلق الأودي
وقيل الأسود بن حنظلة التميمي واخذ القوس الرجيل بن خيثمة
الجعفي واخذ خاتمه بجدل بن سليم الكلبي وقطع إصبعه مع الخاتم
ومال الناس على الفرش والورس والحلل والإبل فانتهبوها وانتهبوا رحله
وثقله وسلبوا نساءه.
قال حميد بن مسلم: رأيت امرأة من بكر بن وائل كانت مع
زوجها في أصحاب عمر بن سعد فلما رأت القوم قد اقتحموا على نساء
الحسين ع في فسطاطهن وهم يسلبونهن أخذت سيفا وأقبلت نحو
الفسطاط وقالت يا آل بكر بن وائل أ تسلب بنات رسول الله لا حكم الا لله
يا لثارات رسول الله فاخذها زوجها وردها إلى رحله. وانتهوا إلى
علي بن الحسين زين العابدين ع وهو منبسط على فراش وهو شديد
المرض وكان مريضا بالذرب وقد أشرف على الموت ومع شمر جماعة من
الرجالة فقالوا له أ لا نقتل هذا العليل فأراد شمر قتله فقال له حميد بن
مسلم: سبحان الله أ تقتل الصبيان انما هو صبي وانه لما به فلم يزل يدفعهم
عنه حتى جاء عمر بن سعد فصاح النساء في وجهه وبكين فقال لأصحابه لا
يدخل أحد منكم بيوت هؤلاء ولا تتعرضوا لهذا الغلام المريض ومن أخذ
من متاعهن شيئا فليردده فلم يرد أحد شيئا ثم إنهم أشعلوا النار في
الفسطاط فخرجت منه النساء باكيات مسلبات ونادى عمر بن سعد في
أصحابه من ينتدب للحسين فيوطئ الخيل ظهره وصدره، فانتدب منهم
عشرة وهم: إسحاق بن حوية الذي سلب قميص الحسين ع.
والاخنس بن مرثد الذي سلب عمامة الحسين ع. وحكيم بن
الطفيل الذي اشترك في قتل العباس ع. وعمرو بن صبيح الصيداوي
الذي رمى عبد الله بن مسلم بسهم فسمر يده في جبهته. ورجاء بن منقذ
العبدي. وسالم بن خيثمة الجعفي. وصالح بن وهب الجعفي. الذي
طعن الحسين على خاصرته فسقط عن فرسه. وواخط بن غانم وهاني بن
ثبيت الحضرمي الذي قتل جماعة من الطالبيين. واسيد بن مالك فداسوا
الحسين ع بحوافر خيلهم حتى رضوا ظهره وصدره وجاء هؤلاء
العشرة حتى وقفوا على ابن زياد فقال أسيد بن مالك أحدهم:
- نحن رضضنا الصدر بعد الظهر * بكل يعبوب شديد الأسر -
فقال ابن زياد من أنتم قالوا نحن الذين وطئنا بخيولنا ظهر الحسين
حتى طحنا جناجن صدره فامر لهم بجائزة يسيرة قال أبو عمرو الزاهد
فنظرنا في هؤلاء العشرة فوجدناهم جميعا أولاد زنا وسرح عمر بن سعد
من يومه ذلك وهو يوم عاشورا برأس الحسين ع مع خولي بن يزيد
الأصبحي وحميد بن مسلم الأزدي إلى عبيد الله بن زياد قال الطبري
وابن الأثير فوجد القصر مغلقا فاتى بالرأس إلى منزله فوضعه تحت إجانة
ودخل فراشه وقال لامرأته النوار جئتك بغنى الدهر هذا رأس الحسين ع
معك في الدار فقالت ويلك جاء الناس بالذهب والفضة (٢) وجئت برأس
ابن بنت رسول الله ص والله لا يجمع رأسي ورأسك بيت وقامت من
الفراش فخرجت إلى الدار وخولي هذا قتله أصحاب المختار واحرقوه
بالنار وكان مختفيا في مخرجه فدلت عليه امرأته الأخرى العيوف بنت مالك
وكانت تعاديه منذ جاء برأس الحسين ع فلما سألوها عنه قالت لا أدري
وأشارت بيدها إلى المخرج وأمر ابن سعد برؤوس الباقين من أصحاب
الحسين وأهل بيته فقطعت وسرح بها شمر بن ذي الجوشن وقيس بن
الأشعث بن قيس وعمرو بن الحجاج فاقبلوا حتى قدموا بها على ابن زياد
وروي ان الرؤوس كانت سبعين رأسا وروي ثمانية وسبعين رأسا
فاقتسمتها القبائل لتتقرب بها إلى ابن زياد وإلى يزيد لعنهما الله تعالى فجاءت
كندة بثلاثة عشر رأسا وصاحبهم قيس بن الأشعث وجاءت هوازن باثني
عشر رأسا. وقيل بعشرين وصاحبهم شمر بن ذي الجوشن. وجاءت تميم
بسبعة عشرة رأسا. وجاءت بنو أسد بستة عشر رأسا. وقيل بستة

(١) تصغير حياة وفي بعض المواضع إسحاق بن حياة.
(٢) ما زال حب الذهب والفضة وحب الدنيا رأس كل خطيئة وما زال هلاك الناس بالدينار
والدرهم كما جاء في الحديث الشريف فالنوار وان غاظها مجئ زوجها اللعين برأس ابن بنت
رسول الله " ص الا انها اسفت لعدم مجيئه بالذهب والفضة والنهب من رحل ابن بنت رسول
الله " ص ".
(٦١٢)

أرؤس. وجاءت مدحج بسبعة أرؤس. وجاء سائر الناس بثلاثة عشرة
رأسا وقيل بسبعة ثم إن ابن سعد صلى على القتلى من أصحابه ودفنهم
وترك الحسين ع وأصحابه بغير دفن وأقام بقية اليوم العاشر واليوم الثاني
إلى زوال الشمس ثم نادى في الناس بالرحيل وتوجه نحو الكوفة وحمل معه
نساء الحسين ع وبناته وأخواته ومن كان معه من الصبيان وفيهم علي بن
الحسين زين العابدين ع قد نهكته العلة والحسن بن الحسن المثنى وكان
قد واسى عمه في القتال ونقل من المعركة وقد أثخن بالجراح وبه رمق
فبرئ وقال ابن شهرآشوب أسر مقطوعة يده واخواه زيد وعمر أبناء
الحسن السبط ع وتدل بعض الروايات على وجود الباقر ع معهم
وساقوهم كما يساق سبي الروم فقال النسوة بحق الله الا ما مررتم بنا
على مصرع الحسين ع فمروا بهم على الحسين ع وأصحابه وهم
صرعى فلما نظر النسوة إلى القتلى صحن وضربن وجوههن ثم أن سكينة
بنت الحسين ع اعتنقت جسد أبيها فاجتمع عدة من الاعراب حتى
جروها عنه. ولما رحل ابن سعد عن كربلا خرج قوم من بني أسد كانوا
نزولا بالغاضرية إلى الحسين ع وأصحابه فصلوا على تلك الجثث
الطواهر ودفنوها فدفنوا الحسين ع حيث قبره الآن ودفنوا ابنه عليا الأكبر
عند رجليه وحفروا للشهداء من أهل بيته ولأصحابه الذين صرعوا حوله مما
يلي رجلي الحسين ع فجمعوهم فدفنوهم جميعا في حفيرة واحدة وسووا
عليهم التراب قال المسعودي ودفن أهل الغاضرية وهم قوم من بني عامر
من بني أسد الحسين وأصحابه بعد قتلهم بيوم اه اي في اليوم الذي
ارتحل فيه ابن سعد من كربلاء فإنه بقي في كربلا إلى زوال اليوم الحادي
عشر كما مر أما إذا كانوا جاءوا في اليوم الثاني من رحلته فيكون الدفن من
بعد القتل بيومين ويقال ان اقربهم دفنا إلى الحسين ولده الأكبر ع
فيزورهم الزائر من عند قبر الحسين ع ويومي إلى الأرض التي
نحو رجليه بالسلام عليهم ودفنوا العباس بن علي ع في موضعه
الذي قتل فيه على المسناة بطريق الغاضرية حيث قبره الآن ودفنوا بقية
الشهداء حول الحسين ع في الحائر قال المفيد عليه الرحمة ولسنا
نحصل لهم أجداثا على التحقيق والتفصيل الا انا لا نشك ان الحائر محيط
بهم رضي الله عنهم وأرضاهم ويقال ان بني أسد دفنوا حبيب بن مظهر في
قبر وحده عند رأس الحسين ع حيث قبره الآن اعتناء به لأنه أسدي وان
بني تميم حملوا الحر بن يزيد الرياحي على نحو ميل من الحسين ع ودفنوه
هناك حيث قبره الآن اعتناء به أيضا ولم يذكر ذلك المفيد ولكن اشتهار ذلك
وعمل الناس عليه ليس بدون مستند وسار ابن سعد بسبايا أهل بيت
رسول الله ص فلما قاربوا الكوفة اجتمع أهلها للنظر إليهن فأشرفت امرأة
من الكوفيات وقالت من اي الأسارى أنتن؟ فقلن لها نحن أسارى آل
محمد ص فنزلت من سطحها فجمعت لهن ملاء وازرا ومقانع. وهذه حال
الزمان ونوائبه فزينب العقيلة ومن معها من عقائل آل أبي طالب كن بالأمس
في الكوفة مقر خلافة أبيهن أمير المؤمنين معززات مجللات يدخلن اليوم
الكوفة بزي الأسارى وتجمع لهن إحدى الكوفيات الملاء والازر والمقانع
ليسترن بها عن أعين النظار:
- لا اضحك الله سن الدهر ان ضحكت * وآل احمد مظلومون قد قهروا -
خطبة زينب ع بالكوفة
قال خزيم بن بشر الأسدي: نظرت إلى زينب بنت علي ع
يومئذ فلم أر خفرة أنطق منها كأنها تفرع عن لسان أمير المؤمنين
ع وقد أومات إلى الناس أن اسكتوا فارتدت الأنفاس وسكنت
الأجراس ثم قالت: الحمد لله والصلاة على محمد وآله الطاهرين اما بعد يا
أهل الكوفة يا أهل الختل والغدر أ تبكون فلا رقات الدمعة ولا قطعت الرنة
إنما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا تتخذون ايمانكم دخلا
بينكم وهل فيكم الا الصلف (١) النطف (٢) والصدر الشنف (٣) الا الصلف
والعجب والشنف والكذب وملق (٤) الإماء وغمز (٥) الأعداء أو كمرعى
على دمنة (٦) أو كفضة على ملحودة (٧) الا ساء ما قدمت لكم أنفسكم ان
سخط الله عليكم وفي العذاب أنتم خالدون. أ تبكون وتنتحبون اي والله
فابكوا كثيرا واضحكوا قليلا فلقد ذهبتم بعارها وشنارها (٨) ولن
ترحضوها (٩) بغسل بعدها ابدا وانى ترحضون قتل سليل خاتم النبوة ومعدن
الرسالة وسيد شباب أهل الجنة وملاذ حيرتكم ومفزع نازلتكم ومنار حجتكم
محجتكم ومدرة (١٠) سنتكم الا ساء ما تزرون وبعدا لكم وسحقا فلقد
خاب السعي وتبت الأيدي وخسرت الصفقة وبؤتم بغضب من الله
وضربت عليكم الذلة والمسكنة ويلكم يا أهل الكوفة أ تدرون اي كبد
لرسول الله فريتم فرثتم (١١) وأي كريمة له أبرزتم وأي دم له سفكتم وأي
حرمة له انتهكتم لقد جئتم بها صلعاء (١٢) عنقاء (١٣) سواء (١٤) فقماء (١٥)
نأناء (١٦) وفي رواية خرقاء (١٧) شوهاء (١٨) كطلاع الأرض (١٩) أو ملء
السماء أ فعجبتم ان مطرت السماء دما فلعذاب الآخرة أخزى وأنتم لا
تنصرون فلا يستخفنكم المهل فإنه لا يحفزه (٢٠) البدار ولا يخاف فوت الثار
وان ربكم لبالمرصاد. قال فوالله لقد رأيت الناس يومئذ حيارى يبكون وقد
وضعوا أيديهم في أفواههم ورأيت شيخا واقفا إلى جنبي يبكي حتى
اخضلت لحيته وهو يقول بأبي أنتم وأمي كهولكم خير الكهول وشبابكم خير
الشباب ونساؤكم خير النساء ونسلكم خير نسل لا يخزى ولا يبزى (٢١).
خطبة علي بن الحسين ع بالكوفة
ثم إن زين العابدين ع أوما إلى الناس ان اسكتوا فسكتوا فقام
قائما فحمد الله وأثنى عليه وذكر النبي ص بما هو أهله فصلى عليه ثم قال:

(١) الصلف بفتحتين ادعاء الانسان فوق ما فيه تكبرا وهو صلف ككتف.
(٢) النطف بالتحريك التلطخ بالعيب وهو نطف اي متلطخ بالعيب.
(٣) الشنف بالتحريك البغض والتنكر وصدر شف اي مبغض متنكر.
(٤) الملق الاعطاء باللسان ما ليس في القلب.
(٥) الغمز الطعن.
(٦) الدمنة بالكسر الموضع القريب من الدار يضرب مثلا لمن يروق منظره ويسوء مخبره.
(٧) اي ميتة موضوعة في اللحد.
(٨) الشنار العيب.
(٩) تغسلوها.
(١٠) المدره كمنبر زعيم القوم والمتكلم عنهم والذي يرجعون إلى رأيه.
(١١) الفري القطع والفرث التفتيث.
(١٢) الصلعاء الداهية القبيحة المكشوفة.
(١٣) العنقاء الداهية.
(١٤) قبيحة.
(١٥) عظيمة.
(١٦) النأنأة العجز والضعف.
(١٧) الخرق ضد الرفق.
(١٨) قبيحة.
(١٩) اي ملؤها.
(٢٠) لا يعجله.
(٢١) اي لا يغلب ولا يقهر.
(٦١٣)

أيها الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فانا أعرفه بنفسي انا علي بن
الحسين بن علي بن أبي طالب انا ابن من انتهك حريمه وسلب نعيمه وانتهب
ماله وسبي عياله انا ابن المذبوح بشط الفرات من غير ذحل ولا ترات انا
ابن من قتل صبرا وكفى بذلك فخرا أيها الناس ناشدتكم بالله هل تعلمون
انكم كتبتم إلى أبي وخدعتموه وأعطيتموه من أنفسكم العهد والميثاق والبيعة
وقتلتموه وخذلتموه فتبا لما قدمتم لأنفسكم وسوأة لرأيكم بآية عين تنظرون
إلى رسول الله إذ يقول لكم قتلتم عترتي وانتهكتم حرمتي فلستم من أمتي.
فارتفعت أصوات الناس بالبكاء من كل ناحية وقال بعضهم لبعض هلكتم
وما تعلمون فقال ع: رحم الله امرأ قبل نصيحتي وحفظ وصيتي
في الله ورسوله وأهل بيته فان لنا في رسول الله أسوة حسنة فقالوا بأجمعهم نحن
كلنا سامعون مطيعون حافظون لذمامك غير زاهدين فيك ولا راغبين عنك فمرنا
بامرك يرحمك الله فانا حرب لحربك وسلم لسلمك لنأخذن يزيد ونبرأ ممن
ظلمك وظلمنا فقال ع هيهات هيهات أيتها الغدرة المكرة حيل بينكم
وبين شهوات أنفسكم أ تريدون ان تأتوا إلي كما أتيتم إلى آبائي من قبل كلا
ورب الراقصات فان الجرح لما يندمل قتل أبي بالأمس وأهل بيته معه ولم
ينسني ثكل رسول الله ص وثكل أبي وبني أبي ووجده بين لهاتي (١) ومرارته
بين حناجري وحلقي وغصصه تجري في فراش (٢) صدري ومسألتي ان لا
تكونوا لنا ولا علينا ثم قال:
- لا غرو ان قتل الحسين فشيخه * قد كان خيرا من حسين واكرما -
- فلا تفرحوا يا أهل كوفان بالذي * أصاب حسينا كان ذلك أعظما -
- قتيل بشط النهر روحي فداؤه * جزاء الذي أرداه نار جهنما -
ثم قال رضينا منكم رأسا برأس فلا لنا ولا علينا.
عند ابن زياد
وجاء سنان بن انس النخعي إلي باب ابن زياد فقال:
- أوقر ركابي فضة أو ذهبا * اني قتلت السيد المحجبا -
- قتلت خير الناس أما وأبا * وخيرهم إذ ينسبون نسبا -
فلم يعطه ابن زياد شيئا وقيل إن سنانا أنشد هذه الأبيات على
باب فسطاط عمر بن سعد فخذفه بالقضيب وقال أ ومجنون أنت والله لو
سمعك ابن زياد لضرب عنقك وقيل المنشد لها عند ابن سعد وهو شمر
وقيل إن قاتل الحسين ع انشدها عند يزيد لعنه الله والله أعلم ثم
إن ابن زياد لعنه الله جلس في قصر الامارة وأذن للناس إذنا عاما وأمر
باحضار رأس الحسين ع فوضع بين يديه فجعل ينظر إليه ويبتسم وكان
في يده قضيب فجعل يضرب به ثناياه ويقول إنه كان حسن الثغر وقال لقد
أسرع الشيب إليك يا أبا عبد الله ثم قال: يوم بيوم بدر وكان عنده
انس بن مالك فبكى وقال كان أشبههم برسول الله ص
وكان إلى جانبه زيد بن أرقم صاحب رسول الله ص وهو شيخ كبير
فلما رآه يضرب بالقضيب ثناياه قال له ارفع قضيبك عن هاتين الشفتين فوالله
الذي لا إله غيره لقد رأيت شفتي رسول الله ص ما لا أحصيه كثرة يقبلهما
ثم انتحب باكيا، فقال له ابن زياد ابكى الله عينيك أ تبكي لفتح الله والله
لولا انك شيخ قد خرفت وذهب عقلك لضربت عنقك، فنهض وهو يقول:
أيها الناس أنتم العبيد بعد اليوم قتلتم ابن فاطمة وأمرتم ابن مرجانة والله
ليقتلن خياركم وليستعبدن شراركم فبعدا لمن يرضى بالذل والعار، ثم قال
يا ابن زياد لأحدثنك حديثا أغلظ عليك من هذا رأيت رسول الله ص اقعد
حسنا على فخذه اليمنى وحسينا على فخذه اليسرى ثم وضع يديه على
يافوخيهما ثم قال اللهم إني استودعك إياهما وصالح المؤمنين فكيف كانت
وديعة رسول الله ص عندك يا ابن زياد.
زينب وزين العابدين
وأدخل نساء الحسين ع وصبيانه على ابن زياد فلبست زينب ع
أرذل ثيابها وتنكرت ومضت حتى جلست ناحية من القصر وحف بها
اماؤها، فقال ابن زياد من هذه، فلم تجبه فأعاد الكلام ثانيا وثالثا يسال
عنها فلم تجبه فقال له بعض امائها هذه زينب بنت فاطمة بنت رسول الله
ص فاقبل عليها ابن زياد وخاطبها بما فيه الشماتة والجفاء والغلظة والجرأة
على الله ورسوله كما يقتضيه لؤم عنصره وخبث طينته وأراد تصديق كونه
دعيا ابن دعي، فقال لها: الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم واكذب
أحدوثتكم، فأجابته زينب ع بما أخرسه وأخزاه وفضحه
فقالت: الحمد لله الذي أكرمنا بنبيه محمد ص وطهرنا من الرجس تطهير
انما يفتضح الفاسق ويكذب الفاجر وهو غيرنا، فقال كيف رأيت فعل الله
بأخيك وأهل بيتك، فقالت ما رأيت الا جميلا هؤلاء قوم كتب الله عليهم
القتل فبرزوا إلى مضاجعهم وسيجمع الله بينك وبينهم فتتحاجون إليه
وتختصمون عنده فانظر لمن الفلج يومئذ هبلتك أمك يا ابن مرجانة. فغضب
واستشاط حين أعياه الجواب، وكانه هم بها فقال له عمرو بن حريث:
أيها الأمير انها امرأة والمرأة لا تؤاخذ بشئ من منطقها ولا تذم على خطيئتها.
فلجا ابن زياد حينئذ إلى البذاءة وسوء القول مما هو جدير به فقال لها: لقد
شفى الله نفسي من طاغيتك الحسين والعصاة المردة من أهل بيتك، فرقت
زينب وبكت وقالت له: لعمري لقد قتلت كهلي وقطعت فرعي واجتثثت
أصلي فإن كان هذا شفاءك فقد اشتفيت، وعرض عليه زين العابدين
علي بن الحسين ع فقال من أنت؟ قال علي بن الحسين فقال:
أ ليس قد قتل الله علي بن الحسين، فقال له علي: قد كان لي أخ يسمى عليا
قتله الناس، فقال بل الله قتله، فقال علي بن الحسين: الله يتوفى الأنفس
حين موتها، فغضب ابن زياد وقال وبك جرأة لجوابي وفيك بقية للرد علي
اذهبوا به فاضربوا عنقه، فتعلقت به عمته زينب وقالت يا ابن زياد حسبك
من دمائنا واعتنقته وقالت لا والله لا أفارقه فان قتلته فاقتلني معه فقال لها
علي اسكتي يا عمة حتى أكلمه، ثم أقبل عليه فقال: أ بالقتل تهددني يا
ابن زياد أ ما علمت أن القتل لنا عادة وكرامتنا الشهادة. ثم أمر ابن زياد
بعلي بن الحسين ع وأهل بيته فحملوا إلى دار بجنب المسجد
الأعظم فقالت زينب بنت علي ع لا تدخلن علينا عربية الا أم
ولد أو مملوكة فإنهن سبين كما سبينا، ولما أصبح ابن زياد أمر برأس
الحسين ع فطيف به في سكك الكوفة كلها وقبائلها ولما فرع القوم
من التطواف به في الكوفة ردوه إلى باب القصر. ثم إن ابن زياد نصب
الرؤوس كلها بالكوفة على الخشب وهي أول رؤوس نصبت في الاسلام بعد
رأس مسلم بن عقيل بالكوفة.
ابن زياد يبشر يزيد وعمرو بن سعيد
وكتب ابن زياد إلى يزيد يخبره بقتل الحسين ع وخبر أهل بيته

(١) اللهاة اللحمة في اقصى الفم.
(٢) الفراش كل عظم رقيق بال فراش وفراشة كسحاب وسحابة.
(٦١٤)

وتقدم إلى عبد الملك بن الحارث السلمي فقال انطلق حتى تأتي عمرو بن
سعيد بن العاص بالمدينة وكان أميرا عليها وهو من بني أمية فتبشره بقتل
الحسين ع وقال لا يسبقنك الخبر إليه قال عبد الملك فركبت راحلتي
وسرت نحو المدينة فلقيني رجل من قريش فقال ما الخبر؟ قلت الخبر عند
الأمير تسمعه قال إنا لله وإنا إليه راجعون قتل والله الحسين ولما دخلت
على عمرو بن سعيد قال: ما وراءك؟ قلت ما يسر الأمير قتل الحسين بن
علي، فقال أخرج فناد بقتله، فناديت فلم أسمع واعية قط مثل واعية بني
هاشم في دورهم على الحسين بن علي حين سمعوا بقتله، فدخلت على
عمرو بن سعيد فلما رآني تبسم إلي ضاحكا ثم تمثل بقول عمرو بن معد
يكرب الزبيدي وقيل إنه لما سمع أصوات نساء بني هاشم ضحك وتمثل
بذلك فقال:
- عجت نساء بني زياد عجة * كعجيج نسوتنا غداة الأرنب (١) -
ثم قال عمرو: هذه واعية بواعية عثمان ثم صعد المنبر وخطب
الناس واعلمهم قتل الحسين ع وقال في خطبته انها لدمة بلدمة وصدمة
بصدمة كم خطبة بعد خطبة وموعظة بعد موعظة حكمة بالغة فما تغني النذر
والله لوددت ان رأسه في بدنه وروحه في جسده أحيانا كان يسبنا ونمدحه
ويقطعنا ونصله كعادتنا وعادته ولم يكن من أمره ما كان ولكن كيف نصنع
بمن سل سيفه يريد قتلنا الا ان ندفعه عن أنفسنا فقام عبد الله بن
السائب فقال لو كانت فاطمة حية فرأت رأس الحسين ع لبكت عليه
فجبهه عمرو بن سعيد وقال نحن أحق بفاطمة منك أبوها عمنا وزوجها
أخونا وابنها ابننا لو كانت فاطمة حية لبكت عينها وحرت كبدها وما لامت
من قتله ودفعه عن نفسه.
إلى يزيد
وأما يزيد فإنه لما وصله كتاب ابن زياد اجابه عليه يأمره بحمل رأس
الحسين ع ورؤوس من قتل معه وحمل اثقاله ونسائه وعياله فأرسل ابن
زياد الرؤوس مع زحر بن قيس وأنفذ معه أبا بردة بن عوف الأزدي وطارق
بن أبي ظبيان في جماعة من أهل الكوفة إلى يزيد. ثم أمر ابن زياد بنساء
الحسين ع وصبيانه فجهزوا وامر بعلي بن الحسين ع فغل
بغل إلى عنقه وفي رواية في يديه ورقبته ثم سرح بهم في أثر الرؤوس مع
محفر بن ثعلبة العائذي وشمر بن ذي الجوشن وحملهم على الأقتاب وساروا
بهم كما يسار بسبايا الكفار فانطلقوا بهم حتى لحقوا بالقوم الذين معهم
الرؤوس فلم يكلم علي بن الحسين ع أحدا منهم في الطريق
بكلمة حتى بلغوا الشام. فلما انتهوا إلى باب يزيد رفع محفر بن ثعلبة صوته
فقال هذا محفر بن ثعلبة اتى أمير المؤمنين باللئام الفجرة فاجابه علي بن
الحسين ع ما ولدت أم محفر أشر والأم.
قال الزهري لما جاءت الرؤوس كان يزيد في منظرة له على جيرون
فانشد لنفسه:
- لما بدت تلك الحمول وأشرقت * تلك الشموس على ربي جيرون -
- نعب الغراب فقلت صح أو لا تصح * فلقد قضيت من الغريم ديوني -
وفي جواهر المطالب لأبي البركات شمس الدين محمد الباغندي كما في
نسخة مخطوطة في المكتبة الرضوية المباركة: قال ابن القفطي في تاريخه ان
السبي لما ورد على يزيد بن معاوية خرج لتلقيه فلقي الأطفال والنساء من
ذرية علي والحسن والحسين والرؤوس على اسنة الرماح وقد أشرفوا على ثنية
العقاب فلما رآهم أنشد:
- لما بدت تلك الحمول وأشرفت * تلك الرؤوس على ربى جيرون -
- نعب الغراب فقلت قل أو لا تقل * فلقد قضيت من الرسول ديوني -
يعني بذلك انه قتل الحسين بمن قتله رسول الله ص يوم بدر مثل عتبة
جده ومن مضى من أسلافه. وقائل مثل هذا برئ من الاسلام ولا شك في
كفره وقال في موضع آخر قال بعض أهل التاريخ: هذا كفر صريح لا
يقوله مقر بنبوة محمد ص اه.
ولما قربوا من دمشق دنت أم كلثوم من شمر فقالت له لي إليك حاجة
فقال ما حاجتك قالت إذا دخلت بنا البلد فاحملنا في درب قليل النظارة
وتقدم إليهم ان يخرجوا هذه الرؤوس من بين المحامل وينحونا عنها فقد
خزينا من كثرة النظر إلينا ونحن في هذه الحال فامر في جواب سؤالها ان
تجعل الرؤوس على الرماح في أوساط المحامل بغيا منه وكفرا وسلك بهم بين
النظارة على تلك الصفة حتى اتى بهم باب دمشق، فوقفوا على درج باب
المسجد الجامع حيث يقام السبي. وجاء شيخ فدنا من نساء الحسين وعياله
فظنهم من سبايا الكفار وقال الحمد لله الذي أهلككم وقتلكم وأراح البلاد من
رجالكم وأمكن أمير المؤمنين منكم فقال له علي بن الحسين يا شيخ هل قرأت
القرآن قال نعم قال فهل عرفت هذه لآية قل لا أسألكم عليه اجرا
الا المودة في القربى قال قد قرأت ذلك فقال له علي فنحن القربى يا شيخ
فهل قرأت وآت ذا القربى حقه فقال قد قرأت ذلك فقال علي فنحن القربى
يا شيخ فهل قرأت هذه الآية واعلموا ان ما غنمتم من شئ فأن لله خمسه
والرسول ولذي القربى قال نعم فقال له علي فنحن القربى يا شيخ ولكن
هل قرأت إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم
تطهيرا قال قد قرأت ذلك فقال علي فنحن أهل البيت الذين اختصنا الله
بآية الطهارة يا شيخ قال فبقي الشيخ ساكتا نادما على ما تكلم به وقال بالله
أنكم هم فقال علي بن الحسين ع تالله أنا لنحن هم من غير
شك وحق جدنا رسول الله ص إنا لنحن هم فبكى الشيخ ورمى عمامته ثم
رفع رأسه إلى السماء وقال اللهم إني أبرأ إليك من عدو آل محمد من جن
وأنس ثم قال هل لي من توبة فقال له نعم إن تبت تاب الله عليك وأنت
معنا فقال انا تائب فبلغ يزيد خبره فامر بقتله فقتل ثم أن يزيد دعا
باشراف أهل الشام فأجلسهم حوله
عند يزيد
ثم أدخل ثقل الحسين ع ونساؤه ومن تخلف من أهله على يزيد
وهم مقرنون في الحبال وزين العابدين ع مغلول فلما وقفوا بين يديه على
تلك الحال قال له علي بن الحسين ع أنشدك الله يا يزيد ما ظنك
برسول الله ص لو رآنا على هذه الصفة فلم يبق في القوم أحد إلا وبكى
فامر يزيد بالحبال فقطعت وأمر بفك الغل عن زين العابدين ع.
ثم وضع رأس الحسين ع بين يديه وأجلس النساء خلفه لئلا
ينظرن إليه فجعلت فاطمة وسكينة يتطاولان لينظرا الرأس وجعل يزيد
يتطاول ليستر عنهما الرأس فلما رأين الرأس صحن فصاح نساء يزيد

(١) الأرنب وقعة كانت لبني زبيد على بني زياد من بني الحارث بن كعب.
(٦١٥)

وولولت بنات معاوية فقالت فاطمة بنت الحسين ع أ بنات رسول الله
سبايا يا يزيد فبكى الناس وبكى أهل داره حتى علت الأصوات وأما زينب
ع فإنها لما رأته نادت بصوت حزين يقرح القلوب يا حسيناه يا
حبيب رسول الله يا ابن مكة ومنى يا ابن فاطمة الزهراء سيدة النساء يا ابن
بنت المصطفى فأبكت والله كل من كان حاضرا في المجلس ويزيد
ساكت، ثم جعلت امرأة من بني هاشم كانت في دار يزيد تندب الحسين
ع وتنادي يا حبيباه يا سيد أهل بيتاه يا ابن محمداه يا ربيع الأرامل
واليتامى يا قتيل أولاد الأدعياء فأبكت كل من سمعها ولما وضعت الرؤوس
بين يدي يزيد وفيها رأس الحسين ع جعل يتمثل بقول الحصين
ابن الحمام المري:
- صبرنا وكان الصبر منا سجية * بأسيافنا تفرين هاما ومعصما -
- أبى قومنا ان ينصفونا فأنصفت * قواضب في ايماننا تقطر الدما -
- نفلق هاما من رجال أعزة * علينا وهم كانوا أعق وأظلما -
ودعا بقضيب خيزران وجعل ينكت به ثنايا الحسين ع ثم قال يوم
بيوم بدر. وكان عنده أبو برزة الأسلمي فقال ويحك يا يزيد أ تنكت
بقضيبك ثغر الحسين بن فاطمة أشهد لقد رأيت النبي ص يرشف ثناياه
وثنايا أخيه الحسن ويقول أنتما سيدا شباب أهل الجنة فقتل الله قاتلكما
ولعنه وأعد له جهنم وساءت مصيرا فغضب يزيد وأمر باخراجه فاخرج
سحبا. وفي جواهر المطالب للباغندي أنه لما وفد أهل الكوفة بالسبايا
والرؤوس ودخلوا مسجد دمشق أتاهم مروان بن الحكم فسألهم كيف
صنعوا فاخبروه ثم قام عنهم فاتى يحيى بن الحكم أخو مروان فسألهم
فأعادوا له الكلام فقال حجبتم عن محمد ص يوم القيمة وقال يحيى بن
الحكم وكان جالسا مع يزيد متمثلا:
- لهام بجنب الطف أدنى قرابة * من ابن زياد العبد ذي الحسب الوغل -
- سمية اضحى نسلها عدد الحصى * وبنت رسول الله ليس لها نسل -
فضرب يزيد في صدره وقال اسكت. وفي رواية أنه أسر إليه وقال
سبحان الله أ في هذا الموضع ما يسعك السكوت قال الباغندي وذكر الحافظ
ابن عساكر ان يزيد لما وضع الرأس بين يديه جعل يتمثل بأبيات ابن
الزبعري وزاد يزيد فيها البيتين الأخيرين كما رواه سبط بن الجوزي عن
الشعبي وينبغي أن يكون زاد فيها البيت الثاني أيضا ولكنه غير مذكور في
رواية ابن الجوزي:
- ليت أشياخي ببدر شهدوا * جزع الخزرج من وقع الأسل -
- فأهلوا واستهلوا فرحا * ثم قالوا يا يزيد لا تشل -
- قد قتلنا القرم من ساداتهم * وعدلناه ببدر فاعتدل -
- لعبت هاشم بالملك فلا * خبر حاء ولا وحي نزل * لست من خندف إن لم انتقم * من بني أحمد ما كان فعل -
خطبة زينب ع بالشام
فقامت زينب بنت علي ع فقالت:
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على رسوله وآله أجمعين. صدق الله
سبحانه كذلك حيث يقول ثم كان عاقبة الذين أساؤوا السوء إن كذبوا
بآيات الله وكانوا بها يستهزئون أ ظننت يا يزيد حيث أخذت علينا أقطار
الأرض وآفاق السماء فأصبحنا نساق كما تساق الإماء إن بنا هوانا على الله
وبك عليه كرامة وإن ذلك لعظم خطرك عنده فشمخت بانفك ونظرت في
عطفك جذلان مسرورا حين رأيت الدنيا لك مستوسقة والأمور متسقة
وحين صفا لك ملكنا وسلطاننا فمهلا لا تطش جهلا أ نسيت قول الله تعالى
ولا تحسبن الذين كفروا إنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما
ولهم عذاب مهين أ من العدل يا ابن الطلقاء تخديرك حرائرك وإماءك
وسوقك بنات رسول الله ص سبايا قد هتكت ستورهن وأبديت وجوههن تحدو
بهن الأعداء من بلد إلى بلد ويستشرفهن أهل المناهل والمناقل ويتصفح وجوههن
القريب والبعيد والدني والشريف ليس معهن من حماتهن حمي ولا رجالهن
ولي وكيف ترتجي مراقبة ابن من لفظ فوه أكباد الأزكياء ونبت لحمه بدماء
الشهداء وكيف يستبطأ في بغضنا أهل البيت من نظر إلينا بالشنف والشنان
والإحن والأضغان ثم تقول غير متأثم ولا مستعظم:
- لأهلوا واستهلوا فرحا * ثم قالوا يا يزيد لا تشل -
منحنيا على ثنايا أبي عبد الله ومكان مقبل رسول الله ص تنكتها
بمخصرتك وكيف لا تقول ذلك وقد نكات القرحة واستأصلت الشافة
بإراقتك دماء ذرية محمد ص ونجوم الأرض من آل عبد المطلب وتهتف
بأشياخك زعمت أنك تناديهم فلتردن وشيكا موردهم ولتودن أنك شللت
وبكمت ولم تكن قلت ما قلت وفعلت ما فعلت. اللهم خذ لنا بحقنا
وانتقم ممن ظلمنا وأحلل غضبك بمن سفك دماءنا وقتل حماتنا فوالله ما
فريت إلا جلدك ولا حززت إلا لحمتك ولتردن على رسول الله ص بما تحملت
من سفك دماء ذريته وانتهكت من حرمته في عترته ولحمته حيث يجمع الله
شملهم ويلم شعثهم ويأخذ لهم بحقهم ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل
الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون وحسبك بالله حاكما وبمحمد خصيما
وبجبرائيل ظهيرا وسيعلم من سول لك ومكنك من رقاب المسلمين أن بئس
للظالمين بدلا وأيكم شر مكانا وأضعف جندا. ولئن جرت علي الدواهي
مخاطبتك إني لأستصغر قدرك واستعظم تقريعك واستكبر توبيخك لكن
العيون عبرى والصدر حرى ألا فالعجب كل العجب لقتل حزب الله النجباء
بحزب الشيطان الطلقاء فهذه الأيدي تنظف من دمائنا والأفواه تتحلب من
لحومنا وتلك الجثث الطواهر الزواكي تنتابها العواسل وتعفرها أمهات
الفراعل ولئن اتخذتنا مغنما لتجدننا وشيكا مغرما حيث لا تجد إلا ما قدمت
يداك وما ربك بظلام للعبيد فإلى الله المشتكى وعليه المعول فكد كيدك
واسع سعيك وناصب جهدك فوالله لا تمحو ذكرنا ولا تميت وحينا ولا تدرك
أمدنا ولا ترحض عنك عارها وهل رأيك الا فند وأيامك الا عدد وجمعك
الا بدد يوم ينادي المنادي الا لعنة الله على الظالمين فالحمد لله الذي ختم
لأولنا بالسعادة والمغفرة ولآخرنا بالشهادة والرحمة ونسأل الله ان يكمل لهم
الثواب ويوجب لهم المزيد ويحسن علينا الخلافة إنه رحيم ودود وحسبنا الله
ونعم الوكيل. فقال يزيد مجيبا لها:
- يا صيحة تحمد من صوائح * ما أهون النوح على النوائح -
في مجلس يزيد
ثم قال يزيد لعلي بن الحسين: يا ابن الحسين أبوك قطع رحمي
وجهل حقي ونازعني سلطاني فصنع الله به ما قد رأيت فقال له علي ع
بل ما قال الله أولى: ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا
(٦١٦)

في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير لكيلا تأسوا على ما فاتكم
ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور فقال يزيد لابنه خالد:
أردد عليه فلم يدر خالد ما يرد عليه فقال له يزيد: ما أصابكم من مصيبة
فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير، فقال علي بن الحسين ع يا
ابن معاوية وهند وصخر لقد كان جدي علي بن أبي طالب في يوم بدر واحد
والأحزاب في يده راية رسول الله ص وأبوك وجدك في أيديهما رايات
الكفار، ثم قال علي بن الحسين ع ويلك يا يزيد انك لو تدري
ما ذا صنعت وما الذي ارتكبت من أبي وأهل بيتي وأخي وعمومتي إذا لهربت
في الجبال وافترشت الرماد ودعوت بالويل والثبور أن يكون رأس أبي
الحسين بن فاطمة وعلي منصوبا على باب مدينتكم وهو وديعة رسول الله
ص فيكم فابشر بالخزي والندامة. قال ابن شهرآشوب
وموضع حبس زين العابدين هو اليوم مسجد اه وقال ابن
عساكر مسجده بدمشق معروف وهو الذي يقال له مشهد علي بجامع
دمشق اه.
واستشار يزيد أهل الشام فيما يصنع بهم فقال له بعضهم لا تتخذ من
كلب سوء جروا فقال له النعمان بن بشير انظر ما كان رسول الله ص
يصنعه بهم فاصنعه بهم.
في دمشق
ثم أمر لهم يزيد بدار تتصل بداره وكانوا مدة مقامهم بالشام ينوحون
على الحسين ع ثم أنه نصب الرأس بدمش ثلاثة أيام فيما ذكره الباغندي
وغيره. وعن ابن لهيعة عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن قال لقيني رأس
الجالوت فقال والله إن بيني وبين داود لسبعين أبا وإن اليهود تلقاني فتعظمني
وأنتم ليس بين ابن نبيكم وبينه إلا أب واحد قتلتم ولده. وعن زين
العابدين ع قال لما أتي برأس الحسين ع إلى يزيد كان يتخذ مجالس
الشرب ويأتي برأس الحسين ع ويضعه بين يديه ويشرب عليه. وخرج
زين العابدين ع يوما يمشي في أسواق دمشق فاستقبله المنهال بن عمرو
فقال له كيف أمسيت يا ابن رسول الله قال أمسينا كمثل بني إسرائيل في آل
فرعون يذبحون أبناءهم ويستحيون نساءهم يا منهال أمست العرب تفتخر
على العجم بان محمدا عربي وأمست قريش تفتخر على سائر العرب بان
محمدا منها وأمسينا معشر أهل بيته ونحن مغصوبون مقتولون مشردون إنا لله
وإنا إليه راجعون مما أمسينا فيه يا منهال اه ولله در مهيار حيث قال:
- يعظمون له أعواد منبره * وتحت أرجلهم أولاده وضعوا -
- بأي حكم بنوه يتبعونكم * وفخركم أنكم صحب له تبع -
وأمر يزيد بمنبر وخطيب وأمر الخطيب أن يصعد المنبر فيذم الحسين
وأباه ص فصعد الخطيب المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم بالغ
في ذم أمير المؤمنين والحسين الشهيد وأطنب في مدح معاوية ويزيد فذكرهما
بكل جميل. فصاح به علي بن الحسين ع ويلك أيها الخاطب
اشتريت مرضاة المخلوق بسخط الخالق فتبوأ مقعدك من النار.
ودعا يزيد بعلي بن الحسين وعمرو بن الحسين ع وكان
عمرو غلاما صغيرا يقال إن عمره إحدى عشرة سنة فقال له أ تصارع هذا
يعني ابنه خالدا فقال له عمرو: ولكن اعطني سكينا واعطه سكينا ثم أقاتله
فقال يزيد: شنشنة أعرفها من أخزم هل تلد الحية إلا حية. وكان يزيد
وعد علي بن الحسين يوم دخولهم عليه أن يقضي له ثلاث حاجات فقال له
أذكر حاجاتك الثلاث اللاتي وعدتك بقضائهن فقال له: الأولى ان تريني
وجه سيدي ومولاي وأبي الحسين فأتزود منه وانظر إليه وأودعه. والثانية ان
ترد علينا ما أخذ منا. والثالثة إن كنت عزمت على قتلي أن توجه مع هؤلاء
النساء من يردهن إلى حرم جدهن ص فقال أما وجه أبيك فلن تراه أبدا وأما
قتلك فقد عفوت عنك وأما النساء فما يردهن غيرك إلى المدينة وأما ما أخذ
منكم فانا أعوضكم عنه أضعاف قيمته فقال ع: أما مالك فلا
نريده وهو موفر عليك وإنما طلبت منك ما أخذ منا لان فيه مغزل فاطمة
بنت محمد ص ومقنعتها وقلادتها وقميصها، فامر برد ذلك وزاد فيه من
عنده مائتي دينار فاخذها زين العابدين وفرقها في الفقراء والمساكين. إلى المدينة
ثم أن يزيد أسر برد السبايا والأسارى إلى المدينة وأرسل معهم
النعمان بن بشير الأنصاري في جماعة فلما بلغوا العراق قالوا للدليل مر بنا
على طريق كربلاء وكان جابر بن عبد الله الأنصاري وجماعة من بني هاشم
ورجال من آل الرسول ص قد وردوا لزيارة قبر الحسين ع فبينا هم
كذلك إذا بسواد قد طلع عليهم من ناحية الشام فقال جابر لعبده انطلق إلى
هذا السواد وائتنا بخبره فان كانوا من أصحاب عمر بن سعد فارجع إلينا
لعلنا نلجأ إلى ملجأ وإن كان زين العابدين فأنت حر لوجه الله تعالى
فمضى العبد فما كان بأسرع من أن رجع وهو يقول يا جابر قم واستقبل
حرم رسول الله هذا زين العابدين قد جاء بعماته وأخواته فقام جابر يمشي
حافي الاقدام مكشوف الرأس إلى أن دنا من زين العابدين ع فقال
الامام أنت جابر فقال نعم يا ابن رسول الله، فقال يا جابر ههنا والله قتلت
رجالنا وذبحت أطفالنا وسبيت نساؤنا وحرقت خيامنا. وقال ابن طاوس في
كتاب الملهوف إنهم لما وصلوا إلى موضع المصرع وجدوا جابر بن عبد الله
الأنصاري وجماعة من بني هاشم ورجالا من آل الرسول ص قد وردوا
لزيارة قبر الحسين ع فتوافوا في وقت واحد وتلاقوا بالبكاء والحزن
وأقاموا المآتم واجتمع عليهم أهل ذلك السواد وأقاموا على ذلك أياما ا
ه.
نعي الحسين لأهل المدينة
ثم انفصلوا من كربلاء طالبين المدينة. قال بشير بن جذيم فلما قربنا
منها منزل علي بن الحسين ع فحط رحله وضرب فسطاطه
وانزل نساءه وقال يا بشير رحم الله أباك لقد كان شاعرا فهل تقدر على
شئ منه قلت بلى يا ابن رسول الله إني لشاعر، قال فادخل المدينة وانع أبا
عبد الله، قال بشير فركبت فرسي وركضت حتى دخلت المدينة فلما بلغت
مسجد النبي ص رفعت صوتي بالبكاء وأنشأت أقول:
- يا أهل يثرب لا مقام لكم بها * قتل الحسين فأدمعي مدرار -
- الجسم منه بكربلاء مضرج * والرأس منه على القناة يدار -
ثم قلت: يا أهل المدينة هذا علي بن الحسين مع عماته وأخواته قد
حلوا بساحتكم ونزلوا بفنائكم وانا رسوله إليكم أعرفكم مكانه قال فما
بقيت في المدينة مخدرة ولا محجبة إلا برزن من خدورهن وهن يدعين بالويل
والثبور ولم يبق بالمدينة أحد إلا خرج وهم يصيحون بالبكاء فلم أر باكيا
أكثر من ذلك اليوم ولا يوما أمر على المسلمين منه بعد وفاة رسول الله ص
(٦١٧)

فضربت فرسي حتى رجعت فوجدت الناس قد أخذوا الطرق والمواضع
فنزلت عن فرسي وتخطأت رقاب الناس حتى قربت من باب الفسطاط وكان
علي بن الحسين ع داخلا فخرج ومعه خرقة يمسح بها دموعه
وخلفه خادم معه كرسي فوضعه له وجلس عليه وهو لا يتمالك من العبرة
وارتفعت أصوات الناس بالبكاء من كل ناحية يعزونه فضجت تلك البقعة
ضجة شديدة فاوما بيده أن اسكتوا فسكنت فورتهم فقال: الحمد لله رب
العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين بارئ الخلائق أجمعين الذي بعد
فارتفع في السماوات العلى وقرب فشهد النجوى نحمده على عظائم الأمور
وفجائع الدهور وألم الفجائع ومضاضة اللواذع وجليل الرزء وعظيم المصائب
الفاظعة الفادحة الجائحة أيها القوم إن الله وله الحمد ابتلانا بمصائب جليلة وثلمة في
الاسلام عظيمة قتل أبو عبد الله وعترته وسبي نساؤه وصبيته وداروا برأسه في
البلدان من فوق عامل السنان وهذه الرزية التي لا مثلها رزية أيها الناس
فأي رجالات منكم يسرون بعد قتله أم أي فؤاد لا يحزن من أجله أم أي عين
منكم تحبس دمعها وتضن عن انهما لها يا أيها الناس أي قلب لا ينصدع
لقتله أم أي فؤاد لا يحن إليه أم أي سمع يسمع هذه الثلمة التي ثلمت في
الاسلام ولا يصم أيها الناس أصبحنا مطرودين مشردين مذودين شاسعين
عن الأمصار من غير جرم اجترمناه ولا مكروه ارتكبناه ولا ثلمة في الاسلام
ثلمناها ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين إن هذا إلا اختلاف والله لو أن النبي
ص تقدم إليهم في قتالنا كما تقدم إليهم في الوصاية بنا لما زادوا على ما فعلوا
بنا فانا لله وإنا إليه راجعون من مصيبة ما أعظمها وأوجعها وأفجعها وأكظها
وأفظعها وأمرها وأفدحها فعند الله نحتسب فيما أصابنا وما بلغ منا أنه عزيز
ذو انتقام.
ثم دخل زين العابدين ع إلى المدينة فرآها موحشة باكية ووجد
ديار أهله خالية تنعي أهلها وتندب سكانها ولنعم ما قال الشاعر:
- مررت على أبيات آل محمد * فلم أرها أمثالها يوم حلت -
- فلا يبعد الله الديار وأهلها * وإن أصبحت منهم برغم تخلت -
بعض أحوال يزيد وما فعله مع ابن زياد
في جواهر المطالب لأبي البركات شمس الدين محمد الباغندي كما في
نسخة مخطوطة في المكتبة الرضوية المباركة ما لفظه: حكى ابن الفوطي في
تاريخه قال: كان ليزيد قرد يجعله بين يديه فيكنيه بأبي قيس ويسقيه فضل
كاسه ويقول هذا شيخ من بني إسرائيل أصابته خطيئة فمسخ، وكان يحمله
على أتان وحشية قد ريضت له ويرسلها مع الخيل في حلبة السباق فحمله
يوما عليها فسبقت فسر وانشد:
- تمسك أبا قيس بفضل زمامها * فليس عليها أن سقطت ضمان -
- فقد سبقت خيل الجماعة كلها * وخيل أمير المؤمنين أتان -
وجاء يوما فطرحته الريح فمات فحزن عليه حزنا شديدا وأمر بتكفيه
ودفنه وأمر أهل الشام أن يعزوه فيه وأنشأ يقول:
- ما شيخ قوم كرام ذو محافظة (١) * إلا أتانا يعزي في أبي قيس -
- شيخ العشيرة أمضاها وأجملها * إلى المساعي على القربوس والريس -
- لا يبعد الله قبرا أنت ساكنه * فيه جمال وفيه لحية التيس -
وقال سبط بن الجوزي في تذكرة الخواص: استدعى يزيد ابن زياد
إليه وأعطاه أموالا كثيرة وتحفا عظيمة وقرب مجلسه ورفع منزلته وأدخله على
نسائه وجعله نديمه، وسكر ليلة وقال للمغني غن ثم قال يزيد بديها:
- اسقني شربة تروي فؤادي * ثم مل فاسق مثلها ابن زياد -
- صاحب السر والأمانة عندي * ولتسديد مغنمي وجهادي -
- قاتل الخارجي أعني حسينا * ومبيد الأعداء والحساد -
وقال ابن عقيل: ومما يدل على كفره وزندقته فضلا عن سبه ولعنه
أشعاره التي أفصح بها بالالحاد وأبان عن خبث الضمائر وسوء الاعتقاد قوله
في قصيدته التي أولها:
- علية هاتي واعلني وترنمي * بذلك إني لا أحب التناجيا -
- حديث أبي سفيان قدما سما بها * إلى أحد حتى أقام البواكيا -
- الا هات سقيني على ذاك قهوة * تخيزها العنسي كرما شاميا -
- إذا ما نظرنا في أمور قديمة * وجدنا حلالا شربها متواليا -
- وإن مت يا أم الأحيمر فانكحي * ولا تأملي بعد الفراق تلاقيا -
- فان الذي حدثت عن يوم بعثنا * أحاديث طسم تجعل القلب ساهيا -
- ولا بد لي من أن أزور محمدا * بمشمولة صفراء تروي عظاميا -
قلت ومنها قوله:
- معشر الندمان قوموا * واسمعوا صوت الأغاني -
- واشربوا كأس مدام * واتركوا ذكر المغاني المثاني -
- شغلتني نغمة العيدان * عن صوت الاذان -
- وتعوضت عن الجو * ر عجوزا في الدنان -
إلى غير ذلك مما نقلته من ديوانه ولهذا تطرق إلى هذه الأمة العار
بولايته عليها حتى قال أبو العلاء المعري يشير بالشنار إليها:
- أرى الأيام تفعل كل نكر * فما أنا في العجائب مستزيد -
- أ ليس قريشكم قتلت حسينا * وكان على خلافتكم يزيد -
قلت ولما لعنه جدي أبو الفرج على المنبر ببغداد بحضرة الامام الناصر
وأكابر العلماء قام جماعة من الجفاة من مجلسه فذهبوا فقال جدي: ألا
بعدا لمدين كما بعدت ثمود. وحكى لي بعض أشياخنا عن ذلك اليوم أن جماعة
سألوا جدي عن يزيد فقال: ما تقولون في رجل لي ثلاث سنين: في السنة
الأولى قتل الحسين وفي الثانية أخاف المدينة وأباحها وفي الثالثة رمى الكعبة
بالمجانيق وهدمها؟ فقالوا: نلعن، فقال: فالعنوه. وقال جدي في كتاب
الرد على المتعصب العنيد: قد جاء في الحديث لعن من فعل ما لا يقارب
عشر معشار فعل يزيد وذكر الأحاديث التي ذكرها البخاري ومسلم في
الصحيحين مثل حديث ابن مسعود عن النبي ص أنه لعن الواشمات
والمتوشمات، وحديث ابن عمر لعن الله الواشمة والمتوشمة وحديث جابر
لعن رسول الله ص آكل الربا وموكله الحديث
وحديث ابن عمر في مسند أحمد لعنت الخمر على عشرة وجوه الحديث
وأورد أخبارا كثيرة في هذا الباب وهذه الأشياء دون فعل يزيد في قتله
الحسين وإخوته وأهله ونهب المدينة وهدم الكعبة وضربها بالمجانيق
وأشعاره الدالة على فساد عقيدته. ومن رام الزيادة على هذا فليقف على
كتابه المسمى بالرد على المتعصب العنيد اه.

(١) الذي في الأصل: كم قوم كرام ذو محافظة، فأصلحناه بما ذكر.
(٦١٨)

كيف لم يصالح الحسين كما صالح أخوه الحسن ع
قد يسال عن وجه خروج الحسين ع باهله وعياله إلى الكوفة وهي
في يد أعدائه، وقد علم صنع أهلها بأبيه وأخيه مع أن جميع نصائحه كانوا
يشيرون عليه بعدم الخروج ويتخوفون عليه القتل ومنهم ابن عباس وابن
عمر وكثير ممن لاقاه في الطريق، وكيف لم يرجع حين علم بقتل مسلم بن
عقيل وكيف استجاز أن يحارب بنفر قليل جموعا عظيمة لها مدد، ولم ألقى
بيده إلى التهلكة، وما الجمع بين فعله وفعل الحسن الذي سلم الأمر إلى
معاوية بدون هذا الخوف؟
وعن هذا السؤال جوابان أحدهما للسيد المرتضى في تنزيه الأنبياء والأئمة
والثاني للسيد علي بن طاوس في كتاب الملهوف. وحاصل ما أجاب به
المرتضى أن الحسين غلب على ظنه بمقتضى ما جرى من الأمور أنه يصل إلى
حقه بالمسير فوجب عليه وذلك بمكاتبة وجوه أهل الكوفة وأشرافها وقرائها
مع تقدم ذلك منهم في أيام الحسن وبعد وفاته وإعطائهم العهود والمواثيق
طائعين مبتدئين مكررين للطلب مع تسلطهم على واليهم في ذلك الوقت
وقوتهم عليه وضعفه عنهم وقد جرى الأمر في أوله على ما ظنه، ولاحت
أسباب الظفر فبايع مسلما أكثر أهل الكوفة وكتب إلى الحسين بذلك وتمكن
مسلم من قتل ابن زياد غيلة في دار هانئ لكنه لم يفعل معتذرا بان الاسلام
قيد الفتك، ولما حبس ابن زياد هانئا حصره مسلم في قصره
وكاد يستولي عليه لكن الاتفاق السئ عكس الأمر. أما الجمع
بين فعله وفعل أخيه الحسن فالحسن لما أحس بالغدر من أصحابه وإنهم
كاتبوا معاوية في الفتك به أو تسليمه إليه وأنه ليس معه إلا نفر
قليل سلم إبقاء على نفسه وأهله وشيعته، والحسين طلب بحقه حين
قوي في ظنه النصرة ممن كاتبه وعاهده ورأى قوة أنصار الحق وضعف أنصار
الباطل فلما انعكس الأمر رام الرجوع فمنع منه وطلب الموادعة كما فعل
أخوه الحسن فلم يجب وطلبت نفسه فمنع منها بجهده حتى مضى كريما إلى
جوار جده. انتهى ملخص ما ذكره السيد بتصرف. والأمر كما ذكره من
أنهم لم يجيبوه إلى الموادعة بل طلب ابن زياد ان ينزل هو وأصحابه على
حكمه وفي رواية أن يبايع هو وأصحابه يزيد فإذا فعل ذلك رأى ابن زياد
رأيه ولو فعل لكان المظنون قويا أن يقتله مع أصحابه صبرا، بل المتيقن من
حال ابن زياد وخبثه ونسبه اللئيم أن يفعل ذلك فاختار موت العز في مجال
الطراد على موت الذل بيد ابن زياد. وهذا الجواب جار على ظاهر الحال
ولا يحتاج من يجيب به إلى تكلف شئ لكن يبقى عليه أنه لم يرجع حين
علم بقتل مسلم، ويمكن الجواب بان الأمل لم يكن منقطعا بدليل قول
أصحابه له ما أنت مثل مسلم ولو دخلت الكوفة لكان الناس إليك أسرع.
والجواب الثاني جار على شئ من التعمق: وهو أن الحسين كان
عازما على عدم مبايعة يزيد على كل حال ولو أدى ذلك إلى قتله وكان مقدما
على ذلك في حال ظن السلامة أن وجد وفي حال ظن العطب بل تيقنه. مع
إمكان دعوى ظهور الحكمة في فعل الحسن وفعل أخيه الحسين باختلاف
حالة معاوية وابنه يزيد الظاهرية في الجملة بتهتك الثاني وتستر الأول شيئا
ما، فلو بايع الحسين يزيد لخفي حاله على الأكثر واعتقدوه امام حق فكان
يتمكن من تبديل الدين، ومن هنا يقال أن الحسين فدى دين جده بنفسه
وأهله وولده وما تزلزلت أركان دولة بني أمية الا بقتل الحسين. وهذا الوجه
هو الذي اعتمده ابن طاوس في كتاب الملهوف فقال: الذي تحققناه ان
الحسين ع كان عالما بما انتهت حاله إليه وكان تكليفه ما اعتمد عليه،
ثم اورد بعض الأخبار الدالة على ذلك ثم قال: لعل بعض من لا يعرف
حقائق شرف السعادة بالشهادة ان الله لا يتعبد بمثل هذه الحالة ورده بان الله
تعبد قوما بقتل أنفسهم فقال: فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير
لكم عند بارئكم انتهى باختصار. مع أنه إذا كان في ذلك من الفوائد
مثل إحياء الدين وكشف قبائح المنافقين وردع الناس عن الاقتداء به كان
التعبد به أولي من التعبد بقتل النفس عند التوبة ولا يقصر عن التعبد به في
الجهاد والقصاص. أما توهم ان ذلك البقاء باليد إلى التهلكة ففاسد لان
بذل النفس في سبيل الله تعالى للحصول على الحياة الدائمة والنعيم الخالد
القاء باليد إلى أعظم السعادات. وأما ما في بعض الروايات من أن الحسين
ع طلب منهم إما أن يرجع إلى المكان الذي منه أتى أو أن يسير إلى ثغر
من الثغور فيكون رجلا من المسلمين أو أن يأتي يزيد فيضع يده في يده فلم
يثبت، وذكر ابن الأثير في الكامل ما يكذبه فقال: روي عن عقبة بن
سمعان أنه قال صحبت الحسين من المدينة إلى مكة ومن مكة إلى العراق
فلم أفارقه حتى قتل وسمعت جميع مخاطباته الناس إلى يوم مقتله فوالله ما
أعطاهم ما يتذاكر به الناس أنه يضع يده في يزيد ولا أن يسيروه إلى ثغر من
ثغور المسلمين اه.
وأما دعاؤه الناس إلى نصرته مثل عبد الله بن الحر الجعفي وغيره
وكتابه إلى أهل البصرة فكل ذلك من باب إقامة الحجة وقطع المعذرة.
ومما يدل على أن الحسين ع كان موطنا نفسه على القتل وظانا أو
عالما في بعض الحالات بأنه يقتل في سفره ذلك خطبته التي خطبها حين عزم
على الخروج إلى العراق التي يقول فيها: خط الموت على ولد آدم الخ
فان أكثر فقراتها يدل على ذلك، ونهي عمر بن عبد الرحمن بن الحارث بن
هشام له بمكة عن الخروج وإقامته البرهان على أن ذلك ليس من الرأي
بقوله أنك تأتي بلدا فيه عماله وأمراؤه ومعهم بيوت الأموال وإنما الناس
عبيد الدينار والدرهم فلا آمن عليك ان يقاتلك من وعدك نصره ومن أنت
أحب إليه ممن يقاتلك معه وعدم أخذ الحسين بقوله مع اعتذاره إليه
واعترافه بنصحه. ونهي ابن عباس أيضا محتجا بنحو ذلك من أن الذين
دعوه لم يقتلوا أميرهم وينفوا عدوهم ويضبطوا بلادهم بل دعوه وأميرهم
عليهم قاهر لهم وعماله تجبي بلادهم فكانهم دعوه إلى الحرب ولا يؤمن ان
يخذلوه فيكونوا أشد الناس عليه. ومعاودته للنهي ذاكرا له نحوا من ذلك
ومشيرا عليه باليمن فلم يقبل. وجوابه لمحمد بن الحنفية حين أشار عليه
بعدم الخروج إلى العراق فوعده النظر ثم ارتحل في السحر فسأله ابن الحنفية
فقال له الحسين ع أتاني رسول الله ص بعد ما فارقتك فقال يا حسين
أخرج فان الله قد شاء ان يراك قتيلا، قال ما معنى حملك هذه النسوة معك
قال إن الله قد شاء أن يراهن سبايا. وقول ابن عمر له حين نهاه عن
الخروج فابى: انك مقتول في وجهك هذا، فإنه دال على أن ظاهر الحال
كان كذلك وما ظهر لابن عمر لم يكن ليخفى على الحسين ع وقول
الفرزدق له: قلوب الناس معك وأسيافهم عليك وقول بشر بن غالب له:
خلفت القلوب معك والسيوف مع بني أمية، وتصديق الحسين ع له،
ونهي عبد الله بن جعفر له وقوله إني مشفق عليك من هذا الوجه أن يكون
فيه هلاكك واستئصال أهل بيتك، وقول الحسين ع له أني
رأيت رسول الله ص في المنام وأمرني بما أنا ماض له
(٦١٩)

وامتناعه من أن يحدث بتلك الرؤيا. ونهي عبد الله بن مطيع له وقوله والله
لئن طلبت ما في أيدي بني أمية ليقتلنك وأباء الحسين ع إلا أن يمضي.
وقول الاعراب له أنا لا نستطيع ان نلج ولا نخرج: القاضي باستيلاء بني
أمية استيلاء تاما وخطورة الامر. وأخبار أخته زينب ع بما سمعته حين
نزل الخزيمية وما رآه في منامه بالثعلبية وقوله لأبي هريرة: وأيم الله
لتقتلني الفئة الباغية ونظره إلى بني عقيل حين أخبره الأسديان بقتل
مسلم وهانئ وأشارا عليه بالرجوع وأخبراه أنه ليس له بالكوفة ناصر بل هم
عليه وقوله لهم ما ترون فقد قتل مسلم وامتناعهم عن الرجوع ليس له
بالكوفة ناصر بل هم عليه ما ترون فقد قتل مسلم وامتناعهم عن الرجوع
حتى يموتوا أو يدركوا ثارهم وقوله للأسديين لا خير في العيش بعد هؤلاء
فان الذي يظهر انه كان يريد أن يجيبوا بالامتناع عن الرجوع ليعتذر بذلك
إلى الأسديين وإنه عازم على عدم الرجوع على كل حال. وقوله لأصحابه
حين جاءه خبر مسلم وهانئ وعبد الله بن يقطر أنه قد خذلنا شيعتنا فمن
أحب منكم الانصراف فلينصرف وعدم رجوعه بعد تفرقهم عنه وبقائه في أصحابه
الذين صحبوه من المدينة ويسير من غيرهم وإشارة عمرو بن يواذان عليه
بالرجوع وقوله له والله ما تقدم إلا على الأسنة وحد السيوف ونهيه إياه عن
المسير لان الذين كتبوا إليه لم يكفوه مؤونة القتال وقول الحسين ع له ليس
يخفى علي الرأي ولكن الله تعالى لا يغلب على أمره وقوله والله لا يدعوني
حتى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي وقوله وأيم الله لو كنت في جحر
هامة من هذه الهوام لاستخرجوني حتى يقتلوني وكتابه الذي كتبه إلى بني
هاشم حين توجه إلى العراق: اما بعد فإنه لمن لحق بي استشهد ومن تخلف
عني لم يبلغ الفتح. إلى غير ذلك مما يقف عليه المتتبع والمتأمل وهذه كلها ما
بين صريح أو ظاهر في المطلوب كما لا يخفى.
خطبه
مر أنه خطب بكربلاء في أشد الساعات بلاء التي تذهل فيها العقول
وتطيش الألباب وتخرس الألسنة وتبلبل الخطباء وتحضر الفصحاء فلم يسمع
متكلم قط قبله ولا بعده أفصح في منطق منه وأنه قال ما لا يحصى كثرة وان
ابن سعد قال ويلكم كلموه فإنه ابن أبيه والله لو وقف فيكم هكذا يوما
جديدا لما انقطع ولما حصر ومر جملة من كتبه إلى أهل الكوفة والبصرة ومر
جملة من خطبه في مكة حين عزم على المسير إلى العراق وفي كربلاء في عدة
مناسبات.
خطبته عند مسير أبيه إلى صفين
ومن خطبه ما خطب به في الكوفة لما أراد أبوه أمير المؤمنين ع
المسير إلى حرب صفين رواها نصر بن مزاحم في كتاب صفين وهي
مع كونها في ساعة الرخاء ليست دونها خطبه التي كانت بكربلاء عند أشد
الشدائد فذكر نصر أن أمير المؤمنين خطب أولا ثم خطب ابنه الحسن ثم
خطب الحسين ع فحمد الله وأثنى عليه وقال: يا أهل الكوفة
أنتم الأحبة الكرماء والشعار دون الدثار جدوا في إطفاء ما وتر بينكم
وتسهيل ما توعر عليكم ألا إن الحرب شرها وريع وطعمها فظيع فمن أخذ
لها أهبتها واستعد لها عدتها ولم يألم كلومها قبل حلولها فذاك صاحبها ومن
عاجلها قبل أوان فرصتها واستبصار سعيه فيها فذاك قمن ان لا ينفع قومه
وأن يهلك نفسه نسأل الله بقوته أن يدعمكم بالفيئة.
من خطبة أخرى له ع
في كشف الغمة: خطب ع فقال: إن الحلم زينة والوفاء
مروءة والصلة نعمة والاستكبار صلف والعجلة سفه والسفه ضعف والغلو
ورطة ومجالسة أهل الدناءة شر ومجالسة أهل الفسق ريبة.
خطبة أخرى له ع
في كشف الغمة أيضا: خطب الحسين ع فقال: أيها الناس
نافسوا في المكارم وسارعوا في المغانم ولا تحتسبوا بمعروف لم تعجلوه واكسبوا
الحمد بالنجح ولا تكسبوا بالمطل ذما فمهما يكن لاحد عند أحد صنيعة له
رأى أنه لا يقوم بشكرها فالله له بمكافاته ضمين فإنه أجزل عطاء وأعظم
اجرا واعلموا أن حوائج الناس إليكم من نعم الله عليكم فلا تملوا النعم
فتحور نقما واعلموا أن المعروف مكسب حمدا ومعقب اجرا فلو رأيتم
المعروف رجلا رأيتموه حسنا جميلا يسر الناظرين ولو رأيتم اللؤم رأيتموه
سمجا مشوها تنفر منه القلوب وتغص دونه الأبصار. أيها الناس من جاد
ساد ومن بخل رذل وإن أجود الناس من أعطى من لا يرجوه وإن أعفى
الناس من عفا عن قدرة وإن أوصل الناس من وصل من قطعه والأصول
على مغارسها بفروعها تسمو فمن تعجل لأخيه خيرا وجده إذا قدم عليه
غدا ومن أراد الله تبارك وتعالى بالصنيعة إلى أخيه كافأه بها في وقت حاجته
وصرف عنه بلاء الدنيا ما هو أكثر منه. ومن نفس كربة مؤمن فرج الله
عنه كرب الدنيا والآخرة ومن أحسن أحسن الله إليه والله يحب المحسنين.
بعض ما نقل من مواعظه وحكمه وآدابه
كان ع يقول: شر خصال الملوك الجبن عن الأعداء
والقسوة على الضعفاء والبخل عن الاعطاء. وقال ع صاحب الحاجة لم
يكرم وجهه عن سؤالك فأكرم وجهك عن رده.
بعض حكمه القصيرة
منقولة من تحف العقول
قال رجل عند الحسين ع إن المعروف إذا أسدي إلى غير أهله
ضاع فقال الحسين ع ليس كذلك ولكن تكون الصنيعة مثل وابل المطر
تصيب البر والفاجر وقال ع: ما أخذ الله طاعة أحد إلا وضع عنه
طاعته ولا أخذ قدرته إلا وضع عنه كلفته.
وقال ع لرجل اغتاب عنده رجلا يا هذا كف عن الغيبة
فإنها أدام كلاب النار.
وقال ع ان قوما عبدوا الله رغبة فتلك عبادة التجار وإن
قوما عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد وإن قوما عبدوا الله شكرا فتلك
عبادة الأحرار وهي أفضل العبادة.
وقال لابنه علي بن الحسين ع أي بني إياك وظلم من لا
يجد عليك ناصرا إلا الله جل وعز، وسأله رجل عن معنى قول الله تعالى
وأما بنعمة ربك فحدث قال أمره أن يحدث بما أنعم الله به عليه في دينه.
وقال ع: من علامات القبول الجلوس إلى أهل العقول. من
دلائل العالم انتقاده لحديثه وعلمه بحقائق فنون النظر. إياك وما يعتذر منه
فان المؤمن لا يسئ ولا يعتذر والمنافق كل يوم يسئ ويعتذر وقال
(٦٢٠)

للسلام سبعون حسنة تسع وستون للمبتدئ وواحدة للراد وقال البخيل
من بخل بالسلام وقال ع من حاول أمرا بمعصية الله كان
أفوت لما يرجو وأسرع لمجئ ما يحذر.
وقال ع كما عن أسرار الحكماء لياقون المستعصمي: لا
تتكلف ما لا تطيق ولا تتعرض لما لا تدرك ولا تعتد بما لا تقدر عليه ولا
تنفق إلا بقدر ما تستفيد ولا تطلب من الجزاء إلا بقدر ما صنعت ولا تفرح
إلا بما نلت من طاعة الله ولا تتناول إلا ما رأيت نفسك له أهلا.
بعض ما ورد عنه ع من الدعاء
اعلم أن الأدعية المأثورة عنه ع كثيرة وقد جمعها بعض العلماء في
كتاب اسماه الصحيفة الحسينية ومن الأدعية البليغة المأثورة عنه ع دعاء
يوم عرفة دعا به وهو واقف على قدميه في ميسرة الجبل تحت السماء رافعا
يديه بحذاء وجهه خاشعا متذللا وهو دعاء طويل مشهور بين الشيعة
يداومون على الدعاء به في الموقف.
وروي عن علي بن الحسين ع أنه قال لما صبحت الخيل
الحسين ع رفع يديه وقال: اللهم أنت ثقتي في كل كرب وأنت رجائي
في كل شدة وأنت لي في كل أمر نزل بي ثقة وعدة كم من كرب يضعف عنه
الفؤاد وتقل فيه الحيلة ويخذل فيه الصديق ويشمت فيه العدو أنزلته بك
وشكوته إليك رغبة مني إليك عمن سواك ففرجته عني وكشفته فأنت ولي
كل نعمة وصاحب كل حسنة ومنتهى كل رغبة.
ما روى عنه من الشعر
في كشف الغمة: اما شعر الحسين ع فقد ذكر الرواة له شعرا
ووقع إلي شعر بخط الشيخ أبي عبد الله بن الخشاب النحوي وفيه قال أبو
مخنف لوط بن يحيى: أكثر ما يرويه الناس من شعر سيدنا أبي عبد الله
الحسين ع انما هو ما تمثل به وقد أخذت شعره من مواضعه واستخرجته
من مظانه وأماكنه ورويته عن ثقات الرجال منهم عبد الرحمن بن نجبة
الخزاعي وكان عارفا بأمر أهل البيت ع ومنهم المسيب بن رافع
المخزومي وغيره رجال كثيرون ولقد أنشدني يوما رجل من ساكني سلع هذه
الأبيات فقلت له اكتبها فقال لي ما أحسن رداءك هذا وكنت قد اشتريته
يومي ذاك بعشرة دنانير فطرحته عليه فاكتبنيها وهي: قال أبو عبد الله
الحسين بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن
قصي:
- ذهب الذين أحبهم * وبقيت فيمن لا أحبه -
- فيمن أراه يسبني * ظهر المغيب ولا أسبه -
- يبغي فسادي ما استطاع * وأمره مما اربه -
- حنقا يدب إلى الضراء * وذاك مما لا أدبه -
- ويرى ذباب الشر من * حولي يظن ولا يذبه -
- وإذا خبا وغير الصدور * فلا يزال به يشبه -
- أ فلا يعيج بعقله * أ فلا يثوب إليه لبه -
- أ فلا يرى أن فعله * مما يسور إليه غبه -
- حسبي بربي كافيا * ما اختشي والبغي حسبه -
- ولقل من يبغي عليه * فما كفاه الله ربه -
وقال ع اورده في كشف الغمة عن ابن الخشاب كما مر:
- الله يعلم أن ما * بيدي يزيد لغيره -
- وبأنه لم يكتسبه * بخيره وبميره -
- لو انصف النفس الخئون * لقصرت من سيره -
- ولكان ذلك منه أدني * شره من خيره -
وقوله ذكره ابن الصباغ في الفصول المهمة وعلي بن عيسى الأربلي في
كشف الغمة عن ابن الخشاب كما مر:
- إذا ما عضك الدهر * فلا تجنح إلى خلق -
- ولا تسأل سوى الله * تعالى قاسم الرزق -
- فلو عشت وطوفت * من الغرب إلى الشرق -
- لما صادفت من يقد * ر ان يسعد أو يشقي -
وقال ابن عساكر في التاريخ الكبير يقال إن هذه الأبيات للحسين
ع وفي كتاب جواهر المطالب تاليف ابن البركات شمس الدين محمد
الباغندي الشافعي كما في نسخة مخطوطة في المكتبة الرضوية أنشد أبو
بكر بن حامد ورواه عن الحسين رضي الله عنه وأرضاه:
- أغن عن المخلوق بالخالق * تغن عن الكاذب والصادق -
- واسترزق الرحمن من فضله * فليس غير الله من رازق -
- من ظن أن الناس يغنونه * فليس بالرحمن بالواثق -
- أو ظن أن المال من كسبه * زلت به النعلان من حالق -
قال الأعمش ومن كلامه أيضا وأورده في جواهر المطالب عن
الأعمش:
- كلما زيد صاحب المال مالا * زيد في همه وفي الاشتغال -
- قد عرفناك يا منغصة العيش * ويا دار كل فان وبالي -
- ليس بصفو لزاهد طلب الزهد * إذا كان مثقلا بالعيال -
وروى ابن كثير في البداية والنهاية عن إسحاق بن إبراهيم قال بلغني
ان الحسين ع زار مقابر الشهداء بالبقيع فقال:
- ناديت سكان القبور فاسكتوا * فأجابني عن صمتهم ترب الجثا -
- قالت أ تدري ما صنعت بساكني * مزقت لحمهم وخرقت الكسا -
- وحشيت أعينهم ترابا بعد ما * كانت تأذى بالقليل من القذا -
- اما العظام فإنني مزقتها * حتى تباينت المفاصل والشوى -
- قطعت ذا من ذا ومن هذا كذا * فتركتها مما يطول بها البلى -
وقال ع لما بلغه قتل مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة وقد
تقدمت وأولها:
- لئن كانت الدنيا تعد نفيسة * فدار ثواب الله أعلى وأنبل -
وقال في زوجته الرباب بنت امرئ القيس بن عدي القضاعية وابنته
منها سكينة أورده أبو الفرج في الأغاني:
- لعمرك انني لأحب دارا * تكون بها سكينة والرباب -
- أحبهما وابذل كل مالي * وليس لعاتب عندي عتاب -
وفي جواهر المطالب: مما أنشده الزبير بن بكار للحسين ع
في زوجته الرباب بنت امرئ القيس:
(٦٢١)

- لعمرك انني لا أحب دارا * تحل بها سكينة والرباب -
- أحبهما وابذل جل مالي * وليس للائم فيها عتاب -
- ولست لهم وان عتبوا مطيعا * حياتي أو يغيبني التراب -
مراثيه
لم يكن يجسر أحد من الشعراء على المجاهرة برثاء الحسين ع
في ملك بني أمية عدى شاذ يقول الأبيات المعدودة غير مجاهر بها ثم
تنقل عنه بل في بعض أدوار ملك بني العباس كان الحال كذلك أو أشد ولكن
في أوائل الدولة العباسية وفي أواخرها وبعد انقراض الدولتين تبارى شعراء
الاسلام في رثائه وقالوا فأكثروا وأجادوا فحلقوا في كل عصر وفي كل زمان
لا سيما شعراء الشيعة ولا غرو فمكانة الحسين ع بين المسلمين المكانة
السامية التي لا يصل أحد إليها ومصيبته مصيبة عظمي وفاجعته فاجعة
كبرى لم يقع في الاسلام أفظع ولا أشنع منها وقد ألحقت بالأمة الاسلامية
عارا لا يمحى وشنارا لا ينسى حتى قال أبو العلاء المعري:
- دع الأيام تصنع ما تريد - البيتين المتقدمين
وقد جمعنا كتابا في مختار مراثيه ع من شعر المتقدمين
والمتأخرين والمعاصرين أسميناه الدر النضيد في مراثي السبط الشهيد طبع
ثلاث مرات وزدنا عليه في الطبعة الثالثة أكثر من خمسين قصيدة ومقطوعة
حتى بلغ عدد أبياته نحوا من ستة آلاف بيت وها نحن نورد هنا نموذجا من
مراثيه يكون قضاء لحق التاريخ ونوكل من يريد الاطلاع على أكثر من ذلك
إلى الكتاب المذكور. فأول من رثاه فيما حكاه سبط ابن الجوزي عن السدي
عقبة بن عمرو السهمي ورواه المفيد في المجالس بسنده عن إبراهيم بن داحة
قال أول شعر رثي به الحسين بن علي قول عقبة بن عمرو السهمي من بني
سهم بن عوف بن غالب فقال:
- إذا العين قرت في الحياة وأنتم * تخافون في الدنيا فاظلم نورها -
- مررت على قبر الحسين بكربلا * ففاض عليه من دموعي غزيرها -
- وما زلت ابكيه وارثي لشجوه * ويسعد عيني دمعها وزفيرها -
- وبكيت من بعد الحسين عصائبا * أطافت به من جانبيه قبورها -
- سلام على أهل القبور بكربلا * وقل لها مني سلام يزورها -
- سلام باصال العشي وبالضحى * تؤديه نكباء الرياح ومورها -
- ولا برح الزوار زوار قبره * يفوح عليهم مسكها وعبيرها -
وينبغي أن يكون أول من رثاه سليمان بن قتة العدوي التيمي مولى
بني تيم بن مرة وكان منقطعا إلى بني هاشم فإنه مر بكربلاء بعد قتل الحسين
ع بثلاث فنظر إلى مصارعهم واتكأ على فرس له عربية وأنشأ
يقول وقيل إنها لأبي الرجح الخزاعي ويمكن كون بعضها لأحدهما وبعضها
للآخر واشتبها:
- مررت على أبيات آل محمد * فلم أرها أمثالها يوم حلت -
- أ لم تر ان الشمس أضحت مريضة * لقتل حسين والبلاغ اقشعرت -
- وكانوا رجاء ثم اضحوا رزية * لقد عظمت تلك الرزايا وجلت -
- وتسألنا قيس فنعطي فقيرها * وتقتلنا قيس إذا النعل زلت -
- وعند غني قطرة من دمائنا * سنطلبها يوما بها حيث حلت -
- فلا يبعد الله الديار وأهلها * وان أصبحت منهم برغم تخلت -
- وان قتيل الطف من آل هاشم * أذل رقاب المسلمين فذلت -
- وقد أعولت تبكي السماء لفقده * وأنجمنا ناحت عليه وصلت -
ورثته زوجته الرباب بنت امرئ القيس بن عدي فقالت:
- ان الذي كان نورا يستضاء به * بكربلاء قتيل غير مدفون -
- قد كنت لي جبلا صلدا ألوذ به * وكنت تصحبنا بالرحم والدين -
- فمن يجيب نداء المستغيث ومن * يغني ويؤوي إليه كل مسكين -
- تالله لا ابتغي صهرا بصهركم * حتى أوسد بين اللحد والطين -
وقالت الرباب أيضا وهي بالشام بعد ما أخذت الرأس الشريف وقبلته
ووضعته في حجرها:
- وا حسينا فلا نسيت حسينا * أقصدته اسنة الأعداء -
- غادروه بكربلاء صريعا * لا سقى الله جانبي كربلاء -
ورثاه بشير بن جذيم ببيتين نعاه بهما إلى أهل المدينة تقدما. ورثته
جارية حين جاء نعيه إلى المدينة بأبيات تقدمت.
وخرجت أم لقمان بنت عقيل بن أبي طالب حين سمعت نعي
الحسين ع ومعها أخواتها أم هانئ وأسماء ورملة وزينب بنات
عقيل تبكي قتلاها بالطف وتقول:
- ما ذا تقولون ان قال النبي لكم * ما ذا فعلتم وأنتم آخر الأمم -
- بعترتي وباهلي بعد مفتقدي * منهم أسارى ومنهم ضرجوا بدم -
- ما كان هذا جزائي إذ نصحت لكم * ان تخلفوني بسوء في ذوي رحمي -
وقال الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب يرثيه من أبيات:
- بكيت لفقد الأكرمين تتابعوا * لوصل المنايا دار عون وحسر -
- بهم فجعتنا والفواجع كاسمها * تميم وبكر والسكون وحمير -
- وفي كل حي نضحة من دمائنا * بني هاشم يعلو سناها ويشهر -
- فسوف يرى أعداؤنا حين نلتقي * لأي الفريقين النبي المطهر -
وقال رجل من عبد القيس قتل أخوه مع الحسين ع وعبد
القيس معروفة بالتشيع لأهل البيت ع:
- يا فرو قومي فاندبي * خير البرية في القبور -
- قتلوا الحرام من الأئمة * في الحرام من الشهور -
وقال أبو دهبل الجمحي وهب بن زمعة وهو معاصر لمعاوية بن أبي
سفيان وابنه يزيد من قصيدة:
- عجبت وأيام الزمان عجائب * ويظهر بين المعجبات عظيمها -
- تبيت النشاوى من أمية نوما * وبالطف قتلى ما ينام حميمها -
- وتضحى كرام من ذؤابة هاشم * يحكم فيها كيف شاء لئيمها -
- وربات صون ما تبدت لعينها * قبيل السبا الا لوقت نجومها -
- تزاولها أيدي الهوان كأنما * تقحم ما لا عفو فيه أثيمها -
- وما أفسد الاسلام الا عصابة * تأمر نوكاها ودام نعيمها -
- وصارت قناة الدين في كف ظالم * إذا مال منها جانب لا يقيمها -
- وخاض بها طخياء لا يهتدي لها * سبيل ولا يرجو الهدى من يعومها -
- إلى حيث ألقاها ببيداء مجهل * تضل لأهل الحلم فيها حلومها -
- رمتها لأهل الطف منها عصابة * حداها إلى هدم المكارم لومها -
(٦٢٢)

- فشنت بها شعواء في خير فتية * تخلت لكسب المكرمات همومها -
- أولئك آل الله آل محمد * كرام تحدت ما حداها كريمها -
- يخوضون تيار المنايا ظواميا * كما خاض في عذب الموارد هيمها -
- يقوم بهم للمجد أبيض ماجد * أخو عزمات أقعدت من يرومها -
- فأقسمت لا تنفك نفسي جزوعة * وعيني سفوحا لا يمل سجومها -
- حياتي أو تلقى أمية وقعة * يذل لها حتى الممات قرومها -
وروي ان خالد بن معدان الطائي من فضلاء التابعين لما شاهد رأس
الحسين ع بالشام اخفى نفسه شهرا من جميع أصحابه فلما وجدوه
بعد إذ فقدوه سالوه عن سبب ذلك فقال أ لا ترون ما نزل بنا ثم أنشأ
يقول:
- جاءوا برأسك يا ابن بنت محمد * مترملا بدمائه ترميلا -
- وكأنما بك يا ابن بنت محمد * قتلوا جهارا عامدين رسولا -
- قتلوك عطشانا ولما يرقبوا * في قتلك التأويل والتنزيلا -
- ويكبرون بان قتلت وانما * قتلوا بك التكبير والتهليلا -
وممن رثاه من قدماء الشعراء عبد الله بن الحر الجعفي حين اتى
كربلاء ونظر إلى مصرع الحسين ع وأصحابه وكان قد دعاه الحسين
ع إلى نصره فلم يفعل فقال من أبيات:
- يقول أمير غادر وابن غادر * الا كنت قاتلت الحسين بن فاطمة -
- ونفسي على خذلانه واعتزاله * وبيعة هذا الناكث العهد لائمه -
- سقى الله أرواح الذي تازروا * على نصره سقيا من الغيث دائمه -
- وقفت على اطلالهم ومحالهم * فكاد الحشي ينقض والعين ساجمه -
- لعمري لقد كانوا سراعا إلى الوغى * مصاليت في الهيجا حماة خضارمه -
- تأسوا على نصر ابن بنت نبيهم * بأسيافهم آساد غيل ضراغمه -
- وما ان رأى الراءون أفضل منهم * لدى الموت سادات وزهر قماقمه -
وممن رثاه من قدماء الشيعة جعفر بن عفان الطائي وكان معاصرا
للصادق ع وقد استنشده الصادق شعره في رثاء الحسين ع
وأثنى عليه وله في ذلك قصيدة أولها:
- ليبك على الاسلام من كان باكيا * فقد ضيعت احكامه واستحلت -
وممن رثاه من قدماء شعراء الشيعة منصور النمري من النمر بن قاسط
وكان في زمن الرشيد فقال من قصيدة:
- متى يشفيك دمعك من همول * ويبرد ما بقلبك من غليل -
- قتيل ما قتيل بني زياد * الا بأبي وأمي من قتيل -
- غدت بيض الصفائح والعوالي * بأيدي كل مؤتشب دخيل -
- معاشر أودعت أيام بدر * صدورهم وديعات الغليل -
- فلما أمكن الاسلام شدوا * عليه شدة الحنق الصؤول -
- فوافوا كربلاء مع المنايا * بمرداة مسومة الخيول -
- وأبناء السعادة قد تواصوا * على الحدثان بالصبر الجميل -
- أ يخلو قلب ذي ورع ودين * من الأحزان والهم الطويل -
- وقد شرقت رماح بني زياد * بري من دماء بني الرسول -
وممن رثاه من قدماء شعراء الشيعة دعبل بن علي الخزاعي وكان معاصرا
للرضا ع فقال من قصيدة:
- أ لم تر للأيام ما جر جورها * على الناس من نقض وطول شتات -
- ومن دول المستهزئين ومن غدا * بهم طالبا النور في الظلمات -
- فكيف ومن انى يطالب زلفة * إلى الله بعد الصوم والصلوات -
- سوى حب أبناء النبي ورهطه * وترك عداهم من هن وهنات -
- هم نقضوا عهد الكتاب وفرضه * ومحكمه بالزور والشبهات -
- ولو قلدوا الموصى إليه أمورها * لزمت بمأمون على العثرات -
- أخي خاتم الرسل المصفى من القذى * ومفترس الأبطال في الغمرات -
- نجي لجبريل الأمين وأنتم * عكوف على العزى معا ومناة -
- مدارس آيات خلت من تلاوة * ومنزل وحي مقفر العرصات -
- منازل كانت للرشاد وللتقى * وللصوم والتطهير والصلوات -
- ديار عفاها جور كل منابذ * ولم تعف للأيام والسنوات -
- هم آل ميراث النبي إذا اعتزوا * وهم خير سادات وخير حماة -
- إذا لم نناج الله في صلواتنا * بأسمائهم لم يقبل الصلوات -
- أ فاطم لو خلت الحسين مجندلا * وقد مات عطشانا بشط فرات -
- إذا للطمت الخد فاطم عنده * وأجريت دمع العين في الوجنات -
- أ فاطم قومي يا ابنة الخير واندبي * نجوم سماوات بأرض فلاة -
- توفوا عطاشى بالفرات فليتني * توفيت فيهم قبل حين وفاتي -
- رزايا أرتنا خضرة الأفق حمرة * وردت أجاجا طعم كل فرات -
- بنفسي أنتم من كهول وفتية * لفك عناة أو لحمل ديات -
- سأبكيهم ما حج الله راكب * وما ناح قمري على الشجرات -
- سأبكيهم ما ذر في الأفق شارق * ونادى منادي الخير للصلوات -
وقال الحسين بن الضحاك المعروف بالخليع المتوفى سنة ٢٥٠:
- ومما شجا قلبي وأوكف عبرتي * محارم من آل النبي استحلت -
- وربات خدر من ذؤابة هاشم * هتفن بدعوى خير حي وميت -
- أرد يدا مني إذا ما ذكرته * على كبد حرى وقلب مفتت -
- فلا بات ليل الشامتين بغبطة * ولا بلغت آمالها ما تمنت -
وممن رثاه من قدماء الشعراء القاسم بن يوسف الكاتب أحد متكلمي
الشيعة وشعرائهم ذكره المرزباني فقال من قصيدة طويلة:
- يا ابن النبي وخير أمته * بعد النبي مقال ذي خبر -
- ما ذا تحمل قاتلوك من * الآصار والاعباء والوزر -
- ما تنقضي حسرات ذي ورع * ودم الحسين على الثرى يجري -
- ودماء اخوته وشيعته * مستلحمون بجانب النهر -
- خذلوا وقل هناك ناصرهم * فاستعصموا بالله والصبر -
- مستقدمين على بصائرهم * لا ينكصون لروعة الذعر -
- يأبون أن يعطوا الدنية أو * يرضوا مهادنة على قسر -
- آل الرسول وسرارته * والطاهرون لطيب الطهر -
- حلوا من الشرف اليفاع على * علياء بين الغفر والنسر -
* * *
- لا يبلغ المثني مداه ولا * تحوي المديح مقالة المطري -
- مأوى اليتامى والأرامل * الأضياف في اللزبات والعسر -
- لا مانعا حق الصديق ولا * يخفى عليه مبيت ذي الفقر -
- كم سائل أعطى وذي عدم * أغنى وعان فك من أسر -
- وتخال في الظلماء سنته * قمرا توسط ليلة البدر -
(٦٢٣)

- لا تنطق العوراء حضرته * عف يعاف مقالة الهجر -
وقال الصنوبري معاصر سيف الدولة من أبيات:
- يا خير من لبس النبو * ة من جميع الأنبياء -
- وجدي على سبطيك * وجد ليس يؤذن بانقضاء -
- هذا قتيل الأشقياء * وذا قتيل الأدعياء -
- يوم الحسين هرقت دمع * الأرض مع دمع السماء -
- يوم الحسين تركت أبا * ب العز مهجور الفناء -
- نفسي فداء المصطلي * نار الوغى اي اصطلاء -
- فاختار درع الصبر حيث * الصبر من لبس السناء -
- وأبى إباء الأسد ان * الأسد صادقة الاباء -
- وقضى كريما إذا قضى * ظمآن في نفر ظماء -
- منعوه طعم الماء لا * وجدوا لماء طعم ماء -
ورثاه الشريف الرضي في القرن الرابع وهو بالحائر الحسيني ولا شك
ان لوجوده هناك اثرا مشجيا باديا على شعره فقال من قصيدة:
- وضيوف لفلاة قفرة * نزلوا فيها على غير قرى -
- لم يذوقوا الماء حتى اجتمعوا * بحدى السيف على ورد الردى -
- تكسف الشمس شموسا منهم * لا تدانيها ضياء وعلى -
- وتنوش الوحش من أجسادهم * أرجل السبق وايمان الندى -
- ووجوها كالمصابيح فمن * قمر غاب نجم قد هوى -
- يا رسول الله لو عاينتهم * وهم ما بين قتل وسبا -
- من رميض يمنع الظل ومن * عاطش يسقى أنابيب القنا -
- لرأت عيناك منهم منظرا * للحشى شجوا وللعين قذا -
- ليس هذا رسول الله يا * أمة الطغيان والبغي جزا -
- جزروا جزر الأضاحي نسله * ثم ساقوا أهله سوق الاما -
- يا قتيلا قوض الدهر به * عمد الدين وأركان الهدا -
- قتلوه بعد علم منهم * انه خامس أصحاب الكسا -
- حملوا رأسا يصلون على * جده الأكرم طوعا وإبا -
- يتهادى بينهم لم ينقضوا * عمم الهام ولا حلوا الحبا -
- ميت تبكي له فاطمة * وأبوها وعلي ذو العلى -
- لو رسول الله يحيا بعده * قعد اليوم عليه للعزا -
وقال الشريف الرضي أيضا من قصيدة:
- يوم حدا الطعن فيه لابن فاطمة * سنان مطرد الكعبين مطرور -
- فخر للموت لا كف تقلبه * الا بوطئ من الجرد المحاضير -
- ظمآن يسلي نجيع الطعن غلته * عن بارد من عباب الماء مقرور -
- لله ملقى على الرمضاء غص به * فم الردى بين اقدام وتشمير -
- تحنو عليه الربى ظلا وتستره * عن النواظر أذيال الأعاصير -
- تهابه الوحش ان تدنو لمصرعه * وقد أقام ثلاثا غير مقبور -
- أغرى به ابن زياد لؤم عنصره * وسعيه ليريد غير مشكور -
- ورد ان يتلافى ما جنت يده * وكان ذلك كسرا غير مجبور -
- تسبى بنات رسول الله بينهم * والدين غض المبادي غير مستور -
- يلقى القنا بجبين شأن صفحته * وقع القنا بين تضميخ وتعفير -
- من بعد ما رد أطراف الرماح له * رأي فسيح وقلب غير محصور -
- والنقع يسحب من أذياله وله * على الغزالة جيب غير مزرور -
- أ كل يوم لآل المصطفى قمر * يهوي بوقع العوالي والمباتير -
- وكل يوم لهم بيضاء صافية * يشوبها الدهر من رنق وتكدير -
وقال الشريف الرضي أيضا من قصيدة:
- ما يبالي الحمام ابن ترقى * بعد ما غالت ابن فاطم غول -
- اي يوم أدمى المدامع فيه * حادث رائع وخطب جليل -
- يا ابن بنت النبي ضيعت العهد * رجال والحافظون قليل -
- ان أمرا قنعت من دونه السيف * لمن حازه لمرعى وبيل -
- يا غريب الديار صبري غريب * وقتيل الأعداء نومي قتيل -
ورثاه محمود الملقب بكشاجم الشاعر المشهور بقوله من قصيدة:
- يا بئس للدهر حين آل رسول ال‍ * له تجتاحهم جوائحه -
- أظلم في كربلاء يومهم * ثم تجلى وهم ذبائحه -
- يا شيع الغي والضلال ومن * كلهم جمة فضائحه -
- عفرتم بالثرى جبين فتى * جبريل قبل النبي ماسحه -
- وبين أيديكم حريق لظى * يلفح تلك الوجوه لافحه -
- ان عبتموه بجهلكم فكما * يضر بدر السماء نابحه -
- أو تكتموا فالقرآن مشكله * بفضلهم ناطق وواضحه -
- قوم أبى حد سيف والدهم * للدين أو يستقيم جامحة -
- حاربه القوم وهو ناصره * يوما وغشوه وهو ناصحه -
- منخفض الطرف عن حطامهم * وهو إلى الصالحات طامحه -
- بحر علوم إذا العلوم طمت * فهي بتيارها ضحاضحه -
- يا عترة حبهم يبين به * صالح هذا الورى وطالحه -
- مغالق الشر أنتم يا بني أحمد * إذ غيركم مفاتحه -
وممن رثاه من قدماء الشعراء الجبري شاعر آل محمد ص فقال من
قصيدة:
- فهم مصابيح الدجى لذوي الحجى * والعروة الوثقى لذي استمساك -
- وهم الأدلة كالأهلة نورها * يجلو عمى المتحير الشكاك -
- يا أمة ضلت سبيل رشادها * ان الذي استرشدته أغواك -
- لا تحسبنك بريئة مما جرى * والله ما قتل الحسين سواك -
- يا آل احمد كم يكابد فيكم * كبدي خطوبا للقلوب نواكي -
- وإذا ذكرت مصابكم قال الأسى * لجفوني اجتنبي لذيد كراك -
- وابكي قتيلا بالطفوف لأجله * بكت السماء دما فحق بكاك -
وممن رثاه من مشاهير شعراء الشيعة في القرن السادس أبو الفتح
محمد بن عبيد الله المعروف بسبط ابن التعاويذي المتوفى سنة ٥٥٣ فقال من
قصيدة:
- ولو أكرمت دمعك يا شؤوني * بكيت على الامام الفاطمي -
- على نجم الهدى الساري وبحر ال‍ * - علوم وذروة الشرف العلي -
- على الحامي بأطراف العوالي * حمى الاسلام والبطل الكمي -
- على الباع الرحيب إذا المت * به الأزمات والكف السخي -
- على أندى الأنام يدا ووجها * وأرجحهم وقارا في الندي -
- وخير العالمين أبا واما * وأطهرهم ثرى عرق زكي -
(٦٢٤)

- لئن دفعوه ظلما عن حقوق ال‍ * خلافة بالوشيج السمهري -
- فما دفعوه عن حسب كريم * ولا ذادوه عن خلق رضي -
- لقد فصموا عرى الاسلام عودا * وبدأ في الحسين وفي علي -
- ويوم الطف قام ليوم بدر * بأخذ الثار من آل النبي -
- بكته الأرض اجلالا وحزنا * لمصرعه واملاك السمي -
- وغودرت الخيام بلا محام * يناضل دونهن ولا ولي -
- فما عطف البغاة على الفتاة ال‍ * حصان ولا على الطفل الصبي -
- ولا سفروا لثاما عن حياء * ولا كرم ولا أنف حمي -
- وساروا بالكرائم من قريش * سبايا فوق أكوار المطي -
- فيا لله يوم نعوة ما ذا * وعى سمع الرسول من النعي -
- ولو رام الحياة نجا إليها * بعزمته نجاء المضرجي -
- ولكن المنية تحت ظل الرقاق * البيض أجدر بالابي -
- وممن رثاه الشيخ علي بن الحسين الشهيفيني الحلي من أهل القرن
السادس بقصائد كثيرة طويلة أجاد في كثير منها يقول في بعضها:
- ماض على عزم يفل بحده ال‍ * ماضي حدود البيض حين تجرد -
- في أسرة من هاشم علوية * عزت أرومتهم وطاب المولد -
- وسراة أنصار ضراغمة لهم * أهوال أيام الوقائع تشهد -
- التائبون العابدون الحامدون * السائحون الراكعون السجد -
- ألقت عليه السافيات ملابسا * وكسته وهو من اللباس مجرد -
- والسيد السجاد يحمل ضارعا * ويقاد في الأغلال وهو مصفد -
- يا للرجال لعبد سوء آبق * أضحى أسيرا في يديه السيد -
- لا خير في سفهاء قوم عبدهم * ملك يطاع وحرهم مستعبد -
- متباعدون لهم بكل تنوفة * مستشهد وبكل أرض مشهد -
- كم مدحة لي فيكم في طيها * حكم تغور بها الركاب وتنجد -
- صلى الاله عليكم ما بكرت * ورق على ورق الغصون تغرد -
وقال الأبوصيري صاحب البردة من جملة قصيدته الهمزية في مدح
خير البرية:
- يا أبا القاسم الذي ضمن اقسامي * عليه مدح له وثناء -
- بالعلوم التي لديك من الله * بلا كاتب لها املاء -
- وبريحانتين طيبهما منك * الذي أودعتهما الزهراء -
- كنت تؤويهما إليك كما * آوت من الخط نقطتيها الياء -
- من شهيدين ليس ينسيني الطف * مصابيهما ولا كربلاء -
- ما رعى فيهما ذمامك مرؤوس * وقد خان عهدك الرؤساء -
- أبدلوا الود والحفيظة في القر * بي وأبدت ضبابها النافقاء -
- وقست منهم قلوب على من * بكت الأرض فقدهم والسماء -
- فابكهم ما استطعت ان قليلا * في عظيم من المصاب البكاء -
- كل يوم وكل ارض لكربي * فيهم كربلاء وعاشوراء -
- آل بيت النبي ان فؤادي * ليس يسليه عنكم التأساء -
- آل بيت النبي طبتم فطاب ال‍ * مدح لي فيكم وطاب الرثاء -
- انا حسان مدحكم فإذا نحت * عليكم فإنني الخنساء -
- سدتم الناس بالتقى وسواكم * سودته الصفراء والبيضاء -
وقال عبد الباقي العمري الموصلي البغدادي من قصيدة:
- حتى جرى بكربلاء ما جرى * وسال حتى بلغ السيل الزبى -
- ومادت الأرض ومادت السما * وانهالت الأطواد فيه كثبا -
- يوم به الزهراء قد تصعدت * أنفاسها ودمعها تصوبا -
- صدوه عن ماء الفرات صاديا * فاختار من حوض أبيه مشربا -
- ما ذا يقولون غدا لجده * عذرا إذا عاتبهم وأنبأ -
- كان أبوه سيدا كجده * للأنبيا والأوصيا قد نصبا -
- ذبح عظيم أبعد الرحمن عن * رحمته الذي به تقربا -
- ثغر شريف طالما قبله * أبو الميامين النبي المجتبى -
- سل الدعي ابن زياد الذي * إلى أبي أبي يزيد نسبا -
- والمصطفى وابنته وصهره * لمن غدوا جدا واما وأبا -
- وا حربا يا آل حرب منكم * يا آل حرب منكم وا حربا -
- لا عبد شمسكم يساوي هاشما * كلا ولا أمية المطلبا -
ومن فحول الشعراء المتأخرين الذين أكثروا من رثاء الحسين ع
فأجادوا وسبقوا، الحاج هاشم ابن الحاج حردان الكعبي، وهو ممن
لم يمنعهم من اللحاق بفحول الشعراء المتقدمين أمثال أبي تمام والمتنبي الا
خلو زمانهم عن مثل ما حواه ذلك الزمان ممن يجيز الشعراء بالألوف، فنظم
في رثائه عدة قصائد فائقة يقول من إحداها:
يا منزلا بمحاني الطف لا برحت * سقيا السحائب منك البان والكثب -
- اني وان عنك عاقتني يدا قدر * ببين جسم فقلبي منك مقترب -
- لا تحسبن كل دان منك ذا كلف * فالدار بالجنب لكن الهوى جنب -
- يا سائق الحرة الوجناء انحلها * طي السري وطواها الأين والنصب -
- علامة بضروب السير اقربها * منها إلى رأيها التقريب والخبب -
- عج بي إذا جئت غربي الحمى وبدت * منه لمقلتك الاعلام والقبب -
- وحي عني الأولى أقمارهم طلعت * من طيبة ولدى كرب البلى غربوا -
- قوم كأولهم في الفضل آخرهم * الفضل ان يتساوى البدء والعقب -
- من كل أبيض وضاح الجبين له * توران من جانبيه الفضل والنسب -
- أمت أمية ان تعلو لها شرفا * ويصبح الرأس مخدوما له الذنب -
- فشرمت للوغى فرسانها طربا * وامتاز بالسبك عما دونه الذهب -
- حتى إذا سئموا دار البلا وبدت * لهم عيانا هناك الخرد العرب -
- جلالها ابن جلا عضب الشبا ذكرا * لا يعرف الصفح إذ يستله الغضب -
- تأتي على الحلق الماذي ضربته * ولا يقيم عليها البيض واليلب -
- وباسم الثغر والابطال عابسة * كان جد المنايا عنده لعب -
- لا يسلب القرن إذ يرديه بزته * والليث همته المسلوب لا السلب -
- ماض بماض إذا استقبلت امرهما * بدا لعينيك من فعليهما العجب -
- تلقى الردى في الندى طلق العنان كما * ترى حياة الورى محمولها العطب -
- يا غيث كل الورى ان عم عامهم * جدب ويا غوثهم ان نابت النوب -
- والثابت العزم والأهوال مقبلة * والراسخ الحلم والأحلام تضطرب -
- ما غالبت صبرك الدنيا ومحنتها * الا انثنت وله من دونها الغلب -
- ولا تروع لك الأيام سرب حجى * بلى إذا ريعت الاعلام والهضب -
- ان يصبح الكون داجي اللون بعدك * الأيام سودا وحسن الدهر مستلب -
- فأنت كالشمس ما للعالمين غنى * عنها ولم تجزهم من دونها الشهب -
وقال الحاج هاشم أيضا من قصيدة:
- آل الرسول ونعم * اكفاء العلى آل الرسول
(٦٢٥)

- خير الفروع فروعهم * وأصولهم خير الأصول -
- ركبوا إلى العز المنون * وجانبوا عيش الذليل -
- أو ما سمعت ابن البتولة * لو دريت ابن البتول -
- إذ قادها شعث النواصي * عاقدات للذيول -
- يطوي بها متن الوعور * معارضا طي السهول -
- متنكب الورد الذميم * مجانب المرعى الوبيل -
- طلاب مجد بالحسام * العضب والرمح الطويل -
- لف الرجال بمثلها * وثنى الخيول على الخيول -
- وأباحها عضب الشبا * لا بالكهام ولا الكليل -
- خلط البراعة بالشجاعة * فالصليل عن الدليل -
- للسانه وسنانه * صدقان من طعن وقيل -
- ذات الفقار بكفه * وبكتفه ذات الفضول -
- قل الصحابة غير أن * قليلهم غير القليل -
- من كل أبيض واضح * الحسبين معدوم المثيل -
- يمشون في ظلل القنا * ميل المعاطف غير ميل -
- يا ابن الذين توارثوا ال‍ * - عليا قبيلا عن قبيل -
- والسابقين بمجدهم * في كل جيل كل جيل -
- ان تمس منكسر اللوا * ملقى على وجه الرمول -
- فلقد قتلت مهذبا * من كل عيب في القتيل -
- جم المناقب لم تكن * تعطي العدا كف الذليل -
- كلا ولا أقررت * اقرار العبيد على الخمول -
- يهدى لك الذكر الجميل * على الزمان المستطيل -
- يا طف طاف على مقا * مك كل هتان هطول -
وقال الحاج هاشم أيضا من قصيدة:
- جزى الله قوما أحسنوا الصبر، والبلا * مقيم وداعي الموت يدعو ويخطب -
- إذ الصارم الهندي خلى سبيله * وحاد عن القصد السنان المذرب -
- وقامت تحامي دونه هاشمية * تحن إلى وصل المنايا وتطرب -
- أتوا في العلى ما ليس يدرى فأغربت * معاني الثنا في مجدهم حيث أغربوا -
- ترى الطير في آثارهم طالب القرى * متى ضمهم في حومة الحرب موكب -
- أبادوهم قتلا وأسرا ومثلة * كان رسول الله ليس لهم أب -
- ففي كل نجد في البلاد وحاجر * لهم قمر يهوي وشمس تغيب -
- بني الوحي يا كهف الطريد ومن بهم * يلوذ فينجو الخائف المترقب -
- منازلكم للنازلين مرابع * يريف بها عاف ويخصب مجدب -
وقال الحاج هاشم أيضا من قصيدة:
- وأقام معدوم النظير فريد بيت * المجد معدوم النصير فريدا
يلقى القفار صواهلا ومناصلا * ويرى النهار قساطلا وبنودا -
- ساموه ان يرد الهوان أو المية * والمسود لا يكون مسودا -
- فثوى بمستن النزال مقطع ال‍ * أوصال مشكور الفعال حميدا -
وقال أيضا من قصيدة:
- سبقوا الأنام فضائلا وفواضلا * ومأثرا ومفاخرا وسدادا -
- ومراتبا ومناقبا ومساعيا * ومعاليا وجلادة وجلادا -
ورثاه من شعراء الشيعة المتأخرين من أهل القرن الثاني عشر الشيخ
عبد الحسين الأعسم النجفي بقصائد على عدد حروف المعجم أجاد فيها ما
شاء وكلها في الدر النضيد.
وللفقير مؤلف هذا الكتاب عدة قصائد مودعة في الدر النضيد يرجو
ناظمها من كرمه تعالى ان يكون معدودا من ناصري أهل البيت ع
بلسانه ان لم يستطع نصرهم بيده.
مدفن رأس الحسين ع
اختلف فيه على أقوال ذكرناها في لواعج الاشجان: الأول انه
عند أبيه أمير المؤمنين ع بالنجف معه إلى جهة رأسه الشريف ذهب إليه
بعض علماء الشيعة استنادا إلى أخبار وردت بذلك في الكافي والتهذيب
وغيرهما من طرق الشيعة عن الأئمة ع، وفي بعضها ان
الصادق ع قال لولده إسماعيل أنه لما حمل إلى الشام سرقه مولى لنا فدفنه
بجنب أمير المؤمنين ع ويؤيده ورود زيارة للحسين من عند رأس أمير
المؤمنين ع عن أئمة أهل البيت الثاني أنه مدفون مع جسده
الشريف، وفي البحار أنه المشهور بين علمائنا الامامية رده علي بن الحسين
ع، وفي الملهوف أنه أعيد فدفن بكربلاء مع جسده الشريف وكان
عمل الطائفة على هذا المعنى المشار إليه اه. واعتمده هو أيضا في
كتاب الاقبال، وقال ابن نما الذي عليه المعول من الأقوال أنه أعيد إلى
الجسد بعد أن طيف به في البلاد ودفن معه اه. وعن المرتضى في
بعض مسائله أنه رد إلى بدنه بكربلاء من الشام، وقال الشيخ الطوسي
ومنه زيارة الأربعين. وقال سبط بن الجوزي في تذكرة الخواص أشهر
الأقوال ان يزيد رده إلى المدينة مع السبايا ثم رد إلى الجسد بكربلاء فدفن
معه قاله هشام وغيره اه الثالث أنه مدفون بظهر الكوفة دون قبر
أمير المؤمنين ع رواه في الكافي بسنده عن الصادق ع الرابع أنه
دفن بالمدينة المنورة عند قبر أمه فاطمة ع وان يزيد أرسله إلى
عمرو بن سعيد بن العاص بالمدينة فدفن عند أمه الزهراء ع وأن
مروان بن الحكم كان يومئذ بالمدينة فاخذه وتركه بين يديه وقال:
- يا حبذا بردك في اليدين * ولونك الأحمر في الخدين -
والله لكأني أنظر إلى أيام عثمان. حكاه سبط بن الجوزي في تذكرة
الخواص عن ابن سعد في الطبقات. وفي كتاب جواهر المطالب لأبي
البركات شمس الدين محمد الباغندي الشافعي كما في نسخة مخطوطة في
المكتبة الرضوية عند ذكر أحوال الحسين ع: وأما رأسه فالمشهور
بين أهل التاريخ والسير أنه بعثه ابن زياد الفاسق إلى يزيد بن معاوية وبعث
به يزيد إلى عمرو بن سعيد الأشدق لطيم الشيطان وهو إذ ذاك بالمدينة
فنصبه ودفن عند امه بالبقيع الخامس إنه بدمشق قال سبط ابن الجوزي
حكى ابن أبي الدنيا قال وجد رأس الحسين ع في خزانة يزيد بدمشق
فكفنوه ودفنوه بباب الفراديس وكذا ذكر البلاذري في تاريخه قال هو بدمشق
في دار الامارة وكذا ذكر الواقدي أيضا اه وفي جواهر المطالب ذكر ابن
أبي الدنيا أن الرأس لم يزل في خزانة يزيد حتى هلك فاخذ ثم غسل وكفن
ودفن داخل باب الفراديس بمدينة دمشق اه ويروى أن سليمان بن
عبد الملك قال وجدت رأس الحسين ع في خزانة يزيد بن معاوية
فكسوته خمسة أثواب من الديباج وصليت عليه في جماعة من أصحابي وقبرته
(٦٢٦)

وفي رواية أنه مكث في خزائن بني أمية حتى ولي سليمان بن عبد الملك
فطلب فجئ به وهو عظم أبيض في سفط وطيبه وجعل عليه ثوبا ودفنه في
مقابر المسلمين بعد ما صلى عليه فلما ولي عمر بن عبد العزيز سال عن
موضعه فنبشه وأخذه والله أعلم ما صنع به وقال بعضهم: الظاهر من
دينه أنه بعث به إلى كربلاء فدفنه مع الجسد الشريف. وفي جواهر المطالب
عن الحافظ بن عساكر ان يزيد بعد ما نصبه بدمشق ثلاثة أيام وضعه بخزانة
السلاح حتى كان زمن سليمان بن عبد الملك فجئ به وقد بقي عظما أبيض
فكفنه وطيبه وصلى عليه ودفنه في مقابر المسلمين وروى ابن نما عن
منصور بن جهور أنه دخل خزانة يزيد لما فتحت فوجد بها جونة حمراء فقال
لغلامه سليم احتفظ بهذه الجونة فإنها كنز من كنوز بني أمية فلما فتحها إذا
فيها رأس الحسين ع وهو مخضوب بالسواد فلفه في ثوب ودفنه عند باب
الفراديس عند البرج الثالث مما يلي المشرق انتهى أقول: وكانه هو
الموضع المعروف الآن بمسجد أو مقام أو مشهد رأس الحسين ع بجانب
المسجد الأموي بدمشق وهو مشهد مشيد معظم السادس أنه بمسجد الرقة
على الفرات بالمدينة المشهورة، حكى سبط ابن الجوزي عن عبد الله بن عمر
الوراق ان يزيد لعنه الله قال لأبعثنه إلى آل أبي معيط عن رأس عثمان
وكانوا بالرقة فبعثه إليهم فدفنوه في بعض دورهم ثم أدخلت تلك الدار في
المسجد الجامع، قال وهو إلى جنب سدرة هناك وعليه شبه النيل أولا
يذهب شتاء ولا صيفا السابع إنه بمصر نقله الخلفاء الفاطميون من باب
الفراديس إلى عسقلان ثم نقلوه إلى القاهرة وله فيها مشهد عظيم يزار نقله
سبط ابن الجوزي أقول: حكى غير واحد من المؤرخين ان الخليفة
الفاطمي بمصر أرسل إلى عسقلان وهي بين مصر والشام فاستخرج رأسا قال إنه
رأس الحسين ع وجئ به إلى مصر فدفن فيها في المشهد المعروف
الآن وهو مشهد معظم يزار وإلى جانبه مسجد عظيم رأيته في سنة ١٣٢١
والمصريون يتوافدون إلى زيارته أفواجا رجالا ونساء ويدعون ويتضرعون
عنده وأخذ الفاطميين لذلك الرأس من عسقلان ودفنه بمصر لا ريب فيه
لكن الشأن في كونه رأس الحسين ع وهذه الوجوه الأربعة الأخيرة
كلها من روايات أهل السنة وأقوالهم خاصة والله أعلم.
مشهد رؤوس العباس وعلي الأكبر وحبيب بن مظاهر بدمشق
رأيت بعد سنة ١٣٢١ في المقبرة المعروفة بمقبرة باب الصغير بدمشق
مشهدا وضع فوق بابه صخرة كتب عليها ما صورته:
هذا مدفن رأس العباس بن علي ورأس علي بن الحسين الأكبر
ورأس حبيب بن مظاهر ثم أنه بعد ذلك بسنين هدم هذا المشهد وأعيد
بناؤه وأزيلت هذه الصخرة وبني ضريح داخل المشهد ونقش عليه أسماء
كثيرة لشهداء كربلاء، ولكن الحقيقة أنه منسوب إلى الرؤوس الشريفة الثلاثة
المقدم ذكرها بحسب ما كان موضوعا على بابه كما مر. وهذا المشهد:
الظن قوي بصحة نسبته لأن الرؤوس الشريفة بعد حملها إلى دمشق
والطواف بها وانتهاء غرض يزيد من إظهار الغلبة والتنكيل بأهلها والتشفي
لا بد أن تدفن في إحدى المقابر فدفنت هذه الرؤوس الثلاثة في مقبرة باب
الصغير وحفظ محل دفنها والله أعلم.
البناء على قبر الحسين ع
أول من بنى القبر الشريف بنو أسد الذين دفنوا الحسين ع
وأصحابه يظهر ذلك من الخبر المروي في كامل الزيارة عن زائدة عن
زين العابدين ع حيث قال فيه: قد أخذ الله ميثاق أناس من هذه الأمة
لا تعرفهم فراعنة هذه الأرض هم معروفون في أهل السماوات أنهم
يجمعون هذه الأعضاء المتفرقة وهذه الجسوم المضرجة فيوارونها وينصبون بهذا
الطف علما لقبر سيد الشهداء لا يدرس اثره ولا يعفو رسمه على كرور الليالي
والأيام اه. ومن قول ابن طاوس في الاقبال انهم أقاموا رسما لقبر سيد
الشهداء بتلك البطحاء يكون علما لأهل الحق. ويدل خبر مجئ التوابين إلى
القبر الشريف انه في ذلك الوقت وهو سنة هلاك يزيد ٦٣ أو ٦٤ كان
ظاهرا معروفا ولا يكون ذلك الا ببنائه. اما تعمير القبة عليه فقد تكرر
مرارا.
العمارة الأولى للقبة الشريفة
التي كانت في زمن بني أمية إذ تدل جملة من الآثار والأخبار أنه كان
عليه سقيفة ومسجد في زمن بني أمية واستمر ذلك إلى زمن الرشيد من بني
العباس لكن لا يعلم أول من بنى ذلك قال السيد محمد بن أبي طالب
الحسني الحائري فيما حكي عن كتابه تسلية المجالس وزينة المجالس في مقتل
الحسين ع: كان قد بني عليه مسجد ولم يزل كذلك بعد زمن بني أمية
وفي زمن بني العباس إلى آخر كلامه وسيأتي. ويدل الخبر الذي رواه السيد
علي بن طاوس في الاقبال عن الحسين بن أبي حمزة أنه كان عليه سقيفة لها
باب في آخر زمن بني أمية حيث قال فيه: خرجت في آخر زمن بني أمية وأنا
أريد قبر الحسين ع إلى أن قال: حتى إذا كنت على باب الحائر خرج إلي
رجل ثم قال: فلما انتهيت إلى باب الحائر: فجئت فدخلت. وقال
الصادق ع لجابر الجعفي في حديث رواه ابن قولويه في كامل الزيارة إذا
أتيت قبر الحسين ع فقل. وجابر توفي على ما ذكره النجاشي سنة ١٢٨
ومات مروان بن محمد آخر ملوك بني أمية سنة ١٣٢ فتكون وفاته قبل
انقضاء دولتهم بأربع سنين، وروى ابن قولويه في كامل الزيارة عن أبي حمزة
الثمالي عن الصادق ع في كيفية زيارة الحسين ع أنه قال فإذا أتيت
الباب الذي يلي الشرق فقف على الباب وقل. ثم قال ثم تخرج من
السقيفة وتقف بحذاء قبور الشهداء. وهو صريح في أن البناء كان سقيفة
له باب من الشرق وقوله الباب الذي يلي الشرق يدل على وجود باب غيره
وفي حديث صفوان الجمال عن الصادق ع إذ أردت زيارة الحسين بن
علي فإذا أتيت الباب فقف خارج القبة وارم بطرفك نحو القبر وقل ثم
ادخل رجلك اليمنى القبة وأخر اليسرى وقل ثم ادخل الحائر وقم بحذائه.
وقال المفيد في مزاره عند ذكره لرواية صفوان بن مهران فإذا أتيت باب الحائر
فقف ثم تأتي باب القبة فقف من حيث يلي الرأس ثم أخرج من الباب
الذي عند رجلي علي بن الحسين ثم توجه إلى الشهداء ثم امش حتى
تأتي مشهد العباس بن علي فقف على باب السقيفة وقل وروى ابن قولويه
بسنده عن أبي حمزة الثمالي عن الصادق ع: فإذا أردت زيارة
العباس فقف على باب السقيفة وقل ثم ادخل.
هدم الرشيد قبر الحسين ع
وبقيت هذه القبة إلى زمن الرشيد فهدمها وكرب موضع القبر وكان
عنده سدرة فقطعها. وقال السيد محمد بن أبي طالب الحسيني الحائري فيما
حكي عن كتابه تسلية المجالس وزينة المجالس: وكان قد بنى عليه مسجد
ولم يزل كذلك بعد بني أمية وفي زمن بني العباس إلا على زمن هارون
الرشيد فإنه خربه وقطع السدرة التي كانت ثابتة عنده وكرب موضع القبر اه
(٦٢٧)

ويوجد إلى الآن باب من أبواب الصحن الشريف يسمى باب السدرة ولعل
السدرة كانت عنده أو بجنبه.
العمارة الثانية
في زمن المأمون. قال محمد بن أبي طالب في تتمة كلامه السابق
بعد ما ذكر تخريب الرشيد له: ثم أعيد على زمن المأمون وغيره.
هدم المتوكل قبر الحسين ع
قال الطبري في تاريخه: في سنة ٢٣٦ أمر المتوكل بهدم قبر
الحسين بن علي وهدم ما حوله من المنازل والدور وأن يحرث ويبذر ويسقى
موضع قبره وأن يمنع الناس من إتيانه فذكر أن عامل صاحب الشرطة نادى
في الناحية من وجدناه عند قبره بعد ثلاثة بعثنا به إلى المطبق فهرب الناس
وامتنعوا من المصير إليه وحرث ذلك الوضع وزرع ما حواليه اه ويعلم
من ذلك كان قد بنى حوله دور ومساكن وسكن الناس هناك لقوله أنه أمر
بهدمه وهدم ما حوله من المنازل والدور. وروى الشيخ الطوسي في الأمالي
عن ابن حشيش عن أبي المفضل الشيباني عن علي بن عبد المنعم بن هارون
الخديجي من شاطئ النيل قال حدثني جدي القاسم بن أحمد بن معمر
الأسدي الكوفي وكان له علم بالسيرة وأيام الناس قال بلغ المتوكل
جعفر بن المعتصم ان أهل السواد يجتمعون بأرض نينوى لزيارة قبر
الحسين ع فيصير إلى قبره منهم خلق كثير فانفذ قائدا من قواده
وضم إليه عددا كثيفا من الجند ليشعث قبر الحسين ويمنع الناس
من زيارته والاجتماع إلى قبره فخرج القائد إلى الطف وعمل بما
أمر وذلك في سنة ٢٣٧ فثار أهل السواد واجتمعوا عليه وقالوا لو
قتلنا عن آخرنا لما أمسك من بقي منا عن زيارته ورأوا من الدلائل ما حملهم
على ما صنعوا فكتب بالأمر إلى الحضرة فورد كتاب المتوكل إلى القائد
بالكف عنهم إلى الكوفة مظهرا أن مسيره إليها في مصالح أهلها والانكفاء
إلى المصر فمضى على ذلك زمن حتى كانت سنة ٢٤٧ فبلغ المتوكل أيضا
مصير الناس من أهل السواد والكوفة إلى كربلاء لزيارة قبر الحسين ع
وأنه قد كثر جمعهم لذلك وصار لهم سوق كبير فانفذ قائدا في جمع كثير من
الجند وأمر مناديا ينادي ببراءة الذمة ممن زار قبره ثم نبش القبر وحرث أرضه
وانقطع الناس عن الزيارة وعمد على تتبع آل أبي طالب والشيعة فقتل ولم يتم
له ما قدره أقول فيكون ابتداء أمر المتوكل بذلك سنة ٢٣٦ ثم أعاد الكرة
سنة ٢٣٧ ثم فعل مثل ذلك سنة ٢٤٧ وفيها قتل المتوكل فكان يمنع من زيارته
فيمتنع الناس مدة أو تقل زيارتهم ويزورون خفية ثم تكثر زيارتهم فيجدد
المنع إلى أن قتله الله. وقد قال بعض الشعراء في ذلك:
- أ يحرث بالطف قبر الحسين * ويعمر قبر بني الزانية -
- لعل الزمان بهم قد يعود * ويأتي بدولتهم ثانيه -
وقال في تتمة كلامه السابق بعد ما ذكر انه أعيد تعميره على زمن
المأمون وغيره قال: إلى أن حكم المتوكل من بني العباس فامر بتخريب قبر
الحسين ع وقبور أصحابه وكرب مواضعها وأجرى الماء عليها اه
وكان المتوكل شديد البغض لعلي وأهل بيته ع.
العمارة الثالثة
عمارة المنتصر. قال محمد بن أبي طالب في تتمة كلامه السابق بعد ما
ذكر تخريب المتوكل القبر الشريف قال: إلى أن قتل المتوكل وقام بالامر
بعده ابنه المنتصر فعطف على آل أبي طالب وأحسن إليهم وفرق فيهم
الأموال وأعاد القبور في أيامه اه وذكر غير واحد من المؤرخين أنه أمر
الناس بزيارة قبر الحسين ع. وقال المجلسي في البحار أن المنتصر لما
قتل أباه وتخلف بعده أمر ببناء الحائر وبني ميلا على المرقد الشريف وأحسن
إلى العلويين وآمنهم بعد خوفهم اه ومر في الجزء الثالث عند ذكر تعمير
قبر أمير المؤمنين ع ان السقيفة التي كانت على قبر الحسين ع
سقطت سنة ٢٧٣ وهذه التي بناها المنتصر وبويع له بالخلافة سنة
٢٤٧ وتوفي بعد خمسة أشهر وليست التي بناها الداعي محمد بن زيد التي تأتي
لتصريح ابن طاوس في فرحة الغري أنها كانت أيام المعتضد والمعتضد بويع
سنة ٢٧٩ وتوفي سنة ٢٨٩.
العمارة الرابعة
عمارة محمد بن زيد بن الحسن بن محمد بن إسماعيل حالب الحجارة
ابن الحسن دفين الحاجر بن زيد الجواد بن الحسن السبط بن علي بن أبي
طالب الملقب بالداعي الصغير ملك طبرستان بعد أخيه الحسن الملقب
بالداعي الكبير عشرين سنة وبنى المشهدين الغروي والحائري أيام المعتضد
قال محمد بن أبي طالب في تتمة كلامه السابق بعد ما ذكر إعادة القبور في أيام
المنتصر قال: إلى أن خرج الداعيان الحسن ومحمد ابنا زيد بن الحسن فامر
محمد بعمارة المشهدين مشهد أمير المؤمنين ومشهد أبي عبد الله الحسين وأمر
بالبناء عليهما اه وكانت هذه العمارة ما بين ٢٧٩ و ٢٨٩ وفي كلام
لبعض المعاصرين أنه انتهى منها سنة ٢٨٠.
العمارة الخامسة
عمارة عضد الدولة فناخسرو بن بويه الديلمي قال محمد بن أبي
طالب في تتمة كلامه السابق بعد ما ذكر عمارة محمد بن زيد: وبعد ذلك
بلغ عضد الدولة بن بويه الغاية في تعظيمهما وعمارتهما والأوقاف عليهما وكان
يزورهما كل سنة اه وفي كتاب لبعض المعاصرين انه لما زار المشهد
الحسيني سنة ٣٧١ بالغ في تشييد الأبنية حوله وأجزل العطاء لمن جاوره
وتوفي سنة ٣٧٢ بعد ما ولي العراق خمس سنين وفي زمانه بنى عمران بن
شاهين الرواق المعروف برواق عمران في المشهد الحائري.
العمارة السادسة
عمارة الحسن بن مفضل بن سهلان أبو محمد الرامهرمزي وزير
سلطان الدولة بن بويه الديلمي قال ابن الأثير في حوادث سنة ٤٠٧ فيها في
١٤ ربيع الأول احترقت قبة الحسين والأروقة وكان سببه انهم أشعلوا
شمعتين كبيرتين فسقطت في الليل على التأزير فاحترق وتعدت النار اه
فجددها الوزير المذكور وفي مجالس المؤمنين عن تاريخ ابن كثير الشامي أنه
بنى سور الحائر الحسيني وقتل سنة ٤٦٠ قيل وهذا السور هو الذي ذكره ابن
إدريس في سنة ٥٨٨ في كتاب المواريث من السرائر اه وهذه العمارة
هي التي رآها ابن بطوطة وذكرها في رحلته التي كانت سنة ٧٢٧. العمارة السابعة الموجودة الآن أمر بها السلطان أويس الإيلخاني سنة ٧٦٧ وتاريخها
هذا موجود فوق المحراب القبلي مما يلي الرأس الشريف وأكملها ولده
أحمد بن أويس سنة ٧٨٦ وقد زيد فيها وأصلحت من ملوك الشيعة
وغيرهم، وفي عام ٩٣٠ اهدى الشاه إسماعيل الصفوي صندوقا بديع
الصنع إلى القبر الشريف وفي عام ١٠٤٨ شيد السلطان مراد العثماني الرابع
(٦٢٨)

القبة وجصصها وفي سنة ١١٣٥ أنفقت زوجة نادر شاة مبالغ طائلة لتعمير
الروضة الحسينية وفي سنة ١٢٣٢ أمر فتح علي شاة بتذهيب القبة الشريفة.
هدم الوهابية قبر الحسين ع
في سنة ١٢١٦ جهز سعود بن عبد العزيز بن محمد بن سعود الوهابي
النجدي جيشا من أعراب نجد ويقول بعض مؤرخي الإفرنج أنه يقرب من
ستمائة هجان وأربعمائة فارس وغزا به العراق وحاصر مدينة كربلاء مغتنما
فرصة غياب جل الاهلين في النجف لزيارة الغدير ثم دخلها يوم ١٨ ذي
الحجة عنوة وأعمل في أهلها السيف فقتل منهم ما بين أربعة آلاف إلى خمسة
آلاف وقتل الشيوخ والأطفال والنساء ولم ينج منهم إلا من تمكن من الهرب
أو اختبأ في مخبأ ونهب البلد ونهب الحضرة الشريفة وأخذ جميع ما فيها من
فرش وقناديل وغيرها وهدم القبر الشريف واقتلع الشباك الذي عليه وربط
خيله في الصحن المطهر ودق القهوة وعملها في الحضرة الشريفة ونهب من
ذخائر المشهد الحسيني الشئ الكثير ثم كر راجعا إلى بلاده.
٦: زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ع
رابع أئمة أهل البيت الطاهر ص
مولده ووفاته عمره ومدفنه
ولد في المدينة يوم الجمعة أو يوم الخميس أو يوم الأحد لتسع أو خمس
أو سبع خلون من شعبان أو منتصف جمادى الثانية أو الأولى سنة ٣٨ أو ٣٧
أو ٣٦ من الهجرة، وتوفي بالمدينة يوم السبت في ١٢ من المحرم أو ١٨ أو
١٩ أو ٢٢ أو ٢٥ منه سنة ٩٥ أو ٩٤ من الهجرة وله ٥٥ سنة أو ٥٦ أو ٥٧
أو ٥٨ أو ٥٩ وأشهر وأيام بحسب اختلاف الأقوال والروايات في تاريخ
المولد والوفاة عاش منها مع جده أمير المؤمنين ع سنتان أو أكثر ومعه
عمه الحسن ١٢ سنة أو ١٠ سنين ومع أبيه الحسين ٢٣ أو ٢٤ سنة ومع
أبيه بعد عمه الحسن ١٠ سنين وبعد أبيه ٣٤ أو ٣٣ أو ٣٥ سنة وهي مدة
إمامته وهي بقية ملك يزيد بن معاوية ومعاوية بن يزيد ومروان بن الحكم
وعبد الملك بن مروان وتوفي في ملك الوليد بن عبد الملك ودفن بالبقيع مع
عمه الحسن بن علي في القبة التي فيها قبر العباس بن عبد المطلب ع.
أمه
قيل اسمها شهربانو أو شهربانويه بنت يزدجرد بن شهريار بن
شيرويه بن أبرويز بن آنو شيروان: وكان يزدجرد آخر ملوك الفرس. وقال
المبرد: اسمها سلافة من ولد يزدجرد معروفة النسب من خيرات النساء،
وقيل خولة، وقال ابن سعد في الطبقات: اسمها غزالة وقال المفيد: أمه
شاة زنان بنت يزدجرد بن شهريار بن كسرى، ويقال ان اسمها كان
شهربانويه اه والظاهر أن اسمها الأصلي كان كما ذكره المفيد، ثم غير
كما ذكره المبرد قيل أخذت في خلافة عمر، ورواه القطب الراوندي بسنده
عن الباقر ع وإنه أراد بيعها فنهاها علي وقال له: ولكن أعرض عليها
ان تختار واحدا من المسلمين فزوجها به واحسب مهرها من عطائه من بيت
المال، فاختارت الحسين بن علي، فامره بحفظها والاحسان إليها فولدت له
خير أهل الأرض في زمانه. وقيل: إن أم زين العابدين ع ماتت في
نفاسها به، فكفلته بعض أمهات ولد أبيه، فنشأ لا يعرف أما غيرها، ثم
علم أنها مولاته، وكان الناس يسمونها أمه، ثم زوجها فقال ناس: زوج
أمه حتى أن بعض ملوك بني أمية ارسل إليه يعاتبه في ذلك، ولم تكن أمه إنما
كانت حاضنته، ولم يكن أهل المدينة يرغبون في نكاح الجواري حتى ولد
علي بن الحسين فرغبوا فيهن.
هو الأكبر أم الأصغر؟
المشهور أن أخاه شهيد كربلاء هو الأكبر وقيل أنه الأصغر.
كنيته
أبو محمد وأبو الحسن قيل وأبو بكر وروى ابن سعد في الطبقات عن
أبي جعفر انه يكنى أبا الحسين قال وفي غير هذا الحديث أنه كان يكنى أبا
محمد.
لقبه
له ألقاب كثيرة أشهرها: زين العابدين، وسيد العابدين،
والسجاد، وذو الثفنات.
نقش خاتمه
في الفصول الأربعة المهمة: وما توفيقي إلا بالله. وقال الكفعمي:
لكل غم حسبي الله. وفي حلية الأولياء عن الباقر ع: القوة لله جميعا
وفي رواية عن الباقر ع: العزة لله. وعن الصادق ع الحمد لله
العلي. وعن الكاظم ع: خزي وشقي قاتل الحسين بن علي. وعن
الرضا ع ان الله بالغ أمره. ولعله كان له عدة خواتيم بهذه النقوش.
بوابه
أبو خالد الكابلي وأبو جبلة ويحيى بن أم الطويل المطعمي المدفون
بواسط الذي قتله الحجاج.
شاعره
الفرزدق وكثير عزة
ملوك عصره
يزيد بن معاوية ومعاوية بن يزيد ومروان بن الحكم وعبد الملك بن
مروان والوليد بن عبد الملك.
أولاده
تناسل ولد الحسين من زين العابدين ع قال المفيد في
الارشاد وابن الصباغ في الفصول المهمة: كان له من الأولاد خمسة عشر
ذكرا وأربع بنات وهم: محمد الباقر أمه فاطمة بنت الحسن السبط تكنى أم
عبد الله. الحسن. الحسين الأكبر لم يعقبا أمهم أم ولد. زيد. عمر.
أمهما أم ولد. الحسين الأصغر. عبيد الله. سليمان لم يعقب. علي. وهو
أصغر ولده خديجة أمهما أم ولد. محمد الأصغر امه أم ولد. فاطمة.
علية. أم كلثوم امهن أم ولد. وفي الطبقات الكبير لمحمد بن سعد عد له
عشرة ذكور وسبع بنات فقال: ولد علي الأصغر ابن حسين بن علي:
الحسن بن علي درج. والحسين الأكبر درج. والحسين الأكبر درج. ومحمد أبا جعفر الفقيه.
وعبد الله وأمهم أم عبد الله بنت الحسن بن علي بن أبي طالب. وعمر.
وزيدا المقتول بالكوفة. وعلي بن علي. وخديجة وأمهم أم ولد. وحسينا
(٦٢٩)

الأصغر ابن علي. وأم علي بنت علي وهي علية وأمهما أم ولد. وكلثم بنت
علي. وسليمان لا عقب له ومليكة لأمهات أولاد. والقاسم. وأم الحسن
وهي حسنة. وأم الحسين. وفاعمة لأمهات أولاد. وفي كشف الغمة:
قيل كان له تسعة أولاد ذكور ولم يكن له أنثى وقال ابن الخشاب النحوي في
مواليد أهل البيت أنه ولد له ثمانية بنين ولم يكن له أنثى، وهم: محمد
الباقر، وزيد الشهيد بالكوفة، وعبد الله، وعبيد الله، والحسن،
والحسين، وعلي، وعمر. وقال ابن شهرآشوب في المناقب: أبناؤه ثلاثة
عشر من أمهات الأولاد إلا اثنين، محمد الباقر، وعبد الله الباهر أمهما أم
عبد الله بنت الحسن بن علي وأبو الحسين زيد الشهيد بالكوفة وعمر توأم
ومحمد الأصغر وعبد الرحمن وسليمان توأم والحسن والحسين وعبيد الله توأم
ومحمد الأصغر فرد وعلي وهو أصغر ولده وخديجة فرد ويقال لم تكن له بنت
ويقال ولدت له فاطمة وعلية وأم كلثوم. وفي عمدة الطالب: اعقب منهم
محمد الباقر وعبد الله الباهر وزيد الشهيد وعمر الأشرف والحسين الأصغر
وعلي الأصغر.
صفته في حليته ولباسه
في طبقات ابن سعد الكبير قال أخبرنا الفضل بن دكن حدثنا نضر بن
أوس الطائي قال دخلت على علي بن الحسين وعليه سحق ملحفة حمراء وله
جمة إلى المنكب مفروق وبسنده أن علي بن حسين كان يصبغ بالسواد وبسنده
عن موسى بن أبي حبيب الطائفي قال رأيت علي بن حسين يخضب بالحناء
والكتم ورأيت نعلي علي بن الحسين مدورة الرأس ليس لها لسان أقول
الحناء إذا صبغ معها بالكتم كان اللون أسود فلا ينافي ما مر من أنه كان
يصبغ بالسواد. وبسنده كان لعلي بن حسين كساء خز أصفر يلبسه يوم
الجمعة. وبسنده رأيت على علي بن حسين كساء خز وجبة خز. وبسنده
عن أبي جعفر قال أهديت لعلي بن حسين مستقة من العراق فكان يلبسها
فإذا أراد أن يصلي نزعها أقول المستقة بضم الميم وسكون السين وضم
التاء أو فتحها فروة طويلة الكمين فارسي معرب وبسنده عن أبي جعفر قال
كان لعلي بن حسين سبنجونة من ثعالب فكان يلبسها فإذا صلى نزعها
أقول في القاموس وتاج العروس السبنجونة بفتح السين والموحدة
وسكون النون ضم الجيم في التهذيب: روي أن الحسن بن علي كانت
له سبنجونة من جلود الثعالب كان إذا صلى لم يلبسها قال شمر سالت
محمد بن بشار عنها فقال فروة من الثعالب معرب آسمان كون أي لون
السماء وسألت أبا حاتم فقال كان يذهب إلى لون الخضرة آسمان جون ا
ه ونزعها في الصلاة لعدم جواز الصلاة فيما لا يؤكل لحمه في مذهب
أهل البيت وكون الثعالب منه وبسنده أن علي بن الحسين كان يشتري كساء
الخز بخمسين دينارا فيشتو فيه ثم يبيعه ويتصدق بثمنه ويصيف في ثوبين من
ثياب مصر أشمونيين بدينار ويلبس ما بين ذا وذا من اللبوس ويقول: من
حرم زينة الله التي اخرج لعباده ويعتم وينبذ له في السعن في العيدين بغير
عكر وكان يدهن أو يتطيب بعد الغسل إذا أراد أن يحرم اه
والسعن بالضم قربه صغيرة تقطع من نصفها وينبذ فيها والعكر
الدردي وهو ما خثر ورسب. قال أخبرنا محمد بن ربيعة حدثنا عبد الله بن
سعيد بن أبي هند قال رأيت على علي بن الحسين قلنسوة بيضاء لاطئة.
أخبرنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك وعبد الله بن مسلمة وإسماعيل بن
عبد الله بن أبي أويس قالوا حدثنا عن محمد بن هلال قال رأيت علي بن
الحسين بن علي يعتم بعمامة ويرخي عمامته خلف ظهره. قال ابن أبي
أويس في حديثه شبرا أو فويقة فيما توخيت عمامة بيضاء.
صفته في أخلاقه وأطواره
نقتبسها من مجموع الروايات الآتية والماضية في مناقبه وغيرها
وإن لزم بعض التكرير
كان أفضل أهل زمانه وأعلمهم وأفقههم وأورعهم وأعبدهم وأكرمهم
وأحلمهم وأصبرهم وأفضحهم، وأحسنهم أخلاقا، وأكثرهم صدقة،
وأرأفهم بالفقراء، وأنصحهم للمسلمين، وكان معظما مهيبا عند القريب
والبعيد والولي والعدو، حتى أن يزيد بن معاوية لما أمر أن يبايعه
أهل المدينة بعد وقعة الحرة على أنهم عبيد رق له لم يستثن من
ذلك إلا علي بن الحسين، فامر أن يبايعه على أنه أخوه وابن
عمه. وكان يشبه جده أمير المؤمنين ع في لباسه (١) وفقهه
وعبادته، وكان يحسن إلى من يسئ إليه. كان هشام بن إسماعيل
أمير المدينة يسئ إليه ويؤذيه أذى شديدا فلما عزل أمر به الوليد
أن يوقف للناس فمر به وسلم عليه وأمر خاصته أن لا يعرض له أحد،
وكان له ابن عم يؤذيه فكان يجيئه ويعطيه الدنانير ليلا وهو متستر فيقول
لكن علي بن الحسين لا يصلني لا جزاه الله خيرا، فيسمع ويصبر فلما مات
انقطع عنه فعلم أنه هو الذي كان يصله، ولما طرد أهل المدينة بني أمية في
وقعة الحرة، أراد مروان بن الحكم أن يستودع أهله فلم يقبل أحد أن
يكونوا عنده إلا علي بن الحسين فوضعهم مع عياله وأحسن إليهم مع
عداوة مروان المعروفة له ولجميع بني هاشم وعال في وقعة الحرة أربعمائة
امرأة من بني عبد مناف إلى أن تفرق جيش مسرف بن عقبة، وكان يعول
أهل بيوت كثيرة في المدينة لا يعرفون من يأتيهم برزقهم حتى مات، وكان
يقول لمن يشتمه: إن كنت كما قلت فاسال الله ان يغفر لي وإن لم أكن كما
قلت فاسال الله ان يغفر لك، وحج على ناقته عشرين حجة لم يضربها
بسوط، وكان لا يضرب مملوكا بل يكتب ذنبه عنده حتى إذا كان
آخر شهر رمضان جمعهم وقررهم بذنوبهم وطلب منهم ان يستغفروا
له الله كما غفر لهم، ثم يعتقهم ويجزيهم بجوائز وما استخدم
خادما فوق حول كان إذا ملك عبدا أول السنة أو وسطها أعتقهم
ليلة الفطر واستبدل سواهم كذلك كان يفعل حتى لحق بالله، ولقد كان
يشتري السودان وما به إليهم من حاجة يأتي بهم عرفات يسد بهم الفرج
فإذا أفاض أعتقهم وأجازهم. وهو الذي علم الزهري كيف ينجو
من الدم الذي أصابه وخلصه من ورطة الوقوع في القنوط. وكان لا يسافر
إلا مع رفقة لا يعرفونه ويشترط عليهم أن يكون من خدم الرفقة فيما
يحتاجونه ويقول أكره أن آخذ برسول الله ما لا أعطي مثله. وفي كشف
الغمة: كان لا يحب أن يعينه على طهوره أحد وكان يستقي الماء لطهوره
ويخمره أي يغطيه قبل أن ينام فإذا قام من الليل بدأ بالسواك ثم توضأ
ثم يأخذ في صلاته وكان لا يدع صلاة الليل في السفر والحضر، وكان
يقضي ما فاته من صلاة نافلة النهار بالليل، وكان يقول لبنيه يا بني ليس
هذا عليكم بواجب ولكن أحب لمن عود منكم نفسه عادة من الخير أن يدوم
عليها وكان إذا اتاه السائل قال مرحبا بمن يحمل زادي إلى الآخرة، وكان

(١) هذا قد ينافي ما يأتي من لبس زين العابدين (ع) اللباس الفاخر وما اشتهر من لبس أمير
المؤمنين (ع) خشن اللباس ويمكن كون الشبه في اللباس من وجه آخر والله أعلم.
(٦٣٠)

إذا مشى لا تجاوز يده فخذه ولا يخطر بيده وعليه السكينة والوقار اه
وقال الصادق ع كان إذا مشى كان الطير على رأسه (١) لا يسبق يمينه
شماله اه.
وكان عشية عرفة وغدوة جمع إذا دفع يسير على هنيهة وكان يجمع بين
الظهر والعصر والمغرب والعشاء في السفر وكان يمشي إلى الجمار.
وقال ابن حجر في صواعقه: زين العابدين هو الذي خلف أباه علما
وزهدا وعبادة وكان إذا توضأ للصلاة أصفر لونه فقيل له في ذلك فقال: لا تدرون
بين يدي من اقف، وكان عظيم التجاوز والعفو والصفح حتى أنه سبه
رجل فتغافل عنه فقال له إياك أعني فقال وعنك أعرض أشار إلى آية خذ
العفو وأمر بالمعروف وأعرض عن الجاهلين اه.
وفي الخصال بسنده عن الباقر ع: كان علي بن الحسين ع
يخرج في الليلة الظلماء فيحمل الجراب على ظهره وفيه الصرر من الدنانير
والدراهم وربما حمل على ظهره الطعام أو الحطب حتى يأتي بابا بابا فيقرعه
ثم يناول من يخرج إليه، وكان يغطي وجهه إذا ناول فقيرا لئلا يعرفه فلما
توفي فقدوا ذلك فعلموا أنه كان علي بن الحسين، ولقد خرج ذات يوم
وعليه مطرف خز فتعرض له سائل فتعلق بالمطرف فمضى وتركه، ولقد
نظر ع يوم عرفة إلى قوم يسألون الناس فقال ويحكم أ غير الله
تسألون في مثل هذا اليوم أنه ليرجى في هذا اليوم لما في بطون الحبالى أن
يكون سعيدا، وكان يأبى أن يواكل أمه فقيل له يا ابن رسول الله أنت أبر
الناس وأوصلهم للرحم فكيف لا تواكل أمك؟ فقال: إني أكره أن تسبق
يدي إلى ما سبقت إليه عينها، وقال له رجل يا ابن رسول الله إني لأحبك
في الله حبا شديدا فقال اللهم إني أعوذ بك أن أحب فيك وأنت لي
مبغض، وسئلت عنه مولاة له فقالت أطنب أو اختصر فقيل لها اختصري
فقالت ما أتيته بطعام نهارا قط وما فرشت له فراشا بليل قط. وانتهى ذات
يوم إلى قوم يغتابونه فوقف عليهم فقال إن كنتم صادقين فغفر الله لي وإن
كنتم كاذبين فغفر الله لكم. وكان إذا جاء طالب علم قال مرحبا بوصية
رسول الله ص ثم يقول إن طالب العلم إذا خرج من منزله لم يضع رجله
على رطب ولا يابس من الأرض إلا سجت له، ولقد كان يعول مائة أهل
بيت من فقراء المدينة وكان يعجبه أن يحضر طعامه اليتامى والأضراء والزمني
والمساكين الذين لا حيلة لهم، وكان يناولهم بيده ومن كان منهم له عيال
حمل له إلى عياله من طعامه، وكان لا يأكل طعاما حتى يهدأ فيتصدق
بمثله، ولقد بكى على أبيه الحسين عشرين سنة وما وضع بين يديه طعام
إلا بكى حتى قال له مولى له: يا ابن رسول الله أ ما آن لحزنك أن ينقضي
فقال له ويحك ان يعقوب النبي ع كان له إثنا عشر ابنا فغيب الله
واحدا منهم فابيضت عيناه من كثرة بكائه عليه وشاب رأسه من الحزن
واحدودب ظهره من الغم وكان ابنه حيا في الدنيا وأنا نظرت إلى أبي وأخي
وعمي وسبعة عشر من أهل بيتي مقتولين حولي فكيف ينقضي حزني ا
ه. وروى الشيخ في الأمالي بسنده عن الصادق ع قال: كان علي بن
لحسين يقول ما تجرعت جرعة أحب إلي من جرعة غيظ أعقبها صبرا وما
أجب أن لي بذلك حمر النعم وكان يقول الصدقة تطفئ غضب الرب وكان
لا يسبق يمينه شماله وكان يقبل الصدقة قبل أن يعطيها السائل قيل له ما
يحملك على هذا فقال لست أقبل يد السائل إنما أقبل يد ربي إنها تقع في يد
ربي قبل أن تقع في يد السائل، ولقد كان يمر على المدرة في وسط الطريق
فينزل عن دابته حتى ينحيها بيده عن الطريق، ولقد مر بمجذومين فسلم
عليهم وهم يأكلون فمضى ثم قال إن الله لا يحب المتكبرين فرجع إليهم
فقال إني صائم وقال اتتوني بهم في المنزل فاتوه بهم فاطعمهم ثم أعطاهم ا
ه. وكان إذا انقضى الشتاء تصدق بكسوته وإذا انقضى الصيف تصدق
بكسوته وفي رواية إنه كان يتصدق بها نفسها فقيل له إنك تعطيها من لا
يعرف قيمتها ولا يليق به لباسها فلو بعتها فتصدقت بثمنها فقال إني أكره أن
أبيع ثوبا صليت فيه.
مناقبه وفضائله
في طبقات ابن سعد: قالوا كان علي بن الحسين ثقة مأمونا كثير
الحديث عليا رفيعا ورعا اه. وفي مرآة الجنان: مناقبه ومحاسنه كثيرة
شهيرة، وحكى المبرد في الكامل ان رجلا من قريش قال: كنت أجالس
سعيد بن المسيب فقال لي يوما من أخوالك فقلت أمي فتاة وكأني نقصت من
عينه إلى أن قال فأمهلت شيئا حتى جاء علي بن الحسين بن علي بن أبي
طالب ع فسلم عليه ثم نهض فقلت يا عم من هذا؟ قال:
هذا الذي لا يسع مسلما أن يجهله هذا علي بن الحسين بن علي بن أبي
طالب، قلت من أمه؟ قال فتاة قلت يا عم رأيتني نقصت من عينك لما
علمت أني لام ولد. وعن محاضرات الراغب وابن الجوزي في مناقب
عمر بن عبد العزيز: أنه قال عمر بن عبد العزيز يوما وقد قام من عنده
علي بن الحسين ع من أشرف الناس؟ فقالوا أنتم، فقال كلا
فان أشرف الناس هذا القائم من عندي آنفا من أحب الناس أن يكونوا منه
ولم يحب أن يكون من أحد. وروى الصدوق في العلل بسنده عن
سفيان بن عيينة قلت للزهري لقيت علي بن الحسين قال نعم لقيته وما لقيت
أحدا أفضل منه والله ما علمت له صديقا في السر ولا عدوا في العلانية
فقيل له وكيف ذلك قال لاني لم أر أحدا وإن كان يحبه إلا وهو لشدة معرفته
بفضله يحسده ولا رأيت أحدا وإن كان يبغضه إلا وهو لشدة مداراته له
يداريه.
ونذكر من مناقبه أمورا حسبما يتسع لنا المجال:
أحدها العلم قد عرفت قول المفيد أنه قد روى عنه الفقهاء من
العلوم ما لا يحصى كثرة وحفظ عنه من المواعظ والأدعية وفضائل القرآن
والحلال والحرام والمغازي والأيام ما هو مشهور بين العلماء. قال ولو قصدنا
شرح ذلك لطال به الكتاب وتقضى به الزمان اه وفي مناقب ابن شهرآشوب
قلما يوجد كتاب زهد وموعظة لم يذكر فيه قال علي بن الحسين أو قال زين
العابدين. وروى المفيد في الارشاد بسنده عن عبد الله بن الحسين بن
الحسن قال كانت أمي فاطمة بنت الحسين ع تأمرني أن أجلس إلى خالي
علي بن الحسين فما جلست إليه قط إلا قمت بخير قد أفدته أما خشية لله
تحدث في قلبي لما أرى من خشيته لله أو علم قد استفدته منه.
وروى أبو نعيم في الحلية بسنده عن الزهري دخلنا على علي بن الحسين
ابن علي فقال يا زهري فيم كنتم. قلت: تذاكرنا فاجمع رأيي ورأي أصحابي
على أنه ليس من الصوم شئ واجب إلا شهر رمضان فقال: يا زهري
ليس كما قلتم، الصوم على أربعين وجها عشرة منها واجبة كوجوب شهر
رمضان، وعشرة منها حرام، وأربع عشرة خصلة صاحبها بالخيار إن شاء

(١) قيل في تفسير كأن الطير على رأسه ان الطير لا يقع الا على شئ ساكن.
(٦٣١)

صام وإن شاء أفطر، وصوم النذر واجب، وصوم الاعتكاف واجب.
قال قلت: فسرهن يا ابن رسول الله. قال: أما الواجب فصوم شهر
رمضان وصيام شهرين متتابعين يعني في قتل الخطا لمن لم يجد العتق قال
تعالى ومن قتل مؤمنا خطا الآية وصيام ثلاثة أيام في كفارة اليمين،
لمن لم يجد إلا طعام قال الله عز وجل ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم
وصيام حلق الرأس قال الله تعالى فمن كان منكم مريضا أو به أذى من
رأسه الآية صاحبه بالخيار إن شاء صام ثلاثا وصوم دم المتعة، لمن لم
يجد الهدي. قال الله تعالى: فمن تمتع بالعمرة إلى الحج الآية،
وصوم جزاء الصيد. قال الله عز وجل ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل
ما قتل من النعم الآية، وإنما يقوم ذلك الصيد قيمة ثم يفض ذلك
الثمن على الحنطة، وأما الذي صاحبه بالخيار، فصوم يوم الاثنين
والخميس، وصوم ستة أيام من شوال بعد رمضان، ويوم عرقه، ويوم
عاشوراء كل ذلك صاحبه بالخيار، إن شاء صام، وإن شاء أفطر. وأما
صوم الإذن، فالمرأة لا تصوم تطوعا إلا بإذن زوجها وكذلك العبد والأمة
وأما صوم الحرام، فصوم يوم الفطر ويوم الأضحى، وأيام التشويق، ويوم
الشك نهينا أن نصومه كرمضان، وصوم الوصال حرام، وصوم الصمت
حرام وصوم نذر المعصية حرام، وصوم الدهر حرام والضيف لا يصوم
تطوعا إلا بإذن صاحبه قال رسول الله ص: من نزل على قوم فلا
يصومن تطوعا إلا باذنهم ويؤمر الصبي بالصوم إذا لم يراهق تأنيسا،
وليس بفرض وكذلك من أفطر لعلة من أول النهار ثم وجد قوة في بدنه أمر
بالامساك، وذلك تأديب من الله عز وجل، وليس بفرض، وكذلك المسافر
إذا اكل من أول النهار ثم قدم أمر بالامساك. واما صوم الإباحة، فمن اكل
وشرب ناسيا من غير عمد، فقد أبيح له ذلك وأجزأه عن صومه، واما صوم
المريض، وصوم المسافر فان العامة اختلفت فيه. فقال بعضهم يصوم،
وقال قوم لا يصوم وقال قوم ان شاء صام، وإن شاء فطر، وأما نحن
فنقول: يفطر في الحالين جميعا، فان صام في السفر والمرض، فعليه
القضاء، قال الله عز وجل فعدة من أيام أخر.
وروى ابن سعد في الطبقات بسنده أن الزهري أصاب دما خطا
فخرج وترك أهله وضرب فسطاطا وقال لا يظلني سقف بيت فمر به علي بن
حسين فقال يا ابن شهاب قنوطك أشد من ذنبك فاتق الله واستغفره وابعث
إلى أهله بالدية وارجع إلى أهلك فكان الزهري يقول علي بن حسين أعظم
الناس علي منة.
ثانيهما: الحلم والصفح ومقابلة الإساءة بالاحسان روى الكليني
في الكافي بسنده عن علي بن الحسين ع في حديث أنه قال ما
تجرعت من جرعة أحب إلي من جرعة غيظ لا أكافئ بها صاحبها. وفي
الارشاد أخبرني أبو محمد الحسن بن محمد حدثني جدي حدثني محمد بن
جعفر وغيره قالوا وقف على علي بن الحسين رجل من أهل بيته فاسمعه
وشتمه فلم يكلمه فلما انصرف قال لجلسائه قد سمعتم ما قال هذا الرجل
وأنا أحب أن تبلغوا معي إليه حتى تسمعوا مني ردي عليه قال فقالوا له
نفعل ولقد كنا نحب أن نقول له ونقول قال فاخذ نعليه ومشى وهو يقول
والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين فعلمنا أنه لا
يقول شيئا قال فخرج إلينا متوثبا للشر وهو لا يشك أنه إنما جاءه مكافيا له
على بعض ما كان منه فقال له علي بن الحسين ع يا أخي إنك كنت قد
وقفت علي آنفا وقلت وقلت فان كنت قد قلت ما في فانا استغفر الله منه
وإن كنت قلت ما ليس في فغفر الله لك قال فقبل الرجل بين عينيه وقال بل
قلت فيك ما ليس فيك وأنا أحق به. أخبرني الحسن بن محمد عن
جده قال حدثني شيخ من أهل اليمن قد أتت عليه بضع وتسعون سنة قال
أخبرني به رجل يقال له عبد الله بن محمد قال سمعت عبد الرزاق يقول:
جعلت جارية لعلي بن الحسين ع تسكب عليه الماء ليتهيأ للصلاة
فسقط الإبريق من يد الجارية على وجهه فشجه فرفع رأسه إليها فقالت له
الجارية إن الله يقول والكاظمين الغيظ قال قد كظمت غيظي قالت والعافين
عن الناس قال لها عفا الله عنك قالت والله يحب المحسنين قال اذهبي فأنت
حرة لوجه الله عز وجل. وأخرجه البيهقي عن علي بن الحسين مثله. وفي
مناقب ابن شهرآشوب كسرت جارية له قصعة فيها طعام فاصفر وجهها
فقال لها اذهبي فأنت حرة لوجه الله. وفي كشف الغمة كان عنده قوم
أضياف فاستعجل خادما له بشواء كان في التنور فاقبل به الخادم مسرعا
فسقط السفود منه على رأس بني لعلي بن الحسين تحت الدرجة فأصاب رأسه
فقتله فقال علي للغلام وقد تحيز الغلام واضطرب أنت حر فإنك لم
تعتمده وأخذ في جهاز ابنه ودفنه. وكان له مولى يتولى عمارة ضيعة له
فجاء فأصاب فيها فسادا وتضييعا كثيرا فغاظه ما رأى من ذلك وغمه فقرع
المولى بسوط كان في يده وندم على ذلك فلما انصرف إلى منزله أرسل في
طلب المولى فجاء فوجده عاريا والسوط بين يديه فظن أنه يريد عقوبته
فاشتد خوفه فقال له علي بن الحسين قد كان مني إليك ما لم يتقدم مني مثله
وكانت هفوة وزلة فدونك السوط واقتص مني فقال يا مولاي والله إن ظننت
إلا أنك تريد عقوبتي وأنا مستحق للعقوبة فكيف أقتص منك قال ويحك
اقتص قال معاذ الله أنت في حل وسعة فكرر ذلك عليه مرارا والمولى يتعاظم
قوله ويجلله فلما لم يره يقتص قال له أما إذا أبيت فالضيعة صدقة عليك
وروى الواقدي قال حدثني عبد الله بن محمد بن عمر بن علي ع
قال كان هشام بن إسماعيل (١) يسئ جوارنا ولقي منه علي بن
الحسين ع أذى شديدا فلما عزل أمر به الوليد أن يوقف للناس فقال ما
أخاف إلا من علي بن الحسين فمر به علي بن الحسين وقد أوقف عند دار
مروان فسلم عليه وكان علي بن الحسين قد تقدم إلى خاصته أن لا يعرض
له أحد بكلمة فلما مر ناداه هشام الله أعلم حيث يجعل رسالته. وزاد ابن
فياض في الرواية في كتابه ان زين العابدين ع أنفذ إليه وقال أنظر إلى ما
أعجزك من مال تؤخذ به فعندنا ما يسعك فطب نفسا منا ومن كل من
يطيعنا فنادى هشام الله أعلم حيث يجعل رسالته. وروى ابن سعد في
الطبقات بسنده عن عبد الله بن علي بن الحسين قال لما عزل هشام بن
إسماعيل نهانا أبي أن ننال منه ما يكره فإذا أبي قد جمعنا فقال إن هذا الرجل
قد عزل وقد أمر بوقفه للناس فلا يتعرض له أحد منكم فقلت يا أبت ولم
والله إن أثره عندنا لسئ وما كنا نطلب إلا مثل هذا اليوم قال يا بني نكله

(١) لا يخفى انها عدت أولا أربعين ثم عشرة وعشرة وأربع عشرة فتكون أربعا وثلاثين ومجموع ما
ذكر منها ثلاثون أو اثنان وثلاثون ويمكن أن يكون اقتصر على العشرة الواجبة. والعشرة
المحرمة بعد أيام التشريق ثلاثة لا واحدا لأنهما أهم وذكر من المستحب والمكروه بعضه.
(٢) في طبقات ابن سعد هشام بن إسماعيل بن هشام بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن مخزوم
كان من أهل العلم والرواية ثم ولي المدينة لعبد الملك بن مروان فتوفي عبد الملك، وهو
الذي ضرب سعيد بن المسيب حين دعاه إلى البيعة للوليد بن عبد الملك حين عقد له أبوه
بالخلافة فأبي سعيد وقال انتظر ما يصنع الناس فضربه وطاف به وحبسه (اه‍) أقول: ماذا
يفيده علمه وروايته مع سوء عمله وايذائه أهل بيت النبوة وقد صدق فيه: من أعان ظالما
بلي به فقد عزل وفعل به ما فعل.
(٦٣٢)

إلى الله. فوالله ما عرض له أحد من آل الحسين بحرف حتى تصرم أمره.
وفي مرآة الجنان: روي أنه تكلم رجل فيه وافترى عليه فقال له زين
العابدين إن كنت كما قلت فاستغفر الله وإن لم أكن كما قلت فغفر الله لك فقام
إليه الرجل وقبل رأسه وقال جعلت فداك لست كما قلت فاغفر لي قال غفر الله
لك فقال الرجل الله أعلم حيث يجعل رسالته. وفي البحار: شتم بعضهم
زين العابدين ص فقصده غلمانه فقال دعوه فان ما خفي عليه
منا أكثر مما قال ثم قال له أ لك حاجة يا رجل فخجل الرجل فأعطاه
ثوبه وأمر له بألف درهم فانصرف الرجل صارخا يقول أشهد أنك ابن
رسول الله. قال وشتمه آخر فقال يا فتى إن بين أيدينا عقبة كؤودا فان
جزت منها فلا أبالي بما تقول وأن أتحير فانا شر مما تقول.
وفي المناقب: روي أن علي بن الحسين دعا مملوكه مرتين فلم يجبه فلما
أجابه في الثالثة قال له يا بني أ ما سمعت صوتي قال بلى قال فما لك لم تجبني
قال أمنتك قال الحمد لله الذي جعل مملوكي يأمنني. وفي حياة الحيوان:
كان إذا خرج من منزله قال اللهم إني أتصدق اليوم وأهب عرضي لمن
يغتابني اه وكفى في حلمه إنه لما قال الشيخ الشامي: الحمد لله الذي
أهلككم وقتلكم وأراح البلاد من رجالكم لم يجابهه زين العابدين بسب ولا
شتم بل أجابه بلين الكلام وقال هل قرأت القرآن وذكر الآيات الدالة على
فضل أهل البيت فتاب ورجع بفضل حلم زين العابدين ع وحكمته كما
مر في السيرة الحسينية.
ثالثها الشجاعة وقوة القلب وثبات الجنان وجرأة النفس وأقوى
دليل على ذلك قوله للطاغية عبيد الله بن زياد لما أمر به إلى القتل: أ بالقتل
تهددني أ ما علمت أن القتل لنا عادة وكرامتنا الشهادة. وإنه لم يكلم أحدا
ممن كان معه في الطريق من الكوفة إلى الشام بكلمة حتى بلغوا الشام وقال
محفر بن ثعلبة ما قال فاجابه ما ولدت أم محفر أشر وألأم، وقوله ليزيد وهو
في سلطنته وملكه وتسلطه يا ابن معاوية وهند وصخر لقد كان جدي
علي بن أبي طالب في يوم بدر واحد والأحزاب في يده راية رسول الله ص
وأبوك وجدك في أيديهما رايات الكفار وقوله ويلك يا يزيد إنك لو تدري
ما ذا صنعت وما الذي ارتكبت إذا لهربت في الجبال وافترشت الرماد فابشر
بالخزي والندامة.
رابعها الكرم: في كشف الغمة عن كتاب نثر الدرر للآبي قال
ابن الأعرابي لما وجه يزيد بن معاوية عسكره لاستباحة أهل المدينة ضم
علي بن الحسين ع إلى نفسه أربع مائة منافية أي من بني عبد
مناف وبعولهن إلى أن تفرق جيش مسرف بن عقبة قال وقد حكى عنه
مثل ذلك عند إخراج ابن الزبير بني أمية من الحجاز. وعن الزمخشري في
ربيع الأبرار أنه لما أرسل يزيد بن معاوية مسلم بن عقبة لقتال أهل المدينة
واستباحتها كفل زين العابدين ع أربعمائة امرأة مع أولادهن وحشمهن
وضمهن إلى عياله وقام بنفقتهن وإطعامهن إلى أن خرج جيش ابن عقبة من
المدينة فأقسمت واحدة منهن انها ما رأت في دار أبيها وأمها من الراحة
والعيش الهني ما رأته في دار علي بن الحسين اه وفي تذكرة الخواص قال
ابن أبي الدنيا حدثنا محمد بن الحسين عن الحميدي عن سفيان الثوري قال
أراد علي بن الحسين ع الخروج إلى الحج والعمرة فاتخذت له
أخته سكينة بنت الحسين سفرة أنفقت عليها ألف درهم وأرسلت بها إليه
فلما كان بظهر الحرة أمر بها ففرقت في الفقراء والمساكين.
خامسها كثرة صدقاته ع لا سيما في السر روي أنه كان لا
يأكل الطعام حتى يبدأ فيتصدق بمثله، وروى أبو نعيم في الحلية بسنده عن
أبي حمزة الثمالي: كان علي بن الحسين يحمل جراب الخبز على ظهره بالليل
فيتصدق به ويقول: إن صدقة السر تطفئ غضب الرب عز وجل.
وبسنده عن شيبة بن نعامة: لما مات علي بن الحسين وجدوه يقوت مائة
أهل البيت بالمدينة. وروى أحمد بن حنبل والصدوق في الخصال عن الباقر
ع إن علي بن الحسين كان يعول مائة أهل بيت من فقراء المدينة في كل
بيت جماعة.
وفي الحلية بسنده عن محمد بن إسحاق كان ناس من أهل المدينة
يعيشون لا يدرون من أين كان معاشهم. فلما مات علي بن الحسين فقدوا
ما كانوا يؤتون به في الليل وفي الحلية بسنده عن ابن عائشة عن أبيه:
سمعت أهل المدينة يقولون: ما فقدنا صدقة السر حتى مات علي بن
الحسين. وروى الصدوق في العلل بسنده عن سفيان بن عينية قال رأى
الزهري علي بن الحسين ع في ليلة باردة مطرة وعلى ظهره دقيق
وهو يمشي فقال يا ابن رسول الله ما هذا قال أريد سفرا أعد له زادا أحمله
إلى موضع حريز قال فهذا غلامي يحمله عنك فابى قال أنا أحمله عنك فاني
أرفعك عن حمله قال علي لكني لا أرفع نفسي عما ينجيني في سفري ويحسن
ورودي على ما أرد عليه أسألك بحق الله لما مضيت لحاجتك وتركتني فلما
كان بعد أيام قال له يا ابن رسول الله لست أرى لذلك السفر الذي ذكرته
أثرا قال بلى يا زهري ليس هو كما ظننت ولكنه الموت وله أستعد إنما
الاستعداد للموت تجنب الحرام وبذل الندى في الخير اه وكان ذلك
الدقيق قد حمله ليتصدق به ويعده زادا لسفر الآخرة. وفي البحار: إنه كان
إذا جنه الليل وهدأت العيون قام إلى منزله فجمع ما يبقى عن قوت أهله
وجعله في جراب ورمى به على عاتقه وخرج إلى دور الفقراء وهو متلثم
ويفرق عليهم وكثيرا ما كانوا قياما على أبوابهم ينتظرونه فإذا رأوه تباشروا به
وقالوا جاء صاحب الجراب. وعن كتاب سوق العروس عن أبي عبد الله
الدامغاني كان علي بن الحسين يتصدق بالسكر واللوز فسئل عن ذلك فقرأ
لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وكان يحبه.
وروى أبو نعيم في الحلية وابن سعد في الطبقات بسنده عن أبي جعفر
أن أباه علي بن الحسين قاسم الله عز وجل ماله مرتين، وقال إن الله تعالى
يحب المؤمن المذنب التائب التواب خ ل.
سادسها اعتاقه العبيد في سبيل الله روى أبو نعيم في الحلية بسنده
عن سعيد بن مرجانة: عمد علي بن الحسين إلى عبد له كان عبد الله بن
جعفر أعطاه به عشرة آلاف درهم أو ألف دينار فاعتقه.
وروى ابن طاوس في كتاب شهر رمضان المعروف بالاقبال بسنده عن
الصادق ع كان علي بن الحسين ع إذا دخل شهر رمضان لا
يضرب عبدا له ولا أمة وكان إذا أذنب العبد والأمة يكتب عنده أذنب فلان
أذنبت فلانة يوم كذا وكذا، ولم يعاقبه فإذا كان آخر ليلة من شهر رمضان
دعاهم وجمعهم حوله ثم أظهر الكتاب ثم قال يا فلان فعلت كذا وكذا ولم
أؤدبك أ تذكر ذلك؟ فيقول بلى يا ابن رسول الله. حتى يأتي على آخرهم
ويقررهم جميعا ثم يقوم وسطهم ويقول ارفعوا أصواتكم وقولوا: يا علي بن
الحسين إن ربك قد أحصى عليك كلما عملت كما أحصيت علينا كلما عملنا
ولديه كتاب ينطق عليك بالحق لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها وتجد
(٦٣٣)

كلما عملت لديه حاضرا كما وجدنا كلما عملنا لديك حاضرا فاعف واصفح
يعف عنك المليك ويصفح فإنه يقول وليعفوا وليصفحوا أ لا تحبون أن يغفر
الله لكم، وهو ينادي بذلك على نفسه ويلقنهم وينادون معه وهو واقف
بينهم يبكي ويقول ربنا إنك أمرتنا أن نعفو عمن ظلمنا وقد عفونا عمن
ظلمنا كما أمرت فاعف عنا فإنك أولى بذلك منا ومن المأمورين، إلهي
كرمت فاكرمني إذ كنت من سؤالك وجدت بالمعروف فاخلطني باهل نوالك
يا كريم ثم يقبل عليهم فيقول قد عفوت عنكم فهل عفوتم عني ما كان
مني إليكم من سوء ملكة فاني مليك سوء لئيم ظالم مملوك لمليك كريم جواد
عادل محسن متفضل، فيقولون قد عفونا عنك يا سيدنا وما أسأت فيقول
لهم قولوا اللهم أعف عن علي بن الحسين كما عفا عنا واعتقه من النار كما
أعتق رقابنا من الرق فيقولون ذلك فيقول اللهم آمين رب العالمين اذهبوا
فقد عفوت عنكم وأعتقت رقابكم رجاء للعفو عني وعتق رقبتي فإذا كان يوم
الفطر أجازهم بجوائز تصونهم وتغنيهم عما في أيدي الناس، وما من سنة
إلا وكان يعتق فيها في آخر ليلة من شهر رمضان ما بين العشرين رأسا إلى
أقل أو أكثر، وكان يقول إن الله تعالى في كل ليلة من شهر رمضان عند
الافطار سبعين ألف عتيق من النار كلا قد استوجب النار فإذا كان آخر ليلة
من شهر رمضان أعتق فيها مثلما أعتق في جميعه وإني لأحب أن يراني الله وقد
أعتقت رقابا في ملكي في دار الدنيا رجاء أن يعتق رقبتي من النار، وما
استخدم خادما فوق حول، كان إذا ملك عبدا في أول السنة أو في وسط
السنة إذا كانت ليلة الفطر أعتق واستبدل سواهم في الحول الثاني ثم
أعتق، كذلك كان يفعل حتى لحق بالله تعالى، ولقد كان يشتري السودان
وما به إليهم من حاجة يأتي بهم عرفات فيسد بهم تلك الفرج فإذا أفاض
أمر بعتق رقابهم وجوائز لهم من المال.
سابعها الفصاحة والبلاغة وفي خطبه بالكوفة والشام والمدينة
وغيرها المتقدمة في واقعة كربلاء أوضح دلالة وحسبك في ذلك بالصحيفة
الكاملة وما فيها من بديع المعاني وفصيح الألفاظ وبليغ التراكيب وجميل
المحاورات ولطيف العبارات التي يعجز الفصحاء والبلغاء عن أمثالها وهي
المعروفة بإنجيل آل محمد وتمام الكلام عليها عند ذكر مؤلفاته.
ثامنها الورع فقد كان أورع أهل زمانه روى أبو نعيم في الحلية
بسنده عن صالح بن حسان قال رجل لسعيد بن المسيب: ما رأيت أحدا
أورع من فلان، قال: هل رأيت علي بن الحسين؟ قال لا، قال: ما
رأيت أورع منه. وفي مرآة الجنان: روي عن جماعة من السلف أنهم قالوا
ما رأينا أورع من علي بن الحسين منهم سعيد بن المسيب.
تاسعها كثرة بره بأمه في مرآة الجنان: روي أن زين العابدين
كان كثير البر بأمه فقيل له إنا نراك من أبر الناس بأمك ولسنا نراك تأكل
معها في صحفة فقال أخاف أن تسبق يدي إلى ما سبقت إليه عينها.
عاشرها الرفق بالحيوان روى أبو نعيم في الحلية بسنده عن
عمر بن ثابت: كان علي بن الحسين لا يضرب بعيره من المدينة إلى مكة.
وروى المفيد في الارشاد بسنده انه حج مرة فالتاثت عليه الناقة في سيرها
أي أبطأت فأشار إليها بالقضيب ثم قال آه لولا القصاص ورد يده عنها
وفي رواية إنه رفع القضيب وأشار إليها وقال لولا خوف القصاص
لفعلت. وروي أنه ع حج على ناقة عشرين حجة فما قرعها
بسوط.
حادي عشرها الهيبة والعظمة في صدور الناس قال
عبد الملك بن مروان لما دخل عليه: والله لقد امتلأ ثوبي أو قلبي منه
خيفة. وقال مسرف بن عقبة لقد ملئ قلبي منه رعبا. وروى أبو نعيم
الأصفهاني في حلية الأولياء بسنده عن ابن عائشة عن أبيه: حج هشام بن
عبد الملك قبل أن يلي الخلافة، فأجتهد أن يستلم الحجر فلم يمكنه، وجاء
علي بن الحسين فوقف له الناس وتنحوا حتى استلمه. قال: ونصب لهشام
منبر فقعد عليه فقال له أهل الشام: من هذا يا أمير؟ فقال لا أعرفه
فقال الفرزدق: لكني أعرفه هذا علي بن الحسين:
- هذا ابن خير عباد الله كلهم * هذا التقي النقي الطاهر العلم -
- هذا الذي تعرف البطحاء وطأته * والبيت يعرفه والحل والحرم -
- يكاد يمسكه عرفان راحته * ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم -
- إذا رأته قريش قال قائلها * إلى مكارم هذا ينتهي الكرم -
- إن عد أهل التقي كان أئمتهم * أو قيل من خير أهل الأرض قيل هم -
- هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله * بجده أنبياء الله قد ختموا -
- وليس قولك من هذا بضائره * العرب تعرف ما أنكرت والعجم -
- يغضي حياء ويغضى من مهابته * فلا يكلم إلا حين يبتسم -
وروى المفيد في الارشاد بسنده عن أبي جعفر محمد بن إسماعيل
قال: حج علي بن الحسين ع فاستجهر الناس وتشوفوا له
وجعلوا يقولون من هذا من هذا تعظيما له وإجلالا لمرتبته وكان الفرزدق
هناك فانشا يقول:
- هذا الذي تعرف البطحاء وطأته * والبيت يعرفه والحل والحرم -
- هذا ابن خير عباد الله كلهم * هذا التقي النقي الطاهر العلم -
- يكاد يمسكه عرفان راحته * ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم -
- يغضي حياء ويغضى من مهابته * فما كلم إلا حين يبتسم -
- أي الخلائق ليست في رقابهم * لأولية هذا أو له نعم -
- من يعرف الله يعرف أولية ذا * فالدين من بيت هذا ناله الأمم -
- إذا رأته قريش قال قائلها * إلى مكارم هذا ينتهي الكرم -
وأورد سبط بن الجوزي في تذكرة الخواص رواية الحلية ولكنه ذكر
الأبيات بأكثر مما في الحلية ثم قال: قلت لم يذكر أبو نعيم في الحلية إلا
بعض هذه الأبيات والباقي أخذته من ديوان الفرزدق. ورواها السبكي في
طبقات الشافعية بسنده المتصل إلى ابن عائشة عبد الله بن محمد عن أبيه
قال: حج هشام بن عبد الملك أو الوليد فطاف بالبيت فجهد أن يصل إلى
الحجر فيستلمه فلم يقدر عليه فنصب له منبر وجلس عليه ينظر إلى الناس
ومعه أهل الشام إذ أقبل علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب وكان من
أحسن الناس وجها وأطيبهم أرجا فطاف بالبيت فلما بلغ الحجر تنحى له
الناس حتى يستلمه فقال رجل من أهل الشام من هذا الذي قد هابه الناس
هذه الهيبة فقال هشام لا أعرفه مخافة أن يرغب فيه أهل الشام وكان
الفرزدق حاضرا فقال الفرزدق ولكني أعرفه قال الشامي من هو يا أبا
فراس فقال الفرزدق و قد توافقت روايتا سبط بن الجوزي والسبكي إلا في
أبيات يسيرة وهذا ما ذكراه:
- هذا الذي تعرف البطحاء وطأته * والبيت يعرفه والحل والحرم -
- هذا ابن خبر عباد الله كلهم * هذا التقي النقي الطاهر العلم -
(٦٣٤)

- يكاد يمسكه عرفان راحته * ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم -
- إذا رأته قريش قال قائلها * إلى مكارم هذا ينتهي الكرم -
- إن عد أهل التقى كانوا ذوي عدد (١) * أو قيل من خير أهل الأرض قيل هم -
- هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله * بجده أنبياء الله قد ختموا -
- وليس قولك من هذا بضائره * العرب تعرف من أنكرت والعجم -
- يغضي حياء ويغضي من مهابته * فما يكلم إلا حين يبتسم -
- ينمى إلى ذروة العز التي قصرت * عنها الأكف وعن إدراكها القدم -
- من جده دان فضل الأنبياء له * وفضل أمته دانت له الأمم -
- ينشق نور الهدى عن صبح غرته * كالشمس تنجاب عن إشراقها الظلم -
- مشتقة من رسول الله نبعته * طابت عناصره والخيم والشيم -
- الله شرفه قدما وفضله * جرى بذاك له في لوحة القلم -
- كلتا يديه غياث عم نفعهما * يستوكفان ولا يعروهما العدم -
- سهل الخليقة لا تخشى بوادره * يزينه اثنان حسن الخلق والكرم -
- حمال أثقال أقوام إذا فدحوا * رحب الفناء أريب حين يعتزم -
- ما قال لا قط إلا في تشهده * لولا التشهد كانت لاؤه نعم -
- عم البرية بالاحسان فانقشعت * عنه الغيابة لا هلق ولا كهم -
- من معشر حبهم دين وبغضهم * كفر وقربهم ملجأ ومعتصم -
- لا يستطيع جواد بعد غايتهم * ولا يدانيهم قوم وإن كرموا -
- هم الغيوث إذا ما أزمة أزمت * والأسد أسد الشري والرأي (٢) محتدم -
- لا ينقص العسر بسطا من أكفهم * سيان ذلك إن أثروا وإن عدموا -
- يستدفع السوء والبلوى بحبهم * ويسترب به الاحسان والنعم -
- مقدم بعد ذكر الله ذكرهم * في كل بدء ومختوم به الكلم -
- يأبى لهم أن يحل الذم ساحتهم * خيم كريم وأيد بالندى هضم -
- أي الخلائق ليس في رقابهم * لأولية هذا أو له نعم -
- من يعرف الله يعرف أولية ذا * الدين من بيت هذا ناله الأمم -
هذا علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب فغضب هشام وأمر بحبس
الفرزدق بعسفان بين مكة والمدينة فبعث إليه علي بألف دينار فردها وقال:
إنما قلت ما قلت غضبا لله ولرسوله فما آخذ عليه أجرا فقال علي: نحن
أهل بيت لا يعود إلينا ما أعطينا فقبلها الفرزدق وهجا هشاما فقال:
- أ يحسبني بين المدينة والتي * إليها قلوب الناس يهوى منيبها -
- يقلب رأسا لم يكن رأس سيد * وعينا له حولاء باد عيوبها -
فأخبر هشام بذلك فاطلقه. ومما مر يعلم أن العز الحقيقي والجاه
الصحيح إنما هو للدين والتقوى والعلم لا للملك والقوة والقهر فهذا هشام
يحج في خلافة أخيه عبد الملك وبيده القوة والسلطان وحوله وجوه أهل الشام
فيروم استلام الحجر الأسود فلا يقدر ولا يعبأ الناس به وبملكه وسلطانه
وعلي بن الحسين الذي ليس له سلطان غير سلطان الدين والتقوى والعلم
وليس معه خدم ولا حشم يتقدم إلى استلام الحجر فينظر الناس إليه بعين
الاجلال والاعظام ويتنحون له عن الحجر حتى يستلمه وفي ذلك عبرة لمن
اعتبر.
أخباره وأحواله
روى البرقي في المحاسن أنه بلغ عبد الملك أن سيف رسول الله ص
عند علي بن الحسين فبعث يستوهبه منه ويسأله الحاجة فابى عليه فكتب إليه
عبد الملك يهدده وإنه يقطع رزقه من بيت المال فاجابه ع أما بعد
فان الله أمن للمتقين المخرج من حيث يكرهون والرزق من حيث لا
يحتسبون وقال جل ذكره إن الله لا يحب كل خوان فخور فانظر أينا أولى
بهذه الآية.
وروى الراوندي في دعوته عن الباقر ع إن علي بن الحسين قال
مرضت مرضا شديدا فقال لي أبي ما تشتهي فقلت أشتهي أن أكون ممن لا
أقترح على الله ربي ما يدبر لي فقال لي أحسنت ضاهيت إبراهيم الخليل
ص حيث قال له جبرئيل هل من حاجة فقال لا أقترح على
ربي بل حسبي الله ونعم الوكيل. وروى الصدوق في العيون بسنده عن
الصادق ع كان علي بن الحسين ع لا يسافر إلا مع رفقة لا
يعرفونه ويشترط عليهم أن يكون من خدم الرفقة فيما يحتاجون إليه فسافر
مرة مع قوم فرآه رجل فعرفه وقال لهم هذا علي بن الحسين فوثبوا إليه فقبلوا
يده ورجله وقالوا يا ابن رسول الله أردت أن تصلينا نار جهنم لو بدرت منا
إليك يد أو لسان أ ما كنا قد هلكنا؟ فقال إني سافرت مرة مع قوم يعرفونني
فاعطوني برسول الله ص ما لا أستحق فصار كتمان أمري أحب إلي. وفي
مناقب ابن شهرآشوب قيل له ع إذا سافرت كتمت نفسك أهل الرفقة
فقال أكره أن آخذ برسول الله ص ما لا أعطي مثله اه وهذه الرواية
أقرب للصواب من رواية العيون.
وفي مناقب ابن شهرآشوب واحتجاج الطبرسي: لقي عباد البصري
علي بن الحسين في طريق مكة فقال له يا علي بن الحسين تركت الجهاد
وصعوبته وأقبلت على الحج ولينه وإن الله عز وجل يقول إن الله اشترى من
المؤمنين أنفسهم وأموالهم بان لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون
ويقتلون إلى قوله وبشر المؤمنين فقال علي بن الحسين إذا رأينا هؤلاء الذين
صفتهم فالجهاد أفضل من الحج.
أخباره المتعلقة بواقعة كربلاء
وقد مر أكثرها في السيرة الحسينية فاغنى عن إعادتها هنا فلنذكر هنا ما
لم يذكر هناك.
كان عمره ع يوم كربلاء ٢٤ سنة على الأكثر و ٢٢ سنة على
الأقل. وقال محمد بن سعد في الطبقات كان علي بن الحسين مع أبيه يطوف
كربلاء وعمره إذ ذاك ثلاث وعشرون سنة لكنه كان مريضا ملقى على
فراشه وقد نهكته العلة والمرض اه وكان قد تزوج وولد له الباقر فقد
كان عمر الباقر يومئذ أربع سنين أو ثلاث سنين. وجملة من العلماء منهم
المفيد يقولون إنه أكبر من أخيه علي شهيد كربلاء هو الأوسط وإنما قيل له
الأكبر بالنسبة إلى أخيه الأصغر الذي هو أصغر منهما وقد فصلنا ذلك في
ترجمة أخيه علي شهيد كربلاء. وكان زين العابدين ع مريضا يوم
كربلاء بالذرب فلذلك لم يجاهد وسلم من القتل وانحصر نسل رسول الله
ص من فاطمة ع من الحسينين فيه وفي ذريته. والظاهر إن
القائل لأبيه وهما في الطريق إلى كربلاء أ لسنا على الحق هو علي الشهيد.
فمن أخباره المتعلقة بواقعة كربلاء ما مر في السيرة الحسينية من قوله إني
لجالس في تلك العشية التي قتل أبي في صبيحتها إلى آخر الخبر وهو الذي
روى خطبة أبيه ع لما جمع أصحابه ليلة عاشوراء المتضمنة الإذن

(١) أئمتهم (٢) والباس
(٦٣٥)

لهم في الانصراف وما أجابوه به وتقدمت ولما قتل الحسين ع أراد شمر
قتل زين العابدين ع وهو مريض فدفعه عنه حميد بن مسلم كما مر.
وحمله عمر بن سعد مع من حمله من أهل البيت إلى الكوفة وقد نهكته
العلة.
بكاؤه على أبيه ع وأهل بيته
في حلية الأولياء بسنده عن أبي حمزة الثمالي عن جعفر بن محمد قال:
سئل علي بن الحسين عن كثرة بكائه: فقال: لا تلوموني فان يعقوب فقد
سبطا من ولده فبكى حتى ابيضت عيناه ولم يعلم أنه مات وقد نظرت إلى
أربعة عشرة رجلا من أهل بيتي قتلى في غزاة واحدة أ فترون حزنهم يذهب
من قلبي. وفي مناقب ابن شهرآشوب عن الصادق ع بكى علي بن
الحسين على أبيه عشرين سنة (١) وما وضع بين يديه طعام إلا بكى حتى قال
له مولى له جعلت فداك يا ابن رسول الله إني أخاف أن تكون من الهالكين
قال إنما أشكو بثي وحزني إلى الله واعلم من الله ما لا تعلمون إني لم أذكر
مصرع بني فاطمة إلا خنقتني العبرة. وقال الصدوق في الخصال ولقد بكى
على أبيه الحسين ع عشرين سنة وما وضع بين يديه طعام إلا بكى حتى
قال مولى له يا ابن رسول الله أ ما آن لحزنك أن ينقضي فقال له ويحك أن
يعقوب النبي ع كان له اثنا عشر ابنا فغيب الله عنه واحدا فابيضت
عيناه من كثرة بكائه عليه وشاب رأسه من الحزن واحدودب ظهره من الغم
وكان ابنه حيا في الدنيا وأنا نظرت إلى أبي وأخي وعمي وسبعة عشر رجلا
من أهل بيتي مقتولين حولي فكيف ينقضي حزني، وروى ابن قولويه في
كامل الزيارة بسنده قال أشرف مولى لعلي بن الحسين وهو في سقيفة له
ساجد يبكي فقال يا علي بن الحسين ما آن لحزنك أن ينقضي فرفع رأسه
إليه وقال ويلك أو ثكلتك أمك والله لقد شكا يعقوب إلى ربه في أقل مما
رأيت حين قال يا أسفا على يوسف وإنه فقد ابنا واحدا وأنا رأيت أبي
وجماعة أهل بيتي يذبحون حولي.
إرسال المختار رأس ابن زياد إلى زين العابدين
لما قتل إبراهيم بن الأشتر عبيد الله بن زياد على نهر الخازر بعث
برأسه ورؤوس أعيان من كان معه إلى المختار فبعث المختار برأس ابن زياد
إلى محمد بن الحنفية وإلى علي بن الحسين فادخل عليه وهو يتغدى فقال
علي بن الحسين أدخلت علي ابن زياد وهو يتغدى ورأس أبي بين يديه فقلت
اللهم لا تمتني حتى تريني رأس ابن زياد وانا أتغدى فالحمد لله الذي أجاب
دعوتي ثم أمر فرمي به. وفي رواية ابن نما فسجد علي بن الحسين ع
شكرا لله وقال الحمد لله الذي أدرك لي ثاري من عدوي وجزى الله
المختار خيرا.
وقال ابن قولويه في كامل الزيارة كان علي بن الحسين يميل إلى ولد
عقيل فقيل له ما بالك تميل إلى بني عمك هؤلاء دون آل جعفر قال إني
أذكر يومهم مع أبي عبد الله الحسين بن علي فارق لهم.
أخباره ع المتعلقة بوقعة الحرة
وكانت يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من ذي الحجة سنة ٦٣ من الهجرة
والحرة بالفتح أرض ذات حجارة سوداء والحرار كثير في الحجاز وكانت
الوقعة في موضع يقال له حرة وأقم نسبة إلى رجل وذلك أن أهل المدينة
وفدوا على يزيد بن معاوية بالشام فلما رأوا من أعماله وتهتكه واستهانته
بالدين ما رأوا عزموا على خلعه فلما عادوا إلى المدينة أظهروا خلعه وأخرجوا
عامله عليها عثمان بن محمد بن أبي سفيان وحصروا بني أمية في دار مروان
ثم اخرجوهم من المدينة قال الطبري فوجه يزيد إليهم اثني عشر ألفا مع
مسلم بن عقبة المري فان هلك فالحصين بن نمير السكوني وقال له إذا
ظهرت عليهم فأبحها ثلاثا وانظر علي بن الحسين فاكفف عنه واستوص به
خيرا وادن مجلسه فإنه لم يدخل في شئ مما دخلوا فيه وعلي لا يعلم بشئ
مما أوصى به يزيد بن معاوية مسلم بن عقبة قال وقد كان علي بن الحسين لما
خرج بنو أمية نحو الشام آوى إليه ثقل مروان بن الحكم وامرأته عائشة بنت
عثمان بن عفان وقد كان مروان بن الحكم لما أخرج أهل المدينة عامل يزيد
وبني أمية من المدينة كلم عبد الله بن عمر أن يغيب أهله عنده فابى ابن عمر
ان يفعل وكلم مروان علي بن الحسين وقال يا أبا الحسن إن لي رحما وحرمي
تكون مع حرمك قال افعل فبعث بحرمه إلى علي بن الحسين
فخرج بحرمه وحرم مروان حتى وضعهم بينبع ثم أن عائشة بنت
عثمان زوجة مروان خرجت إلى الطائف فمرت بعلي بن الحسين وهو بمال له
إلى جنب المدينة قد اعتزلها كراهية أن يشهد شيئا من أمرهم فأرسل زين
العابدين ولده عبد الله معها إلى الطائف محافظة عليها فبقي معها حتى
انتهت الوقعة فشكر له مروان ذلك اه وهذا منتهى مكارم الأخلاق
والمجازاة على الإساءة بالاحسان ولا عجب إذا جاء الشئ من معدنه:
- ملكنا فكان العفو منا سجية * فلما ملكتم سال بالدم أبطح -
- وحسبكم هذا التفاوت بيننا * وكل إناء بالذي فيه ينضج -
أما ما نقله الطبري في ذيل بعض رواياته من قوله وكان مروان شاكرا
لعلي بن الحسين مع صداقة كانت بينهما قديمة فلا يكاد يصح وعداوة مروان
لعلي بن الحسين وأهل بيته لا تحتاج إلى بيان فمتى كانت هذه الصداقة
القديمة بين مروان وعلي بن الحسين؟ أ يوم خرج لحرب جده علي بن أبي
طالب مع أهل الجمل أم يوم حاربه بصفين مع معاوية أم يوم قال مروان
للوليد في حق الحسين: إنه لا يبايع ولو كنت مكانك لضربت عنقه أم يوم
قال له لئن فارقك الحسين الساعة ولم يبايع لا قدرت منه على مثلها أبدا حتى
تكثر القتلى بينكم وبينه ولكن احبس الرجل فلا يخرج حتى يبايع أو تضرب
عنقه وقول الحسين له ويلي عليك يا ابن الزرقاء أنت تأمر بضرب عنقي
كذبت والله ولؤمت، وقول مروان لما جئ برأس الحسين ع:
- يا حبذا بردك في اليدين * ولونك الأحمر في الخدين -
- كأنما حف بوردتين * شفيت نفسي من دم الحسين -
والله لكأني أنظر إلى أيام عثمان. كل هذا من أسباب الصداقة بين
مروان وعلي بن الحسين!! كلا ولكنهم أهل بيت طبعوا على مكارم
الأخلاق وجبلوا على الاحسان لمن أساء إليهم والعفو والصفح عن أعدائهم
سجايا خصهم الله بها وطبعهم عليها وميزهم بها عن سائر الخلق وأخرجهم
بها عن مجرى العادات. وزين العابدين ع هو الذي كان يقول: لو أن
قاتل الحسين ع استودعني السيف الذي قتل به الحسين لرددته إليه.

(١) هكذا وردت هذه الرواية ورواية الخصال التي بعدها وروى الصدوق في الأمالي والخصال في
حديث عن الصادق (ع): واما علي بن الحسين فبكى على الحسين (ع) عشرين سنة أو
أربعين سنة (الحديث) وكل ذلك لا ينطبق على مدة بقائه بعد أبيه عليهما السلام كما تقدم في
صدر سيرته من أن بقاءه بعد أبيه ٣٣ سنة أو ٣٤ أو ٣٥ فلا بد ان يكون وقع سهو في بعض
هذه التواريخ.
(٦٣٦)

ثم إن جيش مسلم بن عقبة غلب على المدينة فأباحها مسلم ثلاثا
ودعا الناس للبيعة على أنهم خول عبيد ليزيد بن معاوية يحكم في دمائهم
وأموالهم وأهليهم ما شاء، ثم إن مروان أتى بعلي بن الحسين فاقبل علي
يمشي بين مروان وابنه عبد الملك يلتمس بهما عند مسلم الأمان فجاء حتى
جلس عنده بينهما فدعا مروان بشراب (١) ليتحرم بذلك من مسلم فاتى له
بشراب فشرب منه مروان شيئا يسيرا ثم ناوله عليا، فقال له مسلم: لا
تشرب من شرابنا، فامسك، فقال مسلم: إنك إنما جئت تمشي بين
هؤلاء لتأمن عندي، والله لو كان الأمر إليهما لقتلتك ولكن أمير المؤمنين
أوصاني بك فذلك نافعك عندي فان شئت فاشرب شرابك الذي في يدك
وإن شئت دعونا بغيره قال هذه التي في كفي أريد فشربها ثم قال إلى هاهنا
فأجلسه معه وفي رواية لما أتى بعلي بن الحسين إلى مسلم قال من هذا؟
قالوا علي بن الحسين، قال مرحبا وأهلا ثم أجلسه على السرير والطنفسة ثم
قال إن أمير المؤمنين أوصاني بك قبلا وهو يقول إن هؤلاء الخبثاء شغلوني
عنك وعن وصلتك ثم قال لعلي لعل أهلك فزعوا قال أي والله فامر بدابته
فأسرجت ثم حمله فرده عليها اه ومر عند ذكر كرمه وسخائه إنه في وقعة
الحرة ضم إليه أربعمائة امرأة منافية وبعولتهن إلى أن تفرق جيش مسلم بن
عقبة وفي رواية أربعمائة امرأة مع أولادهن.
ما روى عنه في فنون من العلم
في الضحك
روى أبو نعيم في الحلية بسنده عن علي بن الحسين: من ضحك
ضحكة مج مجة من العلم.
في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
في حلية الأولياء بسنده عن علي بن الحسين قال التارك للأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر كنابذ كتاب الله وراء ظهره الا ان يتقي تقاة.
قيل وما تقاته؟ قال: يخاف جبارا عنيدا ان يفرط عليه أو ان يطغى ورواه
ابن سعد في الطبقات بسنده عنه ع مثله.
في كتمان العلم
في حلية الأولياء: قال علي بن الحسين من كتم علما أحدا أو اخذ
عليه اجرا رفدا، فلا ينفعه ابدا.
في الصبر
في حلية الأولياء بسنده عن أبي حمزة الثمالي عن علي بن الحسين
ع إذا كان يوم القيامة نادى مناد ليقم أهل الفضل، فيقوم ناس
من الناس فيقال انطلقوا إلى الجنة فتتلقاهم الملائكة فيقولون إلى أين؟
فيقولون إلى الجنة، قالوا قبل الحساب؟ قالوا نعم، قالوا من أنتم؟ قالوا
أهل الفضل، قالوا وما كان فضلكم؟ قالوا كنا إذا جهل علينا حلمنا،
وإذا ظلمنا صبرنا، وإذا أسئ إلينا غفرنا، قالوا: ادخلوا الجنة فنعم أجر
العاملين. ثم ينادي مناد ليقم أهل الصبر، فيقوم ناس من الناس فيقال
لهم انطلقوا إلى الجنة فتتلقاهم الملائكة فيقال لهم مثل ذلك، فيقولون نحن
أهل الصبر، قالوا ما كان صبركم؟ قالوا صبرنا أنفسنا على طاعة الله،
وصبرناها عن معصية الله عز وجل. قالوا: ادخلوا الجنة فنعم اجر
العاملين. ثم ينادي مناد ليقم جيران الله في داره فيقوم ناس من الناس
وهم قليل. فيقال لهم انطلقوا إلى الجنة فتتلقاهم الملائكة، فيقال لهم مثل
ذلك، قالوا: وبم جاورتم الله في داره؟ قالوا: كنا نتزاور في الله عز وجل
ونتجالس في الله ونتباذل في الله. قالوا: ادخلوا الجنة فنعم اجر العاملين.
وبسنده عن العتبي عن أبيه: قال علي بن الحسين وكان من
أفضل بني هاشم لابنه: يا بني اصبر على النوائب ولا تتعرض للحقوق
ولا تجب أخاك إلى الامر الذي مضرته عليك أكثر من منفعته له.
وبسنده عن أبي حمزة الثمالي عن علي بن الحسين: إذا كان يوم
القيامة ينادي مناد أين أهل الصبر فيقوم ناس من الناس فيقال على م
صبرتم؟ قالوا صبرنا على طاعة الله، وصبرنا عن معصية الله عز وجل.
فيقال: صدقتم ادخلوا الجنة.
في العبادة
في حلية الأولياء: كان علي بن الحسين يقول: إن قوما عبدوا الله
رهبة فتلك عبادة العبيد، وآخرين عبدوه رغبة فتلك عبادة التجار، وقوما
عبدوا الله شكرا فتلك عبادة الأحرار.
في القناعة
في الحلية بسنده عن أبي حمزة الثمالي: سمعت علي بن الحسين
يقول: من قنع بما قسم الله له فهو من أغنى الناس.
في استحباب تقبيل الصدقة ومناولتها الفقير بنفسه
في الحلية بسنده أن علي بن الحسين كان إذا ناول الصدقة السائل،
قبلها ثم ناوله. وروى ابن سعد في الطبقات أنه كان يأتيه السائل فيقوم
حتى يناوله ويقول إن الصدقة تقع في يد الله قبل أن تقع في يد السائل.
من روى عن علي بن الحسين ع من العلماء
قد أحصى الشيخ الطوسي في كتاب رجاله الرواة عنه ع
وتجدهم في مطاوي كتابنا هذا كلا في بابه. وفي مناقب ابن شهرآشوب
روى عنه الطبري وابن البيع وأحمد وابن بطة وأبو داود وصاحب الحلية
والأغاني وقوت القلوب وشرف المصطفى وأسباب نزول القرآن والفائق
والترغيب والترهيب عن الزهري وسفيان بن عيينة ونافع والأوزاعي ومقاتل
والواقدي ومحمد بن إسحاق اه والمراد أنهم رووا عنه بالواسطة.
وقال ابن شهرآشوب في المناقب: كان بابه يحيى ابن أم الطويل
المطعمي. ومن رجاله من الصحابة جابر بن عبد الله الأنصاري وعامر بن
واثلة الكناني وسعيد بن المسيب بن حزن وسعيد بن جهان الكناني مولى أم
هانئ. ومن التابعين أبو محمد سعيد بن جبير مولى بني أسد ومحمد بن
جبير بن مطعم وأبو خالد الكابلي والقاسم بن عوف وإسماعيل بن
عبد الله بن جعفر وإبراهيم والحسن ابنا محمد بن الحنفية وحبيب بن أبي
ثابت وأبو يحيى الأسدي وأبو حازم الأعرج وسلمة بن دينار المدني الأقرن
القاص. ومن أصحابه أبو حمزة الثمالي بقي إلى أيام موسى ع
وفرات بن أحنف بقي إلى أيام أبي عبد الله ع وجابر بن محمد بن أبي بكر
وأيوب بن الحسن وعلي بن رافع وأبو محمد القرشي السدي الكوفي
والضحاك بن مزاحم الخراساني أصله من الكوفة وطاوس بن كيسان أبو عبد
الرحمن وحميد بن موسى الكوفي وأبان بن تغلب بن رباح وأبو الفضل

(١) المراد بالشراب هنا ما يتخذ من الثمار والفواكه من الربوبات.
(٦٣٧)

سدير بن حكيم بن صهيب الصيرفي وقيس بن رمانة وعبد الله البرقي
والفرزدق الشاعر. ومن مواليه شعيب اه. وقال المفيد في الإختصاص
: أصحاب علي بن الحسين أبو خالد الكابلي كنكر ويقال اسمه
وردان ويحيى بن أم الطويل وسعيد بن المسيب المخزومي وحكيم بن جبير
اه.
مؤلفاته
١ الصحيفة الكاملة في الأدعية تحتوي على أحد وستين دعاء في
فنون الخير وأنواع العبادة وطلب السعادة وتعليم العباد كيف يلجأون إلى
ربهم في الشدائد والمهمات ويطلبون منه حوائجهم ويعملون بقوله تعالى
ادعوني استجب لكم. من التحميد لله تعالى والثناء عليه والشكر له
والتذلل بين يديه واللجوء إليه والتضرع والاستكانة له والالحاح عليه
والاعتذار له والرضا بقضائه وطلب التفرع له والصلاة على نبيه محمد وآله
ص وعلى حملة العرش ومصدقي الرسل والصحابة والتابعين ولأبويه وولده
وجيرانه وأوليائه وأهل الثغور ولنفسه وخاصته وعلى الشيطان وفي الاستعاذة
وطلب الحوائج وطلب المغفرة والعفو والرحمة والستر والوقاية والاستقامة
والتوبة وخاتمة الخير والعافية والرزق وقضاء الدين ومكارم الأخلاق
والاستخارة واستكشاف الهموم والشدائد والأحزان والبلاء ودفع كيد الأعداء
والمحذورات وعند الصباح والمساء والمرض وسماع صوت لرعد وذكر الموت
وختم القرآن والنظر إلى الهلال ودخول شهر رمضان ووداعه وفي العيدين
والجمع ويوم عرفة وأيام الأسبوع وغير ذلك.
وبلاغة ألفاظها وفصاحتها التي لا تباري وعلو مضامينها وما فيها من
أنواع التذلل لله تعالى والثناء عليه والأساليب العجيبة في طلب عفوه وكرمه
والتوسل إليه أقوى شاهد على صحة نسبتها وإن هذا الدر من ذلك البحر
وهذا الجوهر من ذلك المعدن وهذا الثمر من ذلك الشجر مضافا إلى
اشتهارها شهرة لا تقبل الريب وتعدد أسانيدها المتصلة إلى منشئها صلوات
الله عليه وعلى آبائه وأبنائه الطاهرين فقد رواها الثقات بأسانيدهم المتعددة
المتصلة إلى زين العابدين ع وقد كانت منها نسخة عند زيد الشهيد ثم انتقلت
إلى أولاده وإلى أولاد عبد الله بن الحسن المثنى كما هو مذكور في أولها مضافا
إلى ما كان عند الباقر ع من نسختها وقد اعتنى بها الناس أتم اعتناء
بروايتها وضبط ألفاظها ونسخها. وواظبوا على الدعاء بأدعيتها في الليل
والنهار والعشي والابكار والغدوات والأسحار والتضرع إليه تعالى وطلب
الحوائج منه والمغفرة والفوز بالجنة والنجاة من النار واستنسخ منها نسخ لا
تعد ولا تحصى بالخطوط الجميلة النادرة المثيل والمزينة بجداول الذهب على
ورق الترمة وما ضاهاه وطبعت على الحجر طبعات كثيرة وشرحها العلماء
شروحا عديدة منها شرح الشيخ البهائي المسمى حدائق المقربين وأحسنها
شرح السيد على خان المدني الشيرازي صاحب سلافة العصر في أدباء العصر
والدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة وغيرهما وشرحه مطبوع على
الحجر في مجلد كبير وباقي شروحها مطبوعة على الحجر في مجلد واحد.
٢ الصحيفة الثانية السجادية جمعها الشيخ محمد بن الحسين بن
الحر العاملي نزيل أصفهان واقتصر فيها على ما ليس في الصحيفة الكاملة
من الأدعية لكنه فاته منها شئ كثير طبعت مرتين على الحجر وبالحرف.
٣ الصحيفة الثالثة السجادية جمعها الميرزا عبد الله الأصفهاني
المعروف بالأفندي صاحب رياض العلماء واستدرك فيها ما فات ابن الحر
العاملي جامع الصحيفة الثانية طبعت على الحجر.
٤ الصحيفة الرابعة السجادية جمعها الميرزا حسين النوري
واستدرك فيها ما فات الميرزا عبد الله جامع الصحيفة الثالثة ولكن حيث
كانت نسخة الصحيفة الثالثة ناقصة فالاستدراك عليها غير معلوم طبعت على
الحجر.
٥ الصحيفة الخامسة السجادية جمعها الفقير كاتب هذه السطور
واستدرك فيها ما خلت عنه الصحيفة الكاملة وما فات الثانية والثالثة
والرابعة ولئن كان الاستدراك على الثالثة غير محقق فالاستدراك على الرابعة
محقق.
٦ رسالة الحقوق وهذه الرسالة أوردها الصدوق في الخصال
بسند معتبر وأوردها الحسن بن علي بن شعبة الحلبي في تحف العقول وبينهما
تفاوت بالزيادة والنقصان وغيرهما. ورواية التحف أطول وقد تزيد عنها
رواية الخصال ونحن نوردها برواية تحف العقول فإذا وجدنا ما يخالفها في
رواية الخصال ذكرناه بعدها. روى الصدوق في الخصال عن علي بن أحمد بن
موسى عن محمد الأسدي عن جعفر بن محمد بن مالك الفزاري عن
خيران بن داهر عن أحمد بن سليمان الجبلي عن أبيه عن محمد بن علي عن
محمد بن فضيل عن أبي حمزة الثمالي قال: هذه رسالة علي بن الحسين
ع إلى بعض أصحابه: اعلم أن لله عز وجل عليك حقوقا
الخ... وفي تحف العقول: رسالة علي بن الحسين ع المعروفة
برسالة الحقوق: اعلم رحمك الله أن الله عليك حقوقا محيطة بك في كل حركة
تحركتها أو سكنة سكنتها أو حال حلتها خ ل أو منزلة نزلتها أو
جارحة قلبتها أو آلة تصرفت بها بعضها أكبر من بعض وأكبر حقوق الله
عليك ما أوجبه عليك لنفسك من قرنك إلى قدمك على اختلاف جوارحك
فجعل لبصرك عليك حقا ولسمعك عليك حقا وللسانك عليك حقا وليدك
عليك حقا ولرجلك عليك حقا ولبطنك عليك حقا ولفرجك عليك حقا
فهذه الجوارح السبع التي بها تكون الافعال ثم جعل لأفعالك عليك
حقوقا: لصلاتك عليك حقا ولصومك عليك حقا ولصدقتك ولهديك عليك حقا
ولأفعالك عليك حقا ثم تخرج الحقوق منك إلى غيرك من
ذوي الحقوق الواجبة عليك وأوجبها عليك حق أئمتك ثم حقوق رعيتك ثم
حقوق رحمك فهذه حقوق يتشعب منها حقوق فحقوق أئمتك ثلاثة أوجبها
عليك حق رعيتك بالسلطان ثم حق رعيتك بالعلم فان الجاهل رعية العالم
وحق رعيتك بالملك من الأزواج وما ملكت الايمان وحقوق رحمك كثيرة
متصلة بقدر اتصال الرحم في القرابة فأوجبها عليك حق أمك ثم حق أبيك
ثم حق ولدك ثم حق أخيك ثم الأقرب فالأقرب والأولى فالأولى ثم حق
مولاك المنعم عليك ثم حق مولاك الجارية نعمته عليك (١) ثم حق ذي
المعروف لديك ثم حق مؤذنك بالصلاة ثم حق إمامك في صلاتك ثم
حق جليسك ثم حق جارك ثم حق صاحبك ثم حق شريكك ثم حق مالك ثم حق
غريمك الذي تطالبه ثم غريمك الذي يطالبك ثم خليطك ثم
حق خصمك المدعي عليك ثم حق خصمك الذي تدعي عليه ثم حق
مستشيرك ثم المشير عليك ثم مستنصحك ثم الناصح لك ثم حق من هو
أكبر منك ثم من هو أصغر منك ثم حق سائلك ثم حق من سألته ثم حق

(١) أراد بالأول المعتق بالكسر مباشرة وبالثاني من أعتق أحد الآباء والأجداد.
(٦٣٨)

من جرى لك على يديه مساءة بقول أو فعل أو مسرة بقول أو فعل عن
تعمد منه أو غير تعمد ثم حق أهل ملتك عامة ثم حق أهل الذمة ثم
الحقوق الجارية بقدر علل الأحوال وتصرف الأسباب فطوبى لمن اعانه الله
على قضاء ما أوجب عليه من حقوقه ووفقه وسدده.
١: فاما حق الله الأكبر عليك
فان تعبده لا تشرك به شيئا فإذا فعلت ذلك باخلاص جعل لك على
نفسه أن يكفيك أمر الدنيا والآخرة ويحفظ لك ما تحب منهما. ومثله في
الخصال إلى قوله والآخرة.
٢: وأما حق نفسك عليك
فان تستوفيها في طاعة الله وفي الخصال أن تستعملها بطاعة الله عز
وجل فتؤدي إلى لسانك حقه وإلى سمعك حقه وإلى بصرك حقه وإلى
يدك حقها وإلى رجلك حقها وإلى بطنك حقه وإلى فرجك حقه وتستعين بالله
على ذلك.
٣: وأما حق اللسان
فاكرامه عن الخنا وتعويده على الخير وحمله على الأدب وإجمامه إلا
لموضع الحاجة والمنفعة للدين والدنيا وإعفاؤه من الفضول الشنعة القليلة
الفائدة التي لا يؤمن شرره مع قلة عائدتها وبعد شاهد العقل والدليل عليه
وتزين العاقل بعقله حسن سيرته في لسانه ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
وفي الخصال: وحق اللسان إكرامه عن الخنا وتعويده الخير وترك
الفضول التي لا فائدة فيها والبر بالناس وحسن القول فيهم.
٤: واما حق السمع
فتنزيهه عن أن تجعله طريقا إلى قلبك إلا لفوهة كريمة تحدث في قلبك
خيرا أو تكسب خلقا كريما فإنه باب الكلام إلى القلب يؤدي إليه ضروب
المعاني على ما فيها من خير أو شر ولا قوة إلا بالله وفي الخصال وحق
السمع تنزيهه عن سماع الغيبة وسماع ما لا يحل سماعه.
٥: وأما حق بصرك
فغضه عما لا يحل لك وترك ابتذاله إلا لموضع عبرة تستقبل بها بصرا
أو تستفيد بها علما فان البصر باب الاعتبار وفي الخصال وحق البصر أن
تغمضه عما لا يحل لك وتعتبر بالنظر به.
٦: وأما حق رجليك
فان لا تمشي بهما إلى ما لا يحل لك ولا تجعلهما مطيتك في الطريق
المستخف بأهلها فيها فإنها حاملتك وسالكة بك مسلك الدين والسبق لك ولا
قوة إلا بالله وفي الخصال وحق رجليك أن لا تمشي بهما إلى ما لا يحل لك
فيهما ولا بد لك أن تقف على الصراط فانظر ان لا تزلا بك فتتردى في النار.
٧: وأما حق يدك
فان لا تبسطها إلى ما لا يحل لك فتنال بما تبسطها إليه من الله العقوبة
في الآجل ومن الناس اللائمة في العاجل ولا تقبضها عما افترض الله عليها
ولكن توقرها بقبضها عن كثير مما لا يحل لها وبسطها إلى كثير مما ليس عليها
فإذا هي قد عقلت وشرفت في العاجل ووجب لها حسن الثواب من الله في
الآجل وفي الخصال وحق يدك أن لا تبسطها إلى ما لا يحل لك.
٨: وأما حق بطنك
فان لا تجعله وعاء لقليل من الحرام ولا لكثير وأن تقتصد له في
الحلال ولا تخرجه من حد التقوية إلى حد التهوين وذهاب المروءة فان
الشبع المنتهي بصاحبه مكسلة ومثبطة ومقطعة عن كل بر وكرم وإن الري
المنتهي بصاحبه إلى السكر مسخفة ومجهلة ومذهبة للمروءة وفي الخصال
وحق بطنك أن لا تجعله وعاء للحرام ولا تزيد على الشبع.
٩: وأما حق فرجك
فحفظه مما لا يحل لك والاستعانة عليه بغض البصر فإنه من أعون
الأعوان وضبطه إذا هم بالجوع والظما وكثرة ذكر الموت والتهدد لنفسك
بالله والتخويف لها به وبالله العصمة والتأييد ولا حول ولا قوة إلا به وفي
الخصال: وحق فرجك أن تحصنه عن الزنا وتحفظه من أن ينظر إليه.
ثم حقوق الافعال
١٠: فاما حق الصلاة
فان تعلم أنها وفادة إلى الله وانك قائم بين يدي الله فإذا علمت ذلك
كنت خليقا أن تقوم فيها مقام الذليل الراغب الراهب والخائف الراجي
المسكين المتضرع المعظم من قام بين يديه بالسكون أو الاطراق وخشوع
الأطراف ولين الجناح وحسن المناجاة له في نفسه والرغبة إليه في فكاك رقبتك
التي أحاطت بها خطيئتك واستهلكتها ذنوبك ولا قوة الا بالله. وفي
الخصال: وحق الصلاة ان تعلم أنها وفادة إلى الله عز وجل وانك فيها قائم
بين يدي الله عز وجل فإذا علمت ذلك قمت مقام الذليل الحقير الراغب
الراهب الراجي الخائف المستكين المتضرع المعظم لمن كان بين يديه بالسكون
والوقار وتقبل عليها بقلبك وتقيمها بحدودها وحقوقها. ولم يذكر في التحف
حق الحج وذكره في الخصال فقال.
وحق الحج
ان تعلم أنه وفادة إلى ربك وفرار إليه من ذنوبك وبه قبول توبتك
وقضاء الفرض الذي أوجبه الله عليك.
١١: وأما حق الصوم
فان تعلم أنه حجاب ضربه الله على لسانك وسمعك وبصرك
وفرجك وبطنك ليسترك به من النار وهكذا جاء في الحديث: الصوم جنة
من النار فان سكنت أطرافك في حجبتها رجوت أن تكون محجوبا وإن أنت
تركتها تضطرب في حجابها وترف جنبات الحجاب فتطلع إلى ما ليس لها
بالنظرة الداعية للشهوة والقوة الخارجة عن حد التقية بالله لم تأمن أن تخرق
الحجاب وتخرج منه ولا قوة إلا بالله. وفي الخصال: بعد قوله من النار:
فان تركت الصوم خرقت ستر الله عليك.
١٢: وأما حق الصدقة
فان تعلم أنها ذخرك عند ربك ووديعتك التي لا تحتاج إلى الاشهاد
فإذا علمت ذلك كنت بما استودعته سرا أوثق منك بما استودعته علانية
وكنت جديرا أن لا تكون أسررت إليه أمرا أعلنته وكان الامر بينك وبينه
فيها سرا على كل حال ولم تستظهر عليه فيما استودعته منها باشهاد الاسماع
والابصار عليه بها كأنها أوثق في نفسك وكأنك لا تثق به في تأدية وديعتك
إليك ثم لم تمتن بها على أحد لأنها لك فإذا امتننت بها لم تأمن أن يكون بها
(٦٣٩)

مثل تهجين حالك منها إلى من مننت بها عليه كذا لأن في ذلك دليلا على
أنك لم ترد نفسك بها ولو أردت نفسك بها لم تمتن بها على أحد ولا قوة إلا
بالله. وفي الخصال: وحق الصدقة أن تعلم أنها ذخرك عند ربك عز وجل
ووديعتك التي لا تحتاج إلى الاشهاد عليها وكنت بما تستودعه سرا أوثق منك
بما تستودعه علانية وتعلم أنها تدفع البلايا والأسقام عنك في الدنيا وتدفع
عنك النار في الآخرة.
١٣: وأما حق الهدي
فان تخلص به الإرادة إلى ربك والتعرض لرحمته وقبوله ولا تريد عيون
الناظرين دونه فإذا كنت كذلك لم تكن متكلفا ولا متصنعا وكنت إنما تقصد
إلى الله واعلم أن الله يراد باليسير ولا يراد بالعسير كما أراد بخلقه التيسير ولم
يرد بهم التعسير وكذلك التذلل أولي بك من التدهقن لان الكلفة والمئونة في
المتدهقنين فاما التذلل والتمسكن فلا كلفة فيهما ولا مؤونة عليهما لأنهما الخلقة
وهما موجودان في الطبيعة ولا قوة إلا بالله. وفي الخصال: وحق الهدي أن
تريد به الله. عز وجل ولا تريد به خلقه ولا تريد به إلا التعرض لرحمة الله
ونجاة روحك يوم تلقاه.
ثم حقوق الأئمة
١٤: فاما حق سائسك بالسلطان
فان تعلم أنك جعلت له فتنة وإنه مبتلي فيك بما جعله الله له عليك
من السلطان وأن تخلص له في النصيحة وأن لا تماحكه وقد بسطت يده
عليك فتكون سبب هلاك نفسك وهلاكه وتلطف لاعطائه من الرضا ما يكفه
عنك ولا يضر بدينك وتستعين عليه في ذلك بالله ولا تعازه ولا تعانده فإنك
إن فعلت ذلك عققته وعققت نفسك فعرضتها لمكروهه وعرضته للهلكة
فيك وكنت خليقا أن تكون معينا له علي نفسك وشريكا له فيما أتى إليك
ولا قوة إلا بالله. وفي الخصال: وحق السلطان أن تعلم إلى قوله من
السلطان وبعده: وإن عليك أن لا تتعرض لسخطه فتلقى بيديك إلى
التهلكة وتكون شريكا له فيما يأتي إليك من سوء.
١٥: فاما حق سائسك بالعلم
فالتعظيم له والتوقير لمجلسه وحسن الاستماع إليه والاقبال عليه
والمعونة له على نفسك فيما لا غنى بك عنه من العلم بان تفرع له عقلك
وتحضره فهمك وتذكي له قلبك وتجلي له بصرك بترك اللذات ونقص
الشهوات وان تعلم أنك فيما القى إليك رسوله من لقيك من أهل الجهل
فلزمك حسن التأدية عنه إليهم ولا تخنه في رسالته والقيام بها عنه إذا تقلدتها
ولا حول ولا قوة إلا بالله. وفي الخصال: وحق سائسك بالعلم التعظيم له
والتوقير لمجلسه وحسن الاستماع إليه والاقبال عليه وإن لا ترفع عليه
صوتك ولا تجيب أحدا يسأله عن شئ حتى يكون هو الذي يجيب ولا
تحدث في مجلسه أحدا ولا تغتاب عنده أحدا وأن تدفع عنه إذا ذكر عندك
بسوء وأن تستر عيوبه وتظهر مناقبه ولا تجالس له عدوا ولا تعادي له وليا
فإذا فعلت ذلك شهد لك ملائكة الله بأنك قصدته وتعلمت علمه لله جل
اسمه لا للناس.
١٦: وأما حق سائسك بالملك
فنحو من سائسك بالسلطان إلا أن هذا يملك ما لا يملكه ذاك تلزمك
طاعته فيما دق وحل منك إلا أن يخرجك من وجوب حق الله ويحول بينك
وبين حقه وحقوق الخلق فإذا قضيته رجعت إلى حقه فتشاغلت به ولا قوة
إلا بالله. وفي الخصال: فاما حق سائسك بالملك فان تطيعه ولا تعصيه إلا
فيما يسخط الله عز وجل فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الله.
ثم حقوق الرعية
١٧: فاما حق رعيتك بالسلطان
فان تعلم أنك استرعيتهم بفضل قوتك عليهم فإنه إنما أحلهم محل
الرعية لك ضعفهم فما أولى من كفافه ضعفه وذله حتى صيره لك رعية وصير
حكمك عليه نافذا لا يمتنع منك بعزة ولا قوة ولا يستنصر فيما تعاظمه منك
إلا بالرحمة والحياطة والأناة وما أولاك إذا عرفت ما أعطاك الله من فضل
هذه العزة والقوة التي قهرت بها أن تكون لله شاكرا ومن شكر الله أعطاه فيما
أنعم عليه ولا قوة إلا بالله. وفي الخصال: وأما حق رعيتك بالسلطان فان
تعلم أنهم صاروا رعيتك لضعفهم وقوتك فيجب أن تعدل فيهم وتكون لهم
كالوالد الرحيم وتغفر لهم جهلهم ولا تعاجلهم بالعقوبة وتشكر الله عز
وجل على ما أولاك وعلى ما آتاك من القوة عليهم.
١٨: وأما حق رعيتك بالعلم
فان تعلم أن الله قد جعلك لهم خازنا فيما آتاك من العلم وولاك من
خزانة الحكمة فان أحسنت فيما ولاك الله من ذلك وقمت به لهم مقام
الخازن الشفيق الناصح لمولاه في عبيده الصابر المحتسب الذي إذا رأى ذا
حاجة أخرج له من الأموال التي في يديه كنت راشدا وكنت لذلك آملا
معتقدا كذا وإلا كنت له خائنا ولخلقه ظالما ولسلبه وغيره معترضا.
١٩: وأما حق رعيتك بملك النكاح
فان تعلم أن الله جعلها سكنا ومستراحا وأنسا وواقية وكذلك كل
واحد منكما يجب أن يحمد الله على صاحبه ويعلم أن ذلك نعمة منه عليه
ووجب أن يحسن صحبة نعمة الله ويكرمها ويرفق بها وإن كان حقك عليها
أغلظ وطاعتك بها ألزم فيما أحببت وكرهت ما لم تكن معصية فان لها حق
الرحمة والموانسة ولا قوة إلا بالله. وفي الخصال: وأما حق الزوجة فان تعلم
أن الله عز وجل جعلها لك سكنا وأنسا فتعلم أن ذلك نعمة من الله عليك
فتكرمها وترفق بها وأن كان حقك عليها أوجب فان لها عليك أن ترحمها
لأنها أسيرك وتكسوها وإذا جهلت عفوت عنها.
٢٠: وأما حق رعيتك بملك اليمين
فان تعلم أنه خلق ربك ولحمك ودمك وأنك لم تملكه لأنك صنعته
دون الله ولا خلقت له سمعا ولا بصرا ولا أجريت له رزقا ولكن الله كفاك
ذلك ثم سخره لك وائتمنك عليه واستودعك إياه لتحفظه فيه وتسير فيه
بسيرته فتطعمه مما تأكل وتلبسه مما نلبس ولا تكلفه ما لا يطيق فان كرهته خرجت
إلى الله منه واستبدلت به ولم تعذب خلق الله ولا قوة إلا بالله. وفي الخصال:
وأما حق مملوكك فان تعلم أنه خلق ربك وابن أبيك وأمك ولحمك ودمك ولم
تملكه لأنك صنعته من دون الله ولا خلقت شيئا من جوارحه ولا أخرجت له
رزقا ولكن الله عز وجل كفاك ذلك ثم سخره لك وائتمنك عليه
واستودعك إياه ليحفظ لك ما تأتيه من خير إليه فاحسن إليه كما أحسن
الله إليك وإن كرهته استبدلت به ولم تعذب خلق الله عز وجل ولا قوة إلا
بالله.
(٦٤٠)

٢١: وأما حق الرحم
فحق أمك أن تعلم أنها حملتك حيث لا يحمل أحد أحدا وأطعمتك
من ثمرة قلبها ما لا يطعم أحد أحدا وأنها وقتك بسمعها وبصرها ويدها
ورجلها وشعرها وبشرها وجميع جوارحها مستبشرة فرحة محتملة لما فيه
مكروهها وألمها وثقلها وغمها حتى دفعتها عنك يد القدرة وأخرجتك إلى الأرض
فرضيت ان تشبع وتجوع هي وتكسوك وتعرى وترويك وتظمى وتظلك
وتضحي وتنعمك ببؤسها وتلذذك بالنوم بارقها وكان بطنها لك وعاء
وحجرها لك حواء وثديها لك سقاء ونفسها لك وقاء تباشر حر الدنيا وبردها
لك ودونك فتشكرها على قدر ذلك ولا تقدر عليه إلا بعون الله وتوفيقه.
وفي الخصال: وأما حق أمك فان تعلم أنها حملتك حيث لا يحمل أحد
أحدا وأعطتك من ثمرة قلبها ما لا يعطي أحد أحدا ووقتك بجميع
جوارحها ولم تبال ان تجوع وتطعمك وتعطش وتسقيك وتعرى وتكسوك
وتضحي وتظلك وتهجر النوم لأجلك ووقتك الحر والبرد لتكون لها فإنك لا
تطيق شكرها إلا بعون الله وتوفيقه
٢٢: وأما حق أبيك
فان تعلم أنه أصلك وانك فرعه وانك لولاه لم تكن فمهما رأيت في
نفسك مما يعجبك فاعلم أن أباك أصل النعمة عليك فيه وأحمد الله وأشكره
على قدر ذلك ولا قوة إلا بالله.
٢٣: وأما حق ولدك
فان تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره وأنك
مسؤول عما وليته من حسن الأدب والدلالة على ربه والمعونة له على طاعته
فيك وفي نفسه فمثاب على ذلك ومعاقب فاعمل في أمره عمل المتزين بحسن
أثره عليه في عاجل الدنيا المعذر إلى ربه فيما بينك وبينه بحسن القيام عليه
والاخذ له منه ولا قوة إلا بالله. وفي الخصال: فاعمل في أمره عمل من
يعلم أنه مثاب على الاحسان إليه معاقب على الإساءة إليه.
٢٤: وأما حق أخيك
فان تعلم أنه يدك التي تبسطها وظهرك الذي تلتجي إليه وعزك الذي
تعتمد عليه وقوتك التي تصول بها فلا تتخذه سلاحا على معصية الله ولا
عدة للظلم لخلق الله ولا تدع نصرته على نفسه ومعونته على عدوه والحول
بينه وبين شياطينه وتأدية النصيحة إليه والاقبال عليه في الله فان انقاد لربه
وأحسن الإجابة له وإلا فليكن الله آثر عندك وأكرم عليك منه. وفي
الخصال: ولا تدع نصرته على عدوه والنصيحة له فان أطاع الله وإلا فليكن
الله أكرم عليك منه ولا قوة إلا بالله.
٢٥: وأما حق المنعم عليك بالولاء
فان تعلم أنه أنفق ماله وأخرجك من ذل الرق ووحشته إلى عز الحرية
وأنسها وأطلقك من أسر الملكة وفك عنك حلق العبودية وأوجدك رائحة
العز وأخرجك من سجن القهر ودفع عنك العسر وبسط لك لسان
الإنصاف وأباحك الدنيا كلها فملكك نفسك وحل أسرك وفرغك لعبادة
ربك واحتمل بذلك التقصير في ماله فتعلم أنه أولى الخلق بك بعد أولي
رحمك في حياتك وموتك وأحق الخلق بنصرك ومعونتك ومكانفتك في ذات
الله فلا تؤثر عليه نفسك ما احتاج إليك. وفي الخصال: وإن نصرته
عليك واجبة بنفسك وما احتاج إليه منك ولا قوة إلا بالله.
٢٦: وأما حق مولاك الجارية عليك نعمته
فان تعلم أن الله جعلك حامية عليه وواقية وناصرا ومعقلا وجعله
لك وسيلة وسببا بينك وبينه فبالحري أن يحجبك عن النار فيكون في ذلك ثواب
منه في الآجل ويحكم لك بميراثه في العاجل إذا لم يكن له رحم مكافاة لما أنفقته
من مالك عليه وقمت به من حقه بعد انفاق مالك فإن لم تقم بحقه خيف
عليك أن لا يطيب لك ميراثه ولا قوة إلا بالله. وفي الخصال: وأما حق
مولاك الذي أنعمت عليه فان تعلم أن الله عز وجل جعل عتقك له وسيلة
إليه وحجابا لك من النار وإن ثوابك في العاجل ميراثه إذا لم يكن له رحم
مكافاة بما أنفقت من مالك وفي الآجل الجنة.
٢٧: وأما حق ذي المعروف عليك
فان تشكره وتذكره معروفة وتنشر له المقالة الحسنة وتكسبه القالة
الحسنة خصال وتخلص له الدعاء فيما بينك وبين الله سبحانه فإنك إذا
فعلت ذلك كنت قد شكرته سرا وعلانية ثم إن أمكن مكافاته بالفعل كافأته
وإلا كنت مرصدا له موطنا نفسك عليها. وفي الخصال: ثم أن قدرت على
مكافاته يوما كافأته.
٢٨: وأما حق المؤذن
فان تعلم أنه مذكرك بربك وداعيك إلى حظك وأفضل أعوانك على
قضاء الفريضة التي افترضها الله عليك فتشكره على ذلك شكرك للمحسن
إليك وإن كنت في بيتك متهما كذا وعلمت أنه نعمة من الله عليك لا
شك فيها فاحسن صحبة نعمة الله بحمد الله عليها على كل حال ولا قوة إلا
بالله.
٢٩: وأما حق أمامك في صلواتك
فان تعلم أنه قد تقلد السفارة فيما بينك وبين الله والوفادة إلى ربك
وتكلم عنك ولم تتكلم عنه دعا لك ولم تدع له وطلب فيك ولم تطلب فيه
وكفاك هم المقام بين يدي الله والمسألة له فيك ولم تكفه ذلك فإن كان في
شئ من ذلك تقصير كان به دونك وإن كان إثما لم تكن شريكه فيه ولم يكن
لك عليه فضل فوقى نفسك بنفسه ووقى صلاتك بصلاته فتشكر له على
ذلك ولا حول ولا قوة إلا بالله. وفي الخصال: فإن كان نقص كان به
دونك وإن كان تماما كنت شريكه ولم يكن له عليك فضل (١) فتشكر له على
قدر ذلك.
٣٠: وأما حق الجليس
فان تلين له كنفك وتطيب له جانبك وتنصفه في مجاراة اللفظ ولا
تغرق في نزع اللحظ إذا لحظت وتقصد في اللفظ إلى افهامه إذا لفظت وإن
كنت الجليس إليه كنت في القيام عنه بالخيار وإن كان الجالس إليك كان
بالخيار ولا تقوم إلا باذنه ولا قوة إلا بالله. وفي الخصال: ولا تقوم من
مجلسك إلا باذنه ومن يجلس إليك يجوز له القيام عنك بغير إذنك وتنسى
زلاته وتحفظ خيراته ولا تسمعه خيرا.

(١) اي زيادة).
(٦٤١)

٣١: وأما حق الجار
فحفظه غائبا وكرامته شاهدا ونصرته ومعونته في الحالتين جميعا لا تتبع
له عورة ولا تبحث له عن سوءة لتعرفها فان عرفتها منه عن غير إرادة منك
ولا تكلف كنت ما علمت حصنا حصينا وسترا ستيرا لو بحثت الأسنة عنه
ضميرا لم تتصل إليه لانطوائه عليه. لا تستمع عليه من حيث لا يعلم. لا
تسلمه عند شديدة ولا تحسده عند نعمة. تقيل عثرته وتغفر زلته ولا تدخر
حلمك عنه إذا جهل عليك ولا تخرج أن تكون سلما له ترد عنه لسان
الشتيمة وتبطل فيه كيد حامل النصيحة وتعاشره معاشرة كريمة ولا حول ولا
قوة إلا بالله. وفي الخصال: ونصرته إذا كان مظلوما فان علمت عليه سوء
سترته عليه وإن علمت أنه يقبل نصيحتك نصحته فيما بينك وبينه.
٣٢: وأما حق الصاحب
فان تصحبه بالفضل وما وجدت إليه سبيلا وإلا فلا أقل من
الإنصاف وان تكرمه كما يكرمك وتحفظه كما يحفظك ولا يسبقك فيما بينك
وبينه إلى مكرمة فان سبقك كافأته ولا تقصر به عما يستحق من المودة تلزم
نفسك نصيحته وحياطته ومعاضدته على طاعة ربه ومعونته على نفسه فيما
يهم به من معصية ربه ثم تكون عليه رحمة ولا تكن عليه عذابا ولا قوة إلا
بالله. وفي الخصال: فان تصحبه بالتفضل والإنصاف ولا تدعه يسبق إلى
مكرمة، وتوده كما يودك وتزجره عما يهم به من معصية.
٣٣: وأما حق الشريك
فان غاب كفيته وان حضر ساويته ولا تعزم على حكمك دون حكمه
ولا تعمل برأيك دون مناظرته وتحفظ عليه ماله وتتقي خيانته فيما عز أو هان
فإنه بلغنا أن يد الله على الشريكين ما لم يتخاونا ولا قوة إلا بالله.
٣٤: وأما حق المال
فان لا تأخذه إلا من حله ولا تنفقه إلا في حله ولا تحرفه عن مواضعه
ولا تصرفه عن حقائقه ولا تجعله إذا كان من الله إلا إليه وسببا إلى الله ولا
تؤثر به على نفسك من لعله لا يحمدك وبالحري أن لا يحسن خلافته في
تركتك ولا يعمل فيه بطاعة ربه فيذهب بالغنيمة وتبوء بالاثم والحسرة
والندامة مع التبعة ولا قوة إلا بالله. وفي الخصال: فاعمل فيه بطاعة ربك
ولا تبخل به.
٣٥: وأما حق الغريم المطالب لك
فان كنت موسرا أوفيته وكفيته وأغنيته ولم تردده وتمطله فان رسول الله
ص قال مطل الغني ظلم وإن كنت معسرا أرضيته بحسن القول وطلبت إليه
طلبا جميلا ورددته عن نفسك ردا لطيفا ولم تجمع عليه ذهاب ماله وسوء
معاملته فان ذلك لؤم ولا قوة إلا بالله.
٣٦: وأما حق الخليط
فان لا تغره ولا تغشه ولا تكذبه ولا تغفله ولا تخدعه ولا تعمل في
انتقاضه عمل العدو الذي لا يبقي على صاحبه وان أطمأن إليك استقصيت
له على نفسك وعلمت ان غبن المسترسل ربا. وفي الخصال: ولا تخدعه
وتتقي الله تبارك وتعالى في أمره.
٣٧: وأما حق الخصم المدعي عليك
فإن كان ما يدعي عليك حقا لم تنفسخ في حجته ولم تعمل في ابطال
دعوته وكنت خصم نفسك له والحاكم عليها والشاهد له بحقه دون شهادة
الشهود فان ذلك حق الله عليك وإن كان ما يدعيه باطلا رققت به وردعته
وناشدته بدينه وكسرت حدته عنك بذكر الله وألقيت حشو الكلام ولغطه
الذي لا يرد عنك عادية عدوك بل تبوء بإثمه وبه يشحذ عليك سيف
عداوته لان لفظة السوء تبعث الشر، والخير مقمعة للشر ولا قوة إلا بالله.
وفي الخصال: فإن كان ما يدعي عليك حقا كنت شاهده على نفسك ولم
تظلمه وأوفيته حقه وإن كان ما يدعي به باطلا رفقت به ولم تأت في أمره غير
الرفق ولم تسخط ربك في أمره.
٣٨: وأما حق الخصم المدعى عليه
فإن كان ما تدعيه حقا أجملت في مقاولته بمخرج الدعوى فان
للدعوى غلظة في سمع المدعى عليه وقصدت قصد حجتك بالرفق وأمهل
المهلة وأبين البيان وألطف اللطف ولم تتشاغل عن حجتك بمنازعته بالقيل
والقال فتذهب عنك حجتك ولا يكون لك في ذلك درك ولا قوة إلا بالله.
وفي الخصال: إن كنت محقا في دعواك أجملت مقاولته ولم تجحد حقه وإن
كنت مبطلا في دعواك اتقيت الله عز وجل وتبت إليه وتركت الدعوى.
٣٩: وأما حق المستشير
فان حضرك له وجه رأي جهدت له في النصيحة وأشرت عليه بما
تعلم أنك لو كنت مكانه عملت به، ليكن ذلك منك في رحمة ولين فان
اللين يؤنس الوحشة وان الغلظ يوحش موضع الأنس وان لم يحضرك له
رأي وعرفت له من تثق برأيه وترضى به لنفسك دللت عليه وأرشدته إليه
فكنت لم تأله خيرا ولم تدخره نصحا ولا حول ولا قوة إلا بالله. وفي
الخصال: ان علمت له رأيا حسنا أشرت عليه وإن لم تعلم أرشدته إلى من
يعلم.
٤٠: وأما حق المشير عليك
فلا تتهمه فيما لا يوافقك من رأيه إذا أشار عليك فإنما هي الآراء
وتصرف الناس فيها واختلافهم فكن عليه في رأيه بالخيار إذا اتهمت رأيه.
فاما تهمته فلا تجوز لك إذا كان عندك ممن يستحق المشاورة ولا تدع شكره
على ما بدا لك من إشخاص رأيه وحسن وجه مشورته فإذا وافقك حمدت
الله وقبلت ذلك من أخيك بالشكر والأرصاد بالمكافأة في مثلها ان فزع إليك
ولا قوة إلا بالله. وفي الخصال: أن لا تتهمه فيما لا يوافقك من رأيه وان
وافقك حمدت الله عز وجل.
٤١: وأما حق المستنصح
فان حقه أن تؤدي إليه النصيحة وتكلمه من الكلام بما يطيقه عقله
فان لكل عقل طبقة من الكلام يعرفه ويجتنبه وليكن مذهبك الرحمة ولا قوة
إلا بالله. وفي الخصال: وليكن مذهبك الرحمة له والرفق به.
٤٢: وأما حق الناصح
فان تلين له جناحك ثم تشرئب له قلبك وتفتح له سمعك حتى يفهم
عنه نصيحته ثم تنظر فيها فإن كان وفق لها وإلا رحمته ولم تتهمه وعلمت أنه
(٦٤٢)

لم يا لك نصحا إلا أنه أخطأ إلا أن يكون عندك مستحقا للتهمة فلا تعبا
بشئ من أمره على كل حال ولا قوة إلا بالله. وفي الخصال: وتصغي إليه
بسمعك فان أتى بالصواب حمدت الله وان لم يوفق رحمته الخ.
٤٣: وأما حق الكبير
فان حقه توقير سنه واجلال اسلامه إذا كان من أهل الفضل في
الاسلام بتقديمه فيه وترك مقابلته عند الخصام ولا تسبقه إلى طريق ولا تؤمه
في طريق ولا تستجهله وإن جهل عليك تحملت وأكرمته بحق إسلامه مع
سنه فإنما حق السن بقدر الاسلام ولا قوة إلا بالله. وفي الخصال: توقيره
لسنه واجلاله لتقدمه في الاسلام قبلك.
٤٤: وأما حق الصغير
فرحمته وتثقيفه وتعليمه والعفو عنه والستر عليه والرفق به والمعونة له
والستر على جرائر حداثته فإنه سبب للتوبة والمداراة له وترك مما حكته فان
ذلك أدنى لرشده. وفي الخصال: رحمته في تعليمه.
٤٥: وأما حق السائل
فاعطاؤه إذا تهيأت صدقة وقدرت على سد حاجته والدعاء له فيما نزل
به و المعاونة له على طلبته وان شككت في صدقه وسبقت إليه التهمة ولم تعزم
على ذلك لم تأمن أن يكون من كيد الشيطان أراد أن يصدك عن حظك
ويحول بينك وبين التقرب إلى ربك تركته بستره ورددته ردا جميلا وان غلبت
نفسك في أمره وأعطيته على ما عرض في نفسك منه فان ذلك من عزم
الأمور. وفي الخصال: اعطاؤه على قدر حاجته.
٤٦: وأما حق المسؤول
فحقه إن اعطى قبل منه ما أعطى بالشكر له والمعرفة لفضله وطلب
وجه العذر في منعه وأحسن به الظن واعلم أنه إن منع فماله منع وأن ليس
التثريب في ماله وإن كان ظالما فان الإنسان لظلوم كفار. وفي الخصال: ان
اعطى فاقبل منه بالشكر والمعرفة بفضله وإن منع فاقبل عذره.
٤٧: وأما حق من سرك الله به وعلى يديه
فإن كان تعمدها لك حمدت الله أولا ثم شكرته على ذلك بقدره في
موضع الجزاء وكافأته على فضل الابتداء وأرصدت له المكافاة وان لم يكن
تعمدها حمدت الله أولا ثم شكرته وعلمت أنه منه توحدك بها وأحببت هذا
كذا إذ كان سببا من أسباب نعم الله عليك وترجو له بعد ذلك خيرا فان
أسباب النعم بركة حيث ما كانت وإن كان لم يعتمد ولا قوة إلا بالله. وفي
الخصال: ان تحمد الله عز وجل أولا ثم تشكره.
٤٨: وأما حق من ساءك القضاء على يديه
بقول أو فعل فإن كان تعمدها كان العفو أولي بك لما فيه له من
القمع وحسن الأدب مع كثير أمثاله من الخلق فان الله يقول ولمن انتصر
بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل إلى قوله من عزم الأمور وقال
عز وجل وان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير
للصابرين هذا في العمد فإن لم يكن عمدا لم تظلمه بتعمد الانتصار منه
فتكون قد كافأته بتعمد على خطا ورفقت به ورددته بالطف ما تقدر عليه ولا
قوة إلا بالله. وفي الخصال: ان تعفو عنه وان علمت أن العفو يضر
انتصرت قال الله تبارك تعالى: ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من
سبيل.
٤٩: وأما حق أهل ملتك عامة
فاضمار السلامة ونشر جناح الرحمة والرفق بمسيئهم وتالفهم
واستصلاحهم وشكر محسنهم إلى نفسه وإليك فان احسانه إلى نفسه احسانه
إليك إذ كف عنك أذاه وكفاك مؤونته وحبس عنك نفسه فعمهم جميعا
بدعوتك وانصرهم جميعا بنصرتك وأنزلهم جميعا منك منازلهم كبيرهم بمنزلة
الوالد وصغيرهم بمنزلة الولد وأوسطهم بمنزلة الأخ فمن أتاك تعاهدته بلطف
ورحمة وصل أخاك بما يجب للأخ على أخيه. وفي الخصال: والرحمة لهم
وكف الأذى عنهم وتحب لهم ما تحب لنفسك وتكره لهم ما تكره لنفسك وأن تكون
شيوخهم بمنزلة أبيك وشبابهم بمنزلة اخوتك وعجائزهم بمنزلة أمك
والصغار بمنزلة أولادك.
٥٠: وأما حق أهل الذمة
فالحكم فيهم أن تقبل منهم ما قبل الله وكفى بما جعل الله لهم من
ذمته وعهده وتكلهم إليه فيما طلبوا من أنفسهم وتحكم فيهم بما حكم الله به
على نفسك فيما جرى بينك وبينهم من معاملة وليكن بينك وبين ظلمهم من
رعاية ذمة الله والوفاء بعهده وعهد رسوله ص حائل فإنه بلغنا أنه قال من
ظلم معاهدا كنت خصمه فاتق الله ولا حول ولا قوة إلا بالله. فهذه
خمسون حقا محيطا بك لا تخرج منها في حال من الأحوال يجب عليك
رعايتها والعمل في تأديتها والاستعانة بالله جل ثناؤه على ذلك ولا حول ولا
قوة إلا بالله والحمد لله رب العالمين. وفي الخصال: ان تقبل منهم ما قبل
الله عز وجل منهم ولا تظلمهم ما وفوا الله عز وجل بعهده. وعلى رواية
الخصال تكون أحد وخمسين.
المأثور عنه من جوامع الكلم والحكم القصيرة
المحكي منها عن كتاب نثر الدرر
في كشف الغمة والفصول المهمة قال الوزير أبو سعيد منصور بن
الحسن الآبي في كتاب نثر الدرر: نظر علي بن الحسين زين العابدين ع
إلى سائل يسال وهو يبكي فقال لو أن الدنيا كانت في كف هذا ثم
سقطت منه ما كان ينبغي له ان يبكي عليها. وسئل ع لم أوتم
النبي من أبويه فقال لئلا يوجب عليه حق لمخلوق وقال لابنه يا بني إياك
ومعاداة الرجال فإنه لن يعدمك مكر حليم أو مفاجأة لئيم.
وبلغه ع قول نافع بن جبير في معاوية حيث قال: كان
يسكته الحلم وينطقه العلم فقال كذب بل كان يسكته الحصر وينطقه
البطر. وقيل له من أعظم الناس خطرا قال من لم ير الدنيا خطرا لنفسه.
قال وروى لنا الصاحب رحمه الله عن أبي محمد الجعفري عن أبيه عن عمه
عن جعفر عن أبيه ع قال قال رجل لعلي بن الحسين ما أشد
بغض قريش لأبيك قال لأنه أورد أولهم النار والزم آخرهم العار. وقيل له
يوما كيف أصبحت قال أصبحنا خائفين برسول الله وأصبح جميع أهل
الاسلام آمنين به وقال ع وقد قيل له ما بالك إذا سافرت كتمت
نسبك أهل الرفقة فقال أكره أن آخذ برسول الله ص ما لا أعطي مثله.
(٦٤٣)

الحكم المنقولة من تحف العقول
قال فيه: روي عنه ع في قصار هذه المعاني قال ص
: الرضا بمكروه القضاء أرفع درجات اليقين. وقال: من كرمت
عليه نفسه هانت عليه الدنيا. وقال بحضرته رجل اللهم أغنني عن خلقك
فقال ليس هكذا إنما بالناس ولكن قل اللهم أغنني عن شرار خلقك. وقال
ع من قنع بما قسم الله له فهو من أغنى الناس. وقال لا يقل
عمل مع تقوى وكيف يقل ما يتقبل. وقال ع اتقوا الكذب،
الصغير منه والكبير في كل جد وهزل فان الرجل إذا كذب في الصغير اجترأ
على الكبير. وقال ع كفى بنصر الله لك ان ترعى عدوك يعمل
بمعاصي الله فيك. وقال ع الخير كله صيانة الإنسان نفسه. وقال ع
لبعض بنيه يا بني ان الله رضيني لك ولم يرضك لي فأوصاك بي ولم يوصني
بك، عليك بالبر فإنه تحفة كبيرة. وقال له رجل ما الزهد؟
فقال الزهد عشرة أجزاء: فأعلى درجات الزهد أدنى درجات الورع، وأعلى درجات
اليقين أدنى درجات الرضى. وان الزهد في آية من كتاب الله: لكيلا
تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم. وقال ع: طلب الحوائج إلى
الناس مذلة للحياة ومذهبة للحياء واستخفاف بالوقار وهو الفقر الحاضر،
وقلة طلب الحوائج من الناس هو الغنى الحاضر. وقال ع: إن أحبكم
إلى الله أحسنكم عملا. وإن أعظمكم عند الله عملا أعظمكم فيما عند الله
رغبة. وان أنجاكم من عذاب الله أشدكم خشية لله وان أقربكم من الله
أوسعكم خلقا وان أرضاكم عند الله أسعاكم على عياله وإن أكرمكم على
الله أتقاكم لله. وقال ع لبعض بنيه: يا بني انظر خمسة فلا تصاحبهم
ولا تحادثهم ولا ترافقهم في طريق، فقال يا أبه من هم؟ قال: إياك
ومصاحبة الكذاب فإنه بمنزلة السراب يقرب لك البعيد ويبعد لك القريب
وإياك ومصاحبة الفاسق فإنه بائعك باكلة أو أقل سن ذلك (١) وإياك
ومصاحبة البخيل فإنه يخذلك في ماله أحوج ما تكون إليه وإياك ومصاحبة
الأحمق فإنه يريد أن ينفعك فيضرك وإياك ومصاحبة القاطع لرحمه فاني
وجدته ملعونا في كتاب الله (٢) وقال ع: إن المعرفة وكمال دين المسلم
تركه الكلام فيما لا يعنيه وقلة مرائه وحلمه وصبره وحسن خلقه. وقال:
ابن آدم انك لا تزال بخير ما كان لك واعظ من نفسك، وما كانت
المحاسبة من همك، وما كان الخوف لك شعارا والحذر لك دثارا، يا ابن
آدم انك ميت ومبعوث وموقوف بين يدي الله جل وعز فأعد له جوابا.
وقال ع: لا حسب لقرشي ولا لعربي إلا بتواضع، ولا كرم إلا
بتقوى، ولا عمل إلا بنية، ولا عبادة إلا بالتفقه. وقال ع: المؤمن
من دعائه على ثلاث: اما أن يدخر له، وإما أن يعجل له، وإما أن يدفع
عنه بلاء يريد أن يصيبه. وقال ع: ان المنافق ينهى ولا ينتهي ويأمر
ولا يأتي إذا قام إلى الصلاة اعترض وإذا ركع ربض وإذا سجد نقر، يمسي
وهمه العشاء ولم يصم، وهمه النوم ولم يسهر، والمؤمن خلط علمه بحلمه
يجلس ليعلم وينصت ليسلم، لا يحدث بالأمانة إلا صدقا، ولا يكتم
الشهادة للبعداء ولا يعمل شيئا من الحق رياء ولا يتركه حياء. ان زكي
خاف مما يقولون ويستغفر الله لما لا يعلمون ولا يضره جهل من جهله.
ورأى ع عليلا قد برئ فقال له يهنئوك الطهور من الذنوب ان الله قد
ذكرك فاذكره، وأقالك فاشكره. وقال ع: خمس لو رحلتم فيهن لا
نفيتموهن كذا وما قدرتم على مثلهن: لا يخاف عبد إلا ذنبه، ولا يرجو
إلا ربه، ولا يستحي الجاهل إذ سئل عما لا يعلم أن يتعلم، والصبر
من الايمان بمنزلة الرأس من الجسد، ولا إيمان لمن لا صبر له. وقال ع
: يقول الله يا ابن آدم ارض بما آتيتك تكن من أزهد الناس، ابن
آدم اعمل بما افترضت عليك تكن من أعبد الناس، ابن آدم اجتنب عما
حرمت عليك تكن من أورع الناس. وقال ع: كم من مفتون بحسن
القول فيه وكم من مغرور بحسن الستر عليه، وكم من مستدرج بالاحسان
إليه وقال يا سوأتاه لمن غلبت أحداته عشراته يريد أن السيئة بواحدة
والحسنة بعشرة، وقال ع: ان الدنيا قد ارتحلت مدبرة، وان الآخرة
قد ترحلت مقبلة، ولكل واحدة منهما بنون فكونوا من أبناء الآخرة ولا
تكونوا من أبناء الدنيا، فكونوا من الزاهدين في الدنيا الراغبين في الآخرة،
لان الزاهدين اتخذوا أرض الله بساطا والتراب فراشا والمدر وسادا والماء طيبا
وقرضوا المعاش من الدنيا تقريضا، اعلموا انه من اشتاق إلى الجنة سارع
إلى الحسنات وسلا عن الشهوات، ومن أشفق من النار بادر بالتوبة إلى الله
من ذنوبه وراجع عن المحارم، ومن زهد في الدنيا هانت عليه مصائبها ولم
يكرهها وان لله عز وجل لعبادا قلوبهم معلقة بالآخرة وثوابها، وهم كمن
رأى أهل الجنة في الجنة مخلدين منعمين، وكمن رأى أهل النار معذبين
فأولئك شرورهم وبوائقهم عن الناس مأمونة وذلك أن قلوبهم عن الناس
مشغولة بخوف الله فطرفهم عن الحرام مغموض وحوائجهم إلى الناس
خفيفة قبلوا اليسير من الله في المعاش وهو القوت فصبروا أياما قصارا لطول
الحسرة يوم القيامة. وقال له رجل: اني لأحبك في الله حبا شديدا فنكس
رأسه ثم قال: اللهم إني أعوذ بك ان أحب فيك وأنت لي مبغض ثم قال
له أحبك الذي تحبني فيه. وقال ع: ان الله ليبغض البخيل والسائل
الملحف. وقال: رب مغرور مفتون يصبح لاهيا ضاحكا يأكل ويشرب
وهو لا يدري لعله قد سبقت له من الله سخطه يصلى بها نار جهنم. وقال
ع: ان من أخلاق المؤمن الإنفاق على قدر الأقتار، والتوسع على قدر
التوسع، وانصاف الناس من نفسه وابتداؤه إياهم بالسلام. وقال ع:
ثلاث منجيات للمؤمن: كف لسانه عن الناس واغتيابهم وإشغاله نفسه
بما ينفعه لآخرته ودنياه، وطول البكاء على خطيئته. وقال ع: نظر
المؤمن في وجه أخيه المؤمن للمودة والمحبة له عبادة. وقال ع: ثلاث
من كن فيه من المؤمنين كان في كنف الله وأظله الله
يوم القيامة في ظل عرشه، وآمنه من فزع اليوم الأكبر: من
أعطى الناس من نفسه ما هو سائلهم لنفسه ورجل لم يقدم يدا ولا
رجلا حتى يعلم أنه في طاعة الله قدمها أو في معصيته، ورجل لم يعب
أخاه بعيب حتى يترك ذلك العيب من نفسه وكفى بالمرء شغلا بعيبه لنفسه عن
عيوب الناس. وقال ع: ما من شئ أحب إلى الله بعد معرفته من
عفة بطن وفرج، وما شئ أحب إلى الله من أن يسال. وقال لابنه محمد
ع: افعل الخير إلى كل من طلبه منك فإن كان أهله فقد أصبت
موضعه وان لم يكن باهل كنت أنت أهله وان شتمك رجل عن يمينك ثم
تحول إلى يسارك واعتذر إليك فاقبل عذره. وقال ع: مجالسة الصالحين
داعية إلى الصلاح وأدب العلماء زيادة في العقل، وطاعة ولاة الامر العدل
خ ل تمام العز، واستنماء المال تمام المروءة وإرشاد المستشير قضاء لحق
النعمة وكف الأذى من كمال العقل وفيه راحة للبدن عاجلا وآجلا. وقال

(١) في حيلة الأولياء باكلة وما دونها قال قال وما دونها قال يطمع فيها ثم لا ينالها.
(٢) في حلية الأولياء في كتاب الله في ثلاثة مواضع
(٦٤٤)

ع: سبحان من جعل الاعتراف بالنعمة له حمدا، سبحان من جعل
الاعتراف بالعجز عن الشكر شكرا اه.
المنقول من تذكرة ابن حمدون
في كشف الغمة: مما أورده محمد بن الحسن بن حمدون في كتاب
التذكرة من كلامه ع قال: لا يهلك مؤمن بين ثلاث خصال شهادة أن
لا إله إلا الله وحده لا شريك له وشفاعة رسول الله ص وسعة رحمة الله عز
وجل. خف الله عز وجل لقدرته عليك واستحي منه لقربه منك وإذا
صليت فصل صلاة مودع وإياك وما تعتذر منه وخف الله خوفا ليس
بالتعذير. وقال ع إياك والابتهاج بالذنب فان الابتهاج به أعظم
من ركوبه اه.
المنقول من تذكرة الخواص
قال ع: ان قوما عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد وان
قوما عبدوه رغبة فتلك عبادة التجار وان قوما عبدوه شكرا فتلك عبادة
الأحرار. وكان يقول: عجبت للمتكبر الفخور الذي كان بالأمس نطفة
وهو غدا جيفة وعجبت لمن شك في الله وهو يرى عجائب مخلوقاته وعجبت
لمن يشك في النشأة الأخرى وهو يرى النشأة الأولى وعجبت لمن عمل لدار
الفناء وترك دار البقاء.
المنقول من الفصول المهمة
في الفصول المهمة: من كلامه ع: ضل من ليس له حكيم يرشده وذل من ليس له
سفيه يعضده. وقال: أربع لهن ذل:
البنت ولو مريم والدين ولو درهم والغربة ولو ليلة والسؤال ولو أين
الطريق، وقال ع عجيب لمن يحتمي من الطعام لمضرته كيف لا
يحتمي من الذنب لمعرته، وقال ع من ضحك ضحكة مج من عقله
مجة علم، وقال ع ان الجسد إذا لم يمرض أشر ولا خير في جسد
يأشر، وقال ع من قنع بما قسم الله له فهو من أغنى الناس وعنه
ع يرفعه إلى النبي ص قال انتظار الفرج عبادة ومن رضي بالقليل
من الرزق رضي الله منه القليل من العمل اه.
حكم ومواعظ متفرقة
في حلية الأولياء بالاسناد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن
الحسين ع: فقد الأحبة غربة.
وروى الشيخ في الأمالي بسنده قيل لعلي بن الحسين كيف أصبحت يا
ابن رسول الله؟ قال: أصبحت مطلوبا بثمان: الله تعالى يطلبني
بالفرائض والنبي ص بالسنة والعيال بالقوت والنفس بالشهوة والشيطان
باتباعه والحافظان بصدق العمل وملك الموت بالروح والقبر بالجسد فانا بين
هذه الخصال مطلوب اه.
وفي كشف الغمة سمع رجلا كان يغشاه يذكر رجلا بسوء فقال إياك
والغيبة فإنها أدام كلاب النار. وفي حياة الحيوان: مات لرجل ولد مسرف
على نفسه فجزع عليه فقال له علي بن الحسين ع ان من وراء
ولدك خلالا ثلاثا شهادة ان لا إله إلا الله وشفاعة رسول الله ص ورحمة
الله.
أدعيته
منتخبات من أدعية الصحيفة الكاملة
من دعائه ع في التحميد لله عز وجل والثناء عليه
الحمد لله الأول بلا أول كان قبله والآخر بلا آخر يكون بعده الذي
قصرت عن رؤيته ابصار الناظرين وعجزت عن نعته أوهام الواصفين ابتدع
بقدرته الخلق ابتداعا واخترعهم على مشيئته اختراعا ثم سلك بهم طريق إرادته
وبعثهم في سبيل محبته لا يملكون تأخيرا عما قدمهم إليه ولا يستطيعون تقدما إلى ما
أخرهم عنه والحمد لله على ما عرفنا من نفسه وألهمنا من شكره وفتح لنا من
أبواب العلم بربوبيته ودلنا عليه من الاخلاص له في توحيده وجنبنا من
الالحاد والشك في أمره والحمد لله الذي اختار لنا محاسن الخلق واجرى
علينا طيبات الرزق وجعل لنا الفضيلة بالملكة على جميع الخلق فكل خليقته
منقادة لنا بقدوته وصائرة إلى طاعتنا بعزته والحمد لله الذي ركب فينا آلات
البسط وجعل لنا أدوات القبض ومتعنا بارواح الحياة وأثبت فينا جوارح
الأعمال وغذانا بطيبات الرزق وأغنانا بفضله واقنانا بمنه ثم أمرنا ليختبر
طاعتنا ونهانا ليبتلي شركنا فخالفنا عن طريق أمره وركبنا متون زجره فلم
يبتدرنا بعقوبته ولم يعالجنا بنقمته بل تأنانا برحمته تكرما وانتظر مراجعتنا
برأفته حلما لقد وضع عنا ما لا طاقة لنا به ولم يكلفنا إلا وسعا ولم يجشمنا إلا
يسرا ولم يدع لاحد منا حجة ولا عذرا حمدا لا منتهى لحده ولا حساب
لعدده ولا مبلغ لغايته ولا انقطاع الا مده حمدا يكون وصلة إلى طاعته وعفوه
وسببا إلى رضوانه وذريعة إلى مغفرته وطريقا إلى جنته وخفيرا من نقمته
وعونا على تأدية حقه ووظائفه.
من دعائه ع في الصلاة على رسول الله ص
اللهم فصل على محمد وآل محمد امينك على وحيك ونجيبك من
خلقك وصفيك من عبادك امام الرحمة وقائد الخير ومفتاح البركة كما نصب
لأمرك نفسه وعرض فيك للمكروه بدنه وكاشف في الدعاء إليك حامته
وحارب في رضاك أسرته وقطع في احياء دينك رحمه وأقصى الأدنين على
جحودهم وقرب الأقصين على استجابتهم لك ووالى فيك الأبعدين وعادى
فيك الأقربين وأدأب نفسه في تبليغ رسالتك وأتعبها بالدعاء إلى ملتك
وشغلها بالنصح لأهل دعوتك وهاجر إلى بلاد الغربة ومحل الناي عن
موطن رحله وموضع رجله ومسقط رأسه ومأنس نفسه إرادة منه لاعزاز
دينك واستنصارا على أهل الكفر بك حتى استتب له ما حاول في أعدائك
واستتم له ما دبر في أوليائك فنهد إليهم مستفتحا بعونك ومتقويا على ضعفه
بنصرك فغزاهم في عقر ديارهم وهجم عليهم في بحبوحة قرارهم حتى ظهر
امرك وعلت كلمتك ولو كره المشركون اللهم فارفعه بما كدح فيك إلى الدرجة
العليا من جنتك حتى لا يساوي في منزلة ولا يكافأ في مرتبة ولا يوازيه لديك
ملك مقرب ولا نبي مرسل وعرفه في أهله الطاهرين وأمته المؤمنين من حسن
الشفاعة أجل ما وعدته يا نافذ العدة يا وافي القول يا مبدل السيئات باضعافها
من الحسنات انك ذو الفضل العظيم.
من دعائه في الصلاة على اتباع الرسل والصحابة والتابعين
اللهم واتباع الرسل ومصدقوهم من أهل الأرض بالغيب في كل دهر
وزمان أرسلت فيه رسولا وأقمت لأهله دليلا من لدن آدم ع إلى
محمد ص من أئمة الهدى وقادة أهل التقى على جميعهم السلام فاذكرهم
(٦٤٥)

منك بمغفرة ورضوان اللهم وأصحاب محمد ص خاصة الذين أحسنوا
الصحابة والذين ابلوا البلاء الحسن في نصره وكانفوه وأسرعوا إلى وفادته
وسابقوا إلى دعوته واستجابوا له حيث أسمعهم حجة رسالاته وفارقوا الأزواج
والأولاد في إظهار كلمته وقاتلوا الآباء والأبناء في تثبيت نبوته والذين
هجرتهم العشائر إذ تعلقوا بعروته وانتفت منهم القرابات إذ سكنوا في ظل
قرابته فلا تنس لهم اللهم ما تركوا لك وفيك واشكرهم على هجرهم فيك
ديار قومهم وخروجهم من سعة المعاش إلى ضيقه اللهم وأوصل إلى التابعين
لهم باحسان الذين يقولون ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان ولا
تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا أنت رؤوف رحيم خير جزائك الذين
قصدوا سمتهم وتحروا وجهتهم ومضوا على شاكلتهم لم يثنهم ريب في
بصيرتهم ولم يختلجهم شك في قفو آثارهم والائتمام بهداية منارهم مكانفين
وموازرين لهم يدينون بدينهم ويهتدون بهديهم اللهم وصل على التابعين من
يومنا هذا إلى يوم الدين وعلى أزواجهم وعلى ذرياتهم وعلى من أطاعك
منهم صلاة تعصمهم بها من معصيتك وتفسح لهم بها في رياض جنتك.
من دعائه ع في الصباح والمساء
الحمد لله الذي خلق الليل والنهار بقوته وميز بينهم بقدرته وجعل
لكل واحد منهما حدا محدودا وأمدا ممدودا يولج كل واحد منهما في صاحبه
ويولج صاحبه فيه بتقدير منه للعباد فخلق لهم الليل ليسكنوا فيه من حركات
التعب ونهضات النصب وجعله لباسا ليلبسوا من راحته ومنامه فيكون ذلك
لهم جماما وقوة ولينالوا به لذة وشهوة وخلق لهم النهار مبصرا ليبتغوا فيه من
فضله وليتسببوا إلى رزقه ويسرحوا في أرضه طلبا لما فيه نيل العاجل من
دنياهم ودرك الآجل في أخراهم بكل ذلك يصلح شأنهم ويبلو أخبارهم
وينظر كيف هم في أوقات طاعته ومنازل فروضه ومواقع احكامه ليجزي
الذين أساؤوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى اللهم فلك الحمد
على ما فلقت لنا من الاصباح ومتعتنا به من ضوء النهار وبصرتنا به من
مطالب الأقوات ووقيتنا فيه من طوارق الآفات أصبحنا وأصبحت الأشياء كلها
بجملتها لك سماؤها وأرضها وما بثثت في كل واحد منهما ساكنه ومتحركه
ومقيمه وشاخصه وما علا في الهواء وما كن تحت الثرى أصبحنا في قبضتك يحوينا
ملكك وسلطانك وتضمنا مشيئتك ونتصرف عن امرك ونتقلب في تدبيرك
ليس لنا من الأمر الا ما قضيت ولا من الخير الا ما أعطيت اللهم وهذا
يوم حادث جديد وهو علينا شاهد عنيد ان أحسنا ودعنا بحمد وان أسأنا
فارقنا بذم اللهم صل على محمد وآله وارزقنا حسن مصاحبته واعصمنا من
سوء مفارقته بارتكاب جريرة أو اقتراف صغيرة أو كبيرة اللهم صل على
محمد وآله واجزل لنا فيه من الحسنات واخلنا فيه من السيئات واملأ لنا ما
بين طرفيه حمدا وشكرا واجرا وذخرا وفضلا وإحسانا اللهم صلى على محمد
وآله ويسر على الكرام الكاتبين مؤونتنا واملأ لنا من حسناتنا صحائفنا ولا
تخزنا عندهم بسوء أعمالنا اللهم صل على محمد وآله واجعل لنا في كل
ساعة من ساعاته حظا من عبادتك ونصيبا من شكرك وشاهد صدق من
ملائكتك اللهم صل على محمد وآله واحفظنا فيه من بين أيدينا ومن خلفنا
وعن ايماننا وعن شمائلنا ومن جميع نواحينا حفظا عاصما من معصيتك هاديا
إلى طاعتك مستعملا لمحبتك اللهم صل على محمد وآله ووفقنا في يومنا هذا
وليلتنا هذه وفي جميع أيامنا لاستعمال الخير وهجران الشر وشكر النعم
واتباع السنن ومجانبة البدع والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وحياطة
الاسلام وإجلاله وانتقاض الباطل وإذلاله ونصرة الحق واعزازه وارشاد
الضال ومعاونة الضعيف وإدراك اللهيف.
من دعائه ع لأهل الثغور
اللهم صل على محمد وآله وحصن ثغور المسلمين بعزتك وأيد حماتها
بقوتك واسبغ عطاياهم من جدتك اللهم صل على محمد وآله وكثر عدتهم
واشحذ أسلحتهم واحرس حوزتهم وامنع حومتهم وألف جمعهم ودبر امرهم
واعضدهم بالنصر وأعنهم بالصبر والطف لهم في المكر اللهم صل على محمد
وآله وأنسهم عند لقائهم العدو ذكر دنياهم الخداعة الغرور وامح عن قلوبهم
خطرات المال الفتون واجعل الجنة نصب أعينهم حتى لا يهم أحد منهم
بالادبار ولا يحدث نفسه عن قرنه بفرار اللهم افلل بذلك عدوهم واقلم عنه
اظفارهم اللهم وأيما غاز غزاهم من أهل ملتك أو مجاهد جاهدهم من أتباع
سنتك ليكون دينك الأعلى وحزبك الأقوى وحظك الأوفى فلقه اليسر وهئ
له الأمر وتوله بالنجح وأفرع عليه الصبر وسهل له النصر وتخير له
الأصحاب واستقو له الظهر واسبغ عليه في النفقة ومتعه بالنشاط وأنسه ذكر
الأهل والولد وتوله بالعافية وأصحبه السلامة واعفه عن الجبن وألهمه الجرأة
وارزقه الشدة وأيده بالنصرة واجعل فكره وذكره وظعنه وإقامته فيك ولك.
دعاؤه ع في الاعتذار من التقصير في حقوق العباد
اللهم إني اعتذر إليك من مظلوم ظلم بحضرتي فلم أنصره ومن
معروف أسدي إلي فلم أشكره ومن مسئ اعتذر إلي فلم أعذره ومن ذي
فاقة سألني فلم أوثره ومن حق ذي حق لزمني لمؤمن فلم أوفره ومن عيب
مؤمن ظهر لي فلم استره ومن كل اثم عرض لي فلم أهجره فصل على محمد
وآله واجعل ندامتي على ما وقعت فيه من الزلات وعزمي على ترك ما يعرض
لي من السيئات توبة توجب لي محبتك يا محب التوابين آمين رب العالمين
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.
من دعائه ع في طلب المغفرة لمن ظلمه
اللهم صل على محمد وآله واكسر شهوتي عن كل محرم وازو حرصي
عن كل ماثم وامنعني عن أذى كل مؤمن ومؤمنة ومسلم ومسلمة اللهم وأيما
عبد نال مني ما حظرت عليه وانتهك مني ما حجرت عليه فاغفر له ما ألم به
مني واجعل ما سمحت به من العفو عنهم وتبرعت به من الصدقة عليهم في
أزكى صدقات المتصدقين وأعلى صلات المتقربين وعوضني من عفوي عنهم
عفوك حتى يسعد كل واحد منا بفضلك وينجو كل منا بمنك اللهم وأيما عبد
من عبيدك أدركه مني درك أو مسه من ناحيتي اذى أو لحقه بي أو بسببي ظلم
ففته بحقه أو سبقته بمظلمته فصل على محمد وآله وارضه عني من وجدك
واوفه حقه من عندك ثم قني ما يوجب له حكمك وخلصني مما يحكم به
عدلك فان قوتي لا تستقل بنقمتك وان طاقتي لا تنهض بسخطك فإنك ان
تكافني بالحق تهلكني وان لا تغمدني برحمتك توبقني.
من دعائه ع إذا دخل شهر رمضان
الحمد لله الذي هدانا لحمده وجعلنا من أهله والحمد لله الذي حبانا
بدينه وزيننا بيقينه وسبلنا في سبل احسانه والحمد لله الذي جعل من تلك
السبل شهره شهر رمضان شهر الصيام وشهر الاسلام وشهر الطهور وشهر
التمحيص وشهر القيام ألفي انزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من
(٦٤٦)

الهدى والفرقان فأبان فضيلته على سائر الشهور بما جعل له من الحرمات
الموفورة والفضائل المشهورة فحرم فيه ما أحل في غيره اعظاما وحجر فيه
المطاعم والمشارب اكراما. ثم فضح ليلة واحدة من لياليه على ليالي ألف
شهر وسماها ليلة القدر. اللهم صل على محمد وآله وألهمنا معرفة فضله
واجلال حرمته والتحفظ مما حظرت فيه وأعنا على صيامه بكف الجوارح عن
معاصيك واستعمالها فيه بما يرضيك حتى لا نصغي باسماعنا إلى لغو ولا
نسرع بابصارنا إلى لهو وحتى لا نبسط أيدينا إلى محظور ولا نخطو باقدامنا
إلى محجور وحتى لا تعي بطوننا الا ما أحللت ولا تنطق ألسنتنا الا بما مثلت
ولا نتكلف إلا ما يدني من ثوابك ولا نتعاطى إلا الذي يقي من عقابك ثم
خلص ذلك كله من رثاء المرائين وسمعة المسمعين لا نشرك فيه أحدا دونك
ولا نبتغي فيه مرادا سواك اللهم صل على محمد وآله وقفنا فيه على مواقيت
الصلوات الخمس بحدودها التي حددت وفروضها التي فرضت ووظائفها
التي وظفت وأوقاتها التي وقت وأنزلنا فيها منزلة المصيبين لمنازلها الحافظين لأركانها
المؤدين لها في أوقاتها على ما سنه محمد عبدك ورسولك صلواتك عليه وآله
في ركوعها وسجودها وجميع فواصلها على أتم الطهور وأسبغه وأبين الخشوع
وأبلغه ووفقنا فيه لأن نصل أرحامنا بالبر والصلة وأن نتعاهد جيراننا
بالافضال والعطية وأن نخلص أموالنا من الشبهات والتبعات وأن نطهرها
باخراج الزكاة وأن نراجع من هاجرنا وأن ننصف من ظلمنا وان نسالم من
عادانا حاشا من عودي فيك ولك فإنه العدو الذي لا نواليه والحزب الذي لا
نصافيه وان نتقرب إليك فيه من الأعمال الزاكية بما تطهرنا به من الذنوب
وتعصمنا فيه مما نستأنف من العيوب حتى لا يورد عليك أحد من ملائكتك الا
دون ما نورد من أبواب الطاعة لك وأنواع القربة إليك.
من دعائه ع في وداع شهر رمضان
اللهم يا من لا يرغب في الجزاء ويا من لا يندم على العطاء ويا من لا
يكافئ عبده على السواء منتك ابتداء وعفوك تفضل وعقوبتك عدل ان
أعطيت لم تشب عطاءك بمن وان منعت لم يكن منعك تعديا تشكر من
شكرك وأنت ألهمته شكرك وتكافئ من حمدك وأنت علمته حمدك تستر على
من لو شئت فضحته وتجود على من لو شئت منعته وكلاهما أهل منك
للفضيحة والمنع غير انك بنيت أفعالك على التفضل وأجريت قدرتك على
التجاوز وتلقيت من عصاك بالحلم وأمهلت من قصد لنفسه بالظلم، أنت الذي
فتحت لعبادك بابا إلى عفوك وسميته التوبة وجعلت على ذلك الباب دليلا
من وحيك لئلا يضلوا عنه فقلت تبارك اسمك توبوا إلى الله توبة نصوحا
عسى ربكم ان يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها
الأنهار يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعي بين أيديهم
وبايمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا انك على كل شئ قدير فما
عذر من أغفل دخول ذلك المنزل بعد فتح الباب وإقامة الدليل عليه وأنت
الذي زدت في السوم على نفسك لعبادك فقلت تبارك اسمك و تعاليت من جاء
بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى الا مثلها و قلت مثل
الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل
سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء وقلت من ذا الذي يقرض الله قرضا
حسنا فيضاعفه له اضعافا كثيرة وما أنزلت من نظائرهن في القرآن من
تضاعيف الحسنات اللهم وأنت جعلت من صفايا تلك الوظائف وخصائص
تلك الفروض شهر رمضان الذي اختصصته من سائر الأيام والشهور وتخيرته
من جميع الأزمنة والدهور وآثرته على كل أوقات السنة بما أنزلت فيه من
القرآن والنور وضاعفت فيه من الايمان وفرضت فيه من الصيام ورغبت فيه
من القيام وأجللت فيه من ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر ثم آثرتنا
به على سائر الأمم واصطفيتنا بفضله دون أهل الملل فصمنا بامرك نهاره
وقمنا بعونك ليله متعرضين بصيامه وقيامه لما عرضتنا له من رحمتك وقد أقام فينا
هذا الشهر مقام حمد وصحبنا صحبة مبرور ثم قد فارقنا عند تمام وقته وانقطاع
مدته ووفاء عدده فنحن مودعوه وداع من عز فراقه علينا وغمنا وأوحشنا
انصرافه عنا ولزمنا له الذمام المحفوظ والحرمة المرعية والحق المقضي فنحن
قائلون السلام عليك يا شهر الله الأكبر ويا عيد أوليائه الأعظم السلام
عليك يا أكرم مصحوب من الأوقات ويا خير شهر في الأيام والساعات
السلام عليك من شهر قربت فيه الآمال ونشرت فيه الأعمال وزكيت فيه
الأموال السلام عليك من قرين جل قدره موجودا وأفجع فقده مفقودا
ومرجو آلم فراقه السلام عليك من مجاور رقت فيه القلوب وقلت فيه الذنوب
السلام عليك من ناصر أعان على الشيطان وصاحب سهل سبل الاحسان
السلام عليك ما أكثر عتقاء الله فيك وما أسعد من رعى حرمتك بك
السلام عليك ما كان أمحاك الذنوب وأسترك لأنواع العيوب السلام عليك
من شهر لا تنافسه الأيام السلام عليك من شهر هو من كل أمر سلام
السلام عليك غير كريه المصاحبة ولا ذميم الملابسة السلام عليك كما وفدت
علينا بالبركات وغسلت عنا دنس الخطيئات السلام عليك غير مودع برما
ولا متروك صيامه ساما السلام عليك من مطلوب قبل وقته ومحزون عليه
قبل فوته السلام عليك كم من سوء صرف بك عنا وكم من خير أفيض بك
علينا السلام عليك وعلى ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر السلام
عليك ما كان أحرصنا بالأمس عليك وأشد شوقنا غدا إليك السلام عليك
وعلى فضلك الذي حرمناه وعلى ماض من بركاتك سلبناه اللهم صل على
محمد وآله واجبر مصيبتنا بشهرنا وبارك لنا في يوم عيدنا وفطرنا وأجعله من
خير يوم مر علينا أجلبه لعفو وأمحاه لذنب واغفر لنا ما خفي من ذنوبنا وما
علن اللهم انا نتوب إليك في يوم فطرنا الذي جعلته للمؤمنين عيدا وسرورا
ولأهل ملتك مجمعا ومحتشدا من كل ذنب أذنبناه أو سوء أسلفناه أو خاطر
شر أضمرناه توبة من لا ينطوي على رجوع إلى ذنب ولا يعود بعدها في
خطيئة توبة خصوصا خلصت من الشك والارتياب فتقبلها منا وارض عنا
وثبتنا عليها.
من دعائه ع في مكارم الأخلاق
اللهم صل على محمد وآل محمد واكفني ما يشغلني الاهتمام به
واستعملني بما تسألني غدا عنه واستفرع أيامي فيما خلقتني له وأغنني وأوسع
علي في رزقك ولا تفتني بالبطر وأعزني ولا تبتلني بالكبر وعبدني لك ولا
تفسد عبادتي بالعجب واجر للناس على يدي الخير ولا تمحقه بالمن وهب لي
معالي الأخلاق واعصمني من الفخر اللهم صل على محمد وآله ولا ترفعني
في الناس درجة الا حططتني عند نفسي مثلها ولا تحدث لي عزا ظاهرا الا
أحدثت له ذلة باطنة عند نفسي بقدرها اللهم لا تدع خصلة تعاب مني الا
أصلحتها ولا عائبة أؤنب بها الا أحسنتها ولا أكرومة في ناقصة الا أتممتها
اللهم صل على محمد وآل محمد واجعل لي يدا على من ظلمني ولسانا على
من خاصمني وظفرا بمن عاندني وهب لي مكرا على من كايدني وقدرة على
من اضطهدني وسلامة ممن توعدني ووفقني لطاعة من سددني ومتابعة من
(٦٤٧)

ارشدني اللهم صل على محمد وآل محمد وسددني لأن أعارض من غشني
بالنصح واجزي من هجرني بالبر وأثيب من حرمني بالبذل وأكافي من قطعني
بالصلة وأخالف من اغتابني إلى حسن الذكر وان أشكر الحسنة وأغضي عن
السيئة اللهم صل على محمد وآله وحلني بحلية الصالحين وألبسني زينة
المتقين في بسط العدل وكظم الغيظ واطفاء النائرة وضم أهل الفرقة واصلاح
ذات البين وإفشاء العارفة وستر العائبة ولين العريكة وخفض الجناح وحسن
السيرة وسكون الريح وطيب المخالقة والسبق إلى الفضيلة وإيثار التفضل
وترك التعيير والافضال على غير المستحق والقول بالحق وان عز واستقلال
الخير وان كثر من قولي وفعلي واستكثار الشر وإن قل من قولي وفعلي وأكمل
ذلك لي بدوام الطاعة ولزوم الجماعة ورفض أهل البدع ومستعملي الرأي
المخترع اللهم صل على محمد وآل محمد واجعلني أصول بك عند الضرورة
وأسألك عند الحاجة وأتضرع إليك عند المسكنة ولا تفتني بالاستعانة بغيرك
إذا اضطررت ولا بالخضوع لسؤال غيرك إذا افتقرت فاستحق بذلك
خذلانك ومنعك واعراضك يا ارحم الراحمين اللهم اجعل ما يلقي الشيطان
في روعي من التمني والتظني والحسد ذكرا لعظمتك وتفكرا في قدرتك
وتدبيرا على عدوك وما أجرى على لساني من لفظة فحش أو هجر أو شتم
عرض أو شهادة باطل أو اغتياب مؤمن غائب أو سب حاضر وما أشبه ذلك
نطقا بالحمد لك وإغراقا في الثناء عليك وذهابا في تمجيدك وشكرا لنعمتك
واعترافا باحسانك واحصاء لمنتك اللهم صل على محمد وآله ولا أظلمن
وأنت مطيق للدفع عني ولا أظلمن وأنت القادر على القبض مني ولا أضلن
وقد أمكنتك هدايتي ولا افتقرن ومن عندك وسعي ولا أطغين ومن عندك
وجدي اللهم وأنطقني بالهدى وألهمني التقوى ووفقني للتي هي أزكى
واستعملني بما هو ارضى اللهم اسلك بي الطريقة المثلى واجعلني على ملتك
أموت وأحيا اللهم صل على محمد وآله ومتعني بالاقتصاد واجعلني من أهل
السداد ومن أدلة الرشاد ومن صالحي العباد وارزقني فوز المعاد وسلامة
المرصاد اللهم صل على محمد وآله وامنعني من السرف وحصن رزقي من
التلف وأصب بي سبيل الهداية للبر فيما أنفق منه اللهم صل على محمد وآله
وصن وجهي باليسار ولا تبتذل جاهي بالاقتار فاسترزق أهل رزقك
واستعطي شرار خلقك فافتتن بحمد من أعطاني وابتلي بذم من منعني وأنت
من دونهم ولي الاعطاء والمنع اللهم صل على محمد وآله وارزقني صحة في
عبادة وفراغا في زهادة وعلما في استعمال وورعا في إجمال.
دعاؤه ع في الاستعاذة من المكاره
وسئ الأخلاق ومذام الافعال
اللهم إني أعوذ بك من هيجان الحرص وسورة الغضب وغلبة
الحسد ضعف الصبر وقلة القناعة وشكاسة الخلق والحاح الشهوة وملكة
الحمية متابعة الهوى وسنة الغفلة وتعاطي الكلفة وايثار الباطل على الحق
والإصرار على المآثم واستصغار المعصية واستكبار الطاعة ومباهاة المكثرين
والإزراء بالمقلين وسوء الولاية لمن تحت أيدينا وترك الشكر لمن اصطنع
العارفة عندنا وان نعضد ظالما أو نخذل ملهوفا أو نروم ما ليس لنا بحق أو
نقول في العلم بغير علم ونعوذ بك ان ننطوي على غش أحد وان نعجب
بأعمالنا ونعوذ بك من سوء السريرة واحتقار الصغيرة وان يستحوذ علينا
الشيطان أو ينكبنا الزمان أو يتهضمنا السلطان ونعوذ بك من تناول
الاسراف ومن فقدان الكفاف ونعوذ بك من شماتة الأعداء ومن الفقر إلى
الأكفاء ومن معيشة في شدة وميتة على غير عدة ونعوذ بك من الحسرة
العظمى والمصيبة الكبرى وأشقى الشقاء وسوء المآب وحرمان الثواب
وحلول العقاب اللهم صل على محمد وآله وأعذني من كل ذلك برحمتك
وجميع المؤمنين والمؤمنات يا أرحم الراحمين.
من دعائه ع في طلب التوبة
اللهم يا من لا يصفه نعت الواصفين ويا من لا يجاوزه رجاء
الراجين هذا مقام من تداولته أيدي الذنوب وقادته أزمة الخطايا حتى إذا
انفتح له بصر الهدى وتقشعت عنه سحائب العمى فرأى كبير عصيانه كبيرا
وجليل مخالفته جليلا فامك بطمعه يقينا وقصدك بخوفه اخلاصا واستغاث
بك من عظيم ما وقع به في علمك من ذنوب أدبرت لذاتها فذهبت وأقامت
تبعاتها فلزمت لا ينكر يا إلهي عدلك ان عاقبته ولا يستعظم عفوك ان
عفوت عنه ورحمته فها انا ذا قد جئتك مطيعا لأمرك فيما أمرت به من الدعاء
متنجزا وعدك فيما وعدت به من الإجابة إذ تقول ادعوني استجب لكم اللهم إني
أتوب إليك في مقامي هذا من كبائر ذنوبي و صغائرها وبواطن سيئاتي
وظواهرها وسوالف زلاتي وحوادثها توبة من لا يحدث نفسه بمعصية ولا
يضمر ان يعود بعدها في خطيئة وقد قلت يا إلهي في محكم كتابك انك تقبل
التوبة عن عبادك وتعفو عن السيئات وتحب التوابين فاقبل توبتي كما وعدت
واعف عن سيئاتي كما ضمنت وأوجب لي محبتك كما شرطت ولك يا رب
شرطي ان لا أعود في مكروهك وضماني ان لا ارجع في مذمومك وعهدي
ان اهجر جميع معاصيك اللهم وانه لا وفاء لي بالتوبة الا بعصمتك ولا
استمساك بي عن الخطايا الا عن قوتك فقوني بقوة كافية وتولني بعصمة
مانعة اللهم وأيما عبد من عبادك تاب إليك وهو في علم الغيب عندك فاسخ
لتوبته وعائد في ذنبه وخطيئته فاني أعوذ بك أن أكون كذلك فاجعل توبتي
هذه توبة موجبة لمحو ما سلف والسلامة فيما بقي اللهم واني أتوب إليك من
كل ما خالف ارادتك أو زال عن محبتك من خطرات قلبي ولحظات عيني
وحكايات لساني نوبة تسلم بها من كل جارحة على حيالها من تبعاتك وتأمن
مما يخاف المعتدون من اليم سطواتك اللهم ان يكن الندم توبة إليك فانا
اندم النادمين وان يكن الترك لمعصيتك إنابة فانا أول المنيبين وان يكن
الاستغفار حطة للذنوب فاني لك من المستغفرين.
منتخبات من غير الصحيفة الكاملة
من دعاء السحر الطويل في شهر رمضان
إلهي لا تؤدبني بعقوبتك ولا تمكر بي في حيلتك من أين لي الخير يا رب
ولا يوجد الا من عندك ومن أين لي النجاة ولا تستطاع الا بك لا
الذي أحسن استغنى عن عونك ورحمتك ولا الذي أساء واجترأ عليك ولم
برضك خرج عن قدرتك بك عرفتك وأنت دللتني عليك ودعوتني إليك ولولا
أنت لم أدر ما أنت الحمد لله الذي أدعوه فيجيبني وان كنت بطيئا حين
يدعوني والحمد لله الذي أسأله فيعطيني وان كنت بخيلا حين يستقرضني
والحمد لله الذي أناديه كلما شئت لحاجتي واخلو به حيث شئت لسري بغير
شفيع فيقضي لي حاجتي والحمد لله الذي أدعوه ولا أدعو غيره ولو دعوت
غيره لم يستجب لي دعائي والحمد لله الذي ارجوه ولا أرجو غيره ولو رجوت
غيره لأخلف رجائي والحمد لله الذي وكلني إليه فاكرمني ولم يكلني إلى
الناس فيهينوني والحمد لله الذي تحبب إلي وهو غني عني والحمد لله الذي
(٦٤٨)

يحلم عني حتى كأني لا ذنب لي فربي احمد شئ عندي وأحق بحمدي أي رب
جللني بسترك واعف عن توبيخي بكرم وجهك فلو اطلع اليوم على ذنبي
غيرك ما فعلته ولو خفت تعجيل العقوبة لاجتنبته لا لأنك أهون الناظرين
إلي واخف المطلعين علي بل لأنك يا رب خير الساترين واحكم الحاكمين
وأكرم الأكرمين يا حليم يا كريم يا حي يا قيوم يا غافر الذنب يا قابل
التوب يا عظيم المن يا قديم الاحسان أين سترك الجميل أين عفوك الجليل
أين فرجك القريب أين غياثك السريع أين رحمتك الواسعة أين عطاياك
الفاضلة أين مواهبك الهنيئة أين صنائعك السنية أين فضلك العظيم أين
منك الجسيم أين احسانك القويم أين كرمك يا كريم لسنا نتكل في النجاة
من عقابك على أعمالنا بل بفضلك علينا لأنك أهل التقوى وأهل المغفرة
تبتدئ بالاحسان نعما وتعفو عن الذنب كرما فما ندري ما نشكر أ جميل ما
تنشر أم قبيح ما تستر أم عظيم ما أبليت وأوليت أم كثير ما منه نجيت
وعافيت وأي جهل يا رب لا يسعه جودك وأي زمان أطول من أناتك
فوعزتك يا سيدي لو انتهرتني ما برحت عن بابك ولا كففت عن تملقك لما
انتهى إلي من المعرفة بجودك وكرمك يا غفار بنورك اهتدينا وبفضلك
استغنينا وبنعمتك أصبحنا وأمسينا ذنوبنا بين يديك نستغفرك اللهم منها
ونتوب إليك تتحبب إلينا بالنعم ونعارضك بالذنوب خيرك إلينا نازل وشرنا
إليك صاعد ولم يزل ولا يزال ملك كريم يأتيك عنا بعمل قبيح فلا يمنعك
ذلك من أن تحوطنا بنعمتك وتفضل علينا بآلائك فسبحانك ما أحلمك
وأعظمك وأكرمك مبدئا ومعيدا سيدي أنا الصغير الذي ربيته وأنا الجاهل
الذي علمته وأنا الضال الذي هديته وأنا الوضيع الذي رفعته وأنا الخائف
الذي آمنته وأنا الجائع الذي أشبعته وأنا العطشان الذي أرويته وأنا العاري
الذي كسوته وأنا الفقير الذي أغنيته وأنا الضعيف الذي قويته وأنا الذليل
الذي أعززته وأنا السقيم الذي شفيته وأنا السائل الذي أعطيته وأنا المذنب
الذي سترته وأنا الخاطئ الذي أقلته وأنا القليل الذي كثرته وأنا
المستضعف الذي نصرته وأنا الطريد الذي آويته أنا يا رب الذي لم أستحيك
في الخلاء ولم أراقبك في الملأ أنا صاحب الدواهي العظمى أنا الذي على
سيده اجترأ أنا الذي عصيت جبار السماء أنا الذي أمهلتني فما ارعويت
وسترت علي فما استحييت وعملت بالمعاصي فتعديت وأسقطتني من عينك
فما باليت فبحلمك أمهلتني وبسترك سترتني حتى كأنك استحييتني إلهي لم
أعصك حين عصيتك وانا لربوبيتك جاحد ولا بامرك مستخفف ولا لعقوبتك
متعرض ولا بوعيدك متهاون ولكن خطيئة عرضت وسولت لي نفسي وغلبني
هواي وأعانني عليها شقوتي وغرني سترك المرخى علي اللهم بذمة الاسلام
أتوسل إليك وبحرمة القرآن اعتمد عليك وبحبي النبي الأمي القرشي
الهاشمي العربي التهامي المكي المدني أرجو الزلفة لديك فلا توحش
استئناس ايماني ولا تجعل ثوابي ثواب من عبد سواك فان قوما آمنوا بألسنتهم
ليحقنوا به دماءهم فادركوا ما أملوا وإنا آمنا بك بألسنتنا وقلوبنا لتعفو عنا
فأدركنا ما أملنا وثبت رجاءك في صدورنا ولا تزع قلوبنا بعد إذ هديتنا
وهب لنا من لدنك رحمة انك أنت الوهاب فوعزتك لو انتهرتني ما برحت
عن بابك ولا كففت عن تملقك لما ألهم قلبي من المعرفة بكرمك وسعة رحمتك
إلى من يذهب العبد إلا إلى مولاه وإلى من يلتجئ المخلوق إلا إلى خالقه
إلهي لو قرنتني بالأصفاد ومنعتني سيبك من بين الاشهاد ودللت على
فضائحي عيون العباد وأمرت بي إلى النار وحلت بيني وبين الأبرار ما قطعت
رجائي منك ولا صرفت وجه تأميلي للعفو عنك ولا خرج حبك من قلبي أنا
لا انسى أياديك عندي وسترك علي في دار الدنيا فمن يكون أسوأ حالا مني
إن أنا نقلت على مثل حالي إلى قبري ولم أمهده لرقدتي ولم أفرشه بالعمل
الصالح لضجعتي وما لي لا أبكي ولا أدري إلى ما يكون مصيري وأرى
نفسي تخادعني وأيامي تخاتلني وقد خفقت عند رأس أجنحة الموت فما لي لا
أبكي أبكي لخروج نفسي أبكي لحلول رمسي أبكي لظلمة قبري لضيق
لحدي أبكي لسؤال منكر ونكير إياي أبكي لخروجي من قبري عريانا ذليلا
حاملا ثقلي على ظهري أنظر مرة عن يميني ومرة عن شمالي إذ الخلائق في
شأن غير شاني لكل امرء منهم يومئذ شأن يغنيه وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة
مستبشرة ووجوه يومئذ عليها غبرة ترهقها فترة وذلة إلهي ارحمني إذا انقطعت
حجتي وكل عن جوابك لساني وطاش عند سؤالك إياك لبي إلهي ان عفوت
فمن أولى منك بالعفو وان عذبت فمن أعدل منك في الحكم أرحم في هذه
الدنيا غربتي وعند الموت كربتي وفي القبر وحدتي وفي اللحد وحشتي وإذا
نشرت للحساب بين يديك ذل موقفي وارحمني صريعا على الفراش تقلبني
أيدي أحبتي وتفضل علي ممدودا على المغتسل يغسلني صالح جيرتي وتحنن
علي محمولا قد تناول الأقرباء أطراف جنازتي وجد علي منقولا قد نزلت بك
وحيدا في حفرتي وارحم في ذلك البيت الجديد غربتي إلهي أنت الذي
تفيض سيبك عللك من لا يسألك وعلى الجاحدين بربوبيتك فكيف سيدي
بمن سالك وأيقن أن الخلق لك والأمر إليك إلهي أنت الذي لا يحفيك سائل
ولا ينقصك نائل أنت كما تقول وفوق ما نقول اللهم إني أسألك صبرا جميلا
وفرجا قريبا وقولا صادقا وأجرا عظيما أسألك يا رب يا من الخير كله ما
علمت منه وما لم أعلم اعطني سؤالي في نفسي وأهلي ووالدي وولدي وأهل
حزانتي وإخواني فيك وارغد عيشي وأظهر مروءتي وأصلح جميع أحوالي
واجعلني ممن أطلت عمره وحسنت عمله وأتممت نعمتك عليه ورضيت عنه
وأحييته حياة طيبة في أدوم السرور واسبغ الكرامة وأتم العيش انك تفعل ما
تشاء ولا يفعل ما يشاء غيرك ولا تجعل شيئا مما أتقرب به إليك في آناء الليل
واطراف النهار رثاء ولا سمعة ولا شرا ولا بطرا واجعلني لك من الخاشعين
اللهم اعطني السعة في الرزق والأمن في الوطن وقرة العين في الأهل والمال
والولد والمقام في نعمك عندي والصحة في الجسم والقوة في البدن والسلامة
في الدين إلهي وسيدي وعزتك وجلالك لئن طالبتني بذنوبي لأطالبنك
بعفوك ولئن طالبتني بجرمي لأطالبنك بكرمك ولئن أدخلتني النار لأخبرن
أهل النار بحبي لك إلهي وسيدي ان كنت لا تغفر إلا لأوليائك وأهل
طاعتك فإلى من يفزع المذنبون وإن كنت لا تكرم إلا أهل الوفاء بك فبمن
يستغيث المسيئون إلهي ان أدخلتني النار ففي فلك سرور عدوك وان
أدخلتني الجنة ففي ذلك سرور نبيك وانا والله أعلم ان سرور نبيك أحب
إليك من سرور عدوك اللهم اعطني بصيرة في دينك وفهما في حكمك وفقها
في علمك وورعا يحجزني عن معصيتك وبيض وجهي واجعل رغبتي فيما
عندك اللهم إني أعوذ بك من الكسل والفشل والهم والجبن والبخل والغفلة
والقسوة والذلة والمسكنة والفقر والفاقة وكل بلية والفواحش ما ظهر منها وما
بطن وأعوذ بك من نفس لا تقنع وبطن لا يشبع وقلب لا يخشع ودعاء لا
يسمع وعمل لا ينفع وصلاة لا ترفع اللهم انك أنزلت في كتابك العفو
وامرتنا ان نعفو عمن ظلمنا وقد ظلمنا أنفسنا فاعف عنا فإنك أولى بذلك
منا وامرتنا ان لا نرد سائلا فلا تردني الا بقضاء حاجتي وامرتنا بالاحسان إلى
ما ملكت ايماننا ونحن ارقاؤك فأعتق رقابنا من النار.
وفي حلية الأولياء: كان يقول: اللهم إني أعوذ بك أن تحسن في
(٦٤٩)

لوائع العيون علانيتي، وتقبح في خفيات العيون سريرتي، اللهم كما أسأت
وأحسنت إلي فإذا عدت فعد علي.
وفي الارشاد بسنده عن عبد الله بن محمد التميمي قال سمعت شيخا
من عبد القيس يقول قال طاوس دخلت الحجر في الليل فإذا علي بن الحسين
ع قد دخل فقام يصلي ما شاء الله ثم سجد فقلت رجل صالح
من أهل البيت لأستمعن إلى دعائه فسمعته يقول في سجوده: عبيدك
بفنائك مسكينك بفنائك فقيرك بفنائك سائلك بفنائك. قال طاوس فما
دعوت بهن في كرب الا فرج عني.
ما أثر عنه من الشعر
فمنه قوله: - نحن بنو المصطفى ذوو غصص * يجرعها في الأنام كاظمنا -
- عظيمة في الأنام محنتنا * أولنا مبتلى وآخرنا -
- يفرح هذا الورى بعيدهم * ونحن أعيادنا مأتمنا -
- والناس في الأمن والسرور وما * يامن طول الزمان خائفنا -
- وما خصصنا به من الشرف الطائل * بين الأنام آفتنا -
- يحكم فينا والحكم فيه لنا * جاحدنا حقنا وغاصبنا -
ونسب إليه ابن شهرآشوب في المناقب قوله:
- لكم ما تدعون بغير حق * إذا ميز الصحاح من المراض -
- عرفتم حقنا فجحدتمونا * كما عرف السواد من البياض -
- كتاب الله شاهدنا عليكم * وقاضينا الاله فنعم قاض -
٧: أبو جعفر محمد الباقر
ابن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ع
خامس أئمة أهل البيت الطاهر ص
مولده ووفاته ومدة عمره ومدفنه
ولد بالمدينة يوم الجمعة أو الثلاثاء أو الاثنين غرة رجب أو ثالث
صفر سنة ٥٧ من الهجرة وقيل ٥٦.
وتوفي بالمدينة يوم الاثنين سابع ذي الحجة أو في ربيع الأول أو الآخر
سنة ١١٤ وعمره ٥٧ سنة منها مع جده الحسين أربع سنين ومع أبيه بعد جده
الحسين ٣٥ سنة وبعد أبيه ١٨ سنة وفي رواية الكافي عن الصادق ع
١٩ سنة وشهران وهي مدة إمامته وهي بقية ملك الوليد بن عبد الملك
وسليمان بن عبد الملك وعمر بن عبد العزيز ويزيد بن عبد الملك وتوفي في
ملك هشام بن عبد الملك كذا في إعلام الورى وهو الصواب لما ستعرف وفي
مناقب ابن شهرآشوب قبض سنة ١١٤ وله ٥٧ سنة وأقام مع جده الحسين
ثلاث سنين أو أربع سنين ومع أبيه ٣٤ سنة وعشرة أشهر أو ٣٩ سنة وبعد
أبيه ١٩ سنة وقيل ١٨ وذلك أيام إمامته وكان في سني إمامته ملك الوليد بن
يزيد وسليمان وعمر بن عبد العزيز ويزيد بن عبد الملك وهشام أخيه
والوليد بن يزيد وإبراهيم أخيه وفي أول ملك إبراهيم قبض وقال أبو جعفر
ابن بابويه سمه إبراهيم بن الوليد بن يزيد اه هكذا في نسختين وفيه
من سهو القلم منه أو من النساخ أو منهما ما لا يخفى فالوليد بن يزيد واحد
وهو المذكور أخيرا والمذكور أولا صوابه الوليد بن عبد الملك وقوله
والوليد بن يزيد الخ صوابه الوليد بن يزيد بن عبد الملك ويزيد بن الوليد بن
عبد الملك وإبراهيم أخيه ثم أن هشاما توفي سنة ١٢٥ وإبراهيم ولي وقتل سنة
١٢٧ فإذا كان الباقر ع قبض سنة ١١٤ كما ذكره هو فوفاته في ملك هشام
لا إبراهيم. وفي كشف الغمة قال محمد بن عمرو اما في روايتنا فإنه مات سنة
١١٧ وقال غيره سنة ١١٨ اه.
ودفن بالبقيع مع أبيه علي بن الحسين وعمه الحسن بن علي عليهم
السلام.
امه
وامه فاطمة بنت الحسن بن علي ع وتكنى أم عبد الله
وقيل أم الحسن وهو هاشمي من هاشميين علوي من علويين فاطمي من
فاطميين لأنه أول من اجتمعت له ولادة الحسن والحسين ع.
كنيته
أبو جعفر ويقال أبو جعفر الأول.
لقبه
له ألقاب كثيرة أشهرها الباقر أو باقر العلم.
سبب تلقيبه بالباقر
في الفصول المهمة: لقب به لبقره العلم وهو تفجره وتوسعه اه
وفي الصحاح: التبقر التوسع في العلم اه وفي القاموس: الباقر محمد
ابن علي بن الحسين لتبحره في العلم اه وفي لسان العرب: لقب به لأنه
بقر العلم وعرف أصله واستنبط فرعه وتوسع فيه والتبقر التوسع اه وفي
صواعق ابن حجر: سمي بذلك من بقر الأرض اي شقها واثار مخبأتها
ومكامنها فكذلك هو أظهر من مخبات كنوز المعارف وحقائق الاحكام
والحكم واللطائف ما لا يخفى الا على منطمس البصيرة أو فاسد الطوية
والسريرة ومن ثم قيل فيه هو باقر العلم وجامعه وشاهر علمه ورافعه
الخ. وفي تذكرة الخواص: انما سمي الباقر من كثرة سجوده بقر السجود
جبهته اي فتحها ووسعها وقيل لغزارة علمه ثم نقل كلام الصحاح.
وروى الصدوق في علل الشرائع بسنده عن عمرو بن شمر سالت
جابر الجعفي فقلت له لم سمي الباقر باقرا؟ قال لأنه بقر العلم بقرا اي شقه شقا
وأظهره إظهارا. وفي مناقب ابن شهرآشوب: يقال لم يظهر عن أحد من
ولد الحسن والحسين ع من العلوم ما ظهر منه من التفسير
والكلام والفتيا والاحكام والحلال والحرام قال محمد بن مسلم سألته عن
ثلاثين ألف حديث.
نقش خاتمه
روى الصدوق في العيون والأمالي بسنده عن الرضا ع كان نقش
خاتم الحسين ع ان الله بالغ امره وكان علي بن الحسين يتختم بخاتم أبيه
الحسين وكان محمد بن علي يتختم بخاتم الحسين الخبر. وفي الفصول
المهمة: نقش خاتمه رب لا تذرني فردا قال ونقل الثعلبي في تفسيره ان
الباقر نقش على خاتمه هذه الكلمات:
- ظني بالله حسن * وبالنبي المؤتمن -
(٦٥٠)

- وبالوصي ذي المنن * وبالحسين والحسن -
ورواه في العيون بسنده عن الرضا عن أبيه عن جعفر بن محمد ع
مثله. وروى الشيخ في التهذيب بسنده عن الصادق ع كان
نقش خاتم أبي: العزة لله جميعا. وفي حلية الأولياء بسنده عن الصادق ع
كان في خاتم أبي: القوة لله جميعا. وفي الكافي بسنده عن يونس بن
ظبيان وحفص بن غياث كان في خاتم أبي جعفر محمد بن علي وكان خير
محمدي رايته: العزة لله. وفي مكارم الأخلاق من كتاب اللباس عن أبي
عبد الله ع كان نقش خاتم أبي جعفر ع. العزة لله. ولعله كان له
عدة خواتيم على كل منها نقش غير ما على الآخر.
شاعره كثير عزة والكميت واخوه الورد والسيد الحميري.
بوابه جابر الجعفي.
ملوك عصره
الوليد بن عبد الملك وسليمان بن عبد الملك وعمر بن عبد العزيز
ويزيد بن عبد الملك وهشام بن عبد الملك وزاد بعضهم الوليد بن يزيد بن
عبد الملك ويزيد بن الوليد بن عبد الملك وإبراهيم بن الوليد بن عبد
الملك.
أولاده
قال المفيد في الارشاد: ولد أبي جعفر سبعة أنفس أبو عبد الله
جعفر بن محمد وكان به يكنى وعبد الله بن محمد أمهما أم فروة بنت القاسم
ابن محمد بن أبي بكر وإبراهيم وعبيد الله درجا (١)، أمهما أم حكيم بنت
أسد بن المغيرة الثقفية وعلي وزينب لام ولد وأم سلمة لأم ولد اه وقيل إن
زينب هي أم سلمة حكاه في إعلام الورى وقال ابن شهرآشوب في
المناقب أولاده سبعة وعدهم كالارشاد الا أنه قال وعبد الله الأفطح ثم قال
درجوا كلهم الا أولاد الصادق ع.
صفته في خلقه ولباسه
في مناقب ابن شهرآشوب: كان ربع القامة رقيق البشرة جعد الشعر
أسمر له خال على خده وخال احمر على جسده ضامر الكشح حسن الصوت
مطرق الرأس. وفي الفصول المهمة أسمر معتدل.
صفته في أخلاقه واطواره
ننقلها من كلمات العلماء ومضامين الاخبار الآتية وان لزم بعض
التكرار.
قال ابن شهرآشوب في المناقب: كان أصدق الناس لهجة وأحسنهم
بهجة وأبذلهم مهجة اه وكان أقل أهل بيته مالا وأعظمهم مؤونة وكان
يتصدق كل جمعة بدينار وكان يقول الصدقة يوم الجمعة تضاعف لفضل يوم
الجمعة على غيره من الأيام وكان إذا أحزنه أمر جمع النساء والصبيان ثم دعا
فامنوا. وكان كثير الذكر كان يمشي وانه ليذكر الله ويأكل الطعام وأنه ليذكر
الله ولقد كان يحدث القوم وما يشغله ذلك عن ذكر الله وكان يجمع ولده
فيأمرهم بالذكر حتى تطلع الشمس ويأمر بالقراءة من كان يقرأ منهم ومن كان
لا يقرأ منهم امره بالذكر، ويأتي قول المفيد: وكان ظاهر الجود في الخاصة والعامة
مشهور الكرم في الكافة معروفا بالتفضل والاحسان مع كثرة عياله وتوسط حاله
ويأتي عن سليمان بن دمدم انه ع كان يجيز بالخمسمائة درهم إلى
الستمائة إلى الألف وكان لا يمل من صلة اخوانه وقاصديه ومؤمليه
وراجيه. وكان إذا ضحك قال اللهم لا تمقتني. وقال الآبي في كتاب نثر
الدرر: كان إذا رأى مبتلى اخفى الاستعاذة وكان لا يسمع من داره يا سائل
بورك فيك ولا يا سائل خذ هذا وكان يقول سموهم بأحسن أسمائهم.
مناقبه وفضائله
أحدها العلم: في كشف الغمة عن الحافظ عبد العزيز بن
الأخضر الجنابذي في كتابه معالم العترة الطاهرة عن الحكم بن عتيبة في قوله
تعالى ان في ذلك لآيات للمتوسمين قال كان والله محمد بن علي منهم ويأتي
قول أبي زرعة لعمري ان أبا جعفر لمن أكبر العلماء. وعن أبي نعيم في الحلية
انه سال رجل ابن عمر عن مسالة فلم يدر ما يجيبه فقال اذهب إلى ذلك
الغلام فسله وأعلمني بما يجيبك وأشار إلى الباقر ع فسأله فاجابه
فأخبر ابن عمر فقال إنهم أهل بيت مفهمون.
وفي حلية الأولياء: حدثنا محمد بن أحمد بن الحسين حدثنا محمد بن
عثمان بن أبي شيبة حدثنا إبراهيم بن محمد بن أبي ميمون حدثنا أبو مالك
الجهني عن عبد الله بن عطاء ما رأيت العلماء عند أحد أصغر علما منهم عند
أبي جعفر لقد رأيت الحكم عنده كأنه متعلم. وفي ارشاد المفيد: اخبرني
الشريف أبو محمد الحسن بن محمد حدثني جدي حدثنا محمد بن القاسم
لشيباني حدثنا عبد الرحمن بن صالح الأزدي عن أبي مالك الجهني عن
عبد الله بن عطاء المكي ما رأيت العلماء عند أحد قط أصغر منهم عند أبي
جعفر محمد بن علي بن الحسين ولقد رأيت الحكم بن عتيبة (٢) مع جلالته في
القوم بين يديه كأنه صبي بين يدي معلمه. وفي تذكرة الخواص لسبط ابن
الجوزي قال عطاء ما رأيت العلماء عند أحد أصغر علما منهم عند أبي جعفر
لقد رأيت الحكم عنده كأنه عصفور مغلوب. قال يعني بالحكم: الحكم بن
عتيبة وكان عالما نبيلا جليلا في زمانه اه وقد روى ذلك عن عطاء كما
سمعت اما أبو نعيم والمفيد فروياه عن عبد الله بن عطاء كما سمعت وكذا
محمد بن طلحة في مطالب السؤول. ويكفي في ذلك تلقيبه بباقر العلم كما
مر، واشتهاره بهذا اللقب بين الخاص والعام في كل عصر وزمان. وفي
مناقب ابن شهرآشوب قال محمد بن مسلم سألته عن ثلاثين ألف حديث،
وروى المفيد في الإختصاص بسنده عن جابر الجعفي: حدثني أبو جعفر
سبعين ألف حديث لم أحدث بها أحدا ابدا. وقال المفيد لم يظهر عن أحد من
ولد الحسن والحسين ع من علم الدين والآثار والسنة وعلم القرآن
والسيرة وفنون الآداب ما ظهر عنه إلى آخر ما ذكره وسيأتي ذكر من اخذ عنه
من عظماء المسلمين من الصحابة والتابعين والفقهاء والمصنفين وغيرهم. وقد
اخذ العلماء عنه واقتدوا به واتبعوا أقواله واستفادوا من فقهه وحججه البينات
في التوحيد والفقه والكلام.
فيما جاء عنه في التوحيد
ما رواه المدائني قال اتى اعرابي أبا جعفر محمد بن علي فقال له هل
رأيت الله حين عبدته قال ما كنت لأعبد شيئا لم أره قال فكيف رأيته؟ قال
لم تره الأبصار مشاهدة العيان ولكن رأته القلوب بحقائق الايمان لا يدرك بالحواس ولا يقاس بالناس معروف بالآيات منعوت بالعلامات لا يجور في

(١) درج الرجل إذا مات ولم يخلف نسلا وفي الفصول المهمة درجا في حياته.
(٢) بالمثناة الفوقية ثم الموحدة مصغرا.
(٦٥١)

قضيته هو الله الذي لا اله الا هو فقال الأعرابي الله اعلم حيث يجعل
رسالته.
ومما جاء عنه في الاحتجاج
احتجاجه على محمد بن المنكدر
من مشاهير زهاد ذلك العصر وعباده
قال المفيد في الارشاد: أخبرني الشريف أبو محمد الحسن بن محمد
حدثني جدي عن يعقوب بن يزيد حدثنا محمد بن أبي عمير عن عبد الرحمن
ابن الحجاج عن أبي عبد الله ع قال إن محمد بن المنكدر كان يقول: ما
كنت ارى ان مثل علي بن الحسين يدع خلفا لفضل علي بن الحسين حتى
رأيت ابنه محمد بن علي فأردت ان أعظه فوعظني، خرجت إلى بعض
نواحي المدينة في ساعة حارة فلقيت محمد بن علي وكان رجلا بدينا وهو
متكئ على غلامين له فقلت في نفسي شيخ من شيوخ قريش في هذه الساعة
على هذه الحال في طلب الدنيا والله لأعظنه فدنوت منه فسلمت عليه فسلم
علي بنهر وقد تصبب عرقا فقلت أصلحك الله شيخ من أشياخ قريش في هذه
الساعة على هذه الحال في طلب الدنيا لو جاء الموت وأنت على هذه الحال،
فخلى عن الغلامين من يده ثم تساند وقال: لو جاءني والله الموت وأنا في
هذه الحال جاءني وانا في طاعة من طاعات الله اكف بها عن نفسي عنك
وعن الناس وانما كنت أخاف الموت لو جاءني وانا على معصية من معاصي
الله، فقلت: يرحمك الله أردت ان أعظك فوعظتني. ورواه الكليني في
الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه ومحمد بن إسماعيل عن الفضل بن
شاذان جميعا عن ابن أبي عمير عن عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله
ع مثله. أقول معنى قوله أردت ان أعظك فوعظتني ان
ابن المنكدر هذا كان من المتصوفة أمثال طاوس اليماني وإبراهيم بن أدهم
وغيرهما وكان يصرف أوقاته في العبادة ويترك الكسب فيكون كلا على الناس
فأراد ان يعظ الباقر ع بأنه لا ينبغي له ان يخرج في مثل ذلك الوقت في
طلب الدنيا فاجابه بان خروجه في طلب المعاش ليكف نفسه عن الناس من
أفضل العبادات، كان في هذا الكلام موعظة لابن المنكدر بأنه مخطئ في
ترك الكسب والقاء كله على الناس واشتغاله بالعبادة فلهذا قال أردت ان
أعظك فوعظتني، ولهذا ورد عن الصادقين ع الامر بالكسب
والنهي عن القاء الكل على الناس، وان من يشتغل بالعبادة ويقوم غيره بنفقته
فالقائم بنفقته عبادته أقوى وأفضل. وروى الإمام الصادق ع عن النبي
ص أنه قال: ملعون ملعون من القى كله على الناس.
واحتجاجه على نافع بن الأزرق من رؤساء الخوارج
واليه تنسب الأزارقة منهم. قال المفيد في الارشاد: وجاءت الاخبار
ان نافع بن الأزرق جاء إلى محمد بن علي فجلس بين يديه يسأله عن
مسائل في الحلال والحرام فقال له أبو جعفر في عرض كلامه: قل لهذه
المارقة بم استحللتم فراق أمير المؤمنين وقد سفكتم دماءكم بين يديه في
طاعته والقربة إلى الله بنصرته فسيقولون لك انه حكم في دين الله فقل لهم
قد حكم الله تعالى في شريعة نبيه ص رجلين من خلقه فقال: فابعثوا
حكما من أهله وحكما من أهلها ان يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما. وحكم
رسول الله ص سعد بن معاذ في بني قريظة فحكم فيهم بما أمضاه الله. أو
ما علمتم أن أمير المؤمنين إنما أمر الحكمين أن يحكما بالقرآن ولا يتعدياه
واشترط رد ما خالف القرآن من أحكام الرجال وقال حين قالوا له حكمت
على نفسك من حكم عليك فقال ما حكمت مخلوقا وإنما حكمت كتاب الله
فأين تجد المارقة تضليل من أمر بالحكم بالقرآن واشترط رد ما خالفه لولا
ارتكابهم في بدعتهم البهتان فقال نافع بن الأزرق هذا والله كلام ما مر
بسمعي قط ولا خطر مني ببال وهو الحق إن شاء الله.
واحتجاجه على عبد الله بن نافع بن الأزرق
من الخوارج
روى الكليني في الكافي بسنده ان عبد الله بن نافع بن الأزرق كان
يقول: لو أني علمت أن بين قطريها أحدا تبلغني إليه المطايا يخصمني ان
عليا قتل أهل لنهروان وهو لهم غير ظالم لرحلت إليه فقيل له ولا ولده فقال
أ في ولده عالم فقيل له هذا أول جهلك وهم يخلون من عالم قال فمن عالمهم
اليوم قيل محمد بن علي بن الحسين بن علي فرحل إليه في صناديد
أصحابه حتى أتى المدينة فاستأذن على أبي جعفر فقيل له هذا عبد الله بن
نافع قال وما يصنع بي وهو يبرأ مني ومن أبي طرفي النهار فقال له أبو بصير
الكوفي جعلت فداك إن هذا يزعم أنه لو علم أن بين قطريها أحدا تبلغه
المطايا إليه يخصمه أن عليا قتل أهل النهروان وهو لهم غير ظالم لرحل إليه،
فقال له أبو جعفر أ تراه جاءني مناظرا؟ قال نعم! قال يا غلام أخرج فحط
رحله وقل له إذا كان الغد فائتنا فلما أصبح عبد الله بن نافع غدا في صناديد
أصحابه وبعث أبو جعفر إلى جميع أبناء المهاجرين والأنصار فجمعهم ثم
خرج إلى الناس واقبل عليهم كأنه فلقة قمر فخطب فحمد الله وأثنى عليه
وصلى على رسوله ص ثم قال: الحمد لله الذي أكرمنا بنبوته واختصنا
بولايته يا معشر أبناء المهاجرين والأنصار من كانت عنده منقبة لعلي بن أبي
طالب فليقم وليتحدث فقام الناس فسردوا تلك المناقب فقال عبد الله أنا
أروي لهذه المناقب من هؤلاء وإنما أحدث علي الكفر بعد تحكيمه الحكمين
حتى انتهوا إلى حديث خيبر لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله
ويحبه الله ورسوله كرارا غير فرار لا يرجع حتى يفتح الله على يديه فقال أبو
جعفر ع ما تقول في هذا الحديث؟ قال هو حق لا شك فيه ولكن
أحدث الكفر بعد، فقال له أبو جعفر ثكلتك أمك اخبرني عن الله عز
وجل أحب علي بن أبي طالب يوم أحبه وهو يعلم أنه يقتل أهل النهروان أم
لم يعلم فان قلت لا كفرت، فقال قد علم، قال فأحبه الله على أن يعمل
بطاعته أو على أن يعمل بمعصيته فقال على أن يعمل بطاعته، فقال له أبو
جعفر فقم مخصوما فقام وهو يقول حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط
الأسود من الفجر الله اعلم حيث يجعل رسالته.
واحتجاجه على قتادة بن دعامة البصري
وقتادة هذا ذكره ابن حجر في تهذيب التهذيب وذكر الثناء عليه في
الحفظ والفقه وغيرهما. روى الكليني في الكافي بسنده عن أبي حمزة
الثمالي: كنت جالسا في مسجد رسول الله ص إذا أقبل رجل فسلم فقال
من أنت عبد الله؟ قلت رجل من أهل الكوفة فما حاجتك؟ قال أ تعرف أبا
جعفر محمد بن علي؟ قلت نعم فما حاجتك إليه إذا كنت تعرف ما بين الحق
والباطل؟ فقال لي يا أهل الكوفة أنتم قوم ما تطاقون إذا رأيت أبا جعفر
فأخبرني فما انقطع كلامه حتى أقبل أبو جعفر وحوله أهل خراسان وغيرهم
(٦٥٢)

يسألونه عن مناسك الحج فمضى حتى جلس مجلسه وجلس الرجل قريبا منه
فجلست حيث اسمع الكلام وحوله عالم من الناس فلما قضى حوائجهم
وانصرفوا التفت إلى الرجل فقال له من أنت؟ قال له انا قتادة بن دعامة
البصري، فقال له أبو جعفر أنت فقيه أهل البصرة؟ قال نعم فقال ويحك
يا قتادة ان الله عز وجل خلق خلقا فجعلهم حججا على خلقه فهم أوتاد
في ارضه قوام أمره نجباء في علمه اصطفاهم قبل خلقه أظلة عن يمين عرشه.
فسكت قتادة طويلا ثم قال: أصلحك الله والله لقد جلست بين يدي
الفقهاء وقدام ابن عباس فما اضطرب قلبي قدام أحد منهم ما اضطرب
قدامك، فقال له أبو جعفر أ تدري أين أنت؟ أنت بين يدي بيوت أذن الله
ان ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم
تجارة ولا بيع عن ذكر الله وأقام الصلاة وايتاء الزكاة فأنت ثم ونحن
أولئك. فقال له قتادة صدقت والله جعلني الله فداك ما هي بيوت حجارة
ولا طين، قال فأخبرني عن الجبن، فتبسم أبو جعفر وقال رجعت مسائلك
إلى هذا، قال ضلت عني، فقال لا باس به فقال أنه ربما جعلت فيه أنفحة
الميت قال ليس بها باس ان الأنفحة ليس لها عروق ولا فيها دم ولا لها عظم
إنما تخرج من بين فرث ودم ثم قال وإنما الأنفحة بمنزلة دجاجة ميتة أخرجت
منها بيضة فهل تأكل تلك البيضة؟ قال قتادة لا ولا آمر باكلها فقال له أبو
جعفر ولم؟ قال لأنها من الميتة فقال له فان حضنت تلك البيضة فخرجت منها
دجاجة أ تأكلها؟ قال نعم قال فما حرم عليك البيضة وأحل لك الدجاجة
ثم قال كذلك الأنفحة مثل البيضة فاشتر الجبن من أسواق المسلمين من أيدي
المصلين ولا تسأل عنه إلا أن يأتيك من يخبرك عنه.
احتجاجه على عبد الله بن معمر الليثي في المتعة
في كشف الغمة عن الآبي في كتاب نثر الدرر أنه قال: روي أن
عبد الله بن معمر الليثي قال لأبي جعفر بلغني انك تفتي في المتعة فقال
أحلها الله في كتابه وسنها رسول الله ص وعمل بها أصحابه فقال عبد الله فقد
نهى عنها عمر قال فأنت على قول صاحبك وأنا على قول رسول الله ص قال
عبد الله فيسرك ان نساءك فعلن ذلك قال أبو جعفر وما ذكر النساء يا أنوك
ان الذي أحلها في كتابه وأباحها لعباده أغير منك وممن نهى عنها تكلفا، بل
ويسرك ان بعض حرمك تحت حائك من حاكة يثرب نكاحا قال لا قال فلم
تحرم ما أحل الله قال لا أحرم ولكن الحائك ما هو لي بكفو قال فان الله
ارتضى عمله ورغب فيه وزوجه حورا أ فترغب عمن رغب الله فيه وتستنكف
ممن هو كفو لحور الجنان كبرا وعتوا فضحك عبد الله وقال ما أحسب
صدوركم الا منابت أشجار العلم فصار لكم ثمره وللناس ورقه.
ثانيها الحلم عن المناقب قال له رجل من أهل الكتاب أنت بقر
قال لا انا باقر قال أنت ابن الطباخة قال ذاك حرفتها قال أنت ابن السوداء
الزنجية البذية قال إن كنت صدقت غفر الله لها وإن كنت كذبت غفر الله
لك.
ثالثها التسليم لأمر الله روى أبو نعيم في الحلية بسنده قال
محمد بن علي ندعو الله فيما نحب فإذا وقع الذي نكره لم نخالف الله عز وجل
فيما أحب.
رابعها الجود والسخاء قال المفيد في الارشاد: وكان مع ما
وصفناه من العلم والسؤدد والرياسة والإمامة ظاهر الجود في الخاصة والعامة مشهور
الكرم في الكافة معروفا بالتفضل والاحسان مع كثرة عياله وتوسط حاله.
حدثني الشريف أبو محمد الحسن بن محمد حدثني جدي حدثنا أبو نصر
حدثني محمد بن الحسين حدثنا اسود بن عامر حدثنا حنان بن علي عن
الحسن بن كثير: شكوت إلى أبي جعفر محمد بن علي ع الحاجة وجفاء الاخوان
فقال بئس الأخ أخا يرعاك غنيا ويقطعك فقيرا ثم أمر غلامه فاخرج كيسا فيه
سبعمائة درهم وقال استنفق هذه فإذا نفذت فاعلمني. قال وقد روى
محمد بن الحسين: حدثنا عبد الله بن الزبير قال حدثونا عن عمرو بن دينار
وعبد الله بن عبيد بن عمير انهما قالا: ما لقينا أبا جعفر محمد بن علي الا
وحمل إلينا النفقة والصلة والكسوة ويقول هذه معدة لكم قبل ان تلقوني. قال
وروى أبو نعيم النخعي عن معاوية بن هشام عن سليمان بن دمدم كان أبو
جعفر محمد بن علي يجيزنا بالخمسمائة درهم إلى الستمائة إلى الألف درهم
وكان لا يمل من صلة اخوانه وقاصديه ومؤمليه وراجيه اه الارشاد.
وفي مطالب السؤول عن الحافظ عبد العزيز بن الأخضر الجنابذي في معالم
العترة عن سلمى مولاة أبي جعفر ع قالت كان يدخل عليه إخوانه فلا
يخرجون من عنده حتى يطعمهم الطعام الطيب ويلبسهم الثياب الحسنة ويهب
لهم الدراهم فأقول له في بعض ما يصنع فيقول يا سلمى ما يؤمل في الدنيا
بعد المعارف والاخوان وفي رواية مطالب السؤول فأقول له في ذلك ليقل منه
فيقول يا سلمى ما حسنت الدنيا الا صلة الاخوان والمعارف.
خامسها كثرة الصدقات روى الصدوق في ثواب الأعمال بسنده
عن أبي عبد الله ع: كان أبي أقل أهل بيته مالا وأعظمهم مؤونة
وكان يتصدق كل جمعة بدينار وكان يقول الصدقة يوم الجمعة تضاعف كفضل
يوم الجمعة على غيره من الأيام.
سادسها الهيبة في القلوب عن المناقب عن أبي حمزة الثمالي في
خبر لما كانت السنة التي حج فيها أبو جعفر محمد بن علي ع ولقيه
هشام بن عبد الملك اقبل الناس ينثالون عليه فقال عكرمة من هذا عليه
سيماء زهرة العلم لأجربنه فلما مثل بين يديه ارتعدت فرائصه وأسقط في يده
وقال يا ابن رسول الله ص لقد جلست مجالس كثيرة بين يدي ابن عباس
وغيره فما أدركني ما أدركني آنفا فقال له أبو جعفر ع ويلك يا عبيد أهل
الشام انك بين يدي بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه.
بعض ما روي من طريقه
في إرشاد المفيد: روي عنه عن آبائه ع ان رسول
الله ص كان يقول: أشد الأعمال ثلاثة مواساة الإخوان في المال، وإنصاف
الناس من نفسك، وذكر الله على كل حال.
اخباره وبعض ما روي عنه من الأخبار
روى أبو نعيم في الحلية بسنده عن أبي جعفر ع قال: شيعتنا
ثلاثة أصناف. صنف يأكلون الناس بنا، وصنف كالزجاج يتهشم،
وصنف كالذهب الأحمر كلما دخل النار ازداد جودة. اه وقال الآبي في
نثر الدرر: هنا رجلا بمولود فقال أسال الله أن يجعله خلفا معك وخلفا
بعدك فان الرجل يخلف أباه في حياته ومماته. وقال أدب الله محمدا ص
(٦٥٣)

أحسن الأدب فقال خذ العفو وأمر بالمعروف وأعرض عن الجاهلين فلما وعى
قال وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا.
وفي حلية الأولياء بسنده عن عبيد الله بن الوليد قال لنا أبو جعفر
محمد بن علي يدخل أحدكم يده في كم صاحبه فيأخذ ما يريد قلنا لا قال
فلستم باخوان كما تزعمون اه وروى الحافظ عبد العزيز بن الأخضر
الجنابذي في كتابه معالم العترة عن الحجاج بن أرطأة قال أبو جعفر يا حجاج
كيف تواسيكم قلت صالح يا أبا جعفر قال يدخل أحدكم يده في كيس
أخيه فيأخذ حاجته إذا احتاج إله قلت أما هذا فلا فقال أما لو فعلتم ما
احتجتم.
ما أشار به على عبد الملك في ضرب الدراهم والدنانير
في كتاب المحاسن والمساوي لإبراهيم بن محمد البيهقي قال في الجزء
الثاني ما نصه: محاسن المسامرة قال الكسائي دخلت على الرشيد ذات
يوم وهو في إيوانه وبين يديه مال كثير قد شق عنه البدر شقا وأمر بتفريقه
في خدم الخاصة وبيده درهم تلوح كتابته وهو يتأمله وكان كثيرا ما يحدثني
فقال: هل علمت أول من سن هذه الكتابة في الذهب والفضة؟ قلت يا
سيدي هو عبد الملك بن مروان! قال فما كان السبب في ذلك؟ قلت لا
علم لي غير أنه أول من أحدث هذه الكتابة! فقال سأخبرك: كانت
القراطيس للروم وكان أكثر من بمصر نصرانيا على دين ملك الروم وكانت
تطرز بالرومية وكان طرازها أبا وابنا وروحا قديسا فلم يزل ذلك كذلك
صدر الاسلام كله يمضي على ما كان عليه إلى أن ملك عبد الملك بن مروان
فتنبه له، وكان فطنا، فبينا هو ذات يوم إذ مر به قرطاس فنظر إلى طرازه
فامر ان يترجم بالعربية فعل ذلك فأنكره وقال ما أغلظ هذا في أمر الدين
والاسلام أن يكون طراز القراطيس وهي تحمل في الأواني والثياب وهما
يعملان بمصر وغير ذلك مما يطرز من ستور وغيرها من عمل هذا البلد على
سعته وكثرة ماله وأهله تخرج منه هذه القراطيس فتدور في الآفاق والبلاد
وقد طرزت بشرك مثبت عليها فامر بالكتاب إلى عبد العزيز بن مروان وكان
عامله بمصر بابطال ذلك الطراز على ما كان يطرز به من ثوب وقرطاس
وستر وغير ذلك وأن يأخذ صناع القراطيس أن يطرزوها بسورة التوحيد
وشهد الله أنه لا إله إلا هو وهذا طراز القراطيس خاصة إلى هذا الوقت
لم ينقص ولم يزد ولم يغير وكتب إلى عمال الآفاق جميعا بابطال ما في أعمالهم
من القراطيس المطرزة بطراز الروم ومعاقبة من وجد عنده بعد هذا النهي
شئ منها بالضرب الوجيع والحبس الطويل، فلما أثبتت القراطيس بالطراز
المحدث بالتوحيد وحمل إلى بلاد الروم منها انتشر خبرها ووصل إلى ملكهم
فترجم له ذلك الطراز فأنكره وغلظ عليه واستشاط غضبا فكتب إلى عبد
الملك: إن عمل القراطيس بمصر وسائر ما يطرز هناك للروم ولم يزل يطرز
بطراز الروم إلى أن أبطلته فإن كان من تقدمك من الخلفاء قد أصاب فقد
أخطأت وإن كنت قد أصبت فقد أخطأوا فاختر من هاتين الحالتين أيهما
شئت وأحببت وقد بعثت إليك بهدية تشبه محلك وأحببت ان تجعل رد ذلك
الطراز إلى ما كان عليه في جميع ما كان يطرز من أصناف الأعلاق حاجة
أشكرك عليها وتامر بقبض الهدية وكانت عظيم القدر فلما قرأ عبد الملك
كتابه رد الرسول وأعلمه أن لا جواب له ولم يقبل الهدية فانصرف بها إلى
صاحبه فلما وافاه أضعف الهدية ورد الرسول إلى عبد الملك وقال اني ظننتك
استقللت الهدية فلم تقبلها ولم تجبني عن كتابي فأضعفت لك الهدية وأنا
أرغب إليك في مثل ما رغبت فيه من رد هذا الطراز إلى ما كان عليه أولا
فقرأ عبد الملك الكتاب ولم يجبه ورد الهدية فكتب إليه ملك الروم يقتضي
أجوبة كتبه ويقول: إنك قد استخففت بجوابي وهديتي ولم تسعفني بحاجتي
فتوهمتك استقللت الهدية فأضعفتها فجريت على سبيلك الأول وقد أضعفتها
ثالثة وأنا أحلف بالمسيح لتأمرن برد الطراز إلى ما كان عليه أو لآمرن بنقش
الدنانير والدراهم فإنك تعلم أنه لا ينقش شئ منها إلا ما ينتش في بلادي ولم
تكن الدراهم والدنانير نقشت في الاسلام فينقش عليها من شتم نبيك ما
إذا قرأته ارفض جبينك له عرقا فأحب أن تقبل هديتي وترد الطراز
إلى ما كان عليه وتجعل ذلك هدية بررتني بها وتبقى على الحال بيني وبينك فلما
قرأ عبد الملك الكتاب غلظ عليه وضاقت به الأرض وقال: احسبني أشأم مولود
ولد في الاسلام لأني جنيت على رسول الله ص من شتم هذا الكافر ما يبقى غابر
الدهر ولا يمكن محوه من جميع مملكة العرب إذ كانت المعاملات تدور بين
الناس بدنانير الروم ودراهمهم، فجمع أهل الاسلام واستشارهم فلم يجد
عند أحد منهم رأيا يعمل به فقال له روح بن زنباع انك لتعلم الرأي
والمخرج من هذا الأمر ولكنك تتعمد تركه قال ويحك من؟ قال الباقر من
أهل بيت النبي ص قال صدقت ولكنه ارتج علي الرأي فيه فكتب إلى عامله
بالمدينة ان أشخص إلي محمد بن علي بن الحسين مكرما ومتعه بمائتي ألف
درهم لجهازه وبثلاثمائة ألف درهم لنفقته وأزح علته في جهازه وجهاز من
يخرج معه من أصحابه وأحتبس الرسول قبله إلى موافاته عليه فلما وافى
أخبره الخبر فقال له الباقر لا يعظمن هذا عليك فإنه ليس شئ من جهتين
إحداهما أن الله عز وجل لم يكن ليطلق ما تهددك به صاحب الروم في
رسول الله ص والاخرى وجود الحيلة فيه قال وما هي قال تدعو في هذه
الساعة بصناع فيضربون بين يديك سككا للدراهم والدنانير وتجعل النقش
عليها سورة التوحيد وذكر رسول الله ص أحدهما في وجه الدرهم والدينار
والآخر في الوجه الثاني وتجعل في مدار الدرهم والدينار ذكر البلد الذي
يضرب فيه والسنة التي تضرب فيه تلك الدراهم والدنانير وتعمد إلى وزن
ثلاثين درهما عددا من الأصناف الثلاثة التي العشرة منها وزن عشرة مثاقيل
وعشرة منها وزن ستة مثاقيل وعشرة منها وزن خمسة مثاقيل فتكون أوزانها
جميعا أوزانها واحدا وعشرين مثقالا فتجزئها من الثلاثين فتصير العدة من
الجميع وزن سبعة مثاقيل وتصب صنجات من قوارير لا تستحيل إلى زيادة ولا
نقصان فتضرب الدراهم على وزن عشرة والدنانير على وزن سبعة
مثاقيل وكانت الدراهم في ذلك الوقت إنما هي الكسروية التي يقال
لها اليوم البغلية لأن رأس البغل ضربها لعمر بن الخطاب بسكة كسروية في
الاسلام مكتوب عليها صورة الملك وتحت الكرسي مكتوب بالفارسية
نوش خور اي كل هنيئا وكان وزن الدرهم منها قبل الاسلام مثقالا
والدراهم التي كان وزن العشرة منها وزن ستة مثاقيل والعشرة
وزن خمسة مثاقيل هي السميرية الخفاف والثقال ونقشها نقش فارس
ففعل عبد الملك ذلك وأمره محمد بن علي بن الحسين ان يكتب السكك في
جميع بلدان الاسلام وان يتقدم إلى الناس في التعامل بها وأن يتهدد بقتل من
يتعامل بغير هذه السكك من الدراهم والدنانير وغيرها وان تبطل وترد إلى
مواضع العمل حتى تعاد إلى السكك الاسلامية ففعل عبد الملك ذلك ورد
رسول ملك الروم إليه يعلمه بذلك ويقول إن الله جل وعز مانعك مما
قدرت أن تفعله وقد تقدمت إلى أعمالي في أقطار البلاد بكذا وكذا وبأبطال
السكك والطراز الرومية فقيل لملك الروم إفعل ما كنت تهددت به ملك
(٦٥٤)

العرب فقال إنما أردت ان أغيظه بما كتبت إليه لأني كنت قادرا عليه والمال
وغيره برسوم الروم فاما الآن فلا أفعل لأن ذلك لا يتعامل به أهل الاسلام
ومتنع من الذي قال. وثبت ما أشار به محمد بن علي بن الحسين إلى اليوم
ثم رمى يعني الرشيد بالدرهم إلى بعض الخدم انتهى.
أقول قد مر في الجزء الثالث في سيرة أمير المؤمنين ع عن دائرة
المعارف البريطانية أن أول من أمر بضرب السكة الاسلامية هو الخليفة علي
بالبصرة سنة ٤٠ من الهجرة الموافقة لسنة ٦٦٠ مسيحية ثم أكمل الأمر عبد
الملك الخليفة سنة ٧٦ من الهجرة الموافقة لسنة ٦٩٥ مسيحية. ويمكن الجمع
بان عليا أمر بضرب السكة في البصرة مع بقاء التعامل بسكة أخرى وكذلك
ما ضربه رأس البغل من الدراهم لعمر مع أنه كان بسكة كسروية اما عبد
الملك فإنه ضرب السكة بإشارة الإمام الباقر ع على الصفة المتقدمة ومنع
من التعامل بغيرها.
أخباره مع الشعراء
قال ابن شهرآشوب في المناقب قال الباقر ع لكثير امتدحت
عبد الملك فقال ما قلت له يا امام الهدى وإنما قلت يا أسد والأسد كلب ويا
شمس والشمس جماد ويا بحر والبحر موات ويا حية والحية دويبة منتنة ويا
جبل وإنما هو حجر اصم فتبسم ع.
وأنشد الكميت بين يديه:
- من لصب متيم مستهام * غير ما صبوة ولا أحلام -
فلما بلغ إلى قوله:
- أخلص الله لي هواي فما أغرق * نزعا ولا تطيش سهامي -
قال ع قل فقد أغرق نزعا وما تطيش سهامي فقال يا
مولاي أنت أشعر مني في هذا المعنى (١). وفي المناقب بلغنا ان الكميت أنشد
الباقر ع: من لصب متيم مستهام. فتوجه إلى الكعبة فقال اللهم ارحم
الكميت واغفر له، ثلاث مرات ثم قال يا كميت هذه مائة ألف قد جمعتها
لك من أهل بيتي فقال الكميت لا والله لا يعلم أحد أني آخذ منها حتى
يكون الله عز وجل يكافيني ولكن تكرمني بقميص من قمصك فأعطاه
اه.
أقول هذان البيتان من قصيدة طويلة للكميت وفي البحار نقل من
خط ابن فهد الحلي: قيل إن رجلا ورد على أبي جعفر الأول بقصيدة
مطلعها: عليك السلام أبا جعفر فلم يمنحه شيئا فسأله في ذلك وقال لم لا
تمنحني وقد مدحتك فقال حييتني تحية الأموات أ ما سمعت قول الشاعر:
- أ لا طرقتنا آخر الليل زينب * عليك سلام هل لما فات مطلب -
- فقلت لها حييت زينب خدنكم * تحية ميت وهو في الحي يشرب -
مع أنه كان يكفيك أن تقول: سلام عليك أبا جعفر اه وفي
مقتضب الأثر في النص على الأئمة الاثني عشر لأحمد بن محمد بن عياش
بسنده ان الورد بن زيد الأسدي أخا الكميت وفد على أبي جعفر الباقر
ع فقال يخاطبه ويذكر وفادته إليه من قصيدة:
- كم جزت فيك من أجواز ايفاع * وأوقع الشوق بي قاعا إلى قاع -
- يا خير من حملت أنثى ومن وضعت * به إليك غدا سيري وايضاعي -
- أ ما بلغتك فالآمال بالغة * بنا إلى غاية يسعى لها الساعي -
أقول وقد ذكرنا القصيدة بتمامها في ترجمة الورد.
الرواة عن الباقر ع
قال المفيد في الارشاد: روى عنه معالم الدين بقايا الصحابة ووجوه
التابعين ورؤساء فقهاء المسلمين وقال ابن شهرآشوب في المناقب بعد ذكر
ذلك فمن الصحابة نحو جابر بن عبد الله الأنصاري ومن التابعين نحو
جابر بن يزيد الجعفي وكيسان السختياني صاحب الصوفية. ومن الفقهاء
نحو ابن المبارك والزهري والأوزاعي وأبي حنيفة ومالك والشافعي وزياد بن
المنذر النهدي. ومن المصنفين نحو الطبري والبلاذري والسلامي والخطيب
في تواريخهم وفي الموطأ وشرف المصطفى والإبانة وحلية الأولياء وسنن أبي
داود والألكاني ومسندي أبي حنيفة والمروزي وترغيب الأصفهاني وبسيط
الواحدي وتفسير النقاش والزمخشري ومعرفة أصول الحديث ورسالة
السمعاني فيقولون قال محمد بن علي وربما قالوا قال محمد الباقر اه وقال
ابن شهرآشوب في موضع اخر من المناقب: اجتمعت العصابة على أن أفقه
الأولين ستة وهم أصحاب أبي جعفر وأبي عبد الله ع وهم زرارة
ابن أعين ومعروف بن خربوذ المكي وأبو بصير الأسدي والفضيل بن يسار
ومحمد بن مسلم الطائفي وبريد بن معاوية العجلي. ومن أصحابه حمران بن
أعين الشيباني واخوته بكير وعبد الملك وعبد الرحمن ومحمد بن إسماعيل بن
بزيع (٢)، وعبد الله بن ميمون القداح ومحمد بن مروان الكوفي من ولد أبي
الأسود وإسماعيل بن الفضل الهاشمي من ولد نوفل بن الحارث وأبو هارون
المكفوف وظريف بن ناصح بياع الأكفان وسعيد بن طريف الإسكاف الدؤلي
وإسماعيل بن جابر الخثعمي الكوفي وعقبة بن بشير الأسدي وأسلم المكي
مولى ابن الحنفية وأبو بصير ليث بن البختري المرادي والكميت بن زيد
الأسدي وناجية بن عمارة الصيداوي ومعاذ بن مسلم الهراء النحوي وبشير
الرحال. ومن رواة النص عليه من أبيه إسماعيل بن محمد بن عبد الله بن
علي بن الحسين ع وزيد بن علي وعيسى عن جده والحسين بن أبي
العلاء اه وفي حلية الأولياء: روى عنه من التابعين عمرو بن دينار
وعطاء بن أبي رباح وجابر الجعفي وأبان بن تغلب. وروى عنه من الأئمة
والاعلام ليث بن أبي سليم وابن جريح وحجاج بن أرطأة في آخرين
اه.
وقال المفيد في الإختصاص: أصحاب محمد بن علي ع
جابر بن يزيد الجعفي. حمران بن أعين، زرارة. عامر بن عبد الله بن
جذاعة، حجر بن زايدة، عبد الله بن شريك العامري، فضيل بن يسار
البصري، سلام بن المستنير، بريد بن معاوية العجلي، الحكيم بن أبي
نعيم.
وفي الاختصاص بالاسناد عن الكاظم ع إذا كان يوم
القيامة نادى مناد أين حواري محمد بن علي وحواري جعفر بن محمد فيقوم
عبد الله بن شريك العامري وزرارة بن أعين وبريد بن معاوية العجلي
ومحمد بن مسلم الثقفي وليث بن البختري المرادي وعبد الله بن أبي يعفور
وعامر بن عبد الله بن جذاعة وحجر بن زائدة وحمران بن أعين الخبر.

(١) النزع جذب الوتر بالسهم والاغراق نزعا المبالغة في ذلك وأغرق النازع في القوس مثل يضرب
للغو والافراط فقوله له فما أغرق نزع لا يناسب المقام إذ يكون معناه اني لا أبالغ في المحبة
والمناسب المبالغة فيها فلذلك غيره الإمام (ع) إلى قوله (فقد أغرق نزعا).
(٢) هذا والذي بعده من أصحاب الصادق عليه السلام أيضا.
(٦٥٥)

وفي الاختصاص زياد بن المنذر الأعمى وهو أبو الجارود وزياد بن أبي
رجاء وهو أبو عبيدة الحذاء وزياد بن سوقة وزياد مولى أبي جعفر
وزياد بن أبي زياد المنقري وزياد الأحلام من أصحاب أبي جعفر ومن
أصحابه أبو بصير ليث بن البختري المرادي وأبو بصير يحيى بن أبي القاسم
مكفوف مولى لبنى أسد واسم أبي القاسم إسحاق وأبو بصير كان يكنى بأبي
محمد.
من روى عنه الباقر ع
روى عن أبيه عن أجداده عن رسول الله ص
وقال المفيد: روي عنه ع انه سئل عن الحديث يرسله ولا
يسنده فقال إذا حدثت بالحديث فلم أسنده فسندي فيه أبي عن جدي عن
أبيه عن جده رسول الله ص عن جبرائيل عن الله عز وجل اه وفي
حلية الأولياء: أسند أبو جعفر محمد بن علي عن جابر بن عبد الله الأنصاري
وروى عن ابن عباس وأبي هريرة وأبي سعيد الخدري وأنس بن مالك وعن
الحسن والحسين واسند عن سعيد بن المسيب وعبد الله بن أبي رافع اه.
وفي كشف الغمة: قال أبو الفرج بن الجوزي في كتابه صفوة الصفوة:
أسند أبو جعفر ع عن جابر بن عبد الله وأبي سعيد الخدري وأبي
هريرة وابن عباس وأنس والحسن والحسين وروى عن سعيد بن المسيب
وغيره من التابعين اه أقول روايته عن أكثر هؤلاء لنوع من المصلحة
والا فهو غني بعلوم آبائه عن أن يروي عن غيرهم.
مؤلفاته
١ كتاب التفسير قال ابن النديم عند ذكر الكتب المصنفة في
التفسير: كتاب الباقر محمد بن علي بن الحسين ع رواه عنه أبو
الجارود زياد بن المنذر رئيس الجارودية الزيدية اه وقد روى هذا الكتاب
عن أبي الجارود عند سلامة حاله أبو بصير يحيى بن القاسم أو أبي
القاسم الأسدي وكذا أخرجه علي بن إبراهيم بن هاشم في تفسيره.
٢ رسالته إلى سعد الخير من بني أمية.
٣ رسالة أخرى منه إليه اوردهما الكليني في روضة الكافي.
٤ قال ابن النديم أبو جعفر محمد بن علي له من الكتب كتاب
الهداية. اه ويمكن ان يريد به الباقر ع. وقد روي عنه في فنون
العلم الشئ الكثير وألف أصحابه في ذلك المؤلفات الكثيرة المذكورة في
تراجمهم.
ما أثر عنه في صفة الخالق وتوحيده
قال المرتضى في الأمالي: اتى اعرابي أبا جعفر محمد بن علي ع
فقال أ رأيت ربك حين عبدته فقال لم أكن لأعبد شيئا لم أره فقال كيف رأيته
فقال لم تره الأبصار بالمشاهدة والعيان بل رأته القلوب بحقائق الايمان لا
يدرك بالحواس ولا يقاس بالناس معروف بالآيات منعوت بالعلامات لا
يجور في القضية هو الله الذي لا إله إلا هو فقال الأعرابي الله أعلم حيث
يجعل رسالته اه وسال ذعلب اليماني أمير المؤمنين ع نحوا من
هذا فاجابه قريبا من هذا الجواب كما في نهج البلاغة.
ما أثر عنه ع من الحكم والآداب والمواعظ المنقول من حلية
الأولياء لأبي نعيم الأصفهاني
وكله بالأسانيد المتصلة ونحن ننقله بحذف الأسانيد كلها للاختصار
قال ع: ما دخل قلب امرئ شئ من الكبر الا نقص من
عقله مثل ما دخله من ذلك قل أو أكثرا. الصواعق تصيب المؤمن وغير
المؤمن لا تصيب الذاكر. وقال ع في قوله عز وجل: أولئك يجزون
الغرفة بما صبروا. قال على الفقر في دار الدنيا. وفي قوله عز وجل:
وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا قال ما صبروا على الفقر ومصائب الدنيا.
سلاح اللئام قبيح الكلام، لكل شئ آفة وآفة العلم النسيان. عالم ينتفع
بعلمه أفضل من ألف عابد. والله لموت عالم أحب إلى إبليس من موت
سبعين عابدا، وقال لابنه يا بني: إياك والكسل والضجر فإنهما مفتاح كل
شر إنك ان كسلت لم تؤد حقا. وإن ضجرت لم تصبر على حق. الأعمال
ثلاثة: ذكر الله على كل حال. وإنصافك الناس من نفسك ومواساة الأخ
في المال. إذا رأيتم القارئ يحب الأغنياء فهو صاحب الدنيا وإذا رأيتموه
يلزم السلطان من غير ضرورة فهو لص. شيعتنا من أطاع الله عز وجل.
إياكم والخصومة فإنها تفسد القلب وتورث النفاق. وقال: الذين يخوضون
في آيات الله هم أصحاب الخصومات. وقال كان لي أخ في عيني عظيم
وكان الذي عظمه في عيني صغر الدنيا في عينه. وقال من أعطي الخلق
والرفق فقد أعطي الخير كله والراحة وحسن حاله في دنياه وآخرته ومن حرم
الرفق والخلق كان ذلك له سبيلا إلى كل شر وبلية الا من عصمه الله تعالى.
وقال إعرف المودة لك في قلب أخيك بما له في قلبك. وقال ع
لجابر الجعفي: يا جابر ما الدنيا وما عسى أن تكون هل هو الا مركب ركبته
أو ثوب لبسته أو امرأة أحببتها يا جابر ان المؤمنين لم يطمئنوا إلى الدنيا لبقاء
فيها ولم يأمنوا قدوم الآخرة عليهم ففازوا بثواب الأبرار إن أهل التقوى أيسر
أهل الدنيا مؤونة وأكثرهم لك معونة ان نسيت ذكروك وإن ذكرت أعانوك
قوالين بحق الله قوامين بأمر الله. يا جابر انزل الدنيا كمنزل نزلت به وارتحلت
منه أو كمال أصبته في منامك فاستيقظت وليس معك منه شئ إنما هي مع أهل
اللب والعالمين بالله تعالى كفئ الظلال فاحفظ ما استرعاك الله من دينه
وحكمته. وقال ما من شئ أحب إلى الله عز وجل من أن يسال وما يدفع
القضاء الا الدعاء وأن أسرع الخير ثوابا البر وأسرع الشر عقوبة البغي وكفى
بالمرء عيبا ان يبصر من الناس ما يعمى عليه من نفسه وان يأمر الناس بما لا
يستطيع التحول عنه وان يؤذي جليسه بما لا يعنيه اه المنقول من حلية
الأولياء.
المنقول من تحف العقول
للحسن بن علي بن شعبة الحلبي
من وصية له لجابر بن يزيد الجعفي: أوصيك بخمس: إن ظلمت
فلا تظلم وإن خانوك فلا تخن وإن كذبت فلا تغضب وإن مدحت فلا تفرح
وإن ذممت فلا تجزع وفكر فيما قيل فيك فان عرفت من نفسك ما قيل فيك
فسقوطك من عين الله جل وعز عند غضبك من الحق أعظم عليك مصيبة
مما خفت من سقوطك من أعين الناس وان كنت على خلاف ما قيل فيك
فثواب اكتسبته من غير أن تتعب بدنك واعلم انك لا تكون لنا وليا حتى لو
اجتمع عليك أهل مصرك وقالوا انك رجل سوء لم يحزنك ذلك لو قالوا انك
(٦٥٦)

رجل صالح لم يسرك ذلك ولكن اعرض نفسك على كتاب الله فان كنت
سالكا سبيله زاهدا في تزهيده راغبا في ترغيبه خائفا من تخويفه فأثبت وابشر
فإنه لا يضرك ما قيل فيك وان كنت مباينا للقرآن فما الذي يغرك من
نفسك. ان المؤمن معني بمجاهدة نفسه ليغلبها على هواها فمرة يقيم أودها
ويخالف هواها في محبة الله ومرة تصرعه نفسه فيتبع هواها. فينعشه الله
فينتعش ويقيل الله عثرته فيتذكر ويفزع إلى التوبة والمخافة فيزداد بصيرة
ومعرفة لما زيد فيه من الخوف وذلك بان الله يقول: إن الذين اتقوا إذا
مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون يا جابر استكثر لنفسك
من الله قليل الرزق تخلصا إلى الشكر واستقلل من نفسك كثير الطاعة لله ازراء
على النفس وتعرضا للعفو وادفع عن نفسك حاضر الشر بحاضر العلم
واستعمل حاضر العلم بخالص العمل وتحرز في خالص العمل من عظيم
الغفلة بشدة التيقظ واستجلب شدة التيقظ بصدق الخوف وتوق مجازفة
الهوى بدلالة العقل وقف عند غلبة الهوى باسترشاد العلم واستبق خالص
الأعمال ليوم الجزاء وادفع عظيم الحرص بايثار القناعة واستجلب حلاوة
الزهادة بقصر الأمل واقطع أسباب الطمع ببرد الياس وسد سبيل العجب
بمعرفة النفس وتخلص إلى راحة النفس بصحة التفويض وتعرض لرقة
القلب بكثرة الذكر في الخلوات واستجلب نور القلب بدوام الحزن وتحرز من
إبليس بالخوف الصادق وإياك والرجاء الكاذب فإنه يوقعك في الخوف
الصادق. وإياك والتسويف فإنه بحر يغرق فيه الهلكى وإياك والغفلة ففيها
تكون قساوة القلب وإياك والتواني فيما لا عذر لك فيه فإليه يلجا النادمون
واسترجع سالف الذنوب بشدة الندم وكثرة الاستغفار وتعرض للرحمة وعفو
الله بخالص الدعاء والمناجاة في الظلم واستجلب زيادة النعم بعظيم الشكر
واطلب بقاء العز بإماتة الطمع وارفع ذل الطمع بعز الياس واستجلب عز
الياس ببعد الهمة وتزود من الدنيا بقصر الأمل وبادر بانتهاز البغية عند إمكان
الفرصة وإياك والثقة بغير المأمون واعلم أنه لا علم كطلب السلامة ولا عقل
كمخالفة الهوى ولا فقر كفقر القلب ولا غنى كغنى النفس ولا معرفة
كمعرفتك بنفسك ولا نعمة كالعافية ولا عافية كمساعدة التوفيق ولا شرف
كبعد الهمة ولا زهد كقصر الأمل ولا عدل كالإنصاف ولا جور كموافقة
الهوى ولا طاعة كاداء الفرائض ولا مصيبة كعدم العقل ولا معصية
كاستهانتك بالذنب ورضاك بالحالة التي أنت عليها ولا فضيلة كالجهاد ولا
جهاد كمجاهدة الهوى ولا قوة كرد الغضب ولا ذل كذل الطمع وإياك
والتفريط عند امكان الفرصة فإنه ميدان يجري لأهله بالخسران. وقال ع
خذوا الكلمة الطيبة ممن قالها وان لم يعمل بها فان الله يقول: الذين
يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله، ويحك يا مغرور
أ لا تحمد من تعطيه فانيا ويعطيك باقيا درهم يفنى بعشرة تبقى إلى سبعمائة
ضعف مضاعفة، إنما أنت لص من لصوص الذنوب كلما عرضت لك
شهوة أو ارتكاب ذنب سارعت إليه وأقدمت بجهلك عليه فارتكبته كأنك
لست بعين الله أو كان الله ليس لك المرصاد. يا طالب الجنة ما أطول نومك
وأكل مطيتك وأوهى همتك فلله أنت من طالب ومطلوب ويا هاربا من النار ما
أحث مطيتك إليها وما أكسبك لما يوقعك فيها.
ما روي عنه في قصار هذه المعاني
قال ع: ما شيب شئ بشئ أحسن من حلم بعلم، كل
الكمال التفقه في الدين والصبر على النائبة وتقدير المعيشة. المتكبر ينازع الله
رداءه. قم بالحق واعتزل ما لا يعنيك وتجنب عدوك وأحذر صديقك. ولا
تصحب الفاجر ولا تطلعه على سرك واستشر في امرك الذين يخشون الله.
صحبة عشرين سنة قرابة، ان استطعت ان لا تعامل أحدا الا ولك الفضل
عليه فافعل. ثلاثة من مكارم الدنيا والآخرة: ان تعفو عمن ظلمك
وتصل من قطعك وتحلم إذا جهل عليك. الظلم ثلاثة ظلم لا يغفره الله وظلم يغفره الله
وظلم لا يدعه الله فاما الظلم الذي لا يغفره الله فالشرك
بالله واما الظلم الذي يغفره الله فظلم الرجل نفسه فيما بينه وبين الله وأما
الظلم الذي لا يدعه الله فالمداينة بين العباد. ما من عبد يمتنع من معونة
أخيه المسلم والسعي في حاجته قضيت أو لم تقض الا ابتلي بالسعي في
حاجة فيما يؤثم عليه ولا يؤجر. وما من عبد يبخل بنفقة ينفقها فيما يرضي الله
الا ابتلي بان ينفق اضعافها فيما اسخط الله. في كل قضاء الله خير
للمؤمن. ان الله كره الحاح الناس على بعضهم في المسألة وأحب ذلك
لنفسه ان الله جل ذكره يحب ان يسال ويطلب ما عنده. من لم يجعل الله له
من نفسه واعظا فان مواعظ الناس لن تغني عنه شيئا. من كان ظاهره
أرجح من باطنه خف ميزانه. كم من رجل لقي رجلا فقال له كب الله
عدوك وما له من عدو الا الله. لا يكون العبد عالما حتى لا يكون حاسدا
لمن فوقه ولا محقرا لمن دونه. إنما مثل الحاجة إلى من أصاب ماله حديثا
كمثل الدرهم في فم الأفعى أنت إليه محوج وأنت منها على خطر. ثلاث
خصال لا يموت صاحبهن ابدا حتى يرى وبالهن: البغي وقطيعة الرحم
واليمين الكاذبة يبارز الله بها. وان أعجل الطاعة ثوابا لصلة الرحم. وان
القوم ليكونون فجارا فيتواصلون فتنمى أموالهم ويثرون وان اليمين الكاذبة
وقطيعة الرحم ليذران الديار بلاقع من أهلها. لا يقبل عمل الا بمعرفة ولا
معرفة الا بعمل ومن عرف دلته معرفته على العمل ومن لم يعرف فلا عمل
له. والله ما شيعتنا الا من اتقى الله وأطاعه وما كانوا يعرفون الا
بالتواضع والتخشع وأداء الأمانة وكثرة ذكر الله والصوم والصلاة والبر
بالوالدين وتعهد الجيران من الفقراء وذوي المسكنة والغارمين والأيتام
وصدق الحديث وتلاوة القرآن وكف الألسن عن الناس الا من خير وكانوا
امناء عشائرهم في الأشياء. أربع من كنوز البر: كتمان الحاجة وكتمان
الصدقة وكتمان الوجع وكتمان المصيبة. من صدق لسانه زكا عمله ومن
حسنت نيته زيد في رزقه ومن حسن بره باهله زيد
في عمره. من استفاد أخا في الله على ايمان بالله ووفاء باخائه طلبا لمرضاة الله
فقد استفاد شعاعا من نور الله وأمانا من عذاب الله وحجة يفلح بها يوم
القيامة وعزا باقيا وذكرا ناميا. التواضع الرضا بالمجلس دون شرفك وان
تسلم على من لقيت وان تترك المراء وان كنت محقا. ان المؤمن أخو المؤمن
لا يشتمه ولا يحرمه ولا يسئ به الظن. اصبر نفسك على الحق فإنه من
منع شيئا في حق اعطى في باطل مثيله. من قسم له الخرق حجب عنه
الايمان. ان الله يبغض الفاحش المتفحش. ان لله عقوبات في القلوب
والأبدان ضنك في المعيشة ووهن في العبادة وما ضرب عبد بعقوبة أعظم من
قسوة القلب. يقول الله تعالى يا ابن آدم اجتنب ما حرمت عليك تكن من
أورع الناس. أفضل العبادة عفة البطن والفرج. البشر الحسن وطلاقة
الوجه مكسبة للمحبة وقربة من الله وعبوس الوجه وسو البشر مكسبة
للمقت وبعد من الله. الحياء والايمان مقرونان في قرن فإذا ذهب أحدهما
تبعه صاحبه من علم باب هدى فله مثل اجر من عمل به ولا ينقص
أولئك من أجورهم شيئا. ومن علم باب ضلال كان عليه مثل أوزار من
(٦٥٧)

عمل به ولا ينقص أولئك من أوزارهم شيئا. ليس من أخلاق المؤمن
الملق والحسد الا في طلب العلم. أ لا أنبئكم بشئ إذا فعلتموه يبعد
السلطان والشيطان منكم فقال أبو حمزة بلى فقال عليكم بالصدقة
فبكروا بها فإنها تسود وجه إبليس وتكسر شرة السلطان الظالم
عنكم في يومكم ذلك وعليكم بالحب في الله والتودد والمؤازرة على
العمل الصالح فإنه يقطع دابرهما يعني السلطان والشيطان وألحوا
في الاستغفار فإنه ممحاة للذنوب. ان هذا اللسان مفتاح كل خير
وشر فينبغي للمؤمن ان يختم على لسانه كما يختم على ذهبه وفضته فان
رسول الله ص قال: رحم الله مؤمنا أمسك لسانه من كل شر فان ذلك
صدقة منه على نفسه ثم قال لا يسلم أحد من الذنوب حتى يحزن لسانه، من
الغيبة ان تقول في أخيك ما ستره الله عليه وأن البهتان ان تقول في أخيك ما
ليس فيه. ان أشد الناس حسرة يوم القيامة عبد وصف عدلا ثم خالفه إلى
غيره. عليكم بالورع والاجتهاد وصدق الحديث وأداء الأمانة إلى من
ائتمنكم عليها برا كان أو فاجرا فلو أن قاتل علي بن أبي طالب ائتمنني على
أمانة لأديتها إليه. صلة الأرحام تزكي الأعمال وتنمي الأموال وتدفع
البلوى وتيسر الحساب وتنسئ في الاجل، وقال أيها الناس انكم في هذه
الدنيا أغراض تنتضل فيكم المنايا لن يستقبل أحد منكم يوما جديدا من
عمره الا بانقضاء آخر من اجله فأية اكلة ليس فيها غصص أم اي شربة
ليس فيها شرق استصلحوا ما تقدمون عليه بما تظعنون عنه فان اليوم غنيمة
وغدا لا تدري لمن هو أهل الدنيا سفر يحلون عقد رحالهم في غيرها قد
خلت منا أصول نحن فروعها فما بقاء الفرع بعد أصله أين الذين كانوا
أطول أعمارا منكم وابعد آمالا. آتيك يا ابن آدم ما لا ترده وذهب عنك ما لا
يعود فلا تعدن عيشا منصرفا عيشا ما لك منه الا لذة تزدلف بك إلى حمامك
وتقربك من اجلك فكانك قد صرت الحبيب المفقود واسواد المخترم فعليك
بذات نفسك دع ما سواها واستعن بالله يعنك. وقال: من صنع مثلما صنع
إليه فقد كافا ومن أضعف كان شكورا ومن شكر كان كريما. ومن علم أن ما
صنع كان إلى نفسه لم يستبطئ الناس في شكرهم ولم يستردهم في مودتهم
فلا تلتمس من غيرك شكر ما أتيته إلى نفسك ووقيت به عرضك واعلم أن
طالب الحاجة لم يكرم وجهه عن مسألتك فأكرم وجهك عن رده. وقال إن
الله يتعهد عبده المؤمن بالبلاء كما يتعهد الغائب أهله بالهدية ويحميه عن
الدنيا كما يحمي الطبيب المريض. وقال انما شيعة علي المتباذلون في ولايتنا
المتحابون في مودتنا المتزاورون لأحياء الدين إذا غضبوا لم يظلموا وإذا رضوا
لم يسرفوا بركة على من جاوروا سلم لمن خالطوا. وقال: الكسل يضر
بالدين والدنيا، لو يعلم السائل ما في المسألة ما سال أحد أحدا ولو
يعلم المسؤول ما في المنع ما منع أحد أحدا وقال: ان لله عبادا ميامين مياسير
يعيشون ويعيش الناس في أكنافهم وهم في عباده مثل القطر ولله عباد ملاعين
مناكيد لا يعيشون ولا يعيش الناس في أكنافهم وهم في عباد الله مثل الجراد
لا يقعون على شئ الا اتوا عليه وقال: قولوا للناس أحسن ما تحبون ان
يقال لكم فان الله يبغض اللعان السباب الطعان على المؤمنين الفاحش
المتفحش السائل الملحف ويحب الحليم العفيف المتعفف. وقال: ان الله
يحب إفشاء السلام.
وقال يوما لمن حضره ما المروءة؟ فتكلموا فقال المروءة ان لا
تطمع فتذل ولا تسأل فتقل ولا تبخل فتشتم ولا تجهل فتخصم فقيل ومن
يقدر على ذلك فقال من أحب ان يكون كالناظر في الحدقة والمسك في
الطيب وكالخليفة في يومكم هذا في القدر وقال يوما رجل عنده: اللهم
أغننا عن جميع خلقك فقال أبو جعفر ع لا تقل هكذا ولكن قل اللهم
أغننا عن شرار خلقك فان المؤمن لا يستغني عن أخيه. وقال ع:
ما عرف الله من عصاه وانشد:
- تعصي الآله وأنت تظهر حبه * هذا لعمرك في الفعال بديع -
- لو كان حبك صادقا لأطعته * ان المحب لمن أحب مطيع -
اه تحف العقول.
من كتاب نثر الدرر للآبي
قال محمد بن علي الباقر لابنه جعفر ع: ان الله خبا ثلاثة
أشياء في ثلاثة أشياء خبا رضاه في طاعته فلا تحقرن من الطاعة شيئا فلعل
رضاه فيه، وخبا سخطه في معصيته فلا تحقرن من المعصية شيئا فلعل
سخطه فيه، وخبا أولياءه في خلقه فلا تحقرن أحدا فلعله ذلك الولي. وسئل
لم فرض الله الصوم على عباده؟ قال: ليجد الغني مس الجوع فيحنو
على الفقير! قال: إن قوما عبدوا الله رغبة فتلك عبادة التجار، وان قوما عبدوا
الله رهبة فتلك عبادة العبيد، وان قوما عبدوا الله شكرا فتلك عبادة
الأحرار (١). وقال أبو عثمان الجاحظ في كتاب البيان والتبيين: جمع محمد بن
علي الباقر صلاح شأن الدنيا بحذافيرها في كلمتين فقال: صلاح شأن
المعاش والتعاشر ملء مكيال ثلثان فطنة وثلث تغافل.
من مطالب السؤول
نقل عنه ع أنه قال: ما من عبادة أفضل من عفة بطن
وفرج.
بعض ما أثر عنه من الأدعية
روى أبو نعيم في الحلية بسنده عن جعفر بن محمد عن أبيه ع
انه كان في جوف الليل يقول: أمرتني فلم أئتمر وزجرتني فلم
أزدجر ها أنا ذا عبدك بين يديك ولا اعتذر. وقال الآبي في نثر الدرر كان
يقول: اللهم أعني على الدنيا بالغنى وعلى الآخرة بالعفو، وقال لابنه: يا
بني إذا أنعم الله عليك بنعمة فقل الحمد لله، وإذا أحزنك أمر فقل: لا
حول ولا قوة الا بالله، وإذا أبطا عنك الرزق فقل استغفر الله.
دعاءه ع بعد الطعام
وفيه من تعداد نعم الله تعالى العظام بأوجز عبارة ما يقصر عنه
البيان:
روى الكليني في الكافي بسنده عن الصادق ع كان أبي يقول:
الحمد لله الذي أشبعنا في جائعين وأروانا في ظامين وآوانا في ضاحين وحملنا
في راجلين وآمننا في خائفين وأخدمنا في عانين.
ما أثر عنه من الشعر
في كشف الغمة: نقلت من كتاب جمعه الوزير السعيد مؤيد الدين
أبو طالب محمد بن أحمد بن محمد بن علي بن العلقمي قال ذكر الأجل أبو
الفتح يحيى بن محمد بن حياء الكاتب قال حدث بعضهم وذكر خبرا في

(١) تقدم رواية مثل هذا عن أبيه زين العابدين عليهما السلام.
(٦٥٨)

آخره أنه رأى غلاما بين مكة والمدينة فسأله من أنت؟ إلى أن قال فانشد:
- لنحن على الحوض ذواده * ندود ويسعد وراده -
- فما فاز من فاز الا بنا * وما خاب من حبنا زاده -
- فمن سرنا نال منا السرور * ومن ساءنا ساء ميلاده -
- ومن كان غاصبنا حقنا * فيوم القيامة ميعاده -
وفي أنوار الربيع: نسب إلى أبي جعفر الباقر ع قوله:
- عجبت من معجب بصورته * وكان من قبل نطفة مذره -
- وفي غد بعد خسف صورته * يصير في القبر جيفة قذره -
- وهو على عجبه ونخوته * ما بين جنبيه يحمل العذرة -
وفي المناقب عن أبي خالد البرقي في كتاب الشعر والشعراء ان الباقر
ع تمثل:
وأطرق إطراق الشجاع ولو يرى * مساغا لنابيه الشجاع لصمما -
ما أوصى به عند وفاته
روى الكليني في الكافي بسنده إلى الرضا ع قال: قال أبو جعفر
الباقر ع حين احتضر إذا انا مت فاحفروا لي وشقوا لي شقا فان قيل
لكم ان رسول الله ص لحد له فقد صدقوا أقول وذلك لأنه ع رأى أن
الشق أصلح له من بعض الوجوه من اللحد فأمرهم به وإن كان اللحد
أفضل.
وروى الكليني بسنده عن الصادق ع قال: إن أبي استودعني ما
هنالك يعني ما كان محفوظا عنده من الكتب والسلاح وآثار الأنبياء
ووداعهم فلما حضرته الوفاة قال ادع لي شهودا فدعوت أربعة من قريش
فيهم نافع مولى عبد الله بن عمر فقال اكتب: هذا ما وصى به يعقوب بنيه
يا بني ان الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن الا وأنتم مسلمون. واوصى
محمد بن علي إلى جعفر بن محمد وأمره ان يكفنه في برده الذي كان يصلي فيه
يوم الجمعة وان يعممه بعمامته وان يربع قبره ويرفعه أربع أصابع وان يحل
عنه اطماره عند دفنه. ثم قال للشهود انصرفوا رحمكم الله فقلت له يا أبت
ما كان في هذا بان يشهد عليه فقال يا بني كرهت ان تغلب وان يقال إنه لم
يوصى إليه فأردت أن تكون لك الحجة. أراد ان يعلمهم انه وصيه
وخليفته والامام من بعده.
وروى الكليني في الكافي بسنده عن أبي عبد الله الصادق ع قال: إن
أبي قال لي ذات يوم في مرضه يا بني ادخل أناسا من قريش من أهل المدينة
حتى أشهدهم فأدخلت عليه أناسا منهم فقال يا جعفر إذا انا مت
فغسلني وكفني وارفع قبري أربع أصابع ورشه بالماء فلما خرجوا قلت يا أبت
لو أمرتني بهذا صنعته ولم ترد ان ادخل عليك قوما تشهدهم فقال يا بني
أردت ان لا تنازع اي لا تنازع في الإمامة والخلافة من بعدي متى علموا
انك وصيي.
وروى الكليني في الكافي بسنده عن أبي عبد الله الصادق ع قال:
كتب أبي في وصيته ان أكفنه في ثلاثة أثواب أحدها رداء له حبرة كان يصلي
فيه يوم الجمعة وثوب آخر وقميص فقلت لأبي لم تكتب هذا فقال أخاف ان
يغلبك الناس وان قالوا كفنه في أربعة أو خمسة فلا تفعل وعممني بعمامة
وليس تعد العمامة من الكفن انما يعد ما يلف به الجسد.
وروى الكليني في الكافي بسنده ان أبا جعفر اوصى بثمانمائة درهم
لمأتمه وكان يرى ذلك من السنة لأن رسول الله ص قال اتخذوا لآل جعفر
طعاما فقد شغلوا.
٨: أبو عبد الله جعفر الصادق
ابن محمد الباقر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب
ع
مولده ووفاته ومدة عمره ومدفنه
ولد بالمدينة يوم الجمعة أو الاثنين عند طلوع الفجر ١٧ ربيع الأول
وقيل غرة رجب سنة ٨٠ من الهجرة عام الجحاف، وقال المفيد والكليني
والشهيد سنة ٨٣ قال ابن طلحة والأول أصح وقال ابن الخشاب قال لنا
الذراع الرواية الأولى هي الصحيحة. وتوفي يوم الاثنين في شوال وعن
صاحب جنات الخلود في ٢٥ منه وقيل منتصف رجب سنة ١٤٨ وعمره ٦٨
أو ٦٥ سنة، أقام منها مع جده علي بن الحسين ١٢ سنة وأياما أو ١٥
سنة، ومع أبيه بعد جده ١٩ سنة، وبعد أبيه ٣٤ سنة، وهي مدة خلافته
وإمامته وهي بقية ملك هشام بن عبد الملك وملك
الوليد بن يزيد بن عبد الملك ويزيد بن الوليد بن عبد الملك الملقب بالناقص
وإبراهيم بن الوليد ومروان بن محمد الحمار والسفاح، وتوفي بعد مضي
عشر سنين من ملك المنصور العباسي ودفن بالبقيع مع أبيه الباقر وجده زين
العابدين وعمه الحسن بن علي ع.
أمه
أم فروة وقيل أم القاسم واسمها قريبة أو فاطمة بنت القاسم بن
محمد بن أبي بكر وأمها أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر وهذا معنى
قول الصادق ع ان أبا بكر ولدني مرتين، وفي ذلك يقول الشريف
الرضي:
وحزنا عتيقا وهو غاية فخركم بمولد بنت القاسم بن محمد
وروى الكليني في الكافي بسنده عن عبد الأعلى: رأيت أم فروة
تطوف بالكعبة عليها كساء متنكرة فاستلمت الحجر بيدها اليسرى فقال لها
رجل ممن يطوف: يا أمة الله أخطأت السنة فقالت أنا لأغنياء عن علمك.
كنيته
أبو عبد الله وهي المعروفة المشهورة وقال محمد بن طلحة وقيل أبو
إسماعيل وفي مناقب ابن شهرآشوب يكني أبا عبد الله إسماعيل والخاص
أبو موسى.
لقبه
له ألقاب أشهرها: الصادق، ومنها الصابر والفاضل والطاهر،
لقب بالصادق لصدق حديثه.
نقش خاتمه
الله وليي وعصمتي من خلقه. وروي: ما شاء الله لا قوة إلا بالله
أستغفر الله. وروي: الله خالق كل شئ. وروي: أنت ثقتي فاعصمني
من خلقك. وروي: يا ثقتي قني شر جميع خلقك. وروي: اللهم أنت
ثقتي فقني شر خلقك. وروي: أنت ثقتي فاعصمني من الناس. وروي:
(٦٥٩)

الله عوني وعصمتي من الناس. وروي: ربي عصمني من خلقه.
وروى: أن الكاظم ع اشتراه بسبعة دنانير وفي رواية بسبعين
دينارا.
بوابه
المفضل بن عمر كما في الفصول المهمة وفي المناقب بابه محمد بن
سنان.
شاعره
السيد الحميري وأشجع السلمي والكميت وأبو هريرة الأبار والعبدي
وجعفر بن عفان.
أولاده
كان له عشرة أولاد سبعة ذكور وثلاث بنات وقيل أحد عشر ولدا
سبعة ذكور وأربع بنات وهم إسماعيل الأعرج ويقال إسماعيل الأمين
وعبد الله وأم فروة وهي التي زوجها من ابن عمه الخارج مع زيد بن علي.
قال المفيد أمهم فاطمة بنت الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي
طالب. وقال الحافظ عبد العزيز بن الأخضر الجنابذي: أمهم فاطمة بنت
الحسين الأثرم بن حسن بن علي بن أبي طالب. وموسى الامام ومحمد
الديباج واسحق لام ولد ثلاثتهم اسمها حميدة البربرية وفاطمة الكبرى أمها
حميدة أيضا قال عبد العزيز بن الأخضر تزوجها محمد بن إبراهيم بن
محمد بن علي بن عبد الله بن العباس فماتت عنده. والعباس وعلي
العريضي وأسماء وفاطمة الصغرى لأمهات أولاد شتى، فمن عدهم عشرة
ترك فاطمة الكبرى ومن عدهم أحد عشر ذكرها، ويظهر من المناقب أن أم
فروة هي أسماء حيث قال وابنته أسماء أم فروة التي زوجها من ابن عمه
الخارج وهذا غير بعيد لأن أم فروة كنية لا اسم فيكون أولاده عشرة بذكر
فاطمة الكبرى وجعل أم فروة وأسماء واحدة.
صفته في خلقه وحليته
قال ابن شهرآشوب في المناقب: كان الصادق ع ربع
القامة أزهر الوجه حالك الشعر جعدا أشم الأنف أنزع رقيق البشرة على
خده خال أسود وعلى جسده حبلان (١). وفي الفصول المهمة: صفته
معتدل آدم اللون.
صفته في أخلاقه وأطواره
قال أبو نعيم في حلية الأولياء ومنهم الامام الناطق ذو الزمام السابق
أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق أقبل على العبادة والخضوع وآثر العزلة
والخشوع ونهى عن الرئاسة والجموع وقيل إن التصوف انتفاع بالسبب
وارتفاع في النسب. وفي مرآة الجنان لليافعي: السيد الجليل سلالة النبوة
ومعدن الفتوة أبو عبد الله جعفر الصادق وفي مناقب ابن شهرآشوب قال
مالك بن أنس ما رأت عيني أفضل من جعفر بن محمد فضلا وعلما وورعا
وكان لا يخلو من إحدى ثلاث خصال إما صائما وأما قائما وإما ذاكرا وكان
من عظماء العباد وأكابر الزهاد الذين يخشون ربهم وكان كثير الحديث طيب
المجالسة كثير الفوائد. وروى أبو نعيم في الحلية بسنده عن عمرو بن
المقدام كنت إذا نظرت إلى جعفر بن محمد علمت أنه من سلالة النبيين ا
ه وقد كان إذا صلى العشاء وذهب من الليل شطره أخذ جرابا فيه خبز
ولحم ودراهم فحمله على عنقه ثم ذهب به إلى أهل الحاجة من أهل المدينة
فقسمه فيهم ولا يعرفونه فلما مات وفقدوا ذلك عرفوه.
صفته في لباسه
روى الكليني بسنده عن الصادق ع أنه قال إن الله عز
وجل يحب الجمال والتجمل ويبغض البؤس والتباؤس وبسنده عن
الصادق ع أنه قال إذا أنعم الله على عبده بنعمة أحب أن يراها عليه لأنه
جميل يحب الجمال وبسنده عن الصادق ع أني لأكره للرجل أن يكون
عليه من الله نعمة فلا يظهرها وبسنده عن الصادق ع في حديث قال
إلبس وتجمل فان الله جميل يحب الجمال وليكن من حلال. وروى الشيخ
الطوسي في التهذيب بسنده عن الصادق ع قال إن الله يحب
الجمال والتجمل ويبغض البؤس والتباؤس فان الله إذا أنعم على عبده
بنعمة أحب أن يرى عليه أثرها، قيل كيف ذلك؟ قال ينظف ثوبه ويطيب
ريحه ويجصص داره ويكنس أفنيته. وروى الكليني بسنده عن الصادق ع
قال بينا أنا في الطواف وإذا رجل يجذب ثوبي وإذا عباد بن كثير
البصري فقال يا جعفر تلبس مثل هذه الثياب وأنت في هذا الموضع مع
المكان الذي أنت فيه من علي، فقلت فرقبي (٢) اشتريته بدينار وقد كان علي في
زمان يستقيم له ما ليس فيه ولو لبست مثل ذلك اللباس في زماننا لقال
الناس هذا مرائي مثل عباد. وروى الكليني بسنده ان رجلا قال للصادق
ع أصلحك الله ذكرت أن علي بن أبي طالب كان يلبس الخشن
يلبس القميص بأربعة دراهم وما أشبه ذلك ونرى عليك اللباس الجيد فقال
له ان علي بن أبي طالب ص كان يلبس ذلك في زمان لا ينكر
ولو لبس مثل ذلك اليوم لشهر به فخير لباس كل زمان لباس أهله
الحديث. وروى الكليني بسنده أن سفيان الثوري دخل على عبد الله
ع فرأى عليه ثيابا بيضا كأنها غرقئ البيض (٣) فقال له ان هذا اللباس
ليس من لباسك، فقال له: إسمع مني وع ما أقول لك فإنه خير لك
عاجلا وآجلا إن أنت مت على السنة ولم تمت على بدعة أخبرك ان رسول
الله ص كان في زمان مقفر جدب فاما إذا أقبلت الدنيا فأحق الناس بها
أبرارها لا فجارها ومؤمنوها لا منافقوها و مسلموها لا كفارها فما أنكرت يا
ثوري فوالله أني مع ما ترى ما أتى علي منذ عقلت صباح ولا مساء ولله في
مالي حق أمرني أن أضعه موضعا إلا وضعته.
مناقبه وفضائله
ومما يجب التنبيه عليه أن ما ذكرناه من مناقب كل واحد منهم ع
كثيرا ما يختلف عما نذكره للباقي وهذا ليس معناه أن المنقبة التي
نذكرها لأحدهم ولا نذكرها للآخر غير موجودة في الآخر بل كلهم
مشتركون في جميع المناقب والفضائل وهم من نور واحد وطينة واحدة وهم
أكمل أهل زمانهم في كل صفة فاضلة ولكلما كانت مقتضيات الزمان
ومظاهر تلك الصفات فيهم متفاوتة بحسب الأزمان كان ظهور آثارها منهم
متفاوتا بحسب مقتضيات الأحوال، مثلا ظهور آثار الشجاعة من أمير

(١) الظاهر أنه تثنية حبل.
(٢) نسبة إلى فرقب بالراء بين الفاء والقاف المضمومتين موضع ينسب إليه الثياب والفرقبية ثياب بيض من كتان.
(٣) الغرقئ كزبرج قشر البيض الرقيق تحت القشر الأعلى وتشبيهها بغرقئ البيض باعتبار
رقتها.
(٦٦٠)

المؤمنين وولده الحسين ع ليس كظهورها من البقية، فأمير
المؤمنين ع ظهرت آثار شجاعته بجهاده بين يدي رسول الله ص
وبمحاربته الناكتين والقاسطين والمارقين أيام خلافته، والحسين ع ظهرت
آثار شجاعته بما أمر به من منابذة الظالمين، والباقون لم تظهر فيهم آثار
الشجاعة لما أمروا به من التقية والمداراة والكل مشتركون في أنهم أشجع
أهل زمانهم، والصادق والباقر ع ظهرت فيها آثار العلم أكثر
من الباقين لقلة الخوف لكونهما في آخر دولة ضعفت وأول أخرى ظهرت
والكل مشتركون في أنهم أعلم أهل زمانهم وقد تكون آثار الكرم والسخاء
وكثرة الصدقات والعتق في بعضهم أظهر منها في الباقي لسعة ذات يده أو
كثرة الفقراء في بلده دون الباقي وكلهم مشتركون في أنهم أكرم أهل زمانهم
وأسخاهم وقد تكون العبادة في بعضهم أظهر منها في غيره لبعض الموجبات
كقلة اطلاع الناس على حاله أو قصر مدته في دار الدنيا أو غير ذلك،
وكلهم أعبد أهل زمانهم وقد تكون آثار الحلم في بعضهم أظهر منها في غيره
لكثرة ما ابتلي به من أنواع الأذى التي يظهر معها حلم الحليم دون غيره
وكلهم أحلم أهل زمانهم إلى غير ذلك من مقتضيات الأحوال التي تعرض لهم
فليتنبه لذلك، ومناقب الصادق ع وفضائله كثيرة نقتصر منها على ذكر ما
يلي:
أحدها العلم روى الحافظ عبد العزيز بن الأخضر الجنابذي في
معالم العثرة الطاهرة عن صالح بن الأسود قال سمعت جعفر بن محمد يقول:
سلوني قبل أن تفقدوني فإنه لا يحدثكم أحد بعدي بمثل حديثي. وقال ابن
حجر في صواعقه: نقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان وانتشر
صيته في جميع البلدان اه وفي مناقب ابن شهرآشوب نقل عنه من
العلوم ما لم ينقل عن أحد، وقال أيضا: قال نوح بن دراج لابن أبي ليلى
أ كنت تاركا قولا قلته أو قضاء قضيته لقول أحد قال لا إلا رجلا واحدا،
قال من هو؟ قال: جعفر بن محمد. وقال المفيد في الارشاد: نقل الناس
عنه من العلوم ما سارت به الركبان وانتشر ذكره في البلدان ولم ينقل العلماء
عن أحد من أهل بيته ما نقل عنه ولا لقي أحد منهم من أهل الآثار ونقلة
الأخبار ولا نقلوا عنهم ما نقلوا عن أبي عبد الله ع فان أصحاب الحديث
قد جمعوا أسماء الرواة عنه من الثقات على اختلافهم في الآراء والمقالات
فكانوا أربعة آلاف رجل اه أقول وذلك أن الحافظ بن عقدة
الزيدي جمع في كتاب رجاله أربعة آلاف رجل من الثقات الذين رووا عن
جعفر بن محمد فضلا عن غيرهم وذكر مصنفاتهم، ومر في المقدمات قول
المحقق في المعتبر: انتشر عن جعفر بن محمد من العلوم الجمة ما بهر به
العقول اه. وروى عنه راو واحد وهو أبان بن تغلب ثلاثين ألف
حديث، روى الكشي في رجاله بسنده عن الصادق ع أنه قال:
أبان بن تغلب روى عني ثلاثين ألف حديث، وروى
النجاشي في رجاله بسنده عن الحسن بن علي الوشاء في حديث أنه قال
أدركت في هذا المسجد يعني مسجد الكوفة تسعمائة شيخ كل يقول
حدثني جعفر بن محمد: وكان ع يقول حديثي حديث أبي
وحديث أبي حديث جدي وحديث جدي حديث علي بن أبي طالب وحديث
علي حديث رسول الله ص وحديث رسول الله قول الله عز وجل.
وقال ابن شهرآشوب في المناقب: ولا تخلو كتب أحاديث وحكمة وزهد
وموعظة من كلامه، يقولون: قال جعفر بن محمد الصادق ع.
مما حفظ عنه في وجوب المعرفة بالله تعالى
قال المفيد في الارشاد: ومما حفظ عنه في وجوب المعرفة بالله تعالى
وبدينه قوله: وجدت علم الناس كلهم في أربع: أولها أن تعرف ربك
والثاني أن تعرف ما صنع بك والثالث أن تعرف ما أراد منك
والرابع أن تعرف ما يخرجك عن دينك. قال المفيد: وهذه أقسام تحيط
بالمفروض من المعارف لأنه أول ما يجب على العبد معرفة ربه جل جلاله
فإذا علم أن له إلاها وجب أن يعرف صنيعه إليه فإذا عرف صنيعه إليه
عرف به نعمته، فإذا عرف نعمته وجب عليه شكره، فإذا أراد تأدية شكره
وجب عليه معرفة مراده ليطيعه بفعله، وإذا وجبت عليه طاعته وجبت عليه
معرفة ما يخرجه عن دينه ليجتنبه فيخلص به طاعة ربه وشكر إنعامه.
مما حفظ عنه في التوحيد ونفي التشبيه
في الارشاد: مما حفظ عنه في التوحيد ونفي التشبيه قوله لهشام بن
الحكم: ان الله تعالى لا يشبه شيئا ولا يشبهه شئ وكلما وقع في الوهم فهو
بخلافه.
مما حفظ عنه في نفي الرؤية
ما ذكره المرتضى في الأمالي قال: روى عن أبي عبد الله الصادق
ع أنه سأله محمد الحلبي فقال له هل رأى رسول الله ص ربه فقال نعم
رآه بقلبه فاما ربنا جل جلاله فلا تدركه أبصار الناظرين ولا تحيط به أسماع
السامعين.
مما حفظ عنه في العدل
في الارشاد: ومما حفظ عنه من موجز القول في العدل قوله لزرارة بن
أعين: يا زرارة أعطيك جملة في القضاء والقدر، قال له زرارة نعم جعلت
فداك، قال له إذا كان يوم القيامة وجمع الله الخلائق عما عهد إليهم ولم
يسألهم عما قضى عليهم.
مما حفظ عنه في الحث على النظر في دين الله والمعرفة لأولياء الله
في الارشاد: ومما حفظ عنه في الحث على النظر في دين الله والمعرفة
لأولياء الله قوله: أحسنوا النظر فيما لا يسعكم جهله وانصحوا لأنفسكم
وجاهدوا في طلب معرفة ما لا عذر لكم في جهله فان لدين الله أركانا لا
تنفع من جهلها شدة اجتهاده في طلب ظاهر عبادته ولا يضر من عرفها
فدان بها حسن اقتصاده ولا سبيل لاحد إلى ذلك إلا بعون من الله.
احتجاجه على الصوفية فيما ينهون عنه من طلب الرزق
روى الحسن بن علي بن شعبة الحلبي في تحف العقول خبر دخول
سفيان الثوري على الصادق ع الذي مر في صفته في لباسه ع
ثم قال: ثم أتاه قوم ممن يظهرون التزهد ويدعون الناس أن يكونوا معهم
على مثل الذي هم عليه من التقشف فقالوا ان صاحبنا حصر عن كلامك
ولم تحضره حجة فقال لهم هاتوا حججكم فقالوا ان حجتنا من كتاب الله
قال لهم فادلوا بها فإنها أحق ما اتبع وعمل به، قالوا يقول الله تبارك وتعالى
يخبر عن قوم من أصحاب النبي ص ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم
خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون فمدح فعلهم وقال في
موضع آخر ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا فنحن
(٦٦١)

نكتفي بهذا، فقال أبو عبد الله ع: أخبروني أيها النفر أ لكم علم بناسخ
القرآن من منسوخه ومحكمه من متشابهه الذي في مثله ضل من ضل وهلك
من هلك من هذه الأمة؟ فقالوا أ وبعضه فاما كله فلا، فقال لهم من ها
هنا أتيتم وكذلك أحاديث رسول الله ص أما ما ذكرتم من أخبار الله إيانا في
كتابه عن القوم الذين أخبر عنهم بحسن فعالهم فقد كان مباحا جائزا ولم
يكونوا نهوا عنه وثوابهم منه على الله وذلك أن الله جل وتقدس أمر بخلاف
ما عملوا به فصار أمره ناسخا لفعلهم وكان نهى تبارك وتعالى رحمة
للمؤمنين ونظرا لكي لا يضروا بأنفسهم وعيالاتهم منهم الضعفة الصغار
والولدان والشيخ الفان والعجوز الكبيرة الذين لا يصبرون على الجوع فان
تصدقت برغيفي ولا رغيف لي غيره ضاعوا وهلكوا جوعا فمن ثم قال
رسول الله ص خمس تمرات أو خمس قرص أو دنانير أو دراهم يملكها
الإنسان وهو يريد ان يمضيها فأفضلها ما أنفقه الإنسان على والديه ثم الثانية
على نفسه وعياله (١) ثم الثالثة على القرابة واخوانه المؤمنين ثم الرابعة على
جيرانه الفقراء ثم الخامسة في سبيل الله وهو أخسها أجرا ثم قال حدثني أبي
أن النبي ص قال أبدأ بمن تعول الأدنى فالأدنى ثم هذا ما نطق به الكتاب
ردا لقولكم ونهيا عنه مفروض من الله العزيز الحكيم قال الذين إذا انفقوا
لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما أ فلا ترون أن الله تبارك تعالى عير
ما أراكم تدعون إليه والمسرفين في غير آية من كتاب الله يقول إنه لا يحب
المسرفين فنهاهم عن الاسراف ونهاهم عن التقتير لكن أمر بين أمرين لا
يعطي جميع ما عنده ثم يدعو الله أن يرزقه فلا يستجيب له للحديث الذي
جاء عن النبي ص أن أصنافا من أمتي لا يستجاب لهم دعاؤهم: رجل
يدعو على والديه ورجل يدعو على غريم ذهب له بمال ولم يشهد عليه ورجل
يدعو على امرأته و قد جعل الله تخلية سبيلها بيده ورجل يقعد في البيت
ويقول يا رب ارزقني ولا يخرج يطلب الرزق فيقول الله جل وعز عبدي أ ولم أجعل
لك السبيل إلى الطلب والضرب في الأرض بجوارح صحيحة فتكون قد
أعذرت فيما بيني وبينك في الطلب لاتباع أمري ولكيلا تكون كلا على
أهلك فان شئت رزقتك وإن شئت قترت عليك وأنت معذور عندي،
ورجل رزقه الله مالا كثيرا فانفقه ثم أقبل يدعو يا رب ارزقني فيقول الله أ لم
أرزقك رزقا واسعا أ فلا اقتصدت فيه كما أمرتك ولم تسرف وقد نهيتك
ورجل يدعو في قطيعة رحم. ثم علم الله نبيه كيف ينفق وذلك أنه كان
عنده أوقية من ذهب فكره أن تبيت عنده فتصدق بها وأصبح ليس عنده
شئ وجاءه من يسأله فلم يكن عنده ما يعطيه فلامه السائل واغتم هو
حيث لم يكن عنده ما يعطيه وكان رحيما رفيقا فأدب الله نبيه بأمره إياه فقال
ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما
محسورا، يقول أن الناس قد يسألونك ولا يعذرونك فإذا أعطيت جميع ما
عندك كنت قد حسرت من المال.
فهذه أحاديث رسول الله ص يصدقها الكتاب، والكتاب يصدقه
أهله من المؤمنين ثم من قد علمتم في فضله وزهده سلمان وأبو ذر فاما
سلمان فكان إذا أخذ عطاءه رفع منه قوته لسنته حتى يحضره عطاؤه من
قابل فقيل له يا أبا عبد الله أنت في زهدك تصنع هذا وأنك لا تدري لعلك
تموت اليوم أو غدا فكان جوابه أن قال: ما لكم لا ترجون لي البقاء كما
خفتم علي الفناء أ وما علمتم يا جهلة أن النفس قد تلتاث على صاحبها إذا
لم يكن لها من العيش ما تعتمد عليه فإذا هي أحرزت معيشتها اطمأنت.
وأما أبو ذر فكانت له نويقات وشويهات يحلبها ويذبح منها إذا اشتهى
أهله اللحم أو نزل به ضيف أو رأى باهل الماء الذين هم معه خصاصة نحر لهم
الجزور أو من الشاء على قدر ما يذهب عنهم قرم اللحم فيقسمه بينهم
ويأخذ كنصيب أحدهم لا يفضل عليهم، ومن أزهد من هؤلاء وقد قال
فيهم رسول الله ص ما قال ولم يبلغ من أمرهما أن صارا لا يملكان شيئا البتة
كما تأمرون الناس بالقاء أمتعتهم وشيئهم ويؤثرون به على أنفسهم
وعيالاتهم، وأخبروني عن القضاة، أ جور منهم حيث يفرضون على الرجل
منكم نفقة امرأته إذا قال أنا زاهد وأنه لا شئ لي؟ فان قلتم جور ظلمتم
أهل الاسلام وإن قلتم بل عدل خصمتم أنفسكم.
أخبروني لو كان الناس كلهم كما تريدون زهادا لا حاجة لهم في متاع
غيرهم فعلى من كان يتصدق بكفارات الايمان والنذور والصدقات من فرض
الزكاة إذا كان الأمر كما تقولون لا ينبغي لأحد أن يحبس شيئا من عرض الدنيا
إلا قدمه وإن كان به خصاصة فبئس ما ذهبتم إليه وحملتم الناس عليه من
الجهل بكتاب الله وسنة نبيه وأحاديثه التي يصدقها الكتاب المنزل أوردكم
إياها بجهالتكم وترككم النظر في غرائب القرآن من التفسير بالناسخ من
المنسوخ والمحكم والمتشابه والأمر والنهي. وأخبروني أنتم أعلم أم سليمان
ابن داود ع حيث سال الله ملكا لا ينبغي لأحد من بعده فأعطاه الله
ذلك وكان يقول الحق ويعمل به ثم لم نجد الله عاب ذلك عليه ولا أحد من
المؤمنين وداود قبله في ملكه وشدة سلطانه ثم يوسف النبي حيث قال لملك
مصر اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم فكان من أمره الذي كان
أن أختار مملكة الملك وما حولها إلى اليمن فكانوا يمتارون الطعام من عنده
لمجاعة أصابتهم وكان يقول الحق ويعمل به ثم لم نجد أحدا عاب ذلك
عليه ثم ذو القرنين عبد أحب الله فأحبه طوى له الأسباب وملكه مشارق
الأرض ومغاربها وكان يقول بالحق ويعمل به ثم لم نجد أحدا عاب ذلك
عليه فتأدبوا أيها النفر بآداب الله للمؤمنين واقتصروا على أمر الله ونهيه
ودعوا عنكم ما اشتبه عليكم مما لا علم لكم به وردوا العلم إلى أهله
تؤجروا وتعذروا عند الله وكونوا في طلب علم الناسخ من القرآن من
منسوخه ومحكمه من متشابهه وما أحل الله فيه مما حرم فإنه أقرب لكم من
الله وأبعد لكم من الجهل ودعوا الجهالة لأهلها فان أهل الجهل كثير وأهل
العلم قليل وقد قال الله عز وجل وفوق كل ذي علم عليم.
ما جاء عنه في أجوبة المسائل
روى الكليني في الكافي بسنده أن ابن أبي العوجاء سال هشام بن
الحكم فقال أ ليس الله حكيما قال بلى هو أحكم الحاكمين قال فأخبرني عن
قول الله عز وجل فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع
فان خفتم ألا تعدلوا فواحدة أ ليس هذا فرض قال بلى قال فأخبرني عن
قوله عز وجل ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا
كما الميل أي حكيم يتكلم بهذا فلم يكن عنده جواب فرحل إلى المدينة إلى
أبي عبد الله ع فقال يا هشام في غير وقت حج ولا عمرة قال نعم جعلت
فداك لأمر أهمني أن ابن أبي العوجاء سألني عن مسالة لم يكن عندي فيها
شئ قال وما هي فأخبرته بالقصة فقال أبو عبد الله ع أما قوله عز وجل
فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فان خفتم أن لا

(١) ان أريد بالعيال الزوجة نافى ما ثبت من أن نفقة الزوجة مقدمة على نفقة الأقارب ويمكن أن
يراد هنا غير النفقة الواجبة مما فيه التوسعة أو نحو ذلك.
(٦٦٢)

تعدلوا فواحدة يعني في النفقة وأما قوله ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين
النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة يعني في المودة فلما
قدم عليه هشام بهذا الجواب قال والله ما هذا من عندك.
وفي مناقب ابن شهرآشوب: دخل عمرو بن عبيد على الصادق
ع وقرأ إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه وقال أحب أن أعرف الكبائر من
كتاب الله (١) فقال نعم يا عمرو ثم فصلها بان الكبائر:
الشرك بالله إن الله لا يغفر أن يشرك به.
والياس من روح الله ولا ييأس من روح الله إلا القوم
الكافرون.
وعقوق الوالدين لان العاق جبار شقي. وبرا بوالدتي ولم تجعلني
جبارا شقيا.
وقتل النفس ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها
وغضب الله عليه ولعنه واعد له عذابا عظيما.
وقذف المحصنات إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات
لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم.
وأكل مال اليتيم إن الذين يأكلون
أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا.
والفرار من الزحف ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير.
وأكل الربا الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي
يتخبطه الشيطان من المس.
والزنا ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا. ولا يزنون
ومن يفعل ذلك يلق إثاما.
واليمين الغموس إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا
أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة
ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم.
والغلول ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة.
ومنع الزكاة والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل
الله فبشرهم بعذاب أليم يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم
وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون.
وشهادة الزور والذين لا يشهدون الزور.
وكتمان الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه.
وشرب الخمر لقوله ع شارب الخمر كعابد وثن.
وترك الصلاة لقوله ص من ترك الصلاة متعمدا فقد برئ من
ذمة الله وذمة رسوله.
ونقض العهد وقطيعة الرحم الذين ينقضون عهد الله من بعد
ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم
الخاسرون.
وقول الزور واجتنبوا قول الزور.
والجرأة على الله أ فامنوا مكر الله فلا يامن مكر الله إلا القوم
الخاسرون.
وكفران النعمة ولئن كفرتم إن عذابي لشديد.
وبخس الكيل والوزن ويل للمطففين.
واللواط الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش.
والبدعة لقوله ع من تبسم في وجه مبتدع فقد أعان على
هدم دينه.
قال المفيد: والأخبار فيما حفظ عنه من الحكمة والبيان والحجة
والزهد والموعظة وفنون العلم كله أكثر من أن تحصى بالخطاب أو تحوى
بالكتاب وفيما أثبتناه منها كفاية في الغرض الذي قصدناه.
ثانيها الحلم قال الحافظ عبد العزيز بن الأخضر الجنابذي في
كتاب معالم العترة: وقع بين جعفر بن محمد وعبد الله بن حسن كلام في
صدر يوم فاغلظ له في القول عبد الله بن حسن ثم افترقا وراحا إلى المسجد
فالتقيا على باب المسجد فقال أبو عبد الله جعفر بن محمد لعبد الله بن حسن كيف
أمسيت يا أبا محمد؟ فقال بخير كما يقول المغضب! فقال يا أبا محمد أما
علمت أن صلة الرحم تخفف الحساب؟ فقال لا تزال تجئ بالشئ لا
نعرفه؟ فقال إني أتلو عليك به قرآنا؟ قال وذلك أيضا؟ قال نعم؟ قال
فهاته؟ قال قول الله عز وجل: والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل
ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب قال فلا تراني بعدها قاطعا رحما.
وعن المناقب عن كتاب الروضة أنه دخل سفيان الثوري على الصادق ع
فرآه متغير اللون فسأله عن ذلك فقال كنت نهيت أن يصعدوا فوق البيت
فدخلت فإذا جارية من جواري ممن تربي بعض ولدي قد صعدت في سلم
والصبي معها فلما بصرت بي ارتعدت وتحيزت وسقط الصبي إلى الأرض
فمات فما تغير لوني لموت الصبي وإنما تغير لوني لما أدخلت عليها من الرعب
وكان ع قال لها أنت حرة لوجه الله لا باس عليك مرتين. ورواه
صاحب غاية الاختصار ص ٦٢ بسنده إلى سفيان الثوري نحوه. وروى
الكليني في الكافي بسنده أن أبا عبد الله ع بعث غلاما له في حاجة فأبطأ
أبو عبد الله ع على أثره لما أبطا عليه فوجده نائما فجلس عند رأسه يروحه
حتى انتبه فلما انتبه قال له أبو عبد الله ع يا فلان والله ما ذاك لك
تنام الليل والنهار لك الليل ولنا منك النهار.
ثالثها الصبر وروى الصدوق في العيون بسنده عن أبي محمد عن
آبائه عن موسى بن جعفر ع قال: نعى إلى الصادق جعفر بن
محمد ع ابنه إسماعيل بن جعفر وهو أكبر أولاده وهو يريد أن
يأكل وقد اجتمع ندماؤه فتبسم ثم دعا بطعامه وقعد مع ندمائه وجعل يأكل
أحسن من أكله سائر الأيام ويحدث ندماءه ويضع بين أيديهم ويعجبون منه أن لا
يرون للحزن عليه أثرا فلما فرع قالوا يا ابن رسول الله لقد رأينا عجبا
أصببت بمثل هذا الابن وأنت كما نرى، قال وما لي لا أكون كما ترون وقد
جاءني خبر أصدق الصادقين أني ميت وإياكم أن قوما عرفوا الموت فجعلوه

(١) وهي ما ورد الذم والتهديد عليه في الكتاب العزيز أو في السنة المطهرة ولذلك ذكر الصادق
(ع) في بعضها التهديد من الكتاب وفي بعضها من السنة لعدم الفرق.
(٦٦٣)

نصب أعينهم ولم ينكروا من يخطفه الموت منهم وسلموا لأمر خالقهم عز
وجل.
وروى الكليني في الكافي باسناده عن قتيبة الأعشى قال: أتيت أبا
عبد الله ع أعود أبنا له فوجدته على الباب فإذا هو مهتم حزين فقلت
جعلت فداك كيف الصبي؟ فقال إنه لما به ثم دخل فمكث ساعة ثم خرج
إلينا وقد أسفر وجهه وذهب التغير والحزن فطمعت أن يكون قد صلح
الصبي فقلت كيف الصبي جعلت فداك؟ فقال قد مضى الصبي لسبيله،
فقلت جعلت فداك لقد كنت وهو حي مغتما حزينا وقد رأيت حالك الساعة
وقد مات غير تلك الحال فكيف هذا؟ فقال إنا أهل البيت إنما نجزع قبل
المصيبة فإذا وقع أمر الله رضينا بقضائه وسلمنا لأمره.
وبسنده عن العلاء بن كامل قال: كنت جالسا عند أبي عبد الله
ع فصرخت الصارخة من الدار فقام أبو عبد الله ع ثم جلس
فاسترجع وعاد في حديثه حتى فرع منه ثم قال إنا لنحب أن نعافى في أنفسنا
وأولادنا وأموالنا فإذا وقع القضاء فليس لنا أن نحب ما لم يحب الله لنا.
رابعها العبادة وكثرة ذكر الله روى الكليني في الكافي باسناده أنه
أحصى على الصادق ع في سجوده خمسمائة تسبيحة. وبسنده عن
إبان بن تغلب: دخلت على الصادق ع فعددت له في الركوع والسجود
ستين تسبيحة. وروى الراوندي في الخرائج عن منصور الصيقل أنه رأى أبا
عبد الله ع ساجدا في مسجد النبي ص قال فجلست حتى أطلت ثم
قلت لأسبحن ما دام ساجدا فقلت سبحان ربي وبحمده استغفر ربي وأتوب
إليه ثلثمائة ونيفا وستين مرة فرفع رأسه الحديث.
خامسها مكارم الأخلاق روى الزمخشري في ربيع الأبرار عن
الشقراني مولى رسول الله ص قال: خرج العطاء أيام المنصور وما لي شفيع
فوقفت على الباب متحيرا وإذا بجعفر بن محمد قد أقبل فذكرت له حاجتي
فدخل وخرج وإذا بعطائي في كمه فناولني إياه وقال أن الحسن من كل أحد
حسن وانه منك أحسن لمكانك منا، وأن القبيح من كل أحد قبيح وأنه منك
أقبح لمكانك منا. قال سبط ابن الجوزي: وإنما قال له ذلك لأنه كان يشرب
الشراب فوعظه على وجه التعريض وهذا من أخلاق الأنبياء اه.
سادسها الكرم والسخاء في حلية الأولياء بسنده عن الهياج بن
بسطام: كان جعفر بن محمد ع يطعم حتى لا يبقى لعياله شئ. وفي
مطالب السؤول: كان ع يقول لا يتم المعروف إلا بثلاثة: تعجيله
وتصغيره وستره، ويأتي نظيره في حكمه وآدابه.
سابعها كثرة الصدقة روى الكليني في الكافي بسنده عن هشام
بن سالم قال: كان أبو عبد الله ع إذا أعتم وذهب من الليل شطره أخذ
جرابا فيه خبز ولحم ودراهم فحمله على عنقه ثم ذهب به إلى أهل الحاجة
من أهل المدينة فقسمه فيهم ولا يعرفونه فلما مضى أبو عبد الله ع
فقدوا ذلك فعلموا أنه كان أبا عبد الله ع. ويأتي برواية أخرى في
حكمه وآدابه.
مميزات القرن الثاني في عصر الإمام الصادق ع
ولد ع سنة ٨٠ أو ٨٣ للهجرة وتوفي سنة ١٤٨ فمدة حياته
٦٨ سنة، أدرك فيها ملك هشام بن عبد الملك إلى آخر دولة بني أمية،
وأدرك من دولة بني العباس ملك السفاح وعشر سنين من ملك المنصور.
ومن مميزات هذا العصر انتشار العلوم الاسلامية فيه من التفسير
والفقه والحديث وعلم الكلام والجدل والأنساب واللغة والشعر والأدب
والكتابة والتاريخ والنجوم وغيرها.
وكان الإمام الصادق أشهر أهل زمانه علما وفضلا، قال مالك بن
أنس أمام المذهب: ما رأت عيني أو ما رأت عين ولا سمعت أذن ولا خطر
على قلب بشر أفضل من جعفر بن محمد فضلا وعلما وعبادة وورعا وكان
كثير الحديث طيب المجالسة كثير الفوائد.
وقال الحسن بن زياد: سمعت أبا حنيفة وقد سئل عن أفقه من
رأيت قال جعفر بن محمد.
وقال ابن أبي ليلى: ما كنت تاركا قولا قلته أو قضاء قضيته لقول
أحد ألا رجلا واحدا هو جعفر بن محمد.
ولم يقل أحد سلوني قبل أن تفقدوني إلا أمير المؤمنين علي بن أبي
طالب وولده جعفر بن محمد. روى الجنابذي في معالم العترة الطاهرة عن
صالح بن الأسود: سمعت جعفر بن محمد يقول: سلوني قبل أن تفقدوني
فإنه لا يحدثكم أحد بعدي بمثل حديثي. وكان ع يقول:
حديثي حديث أبي وحديث أبي حديث جدي وحديث جدي حديث علي بن
أبي طالب وحديث علي حديث رسول الله.
وانتشر عنه من العلوم الجمة ما بهر به العقول، ولم ينقل العلماء عن
أحد من أهل بيته ما نقل عنه ولا لقي أحدا منهم من أهل الآثار ونقلة
الأخبار ولا نقلوا عنهم ما نقلوا عنه فقد جمع أصحاب الحديث أسماء الرواة
عنه من الثقات على اختلافهم في الآراء والمقالات فكانوا أربعة آلاف رجل
ذكرهم الحافظ ابن عقدة الزيدي في كتاب رجاله وذكر مصنفاتهم فضلا عن
غيرهم، واستدرك ابن الغضائري على ابن عقدة فزاد عليهم، وروى عنه
راو واحد وهو أبان بن تغلب ثلاثين ألف حديث. وقال الحسن بن علي
الوشاء: أدركت في هذا المسجد أي مسجد الكوفة تسعمائة شيخ كل
يقول حدثني جعفر بن محمد. وبرز بتعليمه من الفقهاء والأفاضل جم غفير
كزرارة بن أعين وأخويه بكر وحمران وجميل بن صالح وجميل بن دراج
ومحمد بن مسلم الطائفي وبريد بن معوية وهشام بن الحكم وهشام بن سالم
وأبي بصير وعبيد الله ومحمد وعمران الحلبيين وعبد الله بن سنان وأبي الصباح
الكناني وغيرهم من أعيان الفضلاء. ونقل عنه الحديث واستفاد منه العلم
جماعات غير هؤلاء الأربعة الآلاف من أعيان الأئمة وأعلامهم مثل يحيى بن
سعيد الأنصاري وابن جريح ومالك بن انس والثوري وابن عيينة وأبي
حنيفة وشعبة وأيوب السختياني وجابر بن حيان الكوفي وأبان بن تغلب وأبو
عمرو بن العلاء وعمرو بن دينار وآخرين غيرهم، ومن غلمانه أبو يزيد
البسطامي وإبراهيم بن أدهم ومالك بن دينار. وكان السبب في انتشار
علومه وكثرة الآخذين عنه أنه أدرك أواخر الدولة الأموية وأوائل الدولة
العباسية، فأدرك الأولى في أيام ضعفها فتمكن من نشر علوم أجداده لقلة
الخوف، وكانت الثانية في أولها لم تنجم فيها ناجمة الحسد لآل أبي طالب وهي دولة
هاشمية ترى أن مثل جعفر الصادق من مفاخرها. وقد روي عنه في
التفسير الشئ الكثير وكذلك في علم الكلام ورد الدهرية وحسبك من
(٦٦٤)

ذلك بتوحيد المفضل. ودون من أجوبة مسائله في الفقه وغيره كتب جمة
واخذت عنه مهمات علم أصول الفقه وكتب من أجوبة مسائله أربعمائة مصنف لأربعمائة
مصنف تعرف بالأصول الأربعمائة بالتفسير.
وممن اشتهر بالتفسير والنسب في ذلك العصر محمد بن السائب
الكلبي والسدي الكبير إسماعيل بن عبد الرحمن وأبو حمزة الثمالي. وبالفقه
والحديث في ذلك العصر غير الإمام الصادق الإمام أبو حنيفة إمام المذهب
وتلميذه أبو يوسف ومالك بن أنس إمام المذهب ومحمد بن عبد الرحمن بن
أبي ليلى وغيرهم وابن جريح وعروة بن الزبير وابن سيرين المعروف بالتفسير
والحسن البصري والشغبي. وفي التاريخ والمغازي محمد بن إسحاق بن
يسار. وفي العربية معاذ بن مسلم الهراء الكوفي واضع علم الصرف. وفي
النجوم نوبخت وبنوه. وفي الكتابة عبد الحميد أحد كتاب الدنيا كاتب
مروان الحمار آخر ملوك بني أمية.
ومن الكتاب من أصحاب الصادق ع أبو حامد إسماعيل الكاتب
الكوفي. وممن اشتهر من الشعراء في عصره وبعضهم كان من مادحيه السيد
الحميري وأشجع السلمي والكميت وابنه المستهل وأخوه الورد وأبو هريرة
الأبار وأبو هريرة العجلي والعبدي وجعفر بن عفان وسليمان بن قتة العدوي
وسديف وإبراهيم بن هرمة ومنصور النمري.
أخباره وأحواله
عن كتاب نثر الدرر للآبي: وقف أهل مكة وأهل المدينة بباب
المنصور فاذن الربيع لأهل مكة قبل أهل المدينة فقال جعفر ع: أ تأذن
لأهل مكة قبل أهل المدينة؟ فقال الربيع: مكة العش فقال جعفر عش
والله طار خياره وبقي شراره. قال: وقيل له إن أبا جعفر المنصور لا يلبس
مذ صارت الخلافة إليه إلا الخشن ولا يأكل إلا الجشب فقال يا ويحه مع ما
قد مكن الله له من السلطان وجبي إليه من الأموال، فقيل له إنما يفعل
ذلك بخلا وجمعا للأموال فقال الحمد لله الذي حرمه من دنياه ماله وترك
دينه.
وفي مطالب السؤول: نقل أنه كان رجل من أهل السواد يلزم
جعفرا ففقده فسال عنه فقال له رجل يريد أن يستنقص به: إنه نبطي فقال
جعفر ع أصل الرجل عقله وحسبه دينه وكرمه تقواه والناس في آدم
مستوون فاستحى ذلك القائل. وقال الآبي في نثر الدرر: مر به رجل وهو
يتغدى فلم يسلم فدعاه إلى الطعام فقيل له السنة أن يسلم ثم يدعى وقد
ترك السلام على عمد فقال هذا فقه فيه بخل اه أقول إذا صح
حديث أنه لا يدعى إلى الطعام إذا لم يسلم يمكن توجيه هذا الحديث
باختلاف الجهات في الاستحباب وعدمه كما يشير إليه قوله ع فيه بخل.
وفي حلية الأولياء بسنده قال جعفر بن محمد ع: قال موسى ع يا
رب أسألك أن لا يذكرني أحد إلا بخير قال ما فعلت ذلك لنفسي.
وفي حلية الأولياء بسنده عن عبد الله بن أبي يعفور عن جعفر بن
محمد قال: بني الإنسان على خصال فمهما بني عليه فإنه لا يبني على الخيانة
والكذب أقول المراد والله العالم أنه يطبع على بعض الأخلاق السيئة
ولكنه لا يطبع على الخيانة والكذب كما في حديث آخر بل يكون ذلك
اكتسابا لا من طبعه الأصلي. وبسنده عن جعفر بن محمد: الفقهاء أمناء
الرسل فإذا رأيتم الفقهاء قد ركبوا إلى السلاطين فاتهموهم.
علة النهي عن جذاذ الليل وحصاده
روى الحافظ عبد العزيز بن الأخضر الجنابذي في كتابه معالم العترة
عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده أن النبي ص نهى عن جذاذ الليل
وحصاده قال جعفر بن محمد إنما كره ذلك لأنه لا يحضره الفقراء والمساكين.
كن لأخيك كما تكون لنفسك
روى الحافظ عبد العزيز بن الأخضر الجنابذي في معالم العترة عن
جعفر بن محمد: من لم يكن لأخيه كما يكون لنفسه لم يعط الاخوة حقها أ لا
ترى كيف حكى الله تعالى في كتابه أنه يفر المرء من أبيه والأخ من أخيه ثم
ذكر في ذلك الموقف شفقة الأصدقاء يقول فما لنا من شافعين ولا صديق
حميم.
الذليل هو الظالم
وروى صاحب معالم العترة أيضا عن جابر بن عون أنه قال رجل
لجعفر بن محمد انه وقع بيني وبين قوم منازعة في أمر وأني أريد أن أتركه
فيقال لي أن تركك له ذل فقال له جعفر بن محمد أن الذليل هو الظالم.
أخباره مع دعاة بني العباس
في أمالي المرتضى روي أن دعاة خراسان صاروا إلى أبي عبد الله
الصادق ع فقالوا له أردنا ولد محمد بن علي فقال أولئك بالسراة
ولست بصاحبكم فقالوا لو أراد الله بنا خيرا كنت صاحبنا فقال المنصور بعد
ذلك لأبي عبد الله أردت الخروج علينا فقال نحن ندل عليكم في دولة
غيركم فكيف نخرج عليكم في دولتكم.
خبره مع أبي سلمة الخلال حفص بن سليمان الهمذاني
وعبد الله بن الحسن المثنى
في عمدة الطالب: لما قدم أبو العباس السفاح وأهله سرا على أبي
سلمة الخلال الكوفي ستر أمرهم وعزم أن يجعلها شورى بين ولد علي
والعباس حتى يختاروا هم من أرادوا ثم قال أخاف أن لا يتفقوا ثم عزم أن
يعزل الأمر إلى ولد علي من الحسن والحسين فكتب إلى ثلاثة نفر منهم،
جعفر بن محمد بن علي بن الحسين، وعمر بن علي بن الحسين، وعبد الله
ابن الحسن بن الحسن، فبدأ الرسول بجعفر بن محمد فلقيه ليلا وأعلمه أن
معه كتابا إليه من أبي سلمة فقال وما أنا وأبو سلمة هو شيعة لغيري فقال
تقرأ الكتاب وتجيب عليه بما رأيت فقال جعفر لخادمه قدم مني السراج فقدمه
فوضع عليه كتاب أبي سلمة فاحرقه فقال أ لا تجيبه فقال قد رأيت الجواب،
فخرج من عنده وأتى عبد الله بن الحسن المثنى فقبل كتابه وركب إلى
جعفر بن محمد فقال أي أمر جاء بك يا أبا محمد لو أعلمتني لجئتك فقال أمر
يجل عن الوصف قال وما هو يا أبا محمد قال هذا كتاب أبي سلمة يدعوني
للأمر ويرى أني أحق الناس به وقد جاءته شيعتنا من خراسان فقال له جعفر
الصادق ع ومتى صاروا شيعتك؟ أ أنت وجهت أبا مسلم إلى خراسان
وأمرته بلبس السواد؟ هل تعرف أحدا منهم باسمه ونسبه كيف يكونون من
شيعتك وأنت لا تعرفهم ولا يعرفونك؟ فقال له عبد الله إن كان هذا
الكلام منك لشئ فقال جعفر قد علم الله أني أوجب على نفسي النصح
لكل مسلم فكيف أدخره عنك فلا تمنين نفسك الأباطيل فان هذه الدولة
ستتم لهؤلاء القوم وقد جاءني مثل ما جاءك. فانصرف غير راض بما قاله.
(٦٦٥)

وأما عمر بن علي بن الحسين فرد الكاتب وقال ما أعرف كاتبه فأجيبه. فهذا
الذي صدر من الصادق ع يدل على عظم قدره وإصابة رأيه على الأقل وعلى
قصور نظر عبد الله في اغتراره بذلك وعدم قبوله النصح من
الصادق واتهامه إياه بعد ما أقام له الحجة الواضحة على صحة ما أشار به،
ولله أمر هو بالغه. وفي قوله لو أعلمتني لجئتك دليل على كرم أخلاقه
ومحافظته على حق الرحم مع مزاحمة عبد الله له فيما ليس له باهل، وايصائه
إلى خمسة أحدهم المنصور الباقون محمد بن سليمان والي المدينة وولداه
عبد الله وموسى وحميدة جاريته أدل دليل على بعد نظره بتخليص وصيه
الحقيقي من القتل باشراكه في الوصية مع جماعة أحدهم فرعون بني
العباس.
ما فعله حين حمل المنصور بني حسن إلى العراق
روى أبو الفرج الأصبهاني باسناده إلى الحسين بن زيد بن علي قال إني
لواقف القبر والمنبر إذ رأيت بني حسن يخرج بهم من دار مروان يراد بهم
الربذة فأرسل إلي جعفر بن محمد ما وراءك قلت رأيت بني حسن يخرج بهم
في محامل فقال إجلس فدعا غلاما له ثم دعا ربه كثيرا ثم قال لغلامه اذهب فإذا
حملوا فائت فأخبرني فاتاه الرسول فقال قد أقبل بهم فقام جعفر فقام وراء
ستر شعر أبيض فطلع بعبد الله بن حسن وإبراهيم بن حسن وجميع أهلهم
كل واحد منهم معادله مسود فلما نظر إليهم جعفر بن محمد هملت عيناه حتى
جرت دموعه على لحيته ثم أقبل علي فقال يا أبا عبد الله والله لا تحفظ لله
حرمة بعد هذا والله ما وفت الأنصار لرسول الله ص بما أعطوه من البيعة على
العقبة على أن يمنعوه وذريته بما يمنعون منه أنفسهم وذراريهم فوالله ما وفوا له
حتى خرج من بين أظهرهم.
أخباره مع المنصور
في مطالب السؤول: حدث عبد الله بن الفضل بن الربيع عن أبيه
قال حج المنصور سنة ١٤٧ فقدم المدينة وقال للربيع ابعث إلى جعفر بن
محمد من يأتينا به متعبا قتلني الله إن لم اقتله فتغافل الربيع عنه لينساه ثم
أعاد ذكره للربيع وقال ابعث من يأتينا به متعبا فتغافل عنه ثم أرسل إلى
الربيع رسالة قبيحة أغلظ له فيها وأمره أن يبعث من يحضر جعفرا ففعل فلما
أتاه قال له الربيع يا أبا عبد الله أذكر الله فإنه قد أرسل إليك بما لا دافع له
غير الله. فقال جعفر: لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم أن الربيع أعلم المنصور
بحضوره فلما دخل جعفر عليه أوعده وأغلظ له وقال: اي عدو الله أتخذك
أهل العراق إماما يجبون إليك زكاة أموالهم وتلحد في سلطاني وتبغيه الغوائل
قتلني الله إن لم أقتلك، فقال له يا أمير المؤمنين إن سليمان ع أعطي
فشكر وإن أيوب ابتلي فصبر وإن يوسف ظلم فغفر وأنت من ذلك السنخ،
فلما سمع ذلك المنصور منه قال له إلي وعندي أبا عبد الله أنت البرئ
الساحة السليم الناحية القليل الغائلة جزاك الله من ذي رحم أفضل ما
جزى ذوي الأرحام عن أرحامهم ثم تناول يده فأجلسه معه على فراشه ثم
قال علي بالطيب فاتي بالغالية فجعل يغلف لحية جعفر بيده حتى تركها تقطر
ثم قال قم في حفظ الله وكلاءته ثم قال يا ربيع الحق أبا عبد الله جائزته
وكسوته. انصرف أبا عبد الله في حفظه وكنفه فانصرف. قال الربيع
ولحقته فقلت له إني قد رأيت قبلك ما لم تره ورأيت بعدك ما لا رأيته فما
قلت يا أبا عبد الله حين دخلت قال قلت:
دعاء لدفع الظالم
اللهم احرسني بعينك التي لا تنام واكنفني بركنك الذي لا يرام واغفر
لي بقدرتك علي ولا أهلك وأنت رجائي اللهم أنت أكبر وأجل مما أخاف
وأحذر اللهم بك أدفع في نحره واستعيذ بك من شره وفي رواية واكنفني
بكنفك الذي لا يرام ولا يضام
أحاديث في حلية الأولياء من طريق الصادق ع
في حلية الأولياء: حدثنا محمد بن عمر بن سالم حدثنا
القاسم بن محمد بن جعفر بن محمد بن عبد الله بن محمد
ابن عمر بن علي بن أبي طالب ع حدثني أبي عن أبيه
عن أبي عبد الله جعفر بن محمد بن علي عن أبيه عن علي بن الحسين بن
علي عن أمير المؤمنين علي قال رسول الله ص: من نقله الله عز وجل من
ذل المعاصي إلى عز التقوى أغناه بلا مال وأعزه بلا عشيرة وآنسه بلا أنيس
ومن خاف الله أخاف الله منه كل شئ ومن لم يخف الله أخافه الله تعالى من
كل شئ ومن رضي من الله تعالى باليسير من الرزق رضي الله تعالى منه
باليسير من العمل ومن لم يستح من طلب المعيشة خفت مؤونته ورحي باله
ونعم عياله ومن زهد في الدنيا ثبت الله الحكمة في قلبه وأنطق بها لسانه
وأخرجه من الدنيا سالما إلى دار القرار.
وبسنده عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن علي ع
قال رسول الله ص يا علي اتق دعوة المظلوم فإنما يسال الله حقه وإن الله لم
يمنع ذا حق حقه.
حدثنا القاضي أبو بكر محمد بن عمر بن سلم أملأ حدثنا القاسم بن
محمد بن جعفر بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب
حدثني أبي عن أبيه جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن الحسين عن
الحسين بن علي رأيت رسول الله ص قام خطيبا على أصحابه فقال: أيها
الناس كان الموت فيها على غيرنا كتب وكان الحق فيها على غيرنا وجب وكان
الذي نشيع من الأموات سفر عما قليل إلينا راجعون نأكل تراثهم كأننا
مخلدون بعدهم قد نسينا كل واعظة وأمنا كل جائحة طوبى لمن شغله عيبه
عن عيوب الناس طوبى لمن طاب مكسبه وصلحت سريرته وحسنت علانيته
واستقامت طريقته طوبى لمن تواضع لله من غير منقصة وأنفق مما جمعه من
غير معصية وخالط أهل الفقه والحكمة ورحم أهل الذل والمسكنة وطوبى لمن
أنفق الفضل من ماله وأمسك الفضل من قوله ووسعته السنة ولم يعدل عنها
إلى بدعة.
من أسند عنهم الصادق ع
في حلية الأولياء أسند جعفر بن محمد عن أبيه وعن عطاء بن أبي
رباح وعكرمة وعبيد الله بن أبي رافع وعبد الرحمن بن القاسم وغيرهم ا
ه أقول اسناده عمن ذكر غير أبيه إنما كان لبعض المصالح وإلا فهو
ليس بحاجة أن يسند عن أحد.
الراوون عن الصادق ع
مر في مناقبه أن الرواة عنه من الثقات أربعة آلاف رجل ومر في
المقدمات قول الطبرسي في إعلام الورى أنه تضافر النقل بان الذين رووا
عن أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق ع من مشهوري أهل
العلم أربعة آلاف إنسان. وقول المحقق في المعتبر روى عنه ما يقارب
أربعة آلاف رجل وبرز بتعليمه من الفقهاء الأفاضل جم غفير كزرارة بن
أعين وأخويه بكير وحمران وجميل بن صالح وجميل بن دراج ومحمد بن مسلم
(٦٦٦)

وبريد بن معوية والهاشمين وأبي بصير وعبيد الله ومحمد وعمران الحلبيين
وعبد الله بن سنان وأبي الصباح الكناني وغيرهم من أعيان الفضلاء وقول
الشهيد في الذكرى دون من رجاله المعروفين أربعة آلاف رجل من أهل
العراق والحجاز وخراسان والشام. واستدرك ابن الغضائري علي ابن عقدة
الذي جمع من أصحابه أربعة آلاف إنسان فزاد عليهم. وفي مطالب
السؤول لمحمد بن طلحة الشافعي: نقل عنه الحديث واستفاد منه العلم
جماعة من أعيان الأئمة وأعلامهم مثل يحيى بن سعيد الأنصاري وابن
جريج ومالك بن أنس والثوري وابن عيينة وأبي حنيفة وشعبة وأيوب
السختياني وغيرهم وعدوا أخذهم منه منقبة شرفوا بها وفضيلة اكتسبوها ا
ه. ومن تلاميذه جابر بن حيان.
وفي حلية الأولياء لأبي نعيم الأصفهاني روى عن جعفر عدة من
التابعين منهم يحيى بن سعيد الأنصاري وأيوب السختياني وإبان بن تغلب
وأبو عمرو بن العلاء ويزيد بن عبد الله بن الهاد وحدث عنه من الأئمة
والأعلام مالك بن أنس وشعبة بن الحجاج وسفيان الثوري وابن جريج
وعبد الله بن عمرو وروح بن القاسم وسفيان بن عيينة وسليمان بن بلال
وإسماعيل بن جعفر وحاتم بن إسماعيل وعبد العزيز بن المختار ووهب بن
خالد وإبراهيم بن طهمان في آخرين وأخرج عنه مسلم بن الحجاج في
صحيحه محتجا بحديثه ثم أورد حديثا في طريقه جعفر بن محمد عن أبيه عن
جابر ثم قال هذا حديث صحيح ثابت أخرجه مسلم في صحيحه أم أورد
أحاديث كثيرة في طريقها جعفر بن محمد الصادق ع ذكرنا بعضها في
المحل المناسب له من سيرة الصادق ع وتركنا أكثرها خوف الإطالة.
وقال ابن شهرآشوب في المناقب قال غير أبي نعيم روى عنه مالك
والشافعي والحسن بن صالح وأبو أيوب السجستاني وعمرو بن دينار
وأحمد بن حنبل قال وسال سيف الدولة عبد الحميد المالكي قاضي الكوفة
عن مالك فوصفه وقال كان جربند الصادق أي الربيب قال وكان مالك كثيرا
ما يدعي سماعه وربما قال حدثني الثقة بعينه جعفر بن محمد قال وقال
أبو عبد الله المحدث في رامش أقرى أن أبا حنيفة من تلامذته وأن امه
كانت في حبالة الصادق ع قال وكان محمد بن الحسن يعني الشيباني
أيضا من تلامذته ولأجل ذلك كانت بنو العباس لا تحترمهما قال وكان أبو
يزيد البسطامي طيفور السقا من خدمه وسقاه ثلاث عشرة سنة (١) وقال
أبو جعفر الطوسي كان إبراهيم بن أدهم ومالك بن دينار من غلمانه
اه.
وقال ابن حجر في الصواعق: روى عنه الأئمة الأكابر كيحيى بن
سعيد وابن جريج ومالك والسفيانين وأبي حنيفة وشعبة وأيوب السختياني.
وفي النصائح الكافية: احتج الستة في صحاحهم بجعفر الصادق إلا
البخاري على أنه احتج بمن قدمنا ذكرهم يعني مروان بن الحكم
وعمران بن حطان وحريز بن عثمان الرحبي وغيرهم فقد ذكر قبل ذلك
أن من رواة الصحاح مروان بن الحكم القائل للحسن بن علي أنكم أهل
بيت ملعونون وعمران بن حطان الخارجي القائل الأبيات المشهورة يثني بها
على ابن ملجم ويثلب الإمام علي بن أبي طالب وحريز بن عثمان الرحبي
الذي نقل صاحب التهذيب انه كان ينتقص عليا وينال منه. ثم قال:
وأمثال هؤلاء الرواة كثيرون ولكن هؤلاء الثلاثة مروان وعمران وحريز
عنوان ومثال لأنهم من رواة صحيح البخاري الذي قالوا عنه إنه أصح كتب
الحديث، قال: وقد قيل في هذا المعنى شعر:
- قضية أشبه بالمرزئه * هذا البخاري إمام الفئة -
- بالصادق الصديق ما احتج في * صحيحه واحتج بالمرجئه -
- ومثل عمران بن حطان أو * مروان وابن المرأة المخطئه -
- مشكلة ذات عوار إلى * حيرة أرباب النهى ملجئه -
- وحق بيت يممته الورى * مغذة في السير أو مبطئه -
- إن الإمام الصادق المجتبى * بفضله الآي أتت منبئه -
- أجل من في عصره رتبة * لم يقترف في عمره سيئه -
- قلامة من ظفر إبهامه * تعدل من مثل... مئه -
الرواة عنه من أولاده
ذكر الحافظ عبد العزيز بن الأخضر الجنابذي في كتابه معالم العترة
الطاهرة أنه روى عنه من أولاده موسى ومحمد وإسماعيل واسحق ثم أورد
لكل واحد منهم حديثا.
موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد عن أبيه عن جده علي بن
أبي طالب: أخذ النبي ص بيد حسن وحسين فقال: من أحبني وأحب
هذين وأباهما وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة.
محمد بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن جابر
أن النبي ص لبى بحجة وعمرة معا.
إسماعيل بن جعفر بن محمد عن أبيه جعفر بن محمد عن أبيه عن
جده عن أبيه علي بن أبي طالب ع، قال رسول الله ص من
حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه.
إسحاق بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد وذكر الحديث المتقدم في
أخباره مع المنصور.
وفي مناقب ابن شهرآشوب: بابه محمد بن سنان واجتمعت العصابة
على تصديق ستة من فقهائه ع وهم: جميل بن دراج.
عبد الله بن مسكان. عبد الله بن بكير. حماد بن عيسى.
حماد بن عثمان. أبان بن عثمان. وأصحابه من التابعين نحو: إسماعيل بن عبد
الرحمن الكوفي. عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي ع ومن
خواص أصحابه: معوية بن عمار مولى بني دهن وهو حي من بجيلة. زيد
الشحام. عبد الله بن أبي يعفور. أبو جعفر محمد بن علي بن النعمان
الأحول. أبو الفضل سدير بن حكيم. عبد السلام بن عبد الرحمن.
جابر بن يزيد الجعفي. أبو حمزة الثمالي. ثابت بن دينار. المفضل بن
قيس بن رمانة. المفضل بن عمر الجعفي. نوفل بن الحارث بن عبد
المطلب. ميسرة بن عبد العزيز. عبد الله بن عجلان. جابر المكفوف.
أبو داود المسترق. إبراهيم بن مهزم الأسدي. بسام الصيرفي.
سليمان بن مهران أبو محمد الأسدي مولاهم الأعمش. أبو خالد القماط
واسمه يزيد. ثعلبة بن ميمون أبو بكر الحضرمي. الحسن بن زياد عبد
الرحمن بن عبد العزيز الأنصاري من ولد أبي أمامة سفيان بن عيينة بن أبي
عمران الهلالي. عبد العزيز بن أبي حازم سلمة بن دينار المدني. ومن

(١) في مجالس المؤمنين أن الصادق (ع) توفي (١٤٨) وأبو يزيد البسطاني توفي (٢٦١) بلا
خلاف في التاريخين ما ان بينهما ١١٣ سنة ولم يذكروا في عمر أبي يزيد أكثر من ثمانين سنة
والجمع بينهما بأن أبا يزيد اثنان أكبر واصغر كما يفهم من معجم البلدان والذي خدم الصادق
(ع) هو الأكبر والذي توفي (٢٦١) هو الأصغر (اه‍).
(٦٦٧)

مواليه معتب ومسلم ومصادف اه.
مؤلفات الصادق ع
١ رسالته إلى النجاشي والي الأهواز المعروفة برسالة عبد الله بن
النجاشي وقد ذكر النجاشي صاحب الرجال أنه لم ير لأبي عبد الله ع
مصنف غيرها ويمكن حمله على أنه لم يجمع هو ع بيده غيرها والباقي مما
حفظه الرواة عنه.
٢ رسالة له ع أوردها الصدوق في الخصال وأورد سنده إليها
عن الأعمش عن جعفر بن محمد ع تتضمن شرائع الدين من
الوضوء والغسل باقسامه والصلاة باقسامها والزكاة زكاة المال وزكاة الفطرة
والحيض والصيام والحج والجهاد والنكاح والطلاق وأحكام الصلاة على
النبي ص وحب أولياء الله والبراءة من أعداء الله وبر الوالدين وحكم
المتعتين وأحكام الأولاد وأفعال العباد والجبر والتفويض وحكم الأطفال
وعصمة الأنبياء والأئمة وخلق القرآن ووجوب الأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر ومعنى الايمان وعذاب القبر والبعث والتكبير في العيدين وأحكام
النفساء والأطعمة والأشربة والصيد والذباحة والكبائر وغير ذلك.
٣ الكتاب المسمى بتوحيد المفضل لأنه راويه والا فهو من تاليف
الصادق ع وهو أحسن كتاب في رد الدهرية وإثبات الصانع موجود
بتمامه في ضمن البحار وقد طبع مستقلا على الحجر بمصر وقرأت في مجلة
المقتبس أنه طبع في استانبول ولم أره.
٤ كتاب الإهليلجة برواية المفضل بن عمر أيضا وهو موجود في
ضمن البحار. وفي مقدمات البحار أن كتاب التوحيد والإهليلجة سياقهما
يدل على صحتهما. وقال السيد علي بن طاوس في كشف المحجة لثمرة
المهجة فيما أوصى إلى ابنه: انظر كتاب المفضل بن عمر الذي أملاه عليه
الصادق ع فيما خلق الله جل جلاله من الآثار. وانظر كتاب الإهليلجة
وما فيه من الاعتبار ولكن في فهرست ابن النديم ما لفظه: كتاب الإهليجة
لا يعرف مؤلفها ويقال ألفها الصادق ع وهذا محال اه ولم يبين وجه
المحالية.
٥ كتاب مصباح الشريعة ومفتاح الحقيقة منسوب إلى الصادق
ع وهو مطبوع مع جامع الأخبار ولكن المجلسي في مقدمات البحار قال
أن فيه بعض ما يريب اللبيب الماهر وأسلوبه لا يشبه سائر كلمات الأئمة
وآثارهم والله يعلم. وقال صاحب الوسائل في آخر كتاب الهداية الثالث:
ما ثبت عندنا أنه غير معتمد فلذا لم ننقل منه فمن ذلك كتاب مصباح
الشريعة المنسوب إلى الصادق ع فان سنده لم يثبت وفيه أشياء منكرة مخالفة
للمتواتر اه وقال صاحب رياض العلماء عند ذكر الكتب المجهولة: ومن
ذلك مصباح الشريعة في الأخبار والمواعظ كتاب معروف متداول إلى أن قال بل
هو من مؤلفات بعض الصوفية كما لا يخفى لكن وصى به ابن طاوس وظاهر السيد علي بن طاوس
في أمان الاخطار الاعتماد عليه حيث قال:
ويصحب المسافر معه كتاب الإهليلجة وهو كتاب مناظرة الصادق ع
للهندي في معرفة الله جل جلاله بطرق عجيبة ضرورية حتى أقر الهندي بالإلهية
والوحدانية ويصحب معه كتاب المفضل بن عمر الذي رواه عن الصادق
ع في وجوه الحكمة في إنشاء العالم السفلي وإظهار أسراره فإنه عجيب
في معناه ويصحب معه كتاب مصباح الشريعة ومفتاح الحقيقة عن الصادق
ع فإنه كتاب لطيف شريف في التعريف بالتسليك إلى الله جل جلاله
والاقبال إليه والظفر بالاسرار التي اشتملت عليه اه.
وعن الكفعمي في مجموع الغرائب أنه قال ومن كتاب مصباح
الشريعة ومفتاح الحقيقة قال الصادق ع ونقل منه أشياء كثيرة بلفظ قال
الصادق ع. وعن الشهيد الثاني في كشف الريبة ومنية المريد ومسكن
الفؤاد وأسرار الصلاة أنه نقل جملة من أخباره ناسبا لها إلى الصادق ع
بصورة الجزم وقال في آخر بعضها: هذا كله من كلام الصادق ع.
وعن السيد حسين القزويني في كتابه جامع الشرائع أنه قال عند بيان الكتب
المأخوذ كتابه منها: ومصباح الشريعة المنسوب إليه يعني الصادق ع
بشهادة الشارح الفاضل يعني الشهيد الثاني والسيد ابن طاوس ومولانا محسن
القاشاني وغيرهم فلا وجه لتشكيك بعض المتأخرين بعد ذلك اه.
٦ رسالته إلى أصحابه رواها الكليني في أول روضة الكافي بسنده
عن إسماعيل بن جابر عن أبي عبد الله ع أنه كتب بهذه الرسالة إلى
أصحابه وأمرهم بمدارستها والنظر فيها، وتعاهدها والعمل بها وكانوا
يضعونها في مساجد بيوتهم فإذا فرغوا من الصلاة نظروا فيها.
وبسنده عن إسماعيل بن مخلد السراج قال: خرجت هذه الرسالة
من أبي عبد الله ع إلى أصحابه بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فاسألوا
الله ربكم العافية. وذكر الرسالة بطولها وأورد شيئا من أولها في تحف
العقول بعنوان رسالته إلى جماعة شيعته وأصحابه.
٧ رسالته إلى أصحاب الرأي والقياس.
٨ رسالته ع في الغنائم ووجوب الخمس أوردها وما بعدها إلى
السادس عشر في تحف العقول.
٩ وصيته لعبد الله بن جندب.
١٠ وصيته لأبي جعفر محمد بن النعمان الأحول.
١١ نثر الدرر كما سماه بعض الشيعة.
١٢ كلامه في وصف المحبة لأهل البيت والتوحيد والايمان
والاسلام والكفر والفسق.
١٣ رسالته في وجوه معايش العباد ووجوه إخراج الأموال جوابا
لسؤال من سأله كم جهات معايش العباد التي فيها الاكتساب والتعامل
بينهم ووجوه النفقات.
١٤ رسالته في احتجاجه على الصوفية فيما ينهون عنه من طلب
الرزق.
١٥ كلامه في خلق الإنسان وتركيبه.
١٦ حكمه القصيرة. وسنختار من الذي ذكره في تحف العقول
ما نودعه في حكمه وآدابه الآتية. وهناك كتب مروية عن الصادق ع
جمعها أصحابه مما رووه عنه فيصح بهذا الاعتبار نسبتها إليه لأن الإملاء أحد
طرق التأليف وقد ذكر خمسة منها النجاشي وذكر سنده إليها ويحتمل تداخلها
مع بعض ما تقدم وهي:
١٧ نسخة ذكرها النجاشي في ترجمة محمد بن ميمون الزعفراني
فقال عامي غير أنه روى عن أبي عبد الله ع نسخة.
١٨ نسخة رواها الفضيل بن عياض عنه ع قال النجاشي في
ترجمة الفضيل: بصري ثقة عامي روى عن أبي عبد الله ع نسخة.
(٦٦٨)

١٩ نسخة رواها عبد الله بن أبي أويس بن مالك بن أبي عامر
الأصبحي حليف بني تميم بن مرة أبو أويس عنه ع قال النجاشي له
نسخة عن جعفر بن محمد ع.
٢٠ نسخة رواها سفيان بن عيينة بن أبي عمران الهلالي قال
النجاشي له نسخة عن جعفر بن محمد.
٢١ نسخة يرويها إبراهيم بن رجاء الشيباني قال النجاشي له عن
جعفر ع نسخة.
٢٢ كتاب يرويه جعفر بن بشير البجلي قال الشيخ في الفهرست
له كتاب ينسب إلى جعفر بن محمد رواية علي بن موسى الرضا ع
.
٢٣ كتاب رسائله رواه عنه جابر بن حيان الكوفي قال اليافعي في مرآة
الجنان: له كلام نفيس في علوم التوحيد وغيرها وقد ألف تلميذه
جابر بن حيان كتابا يشتمل على ألف ورقة يتضمن رسائله وهي خمسمائة
رسالة اه أقول لم يذكر أحد من أصحابنا الذين ألفوا في رجال الشيعة
وأصحاب الأئمة كالطوسي والنجاشي ومن عاصرهم أو تقدمهم أو تأخر
عنهم جابر بن حيان من تلاميذ الصادق ولا من أصحابه ولا ذكروه في رجال
الشيعة وهم أعرف بهذا الشأن من غيرهم. نعم في فهرست ابن النديم
قالت الشيعة أن جابر بن حيان من كبارهم واحد الأبواب قال وزعموا أنه
كان صاحب جعفر الصادق إلى أن قال ولهذا الرجل كتب في مذاهب الشيعة
أنا أوردها في مواضعها اه محل الحاجة ويأتي تفصيل ذلك في ترجمته
انش. هذا ما كتبناه أولا وتحقق لنا بعد ذلك أن جابر بن حيان كان من
تلاميذ الصادق ع.
٢٤ تقسيم الرؤيا. في كشف الظنون تقسيم الرؤيا للإمام جعفر
الصادق ع وفي الذريعة لم نجد سندا لهذه النسبة في غيره فالظاهر أنه من
تصنيف بعض الشيعة بالرواية عنه.
هذا ما عرف من الكتب التي دونت وحدها وعرفت بأسماء مخصوصة
وإلا فالذي جمع مما رواه عنه العلماء في فنون شتى من فنون العلم في الكلام
والتوحيد وسائر أصول الدين والفقه وأصول الفقه والطب والاحتجاج
والحكم والمواعظ والآداب وغير ذلك لا يكاد يحيط به الحصر وتكفلت
بجمعه كتب الاخبار والأحاديث.
حكمه وآدابه ووصاياه
المنقول من حلية الأولياء
وهو مذكور فيها بالأسانيد ونحن حذفناها اختصارا
قال جعفر بن محمد: الصلاة قربان كل تقي والحج جهاد كل
ضعيف وزكاة البدن الصيام والداعي بلا عمل كالرامي بلا وتر واستنزلوا
الرزق بالصدقة وحصنوا أموالكم بالزكاة وما عال من اقتصد والتدبير نصف
العيش والتودد نصف العقل وقلة العيال إحدى اليسارين ومن أحزن والديه
فقد عقهما ومن ضرب يده على فخذه عند مصيبته فقد حبط اجره.
والصنيعة لا تكون صنيعة إلا عند ذي حسب ودين والله تعالى منزل الصبر
على قدر المصيبة ومنزل الرزق على قدر المئونة ومن قدر معيشته رزقه الله
تعالى وقال ع لا زاد أفضل من التقوى ولا شئ أحسن من
الصمت ولا عدو أضر من الجهل ولا داء أدوى من الكذب وقال ع:
إياكم والخصومة في الدين فإنها تشغل القلب وتورث النفاق. وقال ع
: إذا بلغك عن أخيك شئ يسؤوك فلا تغتم فإنه إذا كان كما
يقول كانت عقوبة عجلت وإن كان على غير ما يقول كانت حسنة لم
تعملها. وقال ع لسفيان الثوري لا يتم المعروف إلا بثلاثة بتعجيله
وتصغيره وستره، ويأتي قريب منه.
وفي حلية الأولياء بسنده عن جعفر بن محمد: اوحى الله تعالى إلى
الدنيا أن أخدمي من خدمني واتعبي من خدمك.
المنقول من تذكرة ابن حمدون
قال الصادق ع: تأخير التوبة اغترار وطول التسويف حيرة
والاعتلال على الله عز وجل هلكة والإصرار أمن ولا يامن مكر الله إلا القوم
الخاسرون، وقال ما كل من أراد شيئا قدر عليه ولا كل من قدر على شئ
وفق له ولا كل من وفق له أصاب له موضعا فإذا اجتمع النية والقدرة
والتوفيق والإصابة فهناك تجب السعادة، وقال صلة الرحم تهون الحساب
يوم القيامة قال الله تعالى والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون
ربهم ويخافون سوء الحساب.
المنقول من تحف العقول
من كلامه الذي سماه بعض الشيعة نثر الدرر
الانتقاد عداوة، قلة الصبر فضحية، إفشاء السر سقوط، السخاء
فطنة، اللؤم تغافل.
ثلاثة من تمسك بهن نال من الدنيا والآخرة بغيته: من اعتصم
بالله، ورضي بقضاء الله، وأحسن الظن بالله.
ثلاثة من فرط فيهن كان محروما: استماحة جواد ومصاحبة عالم،
واستمالة سلطان.
ثلاثة تورث المحبة: الدين والتواضع والبذل.
من برئ من ثلاثة نال ثلاثة، من برئ من الشر نال العز، ومن
برئ من الكبر نال الكرامة، ومن برئ من البخل نال الشرف.
ثلاثة مكسبة للبغضاء: النفاق والظلم والعجب.
من لم تكن فيه خصلة من ثلاث لم يعد نبيلا: من لم يكن له عقل
يزينه أو جدة تغنيه أو عشيرة تعضده.
ثلاثة تزري بالمرء: الحسد والنميمة والطيش.
ثلاثة لا تعرف إلا في ثلاثة مواطن: لا يعرف الحليم إلا عند
الغضب، ولا الشجاع إلا عند الحرب، ولا أخ إلا عند الحاجة.
ثلاثة من كن فيه فهو منافق وإن صام وصلى: من إذا حدث كذب
وإذا وعد أخلف وإذا ائتمن خان.
احذر من الناس ثلاثة: الخائن والظلوم والنمام لأن من خان لك
خانك ومن ظلم لك سيظلمك ومن نم إليك سينم عليك.
لا يكون الأمين أمينا حتى يؤتمن على ثلاث فيؤديها: على الأموال
والاسرار والفروج وإن حفظ اثنتين وضيع واحدة فليس بأمين
(٦٦٩)

لا تشاور أحمق ولا تستعن بكذاب ولا تثق بمودة ملول فان الكذاب
يقرب لك البعيد ويبعد لك القريب والأحمق يجهد لك نفسه ولا يبلغ ما
تريد والملول أوثق ما كنت به خذلك وأوصل ما كنت له قطعك.
ثلاث من كن فيه كان سيدا: كظم الغيظ والعفو عن المسئ والصلة
بالنفس والمال.
ثلاثة لا بد لهم من ثلاث: لا بد للجواد من كبوة وللسيف من نبوة
وللحليم من هفوة.
ثلاثة فيهن البلاغة: التقرب من معنى البغية والتبعد من حشو
الكلام والدلالة بالقليل على الكثير.
النجاة في ثلاث: تمسك عليك لسانك ويسعك بيتك وتندم على
خطيئتك.
ثلاث من كن فيه كن عليه: المكر والنكث والبغي وذلك قول الله
تعالى ولا يحيق المكر السئ إلا باهله، فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا
دمرناهم وقومهم أجمعين، ومن نكث فإنما ينكث على نفسه، يا أيها الناس
إنما بغيكم على أنفسكم متاع الحياة الدنيا.
ثلاث يحجزن المرء عن طلب المعالي: قصر الهمة وقلة الحياء وضعف
الرأي.
الأنس في ثلاث: الزوجة الموافقة والولد البار والصديق المصافي.
ثلاثة لا يعذر المرء فيها: مشاورة ناصح ومداراة حاسد والتحبب إلى
الناس.
العاقل لا يستخف بأحد وأحق من لا يستخف به ثلاثة: العلماء
والسلطان والاخوان لأنه من استخف بالعلماء أفسد دنياه ومن استخف
بالاخوان أفسد مروءته.
ثلاثة تكدر العيش: السلطان الجائر والجار السوء والمرأة البذيئة.
لا تطيب السكنى إلا بثلاث: الهواء الطيب والماء الغزير العذب
والأرض الخوارة.
لا يستغني أهل كل بلد عن ثلاثة يفزع إليهم في أمر دنياهم وآخرتهم
فان عدموا ذلك كانوا همجا: فقيه عالم ورع وأمير خير مطاع وطبيب بصير
ثقة.
يمتحن الصديق بثلاث خصال فإن كان مواتيا فيها فهو الصديق
المصافي وإلا كان صديق رخاء لا صديق شدة، تبتغي منه مالا أو تأمنه على
مال أو تشاركه في مكروه.
إن المرء يحتاج في منزله وعياله إلى ثلاث خلال يتكلفها وإن لم يكن في
طبعه ذلك: معاشرة جميلة وسعة بتقدير وغيرة بتحسن.
كل ذي صناعة مضطر إلى ثلاث خلال يجتلب بها المكسب: أن يكون حاذقا
بعمله مؤديا للأمانة فيه مستميلا لمن استعمله.
تجب للوالدين على الولد ثلاثة أشياء شكرهما على كل حال وطاعتهما
فيما يأمرانه به وينهيانه عنه في غير معصية الله ونصيحتهما في السر والعلانية.
وتجب للولد على والده ثلاث خصال اختياره لوالدته وتحسين اسمه
والمبالغة في تأديبه.
تحتاج الأخوة فيما بينهم إلى ثلاثة أشياء فان استعملوها وإلا تباينوا
وتباغضوا وهي التناصف والتراحم ونفي الحسد.
إذا لم تجتمع القرابة على ثلاثة أشياء تعرضوا لدخول الوهن عليهم
وشماتة الأعداء بهم وهي ترك الحسد فيما بينهم لئلا يتحزبوا فيتشتت امرهم
والتواصل ليكون ذلك حاديا لهم على الألفة والتعاون لتشملهم العزة.
لا يتم المعروف إلا بثلاث خلال بتعجيله وتقليل كثيره وترك
الامتنان به.
ثلاثة يستدل بها على أصالة الرأي: حسن اللقاء وحسن الاستماع
وحسن الجواب.
ثلاثة أشياء تدل على عقل فاعلها: الرسول على قدر من أرسله
والهدية على قدر مهديها والكتاب على قدر كاتبه.
العلم ثلاثة: آية محكمة وفريضة عادلة وسنة قائمة.
ثلاثة ليس معهن غربة: حسن الأدب وكف الأذى ومجانبة الريب.
الأيام ثلاثة فيوم مضى لا يدرك ويوم الناس فيه فينبغي أن يغتنموه
وغدا إنما في أيديهم أمله.
من لم تكن فيه ثلاث خصال لم ينفعه الايمان: حلم يرديه جهل
الجاهل وورع يحجزه عن طلب المحارم وخلق يداري به الناس.
ثلاث من كن فيه استكمل الايمان: من إذا غضب لم يخرجه غضبه
من الحق وإذا رضي لم يخرجه رضاه إلى الباطل ومن إذا قدر عفا.
لا يستكمل عبد حقيقة الايمان حتى تكون فيه خصال ثلاث: الفقه
في الدين وحسن التقدير في المعيشة والصبر على الرزايا، اه المختار
من نثر الدرر.
ومن حكمه المذكورة في تحف العقول
العلم جنة، والصدق عز، والجهل ذل، والفهم مجد، والجود
نجح، وحسن الخلق مجلبة للمودة، والعالم بزمانه لا تهجم عليه اللوابس،
والحزم مشكاة الظن، والعاقل غفور والجاهل ختور، وإن شئت أن تكرم
فلن وإن شئت أن تهان فاخشن، ومن كرم أصله لان قلبه ومن خشن
عنصره غلظ كبده، ومن فرط تورط، ومن خاف العاقبة تثبت فيما لا يعلم ومن
هجم على أمر بغير علم خدع أنف نفسه، إن قدرت ان لا تعرف فافعل
وما عليك إذا لم يثن الناس عليك وما عليك أن تكون مذموما عند الناس إذا
كنت عند الله محمودا. إن أمير المؤمنين ع كان يقول لا خير في الحياة إلا لأحد
رجلين رجل يزداد كل يوم فيها إحسانا ورجل يتدارك منيته بالتوبة، إن قدرت أن
لا تخرج من بيتك فافعل وإن عليك في خروجك أن لا تغتاب ولا تكذب
ولا تحسد ولا ترائي ولا تتصنع ولا تداهن، صومعة المسلم بيته يحبس فيه
نفسه وبصره ولسانه وفرجه، كم من مغرور بما أنعم الله عليه وكم من
مستدرج بستر الله عليه وكم من مفتون بثناء الناس عليه.
(٦٧٠)

منتخب من رسالته إلى جماعة شيعته وأصحابه المذكورة
في تحف العقول
أكثروا من الدعاء فان الله يحب من عباده الذين يدعونه وقد وعد
عباده المؤمنين الاستجابة والله مصير دعاء المؤمنين يوم القيامة لهم عملا
يزيدهم به في الجنة وأكثروا ذكر الله ما استطعتم في كل ساعة من ساعات
الليل والنهار فان الله امركم بكثرة الذكر له، والله ذاكر من ذكره من
المؤمنين وعليكم بالمحافظة على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين
كما أمر الله به المؤمنين في كتابه من قبلكم وعليكم بحب المساكين المسلمين
فان من حقرهم وتكبر عليهم فقد زل عن دين الله والله له حاقر ماقت،
إياكم والعظمة والكبر فان الكبر رداء الله فمن نازع الله رداءه قصمه الله
وأذله يوم القيامة إياكم أن يبغي بعضكم على بعض فإنها ليست من خصال
الصالحين فإنه من بغى صير الله بغيه على نفسه وصارت نصرة الله لمن بغى
عليه ومن نصره الله غلب وأصاب الظفر من الله، إياكم أن يحسد بعضكم
بعضا فان الكفر أصله الحسد، إياكم أن تشره نفوسكم إلى شئ مما حرم
الله عليكم فإنه من انتهك ما حرم الله عليه هاهنا في الدنيا حال الله بينه وبين
الجنة ونعيمها ولذتها وكرامتها القائمة الدائمة لأهل الجنة أبد الآبدين.
ما روي عنه ع في قصار هذه المعاني من تحف العقول
قال ص: من أنصف الناس من نفسه رضي به حكما
لغيره. إذا كان الزمان زمان جور وأهله أهل غدر فالطمأنينة إلى كل أحد
عجز، إذا أردت أن تعلم صحة ما عند أخيك فاغضبه فان ثبت لك على
المودة فهو أخوك وإلا فلا، لا تعتد بمودة أخيك حتى تغضبه ثلاث مرات،
لا تثقن بأخيك كل الثقة فان صرعة الاسترسال لا تستقال، إزالة الجبال
أهون من إزالة قلب عن موضعه، الرغبة في الدنيا تورث الغم والحزن
والزهد في الدنيا راحة القلب والبدن، وقال لرجلين تخاصما بحضرته إنه لم
يظفر بخير من ظفر بالظلم ومن يفعل السوء بالناس فلا ينكر السوء إذا فعل
به، لا يصلح المؤمن إلا على ثلاث خصال التفقه في الدين وحسن التقدير
في المعيشة والصبر على النائبة، لا تصلح الصنيعة إلا عند ذي حسب ودين
وما أقل من يشكر المعروف، إنما يؤمر بالمعروف وينهي عن المنكر مؤمن
فيتعظ أو جاهل فيتعلم فاما صاحب سوط وسيف فلا (١) إنما يأمر بالمعروف
وينهى عن المنكر من كانت فيه ثلاث خصال عالم بما يأمر عالم بما ينهى عادل
فيما يأمر عادل فيما ينهي رفيق بما يأمر رفيق بما ينهى، إن الله أنعم على قوم
بالمواهب فلم يشكروه فصارت عليهم وبالا، وابتلى قوما بالمصائب فصبروا
فكانت عليه نعمة، صلاح حال التعايش والتعاشر ملء مكيال ثلثاه فطنة،
وثلثه تغافل (٢) ما أقبح الانتقام باهل الأقدار، وقيل له ما المروءة؟ فقال
أن لا يراك الله حيث نهاك ولا يفقدك من حيث أمرك، اشكر من أنعم
عليك وأنعم على من شكرك فإنه لا إزالة للنعم إذا شكرت ولا إقامة لها إذا
كفرت والشكر زيادة في النعم وأمان من الفقر، فوت الحاجة خير من طلبها
من غير أهلها، أشد من المصيبة سوء الخلق منها. وسأله رجل أن يعلمه ما
ينال به خير الدنيا والآخرة ولا يطول عليه فقال: لا تكذب، وقيل له ما
البلاغة فقال من عرف شيئا قل كلامه فيه وإنما سمي البليغ بليغا لأنه يبلغ
حاجته بأهون سعيه، وقال: الدين غم بالليل وذل بالنهار، بروا آباءكم
يبركم أبناؤكم، وعفوا عن نساء الناس تعف نساؤكم، من ائتمن خائنا
على أمانة لم يكن له على الله ضمان، وقال لحمران بن أعين: يا حمران
أنظر من هو دونك في المقدرة ولا تنظر إلى من هو فوقك فان ذلك أقنع لك
بما قسم الله لك وأحرى أن تستوجب الزيادة منه عز وجل واعلم أن العمل
الدائم القليل على اليقين أفضل عند الله من العمل الكثير على غير يقين
واعلم أنه لا ورع أنفع من تجنب محارم الله والكف عن أذى المؤمنين
واغتيابهم ولا عيش أهنا من حسن الخلق ولا مال أنفع من القناعة باليسير
المجزي ولا جهل أضر من العجب، وقال: إذا سلم الرجل من الجماعة
أجزأ عنهم وإذا رد واحد من القوم أجزأ عنهم، وقال السلام تطوع والرد
فريضة
وقال: من بدأ بكلام قبل سلام فلا تجيبوه، وقال: إن تمام التحية
للمقيم المصافحة وتمام التسليم على المسافر المعانقة، وقال: تصافحوا فإنها
تذهب بالسخيمة، من ملك نفسه إذا غضب وإذا رغب وإذا رهب وإذا
اشتهى حرم الله جسده على النار، العافية نعمة خفيفة إذا وجدت نسيت
وإذا عدمت ذكرت، قد عجز من لم يعد لكل بلاء صبرا ولكل نعمة شكرا
ولكل عسر يسرا، اصبر نفسك عند كل بلية ورزية في ولد أو في مال فان
الله إنما يقبض عاريته وهبته ليبلو شكرك وصبرك ينبغي للمؤمن أن يكون
فيه ثماني خصال وقور عند الهزاهز صبور عند البلاء شكور عند الرخاء قانع
بما رزقه الله لا يظلم الأعداء ولا يحمل الأصدقاء بدنه منه في تعب والناس
منه في راحة، إن العلم خليل المؤمن والحلم وزيره والصبر أمير جنوده
والرفق أخوه واللين والده، وقال له أبو عبيدة ادع الله لي أن لا يجعل رزقي
على أيدي العباد فقال أبى الله عليك ذلك أبى إلا أن يجعل أرزاق العباد
بعضهم من بعض ولكن أدع الله ان يجعل رزقك على أيدي خيار خلقه فإنه
من السعادة ولا تجعله على أيدي شرار خلقه فإنه من الشقاوة، وقال:
العامل على غير بصيرة كالسائر على غير طريق فلا تزيده سرعة السير إلا
بعدا من عرف الله خاف الله ومن خاف الله سخت نفسه عن الدنيا، وقال
إنا لنحب من كان عاقلا فهما فقيها حليما مداريا صبورا صدوقا وفيا إن الله
خص الأنبياء بمكارم الأخلاق فمن كانت فيه فليحمد الله على ذلك ومن لم
تكن فيه فليتضرع إلى الله وليسأله إياها قيل له وما هي قال الورع والقناعة
والصبر والشكر والحلم والحياء والسخاء والشجاعة والغيرة وصدق الحديث
والبر وأداء الأمانة واليقين وحسن الخلق والمروءة وقال: من أوثق عرى
الايمان أن تحب في الله وتبغض في الله وتعطي في الله وتمنع في الله، وقال:
لا يتبع الرجل بعد موته إلا ثلاث خصال صدقة أجراها الله في حياته فهي
تجري بعد موته وسنة هدى يعمل بها وولد صالح يدعو له، وقال: إن
الصيام ليس من الطعام ولا من الشراب وحده إن مريم قالت إني نذرت
للرحمن صوما أي صمت فاحفظوا ألسنتكم وغضوا أبصاركم ولا تحاسدوا
ولا تنازعوا فان الحسد يأكل الايمان كما تأكل النار الحطب: وقال: من ساء
خلقه عذب نفسه، المعروف كاسمه وليس شئ أفضل من المعروف إلا
ثوابه والمعروف هدية من الله إلى عبده وليس كل من يحب أن يصنع
المعروف إلى الناس يصنعه ولا كل من يقدر عليه يؤذن له فيه فإذا من الله
على العبد جمع له الرغبة في المعروف والقدرة والاذن فهناك تمت السعادة
والكرامة للطالب والمطلوب إليه، ليس لإبليس جند أشد من النساء
والغضب، لم يخلق الله يقينا لا شك فيه أشبه بشك لا يقين فيه من الموت،

(١) هذا محمول على عدم احتمال التأثير.
(٢) حكاها أيضا الجاحظ في البيان والتبيين.
(٦٧١)

إذا رأيتم العبد يتفقد الذنوب من الناس ناسيا لذنبه فاعلموا إنه قد مكر
به، الطاعم الشاكر له مثل أجر الصائم المحتسب والمعافى الشاكر له مثل
أجر المبتلي الصابر، ينبغي للعاقل أن يكون صدوقا ليؤمن على حديثه
وشكورا ليستوجب الزيادة، ليس لك
أن تأتمن الخائن وقد جربته وليس لك أن تتهم من ائتمنت، ليس لملول صديق ولا لحسود عنى. وكثرة النظر في
الحكمة تلقح العقل، عالم أفضل من ألف عابد وألف زاهد وألف مجتهد،
إن لكل شئ زكاة وزكاة العلم أن يعلمه أهله، القضاة أربعة ثلاثة في
النار وواحد في الجنة، رجل قضى بجور وهو يعلم فهو في النار ورجل
قضى بحق وهو لا يعلم فهو في النار ورجل قضى بحق وهو يعلم فهو في
الجنة، وسئل عن صفة العدل من الرجل فقال إذا غض طرفه عن المحارم
ولسانه عن المآثم وكفه عن المظالم، وقال: كلما حجب الله عن العباد
فموضوع عنهم حتى يعرفوه. وقال لداود الرقي تدخل يدك في فم التنين
إلى المرفق خير لك من طلب الحوائج إلى من لم يكن له وكان وقال: قضاء
الحوائج إلى الله وأسبابها بعد الله العباد تجري على أيديهم فما قضى الله من
ذلك فاقبلوه من الله بالشكر وما زوي عنكم فاقبلوه عن الله بالرضا
والتسليم والصبر فعسى أن يكون خيرا لكم فان الله أعلم بما يصلحكم
وأنتم لا تعلمون. إياك ومخالطة السفلة فان السفلة لا تؤدي إلى خير.
أنفع الأشياء للمرء سبقه إلى عيب نفسه وأشد شئ مؤونة إخفاء الفاقة وأفل
الأشياء غناء النصيحة لمن لا يقبلها ومجاورة الحريص وأروح الروح الياس
من الناس. لا تكن ضجرا ولا قلقا وذلل نفسك باحتمال من خالفك ممن
هو فوقك ومن له الفضل عليك فإنما أقررت له بفضله لئلا تخالفه ومن لا
يعرف لأحد الفضل فهو المعجب برأيه واعلم أنه لا عز لمن لا يتذلل لله ولا
رفعة لمن لا يتواضع لله. إن من السنة لبس الخاتم. أحب إخواني إلي من
أهدى إلي عيوبي. لا تكون الصداقة إلا بحدودها فمن كانت فيه هذه
الحدود أو شئ منها وإلا فلا تنسبه إلى شئ من الصداقة فاولها أن تكون
سريرته وعلانيته لك واحدة. والثانية أن يرى زينك زينه وشينك شينه.
والثالثة أن لا تغيره عليك ولاية ولا مال. والرابعة أن يمنعك شيئا تناله
مقدرته. والخامسة وهي تجمع هذه الخصال أن لا يسلمك عند النكبات.
مجاملة الناس ثلث العقل. ضحك المؤمن تبسم. ما أبالي إلى من ائتمنت
خائنا أو مضيعا. وقال للمفضل: أوصيك بست خصال تبلغهن شيعتي:
أداء الأمانة إلى من أئتمنك وأن ترضى لأخيك ما ترضاه لنفسك واعلم إن
للأمور أواخر فاحذر العواقب وإن للأمور بغتات فكن على حذر. وإياك
ومرتقى جبل سهل إذا كان المنحدر وعرا ولا تعدن أخاك وعدا ليس في يدك
وفاؤه. ثلاث لم يجعل الله لأحد من الناس فيهن رخصة: بر الوالدين
برين كانا أو فاجرين ووفاء بالعهد للبر والفاجر وأداء الأمانة إلى البر
والفاجر، إني لأرحم ثلاثة وحق لهم أن يرحموا عزيز أصابته مذلة بعد العز
وغني أصابته حاجة بعد الغنى وعالم يستخف به أهله والجهلة. من تعلق
قلبه بحب الدنيا تعلق من ضرها بثلاث خصال: هم لا يفنى وأمل لا يدرك
ورجاء لا ينال، الناس سواء كأسنان المشط والمرء كثير بأخيه ولا خير في
صحبة من لم ير لك مثل الذي يرى لنفسه، من غضب عليك من إخوانك
ثلاث مرات فلم يقل فيك مكروها فأعده لنفسك. يأتي على الناس زمان
ليس فيه شئ أعز من أخ أنيس وكسب درهم حلال. من وقف نفسه
مواقف التهمة فلا يلومن من أساء به الظن ومن كتم سره كانت الخيرة في
يده وكل حديث جاوز اثنين فاش وضع أمر أخيك على أحسنه ولا تظنن
بكلمة خرجت من أخيك سوءا وأنت تجد لها في الخير محملا وعليك باخوان
الصدق فإنهم عدة عند الرخاء وجنة عند البلاء وشاور في حديثك الذين
يخافون الله وأحب الاخوان على قدر التقوى واتق شرار النساء وكن من
خيارهن على حذر. لا يبلغ أحدكم حقيقة الايمان حتى يحب أبعد الخلق
منه في الله ويبغض أقرب الخلق منه في الله. الصفح الجميل أن لا تعاتب
على الذنب والصبر الجميل الذي ليس فيه شكوى. أربع من كن فيه كان
مؤمنا: الصدق والحياء وحسن الخلق والشكر. إذا زاد الرجل على الثلاثين
فهو كهل وإذا زاد على الأربعين فهو شيخ. لا تذهب الحشمة بينك وبين
أخيك وابق منها فان ذهاب الحشمة ذهاب الحياء وبقاء الحشمة بقاء المودة.
وقيل له خلوت بالعقيق وتعجلت الوحدة فقال لو ذقت حلاوة الوحدة
لاستوحشت من نفسك ثم قال أقل ما يجد العبد في الوحدة الراحة من
مداراة الناس. ما فتح الله على عبد بابا من الدنيا إلا فتح عليه من الحرص
مثليه. وقيل له أين طريق الراحة؟ قال في خلاف الهوى قيل فمتى يجد
عبد الراحة فقال عند أول يوم يصير في الجنة. المشي المستعجل يذهب بهاء
المؤمن ويطفئ نوره. وقال لبعض شيعته ما بال أخيك يشكوك فقال
يشكوني إن استقصيت عليه حقي فجلس مغضبا ثم قال كأنك إذا
استقصيت عليه حقك لم تسئ أ رأيتك ما حكى الله عن قوم يخافون سوء
الحساب أ خافوا أن يجور الله عليهم لا ولكن خافوا الاستقصاء فسماه الله
سوء الحساب فمن استقصى فقد أساء. حسن الخلق من الدين وهو يزيد في
الرزق. السخي الكريم الذي ينفق ماله في حق الله. قيل له ما كان في
وصية لقمان فقال كان فيها الأعاجيب وكان من أعجب ما فيها أن قال لابنه
خف الله خيفة لو جئته ببر الثقلين لعذبك وأرج الله رجاء لو جئته بذنوب
الثقلين لرحمك. لا يتكلم أحد بكلمة هدى فيؤخذ بها إلا كان عليه مثل
أجر من أخذ بها ولا يتكلم بكلمة ضلالة فيؤخذ بها الا كان له مثل وزر من
أخذ بها. أربعة من أخلاق الأنبياء: البر والسخاء والصبر على النائبة
والقيام بحق المؤمن، لا تعد مصيبة أعطيت عليها الصبر واستوجبت عليها
من الله ثوابا بمصيبة إنما المصيبة أن يحرم صاحبها أجرها وثوابها إذا لم يصبر
عند نزولها. الا وان أحب المؤمنين إلى الله من أعان الفقير في دنياه ومعاشه
ومن أعان ونفع ودفع المكروه عن المؤمنين، وقال إن صلة الرحم والبر
ليهونان الحساب ويعصمان من الذنوب فصلوا ارحامكم وبروا أخوانكم ولو
بحسن السلام ورد الجواب.
وقال ع من رضي بالقليل من الرزق قبل الله منه اليسير من
العمل ومن رضي باليسير من الحلال خفت مؤونته وزكت مكسبته وخرج
من حد العجز. من صحة يقين المرء المسلم أن لا يرضي الناس بسخط الله
ولا يحمدهم على ما رزقه الله ولا يلومهم على ما لم يؤته الله فان رزقه لا
يسوقه حرص حريص ولا يرده كره كاره ولو إن أحدكم فر من رزقه كما يفر
من الموت لأدركه رزقه قبل موته كما يدركه الموت. ثلاث خصال هن أشد
ما عمل به العبد إنصاف المؤمن من نفسه ومواساة المرء لأخيه وذكر الله على
كل حال قيل له فما معنى ذكر الله على كل حال قال يذكر الله عند كل
معصية يهم بها فيحول بينه وبين المعصية، إياكم والمزاح فإنه يجر السخيمة
ويورث الضغينة وهو السب الأصغر، وقال الحسن بن راشد قال أبو
عبد الله ع إذا نزلت بك نازلة إلى أن قال ولكن أذكرها لبعض
إخوانك فإنك لن تعدم خصلة من أربع خصال أما كفاية واما معونة بجاه
أو دعوة مستجابة أو مشورة برأي، لا تتكلم بما لا يعنيك ودع كثيرا
(٦٧٢)

من الكلام حتى تجد له موضعا فرب متكلم تكلم بالحق
بما لا يعنيه في غير موضعه فتعيب ولا تمارين سفيها ولا حليما فان الحليم
يغلبك والسفيه يرديك واذكر أخاك إذا تغيب بأحسن ما تحب أن يذكرك به
إذا تغيبت عنه فان هذا هو العمل واعمل عمل من يعلم إنه مجزي
بالاحسان مأخوذ بالاجرام. وقال له يونس لولاي لكم وما عرفني الله من
حقكم أحب إلي من الدنيا بحذافيرها قال يونس فتبينت الغضب فيه ثم قال
يا يونس قستنا بغير قياس ما الدنيا وما فيها هل هي إلا سدة فورة أو ستر
عورة وأنت لك بمحبتنا الحياة الدائمة. وقال ع: يا شيعة آل محمد إنه
ليس منا من لم يملك نفسه عند الغضب ولم يحسن صحبة من صحبه ومرافقة
من رافقه ومصالحة من صالحه ومخالقة من خالقه. يا شيعة آل محمد اتقوا
الله ما استطعتم ولا حول ولا قوة إلا بالله. وقال عبد الأعلى كنت في حلقة
بالمدينة فذكروا الجود فأكثروا فقال رجل منهم يكنى أبا دلين إن جعفرا وإنه لولا أنه
ضم يده فقال لي أبو عبد الله ع تجالس أهل المدينة قلت
نعم قال فما حديث بلغني فقصصت عليه الحديث فقال ويح أبي دلين إنما
مثله مثل الريشة تمر بها الريح فتطيرها ثم قال: قال رسول الله ص كل
معروف صدقة وأفضل صدقة صدقة عن ظهر غنى وابدأ بمن تعول واليد
العليا خير من اليد السفلى ولا يلوم الله على الكفاف أ تظنون إن الله بخيل
وترون أن شيئا أجود من الله إن الجواد السيد من وضع حق الله موضعه
وليس الجواد من يأخذ المال من غير حله ويضعه في غير حقه أما والله إني
لأرجو أن القى الله ولم أتناول ما لا يحل لي وما ورد علي حق الله إلا أمضيته
وما بت ليلة قط ولله في مالي حق لم أؤده وقال ع: لا رضاع بعد
فطام ولا وصال في صيام ولا يتم بعد احتلام ولا صمت يوم إلى الليل ولا
تغرب بعد الهجرة ولا هجرة بعد الفتح ولا طلاق قبل النكاح ولا عتق قبل
ملك ولا يمين لولد مع والده ولا للملوك مع مولاه ولا للمرأة مع زوجها ولا
نذر في معصية ولا يمين في قطيعة. وقال ع ليس من أحد وان ساعدته
الأمور بمستخلص غضارة عيش إلا من خلال مكروه ومن انتظر بمعاجلة
الفرصة مؤاجلة الاستقصاء سلبته الأيام فرصته لأن من شأن الأيام السلب
وسبيل الزمان الفوت وقال ع المعروف زكاة النعم والشفاعة زكاة الجاه
والعلل زكاة الأبدان والعفو زكاة الظفر وما أديت زكاته فهو مأمون السلب
وقال ع: إذا أقبلت دنيا قوم كسوا محاسن غيرهم وإذا أدبرت سلبوا
محاسن أنفسهم. وقال ع: البنات حسنات والبنون نعم
فالحسنات تثاب عليهن والنعمة تسأل عنها. إنتهى ما اخترناه من تحف
العقول.
المنقول من نثر الدرر للآبي
قال ع: القرآن ظاهره أنيق وباطنه عميق، وقال ع: من
أنصف من نفسه رضي حكما لغيره. قال ع: حفظ الرجل أخاه بعد
وفاته في تركته كرم. وقال ع: ما من شئ أسر إلي من يد اتبعتها
الأخرى لأن منع الأواخر يقطع لسان شكر الأوائل. وقال ع: إني
لأملق أحيانا فأتاجر الله بالصدقة. وقال ع: لا يزال العز قلقا حتى يأتي
دارا قد استشعر أهلها الياس مما في أيدي الناس فيوطنها. وقال ع: إذا
دخلت على أخيك منزله فاقبل الكرامة كلها ما خلا الجلوس في الصدر.
وقال ع: كفارة عمل السلطان الاحسان إلى الاخوان. وقال ع:
إياك وسقطة الاسترسال فإنها لا تستقال، وقيل له ما طعم الماء فقال كطعم
الحياة وقال ع: من لم يستح من العيب ويرعو عند الشيب
ويخشى الله بظهر الغيب فلا خير فيه، وقال ع: إن خير العباد من
يجتمع فيه خمس خصال إذا أحسن استبشر وإذا أساء استغفر وإذا أعطي
شكر وإذا ابتلى صبر وإذا ظلم غفر، وقال ع: إني لأسارع إلى حاجة
عدوي خوفا ان أرده فيستغني عني، وقال ع: من أكرمك فأكرمه ومن
استخف بك فأكرم نفسك عنه. وقال ع: يهلك الله ستا بست:
الأمراء بالجور والعرب بالعصبية والدهاقين بالكبر والتجار بالخيانة وأهل
الرستاق بالجهل والفقهاء بالحسد. وقال ع: منع الجود سوء الظن
بالمعبود. وقال ع: صلة الأرحام منساة في الأعمار وحسن الجوار عمارة
للديار وصدقة السر مثراة للمال. وقال ع لرجل: أحدث سفرا يحدث
الله لك رزقا والزم ما عودت منه الخير. قال ع: دعا الله الناس في
الدنيا بآبائهم ليتعارفوا وفي الآخرة بأعمالهم ليجازوا فقال يا أيها الذين آمنوا
يا أيها الذين كفروا وقال ع: من أيقظ فتنة فهو أكلها. وقال: إن
عيال المرء أسراؤه فمن أنعم الله عليه نعمة فليوسع على أسرائه فإن لم يفعل
أوشك أن تزول تلك النعمة. وكان يقول السريرة إذا صلحت قويت
العلانية. وقال: استنزلوا الرزق بالصدقة وحصنوا المال بالزكاة وما عال
امرؤ اقتصد والتقدير نصف العيش والتودد نصف العقل والهم نصف
الهرم وقلة العيال أحد اليسارين ومن أحزن والديه فقد عقهما ومن ضرب
يده على فخذه عند المصيبة فقد حبط أجره والصنيعة لا تكون صنيعة إلا
عند ذي حسب أو دين والله ينزل الرزق على قدر المئونة وينزل الصبر على
قدر المصيبة ومن أيقن بالخلف جاد بالعطية ولو أراد الله بالنملة خيرا لما
أنبت لها جناحا وقال ع: ثلاثة أقسم بالله إنها لحق ما نقص مال من
صدقة ولا زكاة ولا ظلم أحد بظلامة فقدر أن يكافئ بها فكظمها إلا أبدله
الله مكانها عزا ولا فتح عبد على نفسه باب مسالة إلا فتح الله عليه باب
فقر. وقال ثلاث لا يزيد الله بها المسلم الا عزا الصفح عمن ظلمه والاعطاء لمن
حرمه والصلة لمن قطعه. وقال من اليقين أن لا ترضي الناس بما يسخط
الله ولا تذمهم على ما لم يؤتك الله ولا تحمدهم على رزق الله فان الرزق لا
يسوقه حرص حريص ولا يصرفه كره كاره ولو أن أحدكم فر من رزقه كما
يفر من الموت لأدركه الرزق كما يدركه الموت. وقال مروءة الرجل في نفسه
نسب لعقبه وقبيلته. وقال: من صدق لسانه زكا عمله ومن حسنت نيته
زيد في رزقه ومن حسن بره في أهل بيته زيد في عمره وقال خذ من حسن
الظن بطرف تروح به قلبك ويرخ به أمرك وقال: المؤمن إذا غضب لم
يخرجه غضبه من حق وإذا رضي لم يدخله رضاه في باطل والذي إذا قدر لم
يأخذ أكثر مما له.
أربعة أشياء القليل منها كثير النار والعداوة والفقر والمرض. وقال
صحبة عشرين يوما قرابة. اه المنقول من نثر الدرر.
المنقول من مطالب السؤول
في مطالب السؤول: قال سفيان الثوري سمعت جعفر الصادق
ع يقول عزت السلامة حتى لقد خفي مطلبها فان تكن في شئ
فيوشك أن تكون في الخمول فان طلبت في الخمول فلم توجد فيوشك أن
تكون في الصمت فان طلبت في الصمت فلم توجد فيوشك أن تكون في
التخلي فان طلبت في التخلي فلم توجد فيوشك أن تكون في كلام السلف
الصالح والسعيد من وجد في نفسه خلوة يشتغل بها. قال مالك بن أنس
(٦٧٣)

قال جعفر يوما لسفيان الثوري إذا أنعم الله عليك بنعمة فأحببت بقاءها
فأكثر من الحمد والشكر لله فان الله تعالى يقول ولئن شكرتم لأزيدنكم
وإذا استبطأت الرزق فأكثر من الاستغفار فان الله تعالى يقول استغفروا
ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين
يعني في الدنيا ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا يعني في الآخرة.
وإذا أحزنك أمر فأكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم فإنها
مفتاح الفرج وكنز من كنوز الجنة اه المنقول من مطالب السؤول.
وقال ع: من لم يغضب من الجفوة لم يشكر النعمة.
وصاياه
وصية لولده الكاظم ع
في حلية الأولياء بسنده عن بعض أصحاب جعفر بن محمد الصادق
ع قال دخلت على جعفر وموسى ولده بين يديه وهو يوصيه بهذه
الوصية فكان مما حفظت منه أن قال يا بني اقبل وصيتي واحفظ مقالتي فإنك
إن حفظتها تعش سعيدا وتمت حميدا يا بني إنه من رضي بما قسم له استغنى
ومن مد عينه إلى ما في يد غيره مات فقيرا ومن لم يرض بما قسم الله له عز
وجل اتهم الله في قضائه ومن استصغر زلة نفسه استعظم زلة غيره ومن
استصغر زلة غيره استعظم زلة نفسه يا بني من كشف حجاب غيره
انكشفت عورات بيته ومن سل سيف البغي قتل به ومن احتفر لأخيه بئرا
سقط فيها ومن دخل السفهاء حقر ومن خالط العلماء وقر ومن دخل مداخل
السوء اتهم يا بني إياك أن تزري بالرجال فيزري بك وإياك الدخول فيما لا
يعنيك فتذل لذلك يا بني قل الحق لك أو عليك تستشأن من بين أقرانك يا
بني كن لكتاب الله تاليا وللسلام فاشيا وبالمعروف آمرا وعن المنكر ناهيا ولمن
قطعك واصلا ولمن سكت عنك مبتدئا ولمن سالك معطيا وإياك والنميمة
فإنها تزرع الشحناء في قلوب الرجال وإياك والتعرض لعيوب الناس فمنزلة
المتعرض لعيوب الناس بمنزلة الهدف يا بني إذا طلبت الجود فعليك بمعادنه
فان للجود معادن والمعادن أصولا وللأصول فروعا وللفروع ثمرا ولا يطيب
ثمر إلا بفرع ولا فرع إلا بأصل ولا أصل ثابت إلا بمعدن طيب يا بني إذا
زرت فزر الأخيار ولا تزر الفجار فإنهم صخرة لا ينفجر ماؤها وشجرة لا
يخضر ورقها وأرض لا يظهر عشبها. قال علي بن موسى ع فما
ترك أبي هذه الوصية إلى أن مات.
وصية لسفيان الثوري
مذكورة في تحف العقول ورواها الصدوق في الخصال بسنده عن
سفيان الثوري قال لقيت الصادق بن الصادق فقلت له يا ابن رسول الله
أوصني فقال يا سفيان، وفي تحف العقول: قال سفيان الثوري: دخلت
على الصادق ع فقلت أوصى بوصية أحفظها من بعدك قال وتحفظ يا
سفيان قلت أجل يا ابن بنت رسول الله قال يا سفيان: لا مروءة لكذوب
ولا راحة لحسود ولا إخاء لملول ولا خلة لمختال ولا سؤدد لسئ الخلق ثم
أمسك فقلت يا ابن بنت رسول الله زدني فقال يا سفيان ثق بالله تكن عارفا
مؤمنا خ ل وارض بما قسمه لك تكن غنيا وفي رواية الخصال
وأحسن مجاورة من جارك تكن مسلما. صاحب بمثل ما يصاحبونك به تزداد إيمانا ولا
تصاحب الفاجر فيعلمك من فجوره وشاور في أمرك الذين يخشون الله ثم
أمسك فقلت يا ابن رسول الله زدني فقال يا سفيان من أراد عزا بلا سلطان
وكثرة بلا إخوان وهيبة بلا مال وفي رواية الخصال من أراد عزا بلا
عشيرة وغنى بلا مال وهيبة بلا سلطان فلينتقل من ذل معاصي الله إلى عز
طاعته ثم أمسك فقلت يا ابن بنت رسول الله زدني فقال يا سفيان أدبني أبي
بثلاث ونهاني عن ثلاث فاما اللواتي أدبني بهن فإنه قال لي يا بني من يصحب
صاحب السوء لا يسلم ومن لا يقيد ألفاظه ومن لا يملك لسانه يندم
ومن يدخل مداخل السوء يتهم قلت يا ابن رسول الله فما الثلاث اللواتي
نهاك عنهن قال نهاني أن أصاحب حاسد نعمة وشامتا بمصيبة أو حامل نميمة
وزاد في رواية الخصال ثم أنشدني:
- عود لسانك قول الخير تحظ به * إن اللسان لما عودت معتاد -
- موكل بتقاضي ما سننت له * في الخير والشر فانظر كيف تعتاد -
منتخب من وصيته ع لعبد الله بن جندب
المذكورة في تحف العقول
يا ابن جندب حق على كل مسلم يعرفنا ان يعرض عمله في كل يوم
وليلة على نفسه فيكون محاسب نفسه فان رأى حسنة استزاد منها و إن رأى
سيئة استغفر منها. طوبى لعبد لم يغبط الخاطئين على ما أوتوا من نعيم الدنيا
وزهرتها. طوبى لعبد طلب الآخرة وسعى لها. طوبى لمن لم تلهه الأماني
الكاذبة. يا ابن جندب من غش أخاه وحقره وناواه جعل الله النار مأواه
ومن حسد مؤمنا إنماث الايمان في قلبه كما ينماث الملح في الماء. يا ابن
جندب الماشي في حاجة أخيه كالساعي بين الصفا والمروة وقاضي حاجته
كالمتشحط بدمه في سبيل الله، وما عذب الله أمة إلا عند استهانتهم بحقوق
فقراء إخوانهم. يا ابن جندب بلغ معاشر شيعتنا وقل لهم لا تذهبن بكم
المذاهب فوالله لا تنال ولايتنا إلا بالورع والاجتهاد في الدنيا ومواساة
الاخوان في الله وليس من شيعتنا من يظلم الناس. يا ابن جندب من حرم
نفسه كسبه فإنما يجمع لغيره ومن أطاع هواه فقد أطاع عدوه ومن يثق بالله
يكفه ما أهمه من أمر دنياه وآخرته ويحفظ له ما غاب عنه وقد عجز من لم
يعد لكل بلاء صبرا ولكل نعمة شكرا ولكل عسر يسرا. صبر نفسك عند
كل بلية في ولد أو مال أو رزية فإنما يقبض عاريته ويأخذ هبته ليبلو فيهما
صبرك وشكرك وأرج الله رجاء لا يجرئك على معصيته وخفه خوفا لا
يؤيسك من رحمته وأقنع بما قسم الله لك ولا تتمن ما لست تناله ولا تكن
بطرا في الغنى ولا جزعا في الفقر، ولا تكن فظا غليظا يكره الناس قربك
ولا تكن واهيا يحقرك من عرفك ولا تشار من فوقك ولا تسخر بمن هو
دونك ولا تطع السفهاء ولا تتكلن على كفاية أحد وقف عند كل أمر حتى
تعرف مدخله من مخرجه قبل أن تقع فيه فتندم واجعل نفسك عدوا تجاهده
وعارية تردها فإنك قد جعلت طبيب نفسك وعرفت آية الصحة وبين لك
الداء ودللت على الدواء وإن كانت لك يد عند إنسان فلا تفسدها بكثرة
المنن والذكر لها ولكن اتبعها بأفضل منها فان ذلك أجمل بك في أخلاقك
وأوجب للثواب في آخرتك وعليك بالصمت تعد حليما جاهلا كنت أو عالما
فان الصمت زين لك عند العلماء وستر لك عند الجهال.
طوبى لمن جعل بصره في قلبه ولم يجعل بصره في عينه لا تنظروا في
عيوب الناس كالأرباب وانظروا في عيوبكم كهيئة العبد. إنما الناس
رجلان مبتلى ومعافى فارحموا المبتلي واحمدوا الله على العافية.
يا ابن جندب صل من قطعك واعط من حرمك وأحسن إلى من أساء
(٦٧٤)

إليك وسلم على من سبك وانصف من خاصمك واعف عمن ظلمك
كما إنك تحب أن يعفى عنك فاعتبر بعفو الله عنك أ لا ترى أن شمسه
أشرقت على الأبرار والفجار وإن مطره ينزل على الصالحين والخاطئين.
يا ابن جندب لا تتصدق على أعين الناس ليزكوك فإنك إن فعلت
ذلك فقد استوفيت أجرك ولكن إذا أعطيت بيمينك فلا تطلع عليها شمالك
فان الذي تتصدق له سرا يجزيك علانية.
وما ينبغي لأحد أن يطمع بعمل الفجار في منازل الأبرار. يا ابن
جندب قال الله عز وجل في بعض ما أوحى إنما أقبل الصلاة ممن يتواضع
لعظمتي ويكف نفسه عن الشهوات من أجلي ويقطع نهاره بذكري ولا
يتعظم على خلقي ويطعم الجائع ويكسو العاري ويرحم المصاب ويؤوي
الغريب فذلك يشرق نوره مثل الشمس أكلؤه بعزتي وأستحفظه ملائكتي
يدعوني فألبيه ويسألني فاعطيه.
منتخب من وصيته لأبي جعفر محمد بن النعمان الأحول
المذكورة في تحف العقول
أبا ابن النعمان إياك والمراء فإنه يحبط عملك وإياك والجدال فإنه
يوبقك وإياك وكثرة الخصومات فإنها تبعدك من الله. ان من كان قبلكم
كانوا يتعلمون الصمت وأنتم تتعلمون الكلام كان أحدهم إذا أراد التعبد
يتعلم الصمت قبل ذلك بعشر سنين فإن كان يحسنه ويصبر عليه تعبد والا
قال ما انا لما أروم باهل انما ينجو من أطال الصمت عن الفحشاء وصبر في
دولة الباطل على الأذى أولئك النجباء الأصفياء الأولياء حقا وهم المؤمنون
انما أبغضكم إلي المترئسون المشاؤون بالنمائم الحسدة لاخوانهم ليسوا مني
ولا انا منهم ثم قال والله لو قدم أحدكم ملء الأرض ذهبا ثم حسد مؤمنا
لكان الذهب مما يكوي به في النار. يا ابن النعمان من سئل عن علم فقال
لا أدري فقد ناصف العلم والمؤمن يحقد ما دام في مجلسه فإذا قام ذهب عنه
الحقد.
يا ابن النعمان إذا أردت ان يصفو لك ود أخيك فلا تمازحنه ولا
تمارينه ولا تناهينه ولا تشارنه ولا تطلع صديقك من سرك الا على ما لو
اطلع عليه عدوك لم يضرك فان الصديق قد يكون عدوا يوما.
يا ابن النعمان لا يكون العبد مؤمنا حتى يكون فيه ثلاث سنن:
سنة من الله وسنة من رسوله وسنة من الامام، فاما السنة من الله جل وعز فهو
ان يكون كتوما للاسرار يقول الله جل ذكره عالم الغيب فلا يظهر على غيبه
أحدا، وأما التي من رسول الله ص فهي ان يداري الناس ويعاملهم
بالأخلاق الحنيفية، وأما التي من الامام فالصبر في البأساء والضراء حتى
يأتيه الله بالفرج.
يا ابن النعمان ليست البلاغة بحدة اللسان ولا بكثرة الهذيان ولكنها
إصابة المعنى وقصد الحجة.
يا ابن النعمان من كظم غيظا فينا لا يقدر على امضائه كان معنا في
السنام الاعلى.
وصيته لعنوان البصري
ذكر الشهيد الثاني في منية المريد نقلا عن حديث عنوان البصري
الطويل وذكر السيد محمد بن محمد بن الحسن الحسيني العاملي العيناثي
المعروف بابن قاسم في كتاب الاثني عشرية في المواعظ العددية ان هذا
الحديث من روايات أهل السنة عن عنوان البصري وكان شيخا كبيرا أتى
عليه أربع وستون سنة قال: كنت اختلف إلى مالك بن انس في طلب
للعلم فلما قدم جعفر بن محمد الصادق المدينة (١) أحببت ان آخذ عنه كما
أخذت عن مالك فقال لي يوما اني رجل مطلوب (٢) ولي أوراد في كل ساعة
قم عني لا تشغلني عن وردي ورح إلى مالك فاغتممت من ذلك وقلت لو
تفرس في خيرا لما فعل ذلك فدخلت مسجد النبي ص وسلمت عليه
وصليت ركعتين في الروضة ودعوت الله ان يعطف علي قلب جعفر بن محمد
ويرزقني من علمه ما اهتدي به إلى الصراط المستقيم ولم اختلف إلى مالك لما
أشرب قلبي من حب جعفر ثم قصدت باب جعفر واستأذنت فخرج خادم
فقال ما حاجتك قلت السلام على الشريف قال هو في الصلاة فجلست فما
لبثت الا يسيرا إذ خرج خادم آخر فقال ادخل على بركة الله فدخلت
وسلمت فرد علي السلام وقال اجلس غفر الله لك فأطرق مليا ثم رفع رأسه
فقال أبو من؟ قلت أبو عبد الله قال ثبت الله كنيتك ووفقك لكل خير،
فقلت في نفسي لو لم يكن من زيارته الا هذا الدعاء لكان كثيرا ثم قال ما
مسألتك؟ قلت سالت الله ان يعطف علي قلبك ويرزقني من علمك وارجو
ان الله أجابني في الشريف ما سألته فقال: يا أبا عبد الله ليس العلم بكثرة
التعلم انما هو نور يضعه الله في قلب من يريد أن يهديه فإذا أردت العلم
فاطلب أولا في نفسك حقيقة العبودية واطلب العلم باستعماله واستفهم الله
يفهمك، فقلت ما حقيقة العبودية؟ قال ثلاثة أشياء: ان لا يرى العبد
لنفسه فيما خوله الله ملكا لان العبيد لا يكون لهم ملك بل يرون المال مال
الله يضعونه حيث امرهم الله ولا يدبر العبد لنفسه تدبيرا وجملة اشتغاله فيما
امره الله به ونهاه عنه فإذا لم ير العبد فيما خوله الله ملكا هان عليه الإنفاق
فيما امره الله وإذا فوض تدبير نفسه إلى مدبره هانت عليه مصائب الدنيا وإذا
اشتغل بما امره به ونهاه عنه لا يتفرع إلى المراء والمباهاة مع الناس فإذا
أكرم الله العبد بهذه الثلاث هانت عليه الدنيا والمسيس بالخلق فلا يطلب الدنيا
تفاخرا وتكاثرا ولا يطلب عند الناس عزا وعلوا ولا يدع أيامه باطلة فهذا
أول درجة المتقين قال الله تعالى تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون
علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين. قلت يا أبا عبد الله أوصني
قال: أوصيك بتسعة أشياء فإنها وصيتي لمريد الطريق إلى الله تعالى والله
أسال ان يوفقك لاستعمالها، ثلاثة منها في رياضة النفس وثلاثة منها في
الحلم وثلاثة منها في العلم فاحفظها وإياك والتهاون بها. قال عنوان ففرغت
قلبي فقال: اما اللواتي في الرياضة فإياك ان تأكل ما لا تشتهيه فإنه يورث
الحمق والبله ولا تأكل الا عند الجوع فإذا أكلت فكل حلالا وسم الله تعالى
واذكر حديث النبي ص ما ملأ الآدمي وعاء أشد شرا من بطنه.
واما اللواتي في الحلم فمن قال لك ان قلت واحدة سمعت عشرا فقل
ان قلت عشرا لم تسمع واحدة ومن شتمك فقل له ان كنت صادقا فيما تقوله
فاسال الله ان يغفر لي وان كنت كاذبا فاسال الله ان يغفر لك ومن وعدك
بالخيانة فعده بالنصيحة والدعاء. واما اللواتي في العلم فاسال العلماء ما
جهلت وإياك ان تسألهم تعنتا وتجربة وإياك ان تعدل بذلك شيئا وخذ
بالاحتياط في جميع أمورك ما تجد إليه سبيلا واهرب من الفتيا فرارك من
الأسد والذئب ولا تجعل رقبتك جسرا للناس ثم قال له يا شريف فقال قل
يا أبا عبد الله ثم قال له قم يا أبا عبد الله فقد نصحت لك ولا تفسد علي
وردي فاني رجل ضنين بنفسي اه.

(١) اي قدمها من سفر
(٢) اي مطلوب من الله تعالى بأعمال وعبادة أو مطلوب من قبل السلطان ويكره الاشتهار.
(٦٧٥)

بعض ما اثر عنه من الأدعية القصيرة
في حلية الأولياء بسنده: كان من دعاء جعفر بن محمد:
اللهم أعزني بطاعتك ولا تحزني بمعصيتك اللهم ارزقني مواساة من
قترت عليه رزقه بما وسعت علي من فضلك.
قال أبو معاوية يعني غسان فحدثت بذلك سعيد بن سالم فقال
هذا دعاء الاشراف.
وبسنده عن نصر بن كثير: دخلت انا وسفيان الثوري على جعفر بن
محمد فقلت اني أريد البيت الحرام فعلمني شيئا أدعو به فقال إذا بلغت
البيت الحرام فضع يدك على الحائط ثم قل:
يا سابق الفوت، يا سامع الصوت، ويا كاسي العظام لحما بعد
الموت. ثم ادع بما شئت. فقال له سفيان شيئا لم افهمه فقال له يا سفيان
إذا جاءك ما تحب فأكثر من الحمد لله وإذا جاءك ما تكره فأكثر من لا حول
ولا قوة إلا بالله وإذا استبطأت الرزق فأكثر من الاستغفار.
وعن كتاب نثر الدرر للآبي ان الصادق ع اشتكى مرة فقال
اللهم اجعله أدبا لا غضبا قال: وكان يقول: اللهم انك بما أنت له
أهل من العفو أولى مني بما انا أهل له من العقوبة.
كلامه في الشعراء وما اثر عنه من الشعر
عن كتاب نثر الدر للآبي: ان الصادق ع قال إياكم وملاحاة
الشعراء فإنهم يضنون بالمدح ويجودون بالهجاء.
وفي مناقب ابن شهرآشوب: أنشد الصادق ع يقول:
- فينا يقينا يعد الوفاء * وفينا تفرخ أفراخه -
- رأيت الوفاء يزين الرجال * كما يزين العذق شمراخه -
وفي المناقب ان سائلا سأله حاجة فاسعفها فجعل السائل يشكره فقال
ع:
- إذا ما طلبت خصال الندى * وقد عضك الدهر من جهده -
- فلا تطلبن إلى كالح * أصاب اليسارة من كده -
- ولكن عليك باهل العلى * ومن ورث المجد عن جده -
- فذاك إذا جئته طالبا * ستحبى اليسارة من جده -
قال وروي عن الصادق ع:
تعصي الاله وأنت تظهر حبه * هذا لعمرك في الفعال بديع -
- لو كان حبك صادقا لأطعته * ان المحب لمن أحب مطيع -
أقول مر في تحف العقول ان الباقر ع أنشد هذين البيتين.
وله ع اورده في المناقب:
- علم المحجة واضح لمريده * وارى القلوب عن المحجة في عمى -
- ولقد عجبت لهالك ونجاته * موجودة ولقد عجبت لمن نجا -
وفي المناقب عن تفسير الثعلبي: روى الأصمعي له ع:
- أ ثامن بالنفس النفيسة ربها * فليس لها في الخلق كلهم ثمن -
- بها يشتري الجنات ان انا بعتها * بشئ سواها ان ذلكم غبن -
- إذا ذهبت نفسي بدنيا أصبتها * فقد ذهبت نفسي وقد ذهب الثمن -
وفي المناقب روى سفيان الثوري له ع:
- لا اليسر يطرؤنا يوما فيبطرنا * ولا لازمة دهر نظهر الجزعا -
- ان سرنا الدهر لم نبهج لصحته * أو ساءنا لم نظهر له الهلعا -
- مثل النجوم على مضمار أولنا * إذا تغيب نجم آخر طلعا -
قال ويروى له ع:
اعمل على مهل فإنك ميت * واختر لنفسك أيها الإنسان -
- فكان ما قد كان لم يك إذ مضى * وكأنما هو كائن قد كان -
قال ويروى له ع:
- في الأصل كنا نجوما يستضاء بنا * وللبرية نحن اليوم برهان -
- نحن البحور التي فيها لغائصكم * در ثمين وياقوت ومرجان -
- مساكن القدس والفردوس نملكها * ونحن للقدس والفردوس خزان -
- وقال الحافظ عبد العزيز بن الأخضر الجنابذي في معالم العترة النبوية
قال إبراهيم بن مسعود كان رجل من التجار يختلف إلى جعفر بن محمد
يخالطه ويعرفه بحسن حال، فتغيرت حاله فجعل يشكو إلى جعفر ع
فقال له:
- فلا تجزع وان أعسرت يوما * فقد أيسرت في زمن طويل -
- ولا تيأس فان الياس كفر * لعل الله يغني عن قليل -
- ولا تظنن بربك ظن سوء * فان الله أولي بالجميل -
وعن كتاب العدد القوية قال الثوري لجعفر بن محمد يا ابن رسول
الله اعتزلت الناس فقال يا سفيان فسد الزمان وتغير الاخوان فرأيت الانفراد
أسكن للفؤاد ثم قال:
ذهب الوفاء ذهاب أمس الذاهب * والناس بين مخاتل وموارب -
- يفشون بينهم المودة والصفا * وقلوبهم محشوة بعقارب -
وفي حاشية مجموعة الأمثال الشعرية ينسب إلى جعفر الصادق
ع:
- لا تجزعن من المداد فإنه * عطر الرجال وحلية الآداب -
بعض ما مدح به من الشعر
عن كتاب سوق العروس عن الدامغاني انه استقبله عبد الله بن
المبارك فقال:
- أنت يا جعفر فوق ال * مدح والمدح عناء -
- انما الاشراف ارض * ولهم أنت سماء -
- جاز حد المدح من قد * ولدته الأنبياء -
وقال:
الله أظهر دينه * وأعزه بمحمد -
- والله أكرم بالخلافة * جعفر بن محمد -
قال المفيد في الارشاد وفيه يقول السيد إسماعيل بن محمد
الحميري وقد رجع عن مذهب الكيسانية لما بلغه انكار أبي عبد الله مقاله
ودعاؤه له إلى القول بنظام الإمامة:
- أيا راكبا نحو المدينة جسرة * عذافر يطوي بها كل سبسب -
- إذا ما هداك الله عاينت جعفرا * فقل لولي الله وابن المهذب -
- الا يا ولي الله وابن وليه * أتوب إلى الرحمن ثم تأوبي -
- إليك من الذنب الذي كنت مطنبا * أجاهد فيه دائبا كل معرب -
- وما كان قولي في ابن خولة دائنا * معاندة مني لنسل المطيب -
- ولكن روينا عن وصي محمد * ولم يك في ما قاله بالمكذب -
(٦٧٦)

- بان ولي الأمر يفقد لا يرى * سنين كفعل الخائف المترقب -
- فيقسم أموال الفقيد كأنما * تغيبه بين الصفيح المنصب -
- فان قلت لا فالحق قولك والذي * تقول فحتم غير ما متعصب -
- وأشهد ربي ان قولك حجة * على الخلق طرا من مطيع ومذنب -
- بان ولي الأمر والقائم الذي * تطلع نفسي نحوه وتطربي -
- له غيبة لا بد ان سيغيبها * فصلى عليه الله من متغيب -
- فيمكث حينا ثم يظهر امره * فيملأ عدلا كل شرق ومغرب -
- قال وفي هذا الشعر دليل على رجوع السيد رحمه الله عن مذهب
الكيسانية وقوله بامامة الصادق ع اه.
وفاته
لما توفي وحمل إلى البقيع أنشد أبو هريرة العجلي:
أقول وقد راحوا به يحملونه * على كاهل من حامليه وعاتق -
- أ تدرون ما ذا تحملون إلى الثرى! * ثبيرا ثوى من رأس علياء شاهق -
- غداة حثا الحاثون فوق ضريحه * ترابا وأولى كان فوق المفارق -
وروى الكليني وغيره بالاسناد عن أبي أيوب الجوزي قال بعث إلي أبو
جعفر المنصور في جوف الليل فدخلت عليه وهو جالس على كرسي وبين
يديه شمعة في يده كتاب فلما سلمت رمى الكتاب إلي وهو يبكي وقال هذا
كتاب محمد بن سليمان والي المدينة يخبرنا ان جعفر بن محمد قد مات فانا
لله وإنا إليه راجعون ثلاثا وأين مثل جعفر ثم قال لي اكتب فكتبت صدر
الكتاب ثم قال اكتب إن كان أوصى إلى رجل بعينه فقدمه واضرب عنقه
فرجع الجواب إليه انه اوصى إلى خمسة أحدهم أبو جعفر المنصور ومحمد بن
سليمان وعبد الله وموسى ابني جعفر وحميدة فقال المنصور ليس إلي قتل
هؤلاء سبيل. وروى ابن شهرآشوب في المناقب عن داود بن كثير الرقي
قال اتى اعرابي إلى أبي حمزة الثمالي فسأله خبرا فقال توفي جعفر الصادق
فشهق شهقة وأغمي عليه فلما أفاق قال هل اوصى إلى أحد قال نعم
اوصى إلى ابنه عبد الله وموسى وأبي جعفر المنصور فضحك أبو حمزة وقال
الحمد الله الذي هدانا إلى الهدى وبين لنا عن الكبير ودلنا على الصغير
واخفى عن أمر عظيم فسئل عن قوله فقال بين عيوب الكبير ودل على
الصغير لاضافته إياه وكتب الامر بالوصية للمنصور لأنه لو سال المنصور عن
الوصي لقيل أنت اه وذلك أن عبد الله وإن كان أكبر ولد الصادق
ع الا انه كان به عيب فكان أفطح الرجل والامام لا يكون ناقصا ومع
ذلك كان جاهلا باحكام الشريعة. قوله: لاضافته إياه يعني اضافته إلى
الأوصياء وجعله من جملتهم فعلم أنه هو الوصي الحقيقي لكمال فضله.
وفي مروج الذهب للمسعودي: لعشر سنين خلت من خلافة
المنصور توفي أبو عبد الله جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي
طالب سنة ١٤٨ ودفن بالبقيع مع أبيه وجده وله ٦٥ سنة وقيل إنه سم.
وعلى قبورهم في هذا الموضع من البقيع رخامة مكتوب عليها: بسم الله
الرحمن الرحيم الحمد لله مبيد الأمم ومحيي الرمم هذا قبر فاطمة بنت رسول
الله ص سيدة نساء العالمين وقبر الحسن بن علي بن أبي طالب وعلي بن
الحسين بن علي بن أبي طالب ومحمد بن علي وجعفر بن محمد ع
وفي تذكرة الخواص حكاية الكتابة على الرخامة عن الواقدي.
ملاحظة
جاءنا من الشيخ عبد المحمود نجدي المهاجر في الريفينو
الأرجنتين أنه يوجد شيعة في المغرب ولم نذكرهم في مقدمة أعيان الشيعة
وذلك أنه قرأ في جريدة لاناسيون الارجنتينية عن ثورة الأمير عبد الكريم
ضد الأسبان والافرنسيس أن قبائل بني حسن وبني علي وبني عدول شيعة
قد انضموا إلى الأمير عبد الكريم بعد موت الريسولي الأمير الكبير
الذي حكم طنجة وانتحر وكانوا في الجبهة الأولى ضد فرنسا وهم ما ينوف
عن ثلاثين ألفا كما تقول الجريدة اه.
(٦٧٧)