الهواء عذبة الماء محكمة البناء يتصل بكل دار منها بستان حسن يشتمل على
الفواكه الجيدة العطرة على شاطئ البحر مقابلة لمدينة قسطنطينية بينهما
البحر خاصة وأقمت بها انتظر وصول صاحبنا الشيخ حسين بن عبد الصمد
العاملي والد البهائي وكان بصحبته في ذلك السفر لطلب تدريس مدرسة
فاعطي تدريس مدرسة ببغداد لأنه احتاج إلى التأخر عني تلك الليلة.
ومن غريب ما اتفق لي بها حين نزلتها اني اجتمعت برجل هندي له
فضل ومعرفة بفنون كثيرة منها الرمل والنجوم فجرى بيني وبينه كلام فقلت
له ان قاضي العسكر أشار علي بان أسافر يوم الاثنين وخالفته وجئت في هذا
اليوم السبت حذرا من نحس يوم الاثنين بسبب كونه ثالث عشر الشهر
وكان قد ذكر لي قاضي العسكر المذكور ان يوم الاثنين يوم جيد للسفر لا
يكاد يتفق مثله بالنسبة إلى احكام النجوم وان سعده يغلب نحسه بسبب
كونه ثالث عشر فقال لي ذلك الرجل الهندي على البديهة صدق القاضي فيما
قال واما يوم السبت الذي خرجت فيه فإنه يوم صالح لكن يقتضي انك
تقيم في هذه البلدة أياما كثيرة فاتفق الامر كما قال فان الشيخ حسين بعد
مفارقتي بحث عن امر المدرسة التي كان قد أعطاه إياها القاضي ببغداد
فوجد أوقافها قليلة فاحتاج إلى ابدالها بغيرها فتوقف لأجل ذلك ٢١ يوما
وظهر صدق ذلك الفاضل الهندي بما أخبر به على البديهة ثم اتفق ان
رسمت له شكلا رمليا وطلبت البحث عنه ففكر فيه ساعة ثم أظهر لي منه
أمورا عجيبة كلها رأيتها موافقة للواقع بحسب حالي وكان مما أخرجه من
بيت العاقبة انها في غاية الجودة والخير والتوفيق فالحمد لله على ذلك ومن
بيت السفر ان هذه سفرة صالحة جيدة جدا والعود فيها سعيد صالح لكن
فيه طولا خارجا عن المعتاد بالنسبة إلى العود إلى الوطن وكان الامر في
الباطن على ما ذكر لأني كنت قد عزمت على التوجه إلى العراق لتقبيل
العتبات الشريفة في طريق العود ثم ارجع منها إلى الوطن وذلك بعد تأكد
الامر الإلهي لنا بذلك ونهينا عن تركه.
سفره من بلاد الروم إلى العراق
قال وكان خروجنا من اسكدار متوجهين إلى العراق يوم السبت
لليلتين خلتا من شعبان من هذه السنة سنة ٩٥٢ واتفق ان طريقنا إليها هي
الطريق التي سلكناها من سيواس إلى اصطنبول ووصلنا إلى مدينة سيواس
يوم الاثنين لخمس بقين من شعبان وخرجنا منها يوم الأحد ثاني شهر رمضان
متوجهين إلى العراق وهو أول ما فارقناه من الطريق الأولى وخرجنا في حال
نزول الثلج وبتنا ليلة الاثنين على الثلج وكانت ليلة عظيمة البرد. ومن
غريب ما اتفق لي تلك الليلة اني نمت يسيرا فرأيت كأني في حضرة شيخنا
الجليل محمد بن يعقوب الكليني وهو شيخ بهي الطلعة جميل الوجه عليه أبهة
العلم ونحو نصف لمته بياض ومعي جماعة من أصحابي منهم رفيقي
وصديقي الشيخ حسين بن عبد الصمد فطلبنا من الشيخ أبي جعفر الكليني
المذكور نسخة الأصل لكتابه الكافي فدخل البيت واخرج لنا الجزء الأول
منه في قالب نصف الورق الشامي ففتحه فإذا هو بخط حسن معرب
مصحح ورموزه بالذهب فجعلنا نتعجب من كون نسخة الأصل بهذه
الصفة فسررنا بذلك كثيرا لما كنا قبل ذلك قد ابتلينا به من رداءة النسخ
فطلبنا منه بقية الاجزاء فجعل يتألم من تقصير الناس في نسخها ورداءة
نسخهم إلى آخر ما ذكره من القصة قال ثم انتبهت وانتهينا بعد أربعة أيام
من اليوم المذكور إلى مدينة ملطبة وهي مدينة لطيفة كثيرة الفواكه تقرب
من أصل منبع الفرات ومررنا بعد ذلك بمدينة لطيفة تسمى زغين وهي
قريبة من منبع الدجلة وكان وصولنا إلى المشهد المقدس المبرور المشرف
بالعسكريين بمدينة سامراء يوم الأربعاء رابع شهر شوال وأقمنا بها ليلة
الخميس ويومه وليلة الجمعة ثم توجهنا إلى بغداد ووصلنا إلى المشهد المقدس
الكاظمي يوم الأحد ثامن الشهر فأقمنا به إلى يوم الجمعة وتوجهنا ذلك
اليوم إلى زيارة ولي الله سلمان الفارسي وحذيفة بن اليمان رضي الله عنهما
ورحلنا منه إلى مشهد الحسين ع ووصلنا إليه يوم الأحد منتصف
الشهر المذكور وأقمنا به إلى يوم الجمعة وتوجهنا منه إلى الحلة وأقمنا بها إلى يوم
الجمعة وتوجهنا منها إلى زيارة القاسم ثم إلى الكوفة ومنها إلى المشهد
المقدس الغروي وأقمنا به بقية الشهر وقد أظهر الله سبحانه لجماعة من
الصالحين بالمشهدين وغيرهما آيات باهرة ومنامات صالحة وأسرارا خفية
أوجبت كمال الاقبال وبلوغ الآمال فله الحمد والمنة على كل حال.
اظهاره الانحراف في قبلة الحضرة العلوية
قال ابن العودي مما اخبرني به من الكرامات بعد رجوعه من هذه
الزيارة في صفر سنة ٩٥٦ انه لما حرر الاجتهاد في قبلة العراق وحقق حالها
واعتبر محراب جامع الكوفة الذي صلى فيه أمير المؤمنين ع ووجد
محراب حضرته المقدسة مخالفا لمحراب الجامع وأقام البرهان على ذلك وصلى
فيه منحرفا نحو المغرب كما يقتضيه الحال وقرر ما أدى إليه اجتهاده في ذلك
المجال وسلم طلبة العلم ذلك لما اتضح لهم الامر وتخلف رجل عن التسليم
أعجمي يقال له الشيخ موسى وانقطع عن ملاقاته لأجل ذلك ثلاثة أيام
وأنكر عليه غاية الإنكار لما قد تردد إلى تلك الحضرة من الفضلاء الأعيان
على تطاول الزمان خصوصا الشيخ علي الكركي المحقق الثاني وغيره من
الأفاضل الذين عاصرهم هؤلاء الجماعة وهذا هو الموجب لنفوره عما حققه
الشيخ قدس سره فلما انقطع الرجل المذكور عنه هذه المدة رأى النبي ص في
منامه وانه دخل إلى الحضرة المشرفة وصلى بالجماعة على السمت الذي صلى عليه
الشيخ منحرفا كانحرافه فانحرف معه أناس وتخلف آخرون فلما فرع النبي ص
من الصلاة التفت إلى الجماعة وقال كل من صلى ولم ينحرف كما انحرفت
فصلاته باطلة فلما انتبه الشيخ موسى طفق يسعى إلى شيخنا قدس سره
وجعل يقبل يديه ويعتذر إليه من الجفاء والإنكار والتشكيك في امره فتعجب
شيخنا من ذلك وسأله عن السبب فقص عليه الرؤيا كما ذكر. يقول
المؤلف: الذي ترجح عندنا ان القبلة ليس فيها هذا التدقيق الذي ذكره
العلماء وان الأقوى الاكتفاء بالجهة العرفية وفاقا للشيخ الأكبر الشيخ جعفر
في كشف الغطاء وان قلنا ان القبلة عين الكعبة بان يكون الشارع اكتفى في
الطريق إلى معرفتها بالجهة العرفية ويدل على ذلك الروايات التي هي أصل
مستندهم في التعويل على جعل الجدي علامة من قول أحدهما عليهما
السلام حين سئل عن القبلة فقال ضع الجدي في قفاك وصله وقول الصادق
ع لمن قال له اني أكون في السفر ولا اهتدي إلى القبلة بالليل:
أتعرف الكوكب الذي يقال له الجدي قلت نعم نعم قال اجعله على يمينك
وإذا كنت في طريق الحج فاجعله بين كتفيك وحمل صاحب المدارك العلامة
الأولى والثالثة على أطراف العراق الغربية والثانية على أواسط العراق مع أنه
لا شاهد له لا يتم في الثالثة فابن طريق الحج من أطراف العراق الغربية فلا
مناسبة بينهما حتى يحمل أحدهما على الاخر وحينئذ فقوله إذا كنت في طريق
الحج فاجعله في قفاك مع تفاوت الأماكن التي يكون فيها وهو في طريق
الحج تفاوتا كثيرا أقوى دليل على أن امر القبلة واسع وانه أوسع مما ذكروه
ويدل عليه قول أبي جعفر ع لما سئل أين حد القبلة فقال ما بين
المشرق والمغرب قبلة كله. قال الشهيد في الذكرى: هذا نص في الجهة
(١٥٢)