أعيان الشيعة
الجزء: ٨
السيد محسن الأمين

الكتاب: أعيان الشيعة
المؤلف: السيد محسن الأمين
الجزء: ٨
الوفاة: ١٣٧١
المجموعة: مصادر التاريخ
تحقيق: تحقيق وتخريج : حسن الأمين
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر: دار التعارف للمطبوعات - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات:

الفهرست
العنوان الصفحة
الجزء الثامن والثلاثون عبد الرزاق بن الفوطي ٥
عبد الرسول الصايغ ٩
عبد الرسول السماوي عبد الرسول المازندراني عبد الرسول النوري الآشتياني عبد الرسول الحلبي النبلي عبد الرسول الحميري عبد الرسول التبريزي عبد الرشيد الاسترآبادي عبد الرشيد الشوشتري ١٠
عبد الرضا الولي البحراني عبد الرضا شبلي الحانيني عبد الرضا الخطي عبد الرضا عبد الرضا خليفة المقري ١١
عبد الرضا زين الدين عبد الرضا الشيخ راضي عبد السلام البصري عبد السلام ديك الجن ١٢
عبد السلام الموسوي ١٥
عبد السلام الحر الجبعي عبد السميع فياض الأسدي عبد السميع اليزدي عبد الصاحب الدواني عبد الصمد بن عبد الصمد ١٦
عبد الصمد الحسيني عبد الصمد التتري عبد الصمد الجبعي العاملي عبد العالي الكركي العاملي ١٧
عبد العزيز الامامي عبد العزيز بن البراج عبد العزيز الموسوي ١٨
عبد العزيز بن سريا (الحلي) ١٩
عبد العزيز الطرابلسي عبد العزيز القواس عبد العزيز الحارث عبد العظيم الكركاني عبد العظيم عباس ٢٧
عبد العظيم الجعفري القزويني عبد علي الطباطبائي الحائري عبد علي رحمة الله الحويزي ٢٨
عبد علي ناصر بن رحمة عبد علي عز الدين العاملي عبد علي العروسي الحويزي عبد علي الخوانساري ٢٩
عبد علي الخمايسي عبد علي الرشتي الغروي عبد علي الحسين البيرجندي ٣٠
عبد علي البحراني عبد العلي زين العابدين عبد علي الجابلقي عبد الغفار الرشتي عبد الفتاح الحسيني المراغي عبد الفتاح المرعشي عبد القادر الأدفوي المصري ٣١
عبد القاهر العبادي عبد الكاظم الجيلاني عبد الكريم الجزائري عبد الكريم حسين النجفي عبد الكريم الخليل ٣٢
عبد الكريم حسن صادق العاملي ٣٤
عبد الكريم الزين العاملي ٣٥
عبد الكريم مغنية العاملي ٣٩
عبد الكريم الجزائري ٤٠
عبد الكريم الإيرواني عبد الكريم طاووس الفقيه عبد الكريم اليزدي ٤٢
عبد الكريم اللاهجي عبد الكريم عبد العالي الميسي العاملي عبد الكريم الحجام الديباجي عبد الكريم شرارة العاملي ٤٣
عبد اللطيف الشوشتري عبد اللطيف خاتون العاملي عبد اللطيف الحنويهي العاملي عبد اللطيف الكازروني عبد اللطيف بن أبي جامع العاملي ٤٤
عبد الله البلادي البوشهري عبد الله العباس العلوي عبد الله عفيف الدين الثقفي الشيخ عبد الله الميرزا عبد الله الطبيب ٤٥
عبد الله إبراهيم المشهدي عبد الله بن أبي سفيان المطلبي عبد الله يساف الأنصاري عبد الله أحمد الخشاب عبد الله أحمد الزنجاني عبد الله الدجيلي عبد الله إسحاق الرضوي عبد الله اليافعي اليمني عبد الله الخريبي البصري ٤٦
عبد الله ورقاء الخزاعي عبد الله بسطام الزيات ٤٧
عبد الله بن بكير بن أعين عبد الله محسن التستري عبد الله جابر العلوي عبد الله جبلة الكناني عبد الله بن جعفر ٤٨
عبد الله بن جعفر الطوسي عبد الله البلادي البحراني عبد الله العبسي الصحابي ٤٩
عبد الرحمن السلمي عبد الله بن الحر الجعفي عبد الله الصادقي النسابة عبد الله الأفطس الأصفر العلوي عبد الله العقيقي عبد الله الرستمداري عبد الله الصميري البحراني عبد الله الغريفي البلادي ٥٠
عبد الله حماد الأنصاري عبد الله الحمداني التغلبي ٥١
عبد الله بن خليل العاملي عبد الله الدرمكي عبد الله ذياب الانسي عبد الله الرضوي عبد الله بن رواحة ٥٢
عبد الله بن زمعة بن قصي عبد الله بن سخبرة الأزدي عبد الله سعيد الخوافي عبد الله سويد الجرشي عبد الله شبرمة الضبي عبد الله شرفشاه الحسيني عبد الله الشهاب آبادي عبد الله صالح البحراني ٥٣
عبد الله الطفيل العامري ٥٤
عبد الله بن عباس الهاشمي ٥٥
عبد الله بن عباس البحراني ٥٧
عبد الله البلاغي العاملي عبد الله نعمة العاملي الأول ٥٨
عبد الله السرحي عبد الله الجليل خان عبد الله المسمعي البصري عبد الله عبد الرحمن الأنصاري عبد الله الدشتكي الهروي عبد الله البحراني عبد الله زهرة الحسيني عبد الله الأمين عبد الله حفصي البحراني عبد الله الكبابكي الحسيني الجزء التاسع والثلاثون ٥٩
عبد الله بن نعمة العاملي ٦٠
عبد الله بن زهرة عين الدولة عياض الصوري ٦٢
عبد الله خان المشعشعي عبد الله عمار البرقي ٦٣
عبد الله بن عمر العنسي عبد الله التبريزي الأفندي ٦٤
عبد الله التركي الدواني عبد الله الحسيني الطالقاني عبد الله فضل الله اليزدي عبد الله القاروني كرانا عبد الله النابغة الجعدي ٦٥
عبد الله الاشنهي الفقيه عبد الله بن كثير السهمي عبد الله بن كرم الحويزي عبد الله كعب المرادي ٦٨
عبد الله المازندراني عبد الله العلوي الصادقي عبد الله العريضي الخراساني عبد الله الحسيني الحائري عبد الله ضياء الدين عبد الله الحذاء الدعلجي ٦٩
عبد الله المجلسي الأصفهاني عبد الله البهبهاني عبد الله الكرمنشاهي عبد الله العبيدلي النقيب عبد الله الشاعر الجليل عبد الله البشروي التوني عبد الله متوج البحراني عبد الله الشوبكي الخطي ٧٠
عبد الله الحسيني الطبري عبد الله الواسطي عبد الله الأصفهاني الخازن عبد الله بن محمد العاملي عبد الله قطبشاه عبد الله الخفاجي الحلبي ٧١
عبد الله شبر ٨٢
عبد الله المديني البلوي عبد الله بن معاوية ٨٣
عبد الله بن ميمون القداح عبد الله الهذيل الحارثي ٨٤
عبد الله نور الدين الجزائري عبد الله الفاضل القندهاري عبد الله نور الدين البحراني عبد الله بن النجاشي سمعان ٨٧
عبد الله الحويزي الهميلي عبد الله بن هاشم المرقال ٨٩
عبد الله بن ورقاء الشيباني ٩٠
عبد الله العبدي البصري عبد الله عاصم الأنصاري عبد المؤمن الجرجاني عبد المجيد الزنجاني ٩٢
عبد المجيد البغدادي الحلي عبد المحسن الكاظمي ٩٣
عبد المحسن الصوري ٩٤
عبد المطلب مرتضى ٩٩
عبد المطلب العلوي عبد المطلب العميدي ١٠٠
عبد المطلب الأشتري عبد المطلب الحسني العلوي عبد المطلب الأمين العاملي ١٠١
عبد الملك البعلبكي ١١٣
عبد مناف (أبو طالب) ١١٤
عبد المنان الطوسي عبد المنعم حفصي البحراني عبد المهدي الحائري عبد المهدي الفتوني العاملي عبد النبي الجزائري عبد النبي السطوحي عبد النبي الشيرازي الامامي ١٢٦
عبد النبي النباطي العاملي عبد النبي الجواد الكاظمي ١٢٧
عبد النبي القزويني اليزدي ١٢٨
عبد النبي الشيرازي عبد النبي الطسوجي عبد الهادي الشيرازي ١٢٩
عبد الهادي كاظم الأمين عبد الهادي البغدادي عبد الواحد البوراني عبد الواحد مهدي ١٣٠
عبد الواحد الصفي النعماني عبد الواحد الاسترآبادي عبد الواحد القيرواني عبد الواسع الخاتون آبادي عبد الوهاب المنجم اباشي علي الشجري عبد الوهاب الديرلي عبد الوهاب سادن ١٣١
عبد الوهاب الاسترآبادي عبد الوهاب الأشرفي عبد الوهاب الخزرجي الزنجاني عبد الوهاب الرحبكي الحائري ١٣٢
عبد الوهاب المشعشعي الحويزي عبد الوهاب الحسيني عماد عبد الوهاب شيخ الاسلام عبد الوهاب الكرمنشاهي عبد الوهاب محمد الأسدي ١٣٣
عبد الوهاب القاجاري عبد الوهاب الحمداني العبدي ابن مصعب عبيد ابن أم كلاب عبيد الله الذاكاني عبدة بن مبشر الوسطي عبد الله بابويه القمي عبيد الله بن موسى عبيد الله موسى العلوي ١٣٤
عبيد بن أبي سلمة الليثي عبيد الله بن العباس عبيد الله المختار العلوي عبيد الله العلوي ١٣٥
عبيد الله الحسيني عبيد الله السدآبادي عبيد الله الأعرج العلوي عبيد الله العامري النيسابوري ١٣٦
عبيد الله مختار العبسي عبيد الله بن لقيط البكري عبيد الله بن علي العلوي عتبة بن أبي سفيان الهاشمي عتبة بن أبي لهب عبد المطلب عتبة الزهري المسعودي ١٣٧
عثمان بن أحمد الواسطي عثمان بن جني ١٣٨
عثمان المنتاب التغلبي عثمان بن حنيف الأنصاري ١٣٩
العجلي ابن هيثم عدنان الحسيني عدنان النقيب عز الدين عدنان عدنان جعفر الحسيني عدنان البحراني عدي بن حاتم الطائي الجزء الأربعون ١٤٢
عدفجة الخشني عزيز الله المجلسي عزيز غياث الدين النقيب عزيز الله الحسيني العسكري ابن سعيد عسكري المشهدي ١٤٤
عصام بن مقشعر البصري عضد الدولة بن بويه عطاء بن أبي الأسود الدؤلي عطاء فضل الله الحسيني عطاء الله المشهدي عطاء الله محمود الحسيني عطاء الله بن فضل الحسيني عطاء الله الآملي العطار ابن يحيى عقبة بن سلام ١٤٥
عقبة بن شيبة عقبة بن عمرو السهمي ١٤٦
عقبة بن عمرو البدري عقيل العلوي عقيل بن زين العابدين الجعفري عقدة الحافظ ١٤٧
عقيصا التيمي عقيل بن شهاب الحسيني عكبر الكردي العكبر الأسدي ١٤٨
علاء الدين الطريحي العلاء بن محمد العلائي الكركي العلامة الحلي علباء الهيثم السدوسي علقمة بن عمرو علقمة بن قيس النخعي علم بن منصور علم الهدى الكاشاني ١٤٩
علوان العلوي علوي البحراني العلوي ابن القاسم علي شرف الدين علي مظفر الدين علي الكوثراني علي العريضي الحسني علي القطان القزويني علي الشيخ إبراهيم ١٥٠
علي بن إبراهيم علي بن إبراهيم درويش علي الموسوي العاملي علي ابن الأعلم علي بن أبي رافع علي بن الشيخ أبي طالب علي التميمي الغروي علي الخبازي الرازي علي الحسيني الهمداني علي بن أبي الغنائم ١٥١
علي الفتح العاملي المزرعي علي الخوانساري علي الرضوي اللاهوري علي بن أبي معاذ البغدادي علي بن أحمد الكوفي علي خان الشيرازي ١٥٢
السيد علي شهاب ١٥٣
علي الجرجاني الجوهري عز الدين البكاء الأفطسي ١٥٥
علي كاركيا العلوي علي التقي الموسوي علي الفنجكردي علي الصيداوي العاملي علي الفقيه العادلي ١٥٦
علي خاتون العيناثي علي أحمد أبي جيد ١٦٠
علي احمد الظالمي علي الحسيني العاملي علي نوبخت الشاعر علي الحر العاملي ١٦١
علي الحارثي الهمداني علي بأنوري الأبيوردي ١٦٢
علي بن إسحاق بن نوبخت علي الزاهي الشاعر ١٦٣
علي بك الأسعد ١٦٤
علي شعيب الميثمي علي الغياث علي إسماعيل النوبختي علي أشرف الطسوجي علي البروجردي علي أصغر خان أتابك ١٦٧
علي بن الحسين العقيلي ١٦٨
علي أصغر القزويني علي أصغر الرضوي علي أكبر اليزدي علي أكبر الطالقاني علي أكبر النواب الخراساني علي أكبر الهمداني علي أكبر الملاباشي ١٧١
علي أكبر صدر الاسلام ١٧٥
علي أكبر الموسوي علي أكبر الحكمي علي بن أميركيا العلوي علي ابن الساعي البغدادي علي آغا البغدادي علي الحسيني المدني ١٧٦
علي التولاني علي التوليني النحاريري علي الجرجاني علي بن الجعد الجوهري علي بن جعفر الصادق علي كاشف الغطاء ١٧٧
الشيخ علي الشرقي ١٧٩
علي سليمان البحراني علي جواد النبارسي علي الجيلاني الهندي علي الجيلاني علي الطباطبائي الشولستاني علي هبة الله الزيدي ١٨١
علي بن عتبة النحوي الحلي علي بن الحسن الحسيني علي بويه الديلمي علي حسول الهمداني ١٨٢
علي بن كثير الحلبي علي نظام الدين الجيلاني علي بن الحسن بن الحسين علي بن الحسن صردر ١٨٣
علي المؤلف علي رضي الدين علي الارفادي المصري علي الأديب العلوي ١٨٤
علي حاجي البلادي علي الحارثي الجبعي علي شدقم الحسيني علي آل مغنية العاملي علي الحسيني العاملي علي حسن مغنية العاملي ١٨٥
علي حسن الزواري علي الهمداني بن أبي جامع ١٨٦
علي بن حسن العلوي علي بن الحسين الكاشفي علي الوزير المغربي ١٨٧
علي بن الحسين علي الموسوي الجبعي علي الحسيني الموسوي علي حسين شمس الدين ١٨٨
علي حسين القرشي علي الخيقاني الحلي علي الشفهيني الحلي ١٩١
علي المرعشي الصفوي علي بن الحسين الدوادي علي العاملي الركيني ١٩٧
علي السبزواري علي أبو الفرج الأصفهاني ١٩٨
علي محيي الدين العاملي ٢٠١
علي الحاج حسين مروة ٢٠٢
علي الحسيني العاملي علي العاملي الجزيني ٢٠٥
علي الشاطري العسكري علي الأكبر بن الإمام الحسين (ع) ٢٠٦
علي حسين عبد الواحد ٢٠٧
علي الزنجفوري الهندي علي حسين الطريحي علي الكركي - المحقق الثاني ٢٠٨
علي آل عوض الحلي علي بن الحسين المرتضى ٢١٣
علي النقي الزغيب ٢١٩
علي بن الحسين المسعودي ٢٢٠
علي شرف الدين الليثي ٢٢٦
السيد علي الحسيني علي نور الدين الموسوي علي الحسيني الاسترآبادي ٢٢٧
علي الحسيني الجامي علي الحسيني المرعشي علي الحسيني - حكيم باشي - علي الحكيم الصوفي الشيخ علي الحلبي علي بن حماد علي حماد الأزدي ٢٢٨
علي العبدي العدوي ٢٢٩
علي حمزة الكسائي ٢٣٣
علي الحوزي العلوي علي حيدر نور الدين علي حيدر المنتكفي علي خاتون العاملي علي خان المشعشعي ٢٣٥
السيد علي الخطيب علي بن خلف بن عبد الله ٢٣٩
علي الطبيب الطهراني علي الخوئي النجفي علي الأردكاني الشيرازي علي دلدار اللكهنوئي ٢٤٠
علي الحلبي ابن الساعاتي علي محيي الدين الجامعي ملا علي الروزدري علي خان النقناوي علي بن زهرة العاملي علي بن أبي مليكة التيمي علي بن أبي القاسم بن الحسين (البيهقي) ٢٤١
علي الصغير العاملي علي بن سعد القمي علي سلطان النجار ٢٤٦
علي سليمان الزين علي القدمي البحراني علي الستري البحراني ٢٤٧
علي بن شبل بن أسد علي شدقم الحمزي علي الحاج حسين شمس الدين علي صافي الموسوي علي شاه الكشميري علي الهندي البشاوري ٢٤٨
علي ظاهر المطيري علي طاهر العلوي ٢٤٩
علي بن عاصم علي عبد الكريم الشيرازي علي إسماعيل النوبختي علي عبد الله السجري (ابن الرومي) ٢٥٠
مير علي أبو طبيخ ٢٦٠
علي عبد الجليل البياضي علي الحائري البياضي علي عبد الحميد النيلي علي الكفراوي علي الحلي المرتضى ٢٦١
علي عبد الحميد الحسني علي عبد الصمد العاملي علي العاملي الميسي الشيخ علي الميسي علي أبو القاسم العاملي الميسي ٢٦٢
علي غياث الدين الحسيني علي عبد العزيز الخليعي ٢٦٣
علي التبريزي الخياباني علي الحسيني النيلي ٢٦٦
علي عبد الكريم المدائني علي عبد الكريم الطباطبائي ٢٦٧
علي عبد الله البحراني علي قره الخلخاني علي الأصفهاني الامامي علي الموسوي العلوي علي عبد الحميد الموسوي علي الطهراني الزنوزي ٢٦٨
علي عبد الله الزيادي علي عبد الله بن حمدان (سيف الدولة) ٢٦٩
علي الحسيني البحراني علي عبد الله القرشي علي خان الموسوي ٢٨١
علي عبد الله العلياري علي الناشي الأصغر ٢٨٢
علي عبد الله الخوافي علي عبد الله الهروي علي بن بابويه القمي ٢٨٦
علي عبد الله مظفر النجفي الشيخ علي الحلي علي النهدي الحميري علي الطالبي المرعشي ٢٨٧
علي جلال الدين فخر الدين علي عرب علي فخر الدين الحسيني علي عبد الله العلوي - الطيب - علي الموسوي الجزائري علي عطيفة الحسني علي الشوشتري المرعبي علي الحسيني الموسوي علي العلوي البروجردي ٢٨٨
علي بن علي العاملي علي الموسوي العاملي ٢٨٩
علي نور الدين الموسوي علي طالب بدر الدين علي الصغير الوائلي ٢٩٠
علي بن علي رضا الخوئي علي الأصغر بن علي الأكبر علي النجار التستري علي ابن عين الخوانساري علي الحسيني الفراهاني علي امين شرارة ٢٩١
علي إبراهيم عز الدين الجزء الواحد و الأربعون ٢٩٣
علي بن ورقاء الخزاعي علي العلوي المقري علي الطباطبائي المدرس علي العاملي الفقعاني ٢٩٤
علي مهدي الخنيزي ٢٩٥
علي الخنيزي المقدم ٢٩٨
علي الحسيني العاملي علي بايزيد البسطامي علي القاري الاسترآبادي علي عميد الدين النجار ٢٩٩
علي الحداد الأنباري علي هيكل الحلي علي الحائري الاهوري علي القحطاني التنوخي علي القاربوزابادي ٣٠٠
علي فضل الله الراوندي علي فتح الله النهاوندي علي فضل الله الحسيني علي القاسم الحلي علي درويش الصوري علي آل الغول العاملي علي خان الهندي علي الهزار جريبي علي قلي خان المراغي ٣٠١
علي قلي خان الجيلاني علي خان الكابلي علي القود جاني الشيخ علي الكني علي الكوته البناني علي بن لاجين القوامي علي اللوذي شب دري علي المغاني التبريزي علي الفاضل المازندراني ٣٠٢
علي الموسوي المشعشعي علي الحسيني العبيدلي علي العاملي الكفراوي ٣٠٣
علي المبيدي اليزدي علي محمد الشغرائي علي محمد العبسي ٣٠٧
علي أبي الفوارس فخر الدين علي الهجري البحراني علي الموسوي الطوسي علي الاخباري النيسابوري علي المرعشي مير بزرك علي عبد الرحمن الفارسي علي الأعرج العلوي علي زياد الصيمري علي الليثي الواسطي علي ميرزا الرشتي ٣٠٨
علي محمد بن جابر علي محد الكاشي علي زين الدين زهرة علي الغريفي الموسوي علي الاسترآبادي الطهراني علي النباطي البياضي ٣٠٩
علي ابن الصوفي علي محمد ثابت علي محمد علي علي العلوي علي الكربلائي علي الهندي علي الهمذاني العارف ٣١٠
علي محمد اللاهوري علي الطباطبائي الأصفهاني علي النيسابوري الاخباري علي العبرتائي الكاتب علي محمد بن عيسى علي محمد التبريزي ٣١١
علي محمد الحسيني علي بن أبي جعفر علي الحسيني علي الحسيني الفقيه علي العلقمي الأسدي علي ابن كتيلة علي السكن البغدادي علي العبيدلي النحوي علي البصري الفقيه علي الحسيني النقيب علي الطباطبائي علي بحر العلوم ٣١٢
علي الرضوي المستهدي علي محمد قنديل علي الفصيحي علي أسد الله الأصفهاني علي محمد الشولستاني علي عبد الله خان علي الحلي ابن السكون ٣١٣
علي الحسيني الحكيم علي الطباطبائي الحائري ٣١٤
علي محمد القاشي علي المعري أبو التحف علي آل محبوبة النجفي علي محمد كاشف الغطاء علي الشوشتري علي الحماني ٣١٦
علي عز الدين ٣١٧
علي محمد الأمين ٣١٨
علي حسن مهدي الأمين ٣٢٦
علي كاركيا مهدي علي البهبهاني محمد علي ٣٢٧
علي محمد بن يوسف علي الرازي المتكلم علي عمار البرقي علي محمد العلوي علي اللويزاني علي ابن كمونة علي العلوي الصوفي علي زين الدين العابدين العاملي ٣٢٨
علي حسين الزنجاني علي العلقمي القمي علي الحسني الشيرازي علي شبيب علي الخزاز الرازي علي محمد الشاهرودي علي نصر بن منقذ علي التميمي علي آبادي الأصفهاني ٣٣٠
علي شرفة الواسطي علي الزبير القرشي علي الصيرفي العجلي علي محمد خان نظام الدولة علي القاضي التنوخي الكبير ٣٣١
علي بن محمد التنوخي علي الغزنوي كاركيا علي الشامي العاملي ٣٣٣
علي النقوي النصيرآبادي علي محمد السبيتي علي محمد مروة ٣٣٨
علي محمود الأمين ٣٤٠
علي الجامعي العاملي علي بن مراد علي الحسيني القمي ٣٤٥
علي الحسيني الآوي علي مزيد الأسدي علي مظفر الوداعي ٣٤٦
علي بن المعاذ البغدادي علي العيون الأحسائي ٣٤٧
علي منصور الارمنتي (الهواس) ٣٤٨
علي الكبير الكارزاني علي المنكري الكوثراني علي مهدي شمس الدين ٣٤٩
علي موسى كاشف الغطاء علي ميرزا التبريزي علي موسى الدمشقي علي آل طاووس ٣٥٨
علي الأعور الحائري علي ناصر المعركي علي بن ناصر ٣٦٣
علي شمس الدين علي حمدان التغلبي علي الليثي الجزائري علي نصر الله الحويزي علي نصر الله الهمذاني علي تقي الأردبيلي علي الموسوي الجزائري علي نقي البروجردي علي نقي المجاهد ٣٦٧
علي الحسن الزواري علي نقي الهادي علي أبي الغنائم العلوي علي النوري الأصفهاني علي هاشم الهندي ٣٦٩
علي هلال الكركي علي الواعظ الخياباني علي الواقفي المشهدي علي ياسين عنوز علي ياسين العلاق ٣٦٩
علي يحيى الخياط علي يحيى العلوي علي يحيى المدائني علي حديد الحسيني ٣٧٠
علي اليزدي المعمائي علي بن يقطين علي كمال الدين يوسف علي صلاح الدين الأيوبي ٣٧١
علي بن يوسف علي القاسم بن صبيح علي المطهر الحلي عماد الجزائري العماد الطوسي عماد الدين الطبرسي عماد الدولة بن بويه عمارة الحمداني عمار الطرابلسي عمار العنسي ٣٧٢
عمرو الحرفوشي عمر الزيدي العلوي ٣٧٥
عمرو بن أحيحة عمرو بن الحمق الخزاعي ٣٧٦
عمرو بن غزية الأنصاري عمرو بن سعيد بن العاص عمرو بن محصن الأنصاري عمرو ابن العديم ٣٧٧
عمرو بن أبي سلمة عمرو بن حارثة الأنصاري عمير بن المتوكل عمير الخزاعي ٣٨٠
عناية الله القهباني عواد الحسني عوض البصري الحويزي عوض حيدر الشوشتري عوف العبدي عوف الأزدي ٣٨١
عياض اليماني علي بن أبي الفتح الهندي عيسى آل كبة بغدادي عيسى القيسي التستري عيسى الكوفي العلوي عيسى الأعرجي الكاظمي عيسى شجاع النجفي ٣٨٢
عيسى كمال الدين عيسى كشكول النجفي عيسى روضة التابعي عيسى الحرون عيسى عبد الله العلوي عيسى بن الحسين الزاهد عيسى بن القاسم البجلي ٣٨٣
حرف الغين غالب بن عبد الله ٣٨٤
الغضائري بن عبيد الله الغضنفر الحمداني غلام الحسنين غلام المولى الكربلائي غلام الطباطبائي غلام الموسوي الكنتوري غلام الآراني الكاشاني ٣٨٥
الغمر العلوي غنيمة الأزدي الغامدي حرف الفاء فارس علي الصغير فارس الأرجاني أبو علي الفارسي فاذشاه الناصر العلوي فارس محمد عنان فارس الحرفوشي ٣٨٦
الفاضل القمي الجيلاني الفاضل الهندي الأصفهاني الفاضلان فاضل خان الفردوسي فاضل البعلبكي فاطمة النائحة بنت هريش فاطمة بنت الحسين (ع) ٣٨٧
فاطمة بنت أسد فاطمة بنت عبد الله بن إبراهيم فاطمة بنت محمد مكي ٣٨٨
فاطمة بنت حزام ٣٨٩
فاطمة بنت الحسن (ع) فاطمة بنت علي (ع) فاطمة بنت الرضا (ع) فاطمة بنت القاسم فاطمة بنت رضي الدين طاووس فاطمة الرويدشتي ٣٩٠
فاطمة بنت موسى بن جعفر فاطمة حازم العكبري الفامي ابن هارون الفتال ابن الحسن الفتال النيسابوري فتح علي شاه القاجاري فتح علي الكاشاني فتح الله النمازي الشيرازي ٣٩١
فتح علي آبادي الحائري فتح الله الكعبي الدورقي ٣٩٢
فتح الله الشيرازي الفتح البلداري فتح الله الكاشاني فتح الله الحسيني فنحام فخار بن معد العلوي ٣٩٣
فخر المحققين الحلي فخر الدولة بن بويه فخر الدين الحسني فضل الله فخر الدين الحسني فضل الله فخر الدين المبرقع العلوي فخر الدين العلوي فخر الدين الطريحي ٣٩٤
فرج الله التستري فرج الله الحويزي ٣٩٥
فرج الله الجزائري فخر الدين المجاب العلوي فخر الدين مرتضى التفريشي فخر الدين بن أبي جامع فخر الدين ابن مكانس فخر الملك بن خلف الفراء ابن سليمان الفراء النحوي فرات الكوفي فرج القطيفي فرج الكاشاني فرج الله نعمة الله ٣٩٦
الفردوسي فرهاد فتح علي القاجاري فروغ الدين الأصبهاني فروة بن عمرو الأنصاري فريد الخراساني البيهقي الفزاري ابن مالك الفضل الأنباري ٣٩٧
الفضل بن الفرات فضل الله حمود فضل بن دكين فضل البحراني فضل الطبرسي الرضوي ٣٩٨
الفضل العباسي العلوي فضل الله الاسترآبادي فضل الله حكيم اللواساني فضل الله الحسني فضل الله الطبيب الهمذاني ٤٠١
الفضل بن العباسي الهاشمي ٤٠٤
الفضل المطلبي الفضل بن عتبة الهاشمي الفضل بن العباس العلوي ٤٠٦
الفضل بن عبد الرحمن فضل الله النوري فضل الله الزنجاني فضل البيهقي الشعراني ٤٠٧
فضل الدين تركه فضل الله الفارسي فضل الله اليزدي فضل الله الحسني الراوندي ٤٠٨
الفضل بن نوبخت ٤١٠
فضل الله الاسترآبادي فضل الله الحمداني ٤١٢
الفضل بن الحسن فضل الله الفارسي فضلي بن زين العابدين فضولي البغدادي ٤١٣
فضلي بن فضولي بابا فغاني الشاعر الفنائي المشهود فناخسرو عضد الدولة البويهي ٤١٥
الفندرسكي أبو القاسم فياض هداية الله الحسيني فيروز الديلمي فيروز البويهي ٤٢٦
فيروز شاه معين الدين الشيخ فيض الله ٤٣١
فيض الله التفريشي حرف القاف قابوس الجبلي وشمكير ٤٣٢
القاهر المشهدي القاساني ابن محمد القاسم بن راشد القاسم العلوي قسم الهر الحائري ٤٣٤
قاسم الحروري قاسم الطباطبائي قاسم المروزي قاسم محيي الدين ٤٣٥
قاسم العاملي النجفي قاسم بن معية الحسني القاسم بن حمود العلوي ٤٣٨
قاسم ديوانة المشهدي قاسم نور الدين الجزء الثاني والأربعون ٤٤٠
قاسم ال عطية القاسم بن عبد الله العلوي ٤٤٢
القاسم أبو دلف العجلي ٤٤٣
قاسم السبزواري قاسم حمود خليل ٤٤٤
قاسم ابن الوتدي قاسم الكاظمي قاسم الموسوي النجفي قاسم التستري الحلي قاسم القهباني الزواري ٤٤٥
القاسم بن محمد بن أبي بكر القاسم الكربلائي الكنوي قاسم الحائري الهر ٤٤٦
قاسم عبد اللطيف العاملي قاسم زين العابدين عباس قاسم أرسلان المشهدي قاسم الحسيني المهنا القاسم بن الإمام موسى بن جعفر قاسم النجفي ٤٤٧
القاسم الكونابادي القاشي الحلي القاضي ابن البراج قاضي الأردكاني قاضي السيفي القزويني قاضي زاده صد خروي القاضي التنوخي القاضي ابن عبد الغني قبيصة الأسدي قبيصة العبسي قتيبة البخاري ٤٤٨
القداح ابن ميمون قدامة الكاتب القديمان القراني الشاعر قربان الزنجاني قرظة بن كعب الأنصاري قرواش بن المقلد ٤٤٩
قريش الحسيني قريش العقيلي قريش المدني الحسيني قصيطل الحسيني القطان بن الحسين قطب الدين أبو الأقساسي ٤٥٠
قطب الدين الكيدري القطب الراوندي قطب الدين الرازي قلي قطبشاه الأول قطب الدين قلي قطبشاه قطب شاه القطيفي الغروي القعقاع الطهوي ٤٥١
القندي ابن مروان قوام الدين المرعشي ٤٥١
قوام الدين المنقلي قوام الدين القزويني قياس المشهدي قيس الصحابي القيسي قيس بن سعد بن عبادة ٤٥٢
قيس بن عبد الله قيس بن عمرو النجاشي قيس بن عمار ٤٥٧
قيس بن فهدان الكندي قيس الماصر قيس المكشوح البجلي قيصر المصري حرف الكاف كابر الجيلاني الكاتب الكاشاني محسن كاشف اليزدي كاظم الرشتي ٤٥٨
كاظم أحمد الأمين ٤٥٩

الامام السيد محسن الأمين
أعيان الشيعة
المجلد الثامن
حققه وأخرجه
حسن الأمين
(٣)

بسم الله الرحمن الرحيم
(٤)

: كمال الدين أو قوام الدين أبو الفضائل أو أبو الفضل عبد الرزاق بن أحمد
بن محمد بن أحمد بن محمد بن أبي المعالي الشيباني المعروف بابن الفوطي
وبابن الصابوني.
ولد في المحرم سنة ٦٤٢ ببغداد وتوفي في المحرم سنة ٧٢٣ ببغداد عن
إحدى وثمانين سنة والفوطي بضم الفاء وفتح الواو وطاء مهملة وياء
النسبة منسوب إلى الفوط جمع فوطة نوع من الثياب وهي نسبة لجد أبيه
لامه. وفي الدرر الكامنة: الفوطي جده لامه ذكره الذهبي في تذكرة
الحفاظ فقال: العالم البارع المتقن المحدث الحافظ المفيد مؤرخ الآفاق
معجز أهل العراق ينتسب إلى معن بن زائدة واصله مروزي ولد ببغداد
وأسر في الوقعة وهو حدث هي وقعة التتار ثم صار إلى أستاذه ومعلمه
خواجة نصير الدين الطوسي سنة ٦٦٠ فاخذ عنه علوم الأوائل ومهر على
غيره في الأدب ومهر في التاريخ والشعر وأيام الناس وله النظم والنثر والباع
الطويل في ترصيع تراجم الناس وله ذكاء مفرط وخط منسوب رشيق
وفضائل كثيرة سمع الكثير وعني بهذا الشأن وكتب وجمع فلعل ان يكفر به
عنه، كتب من التواريخ ما لا يوصف ومصنفاته وقر بعير. خزن كتب
الرصد بضع عشرة سنة فظهر بكتب نفيسة وحصل من التواريخ ما لا مزيد
عليه ثم سكن بعد مراغة بغداد وولي خزانة كتب المستنصرية فبقي عليها
واليا إلى أن مات وليس في البلاد أكثر من هاتين الخزانتين وعمل تاريخا كبيرا
لم يبيضه ثم عمل آخر دونه في خمسين مجلدا اسماه مجمع الآداب في معجم
الأسماء على معجم الألقاب. يقول المؤلف وهذا الكتاب يوجد منه
جزء واحد في المكتبة الظاهرية في عصرنا بدمشق بخط مؤلفه وفي الدرر
الكامنة: كان يقول إنه من ذرية معن بن زائدة أسر في كائنة بغداد فاتصل
بالنصير الطوسي فخدمه واشتغل عليه وسمع من محيي الدين بن الجوزي
وباشر كتب خزانة الرصد بمراغة وهي على ما نقل أربعمائة ألف
مصنف أو مجلد واطلع على نفائس الكتب فعمل تاريخا حافلا جدا ثم اختصره
في آخر سماه مجمع الآداب ومعجم الأسماء على الألقاب في خمسين مجلدا له
درر الأصداف في بحور الأوصاف وله الدرر الناصعة في شعراء المائة
السابعة وولى خزن كتب المستنصرية إلى أن مات وعني بالحديث وقرأ بنفسه وكتب
بخطه المليح كثيرا جدا وذكر انه سمع من محيي الدين بن الجوزي ومبارك بن
المستعصم في آخرين قال إنهم يبلغون خمسمائة انسان كان له نظم حسن وخط بديع
جدا قلت ملكت بخطه خريدة القصر للعماد الكاتب في أربع مجلدات في قطع
الكبير وقدمتها لصاحب اليمن فأثابني عليها ثوابا جزيلا جدا وكان له نظر
في علوم الأوائل وكان مع حسن خطه يكتب في اليوم أربع كراريس. وقال
الصفدي اخبرني من رآه ينام ويضع ظهره إلى الأرض ويكتب ويداه إلى
جهة السقف، وقال الذهبي كانت له يد بيضاء في النظم وترصيع التراجم
وله ذهن سيال وقلم سريع وخط بديع وبصر بالمنطق والحكمة وكان روضة
معارف وبحر اخبار وقد ذكر في بعض تواليفه انه طالع تواريخ الاسلام
فسردها فمن المستغرب تاريخ خوارزم تاريخ أصبهان لحمزة ولابن مردويه
ولابن منده تاريخ قزوين للرافعي تاريخ الري للآبي تاريخ مراغة
تاريخ اران تاريخ البصرة لابن دهجان تاريخ الكوفة لابن مجالد تاريخ
واسط للدبيثي تاريخ سامرا تاريخ تكريت تاريخ الموصل تاريخ
ميافارقين تاريخ العميد ابن القلانسي تاريخ صقلية تاريخ اليمن.
وسرد شيئا كثيرا جدا، قال ابن رجب تكلم في عقيدته وفي عدالته وسمعت
من شيوخنا ببغداد شيئا من ذلك روى عنه ولده ببغداد وسمع منه محمود بن
خليفة اه.
وفي عمدة الطالب ذكر الشيخ الفاضل قوام الدين عبد الرزاق بن
الفوطي المؤرخ البغدادي في كتابه تلخيص مجمع الألقاب الخ... اه.
وقال الشيخ محمد رضا الشبيبي: تعد غارة المغول على مراكز
الحضارة الاسلامية ونشوء دولتهم الكبرى أشهر حوادث التاريخ في القرنين
السابع والثامن أو الثالث عشر والرابع عشر ويعتبر ظهورهم ورسوخ
اقدامهم في الشرق فترة من فترات الضعف في تاريخ آداب اللغة العربية
ويشعر مؤرخو هذه الحقبة بقلة المستندات العربية التي يعول عليها في حل
النواحي الغامضة من تاريخ العراق في أيام المغول خصوصا فيما يتعلق
بسياستهم وطراز ادارتهم وآثارهم في هذه البلاد أو يميط اللثام عن القواعد
التي قام عليها سلطانهم من مال ورجال وكفاءات علمية أو سياسية إلى هذا
ونحوه من الشؤون التي لا تزال مثارا للجدل بين المؤرخين.
ولما كنت في الشام سنة ١٣٣٨ ه‍ ١٩٢٠ م ظفرت خلال التنقيب عن
المخطوطات العربية في دار الكتب الظاهرية بنسخة نادرة من الجزء
الرابع من اجزاء المعجم الذي ألفه مؤرخ العراق ابن الفوطي في التراجم
وسماه مجمع الآداب في معجم الأسماء والألقاب وكانت النسخة بخط
مؤلفها المذكور مؤرخة سنة ٧١٢، وفي المكتبة العامة ببغداد الآن صورة
شمسية للنسخة المشار إليها حصلت عليها وزارة المعارف سنة ١٣٥٧ ه‍
(١٩٣٨ م) ولا شك في قيمة هذه التحفة الثمينة فيما نحن فيه لان أكثر
مؤرخي ذلك العصر عولوا على النقل عمن سبقهم أو على الروايات. إما
المؤرخون الذين كانوا شهود عيان للواقعة واطلعوا على حقائق ما جرى فيها
أو بعدها فإنهم، ولا سيما العرب منهم قليلون جدا ومنهم مؤرخ العراق
كمال الدين عبد الرزاق بن أحمد المعروف بابن الفوطي الشيباني البغدادي
ولعله المؤرخ العربي الوحيد الذي طالت حياته وطارت شهرته في أيام
(٥)

المغول. فقد حوصرت بغداد ثم فتحت واخذ هو أسيرا بعد فتحها من
التتار وشاهد أعظم ملوكهم وأقطاب دولتهم في أعظم عصورها وأزهى أيامها
وذلك من أيام الطاغية هولاكو إلى أيام احفاده أرغون وغازان ومن بعدهما
إلى زمان السلطان أبي سعيد كما أنه زار أشهر حواضرهم واتصل بحكامها
وأعيانها وعلمائها ودرس حالة عصره من شتى نواحيها بل تمكن من الوصول
إلى مقاصر الأميرات المغوليات.
ممن اتصل به في شبابه آل الجويني أشهر من حكم العراق في عهد
هولاكو وابنه اباقا خصوصا الصاحب علاء الدين الجويني وكذلك
الفيلسوف نصير الدين الطوسي وأولاده وتلامذته وغيرهم من رجال
العلم والسياسة الذين امتازوا بخبرتهم وتفانيهم في النضال عن
حقوق العراقيين والمسلمين في محنتهم الكبرى ثم ذهبت أيام
هولاكو وابنه اباقا وجاءت دولة حفيده ارغون وفيها تغيرت
الأحوال وتنكرت السياسة وفتك ارغون بال الجويني واستاصلهم لكونهم
من حزب أخيه السلطان احمد وقرب إليه مناوئيهم في السياسة المذكورة
وكانت سياسة ارغون هذا سياسة بطش وانتقام من العراقيين بسبب ميلهم
إلى آل الجويني، وقد شهد ابن الفوطي مظاهر ذلك الصراع السياسي
العنيف بين احزاب المغول وبطش بعضها ببعض بكل ما عرف عنهم من
قسوة وفظاعة وتمثيل كما شهد مصارع آل الجويني وأعيان هذا البيت الذين
سلخوا في إدارة شؤون العراق أكثر من عشرين سنة أحبهم خلالها
العراقيون حبا جما وكذلك أدرك وفاة أساتذته نصير الدين الطوسي
ومعاصريه وتلامذته وغيرهم من الناس.
هذه هي الروايات التي شاهدها ابن الفوطي على مسرح الحياة منذ
فتح بغداد إلى أواخر القرن السابع وهو العصر الأول من عصور المغول
وقد شاهد أيضا مثلها في العصر الثاني ما بين أيام غازان إلى أيام حفيده أبي
سعيد وهو عصر يختلف بروحه ومميزاته عن سابقه إذ تطورت فيه مظاهر
الحياة عند المغول وزهت الحضارة في مدنهم وارتقت نظمهم الاجتماعية
ونبذوا كثيرا من عاداتهم الوثنية وكان هذا الحادث الاجتماعي الخطير نتيجة
لازمة لاحتكاكهم بمظاهر الحضارة الاسلامية مدة لا تقل عن خمسين سنة
فأسلمت الشعوب المغولية بأسرها وقد أكثر ابن الفوطي في هذا العصر من
التردد إلى حواضر المغول وزار عواصمهم واتصل بحكامها وعلمائها وأعيانها
وفي مقدمتهم رشيد الدين الطبيب وابنه الأمير غياث الدين أشهر ساسة
العصر الثاني من عصور المغول كما أنه حرر حوادث هذا العصر وترجم
لرجاله ووصف مظاهر الحياة فيه وصف المثقف الخبير بشؤون الحياة في ذلك
العصر وحفظ لنا ذلك كله في كتبه ومعاجمه فكتب ابن الفوطي والحالة هذه
من أصح المستندات العربية التي يعول عليها في تاريخ تلك الحقبة وهي في
الحقيقة حضارة تلك العصر في تراجم سياسته وعلمائه وأرباب الصنائع
والفنون ورجال المال فيه.
توفرت وانا في الشام على دراسة هذا الكنز الثمين وذلك من ناحية
صلته بتاريخ العراق في عصر المؤلف وقد عرض ابن الفوطي لسيرته خاصة
في كثير من مواضعه وذلك بمنتهى الصراحة فالكتاب في الوقت نفسه سيرة
من السير الخاصة الممتعة.
ولد كمال الدين عبد الرزاق بن أحمد المشهور بابن الفوطي الشيباني
البغدادي في بغداد سنة ٦٤٢ ه‍ اي بعد مضي سنتين على مبايعة المستعصم
آخر خلفاء بني العباس ولسنا نعرف شيئا كثيرا عن حداثته ولا عن دراسته
فيها وكل ما نعلمه من كتب ابن الفوطي نفسه انه ولد في أسرة متوسطة
الحال كانت تسكن في محلة الخاتونية إحدى المحلات القريبة من دار الخلافة
كما أنه سمع من الصاحب محيي الدين بن الجوزي أستاذ دار الخلافة القتيل
في الواقعة هذا قبل واقعة بغداد إما بعد ذلك فقد أسر وليس له من العمر
الا أربع عشرة سنة وحمل إلى آذربيجان ونقل من مكان إلى مكان الا انه لم
يمكث في الأسر طويلا فان الفيلسوف نصير الدين الطوسي سعى في الافراج
عنه بعد مضي سنة أو أكثر قليلا من ذلك على اسره وأقام عنده ثلاث عشرة
سنة في مراغة حاضرة المغول وذلك في أيام هولاكو وابنه اباقا وقد عظمت
مراغة في هذا العصر وهو عصر إقامة ابن الفوطي فيها وأصبحت عاصمة
المشرق الذي تم فتحه على أيدي المغول ومن جملة توابعها خراسان وبلاد
العجم بأسرها وكذلك بلاد الروم اي الأناضول وبلاد العراق، ومال
المغول في حاضرتهم هذه إلى تشجيع العلوم الرياضية والطبيعية وأنشئ في
مقدمة ما أنشئ من المعاهد العلمية فيها دار الرصد المشهورة وخزانة
كتبها الكبيرة وذلك بعد مضي سنة واحدة على فتح بغداد وقد استقدموا إليها
أئمة العلوم الرياضية والعقلية من كل حدب وصوب كما وضع للعمل في
المعهد المذكور وللمطالعة والدراسة في مكتبته نظام دقيق أشار إليه ابن
الفوطي وقد تم ذلك كله باشراف نصير الدين الطوسي، وشهد ابن الفوطي
تأسيس دار الرصد المذكورة كما سلخ فيها وفي مكتبتها ثلاث عشرة سنة
ملازما لنصير الدين ولغيره من كبار علمائها وأساتذتها ويعد نصير الدين أكبر
عامل في تهذيب ابن الفوطي وذلك في هذه الحقبة من حياته وقد وجهه إلى
دراسة العلوم الرياضية والنظريات الفلسفية مدة ملازمته له كما عهد إليه
بالاشراف على خزانة كتب دار الرصد المشار إليها وهي أعظم خزانة بعد
خزانة المستنصرية وفيها على الأرجح بدأ ابن الفوطي بالتأليف وظهر ميله
إلى التاريخ والتفنن في تنسيق مؤلفاته وترتيبها ولعله أول مؤرخ استعمل
الجداول والاشكال الهندسية في معاجم التراجم وكتب التاريخ.
عرض ابن الفوطي فيما وصل إلينا من كتبه إلى جميع ما يتعلق بدار
الرصد المذكورة فذكر كيفية انشائها واستقدام أساتذتها وأشار إلى وظائفهم
وترجم لكل منهم ترجمة ممتعة مشيرا إلى اختصاصه ومؤلفاته كما أنه
ألف خلال اقامته فيها مجموعة سماها تذكرة الرصد خصصها بذكر كل
من زار الدار المشار إليها أو قصد إلى مكتبتها واستطرد في تذكرته المذكورة
إلى فوائد علمية وتاريخية كثيرة ويستفاد من ذلك ان دار الرصد كانت تقصد
وتزار من قبل عدد كبير من الناس بينهم العالم والمتعلم والمتفرج وكذلك
مكتبتها وقد وصف لنا بعض ما في هذه المكتبة من آثار نفيسة وصفا ممتعا
كالشاهنامة المغولية المصورة التي نظمها الشاعر أبو الفضل أحمد بن بنجير
نزيل الروم وتخلص في آخر ترجمة كل سلطان بذكر هولاكو. قال
ابن الفوطي: وعرضها صاحبها في الحضرة سنة ستين وستمائة وقررت له
المشاهرة الوافية إلى أن قال: رأيت هذه النسخة في ثلاثة مجلدات قطع
النصف وقد صورها وهي بخزانة كتب الرصد. ثم اورد بعض الأمثلة منها
وقال أيضا في ترجمة عز الدين مظفر بن الحسن بن العميد من شعراء
عصره: رأيت ديوانه بخزانة كتب الرصد سنة ثلاث وستين وجاء
في ترجمة قوام الدين عبد الله بن عبد الرحمن الحكيم قدم مراغة واستوطنها
وكان فاضلا وكتب إلي أبياتا يلتمس فيها مفتاح الرصد وكان قد صعد مع
جماعة من أصحابه وورد في قطب الدين أحمد بن محمود بن أبي بكر الناسخ
(٦)

من الفضلاء الواردين مراغة سنة سبع وستين وستمائة كان مليح الخط
صحيح الضبط يتردد مدة مقامه في مراغة إلى الرصد وينشدني من أشعار
شعراء ما وراء النهر وتركستان إلى غير ذلك فابن الفوطي مؤرخ هذه
النهضة العلمية الكبيرة في مراغة على عهد المغول ولولا معجمه هذا لما عثرنا
من تاريخها على ما يشفي الغليل.
أقام ابن الفوطي ثلاث عشرة سنة في مراغة كما مر ستا منها في دولة
طاغيتها هولاكو إما الباقي ففي دولة ابنه اباقا تكاثر خلالها أصدقاؤه
ومعارفه وأحبه المغول وأدناه القوم من مجالسهم وسمح له بزيارة الأميرات
المغوليات ولا يخلو معجمه من ذكر نساء المغول وقد قال في ترجمة عز الدين
الحسن بن الحسين بن يوسف نزيل تبريز الموصلي الشيخ العارف النقاش
كان جميل الأخلاق لطيف المعاني يتعاطى صنعة النقش وخياطة الزركش
واتصل بحضرة الخاتون المعظمة بلغان جهة السلطان الأعظم محمود غازان بن
ارغون وحصل له الجاه والمال وحضر في خدمة السلاطين وهو في جميع
حالاته محب للفقراء والغرباء له زاوية بتبريز أقمت عنده وسألته عن مولده
فذكر لي انه ولد بالموصل سنة اثنتين وأربعين وستمائة وتوفي بتبريز سنة
عشرة وسبعمائة وقال في ترجمة فلك الدين التبريزي رأيته بالسلطانية
وهو لطيف الأخلاق له مروءة كان السبب في الدخول إلى خداوند زاده ست
الكرام خاتون بنت الصاحب السعيد شرف الدين في ربيع الاخر سنة سبع
عشرة وسبعمائة ومما خلده في كتابه من ذكرياته في مراغة تراجمه لبعض
الاسرى من العراقيين في واقعة بغداد فقال في ترجمة عبد العزيز بن إبراهيم
الخالدي سبط المستعصم: كانت والدته بنت الامام المستعصم بالله لما
أخذت بغداد انفذ بها السلطان هولاكو إلى أخيه منكوقان وخلصت بهمة
جده واتصلت بوالده وقدم مراغة في خدمة والده إلى حضرة خاله الأمير
السعيد المبارك ابن المستعصم بالله سنة إحدى وسبعين وستمائة وتوجهوا إلى
مدينة السلام وتوفيت بها وكان شابا سريا كريم الطرفين وفي ترجمة عميد
الدين سعيد بن محمد السلمي البغدادي المنجم: كان والده نائب الجانبين
ببغداد ولما أخذت بغداد وقع أسيرا وشرع في معرفة التقاويم ووصل إلى
حضرة اباقا ابن السلطان الأعظم هولاكو وكان يحترمه وينعم عليه ويلبسه
من ملابسه واخترم شابا في المحرم سنة أربع وستين وستمائة وكانت بيني
وبينه صحبة واجتماع ودفن في مراغة في الطريق إلى الرصد عند قبة
ترخان.
هذا وقد اتقن ابن الفوطي اللغة الفارسية وأحاط بأدابها وروى اثار
أدباء اللغة المذكورة بل نظم الشعر فيها كما أنه ألم على الأرجح باللغة
المغولية وقد نظم الشعر باللغة العربية ولكنه لا يعد من شعرائها المجيدين.
غلبت على ابن الفوطي عاطفة الحنين إلى الوطن والرجوع إلى مسقط
رأسه بغداد غير مرة في مراغة بيد انه لم يتمكن من الفور بمبتغاه الا في سنة
٦٧٨ ه‍ ١٢٧٩ م وذلك بفضل الصاحب علاء الدين الجويني أشهر من
حكم العراق أيام هولاكو وابنه اباقا وهو ممن اتصل بهم ابن الفوطي في
مراغة من أعيانها فاعجب بفضله ومواهبه وترجع شهرة الجويني مضافا إلى
عبقريته السياسية ونجاحه في إدارة شؤون الدولة المغولية ولا سيما في العراق
إلى غزارة علمه والى آثاره الممتعة في الأدب والسياسة والتاريخ وتشجيعه
للتأليف والمؤلفين في شتى الفنون وقد كتب ابن الفوطي لخزانته كثيرا من
الكتب ومنها تاريخه الكبير كما اهدى ابن ميثم البحراني شرح نهج البلاغة له
واهدى ابن كمونة بعض مؤلفاته لآل الجويني منها كتابه في شرح الإشارات
أهداه لشمس الدين الجويني صاحب ديوان الممالك. ويعد ابن الفوطي
أعظم أيادي الجويني عليه اعادته إلى بغداد واليكم ما يقوله في ترجمة الجويني
عن ذلك هو الذي أعادني إلى مدينة السلام سنة تسع وسبعين وستمائة
وفوض إلي كتابة التاريخ والحوادث وكتب لي الإجازة بجميع مصنفاته واملى
علي شعره في قلعة تبريز سنة سبع وسبعين وستمائة هذا وقد عهد إلى ابن
الفوطي فور وصوله إلى بغداد بالاشراف على خزانة المستنصرية وهو عمل
اتقنه ابن الفوطي منذ كان في مراغة وتعد كتب ابن الفوطي أحسن مرجع
للاطلاع على شؤون الكتب والمكتبات العامة والخاصة خصوصا ما كان
منها في عصره كمكتبة دار الرصد ومكتبة المستنصرية هذه وقد رفعته خبرته
في فن الخطوط ومعرفته بمشاهير الناسخين والخطاطين وحذقه لأصول انشاء
المكتبات إلى مستوى الأئمة في هذا الشأن وقد كون لنفسه مكتبة خاصة تعد
بين المكتبات الثمينة المعروفة في عصره وكان منزله ومكتبته المذكورة في بغداد
ملتقى طلبة العلم ومجتمع الطبقة المهذبة من البغداديين والطارئين على بغداد
ومن عادته ان يشير في معجمه إلى زواره وزوار مكتبته من العلماء والأعيان
أو من المعجبين بمؤلفاته المتنافسين في اقتناء آثاره في شتى المواضيع والفنون.
كانت مكتبة المستنصرية المذكورة في وقت إشراف ابن الفوطي على
شؤونها أشهر مكتبة عامة في العالم كله كما كانت مفخرة من مفاخر بغداد
وتزار في مقدمة ما يقصد ويزار من معاهدها العظيمة وقد عني ابن الفوطي
بتاريخها من هذه الناحية ووصف زيارة من زارها من الملوك والرؤساء
وغيرهم في أيامه ومنهم سلاطين المغول وأعيانهم فقد زارها منهم السلطان
محمود غازان في مقدمه إلى بغداد سنة ٦٩٦ ه‍ ١٢٩٦ كما زارها أشهر
رجال دولته القادمين معه. قال ابن الفوطي في الحوادث الجامعة: دخل
خزانة الكتب ولمحها. واليكم نص ما جاء في ترجمة قطب الدين أحمد بن
عبد الله الخالدي قاضي قضاة الممالك لما ولي اخوه صدر الدين الخالدي
الوزارة فوض إلى أخيه قضاء الممالك وامر ونهى ورتب القضاة في البلدان
وقدم علينا بغداد في خدمته لما قدمها صحبة المعسكر الإيلخاني سنة ست
وتسعين وستمائة وحضر عندنا في خزانة كتب المدرسة المستنصرية في جماعة
من علماء قزوين فلما عاين تلك الكتب المنضدة التي لم يوجد مثلها في العالم
لم يطالع منها شيئا لكنه سال هل تحتوي هذه الخزانة على كتاب الهياكل
السبعة فقد كانت لي نسخة مذهبة منه شذت عني أريد ان استكتب
عوضها وقتل قطب الدين بعد قتل أخيه سنة ثمان وتسعين وستمائة في
أذربيجان وفي ترجمة العكيكي قوام الدين محمد بن علي العكيكي
البغدادي الصدر الأديب من أدباء عصرنا ومن بيت أصيل تادب وسافر
الكثير ودخل بلاد الشام وحج بيت الله الحرام ودخل بلاد اليمن ثم قدم
بغداد وانا بها وكان يتردد إلى خزانة الكتب بالمدرسة المستنصرية أيام كنت
مشرفا على الخازن جمال الدين ياقوت المستعصمي وكان يوردنا الاخبار
وينشدنا الاشعار كتبت عنه من شعره وشعر غيره ثم خرج مسافرا سنة تسع
وتسعين وستمائة.
كان ابن الفوطي دون الثلاثين من عمره اي في سن الطلب
(٧)

والتحصيل لما عاد إلى بغداد ودخل المستنصرية وفي هذه البيئة العلمية
الجديدة كانت قراءة الفقه والحديث شغله الشاغل فأكثر من الاخذ عن
الفقهاء والسماع من المحدثين والرواية عن الشيوخ وما ناهز الحادية
والخمسين من عمره حتى بلغ مرتبة الأئمة في الحديث ونال درجة الحفاظ
وعده الذهبي منهم وبالجملة أصبح من الاعلام الذين يشار إليهم بالبنان في
العراق وفي غيره من البلدان وذلك بدون ان يتحيز أو يفرق بين أهل المذاهب
من الشيوخ ولذلك اجازه غير واحد منهم على اختلاف مشاربهم ومذاهبهم
وهو أمر لا يتفق الا لمن وقف نفسه على طلب الحق والتحري عن الحقيقة.
والواقع انه درس كثيرا من الطرق والمذاهب وكان في درسه عاقلا حكيما
يمثل رحابة الصدر وطول الأناة أحسن تمثيل.
أكثر ابن الفوطي كما تقدم في اخذه من اعلام العراق خصوصا في
فنون الأدب وعلوم الشريعة وقد وضع معجما خاصا بمن اخذ عنهم من
الشيوخ أوصل عددهم فيه إلى الخمسمائة وليس يعنينا ذكر هؤلاء الشيوخ
بأسرهم هذا إذا كان ذلك في الإمكان وانما يعنينا ذكر مشاهير شيوخه وأعيان
العراقيين الذين اختص بهم وقضى معظم أيامه ببغداد إلى جانبهم واستفاد
من الاتصال بهم أو ارتبط برابطة الود معهم فمن أشهر هؤلاء غياث الدين
عبد الكريم بن طاووس الفقيه النسابة النقيب المشهور قال لم أر في
مشايخي احفظ منه للسير والآثار والأحاديث والاخبار والحكايات والاشعار
جمع وصنف وألف وكان يشارك الناس في علومهم وكانت داره مجمع الأئمة
والاشراف وكتبت لخزانته الدر النظيم فيمن تسمى بعبد الكريم وسألته عن
مولده فذكر انه ولد في شعبان سنة ثمان وأربعين وستمائة وتوفي يوم السبت
١٦ شوال سنة ثلاث وتسعين وستمائة.
وكذلك عميد الدين أبو الحارث عبد المطلب بن شمس الدين
النقيب بن المختار جاء في الكتاب عنه مختار آل المختار الظاهر ابن النقباء
الاطهار من محاسن الدنيا في علو الهمة ووفور الحشمة والأخلاق المهذبة
والاعراق الطيبة كان لأفاضل بغداد عليه رسوم من الإنعام يوصلها إليهم
كل عام ولما وصلت من مراغة أسهم لي قسطا وافرا وكان أديبا فصيح البيان
مليح الخط له اطلاع على كتب الأنساب ومشاركة في جميع العلوم والآداب
صنف لأجله شيخنا جمال الدين بن مهنا كتاب الدوحة المطلبية طالعتها في
دار المعمورة سنة إحدى وثمانين وستمائة وكان ينعم ويتردد إلى داري
ويطالع ما جمعته ووضعته والفته وصنفته.
والأمير فلك الدين محمد المستعصمي قال عنه من أبناء الامراء ذكر
لي انه ولد ببغداد سنة تسع وثلاثين وستمائة ولما ترعرع اشتغل بالخط
والأدب والفروسية ولما أخذت بغداد حصل مع ملك الكرج واتصل بحضرة
السلطان هولاكو وقربه وجعله شحنة على الحكماء الذين يلوذون بحضرته
لعمل الكيمياء ولما توفي السلطان رجع إلى بغداد ورتب خازنا للديوان
واشتغل في عمل كتاب الجوهر الفريد وبيت القصيد وهو كتاب لم يؤلف
مثله وكان قد علاه دين فخدم خزانة الوزير سعد الدين بالكتاب فجاءه ما
لم يكن في حسبانه وتوفي في رجب سنة عشر وسبعمائة وله شعر حسن
واخبار ذكرت في التاريخ أكثرها وكانت بيني وبينه معرفة وصداقة واتحاد منذ
خمسين سنة ولما قدمت بغداد كنت أتردد إلى خدمته ويشرفني أيضا بحضوره
ورثيته بأبيات.
وقوام الدين بن علي الشيباني النعماني الكتبي قال: من بيت معروف
بالرئاسة والعدالة والتصرف والقضاء كان قوام الدين صديقي يتردد إلي
وكان عارفا بخطوط المصنفين وبقية الكتب واقتنى كتبا نفيسة وسافر إلى
الشام وكان يعرض علي ما يحصل له من النسخ المختارة بخطوط الأدباء
كتبت عنه وكان حسن العشرة يحفظ كثيرا من الاشعار.
وعفيف الدين بن ميمون الحلي النحوي المجاور الدار القرآن
بالمستنصرية كان يتردد إلى حضرة النقيب الكامل صفي الدين بن طباطبا
ونجتمع معه وتجري لنا أوقات حميدة.
هذا وفي سنة إحدى وثمانين وستمائة زار ابن الفوطي الحلة صحبة
الأمير فخر الدين بغدي ونزل ضيفا عليه مدة من الزمان وكانت الحلة مركزا
من مراكز العلم والأدب في تلك الأيام فاتصل بكثير من زعمائها وأدبائها
رأى جماعة منهم في دار الأمير المذكور فكتب عنهم وترجم لهم ويمكن ان
يقال إن كتابه حفظ لنا جانبا من تاريخ الحلة ونهضتها العلمية وحالتها
السياسية وغير ذلك في تلك الأيام.
هذا ولم يتخل ابن الفوطي عن وظيفته في المستنصرية الا في سنة
٧٠٤ ه‍ اي انه باشرها خمسا وعشرين سنة بدأت سنة تسع وسبعين
وستمائة وانتهت سنة أربع وسبعمائة وفي هذه السنة رحل إلى تبريز فأقام
فيها ست سنوات عاد بعدها إلى بغداد ثم رحل مرة ثانية إلى تبريز وقد كثر
تردده إليها وإقامته فيها وذلك في أيام رشيد الدين الطبيب أشهر ساسة
العصر الثاني من عصور المغول وهو خليطه وزميله في الدراسة على نصير
الدين وقد اختص به وقضى الشطر الأخير من حياته قريبا منه إلى أن قتل
رشيد الدين سنة ثماني عشر وسبعمائة كما اختص بابنه الأمير غياث الدين
وزير الشرق في أيام أبي سعيد وكانت تبريز والسلطانية وغيرهما من حواضر
المغول تجتذب إليها رجال العلم والأدب والتفكير كما كانت الوفود لا تنقطع
عنها ولا سيما من العراق. والخلاصة كان هذا العصر أزهى عصور تبريز لا
سيما من حيث عمرانها وكثرة ما أنشئ فيها من المدارس والمعاهد الخيرية
والدينية في أيام رشيد الدين وابنه الأمير غياث الدين وقد تطورت في هذا
العصر مظاهر الحياة كلها لدى المغول وقطعت شعوبهم شوطا بعيدا في
مضمار الحضارة وارتفعت نظمهم الاجتماعية وكان لآل الجويني في العصر
السابق ولرشيد الدين الطبيب وأهل بيته من بعدهم اثر محمود في التطور
المذكور كما كان من علماء تبريز في هذه الحقبة الامام قطب الدين الرازي
المتوفى سنة عشر وسبعمائة الذي اشتهر بمؤلفاته الرياضية والفلسفية والدينية
وقد اخذ ابن الفوطي في هذه المرة عن أشهر مشاهير علماء تبريز وفي
مقدمتهم قطب الدين المذكور وأجاز له ولا نعرف بعد نصير الدين من اثر
فيه مثل قطب الدين ثم رشيد الدين الطبيب، الأول في طريقته العلمية
والأخلاقية والثاني في بعض ميوله السياسية والفلسفية وقد اشتهر
رشيد الدين بسعة اطلاعه وكثرة مؤلفاته في الطب والفلسفة
والتاريخ وله كتاب مشهور في تاريخ المغول نقل عنه ابن الفوطي
كثيرا فيما كتبه عنهم كما عرف بميله إلى الحرية الواسعة في التفكير وقد اطلق
الحرية التامة للمفكرين والفلاسفة أو المتفلسفين ولكنها حرية أسئ
استعمالها من جانب بعض المتطرفين كما أنه أشهر من شجع التعليم
والتآليف واجزل الصلات للمؤلفين وقد ألفت باسمه كثير من الكتب ولا
(٨)

مثيل لهذا العصر في تاريخ المغول كله من هذه الناحية وقد نسب رشيد
الدين من أجل ذلك إلى مناصرة المتفلسفين الزائغين عن الاسلام وحامت
الشبه حوله وحول أصحابه في هذا الشأن ولم يسلم ابن الفوطي نفسه من
ذلك كما أشار إليه غير واحد من المؤرخين وكتاب ابن الفوطي هذا من خير
ما يعول عليه في الاطلاع على مظاهر التفكير في ذلك العصر. وهذا ما قاله
في ترجمة عضد الدين الإيجي من الكتاب المذكور: عضد الدين أبو
الفضل عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الغفار يعرف بالمطرز الإيجي الفارسي
من البيت المؤسس على العلم والفضل والفتيا قدم الحضرة بالسلطانية سنة
ست وسبعمائة وحصل له القرب والاختصاص بحضرة الوزير الكامل رشيد
الدين بن فضل الله بن أبي الخير بن عالي الهمذاني وهو يتبعه في فنون العلم
والحكمة والآداب وبعد الهمة، أقام في مخيمه ينزل بنزوله ويرحل برحيله
ويقول بمقاله وينتمي لرأيه. كان يدمن شرب الخمر ويتفلسف ولا يقول
بالشريعة المحمدية وبذلك فارق أباه قاضي ايج واشتهر بالفجور وشرب
الخمور وفارق اعتقاد الجمهور واتهم رشيد الدين بذلك ونسب إلى اعتقاده
فنفاه إلى كرمان ليسلم من كلام الناس وهيهات.
انتهى كلام ابن الفوطي. وقد انفرد هذا المؤرخ بأسلوبه الجميل في
النقد الصريح، وكلامه المذكور يدل على ذلك وقد كشف فيه عن هذه
الناحية من حياة عضد الدين الإيجي وأيد نسبه المؤرخون لرشيد الدين من
حمايته لفريق من المتطرفين في الآراء والمذاهب الفلسفية وقد شنع عليه
خصومه بذلك سواء في حياته أو بعد مقتله في المؤامرة التي دبرت من قبلهم
وأشرف عليها السلطان أبو سعيد نفسه، والى ذلك أشار ابن الفوطي في
قوله ليسلم من كلام الناس وهيهات. هذا وينتمي الإيجي المذكور إلى
بيت كبير وقد اشتهر بمؤلفاته الكثيرة في الفقه والحكمة وكثير منها من كتب
القراءة أو من الكتب المقررة في الدراسة كما نقول نحن في هذه الأيام ومنها
ما يدرس الآن في بعض الزوايا والمعاهد العلمية القديمة مثل كتاب الموافق
وجواهر الكلام، كما عرف بثروته الطائلة وبسخائه خصوصا على طلبة
العلم وقد مات عضد الدين في منفاه بكرمان.
أقام ابن الفوطي بعد حادثة الإيجي المذكورة وهي الحادثة التي رواها
كما شاهدها عن كثب مدة طويلة إلى جانب صاحبه رشيد الدين في تبريز
مثابرا على الدرس والتآليف وقد وضع قسما من معجمه في التراجم خلال
أيام اقامته فيها والغالب انه اشتغل تحت إشراف رشيد الدين في بعض ما
انشاه من المعاهد العلمية أو دور الكتب ولذلك يدعوه شيخنا المخدوم
الأعظم في كثير من مواضيع المعجم المشار إليه.
كان بين من اتصل بهم ابن الفوطي في تبريز الأمير غياث الدين
محمد بن رشيد الدين المذكور مؤسس المدرسة الرشيدية وهو يصف لنا إحدى
الحفلات التي حضرها في المدرسة المذكورة بدعوة منه واليك ما يقوله عنها في
ترجمة الأمير المذكور غياث الدين أبو شجاع محمد بن الوزير رشيد الدين
فضل الله بن عماد الدولة أبي الخير بن عالي الهمذاني الأمير الكامل والرئيس
الفاضل استدعاني إلى خدمته ليلة النصف من شعبان الواقع سنة ست عشرة
وسبعمائة بالمدرسة الرشيدية في جماعة من الأعيان والعلماء والأكابر الفضلاء
فصلينا في داره العامرة ولما انقضت الصلاة تقدم باحضار أهل الطرب وما
يتعلق بأسباب الجمعيات من الفواكه وأنواع المشارب وأحيينا تلك الليلة في
خدمته.
انتهى كلامه وهو كلام مؤرخ يدين بمذهب الصراحة قولا وعملا
ويمقت الرياء فيما يكتبه عن سيرته خلافا لمعظم من كتبوا سيرتهم من العلماء
والمحدثين ومن ذلك يعلم أن ابن الفوطي خلق ليكون إماما له طريقته
وأساليبه الخاصة في التاريخ ولم يخلق ليكون محدثا أو فقهيا فحسب ولهذه
العلة صار هدفا لسهام المحدثين وطعن من طعن منهم في عدالته وعقيدته
وحوسب على قلة تحرزه واحتياطه وتمرده على العرف والعادات المألوفة.
وفي هذه السنة المشار إليها سنة ست عشرة وسبعمائة مات السلطان
خربنده في تبريز فاشتد بموته التنافس وكثرت الدسائس بين احزاب المغول
وتضعضع مركز صاحبه رشيد الدين بل عزل فعلا فسافر ابن الفوطي إلى
بغداد ثم رجع إلى السلطانية وتبريز سنة سبع عشرة وسبعمائة وقد تضاءل
شأن صاحبه المذكور وشرع خصومه بتنظيم المؤامرة التي أفضت إلى قتله
سنة ثماني عشرة وسبعمائة وذلك في أيام السلطان أبي سعيد.
ليس يعنينا من نتائج هذه الفتنة التي قتل فيها رشيد الدين الا ما
يتعلق بمؤرخنا المشار إليه أو بتاريخ تلك النهضة العلمية التي ازدهرت في
عهده فقد ذهبت الحادثة بكثير من آثار صاحبه رشيد الدين وأحرقت كتبه
وكانت له مكتبة فيها خمسون ألف مجلد والأنكى من ذلك ان تذهب بكثير
من كتب ابن الفوطي وآثاره طعمة للنار في تلك الحادثة الهوجاء على ما
يتراءى لنا فيذهب بذهابها تاريخ العراق بل تاريخ حضارته في تلك العصور
ولا يصل إلينا منها الا النزر اليسير.
ليس لدينا الآن من آثار ابن الفوطي التي بلغت المئات وملأت الخزائن
في أيامه الا اجزاء يسيرة ومما يدعو إلى العجب انها وجدت في أماكن نائية عن
العراق فلا يعرف له الآن إلا الحوادث الجامعة وقد وجدت نسخة الأصل في
القاهرة وجزء من معجمه في التراجم وقد وجد في الشام ويوجد جزء من
تاريخ الكامل لابن الأثير بخطه في المكتبة الأهلية بباريز ولا سبب لضياع
آثاره فيما نرى الا فتنة تبريز التي قتل فيها صاحبه رشيد الدين فاحترقت كتبه
كما احترقت في الفتنة المذكورة كتب صاحبه المذكور ولا سيما إذا علمنا بأنه
ألف كثيرا من كتبه خلال اقامته الطويلة في حواضر المغول.
ويبدو لنا انه زهد في الإقامة بآذربيجان بعد الحوادث المذكورة وعزم
على قضاء أواخر أيامه في بغداد فغادر تبريز إلى بغداد وتوفي بعد مضي خمس
سنوات على حادثة تبريز ودفن رحمه الله في مقابر الشونيزية مقابر الصوفية
والصالحين.
٢: الشيخ عبد الرسول الصايغ ابن عبد المطلب ابن أخي الشيخ
أسد الله الصايغ وبقية النسب مذكورة في ترجمة الشيخ أسد الله
الصايغ توفي سنة ١٣٤٩ وله أشعار منها:
اصفو العيش هلا كنت شخصا * لطيف الشكل تظهر للعيان
لننظر ما لديك من المزايا * ونأنس في معانيك الحسان
ونرجوك المضيف ولو عشاء * وقبل الصبح ترحل في أمان
وكان علي عهد ان تزرني * اقبل منك أطراف البنان
واخدم طبعك المألوف دهرا * مطيعا ما حييت بلا امتنان
(٩)

ولكن الاله قضى وامضى * باني لن أراك ولن تراني
الشيخ عبد الرسول ابن الشيخ سعد السماوي النجفي
عالم فاضل صالح كان هو والشيخ شريف محيي الدين من خواص
الشيخ مهدي ملا كتاب وفي اليتيمة الصغرى زبدة العلماء الفحول الشيخ
عبد الرسول فقيه فاضل مرجع مقلد أقام في النجف مدة ومذ جار عليه
الدهر تغرب عنها والآن مسكنه السماوة اه وهو جد آل عبد الرسول
النجفيين وكان له ولد اسمه الشيخ محمد تأتي ترجمته في بابها وللشيخ محمد
ابن اسمه الشيخ حسين وللشيخ حسين ابن اسمه الشيخ علي من أهل العلم
والفضل توفي سنة ١٣١٥.
الشيخ عبد الرسول المازندراني
له الرسالة الشطرنجية طبعت سنة ١٣٢٠ وترجمها إلى الفارسية
ولده الشيخ علي بن عبد الرسول.
المولى عبد الرسول النوري المازندراني تلميذ الميرزا محمد حسن الآشتياني
توفي في حدود سنة ١٣٢٥ له رسالة في الوضوء قبل الوقت وشرح
الزيارة الجامعة مطبوعان.
الشيخ عبد الرسول الحلبي النبلي
توفي في عصرنا في نبل والنبلي بنون مضمومة
وباء مشددة مضمومة ولام: قرية من قرى حلب كان عالما فاضلا تقيا نقيا حسن الأخلاق جميل
الصفات جاء من بلاد حلب مع أخيه الشيخ عبد الحميد إلى النجف
الأشرف لطلب العلم أيام اقامتنا هناك وسافرا في بعض السنين لزيارة
الحمزة والقاسم بنواحي الحلة فقطع اللصوص عليهما الطريق فمانعهم
الشيخ عبد الحميد فقتلوه وبقي المترجم يطلب العلم في النجف ويقرأ على
فضلاء العلماء حتى بلغ درجة عالية من العلم مع ورع وتقوى واستقامة
واخلاق فاضلة وكان يقوم بأكثر لوازمه سيد من سادات النجف ذو دين
وصلاح ضعيف الحال يسمى السيد علي الحمامي وهو والد السيد حسين
الحمامي أحد اعلام العلماء في النجف اليوم والمدرسين بها وكان السيد
حسين المذكور يقرأ على المترجم ويساويه والده السيد علي بابنه المذكور بل
يفضله على ولده وكان المترجم ساكنا معهم في دارهم. وكان في النجف
قائم مقام يدعى خير الله أفندي من نواحي حلب كان يدعوه وأخاه كل سنة
في شهر رمضان إلى ضيافته ويكرمهما بالمال وأوعز إليهما ان يقيدا في دفاتر
الطلبة الرسمية ليعفيا من الخدمة العسكرية وساعدهما في ذلك واجرى
المعاملة مجانا بدون طوابع مالية كل ذلك لأنهما من بلاده. وكانت للمترجم
مشاهرة يسيرة من الميرزا السيد محمد حسن الشيرازي الشهير قبل اتصاله
بال الحمامي فقطعت في شهر منسوب إلى الزهراء ع فأصبح
مخاطبا لها ع عاتبا عليها في انقطاع مشاهرته في الشهر المنسوب
إليها ثم خرج من الدار فبينما هو يمشي في الزقاق وإذا بامرأة عربية بزي نساء
النجف تناديه من خلف: قف يا شيخ فوقف فقالت له: خذ هذه الدراهم
فهي زكاة فاخذها فإذا هي بقدر مشاهرته بغير زيادة ولا نقصان.
اخبرني بذلك من لفظه وأراني الدراهم فاخذ الدراهم منه جماعة من
أصحابنا وأعطوه عوضها واقتسموها بينهم كل اخذ قطعة وأبقاها معه تبركا
وكان إذا احتاج أحدهم رهن تلك القطعة ولم يصرفها. وجد له من
المؤلفات شرح المقولات العشر بخطه اخبرني بعض أصحابنا في النجف انه
وجدها فاشتراها وهي عنده. بقي المترجم في النجف مشتغلا بالعلم
والإفادة إلى أن اعتراه مرض فذهب لتغيير الهواء وتوفي رحمه الله تعالى.
الشيخ عبد الرسول الخادم ابن محمد حسين الحميري
في نشوة السلافة: وقف على روض الأدب فقطف منه نواره وغاص
في بحر العلم فاستخرج من دره كباره له النظم الرقيق المشتمل على المعنى
الدقيق فمن شعر قوله يمدح صاحب النشوة:
من ذا يساميك في مجد وفي فخر * يا واحد العصر دم بالسعد والبشر
حللت فوق سماء المجد منزلة * ما حلها قط شخص سالف الدهر
لك الجدود الأولى شاعت مفاخرهم * بالبذل في اليسر فياضا وفي العسر
ومنهم خلف حاذى بمنطقه * بيان حيدرة للعلم إذ يقري
وأنت يا زينة الدنيا وبهجتها * حزت التقى والنهى من أول العمر
مصباح مشكاة فضل لا يزال لها * ضوء سما فوق ضوء الشمس والبدر
إذ كنت مقدام أهل العلم قاطبة * وفقتهم ببديع الشعر والنثر
ابنت من مشكلات العلم غامضها * بكل لفظ حكاه كوكب دري
لك التصانيف أفكار نتائجها * من كل مجموع علم عاطر النشر
وأصبحت أدباء العصر في جذل * لما تجلت عليهم نشوة الخمر
أبياتها معجزات حيثما تليت * تلقفت باطل التمويه كالسحر
وخذ حليف الندا درا يزان بكم * من صادق في الولاء من عالم الذر
وقوله لما سمع مرثية السيد نصر الله الحائري لوالدته العلوية:
هكذا هكذا يكون الرثاء * حيث دانت لحسنه الشعراء
ما الخليعي قال أجود منه * لا ولا دعبل ولا الخنساء
ولئن قبح البكاء لخطب * فلذا الخطب يستجاد البكاء
فقدكم بضعة الرسول عظيم * فقدت عند فقدها الزهراء
فلكم عظم الاله أجورا * ولها من جنانه الفيحاء
الشيخ عبد الرسول التبريزي النجفي
توفي في النجف حدود ١٢٩٩.
كان عالما فاضلا كاملا أصوليا ماهرا مقدما في عصره في علوم العربية
والأدب خصوصا اللغة والنحو اختص بالفاضل الإيرواني المعروف وله
مؤلفات لم تخرج إلى البياض.
الشيخ عبد الرشيد بن الحسين بن محمد الاسترآبادي
كان من أجلة علمائنا وله كتاب في تأويل الآيات نسبه إليه ابن
طاوس في سعد السعود ونقل عنه فوائد يظهر منها جلالته ولم أتحقق عصره
لكنه من القدماء يروي عن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري ويظهر من
كلام ابن طاوس ان له كتابا آخر في مناقب النبي والأئمة عليهم
السلام. (١)
المولى عبد الرشيد الشوشتري
من علماء عصر واخشتوخان حاكم تستر توفي سنة ١٠٧٨.

(١) رياض العلماء.
(١٠)

كان من فضلاء أوائل عصرنا وعلمه وفضله وزهده معروف
بتستر ورأيت بعض كتبه وفوائده بها وقال السيد نعمة الله التستري في
تعليقاته على أمل الآمل انه عالم فاضل محدث فقيه ثقة ورع عابد زاهد
معاصر له شرح على أوائل الاستبصار وله تعليقات وحواش على كتب
الحديث والفقه وقد اجتمعنا معه في شيراز ثم في شوشتر وكان حسن
الصحبة صافي الود تباحثنا معه في فنون العلوم (١).
وله سوانح البال مشتمل على نتائج أفكاره من فنون علم الشعر
والإنشاء ومنه مقدار فضله.
السيد عبد الرضا بن عبد الصمد الولي البحراني
قال صاحب السلافة: الرضي المرتضى والحسام المنتضي الصحيح
النسب الصريح الحسب مجمع البحرين بحر العلم وبحر العمل ومقلد
النحرين نحر الأدب ونحر الأمل ومن شعره قوله:
بات يسقيني من الثغر مداما * ذو بهاء يخجل البدر التماما
حلل الوصل وقد كان يرى * وصل من يشتاقه شيئا حراما
ويرى سفك دم العشاق فر * ضا في هواه أو يموتون غراما
زارني وهنا ولا اعرف لي * منه ميعادا فأدركت المراما
جاءني في حلة من سندس * ثمل الاعطاف سكرا يترامى
فاعترتني دهشة من حسنه * حين ارخى لي عن الوجه اللثاما
ليلة كانت كابهام القطا * أو كرجع الطرف قصر وانصراما
حين كان العيش غضا والصبا * مجمع اللذات والدهر غلاما
يا حماما ناح في أيكته * صادحا ما كنت لي الا حماما
تندب الألف ولا تذري دما * ودموعي تشبه الغيث انسجاما
أيها الريح إذا ما جئت سلعا * فاقرعني ذلك الحي السلاما
جيرة ان بعدوا عني فهم * في فؤادي ضربوا تلك الخياما
يا أهيل المنحنى في الحب جر * تم ومنعتم جفن عيني ان يناما
وأسرتم في حبال الشوق قلبي * وتجنيتم فلم ترعوا ذماما
ان عدلتم عن ودادي ان لي * بالنبي المصطفى الهادي اعتصاما
وقوله في المناجاة من قصيدة:
على الورى لك فضل * وجودك الغمر جزل
لسان كل ثناء * آي المحامد يتلو
عليك يا رب يثنى * بما له أنت أهل
انى نوفيك شكرا * وقد عرا الكل كل
يا من تقدس شانا * عن أن يدانيه مثل
وكونه ليس فيه * لرائد الفكر دخل
أرادك العقل علما * فعاقه عنك جهل
وتاه فكرا وانى * له إلى ذاك سبل
الشيخ عبد الرضا ابن الحاج عباس آل شبلي المعروف
بحيوك العاملي الحانيني
توفي سنة ١٣٤٩ في حانين.
قرأ في شقراء في مدرستها أيام السيد علي ابن عمنا السيد محمود ثم
ذهب إلى العراق فبقي مدة في النجف يطلب العلم ثم عاد إلى حانين فبقي
فيها سنين قليلة وتوفي. كان ثقة صالحا دينا متواضعا حسن الأخلاق عارفا
بقدر نفسه لا يضعها في أعلى من موضعها تجنبا للدخول فيما لا يعلمه من
أمور الدين لذلك كان محبوبا عند عموم من يعرفه من جميع الملل وأسف
عليه بعد موته كل من عرفه وبذلك يعلم ما للتقوى ومحاسن الأخلاق من
التأثير في قلوب الخلق رفعة وجلالة ولو مع قليل العلم.
الشيخ عبد الرضا الخطي (٢)
شاعر ومن شعره قوله:
أ منزل الشرق جادت ربعك السحب * تهمي بمغناك لا تنفك تنسكب
ونشرت فيك للأزهار أردية * تهدي السرور وللأحزان تستلب
وزار تربك معتل النسيم سرى * للمسك والعنبر الفياح يصطحب
ما ان مررت بقلبي خاطرا ابدا * الا انثنى دمع عيني وهو منسكب
القاطنون بقلبي أينما قطنوا * والذاهبون بصبري أينما ذهبوا
ما انصفوا الكبد المضني بحبهم * ولا رعوا من ذمام الصب ما يجب
والدهر حرب لأهل الفضل ما برحت * تنوبهم من دواهي صرفه النوب
اخنى على عترة الهادي ففرقهم * فأصبح الدين يبكيهم وينتحب
آل النبي هداة الخلق من ضربوا * في مفرق المجد بيتا دونه الشهب
جنب الاله وباب الله والحجج ال‍ * هادون أشرف من سادت به النجب
سحب الندى وربوع الجود ممحلة * أسد الشري ولظى الهيجاء تلتهب
لا ينزل الضيم أرضا ينزلون بها * ولا تمر بها الأدناس والريب
متوجون بتاج العز ان ذكروا * سمت بأسماهم الأعواد والخطب
أغرى الضلال بهم ابناه فانتهبوا * جسومهم بحدود البيض واستلبوا
غالوا الوصي وسموا المجتبى حسنا * وأدركوا من حسين كلما طلبوا
مضرج الجسم ما بلت له غلل * حتى قضى وهو ظمآن الحشي سغب
مغسل بنجيع الطعن كفنه * ذاري الرياح ووارته القنا السلب
يا أقمرا بعراص الطف آفلة * ضحت برغم العلى قد ضمها الترب
ما زال لي كبد تطوى على كمد * حزنا عليك ودمع سائل سرب
يقول شعري لمن يبغي مطاولتي * لقد حكيت ولكن فاتك الشنب
الشيخ عبد الرضا
لا نعلم من أحواله شيئا سوى ان له مشاركة في مساجلة شعرية
جرت في بعلبك بين عشرة من أدباء ذلك العصر وعلمائه من العامليين
وغيرهم وجدت في مجموعة كتبت في ذلك العصر سنة ١١٠١ قال المترجم
فيها:
يميس في برده كالغصن في ميد * كما تثنى بحسو الراح سكران
أبو الحسن الشيخ عبد الرضا بن أحمد بن خليفة المقري الكاظمي
توفي في حدود سنة ١١٢٠.
كان أديبا شاعرا كثير الشعر في الأئمة الاطهار رأيت له ديوانا مرتبا
على الحروف كله في مدائح النبي وأهل بيته ص وعليهم ومن عادته ان يذكر
اسمه في آخر كل قصيدة من شعره فمن محاسن قوله:

(١) الرياض.
(٢) وجدنا له في أوراق الكتاب هذه القصيدة دون أن نجد ترجمته فنشرناها كما هي.
(١١)

حتى متى لا تفكني الغصص * ولي بحبي للمصطفى حصص
شاع غرامي بآله وفشا * فللورى في محبتي قصص
وقوله:
يا آل بيت محمد أنتم لمن * والاكم بين الأنام ملاذ
كم تسبغون على الموالي ظلكم * حتى تطوف بذيله الشذاذ
صلى عليكم ربكم فصلاتنا * قصرت لطولكم فهن رذاذ (٢)
الشيخ عبد الرضا بن محمد بن عز الدين بن زين الدين
العاملي الكفرحوني
وجدنا بخطه كتاب ايضاح الاشتباه في أسماء الرواة تاليف العلامة
الحلي فرع من نسخه سنة ٩٧٠ كتبه للشيخ بهاء الدين محمد بن علي العودي
العاملي. وهذه صورة ما وجد باخر النسخة: تم الكتاب بحمد الملك
الوهاب على يد أفقر العباد وأحوجهم إلى غفران مولاه وسيده يوم المعاد
تراب اقدام رجال الله جم الخطايا والزلل كثير الموبقات والخطل العبد الفقير
الحقير الراجي عفو ربه اللطيف الخبير القليل عملا الكثير زللا كثير المعاصي
والذنوب الراجي عفو علام الغيوب يوم لا ينفع مال ولا ولد الا من اتى الله
بقلب سليم عبد الرضا بن محمد بن عز الدين بن زين الدين الكفرحوني عامله الله
بلطفه الخفي وغفر له ولوالديه وللمؤمنين وكان الفراع من نسخه يوم
الثلاثاء قبل الظهر من شهر جمادى الآخرة من شهور سنة ٩٧٠ هجرية نبوية
على مشرفها الصلاة والسلام برسم المولى الشيخ الامام العامل العالم وحيد
دهره وفريد عصره الشيخ بهاء الملة والحق والدين العودي نفعنا الله ببركاته
ونسأله الدعاء في خلواته وجلواته وصلى الله على أشرف المرسلين محمد
وعترته الطاهرين اه وباخر النسخة أيضا ما صورته: انتهت المقابلة بنسخة
يحيى ولد ولد المصنف وبخطه وعليها بلاغات بخط أبيه الشيخ فخر الدين
رحمهم الله جميعا وكتب محمد بن علي العودي في سنة ٩٧٠.
الشيخ عبد الرضا آل الشيخ راضي
توفي ليلة السبت ٢٠ جمادى الثانية سنة ١٣٥٦ عن عمر لم يتجاوز
الستين.
ولد في بيته العلمي الرفيع بالنجف، فتلقى معارفه في معاهدها فكان
من علمائها وأعيانها، ولقد قاد المجاهدين في جبهة لواء المنتفك، وأبلى
فيها أحسن بلاء
أبو أحمد عبد السلام بن الحسين البصري
من مشايخ النجاشي ذكره في ترجمة عبد الله بن أحمد بن حرب بن
مهزم بن خالد الفزر فقال أخبرنا أبو أحمد عبد السلام بن الحسين الأديب
البصري عن محمد بن عمران الخ وذكره في ترجمة أحمد بن عبد الله بن أحمد
بن جلين الوراق الدوري فقال دفع إلى شيخ الأدب أبو أحمد عبد
السلام بن الحسين البصري رحمه الله كتابا بخطه قد أجاز له فيه جميع روايته
اه‍. وبذلك يعلم أنه من مشائخ الإجازة وانه من مشائخ النجاشي وان
من مشائخه الدوري ومحمد بن عمران وذلك مما يشير إلى الاعتماد عليه.
ديك الجن أبو محمد عبد السلام بن رغبان بن عبد السلام
ابن حبيب بن عبد الله بن رغبان بن مزيد بن تميم الكلبي الحمصي
ولد سنة ١٦١ بسلمية وتوفي سنة ٢٣٥ أو ٢٣٦ وعمره أربع وسبعون سنة
أو خمس وسبعون. ذكره ابن شهرآشوب في شعراء أهل البيت عليهم
السلام، شاعر الدنيا وصاحب الشهرة بالأدب فاق شعراء عصره وطار
ذكره وشعره في الأمصار حتى صاروا يبذلون الأموال للقطعة من شعره.
افتتن بشعره الناس في العراق وهو في الشام حتى أنه اعطى أبا تمام قطعة من
شعره وقال له يا فتى اكتسب بهذا واستعن به على قولك فنفعه في العلم
والمعاش، قال عبد الله بن محمد بن عبد الملك الزبيدي كنت جالسا عند
ديك الجن فدخل عليه حدث فانشده شعرا عمله فاخرج ديك الجن من
تحت مصلاه درجا كبيرا فيه كثير من شعره فسلمه إليه وقال يا فتى تكسب
بهذا واستعن به على قولك فلما خرج سألته عنه فقال هذا فتى من أهل
جاسم يذكر انه من طئ يكنى أبا تمام واسمه حبيب بن أوس وفيه أدب
وذكاء وله قريحة وطبع الحديث قال ابن خلكان وهو من أهل سلمية ولم
يفارق الشام مع أن خلفاء بني العباس في عصره ببغداد ولا رحل إلى العراق
ولا إلى غيره منتجعا بشعره ولا متصديا لأحد وكان يتشيع تشيعا حسنا وله
مراث في الحسين رضي الله عنه اه وفي الأغاني كان يذهب في شعره
مذهب أبي تمام والشاميين وكان يتشيع وله مراث في الحسين عليه السلام ولم
ينتجع بشعره خليفة ولا غيره ولا دخل العراق مع نفاق سوق الأدب فيه اه‍
ومن شعره في الحسين ع قوله:
جاءوا برأسك يا ابن بنت محمد * مترملا بدمائه ترميلا
وكأنما بك يا ابن بنت محمد * قتلوا جهارا عامدين رسولا
قتلوك عطشانا ولما يرقبوا * في قتلك التنزيل والتأويلا
ويكبرون بان قتلت وانما * قتلوا بك التكبير والتهليلا
ويقال انه كان له غلام وجارية كان يحبهما حبا شديدا فرآهما على حال
مكروهة فقتلهما وقال في الجارية:
يا طلعة طلع الحمام عليها * فجنى لها ثمر الردى بيديها
رويت من دمها الثرى ولطالما * روى الهوى شفتي من شفتيها
وقال في الغلام:
لقتلته وبه علي كرامة * فله الحشا وله الفؤاد باسره
عهدي به ميتا كأحسن نائم * والحزن يسفح أدمعي في حجره
وما يذكره بعض الناس من أنه احرقهما واخذ رماديهما وخلط بهما شيئا
من التراب وصنع منهما كوزين أو برنيتين يشرب بهما الخمر وينشد لكل منهما
ما تقدم الظاهر أنه مكذوب عليه فمثله فيما تقدم من عقله الوافر وسيرته
الحسنة وتعففه عن قصد الملوك مع انتفاع الناس بشعره لا يمكن ان يصدر
منه مثل هذا السخف (١).
على أن محمد الدش يسرد القصة كما يلي:
وتبدأ القصة حينما أحب جارية نصرانية من أهل حمص، اسمها

(١) هذا ما أورده المؤلف عن القصة، ورأينا ونحن نعد الكتاب لطبعته الثانية مقالا لمحمد
الدش فيه تفاصيل وآراء أخرى ضممناها لهذه الترجمة. (ح).
(١٢)

ورد، فهواها واشتهر بحبها، وذاع هواه إياها بين الناس، وتمادى به الامر
حتى غلب عليه وذهب به. فلما اشتهر بها دعاها إلى الاسلام ليتزوج بها،
فأجابته لعلمها بحقيقة رغبته فيها، وأسلمت على يده، فتزوجها وهو
يقول فيها قبل زواجه بها:
انظر إلى شمس القصور وبدرها * والى خزاماها وبهجة زهرها
لم تبك عينك أبيضا في اسود * جمع الجمال كوجهها في شعرها
وردية الوجنات يختبر اسمها * من ريقها من لا يحيط بخبرها
وتمايلت فضحكت من اردافها * عجبا، ولكني بكيت لخصرها
واعسر بعد السلام وضاقت الأحوال به واختلت، فطلب المال من
غير حمص، ورحل إلى سلمية، تاركا زوجته وردا، ومضى يقصد بعض
الوجوه بمديحه ليحصل على ما يفرج كربته من عطاء عطاء أحمد بن علي
الهاشمي. ويبدو ان عبد السلام كان قد اعتاد كلما المت به ضائقة، ان
يترك حمص ويقصد احمد هذا وأخاه جعفر فيظفر منهما بالمال ثم يعود إلى
بلده حمص.
وكان لعبد السلام ابن عم يدعى أبا الطيب، وكان بينهما ضغن
قديم، حتى أن عبد السلام كان يهجوه في شعره، في بعض الأحيان،
وسبب هذا الضغن غير واضح بالنسبة لنا وان كنا نرجح ان أبا الطيب هذا
كان يكره من ابن عمه عبد السلام ان يكون عاشقا لجارية نصرانية ثم
زوجا لها. ويدلنا على ذلك أنه لما ترك عبد السلام زوجته ومضى، فأقام
مدة طويلة في سلمية، في كنف أحمد بن علي الهاشمي وأخيه
جعفر، استهدف أبو الطيب وردا وجعلها هدفا لشائعات خبيثة تنال من
عرضها وشرفها، ولم يهمه انه بذلك انما ينال من عرض ابن عمه وشرفه
أيضا.
روى أبو الفرج ان أبا الطيب أذاع على تلك المرأة التي تزوجها عبد
السلام انها تهوى غلاما له، وقرر ذلك عند جماعة من أهل بيته وجيرانه
واخوانه، وشاع ذلك الخبر حتى اتى عبد السلام فكتب إلى أحمد بن علي
شعرا يستأذنه في الرجوع إلى حمص ويعلمه ما بلغه من خبر المرأة من قصيدة
أولها:
ان ريب الزمان طال انتكاثه * كم رمتني بحادث احداثه
يقول فيها:
ظبي انس قلبي مقيل ضحاه * وفؤادي بريره وكباثه
خيفة ان يخون عهدي وان * يضحى لغيري حجوله ورعاثه
ومدح احمد بعد هذا، وهي قصيدة طويلة فاذن له.
فعاد إلى حمص. وفر ابن عمه وقت قدومه. فارصد له قوما يعلمونه
بموافاته باب حمص، فلما وافاه خرج إليه مستقبلا ومعنفا على تمسكه بهذه
المرأة بعد ما شاع ذكرها بالفساد، وأشار عليه بطلاقها، واعلمه انها قد
أحدثت في مغيبه حادثة لا يجمل به معها المقام عليها. ودس الرجل الذي
رماها به، وقال له: إذا قدم عبد السلام ودخل منزله، فقف على بابه
كأنك لم تعلم بقدومه، وناد باسم ورد، فإذا قال من أنت؟ فقل انا
فلان. فلما نزل عبد السلام منزله وألقى ثيابه سألها عن الخبر، وأغلظ
عليها فأجابته جواب من لا يعرف من القصة شيئا.
فبينما هو في ذلك إذ قرع الرجل الباب، فقالت من هذا؟ قال انا
فلان، فقال لها عبد السلام: يا زانية، زعمت أنك لا تعرفين من هذا
الامر شيئا. ثم اخترط سيفه فضربها به حتى قتلها، وقال في ذلك:
لك نفس مؤاتيه * والمنايا معاديه
أيها القلب لا تعد * لهوى البيض ثانيه
ليس برق يكون أخلب * من برق غانيه
خنت سرى ولم اخن‍ * نك فموتي علانية
وبلغ الأمير الخبر، فطلبه، فخرج إلى دمشق، فأقام بها أياما،
وكتب أحمد بن علي إلى أمير دمشق ان يؤمنه ويتحمل عليه باخوانه حتى
يستوهبوا حياته. فقدم حمص، وبلغه الخبر على حقيقته وصحته،
واستيقنه، فندم. ومكث شهرا لا يستفيق من البكاء، ولا يطعم الا ما
يقيم رمقه. وقال في ندمه على قتلها:
يا طلعة طلع الحمام عليها * وجنى لها ثمر الردى بيديها
رويت من دمها الثرى ولطالما * روى الهوى شفتي من شفتيها
قد بات سيفي في مجال وشاحها * ومدامعي تجري على خديها
ما كان قتليها لاني لم أكن * أبكي إذا سقط الذباب عليها
لكن ضننت على العيون بحسنها * وأنفت من نظر الحسود إليها
وعلى هذا النحو ظل عبد السلام يعزف ألحان الحزن والاسى، باكيا
زوجته، ومحبوبته وردا بعد ان تأكد من أنها ضحية وشاية رخيصة. وجعل
يردد أشعار الرثاء والبكاء والندم، بما يفيض من ذوب نفسه حرقة ولوعة
وألما:
أشفقت ان يرد الزمان بغدره * أو ابتلى بعد الوصال بهجره
قمر انا استخرجته من دجنة * لبليتي وجلوته من خدره
فقتلته وبه علي كرامة * ملء الحشي، وله الفؤاد باسره
عهدي به ميتا كأحسن نائم * والحزن يسفح عبرتي في نحره
ولعله أراد بعد ذلك ان يتعزى عن المصاب الذي ألم به ففزع يتسلى
بصنوف من المجون وضروب من الخلاعة. إذ يحدثنا ابن أخ له يدعى أبا
وهب الحمصي فيقول: كان عمي خليعا ماجنا منعكفا على القصف
واللهو، متلافا لما ورث عن آبائه وما اكتسب بشعره من احمد وجعفر ابني
علي الهاشميين. كما كان ابن عمه أبو الطيب يعظه وينهاه عما فعله،
ويحول بينه وبين ما يؤثره ويركبه من لذاته، وربما هجم عليه وعنده قوم من
السفهاء والمجان وأهل الخلاعة فيستخف به. وكان ابن عمه هذا كان يشعر
بعظم الجرم الذي ارتكبه في حقه وبأنه السبب فيما آلت إليه حال عبد
السلام من اسراف في المجون والخلاعة والسفه فأراد ان يكفر عن بعض
جرمه بان ينصح ابن عمه ويخرجه عن السير في هذا الطريق المهلك ويوقفه
عن المضي فيه إلى غايته.
وله:
دع البدر فليغرب فأنت لنا بدر إذا ما تجلى عن محاسنك الفجر
(١٣)

إذا ما انقضى سحر الذين ببابل * فطرفك لي سحر وريقك لي خمر
ولو قيل لي: قم فادع أحسن من ترى * لصحت بأعلى الصوت: يا بكر يا بكر
ولم يكن غزل عبد السلام بالمذكر بدعا في ذلك العصر، انما كان
ذلك شيئا فاشيا بين الشعراء الذين طرقوا هذا الغرض من أوسع أبوابه
وأكثروا من القول فيه، انتهى
وله:
قرابة ونصرة وسابقه * هذي المعالي والصفات الفائقه
وله:
بها غير معذور فداو خمارها * وصل بعشيات الغبوق ابتكارها
وقم أنت فاحثث كأسها غير صاغر * ولا تسق الا خمرها وعقارها
فقام تكاد الكاس تحرق كفه * من الشمس أو من وجنتيه استعارها
مشعشعة من كف ظبي كأنما * تناولها من خده فأدارها
ظللنا بأيدينا نتعتع روحها * وتأخذ من اقدامنا الراح ثارها
ويروي البيتين هكذا:
وساق يكاد الكاس يخضب كفه * فتحسبه من وجنتيه استعارها
موردة من كف ظبي كأنما * تناولها من خده فأدارها
وله في أمير المؤمنين عليه السلام:
سطا يوم بدر بقرضابه * وفي أحد لم يزل يحمل
ومن بأسه فتحت خيبر * ولم ينجها بابها المقفل
دحا أربعين ذراعا به * هزبر له دانت الأشبل
وله:
ومزر بالقضيب إذا تثنى * وتياه على القمر التمام
سقاني ثم قبلني واومى * بطرف سقمه يبري سقامي
فبت به خلا الدمان اسقى * مداما في مدام في مدام
وأورد له البيهقي في المحاسن والمساوي هذه القصيدة:
لا تقف للزمان في منزل الضيم * ولا تستكن لرقة حال
واهن نفسك الكريمة للموت * وقحم بها على الأهوال
فلعمري للموت أزين للحر * من الذل ضارعا للرجال
اي ماء يدور في وجهك الحر * إذا ما امتهنته بالسؤال
ثم لا سيما إذا عصف الدهر * باهل الندى وأهل النوال
غاضت المكرمات وانقرض ألنا * س وبادت سحائب الافضال
فقليل من الورى من تراه * يرتجى أو يصون عرضا بمال
وكذلك الهلال أول ما يبدو * نحيلا في دقة الخلخال
ثم يزاد ضوءه فتراه * قمرا في السماء غير هلال
عاد تدميثك المضاجع للجنب * فعال الحريدة المكسال
عاملي النتاج تطوى له الا * رض إذا ما استعد للأنفال
جرشع لاحق الأياطل كالأعفر * ضافي السبيب غير مذال
واتخذ ظهره من الذل حصنا * نعم حصن الكريم في الزلزال
لا أحب الفتى أراه إذا ما * عضه الدهر جاثما في الظلال
مستكينا لذي الغنى خاشع الطر * ف ذليل الادبار والاقبال
أين جوب البلاد شرقا وغربا * واعتساف السهول والأجبال
واعتراض الرقاق يوضع فيها * بظباء النجاد والعمال
ذهب الناس فاطلب الرزق بالسيف * والا فمت شديد الهزال
وله في رثاء الحسين:
ما أنت مني ولا ربعاك لي وطر * الهم أملك بي والشوق والفكر
وراعها ان دمعي فاض منتثرا * لا أو ترى كبدي للحزن تنتثر
أين الحسين وقتلى من بني حسن * وجعفر وعقيل غالهم عمر (١)
قتلى يحن إليها البيت والحجر * شوقا وتبكيهم الآيات والسور
مات الحسين بأيد في مغائظها * طول عليه وفي إشفاقها قصر
لا در در الأعادي عندما وتروا * ودر درك ما تحوين يا حفر
لما رأوا طرقات الصبر معرضة * إلى لقاء ولقيا رحمة صبروا
قالوا لأنفسهم يا حبذا نهل * محمد وعلي بعده صدر
ردوا هنيئا مريئا آل فاطمة * حوض الردى فارتضوا بالقتل واصطبروا
الحوض حوضكم والجد جدكم * وعند ربكم في خلقه غير
أبكيكم يا بني التقوى وأعولكم * وأشرب الصبر وهو الصاب والصبر
أبكيكم يا بني آل الرسول ولا * عفت محلكم الأنواء والمطر
في كل يوم لقلبي من تذكركم * تغريبة ولدمعي فيكم سفر
موتا وقتلا بهامات مفلقة * من هاشم غاب عنها النصر والظفر
كفى بان أناة الله واقعة * يوما ولله في هذا الورى نظر
انسى عليا وتفنيد الغواة له * وفي غد يعرف الأفاك والاشر
حتى إذا ابصر الاحياء من يمن * برهانه آمنوا من بعد ما كفروا
أم من حوى قصبات السبق دونهم * يوم القليب وفي أعناقهم زور
أ ضبع غير علي كان رافعه * محمد الخير أم لا تعقل الحمر
الحق أبلج والاعلام واضحة * لو آمنت أنفس الشانين أو نظروا
وقال:
يا عين لا للغضا ولا الكثب * بكا الرزايا سوى بكا الطرب
جودي وجدي بملء ء جفنك ثم احتف‍ * لي بالدموع وانسكبي
يا عين في كربلاء مقابر قد * تركن قلبي مقابر الكرب
مقابر تحتها منابر من * علم وحلم ومنظر عجب
من البهاليل آل فاطمة * أهل المعالي والسادة والنجب
كم شرقت منهم السيوف وكم * رويت الأرض من دم سرب
نفسي فداء لكم ومن لكم * نفسي ومن أسرتي لكم وأبي
لا تبعدوا يا بني النبي على * ان قد بعدتم والدهر ذو نوب
صوني شعاع الضمير واستشعري الصبر * وحسن العزاء واحتسبي
فالخلق في الأرض يعجلون ومولاك * على تواد ومرتقب
لا بد ان يحشر القتيل وان * يسال ذو قتله عن السبب
فالويل والنار والبثور لمن * أسلمتموه للجمر واللهب
يا صفوة الله في خلائقه * وأكرم الأعجمين والعرب
أنتم بدور الهدى وأنجمه * ودوحة المكرمات والحسب
وساسة الحوض يوم لانهل * لمورديكم موارد العطب
فكرت فيكم وفي المصاب فما انفك * فؤادي يعوم في عجب

(١) عمر بن سعد.
(١٤)

ما زلتم في الحياة بينهم * بين قتيل وبين مستلب
انا إلى الله راجعون على * سهو الليالي وغفلة النوب
غدا علي ورب منقلب * أشأم قد عاد غير منقلب
فاغتره السيف وهو خادمه * متى يهب في الوغى به يجب
اودى ولو مد عينه أسد الغاب * لباخ السرحان من هرب
يا طول حزني ولوعتي وتبار * يحي ويا حسرتي ويا كربي
لهول يوم تقلص العلم والد * ين فغراهما عن السلب
يوم أصاب الضحى بظلمته * وقنع الشمس من دجى الغهب
وغادر المعولات من هاشم الخير * حيارى مهتوكة الحجب
تمري عيونا على أبي حسن * مخفوقة بالكلوم والندب
تعمر ربع الهموم أعينها * بالدمع حزنا لربعها الخرب
تئن والنفس تستدير بها * رحى من الموت مره القطب
لهفي لذاك الرواء أم ذلك المر * أي وتلك الأبناء والخطب
يا سيد الأوصياء والعالي لحجة * والمرتضى وذا الرتب
ان يسر جيش الهموم منك إلى * شمس منى والمقام والحجب
فربما تقعص الكماة بأقدامك * قعصا يجثي على الركب
ورب مقورة ما ململمة * في عارض للحمام منسكب
فللت ارجاءها وجحفلها * بذي صقال كوامض الشهب
أو أسمر الصدر أصفر أزرق الراء * س وإن كان احمر الحلب
اودى علي صلى على روحه * الله صلاة طويلة الدأب
وكل نفس لحينها سبب * يسري إليها كهيئة اللعب
والناس بالغيب يرجمون وما * خلتهم يرجمون عن كثب
وفي غد فاعلمن لقاؤهم * فإنهم يرقبون فارتقب
ولما توجه أبو نواس إلى مصر لمدح الخصيب مر بحمص وقصد دار
ديك الجن فلم يحب لقاءه فقالت الجارية ليس هنا، فقال لها أبو نواس قولي
له فليخرج فقد فتن أهل العراق بهذا البيت:
موردة من كف ظبي كأنما * تناولها من خده فأدارها
وقال وقد ندم على قتل جاريته:
جاءت تزور فراشي بعد ما قبرت * فظلت الثم نحرا زانه العود
وقلت قرة عين قد بعثت لنا * فكيف ذا وطريق القبر مسدود
قالت هناك عظامي فيه مودعة * تعيث فيه بنات الأرض والدود
وهذه الروح قد جاءتك زائرة * هذي زيارة من في الأرض ملحود
وله:
ما الذنب الا لجدي حين ورثني * علما وورثه من قبل ذاك أبي
فالحمد لله حمدا لا نفاد له * ما المرء الا بما يحوي من النسب
وله:
ولا تنظرن الدهر يوما إلى غد * ومن لغد من حادث بأمان
وله:
أ وما ترى طمري بينهما * رجل ألح بهزله الجد
فالسيف يقطع وهو ذو صدا * والنصل يفري الهام لا الغمد
هل تنفعن السيف حليته * يوم الجلاد إذا نبا الحد
وله:
ومجزولة إما ملاث ازارها * فدعص واما قدها فقضيب
لها القمر الساري شقيق وانها * لتطلع أحيانا له فيغيب
أقول لها والليل مرخ سدوله * وغصن الهوى غض الشباب رطيب
ونحن به فردان في ثني مئزر * بك العيش يا زين النساء يطيب
لأنت المنى يا زين كل مليحة * واتت الهوى أدعى له فأجيب
وله:
أ يا قمرا تبسم عن أقاح * ويا غصنا يميل مع الرياح
جبينك والمقلد والثنايا * صباح في صباح في صباح
وقال أبو تمام:
نقل فؤادك حيث شئت من الهوى * ما الحب الا للحبيب الأول
كم منزل في الأرض يألفه الفتى * وحنينه ابدا لأول منزل
ولديك الجن في عكس ذلك:
نقل فؤادك حيث شئت فلن ترى * كهوى جديد أو كوصل مقبل
ما لي أحن إلى خراب مقفر * درست معالمه كان لم يؤهل
وقال محمد الدش:
وليس من شك في أن إقامة عبد السلام الدائمة في الشام حرمته من
الشهرة كما حرمت شعره من الذيوع والشيوع بين الناس، اي ان انحصار
هذه الإقامة وحبسه نفسه في هذا الإقليم كان سببا مهما في ضيق المجال
الذي ذهب فيه ذكره وشعره. وفي قلة الفنون والاغراض التي تناولها هذا
الشعر، كما كان سببا في توفير خصائص معينة وسمات خاصة له في المعنى
والمبنى يمكن ان توصف عامة بالشامية. وعلى الرغم من أن القليل من
شعره الذي بين أيدينا يدلنا على شعره جيد، كما أن الرواة، والنقاد يرون
فيما كتبوه عنه انه شاعر مجيد، فان شعره لم يحظ بالبقاء، ولم يصل إلينا منه
الا النزر القليل، فكانه هو وشعره، كانا غريبين في ذلك العصر، وظلا
غريبين في ذلك العصر، وفي كتب الأدب والتاريخ التي أرخت للشعراء
وجمعت شعرهم، وأغلب الظن انه سيظل غريبا على قراء العربية غير
المتخصصين.
ومن وجوه الغرابة في حياته وشعره ان هذا الشعر، كما ذكرته لم
تتعدد له الأغراض ولم تتنوع به طرائق الإنشاء، لأننا نعرف ان معظم
شعره اقتصر سوى بعض المدائح على فنين من فنون الشعر هما الغزل
والرثاء، والكثرة للرثاء.
وهذا الرثاء يصور الفاجعة أو المأساة في حياة ديك الجن.
السيد عبد السلام ابن السيد زين العابدين بن السيد عباس
صاحب نزهة الجليس بن علي بن نور الدين علي أخي صاحب
المدارك ابن علي بن الحسين بن أبي الحسن الحسيني الموسوي العاملي.
ولد في حدود سنة ١١٧٩
قال الشيخ علي سبيتي فيما حكي عن كتابه الجوهر المجرد في شرح
قصيدة علي بك الأسعد: كان من الفقهاء والمحدثين شافهني بذلك حفيده
المؤرخ الثقة السيد عباس بن عيسى بن عبد السلام عن أبيه السيد عيسى
(١٥)

واوقفني عليه بخط عمه الأديب الفاضل الثقة السيد موسى عباس الشاعر
المشهور اه وفي بغية الراغبين كان من الفقهاء عابدا زاهدا كثير البر
والصدقة كريم الأخلاق اخذ الفقه والأصول عن ابن عمه الفقيه العلامة
السيد صالح وله منه اجازة مفصلة وله أشعار في المناجاة وأرجوزة ضبط فيها
مواليد النبي والأئمة ووفياتهم ومشاهدهم ولمعة من كراماتهم ومات عن
أربعة أولاد وهم السيد عيسى والسيد موسى والسيد إبراهيم والسيد محمد
اه‍ وفي تكملة أمل الآمل.
كان من العلماء الفقهاء الأفاضل وله ذرية أجلاء في جبشيت منهم
السيد عباس بن عيسى بن عبد السلام وللسيد عباس خمسة أولاد السيد
امين سم بمصر ومات بها والسيد محمد نزيل بلاد الفرس صاحب
الرياضيات والكرامات مات في النجف الأشرف والسيد محمود والسيد علي
والسيد قاسم.
الشيخ عبد السلام الحر ابن الشيخ سعيد العاملي الجبعي
توفي سنة ١٣٣٣
كان فاضلا كاملا تقيا نقيا حسن الأخلاق بهي الطلعة قرأ في جبع في
مدرسة الشيخ الأكبر الشيخ عبد الله نعمة. وآل الحر كما قيل:
من تلق منهم تقل لاقيت سيدهم * مثل النجوم التي يهدي بها الساري
الشيخ عبد السلام الحر بن الحسن بن محمد بن علي بن محمد الحر العاملي
الجبعي
توفي سنة ١١٣٨
ذكره الشيخ علي بن سعيد الحر العاملي الجبعي في كتابه مهذب
الأقوال فقال كان عالما فاضلا ماهرا ورعا متبحرا شاعرا أديبا منشئا وكان
بينه وبين عثمان باشا والي صيدا صداقة ومحبة أكيدة وكان يستشيره وإذا
حضر في مجلسه يكرمه اكراما زائدا وكان حاكم جبل لبنان يومئذ الأمير
حيدر بن موسى الشهابي وهو صديق الشيخ عبد السلام أيضا فحضر الشيخ
ذات يوم عند الباشا في صيدا فاسر إليه ان مراده ان يرسل الأمير حيدر
لأجل تلبيس الخلعة ويقبض عليه وحين حضر الشيخ إلى جبع أرسل كتابا
إلى الأمير حيدر يعلمه بحقيقة الحال ويحذره من مواجهة الباشا. وأرسل
الباشا إلى الأمير لتلبيس الخلعة وأن تكون التقادم صحبته فلم يحضر فأرسل
إليه يلومه ويقول ما مرادي من حضورك الا ان اخلع عليك وأكرمك فلما
ألح عليه ارسل له مكتوب الشيخ فلما نزل الشيخ إلى صيدا كجاري عادته
وحضر عند الباشا قال له الباشا يا شيخ إذا أئتمن أحد شخصا على شئ
فخانه ما يجب عليه قال: إذا كان مثقل دولتكم وائتمن أحدا فخانه يجب
على الخائن القتل وكان الشيخ قد نسي القضية فأعطاه الكتاب بخطه وخاتمه
فسقط في يده فقال له أنت قد أوجبت على نفسك القتل ولكنا عفونا عن
قتلك وامر به إلى السجن وذلك سنة ١١٢٤ وقيل سنة ١١٢٢ وكان في
السجن علي منصور المنكري ورجل من بيت بزيع فقدر الله ان الباشا قد
نقل إلى البصرة فاخذ المسجونين معه الشيخ عبد السلام وعلى منصور وابن
بزيع فحبسهم في البصرة وفي بعض الليالي حرك الشيخ القيد فانفك وفك
رفيقه وهربوا جميعا حتى وصلوا بيت امرأة وذكروا لها قصتهم فوضعتهم في
مخدع وجعلت عندهم زادا وماء وبنت باب المخدع وشدد الباشا في التفتيش
عليهم حتى أنهم جاءوا إلى بيت تلك المرأة فلم يعثروا عليهم وبقوا في
المخدع ثلاثة أيام حتى سكن الطلب ثم أخرجتهم فتوجهوا إلى المشاهد
وزاروا الأئمة ع ثم توجهوا إلى بلاد العجم ثم عادوا في تلك
السنة إلى بلادهم ورجع الشيخ وعلي بن منصور المنكري إلى جبع فاتفق ان
عثمان باشا أعيد تلك السنة إلى ولاية صيدا فجعل طريقه على جبع ونزل
في محل يسمى مرج رأس العين وأرسل وراء الشيخ وأمنه فهرب من البلد
فسال الباشا هل له ولد قالوا له بنت عمرها خمس سنين فخلع عليها وتوجه
إلى صيدا ثم ارسل إلى الشيخ وأعطاه الأمان وأقسم له على ذلك فحلف ان
لا يواجهه ما دام حيا قال المؤلف هذه الحكاية تدل على ضعف الباشا
بافشاء سر نفسه إلى الشيخ وعلى قلة وفاء كالأمير حيدر بمجازاته من نصحه
بشر الجزاء وعلى ان هذه المرأة البصرية أعقل وأوفى من الجميع.
الشيخ عبد السميع بن فياض الأسدي الحلي
استظهر صاحب الرياض انه تلميذ أحمد بن فهد الحلي له تحفة
الطالبين في معرفة أصول الدين وله الفرائد الباهرة في الإمامة.
الشيخ عبد السميع بن محمد علي اليزدي
كان تلميذ صاحب الضوابط وشرح كتابه نتائج الأفكار وله العروة
الوثقى أرجوزة في النحو مائة بيت نظمها للسيد مرتضى بن عزيز الله
الموسوي.
المولى عبد الصاحب بن محمد جعفر الدواني الفارسي
من تلاميذ الميرزا محمد النيسابوري الهندي الاخباري له تحفة الحبيب
في رد دليل الانسداد وتقوية مشرب الاخباريين كتبه في قزوين بأمر السيد
محمد القزويني النجفي فرع منه سنة ١٢٦٣ في مجموعة بخطه ذكر فيها ان
السيد إبراهيم الأصولي المدرس في الحاير الشريف أقام عشرة دلائل على
حرمة العمل بالظن وانا زدت عليه عشرة أخرى.
الشيخ أبو تراب عبد الصمد ابن الشيخ حسين بن عبد الصمد
ابن شمس الدين محمد بن علي بن الحسن بن محمد بن صالح
الحارثي الهمداني الأصفهاني أخو الشيخ البهائي.
ووجدنا من يكنى جده عبد الصمد بأبي تراب والظاهر أنه حصل
اشتباه بين كنية أحدهما وكنية الآخر.
توفي سنة ١٠٢٠ حوالي المدينة المنورة ونقل جسده إلى النجف
الأشرف ودفن بها وكانه كان في طريق الحج.
كان عالما فاضلا ولاجله صنف اخوه البهائي الرسالة الصمدية
المشهورة في النحو. له تعليقات على رسالة الفرائض للخواجة نصير الدين
الطوسي المسماة بالفرائض النصيرية وفي اللؤلؤة رأيت له حواشي لطيفة
ذات فوائد وتحقيقات منيفة على شرح أربعين أخيه البهائي والظاهر أنه هو
الذي ينسب إليه آل مروة العامليين لا إلى أخيه الشيخ البهائي لأنه كان
عقيما.
كان فاضلا دقيق النظر وهو منسوب إلى الحارث الهمداني وقد خرج
(١٦)

من هذه السلسلة كثير من العلماء والمحدثين والفقهاء والشعراء مثل الشيخ
عبد الصمد جد البهائي بن محمد بن حسين الذي سمي المترجم باسمه وهو
شيخ الشهيد الثاني اخذ عنه العلم والعمل ومثل أبيه الشيخ شمس الدين
محمد جد أبي البهائي من تلامذة الشهيد الثاني المشهورين له مقام في الورع
والتقوى وعده شيخه الشهيد عداد أولياء الله أرسله شيخه المذكور إلى مصر
فتوفي هناك. ذكر ذلك ابن العودي في رسالته ومثل الشيخ نوري ابن أخي
البهائي كان شيخ الاسلام في هرات وله أشعار بالفارسية.
السيد عبد الصمد الحسيني الهمذاني الحائري من أحفاد المير السيد عليا دفين همذان
استشهد بيد الوهابيين يوم ١٨ ذي الحجة سنة ١٢١٦. كان تلميذ
البهباني له مؤلف في الفقه الاستدلالي مبسوط مع مستطردات ومستطرفات
خرج بتفاصيلها عن وضع كتب المصنفين ويقال ان صاحب الرياض كان لا
يعترف له بالفضل.
وله كتاب بحر المعارف في العرفان والتصوف فارسي وعربي طبع في
بمبي وتبريز.
قتله الوهابيون عند اخذهم كربلاء سنة ١٢١٦ فيمن قتلوا وهو أحد
العلماء العرفاء المشاهير اخذ في كربلاء عن صاحب الرياض واتصل بعد
اقامته أربعين سنة في العراق بنور علي شاة العارف الأصفهاني واخذ الطريقة
عنه وأصبح من جملة مريديه فانصرف إلى رياضة النفس ومجاهدتها وأذن له
بلقاء الحاج محمد حسين الأصفهاني ثم عاد إلى كربلاء مؤثرا المجاورة فيها
فقتله الوهابيون.
السيد عبد الصمد بن أحمد الموسوي الجزائري التتري المعاصر
له المحاكمات بين صاحبي القوانين والفصول وله فصل الخطاب.
الشيخ أبو تراب ضياء الدين عبد الصمد بن محمد بن علي بن الحسن بن
محمد بن صالح العاملي اللويزي الجبعي جد الشيخ البهائي
رأينا من يكنى ابن ابنه الشيخ عبد الصمد بن حسين بن عبد الصمد
بأبي تراب والظاهر أنه حصل اشتباه بين الرجلين في هذه الكنية.
ولد لتسع بقين من المحرم سنة ٨٥٥ كما ذكره أبوه في مجموعته على ما
حكاه عنه في البحار.
وتوفي باخبار تلميذه في منتصف ربيع الثاني سنة ٩٣٥ وعمره ثمانون
سنة وخلف أربعة ذكور وأنثى عليا ومحمدا وحسنا وحسينا وهو والد البهائي
وهو أصغرهم وفاطمة وقال الشهيد الثاني في اجازته لوالده الشيخ حسين بن
عبد الصمد: الشيخ الصالح العالم العامل المتقي المتفنن خلاصة الاخبار
الشيخ عبد الصمد وقال المحقق الثاني في اجازة: الشيخ الفاضل عمدة
الاخبار ضياء الدين عبد الصمد.
ويحكى عن الشيخ البهائي انه كان يقول إن آباءنا وأجدادنا في جبل
عامل كانوا دائما مشتغلين بالعمل والعبادة والزهد وهم أصحاب كرامات
ومقامات. له حاشية على الفرائض النصيرية.
الشيخ عبد العالي العاملي الكركي جد جد المحقق الكركي
كان من العلماء الفقهاء وهو من مشائخ علي بن هلال الجزائري شيخ
المحقق الثاني وقد أغفل ذكره صاحب أمل الآمل.
الشيخ تاج الدين أبو محمد عبد العالي ابن المحقق الثاني نور الدين علي بن
الحسين بن عبد العالي العاملي الكركي
مولده ووفاته
وجد بخط والد المحقق الكركي ما صورته الحمد لله على هبته ولد
المولود المبارك انش على نفسه وأهله تاج الدين أبو محمد بن عبد
العالي بن علي بن حسين بن علي بن محمد بن عبد العالي ١٩ ذي القعدة ليلة
الجمعة سنة ٩٢٦ انشاه الله تعالى انشاء مباركا وجعله خلفا صالحا بحق
محمد وآله صلوات الله عليه وعليهم أجمعين اه وتوفي سنة ٩٩٣ بأصفهان
ودفن في الزاوية المنسوبة إلى سيد الساجدين ع ثم بعد ثلاثين سنة
تقريبا نقل هو والشيخ الفقيه علي بن هلال الكركي إلى المشهد المقدس
الرضوي على مشرفه السلام ودفنا هناك في دار السيادة.
أقوال العلماء في حقه
في أمل الآمل كان فاضلا محققا محدثا متكلما عابدا من المشائخ
الاجلاء روى عن أبيه وغيره من معاصريه ويروي عنه اجازة الأمير محمد
باقر الحسيني الداماد. له رسالة لطيفة في القبلة عموما وفي قبلة خراسان
خصوصا عندنا منه نسخة وذكره السيد مصطفى في رجاله فقال جليل القدر
عظيم المنزلة رفيع الشأن نقي الكلام كثير الحفظ كان من تلامذة أبيه
تشرفت بخدمته اه وكان المير الداماد ابن أخته واثنى على خاله المذكور
بفقرات لطيفة على ظهر نسخة من شرح خاله على ألفية الشهيد وعن رياض
العلماء كان ظهر الشيعة وظهيرها بعد أبيه المحقق الكركي ورأس الامامية
اثر والده وكان معاصرا الميرزا مخدوم الشريفي صاحب نواقض الروافض
وبينهما مناظرات ومباحثات في الامامية وغيرها وقال صاحب تاريخ عالم آراي
ما ترجمته: ان الشيخ عبد العالي المجتهد كان من علماء دولة السلطان الشاة
طهماسب وبقي بعده أيضا وكان رئيس أهل عصره في العلوم العقلية
والنقلية وكان حسن النظر جيد المحاورة صاحب أخلاق حسنة جلس على
مسند الاجتهاد بالاستقلال وكان أغلب اقامته بكاشان ويشتغل فيها
بالتدريس وإفادة العلوم ويعين جماعة فيها لفصل القضايا الشرعية والاصلاح
بين الناس ويباشر ذلك أحيانا بنفسه إذا جاء إلى معسكر الشاة يبالغ في
تعظيمه واكرامه وكان بابا ومرجعا للفضلاء والعلماء وأكثر علماء عصره أذعن
لاجتهاده وعمل على قوله في الفروع والأصول وهو في الحقيقة زينة بلاد
إيران اه وقال في حقه تلميذه الفاضل المتبحر السيد حسين ابن السيد
حيدر العاملي في ذيل اجازته للشيخ جمال الدين أحمد بن عز الدين حسين
الأصفهاني: شيخنا الامام العلامة قدوة المحققين لسان المتقدمين حجة
المتأخرين خلاصة المجتهدين شيخنا الشيخ عبد العالي قدس الله روحه
وشيخنا هذا كان اعلم أهل زمانه ذا فطنة وقادة ونفس قدسية سريعة
الانتقال من المبادي إلى المطالب قرأت عليه شرحه. الكبير على الرسالة
الألفية ورسالته العملية في فقه الصلاة اليومية.
(١٧)

مشائخه
قرأ على والده ويروي بالإجازة عنه.
تلامذته
منهم السيد الأمير محمد باقر الداماد وهو ابن أخت المترجم ويروي
عن المترجم بالإجازة ومنهم السيد حسين ابن السيد حيدر العاملي
الكركي.
مؤلفاته
منها شرحه الكبير على الرسالة الألفية للشهيد ورسالة عملية في فقه
الصلاة اليومية وشرح ارشاد العلامة إلى كتاب الحج وحواشي مدونة على
المختصر النافع إلى أواخر كتاب الوقف قريب ثلاثة آلاف بيت وتعليقاته على
رسالة علي بن هلال الجزائري الذي هو شيخ اجازة أبيه في مسائل
الطهارة.
الشيخ الصائن أبو القاسم عبد العزيز بن محمد بن عبد العزيز الامامي
النيسابوري
شيخ الأصحاب وفقيههم في عصره وله تصانيف في الأصول.
القاضي سعد الدين عز المؤمنين أبو الضيغم عبد العزيز بن البراج
وجه الأصحاب وفقيههم وكان قاضيا بطرابلس وله مصنفات منها
المهذب، المعتمد، الروضة، الجواهر، المقرب عماد المحتاج في مناسك
الحاج، الكامل في الفقه، الموجز في الفقه. كتاب في الكلام وكان في زمن
بني عمار امراء طرابلس.
السيد عبد العزيز ابن السيد احمد ابن السيد عبد الجليل الموسوي النجفي
عالم عامل فقيه محدث من عظماء علماء النجف وفقهائه في عصره واحد
مشايخ الشيعة ومن أورع أهل زمانه جماعة للكتب في النجف في منتصف
القرن الثاني عشر يروي بالإجازة عن أستاذه الفقيه الشيخ احمد الجزائري
صاحب آيات الاحكام وعن الشيخ حسين ابن الشيخ محمد ابن الشيخ عبد
النبي الجزائري وعن الشيخ يوسف البحراني.
توفي في النجف الأشرف ودفن في الصحن الشريف في أواخر المائة
الثانية عشرة.
وآل السيد عبد العزيز من الأسر العلمية المعروفة في النجف إلى اليوم
وذكر ترجمته بعض أفاضل احفاده المعاصرين في أوراق جمعها فقال نقلا عن
خط المترجم: هو السيد عبد العزيز ابن السيد احمد ابن السيد عبد
الحسين (١) بن حردان بن حسان (٢) بن موسى (٣) بن عبد الله (٤) بن
حسن (٥) بن علي (٦) بن محفوظ (٧)
ابن ثابت بن موسى (٨) بن محطم بن منيع بن سالم ابن السيد الاجل
فاتك بن علي بن سالم بن صبرة بن خلف بن موسى بن علي بن الحسن بن
جعفر ابن الإمام العبد الصالح موسى بن جعفر بن محمد الباقر بن علي زين
العابدين بن الحسين الشهيد ابن علي بن أبي طالب عليهم صلوات الله
وسلامه.
والمترجم أول من هاجر إلى النجف من موطنه خوزستان الأهواز
حيث يقطن ذو قرباه اليوم كما ذكر ذلك عمي في رسالته الدر النضيد ويظن
ان ذلك كان في العقد الرابع من القرن الثاني عشر الهجري.
قرأ على عدة مشايخ وقرأ الفقه على علامة عصره الشيخ احمد
الجزائري صاحب آيات الاحكام كما ذكره في اجازته الآتي ذكرها. وكان
المترجم من شيوخ الإجازة ومن الفقهاء الكبار كما تدل عليه عبارات من

(١) قال جامع الترجمة: ينتسب إلى السيد عبد الحسين آل شوكة بواسطة جدهم السيد عبد
المطلب المعروف بالعود ابن السيد علي الجبيلي بن السيد عبد الحسين المذكور وآل شوكة
يقطنون خوزستان (الأهواز والمحمرة وغيرهما) وهم كاسمهم أولو شوكة ومنعة يهابهم أمراء
العرب والحكام وكانت بيوتهم مأمنا للخائفين من دخلها مجرما لا يقبض عليه وفي ذلك يقول
عمي:
هي للائذين حصن أمان * وعلى الوفد يستهل حياها
واشتهر منهم السيد عناية المتوفى سنة ١٣٤٣ والسيد جابر وهو زعيم الطائفة اليوم اه‍.
(٢) قال جامع الترجمة: وإليه ينتسب السادة المعروفون (ببيت أبو الدنين) بواسطة أبيهم
دنانة بن غزال بن حسان وهم من أوفر السادات عددا وأقواهم شكيمة جلهم يقطنون اليوم
لواء العمارة وللسيد حسان المذكور ينتسب (آل موزان) بواسطة أبيهم موزان بن جابر بن
حردان بن دنانة بن غزال بن حسان. وفيرو العدد من ذوي الجاه والثروة ومنعة الجانب
يقطنون اليوم لواء العمارة وفي الحدود العراقية الإيرانية مما يلي جبال حلوان حيث يضطرهم
المرعى لمواشيهم الكثيرة جدا.
(٣) قال جامع الترجمة ينتسب إليه سادات كثيرون منهم آل مشافر نسبة إلى جدهم مشافر بن
إسماعيل بن ناصر بن موسى المذكور. ومنهم آل هلال أو (البو هلولة) نسبة إلى جدهم
هلال بن علي بن ناصر بن حسن بن موسى المذكور وهاتان الطائفتان اليوم في لواء المنتفق
حوالي قضاء الشطرة والناصرية وسوق الشيوخ ذوو جاه وثروة وأملاك واسعة. وللسيد
موسى ينتسب السادة الأعاظم النجات (كذا) بواسطة جدهم يوسف بن محمد بن علي حفيد
حسن بن موسى المذكور من أنبه الأسر العلوية وأنبلها وجلهم اليوم منتشرون على ضفاف
دجلة وفي مقاطعة السعدية التابعة لقضاء علي الغربي في لواء العمارة وعلى الحدود الإيرانية
العراقية مما يلي جبال حلوان والسعدية اليوم مقر زعامتهم يقطنها زعماؤهم المعروفون (ببيت
سور) وزعيمهم اليوم السيد سعد الذي حفر نهر السعدية منذ نيف وثلاثين سنة وباسمه
سمي النهر وأخوه السيد أحمد ابنا السيد علي بن مشفى بن سعد وفي بينه الزعامة ونبغ منهم
السيد أحمد ابن السيد علي نبوغا باهرا بما أؤتيه من عقل راجح ورباطة جأش ونفس
طموحة، وسحق أكبر قبيلة من قبائل دجلة قبيلة بني لام ذات الشأن والسيطرة في لواء
العمارة واستطاع بعد جدال ونضال داما أكثر من ١٢ سنة أن ينتزع مقاطعة السعدية التي
هي موطنهم اليوم وبالأمس البعيد من أيدي تلك القبيلة التي حكمت تلك الأصقاع منذ
تقلص حكم الموالي أمراء الحويزة وجلاء (السعدون) زعماء (المنتفق) عنها الذي تم على
أيدي بني لام وقبيلة آل (أبو محمد) الشهيرة التي تملك اليوم أغنى بقاع العراق الزراعية
وذلك منذ قرن ونصف تقريبا، ولد السيد أحمد سنة ١٢٩٨.
(٤) قال جامع الترجمة له عقب كثير في شيراز من ابنه علي.
(٥) قال جامع الترجمة له عقب بالموصل من ابنه إبراهيم بن ثابت.
(٦) قال جامع الترجمة:
ومنه يتفرع السادة الأعاظم الزوامل بواسطة أبيهم صالح بن جعفر بن علي المذكور وهم كثيرون جدا
منتشرون في كافة البلاد العراقية وجلهم يقطنون اليوم لواء (الكوت) على ضفة الفرات
الغربية في مزرعة تعرف باسم (طرخومة) هي وطنهم ومقر زعامتهم وهم أولوا بأس ونجدة
تخاف بأسهم كافة الأمارات العربية المحيطة بهم.
(٧) له عقب في هجر من ابنه شهوان. وقال جامع الترجمة أيضا: يظهر من وجود عقب السيد
محفوظ في هجر ووجد عقب السيد موسى في المدينة المنورة أن محفوظا أو أباه ثابت أول من
هاجر من الحجاز وإن هجرته كانت أولا إلى هجر ومنها دخلوا العراق وهذا ما يؤيد ما حققه
بعض المؤرخين من أن قبائل العراق العربية نزحت من الجزيرة أولا إلى هجر وأطرافها ومنها
دخلت العراق.
(٨) قال جامع الترجمة: له عقب في المدينة المنورة والفرع من حمدان بن ثامر بن موسى المذكور.
(١٨)

أجازوه وأجازهم وكان شاعرا نسابة متضلعا في معرفة انساب العرب
والعلويين حجة في ذلك واشتهر ذكره في العلم والتقوى وأنشأ مكتبة كبيرة
جمع إليها نفائس الكتب من أقاصي البلاد وأدانيها وقد وصلني جملة من
آثارها لكن عبثت بها كارثة الطاعون سنة ١٢٤٧ ففقد أكثرها وقال الشيخ
آقا بزرگ: السيد عبد العزيز بن أحمد الحسيني الموسوي المجاز من الشيخ
أحمد بن إسماعيل الجزائري ومن الشيخ حسين بن محمد بن عبد النبي
البلادي البحراني سنة ١١٦٧ ومن الشيخ يوسف البحراني صاحب الحدائق
سنة ١١٦٥ وصورة الإجازات كلها منقولة في مجمع الإجازات مع تمام نسب
السيد عبد العزيز وهو من العلماء الأعلام الاجلاء ومن شيوخ الإجازة،
رأيت بخطه اجازته للشيخ محمد رضا بن عبد المطلب التبريزي على ظهر
كتابه الشفا في اخبار آل المصطفى تاريخها ١١٧٨ ومنها اجازة الشيخ شرف
الدين محمد مكي العاملي من ذرية الشهيد الأول أيضا الميرزا محمد رضا المذكور
ورأيت تقريضه على القصيدة الكرارية في سنة ١١٦٦ ويروي عنه
بالإجازة الشيخ حسين بن محمد بن عبد النبي بن سليمان بن حمد البارياري
السنبسي البحراني كما صرح به الشيخ حسين المذكور في اجازته للشيخ
حسين بن عبد الله الجوري في سنة ١١٧٩ واصفا له بالفاضل الفقيه العالم
العدل الثقة الحافظ سلمه الله وقال إن له شرح رسالة أستاذه الشيخ
أحمد بن إسماعيل الجزائري أقول هي الشافية الجزائرية التي شرحها أيضا
ابن المصنف محمد بن أحمد انتهى. وقال جامع ترجمته ان له أيضا سوى
شرح الشافية وتقريض القصيدة الكرارية كتاب حدائق النسب وشجرة
نسب الأسرة وما تفرع عنها وتوفي في النجف الأشرف ودفن في الصحن
الشريف له من الأولاد السيد احمد ابن السيد عبد العزيز كان زعيما وجيها
توفي في أوائل المائة الثالثة عشرة ومن احفاده السيد محمد ابن السيد احمد
ابن السيد عبد العزيز كان زعيما وجيها من أهل العلم والفضل صاهر امراء
خزاعة فاقطعوه أراضي أبو همام والقطعة من ملحقات ناحية الرميثة اليوم
وهور بني سعد وكركاشة من ملحقات ناحية الشنافية اليوم وكانت امارتهم
يحدها من الشمال قضاء المسيب اليوم ومن الجنوب ناصرية المنتفق ومن
الشرق نهر الغراف ومن الغرب بادية نجد وله أحفاد يأتي ذكرهم في
أبوابهم.
صفي الدين الحلي عبد العزيز بن نجم الدين سرايا بن علي بن أبي القاسم
الحسين بن سريا.
ولد في الحلة سنة ٦٧٧ إما مكان وفاته فاختلف فيه فقيل في بغداد
وقيل بماردين وقيل في القاهرة كذلك اختلف في سنة وفاته فقيل سنة ٧٤٩
أو ٧٥٠ أو ٧٥٢.
نشأ نشاة مترفة كغيره من أبناء الوجهاء وتعلم الفروسية والرماية
والصيد ولم يهمل تثقيف نفسه فحفظ القرآن ودرس العلوم الاسلامية من
لغة وتفسير وحديث وفقه وفلسفة وما يستتبع ذلك من شتى المعارف.
اضطرب الامر في الحلة ونالته احداثها وقتل خاله صفي الدين ابن
محاسن فساهم في معارك الاخذ بثاره وحرض عليها واضطر للالتجاء إلى
ماردين، وكان يحكمها الملوك الأرتقيون، فأكرم الملك المنصور نجم
الدين غازي وفادته وكذلك ولده الملك الصالح بعده، فمدح الأرتقيين
ووقف شعره عليهم، ووصف حروبهم ومجالسهم ولهوهم وصيدهم، وحج
إلى بيت الله وزار مصر فكان له فيها صداقات مع الشاعر جمال الدين
محمد بن نباتة والكاتب المؤرخ صلاح الدين الصفدي والقاضي علاء الدين بن
الأثير كاتب السر. وهو الذي قدمه إلى الملك الناصر محمد بن قلاوون فعني
الملك به وطلب إليه ان يجمع ديوانه فجمعه له في الناصر المدائح الطوال
وعاد من مصر إلى ماردين ثم إلى العراق وزار كثيرا من أهم البلاد في تجارته
التي كان يتعاطاها سواء وهو في العراق أو ماردين.
وفي العراق ظل على صلته بالأرتقيين يمدحهم ويرسل إليهم الشعر كقوله:
وكم قصدت بلادا كي أمر بكم * وأنتم القصد لا مصر ولا حلب
وربما بدا من بعض شعره انه لم ينقطع عن ماردين وعن زيارة
الأرتقيين كلما سنحت له الفرصة.
اثر الاحداث في شعره
بدأ تحريضه على الاخذ بالثار لخاله في كثير من شعره كقوله:
لا تترك الثار من قوم مرادهم * اخفاء ذكر لنا في الناس منتشر
ولما نجحت دعوته لمعركة الثار والتقى الفريقان في وقعة
الزوراء: قرب بغداد عند قبر عبيد الله بن محمد بن عمر العلوي قال
صفي الدين قصيدته الشهيرة:
سل الرماح العوالي عن معالينا * واستشهد البيض هل خاب الرجا فينا
يا يوم وقعة زوراء العراق وقد * دنا الأعادي كما كانوا يدينونا
بخيل ما ربطناها مسومة * الا لنغزوا بها من بات يغزونا
وفيها يقول:
وسائلي العرب والأتراك ما فعلت * في ارض قبر عبيد الله أيدينا
ولما اضطر بعد هذه المعارك ومشاركته فيها للنزوح إلى ماردين قال:
كل الذين غشوا الوقيعة قتلوا * ما فاز منهم سالما الا انا
ليس الفرار علي عارا بعد ما * شهدوا ببأسي يوم مشتبك القنا
ان كنت أول من نأى عن أرضهم * قد كنت يوم الروع أول من دنا
أبعدت عن ارض العراق ركائبي * علما بان الحزم نعم المقتني
وفي رحلته الطويلة إلى ماردين يقول:
شفها السير واقتحام البوادي * ونزولي في كل يوم بوادي
ومقيلي ظل المطية والترب * فراشي وساعداها وسادي
وضجيعي ماضي المضارب عضب * أصلحته القيون من عهد عاد
أبيض أخضر الحديدة مما * شق قدما حرائر الأجساد
وقميصي درع كان عراها * حبك النمل أو عيون الجماد
ونديمي لفظي وفكري أنيسي * وسروري مائي وصبري زادي
وإذا ما هوى الظلام فكم لي * من نجوم الظلام في الليل هادي
وفي الوصول إلى ماردين يقول:
جبت البلاد ولست متخذا بها * مسكنا ولم ارض الثريا موطنا
حتى أنخت بماردين مطيتي * فهناك قال لها الزمان: لك إلهنا
(١٩)

ثم يقول بعد الإقامة فيها:
ولكن لي في ماردين معاشرا * شددت بهم لما حللت ازري
ملوك إذا القى الزمان حباله * جعلتهم في كل نائبة ذخري
ويقول متشوقا إلى العراق وهو في ماردين:
فارقت زوراء العراق وان لي * قلبا أقام بربعه المألوف
وفي تعاطيه التجارة يقول في الملك الصالح:
تقول لي العلياء ان زرت ربعه * رويدك كم في الأرض تشقى وتكدح
إذا كنت ترضى ان تعد بتاجر * هلم ففيه تاجر المدح يربح
وفي إحدى رحلاته التجارية ارسل من دمشق إلى الملك الصالح في
ماردين قصيدة وقال فيها:
أعد إذا فارقت مغناك تاجرا * فان أبت ظنوني شريكك في الملك
مع الأرتقيين
كان الأرتقيون حكام ماردين في ظل السيطرة المغولية، ولما ذهب
السلطان غازان المغولي لفتح الشام كان الملك المنصور معه، ولكنه على
رواية ابن الأثير كان يناصح سرا الملك الناصر محمد بن قلاوون، وإذا كان
المغول في ذلك الحين هم حكام العراق فعلا فإنهم لم يكونوا كذلك فيما نأي
من الأطراف كماردين التي كانت سيطرتهم عليها سيطرة غير عملية.
والأرتقيون وان كانوا أتراكا الا انهم كانوا يستجيدون الشعر العربي
ويستنشدونه ويطربون للمدائح، ولا بدع فالثقافة العربية واللسان العربي
هما السائدان، لذلك استقبل صفي الدين في البلاط الأرتقي استقبالا
حافلا واحتضنه الملك المنصور وأكرمه، وانشد صفي الدين في مدائحه
مطولات القصائد، حتى أنه اختصه بديوان كبير سماه درر النحور في
مدائح الملك المنصور التزم فيه ان يكون أول البيت وقافيته على حرف
واحد، فإذا كانت القافية همزية كانت أوائل الأبيات كذلك كقوله:
أبت الوصال مخالفة الرقباء * واتتك تحت مدارع الظلماء
أصفتك من بعد الصدود مودة * وكذا الدواء يكون بعد الداء
وإذا كانت القافية بائية كانت أوائل الأبيات كذلك كقوله:
بدت لنا الراح في تاج من الحبب * فمزقت حلة الظلماء باللهب
بكر إذا زوجت بالماء أولدها * أطفال در على مهد من الذهب
بقية من بقايا قوم نوح إذا * لاحت جلت ظلمة الأحزان والكرب
وإذا كانت القافية تائية كانت القافية كذلك كقوله:
تاب الزمان من الذنوب فوات * واغنم لذيذ العيش قبل فوات
تم السرور بنا فقم يا صاحبي * نستدرك الماضي بنهب الآتي
تاقت إلى شرب المدام نفوسنا * لا تذهبن بطالة الأوقات
وهكذا حتى تنتهي الحروف الهجائية، وهي تسع وعشرون قصيدة،
كل قصيدة تسعة وعشرون بيتا، وقد عرفت هذه القصائد بالقصائد
الأرتقيات وفيها يقول:
تسع وعشرون قد عدت قصائدها * ومثلها عدد الأبيات في النسق
لم اقتنع بالقوافي في أواخرها * حتى لزمت أواليها فلم تفق
وقد سبق صفي الدين بهذا الضرب من الشعر شاعران هما أبو زيد
عبد الرحمن الأندلسي المتوفى سنة ٦٣٧ اي قبل ولادة صفي الدين بأربعين
عاما وأبو عبد الله محمد بن أبي بكر البغدادي المشهور بالوتري المتوفى ٦٢٢
في بغداد اي قبل ولادة صفي الدين بأكثر من خمسة عشر عاما. ولكن
الشاعرين لم يشتهرا ولا اشتهر شعرهما.
وقد عرف هذا الشعر بعد ذلك باسم الروضة وجاراه كثير من
الشعراء.
وبعد وفاة الملك المنصور كان صفي الدين في رحاب ابنه الملك
الصالح شمس الدين صالح، على ما كان عليه في عهد أبيه من اكرام
ورعاية من الملك، ومدح وشكر من صفي الدين وهو في مدحه للأرتقيين
يكرر انه لم يكن مداحا، ولا الاستجداء بالشعر من أخلاقه، وانما كان
وفيا لهم إذ حموه حين عز الحامي ولا بد لنا من الإشارة إلى ما سبق وقلناه
من أن المترجم كان يمتهن التجارة حتى وهو في ماردين فيرحل في سبيلها إلى
أقاصي البلاد، وهو بذلك يحقق ما قاله من أن الأصل في مديحه لم يكن
طلب العيش لان له ما يعيش منه.
وها نحن نراه وهو يمدح الملك الصالح يصرح بأنه لم يمدحه الا لكونه
ابن المنصور الذي اجاره وحمى دمه.
يا ابن الذي كفل الأنام كأنما * أوصاه آدم في كلاية ولده
المالك المنصور والملك الذي * جاز الفخار بجده وبجده
أصل به طابت ماثر مجدكم * والغصن يظهر طيبه من ورده
ولذاك لم يرني بمنظر شاعر * تبغي قصائده جوائز قصده
ولقد عهدت إلى عرائس فكرتي * ان لا تزف لغيره من بعده
لكنك الفرع الذي هو أصله * شرفا ومجدك بضعة من مجده
ويكرر صفي الدين القول بأنه لا يمدح للعطاء بل للوفاء فقد قال قبل
ذلك للملك الصالح:
مدحي لمجدك عن وداد خالص * وسواي يضمر صابه في شهده
انا لا أروم به الجزاء لأنه * ثمر أنزه خلتي عن ورده
لا كالذي جعل القريض بضاعة * متوقعا كسب الغنى من كده
ونرى أن صفي الدين قد اخذ على نفسه ان لا يمدح أحدا غير
هذين، وإذا استثنينا مدحه للملك الناصر محمد بن قلاوون، فانا نراه
قد التزم بما اخذه على نفسه، وفي الحقيقة فان مدحه للملك الناصر كان
شيئا لا بد منه بعد ان قدم إليه فاحتفى به الملك حفاوة مقدر له معجب به
واقترح عليه ان يجمع ديوانه فنفذ اقتراحه وجمعه وهو في رعايته بمصر.
واخذا بما الزم به نفسه نراه يتأبى عن مدح الملك المؤيد إسماعيل
صاحب حماه. فكان جزاؤه منه على اكرامه له إن كان يشكره شعرا على
عطاياه وهداياه ويهنئه بالأعياد، ولا يسمي ذلك مدحا بل حمدا.
وفي بعض مدائحه للأرتقيين يبدو شاعرا متحمسا لنضالهم وحمايتهم
للثغور الاسلامية فهو في مثل هذا الشعر شاعر وطني على حد تعبيرنا
اليوم يتمدح بمن ذادوا الأعداء عن الوطن ويثني عليهم ثناء الوفي لأرضه
المخلص لعقيدته كقوله في الملك المنصور:
كم قد أبدت من الأعداء من فئة * تحت العجاج وكم فرقت من فرق
(٢٠)

رويت يوم لقاهم كل ذي ظما * في الحرب حتى جلال الخيل بالعرق
مزقت بالموصل الحدباء شملهم * في مازق بوميض البرق ممتزق
وفي الأرتقيين وماردين يقول:
ولكن لي في ماردين معاشرا * شددت بهم لما حللت بها ازري
ملوك إذا القى الزمان حباله * جعلتهم في كل نائبة ذخري
وما أحدثت أيدي الزمان إساءة * ووافيتهم الا انتقصت من الدهر
ويقول:
وإذا ما غرقت في لجج الهم * ففي ماردين ملقى المراسي
بلدة ما أتيتها قط الا * خلتها بلدتي ومسقط رأسي
بذلوا لي مع السماحة ودا * هو منهم يزيد في ايناسي
ويقول:
وقيدتني عندهم أنعم * هن قيد الأمل السائح
ووكلت فكري بمدحي لهم * مكارم المنصور والصالح
ويقول:
الا بلغ هديت سراة قومي * بحلة بابل عند الورود
الا لا تشغلوا قلبا لبعدي * فاني كل يوم في مزيد
لاني قد حللت حمى ملوك * ربوع عبيدهم كهف الطريد
فمن يك نازلا بحمى كليب * فاني قد نزلت حمى الأسود
ويبدو ان الأرتقيين لم يعاملوه معاملة الشعراء المستجدين الذين
يهبونهم المال على قدر الإنشاد، بل حددوا له راتبا معينا يجري عليه،
وعند ما قطعه مرة أحد نواب الملك الصالح قال:
عذرتك حين حلت وأنت بحر * لان البحر في مد وجزر
وكان من عناية الأرتقيين به انه كان يصحب المنصور في حله وترحاله
سواء كان هذا الترحال استجماما أو كان للقراع والقتال، فعدد صفي
الدين المعارك وأشاد بالنصر وخلد كل ذلك شعرا كما فعل سنة ٧٠٢ حين
ذهب الملك المنصور بجيشه لفتح قلعة إربل فقال صفي الدين بعد المعركة
الظافرة قصيدته التي مطلعها:
لا تخش يا ربع الحبيب همودا * فلقد أخذت على المعاد عهودا
وكما كان يشدو بالواقع الحربية كان كذلك يتغنى برحلات الصيد
والقنص فيكون له من ذلك قصائد في وصف الصيد وأدواته وطيوره
وحيواناته، مستطردا إلى وصف الطبيعة أحيانا، والى الانتهاء بمدح الملك
المنصور أحيانا.
وكما مدح الأرتقيين، كذلك رثاهم، فقد مات الملك المنصور
وصفي الدين في بغداد فأسرع إلى ماردين يشاطر في المأتم ويبكي الرجل
الذي حماه وآواه فمن رثائه له القصيدة التي يقول فيها:
وما كان يدري من تميم جوده * ونكب لج البحر أيهما البحر
صفائح ارزاق العباد بكفه * فيمنى بها يمن ويسرى بها يسر
اثر الرحلات في شعره
كان للترحل الطويل الذي عاشه سواء في نزوحه اضطرارا إلى ماردين
أو تنقله للتجارة أو سفره للحج كان لذلك اثر بارز في شعره فرأينا فيه
ملامح لكل البلاد التي حل بها:
فكل يوم لي برغم العلا * في كل ارض غربة وانتزاح
ففي ماردين وصف للطبيعة في عين الصفا وعين البرود ووصف للشتاء والمطر
ووصف للقلاع والحصون، فضلا عن وصف المعارك
والأهوال:
عين البرود برود عيني * ان عز منظر رأس عين
ارض ينمق زهرها * ما فاض من نهر وعين
ويظل يرفدها السحاب * بصوب وسمي وعين
وفي مصر يصف النيل والسفن والأهرام:
وأخضر واديها وحدق زهره * والنيل فيه ككوثر بجنان
وبه الجواري المنشأت كأنها * اعلام بيد أو فروع قنان
نهضت بأجنحة القلوع كأنها * عند المسير تهم بالطيران
والماء يسرع بالتدفق كلما * عجلت عليه يد النسيم الواني
وفي دمشق يصف الرياحين والآجام:
ان جزت (بالميطور) مبتهجا به * ونظرت ناظر دوحه الممطور
وارتك بالآصال خفق هوائه * الممدود في ظل الهوى المقصور
سل بأنه المنصوب أين حديثه * المرفوع من ذيل الصبا المجرور
وفي حماه يصف العاصي
فحبذا العاصي وطيب شعبه * ومائه المسلسل المجمد
والفلك فوق لجه كأنها * عقارب تدب فوق مبرد
وناجم الأزهار من منظم * على شواطيه ومن منضد
والورق من فوق الغصون قد حكت * بشدودها المطرب صوت معبد
ويقول:
أطعت داعي الهوى رغما على العاصي * لما نزلت على ناعورة العاصي
والريح تجري رخاء فوق جدولها * والطير ما بين بناء وغواص
وقد تلاقت فروع الدوح واشتبكت * كأنما الطير منها فوق أقفاص
حنينه إلى العراق والحلة
رغد العيش الذي ناله في ماردين وصحبة الملوك ومتارفهم لم تشغله
عن الحنين إلى موطنه بل ظل دائم التطلع إليه بقلبه:
أحباي في الفيحاء ان طال بعدكم * فأنتم إلى قلبي كسحري من نحري
ويقول:
أ ترى البازي الذي لاح ليلا * مر بالحي من مدامع ليلى
وترى السحب مذ نشأن ثقالا * سحبت من ربوع بابل ذيلا
ما اضا البارق العراقي الا * أرسلت مقلتي من الدمع سيلا
كيف انسى تلك الديار ومغنى * عامرا قد ربيت فيه طفيلا
ان وردت الفيحاء يا سائق العيس * وشارفت دوحها والنخيلا
ورأيت البدر في مشهد الشمس * يغشيان بأنه والأثيلا
مل إليها واحبس قليلا عليها * ان لي نحو ذلك الحي ميلا
(٢١)

وأبلغ الرملة الأنيقة وأبلغ * معشرا لي بربعها وأهيلا
قد ذممنا بعيد بعدكم العيش * فليت الحمام كان قبيلا
ويقول:
ورب نسيم مر بي من دياركم * ففاح لنا من طيبه طيب النشر
فاذكرني عهدا وما كنت ناسيا * ولكنه تجديد ذكر إلى ذكر
تجاذبني الأشواق نحو دياركم * واحذر من كيد العدو الذي يدري
ويقول:
هب النسيم عراقيا فشوقني * وطالما هب نجديا فلم يشق
فما تنفست والأرواح سارية * الا اشتكت نسمات الريح من حرقي
تشيعه
كان شيعيا عارفا بحق علي وبينه معرفة مرتكزة إلى الايمان الصادق
المخلص، ولا بدع في ذلك فقد شب في الحلة، والحلة هي من هي عراقة
في التشيع العالم المفكر الناضج فقد كانت دار العلم واليها الرحلة من كل
مكان وفيها حلقات الدروس ونوادي الفكر والقلم وفيها يقول عبد الرحمن
الكتاني المتوفى سنة ٦٢٩ في راجح الحلي:
يقولون لي ما بال حظك ناقصا * لدى راجح رب السماحة والفضل
فقلت لهم: اني سمي ابن ملجم * وذلك اسم لا يقول به حلي
وفي آل البيت: يقول صفي الدين:
وآلك الغرر اللائي بها عرفت * سبل الرشاد فكانت مهتدى الفرق
ويقول:
حديث حبي لكم سائر * وسرور ودي في هواكم مقيم
قد فزت كل الفوز إذ لم يزل * صراط ديني بكم مستقيم
ورد على ابن المعتز في تعرضه للعلويين رد المؤمن الصادق المكافح.
أقوال فيه
وفي أمل الآمل: كان عالما فاضلا منشئا أديبا من تلامذة المحقق نجم
الدين جعفر بن الحسن الحلي له القصيدة البديعية مائة وخمسة وأربعون بيتا
تشتمل على مائة وخمسين نوعا من أنواع البديع وله شرحها وديوان شعر كبير
وديوان صغير وله قصائد محبوكات الطرفين جيدة ثمان وعشرون بيتا اه.
وفي حديقة الأفراح مناهل ألفاظه العذاب صافية من شوائب التعقيد
ورياض معانيه المفرحة بنشرها الألباب شافية لمن كرع من بحرها الرائق
المديد اه كان من الشعراء المجيدين المطبوعين وله في شعره احتجاجات على
تفضيل علي ع وتقديمه تدل على علمه وفضله كقوله:
لو رأى مثلك النبي لآخاه * والا فأخطأ الانتقاد
وغيره مما يأتي وكان شاعر العصر وفاضل الوقت السيد محمد سعيد
الحبوبي النجفي يعجب بشعره كثيرا ويفضله على كثير من الشعراء وحسبك
بشهادة مثله. سافر إلى الشام وبلاد الجزيرة وغيرها ومدح ملوك ماردين
المعروفين ببني ارتق وهو أول من عمل القصائد المحبوكات وسماها
الأرتقيات واقتفاه في ذلك الشيخ إبراهيم بن يحيى العاملي الطيبي فعمل
محبوكات في الشيخ علي بن فارس الصعبي أمير ناحية الشقيف من جبل
عامل. وقصيدته البديعية في مدح خير البرية وشرحها مطبوع وسماها أنوار
الربيع في أنواع البديع وديوان شعر مطبوع.
شعره
ومن شعره قوله في أمير المؤمنين علي ع من أبيات:
جمعت في صفاتك الأضداد * فلهذا عزت لك الأنداد
زاهد حاكم حليم شجاع * ناسك فاتك فقير جواد
شيم ما جمعن في بشر قط * ولا حاز مثلهن العباد
خلق يخجل النسيم من اللطف * وبأس يذوب منه الجماد
ظهرت منك للورى معجزات * فأقرت بفضلك الحساد
ان يكذب بها عداك فقد كذ * ب من قبل قوم لوط وعاد
أنت سر النبي والصنو وابن ال‍ * عم والصهر والأخ المستجاد
لو رأى مثلك النبي لآخاه * والا فأخطأ الانتقاد
بكم باهل النبي ولم يلف * لكم خامس سواه يزاد
كنت نفسا له وعرسك وابنا * ك لديه النساء والأولاد
جل معناك ان يحيط به الشعر * وتحصي صفاته النقاد
انما الله عنكم اذهب الرجس * فردت بغيظها الأضداد
ذاك مدح الاله فيكم فان فهت * بمدح فذاك قول معاد
وقوله:
أمير المؤمنين أراك لما * ذكرتك عند ذي حسب صغا لي
وان كررت ذكراك عند نغل * تكدر صفوه وبغى قتالي
فها انا قد خبرت بك البرايا * فأنت محك أولاد الحلال
وقوله:
فوالله ما اختار الاله محمدا * حبيبا وبين العالمين له مثل
كذلك ما اختار النبي لنفسه * عليا وصيا وهو لابنته بعل
وصيره دون الأنام اخاله * وصنوا وفيهم من له دونه الفضل
وشاهد عقل المرء حسن اختياره * فما حال من يختاره الله والرسل
وقوله:
توال عليا وأبناءه * تفز في المعاد وأهواله
امام له عقد يوم الغدير * بنص النبي وأقواله
له في الشهيد بعد الصلا * ة مقام يخبر عن حاله
فهل بعد ذكر اله السما * ء وذكر النبي سوى آله
وقوله:
يا عترة المختار يا من بهم * يفوز عبد يتولاهم
اعرف في الناس بحبي لكم * إذ يعرف الناس بسيماهم
وله:
ولائي لآل المصطفى عقد مذهبي * وقلبي من حب الصحابة مفعم
وما انا ممن يستجيز بحبهم * مسبة أقوام عليهم تقدموا
(٢٢)

ولكنني أعطي الفريقين حقهم * وربي بحال الأفضلية اعلم
فمن شاء تعويجي فاني معوج * ومن شاء تقويمي فاني مقوم
وقوله:
قيل لي تعشق الصحابة طرا * أم تفردت منهم بفريق
فوصفت الجميع وصفا إذا ضو * ع ازرى بكل مسك سحيق
قيل لي من تميل قلت إلى الأربع * لا سيما إلى الفاروق
ومن شعره الدال على علمه وفضله قوله من قصيدة يرد بها على
قصيدة عبد الله بن المعتز التي يفتخر بها على أهل البيت ع
ويقول فيها:
ونحن ورثنا ثياب النبي * فكم تجذبون بأهدابها
لكم رحم يا بني بنته * ولكن بنو العلم أولي بها
فقال الصفي الحلي مجيبا له من جملة قصيدة:
بكم باهل المصطفى أم بهم * فرد العداة بأوصابها
أ عنكم نفى الرجس أم عنهم * لطهر النفوس والبابها
وقلت ورثنا ثياب النبي * فكم تجذبون بأهدابها
وعندك لا يورث الأنبياء * فكيف حظيتم بأثوابها
وقولك أنتم بنو بنته * ولكن بنو العم أولي بها
بنو البنت أيضا بنو عمه * وذلك أدنى لانسابها
ومن شعره قوله:
كيف صبري وأنت للعين قره * وهي ما ان تراك في العام مره
وبما ذا أسر قلبي إذا غبت * وقد كنت للقلوب مسره
قسما بالذي أفض على طلعتك * النور فهي للشمس ضره
ان يوما ارى جمالك فيه * هو عندي في جبهة الدهر غره
أيها المعرض الذي هان عندي * تعبي فيه واحتمال المضرة
راقب الله في حشاشة نفس * انه لا يضيع مثقال ذره
وقوله:
وليس صديقا من إذا قلت لفظة * توهم من أثناء موقعها أمرا
ولكن من أن قطعت بنانه * تيقنه قصدا لمصلحة أخرى
وقوله:
سوابقنا والنقع والسمر والظبا * واحسابنا والحلم والباس والبر
هبوب الصبا والرعد والبرق والقضا * وشمس الضحى والطور والنار والبحر
وقوله:
لا يمتطي المجد من لا يركب الخطرا * ولا ينال العلى من قدم الحذرا
ومن أراد العلى عفوا بلا تعب * قضى ولم يقض من ادراكها وطرا
لا بد للشهد من نحل يمنعه * لا يجتني النفع من لا يحمل الضررا
وله في جميل نام في المجلس فسقطت الشمعة وأحرقت شفته:
وذي هيف زار في ليلة * فاضحى به الهم في معزل
فمالت لتقبيله شمعة * ولم تخش من ذلك المحفل
فقلت لصحبي وقد حكمت * صوارم لحظيه في مقتلي
أ تدرون شمعتنا لم هوت * لتقبيل ذاك الرشا الأكحل
درت ان ريقته شهدة * فحنت إلى بيتها الأول
وقوله في مليح قلع الطبيب ضرسه:
لحا الله الطبيب فقد تعدى * وجاء لقلع ضرسك بالمحال
أعاق الظبي عن كلتا يديه * وسلط كلبتين على الغزال
وقوله:
ليلي وليلى نفى نومي اختلافهما * بالطول والطول يا طوبي لو اعتدلا
يجود بالطول ليلي كلما بخلت * بالطول ليلى وان جادت به بخلا
في شرح رسالة ابن زيدون:
أنشدني لنفسه اجازة ما كتب به إلى صاحبه أبي بكر بن القاسم
السلامي شعرا:
فلتة كان منك من غير قصد * يا أبا بكر عقد بيعة ودي
فلهذا إذا تقادم عهد * بيننا خنت ذا وفاء وعهد
وقال السيد علي خان في كتاب أنوار الربيع في أنواع البديع: كنت
أظن أن أول من نظم أنواع البديع هو الشيخ صفي الدين الحلي حتى وقفت
في ترجمة الشيخ علي بن عثمان بن علي بن سليمان امين الدين الأربلي
الصوفي على قصيدة لامية له نظم فيها جملة من أنواع البديع وضمن كل
بيت منها نوعا منه أولها: الجناس التام، والمطرف هو:
بعض هذا الدلال والادلال * حال بالهجر والتجنب حالي
ثم قال في الجناس المصحف والمركب:
جرت إذ حزت ربع قلبي وإذ لا * لي صبر أكثرت من إذلالي
فعلمت ان الشيخ صفي الدين لم يكن أبا عذر هذا المرام ولا أول من
نظم جواهر هذا العقد في نظام، فان الشيخ امين الدين المذكور توفي قبل
ان يولد الشيخ صفي الدين بسبع سنين، فان وفاته سنة ٦٧٠ وولادة
صفي الدين سنة ٦٧٧. واما نظم أنواع البديع على هذا الوزن والروي
الذي نظم عليه صفي الدين فلا أتحقق أيضا ان صفي الدين هو أول من
نظم عليه، فإنه كان معاصرا للشيخ أبي عبد الله محمد بن أحمد بن علي
الهواري المعروف بشمس الدين بن جابر الأندلسي الأعمى صاحب البديعية
المعروفة ببديعية العميان ولا اعلم من السابق منهما إلى نظم بديعته على هذا
الأسلوب وإن كان صفي الدين قد حاز قصبات السبق في هذا المضمار فان
ابن جابر لم يستوف الأنواع التي نظمها صفي الدين، بل أخل بنحو
سبعين نوعا منها، وكلاهما لم يلتزما التورية باسم النوع البديعي، وأول من
التزم ذلك الشيخ عز الدين الموصلي ثم تلاه علي بن عبد الله الحموي
المعروف بابن حجة، وعدد أبيات بديعية الصفي الحلي ١٤٥ بيتا اه
وتعصب عليه ابن حجة الحموي في شرح بديعيته وانتصر له السيد علي خان
في شرح بديعيته أيضا.
صفي الدين الحلي بين رأيين
كتب مارون عبود كلمة عن صفي الدين الحلي أجاب عنها حارث
(٢٣)

الراوي وفيما يلي هذان الرأيان المختلفان:
يبدأ الأستاذ مارون عبود رأيه في صفي الدين في ص ٣٠٩ من
كتابه الرؤوس حيث يقول: إن خير ما سمعنا من الأصوات في هذه
الحقبة، صوتان ارتفعا في آن واحد، اولهما في العراق وهو صوت صفي
الدين الحلي، الشاعر الذي استعبدته الصناعة اللفظية حتى اجتمعت في
شعره جميع معايبها. كان صفي الدين كالطفيليات يعيش على جذوع
الأقدمين، فخمس وضمن، ثم حاول اجتراع العجائب في الشعر كما
كان يظن فراح ينظم لسلطانه الذي فزع إليه من ظلم المغول قصائد
سماها درر النحور في مدائح الملك المنصور وهي تسع وعشرون قصيدة
على كل حرف من حروف المعجم، يبدأ بالحرف البيت ثم يختمه، واليك
نموذجا منها:
مغانم صفو العيش اسمى المغانم * هي الظل الا انه غير دائم
ملكت زمام العيش فيها وطالما * رفعت بها لولا وقوع الجوازم
أ رأيت كيف يبدأ بالميم التي هي قافية قصيدة، ثم أ رأيت الرفع
والجزم؟ ان صفي الدين لم يدع جريمة أدبية في النظم الا ارتكبها. قال
القصائد طويلة وقصيرة، والموشحات والازجال، كما نظم ابن مالك
النحو والصرف، نظم الحلي بديعية مطلعها:
إن جئت سلعا فسل عن جيرة العلم * وأقر السلام على عرب بذي سلم
إلى أن يقول الأستاذ مارون:
وهكذا لا نرى للحلي شيئا جديدا إن كان هذا شيئا الا سبقه
إلى نظم فنون البديع في قصيدة، ولكن بديعيته لم تصب من السيرورة ما
أصابته بديعية الحموي فركدت ريحها.
إما شعر الحلي فجار حين يتبع سجيته، ولكنه لا يخرج ابدا من دائرة
التقليد فهو يعارض قصيدة المتنبي ليقول من الجناس:
أسبلن من فوق النهود ذوائبا * فتركن حبات القلوب ذوائبا
بيض دعاهن الغبي كواعبا * ولو استبان الرشد قال كواكبا
ثم شاء ان يكون له شعر مثل شعر البهاء زهير فقال ناحيا نحوه:
ان غبت عن عياني * يا غاية الأماني
فالفكر في ضميري * والذكر في لساني
ما حال عنك عهدي * ولا انثنى لساني
شوقي إليك باق * والصبر عنك فاني
وشاء أيضا ان يتعنتر فقال قصيدة معارضا بها قصيدة حكم
سيوفك ومد يده إلى نجم الشعر العربي فاخذ قوله:
تماشى بأيد كلما وافت الصفا * نقشن به صدر البزاة حوافيا
فقال وقصر تقصيرا شائنا:
فتظل ترقم في الصخور أهلة * بسنا حوافرها وان لم تنعل
إما الباقي على الألسن من شعر هذا الفاضل فقصيدته المشهورة:
سلي الرماح العوالي عن معالينا * واستشهدي البيض هل خاب الرجا فينا
إلى أن يقول مارون عبود في مجال التفضيل بين صفي الدين
وابن نباتة: وإذا سألتني أيهما أسبق، أ صفي الدين أم ابن نباته،
قلت لك كلاهما مقصر، ولكن الحلي يسبق صاحبه بضع خطوات.
هذا هو نص رأي ناقد كبير شهير من نقاد عصرنا في أكبر شاعر في
عصره، وهو رأي لا يخلو من التحامل إذا وضعناه على المحك...
انا لا أبرئ صفي الدين من الصناعة اللفظية، مصيبة أبناء زمانه،
إما ان تجتمع في شعره جميع معايب الصناعة اللفظية، فقول مردود، لان
أكثر شعره منزه عن هذه الهنة ما خلا شعره الذي يخرج به عن نطاق سجيته
فينظمه للبراعة ليس الا. ولا أدري كيف جاز لمارون عبود ان ينعت
صفي الدين الشاعر المتميز بأصالته، بالطفيلي الذي يعيش على جذوع
الأقدمين، كل ذلك لأنه يخمس ويضمن... وليس التخميس والتضمين
من علامات عجز الشاعر في كل الأحوال، فقد يضيف التخميس
والتضمين روعة تفوق روعة الأصل أو تدانيها. أما التخميس والتضمين
لمجرد اظهار البراعة فشئ لا شك مرذول يأباه الشاعر المبدع. وتخميسات
وتضمينات صفي الدين لم تكن لمجرد اظهار البراعة، وانما جاءت، في
أغلب الأحوال لاتفاقه مع بعض الشعراء في فكرة القصيدة وغايتها. وكثيرا
ما يمر صفي الدين بتجربة مماثلة لتجربة شاعر آخر فيكون التخميس
والتضمين من دواعي التقاء التجربتين. من ذلك تخميسه للامية
السموأل الشهيرة. والمعروف عن هذه اللامية انها تزخر بالفخر
والتحدي، وكان صفي الدين جديرا بالفخر والتحدي لأنه كان من عشيرة
عربية ترفض الضيم وتأبى الهوان...
ولا ندري ما هي الجرائم الأدبية التي ارتكبها شاعرنا صفي
الدين في نظر الأستاذ مارون؟ أ يكون مجرما، في مجال الأدب، لأنه نظم
القصائد الطويلة والقصيرة؟! والقصائد، بطبيعتها، إما أن تكون
طويلة أو قصيرة... أم لأنه نظم الموشحات والازجال؟ ومتى كانت
الموشحات والازجال خالية من الرقة والابداع لا سيما إذا صدرت عن
شاعر موهوب كصفي الدين الحلي، واما ان تبقى على الألسنة قصيدته
النونية المشهورة:
سلي الرماح العوالي عن معالينا * واستشهدي البيض هل خاب الرجا فينا
فليس الذنب في ذلك ذنب صفي الدين وانما هو ذنب الطريقة
الببغائية في حفظ الشعر التي ابتلينا بها. فنحن ما نكاد نسمع بالقصيدة
المشهورة وندرسها في المدارس حتى نعض عليها بالنواجذ ولا نكلف أنفسنا
عناء مراجعة أو تذوق سواها من قصائد الشاعر. والا فان لصفي قصائد
بل خرائد تفوق النونية، كانت وما تزال من ضحايا اهمال القراء.
والغريب حقا ان ينظر الأستاذ مارون إلى صفي الدين الحلي وابن
نباتة المصري نظرة الشيخ إلى تلميذيه فيقول عنهما: وإذا سألتني أيهما
أسبق، أ صفي الدين أم ابن نباتة، قلت لك كلاهما مقصر، ولكن الحلي
يسبق صاحبه بضع خطوات... والإنصاف يقتضي أن يقول إن صفي
الدين أوسع أفقا من ابن نباتة واقدر على النظم وأوسع إحاطة باللغة وأكثر
(٢٤)

لباقة في التنويع والتلوين... وفي شعر الحلي حرارة وحيوية يفتقر إليها شعر
ابن نباتة... (١)
نظرة في شعره
ثم يسترسل الراوي في الحديث عن شعره فيقول:
من طبيعة الشاعر العربي لا سيما في الماضي البعيد ان
يفخر بنسبه وعشيرته وشجاعته وبما يتحلى به من المواهب، فكانه، يريد
بذلك، ان يشعر ممدوحه انه ليس انسانا طفيليا لا هم له الا ان يعيش على
صدقات المحسنين الذين رفعتهم الاقدار إلى مستوى البذل والعطاء، وانما
هو انسان له كرامته وعزته وله من كريم محتدة بحبوحة تنعم بها روحه
ويشفى جسده...
وليس كل الشعراء سواسية في هذا الشعور وهذه المنزلة من
الاحساس الوثاب، فبعضهم طفيلي لا هم له غير أن يستجدي، وليس
صفي الدين من هؤلاء على اي حال... فقد من الله عليه بكرم المحتد
وصفاء المعدن وشجاعة القلب وعلو الهمة، إلى غير ذلك من الصفات التي
يتحلى بها كبار النفوس عادة. فكيف لا يفخر، وهو ينعم في بحبوحة من
هذه الفضائل. ومن طبيعة الشاعر ان يندفع، في صباه، في التغني بماثر
ذاته، مندفعا مع أحلامه الباسقة وأمانيه الفسيحة، وخير ما يشير إلى هذه
الحقيقة هو بائية صفي الدين التي يقول فيها:
لئن ثلمت حدي صروف النوائب * فقد أخلصت سبكي بنار التجارب
وفي الأدب الباقي الذي قد وهبنني * عزاء من الأقوال عن كل ذاهب
فكم غاية أدركتها غير جاهد * وكم رتبة قد نلتها غير طالب
وما كل وان في الطلاب بمخطئ * ولا كل ماض في الأمور بصائب
سمت بي إلى العلياء نفس أبيه * ترى أقبح الأشياء اخذ المواهب
بعزم يريني ما أمام مطالبي * وحزم يريني ما وراء العواقب
وما عابني جاري سوى ان حاجتي * أكلفها من دونه للأجانب
وان نوالي في الملمات واصل * أباعد أهل الحي قبل الأقارب
وليس حسود ينشر الفضل عائبا * ولكنه مغرى بعد المناقب
والقصيدة طويلة تقع في خمسين بيتا وكل بيت منها مثقل بهذا الفخر
الصارخ، والقصيدة هذه، انما تتحدث عن كمي لا عن صبي، الا إذا
أراد الصبي ان يتشبه بالكمي المغوار. وهي والحالة هذه تصور واقع
عنترة العبسي أكثر من تصويرها لواقع صفي الدين في صباه...
إما نونيته الشهيرة التي يقول في مطلعها:
سلي الرماح العوالي عن معالينا * واستشهدي البيض هل خاب الرجا فينا
فقد اعترف بروعتها أعداء صفي الدين وأنصاره على السواء. وما
ذكر صفي الدين، في مجال الحسنات، الا وذكرت هذه القصيدة. ولم
تحظ بهذا العز ولم تظفر بهذا الذيوع الا لأنها تصور حالة نفسية عنيقة عاشها
الشاعر، وترسم، بسطور من لهب تجربة اكتوى الحلي بنارها، فقد
أسلفت القول إن آل أبي الفضل قتلوا خال شاعرنا الحلي غدرا في المسجد
وحين اخذ قومه بثاره تنفس صفي الدين الصعداء وأطلق حمم براكينه في
فضاء الفخر والثار. وليس في هذه القصيدة فخر أجوف بالرغم من ورود
بعض المبالغات التي كان يجيزها شعراء ذلك الزمان كقوله:
إذا ادعوا جاءت الدنيا مصدقة * وان دعوا قالت الأيام آمينا
وفي هذه القصيدة، إلى جانب التشبث بالفخر والاعتزاز بالنصر،
اعتزاز بقيم أخلاقية عربية سامية كقوله:
قوم إذا استخصموا كانوا فراعنة * يوما وان حكموا كانوا موازينا
وان قوما هذا شأنهم في الحياة، انما يتدرعون، في الصفو،
بجلباب العقل والنظام والسماحة. حتى إذا استخصموا وأثيروا أبوا ان
يكونوا من العقلاء الجبناء، وآثروا كرامة العاطفة المشتعلة على تحفظات
العقل: تردعوا العقل جلبابا فان حميت نار الوغى خلتهم فيها مجانينا
قلت إن بعض أبيات هذه الخريدة تصور الخلق العربي الأصيل ومن
ذلك قوله:
انا لقوم أبت اخلاقنا شرفا * ان نبتدي بالأذى من ليس يؤذينا
وهذا البيت يصور الخلق العربي الاسلامي أروع تصوير ويميز الخلق
العربي بعد الاسلام من قبله، فقد كانت الآية معكوسة في الجاهلية عندما
كان الشاعر الجاهلي يقول:
وأحيانا على بكر أخينا * إذا ما لم نجد الا أخانا
وهذا خلق الغزو والإيذاء الذي نهت عنه الشريعة الاسلامية
الغراء. وكأني بصفي الدين، وقد اعطى قومه ما يستحقون من ثناء طيب
النشر، أحسن ببخله على نفسه بمثل هذا الثناء أو بعضه، وهو الذي لم
يكن مكتوف اليدين عندما التحم الخصمان، فجاءنا بلامية تحدث في
أغلب أبياتها عن دوره البطولي في المعركة، ومما قاله عن نفسه:
لما دعتني للنزال أقاربي * لباهم عني لسان المنصل
وأبيت من أني أعيش بعزهم * وأكون عنهم في الحروب بمعزل
وافيت في يوم أغر محجل * أغشى الهياج على أغر محجل
ثار العجاج فكنت أول صائل * وعلا الضرام فكنت أول مصطل
فغدا يقول كبيرهم وصغيرهم * لا خير فيمن قال إن لم يفعل...
والظاهر أن شاعرنا الحلي لا يكتفي بما نظم في قصيدتيه السالفتين، في
مجال الفخر والاعتزاز بدليل انه راجع قصائد الفخر والاعتزاز عند العرب
فأعجبته عينية قطري ابن الفجاءة فسمط أبياتها على النحو التالي:
ولما مدت الأعداء باعا * وراع النفس كسرهم سراعا
برزت وقد حسرت لها القناعا * أقول لها وقد طارت شعاعا
من الأبطال ويحك لا تراعي

(١) قال " البستاني " في " دائرة المعارف " - الجزء العاشر - ط دار الهلال ١٨٩٨ م ص ٧٣٤
عن صفي الدين الحلي ما إليك نصه: " كان شاعر عصره على الاطلاق، أجاد في القصائد
المطولة والمقاطيع الرشيقة وله في النظم أساليب رائعة ومعان شائقة وألفاظ مانوسة ومقاصد
كالسهام الراشقة. ذهب في البديع كل مذهب وتأنق في النظم والنثر حتى فقا من تقدمه
واتعب من تأخره مع سلامة الألفاظ وسهولة المباني ورشاقة الأسلوب. فشعره مطبوع لا
شئ فيه من التكلف فضلا عما فيه من غرائب الفنون التي تقتضي تكلفا فإنه اتى من فنون
الشعر بافانين يقصر باع غيره عن مثله ".
(٢٥)

كما ابتعت العلاء بغير سوم * وأحللت التكال بغير قوم
ردي كأس الغناء بغير لوم * فإنك لو سئلت بقاء يوم
على الاجل لك لم تطاعي
فكم أرغمت أنف الضد قسرا * وأفنيت العدى قتلا وأسرا
وأنت محيطة بالدهر خبرا * فصبرا في مجال الموت صبرا
فما نيل الخلود بمستطاع
عندما صفا العيش لصفي الدين في كنف الملك المنصور غازي
وابنه الملك الصالح، حمل شيطان الغزل إلى شاعرنا هبات كثيرة بعضها
يعد من الاعلاق، ومن تلك الهبات نونيته التي مطلعها:
قالت: كحلت الجفون بالوسن * قلت: انتظارا لطيفك الحسن
وفي هذه القصيدة الرقيقة من الحوار المستحب بين الحبيبين ما يحببها
إلى النفس ويرسلها إلى شغاف القلب، وهي من بعد مثقلة ببث العاشق
اللجوج واندفاعه في دنيا الصبابة، وبتحفظات المعشوقة المسرفة في الدلال
الحلو والمر:
قالت: تسليت بعد ما فرقتنا * فقلت: عن مسكني وعن سكني
قالت: تشاغلت عن محبتنا * قلت: بفرط البكاء والحزن
قالت: تناسيت، قلت: عافيتي * قلت تناءيت، قلت: عن وطني
قالت: تخليت، قلت: عن جلدي * قالت تغيرت، قلت: في بدني
فقالت: تخصصت دون صحبتنا * فقلت: بالعين فيك والغبن
قالت: أذعت الاسرار قلت لها: * صير سري هواك كالعلن
قالت: سررت الأعداء قلت لها * ذلك شئ لو شئت لم يكن
قالت: فما ذات تروم؟ قلت لها: * ساعة سعد بالوصل تسعدني
قالت: فعين الرقيب تنظرنا * قلت: فاني للعين لم ابن
أنحلتني بالصدود منك فلو * ترصدتني المنون لم ترني!
فأنت ترى ان في غزل الحلي عذوبة وطرافة، وهذا لا يعني ان غزله
بعيد، أغلبه، عن التشابيه التقليدية المألوفة الملقاة على طريق السابلة من
خمر الريق إلى قوام الغصن وبدر التم إلى غير ذلك ولكنه والحق
يقال كان يحسن، أحيانا، التصرف بهذه الاستعارات المألوفة المقننة، من
ذلك وصفه لجمال حبيبه:
يقولون لي، والبدر في الأفق مشرق * بذا أنت صب؟ قلت: بل بشقيقه
وإذا كان هذا البيت من ومضاته، فلشاعرنا في بعض قصائده الغزلية
وثبات كقوله:
لولا الهوى ما ذاب من حنينه * صب أصابته عيون عينه
متيم لا تهتدي عواده * الا بما تسمع من أنينه
والاهتداء بالأنين صورة رائعة لا تخلو من الابتكار، وما أروع
استجارته بجيرة الحي، حي الأحباب.
يا جيرة الحي أجيروا عاشقا * ما حاد عن شرع الهوى ودينه
باطنه أحسن من ظاهره * وشكه أوضح من يقينه
وبعد تسنم شاعرنا هذه الذروة الشاهقة، ينحدر في البيتين اللذين
نالا من هذه المقطوعة الرائعة حيث يقول:
لا تحسبوا ما ساح فوق خده * مدامعا تسفح من جفونه
فيترك لنا بذلك مجالا فسيحا للتأمل وتوقع الإجادة في وصف دموعه،
وإذا به يقول:
وانما ذاب جليد قلبه * فطرفه يرشح من معينه
وما أبشع تشببه قلب العاشق بالجليد... ولعله تشبث بالجليد لأنه
يذوب، وهو بحاجة إلى مادة تذوب ليشبه بها الدموع، وفاتته المواد التي
تنصهر...
ولا شك ان غزل الحلي رائع، إذا جارى الرجل سجيته ولم يبتعد
عنها. إما إذا وسوس له شيطان المحاكاة، طلعت سجيته وطفق يقلد
وينحدر. يقول عنترة العبسي:
ولقد ذكرتك والرماح نواهل * مني وبيض الهند تقطر بالدم
فيصهر صفي الدين هذا المعنى في أكثر من بوتقة ولكنه لا يضاهي
العبسي:
ولقد ذكرتك والسيوف مواطر * كالسحب من وبل النجيع وطله
فوجدت انسا عند ذكرك كاملا * في موقف يخشى الفتى من ظله
ويقول الحلي أيضا بهذا المعنى:
ولقد ذكرتك والعجاج كأنه * ظل الغني وسوء عيش المعسر
والشوس بين مجدل في جندل * منا وبين معفر في معفر
فظننت اني في صباح مشرق * بضياء وجهك أو مساء مقمر
ولصفي الدين في حلبة المجون والأدب المكشوف جدا أبيات
ومقطعات أستحي ان أذكر بعضها.
وعلى اي حال فان الرجل عندما ناهزت سنه الخمسين عزف عن
الملذات وحج بيت الله الحرام ومدح الرسول الأعظم ص بثلاث قصائد
وأربع أبيات سكب فيها من ذوب قلبه وعصير روحه الشئ الكثير، وهو
يرجو فيها الشفاعة ويلتمس الغفران واطفاء نيران الذنوب. وحسبنا ان
نلقي نظرة على إحداها ولتكن الهائية. ولا يهمنا فخر صفي الدين بنفسه في
هذه القصيدة فقد قرأنا من فخره بنفسه فيما سبق الشئ الكثير، والذي
يهمنا هنا ان نلتمس طريقته في مدح الرسول الأعظم ولنبدأ من مشهد الناقة
التي كانت تحمل الشاعر إلى بيت الله الحرام وقبر الرسول ص:
ترض الحصى شوقا لمن سبح الحصى * لديه وحيا بالسلام بشيرها
إلى خير مبعوث إلى خير أمة * إلى خير معبود دعاها بشيرها
ثم يصف الشاعر المؤمن دعوة محمد ص إلى الايمان وكيف اخمد نار
المجوس بالتوحيد وكيف زلزل عرش كسرى:
ومن أخمدت مع وضعه نار فارس * وزلزل منها عرشها وسريرها
(٢٦)

وينطلق الشاعر في تمجيد الرسول الأعظم والتغني بمآثره فيبدع أيما
ابداع حيث يقول:
محمد خير المرسلين بأسرها * وأولها في الفضل، وهو أخيرها
أ يا آية الله التي قد تبلجت * على خلقه اخفى الضلال ظهورها
عليك سلام الله يا خير مرسل * إلى أمة لولاه دام غرورها
عليك سلام الله يا خير شافع * إذا النار ضم الكافرين حصيرها
عليك سلام الله يا من تشرفت * به الإنس طرا واستتم سرورها
عليك سلام الله يا من تعبدت * له الجن، وانقادت إليه أمورها
تشرفت الاقدام لما تتابعت * إليك خطاها واستمر مريرها
وفاخرت الأفواه نور عيونها بتربك لما قبلته ثغورها
فضائل رامتها الرؤوس فقصرت * أ لم تر للتقصير جزت شعورها
ولو وفت الوفاد قدرك حقه * لكان على الاحداث منها مسيرها
مؤلفاته
١ الاغلاطي وهو معجم للاغلاط اللغوية التي يقع فيها الكتاب
والأدباء ٢ وصف الصيد بالبندق ٣ العاطل الحالي ٤ الأوزان
المستحدثة ٥ رسالة الدار والغار ٦ ديوان صفوة الشعراء وخلاصة
البلغاء ٧ الدر النفيس في أجناس التجنيس.
هذا عدا مجامعه الشعرية وهي ديوانه ودرر البحور والبديعية.
: عبد العزيز بن محمد بن الحسن بن أبي نصر الحسيني السريجي الأوالي نسبة
إلى جزيرة اوال. في البحرين.
توفي في البصرة في حدود سنة ٧٥٠ كان فاضلا أديبا شاعرا رأيت
له جملة قصائد في مدح أمير المؤمنين ع منها قوله (١)
ان لم أفض في المغاني ماء اجفاني * فما أفظ إذا قلبي واجفاني
وكيف لا يهمل الدمع الهتون فتى * امسى أسير صبابات واحزان
يا ربة السجف هلا كنت قاضية * دينا وأقلعت عن مطل وليان
لو كنت في عصر بلقيس لما خلبت * بلقيس قلب ابن داود سليمان
يا قلب كم بالحسان البيض تجعلني * مستهترا والنهي عن ذاك ينهاني
ولي بود أمير النحل حيدرة * شغل عن اللهو والاطراب ألهاني
هات الحديث سميري عن مناقبه * ودع حديث ربا نجد ونعمان
مردي الكماة وفكاك العتاة وهطال * الهبات وامن الخائف الجاني
بنى بصارمه الاسلام إذا هدم * الأصنام أكرم به من هادم باني
سائل به يوم أحد والقليب وفي * بدر وخيبر يا من فيه يلحاني
ويوم صفين والالباب طائشة * وفي حنين إذ التف الفريقان
ويوم عمرو بمن ود حين جلله * عضبا به قربت آجال اقران
وفي الغدير وقد أبدى النبي له * مناقبا أرغمت ذا المغضب الشانئ
إذ قال من كنت مولاه فأنت له * مولى به الله يهدي كل حيران
أنزلت مني كما هارون انزل من * موسى ولم يك بعدي مرسل ثان
القاضي عبد العزيز بن أبي كامل الطرابلسي
هو تلميذ القاضي عبد العزيز بن البراج الطرابلسي ولي القضاء بعد
أستاذه المذكور له كتاب الاشراف، ولكن عن نظام الأقوال نسبته إلى
الأستاذ وكانه توهم نشأ من اشتراك الاسم.
عز الدين أبو الفضل عبد العزيز بن جمعة بن زيد بن عزيز القواس الموصلي
نزيل بغداد بالمستنصرية.
من السادات الفضلاء والزهاد العباد روى لنا عنه ولده شيخنا نصير
الدين أبو جعفر محمد بن عز الدين وقال قرأ والدي على الشيخ صدقة بن
المسيب ديوان المجد المقري وعلى المعروف بابن عز المخلاة والفقه على
الفقيه نجيب الدين محمد بن نما الحلي ونجيب الدين يحيى بن سعيد الهذلي
وله أشعار وذكر لي ان مولد والده سنة ٦٥٧ وتوفي ليلة السبت العشرين من
شهر ذي الحجة سنة ٦٦٣ ودفن بمشهد الإمام علي ع. (٢)
أبو الحارث عبد العزيز بن الحارث الجعفي
كان مع أمير المؤمنين علي ع يوم صفين فابلى بلاء حسنا
حتى قال أمير المؤمنين ع شعرا يمدحه به وحتى قال عنه انه أعظم الناس
في يوم من أيام صفين، روى نصر بن مزاحم في كتاب صفين: ان خيل
أهل الشام حملت على خيل أهل العراق فاقتطعوا من أصحاب علي ع
ألف رجل أو أكثر فأحاطوا بهم وحالوا بينهم وبين أصحابهم فنادى علي أ لا
رجل يشري نفسه لله ويبيع دنياه بآخرته فاتاه رجل من جعف يقال له عبد
العزيز بن الحارث على فرس أدهم كأنه غراب مقنع في الحديد لا يرى منه
الا عيناه فقال يا أمير المؤمنين مرني بامرك فوالله ما تأمرني بشئ الا صنعته
فقال علي ع:
سمحت بأمر لا يطاق حفيظة * وصدقا واخوان الحفاظ قليل
جزاك اله الناس خيرا فقد وفت * يداك بفضل ما هناك جزيل
أبا الحارث شد الله ركنك احمل على أهل الشام حتى تأتي أصحابك
فتقول لهم أمير المؤمنين يقرأ عليكم السلام ويقول لكم هللوا وكبروا من
ناحيتكم ونهلل ونكبر من ناحيتنا واحملوا من جانبكم ونحمل نحن من
جانبنا على أهل الشام فضرب الجعفي فرسه حتى إذا قام على السنابك حمل
على أهل الشام المحيطين بأصحاب علي فطاعنهم ساعة وقاتلهم فانفرجوا له
حتى اتى أصحابه فلما رأوه استبشروا به وفرحوا وقالوا ما فعل أمير المؤمنين
قال: صالح، يقرئكم السلام ويقول لكم هللوا وكبروا واحملوا حملة رجل
من جانبكم ونهلل نحن من جانبنا ونكبر ونحمل من خلفكم ففعلوا فانفرج
أهل الشام عنهم فخرجوا وما أصيب منهم رجل واحد ولقد قتل من فرسان
أهل الشام يومئذ زهاء سبعمائة رجل وقال علي من أعظم الناس غناء؟
قالوا أنت يا أمير المؤمنين قال كلا ولكنه الجعفي.
الميرزا عبد العظيم خان الكركاني
عصره قريب من هذا العصر. له تاريخ الشعراء وله فرائد الأدب
مطبوعان معا.
السيد عبد العظيم ابن السيد عباس
كان من أجلة تلاميذ الشيخ البهائي ويروي عنه السيد هاشم بن
سليمان البحراني المعروف بالعلامة اجازة بالمشهد المقدس الرضوي كما

(١) الطليعة.
(٢) معجم الآداب.
(٢٧)

نص عليه في اخر كتاب تفسيره المرسوم بالهادي ومصباح النادي وقال في
وصفه السيد الفاضل التقي والسند الزكي.
السيد صدر الدين أبو القاسم عبد العظيم بن عبد الله بن أحمد بن محمد
الجعفري القزويني
من علماء المائة الخامسة من أولاد جعفر بن أبي طالب ولهذا لقب
بالجعفري كذا قاله القزويني في كتاب ضيافة الاخوان في تاريخ علماء الشيعة
بقزوين وفي فهرست منتجب الدين فاضل ثقة فقيه. (١)
السيد عبد علي الطباطبائي الحائري
معاصر لشريف العلماء ولصاحب الفصول وشريف العلماء توفي سنة
١٢٤٦. له تتميم أمل الآمل ذكر فيه الذين ذكرهم صاحب جامع الرواة
من المعاصرين لصاحب الأمل والقريبين من عصره وهو الذي قيل فيه ان له
مصنفا في أحوال العلماء كتبه تعليقة على أمل الآمل فهو في أحوال علماء
مخصوصين جمعهم من كلام غيره ورأى صاحب نجوم السماء له تقريظا على
كتاب اكمال منتهى المقال. الشيخ عبد علي بن رحمة الله الحويزي
امام في العربية والعروض شاعر من تلامذة البهائي له ١ كتاب في
الحكمة ٢ كتاب كلام الملوك ملوك الكلام في الأدب ٣ حاشية على
تفسير البيضاوي ٤ شرح شواهد المطول ٥ كتب في النحو والحكمة
والعروض والرمل والموسيقي ٦ عدة دواوين بالعربية والفارسية والتركية
٧ البرق اللامع في ترجمة الجامع وهو ترجمة الجامع العباسي بالعربية ومن
شعره قوله:
شهودي على اني لاذن العلا قرط * لباس التقى والعلم والشعر والخط
فان قبلت مني الشهادة أثبتت * مرادي والا فالصوارم والخط
حويت ملاك المجد من قبل ان يرى * لمسك عذاري في صفا عارضي خط
ولم يقض لي الدهر الخئون مطالبي * وها قد بدا للشيب في لمتى وخط
الا أ تشكي من زماني وقد غدا * سلاحا به يسطو على الأجدل البط
وتفترس الضأن احتقارا أسوده * ويقصر عما يدرك الجعفر الشط
وتخضع شمس الأفق منه لدى السهى * ويسجد لليل النهار وينحط
تخالف حكم الفضل والنقص عنده * فهذا به قبض وهذا له بسط
وليس لأهل النظم فيه محرك * فلا ماجد يعطي ولا شادن يعطو
إلى الله أشكو جور دهري وجيرة * نأوا بالجفا عني ولم يناهم شحط
تباين ما بيني وبين أحبتي * كان لم يكن وصل لدينا ولا ربط
نصيبهم مني وفوا لي أو جفوا * رضا ونصيبي منهم ابدا سخط
ولو صوبوا انظارهم لي وحاولوا * خطا وصوابا لم يصيبوا ولم يخطوا
وله:
قام يجلوها وفي الأجفان غمض * والندامى نوم بعض وبعض
والضيا يرمي به الفجر الدجى * ولخيل الصبح في الظلماء ركض
فكان الليل غيم مقلع * لمعان الكاس في جنبيه ومض
برياض نسمت فيها الصبا * ولها في زهرها بسط وقبض
ضرج الورد بها وجنته * والأقاحي ضاحك والآس غض
وكان النرجس الغض بها * أعين العين وما فيهن غمض
وكان البان قد مائس * كل غصن منه عرق فيه نبض
وكان الأرض مما أنبتت * زهرها جو السما والجو ارض
مجلس طل دم الكاس به * وله في طله طول وعرض
بأبي الظبي الذي اجفانه * تحسب البيض صحاحا وهي مرض
كيف ترجو البيض تحوي رسمها * ولها في خدها رد ونقض
ما وفت دبني منها ولها * في فؤادي ابدا نشر وقرض
يا نديما قد غدا معتزلي * ليس لي عن سنة العشاق رفض
ان يكن قد شيب دمعي بدمي * حمرة فالورد بالاحشاء محض
مستقر نهك العظم به * بعد ان ذاب به لحم ونحض
وبقلبي عقرب الصدع له * كلما هب الهوى رمش وعض
وله:
بدا شيب المحب فبأن لما * غدا وجبينه في الخد لاحا
فهذا صبحه امسى مساء * وذاك مساؤه اضحى صباحا
وله:
دع الدنيا ولا تركن إليها * فزخرفها سيذهب عن قليل
وان ضحكت بوجهك فهو منا * كضحك السيف في وجه القتيل
ومن شعره قوله:
لمن العيس عشيا تترامى * تركتها شقق البين سهاما
وترامت خضعا أعناقها * كلما هز لها البرق حساما
شفها جذب براها للحمى * وهي تثني لربى نجد زماما
وتلقيها نسيما حاملا * من ربى وجرة أنفاس الخزامي
ما على من حملت لو وقفوا * ساعة نشرح وجدا وغراما
يا بني عذرة هل من آخذ * بدمي المسفوك من حل الخياما
قمرا لو لم ير البدر دجى * ما هوى البدر كمالا وتماما
ومن شعره قوله:
وحوراء العيون إذا تجلت * لجيش الهم آذن بالشتات
إذا التفتت أفادتني نشاطا * وذلك وجه حسن الالتفات
وله:
وفتاة قد أقبلت تتهادى * بين حور كواعب كالشموس
قلت للهندسي لما تبدت * مثل هذا يكون شكل العروس
وله:
يا بني احمد يا أهل الهدى * يا مداليل الكتاب المنزل
أوضح الله بكم برهانه * فبدا غامضه وهو جلي
قد سبقتم في المدى كل الملا * وبرزتم في الرعيل الأول
أنتم سفن نجاتي في غد * حيثما يطلب منا عملي
فتية الكهف نجا كلبهم * كيف لا ينجو بكم عبد علي
وله مضمنا:

(١) الرياض.
(٢٨)

فديتك أيها الرامي بقوس * ولحظ يا ضني جسدي عليه
لترسك نحو حاجبك انجذاب * وشبه الشئ منجذب إليه
ومن شعره في صفة راقص:
وراقص كقضيب البان قامته * تكاد تذهب روحي في تنقله
لا تستقر له في رقصه قدم * كأنما نار قلبي تحت أرجله
الشيخ عبد علي بن ناصر بن رحمة
ذكره في السلافة وأثنى عليه بالعلم والفضل والأدب قال من مؤلفاته
المعول في شرح شواهد المطول. قطر الغمام في شرح كلام الملوك ملوك
الكلام. ديوان شعر بالعربية. أشعار بالفارسية والتركية انتهى وهو غير
الشيخ عبد علي بن رحمة الحويزي السابق وان كانا متعاصرين والمترجم كان
يسكن البصرة قرأ على جماعة من علماء العجم والعرب منهم المولى حسن
علي بن المولى عبد الله التستري المعروف وكان المترجم آية في الذكاء والفطنة
والكمال وله يد طولى في الإنشاء والعلوم العربية وله شرح على مغني اللبيب
تعرض فيه لشرح شواهد حسن الفوائد.
الشيخ عبد علي بن محمد بن عز الدين العاملي
في تكملة أمل الآمل تخرج على السيد محمد صاحب المدارك في جبع
وعندي المجلد الثالث من نهاية المرام في شرح مختصر شرائع الاسلام للسيد
محمد صاحب المدارك بخط الشيخ عبد علي المذكور كتبه على نسخة الأصل
وقرأه على المصنف وكتب عليه السيد: بلغ سماعا وقراءة أيده الله وفرع من
استكتابه في سنة فراع السيد من تصنيفه وهي سنة ١٠٠٧ غير أن فراع
المصنف ضحى نهار الخميس ١٩ رجب والفراع من الكتابة يوم الجمعة ٢٠
رجب المذكور لأنه كان يكتب كل كراس يخرج من المصنف فلما تم
التصنيف تم التبييض.
الشيخ عبد علي بن جمعة العروسي الحويزي ساكن شيراز
وفي آخر كتابه نور الثقلين في تفسير القرآن الذي رأينا منه نسخة في
قم المباركة عبر عن نفسه بالحويزي مولدا العروسي نسبا.
في اللآلي الثمينة والدراري الرزينة كان عالما فاضلا فقيها محدثا ثقة
ورعا شاعرا أديبا جامعا للعلوم والفنون له كتاب نور الثقلين في تفسير القرآن
أربع مجلدات اه. وفي رياض العلماء الشيخ الجليل عبد علي بن جمعة
العروسي منتمى الحويزي مولدا نزيل شيراز الفاضل العالم المحدث
المعروف. وفي أمل الآمل كان عالما فاضلا فقيها محدثا ثقة ورعا شاعرا أديبا
جامعا للعلوم الفنون معاصرا له كتاب في تفسير القرآن أربع مجلدات
أحسن فيه وأجاد حيث نقل فيه أحاديث النبي ص والأئمة ع في
تفسير الآيات من أكثر كتب الحديث رأيته بخطه واستكتبته منه وله شرح
لامية العجم وغير ذلك. واستقرب في الرياض ان يكون شرح لامية
العجم للشيخ عبد علي بن ناصر بن رحمة الله البحراني نزيل البصرة لا
للمترجم قال ومن تلاميذه السيد نعمة الله التستري المعاصر قرأ عليه في
شيراز وقال في إحدى رسائله: وكنت حاضرا في المسجد الجامع في شيراز وكان
أستاذه المجتهد الشيخ جعفر البحراني والشيخ المحدث صاحب جوامع
الكلم قدس الله روحيهما يتناظران في هذه المسألة في جواز اخذ الاحكام من
القرآن فانجر الكلام بينهما حتى قال له الفاضل المجتهد ما تقول في معنى قل
هو الله أحد فهل تحتاج في فهم معناها إلى الحديث فقال نعم لأنا لا نعرف
معنى الأحدية ولا الفرق بين الاحد والواحد ونحو ذلك انتهى ولعل
مراده بشيخه المحدث هو الشيخ عبد علي هذا ثم لعل لفظة صاحب جوامع
الكلم من باب المدح لا ان جوامع الكلم اسم كتاب (١).
السيد عبد علي المعروف بأبي تراب بن أبي القاسم الموسوي الخوانساري
النجفي
ولد سنة ١٢٧١ في خوانسار وتوفي في النجف ٩ جمادى الثانية سنة
١٣٤٦ من تلاميذ السيد حسين الكوهكمري المعروف بالسيد حسين الترك
والشيخ محمد حسين الكاظمي النجفي والمولى لطف الله المازندراني والشيخ
محمد باقر ابن الشيخ محمد تقي الأصفهاني وغيرهم من مشاهير العلماء
يروي عنه اجازة السيد أبو القاسم الموسوي الرياضي وتاريخ الإجازة
١٣٤٠ ويروي عنه اجازة أيضا الشيخ عبد الله ابن المولى حبيب الله
اللنگرودي وتاريخها ١٣٢٩.
وجده السيد محمد مهدي هو صاحب الرسالة المسماة بعديمة النظير في
أحوال أبي بصير المطبوعة في جامع الفقه وجده السيد حسين بن أبي القاسم
هو شيخ اجازة بحر العلوم وصاحب القوانين وأبوه القاسم بن الحسين هو
صاحب المنظومة الخالية من الألف في المواعظ المطبوعة في ضمن مباني
الأصول. كان محققا مدققا فقيها أصوليا له اليد الطولى في علم الرجال
واسع الاطلاع فيه جدا توفي أبوه وعمره تسع سنين وكان قد أحضر له قبل
وفاته معلما مخصوصا علمه النحو والصرف ثم رباه بعد وفاة أبيه ابن عمته
السيد محمد علي الخوانساري وقرأ عليه في العربية ومهمات الأصول وبعضا
من الفقه وقابل معه في علم الحديث واستجاز منه فاجازه عن شيخه ملا
حسين علي عن الشيخ محمد تقي الأصفهاني صاحب حاشية المعالم عن
الشيخ جعفر صاحب كشف الغطاء وبقي يقرأ عليه إلى أن توفي السيد محمد
علي سنة ١٢٨٦ أول سني الغلاء والقحط العظيم التي كانت كسني يوسف
أو أعظم فاكل الناس أخيرا بعضهم بعضا ومات ما لا يحصيه الا الله من
الخلق وأشد الأمكنة بلدة خوانسار وسكانها وهم زهاء ثلاثين ألفا مات
ثلثهم تقريبا بالجوع وتفرق الباقون في البلاد فلم يبق الا نحو ألف نفس إلى أن
ارتفعت تلك البلية سنة ١٢٨٨ فبقي المترجم في خوانسار إلى سنة
١٢٩١ ثم هاجر إلى أصفهان فقرأ على الشيخ محمد باقر ابن الشيخ محمد
تقي صاحب حاشية المعالم سنتين واستجاز منه ومن سائر علماء أصفهان ثم
عاد إلى بلده بطريقه إلى النجف فبقي في بلده سنتين لمنع حكومة إيران
السفر وفي سنة ١٢٩٥ هاجر منها إلى النجف الأشرف وقرأ على علمائهما
مثل السيد حسين التبريزي الكوهكمري فحضر عنده نحو خمس سنين وكان
من مقرري درسه وقرأ أيضا على الشيخ عبد العلي الأصفهاني النجفي وعلى
الشيخ محمد حسين الكاظمي ويروي عنه بالإجازة وكان خصيصا به قائلا
بتفضيله على كثير من علماء عصره ويدعو إلى تقليده والرجوع إليه وقرأ أيضا
على ابن عمه الميرزا محمد ابن السيد محمد صادق ابن السيد محمد مهدي
صاحب رسالة أحوال أبي بصير وبعد وفاة الكوهكمري استقل بالتدريس
وكان موثوقا به مقبولا عند الناس مقلدا يصلي إماما في الصحن الشريف في
جهة الشمال الشرقي رأيناه في النجف ولما أوكل توزيع الأموال الهندية إلى

(١) رياض العلماء.
(٢٩)

جماعة من العلماء هو أحدهم بعد ما كان يوزعها السيد محمد الطباطبائي
وحده كان ذلك سببا لسقوط المترجم من أعين الناس مع أنه ليس فيه ما
يوجب القدح.
مؤلفاته
١ سبيل الرشاد في شرح نجاة العباد عشر مجلدات طبع منه
الصوم والمواريث في طهران ٢ سلامة المرصاد في حواشي نجاة العباد
طبعت في النجف ٣ حاشية على كتاب الخمس من الجواهر ٤ عقد
اللآلئ واليواقيت في تحصيل محل المحاذاة للمواقيت ٥ مناسك الحج
٦ أجوبة المسائل البحرانية الأولى اثنتا عشرة مسالة سال عنها الشيخ علي
القطيفي البحراني ٧ وأجوبة مسائل ابنه الشيخ حسين اثنتان وثلاثون
مسالة ٨ رسالة في تحقيق مصرف سهم الامام سال عنها الشيخ محمد
صالح البحراني ٩ رسالة في مصرف ما ينذر أو يوقف أو يوصى لاحد
المشاهد أو المعصومين أو أولادهم ١٠ رسالة في تحقيق مسائل من
الرضاع ١١ رسالة في مسالة في الحج ١٢ رسالة في قيد الربا في
القرض ١٣ حاشية على رسائل الشيخ مرتضى ١٤ رسالة في الأقل
والأكثر الاستقلالي والارتباطي ١٥ رسالة في أصل العدم ١٦ رسالة
في حجية الأصول المثبتة ١٧ في الفرق بين الواجب المعلق والمشروط
١٨ في تحقيق الأصل في المتعارضين في الأدلة والأصول والامارات
١٩ رسالة في المرجع بعد تساقط في المسببين عن أمر ثالث ٢٠ رسالة
في كلام الفاضل التوني في الأصل المثبت في الشبهة المتعلقة بماهيات
الأحكام الشرعية ٢١ المسائل الكاظمية سال عنها الشيخ مهدي
الجرموقي الكاظمي المتوفى سنة ١٣٣٩؟ ٢٢ الدر الفريد في شرح
التجريد ٢٣ الفوائد الرجالية قريب خمسمائة فائدة ٢٤ النجوم
الزاهرات في اثبات امامة الأئمة الهداة ٢٥ البيان في تفسير القرآن
٢٦ التنبيه فيما أخطأ السيد فيه وهي رسالة في رد مسائل أفتى بها بعض
معاصريه وهو السيد كاظم اليزدي ٢٧ كتاب السؤال والجواب في الفقه
استدلالي ٢٨ لب اللباب في تفسير احكام الكتاب ٢٩ رسالة عملية
فارسية في العبادات وكثير من المعاملات ٣٠ بغية الفحول في حكم المهر
إذا مات أحد الزوجين قبل الدخول ٣١ مصباح الصالحين في أصول
الدين ٣٢ رسالة في أحوال أبي بصير وإسحاق بن عمار ٣٣ حواشي
رجال أبي الحسان والصحاح وشرحها في مجلدين يقارب الوسائل وله تلاميذ
كثيرون وآباؤه كلهم علماء ترجمهم صاحب الروضات.
الشيخ عبد علي الخمايسي النجفي
وصفه السيد عبد الله سبط، السيد نعمة الله الجزائري في اجازته
الكبيرة بالفاضل الكامل وقال إنه يروي عنه ولده الشيخ حسين بن علي
الخمايسي ويروي هو عن العالم الورع الشيخ فخر الدين الطريحي وذكره
الشيخ احمد الجزائري في اجازته لولده محمد طاهر بن أحمد الجزائري ووصفه
بالعالم العلامة وقال إنه يروي عنه ولده الشيخ حسين ويروي هو عن الشيخ
محمد بن جابر النجفي.
من تلاميذ الشيخ فخر الدين الطريحي والشيخ محمد بن جابر المشغري
قرأ عليه شطرا من الحديث والشيخ شرف الدين والسيد حسين بن كمال
الدين الأنوري الحسيني.
ويروي عنهم اجازة ومن تلاميذ المترجم الشيخ يوسف بن عبد الحسين
الصفار وله منه اجازة تاريخها غرة ذي الحجة سنة ١٠٦٩ ذكرناها في
ترجمته.
الشيخ عبد علي بن اميد علي الرشتي الغروي
كان حيا سنة ١٢٢٦ وتوفي في النجف ودفن في بعض حجر الصحن
الشريف. عالم فاضل فقيه صالح من مصنفاته شرح كتاب الطهارة من
الشرائع شرحا مزجيا يدل على فضله توجد نسخة بخطه وعلى ظهرها
تقريض وإجازة من الشيخ جعفر صاحب كشف الغطاء ومن السيد علي
الطباطبائي صاحب الرياض وصورة ما كتبه الشيخ بعد البسملة
والتحميد: لقد أجاد وأفاد وجاء بما فوق المراد قرة العين مهجة الفؤاد من
نسبته إلي نسبة الأولاد إلى الآباء والأجداد العالم العلامة والفاضل الفهامة
والورع التقي ذو القدر الجلي عالي الجناب الشيخ عبد العلي فيا له من كتاب
جامع ومصنف لطالب العلوم نافع قد شهد لمصنفه بطول الباع ودقة الفكر
وكثرة الاطلاع فصح لي ان أجيز له ان يروي عني ما رويته من الاخبار
المروية عن النبي وآله الاطهار في الكافي والفقيه والتهذيب والاستبصار
وغيرها من الكتب المعتبرة كل الاعتبار بواسطة المشايخ الأعاظم الكبار خلفا
عن سلف عن امام بعد امام إلى النبي المختار ثم عنه عن جبرائيل عن
الملك الجبار وان يروي عني ما قررته وحررته وصنفته والفته من قواعد
أصولية ومطالب شرعية مع المحافظة على الاحتياط والاقتصار على الكتب
المصححة السليمة من الأغلاط وارجو ان لا ينساني من الدعاء لصلاح
الدارين فاني أحد الوالدين. حرره بيده الراجي عفو ربه جعفر وصورة
صكه: رق الصادق جعفر. وصورة ما كتبه السيد بعد البسملة والتحميد
والتصلية لقد أجزته أدام الله تعالى توفيقه كما اجازه أخونا علامة العلماء فريد
الدهر ووحيد العصر الشيخ جعفر حرسه الله ملتمسا منه الدعاء بالعافية
وحسن العاقبة وكتب بيمناه الداثرة رئي بيمينه كتابه في الآخرة فقير عفو الله
الغني ابن محمد علي، علي الطباطبائي تحريرا في شهر ربيع الثاني سنة
١٢٢٦. وصورة صكه لا إله إلا الله الملك الحق المبين علي بن محمد علي
الطباطبائي. ويروي الشيخ عبد علي أيضا عن بحر العلوم.
ملا عبد العلي بن محمد بن الحسين البيرجندي
توفي سنة ٩٣٤ له شرح التذكرة في الهيئة للخواجه نصير الدين
الطوسي منه نسخة مخطوطة في المكتبة الرضوية خطها في غاية الجودة في مجلد
كبير فرع من تاليفها مؤلفها في ربيع الأول سنة ٩١٣. وفي آخرها قد أمر
بكتابة هذه النسخة الشريفة الصاحب المعظم افتخار أعاظم الاشراف ذو
المناقب والمفاخر ممهد قواعد الملة الربانية مؤسس بنيان الشريعة كهف
الاسلام والمسلمين خلف اخلاف سيد المرسلين ملجأ الأماجد والأماثل ملاذ
العلماء والأفاضل المؤيد بتأييد الله العزيز القوي ميرزا أبو طالب الرضوي
أعز الله أنصار دولته وحرس عن الفتن شريف ساحته وكان الفراع من
استنساخه من نسخة مكتوبة بخط المصنف في العشر الثالث من رجب
المرجب سنة ١٠٣١ على يد أفقر الخلائق إلى رحمة الملك الغني ابن عبد
الخالق محمد يوسف الحسيني في الروضة المطهرة الرضوية ومن مؤلفات
(٣٠)

المترجم رسالة في الابعاد والاجرام وعجائب البلاد الفها للوزير حبيب الله
خان بالفارسية وله رسالة بيست باب في التقويم فارسية.
الشيخ عبد علي بن أحمد بن إبراهيم البحراني أخو يوسف صاحب الحدائق
توفي في كربلاء في رجب سنة ١١٢٧. ودفن في الرواق الشريف عالم
فاضل فقيه من آل عصفور له كتاب اخبار الشريعة في الفقه ونسب إليه
القول بوجوب الجهر بالتسبيحات في الأخيرتين.
الشيخ عبد العلي بن محمود بن زين العابدين
كان من أجلاء علمائنا المتأخرين ومن مؤلفاته تكملة الدرر في حاشية
المختصر وهو حاشية على المختصر النافع طويلة الذيل مجلدان حسنة الفوائد
ألفها باسم الكبير الجليل السيد إبراهيم وهي من أولها إلى ارخها تكميل
لحاشية الشيخ علي الكركي على ذلك الكتاب حيث لم تكن وافية ولا تامة
عثرت على نسخة منها إلى آخر الاقرار تاريخ كتابتها سنة ٩٧٦ فلا يبعد
اتحاده مع الجابلقي الآتي.
الشيخ عبد علي بن محمود الخادم الجابلقي (١) خال الشيخ محمد بن علي بن
خاتون العاملي.
في أمل الآمل كان فاضلا عالما فقيها له شرح الألفية للشهيد ألفه بأمر
سلطان حيدرآباد رأيته في خزانة الكتب الموقوفة بمشهد الرضا ع
يروي عنه الأمير محمد الباقر الداماد اه. والمراد بالشيخ محمد بن علي بن
خاتون هو تلميذ البهائي وشارح أربعينه بالفارسية كان يسكن حيدرآباد
ووالده محمود من أكابر تلاميذ الشيخ علي الكركي له شرح على المختصر
النافع.
المولى عبد الغفار بن محمد بن يحيى الجيلاني الرشتي
كان تلميذ المحقق الداماد له المحاكمات بين المولى مراد التفرشي
المتوفى سنة ١٠٥١ وبعض فضلاء عصره ولعله المحقق الداماد في
المشاجرات الواقعة بينهما في بعض المسائل الحكمية والفقهية وتحقيق الحق
فيها.
السيد المير عبد الفتاح الحسيني المراغي
قرأ على أبناء الشيخ جعفر الفقيه النجفي. له العناوين وتقرير بحث
شيخه الشيخ علي ابن الشيخ جعفر الجناجي النجفي تعليقا على الشرائع وله
تقرير بحثه وبحث أخيه الشيخ موسى في الأصول فرع منه سنة ١٢٤١ وله
تقريرات بحث الشيخ موسى على بعض كتب الفقيه من الشرائع وعلى
اللمعة وشرحها تاريخ بعضها سنة ١٢٤٣.
السيد عبد الفتاح بن العلاء الميرزا ضياء الدين محمد النواب الحسيني
المرعشي الخليفة سلطاني
كان عالما زاهدا ورعا محدثا متكلما صاحب كرامات قرأ لدى والده
وغيره من اعلام أصفهان وخرج بعد دخول الأفاغنة إلى آذربايجان ونزل
بلدة تبريز وصار من وجوه أشرافها وعلمائها وبها تزوج وأسس بيتا من
السادة المرعشية ذوو جلالة ونباهة ناضل كثيرا في مدافعة الروس عن بلاده
زمن السلطان فتح علي شاة قاجار اورده في تاريخ ثريا في أعيان تبريز وقال
اني فزت بزيارته والتبرك بأنفاسه المقدسة وله من الآثار حاشية على شرح
اللمعة وعلى تفسير البيضاوي وعلى الكتب الأربعة وكتاب كبير في النسب
ورسالة في الإمامة في جواب من سأله عنها ورسالة في ترجمة أسرته
الفاطمية. عبد القادر بن مهذب بن جعفر الأدفوي المصري
توفي سنة ٧٢٥ والأدفوي نسبة إلى أدفو بدال مهملة ساكنة وفاء
مضمومة وواو ساكنة قرية بصعيد مصر ذكره ابن عمه جعفر بن ثعلب بن
جعفر الأدفوي في كتاب الطالع السعيد في فضلاء الصعيد فقال: ابن عمي
كان ذكيا جوادا متواضعا رحل إلى قوص للاشتغال بالفقه بحفظ أكثر التنبيه ولم
ينتج فيه وكان إسماعيلي المذهب مشتغلا بكتاب الدعائم تصنيف
النعمان بن محمد متفقها فيه وكان فيلسوفا يقرأ الفلسفة ويحفظ من كتاب
زجر النفس وكتاب ابلوخيا (٢) وكتاب التفاحة المنسوب إلى أرسطو كثيرا
وذكر لي بعض الأصحاب ممن لا أتهمه بكذب انه تعسر عليه قفل باب فذكر
اسما وفتحه وانهم قصدوا حضور امرأة فهمهم بشفتيه لحظة فحضرت
فسألوها عن ذلك فقالت إنه حصل عندها قلق فلم تقدر على الإقامة وكان
مؤمنا بالنبي ص منزلا له منزلته ويعتقد وجوب أركان الاسلام غير أنه يرى أنها
تسقط عمن حصل له معرفة بربه بالأدلة التي يعتقدها ومع ذلك فقد
كان مواظبا على العبادة في الخلوة والجلوة الا انه يصوم بما يقتضيه الحساب
ويرى ان القيام بالتكاليف الشرعية يقتضي زيادة الخير وان حصلت المعرفة
وكان يفكر طويلا ويقوم ويرقص ويقول:
يا قطوع من افنى عمره في المحلول * فاته العاجل والآجل ذا المهبول
ومرض فلم أصل إليه ومات فلم أصل عليه وسار إلى ساحة القبور
وصار إلى من يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور. انتهى. قال
المؤلف يظهر ان الرجل كان اماميا اثنا عشريا لا إسماعيليا بدليل اشتغاله
بكتاب دعائم الاسلام وتفقهه فيه وهو للقاضي نعمان قاضي مصر الذي
كان مالكيا وانتقل إلى مذهب الإمامية بنص ابن خلكان ولم يكن على
مذهب الإسماعيلية وبالجملة كلام ابن عمه الذي هو خصمه حتى أنه لم
يعده في مرضه ولا صلى عليه بعد موته دال على أنه كان اماميا لقوله انه حفظ
التنبيه ولم ينتج فيه وانه كان مشتغلا بكتاب الدعائم متفقها فيه وأي شهادة
أصرح من هذه والدعائم من كتب فقه الامامية والتنبيه من كتب غيرهم،
ودال على أنه كان على جانب من الذكاء وكرم الأخلاق والعلم والفضل وانه
كان متدينا محافظا على العبادة في سره وجهره إما معرفته بالفلسفة فليست
قدحا فيه ان لم تكن مدحا واما حكاية فتح القفل واحضار المرأة التي ادعى
انه نقلها له من لا يتهمه بكذب فلا شك ان استحضار المرأة ان صح كان
فسقا والراضي به شريك في الفسق فهذا الناقل فاسق مقر على نفسه
بالفسق فلا يقبل قوله بمقتضى قوله تعالى ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا واما
فتح القفل فيجوز كونه حصل اتفاقا أو من باب الايهام فلا يبتني عليه شئ
واما حكايته عنه انه كان يرى سقوط أركان الاسلام عمن حصل له المعرفة
فيجوز ان يكون توهما من بعض كلامه الذي لا يفيدها وساعد على ذلك
سوء الظن والعداوة المتاكدة في النفس فقد شاهدنا أمثال ذلك كثيرا ويدل

(١) الجابلقي بجيم وباء فارسية ولام مفتوحة وقاف نسبة إلى جابلق بلد في إيران.
(٢) في هامش النسخة: لعله ائولوجيا الذي فسره الكندي في
الأخلاق.
(٣١)

عليه مواظبته على العبادة في الخلوة والجلوة ولو كان يعتقد سقوطها ما واظب
عليها والاعتذار لذلك بأنها تقتضي زيادة الخير وان حصلت المعرفة غير
صحيح واما ما نقله عنه من أنه كان يصوم بما يقتضيه الحساب فمراده منه
غير واضح ولعله يريد انه كان يصوم بما يقتضيه الحساب وتوليد الأهلة فان
صح فالغالب انه كان يصوم للرؤية ويفطر لها لا للثبوت عنه القضاة المعلوم
حالهم في الاثبات بشهادة غير الثقات ويعتذر بذلك والله أعلم. واما انه
كان يفكر طويلا ويفعل ما ذكره فالله اعلم بمراده ولعله من باب ما يفعله
أهل العرفان. وهذا الرجل مؤلف كتاب الطالع السعيد له في كتابه غرائب
كثيرة وقع نظرنا على بعضها صدفة منها ما ذكره في ترجمة علي بن محمد بن
جعفر الهاشمي الجعفري فإنه بعد ما وصفه بأحسن الصفات ونسب إليه
الكرامات قال إنه عمل سماع في دار رجل فحضره وكنت من الحاضرين
فحضر القوال وكان يغني بالشبابات والدفوف فطرب الشيخ وخلع ما عليه
وكذلك الحاضرون الا ما يستر العورة واعطوها للمغني اه بارك الله
بهذا الشيخ الطروب وإذا لم يكن أهل الكرامات والولاية مثله فلا كانوا
هكذا والا فلا وإذا لم يكن أهل الورع فلا كانوا مثل مؤلف الطالع
السعيد. وله في كتابه المذكور حكايات كثيرة في خوارق العادات والاخبار
بالمغيبات عمن يعتقد فيهم الولاية ولعلم كلهم كانوا مثل الهاشمي المذكور
أو من الحشاشين.
الشيخ عبد القاهر ابن الحاج عبد بن رجب بن المخلص العبادي الحويزي
كان معاصرا لصاحب الوسائل له سلوك مسالك المرام في مسلك
مسالك الأفهام وهو تعليقات على مسالك الأفهام في تفسير آيات الاحكام
للشيخ جواد بن سعد الله الكاظمي الذي صنفه سنة ١٠٤٣.
الشيخ عبد الكاظم أو محمد الكاظم بن عبد علي الجيلاني التنكابني المعاصر
للبهائي
له مناقشات كثيرة مع المحقق الداماد وله العشرة الكاملة في عشرة
علوم وكان أولا في اثني عشر علما وتسمى الاثني عشرية وانموذج العلوم
فانتزع منه علمي الفقه والحديث بكونهما على مذهب الإمامية وسماه بالعشرة
الكاملة وأهداه إلى عبد الرحيم خان الملقب بخان خانان من امراء الهند
والعلوم العشرة التفسير والكلام والأصول العربية، المنطق، الهيئة،
الإلهي، الطبيعي، الهندسة، الحساب، وقيل إنه كتب أولا العشرة
الكاملة ثم سماه بعد زيادة العلمين الاثني عشرية وأهداه إلى الشاة عباس
سنة ١١١٥.
السيد عبد الكريم محمد بن الجواد بن عبد الله بن نور الدين ابن السيد نعمة
الله الجزائري
ذكره في تحفة العالم. يروي بالإجازة عن بحر العلوم له من المؤلفات
الدرر المنثورة في الاحكام المأثورة نظير بداية الهداية للحر العاملي لكنه
مشتمل على الأحكام الخمسة والأصولين والبداية مخصوصة بالواجبات
والمحرمات وله كتاب نهاية الكفاية وكرز آتشي بفرق مرتشي وهداية الأنام
إلى احكام ما يستخرج من الأجسام كالعصير العنبي وغيره وكشف الغطاء
في حال الغناء وهشت بهشت في المزار وشرح ألفية ابن مالك مزجي ومفتاح
الجنة ومفتاح الايمان وأشعار في المواعظ والنصائح ومدايح المعصومين وغيرهم.
توفي في المشهد الغروي. ترجمه تلميذه السيد مير عبد اللطيف ابن
السيد أبو طالب ابن السيد نور الدين في تحفة العالم.
السيد نجيب النسيب النقيب غياث الدين عبد الكريم بن عبد الحميد
حسين النجفي
فاضل عالم كبير جليل وهو والد نقيب النقباء بهاء الدين علي صاحب
المؤلفات العديدة وأستاذ ابن فهد الحلي. وكان والده السيد عبد الحميد
أيضا من أكابر العلماء ويروي عنه سبطه بهاء الدين علي المذكور في كتاب
الدر النضيد في تعازي الامام الشهيد كثيرا (١).
عبد الكريم الخليل (٢)
استشهد في بيروت خلال الحرب العامة الأولى مع القافلة الأولى التي
اعدمها الحياة احمد جمال باشا.
ولد في الشياح من ضواحي بيروت من أبوين صالحين. وكان جل
شغل أبيه في عودته لا يحضر المجتمعات الا نادرا.
وقد تعلم المترجم في مدارس القرية في بيروت ثم في إسطنبول حيث
كانت مجمع شبان العرب. وقد ألف هناك هو ورفاقه المنتدى الأدبي
واختير رئيسا له، وقد كان لهذا المنتدى شأن وأي شأن في التوجيه العربي
وأرسل رسلا للشريف حسين وامام اليمن وابن سعود، وخدم القضية
العربية خدمات جلى كما أنشأ مجلة باسمه لم يطل أمر صدورها.
وفي خلال الحرب قدم إلى صيداء وبصحبته الدكتور محمد حيدر ولم
يكن قد نال شهادة الطب ووزع سرا على فريق من الوجهاء والعلماء
والشباب بطاقات الانتساب للجمعية العربية الثورية ولما نفدت البطاقات
كلف الشيخ عارف الزين صاحب مجلة العرفان ان يحلف اليمين لمن يريد
دخول الجمعية.
وقد بات ليلتين في صيداء والتقى هناك بالضابط حسن الهندي مأمور
اخذ العسكر في صيدا وهو دمشقي الأصل مخلص لعروبته فجلس معه عبد
الكريم في باب القشلة العسكرية زهاء ساعتين وجواسيس عادل رئيس
الميناء وطلعت الكردي آمر الدرك يرصدونه ويراقبونه وهذا يدل على عدم
تحرزه ولما قبض بعد ذلك على عبد الكريم عرض عليه أهل برج البراجنة
والشياح ان يستنقذوه ويهربوه بطريق البحر فلم يقبل معتقدا انه متى جاء
جمال باشا يخرجه حالا.
عندما أعلنت الحرب العالمية الأولى في تموز ١٩١٤ كان يقود الجيش
العثماني الرابع المشير زكي باشا ولما اشتدت وطأة الحرب الألمانية الروسية
طلبت حكومة برلين من تركية ان تفتح جبهات جديدة لتخفف ضغط
الجيش الروسي عن الجيش الألماني. فالقادة الأتراك لم يوافقوا على الطلب
لان جيوشهم لم تكن مستعدة استعدادا فنيا ولا ماديا لخوض غمرات
الهجوم، ولا سيما في خارج بلادهم، وكان زكي باشا قائد الجيش الرابع
في مقدمة من رفض الطلب الألماني، وصارح المسؤولين في الآستانة وبرلين
بقوله: ان فتح جبهات جديدة سيكون عديم الفائدة ويكلف تركية ألوفا

(١) الرياض.
(٢) مما استدركناه على مسودات الكتاب. (ح)
(٣٢)

عديدة من الرجال هي في حاجة إليهم في أراضيها المترامية الأطراف.
وشعر زكي باشا بان حجته لن تقبل فطلب اعفاءه من القيادة فلبت
الحكومة التركية طلبه وعينت وزير البحرية احمد جال باشا خلفا له وزودته
بصلاحيات واسعة لم تعط لأي قائد في الحرب المذكورة.
وقال جمال باشا في مذكراته:...
وإذ كنت شخصيا موافقا في المبدأ على استعمال اللغة العربية
ومنح العرب بعض امتيازات في الشؤون الإدارية أرسلت في طلب عبد
الكريم الخليل زعيم الحركة الثورية العربية الذي ورد ذكره في الفصل
الأول من هذه المذكرات فغمرته بالبشاشة والاحسان. واجتمعت بواسطته
ببعض زعماء الثورة. وبسطت لهم خطة الحكومة واكدت لهم ان تحرير
العالم الاسلامي من النير الأجنبي ممكن تحقيقه لو عقد النصر بألويتنا فامنوا
جميعا بلا استثناء على أقوالي واقسموا بالله جهد ايمانهم وبشرفهم ان يظل
عرب سوريا وفلسطين موالين للحكومة ما دامت الحرب وان لا يقيموا
العراقيل في طريقها وان ينفذوا أقوالهم هذه بالفعل.
ثم قال في مكان آخر:...
ثم ركنت إلى حزب الاصلاح ووضعت ثقة كبرى في رجاله بل
انني لم أتردد في الذهاب لرؤية مظاهرة وطنية بالقرب من رأس بعلبك وهي
محطة منعزلة مع انني لم أكن مصطحبا الا حارسي الخاص وخلوصي بك
والي سوريا، وقد رأيت من الضروري الاشتراك في ذاك الاحتفال لأظهر
مقدار ما أودعته من الثقة في عبد الكريم الخليل منظم تلك الحفلة.
ثم قال في مكان آخر:...
ولم يقع بعد عودتي من القناة الأولى ما يزعزع ثقتي
بالاصلاحيين. وكانت خطتي معهم خطة الصراحة حتى انني طلبت إلى
عبد الكريم الخليل والدكتور عبد الرحمن شهبندر ان يزورا الجنود التركية
العربية العائدة من القناة ليشهدا بنفسهما حسن حالتهم المعنوية... إلى أن
يقول:
وفي مارس سنة ١٩١٥ قرأت في الصحف المصرية حملات عنيفة من
اللجنة اللامركزية على الحكومة العثمانية فلم أجد مبررا ما لتلك
الحملات. فسالت ذات يوم عبد الكريم الخليل إذا كان يعرف السر في
ولاء الاصلاحيين في سوريا وبيروت في حين ان رفيق العظم وغيره من
الذين يدعون انهم زعماء يختلقون على تركيا الاختلاقات السافلة كذا
فحاول مع شئ من الاضطراب ان يرد على سؤالي ولكنه لم يمكنه ذلك لان
سؤالي كان مفحما.
ثم زارني بعد بضعة أيام وقال لي انه مستعد للذهاب إلى مصر إذا
رغبت في ذلك ليشرح لزعماء اللجنة اللامركزية السياسية التي اتبعها في
سوريا واكد لي انه سيواصل السعي لحملهم على تغيير خطتهم...
إلى أن يقول: ولذا رابني اقتراح الذهاب إلى مصر فان إيطاليا كانت
قد أعلنت وقت ذاك الحرب علينا فانقطعت بذلك آخر صلة بين الشاطئ
السوري وبين العالم الخارجي. ولم أخف عليه ارتيابي من اقتراحه فسألته
كيف تستطيع الوصول إلى مصر؟ فأجابني قائلا ساجد وسيلة للوصول إلى
هناك. فلما أجابني بهذا قوي شكي إلى درجة اليقين ولكني لم أتظاهر
بشئ. انتهى.
وقد شاع عن عبد الكريم الخليل انه كان من جماعة
اللا مركزيين. وهذا خطا سببه ان جمال باشا زعم هذا الزعم الكاذب
ليبرر جريمته فصدقته الناس... ان عبد الكريم لم ينتسب إلى حزب
اللامركزية، ولم تنشأ بينهما علاقة عملية الا بعد انعقاد المؤتمر العربي الأول
في باريس ١٨ ٢٣ حزيران ١٩١٣ إذ سافر من استنبول مع مدحت
شكري السكرتير العام لحزب الاتحاد والترقي المسيطر على السلطنة يومها،
سافرا إلى باريس للتوفيق بين جماعة المؤتمر ومعظمهم من اللا مركزيين،
والمؤتمر انعقد برعاية حزبهم، وبين الحكومة المركزية.
وقد وفق الخليل إلى اقناع المؤتمرين بوضع الشروط المعروفة للتقريب
بين العنصرين الرئيسيين بتعيين الأكفياء من العرب في المناصب في السلطنة
وهي تنحصر مبدئيا في الإدارية العالية وتدريس اللغة العربية في الولايات
العربية الخ...
و كان جزاء اخلاصه في تلك الأزمة العنيفة التي كانت تهدد السلطنة
العثمانية بالشر المستطير، ان رفاقه شباب العرب في الآستانة حملوا عليه في
أنديتهم اقسى الحملات وحاكموه... وبعد بضعة عشر شهرا جره الغادر
السفاح إلى الشنق!
وقال عجاج نويهض وهو يتحدث عن عبد الستار السندروسي:
الناحية الثانية من هذا البحث تتناول اخبار السندروسي عن عبد
الكريم الخليل. وهنا لا بد لي من القول إن ما قيدته من هذه الأخبار يبلغ
صفحات عديدة فلا سبيل لي والمجال ضيق هنا، إلى أن أضع هذا كله
امام القارئ. ولكني أحب ان أقول إن اخبار الحركة العربية في الآستانة
والحواضر العربية وحتى أواخر ١٩١٤، تقوم على المحاور التالية:
١ محور الآستانة أو المنتدى الأدبي ودعامته عبد الكريم الخليل
وصحبه. وهذه الحركة بلغت ذروتها سنة ١٩١٣ والكلام على هذا
المحور كأنه على عبد الكريم. وكان عماد الحركة في الآستانة الطلاب
العرب في مختلف المعاهد وعددهم يزيد على الألف، والموظفون من مدنيين
وعسكريين، وأهل التجارة والوجاهة المقيمون على ضفاف البوسفور.
وبعد ان يتحدث نويهض عن حزب اللامركزية والجمعية
الاصلاحية وجمعية العربية الفتاة والمهجر الأمريكي ينتقل إلى الحديث عن
عبد الكريم فيقول:
ادعى وصف لعبد الكريم، هو هذا الذي سمعته من السندروسي
ودونته عن لسانه:
كان مربوع القامة، حنطي اللون، شارباه قصيرين، ومن عادته
من حيث يشعر أو لا يشعر ان تلاعب يده شاربيه، ولا سيما عندما يتكلم،
وقد ينتف بعض الشعرات!
(٣٣)

عريض الجبهة، ووجهه مائل إلى الاستطالة. قوي البنية. يلبس
الطربوش، وطربوشه دائما من النوع الطويل يضيق في أعلاه. غير متقن
اللباس ولا يبالي. هيئة التفكير بادية عليه دائما. إذا تكلم كان كلامه
بطيئا.
لهجته مثقفة، لا هي بيروتية ولا شامية، وتحمل اثر اللغة المهذبة،
يصغي إلى محدثه بكل عناية، إذا أدركه انفعال نفساني علاء صوته وأسرع
نطقه هادئ وبارز الاتزان، ولكنه يغضب بسرعة إذا رأى أن شعوره قد
مس. ثم لا يلبث ان يعود إلى الرضي والسكينة له قوة كبيرة في احتمال
الخصوم، وقوة أوسع وأكبر في تاليف القلوب.
طريقته في الاستمالة والاستجلاب مبنية على معنى بيت من الشعر
لابن العربي كان عبد الكريم يتمثل به:
أدر ذكر قول الحق في أذن سامع * ودعه فنور الحق يعلو ويسطع
وكانت له قوة فراسة عجيبة في وجوه الرجال قلما تخيب. إذا اكتشف
نقيصة في شخص كان قد امنه واستوثق منه، فإنه لا ينقلب عدوا له
سافرا، ولا عدوا يظهر المودة ويبطن ما هو ضدها، بل يظل حسن
المسايرة لذلك الشخص.
ليس للمال عنده قيمة الا لقضاء الحاجات. كان جيبه كيسا مفتوحا
لكل يد، حتى لخصومه ومناوئيه.
يكره ان يسمع العربي يستعمل في حديثه عبارات أجنبية ولو كانت
دائرة على السنة محبي الثقافة الأجنبية. من استغراقه في التفكير ينسى أموره
الشخصية، وهذا كان الغالب عليه لا يشبع من مطالعة الصحف. وكان
يكاتب المؤيد في مصر للشيخ علي يوسف ابتغاء ايصال أشياء سياسية
في الرسائل لا يمكن ارسالها بطريقة أخرى.
كان يتقن العربية والتركية ويعرف الفرنسية قليلا. كانت خطبه من
حيث المستوى الفكري والتعبيري كأجود خطب اليوم. ولكنه لم يكن ينشر
مقالات في الصحف اليومية فهو من هذه الناحية ليس كاتبا صحفيا.
من نوادر أموره انه كان مولعا بلعبة السيف والترس ومتقنا لها،
ولعله أحب هذه اللعبة في صغره لاشتمالها على
عنصر بطولة وحذق فظل يميل إليها. من الغريب في هذه
الصدد انه إذا شرع في هذه اللعبة، فلا يلبث ان تتجسم حماسته لدوران
السيف في يده، ويشتد هياجه البطولي إلى حد ان أحدا لا يقوى على
الاقتراب منه.
إلى أن قال نويهض راويا عن السندروسي:
لما فاتحني عبد الكريم بأمر الحركة السرية، كان ذلك سنة ١٩٠٨
ولكنه لم يذكر لي اسم الهيئة أو الجمعية الخفية، مع ايضاحه لي غايتها
القومية هذه غير المنتدى وانا لم أسأله ان يبين اي مزيد، ومشت
الأمور، وفهمت بعد وقت انها هي جمعية الشبيبة العربية الموجه الخفي
للحركة كلها، وما المنتدى الا قناع خارجي لها.
وقال السندروسي: وقد فهمت ان الجمعية كانت قد ألفت قبل الآن
بثلاث سنوات إما عدد الأعضاء فمن الصعب معرفته لان السؤال عن مثل
هذا كان ممنوعا. رقم السندروسي كان ٢٧ في سنة ١٩٠٨. ولا يدري
أ حقيقي هذا الرقم أم رمزي وكان رقم العضو يطبع على قطعة جلد ناعم
مما يستعمل لمسح العوينات، وهي بيضاء، وتختم بخاتم صغير لا
يحمل الا كلمتين الشبيبة العربية والرقم.
وقال حسن الخليل: ولد المترجم سنة ١٨٨٤ في الشياح وتعلم
العلوم الابتدائية أولا: في المدرسة القرآنية ثم في المكتب الاعدادي في
بيروت حيث نال شهادته الثانوية ثم ذهب إلى الآستانة ودخل في مكتب
الملكية وبالوقت نفسه سجل اسمه مع طلاب مكتب الحقوق سنة ١٩٠٥
وتخرج منهما سنة ١٩٠٩.
ثم يروي كيفية اعتقاله فيقول:
كنت انا وعبد الكريم في قهوة خريستو ويوم اعتقاله يومئذ في
بيروت قهوة الحمراء اليوم صباح يوم من أواخر شهر حزيران ١٩١٥
فجاء مفوض شرطة تركي وقال له ان مدير البوليس يرغب في مقابلتك الآن
ثم تركنا وذهب فأخذني معه إلى دائرة البوليس حيث دخلنا على المدير محيي
الدين بك الذي استقبلنا بلباقته المعروفة ثم قدم لنا القهوة والسكاير ثم
بأسلوب ناعم قال لعبد الكريم انك مطلوب للمثول امام ديوان الحرب
العرفي في عالية بأمر من جمال باشا فيجب ان تذهب فورا بحراسة
رجال البوليس فلم ينبس عبد الكريم ببنت شفة لكنه اخرج ورقة من
جيبه واحرقها بعد ان أشعل سيجارة وغمزني بطرف عينه ففهمت ان مراده
حرق أوراقه الموجودة في البيت فذهبت فورا وأحرقت جميع أوراقه الخاصة.
الشيخ عبد الكريم ابن الشيخ حسن صادق (١)
توفي في بلدة الخيام ودفن فيها سنة ١٣٨٤ عن اثنين وثمانين سنة كان
عالما فاضلا شاعرا على جانب من التقوى والورع وصفاء النفس وطيب
الأحدوثة مؤثرا العزلة وكانت دراسته الأولى في جبل عامل على الشيخ عبد
الحسين صادق ثم ذهب إلى النجف الأشرف فبقي زهاء ست عشرة سنة،
درس فيها على السيد أبو الحسن الأصفهاني والشيخ حسين النائيني
وغيرهما، ثم عاد إلى جبل عامل فأقام في بلدة الخيام حتى وفاته.
وكان والده الشيخ حسن قد ذهب إلى العراق لطلب العلم ولكنه عاد
لعوارض صحية عرضت له. وحفيده الشيخ احمد درس في النجف زهاء
عشر سنين وعاد إلى جبل عامل.
شعره
له شعر كثير منه مجموعة قصائد منها سلسلة في الإلاهيات
والمحمدية والعلوية والحسينية والزينبية. نأخذ منها ما يأتي:
القصيدة العلوية
مضى طه وقام وصي طه * مديرا من شريعته رحاها
وفوق منصة الاحكام منها * علي قد تربع واعتلاها
ففاضت ثم فاضت ثم فاضت * ركي الفضل طافحة دلاها
فلو وردته عطش الخلق طرا * لروى من منابعه ظماها
له من فوق منبره سلوني * سلوني هل بها الاه فاها

(١) مما استدركناه على مسودات الكتاب (ح).
(٣٤)

بلا وجل هنالك يعتريه * لمشكلة معقدة عراها
له الكلم المؤلف من جمان * تود الحور لو يمسي حلاها
فنهجا للبلاغة سن منه * عليه يشع منبلجا سناها
ويعقد روضها ظللا عليه * ويأرج من جوانبه شذاها
ترى البلغاء قاصدة خطاها * عليه تسير آمنة خطاها
فتصهر كل املود ندي * وتجنى منه أطيب مجتناها
امام بالإمامة قد تردى * وزر عليه خالقه رداها
وصاع له من العلياء تاجا * يواقيت الفخار له انتفاها
سما في قبة الشرق اعتلاء * تطامن في السماء له سهاها
وهل في الأرض من يحكيه ذاتا * وهل يحكي جواهرها حصاها
هو النبأ العظيم فكم لبيب * تحير في حقيقته وتاها
وهل يسمو إلى علياه سام * فيدرك شاوه قدرا وجاها
وكم رامت له الأقلام وصفا * وغامض كنهه عنه ثناها
يدق على الخواطر منه معنى * يبلد ما توقد من ذكاها
وهل سفط الجواهر غير صدر * له في طي أضلعه حواها
جواهر حكمة وكنوز فضل * كنوز الأرض تنفق في شراها
يحلق في سما العرفان فكرا * فتمنحه الطبيعة ما وراها
سل البيت الحرام من ارتقاه * على كتف النبي وقد علاها
فكان منكس الأصنام عنه * وللجبهات خاسئة رماها
ومن بالنفس جاد لنفس طه * وقال من الردى كوني فداها
وبات مكانه يرعى الأعادي * فما رهب المنون ولا اختشاها
ومن بالطهر فاطمة حباه * رسول الله وهي به حباها
فأولدها الكواكب زاهرات * تشع ويملأ الدنيا سناها
وكان أخا لأحمد يوم شدت * رجال المسلمين عرى أخاها
وخامس خمسة في بيت قدس * قد اجتمعت وجللها كساها
وكان الروح سادسهم وفيهم * لنفي الرجس آبته تلاها
وأول من أصاخ إلى نداء * له أم القرى اهتزت رباها
وجاء ملبيا للحق صوتا * شغاف القلب منه هدى ملاها
وجاء من العشيرة لا سواه * يؤازر من بدعوته ابتداها
وهل كاد العدا الا علي * لأحمد واستفاد لها رداها
وهل إلا شبا ماضيه عدى * قريشا من مطارف كبرياها
وقد شمخت أنوفا للثريا * فألصق بالثرى منها الجباها
وفي بدر ويثرب للمنايا * تقطر شيخها وهوى فتاها
وفي أحد بطلحتها صريعا * له قد فلها ولوى لواها
القصيدة الفاطمية
هي فاطم كم للمصائب صابها * جرعت وكم قد كابدت أو صابها
نثل الزمان لها كنانة نبله * ورمى وفي كل السهام أصابها
احنى أضالعها على جمر الغضا * اجرى مدامعها أمر شرابها
اعدى عليها من اراع جنابها * وجناب خير الرسل كان جنابها
هي بنت احمد من حماه حمى لها * وهي التي من هاب احمد هابها
هي بضعة الهادي ومن إغضابه * في النص منه ملازم إغضابها
هي أم أشبال ولبوة ضيغم * من جاء مجترئا وهاجم غابها
من حول بيت المقدس جاء مجمعا * حطبا ليحرق للزكية بابها
من عنوة ولج الحجاب على التي * ارخى عليها ذو الجلال حجابها
من هاج زفرتها واجرى دمعها * وابتز نحلتها وشق كتابها
من رد حجتها وأبطل ارثها * عمدا وأغلظ في الجدال خطابها
أوه لبنت محمد ما نابها * والحادثات لها أحدت نابها
هي كالصلال من الرمال تدافعت * وثابها ستتبع منسابها
ذلت عزيزة احمد من بعد أن * جاءته دعوة ربه فأجابها
وخيام ذاك العز قد عصفت بها * ريح الخطوب وزعزعت اطنابها
حتى مضت متفقدا محرابها * تلك التي كم لازمت محرابها
وتفقدت منها الدجنة غرة * كانت إذا الشهب انطمس شهابها
هي نجمة سطعت قصيرا عمرها * فحكت باسحار الدجى اترابها
وحبيبة عجلت لوصل حبيبها * والنفس تطلب دائما احبابها
لاقت رسول الله فاجتمعا على * نجوى تفت من الصخور صلابها
أبتاه بعدك هل علمت بما جرى * والبوم بعدك أكثرت تنعابها
والطائر الميمون أخفت صوته * ومضى يوم من الفلاة شعابها
وبدفتها والناس هجع نوم * في ليلة سدل الظلام نقابها
أدى وصيتها وصي محمد * والله يعلم والورى أسبابها
وعلى ثرى قبر الزكية أرخصت * عيناه دمعهما فبل ترابها
هاجت به الزفرات حرى لوبها * خضراء تلفح أحرقت اعشابها
ما ريع من خير الورى بغيابه * حتى على عجل أنيل غيابها
وبها له كان العزاء لنفسه * فمضت وجرع الحزن أصبح دأبها
وقال:
طريقي إلى رب العباد شققته * وجاهك يا دنيا بنعلي سحقته
وأعرضت عن مال يحملني العنا * وما المال الا مالكي ان ملكته
هو المسهري عينا عليه وشاغلي * عن الله في اصلاحه ان جمعته
وماء المحيا صنته وانا الذي * أراني فارقت الحيا ان أرقته
وما انا الا باب ربي بطارق * فذلك يوليني المنى ان طرقته
هنالك إذ لا حاجب دون فتحه * يحول فانى جئت طلقا وجدته
وقد عز مني جانبي غير انني * له خافض في جنب من قد صحبته
وكم رحت امشي خلف من لو تجاريا * معا فرسانا للرهان سبقته
وأعرضت عن صدر الندي تجافيا * ولو احتبى فيه بفضل ملأته
أجامل خلي أي أمر عذلته * عليه متى أبدى اعتذارا عذرته
واعلم اني لو فقدت تحملي * إساءته جهلا إلي فقدته
وان خلل في قوله جاء لم أكن * لأفهمه اني عليه انتقدته
ألاطفه في رده لصوابه * بالطف أسلوب جميل أصبته
وكم جدل لا ينثني عن جماعة * عنادا له فضل الزمام تركته
وحدت له عن دربه ولو انني * وقفت له فيها حجاي أضعته
الشيخ عبد الكريم الزين ابن الشيخ حسين المشهور بالشيخ أبو خليل ابن
الحاج سليمان ابن الشيخ علي الزين الأنصاري الخزرجي العاملي (١)
ولد سنة ١٢٨٤ وتوفي سنة ١٣٦٠ وكانت ولادته في جبع أعظم بلد
علمي في جبل عامل يوم ذاك حيث كانت فيها مدرسة الشيخ عبد الله نعمة
حافلة بطلاب العلوم الدينية وغيرها من علوم الاسلام وكان والده يومئذ
مقيما في جبع مع اخوته فنشأ في هذا المحيط العلمي ثم انتقل من جبع إلى
بنت جبيل ودخل مدرستها التي أسسها الشيخ موسى شرارة وتهافت عليها

(١) مما استدركناه على مسودات الكتاب (ح).
(٣٥)

رواد العلم من انحاء الجبل العاملي فقرأ فيها العلوم الأولية من منطق وبيان
وأصول وأدب وبعد وفاة رئيسها ومؤسسها وفتور التدريس فيها هاجر إلى النجف
وقد اشتهر هناك بذوقه السليم في اختيار المواضيع العلمية وتجنب المباحث
الجدلية المعقدة المضيعة للوقت بكثرة شبهها واحتمالاتها البعيدة، لذلك
اقبل عليه الطلاب وتتلمذ عليه جماعة قد أصبح بعضها ممن يشار إليهم
بالبنان وقد اخذ في النجف عن الآخوند ملا كاظم والشيخ عبد الله
المازندراني والشيخ محمد طه نجف والشيخ آغا رضا الهمذاني والشيخ شريعة
الأصفهاني وغيرهم، ثم عاد إلى وطنه الأساتيذ فأقام في قرية جبشيت من
جبل عامل وكان يألف العزلة مهما تمكن منها وكان كثير العبادة كثير
الصدقات وكان على قلة ثروته مضيافا يحب الضيوف ويأنس بهم. وكان
يحب الفروسية والسباق على ظهور الجياد العربية وكان عنده فرس لا تجارى
في السباق، ومن أخلاقه التي كان يتميز بها: الصراحة والجهر بالحق أضف
إلى ذلك اعتداله في زهده وتصوفه وجمعه بينهما وبين النظافة والأناقة في
اللباس والادام مع الأنس بمجالس الأدب المحتشمة وتعاطي نظم الشعر
الرقيق بأنواعه: ولقد جمع بخطه الجميل ما نظمه من أول صباه إلى أول
شيخوخته في ديوان كبير وكتب كل مؤلفاته بخطه أيضا واستنسخ عدة كتب
من تاليف غيره أيام كانت الطباعة قليلة في بلاد العرب. وهذه أهم
مؤلفاته:
١ ديوان شعر من نظمه ٢ مجموعة كبرى في مدح المرتضى
علي ٣ مجموعة أدعية النبي والأئمة ٤ مجموعة مواعظ أهل البيت
وحكمهم البالغة ٥ كتاب الرحمة في الطب والحكمة ٦ شرح لامية
العرب للشنفري ٧ رسالة في تنفيذ كتاب مباحث المجتهدين لنقولا
يعقوب غبريل ٨ رسالة في السفور والحجاب ٩ الرد على الوهابية في
تحريمهم بناء القبور ١٠ رسالة في المفوضة والجبرية ١١ رسالة في
التوحيد ١٢ رسالة في الأصول ١٣ رسالة في الفقه.
شعره
قال من قصيدة غزلية:
شيمي لحاظك ربة الحجب * لا تذهبي بدمي ولا نشبي
ودعي الهوى يعدو على كبدي * اني أنتمي ويدب في عصبي
كم ليلة بتنا وترمقنا * عين الأقاح وأعين الشهب
والليل كالفرعين منسدل * والنجم كالقرطين في وجب
في روضة ضحك النوار بها * وكبت عليها أعين السحب
وجرى النسيم على مفارقها * فتارجت بالمندل الرطب
وتهدلت أغصانها وشدت * أطيارها بالبشر والطرب
وسعى النديم بأكؤس مزجت * فكانهن سبائك الذهب
أو انها من ثغره سكبت * لكن تسمى بابنة العنب
أو ان خدك سال من خجل * من قبلة فطغى على الحبب
سحر القلوب بلحظه أ ترى * هو ساحر أو آية لنبي
فاعجب لوجنته وقد ملكت * ماء الحياة يموج في لهب
وبكفه وبثغره اجتمعا * سكران من حبب ومن ضرب
يعطيك من يده أبا لهب * ويصد عنك ببارد الشنب
وقال من قصيدة:
من لي بذاك الشنب البارد * يا حبذا المورد للوارد
من حرم النظرة مخلوسة * إلى الغزال الأغيد الشارد
ينفر عني من حذار العدا * نفاره من شبك الصائد
لوى ديوني في الهوى واجدا * ما أقبح اللي من الواجد
إلى أن يقول فيها مترفعا عن المدح:
ولست مداحا لهذا الورى * لا طارفي اليوم ولا تالدي
أبي لي العز وخوضي الردى * ان امنح المقود للقائد
ولي إباء هان من دونه * سواد هذا العالم البائد
وقال:
شممنا في ربى نجد * نسيم الشيخ والرند
وجرنا ساحة الحي * على الخطارة الجرد
ورب دياجر دهم * وريت بجوها زندي
وليس يهيجني برق * تالق من ربى نجد
يبوح بحبه علنا * واكتم دائما وجدي
مضاء زاد في خلقي * كنصل السيف في الغمد
وقدنا العيس ضامرة * تقد البيد بالوخد
ورب مفازة قفر * قطعت فجاجها وحدي
فلا ألوى على طلل * ولا اجتاز بالورد
وليس يشوقني رشا * بليل الخصر والقد
ولست مجانبا خلا * بجانبي على عمد
وحلق بي على هممي * طلاب العز والمجد
وقال:
على اللوى ببابل * رشا رمى مقاتلي
افنى هواه جلدي * ودب في مفاصلي
بات خليا من جوى * وبت في بلابلي
وقعت في حباله * وفر من حبائلي
ان عذيري في الهوى * أصبح في عواذلي
انزف دما والحشى * تغلى على المراجل
وبالمصلى من منى * فالخيف فالصلاصل
في عبرة مسفوحة * وجسم صب ناحل
وان تلاعب الصبا * بالرند والخمائل
طوى الضلوع كمدا * على الفؤاد الذابل
وسائل ما باله * يبكي بدمع سائل
ولى بجرعاء اللوى * فالشعب فالسلاسل
هاموا على غير هدى * في طلب العقائل
وقد رضوا من الحيا * بالطل دون الوابل
دع القصور جانبا * واشدد على الرواحل
موسومة مخطومة * تسيل كالجداول
والكور والاقناب * والأرماح والمناصل
ولا ترجى بالمنى * كل نفيس زائل
فرد سواه منهلا * من أعذب المناهل
ورد خفيفا للعلى * كالأسد البواسل
خل بقيت بعده * مثل الخيال الزائل
يهيجني الشوق متى * أقف على المنازل
(٣٦)

أو لاح وهنا بارق * من الغمام الهاطل
أجل فؤادي راحل * مع الخليط الراحل
اخوان صدق قعدوا * عن طلب الفضائل
من كل خود بضة * حالية وعاطل
واسبق بها عيرانة * تنقض كالأجادل
ان بيوتات العلى * بين دجى الجحافل
فلا يروعك الردى * والدهر بالغوائل
بحر الأماني واسع * ليس له من ساحل
وخض عباب الجو في * مثل الفنيق الباذل
تطبق الأرض إذا * تزحف بالقبائل
وقال:
لم يبق بعد النوى صبر ولا جلد * وكيف أصبر والاحشاء تتقد
ترحلوا وجميل الصبر يتبعهم * والقلب سار على آثارهم يخد
وخلفوني مضنى في ديارهم * مبرح الجسم لا يلوي به أحد
وأشمتوا بي حسادي وقد علموا * بان أعظم ما أبلى به الحسد
من مخبر جيرة بالشام قد نزلوا * انى أبيت على العهد الذي عهدوا
العين في عبرة والقلب في كمد * ولا مسامر الا الوجد والسهد
ارعى النجوم التي يستمطرون بها * وقد هدى الليل والنوام قد رقدوا
حي الاله ليالي التي سلفت * والشمل مجتمع والدار متحد
هم واعدوني غداة البين أوبتهم * يا ليتهم كرما منوا بما وعدوا
يا ليت دارا على الزوراء تجمعنا * أو اننا نرد الماء الذي وردوا
جد العواذل والخالون في عذلي * يا ليتهم وجدوا مثل الذي أجد
ناي الحبيب وتفنيد الرقيب هما * جرا على كبدي ما راح يتقد
إلى أن يقول في المديح:
قد ظل غيرك في تيهاء مظلمة * يطفو ويرسب لا رأي ولا رشد
وراح في حسد ذاك وفي حنق * عيظا تقطع منه القلب والكبد
لا علم يحسنه كلا ولا أدب * ولا تقى ولا حلم ولا زهد
الا لسان به زاد الأنام عمى * كالسامري أضل الناس حين هدوا
وله في مدح أمير المؤمنين علي ع من قصيدة:
وفي الفراش علي بات مضطجعا * وقلبه غير هياب ولا وجل
وفي المدينة يوم الخندق افتخرت * أخت بن ود بفعل الباسل البطل
إذ راح يرفل في درع مسردة * فقد عمرا وأفنى الشرك في رجل
كم كربة عن رسول الله فرجها * وكم دعاه لكشف الحادث الجلل
وكم جموع بيوم الردع فرقها * بالمشرفية والعسالة الذبل
من قد مرحب والأصحاب قد هزموا * ومن دحى الباب لا يلوي على رجل
سل عنه بدرا واحدا والنضير وسل * صفين والنهر واسال وقعة الجمل
وسل حنينا وقد فر الكماة بها * سوى علي فلم يحجم ولم يزل
مواقف شهدت في الدهر ان له * عزما على الدهر لم يفلل ولم يحل
كم آية نزلت في الذكر قد شهدت * بأنه خير مولى للورى وولي
وكم نبي الهدى باهى بمدحته * وهل اتى هل أتى الا بمدح علي
أحبه الله حقا والنبي وهل * يحب ربك الا طيب العمل
مناقب كلها جاء الدليل بها * مسلسلا عن أخيه خاتم الرسل
ان الأولى اجتهدوا قدما برأيهم * أنى يسوع لهم والنص فيه جلي
والحق أوضح من نار على علم * الا على سادر في الغي والخطل
تالله ان بني سفيان ما نسجوا * الا على نسجهم في الأعصر الأول
وقد تسنى لهم ملك ومقدرة * نالوا بها ثارهم من احمد وعلي
عدوا على آله بالقتل والمثل * شفوا بذلك ما في الصدر من غلل
والمسلمون بمرآة ومستمع * لا ينكرون ولا يبدون من عذل
وله ذكر انه نظمها حينما دخل الكاظمية بعد بغداد:
موسى بن جعفر كيف يخفى قبره * وقبابه بين البرية تلمع
يا قاصدا للجود دونك ربعه * فإليه أشراف الخلائق تهرع
ان الطريق إلى مناهل جوده * بحوافر الجرد العتاق مرصع
وقال من قصيدة متأثرا فيها بشعر البادية:
ولي بجرعاء اللوى * فالخيف فالصلاصل
اخوان صدق قعدوا * عن طلب الفضائل
واستسلموا للهوهم * في طلب العقائل
وقد رضوا من الحيا * بالطل دون الوابل
فلا ترجى بالمنى * كل نفيس زائل
بحر الأماني واسع * ليس له من ساحل
فرد سواه منهلا * من أعذب المناهل
وخض عباب الجو في * مثل الفنيق البازل
ورد خفيفا للعلى * كالأسد البواسل
ان بيوتات العلى * بين دجى الجحافل
والكور والأقتاب * والأرماح والمناصل
وقال متغزلا:
هل لجريح القلب من آسي * أم هل لداء الحب من واسي
ويلاه من ظبي نقا احور * شهرني في الحب في الناس
ومن رشا يختال في دله * يسلب في عينيه أنفاسي
بجرحه اللحظ إذا شامه * وقلبه كالحجر القاسي
يضحك إذ أبكي لما نابني * ودب سكر الحب في الرأس
يا ما أحيلا نغمة الكاس * ما بين أحبابي وجلاسي
يديرها ذو هيف خده * وقده كالورد والآس
ممزوجة بالشهد من ريقه * كأنها شعلة نبراس
وقال معاتبا ومعتذرا من قصيدة أرسلها من النجف إلى عمه المرحوم
الحاج علي الزين:
أبا عارف اني على السخط والرضا * تحبكم عيني ويألفكم قلبي
واني وان شطت بي الدار والنوى * ارى سلمكم سلمي وحربكم حربي
وان الذي قد كان مني طماعة * بعفوك إدلالا من الدنف الصب
وان الجياد القب تكبو على الدجا * وذا الصارم الهندي ينبو عن الضرب
ولولا حديث عنك ما جاش خاطري * ولا اضطرمت أحشاي باللوم والعتب
سمعت أقاويل الوشاة وأفكهم * ومالي حقا أي وعينيك من ذنب
أ تجعل ما بيني وبينك ثالثا * تصدقه فيما يلفق من كذب
وأنت حياة النفس بل غاية المنى * ونفسك من نفسي وقلبك من قلبي
ويحسدني تربي عليك وما دروا * بأنك تفريني وتثلم من غربي
(٣٧)

إذا كنت عونا للحواسد والعدي * فمن ذا نرجي غيرك اليوم للخطب
وله قصيدة قالها في زفاف صديقه السيد محمد رضا فضل الله
مطلعها:
ما بين رامة فاللوى فالأنعم * ظبي اطل على مقبله دمي
احوى أغن كان في وجناته * نارا توقد في غدير مفعم
إلى أن يقول:
أنت المقدم عند كل عظيمة * واليك ابكار المكارم تنتمي
لك صهوة المجد التي لا ترتقى * بالفكر نفاذا ولا بالسلم
حلقت في أفق المعالي سابقا * وكبا عدوك لليدين وللفم
أخلاق احمد والوصي المرتضى * أوتيتها طبعا بغير تعلم
عزم كمصقول الغرار وهمة * علياء تهزأ في مناط الأنجم
رأي يريك الغيب في جنباته * كالصبح يطلع في السرار الأقتم
ومواهب كالبحر عب عبابه * متدفقا أو كالغمام المرزم
قلم بكفك صامت متكلم * في مثل آيات الكتاب المحكم
كالصل أطرق راعشا ولعابه * كالشهد ممزوجا بطعم العلقم
كم خطبة غرا وموقف حكمة * لك في القلوب نوافذا كالأسهم
يعنو اللبيب لها ويمضي حاسد * في مهجة حرى وأنف مرغم
هذى الشريعة سلمتك قيادها * فارفق على ضعف بها وترحم
كم رامها المتشدقون سفاهة * خبط الغبي بها بليل مظلم
ونهضت مضطلعا بها وفلجتهم * وقطعت شقشقة الألد الاخصم
هي رحمة الله التي لا تشتري * بكتابة العلما ولا بالدرهم
كم يدعيها في البرية واحد * ما نال الا رؤية المتحلم
يقتاد أمة احمد فيضلها * ويصد عن سنن النبي الأكرم
ولرب مغمور يبيت وعلمه * كالبحر تطفح ضفتاه إلى الفم
متبتلا لله في غسق الدجى * والشوق يقدح كالزناد المضرم
يرضى ويغضب للإله وغيره * يرضى ويغضب للدنا والدرهم
إلى أن يقول: إن
جئت عيناثا بغربي الحمى * فاحبس على تلك الطول وسلم
هن الجحاجح من أرومة هاشم * من كل قرم كالهزبر اقلرم
يكفيهم فخرا إذا عقدوا الحبا * وتناضلوا حول الحطيم وزمزم
ان النجيب لهم وليس لغيرهم * مثل النجيب لمنجد أو متهم
ولما توفي رثي بمراثي جمة منها مرثاة ولده الأكبر الشيخ محمد حسين:
ما قلت في عمري قصيد رثاء * حتى فجعت بخيرة الآباء
وفقدت شخصك وهو نور هداية * لشريعة الهادي أبي الزهراء
للعلم للتقوى لجود في الورى * للزهد في الدنيا بغير رياء
هذي الجموع تنوح نوحة ثاكل * وتصعد الزفرات في الأحشاء
والحفل محتشد بنخبة عامل * ترثيك بالتمجيد والاطراء
علمت بأنك كنت فيها مفردا * من أنزه العباد والعلماء
العلم والأدب الرفيع تراثه * ومحاسن الأخلاق والآراء
والكتب ينشرها لاشرف غاية * لا للوجاهة واكتساب ثراء
والشعر يرسله جمالا أو هدى * لا للدراهم أو رضا الزعماء
والاجتهاد الحق يستطع نوره * في معضلات الحكم والإفتاء
قد نال غايته بثاقب رأيه * ونهاه لا بوساطة الوسطاء
كم معشر غروا به فتصدروا * مع جهلهم يفتون بالأهواء
أبكيك يا أبتاه أم أبكي على * نفسي الفجيعة أم على الفقراء
فقد الفقير صلاتك الكبرى كما * فقد البشاشة منك في البلواء
علمتني الصبر الجميل كأنما * كنت العليم بقسوة الارزاء
وغرست في نفسي الاباء كأنما * كنت الخبير بثورة الشحناء
ومن قصيدة للشيخ محسن شرارة:
أي الأحاديث في أقطارنا زعموا * وأي بيت علاء في المسلمين رموا
مرت على البرق فانقضت قواعده * كأنما صب في اسلاكه حمم
اودى الردى بهداها إذ قضى اجلا * عبد الكريم وألقت ظلها الظلم
ملمة ما وعى جمع رزيتها * الا تهايج فيه ماتم وجم
ثارت بها في خيالي للأولى مثل * فيها القضايا علاء فيها العلى شيم
غادرتها بفؤادي تستشب أسىء * ويستثير أعاصير بها الألم
ورحت اسبر ماضيها وحاضرنا * على المآثر فيها تستفز دم
فساورتني لماما ذكريات علاء * غاضت بتاريخنا مذ غاضت الهمم
أذكت سويداء قلبي في تذكرها * كالنار يذكي سناها القدح والفحم
كانت لنا بضواحي الريف أروقة * يطغى على الكون من آدابها ديم
مدارس بقيت ما بيننا عبرا * رسومها وعلى أمجادها حلم
ما شمت ومض المعالي في معالمها * الا وشب بصدري للسنا ضرم
آسي على عامل ان يعتريه كرى * في يقظة العصر أو يقتاده الوهم
فالعصر ميدان جد تستحث به * خطى المغاوير من أبنائها الأمم
سارت إلى الهدف المرموق ضابحة * يحدو بها العلم والأخلاق والهمم
لا تستريح إلى النعماء في دعة * ولا تقر لها في متعة قدم
تحورت في مدى عليا ثقافتها * نماذج الفكر والأسلوب والنظم
ونحن في السفر ما زلنا ندور على * فم الركي وحادينا به عجم
نسموا إلى العلم في فكر وفي قلم * يغدوهما ببيان ألثغ هرم
كل الذكاء وملت من هوامشها * طرس المتون وضلت عقدة بهم
فعج على الحي في بقياك معتصما * بالعامليين واسترشد بأيهم
فالعلم والفن والفصحى بهم رفعت * قدما موازينها والكتب كتبهم
أدرس مع البحث آباء سلفوا * واستلهم العلم فالتاريخ فيه هم
وطف بفضل كريم في مجلدة * من المآثر فيها المجد منتظم
وأوسع البحث سبحا في روائعه * ففيه عصر المعالي الغر مكتتم
يروى بيانك في تاريخه أدب * موقع اللحن نضر اللفظ منسجم
ويملأ الفكر في علم وفلسفة * ومنطق رائع في جرسه نغم
تأبى عباراته ميلا لعاطفة * هو جاء يصرع فيها العدل والكرم
لا يظفر الخب منه في مصانعة * ولا تزلزله الغوغاء والدهم
مسدد ما بدا في قوله زلل * مبرأ ما مشت في فعله تهم
مسود شخصه بين الورى علم * معظم بيته بين الورى حرم
يا آل زين عدت ابياتكم نوب * وظللتكم بسحب الرحمة العصم
ما غاب منكم بأفاق الهدى قمر * الا بدا مثله في قطرنا علم
فيكم لهذا الورى سلوى وتعزية * وبالرضا لهم رشد ومعتصم
وبالحسين وصنويه علاء هدى * يجنى به أدب ترعى به ذمم
ويوسف في محيا عامل بصر * وعارف مقول في مجده وفم
أثرتم يقظة في قطره اضطرمت * كل البقاع بما تذكيه والاكم
(٣٨)

يسابق الوبل فيه منكم كرم * ويقتضي الفضل فيه منكم شيم
لا تعدمون به علما تقى أدبا * زعامة تزهر الدنيا بها لكم
وقال بعض العامليين يرثيه:
أشفقت بعدك ان أقول فاصدقا * فأكون فيك الشاعر المتملقا
ما ذا أقول؟؟ ورب دمعة قائل * سبقت مقالته فكانت انطقا
ما ذا رأيت أبا محمد في الورى * الا النفاق مغربا ومشرقا
كم معضل عالجت فيهم حله * فصدرت عنه كما تشاء موفقا
وكشفت عن رأي لو أن عيونهم * بصرت لأشبعها بيانك رونقا
يتخبطون، وخلق روعك للنهي * قلم تكم به الفم المتشدقا
لا يبصر الموهوب روعة فنه * الا حيالك أو يخون المنطقا
اني رأيت على جبينك آية * لبس الصباح بها جبينا مشرقا
كم رضت في مرآة وجهك خاطري * ومشيت بين رياضة متانقا
وجه ينير الحق من قسماته * في كل أفق كوكبا متالقا
ولكم لبست على يديك غلالة * نبغ القريض بها فهز المشرقا
عالجت فيك جماله وجلاله * وشممت منه على يديك الزنبقا
اني لاذكر من قديمك روعة * وقف الجديد بها حيالك مطرقا
أدب تواضع في النفوس جلاله * وطوى السماء إلى الخلود محلقا
أدب كمرفض الندى روى به * فجر الصبا غصن الحياة فاورقا
ما ذا يحدث عنك رائد أمة * نشد الفضيلة في سواك فاخفقا
ومشى إلى الزهاد يطلب عفة * وقفت عليك فكان أبله أحمقا
يا قاذف الدنيا بعين جال في * انسانها صفو الحياة مرنقا
ومرددا في الناس طرفا كلما * مشت الحقيقة فيه عاد مؤرقا
أ رأيت إذ صغروك كيف كبرتهم * ورأوا مقر علاك صعب المرتقى
وتأثروك منافسين فعالجوا * دون الوصول إليك بابا مغلقا
نافست خير بنيك فيك وربما * كنت الأشد محبة وتعلقا
وولجت قلبك دونهم فوجدته * يهتز بالأخلاق روضا مونقا
وطفقت أجني من شهي ثماره * زهر الحياة مكمما ومفتقا
علمتني ان لا يهز مشاعري * من عالم الا النزاهة والتقى
زين العشائر ما رأيت عشيرة * أحرى بصدق الرد منك وأخلقا
لم يستبق قصب المكارم معشر * الا وكنتم قبل ذلك اسبقا
ان الذي غرس الاخوة بيننا * تأبى ثمار يديه ان نتفرقا
عظم المصاب فكان أجمع بيننا * ومن المصائب ما يكون مفرقا
رزء لمسنا الخلد من آلامه * زلفى وألمسنا سناها الأبلقا
الشيخ عبد الكريم مغنية ابن الشيخ محمود (١) ولد في النجف الأشرف في هجرة أبيه الأولى في سنة ١٣١١
وتوفي سنة ١٣٥٤ في جبل عامل بقرية معركة.
نشأ في جبل عامل ولما هاجر أبوه الهجرة الثانية إلى النجف الأشرف
كان معه وكان يومئذ في عنفوان شبابه فاشتغل في طلب العلم مدة مقام أبيه
حتى فرع من النحو والصرف والمنطق والمعاني والبيان وسطوح الفقه
والأصول ولما رجع أبوه إلى جبل عامل رجع معه ثم عاد إلى النجف
الأشرف ولما رجع إلى جبل عامل سنة ١٣٤٨ كان مقره في قرية
معركة.
مؤلفاته
كلها مخطوطة وهي: ١ كتاب القضاء، وهو كتاب ضخم حسن
الترتيب والتبويب واضح التعبير لا غموض فيه ولا تعقيد، ذكر فيه المسائل
المتعلقة بهذا الباب، وأكثر القواعد العامة يشرح معناها ومدركها وما يتفرع
عنها من الجزئيات ومما ذكره في قاعدة المغرور برجع على من غره:
وقد يكون التغرير في مدح من لا يستحق المدح، فيشاركه في الاثم
لو ترتب عليه ذلك كما هي الحال في كثير من الأساتذة من إفراطهم في الثناء
على تلامذتهم، ليبقوا ملازمين لهم ويكتسبوا منهم ظهورا وتجليا، فان ذلك
كثيرا ما يتولد منه تغرير التلميذ المسكين، فيبني على نفسه، ويرتب آثار
الاجتهاد المطلق، فيحكم بالاعراض والأموال والأنفس من دون ان يهتدي
في ذلك إلى سبيل، فيهلك ويهلك من حيث غيره أستاذه الغرور، ولو
ساعدت القواعد لكان اللازم الرجوع عليه بأشق الأحوال، ولكن يكفيه
انه يبوء معه بالاثم، وان ربك لبالمرصاد. ٢ رسالة في الإرث، وهي شرح لمنظومة الأعسم ٣ كتاب
أصول الفقه اللفظية والعملية ٤ رسالة في الطهارة ٥ رسالة في
العدالة ذكر فيها معنى العدالة وطرق اثباتها، ومن يشترط فيه العدالة.
وقال في آخرها ما معناه: ليس في القرآن الكريم والأحاديث الشريفة ما
يدل صراحة على عدم الاخذ بقول الفاسق في جميع الحالات، بل لا باس
بالاعتماد على قوله إذا كان هناك قرائن ترشد إلى صدقه، والمعروف من
سيرة العقلاء انهم يعملون بأقوال الفاسق إذا كان احتمال الكذب في حقه
ضعيفا.
مراثيه
مما رثي به من قصيدة للشيخ محمد تقي صادق:
لئن لم يكن للحمد معنى يفوته * فقد ما أبوه كان قطب رحى الحمد
يمائله خلقا وفضلا ورقة * وفي الفراع ما في الأصل بالعكس والطرد
فروع زكت أصلا فطابت ثمارها * وهذا الرحيق العذب من ذلك الشهد
ومن قصيدة الشيخ حسن صادق:
خلت مرابع علم فيك آهلة * فليس من منتدى فيها ولا ثمر
قد كنت مطلع شمس في مشارقها * وفي المغرب منها مطلع القمر
ومن قصيدة الشيخ عبد الله محمد علي نعمة:
وعشت فيها طهور الذيل ذا شرف * مثل الكواكب لم يلحقه نقصان
ومت والكتب والأقلام نائحة * وللمحابر دمع فيك هتان
ومن قصيدة الشيخ خليل ياسين:
لك سطر التاريخ غر مناقب * قرآنها يتلى بكل مكان
لله تغضب ان غضبت وان يكن * فعل الرضي فبشاشة الايمان
ومن قصيدة السيد امين أحمد:
ومحافل الشرع التي عقدت على * كسب التقى والعلم والتحصيل
كانت لعمري فيك خير معاهد * وأجل منزول لخير نزيل
(٣٩)

ومن قصيدة للشاعر عبد الحسين عبد الله:
كل يوم ماتم للصلاح * فمتى نكبة الغلاظ الوقاح
كاد يخلو الحمى من الأسد الغلب * ومن طلعة الوجوه الصباح
بقي الشوك نابتا وتعرت * قمة المجد من زهور الأقاحي
ومن قصيدة للشاعر موسى الزين شرارة:
رمى القدر الغشوم وقد أصابا * صحيح العلم والأدب اللبابا
وهدم من صروح الدين صرحا * وأغلق للهدى والخير بابا
رمى عبد الكريم وأي بدر * لنا في الليلة الظلماء غابا
الشيخ عبد الكريم الجزائري (١)
ولد في النجف سنة ١٢٨٩ الثاني عشر من جمادى الثانية وتوفي ودفن
فيها صفر سنة ١٣٨٢.
أسرته
وآل الجزائري قبيلة من قبائل النجف ومن أعرقها في العلم والأدب
وأقدمها في التوطين في النجف وهم فرع من بني أسد امتد إلى النجف
وتبادلت عليه بطونهم فيها.
واشتهرت هذه الأسرة بال الشيخ احمد الجزائري نسبة إلى جدهم
أحمد بن إسماعيل الجزائري المعروف في معاجم تراجم علماء الشيعة ومراجع
اجازاتها بصاحب آيات الاحكام، ولم تزل الحقب تختلف على أبناء هذه
الأسرة وهم متفقون على النبوع العلمي والأدبي ومتخصصون لدرس الفقه
الجعفري ومباديه الأصولية حتى عصر المترجم حتى كان لأسمائهم وذكر
مؤلفاتهم وماثرهم المجال الواسع في معاجم السير والتراجم.
نسبه
هو عبد الكريم بن علي بن الكاظم بن جعفر بن الحسين بن محمد بن أحمد
بن إسماعيل ابن الشيخ الكبير عبد النبي ابن الشيخ سعد النجفي
الشهير بالجزائري وينتهي نسبه كما مر إلى قبيلة بني أسد القاطنة على ضفة
الفرات الأدنى المعروفة منازلهم بالجزائر.
نشأته ودراسته
نشأ بين أسرته نشاة طيبة تعلم فيها القراءة والكتابة والإملاء ودرس
العلوم الأولية على أفاضل أسرته وغيرهم وحضر في الفقه على الشيخ محمد
طه نجف والسيد كاظم اليزدي وحضر في أصول الفقه على الشيخ ملا كاظم
الخراساني وظل يمارس ويزاول تعليم الدين الحنيف حتى برع في استنباط
فروعه من قواعده وأحاديثه واستقل بالدرس العام للفقه وأصوله يحضره
الكثير من أفاضل النجف والمهاجرين إليها. ولقد عاش ركنا من أركان
النجف الشامخة، وعلما من ارسى اعلامها الباذخة.
مؤلفاته
ظهر منها ١ تعليقة على كتاب مكاسب الشيخ مرتضى الأنصاري
٢ شرح على مباحث القطع والظن من كتاب الرسائل للأنصاري ٣
تعليقة على كتاب الرياض للسيد المجاهد وكلها مخطوطة.
ماثره
من ماثره مساهمته في دفع الاحتلال الانكليزي للعراق. بعد إن كان
العراق إحدى الجبهات الكبرى للحرب العالمية الأولى فكم أنقذ من هلكة
وحل من مشكلة وكم ناضل وكافح في مواقفه المشهودة في الجبهات الدفاعية
حول الحويزة وكوت الامارة.
ومنها انه وجماعة من رجال الدين وبعض زعماء الفرات هم الذين
بذروا في النجف الأشرف للقضية العراقية بذرتها التي أنتجت للشعب
العراقي حكمه الوطني. ومنها لما حدث الاختلاف في كربلاء بين الحكومة
التركية والاهلين في سنة ١٣٣٤ وتعقد الوضع الراهن يومذاك على حكومة
بغداد واضطرت إلى سحب موظفيها من كربلاء والتاهب لمهاجمة البلاد
واستولى الرعب على الاهلين وكان المترجم في الكاظمية قد رجع عن كوت
الامارة بعد استرجاعه من الإنكليز وحذر الحكومة من نتائج نواياها وصرف
سياستها عن اجراء الأعمال القاسية وتوجه إلى كربلاء واستقبله الأهلون
استقبالا باهرا وجمع الكلمة وأصلح بين الفريقين بعد جهود عظيمة. ولم
يتزحزح طيلة حياته عن المبدأ القويم والطريق المستقيم ولم تبدله الشدائد
التي طالما تعرض لها.
قال الشيخ محمد رضا الشبيبي متحدثا عنه:
كان من الأقطاب الذين دارت عليهم رحى الثورة العراقية الكبرى
سنة ١٩٢٠، وكان عضدا اعتضد به الثوار كما كان عونا لكبار العلماء
الذين صدرت عنهم الاحكام المعروفة في وجوب الدفاع عن حوزة البلاد
وكرامتها وتحقيق حريتها وسيادتها وحقوقها المشروعة.
لم تكن سلطات الاحتلال خلال استفحال الأزمة قبيل الثورة وبعدها
تحسب حسابا لاحد من المعنيين بالشئون العامة كما كانت تحسب حسابها
للشيخ الجزائري، فكان هو الكابوس المزعج الجاثم على صدور الحكام
السياسيين، وذلك لأسباب: منها ذكاؤه الوقاد ومنها تشبعه بروح الثورة
على الاحتلال والمحتلين، وكم حاولوا استبعاده عن المجالس والمؤتمرات بل
حاولوا ابعاده فيمن ابعد من أحرار العراق وذلك لحنكته ولتمكنه من التبليغ
والتعبير عن أماني الشعب في ذلك الحين بأساليب منطقية قوية، بل كانت
معظم رسائل الاحتجاج والمطالبة والاستنكار والكتب المشتملة على رغائب
العراقيين في الحرية والاستقلال من ترسله على الأكثر.
وقال الأستاذ أكرم زعيتر وقد زاره سنة ١٣٥٧ في النجف مع وفد
عربي لاستنهاضه بشأن قضية فلسطين بعد ان زار غيره من المجتهدين:...
ثم زرنا المجتهد عبد الكريم الجزائري المتقشف الذي فاقت حماسته للقضية
كل حماسة. وهو لطيف محبب إلى النفس، خفيف الظل، عربي النزعة،
فكان أقرب إلى قلوبنا من اي مجتهد اخر.
نعيه
نعته إلى العالم الاسلامي جمعية منتدى النشر النجفية قائلة:
تنعى جمعية منتدى النشر ببالغ اللوعة والاسى زعيما من اعلام
الأمة الاسلامية ومجاهدا من ابطال الدفاع الديني وقلعة من قلاع العراق

(١) مما استدركناه على مسودات الكتاب (ح).
(٤٠)

المنيعة... ذلك هو حجة الاسلام آية الله الشيخ عبد الكريم الجزائري
الذي كان اسمه على كل لسان وصيته ملأ كل سمع والاعجاب بمواهبه
القيادية استبد بكل عارفي فضله وجهاده.
لقد قضى عمره الشريف الذي ناهز المائة وهو شعلة ملتهبة من غيرة
اسلامية وجهاد متواصل. لم يترك فرصة منه في غير خدمة العلم والدين
والبلاد فجاهد المستعمرين والطامعين في أدق ظروف البلاد العراقية. إذ
كان في الحرب العالمية الأولى في مقدمة المجاهدين ضد الإنكليز وفي ثورة
العراق على المستعمرين من جملة الأدمغة المفكرة لقيادتها وتوجهها، وفي
جميع المناسبات التي تدعو إلى التضحية في طليعة العقول المدبرة الواعية
لمصاولة الظالمين والملحدين، وبه وبأمثاله كان النجف الأشرف دماع العراق
المفكر.
شعره
ودع نظم الشعر حين ودع شبابه الا ما تضمن موضوعا علميا أو
تعلق بكرامة النبي ص والأئمة الهداة ع، ومن نظمه قوله مؤرخا لباب
المراد باب حرم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع المصنوع عام ١٣٤٢:
قف بباب المراد باب علي * تلق للاجر فيه فتحا مبينا
هو باب الله الذي من اتاه * خائفا من خطاه عاد أمينا
واخلع النعل عنده باحترام * فهو بالفضل دونه طور سينا
قد علقنا بحب من حل فيه * ويقينا من العذاب يقينا
واطلب الاذن وانح نحو ضريح * فيه اضحى سر الاله دفينا
يا سفين النجاة لم أر الا * املي فيك للنجاة سفينا
وامام الهدى ببابك لذنا * من ذنوب ابكين منا العيونا
لك جئنا فاشفع لنا واجرنا * يوم لا مال نافع أو بنونا
فتح الله للورى بعلي * باب خير يأتونه أجمعينا
قل لقصاد بابه ادخلوه * بسلام لا زلتم آمنينا
هو باب به الرجاء ارخوه * ذاك باب المراد للزائرينا
وقال أيضا مؤرخا لباب الهادي والعسكري في سر من رأى المصنوع
عام ١٣٤٣:
لذ بباب النجاة باب الهادي * فهو باب به بلوع المراد
كم لركب الزوار فيه مناخ * قل حداهم من جانب الله حادي
هو باب الرجا إلى مرتجيه * وامام اللاجي وري الصادي
لحمي العسكري منه دخول * وضريح الامام نجل الجواد
لضريح اضحى مزارا وملجا * وأمانا لحاضر ولباد
ضم قبرين بل وبدرين يهدى * بهما الخلق في طريق الرشاد
فهما جنتي ودرعي وحرزي * وملاذي ولاهما وسنادي
وإماماي قد طويت على هذا * ضميري في مبدأي ومعادي
وبوادي ولاهما همت شوقا * لست ممن يهيم في كل واد
أهل بيت الوحي الأولى غرس الله * ولاهم وحبهم في فؤادي
فحقيق إذا لجانا ولذنا * بفنا العسكري وباب الهادي
فهو باب النجاة للخلق ارخ * وهو باب به بلوع المراد
وقال أيضا معزيا أستاذه الشيخ محمد طه نجف ومؤرخا وفاة ولده
الشيخ مهدي.
ناع نعى فاستمطر الأهدابا * وكسى الأنام من الضنا جلبابا
يا ناعي المهدي في التاريخ قل * مهديكم يا آل طه غابا
مراثيه
قال الشيخ محمد علي اليعقوبي في رثائه:
بمن فتكت يد الزمن الأثيم * مضت ببقية السلف الكريم
وراشت من قسي الحتف سهما * به اصمت حشا المجد الصميم
فتى طهرت أرومته وطابت * وطيب الفرع من طيب الأروم
الا يا ظاعنا لم يبق فينا * مدى الأيام غير جوى مقيم
جهدت بخدمة الاسلام حتى * أتيت الله في قلب سليم
ورحت ولم تدنسك الدنا يا * حميد الذكر في الزمن الذميم
بأحلام من الهضبات ارسى * واخلاق ارق من النسيم
سجية ذي آباء لم يصافح * من المستعمرين يدي ظلوم
فيا أسدا نمته إلى المزايا * بنو أسد ذوو المجد القديم
وقرما قد حوى العلياء إرثا * له من قومه الصيد القروم
مضيت على المبادئ مستقيما * ورأيك رائد النهج القويم
إذا الآراء حادث عن هداها * أشرت إلى الصراط المستقيم
فتشرق فيك داجية القضايا * شروق البدر في الليل البهيم
وكم من معرك قد خضت فيه * غمار الهول في الخطر العظيم
ففي الأهواز قمت بأداء دور * يهدد كل خوان أثيم
وأصليت العدى بنيران حرب * بها انفجرت براكين الجحيم
ويوم الكوت والأعداء وافت * على الزوراء تزحف للهجوم
يحوطك من نجوم العلم رهط * وكنت البدر ما بين النجوم
ماثر في سما العلياء شهب * ولكن للأعادي كالرجوم
أ بعدك للغرى يزان عقد * وكنت جمانة العقد النظيم
وكم حاميت حوزته دفاعا * محاماة الغيور عن الحريم
وكنت أبا له فبكاك شجوا * بكاء ابن لفقد أب رحيم
وقال الشيخ حسن الصغير:
لمع بأفقك للكرامة تزهر * ورؤى يوحي العبقرية تزخر
ترتاد أجواء الخيال طموحة * وتئوب في أفق العلى تتبختر
تستلهم القبسات من انواره * شهبا على نهر المجرة تسفر
وتطلع اللمحات حتى أنها * لتحار اي فريدة تتخير
ومارب للفخر في جنباتها * نبع بظل الأريحية مثمر
عبقت أرومته بكل كريمة * والتف وارف ظلها المتاطر
صور من الابداع تظهر برزة * فتحدث الأجيال فيها الأعصر
صور من الماضي تلوح مشعة * وتسير في ركب الخلود وتخطر
وحصافة الأفكار يسطع نورها * الق بكل خطيرة يستنور
ودماثة الأخلاق يكرع جامها * خمرا ومن لطف الطبيعة يعصر
وضح من العرفان يكشف وقده * ملك الأمور فتستبين وتظهر
آمنت اني عن مداك مقصر * ولربما أدنو إليك فاعثر
سفر من التاريخ يسطع أفقه * فجرا باشراق الفضيلة يحبر
تمضي السراة على وميض سنائه * ويسير ركب الصاعدين ويصحر
لمعت صحائفه فكانت مرتعا * خصبا وعينا ثرة تتفجر
طبعت على الاخلاص فهي كريمة * وبآية الحمد المبارك تنشر
(٤١)

وتطلع التاريخ يرقب من على * ركب الأباة الخالدين وينظر
لم يثنهم شظف الحياة عن السرى * والدرب يدمى والمسافة تكثر
باعوا الحياة رخيصة وشروا بها * حمدا بمختلف الفضائل تذكر
بوركت موفور الكرامة خالدا * تمشي القرون على هداك فتبصر
سل ثورة العشرين حين تألبت * عصب الضلال يقودها المستعمر
دخلوا البلاد وأمرهم من كيدهم * وهم البغاة الظالمون يدبر
حتى إذا لقحت وهم مخاضها * وتكشفت عنها عشار ومعصر
ألهبتها حمما وظل أوارها * يشوي الوجوه ووقده يتسعر
وثبت في سوح الدفاع مجاهدا * بين الصفوف وقائدا لا يقهر
ورفعت للزحف المقدس راية * بالنصر يخفق ظلها ويبشر
ونهضت للحق الصريح وطالما * ثار الكريم ولم يكن يستأثر
فعركت ملحمة الحياة رهيبة * والشعب خلفك زاحف ومزمجر
ورسمت للشعب المجاهد خطة * فيها تصان حقوقه وتقرر
ووفيت للوطن العزيز بموقف * حر تقدسه البلاد وتكبر
شيخ الحمى أكبرت شخصك قائدا * بجهاده تحمى الثغور وتخفر
طفح النبوع بها فكانت موردا * للخير والاصلاح منها يصدر
آمنت بالخلق الكريم رسالة * تدعو لها رسل السماء وتامر
أجللت موقفك الجسور مفاوضا * دحر العدو وحارسا يتنمر
ودحضت باطله فأنت مقدم * بالحق وهو بغيه متأخر
ألبسته للعار بردا ضافيا * وعليك من مجد الكرامة مازر
الشيخ عبد الكريم الإيرواني
في الفوائد الرضوية عالم جليل فقيه أصولي محقق مدقق من مشاهير
تلاميذ صاحب الرياض سكن قزوين وكان عيي البيان عاجزا عن الجدل
غير راغب في التدريس وكان يقول: نحن ثلاثة نفر تقدمنا في درس
صاحب الرياض انا وشريف العلماء وميرزا احمد الترك. ولم يؤلف غير
رسالة في أصل البراءة لم تتم وكان لا يصلي إماما ويقول: في بدء الامر
دعيت للامامة في مسجد ثم جئت في اليوم الثاني فوجدت المأمومين أقل
فرأيت لذلك تأثيرا في نفسي فعلمت ان الجماعة ليست قربة إلى الله فتركتها
اه يقول المؤلف: كان الأولى به ان يجاهد نفسه على الاخلاص لا ان
يترك الجماعة ويوشك ان يكون هذا من حيل الشيطان.
غياث الدين أبو المظفر عبد الكريم بن جمال الدين أحمد بن موسى بن
جعفر بن طاووس الفقيه العلامة.
كان جليل القدر نبيل الذكر حافظا لكتاب الله المجيد ولم أر في
مشايخي احفظ منه للسير والآثار والأحاديث والاخبار والحكايات والاشعار
جمع وصنف وشجر وألف وكان يشارك الناس في علومهم وكانت داره مجمع
الأئمة والاشراف وكان الأكابر والولاة والكتاب يستضيئون بأنواره وآرائه
وكتب بخزانته كتاب الدر النظيم في ذكر من تسمى بعبد الكريم وسألته
عن مولده فقال إنه ولد في شعبان سنة ٦٤٧ وتوفي في يوم السبت ٢٦ شوال
سنة ٦٩٣ وحمل إلى مشهد الإمام علي ع ودفن عند أهله. (١)
غياث الدين عبد الكريم بن عبد الحميد الحسيني النجفي
فاضل عالم جليل وهو والد نقيب النقباء بهاء الدين علي صاحب
المؤلفات العديدة وأستاذ ابن مزيد الحلي وكان والده السيد عبد الحميد من
أكابر العلماء أيضا وذكر في محله.
الشيخ عبد الكريم ابن المولى محمد جعفر اليزدي
نزيل قم ولد في قرية مهرجرد من اعمال مدينة يزد في حدود سنة ١٢٧٦ وتوفي
في قم سنة ١٣٥٥.
وكان مبدأ تحصيله في يزد وهاجر لتحصيل العلم إلى سامرا فكان تلمذه
في المتون على العلامتين الميرزا إبراهيم الشيرواني والشيخ فضل الله النوري
وفي الأبحاث الخارجة على العلامة السيد محمد الفشاركي الأصبهاني ثم
هاجر إلى النجف الأشرف وتخرج بها على صاحب الكفاية العلامة الآخوند
ملا كاظم الخراساني ثم سكن في الحائر الشريف الحسيني على صاحبه
السلام يلقي الدروس هناك على جماعة من الطلبة إلى أن استقر في نظره
أخيرا المهاجرة إلى إيران موقتا وذلك في أثناء الحرب العامة الأولى فعرج على
سلطان آباد مركز العراق العجمي فسكن بها مدة تصدى فيها للتدريس
والإفادة واجتمع عنده هناك جماعة كثيرة من الطلاب وزار في أثناء ذلك
المشهد المقدس الرضوي وسكن به مدة يسيرة ثم زار مدينة قم المباركة
فاتفقت رغبات جماعة من أهلها وغيرها على اقامته فيها فسألوه ذلك فأجابهم
وبقي هناك مشتغلا بالتدريس وسائر الأمور الدينية فتقاطر إليه الطالبون من
كل صوب وناحية وغصت المدارس بأهلها وقام بأعباء تعليمهم واعاشتهم
واتخذ في تربيته الطلبة وتعليمهم مسلكا صحيحا على اتقن نظام وأبهج
أسلوب حاز شيئا كثيرا من القبول عند العامة والخاصة فقرر ترتيب
الامتحان السنوي والاشراف على تعليم الطلبة ورجع إليه بعد وفاة المراجع
التقليدية من الطبقة الأولى كالميرزا محمد تقي الشيرازي والشيخ شريعة
الأصبهاني جماعة كثيرة في بلاد إيران ومن أكبر الأسباب والدواعي إلى ذلك
ما عمد إليه الميرزا محمد تقي المذكور من التنويه بفضله والشهادة بتأهله
لرجوع مقلديه إليه في موارد الاحتياط في فتاواه فحاز لذلك ثقة العامة من
الناس. له من المصنفات: درر الفرائد في الأصول في مجلدين طبع في
طهران وكتاب الصلاة وله تقرير عن أستاذه السيد محمد الأصفهاني.
نزلنا في داره سنة ١٣٥٣ في قم وأنابنا عنه في صلاة الجماعة في
الصحن الشريف مدة مقامنا بقم وكان في مدرسته في قم نحو ٩٠٠ طالب
يجري على أكثرهم الأرزاق وقد انحصرت الرياسة العلمية فيه في وقته في
بلاد إيران وقلد فيها وكانت الأموال تجبى إليه من أقاصيها فيضعها عند
بعض التجار ويصرفها على الطلبة بواسطة ذلك التاجر ويأخذ لنفسه معاشا
معينا منها وهذا دليل على وفور عقله. عاشرناه مدة مقامنا عنده فوجدناه
رجلا قد ملئ عقلا وكياسة وعلما وفضلا ومن وفور عقله ما مر ذكره وكان
إذا سئل عن مسالة أو جرى البحث بحضرته في مسالة لا يتكلم حتى يفكر
ويتأمل. وجاء سيل إلى قم قبيل ورودنا إليها فاتلف دورا كثيرة تقدر بثلاثة
آلاف دار فأرسل البرقيات إلى كافة جهات إيران بطلب الاعانات فجاءه من
الشاة من طهران عشرة آلاف تومان احضرها الرسول ونحن على الغداء فلم
يمسها وقال له ادفعها للتاجر الفلاني وتواردت عليه الاعانات من كافة
الجهات وانتخب لجنة تألفت من حاكم البلد وجماعة من وجهائها تجتمع كل
ليلة برئاسته للنظر في كيفية توزيعها.

(١) معجم الآداب.
(٤٢)

السيد عبد الكريم اللاهجي مدرس المدرسة الفخرية في طهران
توفي في حدود سنة ١٣٢٣
له حاشية على الفصول في الأصول وله تعليقات كثيرة على أكثر
الكتب المتداول قراءتها كالقوانين وشرح اللمعة والرياض وغيرها.
الشيخ عبد الكريم بن علي بن عبد العالي الشهير بابن مفلح العاملي الميسي
كان عالما فاضلا صالحا جليلا وعده صاحب رياض العلماء
من مشاهير الفقهاء الامامية في روضات الجنات رأيت اجازة له من والده
الشيخ إبراهيم وكان حسن الخط رأيت بخطه تفسير جمع الجوامع للطبري.
الشيخ عبد الكريم بن محمد الديباجي المعروف بسبط الجام أو الحجام
كان من مشايخ أصحابنا وهو تلميذ الشريف الرضي ومن رواة
المشايخ المحدثين كذا حكاه بعض تلامذة الشيخ علي الكركي في رسالته
المعمولة في أسامي المشايخ (١).
الشيخ عبد الكريم شرارة ابن الشيخ موسى (٢)
ولد في النجف سنة ١٢٩٧ وتوفي في بنت جبيل سنة ١٣٣٢.
وقد تركه والده في النجف عند قدومه إلى جبل عامل وعمره يومئذ
عشرة أشهر وقدم بعد وفاة والده إلى جبل عامل وعمره ١٢ سنة فدرس أولا
في مدرسة السيد علي محمود الأمين في شقرا ثم انتقل إلى مدرسة السيد
نجيب فضل الله في عيناتا ثم توجه إلى النجف سنة ١٣١٩ فلبث يدرس
على اعلامها إلى سنة ١٣٢٩ حيث عاد إلى بلاده.
فقدت كتبه وآثاره العلمية وآثار والده عندما أحرقت بنت جبيل سنة
١٩٢٠ م فاحترقت في جملة ما حرق وبقي من آثاره بعض تعليقات علمية
على قطعة من شرح والده على الشرائع تدل على بعد نظره وقوته العلمية
وبعض الصفحات من شرح له على منظومة والده في أصول الفقه. كان
مشهورا بتقواه وصلاحه كثير التواضع معروفا بالوفاء والسخاء وكان عرفانيا
وكثيرا ما كان يردد هذين البيتين:
ثقلت زجاجات اتتنا فرغا * حتى إذا امتلأت بصرف الراح
خفت وكادت ان تطير من الهوى * ان الجسوم تخف بالأرواح
ولما وصل إلى بنت جبيل طلب ان يبنى ناد حسيني ليبعد عن الجوامع
الاجتماعات غير العبادية لمنافاتها لها فبنى النادي الحسيني الموجود الآن ثم
حرق سنة ١٩٢٠ فقام بتجديده ولده الشيخ محسن ثم قام باتمام نواقصه
وتحسينه ولده الثاني الشيخ موسى. وقد ضاع شعره فلم نعثر الا على يسير
يدل على ميله العرفاني ومن شعره قوله:
سناء جبينك أعشى البصر * فما تملك العين منه النظر
تحجب عن ناظري واستتر * وعن خاطري قط لا يحجب
خفيت ولكن بسر اختفاك * ظهرت ألا ضل من لا يراك
ومذ شع بالأفق واري سناك * أضاء به الشرق والمغرب
وقوله:
هل من فتى ماجد يصاحبني * يصدقني حبه واصدقه
تخاله في الوداد يعشقني * ومن ودادي أخال اعشقه
والمرء لا بالبرود مفخره * كالعضب لا بالنضار رونقه
من لم يكن فائق الفعال فلا * يزيده رفعة تفوقه
وله أيضا:
لم تحجب عن خاطري * ان كنت عن طرفي محجب
عذب فؤادي في هوا * ك فإنما التعذيب أعذب
يا مالكي عطفا علي * فإنني الصب المعذب
واحكم علي بما تشاء * فان حكمك ليس يغلب
وبك اعتصامي من نوا * ك ومن جفاك إليك اهرب
هب ان عبدك كان أذنب * أوليس عفوك عنه أقرب
من كان تقنعه النجابة * في أبيه فليس ينجب
فإلى الفعال المرء ينسب * لا إلى من كان ينسب
إلى أن يقول:
وأطلب رضا الله العلي * فما وراء الله مطلب
إلى أن يقول مخاطبا الله تعالى:
واحكم علي بما تشاء * فان حكمك ليس يغلب
وله من قصيدة مدح فيها أستاذه السيد نجيب فضل الله قبل ذهابه
للعراق:
عاطني أكؤس المدامة صرفا * وأدرها علي شهدا مصفى
واسقنيها من ريق خود رداح * تحك ريم الفلاة جيدا وطرفا
بسنا غرة ومبسم ثغر * أقرأنني الجمال حرفا فحرفا
ومما رثي به من قصيدة للشيخ عبد الكريم الزين:
حسدوا فضلك لما علموا * انك الأفضل فيهم والأسد
حسدوه مذ تبدى كالملا * والفتى كل الفتى من قد حسد
ونقدناه فلم نلق سوى * روعة تهتك سر المنتقد
رب ذي جهل يسمى عالما * وهو لا يعرف قام أو قعد
نافج حضنيه للحكم وقد * مزق الاحكام تمزيقا بدد
وإذا نبه عن أغلاطه * قيل يا ويحك هذا مجتهد
يا أحبائي بما ألقاكم؟ * شطت الأيام والدار بعد
هل لكم بعد التنائي عودة * آه غياب المنايا لم تعد
قطع الدهر رجائي منكم * وأماني وكفي والعضدد
ما عسى ينفع قولي بعدكم * وانا بين عناء ونكد
ليت أحبابي لما رحلوا * انظروني لغد أو بعد غد
أو تلافوا كبدا مقروحة * عزها الصبر وأوهاها الكمد
ومن قصيدة السيد موسى الأمين
فدتك أبا محسن أنفس * لو أن الردى يرتضي بالفداء
تمنى الفناء وان لا ترى * نوادب في رحب ذاك الفناء
ستبكيك أعمالك الصالحات * وما شدته من جليل البناء
ومن قصيدة الشيخ علي شرارة:

(١) الرياض.
(٢) مما استدركناه على مسودات الكتاب (ح).
(٤٣)

أبا محسن تفديك نفسي وأ نفس * ترى موتها أحرى بها من حياتها
أتيت فألقيت الأنام بغمرة * من الجهل حيرى في دجى ظلماتها
فأنقذتها من غمرة الغي والعمى * سريعا وقومت إعوجاج قناتها
وكم السن أخرستها بعد نطقها * وكم أرجل قصرت من خطواتها
مضيت نفي الثوب غير مدنس * بشئ من الدنيا ولا تبعاتها
لارضيت بنزر العيش فيها قناعة * وبالغت في الاعراض عن طيباتها
ومن قصيدة الشيخ امين شرارة:
حملوا سريرك والعيون تدفقت * دمعا كوابلة الغمام المرزم
ومشوا بنعشك يخبطون سبيلهم * مشي المشرد في الطريق المبهم
رفعت أكفهم السرير وطأطأت * أعناقهم ومشوا كمشية محرم
شعثا تخال من القتام وجوههم * قد عفرت أسفا ولما تذمم
لا يهتدون إلى السبيل وانهم * لا يعلمون بأنهم في ماتم
يا حامليه وجسمه نهب الضنا * رفقا بناحل جسمه المتنعم
لا تذملن به المسير فإنه * غض الشبيبة فل غير مكهم
ومن قصيدة الشيخ محمد حسين شمس الدين:
يا صفوة الابدال ما لك في الورى * بدل ولا للرشد بعدك مظهر
اشبهت زين العابدين فكنت في * الضراء مثلك في المسرة تشكر
ما افتر عن ذكر الاله وشكره * لك مقول ابدا يسر ويجهر
مستغرقا في الحب لا متالما * لاذى ألم ولا بنفسك تشعر
السيد عبد اللطيف خان الموسوي الشوشتري من أحفاد السيد نعمة الله الجزائري
له كتاب تحفة العالم مطبوع وهو في تاريخ شوشتر وذكر ماثر سلفه
ابتدأ فيه بالسيد نعمة الله الجزائري إلى عصره لابن عمته السيد أبو القاسم
ابن السيد رضي المخاطب بمير عالم ولهذا سمي بتحفة العالم بكسر اللام.
الشيخ عبد اللطيف بن نعمة الله بن أحمد بن محمد بن علي بن خاتون العاملي
وجدنا بخطه كتابا فيه جملة من المواعظ والأخلاقيات وغيرها وقد
ذهب أوله وفي آخره ما صورته:
تمت المقدمة بعون الله وحسن توفيقه وكتبها لنفسه فقير عفو ربه
وشفاعة نبيه محمد ص العبد الصغير الحقير المسكين الراجي عفو الملك
القدير عبد اللطيف بن نعمة الله بن أحمد بن محمد بن علي بن خاتون تجاوز
الله عن سئ عملهم بفضله وجوده ورحمته وكذلك يفعل بجميع المؤمنين
وذلك بتاريخ نهار الخميس بعيد الظهر في العشر الثاني من ربيع الأول سنة
إحدى وسبعين وتسعمائة هجرية نبوية على مشرفها الصلاة والسلام والتحية
والاكرام اه وفي آخرها أيضا بخطه بلغت قبالا وتصحيحا الا ما زاع عنه
البصر وحسر عنه النظر والحمد لله وحده وذلك سنة ٩٧١.
الشيخ عبد اللطيف الصايغ الحنويهي العاملي
هو الشيخ عبد اللطيف ابن الشيخ عبد الرسول المعروف بالصايغ
المنتسب إلى الشيخ أسد الدين الجزيني شيخ الشهيد الأول وعم أبيه وأبو
زوجته كان عالما فاضلا يفضل على أخيه الشيخ أسد الله المذكور في بابه
وكان أكبر سنا من أخيه الشيخ أسد الله قرأ في جبل عامل بمدرسة جويا عند
الشيخ محمد علي خاتون ثم سافر إلى العراق في حياة أبيهما فتوفي المترجم
هناك فحزن عليه اخوه حزنا شديدا ويقال ان ذلك كان سببا في مرضه.
الشيخ عبد اللطيف الكازروني النجفي
له كتاب مرآة الأنوار ومشكاة الابصار في تفسير القرآن وقد جعل له
مقدمة طويلة في مجلد فرع منها سنة ١٢٩٥.
الشيخ عبد اللطيف ابن الشيخ علي بن أحمد أبي جامع العاملي
توفي في منتصف القرن الثاني عشر
قال الشيخ جواد محيي الدين في كتيبه: كان فاضلا عالما محققا صالحا
فقيها قرأ على الشيخ البهائي وعلى الشيخ حسن ابن الشهيد الثاني وعلى
السيد محمد بن علي بن أبي الحسن العاملي وغيرهم وأجازوه له مصنفات منها
كتاب في الرجال وكتاب جامع الأخبار في ايضاح الاستبصار وغير ذلك اه
وقال السيد محمد صادق الطباطبائي فيما كتبه إلينا والظاهر أن له حواشي
على معالم الأصول رأيت بعض أجدادنا ينقل بعض الأقوال في ذلك وينقل
عنه في المنطق وكان انتقل بعد وفاة أبيه إلى خلف آباد.
وعن رياض العلماء كان من أفاضل علمائنا المقاربين لعصرنا ومن
أجلاء تلامذة الشيخ البهائي وكان بينه وبين الشيخ علي سبط الشهيد الثاني
مسألة ونقل البخلي كذا السبزواري في رسالة صلاة الجمعة وقال السيد
علي خان ابن خلف الحويزي عند ذكره شيخي وأستاذي ومن إليه في العلوم
استنادي المحقق المدقق الشيخ عبد اللطيف بن علي بن أبي جامع العاملي.
مشائخه
في أمل الآمل قرأ عند شيخنا البهائي وعند الشيخ حسن ابن
الشهيد الثاني والسيد محمد بن علي أبي الحسن العاملي صاحب المدارك
وغيرهم وأجازوه اه ويعبر عن صاحب المعالم بمفيدنا وعن صاحب المدارك
بشيخنا ويروي عن والده نور الدين علي عن والده شهاب الدين أحمد بن
أبي جامع عن المحقق الكركي ويروي أيضا عن أستاذيه المتقدمين بطرقهما
وعن شيخه البهائي.
تلاميذه
منهم السيد علي خان بن خلف الحويزي كما مر.
مؤلفاته
في أمل الآمل له مصنفات منها كتاب الرجال لطيف وكتاب جامع الأخبار
في ايضاح الاستبصار وغير ذلك اه. وفي ملحق الأمل الظاهر أن
له حواشي على المعالم رأيت بعض أجدادنا ينقل بعض الأقوال في ذلك
وينقل عنه في المنطق أقول كتابه في الرجال رأيته مع بعض احفاده قال
في أوله: لما جمع بعض فضلاء المتأخرين ميرزا محمد صاحب الرجال
الكبير وغيره ما وصل إليهم من أقوال المتقدمين في مطلق الرواة والمصنفين
وكان غرضهم بيان كثرة العلماء المحققين ومصنفاتهم في مقابلة علماء غير
(٤٤)

الشيعة ولم يتركوا أحدا ممن اطلعوا عليه من المحدثين واقتضى ذلك تطويلا
لا فائدة فيه الآن عند الناظرين وانما الغرض تمييز المقبول من الأحاديث
عن غيره بمعرفة الثقة والممدوح من الناقلين وقد انحصرت أحاديث الأحكام الشرعية
في الكتب الأربعة من بين كتب السابقين سنح لي ان أفرد أكثر
رجالها بالذكر واترك ما لم يذكر في أسانيدها الا ما كان موثقا أو له مزية فاني
أذكره أيضا وأسنده إلى الموثق لفائدة ما واجعل الحكاية والبحث عن رجاله
المذكورين في هذه الكتب بحسب ما يستفاد منها أولا جازما به إذا تكرر ما
زاد عليه أو خالفه ما يرد عليه إن كان يزول الاشتراك أو يقل بحسب
الإمكان وحذوت حذو المؤلف في الترتيب على حروف المعجم في الأسماء
والآباء والكنى والألقاب ويصلح ان يكون مقدمة من مقدمات كتابنا جامع الأخبار
في ايضاح الاستبصار فاني عمدت فيه إلى اثبات ما طرح مشائخنا
المتأخرين صاحب المعالم والمدارك من الضعيف بل الموثق يحسب
الاصطلاح الجديد فهدموا بذلك أكثر من نصف أحاديث الكتب الأربعة
لأمر شرحناه هناك اه. وله رسالة في الرد على أستاذه صاحب المعالم في
عدم جواز تقليد الأموات مختصرة رأيتها في آخر كتاب الرجال المذكور في
ست أوراق قال في أولها: وقفت على كلام في بحث التقليد لشيخنا المحقق
العارف الرباني جمال الملة والحق والدين الحسن بن زين الملة والحق والدين
الشهيد الثاني قدس الله تربتهما الزكية فإذا هو قد ضيق على المكلفين
المسالك وأوقعهم في المهالك فأحببت ايراده مع ما يرد عليه وتحقيق الحق في
ذلك فإنه من المسائل المهمة في هذا الزمان قال قدس الله روحه فائدة مهمة
لا نجاة لمكلف من اخطار التفريط في جنب الله وورطات التعدي لحدوده
بدون الوصول إلى رتبة الاقتدار على استنباط الأحكام التكليفية واقتناصها
من أصولها ومأخذها بالقوة القدسية أو بالتقليد لمن هذا شانه مشافهة أو
بتوسط عدل فصاعدا بشرط كونه حيا والاستراحة في ذلك إلى فتاوى الموتى
كما يصنعه بعض الأغنياء الذين يبنون تدينهم وتقواهم على غير أساس وكثير
من الأشقياء يراؤون الناس بهذيان يدرك فساده بأدنى نظر وهوس باطل يربو
بطلانه كل من ابصر فان التقليد من حيث هو غير محصل لليقين والجزم وانما
يحصل منه الظن وفي مشاهدة اختلاف أقوال العلماء تنبيه على ذلك لمن هو
راقد على مهاد الغفلة فان احكام الله سبحانه لا تختلف ولا تتغير بعد انقطاع
الوحي وقد دلت الأدلة العقلية والنقلية على المنع من اتباعه على اي وجه
اتفق ومن كل جهة حصل بل هو مخصوص بمواضع ثبت لأجلها بدليل
قطعي لا ظني فان اعتماد الظن في ذلك دور صريح ومن جملة المواضع التي
ثبتت بالقطع ظن القادر على الاستنباط وظن المقلد للمجتهد الحي في قول
جمهور العلماء لم يخالف فيه الا من أوجب الاجتهاد عينا من علمائنا وحينئذ
فيحتاج اتباع الظن الحاصل من تقليد الميت إلى حجة ودليل قاطع وكيف
يتصور وجوده ولا يعرف من علمائنا الماضين قائل بذلك ولا عامل به إلى أن
قال وهذا القدر كاف في الإشارة إلى ما يجب التعريف به وتفصيل المقام
في موضع آخر قد استوفينا القول فيها بتوفيق الله وخصوصا في الكتاب
الموسوم بمشكاة القول السديد في تحقيق الاجتهاد والتقليد نسأل الله تعالى
الامداد بالتوفيق. وقال المترجم في رده أقول مدار ما اعتمده طيب الله
موقده على أن من ليس له رتبة الاجتهاد لا يجوز العمل له بشئ من الظنون
في شئ من المسائل الشرعية الا بتقليده للمجتهد الحي ولو صح ما ذكره
للزم إما تكليف ما لا يطاق أو خروج المكلف من التكليف الخ. وفي آخر
النسخة ما صورته: نقلت من نسخة تاريخها ١٩ شوال سنة ١٠٩٤.
السيد عبد الله بن أبي القاسم الموسوي البلادي البوشهري
هو من أهل عصرنا له كتاب شرح أربعين حديثا وسماه الزلال المعين
في الأحاديث الأربعين وهو يروي عن الشيخ علي أكبر الهمداني عن ميرزا
حسين النوري صاحب مستدركات الوسائل عن السيد مهدي القزويني عمه
السيد باقر القزويني ابن أخت بحر العلوم عن السيد مهدي الطباطبائي بحر
العلوم عن الشيخ يوسف البحراني عن السيد عبد الله البلادي جد المترجم
عن الشيخ احمد الجزائري النجفي عن محمد قاسم الاسترآبادي عن محمد
باقر المجلسي عن أبيه محمد تقي عن الشيخ البهائي عن أبيه الشيخ
حسين بن عبد الصمد عن الشهيد الثاني عن الشيخ علي بن عبد العالي
الميسي عن المحقق الثاني علي بن عبد العالي الكركي عن محمد بن خاتون
عن أحمد بن علي العيناثي عن جعفر بن الحسام عن السيد حسن بن
أيوب العاملي عن العلامة الحلي عن نصير الدين الطوسي عن أبيه عن السيد
فضل الراوندي عن عبد الجبار المقري الرازي الملقب بالمفيد عن الشيخ
الطوسي عن ابن الغضائري عن أبي غالب الرازي عن الكليني ويروي
أيضا عن الشيخ عبد الهادي البغدادي عن الشيخ محمد طه نجف عن
مشايخه.
عبد الله بن العباس بن الحسن بن عبيد الله بن العباس بن علي بن أبي طالب
ع
في عمدة الطالب: كان شاعرا فصيحا خطيبا له تقدم عند المأمون
وقال المأمون لما سمع بموته استوى الناس بعدك يا عباس ومشى في جنازته
وكان يسميه الشيخ ابن الشيخ اه.
ومن شعره قوله:
واني لأستحيي أخي ان أبره * قريبا وان اجفوه وهو بعيد
علي لاخواني قريب من الهوى * تبيد الليالي وهو ليس يبيد
عفيف الدين عبد الله بن الحسين الثقفي النجفي يكنى أبا ناصر
كان نقيب النجف في القرن الحادي عشر، عالم أديب شريف حسيني
نقب وساد شابا لقب بالوزير ولا يعلم من لقبه بذلك وكانت أسرته شريفة
مسلمة الرياسة في تلك الأنحاء حتى قال السيد علي خان فيه:
قوم بنوا شرف العلى * بين الخورنق والسدير
قل للمكاثر مجدهم * أين القليل من الكثير
وكان شاعرا كاتبا وبينه وبين السيد علي خان الشيرازي مكاتبات
ومجاوبات نثرا وشعرا ويلقبه الشيرازي بقوله العفيف وله فيه قصائد
طويلة وهي مثبتة في ديوانه وقد مدحه فيها كثيرا.
الشيخ عبد الله
قال في رياض العلماء فاضل عالم له دراية بعلم الرجال ولم اعرف
عصره لكن له كتاب الرجال وقد رأيت بعض الفوائد المنقولة منه والظاهر أنه
من المتأخرين ويحتمل على بعد انه للمولى عبد الله التستري المعروف.
الميرزا عبد الله
طبيب له الفريد في الطب ألفه باسم السلطان أبي المظفر محمد قلي
قطبشاه مرتبا على مقدمة و ٢١ بابا فرع منه سنة ١٠٢٨.
(٤٥)

الشيخ عبد الله بن إبراهيم المشهدي
له هدية الاخوان وله تلخ وشيرين فارسي.
عبد الله بن أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب
من شعره قوله:
ومنا على ذاك صاحب خيبر * وصاحب بدر يوم سالت كتائبه
وصي النبي المصطفى وابن عمه * فمن ذا يدانيه ومن ذا يقاربه
عبد الله بن أبي معقل بن نهيك بن يساف الأنصاري
مات في حدود السبعين كان مع علي ع بصفين وله شعر
يرثي به عمرو بن محصن الأنصاري مذكور في ترجمته، هكذا ذكر نسبه
نصر بن مزاحم في كتاب صفين وفي الإصابة عبد الله بن معقل الأنصاري
شهد أحدا مع أبيه قاله البغوي وذكره أبو الفرج الأصبهاني فقال عبد الله بن
معقل بن عتيك بن اساف بن عدي بن يزيد بن جشم بن الحارث بن
الخزرج بن النبت بن مالك بن الأوس شاعر مقل من شعراء الدولة الأموية
وهو ابن أخي عياد بن نهيك الصحابي المعروف قال ابن القداح كان عبد الله
محسودا في قومه وكان بني قصرا له في بني حارثة وكان كثير الاسفار وفد على
مصعب وغيره ومات في حدود السبعين اه. ثم إن نصرا بعد ما ذكر
لعبد الله بن أبي معقل الأبيات المذكورة في ترجمة عمرو بن محصن قال عند
ذكر قتل عبد الله بن ذي الكلاع الحميري: فقال معقل بن نهيك بن يساف
الأنصاري
يا لهف نفسي ومن يشفي حزارتها * إذ أفلت الفاسق الضليل منطلقا
وافلت الخيل عمرو وهي شاحبة * جنح الظلام يحث الركض والعنقا
وافت منية عبد الله إذ لحقت * قب البطون به أعجز بمن لحقا
وأنساب مروان في الظلماء مستترا * تحت الدجى كلما خاف الردى ارقا
أقول الظاهر وقوع بعض الأغلاط في هذه العبارات التي سمعتها
فعبد الله ابن أبي معقل صوابه عبد الله بن معقل وعتيك صوابه نهيك
واساف ويساف لعل كلا منهما جائز والأبيات المذكورة لمعقل عند قتل ابن
ذي الكلاع لعل صوابه عبد الله بن معقل والنسخ المنقول عنها لا نضمن
صحتها.
الشيخ عبد الله بن أحمد الخشاب
احتمل صاحب الرياض انه الفقيه المشهور بابن الخشاب وانما هو
ابن الخشاب نفسه له كتاب تاريخ الأئمة ينقل عنه صاحب كشف الغمة
واخباره معتبرة وهو صغير مقصور على ولادتهم ووفياتهم ومدة أعمارهم.
الميرزا عبد الله بن أحمد الزنجاني
الشيخ العالم الآقا ميرزا عبد الله بن المولى احمد الزنجاني ولد في
زنجان وتوفي في بلد الكاظمين ع أواخر سنة ١٣٢٩ ودفن في الرواق
الشريف محاذيا لباب قريش من الصحن الشريف.
كان فقيها عالما مدققا وهاجر المترجم في أوائل امره إلى العتبات بعد
ان تلقى جملة من المقدمات وشطرا من الأصول والفقه في زنجان وحضر
هناك وتلمذ على السيد الاجل العلامة الميرزا محمد حسن الشيرازي قدس
سره واختص به وتوطن في أواخر أيامه في النجف الأشرف وقصد زيارة
المشهد المقدس الرضوي سلام الله على صاحبه في سنة ١٢٣٨ وبعد عودته
من المشهد جاء إلى مسقط رأسه ووطنه مدينة زنجان فأقام بها قريبا من سنة
واشتغل ببعض المباحثات في الأصول والفقه واجتمع إليه جماعة من فضلاء
الطلبة ثم عاد إلى الأماكن المشرفة بالعراق وبعد وصوله إلى بلدة الكاظمين
بقي فيها زمانا قليلا فوافاه الاجل المحتوم وله آثار ومصنفات فمن ذلك
كتاب في الأصول سماه بالإشارات وكتاب تسهيل الوصول إلى علم
الأصول وهو تعاليق على كتاب الرسائل للشيخ المحقق الأنصاري رأيت
منه حجية القطع في مجلد وحجية الظن في مجلد
والبراءة والاستصحاب في مجلد ورسالة في حكم الشبهة المحصورة وشرح
على نجاة العباد لصاحب الجواهر ورسالة وجيزة في علم الأخلاق ورسالة
في الرد على البادري النصراني وكان له أشعار وقصائد بالعربية والفارسية
رأيت بعضا منها في مجموعة عنده.
الشيخ عبد الله ابن الشيخ احمد الدجيلي المحتد والمولد النجفي
المنشأ والسكن والمدن
كان عالما فاضلا فقيها أصوليا رجاليا وكان سبب انتقاله إلى النجف
هو ان الشيخ جعفر صاحب كشف الغطاء مر في طريقه إلى سامرا بالدجيل
فاستقبله الشيخ احمد والد المترجم وهو عالم تلك القرية فرأى من ذكاء ابنه
ما حمله على طلب ارساله معه إلى النجف لطلب العلم فأرسله معه فرباه
وزوجه ابنة أخيه الشيخ حسين ابن الشيخ خضر ولم يزل يقرأ عليه إلى أن
سافر الشيخ جعفر إلى بلاد إيران فاخذه معه وكان الشيخ كثير الاعتناء به
قائما بجميع لوازمه حتى صار من فحول العلماء خلف أولادا كلهم علماء
الشيخ احمد، والشيخ علي، والشيخ حسن.
السيد عبد الله بن إسحاق الرضوي القمي
توفي في ربيع الأول سنة ١٣٣٣ بقم ودفن بمقبرة شيخان بجنب قبر
آدم بن إدريس الأشعري.
كان عالما فقيها جليلا رئيسا ببلدة قم وله منصب الخدمة في حرم
السيدة فاطمة قرأ على الميرزا السيد محمد حسن الشيرازي والميرزا حبيب الله
الرشتي والملا محمد الإيرواني والشيخ زين العابدين المازندراني وغيرهم
ويروي عنهم بالإجازة. له من المؤلفات كتاب في منجزات المريض. كتاب
في القضاء والشهادة.
الشيخ عفيف الدين أبو محمد عبد الله بن أسعد اليافعي اليمني
توفي سنة ٧٦٨.
له الدر النظيم في خواص القرآن العظيم ذكر فيه خواص كل سورة
وخواص كل آية منها بالخصوص على ما ورد عن الامام أبي عبد الله
جعفر بن محمد الصادق ع وغيره من المعصومين وترجم بالفارسية
وطبعت الترجمة وينقل عنه المولى علي بن الحسين الكاشفي في حرز الأمان.
أبو محمد عبد الله بن أيوب الخريبي البصري
نسبة إلى الخريبة بخاء معجمة مضمومة وراء مهملة مفتوحة مثناة
تحتية ساكنة وياء موحدة، في معجم البلدان موضع بالبصرة سميت بذلك
(٤٦)

فيما ذكره الزجاجي لان المرزبان كان قد ابتنى به قصرا وخرب بعده فلما نزل
المسلمون البصرة ابتنوا عنده أبنية وسموها الخريبة وقيل بنيت البصرة إلى
جانب مدينة عتيقة من مدن الفرس خربها المثنى بشن الغارات عليها فلما
قدم العرب البصرة سموها الخريبة وفيها كانت وقعة الجمل ولذلك قال
بعضهم:
اني أدين بكما دان الوصي به * يوم الخريبة من قتل المحلينا
ووجدت في مسودة هذا الكتاب ولا اعلم الآن من أين نقلته انه نسبة
إلى الخريبة كجنينة موضع بالبصرة يسمى البصيرة الصغرى وفي انساب
السمعاني الخريبة محلة مشهورة بالبصرة اه ويوجد في بعض النسخ الجزيني
نسبة إلى جزين بجيم وزاي بوزن سكين قرية في جبل عامل وقيل اسم
لموضعين قرية كبيرة قرب أصفهان واخرى في جبل عامل وفي بعضها الجريني
بجيم وراء نسبة إلى جرين كحسين موضع بنجد وفي بعضها الحزيبي بحاء
مهملة وزاي كما قيل وكل ذلك تصحيف والصواب الخريبي بالخاء المعجمة
والراء.
وعلى احتمال انه من جزين جبل عامل وصفه في أمل الآمل بالعاملي
الجزيني ثم قال: الذي وجدناه الجزيني بالزاي وجزين قرية من جبل عامل
وفي بعض النسخ بالراء لا بالزاي فلا يعلم من تلك القرية حينئذ ثم قال
كان فاضلا شاعرا أديبا قال: وذكر أحمد بن محمد بن عياش في كتاب مقتضب
الأثر في امامة الأئمة الاثني عشر ع انه كان منقطعا إلى الرضا
ع وانه رثاه وقال يخاطب ابنه وذكر له بعض الأبيات الآتية.
أقول في مقتضب الأثر لابن عياش عن عبد الله بن محمد المسعودي عن
المغيرة بن محمد المهلبي قال أنشدني عبد الله بن أيوب الخريبي الشاعر وكان
انقطاعه إلى أبي الحسن علي بن موسى الرضا يخاطب ابنه أبا جعفر محمد بن
علي بعد وفاة أبيه الرضا ع:
يا ابن الذبيح ويا ابن أعراق الثرى * طابت أرومته وطاب عروقا
يا ابن الوصي وصي أكرم مرسل * أعني النبي الصادق المصدوقا
يا أيها الجبل المتين متى أعذ * يوما بعقوته أجده وثيقا
انا عائذ بك في القيامة لائذ * ابغي لديك من النجاة طريقا
لا يسبقني في شفاعتكم غدا * أحد فلست بحبكم مسبوقا
يا ابن الثمانية الأئمة غربوا * وأبا الثلاثة شرقوا تشريقا
ان المشارق والمغارب أنتم * جاء الكتاب بذلكم تصديقا
وذكره ابن شهرآشوب في معالم العلماء في شعراء أهل البيت ع
فقال: أبو محمد عبد الله بن أيوب الخريبي كان انقطاعه إلى الرضا
ع.
عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي
شهد مع علي ع الجمل وصفين وقتل بصفين.
روى نصر بن مزاحم في كتاب صفين انه لما عزم أمير المؤمنين ع
على المسير إلى صفين قام عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي فقال يا
أمير المؤمنين ان القوم لو كانوا يريدون الله أو لله يعملون ما خالفونا ولكن
القوم انما يقاتلون فرارا من الأسوة وحبا للأثرة وضنا بسلطانهم وكرها
لفراق دنياهم التي في أيديهم وعلى أحن في أنفسهم وعداوة يجدونها في
صدورهم لوقائع أوقعتها يا أمير المؤمنين بهم قديمة قتلت فيها آباءهم
وإخوانهم ثم التفت إلى الناس فقال: فكيف يبايع معاوية عليا وقد قتل أخاه
حنظلة وخاله الوليد وجده عتبة في موقف واحد والله ما أظن أن يفعلوا ولن
يستقيموا لكم دون ان تقصد فيهم المران وتقطع على هامهم السيوف وتنثر
حواجبهم بعمد الحديد وتكون أمور جمة بين الفريقين وقال نصر أيضا ان
عبد الله بن بديل كان على ميمنة أمير المؤمنين ع يوم صفين فقام في
أصحابه فقال: ان معاوية ادعى ما ليس له ونازع الامر أهله ومن ليس
مثله وجادل بالباطل ليدحض به الحق وصال عليكم بالاعراب والأحزاب
وزين لهم الضلال وزرع في قلوبهم حب الفتنة ولبس عليهم الامر وزادهم
رجسا إلى رجسهم وأنتم والله على نور من ربكم وبرهان مبين قاتلوا
الطغام الجفاة ولا تخشونهم وكيف وفي أيديكم كتاب من ربكم طاهر مبرور
قوله أ تخشونهم فالله أحق ان تخشوه ان كنتم مؤمنين قاتلوهم يعذبهم الله
بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين وقد قاتلتهم
مع النبي ص والله ما هم في هذه بأزكى ولا اتقى ولا أبر قوموا إلى عدو الله
وعدوكم. وروى نصر بسنده عن الشعبي ان عبد الله بن بديل الخزاعي
كان مع علي بصفين يوم السابع من صفر سنة ٣٩ وعليه سيفان ودرعان
فجعل يضرب الناس بسيفه قدما وهو يقول:
لم يبق الا الصبر والتوكل * واخذك الترس وسيفا مصقل
ثم التمشي في الرعيل الأول * مشي الجمال في حياض المنهل
والله يقضي ما يشاء ويفعل فلم يزل يضرب بسيفه حتى انتهى إلى
معاوية فأزله عن موقفه ومع معاوية عبد الله بن عامر واقفا فاقبل أصحاب
معاوية على عبد الله بن بديل يرضخونه بالصخر حتى اثخنوه. وقتل الرجل
واقبل إليه معاوية وعبد الله بن عامر فاما عبد الله بن عامر فالقى عمامته على
وجهه وترحم عليه وكان له أخا وصديقا فقال معاوية: اكشف عن وجهه
فقال عبد الله: والله لا يمثل به وفي الروح فقال معاوية: اكشف عن وجهه
فقد وهبته لك فكشف عن وجهه فقال معاوية: هذا كبش القوم ورب
الكعبة اللهم اظفرني بالأشتر النخعي والأشعث الكندي والله ما مثل هذا
الا كما قال الشاعر.
أخو الحرب ان عضت به الحرب عضها * وان شمرت عن ساقها الحرب شمرا
ويحمي إذا ما الموت كان لقاؤه * لدى الشر يحمي الأنف ان يتأخرا
كليث هزبر كان يحمي ذماره * رمته المنايا قصدها فتقطرا
مع أن نساء خزاعة لو قدرت على أن تقاتلني فضلا عن رجالها
لفعلت. وقال عبد الله بن بديل يوم الجمل:
يا قوم للخطة العظمى التي حدثت * حرب الوصي وما للحرب من آسي
الفاصل الحكم بالتقوى إذا ضربت * تلك القبائل أخماسا لأسداس
الاخوان أبو عتاب عبد الله والحسين ابنا بسطام بن سابور الزيات
جمعا كتاب طب الأئمة في الأخبار الواردة عنهم ع في
منافع الأطعمة والأشربة ومضارها والأعواد والرقى لدفع الأمراض والبلاء
وفي أوله: وبعد فهذا كتاب يشتمل على طب أهل البيت ع حدثنا أبو عتاب والحسين ابنا بسطام قالا
حدثنا محمد بن خلف بقزوين وكان
(٤٧)

من جملة علماء آل محمد صلوات الله عليهم أجمعين قال حدثنا الحسن بن
علي الوشاء عن عبد الله بن سنان عن أبيه عن جده عن مولانا الحسين بن
علي ص قال عاد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع
سلمان الفارسي الخ. مطبوع بالهند وحصرت اخباره في ٤٠٩ أحاديث.
عبد الله بن بكير بن أعين بن سنس الشيباني
في رسالة أبي غالب الزراري: كان عبد الله بن بكير فقيها كثير
الحديث ولقي عبيدا وغيره من بني أعين.
الشيخ عبد الله بن المحسن التستري
توفي سنة ١٠٢١ كان تلميذ الأردبيلي وشيخ المولى محمد تقي
المجلسي له ١ تعليقة على الاستعمار حسنة ٢ شرح القواعد ٣
تعليقة على التهذيب مفيدة ٤ شرح ألفية الشهيد ٥ حاشية عليها
٦ شرح على المختصر العضدي ٧ شرح ارشاد العلامة ٨ رسالة
في وجوب صلاة الجمعة فارسية وينقل عنه السيد نعمة الله الجزائري في
شرحه على التهذيب في أمل الآمل.
وقال المجلسي الأول في شرح مشيخة الفقيه في ترجمته شيخنا وشيخ
الطائفة الإمامية في عصره: علامة محقق زاهد عابد ورع أكثر فرائد هذا
الكتاب من إفاداته رضي الله عنه وصل في علم الاخبار والرجال والأصول
إلى مرتبة لا مزيد عليها له مصنفات منها تتميم شرح الشيخ نور الدين علي
على فوائد العلامة الحلي في سبع مجلدات يعلم من مطالعته رتبته في الفضل
والتحقيق ودقته وكان لي بمنزلة الوالد الشفيق بل لجميع المؤمنين توفي في
أول المحرم وكان يوم وفاته بمنزلة يوم عاشورا وصلى عليه نحو مائة ألف
ودفن في جوار إسماعيل بن زيد بن الحسن و نقل بعد سنة إلى كربلاء. قرأ
على شيخ الطائفة أزهد الناس في زمانه مولانا احمد الأردبيلي وعلى الشيخ الأجل
أحمد بن نعمة الله العاملي وعلى أبيه نعمة الله واستجاز منهما فأجازاه
وأجازني ويمكن ان يقال إن انتشار الفقه والحديث كان منه وإن كان غيره
من العلماء موجودا لكن كان شغلهم زائدا ومدة درسهم قليلة بخلافه فقد
أقام في أصفهان نحو أربعة عشرة سنة بعد ما جاء من كربلاء إليها وفي وقت
مجيئه لأصفهان ما كانت الطلبة من داخل وخارج تزيد على خمسين رجلا وفي
وقت وفاته كانوا يزيدون على الألف وذكر صاحب حدائق المقربين انه ذهب
يوما لزيارة البهائي وبقي حتى دخل وقت الصلاة فقال له البهائي صل هنا
حتى اقتدي بك واحصل على فضل الجماعة فتأمل قليلا ثم قام فسئل عن
ذلك فقيل لم تجبه مع اهتمامك بالصلاة في أول الوقت فقال تأملت هل
يحصل في نفسي فرق بصلاة الشيخ خلفي فوجدته كذلك فلم اقبل ونقل
انه مرض ولده حسين علي مرضا شديدا وكان يحبه كثيرا فذهب إلى المسجد
لصلاة الجمعة وحواسه متفرقة فلما شرع في سورة المنافقين ووصل إلى هذه
الآية يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم وأولادكم عن ذكر الله جعل
يكررها فسئل بعد الصلاة عن سبب تكرارها فأجاب انني لما وصلت إلى
هذا الموضع من السورة تذكرت ولدي فجاهدت نفسي بتكرار الآية حتى
فرضت ان ولدي قد مات وجنازته مقابل عيني وكان لا يفوته شئ من
النوافل صائم الدهر ويحضر عنده في جميع الليالي جماعة من أهل العلم
والصلاح ولباسه ومأكله في غاية الزهد ومع أنه كان صائم الدهر لا يأكل
اللحم غالبا ونقل انه اشترى عمامة بأربعة عشر شاهيا فلبسها أربع عشرة
سنة وقال المجلسي الأول ذهبت يوما معه إلى الشيخ أبي البركات الواعظ في
الجامع العتيق بأصفهان وكان هذا الشيخ معمرا وصل إلى مجلسه وتكلم
معه قال الشيخ أبو البركات أنا اروي عن المحقق الشيخ علي الكركي بدون
واسطة فأجزت لك أن تروي عني عن المحقق الكركي ثم أمر فاتي بكأس فيه ماء
السكر ووضع امام مولانا فلما نظر إليه قال هذا للمرضى وانا لست مريضا فظن
الشيخ أبو البركات أنه قال ذلك من جهة الزهد فقرأ قل من حرم زينة الله
الآية ثم قال أنت رئيس المؤمنين وأمثال هذه النعمة خلقت لأمثالكم فقال
مولانا أعذرني من هذا الكلام انني لا أشرب ماء السكر الا عند المرض
وقال صاحب الروضات: وجدت بخط جدي المتبحر المبرور السيد أبي
القاسم جعفر على هامش أربعين المجلسي ان المولى الفاضل التقي الورع
مولانا عبد الله التستري كان يقول لابنه وهو يعظه يا بني اني بعد ما امرني
مشايخي في جبل عامل بالعمل برأيي ما ارتكبت مباحا بل ولا مندوبا إلى
الآن اه. وكان مراده انه كان يشتغل بالاجتهاد في المسائل فيما هو واجب
مضيق لا يعارض وبالمباح والمندوب فلا ينافي ما مر من عدم تركه النوافل
ومراده بمشائخه في جبل عامل الشيخ نعمة الله بن خاتون العاملي وولده أو
أبوه الذين قصدهم هو وولده إلى جبل عامل للاستجازة منهم في عيناثا عند
سفره إلى الحج كما ذكرناه في محل آخر فليراجع ويصحح. هكذا كان جبل
عامل يقصده أعاظم العلماء للاستفادة من علمائه. وهو كان الباعث لوقف
الشاة عباس موقوفات معروفة بجهارده معصوم أربع عشرة قرية وبناء
مدرسة ملا عبد الله بجنب ميدان نقش جهان وبناء مدرسة المولى لطف الله
العاملي وكان برهة من الزمان في المشهد لأجل عمارة الروضة المنورة وهو
غير ملا عبد الله الشوشتري المقتول المترجم على حدة.
عبد الله بن جابر العاملي.
في أمل الآمل كان فاضلا عالما عابدا فقيها يروي عن تلامذة الشيخ
علي بن عبد العالي العاملي الكركي اه. وفي تكملة الأمل رأيت
رواياته عن المولى درويش محمد بن الحسن النظري العاملي جد التقي
المجلسي لامه عن المحقق الثاني علي بن عبد العالي الكركي وعبد الله بن
جابر المذكور ابن ابن عمة المولى التقي المجلسي يروي عنه العلامة محمد
باقر المجلسي صاحب البحار وله منه اجازة ذكرها في اجازته في آخر البحار
فهو من أهل القرن الحادي عشر اه.
أبو محمد عبد الله بن جبلة بن حيان الحبر الكناني.
توفي سنة ٢١٩ صنف كتاب الرجال ذكره في تأسيس الشيعة وقال أن
قول السيوطي شعبة أول من تكلم في الرجال والحال ان شعبة مات سنة
٢٦٠ فهو متأخر عن المترجم وأيضا عبد الله مقدم على محمد بن سعد كاتب
الواقدي صاحب طبقات الرواة لأنه مات سنة ٢٣٠ وابن سعد ألف الكتاب
قبل موته بلا فصل.
عبد الله بن جعفر.
كان الحزين الكناني واسمه عمرو بن عبيد بن وهيب بن مالك
والحزين لقب غلب عليه مع قوم من أهل المدينة بالعقيق يقامر فقمر ثيابه
فبينا هم كذلك إذ اقبل عبد الله بن جعفر فقال الحزين اعطوني ثوبا حتى
ألقاه فأعاروه ثوبا فقال له:
(٤٨)

أقول له حين واجهته * عليك السلام أبا جعفر
قال وعليك السلام فقال:
فأنت المهذب من هاشم * وفي البيت منه الذي يذكر
قال كذبت ذاك رسول الله ص فقال:
فهذي ثيابي قد أخلقت * وقد غضني زمن منكر
قال فثيابي لك بها وانصرف بها إلى منزله وبعث إليه بثيابه التي كانت
عليه. وقال أبو الحسن المدائني كان عبيد الله بن قيس الرقيات منقطعا
إلى عبد الله بن جعفر فكان يصله ويقضي دينه فجاءت صلة عبد الله بن
جعفر في بعض ما كانت تجئ وعبيد الله بن قيس الرقيات غائب وكان
معاوية يصل عبد الله بن جعفر في كل سنة بمائة ألف فامر عبد الله بديحا
غلامه فخبأ لعبيد الله بن قيس صلته فلما قدم اخذها وقال:
إذا زرت عبد الله نفسي فداؤه رجعت بفضل من نداه ونائل
وإن غبت عنه كان للود حافظا * ولم يك عني بالمغيب بغافل
تداركني عبد الاله وقد بدت * لذي الحقد والشنان مني مقاتلي
حباني لما جئته بعطية * وجارية حسناء ذات خلاخل
الشيخ عبد الله بن جعفر بن أبي طالب الطوسي.
كان من علماء الإمامية له الدلائل في الإمامة نص عليه ابن طاوس
في كشف المحجة لكن لا يبعد ان يكون الأصل هكذا وكتاب الدلائل
لعبد الله بم جعفر وكتاب الاحتجاج لأحمد بن أبي طالب الطبرسي (٢).
السيد عبد الله ابن السيد أبي القاسم بن الحاج السيد علي ابن السيد محمد
الكبير ابن السيد عبد الله البلادي البحراني الموسوي الغريفي العلامة في أكثر
الفنون الاسلامية سيما الحديث والفقه والتفسير والكلام و الحكمة والأدب.
ولد يوم الخميس ثاني جمادى الثانية سنة ١٢٩١ اخذ الفقه والأصول
عن صاحب الكفاية ومعاصره العلامة السيد محمد كاظم اليزدي وشيخ
الشريعة والشيخ يوسف الشفتي والشيخ أسد الله الزنجاني والسيد محمد بحر
العلوم. والعلوم الرياضية والطب عن محمد رحيم الكازروني والسيد عبد
الرضا وغيرهما والهيئة الجديدة عن الميرزا حبيب الله العراقي والرجال عن
شيخ الشريعة وله تأليفات كثيرة في العلوم المختلفة تبلغ أربعين عددا منها
طرق الواعظ وزلال المعين والكشكول في جزئين طبع بشيراز والردود الستة
على ابن تيمية في الإمامة ورحلة الحرمين في مناسك الحج فارسي ومظهر
الأنوار في الكلمات القصار وفوائد الموائد في الأطعمة وراحلة الجنان في
اعمال الملوان والشمس الطالعة في شرح الزيارة الجامعة وايقاظ الحبيب في
مظالم الصليب وروح النور في معرفة الرب الغفور وتذكرة الألباب في علم
الأنساب والغيث الزابد في ذرية محمد العابد ابن الإمام الكاظم وضياء
المستضيئين وسدول الجلباب ومقامع الحديد أو الزاجر للقوم الجديد وآيات
التكوين والكلام الوجيز في تمرين المستجيز والغصن الثالث في نسب أسرته
الكريمة ومنظومة سلوة الحزين ونوادر المآثر والكهف الحصين في الدين المبين
ثلاث مجلدات وكشف الاسرار وكتاب الأبرار وتوضيح المآرب في احكام
اللحى والشوارب والدعوات النورية ورسالة حب الله وكتاب القضاء
والشهادة وبروج الفحول في علم الأصول والسوانح واللوائح في سوانح
عمره ببلدة شيراز وسراج الصراط والمقالات في السياسات الاسلامية
يروي عن جماعة منهم الشيخ عبد الهادي شليلة الهمداني والسيد محمد آل
بحر العلوم وشيخ الشريعة وابن عمه السيد عبد الله البهبهاني قتيل
الانقلاب الدستوري بطهران. ويروي عن صاحب الترجمة جماعة منهم
السيد شهاب الدين النجفي الحسيني الحسني النسابة المرعشي واستاذه السيد
مهدي بن علي الغريفي الموسوي البحراني نزيل النجف الأشرف والمتوفى
بالبصرة وغيرهم.
الشيخ نجم الدين أبو محمد عبد الله بن جعفر بن محمد بن موسى بن جعفر
بن محمد بن أحمد بن العباس بن أحمد العبسي الدوريستي من نسل حذيفة
بن اليمان العبسي الصحابي.
ومر بيان النسبة إلى دوريست وضبطها في جده جعفر بن أحمد
العباس. توفي بعد سنة ٦٠٠ بيسير قدم بغداد سنة ٥٦٦ وأقام بها مدة
وحدث بها عن جده محمد بن موسى بشئ من اخبار الأئمة من ولد علي
ع وعاد إلى بلده. وفي أمل الآمل كان عالما فاضلا صدوقا جليل
القدر يروي عن جده أبي جعفر محمد بن موسى بن جعفر عن جده أبي
عبد الله جعفر بن محمد الدوريستي عن المفيد وقال منتجب الدين عند
ذكره: فقيه صالح له الرواية عن أسلافه فقهاء دوريست فقهاء الشيعة
اه. يروي عن محمد بن المشهدي وابن إدريس ويروي هو عن الطبرسي
صاحب مجمع البيان على ما قيل. ويظهر من اجازة الشيخ حسين بن علي بن
حماد الليثي الواسطي للشيخ نجم الدين جعفر بن محمد بن
نعيم المطارآبادي ان الشيخ محمد بن جعفر بن علي
بن جعفر المشهدي الحائري يروي عن الشيخ الجليل أبي محمد
عبد الله بن جعفر بن أبي جعفر محمد بن موسى بن أبي عبد الله جعفر بن
عبد الله بن جعفر بن محمد الدوريستي الرازي عن جده أبي محمد عبد الله
عن جده المفيد والمراد بأبي محمد عبد الله هو هذا الشيخ كما عن رياض
العلماء. قال: وكذا يظهر منها أيضا ان الشيخ عبد الله المذكور يروي عن
أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي صاحب مجمع البيان وعن الشهيد في
بعض أسانيد اخبار أربعينه ان ابن إدريس الحلي يروي عن الشيخ نجم
الدين عبد الله بن جعفر بن محمد بن موسى بن جعفر بن محمد بن أحمد بن
العباس الدوريستي عن أبيه عن جده عن جده جعفر بن محمد بن أحمد عن
الشيخ المفيد وفي الفوائد الرضوية جده جعفر بن محمد الدوريستي ثقة جليل
يروي عن الشيخين والسيدين وابن عياش وبيتهم من البيوت الجليلة. وفي
الفوائد الرضوية رأيت على ظهر نسخة من الجزء الثاني من ارشاد المفيد ما
صورته: قرأت هذه المجلدة على سيدنا ومولانا النقيب الامام العالم الزاهد
الصدر الكبير كمال الدين جمال الاسلام فخر العترة سيد النقباء شمس
الأئمة أبي الفتوح حيدر بن الصدر الكبير شرف الدين محمد بن زيد بن محمد بن
محمد بن عبيد الله العلوي بن أحمد بن محمد بن زيد بن
عبيد الله العلوي الحسيني صلوات الله عليه وعلى آبائه بحق روايته عن
عبد الله بن جعفر بن محمد بن موسى بن جعفر بن محمد الدوريستي عن
جده أبي جعفر محمد بن موسى بن جعفر عن جده أبي عبد الله جعفر بن
محمد بن أحمد بن العباس عن المصنف أبي عبد الله محمد بن محمد بن
النعمان رضي الله عنه فسمعه السيد الإمام العامل الصدر كمال الدين أبو
الحسن علي بن الحسين بن علي العلوي الحسيني اه. والسيد حيدر بن
محمد بن زيد هو الذي يروي عن ابن شهرآشوب وذكره أمل الآمل.

(١) الرياض.
(٢) لباب الباب.
(٤٩)

أبو عبد الرحمن عبد الله بن حبيب السلمي شيخ قراءة عاصم
توفي بعد السبعين.
تخرج عليه عاصم وقرأ عليه وقرأ عبد الله على أمير المؤمنين ع
صرح بذلك صاحب مجمع البيان وطبقات القراء وهو من أصحاب علي
ع.
عبد الله بن الحر الجعفي
قال يرثي الحسين:
يقول أمير غادر اي غادر * الا كنت قاتلت الشهيد بن فاطمة
ونفسي على خذلانه واعتزاله * وبيعة هذا الناكث العهد لائمه
فيا ندمي الا أكون نصرته * الا كل نفس لا تسدد نادمه
واني على أن لم أكن من حماته * لذو حسرة ما ان تفارق لازمه
سقى الله أرواح الذين تازروا * على نصرة سقيا من الغيث دائمه
وقفت على اطلالهم ومحالهم * فكاد الحشي ينفض والعين ساجمه
فما ان رأى الراءون أفضل منهم * لدى الموت سادات وزهرا قماقمه
أ يقتلهم ظلما ويرجو ودادنا * فدع خطة ليست لنا بملائمه
لعمري لقد راغمونا بقتلهم * فكم ناقم منا عليكم وناقمه
أ هم مرارا ان أسير بجحفل * إلى فئة زاغت عن الحق ظالمه
فكفوا والا زرتكم في كتائب * أشد عليكم من زحوف الديالمه
ولما بلغ ابن زياد هذه الأبيات طلبه فقعد على فرسه ونجا منه. ومن
شعره:
يخوفني بالقتل قومي وانما * أموت إذا جاء الكتاب المؤجل
لعل القنا تدني بأطرافها الغنى * فنحيا كراما أو نموت فنقتل
وانك ان لا تركب الهول لا تنل * من المال ما يكفي الصديق ويفضل
إذا القرن لاقاني ومل حياته * فلست أبالي أينا مات أول
السيد عبد الله النسابة بن علي بن محفوظ الحسيني الصادقي المعروف بابن
محفوظ النسابة توفي سنة ١٠٠٠ تقريبا.
قال السيد شهاب الدين الحسيني فيما كتبه إلينا: كان نابغة زمن
الصفوية في الفقه والأدب والنسب. جليل القدر عظيم المنزلة له حواش
على عمدة الطالب فرع منها في ١٢ رجب سنة ٩٧٣ ورسالة في نسب ولاة
الحويزة ورسالة في نسب آل طباطبا ورسالة في ذرية الشهيد ورسالة في نسب
المرعشيين والحاشية على الفقيه والتهذيب وينتهي نسبه إلى محمد الديباج ابن الإمام
الصادق ع وذكرت نسبه في كتابي المشجر اه.
عبد الله الشهيد بن الحسن الأفطس بن علي الأصغر بن علي زين العابدين.
شهد فخا متقلدا سيفين وابلى بلاء حسنا فيقال ان الحسين صاحب
فخ اوصى إليه وقال إن أصبت فالامر بعدي إليك واخذه الرشيد وحبسه
عند جعفر بن يحيى فضاق صدره من الحبس فكتب رقعة إلى الرشيد يشتمه
فيها فلم يلتفت الرشيد إلى ذلك وامر بان يوسع عليه وكان قد قال يوما
بحضور جعفر بن يحيى اللهم اكفنيه على يد ولي من أوليائي وأوليائك فامر
جعفر ليلة النيروز بقتله وحز رأسه وأهداه إلى الرشيد في جملة هدايا النيروز
فلما رفعت المكبة عنه استعظم الرشيد ذلك وقال جعفر ما علمت أبلغ في
سرورك من حمل رأس عدوك وعدو آبائك إليك فلما أراد الرشيد قتل جعفر بن
يحيى قال لمسرور الكبير بم يستحل أمير المؤمنين دمي؟ قال: بقتل ابن
عمه عبد الله بن الحسن بن علي بن علي ع بغير إذنه. قال
العمري: وقبره ببغداد بسوق الطعام عليه مشهد وعقبه بالمدائن.
أبو القاسم عبد الله العقيقي بن الحسين الأصغر ابن الإمام زين العابدين
ع.
ذكره ضامن بن شدقم في كتابه فقال: قال جدي حسن المؤلف طاب
ثراه امه خالدة بنت حمزة بن مصعب بن الزبير كان عالما فاضلا محققا مدققا
مدرسا روى الحديث عن آبائه واخبارا كثيرة وحدث بها الناس ونقلوا عنه
وكان يلي صدقات جديه رسول الله ص وأمير المؤمنين ع توفي في حياة
أبيه وخلف ثلاثة بنين: أبا محمد القاسم واحمد وأبا محمد جعفر.
الشيخ عبد الله بن الحسين الرستمداري
له زبدة الفوائد في ترجمة العقائد يعني عقائد الصدوق رتبة على ٣٤
بابا.
الشيخ عبد الله ابن الشيخ حسين ابن الشيخ مفلح بن حسن الصيمري البحراني
عن رسالة الشيخ سليمان البحراني وصفه بالفاضل العالم قال:
وجدت بخطه في آخر المجلد الأول من تحرير العلامة اجازة لبعض تلامذته
بهذه الصورة: أنهاه قراءة وبحثا وشرحا في مجالس متعددة وأوقات متبددة
آخرها في اليوم العشرين من ربيع الأول سنة ٩٥٥ والمشار إليه الشيخ
حسين بن صالح بن فلان بن صالح دام ظله وأجزت له روايته عني عن
والدي الشيخ حسين عن والده الشيخ مفلح بن حسن متصلا بالمجتهدين
متصلا بالأئمة الطاهرين عن النبي الأمين عن جبريل عن الله رب العالمين
حرره الفقير إلى ربه عبد الله بن حسين بن مفلح عفى الله عنهم أجمعين.
السيد عبد الله ابن السيد حسين الغريفي البلادي البحراني
ولد ببلاد القديم إحدى قرى البحرين سنة ١٠٩٠ وتوفي في بهبهان
سنة ١١٦٥ ودفن بها.
كان محدثا فقيها قرأ على الشيخ احمد الجزائري والشيخ عبد الله بن
صالح البحراني والشيخ سليمان الماحوزي صاحب تحفة المعراج والشيخ
أحمد بن إبراهيم البحراني يروي بالإجازة عن صاحب الحدائق وتاريخ
الإجازة ٢٠ شعبان سنة ١١٥٣ ذكرها حفيده السيد مهدي البحراني في
رسالته الدوحة الغريفية.
مولانا عبد الله الشوشتري
كان من أجلاء أساتذة عصره في العلوم العقلية والنقلية وبعد ان
حصل وبلغ درجة الكمال في فارس جاور في المسجد المقدس الرضوي وفي
سنة ٩٩٧ حينما فتح الأوزبك المشهد المقدس وقع المترجم في أسرهم
واخذوه إلى بلاد ما وراء النهر وحصلت له مباحثات شديدة معهم وأخيرا
قتلوه واحرقوه.
عبد الله الحلبي
رأينا له في بعض المجاميع أبياتا في أمير المؤمنين ع ولم نعلم من
هو يقول فيها:
(٥٠)

يا من إليه إشارات العقول ومن * فيه الألباء بين العجز والخطر
لك العبارة في النطق البليغ كما * لك الإشارة في الآيات والسور
كما خاض فيك أناس فانتهوا فإذا * معناك محتجب عن كل مفتكر
أنت الدليل لمن حارت بصيرته * عليه في مشكلات القول والعبر
تصالح الناس الا فيك واختلفوا * الا عليك وهذا موضع الخطر
وكم أشاروا وكم أبدوا وكم ستروا * والحق يظهر من باد ومستتر (١)
عبد الله بن حماد الأنصاري
له كتاب طبقات الشعراء وغيره.
الأمير أبو الهيجاء عبد الله بن حمدان بن حمدون التغلبي العدوي
والد سيف الدولة وناصر الدولة وهو أول من ولي الموصل من بني
حمدان وباقي نسبه مر في ابن أخيه أبي فراس الحارث بن سعيد بن حمدان بن
حمدون قتل ببغداد سنة ٣١٧ والمعروف في كنيته أبو الهيجاء وبعض
المعاصرين قال أبو العباس ولا نعلم له موافقا.
ولى المكتفي بالله الموصل واعمالها أبا الهيجاء عبد الله بن حمدان بن
حمدون التغلبي العدوي فسار إليها، وله اخبار ذكرت في ترجمة أخيه
الحسين بن حمدان قال ابن الأثير في حوادث سنة ٣٠١ في صفر عزل أبو
الهيجاء عبد الله بن حمدان عن الموصل. وفيها خالف أبو الهيجاء
عبد الله بن حمدان على المقتدر فسير إليه مؤنسا المظفر فخرج إلى الموصل
منتصف صفر ومعه جماعة من القواد وخرج مؤنس في ربيع الأول فلما علم
أبو الهيجاء بذلك قصد مؤنسا مستأمنا من تلقاء نفسه وورد معه إلى بغداد
فخلع المقتدر عليه. وقال ابن الأثير في حوادث سنة ٣٠٢ فيها قلد أبو
الهيجاء عبد الله بن حمدان الموصل وقال في حوادث سنة ٣٠٣ انه لما خرج
الحسين بن حمدان بالجزيرة عن طاعة المقتدر وحاربه واسره قبض المقتدر على
أبي الهيجاء ابن حمدان وعلى جميع اخوته وحبسوا وقال في حوادث سنة ٣٠٥
فيها اطلق أبو الهيجاء عبد الله بن حمدان واخوته وكانوا محبوسين بدار الخليفة
وفي سنة ٣٠٨ خلع المقتدر على أبي الهيجاء عبد الله بن حمدان وقلد طريق
خراسان والدينور وخلع على أخويه أبي العلاء سعيد بن حمدان وأبي
السرايا نصر بن حمدان وقال في سنة ٣١٢ في هذه السنة سار أبو طاهر
القرمطي إلى الهبير في عسكر عظيم ليلقى الحاج في رجوعهم من مكة فأوقع
بقافلة تقدمت معظم الحاج فيها خلق كثير فنهبهم واتصل الخبر بباقي الحاج
وهم بفيد فاقاموا بها حتى فني زادهم فارتحلوا مسرعين وكان أبو الهيجاء ابن
حمدان قد أشار عليهم بالعود إلى وادي القرى وان لا يقيموا بفيد فاستطالوا
الطريق ولم يقبلوا منه وكان إلى أبي الهيجاء طريق الكوفة وتسيير الحاج فلما
فني زادهم ساروا على طريق الكوفة فأوقع بهم القرامطة واخذوهم وأسروا
أبا الهيجاء. وقال في حوادث سنة ٣١٤ عن الحرب بين عبد الله بن حمدان
والأكراد والعرب: في هذه السنة أفسد الأكراد والعرب بأرض الموصل و
طريق خراسان وكان عبد الله بن حمدان يتولى الجميع وهو
ببغداد وابنه ناصر الدولة بالموصل فكتب إليه أبوه يأمره بجمع
الرجال والانحدار إلى تكريت ففعل وسار إليها فوصل
إليها في رمضان واجتمع بأبيه واحضر العرب وطالبهم بما أحدثوا في عمله
بعد ان قتل منهم ونكل ببعضهم فردوا على الناس شيئا كثيرا ورحل بهم إلى
شهرزور فوطئ الأكراد بالجلالية فقاتلهم وانضاف إليهم غيرهم فاشتدت
شوكتهم ثم إنهم انقادوا إليه لما رأوا قوته وكفوا عن الفساد والشر. وفي
هذه السنة ضمن أبو الهيجاء عبد الله بن حمدان اعمال الخراج والضياع
بالموصل وقردى وبازندى وما يجري معها. وقال في حوادث سنة ٣١٥ انه
حصل فيها وحشة بين المقتدر ومؤنس المظفر وركب إلى مؤنس جميع الأجناد
وفيهم عبد الله بن حمدان واخوته وخلت دار الخليفة ثم قال: في هذه السنة
وردت الاخبار بمسير أبي طاهر القرمطي من هجر نحو الكوفة فدخلها إلى أن
قال فبرز مؤنس المظفر ليسير إلى الكوفة فاتاهم الخبر قال ابن خالويه:
حج أبو الهيجاء بالناس فأخذت بنو كلاب جمال السواقي فاسرى
إليهم فلحقهم وراء نجد فأوقع بهم وقتلهم واخذ الحريم والأموال وعاد
حتى نزل العقبة في طريق مكة فاجتمعت سائر بطون بني عامر بن صعصعة
وقبائل من طئ واشتد القتال ثم هزمهم وكان لأبي سليمان داود بن حمدان
أخي أبي الهيجاء فيها اثر يذكر في ترجمته قال أبو فراس: حدثني مطرف
البلدي الكلابي قال شهدتها صبيا وابلى الطراد عمك أبو سليمان وكسرناه
واثخناه بالجراح فانكشف فأفضينا إلى البركة فشربت منها بدرقتي وشرعنا في
جمع بعض أمواله فحمل علينا عمك أبو الهيجاء في عدد يسير فكشفنا
ووضع السيف فينا حتى حجز بيننا الليل وحمل النساء والصبيان إلى مدينة
السلام ثم اطلقهم فقال بعضهم في ذلك شعرا:
ما أمة سكرى عليها الغلبه * تجر ذيلا نطفا في مشربه
أو همة بين قفاف جذبه * خلفها الحي بأرض مذأبة
أذل من عامر يوم العقبة
وقال بعض شعراء بني قشير:
مهلا قليلا يا غواة نبهان * لسنا بانكاس ولا بذلان
لكن لقينا من سراة حمدان * طعنا ينسي الطعن كل طعان
وفي ذلك يقول أبو فراس في رائيته الطويلة التي يفتخر فيها بعشيرته.
وعمي الذي سلت بنجد سيوفه * فروع بالغورين من هو غائر
فما طاوعتهم للطعان أكفهم * ولا حملتهم للنجاء الضوامر
تناصرت الاحياء من كل وجهة * وليس له الا من الله ناصر
ولم يبق غمرا طعنه الغمر فيهم * ولم يبق وترا ضربه المتواتر
وكان رجل يسمى يوسف بن أبي الساج واسم أبي الساج ديوداذ بدال
مهملة مفتوحة ومثناة تحتية ساكنة وواو مفتوحة ودال مهملة وألف وذال
معجمة آخر الحروف هكذا رسمت بذال معجمة آخر الحروف في نسخة
تجارب الأمم المطبوعة وكان يوسف هذا قد ولي آذربيجان وأرمينية من قبل
المقتدر العباسي وعليه مال يؤديه فاخر في بعض السنين حمل بعض المال ثم
أظهر كذبا ان الخليفة قلده الري فأرسل إليها جيشا وهي لنصر بن أحمد
الساماني صاحب خراسان فلما بلغ المقتدر ذلك أنكره وأرسل جيشا فهزمه
يوسف فأرسل جيشا كثيفا مع مؤنس فهزمه يوسف وأقام مؤنس بزنجان
يجمع العساكر ويستمد الخليفة ثم حاربه فانهزم عسكر يوسف وأسر يوسف
وجئ به إلى بغداد هكذا ذكر ابن الأثير ولكن ابن خالويه قال في شرح
ديوان أبي فراس: سار مؤنس للقاء يوسف بن ديوداذ أبي الساج فهزمه
يوسف فأقام مؤنس بآذربيجان وأمده السلطان بالجيوش فامتنع من معاودة

(١) يمر خلال هذا الكتاب ان هذه الأبيات لشخص اخر ربما كان هو المقصود بهذا الاسم
(ح).
(٥١)

اللقاء الا بحضور أبي الهيجاء وأبي العلى ابني حمدان وهما عبد الله وسعيد
ابنا حمدان فلما حضرا ناجزاه وتوليا القتال وهزم الجيش وضرب أبو الهيجاء
يوسف فصرعه وصاح انا ابن أبي الشمطاء وكان ذلك شعاره ووقع يوسف
بين القتلى فنم عليه الطيب فاخذ فهذا يدل على أن الفتح في ذلك كان لأبي
الهيجاء وأخيه أبي العلاء وان مؤنسا أبى عن معاودة القتال الا بحضورهما
لعلمه انه لو باشر القتال بدونهما لانهزم جيشه كما انهزم أولا وإن كان ابن
الأثير لم يشر إلى شئ من ذلك. ثم قال ابن خالويه: فقال بعض الشعراء
في ذلك:
وقاد إلينا الخيل كالليل يوسف * فقدنا إليه الخيل والصبح أغلب
فلما التقينا حلقت بجموعه * إلى أخريات الأرض عنقاء مغرب
ينم عليه الطيب بين جموعه * ونشر الذي حلاه بالقيد أطيب
فلما اطلق يوسف بلغ أبا الهيجاء عنه إضافة فخاف ان يحمل إليه شيئا
فيرده عليه ويمتنع فدس إليه تجارا احملهم ستمائة ألف درهم جعلوها في
رحله ثم استتروا عنه فلم يعلم من أين جاءت حتى وافى آذربيجان وفي
ذلك يقول أبو فراس في قصيدته المار ذكرها:
وساق إلى ابن الديوداذ كتيبة * لها لجب من دونها وزماجر
جلاها وقد ضاق الخناق بضربة * لها من يديه في الملوك نظائر
بحيث الحسام الهندواني خاطب * بليغ وهامات الرجال منابر
الشيخ عبد الله بن خليل العاملي
له رسالة في حساب المواريث أولها بعد التسمية والحمدلة والتصلية:
وبعد فقد حمل العبد الفقير الراجي عفو ربه اللطيف الخبير
عبد الله بن خليل العاملي الخبر الوارد عن رسول الله صلى الله عليه وآله أجمعين وهو تعلموا
المواريث وعلموها الناس فاني امرؤ مقبوض وسيقبض العلم وتظهر الفتن
حتى يختلف الرجلان في فريضة فلا يجدان من يفصل بينهما ان يكتب شيئا
بحسب طاقته يستعان به على تقسيم الفريضة الخ...
وفي آخرها ما صورته. هذا ما خطر ببالي وعلى الله اتكالي والحمد لله
أولا وآخرا وانا العبد الحقير الراجي عفو ربه اللطيف الخبير عبد الله بن
خليل العاملي عامله الله بلطفه الخفي واجراه على عوائد بره الخفي.
فرع من مشقة مشقها لنفسه حسن سنة ١٠٣٩.
عبد الله بن داود الدرمكي
توفي في حدود سنة ٩٠٠ في عمان ودرمك قرية منها.
كان فاضلا أديبا شاعرا فمن شعره في رثاء الحسين ع قوله:
اسهر طرفي وانحل البدنا * واجتاح صبري وزادني حزنا
ذكر غريب الطفوف يوم سرى * بالأهل والمال يعنف البدنا
يقول فيها:
يا آل طه وهل اتى وسبا * ومن إلى قصدهم توجهنا
عبدكم الدرمكي باعكم * مهجته إذ نقدتم الثمنا
في قولكم لا يخاف من مسكت * كفاه في حشره ولايتنا
وله يرثي الحسين:
قلب المتيم بالأحزان موغور * وطرفه عن لذيذ النوم محجور
ودمعه فوق صحن الخد منحدر * وجسمه بقيود السقم مقهور
ومنزل الصبر فيه مقفر خرب * وعمره بالبكا والنوح معمور
قد عاهد الله ايمانا مغلظة * لا يترك الحزن حتى ينفخ الصور
لله درهم ما كان أصبرهم * كأنهم في الوغى أسد مغاوير
من كل محتزم بالصبر مدرع * بالفضل متشح بالخير مذكور
كانوا كأصحاب بدر في الوغى لهم * شأن ومجد وتعظيم وتوقير
عبد الله بن ذباب الإنسي
نسبة إلى بني انس بن سعد العشيرة قال محمد بن سعد في كتاب
الطبقات الكبير أخبرنا هشام (١) عن أبيه عن مسلم بن عبد الله بن شريك
النخعي عن أبيه قال: كان عبد الله بن ذباب الإنسي مع علي بن أبي طالب
بصفين فكان له غناء اه وروى ابن سعد أيضا في الطبقات ان سعد العشيرة
لما سمعوا بخروج النبي ص وثب ذباب رجل من بني انس بن سعد العشيرة
إلى صنم كان لسعد العشيرة يقال له فراض فحطمه ثم وفد إلى النبي ص
فأسلم وقال:
تبعت رسول الله إذ جاء بالهدى * وخلفت فراضا بدار هوان
شددت عليه شدة فتركته * كان لم يكن والدهر ذو حدثان
فلما رأيت الله أظهر دينه * أجبت رسول الله حين دعاني
فأصبحت للاسلام ما عشت ناصرا * وألقيت فيها كلكلي وجراني
فمن مبلغ سعد العشيرة انني * شريت الذي يبقى باخر فاني
الميرزا عبد الله الرضوي
توفي سنة ١٢٣٩ في المشهد المقدس عن ثمان وثمانين سنة. وفي
فردوس التواريخ: السيد الجليل والحبر النبيل فاضل كامل وعالم عامل ابن
أخت مولانا السيد محمد السبزواري امام الجمعة المذكور في محله كان مدرس
الآستانة المقدسة بالمشهد الرضوي ونائب الصدارة فيها حصل العلوم وكمل
الآداب والرسوم عند خاله المذكور وحج بيت الله الحرام وزار قبور الأئمة
ع ثم رجع إلى المشهد المقدس واشتغل بنشر الآداب وتعليم
الطلاب له اثنا عشر ولدا كلهم حائز على العلم والوقار واثنان منهم لهما
منصب التدريس وهما ميرزا حسن وميرزا محمد تقي.
عبد الله بن رواحة
قال يذكر ما فعله علي ع يوم بدر اورده في المجموع
الرائق:
ليهن عليا يوم بدر حضوره * ومشهده بالحنو ضربا مر عبلا
فكائن له من مشهد غير خامل * يظل له رأس الكمي مجدلا
وغادر كبش القوم في القاع ثاويا * يحال عليه الزعفران المعللا
صريعا يبوء القشعمان برأسه * ويدنو إليه الضبع طورا ليأكلا

(١) هو هشام بن السائب الكلبي.
(٥٢)

عبد الله بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى بن قصي
جده الأسود كان من المستهزئين برسول الله الذين كفى الله رسوله
منهم بالموت والقتل وأبوه زمعة واخوه الحارث وعمه عقيل قتلوا كلهم يوم
بدر كفارا مع المشركين إما هو فكان من خلص أصحاب علي ع لكن
حفيده وهب بن وهب بن كبير قاضي الرشيد هارون كان منحرفا عن علي
ع وهو الذي أفتى الرشيد ببطلان الأمان الذي كتبه ليحيى بن
عبد الله بن الحسن بن علي واخذه بيده فمزقه كرها للعلويين.
أقول وخرج من بين هذه الظلمات عبد الله بن زمعة يخرج الحي
من الميت ويخرج الميت من الحي.
عبد الله بن سخبرة الأزدي يكنى أبا معمر
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب علي ع وعن تقريب ابن
حجر عبد الله بن سخبرة بفتح المهملة وسكون المعجمة وفتح الموحدة
الأزدي أبو معمر الكوفي ثقة من الثانية اه. والظاهر أنه هو الذي ذكر ابن
الأثير وغيره انه سيره المختار فيمن سير لنصرة ابن الحنفية لما حصره ابن
الزبير وأهل بيته بمكة قال ابن الأثير في حوادث سنة ٦٦ ان ابن الزبير حبس
ابن الحنفية وأصحابه بزمزم وتوعدهم بالقتل والاحراق ان لم يبايعوا فكتب
ابن الحنفية بذلك إلى المختار واستنجده فسير إليه جماعة مع كل منهم عدة
قال وسير أبا المعمر في مائة حتى دخلوا المسجد الحرام وهم ينادون أبا لثارات
الحسين فقال ابن الزبير: وا عجبا لهذه الخشبية ينعون الحسين كأني انا قتلته
قال وانما قيل لهم خشيبة لانهم دخلوا مكة وبأيديهم الخشب كراهة إشهار
السيوف في الحرم وقيل لانهم أخذوا الحطب الذي أعده ابن الزبير.
عبد الله بن سعيد الخوافي
من شعره قوله:
وإذا نبا القلم الحسام * فقم إلى القضب البواتر
ومقام مثلك حيث يهتضم * الكرام من الكبائر
فانهض ولذ في المعسكر * الشرقي بالأسد الخوادر
ودع التجارة بالعلوم * فقد كسدن وأنت خاسر
عبد الله بن سويد الجرشي سيد جرش
قال نصر بن مزاحم في كتاب صفين انه مشى عبد الله بن سويد يوم صفين
إلى ذي الكلاع الحميري فقال له جمعت بين الرجلين يعني عمرو بن العاص
وعمار بن ياسر قال: لحديث سمعته من عمرو ذكر انه سمعه من رسول
الله ص وهو يقول لعمار بن ياسر: تقتلك الفئة الباغية فقال الجرشي:
ما زلت يا عمرو قبل اليوم مبتدئا * تبغي الخصوم جهارا غير اسرار
حتى لقيت أبا اليقظان منتصبا * لله در أبي اليقظان عمار
ما زال يقرع منك العظم منتقيا * مخ العظام بنزر غير مكثار
حتى رمى بك في بحر له حدب * يهوي بك الموج ها فاذهب إلى النار
مولانا عبد الله بن شاة منصور القزويني المشهدي
ولد بقزوين ثم جاور في المشهد الرضوي بطوس وله يد طولى في
الفقه والحديث له شرح ألفية ابن مالك بالفارسية ورسالة في اثبات امامة
أمير المؤمنين ع اسمها الغديرية فارسية وهو معاصر لصاحب أمل الآمل.
عبد الله بن شبرمة الضبي الكوفي القاضي
عده ابن شهرآشوب في معالم العلماء من شعراء أهل البيت المتقين
وقال: انه من أصحاب زين العابدين ع
سأله رجل ان يكلم له رجلا آخر في صلة يصله بها ولازمه فأعطاه
من ماله وقال:
وما شئ بأثقل وهو خف * على الأعناق من منن الرجال
فلا تفرح بمال تشتريه * بوجهك انه بالوجه غالي
وقال المبرد كان ابن شبرمة إذا نزلت به نازلة قال: سحابة صيف عن
قليل تقشع.
السيد جلال الدين عبد الله بن شرفشاه الحسيني
له الرسالة السلطانية الأحمدية في اثبات العصمة النبوية المحمدية
ينقل عنه الكفعمي كثيرا ويظهر انه من مشائخه كما استظهره صاحب
رياض العلماء.
ووجدنا كتبا في تفسير القرآن من تركته وقفت على الخزانة الغروية في
١٠ شعبان سنة ٨١٠.
المولى عبد الله بن شهاب الدين حسين الشهاب آبادي
معاصر للأردبيلي قرأ عليه صاحبا المعالم والمدارك في العقليات وقرأ
عليهما في الشرعيات توفي سنة ٩٨١ له شرح العجالة وهو حاشية على
الجلالية الدونلية على تهذيب المنطق وسميت بالعجالة لما في أوله هذه عجالة
نافعة وغلالة رائعة ويظهر من الرياض ان اسم الشرح الخرازة وله الحاشية
المشهورة على تهذيب المنطق.
وكان خازن الحرم الشريف الغروي من قبل السلاطين الصفوية
وكذلك ولده خزنة الحرم الشريف واليه تنتسب الطائفة المشهورة ببيت الملا
الموجودة الآن في النجف.
الشيخ عبد الله بن صالح بن جمعة بن شعبان بن علي بن أحمد بن ناصر بن
محمد بن عبد الله البحراني
ولد سنة ١٠٧٦ وتوفي ليلة الأربعاء تاسع جمادى الأخرى سنة ١١٣٥
في بهبهان جاء في ذيل اجازة السيد عبد الله بن نور الدين بن نعمة الله
الجزائري الكبري: من أعيان الفضلاء الذين عاصرناهم ولم أره ولم ارو عنه
لكني استفدت من كتبه ومصنفاته كثيرا فأحببت ان اتلو منه ذكرا في هذه
التذكرة. كان عالما فاضلا محدثا متبحرا في الاخبار عارفا بأساليبها ووجوهها
بصيرا في أغوارها خبيرا بالجمع بين متنافياتها وتطبيق بعضها على بعض له
سليقة حسنة في فهم الاحتياط على طريقة الاخباريين شديد الروايات
وأنس تام بمعانيها كثير الإنكار على أهل الاجتهاد ومن إفراطه وغلوه في هذا
الباب منعه من العمل بظواهر الكتاب ودعواه ان القرآن كله متشابه على
(٥٣)

الرعية وهذه المقالة نقلها العلامة في النهاية الأصولية عن بعض الحشوية
واقتفى اثرهم طائفة من الاخباريين من المتأخرين أولهم فيما اعلم صاحب
الفوائد المدنية وهي مما يقطع بفساده بأدنى نظر كما أوضحته في مقدمة شرح
المفاتيح وغيرها، له مصنفات كثيرة منها كتاب جواهر البحرين في احكام
الثقلين وهو كتاب جامع رأيت منه مجلدا واحدا في الطهارة وعليه اجازة
بخطه للشيخ محمد بن عبد المطلب البحراني وكتاب منية الممارسين في
جوابات مسائل الشيخ ياسين وقد اثنى عليهما كثيرا وكان مقيما بالبحرين فلما
كثرت الفتن هناك انتقل إلى بلاد العجم وتنقل فيها إلى أن سكن أخيرا
بهبهان وتلقاه أهلها بالقبول ونفذت فيها أوامره ونواهيه وسلمت إليه الأمور
الحسبية وقام بها أحسن قيام ومن مصنفاته أيضا النفحة العنبرية في
جوابات المسائل التسترية وهي مسائل سأله عنها المولى الصالح مقصور
علي بن علي النجار وهذه الرسالة هي أول ما أتانا من مصنفاته فشوقني ذلك
إلى الهجرة إليه إلى بهبهان فلم يأذن والدي بسبب اختلال الدروب وثوران
الفتن والحروب وهي السنة التي استولى فيها الأوغام على عراق العجم وهي
سنة ١١٣٥ وبلغنا نعيه بعد ذلك بأيام قليلة لما سافرت إلى بهبهان
استكتبت عدة منها من تلامذته وأصحابه وعمدتهم السيد عبد الله
البحراني وهو خليفته في صلاة الجمعة وغيرها وأكثرها رسائل صغيرة في
مسائل يسيرة وكان والدي رحمه الله لما اطلع على مصنفاته كثيرا ما يصوب
تحقيقاته ويرجح اختياراته وله رسائل متعددة في وجوب صلاة الجمعة والرد
البليغ على من أنكره خصوصا الفاضل الهندي في شرح القواعد ورأيت
جماعة من أصحابه الذين عاشروه ومارسوه سفرا وحضرا يصفونه بغاية
الزهد والورع والفتوة والتواضع وسائر مكارم الأخلاق يروي عن جماعة
كثيرة من فضلاء البحرين وغيرهم أعظمهم شانا الشيخ سليمان بن
عبد الله.
وقد اثنى عليه في مصنفاته وإجازاته ثناء بليغا ووصفه بغاية الوصف
والحفظ والذكاء وحسن التقرير وسمعت والدي رحمه الله يصفه بمثل ذلك
أيضا في أيام حياته ويقول ليس في بلاد العرب والعجم أفضل منه وسئل يوما
أيهما أفضل الشريف أبو الحسن العاملي أو الشيخ سليمان فقال: إما
الشريف أبو الحسن فقد مارسته كثيرا في أصبهان وفي المشهد وفي
بلادنا لما قدم إلينا وأقام عندنا مدة مديدة فرأيته في غاية الفضل والإحاطة
وسعة النظر واما الشيخ سليمان فلم أره ولكن الذي بلغني عن حاله
بالاستفاضة والتسامح انه أشد ذكاء وأدق نظرا وأكثر استحضارا لمدارك
الاحكام الفقهية وأسرع جوابا في المعضلات مع غاية الرزانة والتحقيق ولما
بلغه وفاته تألم كثيرا وقال: ثلم في الدين ثلمة لا يسدها شئ إلى يوم
القيامة ومن الذين يروي عنهم السيد محمد المكي والشريف أبو الحسن
العاملي والشيخ احمد الجزائري والشيخ محمد بن يوسف البحراني والشيخ
علي بن جعفر بن علي بن سليمان البحراني والمولى محمد قاسم الأصبهاني
الهزارجريبي والشيخ ناصر بن محمد الخطي واخوه الشيخ محمود والشيخ
محمود بن عبد السلام البحراني والشيخ أحمد بن علي بن حسن الساري وقد
مدحهم واثنى عليهم بالجميل ويروي عن جدي بواسطة الشريف اي
الحسن العاملي والشيخ محمد بن يوسف المذكورين وله توسع كثير في الطرق
وتفنن في الأسانيد يعرف ذلك من وقف على كتبه وإجازاته اه وله من
المؤلفات ١ جواهر البحرين في احكام الثقلين ٢ منية الممارسين في
جوابات أسئلة ياسين ٣ النفحة العنبرية في جوابات المسائل التسترية
٤ الصحيفة العلوية عن أدعية مولانا أمير المؤمنين ٥ مصائب
الشهداء ومناقب السعداء ٦ رياض الجنان ٧ المتشحون باللؤلؤ
والمرجان بمنزلة الكشكول ٨ رسالة في أحقية الزوج بزوجته في الغسل
والصلاة من أقاربها ٩ رسالة اثبات التوحيد في ثلث وتر كذا ١٠
رسالة في مسالة تغسيل النبي بسبع قرب من بئر غرس ١١ رسالة في
صواب مسالتين إحداهما أفضلية الصلاة الراتبة ولو قضاء الثانية جواز التنقل
ما بين صلاة الفجر وطلوع الشمس ١٢ تحفة الرجال وزبدة المقال في
علم الرجال منظومة ١٣ شرح أسانيد من لا يحضره الفقيه ١٤ رسالة في شرح
المشكل من أصول الكافي في أسماء الله ١٥ منظومة اثنا عشرية لاثني
عشرية البهائي في الصلاة ١٦ المسائل الحسينية ١٧ رسالة كتبها في
خراسا في الرد على ملا سليمان ابن ملا خليل القزويني في تحقيق النفر والرهط
الذين يجب عليهم صلاة الجمعة ١٨ كتاب من لا يحضره النبيه في شرح
من لا يحضره الفقيه. وكان محدثا متتبعا خبيرا ماهرا صالحا شاعرا عابدا ورعا
متشددا في الامر بالمعروف والنهي عن المنكر شيخا كريما ملازما للتدريس
والمطالعة والتصنيف ولما غلبت الخوارج على بلاد البحرين توطن في بهبهان
وتوفي بها وكان اخباريا صرفا وذكر في مقدمة كتابه رياض الجنان قصيدة
مدح فيها أهل الحديث وذم الاجتهاد مدح فيها الكليني والصدوق والحر
العاملي والاسترابادي وملا محسن الكاشي
عبد الله بن الطفيل العامري
روى نصر بن مزاحم في كتاب صفين ان عليا كان لا يعدل بربيعة
أحدا من الناس فشق ذلك على مضر فطلب أبو الطفيل عامر بن واثلة ان
يعفي أمير المؤمنين ع ربيعة من القتال أياما ويجعل لكل قبيلة من
مضر يوما تقاتل فيه ليظهر بلاؤهم فأعطاه ذلك فحارب بكنانة فأعطاه يوم
الخميس وحارب عمير بن عطارد ببني تميم يوم الجمعة وحارب قبيصة بن
جابر ببني أسد يوم السبت وغدا يوم الأحد عبد الله بن الطفيل العامري
وكان سيد بني عامر فغدا بجماعة هوازن وهو يقول:
قد ضاربت في حربها هوازن * أولاك قوم لهم محاسن
حبي لهم حزم وجأشي ساكن * طعن مداريك وضرب واهن هذا و
هذا كل يوم كائن * لم يخبروا عنا ولكن عاينوا
واشتد القتال بينهم حتى الليل ثم انصرف عبد الله بن الطفيل
فقال:
يا أمير المؤمنين لقيت والله بقومي اعدادهم من عدوهم فما ثنوا أعنتهم
حتى طعنوا في عدوهم ثم رجعوا إلي فاستكرهوني على الرجوع إليهم
واستكرهتهم على الانصراف إليك فأبوا ثم عادوا فاقتتلوا فاثنى عليهم علي
خيرا وأظهر علي انه مصبح معاوية غدا وكان معاوية بن الضحاك بن سفيان
صاحب راية بني سليم مع معاوية وكان مبغضا لمعاوية وكان يبعث الاخبار
إلى عبد الله بن الطفيل العامري ويبعث بها إلى علي فبعث إلى عبد الله بن
الطفيل: اني قائل شعرا أذعر به أهل الشام وأذعر به معاوية فقال ليلا
ليسمع أصحابه من أبيات:
الا ليت هذا الليل أصبح سرمدا * علينا وانا لا نرى بعده غدا
(٥٤)

حذار علي انه غير مخلف * مدى الدهر ما لبى الملبون موعدا
ومر ذكرها في وقعة صفين.
عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف
هو أول من املى في تفسير القرآن عن علي ع. قال أبو
الخير في طبقات المفسرين عند ذكره هو ترجمان القرآن وحبر الأمة ورئيس
المفسرين.
وعن عطاء: ما رأيت مجلسا قط أكرم من مجلس ابن عباس، كان
أصحاب القرآن عنده يسألونه وأصحاب الشعر عنده يسألونه وأصحاب
الفقه عنده يسألونه كلهم يصدرهم من واد واسع.
وروى الكليني بسنده عن الصادق ع ان عبد الله بن عباس
لما بعثه أمير المؤمنين ع إلى ابن الكواء وأصحابه وعليه قميص رقيق
وحلة قالوا: يا ابن عباس أنت خيرنا في أنفسنا وأنت تلبس هذا اللباس
فقال: وهذا أول ما أخاصمكم فيه قل من حرم زينة الله التي اخرج لعباده
والطيبات من الرزق وقال الله عز وجل: خذوا زينتكم عند كل مسجد.
وأرسل معاوية يوم صفين أخاه عتبة إلى الأشعث بن قيس يستميله
فلم يجد عنده ما يريد فلما يئس منه قال لعمرو بن العاص ان رأس الناس
بعد علي هو عبد الله بن عباس فلو ألقيت إليه كتابا لعلك ترققه به فإنه ان
قال شيئا لم يخرج علي منه فقال له عمرو ان ابن عباس لا يخدع ولو طمعت
فيه طمعت في علي فقال معاوية: علي ذلك فاكتب إليه فكتب إليه عمرو إما
بعد فان الذي نحن وأنتم فيه ليس بأول أمر قاده البلاء وأنت رأس هذا
الجمع بعد علي فانظر فيما بقي ودع ما مضى فوالله ما أبقت هذه الحرب لنا
ولكم حياء ولا صبرا واعلموا ان الشام لا تملك الا بهلاك العراق وان
العراق لا تملك الا بهلاك الشام وما خيرنا بعد هلاك اعدادنا منكم وما
خيركم بعد هلاك اعدادكم منا ولسنا نقول ليت الحرب عادت ولكنا نقول
ليتها لم تكن وان فينا من يكره القتال كما أن فيكم من يكرهه وانما هو أمير
مطاع أو مأمور مطيع أو مؤتمر مشاور وهو أنت وكتب في أسفل الكتاب
أبياتا أولها:
طال البلاء وما يرجى له آسي * بعد الاله سوى رفق ابن عباس
فلما قرأ ابن عباس الكتاب اتى به عليا فاقرأه شعره فضحك وقال:
قاتل الله ابن العاص وما أغراه بك يا ابن العباس أجبه وليرد، عليه شعره
الفضل بن العباس فإنه شاعر فكتب ابن عباس إلى عمرو: إما بعد فاني لا
اعلم رجلا من العرب أقل حياء منك انه مال بك معاوية إلى الهوى وبعته
دينك بالثمن اليسير ثم خبطت الناس في عشوة طمعا في الملك فلما لم تر شيئا
أعظمت الدنيا اعظام أهل الذنوب وأظهرت فيها نزاهة أهل الورع فان
كنت ترضى الله بذلك فدع مصر وارجع إلى بيتك وهذه الحرب ليس فيها
معاوية كعلي ابتدأها علي بالحق وانتهى فيها إلى العذر وبدأها معاوية بالبغي
وانتهى فيها إلى السرف وليس أهل العراق فيها كاهل الشام، بايع أهل العراق
عليا وهو خير منهم وبايع معاوية أهل الشام وهم خير منه وليس انا
وأنت فيها بسواء أردت الله وأردت أنت مصر وقد عرفت الشئ الذي
بادعك مني واعرف الشئ الذي قربك من معاوية فان ترد شرا لا نسبقك
به وان ترد خيرا لا تسبقنا إليه ثم دعا الفضل بن العباس فقال له يا ابن أم
أجب عمرا فقال الفضل:
يا عمرو حسبك من خدع ووسواس * فاذهب فليس لداء الجهل من آسي
الأبيات المذكورة في ترجمته ثم عرض الشعر والكتاب على علي ع
فقال: لا أراه يجيبك بشئ بعدها ابدا إن كان يعقل ولعله يعود فتعود إليه
فلما انتهى الكتاب إلى عمرو اتى به معاوية فقال: أنت دعوتني إلى هذا ما
كان أغناني وإياك عن بني عبد المطلب فقال: ان قلب ابن العباس وقلب
علي قلب واحد وكلاهما ولدا عبد المطلب وإن كان قد خشن فقد لان وإن كان
قد تعظم وعظم صاحبه فلقد قارب وجنح إلى السلم وكان معاوية
يكاتب ابن عباس فيجيبه بقول لين وذلك قبل ان تعظم الحرب فلما قتل
أهل الشام قال معاوية: ان ابن عباس رجل قريش وانا كاتب إليه في
عدواة بني هاشم لنا وأخوفه عواقب هذه الحرب لعله يكف عنا فكتب
إليه: إما بعد فإنكم معشر بني هاشم لستم إلى أحد أسرع بالمادة منكم إلى
أنصار عثمان حتى انكم قتلتم طلحة والزبير لمطلبهما دمه فان يكن ذلك
لسلطان بني أمية فقد وليها عدي وتيم أظهرتم لهم الطاعة وقد وقع من
الامر ما قد ترى وأكلت هذه الحروب بعضها من بعض حتى استوينا فقيها
فما أطمعكم فينا أطمعنا فيكم وما آيسكم منا آيسنا منكم وقد رجونا غير
الذي كان وخشينا دون ما وقع ولستم بملاقينا اليوم بأحد من حد أمس ولا
غدا بأحد من حد اليوم وقد قنعنا بما كان في أيدينا من ملك الشام فاقنعوا
بما في أيديكم من ملك العراق وابقوا على قريش فإنما بقي من رحلها
سنة: رجلان بالشام انا وعمرو ورجلان بالعراق أنت وعلي ورجلان
بالحجاز سعد وابن عمر واثنان من الستة ناصبان لكم واثنان واقفان وأنت
رأس هذا الجمع اليوم ولو بايع الناس لك بعد عثمان كنا إليك أسرع منا
إلى علي في كلام كثير فلما انتهى الكتاب إلى ابن العباس اسخطه ثم قال
حتى متى يخطب إلي عقلي وحتى متى أجمجم على ما في نفسي فكتب إليه:
إما ما ذكرت من سرعتنا بالمساءة في أنصار ابن عفان وكراهيتنا لسلطان بني
أمية فلعمري لقد أدركت في عثمان حاجتك حين استنصرك فلم تنصره حتى صرت إلى ما
صرت إليه وبيني وبينك في ذلك ابن عمك وأخو عثمان الوليد
ابن عقبة واما طلحة والزبير فنقضا البيعة وطلبا الملك فقاتلناهما على النكث
وقاتلناك على البغي واما قولك انه لم يبق من رجال قريش غير ستة فما أكثر
رجالها وأحسن بقيتها قد قاتلك من خيارها من قاتلك ولم يخذلنا الا من
خذلك وما إغراؤك إيانا بعدي وتيم فأبو بكر وعمر خير من عثمان كما أن
عثمان خير منك وقد بقي لك منا يوم ينسيك ما قبله ويخاف ما بعده واما
قولك انه لو بايع الناس لي لاستقامت لي فقد بايع الناس عليا وهو خير مني
فلم يستقيموا له وما أنت يا معاوية والخلافة وأنت طليق وابن طليق فلما
انتهى الكتاب إلى معاوية قال: هذا عملي بنفسي لا والله لا اكتب إليه كتابا
سنة. واختاره علي ع للحكومة يوم صفين فقال: هذا ابن عباس اوليه
ذلك وفي رواية عليكم بعبد الله بن عباس فارموا به عمرا فان عمرا لا
يعقد عقدة الا حلها عبد الله ولا يحل عقدة الا عقدها ولا يبرم أمرا الا
نقضه ولا ينقض أمرا إلا أبرمه فابى الأشعث والقراء ذلك وقالوا: والله ما
نبالي ان كنت أنت أو ابن عباس.
(٥٥)

وفي مناقب ابن شهرآشوب ان أمير المؤمنين ع انفذ يوم
الجمل زيد بن صوحان وعبد الله بن عباس إلى عائشة فوعظاها وخوفاها ثم
نقل عن رامش افزاي انها قالت لا طاقة لي بحجج علي فقال ابن عباس
لا طاقة لك بحجج المخلوق فكيف طاقتك بحجج الخالق.
كان ابن عباس تلميذ أمير المؤمنين ع وخريجه مضافا إلى ما
اخذه عن النبي ص ولذلك كان يسمى حبر الأمة وصحبه في حروبه كلها
الجمل وصفين والنهروان وولاه البصرة وكان يعده لمهام الأمور فقد أرسله إلى
أم المؤمنين بعد حرب الجمل فكان له في ذلك المقام المشهود والحجة القاطعة
واراده للحكومة يوم صفين فابى أهل الجباه السود العمي القلوب وبعثه إلى
الخوارج يوم النهروان فاحتج عليهم بأبلغ الحجج وكان له في نصرة أمير
المؤمنين وأبنائه مواقف مشهودة منها لما مر بصفة زمزم وسمع شاميا
يسب عليا ع ومنها مع عبد الله بن الزبير ومع معاوية وهو الذي كتب
إلى يزيد بعد قتل الحسين ع بما كتب وكان يمسك بركاب الحسنين
ع إذا ركبا وروى الكشي بسنده أنه قال لما أحضرته الوفاة
اللهم إني أحيا على ما حيي عليه علي بن أبي طالب وأموت على ما مات عليه
علي بن أبي طالب.
وقد نسب إليه انه فارق أمير المؤمنين ع واخذ مال البصرة وذهب
إلى مكة وأنكر ذلك جماعة روي الكشي في رجاله بسنده عن الزهري عن
الحارث قال استعمل علي ص على البصرة عبد الله بن عباس
فحمل كل مال في بيت المال بالبصرة ولحق بمكة وكان مبلغه ألفي ألف
درهم فصعد علي ع المنبر حين بلغه ذلك فبكى فقال هذا ابن عم
رسول الله ص في علمه وقدره يفعل مثل هذا فكيف يؤمن من كان دونه
الحديث وقال ابن الأثير في حوادث سنة ٤٠ في هذه السنة خرج
عبد الله بن عباس من البصرة ولحق بمكة في قول أكثر أهل السير وقد أنكر
ذلك بعضهم وقال لم يزل عاملا عليها لعلي حتى قتل علي وشهد صلح
الحسن مع معاوية ثم خرج إلى مكة والأول أصح وانما كان الذي شهد
صلح الحسن عبيد الله بن عباس اه ثم ذكر سبب خروجه وهو انه مر بأبي
الأسود وكان على قضاء البصرة فقال لو كنت من البهائم لكنت جملا ولو
كنت راعيا لما بلغت المرعى فكتب أبو الأسود إلى أمير المؤمنين ع ان ابن
عمك قد اكل ما تحت يديه بغير علمك فكتب إلى ابن عباس في ذلك
فكتب إليه ابن عباس ان الذي بلغك باطل فكتب إليه أمير المؤمنين ع
اعلمني ما أخذت من الجزية ومن أين أخذت وفيما وضعت فكتب إليه ابن
عباس قد فهمت تعظيمك مرزأة ما بلغك اني رزأته فابعث إلى عملك من
أحببت وخرج واستدعى أخواله من بني هلال بن عامر فاجتمعت معه قيس
كلها فحمل مالا وقال هذه ارزاقنا اجتمعت فتبعه أهل البصرة يريدون اخذ
المال فمنعته قيس ومضى إلى مكة اه. وفي نهج البلاغة من كتاب له
ع إلى بعض عماله ولم يصرح باسم المكتوب إليه والكتاب يتضمن
ذما عظيما للمكتوب إليه ولكن الكشي في رجاله روى بسنده عن الشعبي ان
المكتوب إليه هو عبد الله بن عباس لما احتمل بيت مال البصرة وذهب به
إلى الحجاز وذكر الكتاب بطوله وذكره ابن أبي الحديد في شرح النهج أيضا
ومن جملته فاني أشركتك في أمانتي وجعلتك شعاري وبطانتي ولم يكن في
أهلي رجل أوثق منك في نفسي فلما رأيت الزمان على ابن عمك قد كلب
قلبت لابن عمك ظهر المجن ففارقته مع المفارقين وخذلته مع الخاذلين وخنته
مع الخائنين فلا ابن عمك آسيت لا الأمانة أديت و وكأنك انما كنت تكيد
هذه الأمة عن دنياهم فلما أمكنتك الشدة في خيانة الأمة أسرعت الكرة
واختطفت ما قدرت عليه من أموالهم المصونة لأراملهم وايتامهم فحملته إلى
الحجاز غير متأثم من اخذه كأنك لا أبا لغيرك حدرت إلى أهلك تراثك من
أبيك وأمك فسبحان الله إما تؤمن بالمعاد أ وما تخاف نقاش الحساب أيها
المعدود عندنا كان من اولي الألباب ووالله لو أن الحسن والحسين فعلا مثل
الذي فعلت ما كانت لهما عندي هوادة. وبعد تصريح الكشي بان المكتوب
إليه ابن عباس لا حاجة إلى ما حكاه ابن أبي الحديد عن أصحاب القول
الأول من أنهم استدلوا على ذلك بألفاظ من الكتاب كقوله أشركتك في
أمانتي الخ، ولم يكن في أهلي رجل أوثق منك وقوله ابن عمك ثلاث مرات
وقوله لا أبا لغيرك وهذه كلمة لا تقال الا لمثله إما غيره من افناء الناس فكان
يقال له لا أبا لك وقوله أيها المعدود عندنا من اولي الألباب وقوله لو أن
الحسن والحسين الدال على أن المكتوب إليه قريب من أن يجري مجراهما عنده
قال الكشي وابن أبي الحديد واللفظ للثاني: فكتب إليه ابن عباس
جوابا عن هذا الكتاب: اتاني كتابك تعظم علي ما أصبت من بيت مال
البصرة ولعمري ان حقي في بيت المال أكثر مما أخذت فكتب إليه علي ع
ان من العجب ان تزين لك نفسك ان لك في بيت مال المسلمين من الحق
أكثر مما لرجل واحد من المسلمين وقد بلغني انك اتخذت مكة وطنا
وضربت بها عطنا تشتري بها مولدات مكة والمدينة والطائف تختارهن على
عينك وتعطي فيهن مال غيرك فارجع هداك الله إلى رشدك وتب إلى ربك
واخرج إلى المسلمين من أموالهم فعما قليل تفارق من ألفت وتترك ما جمعت
وتغيب في صدع من الأرض غير موسد ولا ممهد قد فارقت الأحباب
وسكنت التراب وواجهت الحساب غنيا عما خلفت فقيرا إلى ما قدمت.
فكتب إليه ابن عباس انك قد أكثرت علي ووالله لان القى الله قد احتويت
على كنوز الأرض كلها وذهبها وعقيانها ولجينها أحب إلي من أن ألقاه بدم
امرئ مسلم قال المؤلف ما ذكره ابن الأثير من أنه واجه أبا الأسود بهذا
الكلام البشع يصعب تصديقه فابن عباس كان اعرف بفضل أبي الأسود من
كل أحد فكيف يواجهه بهذا الكلام الذي لا يصدر الا من الاسافل وابن
عباس مع فضله وكمال معرفته لا يمكن ان يفوه بمثل هذا مهما كان السبب
الداعي إليه والذي يظهر ان ناسب ذلك إليه أراد الحط من مقام أبي الأسود
وابن عباس معا لغرض في نفسه وذلك لاخلاصهما في حب علي ع
وتشيعهما له. إما ما رواه أصحاب القول الأول من المكاتبة بين أمير المؤمنين
ع وابن عباس فان أمكننا تصديقه لم يمكنا تصديق الجواب الأخير منه
المشتمل على قول ابن عباس لان القى الله بكذا أحب إلي من أن القى الله
بدم امرئ مسلم فابن عباس مع فضله المشهور كيف يعيب أمير المؤمنين
ع بقتل من أمر الله بقتله وقتاله بقوله فقاتلوا التي تبغي وهبه أراد
التمويه والاقتداء بمن قال إن عمارا قتله من ألقاه إلينا افتراه كان يجهل ان
ذلك مما يعيبه به الناس ويوجب سقوطه من نفوسهم وهو كان شريكا في
تلك الدماء فيعيب نفسه قبل ان يعيب غيره وهو ليس بمضطر إلى هذا
الجواب كما اضطر من أجاب عن قتل عمار وإن كان قصده بهذا الجواب
ابداء عذره امام الناس فلم يصنع شيئا لان الناس يعلمون انه جواب فاسد
وانه شريك في تلك الدماء فيزداد بذلك لوما عندهم بدلا من أن يعذروه

(١) في كتاب لا أبا لك ولعله من سبق القلم أو تحريف النساخ فأمير المؤمنين عليه
السلام أجل من أن يقول ذلك لعمه وابن عمه.
(٥٦)

ولو قصد ذلك لاقتصر على جوابه الأول ان له حقا في بيت المال فاخذه فلما
اجابه علي ع انك أخذت أكثر من حقك كان يمكنه ان يجيب بجواب
مموه يدل على أنه ليس أكثر من حقه فيكون أقرب إلى القبول من هذا
الجواب الذي يعرف فساده كل أحد ومن ذلك يتطرق الشك إلى باقي
المكاتبة وجواباتها. وحكى ابن أبي الحديد عن الراوندي ان المكتوب إليه هو
عبيد الله لا عبد الله ورده بان عبيد الله كان عاملا لعلي على اليمن ولم ينقل
عنه انه اخذ مالا ولا فارق طاعة قال وقد أشكل علي أمر هذا الكتاب فان
قلت إنه موضوع على أمير المؤمنين ع خالفت الرواة فإنهم أطبقوا على
رواية هذا الكلام عنه وان صرفته إلى عبد الله بن عباس صدني عنه ما اعلمه
من ملازمته لطاعة أمير المؤمنين ع في حياته وبعد وفاته وان صرفته إلى
غيره لم اعلم إلى من اصرفه من أهل أمير المؤمنين وهو يشعر بان المخاطب
به من أهله وبني عمه اه أقول تصريح الكشي بأنه لأمير المؤمنين ع
إلى ابن عباس وظهور مضامينه ظهورا بينا في أنه لا يصلح ان يكون
المخاطب به غير ابن عباس لم يبق مجال لتردده.
ويظهر ان أمر مفارقته عليا ع واخذه مال بيت مال البصرة كان
مشهورا فقد حكي عن قيس بن سعد بن عبادة انه خطب الجيش الذي
أرسله الحسن ع للقاء معاوية عندما تركهم أميرهم عبيد الله بن
العباس وذهب إلى معاوية فقال ما معناه لا يهولنكم ما فعل فان هؤلاء قد
خرج أبوهم العباس لحرب الرسول ص وابنه عبد الله اخذ مال البصرة وهرب
إلى مكة وابنه عبيد الله فعل ما ترون. وقد عيره بذلك ابن الزبير فقال إنه
اخذ مال البصرة وترك المسلمين بها يرتضخون النوي ولم يتبرأ ابن عباس من
ذلك بل اجابه بأنه كان لنا فيه حق فاخذناه.
وقال ابن أبي الحديد: الأكثرون على القول الأول وقال آخرون وهم
الأقلون هذا لم يكن ولا فارق عبد الله بن عباس عليا ع ولا باينه ولا
خالفه ولم يزل أميرا على البصرة إلى أن قتل علي ع ثم قال وهذا عندي
هو الأمثل والأصوب اه. وقال العلامة في الخلاصة: كان محبا لعلي ع
وتلميذه حاله في الجلالة والاخلاص لأمير المؤمنين ع
أشهر من أن يخفى وقد ذكر الكشي أحاديث تتضمن قدحا فيه وهو أجل من
ذلك اه. ومن جملة تلك الأحاديث حديث مفارقته عليا ع واخذه مال
بيت مال البصرة المتقدم والحديث الآتي من كتاب أمير المؤمنين إليه في ذلك
وجوابه.
وقال الشهيد الثاني في حاشية الخلاصة: جملة ما ذكره الكشي من
الطعن فيه خمسة أحاديث كلها ضعيفة السند. وقال السيد ابن طاوس:
حاله في المحبة والاخلاص لمولانا أمير المؤمنين ع وموالاته والنصر له
والذب عنه والخصام في رضاه والمؤازرة له مما لا شبهة فيه ثم قال معرضا
باخبار الذم: ومثل الحبر موضع ان يحسده الناس ويباهتون.
كضرائر الحسناء قلن لوجهها * حسدا وبغيا انه لدميم
قال ولو ورد في مثله ألف رواية أمكن ان تعرض للتهمة فكيف بهذه
الاخبار الضعيفة الركيكة اه. قال ابن أبي الحديد ويدل على عدم مفارقة
ابن عباس أمير المؤمنين ع ما رواه أبو الفرج الأصفهاني انه لما استشهد
أمير المؤمنين ع دس معاوية رجلا من حمير إلى الكوفة ورجلا من
بني ألقين إلى البصرة يكتبان له بالاخبار فدل عليهما فقتلا فكتب عبد الله بن
العباس من البصرة إلى معاوية إما بعد فإنك ودسك أخا بني ألقين إلى
البصرة تلتمس من غفلات قريش إلى آخر الكتاب فهو يدل على وجوده في
البصرة عند وفاة أمير المؤمنين ع. قال وقالوا كيف يكون ذلك ولم
يخدعه معاوية ويجره إلى جهته فقد علمتم كيف اختدع كثيرا من عمال أمير
المؤمنين ع واستمالهم بالأموال فما باله وقد علم النبوة التي حدثت بينهما
لم يستمل ابن عباس وكل من قرأ السير وعرف التواريخ يعرف مشاقة ابن
عباس لمعاوية بعد وفاة علي ع وما كان يلقاه به من قوارع الكلام وما
كان يثني به على أمير المؤمنين ويذكر خصائصه وفضائله ويصدع به من
مناقبه وماثره فلو كان بينهما غبار أو كدر لما كان الامر كذلك اه.
قال المؤلف: انكار اخذ ابن عباس المال من البصرة وانكار كتاب
أمير المؤمنين ع إليه المقدم ذكره صعب جدا بعد ملاحظة ما تقدم ولا
يحتاج فيه إلى تصحيح روايات الكشي وبعد ما ذكرناه من الشواهد على اشتهار
الامر في ذلك كما أن اخلاص ابن عباس لأمير المؤمنين ع وتفوقه في
معرفة فضله لا يمكن انكاره والذي يلوح لي ان ابن عباس لما ضايقه أمير
المؤمنين ع في الحساب عما اخذ ومن أين اخذ وفيما وضع كما يقتضيه
عدله ومحافظته على أموال المسلمين وعلم أنه محاسب على ذلك أدق حساب
وغير مسامح في شئ سولت له نفسه اخذ المال من البصرة والذهاب إلى
مكة وهو ليس بمعصوم وحب الدنيا مما طبعت عليه النفوس فلما كتب إليه أمير
المؤمنين ع ووعظه وطلب منه التوبة تاب وعاد سريعا وعدم نص
المؤرخين على عوده لا يضر بل يكفي ذكرهم انه كان بالبصرة عند وفاة أمير
المؤمنين ع كما دل عليه كتابه السابق إلى معاوية إما الجواب الأخير الذي
زعموا انه أجاب به أمير المؤمنين ع فمعاذ الله ان يصدر منه والله العالم
بحقائق الأحوال.
وقد جاء في الجزء أول من أمالي المرتضى:
روى أبو عبيدة قال: دخل عمرو بن عبيد على سليمان بن علي بن
عبد الله بن العباس بالبصرة فقال له سليمان: اخبرني عن صاحبك يعني
الحسن البصري إلى أن قال فقوله في عبد الله بن العباس يفتينا في القملة
والقميلة وطار بأموالنا في ليلة فقال له: فكيف يقول هذا وابن عباس لم
يفارق عليا حتى قتل وشهد صلح الحسن ع وأي مال يجتمع في
بيت مال البصرة مع حاجة علي إلى الأموال وهو يفرع بيت مال الكوفة في كل
خمس ويرشه وقالوا انه كان يقيل فيه فكيف يترك المال يجتمع بالبصرة؟ هذا
باطل.
وقال عبد الله بن العباس في أمير المؤمنين علي ع:
وصي رسول الله من دون أهله * وفارسه ان قيل هل من منازل
فدونكه ان كنت تبغي مهاجرا * أشم كنصل السيف غير حلاحل
الشيخ عبد الله بن عباس البحراني
توفي في حدود ١٢٧٠ فقيه محدث له ١ شرح المختصر النافع ٢ تفسير القرآن مختصر
٣ منية الراغبين في فقه الطهارة والصلاة ٤ شرح على شرح السيوطي
(٥٧)

على الألفية ٥ متعهد المسائل في الفقه ٦ بهجة الناظرين في اعراب
القرآن وتجويده. وعرض له رمد وذهبت منه عيناه ولم تختلف حاله في كل
ما كان عليه حتى في التصنيف كان يملي على تلامذته ومما املاه متعهد المسائل
ثم عالج عينيه فبرأت واحدة منهم قرأ على الشيخ حسين آل عصفور وعلى
أبيه الشيخ حسن.
الشيخ عبد الله بن عباس البلاغي العاملي
كان شاعرا أديبا ظريفا خفيف الروح حاضر الجواب مليح النادرة
وكان متصلا بعلي بك الأسعد ويعتمد عليه في مهام أموره وكان له اتصال
تام بأعمامنا وأقربائنا في شقراء وبينه وبينهم مراسلات ومحاورات أدبية ذكره
صاحب جواهر الحكم في كتابه فقال كان من طراز الأدباء وأعلى أفراد
النجباء يعده البك لمهمات أشغاله سفيره الأول ولا رأي مع رأيه كان يراسله
إلى الوزراء والولاة والحكام كان سفيرا متكلما عارفا بالفنون والتواريخ
حاضر الجواب حاد الفكر ألمعي الفطنة لسنا ذربا ودودا ألوفا بارا باهل
حرفته وبعد وفاة حمد البك بقي على حال عند ابن أخيه علي بك من
السفارة والوزارة هو المستشار الذي ليس لرأيه رد وله أجوبة ومواقع حسنة
مع الوزراء وكان صاحب رأي وتدبير وله في الأدب الباع الطويل وان لم
يقرأ العربية اه. فمن نوادره انه كان في بيروت في منزل بعض أعيانها وفي
المجلس رجل من أكابر كسروان فقال وهو لا يعرف البلاغي كل المذاهب
قد عرفت الا مذهب الشيعة فقال له البلاغي: انا اعرف مذهبهم قال: ما
هو قال: يقولون إن الآلهة ثلاثة قال: ومن هم قال: اله السما واله
الأرض واله لكسروان فإذا فرع اله السماء من تدبير الكواكب والرياح
والغيوم والأمطار والملائكة نزل إلى الأرض فيعين إلاهها على تدبير أمر
الجبال والبحار وغيرها فإذا فرغا من ذلك آتيا إلى اله كسروان فوجداه لم
يصنع مع أهلها شيئا وهو في جدال وخصام فيتعاون الثلاثة على أهل
كسروان إلى نصف الليل ولا يقدرون ان يصنعوا معهم شيئا لغلظ عقولهم
فخجل الكسرواني واعتذر إلى البلاغي ومن نوادره ان مدحت باشا والي
سوريا كان يوما في دعوة على نهر القاسمية والشيخ عبد الله البلاغي حاضر
فقال له الباشا: يا شيخ تريد أن تكون في الجنة أو في النار فقال: بل في
النار قال: لما قال: لاكون مع الباشوات والبكوات أصحاب الشأن الكبير
أمثال دولتكم وما اصنع بالكون في الجنة مع المشائخ والفقراء فضحك الباشا
واجازه.
ومن نوادره انه قدم على علي بك في الزرارية وقت الغداء فقال
علي بك: البلاغي لا يتغدى لأنه شبعان فقال الطعام حكم بيننا.
ولما سافر عمنا السيد عبد الله إلى العراق ارسل إلى الشيخ عبد الله
قصيدة فاجابه الشيخ عبد الله بهذه القصيدة وأشار إلى سفرة سافرها معهم
إلى بيروت فماتت فرسه في قرية بريقع من اعمال الشقيف وهي هذه:
سلامي مدى الأيام لن يتصرما * على من عليه الله صلى وسلما
أبي الحسن المولى الذي صار حجة * على الخلق في الدنيا وفي الدين قيما
عليه سلامي ما حييت وما همى * سحاب وما طير الغصون ترنما
أناديك يا خيرا الوصيين من به * نجاتي ومن فوق السما قدره سما
فكن لعلي نجل أسعد مسعدا * وحصنا إذا الدهر الخئون تبرما
وكن لاخي يا داحي الباب صالب * معينا وفي الدراين من خطبه حمى
ومن بتوفيق إلى حسن أخي * وكن حرزه من كل خطب تجهما
ووفق سميي العالم الفاضل الذي * اتاك وفي حجر السيادة قد نما
وفى لي على بعد ومن فيض فضله * حباني قريضا كالدراري منظما
تشعشع من نحو العراق ضياؤه * فأشرق في لبنان ما كان مظلما
ذكرت به العهد القديم واعصرا * تقضت بشقرا وعيشا تصرما
الا هل ارى من بعد ما أقفر الحمى * ليالي انس كنت فيها منعما
ليالي كنا والسرور يحوطنا * سرادقة والهم ولى واحجما
ومن فوق أشجار من التين نرتقي * ولا نبتغي والحمد لله سلما
فنأكل عجرا لو به كنت ضاربا * على رأس حاخام اليهود لأسلما
نروع من أبناء اوى عصائبا * ونضرب بالأحجار فذا وتوأما
ونقتلع البطيخ مع أصله معا * ونأكله قهرا ولو كان علقما
ويا لك من يوم ببيروت كلما * تذكرته تجري الدموع له دما
فقدت به خرجا جديدا وجبة * وثوبا وسروالا وخفا ومحزما
أ تذكر إذ كنا نياما وتحتنا * قبور وما نلنا غطاء سوى السما
ولما إلى الدامور جئنا وقد أبت * به فرسي في السير ان تتقدما
ففاتت خيول القوم عني ولم أجد * سواكم يواسيني إذا الليل اظلما
وغير الفتى المهدي فينا اخيكم * فبالنفس واسانا وجاد تكرما
وأصبحت الشقرا تجود بنفسها * وقد جمعت رأسا وذيلا ومنسما
أحطنا بها نبغي هناك قيامها * ونرفعها حملا وقد كظنا الظما
إلى أن بلغنا بعد جهد بريقعا * لذا صغروها حيث أردت مطهما
وملنا إلى المعاز نلتمس القرى * فكان قراه للضيوف تبرما
وأقسم ان الزاد من تسعة مضت * عليه سوى الخروب كان محرما
فعدنا إليها املين نهوضها * وهل حيلة في الحكم إن كان مبرما
فماتت وفات الامر واستحكم القضا * وكان الذي في علم ربي تقدما
وكنت بها في حلبة السبق سابقا * واردي من الفرسان من كان ضيغما
وكنت إذا أجريتها نحو غاية * أصول بعزم حده لن يثلما
وجئنا إلى نحو البلاد ثلاثة * وأصبحت الشقراء شلوا مقسما
فيا سيدا قد كان للقلب مالكا * وقد كان لي كفا وزندا ومعصما
لقد نعمت نفسي زمانا بقربه * ففارقني نحو العراق ميمما
فكن لي فدتك النفس كهفا وناصرا * على الزمن العادي إذا سهمه رمى
وبلغ أخي عني سلامي وبثه * شكاية من اضحى عميدا متيما
ووسع له عذري وان كنت جانيا * فكان أخي مني أبر واكرما
فشوقي إليه صير القلب ذائبا * ودمع عيوني من دم القلب قد هما
سألتك بالمختار إن كان ساخطا * على عبدكم ترضيه عني بكلما
فديتك ما ارضى فؤادي بكلما * حكمت وما أحلاه حكما وأقوما
فهذا أخي والله يرشد امره * رأى حكما عدلا يرى العدل مغنما
الشيخ عبد الله نعمة الأول
هو الشيخ عبد الله بن علي بن نعمة المشطوب العاملي توفي سنة
١١٤٣ من أجداد الشيخ عبد الله آل نعمة العالم الفقيه المشهور الآتي
ترجمته. كان عالما فاضلا حكى لي الشيخ محمد علي نعمة انه وجد بخطه
كتاب التهذيب عند الحاج إبراهيم خليفة في الغازية وعليه اجازة له من
بعض آل الحر. وفي بعض تواريخ جبل عامل المخطوطة قال: في هذه
السنة توفي الشيخ عبد الله آل نعمة مما دل على أن له ذكرا ونباهة.
(٥٨)

الشيخ عبد الله بن عبد الله بن أحمد السرحي بلدا القرشي نسبا
قرأ على أخيه الحسن بن عبد الله في علم النجوم وشاركه في تاليف
بغية الطالب له غاية اتقان الحركات للسبعة الكواكب السيارات وجدت منه
نسخة تاريخ كتابتها سنة ١١٠٥ وله غاية الاختصار كتبه لوالد الخواجة
نصير الدين الطوسي حسن بن محمد بن محمد كما يقال ولعله لبعض
احفاده.
: الميرزا عبد الله المعروف بعبد الجليل خان
له ربيع القلوب فارسي في ثلاث مجلدات في أحوال أمير المؤمنين
ع فرع منه سنة ١١٤٦ (١).
عبد الله بن عبد الرحمن الأصم المسمعي البصري
مات في المائة الثانية. من أصحاب الصادق ع يروي عن مسمع
كردين له ١ المزاد ٢ الناسخ والمنسوخ.
عبد الله بن عبد الرحمن الأنصاري
كان مع أمير المؤمنين ع بصفين ولما نكل معاوية عن المبارزة
يوم صفين وقال عروة بن داود الدمشقي إن كان معاوية كره مبارزتك يا أبا
الحسن فهلم إلي فضربه علي فقطعه قطعتين أنشأ عبد الله يقول:
عرو يا عرو قد لقيت حماما * إذ تقحمت في حمى اللهوات
أ عليا لك الهوان تنادي * ضيغما في أباطل الحومات
ليس لله فارس كابي الشبلين * ما ن يهوله المقلقات
مؤمنا بالقضاء مختشعا بال‍ * خير يرجو الثواب بالسابقات
ليس يخشى كريهة في لقاء * لا ولا ما تجي به الآفات
فلقد ذقت في الجحيم نكالا * وضراب المقامع المحميات
يا ابن داود قد وقيت ابن هند ان يكون القتيل في المقفرات
السيد أصيل الدين عبد الله بن عبد الرحمن الحسيني الدشتكي الهروي
له غرفة الحصن الحصين ذكره في كشف الظنون وأكثر من النقل عن
غرفة الحصن الحصين السيد عبد الحسيب بن أحمد العلوي العاملي في كتابه
الجواهر المنثورة في الأدعية المأثورة.
عبد الله بن علي بن أحمد البحراني توفي في شيراز سنة ١١٤٨
عالم حكيم فاضل صاحب رسائل متعددة في المعقول من مشايخ
صاحب اللؤلؤة والشيخ احمد زين الدين الأحسائي ويروى عن المحقق
الشيخ سلمان البحراني الماحوزي.
: السيد عبد الله بن علي بن زهرة الحسيني الحلبي
عالم فاضل فقيه محقق ثقة له من المؤلفات ١ التجريد في الفقه
٢ تبيين المحجة في كون اجماع الامامية حجة ٣ التبيين لمسألتي
الشفاعة وعصاة المسلمين وجوابها ٤ مسائل ورسائل في الفقه.
السيد عبد الله الأمين عم المؤلف
كان عالما فاضلا صالحا شاعرا قرأ في جبل عامل على المرحوم الشيخ
عبد الله نعمة في جبع ثم سافر إلى العراق وقرأ على عدة مشايخ منهم الشيخ
مرتضى الأنصاري وصارت له صداقة أيام وجوده في العراق مع عبد الباقي
العمري الشاعر الشهير ومع السيد صالح القزويني صاحب القصائد الطويلة
في أئمة أهل البيت ع وجرت بينهما مراسلات بعد رجوعه إلى جبل عامل ثم عاد إلى
جبل عامل وتوطن قرية شقرا إلى أن توفي بها.
ومن شعره قوله مادحا:
رشا ببرد جماله متبرج * وبنشر عنبر خاله متأرج
ومن الغدائر بالدلاص مسربل * ومن المحاسن بالسلاح مدجج
عذب اللمى قاني الخدود مهفهف ال‍ * أعطاف مكحول العيون مزجج
قد ساع سلسال الرضاب بثغره * للواردين فأين منه الحشرج
خصر بمرهفه يجول وشاحه * ويد بمعصمها يضيق الدملج
جرحت محاجره القلوب فخده * كبنانه بدم القلوب مضرج
وبمهجتي خودا علي أعانها * قد رديني وطرف أدعج
فكانها قمر السماء سنا وعن * فلك السماء بها استقل الهودج
أتحرج اللحظات فيه وانه * يفتي بسفك دمي ولا يتحرج
وبوجهها انبلج الصباح كأنه * بجمال نور علينا متبلج
علم بصدر قناته قام الهدى * وبه استقام إلى الرشاد المنهج
العدل في أبياته والفتك في * أسيافه والعز عنها ينتج
هذي صنائعك السنية في الورى * ظهرت والسنة الثنا بك تلهج
وسنا علائك في الورى متشعشع * ابدا ونارك للقرى تتأجج
لله كم لك من يد بيضاء في * نعمائها كرب الخطوب تفرج
هذي الكرام غدت ببابك عكفا * ولغير نهجك في العلى لا تنهج
وإذا جريت تأخروا وإذا خطو * ت تقاصروا وإذا نطقت تلجلجوا
قل للذي في المجد حاول شاوه * اقصر فأنت بما تحاول أهوج
أين الهجين من الهجان إذا هما * استبقا وأين من الهزبر الأخرج
شتان في طلب العلى بين البرا * يا المستقيم طريقه والأعوج
روجت سوق المجد بعد كساده * فيهم وليس لها سواك مروج
تزهو بكم تبنين في الدنيا كما * يزهر بمطلول الرياض بنفسج
وأقمت فيها ناشرا للعدل في * ارجائها والمجد أبيض أبلج
أرجت أنفاس القريض ولم يزل * بأريج ذكرك نشره يتأرج
الشيخ عبد الله ابن الشيخ علي ابن الشيخ يحيى المجد حفصي البحراني
له كتاب حياة القلوب وله أنوار المصابيح في مختصر شرح المفاتيح وهو
مختصر من مصابيح اللوامع في شرح مفاتيح الشرايع. والمصابيح هذا هو
للشيخ حسن العصفوري أستاذ الشيخ عبد الله المذكور في عدة مجلدات.
السيد أبو زيد عبد الله بن علي الكبابكي الحسيني الجرجاني
ابن عبد الله بن عيسى الحسيني الجرجاني بن زيد بن علي إلى اخر
نسبه. الفقيه الفاضل والد السيد المنتهى وهو يروي عن ابن شهرآشوب
يتوسط ولده السيد المنتهى المذكور وهو يروي عن السيد المرتضى والسيد
الرضي والشيخ الطوسي كما يظهر من مناقب ابن شهرآشوب. (٢)

(١) يقال كبش اخرج وظليم اخرج إذا كان فيه بياض وسواد.
(٢) الرياض.
(٥٩)

الشيخ عبد الله نعمة أبو الحسن بن علي بن الحسين ابن الشيخ عبد الله بن
علي بن نعمة المشطوب العاملي الجبعي.
مولده ووفاته
ولد سنة ١٢١٩ وتوفي فجر الثلاثاء لأربع بقين من شهر ربيع الثاني
سنة ١٣٠٣ في جبع ودفن فيها وعمره سبع وثمانون سنة ورثته الشعراء
ومنهم هذا الفقير مؤلف الكتاب وأقام له مجلس الفاتحة الشيخ موسى شرارة
في بنت جبيل وكنا يومئذ نقرأ عليه فيها وكذلك أقام له مجلس الفاتحة شريكه
في الدرس الشيخ الفقيه الشيخ محمد حسن آل ياسين الكاظمي في
الكاظمية.
أحواله كان عالما جليلا شاعرا أديبا ذا أخلاق سامية وصفات جليلة
لطيف المعاشرة حاضر النكتة بهي الطلعة صبيح الوجه حسن السمت قرأ في
جبل عامل ثم هاجر إلى العراق فقرأ في النجف الأشرف على كثير من
علمائها المبرزين خصوصا أولاد الشيخ جعفر وتفقه بهم وكان مسلكه في
الفقه مسلكهم وطلب أهل مدينة رشت عالما مرشدا يكون عندهم فاختاره
لهم شيخه الشيخ علي ابن الشيخ جعفر فنهاه الشيخ محمد حسن صاحب
الجواهر عن ذلك وكانا حينئذ في الحجرة المدفون بها صاحب مفتاح الكرامة
فقال له اني طلبت إلى إيران فنهاني صاحب هذا القبر وقال لي اني أتوسم
فيك مخايل الرياسة فابق في النجف ولا تخرج منها تكن من الرؤساء قال
المترجم فخالفته وذهبت إلى رشت. وقد ندمت لمخالفته وبقي في رشت
نحو اثني عشرة سنة ثم عاد إلى جبل عامل فسكن جبع واصل عائلته من
حبوش.
وكان حسن الحديث لسنا طلق اللسان حلو العبارة لطيف الإشارة
عذب الألفاظ لو جالسته الدهر لما أحدث لك طول مجالسته مللا بل تود ان
يكون لكل جارحة منك سمع.
ولما عاد إلى جبل عامل وسكن جبع رأس في جميع البلاد ورجعت إليه
ناس في جميع الأمور الدينية وكانت له الرياسة المطلقة الدينية في جبل عامل
وجميع بلاد الشيعة في سورية ونال عند الناس مقاما وموقعا في النفوس لم
يصل إليه غيره حتى صارت تضرب به الأمثال فإذا أرادوا التبرم بمن يطيل
الصلاة قالوا له هل صلاتك صلاة الشيخ عبد الله نعمة وإذا مدت المرأة
يدها إلى محرز الحب أو الطحين تقول يا بركة الله وبركة الشيخ عبد الله.
وسب رجل قصاب الدين في بلدة النبطية التحتا فأخبر الشيخ بذلك فنهى
عن اكل ذبيحته فلم يشتر منه أحد فجاء إلى الشيخ خاضعا ذليلا تائبا نادما
وكان عبرة لغيره.
وأسس في جبع مدرسة دينية اجتمع فيها عدد كثير من الطلاب من
جميع انحاء البلاد وأنفق الحاج سليمان الزين في سبيلها كثيرا من المال لكن
هذه المدرسة لم تف بالغرض المطلوب من أبنائها لأنه رحمه الله كان يقتصر في
بحثه على الفقه خاصة ويكل سائر العلوم من علوم العربية والبلاغة والمنطق
والأصول وغيرها إلى غيره كما أنه كان يكل إدارة المدرسة إلى غيره وكان
الذين يحضرون درسه في الفقه غير متشبعين بما يحتاج إليه علم الفقه من
المقدمات فلم يستفيدوا في الفقه كبير فائدة وكان من أوكل إليهم إدارة
المدرسة يسيرون بها على الطريقة القديمة العقيمة في كيفية التدريس والقاء
الدروس فكانوا يقضون عشرات السنين في علمي النحو والصرف ويلقون
الدرس معرضين عن عبارة الكتاب وتفسيرها ويلقون أبحاثا خارجة عنها لا
يفهم الطلاب جملة منها ولعل الأساتذة أيضا كانوا لا يفهمون جملة مما يلقونه
فكانت الفائدة الحاصلة من تلك المدرسة لا تتناسب مع الجهود والأموال
والأوقات التي صرفت عليها وأخيرا ترك التدريس وعطلت المدرسة وتفرق
طلابها. رأيته مرتين في جبل عامل فرأيت رجلا مهيبا وقورا بهي الطلعة
أبيض الوجه واللحية وكنت صغير السن وكانت له في كل سنة دورة على
عموم بلاد الشيعة فيأتي إلى بلاد بشارة وجبل لبنان وبلاد بعلبك ودمشق
وبلاد حمص وحلب وغيرها وكان كثيرا ما يصوم شهر رمضان في دمشق لكن
لا يصل إليه الا وجوه الشيعة وشيوخهم فتقل بذلك الفائدة من وجوده وكان
يذهب في أموره مذهب علماء العجم لسكناه مدة في بلادهم ورأيت ورقة
بخطه في دمشق يثبت بها نسب آل الشجاع الدمشقيين وانهم من ذرية
الفاطميين ويثبت نسب الفاطميين كما رأيت خط عم والدي السيد احمد ابن
السيد محمد الأمين في دمشق باثبات نسبهم.
وكان حسن الإدارة لاملاكه وأمواله يقوم عليها بنفسه ويقتني بغلا
يحمل عليها نواتج ارضه وأشجاره وأنشأ بستانا في جبع اسمه الكسارة كان
يضرب المثل في عمرانه وبه كان مدفنه ثم أصبح بعد وفاته اثرا بعد عين قد
استولى عليه الخراب وكان له جاه عظيم عند امراء البلاد لا سيما علي بك
الأسعد صاحب تبنين وابن عمه محمد بك وكان إذا جاء إلى بلاد بشارة
يستقبلانه مع اتباعهما ووجوه البلاد إلى جسر القاقعية على نهر الليطاني
فيحضر معهما إلى تبنين ولا يصعد إلى القلعة مقر امارة علي بك ولا يقبل
دعوته ولا يأكل طعامه ويقول له أنت ظالم لا ادخل منزلك ولا آكل زادك
وينزل في دار رجل صالح متفقه يسمى الشيخ حمود في قرية تبنين ومع ذلك
فعلي بك يعظمه تعظيما لا يصل إليه أحد فيستقبله إلى الجسر مسافة نحو
أربع ساعات وإذا كتب له الشيخ كتابا شفاعة في أحد أو لأمر من الأمور
قصه سطورا واستشفى به للمرضى فيذيبه في الماء ويسقيه لهم أو يعلقه
عليهم وجرت بعض الهنات بينه وبين آل الحر فبلغ ذلك الأميرين فسارا
بخيلهما ورجلهما إلى جبع للانتقام فلما بلغ الشيخ ذلك جاء بنفسه حتى
جلس على باب دارهم ومنع من الدخول إليها ولم يدع ان يجري على أحد
منهم أقل أذية وتخلف بولد واحد ذكر هو الشيخ حسن ومرت ترجمته في
بابها.
وقال صاحب تكملة أمل الآمل في حقه: فاضل فقيه ماهر في العلوم
الدينية غير مدافع كان شيخ كل البلاد الشامية ولو كان في النجف لكان
شيخ كل البلاد الاسلامية حدثني السيد العالم الفاضل الثقة العدل الضابط
السيد محمد الهندي قال كنت جالسا تحت منبر شيخنا صاحب الجواهر مع
العلماء فجاء الشيخ وصعد المنبر وقبل الشروع في الدرس قال كتب إلي
بعض الاخوان من طهران ان الشاة محمد القاجاري في صف السلام قال إن
عند الشيخ محمد حسن النجفي مصبغة الاجتهاد يصبغ فيها الطلبة
ويرسلهم إلى إيران، مع أنه يعلم اني لم أشهد باجتهاد هؤلاء الذين كتبت
بالرجوع في المسائل والقضاء إليهم فان مذهبي في المسألة معروف اني أجوز
القضاء بالتقليد نعم ما شهدت في كل عمري باجتهاد أحد الا أربعة الشيخ
عبد الله نعمة العاملي والشيخ عبد الحسين الطهراني والشيخ عبد الرحيم
البلوجردي والحاج ملا علي الكني قال والغرض ان الشيخ عبد الله
(٦٠)

نعمة من المسلم لهم عند الأساطين وقد سمعت من حجة الاسلام الشيخ
محمد حسن آل يس الكاظمي طاب ثراه ثناء عظيما بالنسبة إلى الشيخ
عبد الله نعمة وهو صاحبه وشريكه في الدرس وكان له معه اخوة خاصة
وبالجملة كان هذا الشيخ الجليل في تلك البلاد مجهول القدر مع ذلك
اه.
يقول المؤلف المقدار الذي يسعه ما عون جبل عامل قد امتلأ من
معرفة فضل الشيخ وجلالة شانه وجبل عامل بلاد الزهد والقناعة والتقشف
للعلماء وإذا نظرنا إلى أن المحقق الشيخ علي بن عبد العالي الميسي وتلميذه
الشهيد الثاني كانا ينقلان الحطب ليلا على حمار لهما ولتلاميذهما وان الشهيد
الثاني كان يحرس الكرم ويشتغل بالتجارة في الشريط ويذهب مع جمالة أهل
جبل عامل كأحدهم إلى الأماكن البعيدة لبيع سلعته وان الشيخ محمد علي
عز الدين الفقيه المجاهد المعروف يقضي جملة من وقته على البيدر وينظر في
أمر الزراعة والفلاحة ويتجر، إلى غير ذلك ما لا يمكن احصاؤه ونظرنا إلى أن
المجلسي كانت جواريه التي في المطبخ تلبس شالات الترم التي تساوي
مئات التوامين وعلماء إيران والهند وغيرهم لهم الخدم والحشم ويسكنون
القصور وفسيح الدور علمنا أن الشيخ عبد الله نعمة لم يكن مجهولا في جبل
عامل وان ما عون جبل عامل قد امتلأ بمعرفة علمه وفضله وجلالة قدره.
مشائخه
قرأ أولا على الشيخ حسن القبيسي العاملي في الكوثرية ثم ذهب إلى
العراق فتلمذ على الشيخ علي ابن الشيخ جعفر صاحب كشف الغطاء كما
عرفت وتلمذ على الشيخ محمد حسن صاحب الجواهر وتلمذ في جبل عامل
على أساتذة لم تحضرنا أسماؤهم وكذلك في العراق غير من ذكر.
تلاميذه
له تلاميذ كثيرون منهم الشيخ محمد علي آل عز الدين والشيخ على
السبيتي والشيخ مهدي شمس الدين والشيخ علي الحر والشيخ عبد السلام
الحر والشيخ حسن بن سعيد الحر والشيخ محمد حسين المحمد الجبعي
المعروف بالحر والشيخ محمد سليمان الزين واخوه الشيخ أبو خليل الزين
وأعمامنا السيد مهدي والسيد عبد الله والسيد محمود وجدنا الشيخ محمد
حسين فلحة الميسي وغيرهم.
مؤلفاته
له رسالة صغيرة في الطهارة وتعليقات على قواعد العلامة.
موقفه في فتنة الستين
جاء في كتاب مجمع المسرات تاليف الدكتور شاكر الخوري:
انه في حادثة الستين التي كانت بين الدروز والنصارى سنة ١٨٦٠ م
الموافقة ١٢٧٧ ه: انه عمل معروفا مع النصارى لا يقدر. وتفصيل هذا
الذي أشار إليه الدكتور الخوري هو ان المترجم آوى جماعة منهم في داره
وأكرمهم ولكن أهالي الشوف لما علموا بوجودهم في جبع هجموا عليها
ودخلوا دار الشيخ عبد الله نعمة وفتكوا بمن التجأ إليها ونهبوا داره. ولما
جاء فؤاد باشا من استانبول لقمع هذه الفتنة وعمل مجلسا فوق العادة
وكان علي بك الأسعد أمير جبل عامل من أعضائه وجاء علي بك إلى دمشق
مع ألف خيال من رجاله جاء الشيخ عبد الله نعمة إلى دمشق يطالب
بمنهوباته ودخل مجلس فؤاد باشا وفيه علي بك فاجله علي بك كثيرا وعرف
به فؤاد باشا الا انه لم يرجع له شيئا من منهوباته ولا عوض عنها فذهب إلى
استانبول فلم يستفد شيئا ولكن جماعة من الإيرانيين فيها جمعوا له مبلغا
من المال لما علموا بالحال.
ثم قال الدكتور الخوري: ان مشايخ المتأولة عملت كل معروف
مع النصارى وكانوا يصرفون من أموالهم الخاصة عليهم فلذلك يلزم أن تكون
النصارى مدينة بالمعروف والجميل لهم ولا ينسوا حسين بك الأمين
والشيخ فضل وولده حسن بك والشيخ علي الحر والشيخ عبد الله نعمة من
جباع إلى اخره ولا أولادهم إلى من يأتي من نسلهم فيما بعد.
شعره
له عدة قصائد ومقطعات منها قوله:
لي الله كم يممت نجدا وتلعة * وكم روضت عيني محول المرابع
خليلي هل قلب يباع فإنني * فقدت فؤادي بين تلك الأزارع
وهل وقفة تشفي الغليل ونظرة * وإن كان حتفي من بروق لوامع
وهل قائل للصب بشرى بعودة * تبوخ بها نار الجوى من أضالعي
وقوله:
دعها تشن إلى العلى غاراتها * حتى تقوم على ربا كوفان
اخوان صدق لو نزلت بحيهم * فاحت عليك روائح الاخوان
ومن قصيدة نظمها في مهجره يحن فيها إلى وطنه جباع:
رعى الله طودا فد نشأت بظله * وحياه من صوب الغمام بنافع
فان به داري ومنزل جيرتي * وملعب اترابي وروض مراتعي
لقد برح الشوق الملح بناظري * وأذكى لهيبات الغضا في أضالعي
أبى الوجد الا ان يبيض ناظري * كما أبيض فودي واستصمت مسامعي
وما انا ان شط المزار بذاهل * عن الود حتى تحتويني مصارعي
تروم اتصالا بالحبيب وبيننا * مهامه بيد لا ترق لضارع
أ أنسى رياض الحي وهي مريعة * وشادي العلا يشدو بتلك المجامع
وأنسى ظباء الحي وهي أوانس * تلوذ بظبي مسفرات البراقع
عسى نفحة تسري إلى الحي بكرة * فيصبح ممطور الثرى بمدامعي
فيا برق يمم سفح لبنان قاصدا * ربوع أحبائي الكرام وسارع
وبلغ سلامي في السفيح لمعشر * هجرت لهم بعد الفراق مضاجعي
سقى الله أياما تقضت بعامل * فقد كان مسراها كوثب المسارع
وقل لهم ذلك الكئيب الذي نأى * على رغمه عن عهده غير راجع
وحدث حديثي للديار وأهلها * فان حديثي من غريب الوقائع
لعل عيونا من صخور جوامد * تفور جوابا عن ديار بلاقع
وله أيضا متذكرا أيام اجتماع التلامذة عليه:
إذا ذكرت نفسي زمانا تصرمت * لياليه بالدهنا وشملا تجمعا
هتفت بهاتيك الصحاب كأنني * وليد تمنى بالعشية مرضعا
(٦١)

وله أيضا:
ولما افترقنا والقلوب من الجوى * تلوب ونار الشوق ملء الأضالع
سمحت بدمع من جفون قريحة * ومكنت سني من رؤوس الأصابع
وله أيضا:
لا تكثرن من الشكاية ان اتى * أمر الاله واظلمت تلك اللجج
واصبر كما صبر الكرام فربما * جرت إليك عواقب الصبر الفرج
وله:
لئن منعت عني كلاما أحبه * فاني ورب الراقصات لهالك
وان أسلبت دوني الحجاب فان لي * عيون فؤاد بالحجاب سوالك
وله:
يا رب ما لي غير بابك ملتجأ * أنت الرجاء وأنت نعم المرتجى
كم شدة شدت علي ومحنة * طالت وكان نهارها مثل الدجى
أوليت عبدك يا إلهي صرفها * منا فعاد ظلامها متبلجا
هذي العتاة تتابعت في بغيها * حتام تعدو يا إلهي مفرجا
وله:
لعل الحمى يوما تعود سعوده * فيخضر واديه ويورق عوده
وله متشوقا إلى العراق:
يا راكبا يطوي الفلاة ميمما * ارض العراق مواطن الاخوان
عج بالغري مقبلا تلك الربى * ركن الامام ومنبت الايمان
قبر الأمير وقطب دائرة العلا * خير الأنام وغرة الإنسان
عجلان يحدو جسرة قد شفها * طول السرى وتذكر الأوطان
خرقاء تدرع الربا وتشقها * شق النسيم شقائق النعمان
ولهان ما ترك الهوى من حاله * الا عقيق مدامع الأجفان
هلا حملت مشردا قذفت به * أيدي القضاء بوعرتي جيلان
حران ليس له أنيس صبابة * الا تذكر سابق الأزمان
يرنو بعين فؤاده نحو الحمى * فالدمع أيسر ما يلاقي العاني
وله أيضا:
خليلي هل تدري الديار وأهلها * بان عيوني للعقيق سوافح
وهل علمت أهل السفيح بحالتي * وهل سمعت نوحي وذو الوجد نائح
وهل عثرت عند الصبوح بمهجتي * فان فؤادي طوحته الطوائح
وهل سمعت عمر الزمان بنازح * يصابحه مر النوى ويراوح
لك الخير ان جزت السفيح فقف به * وقوف كئيب للعذول يكافح
وقبل ثرى ذاك السفيح وطالما * ترشف منه الترب غاد ورائح
يئن كما أن الحمام ويشتكي * شآبيب نار في الحشا لا تبارح
وبلغ سلاما لو أبوح ببعضه * لضاعت على هام السماك روائح
وان ضلت النهج القويم روازح * فعرف شذا تلك البطائح فائح
مشوق ولولا ما جنى البين لم أكن * أقيم على هذا الجوى وأسامح
يزيد إذا هب النسيم تسعرا * وينشق عرف الشيح والطيب فائح
وقص غرامي بالعقيق وأهله * وعدد من الأحوال ما هو واضح
وله أيضا من قصيدة:
خليلي عوجا بالديار وسائلا * أهيل الحمى عن عهدنا المتقادم
فهل أنعمت عيشا بعيد فراقنا * وهل أمطرت تلك الهضاب بناعم
وهل عرس الحادي بحزوى ورامة * وهل غرد الشادي بتلك المعالم
وهل روض الوادي الأنيق وهل غدت * ثغور الأقاحي ضاحكات المباسم
أحن إذا هب النسيم ولم أكن * بناس زمانا بين أهل التراحم
سلام وهل يجدي السلام لنازح * على الدار والديار أهل المكارم
حلفت لكم بالله ما أم واحد * رماها النوى عن وصله بالصوارم
بأحزن من قلبي غداة ترحلت * ركابي وزمت للفراق رواسمي
لئن بخل الدهر الخئون بقربكم * وحالت صروف البين دون المراسم
وقد احكم القدر المتاح قضاءه * وسد طريق الوصل عني بصادم
فان رجائي للأمير يفكه * كما صد عمرا عن ذؤابة هاشم
امام له في كل فخر سوابق * ومن كل عز اخذه بالمقادم
إذا افتخر الناس الكرام بمفخر * كفخر علي سابق في العوالم
شواهد فضل للامام وكم له * على الفضل آيات تبين لنائم
فكم آية نصت وكم آية هدت * وكم حكمة قامت لغير المخاصم
ولولا ادكاري للغري لما غدت * سحائب دمعي هاطلات الحناتم (١)
رعى الله أيام الغري فإنما إليها حنيني وارتعاش قوائمي
وله:
قد كان قلبي والديار أنيسة * من خوف طارقة النوى محزونا
فالآن طارقة النوى قد مزقت * شملي كان لها عليه ديونا
آية منازل جيرتي كم غصة * جرعت هذا المغرم المفتونا
لم يرو تربك دمعه لما جرى * حتى أسلت دم الفؤاد عيونا
الله أكبر كم ثرى رويته * بين الطلول وكم بعثت أنينا
السيد جمال الدين أبو القاسم عبد الله بن علي بن أبي المحاسن زهرة أخي
ابن زهرة المشهور.
ولد سنة ٥٣١.
له كتاب تبيين المحجة في كون اجماع الامامية حجة يرويه عنه ولده
السيد محيي الدين أبي حامد محمد بن أبي القاسم.
عين الدولة أبو محمد عبد الله بن علي بن عياض ابن أبي عقيل.
الصوري
صاحب الساحل ذكره أبو الفرج غيث بن علي في تاريخ صور
ووصفه بالسخاء والمروءة وروى عن أبي الحسن علي بن الحسن ابن المترفق
الطرسوسي روى عنه سهل بن بشر وأبو طالب عبد الرحمن بن محمد بن عبد
الرحمن الشيرازي والشريف أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الله العثماني
وابنه الشريف عبد الله وذكره الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن بن عساكر
في تاريخه وقال سمع أبا الحسن بن جميع وطبقته وقدم دمشق وحدث بها
وروى عنه أبو بكر الخطيب.

(١) مفردها حنتم وهي الجرار الخضر.
(٦٢)

السيد عبد الله خان ابن السيد علي خان المشعشعي أمير الحويزة.
توفي سنة ١٠٩٧ وعمره ٥٢ سنة
ولي امارة الحويزة بعد وفاة أخيه السيد حيدر خان. وكان قد طلبه
الشاة سليمان الصفوي إلى أصفهان وبعد وصوله بخمسة أشهر ارسل اخوه
السيد حيدر يطلب حبسه فحبس في بيت الداروغة مدير الشرطة فضل
الله بيك وبعد مدة كتب أخوه انه ما دام موجودا لا يستقيم لعربستان أمر
لأنه لا يترك الفتن فامر الشاة بقتله فتشفع فيه فتح علي خان اعتماد الدولة
وقال إنه سيد وضيف ومحبوس ولم يجر عليهم القتل من أسلافك فالأحسن
ان تبعده فارسلوه إلى خراسان ليحبس هناك فكتب إلى أخيه السيد فرج الله
على يد علي فتح خان فجعل المذكور الكتاب في عصا بيضاء ودهنها وأرسلها
هدية للسيد فرج الله فلما نظرها رأى انها لا تصلح أن تكون هدية فدخل
المتوضأ وكسرها وظهر فيها الكتاب فقال لأخويه راشد ونعمة اني خارج
للمحاربة وأودع عياله وأولاده في مكان ولقي قافلة فيها خمسة آلاف تومان
كان أرسلها السيد حيدر فنهبوها وحاربوا السيد حيدر عدة مرات فراسل
حيدر عمر باشا والي بغداد فأرسل إليه عسكرا فانكسرت الاعراب
المحاربون مع السيد عبد الله ثم توفي السيد حيدر بعد ذلك بقليل فأرسل
الشاة سليمان فرمانا إلى السيد عبد الله إلى خراسان من أصفهان مع قاصد
فوصلها بسبعة أيام فتوجه السيد عبد الله حتى ورد أصفهان وكان تاريخ
الفرمان في ذي الحجة الحرام سنة ١٠٩٥ ووصف في الفرمان بصفات جليلة
منها عاليجاه عمدة الولاة العظام شهاب الأيالة والجلالة والأبهة والعز
والاقبال السيد عبد الله خان والي عربستان ولما أراد المركوب قدم إليه
حصان فركبه وكانت الأرض مرشوشة فوقع الحصان على ساقه فانكسرت
وذلك سنة ١٠٩٦ ثم إنه تأخر بعد صدور الفرمان سنة كاملة وتوجه بعدها
للحويزة وكانت مدة مكثه بأصفهان وخراسان مع حبسه واعتقالاته تسع
سنين وأشهرا وكانت مدة حكمه في الحويزة سبعة أشهر وعشرين يوما وهو
والد مؤلف الكتاب الذي ننقل عنه تاريخ المشعشعيين وتقدم ذكره. وكان دينا
عفيفا مواظبا على الصلاة والنوافل مراعيا للأقارب والجيران صادقا وافيا
بالوعد سليم النفس شفوقا وصولا عاطفا على الصديق شديدا على العدو
مكرما للعلماء كثير الخلطة بهم ذا عدل وسياسة للملك وفي آخر حكمه غزا
ابن صبيح باثني عشر ألف مقاتل بام الجمل بزبنه وكان شجاعا قويا وكان
في عهد سليمان شاة وجه إليه فرمان بارسال مقرر الطيور في شوال سنة
١٠٩٥ وفرمان آخر منه بتخفيف سنوات الفترة بخمس من متحفظي القلعة
والسادة بتاريخ ربيع الأول سنة ١٠٩٦ وفرمان آخر منه يطلب فهود منه في
جمادي الأولى سنة ١٠٩٦ وفرمان آخر منه بمنع غلمان الشاة عن الذهاب
لبلاد العثمانيين بتاريخ ذي الحجة سنة ١٠٩٥ وفرمان آخر منه بحبس
السيد مطلب ومشايخ آل مثير بتاريخ رجب سنة ١٠٩٦ وفرمان آخر منه لمنع
السكة المغشوشة ذي الحجة سنة ١٠٩٥.
شعره
من شعره قوله:
يا نزول الكرخ من غربيه * بفؤادي منكم كلم وجرح
بنتم عنا وبنا عنكم * وبقي من حبكم في القلب قرح
ان تسل عن حالنا بعد النوى * ما لحال المغرم المفتون شرح
فاعطفوا منكم عليه باللقا * فعساه من خمار البين يصحو
وبجسمي علة لم يشفها * غير اسعافي بوصل لو يصح
لا تسل عن حالنا بعد النوى * ما صفا عيش ولا للعيش ملح
سادتي عودوا عسى في عودكم * ان ترد الروح أو يلتام جرح
وله في مدح الرضا ع:
أتيناك نقطع شم الجبال * وما ذاك الا لنيل الرتب
وخلفت في موطني جيرة * بقلبي عليهم لهيب العطب
وقالوا إلى أين تبغي المسير * وتتركنا في عظيم اللغب
فقلت إلى نور عين الرسول * وأزكى قريش وخير العرب
علي بن موسى وصي الرسول * سليل المعالي رفيع الحسب
امام الورى أشرف العالمين * حميد السجايا شريف النسب
فأنت الامام ونجل الامام * وأنت المرجى لدفع الكرب
اجرني من نائبات الزمان * ومثلك من يرتجى للنوب
وأرجوك يا أكرم العالمين * تخلصني من عظيم النصب
وارجع من بعدها للديار * وأقضي الذي لي بها من أرب
ومن لي سواك بيوم النشور * وأنت الشفيع وخير السبب
وصلى الاله على من به * ورثنا السيادة دون العرب
وله يمدح أمير المؤمنين ع:
أعيدوا لنائي الدار صبح وصال * وزوروا جهارا أو بطيف خيال
هواكم براني كالخلال لبعدكم * فما ضركم لو تنظرون لحالي
فإن كان هذا الهجر منكم لزعمكم * سلوي فما مر السلو ببالي
أحن إليكم كلما لاح بارق * من الكرخ أو هبت نسيم شمال
وقاسيت في حبي لكم كل شدة * بها لو رآني شامت لبكالي
أيا بدر لو أبصرت بدري طالعا * ترى كل بدر عنده كهلال
متى حجب الهجران يرفعها اللقى * ومن وصلكم تبيض سود ليالي
ومن لي بعد الله ارجوه ناصرا * سوى حيدر الكرار أشرف آل
علي أمير المؤمنين الذي محا * جيوش العدا والشرك يوم قتال
أبا حسن أشكو العداة فإنني * لقد صرت فيهم موثقا بحبال
فمن لي سواك اليوم ارجوه ناصرا * على ضيق سجن في أشد نكال
وان قارعتني النائبات فإنني * إذا كنت لي عونا فلست أبالي
وصلى عليك الله ما عسعس الدجى * وما بان للسارين لامع آل
أبو محمد عبد الله بن عمار البرقي.
قتل سنة ٢٤٥ وذلك أنه وشي به إلى المتوكل وقرئت له قصيدته
النونية التي سيأتي شئ منها فامر بقطع لسانه واحراق ديوانه ففعل به ذلك
فمات بعد أيام. ذكره الخوارزمي وابن شهرآشوب وغيرهما. وفي
الطليعة: سماه في المعالم علي بن محمد وكناه أبا عبد الله وليس به كما ذكره
الخوارزمي في رسالته لأهل نيشابور والثعالبي والحموي.
كان شاعرا أديبا ظريفا مدح بعض الامراء في زمن الرشيد إلى أيام
المتوكل وأكثر في مدح الأئمة الاطهار حتى جمع له ديوانا أكثره فيهم
وحرق. حدث حماد بن إسحاق عن أبيه قال قلت في معنى عرض لي
وصف الصد لمن اهوى فصد ثم أجبلت فمكثت عدة أيام مفكرا في
الإجازة فلم يتهيأ لي شئ فدخل علي عبد الله بن عمار فأخبرته فقال مرتجلا
وبدا يمزح في الهجر فجد
(٦٣)

ما له يعدل عني وجهه * وهو لا يعد له عندي أحد
ومن شعره في الأئمة ع قوله من قصيدة مشهورة أولها
ليس الوقوف على الأطلال من شاني يقول فيها:
فهو الذي امتحن الله القلوب به * عما يجمجمن من كفر وايمان
وهو الذي قد قضى الله العلي له * ان لا يكون له في فضله ثاني
وان قوما رجوا ابطال حقكم * أمسوا من الله في سخط وعصيان
لن يدفعوا حقكم الا بدفعهم * ما انزل الله من آي وقرآن
فقلدوها لأهل البيت انهم * صنو النبي وأنتم غير صنوان
عبد الله بن عمر العنسي.
روى نصر بن مزاحم في كتاب صفين ان عبد الله بن سويد الجرشي
قال لذي الكلاع الحميري يوم صفين لم جمعت بين الرجلين يعني عمرو بن
العاص وعمار بن ياسر قال لحديث سمعته من عمرو وذكر انه سمعه من
رسول الله ص وهو يقول لعمار بن ياسر تقتلك الفئة الباغية فخرج
عبد الله بن عمر العنسي وكان من عباد أهل زمانه ليلا فأصبح في عسكر
علي فحدث الناس بقول عمرو وعمار وقال العنسي لذي الكلاع:
والراقصات بركب عامدين له * ان الذي جاء من عمرو لمأثور
قد كنت اسمع والأنباء شائعة * هذا الحديث فقلت الكذب والزور
حتى تلقيته عن أهل عيبته * فاليوم ارجع والمغرور مقرور
واليوم أبرأ من عمرو وشيعته * ومن معاوية المحدو به العير
لا لا أقاتل عمارا على طمع * بعد الرواية حتى ينفخ الصور
تركت عمرا وأشياعا له نكدا * اني بتركهم يا صاح معذور
يا ذا الكلاع فدع لي معشرا كفروا * أو لا فدينك غبن فيه تغرير
ما في مقال رسول الله في رجل * شك ولا في مقال الرسل تخيير
الميرزا عبد الله بن عيسى الأصبهاني المشهور بالتبريزي الأفندي.
توفي في عشر الثلاثين بعد المائة والألف. وفي ذيل اجازة السيد
عبد الله بن نور الدين بن نعمة الله الكبيرة: كان فاضلا علامة محققا
متبحرا كثير الحفظ والتتبع مستحضرا لاحكام المسائل العقلية والنقلية يروي
عن المجلسي رأيته لما قدم إلينا وانا صغير السن ورأيت والدي وعلماء بلادنا
يسألونه ويستفيدون منه ساح في أقطار الدنيا كثيرا وحج بيت الله فحصلت
بينه وبين شريف مكة منافرة فسار إلى قسطنطينية وتقرب إلى السلطان إلى أن
عزل الشريف ونصب غيره ومن يومئذ اشتهر بالأفندي وكان لنا كتب
عتيقة وكراريس متشتتة من كتب شتى ذهبت أوائلها وأواخرها لا نعرف
أسماءها ولا أسماء مصنفيها فعرضها عليه والدي فعرفنا أسماءها وأسماء
مصنفيها ومقدار الساقط من أول كل منها وآخره واخرج من اشتباهات
صاحب أمل الآمل أشياء قيدها بخطه على هامش نسختنا الموجودة الآن
وكان شديد الحرص على المطالعة والإفادة لا يفتر ساعة ولا يمل وكنت آتي
إليه بالكتب فكان يقربني إليه ويدعو لي بالخير ورأيت من مؤلفاته الصحيفة
الثالثة وهي أدعية سيد الساجدين ص الخارجة عن الصحيفة
المشهورة وأختها وهي الثانية التي جمعها الشيخ محمد الحر ومن مؤلفاته تحرير
كتاب أقليدس وشرح اصلاحات شكل العروس منه كما ذكره في الرياض.
وقد ترجم نفسه في كتاب رياض العلماء فقال:
العبد الخاطئ الجاني عبد الله بن عيسى بن محمد صالح بن الحاج
شاة ولي بيك بن الحاج بير محمد بيك بن خضر شاة الجيراني الأصل ثم
الأصفهاني مؤلف هذا الكتاب منجاة له من شدائد يوم الحساب بمحمد وآله
السادة القادة الأنجاب فهو وان لم يكن ممن يليق ان يذكر اسمه في ديوان
العلماء أو يسطر رسمه في مكان الفضلاء ولكن لا بد لكل معدوم من خادم
فهو داخل لذلك في زمرة خدام العلماء. كان الوالد من أفاضل عصره كما
سيجئ في ترجمته وقد شرعت في قراءة الشاطبية عليه ولي من العمر ست
سنين ومات الوالد وانا ابن سبع سنين وكانت قد توفيت الوالدة وانا ابن
سبعة أشهر ثم رباني بعد موت والدي الأخ الأكبر المولى الفاضل الجليل
الميرزا محمد جعفر وقرأت على الأخ المذكور وعلى جماعة كثير من العلماء في
أقسام العلوم إلى أن وفقت للقراءة على جلة المشايخ الأساتيذ الأجلة فقرأت
شطرا صالحا من كتب حديث الأربعة وقواعد العلامة على المجلسي زيدت
بركاته وشطرا من تهذيب الحديث وشرح الأسطرلاب. وعلى العلامة
الجليل الكبير المير سيد علي النواب ابن الوزير الكبير السيد حسين الحسني
المشتهر بخليفة السلطان وهو من مشائخي أيضا.
وقرأت شيئا من الحاشية الجلالية القديمة على شرح التجريد. ومن
شرح الإشارات للأستاذ المحقق قدس الله روحه وشطرا من التهذيب وشرح
مختصر الأصول وشرح الإشارات وأصول الكافي وغير ذلك من الكتب
المتداولة على الأستاذ العلامة رحمة الله عليه. واتفق لي أسفار كثيرة بحيث
مضى نصف عمري بالسفر وجلت بأكثر البلاد بديار العجم والروم والبر
والبحر وأذربيجان وخراسان والعراق وفارس وقسطنطينية والشام ومصر حتى أنه
اتفق مروري على أكثر البلاد مرارا عديدة ووفقني الله وقد مضى من
العمر نحو أربعين سنة إلى ثلاث حجات وزيارة مشهد الرضا ع
ثلاث مرات وزيارة العتبات العاليات ثلاث مرات بل كنت شرعت بالسفر
وانا ابن خمس سنين حيث إن خالي الأكبر كان وزيرا لباكاشان وذهبت مع
جدتي لأجل وفاة والدتي إلى كاشان وأقمت بها نحوا من سنة وسكنت برهة
من الزمان في مسقط رأسي أصبهان ثم سكنت عدة سنين في تبريز وتزوجت
فيها ببعض أرباب الدنيا من أقربائي وكان ذلك هو السبب لمزيد بلائي
وعنائي.
مؤلفاته
عددها في كتابه رياض العلماء فقال:
١ رسالة في وجوب صلاة الجمعة الفها عند بلوغه الحلم ردا على
رسالة الفها امين القزويني وقد ضاعت في الحجة الأولى مع باقي كتبه نحو
مائة مجلد ٢ شرح فارسي على الشافية لابن الحاجب لم يتم ضاع معها
٣ شرح كبير على ألفية ابن مالك لم يتم ناقش فيه الجامي في مسائل ضاع
أيضا ٤ حواشي على شرح مختصر الأصول لم تتم ٥ حواشي على
تهذيب الحديث لم تتم ٦ حواشي على المختلف لم تتم جمعت بعضها
وبعضها مكتوب بهامش كتاب أولاد بعض الوزراء ٧ حواشي على من لا
يحضره الفقيه ٨ تعليقات على آيات الاحكام للفاضل الجواد تلميذ
البهائي ٩ تعليقات على الحاشية القديمة الجلالية ١٠ تفسير سورة
الواقعة بالفارسية ١١ كتاب الخطب ثلاث مجلدات ١٢ روضة الشهداء
(٦٤)

بالعربية والفارسية والتركية ١٣ حاشية على الوافي للفيض ١٤ حاشية
على إلهيات الشفا لم تتم ١٥ حاشية على شرح الإشارات لم تتم ١٦
حاشية على المقدمة الأصولية للمولى محمد طاهر القمي من كتاب حجة
الاسلام في شرح تهذيب الأحكام له ١٧ حاشية على الصحيفة الكاملة
السجادية ١٨ شرح على اختلافات وقوع شكل العروس من تحرير
أقليدس ١٩ شرح على مصادرات المقالة الخامسة من التحرير المذكور
٢٠ رسالة فارسية في رسم خطوط الساعات على سطوح دوائر مداد
السماوات ونصف النهار والأفق وأمثالها ٢١ ثمار المجالس ونتأر العرائس
بنحو الكشكول رتبته اثني عشر بابا ٢٢ وثيقة النجاة من ورطة المهلكات
في عدة مجلدات كبار تشتمل على خمسة أقسام الأول في الإلهيات الثاني في
النبويات الثالث في الاماميات الرابع في المعاديات الخامس في الفقهيات
والقسم الأول مصدر بمقدمة في المنطق والخامس بمقدمة في الأصول كالمعالم
وقد احتجبنا في القسم الأول على جميع أهل الملل وذكر الأدلة من كتبهم
كالتوراة والإنجيل والزبور وغيرها وفي القسم الثاني على الفرق الاسلامية
الثلاث والسبعين ٢٣ لسان الواعظين وجنان المتعظين في اعمال السنة في
عدة مجلدات ٢٤ الأمان من النيران في تفسير القرآن ٢٥ هذا الكتاب
الموسوم برياض العلماء مشتمل على قسمين في أحوال علماء رجال الخاصة
والعامة وقد كتب على أكثر الكتب المتداولة وغيرها في أنواع العلوم تعليقات
تلف أكثرها وان امهل الله في الاجل ففي البال تاليف كتب اخر انتهى
وله مما لم يذكره ٢٥ الصحيفة الثالثة السجادية واما رياض العلماء فهو
عشر مجلدات خمس منها في أحوال علماء الإمامية وخمس منها في أحوال علماء
غيرهم.
علاء الدين أبو شجاع الطبرسي بن عبد الله التركي الظاهري
الأمير الدواني (١)
ذكره شيخنا تاج الدين في تاريخه وقال اشتراه الامام الظاهر بأمر الله
وحصل له القرب والاختصاص ولما بويع للمستنصر بالله قربه واجتباه
وجعله برسم حمل الدواة وأمره في المحرم سنة ٦٢٥ ورغب فيه بدر الدين
لؤلؤ ان يكون صهره فادى له في ذلك وكان الصداق عشرين ألف دينار
واقطع قوشان وتأثلت حاله وكثر ماله وكان حسن السيرة مع أصحابه
ومماليكه وكان حاصله في كل سنة ثلاثة آلاف دينار تخرج في الهبات
والصلات وكانت وفاته في ليلة الجمعة ١٦ شوال سنة ٦٥٠ ودفن في ايوان
الحضرة بمشهد الامامين موسى بن جعفر والجواد ع إلى جانب
بنت بدر الدين لؤلؤ ورثاه شيخنا عز الدين عبد الحميد بن أبي الحديد
بأبيات أولها:
لا تأمن الدنيا وقد * غدر الزمان بالطبرس
السيد عبد الله بن المير غلام علي الحسيني الطالقاني.
قال السيد شهاب الدين الحسيني فيما كتبه إلينا: هو المحدث الفقيه
الزاهد له حاشية مبسوطة على تهذيب الشيخ فرع منها سنة ١٠٨٥، يظهر
منها وفور تتبعه واعتدال سليقته في فهم الحديث وفقهه اه. ذكر نسبه
في كتاب المشجرات السيد شهاب الدين المذكور.
الخواجة عبد الله بن فضل الله بن عبد الله اليزدي.
له كتاب تجزئة الأمصار وترجئة الاعصار المعروف بتاريخ وصاف
فارسي طبع الجزء الأول منه.
السيد عبد الله القاروني البحراني نزيل كرانا.
بكاف مفتوحة وراء مهملة مشددة ونون بين ألفين قرية من قرى
البحرين ذكره الشيخ سليمان الماحوزي البحراني في رسالته في علماء
البحرين فقال كما نقله عنه في أنوار البدرين:
العلامة الأواه أوحد زمانه له كتب منها شرح المغني وقفت على مجلد منه كبير
ولم يبلغ الأوسط باب الألف وهو كثير الأبحاث دقيق الأنظار جزل العبارة
ومنها شرح كتاب الغرة عجيب في فنه سمعت صاحبنا السيد اللغوي
الأديب السيد علي بن خالنا السيد العلامة حسين الكتكاني يصفه وقال إنه لم
يعمل مثله في فنه وللسيد العلامة الفقيه السيد ماجد ابن السيد هاشم
العلوي العريضي البحراني في رثائه قصيدة أبدع فيها مطلعها:
رثت لفقدك لذة الفضل * وفشت خلافك آفة الجهل
وتنكبت سبل الهدى عصب * قد كنت هاديها إلى السبل
ويعجبني منها قوله:
لولا على عملت يداك به * لم تغن عنه نجابة الأصل
كالسيف لا تغنيه نسبته * يوما إلى يمن عن الصقل
وهي موجودة في ديوان السيد المذكور.
عبد الله بن قيس بن جعدة بن كعب بن ربيعة المعروف بالنابغة الجعدي.
توفي في أصبهان في حدود سنة ٧٠ قيل بلغ عمره مائة وثمانين سنة
وقيل غير ذلك كان صحابيا وفد على رسول الله ص فمدحه بقصيدته الرائية
ولما أنشده
ولا خير في حلم إذا لم يكن له * بوادر تحمي صفوه ان يكدرا
ولا خير في جهل إذا لم يكن له * حليم إذا ما اورد الامر أصدرا
قال النبي ص لا يفضض الله فاك ولما أنشده قوله:
بلغنا السماء مجدنا وجدودنا * وانا لنرجو فوق ذلك مظهرا
قال له إلى أين فقال إلى الجنة بك يا رسول الله وكان شاعرا فحلا
ومن شعره قوله فيما ذكره صاحب الدر النظيم قال خرج النابغة من منزله
بعد موت النبي ص وسال عن حال الناس فلقيه عمران بن حصين
وقيس بن حرمة فقال ما وراءكما فقال عمران:
ان كنت أدري فعلي بدنه * من كثرة التخليط فيهم من أنه
وقال قيس:
أصبحت الأمة في أمر عجب * والملك فيهم قد غدا لمن غلب
فقال النابغة ما فعل أبو حسن فقال هو مشغول بتجهيز النبي ص
فقال:
قولا لأصلع هاشم ان أنتما * لاقيتماه لقد حللت أرومها

(١) مجمع الآداب.
(٦٥)

وإذا قريش بالفخار تساجلت * كنت الجدير به وكنت زعيمها
وعليك سلمت الغداة بامرة * للمؤمنين فما رعت تسليمها
وقال النابغة في صفين وقد حدا بعلي ع.
قد علم المصران والعراق * ان عليا فحلها العتاق
أبيض جحجاح له رواق * وامه غالى بها الصداق
أكرم من شد له نطاق * ان الأولى جاروك لا أفاقوا
لهم سباق ولكم سباق * قد علمت ذلكم الرفاق
سقتم إلى نهج الهدى وساقوا * إلى التي ليس لها عراق
وأورد له نصر في كتاب صفين شعرا وقال عندنا أكثر من مائة بيت
فكتبت الذي يحتاج إليه:
سألتني جارتي عن أمتي * وإذا ما عيي ذو اللب سال
سألتني عن أناس هلكوا * شرب الدهر عليهم واكل
بلغوا الملك فلما بلغوا * بحساب وانتهى ذلك الاجل
وضع الدهر عليهم بركة * فأبيدوا لم يغادر غير نل
فأراني طربا في اثرهم * طرب الواله أو كالمختبل
أنشد الناس ولا انشدهم * انما ينشد من قال أضل
ليت شعري إذ مضى ما قد مضى * وتجلى الامر لله الاجل
ما يظنن بناس قتلوا * أهل صفين وأصحاب الجمل
أ ينامون إذا ما ظلموا * أم يبيتون بخوف ووجل
وقال الدكتور يحيى الجبوري:
وقد سمي بالنابغة لنبوغه في الشعر وهو كبير، فقد امضى ثلاثين
عاما من عمره لا يقول الشعر، ثم انطلق لسانه بعد ذلك يجيد الشعر،
فنبغ بذلك شاعرا.
وقد جمعت بين النابغة وليد العامري صفات وصلات كثيرة،
فكلاهما شاعر من بني عامر، ومخضرم من المعمرين، وكلاهما اهتم بالدفاع
عن قومه والفخر بهم في الجاهلية، وكلاهما فقد أخاه فبكاه وقال فيه رثاء
جيدا كثيرا، وكلاهما أدرك الاسلام ولقي رسول الله ص وتمسك بالاسلام
وانصرف إلى القرآن فزهد وتنسك.
والنابغة الجعدي معدود في المعمرين الذين جاوزوا المائة سنة، وقد
بالغ الرواة في هذه المجاوزة، فقالوا انه بلغ مائة وستين أو مائة وثمانين
سنة، ويعتمدون في ذلك على أبيات انشدها النابغة لعمر بن الخطاب،
هي قوله:
لبست أناسا فأفنيتهم * وأفنيت بعد أناس أناسا
ثلاثة أهلين أفنيتهم * وكان الاله هو المشتاسا
فسأله عمر:
كم لبثت مع كل أهل؟ قال ستين سنة ويريد بالأهل الجيل، ويقدره المحدثون بثلاثين إلى
أربعين سنة فيكون قد عمر النابغة حوالي مائة وعشرين سنة على أكثر تقدير
وهذا يتناسب مع عمر النابغة وطبيعة الحياة.
ويعتز النابغة بعمره الطويل الذي شهد فيه دهرا ممتدا في الجاهلية
وقف فيه على أيامها واحداثها، وأدرك الاسلام فلقي رسول الله ص،
وسمع القرآن واطمأن قلبه إليه وذلك حيث يقول:
قالت امامة كم عمرت زمانه * وذبحت من عثر على الأوثان
ولقد شهدت عكاظ قبل محلها * فيها وكنت أعد ملفتيان
وعمرت حتى جاء احمد بالهدى * وقوارع تتلى مع الفرقان
ولبست مل اسلام ثوبا واسعا * من سيب لا حرم ولا منان
وكان النابغة من القلة التي ثبتت في الجاهلية على دين إبراهيم دين
الفطرة والتوحيد، فقد وحد الله سبحانه ولم يشرك به شيئا فسبحه وأثنى عليه
بما هو أهل له، وكذلك حرم الخمر على نفسه، وأنكر أوثان وهجر
الأزلام، وكان يذكر الله في جاهليته كثيرا ويلهج بحمده وتوحيده فينشد في
ذلك قوله:
الحمد لله لا شريك له * من لم يقلها فنفسه ظلما
وبعد فتح مكة وانتصار الاسلام في حنين والطائف، سارعت القبائل
البدوية إلى الدخول في دين الله، فخفت الوفود إلى لقاء رسول الله ص سنة
تسع من الهجرة المباركة، وكان النابغة مع وفد قبيلته، فلقي الرسول
الكريم، وبايعه على الاسلام، وانشده من شعره قصيدته الطويلة التي
تحفل بالمعاني الدينية من ذكر الآخرة وحمد لله تعالى وتسبيحه والتفكير في
آلائه، وذكر الرسول عليه الصلاة والسلام والثناء عليه بما هو أهله...
ويبدو ان النابغة كان قد هيا القصيدة قبل ذلك، أو انه أضاف إليها الجزء
الاسلامي أثناء اقامته في المدنية، إذ انه لزمها وأقام فيها ولم يرجع إلى قبيلته
في البادية، والقصيدة من ملاحم العرب البديعة التي استهلها بقوله:
خليلي غضا ساعة وتهجرا * ولوما على ما أحدث الدهر أو ذرا
ويقول البغدادي: ان هذه القصيدة طويلة تقع في نحو مائتي بيت
انشدها كلها بين يدي رسول الله ص وكان الرسول قد أعجب بها واثنى على
النابغة، يقول فيها ذاكرا حاله وايمانه وثباته على الدين:
أتيت رسول الله إذ جاء بالهدى * ويتلو كتابا كالمجرة نيرا
وجاهدت حتى ما أحس ومن معي * سهيلا إذا ما لاح ثمت غورا
أقيم على التقوى وارضى بفعلها * وكنت من النار المخوفة أوجرا
وقد تمثل النابغة الآيات الكريمة، وظهر اثرها في هذه القصيدة كما
حاول ان يستعمل التعابير القرآنية والألفاظ الاسلامية كما ترى في هذه
الأبيات من مثل: الهدى والكتاب والجهاد والنار المخوفة وهكذا، ثم
يمضي في انشاد القصيدة والرسول الكريم يستمع، فإذا بلغ قوله:
بلغنا السماء مجدنا وجدودنا * وانا لنبغي فوق ذلك مظهرا
قال رسول الله ص فأين المظهر يا أبا ليلى؟ وأبو ليلى كنية النابغة
الجعدي فقال: الجنة يا رسول الله، فقال النبي ص قل إن شاء الله
قال: إن شاء الله، ثم مضى في انشاده يقول:
ولا خير في حلم إذا لم تكن له * بوادر تحمي صفوة ان يكدرا
ولا خير في جهل إذا لم يكن له * حليم إذا ما اورد الامر أصدرا
(٦٦)

وقد نظر النابغة في هذه المعاني إلى قول الله تعالى: خذ العفو واؤمر
بالعرف واعرض عن الجاهلين والى قول رسول الله ص: ليس الشديد
بالصرعة وانما الشديد من يملك نفسه عند الغضب ويعجب النبي الكريم
بفهم النابغة وهو البدوي لمفاهيم الاسلام، ويدعو له بقوله:
أجدت، لا يفضض الله فاك، ويقول الرواة: ان النابغة عاش مائة
وثلاثين سنة لم تنفض له ثنية.
وفي القصيدة ما يشير إلى أن النابغة شارك في الفتوح الاسلامية
وجاهد في سبيل الله، وانشد الشعر بحث المسلمين على الثبات والايمان
والقوة.
ويبدو انه ابان اقامته في المدينة اشتاق إلى البادية وزيارة قبيلته
وأهله، فدخل على عثمان بن عفان في خلافته يستأذنه ويودعه قائلا:
استودعك الله قال: وأين تريد يا أبا ليلى قال: الحق بابلي
فاشرب من ألبانها فاني منكر لنفسي فقال عثمان: أ تعربا بعد الهجرة يا
أبا ليلى؟ أ ما علمت أن ذلك مكروه؟ قال: وما علمته وما كنت لأخرج
حتى أعلمك.
فاذن له عثمان وأجل له في ذلك اجلا. وقبل رحيله دخل بيت
علي بن أبي طالب ع، وكان محبا له مائلا إليه يودعه، فوجد
الحسنين الحسن والحسين ع فودعهما فقالا له: انشدنا من
شعرك يا أبا ليلى، فانشدهما قوله:
الحمد لله لا شريك له * من لم يقلها فنفسه ظلما
وفي هذه الفترة من خلافة عثمان يسكن البصرة، ويكون له مع أبي
موسى الأشعري عامل البصرة من قبل عثمان احداث ومواقف ويقول في
ذلك شعرا.
ولما كانت الحرب في صفين، انحاز النابغة إلى علي ع
وقاتل مع جنده وكان يقول الشعر يمدح عليا ويثني عليه.
وبعد ان آل الامر إلى معاوية تقوم خصومة بينه وبين كعب بن جعيل
شاعر الأمويين ومع غيره. ولكن النابغة لم يكن بارعا في الهجاء، فقد غلبه
غير واحد من الشعراء، منهم الأخطل التغلبي... وحتى ليلى الأخيلية
كانت قد هاجته فغلبته ولعل للزهد والتقوى اثرا في سماحته واجتنابه القول
اللاذع والهجاء المقذع هذا من ناحية ومن ناحية ثانية فان النابغة قد بلغ
الشيخوخة وفارق عهد القوة والحيوية والنشاط مما جعله ان يؤثر العافية
ويكبح جماح غضبه.
وقد عرف الناس مكانة النابغة وحسن اسلامه ودعاء رسول الله ص
له لا يفضض الله فاك فأكرموه وقدموه، فقد قدم النابغة في سنة
جدباء على عبد الله بن الزبير حين دعا لنفسه في الحجاز ولاذ ببيت الله
الحرام أواخر خلافة يزيد بن معاوية. فدخل النابغة على ابن الزبير في
المسجد الحرام، فانشده أبياتا يذكر فيها ما أصابه وقومه من فقر وسوء
حال، ومما قال في ذلك:
اتاك أبو ليلى يجوب به الدجى * دجى الليل جواب الفلاة عثمثم
لتجبر منه جانبا زعزعت به * صروف الليالي والزمان المصمم
فرحب به ابن الزبير ولان له ولاطفه واجزل له العطاء وقال له:
هون عليك يا أبا ليلى، فان الشعر أهون وسائلك عندنا... ولكن لك في
مال الله حقان، حق برؤيتك رسول الله ص، وحق بشركتك أهل الاسلام
في فيئهم.
وقد ساح النابغة في انحاء البلاد الاسلامية مجاهدا في سبيل الله،
واستقر به المقام في أخريات حياته في أصفهان حيث توفي هناك وقد انصرف
إلى الزهد والتقوى وكثرة الصلاة وتلاوة القرآن الكريم، تلاوة تعمقت قلبه
وذهنه فصار يمثل ذلك في شعره تمثيلا صادقا، فهو حين يتحدث عن أحوال
الدنيا وأمور الناس، بذكر ان الاسلام قد نزه نفسه وطهر قلبه من اللؤم
والغدر والوقيعة، فهو يخشى الله سبحانه وتعالى في كل جوارحه، ولذلك
يقول:
منع الغدر فلم أهمم به * وأخو الغدر إذا هم فعل
خشية الله واني رجل * انما ذكرى كنار بقبل
ويحفل ديوان النابغة بالشعر الذي يسبح فيه لله تعالى، ويستلهم
آيات الله البينات، فهو يحكي معاني الآيات تارة. ويضمن ألفاظها تارة
أخرى، وبخاصة ذلك الشعر الذي قاله في أخريات حياته حين تشبعت
نفسه بتعاليم الاسلام ونفحاته فنراه في إحدى قصائده الطوال يبدأ شعره
بحمد الله، ثم يثني على الله سبحانه، وينظم شهادة ان لا إله إلا الله،
ويتفكر في ملكوت السماوات والأرض فينظم معنى الآية الكريمة: ان الله
لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون... وتأمل ذلك في
قوله:
الحمد لله لا شريك له * من لم يقلها فنفسه ظلما
المولج الليل في النهار وفي الليل * نهارا يفرج الظلما
الخافض الرافع السماء على ال‍ * أرض ولم يبن تحتها دعما
وفي الأبيات نظر في ملكوت الله سبحانه وقد استعار من القرآن
الكريم الآية الكريمة قل اللهم مالك الملك... تؤتي الملك من تشاء وتنزع
الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير انك على كل شئ
قدير تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل ونظر في بيت اخر قوله
تعالى: الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها.
ويقلب النابغة بصره بين مخلوقات الله وكلما نظر في آية من آيات الله
الكونية، دعته ثقافته القرآنية ان يتذكر الآية الكريمة فيروح ينظمها ويستعير
معناها ويعرضها في شعره كأنه يريد ان يجعل شعره نظما لآيات القرآن
الكريم، ولا يقف عند التفكير في السماوات والأرض، بل يتأمل في
الإنسان وكيف خلقه الله فاحسن خلقه. ونراه يتتبع مراحل تكون الإنسان
في الأرحام فيقول:
الخالق البارئ المصور في ال‍ * أرحام ماء حتى يصير دما
من نطفة قدها مقدرها * يخلق منها الابشار والنسما
ثم عظما أقامها عصب * ثمت لحما كساه فالتأما
(٦٧)

ثم كسا الرأس والعوائق أبشارا * وجلدا تخاله أدما
والصوت واللون والعايش والأخلاق * شتى وفرق الكلما
وهو يحكي في كل هذا قول الله تعالى: ولقد خلقنا الإنسان من
سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا
العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر
فتبارك الله أحسن الخالقين.
ويتحدث عن الآخرة والحساب وما يصيب كل امرئ ما كسب في
دنياه، فالمؤمنون التقاة الصالحون ينعمون بجنات عدن تجري من تحتها
الأنهار، والخطاة الفاسقون الذين حبطت أعمالهم يرسفون في أغلال
جهنم، ويصلون نارا وقودها الناس والحجارة.
ويعرض النابغة على الناس صورا من اخبار الأمم البائدة التي أذلها
الله سبحانه جزاء وفاقا بما اقترفت من سيئات، فأبدل حياتها الناعمة المترفة
بحياة فيها عذاب وتمزق وشتات.
ويفيد النابغة من القصص القرآني الذي تفكر فيه فوعاه وراح يحوم
حول معانيه، ويستخلص العبرة من أحوال تلك الأمم على شاكلة قوله:
يا أيها الناس هل ترون إلى * فارس بادت وخدها رغما
أمسوا عبيدا يرعون شاءكم * كأنما كان ملكهم حلما
أو سبأ الحاضرين مارب إذ * يبنون من دون سيله العرما
فمزقوا في البلاد واعترفوا ال‍ * هون وذاقوا البأساء والعدما
وبدلوا السدر والآراك به ال‍ * خمط، واضحى البنيان منهدما،
فهو يذكر فضل الله سبحانه على المسلمين إذ أذل لهم الأمم التي كانوا
يخشون بأسها، وهو يلتمس العبرة من زوال دولة الأكاسرة وكذلك دولة
سبأ التي كان لها شأن في الأرض وعمران وبناء وسدود، وقد مزق الله
شملها في البلاد، وهو يقتبس ذلك مما جاء في كتاب الله العزيز من أسر سبأ
بل يحاول ان ينظم الآيات الكريمة في ذلك نظما، ويذكر الألفاظ القرآنية
نفسها وذلك من قوله تعالى: لقد كان لسبا في مسكنهم آية جنتان، عن
يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور،
فاعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي اكل
خمط وأثل وشئ من سدر قليل ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي الا
الكفور، وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة وقدرنا فيها
السير سيروا فيها ليالي وأياما آمنين فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا وظلموا
أنفسهم فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق.
ان الجوانب الاسلامية في شعر النابغة الجعدي كثيرة، وهو في كل
شعره الاسلامي يستلهم القرآن الكريم ويستفيد من آياته فائدة كبيرة تدل
على فهم واضح لآيات الله البينات واقبال على تلاوة كتاب الله ليل نهار.
علاء الدين أبو الفضل عبد الله بن كثير بن محمد شاة الأشنهي الفقيه.
توفي سنة ٦٨٧
في كتاب معجم الآداب ومجمع الألقاب لابن الفوطي بخطه: قدم
مراغة سنة ٧٧٠ وكان فصيح اللسان مليح البيان وكان يحضر مجلس مولانا
نصير الدين ويورد الفصول المختارة بالعربية والفارسية ويتردد إلى محافل
الحكام في التهنئة والتعزية وله أخلاق حسنة وكتب الرسائل باللغتين نثرا
ونظما وكان يتردد إلي مدة مقامي بالرصد وكتبت عنه وكتب عني وتوفي بمراغة
سنة ٦٨٧.
عبد الله بن كثير السهمي.
سمع عمال خالد بن عبد الله القسري يلعنون عليا والحسن والحسين
على المنابر. فقال:
لعن الله من يسب عليا * وحسينا من سوقة وامام
أ يسب المطيبون جدودا * والكرام الأخوال والأعمام
يا من الظبي والحمام ولا يا * من آل الرسول عند المقام
طبت بيتا وطاب أهلك أهلا * أهل بيت النبي والاسلام
رحمة الله والسلام عليهم * كلما قام قائم بسلام
وقال حين عابوه بذلك الرأي:
ان امرءا أمست معايبه * حب النبي لغير ذي ذنب
وبني أبي حسن ووالدهم * من طاب في الأرحام والصلب
أ يعد ذنبا ان أحبهم * بل حبهم كفارة الذنب
الشيخ عبد الله بن كرم الله الحويزي
توفي في حدود سنة ١١٣٢
في ذيل اجازة السيد عبد الله بن نور الدين بن نعمة الله الجزائري
الكبيرة كان فاضلا محققا مهذبا كريم الأخلاق مستجمعا للفضائل والمكارم
معظما عند الملوك مطاعا مرجوعا إليه في القضاء والفتاوى ذا فطرة علية وهمة
سنية وعزيمة قوية وكنت اسمع والدي يصفه بغزارة العلم وجلالة الشأن
وجميع مكارم الأخلاق ويثني عليه كثيرا وارى من فتاويه في المعضلات
بأيدي المستفتين ما لم أره من أحد من علماء العصر فكنت أتشوق إلى لقائه
إلى أن تشرفت بذلك في الحويزة سنة ١١٣١ فرأيت بحرا زخارا وفاضلا ما
زيد اختبارا الا زيد اختبارا ووجها صبيحا ولسانا فصيحا وجبهة بادية
الفسحة وشيبا عليه من نور الله مسحة وصدرا رحيبا وفضلا لا يجبه سائله
ولا يخيب ودارا مطروقة لا يصد عنها صاد وزادا مبذولا سواء العاكف فيه
والباد وكنت أكثر التردد إليه واعرض مشكلاتي عليه فكان يتعطف علي
ويحسن الاصغاء إلي ويمتحني بغرائب الفوائد ويشنف سمعي بجواهر كلماته
الفرائد ثم توفي بعد ذلك بفاصلة قليلة ورسومه جميعا باقية في داره على
حالها بوجود اخلافه الكرام.
عبد الله بن كعب المرادي.
شهادته سنة ٣٠٧ في صفين
قال ابن عبد البر في الاستيعاب قتل يوم صفين وكان من أصحاب
علي اه.
وفي الإصابة: قتل يوم صفين وكان من أعيان أصحاب علي ذكره أبو
عمر مختصرا اه. أقول: روى نصر بن مزاحم في كتاب صفين
عن عمر بن سعد عن عبد الرحمن بن عبد الله ان عبد الله بن كعب قتل
يوم صفين فمر به الأسود بن قيس باخر رمق فقال: عز علي والله مصرعك
(٦٨)

إما والله لو شهدتك لآسيتك ولدافعت عنك ولو اعرف الذي أشعرك
لأحببت ان لا يزايلني حتى اقتله أو يلحقني بك ثم نزل إليه فقال: والله إن كان
جارك ليأمن بوائقك وان كنت لمن الذاكرين الله كثيرا أوصني رحمك
الله. قال: أوصيك بتقوى الله وان تناصح أمير المؤمنين وان تقاتل معه
المحلين حتى يظهر الحق أو تلحق بالله وأبلغه عني السلام وقل له قاتل على
المعركة حتى تجعلها خلف ظهرك فان من أصبح والمعركة ظهره كان الغالب
ثم لم يلبث ان مات فاقبل الأسود إلى علي فأخبره. فقال رحمه الله جاهد
معنا عدونا في الحياة ونصح لنا في الوفاة.
الشيخ عبد الله المازندراني
ولد سنة ١٢٥٦ في بارفروش وتوفي سنة ١٣٣٠ ودفن في النجف إلى
جنب الشيخ جعفر الششتري في أول حجرة من الساباط مما يلي تكية
البكداشية.
خرج إلى العراق فاخذ في كربلاء عن الشيخ زين العابدين المازندراني
وفي النجف على الشيخ مهدي ابن الشيخ علي الجعفري وعلى الملا محمد
الإيرواني وعلى الميرزا حبيب الله الرشتي وبه تخرج وكان وصيه الذي صلى
عليه وقام مقامه في التدريس والقضاء والجماعة وقلد في كيلان ونواحيها
وآذربيجان ونواحيها وأصبح من المبرزين في النجف الأشرف النافذي الحكم
وتصدى للقضاء أياما ثم تركه.
رأيناه بالنجف ولنا منه اجازة بتاريخ سنة ١٣٢٨ له حاشية على
المكاسب للشيخ مرتضى ورسالة في الوقف وغير ذلك.
السيد عبد الله بن محفوظ العلوي الصادقي النسب.
علامة النسب في المائة العاشرة نابغة زمانه في هذا الفن جماع شجرات
العلويين الرحالة السائح في بلاد الشرق والغرب له تاليف كثيرة منها تذييل
عمدة الطالب والتعليقة عليها ورسالة عمدة الطالبين في تشجير نسب
العلامة السيد محمد المريخ وقد فرع من تاليفه سنة ٩٧٣.
ومن تاليفه تذييل انساب المجدي وأنهيت نسبه الشريف من طرف
الأب إلى الحسن صنوجه بن محمد بن إسماعيل بن الإمام الصادق والظاهر أنه
أدرك صاحب العمدة ويروي عنه. ويروي عن ابن محفوظ جماعة من
علماء النسب منهم ضياء الدين الطبرسي ومنهم النسابة المختاري والد المير
محمد قاسم النسابة المشهور وغيرهما وفي مجموعة مخطوطة ان قبر ابن محفوظ
بشيراز في حرم شاة جراع بجنب قبر الشيخ عبد الله بن صالح البحراني قاله
السيد شهاب الدين الحسيني التبريزي النسابة نزيل قم.
السيد جمال الدين عبد الله بن محمد الحسيني العريضي الخراساني.
من أجلة العلماء والأدباء يروي عن العلامة الحلي وهو من أكابر
مشايخ الشهيد قال الشهيد في اجازته للشيخ زين الدين علي بن الخازن
الحائري: واما المعاني والبيان فاني قرأت كتاب الفوائد الغياثية وشرحها
للسيد المرتضى على العلامة ملك العلماء والأدباء جمال الدين عبد الله بن
محمد الحسيني العريضي الخراساني عليه باسره ورويت عنه جميع مروياته
ومصنفاته وهو أيضا يروي عن الامام جمال الدين بن مطهر يعني العلامة
واروي عن كتاب المفتاح للسكاكي بحق روايته عن السيد اليمني باسناده
إلى السكاكي رحمة الله عليهم وعلى جميع علماء الاسلام اه. والفوائد
الغياثية من مؤلفات القاضي عضد الدين اللايجي الشافعي شارح مختصر
الأصول ويدل كلام الشهيد على أن لهذا السيد مؤلفات ومصنفات والسيد
اليمني هو الذي له حاشية على الكشاف (١).
السيد عبد الله بن محمد بن طالب الحسيني الحائري.
فاضل عالم شاعر رأيت من أشعاره قصيدة بخط بعض تلامذته بخط
عتيق تاريخها سنة ٧٥٠ كتبها في حياة أستاذه.
السيد المرتضى ضياء الدين عبد الله.
بن مجد الدين أبي الفوارس المرتضى السعيد محمد بن فخر الدين
علي بن عز الدين محمد بن أحمد بن علي بن عبد الله بن أبي الحسن علي بن
عبيد عبد الله الأعرج بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ع
الأعرجي الحسيني أستاذ الشهيد وأخو السيد عميد الدين عبد
المطلب بن محمد الأعرج الحسيني الفقيه المشهور وهما ابنا أخت العلامة
وأبوهما من العلماء ذكر في بابه وللمترجم ولد فاضل وهو السيد رضي الدين
الحسن بن عبد الله كان جده الاعلى أبو الحسن علي بن عبيد الله على ما في
كتب الأنساب جليلا في الغاية وكانت إليه رياسة العراق وكان مستجاب
الدعوة وهو مذكور في كتب الرجال ممدوح كثيرا له اختصاص تام بالكاظم
والرضا ع والمترجم ذكره السيد علي بن عبد الحميد النجفي في رجاله
وعده من تلامذة العلامة وهو الفقيه الجليل الأعظم الأكمل الأعلم الأفضل
الفاضل العالم الكامل المعروف بالسيد ضياء الدين الأعرجي الحسيني وفي
أمل الآمل السيد ضياء الدين عبد الله بن محمد بن علي بن الأعرج الحسيني
عالم فاضل جليل القدر من مشايخ الشهيد يروي عن العلامة له كتب منها
١ شرح التهذيب للعلامة اه وله ٢ رسالة في أصول الدين يروي
عن جماعة ويروي عنه جماعة أيضا وممن يروي عنه السيد الأديب نجم
الدين الحسن بن أيوب الشهير بابن نجم الأطراوي العاملي ويروي نجم
الدين أيضا عن أخي المترجم السيد عميد الدين وعن فخر الدين ولد
العلامة وقال المولى نظام الدين القرشي في نظام الأقوال عبد الله بن
محمد بن علي الأعرج الحسيني ابن أخت العلامة جمال الدين هو السيد الفقيه
من مشايخنا الامامية واخوه عبد المطلب الشهير بالعميدي كذلك رويا عن
خالهما العلامة ويروي عنهما الحسن بن أيوب الشهير بابن نجم الدين اه
ورأيت في بعض المواضع انهما يرويان عن ابن خالهما فخر الدين إما شرح
التهذيب فاسمه منية اللبيب في شرح التهذيب فرع من تاليفه يوم الأربعاء
١٥ رجب سنة ٧٤٠ بالحضرة الشريفة الغروية وشرح أخيه هو المشهور
المتداول ولعل الاسم والتاريخ المذكورين له وكان جده الاعلى السيد فخر
الدين علي بن الأعرج الحسيني العبيدلي من العلماء وترجم في محله (٢).
عبد الله بن محمد بن عبد الله أبو محمد الحذاء الدعلجي.
قال النجاشي في ترجمته منسوب إلى موضع خلف باب الكوفة ببغداد
يقال له الدعالجة كان فقيها عارفا وعليه تعلمت المواريث وله كتاب الحج
اه وقال في أحمد بن محمد بن الحسين بن الحسن بن دول القمي قال أبو

(١) الرياض.
(٢) الرياض.
(٦٩)

محمد عبد الله بن محمد الدعلجي رحمه الله أخبرنا أبو علي أحمد بن علي عن
أحمد بن محمد بن دول القمي. وقال في علي بن علي أخي دعبل قال
عثمان بن أحمد الواسطي وأبو محمد بن عبد الله بن محمد الدعلجي حدثنا
أحمد بن علي الخ.
المولى عبد الله بن المولى محمد تقي المجلسي الأصفهاني.
توفي حدود سنة ١٠٨٤ ببلاد الهند فقيه واعظ عالم صالح ناقد لعلم
الرجال جليل محدث ورع عابد وهو الأخ الأكبر للأستاذ المجلسي قرأ في
أول امره في حياة والده في أصفهان في الشرعيات والعقليات على الأستاذ
المحقق الخوانساري شارح الدروس وذهب إلى بلاد الهند بعد وفاة والده
وكان هناك مشوش البال لأمور يطول شرحها إلى أن مات بها غما. له من
المؤلفات شرح التهذيب للشيخ الطوسي لم يتم وله غير ذلك من الفوائد
والتعليقات وله أولاد أمثلهم المولى الفاضل مولانا محمد نصير فاضل جامع
له رسالة في اثبات رؤية الجن وشرح على اللمعة للشهيد وتعليقات على
أكثر كتب الفقه والحديث. (١)
آقا عبد الله ابن آقا محمد علي ابن الوحيد البهبهاني وباقي النسب ذكر في آقا
محمد علي.
توفي سنة ١٢٨٠ في كرامانشاه ودفن بها في مقبرة جده وأبيه.
كان من العلماء المجتهدين وحصل على درجة الاجتهاد في شبابه
ويقال انه لم يقلد أحدا بل كان يعمل في أول امره بالاحتياط ثم برأيه
وصارت له الرياسة بعد أبيه وصار مرجعا في الاحكام وغيرها وكان جيد
الحفظ جدا نقل الشيخ الجليل الشيخ آقا احمد البهنتي قال كنت جالسا في
مجلسه الشريف فجاء رجل وابرز وثيقة في معاملة فاجابه انك قبل أربعين
سنة حرت منك معاملة في هذا الموضوع مخالفة لهذه المعاملة حكى من حضر
عند وفاته انه اخرج خاتمه الشريف وقال يا ربي انك تعلم اني لم اختم به في
غير رضاك له مؤلفات أكثرها احترق في الحريق الذي حصل في مكتبة حفيد
آقا أبو علي امام الجمعة في كرامانشاه في شوال سنة ١٣٣٨ كما بيناه في ترجمة
أبيه والذي بقي منها ١ كتاب البيع ٢ رسالة في مسألتين إحداهما في
وقوع السفرجل في العصير العنبي قبل ذهاب الثلثين و الثانية في اختلاف
الموكل والوكيل وان قول أيهما المقدم ٣ وشرح منطق التهذيب ووجدت
هذه الأبيات على ظهر كتاب البيع من مؤلفات المترجم وهي قوله:
يا ذا المجلد كم حويت م‍ * ن اللئالي والجواهر
ما لم تكن تعلق به ك‍ * ف الأوائل والأواخر
أبرزت كل يتيمة دقت على أهل البصائر
وجلوتها كالشمس يسطع * نورها نحو النواظر
فاتتك سافرة القناع * تميل تيها للخواطر
لا غرو ذا ارث اتى من * كابر من بعد كابر
يا بن المحاميد الثلاث * وجعفر وعلي وباقر
صيت بالتحقيق ما * أبقيت مفتخرا لفاخر
وسعدت بالتوفيق من * مولى عليم بالسرائر
فالله اعلم حيث يجعل * علمه في جوف طاهر
الشيخ آقا عبد الله بن محمد تقي بن محمد مهدي الكرمانشاهي.
ولد سنة ١٢٥٩ وتوفي سنة ١٣٠٨
له من المؤلفات ١ حاشية على ميراث شرح اللمعة ٢ حاشية على
السيوطي إلى نون التوكيد ٣ مطارح الأفكار ٤ مخزن البركات في شرح
الصلوات.
علم الدين أبو محمد عبد الله بن محمد بن يحيى العلوي العبيدلي النقيب.
قرأت بخطه (٢).
اللوم يغري في هواه فاعذرا * وذر الملام فما أطيق تصبرا
قسما به لا صدني عن حبه * عذل العواذل فاعذلا أو فاعذرا
بأبي المفوق من سهام جفونه * سهما أصاب به الفؤاد وما درا
رشا تملكني هواه فطيفه * مذ طاف بي ما طافني طيف الكرى
قطب الدين أبو نزار عبد الله بن محمد بن يحيى بن الحسن العلوي الزيدي
الكوفي الشاعر السيد الشريف يعرف بابن الشريف الجليل.
قرأت بخطه (٣).
فإنك لن ترى طردا لحر * كالصاق به طرف الهوان
ولم تجلب مودة ذي وفاء * بمثل الود أو بذل اللسان
المولى عبد الله ابن الحاج محمد التوني البشروي الخراساني.
توفي بكرمانشاه سنة ١٠٧١ ودفن هناك عند باشاه.
سكن بالمشهد المقدس الرضوي وكان عالما فاضلا ماهرا فقيها صالحا
زاهدا عابدا ورعا شبيه احمد الأردبيلي في التقوى معاصرا لصاحب أمل الآمل. له ١ الوافية في الأصول ٢ شرح الارشاد في الفقه ٣
فهرست تهذيب الشيخ ٤ حاشية على المعالم ٥ حاشية على المدارك ٦
رسالة في أصول الفقه ٧ رسالة الجمعة وغير ذلك.
الشيخ عبد الله بن محمد بن علي بن حسن بن متوج البحراني.
كان عالما ورعا فاضلا وهو والد الشيخ احمد الذي اشتهر بابن المتوج
ومر في بابه ذكره في رياض العلماء وغيره ومر في ولده ان بعض الكتب
المنسوبة لولده ربما تكون له.
أبو محمد عبد الله بن محمد بن الحسين بن محمد الشوبكي الخطي كان حيا
في سنة ١١٥٠.
كان فاضلا مشاركا في العلوم مصنفا أديبا شاعرا له جواهر النظام في
مدح السادة الكرام ع ومسبل العبرات في رثاء السادة الهداة.
فمن شعره قوله في مدحه ص وقد التزم تجانس
كل قافيتين من القصيدة:

(١) الرياض.
(٢) معجم الآداب.
(٣) معجم الآداب.
(٧٠)

أقبلت تقنص الأسود الغزالة * ذات نور يفوق نور الغزالة
وانثنت تسلب العقول وثنت * غلة في الحشا بلبس الغلالة
واستحلت حرام سفك دمائي * وهو في قلبي الرخيص غلاله
يا نسيم الشمال مني بلغ * نحو انس الحشا سلامي حواله
وارع صبا متيما أبعدته * عن حماها ولم تجد من حمى له
حملتني في الحب منها غراما * لم أطق مدة الزمان احتماله
ولي العهد في هواها وثيق * قد أبى العقل في النقيض احتماله
لست أدري هل الصدود ملال * أم طباع الحبيب يبدي دلاله
انا في حبها غريق بدمعي * وهو فيما ادعيت أقوى دلاله
لا رعى الله عاشقا قد سلاه * في الهوى قاطعا بسيف الملالة
مثلما فاز من أطاع يقينا * خاتم الأنبياء تاج الرسالة
شامخ الفخر خير مولى إلهي * قدره مثل قدره قد رسى له
رب واليته بحسن اعتقاد * في نبي الهدى وواليت آله
فولاء النبي للعبد درع * عن نبال الردى وللنصر آله
وولائي من بعده لعلي * فهو من قبل موته اوصى له
وارتضاه الامام في يوم خم * فهو للخصم قاطع أوصاله
: السيد الشريف عبد الله بن محمد علي الحسيني الطبري الامام بمقام إبراهيم
الخليل ع بمكة المشرفة في القرن الحادي عشر.
وجد بخطه نسخة من كتاب المحاسن للبرقي في أحاديث أهل البيت
ع فرع من نسخها يوم الأحد من شهر جمادى الأولى سنة
١٠٤٤ وكانت الامامية وعلماؤها كثيرة في ذلك العصر في الحرمين الشريفين
مكة والمدينة كما يظهر من مراجعة السلافة للسيد علي خان المدني ونزهة
الجليس للسيد عباس الموسوي العاملي وغيرهما.
عبد الله بن محمد بن أبي شيبة الكوفي إبراهيم بن عثمان الواسطي أبو
بكر بن أبي شيبة الكوفي.
عن تقريب ابن حجر مات سنة ٢٣٥
وعنه ثقة حافظ صاحب تصانيف من العاشرة اه وقال الشيخ في
الفهرست: أبو بكر بن أبي شيبة له كتاب رويناه بهذا الاسناد عن أحمد بن
ميثم عنه اه والاسناد جماعة عن أبي المفضل عن حميد عن أحمد بن
ميثم قال الميرزا وفي نسخة من الفهرست وله كتاب الأوائل رويناه عنه
بالاسناد اه.
أبو محمد عبد الله بن محمد الكاتب الأصفهاني الشاعر المشهور بالخازن.
كان خازنا للصاحب بن عباد وكاتبا له ولذلك عرف بالخازن ذكره
صاحب نسمة السحر.
عبد الله بن محمد العاملي.
ذكره السيد عبد الله بن نور الدين بن نعمة الله الجزائري في اجازته
الكبيرة ووصفه بالشيخ الاجل وقال إنه يروي عن الشيخ علي سبط الشهيد
الثاني ويروي عنه الشيخ محمد بن حسين بن الحسن الميسي العاملي
الحائري.
السلطان عبد الله قطبشاه السابع بن سلطان محمد قطبشاه.
السادس ملك حيدرآباد دكن الهند وهو الذي زوج ابنته من الأمير
نظام الدين أحمد بن محمد معصوم الحسيني الشيرازي المدني والد صاحب
سلافة العصر.
ولد سنة ١٠٢٣ ه‍ وتولى الملك سنة ١٠٣٥ ه‍ وتوفي سنة ١٠٨٣ وفي
زمانه توسع نطاق الملك وطالت مدة سلطنته أكثر من سائر أسلافه فملك
زهاء ٤٨ سنة وتوفي وعمره ستون ولم يكن له عقب فولي الملك بعده صهره
السلطان أبو الحسن تاناشاه قطبشاه الثامن وكان عبد الله المذكور ذا كرم
وفيض وكان يحب الإنصاف بين الرعية ولكنه جاهل بأمور السياسة وتدابير
السلطنة ولهذا كان طيلة سلطنته مبتليا بالمشاكل والمصائب السياسية ولا
يعرف المخرج منها وكان مولعا بالتعمير والبناء ومحبا للعلم والأدب (١).
الأمير أبو محمد عبد الله بن محمد بن سعيد بن يحيى بن الحسين بن محمود بن
الربيع المعروف بابن سنان الخفاجي الحلبي.
توفي سنة ٤٦٦ في اعزاز وحمل إلى حلب ودفن فيها وله ديوان شعر
مطبوع.
كان واليا على قلعة اعزاز ولاه عليها محمود بن صالح فاستبد بها
وكانت ولايته بواسطة أبي نصر محمد بن محمد بن النحاس، فامر ان يكتب
إليه كتابا يؤنسه به ويستجلبه إلى حلب ففعل وكتب في آخر الكتاب إن شاء الله
وشدد النون. فلما قرأ الخفاجي ذلك التفت إلى تشديد النون ففهم ما
أراد. وكتب الجواب وفي أوله: انا الخادم وشدد النون فعرف أبو نصر
ذلك، وكان قصد أبي نصر ان الملأ يأتمرون بك. وقصد الخفاجي انا لن
ندخلها. ثم خير محمود أبا نصر بين قتله وبين ان يقتل هو الخفاجي فذهب
إليه أبو نصر وسمه.
وشعره يدل على أنه سافر إلى القسطنطينية فلأي شئ كان سفره يا
ترى ويدل شعره أيضا على أنه سافر إلى مصر وكان ذلك لمدح ناصر
الدولة بن حمدان الثاني الذي ذهب إلى مصر وأقام بها.
وله كتاب سر الفصاحة ذكره صاحب كشف الظنون وذكره السيد علي
خان الشيرازي في أنوار الربيع.
ويقول صاحب النجوم الزاهرة انه اخذ الأدب عن أبي العلاء
المعري.
شعره
هو شاعر مجيد متفنن في ضروب الشعر عذب الألفاظ طويل النفس
يعد شعره من السهل الممتنع ويعد هو في طليعة الشعراء وقد سابق فحولهم
وحذا حذوهم فلم يقصر عنهم وجاراهم في ميدان الفصاحة والبلاغة فما
سبقوه وان لم يجئ سابقا فقد جاء مجليا وفيما يأتي من مختارات شعره أوضح
شاهد على ذلك وقد مدح الامراء من بني مرداس وبني منقذ وبني ملهم وبني
حمدان المتأخرين فمدح ناصر الدولة الثاني منهم الذي كان في مصر ومدح
الوزير ابن جهير وغيرهم.
ويقول في كثير من شعره انه لا يمدح للاستجداء وطلب الجائزة فهل

(١) مآثر دكن.
(٧١)

يا ترى هو كذلك أو ان هذا مذهب شعري تبع فيه الشعراء في أنهم يقولون
ما لا يفعلون فهو يقول:
يظن العدا اني مدحتك للغنى * وما الشعر عندي من كريم المكاسب
ويقول:
فمن كان يبغي في المديح مواهبا * فان مديحي فيك بعض المواهب
ولكنه يقول قبل هذا في نفس هذه القصيدة:
طويت إليك الباخلين كأنما * سريت إلى شمس الضحى في الغياهب
وما شأن ذكر الباخلين من شاعر لا يطلب بمدحه نوالا حتى يقول إنه
طواهم إلى الممدوح. ويقول:
أعرضت عن ذل الطلاب وربما * وجد المريح واخفق المكدود
وسكنت في ظل النزاهة فليصن * مال البخيل رتاجه الموصود
تشيعه
يدل على تشيعه قوله من قصيدة كتب بها من القسطنطينية إلى بعض
اخوانه على سبيل المداعبة كما في ديوانه:
أبلغ أبا الحسن السلام وقل له * هذا الجفاء عداوة للشيعة
ولأجلسنك للقضية بيننا * في يوم عاشوراء بالشرقية
حتى أثير عليك منها فتنة * تنسيك يوم خزانة الصوفية
وقوله في ديوانه:
وقالوا قد تغيرت الليالي * وضيعت المنازل والحقوق
وأقسم ما استجد الدهر خلفا * ولا عدوانه الا عتيق
أ ليس يرد عن فدك علي * ويملك أكثر الدنيا عتيق
وقوله في ناصر الدولة ابن حمدان الصغير:
كنتم بصفين أنصار الوصي وقد * دعا سواكم فما لبوا وما نصروا
فهي الخلافة ما زالت منابرها * إلى سيوفكم في الورع تفتقر
وذلك لانهم من ربيعة وقد بالغت ربيعة * في نصره ع بصفين
وقوله من قصيدة يمدح بها أبا سلامة محمود بن نصر بن صالح بن
مرداس:
لعمري لقد قاد ابن خان غليله * إلى منهل يلقى الردى في شروعه
جزى الله خيرا عصبة أنزلت به * على حكم مصقول الغرار صنيعه
أجابت ضريح المرتضى في غريه * وسرت ضريح المصطفى في بقيعه
ويظهر من هذا الشعر ان ابن خان جرى له خطب مع بعض
العلويين فلذلك كان من أنزله على حكم السيف قد سر المرتضى في غريه
والمصطفى في بقيعه اي سر أولاد المصطفى المدفونين بالبقيع أو قال في بقيعه
لمجاورة البقيع قبر المصطفى ص لا ان فيه قبره.
وحسبك في تشيعه قوله في علي ع:
ما لي أراك على علاك تناكرت * احقادها وتسالمت أضدادها
أ على المنابر تعلنون بسبه * وبسيفه نصبت لكم أعوادها
تلك الضغائن بينكم بدرية * قتل الحسين وما اشتفت احقادها
وقوله فيه أيضا:
هيمت أفكار ذي الأفكار حين رأوا * آيات شانك في الأيام والعصر
لك العبارة في النطق البليغ كما * لك الإشارة في الآيات والسور
تصالح الناس الا فيك واختلفوا * الا عليك وهذا موضع الخطر
أنت الدليل لمن حارت بصيرته * عليه في مشكلات القول والعبر
أنت الغني عن الدنيا وزخرفها * إذ أنت سام على ما في قوى البشر
وولدك الغر كالأبراج في فلك ال‍ * معنى وأنت مثال الشمس والقمر
أجل قدرك عن وصف ومتصف * أأنت في العين مثل العين في الصور
مختارات من شعره الرثاء
قال يرثي أبا الحسن علي بن محمد بن عيسى الكاتب وقد قتل وصلب
من قصيدة:
عجلت عليه يد الحمام وعوده * ريان من خمر الشباب ومائه
عجبا لحد السيف كيف أصابه * ومضاؤه في الروع دون مضائه
ان يرفعوه فقد غنوا بعلائه * أو يشهروه فقد كفوا بثنائه
أو يبدع الأعداء فيه سنة * للدهر جارية على نظرائه
ذكر الغمام على ثراك علاقة * تجري بها العبرات من انوائه
فلقد جفوتك رهبة ولربما * هجر الصديق وأنت في احشائه
وقال يرثي جماعة من أهله وأصدقائه من قصيدة:
وإذا قتر البخيل فللأيام * في طي عمره تبذير
سل بغمدان أين قاطنه سيف * وقل للنعمان كيف السدير
عدل الدهر فيهم قسمة الجو * ر فلا عامر ولا معمور
ان في جانب المقطم مهجو * را من أجلة تزار القبور
ومقيما على المعرة تطو * يه الليالي وذكره منشور
وضريحين بالعواصم مبذولين * والصبر عنهما محظور
وغريبا بالدير بان له العيش * وغاض الندى ومات السرور
صارم فلت النوائب حديه * وغصن تحت الثرى مهصور
أيها الظاعنون لا زال للغير * ث رواح عليكم وبكور
قد رأينا دياركم وعليها * اثر من عفاتكم مهجور
وسألنا اطلالها فأجابت * ومن الصمت واعظ ونذير
عرصات كأنهن ليال * فارقتها عند الكمال البدور
تفهم الغافلين كيف يحول الدهر * عن عهده وكيف يجور
يا ديار الأحباب غيرك الدهر * فكانت بعد الأمور أمور
أين أيامنا بظلك والشمل * جميع والعيش غض نضير
وسقاكم من السحاب صناع ال‍ * كف يسدي في روضكم وينير
كل غناء ينقضي الغيث عنها * ولها أعين من النور حور
أشرقت فيه للشقيق خدود * وأضاءت من الأقاحي ثغور
عم معروفه ففي كل واد * من أياديه روضة وغدير
ما ارى الشعر كافيا في مرائيكم * ولكن قد ينفث المصدور
وإذا ما أطلت فيه ولم يشف * غليلا فكله تقصير
(٧٢)

وقال يرثي والدته وتوفيت عقيب قدومها من الحج سنة ٤٤٦ من
قصيدة:
ومسندون تعاقروا كأس الردى * ودعا بشربهم الحمام فأسرعوا
خرس إذا ناديت الا انهم * وعظوا بما يزع اللبيب فاسمعوا
نبذوا الاباء فما أضاء بنفعهم * عضب يشام ولا سنان يلمع
البيض تلمع والدروع مفاضة * والخيل تمرح والقنا يتزعزع
عجبا لمن يبقي دخائر ماله * ويظل يحفظهن وهو مضيع
ولغافل ويرى بكل ثنية * ملقى له بطن الصفائح مضجع
لو كان يمنعك القراع ملأتها * جردا يغص بها الفضاء البلقع
لكنها الاقدار ليس امامها * ما يستجن به ولا ما يدفع
يا قبر فيك الصالحات دفينة * أ فما تضيق بهن أو تتصدع
حياك فجري النسيم كأنه * ابدا بطيب ثنائها يتضوع
ان لم يكن عقر عليك فإنها * كبد مقرحة وقلب موجع
وقال يرثي أبا لعلاء صاعد بن سليمان الكاتب وقد توفي بأنطاكية
سنة ٤٥٦ من قصيدة:
فأي حسام حالت الأرض دونه * وكان متى يضرب به الخطب يقطع
ومقتسم النعمى أناخت عفاته * على المحل في روض من الجود ممرع
وأثنى عليه الحاسدون ضرورة * بأحسن ما يعلو الصديق ويدعي
وأين جفون ما أفاضت دموعها * عليك وقلب فيك لم يتصدع
المراسلات
بينه وبين الأمير علي بن منقذ
وكتب إليه الأمير أبو الحسن علي بن منقذ بقصيدة هذا محتارها.
سواي تشوق الكلة السيراء * ويجلو هواه البين والعدواء
أيا راكبا مالت به نشوة الكرى * كما اهتز من مر الرياح لواء
تحمل إلى الحي المقيم ألوكة * عن السفر ما فيها عليك عناء
بأي لسان ينطق المدح فيكم * بليغ وما ذا ينظم الشعراء
وفي كل يوم سنة من حديثكم * تنم على ما أسلف القدماء
تولعكم امال قوم صوادق * فما تنثني الا وهن رواء
فما بالكم لا أوحش الله منكم * مواطن فيها للذمام وفاء
رفعتم منار الغدر بعد هبوطه * واخفق منكم مطلب ورجاء
أخصك عبد الله من بينهم فما * أقول وما عندي عليه غطاء
واني لأستحيي عتابك والذي * بدا منك يأبى ان يكون حياء
وأوليتني نكدا على غير سابق * أظن له ان القبيح جزاء
أ لم تعلمن ان لست بابن لئيمة * ولا ذل عيني أعبد وإماء
تناءيت عنكم رغبة في دنوكم * الا رب داء عاد وهو دواء
بعاد بلا هجر وقرب بلا اذى * تهنا في الحالين كيف تشاء
فاجابه ابن سنان الخفاجي بقوله من قصيدة:
على أي حكم فيك أعجب للغدر * وما أنت الا واحد من بني الدهر
ولكن شجاني ان ودك ضاع من * يدي وقد أنفقت في كسبه عمري
شباب تقضي في هواك وشرد * مطوحة الأنباء جائلة الذكر
فما لك ترميني بعتب جهلته * فلم أر فيه وجه ذنبي ولا عذري
طويت على غل ضميرك بعد ما * توهمت ان السر عندك كالجهر
تغل علي العتب بين دلائل الصفاء * وتجلوا الحقد في رونق البشر
فما كنت الا السيف يسعر حده * ضرام الوغى والماء في متنه يجري
فأي خليل بالتجني حملته * على الخطة الشنعاء والمركب الوعر
فلو لم أر البقيا أطعت حفيظتي * عليك ولكن ليس قلبك في صدري
وكنت جديرا ان أبيت وبيننا * مهامه تسري الشهب فيها على ذعر
واني وإن كانت سماؤك أمطرت * سحائب عرف ناء في حمله ظهري
لا علم اني في انتسابي إليكم * على الكرم الوضاح والمنصب الحر
غصبت على جدواك نفسا أبية * فصار غنائي عنك أقبح من فقري
وعلمتني بذل النوال توكلا * عليك كما جاد السحاب من البحر
ولست بعيدا من رضاك وبينا * مواثيق يلغى في وسائلها وزرى
وما كنت الا راضيا بقناعة * أعيش بها بين الخصاصة واليسر
ولكن حظي من سحابك شيمة * تكثر حسادي وترفع من قدري
وكتب إليه الأمير أبو الحسن علي بن منقذ أيضا.
عدتني عواد عنك يا ابن محمد * تأوبني من لذعها نازح النكس
ولم الق في يومي سرورا يجيرني * من الهم الا بث ما كان في أمسي
فان عاق دهر عنك مثر من الذي * تباع له الأوطان بالثمن البخس
فلم اقتن الابدال منك وانما * فزعت إلى الملح الأجاج من اللمس
فاجابه بقوله:
أبا حسن لو قلت في ذكر وحشتي * لبعدك شعرا كان يعرب عن انسي
أبى ذاك اني قد رحلت بخاطر * كليل وقلب بالجوى عازب الحس
فلم يجتمع لي أحرف في صحيفة * كان الدجى نفسي وشمس الضحى طرس
فهل أنت ممن يدعي ما ادعيته * وقد صرت بعد البين أفصح من قس
وجاء كلام منك دل صقاله * وصدق معانيه على جذل النفس
الشيب
أناخ علي الهم من كل جانب * بياض عذاري في سواد المطالب
وكنت أظن الأربعين تصده * فما قبلت فيه شهادة حاسب
طلبت الصبا من بعدها فكانما * علقت باعجاز النجوم الغوارب
وما ساءني فقد الشباب وانما * بكيت على شطر من العمر ذاهب
وما ساءني شيب الذوائب بعده * وعندي هموم قبل خلق الذوائب
ولكنه وافى وما اطلق الصبا * عناني ولا قضي الشباب ماربي
فما كنت من أصحابه غير أنه * وفى لي لما خانني كل صاحب
وله من قصيدة:
ان راعني وضح المشيب فإنه * برق تالق بالخطوب فأومضا
ولقد أضاء واظلمت أيامه * حتى عرفت بها السواد الأبيضا
وله من قصيدة:
أسفت لرائعة المشيب كأنني * أدركت أوطار الصبا من قبلها
لا تظلميه فما وجهت همومه * الا بأيام الشبيبة كلها
(٧٣)

الأمثال والحكم في شعره
فلقد جفوتك رهبة ولربما * هجر الصديق وأنت في احشائه
فقد شفى الغلة من يوسف * بعد طويل الحزن يعقوب
وكم حبس القمري حسن غنائه * وقيدت البازي حجن المخالب
وقد يبصر الرأي الفتى وهو عاجز * ورب حسام سله غير ضارب
وما كنت لما اعرض البحر زاخرا * اقلب طرفي في جهام السحائب
وإذا بعثت إلى السباخ برائد * يبغي الرياض فقد ظلمت الرائدا
أ رأيت أضيع من كريم راغب * يدعو لخلته لئيما زاهدا
عكس الأنام فان سمعت بناقص * فاعلم بان لديه حظا زائدا
هيهات ما ترد المطالب نائما * عنها ولا تصل الكواكب قاعدا
أتركت سرحك بالجزيرة مهملا * وعجبت كيف عدا عليه السيد
وإذا وجدت العيش يعقب صفوه * كدرا فان شقيه لسعيد
العمر حلم والليالي قلب * والبخل فقر والثناء خلود
أبوك أبوهم ولولا الضياء * ما فضل القمر الفرقدا
ان الأصول وان زكت أغراسها * لولا غصون فروعها لم تثمر
يندى على عنت الزمان وكلما * صقل الحسام أفاض ماء الجوهر
وأراد اخفاء الندى فاذاعه * لا يظهر المعروف ما لم يستر
أضم لسعد شارد المجد والعلى * وسعد يراني بالتشاوس والشزر
ومن المنى ما دونه أمد * لا يستقل بمثله العمر
ولا ينال كسوف الشمس طلعتها * وانما هو فيما يزعم البصر
وكم طالب أمرا وفيه حمامه * وسارية تسعى إلى ما يضيرها
خطرات الزمان بؤس ونعمى * وفنون الاقدار نفعا وضرا
هيهات ما شرف الأصول بنافع * حتى تكون ذوائب كمغارس
ومن العجائب أن تكون قضية * يرضى الخصوم بها ويأبى القاضي
هجرتك خوفا من بعاد يثيره * دنوي وبعض الشراهون من بعض
وما الطعنة النجلاء الغراء في كل معرك * سوى الخطبة الغراء في كل مجمع
ما أظهر الرأي لذي فكرة * فيه وما أكثر جهاله
وقد خبرت عن نشب قليل * فهل خبرت عن خلق ذميم
ليس من يعبد ربا واحدا * مثل من يشرك فيه الوثنا
وكان المال آلى حلفة * لأهينن بخيلا لم يهني
وليس يبين الود في اليسر انما * وفاء الفتى في لزبة الحدثان
وان سنان الرمح ينجد كعبه * على بعده لأزجه المتداني
الأمثال في شطر بيت
فان الأباطح دون الذرى * كما تبع البدر شمس الضحى
ومن دوحة المجد يجني الردى * وفي الأفق بدر الدجى
ولم يزل المرء طوع الهوى * ولكنها سنة تقتفي
والبشر مثل الحسن محبوب * والغيث مرجو ومرهوب
وكل رأي الناس تجريب * وللدر معنى في نحور الكواعب
فقد يؤخذ المولى بما صنع العبد * يجمع الأفق السهى والقمرا
ومن الصمت واعظ ونذير * ولقد يطول الشئ حتى يقصرا
ولرب امن كله حذر * ومن الكمال يحاذر القمر
تعفو الكلوم وتبقى هذه السير * ما يحمد العود حتى يعرف الثمر
وما قتل البيداء الا خبيرها * فان طليق العارفات أسيرها
وما كل ضوء لاح من وضح الفجر * والنار لا تشتب حتى تحتضي
ما كل ما ستر البدور محاق * ولربما تضع الفروع أصول
وقد ينجو من القدر الذليل * وخير خليليك الذي كان أولا
وجنى الفروع مخبر عن أصلها * والليث لا يسلم أغياله
ويا رب عاطل وهو حالي * ان العطايا تمائم النعم
وليس كل ضراب ان يراق دم * رب أمر ما نأى حتى دنا
ويعلم صدق البرق بالهطلان * لقد خصمتك لو صرنا إلى حكم
الأوصاف والتشبيه
قال من قصيدة ذكر بعضها في المديح.
كان الدجى لما تولت نجومه * مدبر حرب قد هزمنا له صفا
كان عليه للمجرة روضة * مفتحة الأنوار أو نثرة زغفا
كان السهى انسان عين غريقة * من الدمع تبدو كلما ذرفت ذرفا
كان سهيلا فارس عاين الوغى * ففر ولم يشهد طرادا ولا زحفا
كان سنا المريخ شعلة قابس * تخطفها عجلان يقذفها قذفا
كان أفول النسر طرف تعلقت * به سنة ما هب منها ولا أغفى
كان نصير الملك سل حسامه * على الليل فانصاعت كواكبه كسفا
المواعظ والحكم
في ديوانه المطبوع عدة قصائد عنوانها وقال على طريقة الشعر
المعروف باستغفر واستغفري وهذا العنوان لم نسمع به قبل رؤية هذا
الديوان وكان المقصود به ما يشتمل على المواعظ فمن تلك القصائد قصيدة
منها:
استغفر الله القدير وعذبه * من شر عاد في الخصام منافس
وافعل جميلا لا يضيع صنيعه * واسمح بقوتك للضعيف البائس
وأقنع ففي عيش القناعة نعمة * لا تتقي كف الزمان الخالس
لا تركنن إلى المراء فإنه * سبب لكل تنافر وتنافس
ضلت بنو غطفان فيه فقتلت * ساداتها غضبا للطمة داحس
ألف البخيل مكاسه في ماله * والعر أنفق منه غير مماكس
درسوا العلوم ليملأوا بجدالهم * فيها صدور مراتب ومجالس
والحيرة البيضاء بدل آنسها * قدر اطاعته مدائن فارس
هيهات ما شرف الأصول بنافع * حتى يكون ذوائب كمغارس
لا تفخرن وان فضلت فبالتقى * ناضل وفي بذل المكارم نافس
ومن تلك القصائد التي قالها على طريق الشعر المعروف باستغفر
واستغفري قوله من قصيدة:
استغفر الله لا فخر ولا شرف * ولا وفاء ولا دين ولا أنف
كأنما نحن في ظلماء داجية * فليس ترفع عن ابصارنا السجف
تزيد بالبحث جهلا إذ طلبت هدى * وهل يضئ لعين المدلج السدف
وقال على نفس الطريقة:
استغفر الله من تركي واخلالي * وهفوة خطرت لي مني على بالي
قضيت عمري بدرس ما حظيت به * وكيف ينفع علم عند جهال
وزاد زهدي في اني عرفتهم * فما اسيت على جاه ولا مال
(٧٤)

قيدت بالياس عزمي عن مطالبه * فلتحمد الله أفراسي واجمالي
وللقناعة عندي منة شكرت * والشكر أحسن اعظام واجلال
قرنتها بثراء غير مكتسب * وعفة بين اكثار واقلال
وما جعلت اغترابي للغنى سببا * إذا تفرع أقوام لاشغال
قالوا جميلا ولكن قلما فعلوا * منه وصدقت أقوالي بافعالي
الحق أبلج فاعرف من تنازعه * ودع وساوس أفكار وأقوال
وللعداوة أسباب وأظهرها * فينا تباين أغراض وأشكال
يكفيك قوتك مما أنت تدخره * وما يصونك من بيت وسربال
وقال على نفس الطريقة أيضا:
استغفر الله سري في الهوى علن * وقد تنعت فقلت عندي المنن
عرفت دهري فلم احفل بحادثة * فيه فلا فرح عندي ولا حزن
وقد تصافى رجال لو كشفت لهم * سجية الناس خافوا كل من آمنوا
يجري القضاء بما تعيا العقول به * وينصر الجهل حتى يعبد الوثن
والظلم طبع ولولا الشر ما حمدت * في صنعة البيض لا هند ولا يمن
ذممت دهرك إذ نابتك نائبة * بمثل ما تشتكيه يعرف الزمن
خفض عليك فان العمر مخترم * والموت منتظر والحر ممتحن
ولا يغرك خلق راق ظاهره * فليس تصدق لا عين ولا أذن
صحبت قوما يعد الشر عندهم * حزما تشير به الآراء والفطن
عموا عن الرشد واعتادت نفوسهم * فعل القبيح فظنوا أنه حسن
رضيت عيشي فلا حرص ولا طمع * وصنت عرضي فلا عار ولا درن
خف من جليسك واصمت ان بليت به * فالعي أفضل مما يجلب اللسن
والتمس منه الوزير علم الدين ظهير الدولة أبو الحسن علي بن
الحسين بن عبد الرحيم انفاذ قصائد من شعره فكتب إليه شيئا جعل منه
هذه القصيدة وانفذها إلى حضرته بالجزيرة سنة ٤٤٩.
يا حادي الاظعان أين تميل * هي وجرة وسؤالها تعليل
ما هذه في الربع أول وقفة * وقفت لينشد قاتلا مقتول
ومرنح في الكور تحسبه الصبا * غصنا يميد بمرها ويميل
حملت إليه تحية ونسيمها * ابدا على دين الغرام دليل
ما كنت تخبر قبلها عن هاجر * الا وطيبك شاهد مقبول
وتبث ما كتم الأقاح ولو درى * ما كان منك لثغره تقبيل
وفوارس ألفوا القنا فكانه * قبل الطعان ببوعهم موصول
ذعروا الظلام فما يمر عليهم * الا وعقد نجومه محلول
ومطوع ركب الخداع مطية * ما ظهرها فوق اللقاء ذلول
كيف اهتديت لعامر ورعا لها * سدف وستر عجالها مسدول
وبدت مخائلها لديك مضيئة * لو كان عندك للصباح دليل
طلبوا النجاة فكان في أعمارهم * قصر وفي سمر الذوابل طول
وحذار من كلأ الجزيرة انه * مرعى بأطراف الرماح وبيل
صحت فليس سوى الجفون مريضة * فيها ولا غير النسيم عليل
وثنى زعيم الدين فضل جماحها * فالليل فجر والرياح قبول
نشوان يخطر للندى في هزة * علموا بها ان السماح شمول
يغتال بادرة الخطوب بريثه * وينال اقصى الحزم وهو عجول
ما كان يعلم قبل فيض نواله * ان الغمام إذا استهل بخيل
شرف بنو عبد الرحيم عماده * ولربما تضع الفروع أصول
قوم إذا نضب الكلام واظلمت * للناطقين خواطر وعقول
شاموا مضارب ألسن عربية * تفري وماضي المرهفات كليل
نسب هدى زهر النجوم منارة * وسواه قفر قرارة مجهول
يا جامع الآمال وهي بدائد * ومروض الأيام وهي محول
ما صدهم عنك الجفاء وانما * مالوا مع الأيام حيث تميل
وغريبة زارت وما نبغي بها * الا الوداد فهل إليه سبيل
الفخر والحماسة
ومبدد في الفخر طارف ماله * حتى تلوت عليه مجدا تالدا
مهلا فإنك ما تعد مباركا * خالا ولا تدعو سنانا والدا
ان حاربوا ملأوا البلاد مصارعا * أو سالموا عمروا الديار مساجدا
بيت له النسب الجلي وغيره * دعوى تريد أدلة وشواهدا
وقال في صباه:
سلوا أعادي إذا كنتم * لم تقبلوا أقوال أشياعي
هل رفعت في كرم راية * قصر عن إدراكها باعي
تشبهه بالشريف الرضي
كان المترجم يتشبه في شعره بالشريف الرضي ويحاول اتباع طريقته وان
يحذو حذوه ويعارض بعض قصائده ويأخذ من معانيه وألفاظه فالشريف
الرضي يقول:
لست للزهراء ان لم أرها * كوعول الهضب يعجمن اللجم
والمترجم يقول:
لست من عدنان ان لم ترها * كذئاب القاع يرعين اللجم
ويقول المترجم في تتمة هذه الأبيات:
كل نشوان يمادي عطفه * غصن البانة والرمح الأصم
قد أغاروا فحووا ما بالقنا * من تمام وقوام وهضم
يا بني قيلة لا تخدعكم * هجمة الليث إذا الليل هجم
رب خل طمح الغي به * فوهبنا اللؤم فيه للكرم
وابن عم قد بلونا سره * فلبسناه على ما قد كتم
ان تريني بمضلات الغنى * احمل الجود على حكم العدم
فأبي النفس عن ذل المنى * وخفيف الظهر من حمل النعم
وقال في صباه وهي من أول شعره:
إليك عني فليس الخوف من شيمي * سنطرد الهم ما يسمو من الهمم
اخذه من قول الشريف الرضي:
لا ألوم ان لازمني * فهموم المرء يبعثن الهم
وقال:
إذا سررت فما ثغري بمبتسم * وان جزعت فما دمعي بمنسجم
يا ناشد العز مطويا على ضمد * ما يدرك المجد بين الشاء والنعم
كأنه ينظر إلى قول الشريف الرضي
لا در درك كم نوم على ضمد * سقها ولو بطرير الغرب مسنون
وقال:
(٧٥)

فكيف تقذف ودا كنت تحفظه * لقد خصمتك لو صرنا إلى حكم
كأنه ينظر إلى قول الشريف الرضي.
دين عليك فان تقضيه أحيي به * وان أبيت تقاضينا إلى حكم
وقال:
آها لقلبك من نجد وساكنه * لقد علقت بشعب غير ملتئم
كأنه ينظر إلى قول الشريف الرضي.
يا قلب ما أنت من نجد وساكنه * خلفت نجدا وراء المدلج الساري
وقال وكتب بها من القسطنطينية إلى الوزير فخر الدولة أبي نصر محمد
ابن جهير من قصيدة:
يا برق طالع من ثنية جوشن * حلبا وحي كريمة من أهلها
وأساله هل حمل السلام تحية * منها فان هبوبه من رسلها
ولقد رأيت فهل رأيت كوقفة * للبين يشفع هجرها في وصلها
في كل يوم غربة وصبابة * عجبا لجد النائبات وهزلها
طلعت بميافارقين سحابة * أعدت على جدب البلاد ومحلها
ماض على عنت الزمان وانما * يبدو فرند المرهفات بصقلها
شهدت مكارمه بطيب نجاره * وجنى الفروع مخبر عن أصلها
ان الفضائل لم تزل مبثوثة * حتى خلقت فكنت جامع شملها
الحنين إلى الأهل والأوطان
قل للنسيم إذا حملت تحية * فاهد السلام لجوشن وهضابه
فلقد حننت وعادني من نحوه * شجن بخلت به على خطابه
وصبابة علقت بقلب متيم * وصل الغرام إليه قبل حجابه
شكوى الزمان والاخوان
يا اخوتي وإذا صدقت فأنتم * من اخوة الأيام لا من اخوتي
بعدا لآمالي التي علقتها * بكم فحارت في السبيل وضلت
وقال من قصيدة يمدح بها * الأمير محمود بن نصر بن مرداس
أهون بشعري بعد ما سبقت * مدحي إليك ذرائع اخر
فلطالما فاضت يداك على * قوم وما نظموا ولا نثروا
لكنه قدر رضيت به * مرا وكيف يغالب القدر
بيني وبين الحظ واجبة * عمياء لا نجم ولا سحر
لا يهتدى فيها ولو طلعت * من أفقها اخلاقك الغرر
وارى وحاشاك الكرام وما * لي عندهم ظل ولا ثمر
لو انني نبهت في وطر * عمرا لمات من الكرى عمر
وقال:
يا حبيبا وده للناس * تمثال النفاق
قد بلوناك على حال * التنائي والتلاقي
فإذا انك لا تصلح * إلا للفراق
الغزل والنسيب
بقيت وقد شطت بكم غربة النوى * وما كنت اخشى انني بعدكم أبقى
وعلمتموني كيف أصبر عنكم * واطلب من رق الغرام بكم عتقا
فما قلت يوما للبكاء عليكم * رويدا ولا للشوق نحوكم رفقا
فما الحب الا ان أعد قبيحكم * إلي جميلا والقلى منكم عشقا
وقال من قصيدة:
ما ذا على الناقة من غرامه * لو أنه انصف أو رثى لها
ان لها على القلوب ذمة * لأنها قد عرفت بلبالها
فعللوها بحديث حاجر * ولتصنع الفلاة ما بدا لها
وقال:
رحلنا قبيل الصبح ننشد أهلنا * ونحن بأعلى الرقمتين نزول
فالتمني والليل بيني وبينه * غروب أقاح ظلمهن شمول
وكان الأمير أبو سلامة محمود بن نصر بن صالح سار إلى طرابلس
وصحبته الأمير أبو الحسن علي بن مقلد بن منقذ والقائد أبو الحسن بن أبي
الثريا ولم يسر هو في الصحبة فكتب إلى الأمير علي بن المقلد بن منقذ قصيدة
يداعبه بها منها:
يا أجل الملوك عما وخالا * عند ذكر الأعمام والأخوال
والذي لم يزل لجود يديه * مزنة تستهل قبل السؤال
ليت شعري بأي شئ أداريك * ك فقد قل في رضاك احتيالي
ما اتفقنا الا على صحبة الدهر * ولكن بدا لكم فبدا لي
وكتب إلى الشريف أبي علي محمد بن محمد الهاشمي وقد اعتقل سنة
٤٤٠ من قصيدة:
سل العيس ما بين اللوى فأبان * خماصا تبيد البيد بالوخدان
عن الركب في أكوارها هل تساندت * أنامله الا على خفقان
تلفت من سفح الجبال ودونها * حجازية انا لمختلفان
فلم تجهل العينان لائح رسمها * على البعد لولا كثرة الهملان
وما ذات أفراخ تميس مع الصبا * وأفراخها في غفلة وأمان
أتيح لها والدهر جم صروفه * عجول بحمراوين يشتعلان
يظل قذى الظلماء ينزو بعزمه * إذا غيره أعيا على الطيران
فلم يبق الا شلو كل ممزق * كان به آثار حد يماني
بأجزع مني إذ تقول عديبة * تراك على رغم الزمان تراني
إما وأبيها لو رأتني لاكبرت * مقالي اني في غرامك عاني
إذا شئت تبلو مرهفات عزائمي * ويعلم صدق البرق بالهطلان
فذرني وإياها فإن لم أفز بها * سريعا وإلا لست نجل سنان
سبقت وما بلغت عشرا كواملا * فكيف وقد جاوزتها بثمان
ولي في قراع النائبات عزائم * تريك بلوع النجم بالذملان
وركب تعاطوا بينهم نشوة الكرى * فلا لمة الا لقى بلبان
سالناهم والعيس حسرى من الوجى * وجنح الدجى والصبح يصطرعان
من الركب قالوا من لؤي بن غالب * مصابيح يومي نائل وطعان
فقلنا بنو عم الشريف محمد * سمام العدى ضراب كل جران
فاطربهم تذكارهم وترنموا * باخلاق مقلاق الركاب هجان
من القوم طلق لا يزال بنانه * لبذل نوال أو لصون عنان
وأبهى بيانا فوق أعواد منبر * وامضى جنانا فوق ظهر حصان
(٧٦)

أخا هاشم كم قدتها هاشمية * يغص بها من نقعها الملوان
فان طرقت فيك الليالي بفادح * فلا عجب ان يكسف القمران
وليس يبين الود في اليسر انما * وفاء الفتى في لزبة الحدثان
فيا ليتني شاطرتك السوء سامحا * ببسط بنان للأذى وجنان
إذا باعدت منا المناصب قربت * مودة لأناس ولا متواني
وان سنان الرمح ينجد كعبة * على بعده لأزجه المتداني
المديح
قال يمدح الأمير أبا سلامة محمود بن نصر بن صالح بن مرداس سنة
٤٦١ ويذكر مسيره إلى حصن اسفونا:
إما ظباك فقد وفت بضمانها * فمتى تجود به على أجفانها
لك كل يوم غضبة مضرية * تدني بها الآجال قبل أوانها
ما ينكر الاسلام ان ثغوره * عزت وسمر قناك من أركانها
وقال يمدح الأمير محمود بن نصر بن صالح بن مرداس أيضا من
قصيدة سنة ٤٦٢:
يدل على جوده بشره * وما لمع الغيث الا هتن
منيع الجوار رفيع المنار * مريع الديار وسيع العطن
تلوح له خافيات الغيوب * فسر القضاء لديه علن
إذا أخصبت بنداه البلاد * فما شاءت السحب فلتفعلن
بقيت فكم لك عندي يدا * ومنا بعثت به بعد من
توالي إلي بلا شافع * وأغنى الفرات يدا عن شطن
وأهديت من زفرات الحنين * إليك وما كل من حن حن
شوارد في كل صدر لها * مناخ وفي كل سمع سنن
أتتك تجدد عهد الثناء * وتظهر عن هائم ما أجن
وما كل من حسنت عنده * أياديك جاء بشكر حسن
وقال يمدح شرف امراء العرب أبا سلامة محمود بن نصر بن صالح بن
مرداس سنة ٤٥٩ من قصيدة:
بين بصرى وضمير عرب * يا من الخائف فيم ما جنى
كلما شنت عليهم غارة * أغمدوا البيض وسلوا الأعين
طلعت للحسن فيهم مزنة * أنبتت في كل حقف غصنا
ما لقلبي ليس يشفى داؤه * كلما زال ضني عاد ضني
لو سلمنا من تباريح الجوى * لذكرنا جملة من أمرنا
وشكرنا لابن نصر منة * أطلقت بالمدح فيه الألسنا
كلما عرض بالحمد له * أكثر السوم وأغلى الثمنا خلقت
للجود منه راحة * علمتنا ان نذم المزنا
وقال يمدح الأمير سعد الدولة أبا الحسن علي بن مقلد بن منقذ من
قصيدة:
وبرق أضاء فلو لا السها * د دل الخيال على مضجعي
سرى وهو في الأعين الساهرات * أحلى من النوم في الهجع
فطار حني بحديث العذيب * ولكن جزعنا ولم يجزع
بلى لبني منقذ منهل * من الجود لولاه لم أشرع
هم جنبوني بعد الاباء * إلى خصب واديهم الممرع
وأبلج منهم بغوا شاوه * وقد فات شاردة الأربع
غذاه أبوه بحب النوال * فلم يسل عنه ولم ينزع
أبا حسن لي في مدحكم * شوارد لولاك لم تجمع
إذا ما دعوت جموح الكلام * جاء بممتنع طيع
وقال يمدح الأمير مخلص الدولة أبا الفتوح مقلد بن نصر بن منقذ من
قصيدة:
متوقد العزمات فياض الندى * جذلان يبذل في الزمان الكالح
يا جامع الآمال وهي بدائد * شتى ورائض كل صعب جامح
وقال يمدح الأمير سعد الدولة أبا الحسن علي بن مقلد بن نصر بن
منقذ من قصيدة:
يا سائق الاظعان اي لبانة * بالنصف تنشدها المهاري القود
عزت على سوم الغرام فما درى * ولع النسيم بها ولا التغريد
وعلى الثنية من تبالة موعد * عقمت به الآمال وهي ولود
سل بانة الوادي فليس يفوتها * خبر يطول به الجوى ويزيد
وانشد معي ضوء الصباح وقل له * كم تستطيل بك الليالي السود
أ صبابة بالجزع بعد سويقة * شغل لعمرك يا أميم جديد
ومطوح ركب الخطار بعزمة * هبت وسارية النجوم هجود
ذعر الدجى فتناثرت من جيده * نحو الصباح قلائد وعقود
قوم تلوح لهم على عليائهم * قبل اللقاء دلائل وشهود
هبوا إلى المجد الرفيع فاحزروا * قصباته وبنو الزمان رقود
وبنت لهم احسابهم وسيوفهم * بيتا عمود الصبح فيه عمود
جادوا وأندية الغمام بخلية * وجروا وشاردة الرياح ركود
من دينهم ان السماح عليهم * فرض وان الرافد المرفود
حي تناسب في العلا فأصوله * أغصانه والوالد المولود
ان قصروا عن غاية ابن مقلد * فمن الأراكة غصنها الأملود
لولاه ما عرف النوال ولم تكن * تدري السحاب الغر كيف تجود
وقال يمدح الأمير سعد الدولة أبا الحسن علي بن مقلد بن نصر بن
منقذ من قصيدة:
قوم أضاؤوا والخطوب بهيمة * كالبيض تلمع في خلال العثير
ألفت رماحهم الطيور كأنهم * رنقوا بها خلل العجاج الأكدر
لا يرتدون سوى معرس ساعة * يتفيؤن بها ظلال الضمر
من كل وراد الوغى بحسامه * والحتف معترض طريق المصدر
حرم الاباء على الأسنة ظهره * فالموت مفزعه إذا لم يظفر
سبق الكرام أواخر ابن مقلد * عنهم فكان السبق للمتأخر
ان الأصول وان زكت أغراسها * لولا غصون فروعها لم تثمر
ان جاوروه فحاتم في طئ * أو نازلوه فعامر في جعفر
يندى على عنت الزمان وكلما * صقل الحسام أفاض ماء الجوهر
بيني وبينك حرمة ما غالها * ولع الخطوب وذمة لم تخفر
ومودة مزجت بأيام الصبا * ورأت تغيره فلم تتغير
يفديك كل جديدة نعماؤه * وعر السبيل إلى العلاء مؤخر
تتعجب الأيام كيف أطاعه * قدر وفاز منيحه في الميسر
وقال يمدح علي بن مقلد بن نصر بن منقذ أيضا من قصيدة:
(٧٧)

قد رجوناك فشمر جاهدا * انما يدركها من شمرا
وأبي المجد لقد فاز به * سالك فيه السبيل الأوعرا
من كرام رتقت بيضهم * فرج المجد وكانت ثغرا
ونأى الغيث فجادوا ديما * ودجا الخطب فلاحوا غررا
ونوال من اكف أوجبت * طاعة المجد فصارت أبحرا
واستطالت بعلي لهم * دوحة لم تك تشكو القصرا
فشآهم وهو من نجرهم * يجمع الأفق السهى والقمرا
وقال يمدح الأمير معز الدولة أبا علوان ثمال بن صالح بن مرداس
سنة ٤٤٤ من قصيدة:
وأمطرنا سحاب الدمع حتى * حسبنا انه مهج تسيل
وعجنا ذاهلين فما علمنا * أ نحن السائلون أم الطلول
وفي الاظعان لينة التثني * عصي الردف مانعة بذول
سألناها تحيينا فضنت * وذلك لو تجود به جزيل
سقت ارض السوية والغوادي * تهاداها الأباطح والسهول
كان يد المعز حنت عليها * مخافة ان تضر بها السيول
شفى مرضى العواصم عامري * تشف على خلائقه الشمول
جلا صدأ القذا عنها وصحت * فليس سوى النسيم بها عليل
كريم يستر المعروف حتى * كان كثير ما يعطي قليل
تزور جياده ارض الأعادي * واطراف الرماح لها دليل
وملك شاده طعن الهوادي * تزول الراسيات ولا يزول
تحاذر بأسه سمر العوالي * ففيها من مهابته ذبول
من القوم الذين لهم اكف * تناذرها فتنجاب المحول
كهولهم إذا غضبوا شباب * ومردهم إذا حلموا كهول
حذار فان في حلب ليوثا * أنابيب الرماح لهن غيل
ومن بطن الشام إلى رجيل * مرابع نبتها الأسل الطويل
يشيد دونها لبني كلاب * بيوت ما يضام لها نزيل
تسل شعابها بندى ثمال * فليس لها إلى كلأ رحيل
تغمد جرمها ان طاح حلم * وضلت عن هدايتها عقول
وصنها فهي في يمناك عضب * يزينك حمله وبه نصول
وقال يمدح الأمير نصير الملك أبا علي الحسين بن علي بن ملهم سنة
٤٥٥ من قصيدة:
يا خليلي قد سئمت أماني * وأنفقت في القناعة عمرا
فاطلقا من أزمة العيس ما شاء * ت فانا في ربقة الهم اسرى
ولعمري لقد كفاها نصير ال‍ * ملك فلتوسع البرية عذرا
وردت مشرع المكارم ملآ * ن وحيث وجه للزمان أغرا
طلعة كالصباح يلمع فيها * بارق للسماح سموه بشرا
شرفا يا بني فزارة قد أحيا * نداه عليك حصنا وبدرا
علم الناس كيف يسعى إلى المجد * ولكن باتوا نياما واسرى
وبنان إذا تجهمت الأنواء * اجرى به سحائب عشرا
وقال يمدح الأمير أبا علي الحسين بن ملهم أيضا ويذكر عقده الحلف
بين القيسيين من فزارة وسليم وبين الكلبيين وانفذها إليه سنة ٤٠٥ من
قصيدة:
وهاتفه في البان تملي غرامها * علينا وتتلو من صبابتها صحفا
عجبت لها تشكو الفراق جهالة * وقد جاوبت من كل ناحية ألفا
ويشجو قلوب العاشقين حنينها * وما فهموا مما تغنت به حرفا
ولو صدقت فيما تقول من الأسى * لما بسطت طوقا ولا خصبت كفا
اجارتنا أذكرت من كان ناسيا * وأضرمت نارا للصبابة ما تطغى
وفي جانب الماء الذي تردينه * مواعيد ما ينكرن ليا ولا خلفا
ومهزوزة للبان فيها شمائل * جعلنا لها في كل قافية وصفا
لبثنا عليها بالثنية ليلة * من السود لم يطو الصباح لها سجفا
لعمري لئن طالت علينا فإننا * بحكم الثريا قد قطفنا لها كفا
رمينا بها في الغرب وهي ذميمة * ولم نبق للجوزاء عقدا ولا شنفا
ثم ذكر عدة تشبيهات ذكرناها في الأوصاف والتشبيه ثم قال:
كان نصير الملك سل حسامه * على الليل فانصاعت كواكبه كسفا
وأبلج أحيا دارس العدل بعد ما * ثوى وشفى المعروف من بعد ما أشفى
جرى سابقا في حلبة الجود وحده * وقال العدى كان السحاب له ردفا
وقد أسندت كلب إليك أمورها * فما فقدت نصرا ولا عدمت عرفا
وكم لك فيهم من يد ملهمية * إذا انتجعت أرخت سحائبها الوطفا
مواهب في قيس وقحطان لم تدع * لها منسما يطوي البلاد ولا خفا
أقامت على الأوطان تشرب ماءها * نميرا وترعى روضها خضلا وحفا
وقد بدرت في بحتر منك غضبة * منحتهم فيها القساوة والعنفا
إذا نظروا خصب السواد ودونه * سيوفك حاروا لا إماما ولا خلفا
ولي فيك من غر القوافي قصائد * تقبل أفواه الرواة لها رشفا
وما أدعي در الكلام لأنه * صفاتك الا انني أحسن الوصفا
وقال أيضا يمدح الأمير نصير الملك أبا علي الحسين بن علي بن ملهم
وانشدت بحضرته في ثغر حلب سنة ٤٥٠ من قصيدة:
وعلى الغضا ان كنت من جيرانه * نار تقاسم حرها العشاق
ومشتت العزمات ينفق عمره * حيران لا ظفر ولا اخفاق
أمل يلوح الياس في أثنائه * وغنى يشف وراءه الإملاق
لولا نصير الدين طال ثواؤه * فيها وليس لاسره اطلاق
القائد البزل الصعاب كأنها * مما يجوب بها الفلاة حقاق
ومؤلف الأهواء بعد شتاتها * طوعا فما بين القلوب شقاق
يسطو وقد برقت أسرت وجهه * بشرا فيمزج امنه الاشفاق
كالسيف يسعر حده نار الوغى * والماء في صفحاته براق
ما هذه طرب العقار وانما * أعطته نشوة كأسها الأخلاق
ينمى إلى حسب تقدم ملهم * فيه وعز على النجوم لحاق
بيت له الشرف القديم وغيره * كالشيب جدة مثله أخلاق
البرك دثر والقباب فسيحة * والجود غمر والجفان عماق
وحمى العواصم بعد ما كان العدى * فيها وحاول سرحها المراق
ما ضرها جدب وأنت ربيعها ال‍ * حالي وكفك غيثها الغيداق
ظن ابن باديس بعادك جنة * فابت نواحل كالسقي دقاق
ألهاه عن نظر العواقب سامر * غرد وكاس بالعقار دهاق
وأقام ينتجع الظنون سفاهة * ومن الظنون خديعة ونفاق
حتى إذا طالعت ثغرة كيده * وهفا عليه لواؤك الخفاق
(٧٨)

ولى يذم بها قوائم سابح * جمحت به الخيلاء وهي اباق
ورمى بصيرة في مخالب ضيغم * طيان تفتح باسمه الاغلاق
دامي الأسنة ما تقر جياده * حتى تضئ بعدله الآفاق
بالقيروان لها غمامة عثير * وطفاء وابلها الدم المهراق
وعلى خليج الروم برق صفائح * تفري ذيول النقع وهي صفاق
عادت سهامهم الحداد كليلة * حتى كان نصالها أفواق
حتى إذا سفر الضحى وتمادت * الابصار أيكما له الاشراق
غادرتها دمنا على اطلالها * يبكي الخليط وتذكر الأشواق
وشرعت دين قراك في عرصاتها * فالنار تضرم والدماء تراق
شرفا بني كعب فما عذب الجنى * الا بما سبقت به الأعراق
شادت سيوف أبي علي فيكم * مجدا له فوق السماء طباق
وسعى المهذب سعيه فتوافقا * إن كان بين الفرقدين وفاق
يا جامع الحسنات ان غرائبي * تهدى وليس سوى الوداد صداق
لو أنصفت زفت إلى خطابها * والبدر تاج والنجوم نطاق
لم يعترضها بالحجاب نقيصة * ما كل ما ستر البدور محاق
وقال يمدح سني الدولة أبي الكتائب محمد بن علي بن محمد:
لولا سني الدولة بن محمد * ما كان للمعروف ذكر يعرف
إما دمشق فإنها بك روضة * ما تحتوي وسحابة ما تخلف
بلد أقمت به وذكرك سائر * في كل ناحية يخب ويوجف
وقال يمدح الأمير أبا سلامة محمود بن نصر بن صالح مرداس من
قصيدة يقول فيها:
فلا تأمنوا ان تسمعوها مرنة * بقرع العوالي والمهندة البتر
يقول أبو حزن طلبنا لك العلى * فلم أخذت كفاك في طلب الفقر
فقلت رأيت المال يبلى حطامه * وتبقى أحاديث الرجال مع الدهر
وفي الحي محمود بن نصر بن صالح * أخو الغارة الشعواء والكرم الدثر
أقلها من الحي اللئام ونادها * مراحك هذا آخر العهد بالضر
وجوه كايماض الصوارم أشرقت * من الحسب الوضاح والنائل الغمر
ونالوا بعز الدولة المجد شائدا * لما أثلوه من علاء ومن فخر
له خلق في المحل غيث وفي الصبا * نسيم وفي جنح الدجى غرة البدر
وقال في محمود بن صالح بن مرداس أيضا ويعاتبه في عيد النحر من
قصيدة:
ومكرم يلقى العفاة بوجهه * بشرا كما لمع السحاب وامطرا
كالصارم الهندي الا انه * امضى شبا منه وأكرم جوهرا
ملأت وقائعه الطروس فلم تدع * في الأرض الا سائلا أو مخبرا
قد قلت للأعداء غير مجامل * لهم واعذر فيهم من انذرا
أما الثغور فان دون مرامها * ليثا أشم الساعدين غضنفرا
القى ذراعيه وأطرق ملبدا * من بعد ما هجر العرين وأصحرا
جربتموه محاربا ومسالما * وعرفتموه مصمما ومعذرا
وبلوتموه فما وجدتم عنده * الا الصوارم والوشيج الأسمرا
وبدت لكم في النقع بيض سيوفه * فرأيتم فيها الحمام مصورا
فيكون سهمي في العناء مقدما * عنهم وحظي في العطاء مؤخرا
وتهن بالعيد الذي شرفته * لما برزت مصليا ومكبرا
وقال يمدحه أيضا ويذكر الوقعة الحادثة بدمشق في سنة ٤٦٠ من
قصيدة:
آثار جودك غير خافية * لا البحر ينكرها ولا المطر
أين الذين ببعدهم امنوا * ولرب أمن كله حذر
سل جلقا عنهم وما صنعت * بهم وعند جهينة الخبر
القى على الشهباء كلكه * وله بكل ثنية ظفر
خلصت به الدنيا وما عرفت * الا وفيها النفع والضرر
وجلت قذى الأيام سطوته * ولكل صفو قبلها كدر
فكانما آلت مواهبه * ان لا يفوت مؤملا وطر
عجبا لمغرور وقد ظهرت * لسيوفك الآيات والنذر
ومن المنى ما دونه أمد * لا يستقل بمثله العمر
غرت عقيلا هفوة عرضت * يصحو الزمان لها ويعتذر
خاف الكمال على علاك بها * ومن الكمال يحاذر القمر
يا ابن الأولى فخرت بمجدهم * مضر وما ادراك ما مضر
يكفيك نصر منهم نسبا * معنى على المداح مختصر
وقال يمدح الأمير أبا سلامة محمود بن نصر بن صالح بن مرداس سنة
٤٥٧ من قصيدة:
أ أحبابنا بين الأحص وجوشن * دعاء معنى بالفراق صريعة
يحب سنا البرق الذي لاح منكم * وما هو الا جمرة في ضلوعه
ومنتصر بالدمع في رسم منزل * تذكر أيام الصبا في ربوعه
فلو أعشبت اطلالها من بكائه * لما رضيت اجفانه عن دموعه
لحي الله من يرضى الدنية واصلا * لهاجره أو حافظا لمضيعه
يقيم على أوطانه في ملمة * من الدهر يلقى عزها بخضوعه
وأين ذميل الأرحبية في الدجى * واخذ السرى من ليلها وهزيعه
ونصرة محمود بن نصر فلم تكن * بعازبة عن تربه ورضيعه
نزلت على رحب الفناء مريعه * ولذت بعادي البناء رفيعة
فمذ سمح الدهر البخيل بقربه * صفحنا له عما مضى من صنيعه
وذو الحرب ما القى تمائم مهده * عن الجيد حتى اجتاب زغف دروعه
أبا سابق لله فيك سريرة * قضت بقريب النصر منه سريعه
إذا اظلمت سود الخطوب جلوتها * برأي يعير الصبح ضوء صديعه
ولي فيك امال طوال ترددت * بقلب جميل الظن فيك وسيعه
ومن كان يبغي شافعا في لبانه * فوجهك امسى شافعا عن شفيعه
وقال يمدح الأمير أبا سلامة محمود بن نصر بن صالح بن مرداس أيضا
ويذكر فتحه حلبا سنة ٤٥٧ من قصيدة:
أبى الله الا ان يكون لك السعد * فليس لما تبغيه منع ولا رد
قضت حلب ميعادها بعد مطله * وأطيب وصل ما مضى قلبه صد
تهز لواء النصر حولك عصبة * إذا طلبوا نالوا وان عقدوا شدوا
وخطية سمر وبيض صوارم * وصافية زعف وصافنة جرد
رموا حلبا من بعد ما غر أهلها * عهود ولكن ما لها بالندى عهد
لئام السجايا لا وفاء ولا قرى * فلا غدرهم يخفى ولا نارهم تبدو
وقد ثبتوا حتى طلعت عليهم * كما قابلت شمس الضحى الأعين الرمد
(٧٩)

وان عوتبوا بالمرهفات فطالما * أصاخ لها الغاوي وبان بها الرشد
وقوم رموا عرضي ولو شئت كان لي * من الذم حاد في جمائلهم يشدو
وما العار الا ان تحل بيوتهم * أحاديث ما فيها نزاع ولا جحد
وعندي إذا عز الكلام غرائب * هي الغل عند السامعين أو العقد
وقال يمدح الأمير أبا الحسن علي بن نصر بن منقذ من قصيدة:
من معشر بذلوا النفوس سماحة * وحموا بيوت المجد ان تتقوضا
لولا مخالطة الصوارم والقنا * منع السماح أكفهم ان تقبضا
قوم إذا استنجدتهم لملمة * ملأت عليك جيادهم رحب الفضا
بيني وبينك ذمة مرعية * حاشا مرائر عهدها ان تنقضا
فاصخ إلي وللحديث شجونه * حتى أبثك ما امضى وارمضا
ما أخرتني عن جانبك همة * وجدت من الأهواء عنك معوضا
فكر أقود به الجموع كأنما * طبع الرضي له و علم المرتضى
وقال يمدح الأمير عز الدولة أبا الدوام ثابت بن معز الدولة سنة ٤٤٨
من قصيدة:
أظن نسيم الريح من حيث ارسلا * أعاد على برق اللوى ما تحملا
روى مجملا والبان يتلو حديثه * ففسر ما قال النسيم وفصلا
عذيري من الأيام تلقى بثابت * من البشر روضا أو من الجود جدولا
دعته إلى بذل الندى أريحية * تعود منها يقول ويفعلا
نوال يعم الأرض حتى كأنه * تضمن ارزاق الورى وتكفلا
واجرد نهد لم يجد غير ظله * وسيلا ولم يملك من الأرض منزلا
يفوت مجال الطرف حتى تخاله * من البرق لولا أنه كان أعجلا
وقال يمدح محمد بن صالح بن مرداس سنة ٤٤٣ من قصيدة:
كان ابن نصر همى كفه * عليها فاخجل صوب الحيا
فتى جاد بالمال قبل السؤال * وعاجل بالبشر قبل المنى
وقادت مواهبه الطالبين * فانضى المطي وسد الفلا
من القوم ان خطروا للنزال * رأيت الردى في بحور الندى
أ ليس أبوك أبا فاضل * فهل فوقه للعلا منتهى
فتى وجد العز حيث الحمام * ومن دوحة المجد يجنى الردى
وجاوره الغيث جهلا به * فلما رأى جوده ما همى
مدحتك اطلب منك الوداد * إذا حاول القوم منك الغنى
ولي في فخاركم شعبة * وفي الأفق بدر الدجى والسهى
واني على شغفي بالقريض * لأذخره عن جميع الورى
ولكن حبك نادى به * ولم يزل المرء طوع الهوى
وقد جل قدرك عن نظمه * ولكنها سنة تقتفى
وقال يمدح الأمير نصر الملك أبي علي الحسين بن علي بن ملهم وكتب
بها إليه من القسطنطينية بعد مسيره من حلب سنة ٤٥٣ من قصيدة:
لاح وعقد الليل مسلوب * برق بنار الشوق مشبوب
طوى الفلا يسال عن حاجز * وهو إلى رامة مجلوب
ولائم يظهر إشفاقه * عندي وبعض النصح تثريب
يا صاحبي رحلي أعيدا أما * ني ففي الغيب أعاجيب
وخبراني أين شمس الضحى * فان لون الصبح غربيب
وا أسفي من غربة طوحت * فيها إلى الروم الأعاريب
قادني الدهر إليها ومن * يجاذب الاقدار مغلوب
فهل تشيمان على راهط * نارا لها في الجو ألهوب
دون سناها كل مجهولة * تعرفها الجرد السراحيب
لعلها نار بني ملهم * تعقر في ارجائها النيب
قوم ذكرناهم ومن دونهم * للريح اسآد وتأويب
فرنحتنا لهم نشوة * يطرب منها الراح والكوب
ذوائب من عامر ضمها * بيت على الجوزاء مضروب
لهم إذا أمهم سائل * فن من الجود وأسلوب
طلاقة تشرق قبل الندى * والبشر مثل الحسن محبوب
تعجب من اسعار أيديهم * نار الوغى وهي شآبيب
ومنها:
أبلج تبدي الغيب أفكاره * وكل رأي الناس تجريب
يا ابن علي كيف صار الندى * عليك فرضا وهو مندوب
ما ضر أهل الشام ان يخلف ال‍ * غيث واحسانك مسكوب
ابعدني منك زمان له * في طلبي وخد وتقريب
وألف دار برقها لامع ال‍ * آل وراعي سرحها الذيب
وقال يمدح الأمير ناصر الدولة أبا علي ابن الأمير ناصر الدولة
الحسين بن عبد الله بن حمدان والظاهر أنه الذي ذهب إلى مصر من
قصيدة:
أناخ علي الهم من كل جانب * بياض عذاري في سواد المطالب
بكى الناس اطلال الديار وليتني * وجدت ديارا للدموع السواكب
أ أحبابنا هل تسمعون على النوى * تحية عان أو شكاية عاتب
وما انا بالمشتاق ان قلت بيننا * طوال العوالي أو طوال السباسب
فما لقلوب العاشقين مزية * إذا نظرت أفكارها في العواقب
ولا الشوق الا في قلوب تعودت * لقاء الأعادي في لقاء الحبائب
جزى الله عني العيس خيرا فطالما * فرقت بها بيني وبين النوائب
وان صدقت في ناصر الدولة المنى * فما هي الا من أيادي الركائب
فتى حارت الاقدار من عزماته * على انها معروفة بالعجائب
وأدرك اعقاب الأمور بفكره * كان لها عينا على كل غائب
له نسب كالشمس أشرق نوره * على طول أيام السنين الذواهب
إذا دجت الأحساب لاحت نجومه * ثواقب من قبل النجوم الثواقب
جيادك يوم النيل ذكرن أهله * بما صنعت أماتها في قباقب
سقت تلك اكناف المشارق وابل * الدماء وجادت هذه في المغارب
تركن ديارا لا تبين لعارف * وخضن بحارا لا تحل لشارب
وقد سمعوا اخبارهم في سواهم * فما قنعوا الا ببعض التجارب
طلعت عليهم والسيوف كأنها * ضرائب مما كسرت في الضرائب
بقية آثار اللقان وآلس * وفضلة أيام الحمى والذنائب
قواضب الا انها في أنامل * تكاد تقد الهام قبل القواضب
حميت بها سرب الامارة بعد ما * ترامت به أيدي العبيد اللواعب
واعدت عن تدبيرها كل مائق * حديث الغنى فيها جديد المناسب
وقد يبصر الرأي الفتى وهو عاجز * ورب حسام سله غير ضارب
(٨٠)

يظن العدا اني مدحتك للغنى * وما الشعر عندي من كريم المكاسب
وما شئت الا ان تتم صفاته * وللدر معنى في نحور الكواعب
والله ما صدق الثناء بضائع * عليك ولا حسن الرجاء بخائب
وفيكم روى الناس المديح ومنكم * تعلم فيه القوم بذل الرغائب
أعني على نيل الكواكب في العلا * فأنت الذي صيرتها من مطالبي
وما كنت لما اعرض البحر زاخرا * اقلب طرفي في جهام السحائب
طويت إليك الباخلين كأنما * سريت إلى شمس الضحى في الغياهب
فمن كان يبغي في المديح مواهبا * فان مديحي فيك بعض المواهب
وقال يمدحه أيضا ويشكره على جميل فعله مع أهله سنة ٤٥٩ من
قصيدة:
السيف منتقم والجد معتذر * وما عليك إذا لم يسعد القدر
وان دجت ليلة في الدهر واحدة * فطالما أشرقت أيامه الاخر
ولا ينال كسوف الشمس طلعتها * وانما هو فيما يزعم البصر
من السيوف التي لولا مضاربها * ما كان للدين لا عين ولا اثر
هندية وبنو حمدان رفقتها * لقد تخيرت الأحساب والزبر
أخفوا بكيدهم غدرا فما عبئت * سمر الرماح بما همت به الإبر
حدث ببأس بني حمدان في أمم * تأتي فقد ظهرت في هذه النذر
واذكر لهم سيرا في المجد معجزة * لولا الشريعة قلنا إنها سور
السابقون إلى الدنيا بملكهم * ما اورد الناس الا بعد ما صدورا
تسمو البلاد إذا عدت وقائعهم * فيها وتبتسم الدنيا إذا ذكروا
ماتوا وأحيا ابن ذي الجدين ذكرهم * فما يظنون الا انهم نشروا
كأنما رأيه في كل مشكلة * عين على كل ما يخفي ويستتر
وناصر الدولة المشهور موقفه * في نصرها وضرام الحرب يستعر
أنتم صوارمها والبيض نابية * وشهبها وظلام الخطب معتكر
وحاملوا الراية البيضاء ما برحت * على رماحكم تعلو وتنتشر
كنتم بصفين أنصار الوصي وقد * دعا سواكم فما لبوا وما نصروا
فهي الخلافة ما زالت منابرها * إلى سيوفكم في الروع تفتقر
يا واهبا وغوادي المزن باخلة * وصاعدا وعوالي الشهب تنحدر
أما القوافي فقد جاءتك سابقة * كما تضوع غب الديمة الزهر
فاستجلها درة الغواص أخرجها * من بعد ما غمرته دونها الفكر
ما تشتكي غربة المثوى ورفقتها * أفعالك الشهب أو اخلاقك الغرر
واسمع أبثك اخباري فان لها * شرحا وان كنت أرويه واختصر
فهل لرأيك ان ينتاش مطرحا * له من الفضل ذنب ليس يغتفر
فعندك الجود لا من ولا كدر * وعنده الحمد لا عي ولا حصر
وقال يمدحه من قصيدة سنة ٤٥٩ ويذكر اطلاقه حميد بن محمود
وحازم بن علي بن الجراح الطائيين من الاعتقال:
إذا بلغت من ناصر الدولة المنى * فما عذرها الا توفي نذورها
تناخ عتاق العيس حول قبابه * وقد امنت شد الرحال ظهورها
من القوم سنوا للأنام شريعة * من المجد كانت أغفلتها دهورها
فان تمنح الألقاب قوم سواهم * فاولها من عندهم وأخيرها
كأنكم والأرض أبناء ليلة * فما عرفت الا ومنكم أميرها
إذا اظلمت فيها الليالي جلونها * عليها وجوها يخجل الشمس نورها
وما عدمت منكم يدا ربعية * إذا أمحلت عاذت بها تستجيرها
سبقتم إلى الأيام قبل صروفها * فما ثبتت الا عليكم أمورها
وأعديتم الدنيا بفضل نوالكم * فمن عندكم أمطارها وبحورها
ولما شكت فقد الكرام إليكم * وكان عليكم بعثها ونشورها
أعدتم على طي حميدا وحازما * فامرع واديها وفاض غديرها
صنائع ان قادت إليكم صعابها * فان طليق العارفات أسيرها
وقال يمدح أبا سلامة محمود بن نصر بن صالح بن مرداس ويذكر دعاءه
للخليفة العباسي القائم بأمر الله في حلب سنة ٤٦٣:
لا تحفلن إذا بقيت بناطق * غيري فليس مع الفرات تيمم
لا يدعي الفصحاء فيك غريبة * والبيض تنثر والأسنة تنظم
ان أحسنوا عنك الثناء فإنها * نطقت بمدحك قبل ان يتكلموا
تجري جيادك في البلاد وما لها * شاو يرام ولا مدى يتوهم
ومعرضين نحورهم لذوابل * ما زال يجري من أسنتها الدم
ما يصنع الحسب الكريم بعاجز * يبنى له الشرف الرفيع ويهدم
لا يذكروا حلبا وبيضك دونها * مشهورة فهي الظبا وهم وهم
كم وقفة لك دونها مشهودة * والنقع ليل والأسنة أنجم
في حيث يرتاب الحسام بحده * ويخون صدر السمهري اللهذم
شرفا بني العباس ان حسامكم * ماض يطبق في العدى ويصمم
حملت لواءكم السحاب أنامل * اندى عليه من السحاب وأكرم
فكانها حكمت على عذباته * ان لا يفارقها النسور الحوم
لولا ابن نصر ما أظل عليكم * ركن الحطيم ولا سقاكم زمزم
ومتوج لمعت أسرة وجهه * حتى أضاء بها الزمان المظلم
غضبان يطلب حقكم بعزائم * كالدهر يعطي ما يشاء ويحرم
ومن العجائب ان بيض سيوفكم * تبكي دما وكأنها تتبسم
فالآن سلمت القلوب إليكم * وتيقنت ان الخلافة فيكم
ما كان حملكم القضيب بنافع * حتى يضاف إليه هذا المخذم
في شعره إشارة إلى علم النجوم بقوله:
ولا ينال كسوف الشمس طلعتها * وانما هو فيما يزعم البصر
وفيه إشارة إلى علم الحكمة بقوله:
يا عقل ما لك في اللطائف منهج * فإذا عثرت فلا لعا للتاعس
عمري لقد ذهب الذين تفكروا * فيها وما ظفروا بغير وساوس
ما قول بطلميوس عنها حجة * عندي ولا المروي عن رسطالس
جار الأنام فلا دلالة ناظر * تشفي العقول ولا امارة قابس
لا تحفلن بما حوته صحائف * لهم وان كتبت بخط دارس
وفيه إشارة إلى علم الفقه:
وتقسم اني أهواكم * وليس اليمين على المدعي
وفي شعره إشارة إلى علم الفلسفة والنجوم بقوله من قصيدة ذكر
بعضها في استغفر واستغفري:
وفي الفلاسفة الماضين معتبر * فطالما قصدوا فيها وما عسغوا
وقد اتوك بمين من حديثهم * يكاد يضحك منه الحبر والصحف
ظن بعيد وأقوال ملفقة * تخفى على الغمر أحيانا وتنكشف
الامر أكبر من فكر يحيط به * والغمر اقصر ان يلقى له طرف
(٨١)

أعظم بذلك ان حاولت واضحه * ومت به فعلى هذا مضى السلف
جاءت أحاديث عن قوم أظنهم * عاشوا طويلا وقالوا بعد ما خرفوا
سخيفة ويزيد المخبرون بها * فقد تجمع سوء الكيل والحشف
يدين قوم بان الشهب خالدة * وعند قوم لها وقت ومنصرف
وما رضيت بعقلي في جدالهم * ولا توهمت الا غير ما وصفوا
يا أم دفر جزاك الله صالحة * وان أضاف إليك القوم ما اقترفوا
وما نزلت قبيحا تعرفين به * لو كان يأنف منك الهائم الدنف
وفي شعره إشارة إلى التقليد بقوله:
رميت خصمك بالتقليد متبعا * فيه وأنت بما أنكرته قمن
وفي شعره إشارة إلى علم الحديث بقوله:
وكيف تصدق في الاخبار مرسلة * وما أراك مع الاسناد تؤتمن
كتابه سر الفصاحة
قال احمد البدوي:
لقد أعد ابن سنان للامر عدته عندما أراد ان يؤلف هذا الكتاب،
فقرأ ما استطاع ان يقرأ من الكتب التي ألفت قبله في النقد الأدبي، ككتاب
البديع لابن عسكر، ونقد الشعر لقدامة بن جعفر، والموازنة بين الطائفتين
للآمدي، وغير ذلك مما أشير إليه في كتابه.
وأغلب الظن انه لم يقرأ ما كتبه عبد القاهر الجرجاني لأننا لم نلمح
اثرا في سر الفصاحة يوحي بهذا التأثر.
وكان هدف ابن سنان من تاليف كتابه ان يوضح حقيقة الفصاحة،
ويكشف عن سرها، لأنه يؤمن بان لكل جمال في الكلام سببا يمكن
الاهتداء إليه، فأراد ان يضع كتابا يستطيع به دراسة ان يعلل ويستدل،
ويعرف الوجوه والأسباب.
وكانت نظرته صائبة عندما قرر ان البلاغة انما تدرك بمخالطة الشعر
وتأمله، مع طول الوقت، وتراخي الزمن.
وعند ما أراد ان يؤلف كتابه كان عظيم الطموح في أن يؤلف في
اسرار الفصاحة كتابا مفردا بغير نظير من الكتب في معناه، وان يجمع من
مسائلها ما اهمله من قبله الدارسون لها.
وقد حقق المؤلف كثيرا من أهدافه، حتى قال ابن الأثير في فاتحة
كتابه، و بعد، فان علم البيان قد ألف الناس فيه كتبا، وجلبوا ذهبا
وحطبا، وما من تاليف إلا وقد تصفحت شينه وسينه وعلمت غثه
وسمينه، فلم أجد ما ينتفع به ذلك الا كتاب الموازنة لأبي القاسم
الحسن بن بشر الآمدي، وكتاب سر الفصاحة لأبي محمد عبد الله بن سنان
الخفاجي، وهو يبدو في كتابه مجتهدا، يريد ان يصل إلى القواعد بنفسه،
وان يطمئن إلى ما يصل إليه منها.
لا يقلد في ذلك سابقا، مهما كانت مكانته الا عن عقيدة وايمان.
يقول: وقد ذكرت فيه ما يقنع طالب العلم، على انني لم ارجع فيه إلى
كتاب مؤلف ولا قول يروى، ولا وجدت مجموعا في كل مكان، وانما
عرفته بالدربة، وتأمل أشعار الناس، وما نبه أهل العلم في اثباتها..
ولا يقلل من قيمة هذا المجهود ما يقد يكون هناك من اعتراضات على
ما وصل إليه من النتائج، بل إنه يؤمن بأنه عرضة للزلل، والوقوع في
الخطا.
وهو يجمع في كتابه بين منهج الأدباء والمناطقة، فنراه يحشد كثيرا من
الأمثلة، ويجنح إلى الدليل والبرهان، وكان لثقافته الأدبية، ودراسته
الكلامية اثر بارز في هذا الاتجاه.
السيد عبد الله شبر ابن السيد محمد رضا الحسيني الكاظمي النجفي
مولده ووفاته ومدفنه
ولد في النجف أيام إقامة والده فيها سنة ١١٩٢.
وتوفي بمشهد الكاظمين ع في رجب سنة ١٢٤٢ ودفن مع والده في
المشهد الكاظمي.
وآل شبر من أسر العراق العلمية المشهورة.
أحواله
هو المحدث المؤلف المكثر وصفه صاحب دار السلام بالعالم المؤيد
والسيد السند والركن المعتمد قال وكان يعرف في عصره بالمجلسي الثاني
لكثرة تصانيفه وكان ربعة من الرجال بدينا أبيض الوجه شديد سواد
الشعر حسن الأخلاق ذكره تلميذه الشيخ عبد النبي الكاظمي صاحب
تكملة الرجال تعليقة على نقد الرجال فيها فقال عبد الله ابن السيد محمد
رضا شبر الحسيني قرأت عليهما واستفدت متهما وهما ثقتان عينان مجتهدان
فقيهان فاضلان ورعان والسيد عبد الله حاز جميع العلوم التفسير والفقه
والحديث واللغة وصنف في أكثر العلوم الشرعية من التفسير والفقه
والحديث واللغة والأصولين وغيرها فأكثر وأجاد وانتشرت كتبه في الأقطار
وملأت الأمصار ولم يوجد أحد مثله في سرعة التصنيف وجودة التأليف مع
مواظبته على كثير من الطاعات كزيارة الأئمة ع والإخوان والنوافل وقضاء
الحوائج والقضاء والفتوى إلى غير ذلك ولم يصرف لحظة من عمره إلا في
اكتساب فضيلة. ووزع أوقاته على الأمور النافعة أما النهار ففي تدريس
ومطالعة وأما الليل فبالعبادة.
مشائخه
قرأ على والده في مشهد الكاظمين ع وعلى السيد محسن الأعرجي
ويروي بالإجازة عنه وعن الشيخ جعفر والشيخ احمد زين الدين
الأحسائي.
تلاميذه
أخذ عنه كثير من العرب والعجم فمن العرب الشيخ عبد النبي
الكاظمي صاحب تكملة الرجال تعليقة على نقد الرجال وقد ذكره فيها كما
مر ويروي عنه بالإجازة ومن تلامذته جدنا السيد علي ابن السيد محمد
الأمين ومنهم السيد حسين ولد المترجم ومنهم الشيخ محمد رضا زين العابدين
ابن الشيخ بهاء الدين المدفون في مدارس من بلاد الهند ومنهم الشيخ أحمد
البلاغي والشيخ محمد إسماعيل الخالصي والشيخ مهدي والشيخ إسماعيل
(٨٢)

ولدا الشيخ أسد الله التستري والشيخ محمد جعفر الدجيلي والسيد محمد
علي ابن السيد كاظم ابن السيد محسن صاحب المحصول والشيخ حسن بن
محفوظ العاملي والسيد هاشم ابن السيد راضي. وأما تلامذته من العجم
فمنهم المولى محمد علي التبريزي والمولى محمود الخوئي.
مؤلفاته
كان سريع الكتابة مع التصنيف. كتب في آخر بعض مصنفاته
شرعت فيها عند العشاء وتمت عند نصف الليل. ونافت مؤلفاته على
الاثنين والخمسين مؤلفا.
عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر.
من شعره قوله:
فلا تركبن الشنيع الذي * تلوم أخاك على مثله
ولا تتبع الطرف ما لا ينال * ولكن سل الله من فضله
ولا يعجبنك قول امرئ * يخالف ما قال في فعله
وله:
لا خير في الود ممن لا تزال به * مستشعرا أبدا من خيفة وجلا
إذا تغيب لم تبرح تسئ به * ظنا وتسال عما قال أو فعلا
يري الصديق بادغال مكاشرة * ولا يقول بها يوما إذا غفلا
فلا عداوته تبدو فتعرفها * ولا توسده يوما إذا اعتذلا (١)
وقوله:
أيها المرء لا تقولن قولا * لست تدري ما ذا يعيبك منه
وألزم الصمت إن في الصمت حكما * وإذا أنت قلت قولا فزنه
وإذا القوم ألغطوا في كلام * لست تعنى بشأنه فاله عنه
وقوله:
وأنت أخي ما لم تكن لي حاجة * وإن عرضت أيقنت أن لا أخا ليا
وعين الرضي عن كل عيب كليلة * إلا أن عين السخط تبدي المساويا
عبد الله بن محمد بن عمير بن محفوظ المديني البلوي
أبو محمد المصري
المديني لم يوجد وصفه بذلك إلا في كتابه سيرة أحمد بن طولون فيمكن
أن يكون نسبة إلى مدينة الرسول ص ويمكن أن يكون نسبة إلى مدين بلد
شعيب ع فإنها كانت بين مصر والشام ويؤيده أن المترجم كان
مصريا وعشيرته لعلها كانت لتلك النواحي والبلوي نسبة إلى بلي بفتح
الباء وكسر اللام وتشديد الياء بوزن غني قبيلة معروفة من قضاعة. وقال
ابن داود البلوي بفتح الباء المفردة واللام منسوب إلى بلي كعلي قبيلة بمصر
وقال الحازمي في العجالة منسوب إلى بلي بن عمرو بن الحاف بن قضاعة
قبيل منهم جماعة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم. وفي الخلاصة البلوي
بالياء المنقطة التي تحتها نقطة من بلي قبيلة من أهل مصر قاله الشيخ
الطوسي وقال غيره هي قبيلة من قضاعة نسب إليها البلوي اه. أقول
لا منافاة بينهما.
أقوال العلماء فيه
قال ابن النديم في فهرسته: البلوي واسمه عبد الله بن محمد
البلوي من بلى قبيلة من أهل مصر وكان واعظا فقيها عالما وله من الكتب
كتاب الأبواب وكتاب المعرفة وكتاب الدين وفرائضه اه. وقال النجاشي
في ترجمة محمد بن الحسن بن عبد الله الجعفري: روى عنه البلوي والبلوي
رجل ضعيف مطعون عليه ثم ذكر روايته عنه فقال محمد بن الحسن العطار
حدثنا عبد الله بن محمد البلوي حدثنا محمد بن الحسن الجعفري عن أبي
عبد الله ع اه. وقال ابن الغضائري فيما حكاه عنه العلامة في
الخلاصة: عبد الله بن محمد بن عمير بن محفوظ البلوي أبو محمد المصري
كذاب وضاع للحديث لا يلتفت إلى حديثه ولا يعبأ به اه.
وقال ابن داود في القسم الثاني من رجاله عبد الله بن محمد البلوي
قال ابن الغضائري: كذاب وضاع للحديث سئل من عمارة الذي يروي
عنه فقال رجل نزل من السماء فحدثني ثم عرج وقال أصحابنا هو اسم ليس
تحته أحد أقول وعمارة المذكور هو عمارة بن زيد أبو زيد الخيواني المدني
حليف الأنصار اه. وفي ميزان الاعتدال عبد الله بن محمد البلوي عن
عمار (٢) بن زيد قال الدارقطني يضع الحديث قلت روى عنه أبو عوانة في
صحيحه في الاستسقاء خبرا موضوعا اه. وزاد في لسان الميزان وهو
صاحب رحلة الشافعي طولها ونمقها وغالب ما أورده فيها مختلق اه. وقال
بعض فضلاء العصر في مقدمة كتاب البلوي سيرة آل طولون المطبوع
بدمشق: ولعل السبب في حمل بعض الامامية على البلوي وعده في
الضعفاء واتهامه بالكذب والوضع ناشئ من إيراده أحاديث لتأييد الدعوة
الإسماعيلية فوصموه بما وصموه على العادة في تطاعن الفرق في الاسلام
والنصرانية اه. أقول الطاعنون في البلوي هم من شيوخ الشيعة
وإجلائهم وثقاتهم ونقادهم ومن لا يتهمون بعصبية ولا ميل مع هوى وقد
وثقوا كثيرا ممن خالفهم في المذهب كالفطحية والواقفية وأهل السنة وغيرهم
فما تخيله من السبب في تضعيفهم إياه خيال فاسد على أن الرجل امامي لا
إسماعيلي فهو لم يؤيد الدعوة الإسماعيلية ولم يورد أحاديث في ذلك وهو بنى
هذا الكلام على اعتقاد أنه إسماعيلي وستعرف فساده.
مذهبه
ذكر الشيخ له في الفهرست دليل على أنه شيعي إمامي لأنه موضوع
لفهرست أسماء مصنفي الامامية.
فقول بعض أهل العصر في مقدمة كتاب البلوي في سيرة أحمد بن
طولون المطبوع بدمشق إن ابن النديم عرف البلوي بأنه ممن ألف الكتب
للإسماعيلية فعرفنا أنه من اعلام الإسماعيلية أي السبعية لا يكاد يصح فان
ابن النديم في فهرسته قال: الفن الخامس من المقالة الخامسة في اخبار
العلماء وأسماء ما صنفوه من الكتب ويحتوي على اخبار السياح والزهاد
والعباد والمتصوفة ذكر أسماء جماعة منهم ثم قال: الكلام على مذهب
الإسماعيلية ثم ذكر طرفا من ذلك ثم قال أسماء المصنفين لكتب
الإسماعيلية وأسماء الكتب ثم ذكر عبدان ومصنفاته وجماعة غيره من

(١) من العذل.
(٢) يفهم مما مر عن ابن داود ان صوابه عمارة لا عمار - المؤلف -.
(٨٣)

المصنفين والدعاة للإسماعيلية ثم ذكر الحلاج ومذاهبه والحكايات عنه
وأسماء كتبه وكتب أصحابه ثم قال عبد الله بن بكير من الشيعة، الحصين
ابن مخارق من الشيعة المتقدمين، أبو القاسم علي بن أحمد الكوفي من
الامامية من أفاضلهم، داود بن كورة من أهل قم. إسماعيل بن محمد
قنبرة من أهل قم: الحسني أبو عبد الله البلوي محمد بن حمد بن يحيى بن
عمران صاحب الفقه، الزيدية أقول عبد الله بن بكير فطحي ثقة،
والحصين بن مخارق واقفي وعلي بن أحمد الكوفي مرمى بالغلو والتخليط
وداود بن كورة امامي ومحمد بن أحمد بن يحيى من معاريف الشيعة الإمامية
والحسني غير معلوم الحال. ومن ذلك يعلم أن ابن النديم بعد ما ذكر
المصنفين والدعاة للإسماعيلية ذكر جماعة لا علاقة لهم بالإسماعيلية لا
باعتقاد ولا بتصنيف بل هم شيعة اثنا عشرية أو فطحية أو واقفة وحشر
البلوي بينهم وذلك أن لم يدل على أنه منهم لا يدل على أنه إسماعيلي
ولكن الدليل على أنه منهم من كلام مصنفي الشيعة في الرجال المتقدم ظاهر
ولذلك رجع ذلك القائل بعد ما كتب إليه الشيخ أبو عبد الله الزنجاني بنحو
ما ذكرناه من الجزم بإسماعيليته إلى الشك فيها ولكنه لا وجه لهذا الشك،
ونحن عندما رأينا كلامه لأول وهلة خطر ببالنا هذا الذي ذكرناه قبل ان
ننظر فيما كتبه إليه الزنجاني.
مشايخه
منهم محمد بن الحسن الجعفري كما مر عن النجاشي. ومنهم عمارة
ابن زيد أبو زيد الخيواني المدني حليف الأنصار كما مر عن ابن داود
وصاحب الميزان. ويفهم من كتابه سيرة أحمد بن طولون أنه يروي عن ابن
عقدة الزيدي ففي صفحة ٣٣ سألت أبا العباس احمد محمد الكوفي. وعن
عبد الله بن الفتح كما في صفحة ٣٠٢ والحسن بن علي العباداني كما في
صفحة ٣٥٣.
تلاميذه
يفهم مما مر عن النجاشي أنه يروي عنه محمد بن الحسن العطار من
ثقات علماء الإمامية ورواتهم.
مؤلفاته
عرف مما مر عن ابن النديم أن له ١ الأبواب ٢ المعرفة ٣
الدين وفرائضه وما مر عن لسان الميزان أن له ٤ رحلة الشافعي ٥ سيرة
أحمد بن طولون طبعت في دمشق هذه السنة ١٣٥٨ عن نسخة قديمة
صنفها بالتماس بعض عظماء عصره ومع ما ذكر طابعوه ومحققه والمعلق عليه
إنهم بذلوا من الجهد في تصحيحه فقد وقع نظرنا فيه لأول مرة على غلط لا
يكاد يخفى ولم ينبه عليه ولكن العصمة لله وحده ففي صفحة ٢٠٧ ذكر هذا
البيت هكذا:
إن فهمت ضاع دمي لديك وإن * وإن سكت فمثل النار في كبدي
والظاهر أن صوابه هكذا:
إن فهمت ضاع دمي * اسكت فمثل النار في كبدي
عبد الله بن موسى بن جابر بن الهذيل الحارثي.
في معجم البلدان أنه قال يرثي علي بن أبي طالب ويذكر أنه حمل
نعشه في نجران موضع على يومين من الكوفة فقال:
بكيت عليا جهد عيني فلم أجد * على الجهد بعد الجهد ما أستزيدها
فما أمسكت مكنون دمعي وما شفت * حزينا ولا تسلى فيرجى رقودها
وقد حمل النعش ابن قيس ورهطه * بنجران والأعيان تبكي شهودها
على خير من يبكي ويفجع فقده * ويضربن بالأيدي عليه خدودها
اه ولا يخفى عدم انطباقه على موضع دفن أمير المؤمنين ع
بظهر الكوفة وكان المراد بابن قيس سعيد بن قيس الهمداني ويمكن أن يكون
قوله ورهطه بنجران جملة معترضة أو حالية أو مستأنفة وأراد أن رهط سعيد
بنجران اليمن لأن همدان من اليمن فتوهم ياقوت أن ورهطه معطوف على
سعيد والله أعلم.
عبد الله بن ميمون القداح (١).
تكرر هذا الاسم كثيرا في كتابات مؤرخي الفرق الاسلامية، كما
تكرر ذكره في كتب رجال الرواية عند المسلمين الشيعة.
والدور الذي تسنده كتب الفرق إلى ميمون القداح وابنه عبد الله
يختلف اختلافا جوهريا عن الدور الذي تسنده إليهما كتب الرجال.
فعبد الله وأبوه ميمون القداح في كتب الفرق متامران على
المجتمع الاسلامي واستقراره وأمنه، محرفان للدعوة الاسلامية عقيدة
وشريعة وذلك بعقيدة القرامطة ودعوتهم، وبالحركة الباطنية بشكل عام،
فهما يبثان العقائد المنحرفة عن الاسلام، وينظمان الخلايا السرية،
ويتحركان في رقعة كبيرة من العالم الاسلامي: بين الكوفة والمغرب.
١ الشهرستاني يقرر أن أصل دعوة القرامطة ظهور ميمون
القداح.
٢ اليماني يقرر أن عبد الله بن ميمون القداح التقى بحمدان
قرمط، واتفق وإياه على خطة واحدة ومذهب واحد، واستقل كل واحد
منهما بجهة يدعو الناس إلى المذهب الذي اتفقا عليه.
٣ البغدادي يقرر أن ميمون كان ممن أسهم في تأسيس الباطنية،
التي تقلبت بها الأيام فأثمرت الدولة الفاطمية في المغرب.
وعبد الله وأبوه ميمون في كتب رجال الحديث الشيعة رجلان
عاديان لا يبدو أن في حياتهما شيئا مثيرا. فالأب ميمون من أصحاب الإمام
زين العابدين علي بن الحسين، والإمام الباقر محمد بن علي، والإمام الصادق
جعفر بن محمد. ولم يوثق. والابن عبد الله من أصحاب الإمامين
الباقر والصادق. ووصف بأنه ثقة. وله كتابان: مبعث النبي ص
وكتاب صفة الجنة والنار. وقد روى الأب وابنه الحديث عن الامامين:
الباقر والصادق.
والذي يبدو لي بعد البحث والمقارنة إن كتاب الفرق لم يكونوا
دقيقين في نسبتهم إلى ميمون القداح وابنه عبد الله اشتراكهما في حركات

(١) من الترجمات التي توفي المؤلف قبل أن يكتبها، وهذه بقلم الشيخ محمد مهدي شمس الدين
" ح ".
(٨٤)

القرامطة والباطنية وما إليهما. وإن كان يغلب على الاعتقاد أن الشخصية
التي تحدث عنها كتاب الفرق غير الشخصية التي وصفها علماء الشيعة
بالوثاقة، وأثنوا عليها ثناء جميلا.
إن الصورة التاريخية للسلوك متناقضة.
فالصورة التي تقدمها كتب الفرق لعبد الله بن ميمون وأبيه، هي
هكذا: رجل مغامر يتنقل بين العراق والمغرب، ويؤسس الأحزاب
السرية، ويحول الفرائض إلى رموز وإشارات ويبيح جميع المنكرات، ويأمر
بالاعتصام بالامام الغائب المفقود.
والصورة التي تقدمها كتب رجال الحديث الشيعة توحي بتفصيلات
أخرى: رجل يعتقد بالإمامة فيصحب ثلاثة من أئمة أهل البيت مع ابنه،
ويرويان عنهم كما جاء في كتب الرجال الروايات المتعلقة باحكام الصلاة
والزكاة والزنى وآداب الطهارة والفطرة والصوم والحج والعدة والدعاء والابن
عبد الله بوجه خاص مسلم ملتزم باحكام الاسلام التزاما دقيقا يؤهله لأن
يوصف بالوثاقة من قبل أحد كبار علماء الرجال الشيعة أحمد بن علي بن
أحمد بن العباس النجاشي ٣٧٢ ٤٥٠ ه وهو باحث معروف بأنه
يتمتع بأعلى درجات الدقة العلمية والتحرج الديني.
وعلماء الرجال وعلى رأسهم النجاشي يعتبرون أبسط انحراف عن
مبادئ الشريعة طعنا كبيرا في وثاقة أي رجل. وما أكثر ما نجدهم في
كتبهم يضعفون الرجل بما هو أقل شانا وأهون من تبني الدعوة القرمطية
والباطنية وما إليها.
ولا يفوتنا التنبيه هنا إلى أن أئمة أهل البيت قد حاربوا بعنف، وبلا
هوادة كل انحراف عن الاسلام، ولم يتهاونوا قط في اعلان الحرب الفكرية
ضد الغلاة والباطنيين على اختلاف اتجاهاتهم. وكانوا يحذرون أصحابهم
والمسلمين عامة من هؤلاء التحريفيين المرتدين.
وقد صحب ميمون القداح ثلاثة أئمة وصحب ابنه عبد الله امامين.
فلو كانا يقومان بالنشاط التخريبي في العقيدة والمجتمع، وهذا النشاط
المحموم الذي تصفه كتب الفرق لأكتشف أمرهما حتما، أو أمر واحد منهما
على الأقل، وحينئذ لأعلن أئمة أهل البيت البراءة منهما ومن عملهما وحيث
أننا لا نجد شيئا من ذلك، فيترجح عندنا ما أشرنا إليه من أن الشخصيتين
اللتين تتحدث عنهما كتب الفرق غير الشخصيتين اللتين تتحدث عنهما كتب
رجال الحديث الشيعة.
هذا من حيث الصورة التاريخية لكل واحد من الشخصيتين.
والوقائع التاريخية تؤكد إما وجود شخصيتين، أو عدم دقة مؤرخي
الفرق، وذلك للاعتبارات التالية:
أولا الاسم والنسب.
الاسم والنسب الذي ذكره البغدادي الفرق بين الفرق ص ١٦٩
هو هكذا ميمون بن ديصان المعروف بالقداح وعلى هذا فيكون ابنه
عبد الله بن ميمون بن ديصان.
والاسم والنسب الذي ذكره النجاشي كتاب الرجال طهران ص
١٥٨ وهو هكذا عبد الله بن ميمون بن الأسود القداح.
وهكذا يتضح ان اسم الجد مختلف وهذا يؤكد وجود شخصيتين.
ثانيا الوطن:
كل من ترجم لميمون القداح وابنه عبد الله من علماء الرجال الشيعة
الكشي، النجاشي، الشيخ الطوسي، العلامة الحلي، وغيرهم نص
على أنه مكي.
وثمة ما يدل صراحة على أن عبد الله بن ميمون كان مقيما في مكة،
وهي ان أبا جعفر محمد بن علي الباقر قال له: يا ابن ميمون، كم أنتم
بمكة؟ قال: نحن أربعة، قال إنكم نور الله في ظلمات الأرض هذا،
بينما تصرح كتب الفرق ان نشاة الدعوة القرمطية كانت في الكوفة. وان
ميمون بن ديصان كان سجينا في العراق، وان عمله وعمل ابنه عبد الله
كان بين الكوفة والمغرب.
ويتضح من هذا اختلاف وطن إحدى الشخصيتين عن وطن
الشخصية الأخرى.
ثالثا الولاء:
نص البغدادي في كتابه الفرق بين الفرق على أن ميمون بن
ديصان كان مولى جعفر بن محمد الصادق.
وفي مقابل هذا نص الشيخ الطوسي في كتاب الرجال على أن
ميمون القداح مولى بني مخزوم وكذلك نص على أن ولده عبد الله بن
ميمون المكي مولى بني مخزوم. وكذلك نص النجاشي في كتاب الرجال
على أن: عبد الله بن ميمون بن الأسود القداح المكي مولى بني مخزوم.
نعم ذكر الشيخ الطوسي في كتاب الرجال في عداد أصحاب الإمام
الصادق: ميمون القداح المكي، مولى بني هاشم هذا في حين اننا نجد
الشيخ الطوسي نفسه قد ذكره في أصحاب الإمام محمد الباقر، وذكر انه
مولى بني مخزوم. والظاهر أن ذكر ولائه لبني هاشم إما خطا من الشيخ
الطوسي، أو أنه يقصد من الولاء معناه اللغوي وهو الصحبة والمحبة، ولا
يقصد منه الولاء بمعناه الاصطلاحي، وهو الوضع الحقوقي المعين الذي
كان ينشأ من تعاقد غير العربي مع شخص عربي أو قبيلة عربية.
وأما ما ذكره البغدادي من أن ميمونا القداح كان مولى لجعفر
الصادق، فهو خطا منه ولا شك يتضح حين نلاحظ اختلاف العصر بين
الشخصيتين.
رابعا العصر:
ميمون بن الأسود القداح المكي الذي تتحدث عنه كتب الرجال
الشيعة معدود من أصحاب الأئمة: زين العابدين علي بن الحسين،
ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق. ولم يذكر تاريخ
وفاته، الا اننا نقدر انه لا بد ان يكون قد توفي في حياة الإمام الصادق،
وابنه عبد الله بن ميمون بن الأسود القداح المكي معدود من أصحاب الإمامين
محمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق. وهذا يوحي بان
(٨٥)

عبد الله قد توفي في حياة الإمام الصادق أيضا كأبيه، والا لوجب ان يعد
من أصحاب موسى بن جعفر الكاظم، في حين اننا لا نجد له ذكرا في
أصحاب الإمام الكاظم. ويؤكد هذا الايحاء، ويجعله أمرا ثابتا، ما نص
عليه ابن حجر في كتاب التقريب فقد ذكر عبد الله بن ميمون وعده في
الطبقة الثامنة من رجال الحديث، وهذا يعني انه قد مات بعد سنة مائة
للهجرة.
فإذا علمنا أن الإمام محمد الباقر قد توفي سنة مائة واحدى عشرة،
وان الامام جعفرا الصادق قد توفي سنة مائة وثمانية وأربعين للهجرة،
يتضح لنا ان عبد الله بن ميمون قد مات قبل سنة ١٤٨ ه.
وإذن فميمون بن الأسود القداح المكي وابنه عبد الله عاشا في
أخريات القرن الأول الهجري. وماتا قبل منتصف القرن الثاني الهجري.
هذا هو العصر الذي عاش فيه الرجلان المسلمان الشيعيان
المصاحبان لثلاثة من أئمة أهل البيت: ميمون بن الأسود القداح المكي
مولى بني مخزوم وابنه عبد الله.
أما العصر الذي عاش فيه ميمون بن ديصان القداح وابنه عبد الله
اللذين تتحدث عنهما كتب الفرق، فهو عصر آخر.
١ الشهرستاني يقرر ان أصل دعوة القرامطة ظهور ميمون القداح
في الكوفة سنة ١٧٦ ه وهذا يعني ان ميمونا القداح الأب كان حيا نشيطا
عاملا في تنظيم الخلايا السرية في الربع الأخير من القرن الثاني الهجري في
العراق.
في حين اننا نجد ان الرجل المسلم الشيعي ميمون بن الأسود المكي
كان يعيش في مكة مصاحبا للامام زين العابدين علي بن الحسين في الربع
الثالث من القرن الأول الهجري.
٢ محمد بن مالك اليماني قرر في كتابه: كشف اسرار الباطنية
ان عبد الله بن ميمون القداح قد التقى بقرمط حمدان بن الأشعث الذي
خرج سنة ٢٦٤ ه، واتفق وإياه على مذهب واحد وخطة واحدة.
وهذا يعني ان عبد الله بن ميمون كان حيا عاملا نشيطا في تنظيم
الخلايا السرية في النصف الثاني من القرن الثالث الهجري.
في حين اننا نجد ان عبد الله بن ميمون بن الأسود المكي الراوي
الشيعي لم يعش إلى ما بعد منتصف القرن الثاني الهجري، فقد صحب
الأب وابنه الامامين: الباقر والصادق، وثانيهما توفي سنة ١٤٨ ه كما
ذكرنا.
٣ البغدادي قرر في كتابه الفرق بين الفرق: الذين أسسوا
دعوة الباطنية جماعة منهم ميمون بن ديصان المعروف بالقداح... أسس
مع آخرين دعوة الباطنية في سجن والي العراق... ورحل ميمون بن
ديصان إلى ناحية المغرب... وذكر أصحاب التواريخ ان دعوة الباطنية
ظهرت أولا في زمان المأمون وانتشرت في زمان المعتصم ص ١٦٩
١٧٠.
ان المأمون بويع بالخلافة في أوائل سنة ٢٠٤ ه واستمرت خلافته إلى
منتصف سنة ٢١٨ ه حين بويع المعتصم الذي استمرت خلافته إلى الربع
الأول من سنة ٢٢٧ ه.
وإذن، فنص البغدادي يقضي بان يكون ميمون القداح قد عاش في
الربع الأول من القرن الثالث الهجري وقد اتضح بطلان هذا من تحليل ما
ذكره اليماني.
ولو فرضنا ان عبد الله بن ميمون عاش بعد وفاة الإمام الصادق فلا
نستطيع ابدا ان نقنع بأنه عاش إلى ما بعد سنة ١٧٦ ه حيث كان يعمل
وينظم.
هذا مع ملاحظة ان الذي نص الشهرستاني على أنه خرج بدعوة
القرامطة سنة ١٧٦ ه في الكوفة هو ميمون القداح وليس ابنه عبد الله.
وان الذي نص الفقيه اليماني على أنه التقى بحمدان قرمط سنة ٢٦٤ هو
عبد الله الابن وليس ميمونا الأب.
ان هذه المقارنات تكشف لنا بوضوح اختلاف عصر الشخصيتين.
مع ملاحظة ثبات عصر الراوي الشيعي ووضوحه، إلى جانب اضطراب
العصر الذي تحدده كتب الفرق للداعية القرمطي. وهكذا تؤدي بنا هذه
المقارنة إلى الجزم بان ميمونا القداح المكي وابنه عبد الله ليسا مسؤولين عن
النشاط القرمطي الذي تتحدث عنه كتب الفرق. وان المسؤول عن هذا
النشاط لا بد ان يكون شخصا آخر غير ميمون بن الأسود القداح المكي
مولى بني مخزوم وابنه عبد الله.
بقيت ملاحظة أخيرة حول شخصية عبد الله بن ميمون بن الأسود
القداح المكي، فقد ذكر الكشي عمر بن عبد العزيز في كتاب الرجال
ط نجف ص ٣٣٣ عن جبرئيل بن أحمد قال سمعت محمد بن عيسى
يقول: كان عبد الله بن ميمون يقول بالتزيد.
وقد قيل في معنى هذا ان ميمونا كان يعظم ذكرى زيد بن علي بن
الحسين. أو انه كان يرى رأي الزيدية في وجوب الجهاد والثورة. ومن
المؤكد ان هذه الرواية لا تدل على أن عبد الله كان زيدي المذهب، والا
لقيل عنه زيدي.
وعلي اي حال، فقد طعن العلامة الحلي في سند الرواية بأنه ضعيف
رجال العلامة ط نجف ص ١٠٨ وبذلك تسقط الرواية عن مستوى
الدليل المعتمد، على أنه ليس فيها كما ذكرنا دلالة على الطعن في
عبد الله بن ميمون.
ان الشخصية المسلمة الشيعية: عبد الله بن ميمون بن الأسود
القداح المكي مولى بني مخزوم، صاحب الامامين: الباقر والصادق
تختلف عن الشخصية التي تتحدث عنها كتب الفرق: عبد الله بن
(٨٦)

ميمون بن ديصان من جهات: الصورة التاريخية للسلوك. والنسب.
والوطن. والولاء. والعصر.
ولذا فلا يمكن ان يكون من تحدثت عنه كتب الفرق ومن تحدثت عنه
كتب الرجال شخصا واحدا هو الموثق في كتب الرجال، وهو المسهم أو
المؤسس لدعوة القرامطة في كتب الفرق.
فلا بد أما أن تكونا شخصيتين مختلفتين، أو ان يكون كتاب الفرق
قد أخطأوا في نسبتهم التي ذكروها.
ولذا فان محاولة بعض كتاب الفرق الصاق القرامطة بالشيعة بدعوى
ان المؤسس لهذه الدعوة هو عبد الله بن ميمون هذه المحاولة ناشئة إما من
التحيز المذهبي، أو من عدم الدقة العلمية.
السيد عبد الله ابن السيد نور الدين ابن السيد نعمة الله الموسوي
الجزائري.
توفي سنة ١١٧٣.
قال المترجم في اجازته الكبيرة للشيخ محمد ابن الشيخ كرم الله
الحويزي وابن أخيه الشيخ إبراهيم ابن الخواجة عبد الله بن كرم الله
الحويزي الطويلة عند ذكر والده السيد نور الدين المذكور وقد اشتغلت عليه
من أول زمن التحصيل إلى أن انتقل إلى الدار الآخرة ومما قرأت عليه ألفية
الشهيد والاثني عشرية الصلواتية والأربعين حديثا والمختصر النافع
وبضعة وافية من المغني وشرح العضدي من مبادي اللغة وارشاد العلامة
وإحقاق الحق وتفسير القاضي وأكثر الشرائع ونهج البلاغة وجملة من المفاتيح
والاستبصار وأصول الكافي إلى باب الدعاء وبضعة من فروعه وأكثر تفسير
الصافي وقرأت عليه الصحيفة الكاملة مرارا متعددة اه.
ويروي بالإجازة عن والده وعن السيد نصر الله الحائري الشهيد
وللمترجم مؤلفات ذكرها في اجازته المذكورة وهي تتجاوز الثلاثين منها:
الأنوار الجلية في أجوبة المسائل الجبلية أجاب بها السيد علي العلوي
النهاوندي البروجردي فرع منها يوم الخميس ٢٨ جمادى الأولى سنة ١١٤٩
كتاب الذخيرة أيضا فرع منها أصيل يوم الأحد ١٧ شعبان سنة ١١٥١ منهما
نسخة مخطوطة في مكتبة الشيخ فضل الله النوري في طهران.
وكتاب كاشفة الحال في معرفة القبلة والزوال ورسالة في استخراج
الانحراف في اي بلد من غير حاجة إلى الأسطرلاب، وذيل سلافة العصر
وشرح صحيفة الأسطرلاب.
المولى عبد الله ابن ملا نجم الدين الفاضل القندهاري.
كان من أكابر علماء أفغانستان قرأ في الفقه والأصول والتفسير
والحديث على أبيه وببركة خلوص نيته واثار حسن عقيدته حصل الالتئام
بين أهل السنة والشيعة في كابل وبسبب اقدامه واهتمامه دفع أربعين فوجا
من العسكر الانكليزي عن بلاد الاسلام ووقع الصلح بين رؤساء قواد
تلك المملكة وبين الإنكليز وكان من شروط الصلح نفيه من بلاد الأفغان
طلب الإنكليز ذلك مكررا فجاور في المشهد المقدس الرضوي واشتغل فيه
بترويج الدين والتآليف والتصنيف فألف ما يزيد على الأربعة عشر كتابا وقد
ينظم الشعر (١).
الشيخ عبد الله بن نور الدين البحراني.
تلميذ العلامة المجلسي له كتاب العوامل الكبير يزيد على مجلدات
البحار بكثير وجد منه إلى المجلد الرابع والخمسين.
عبد الله بن النجاشي بن غنيم بن أبي السمال سمعان.
أبو بجير الأسدي النصري ويقال أبو بجير بن سماك الأسدي.
وباقي النسب مر في أحمد بن علي بن أحمد بن العباس النجاشي
صاحب كتاب الرجال ثم إن في جملة من الكتب عبد الله بن النجاشي وفي
بعضها عبد الله النجاشي كما نبهنا عليه في ترجمة صاحب الرجال والمترجم
هو الجد التاسع لصاحب الرجال والنصري بالنون كأنه نسبة إلى نصر بن
قعين أحد أجداده وفي بعض النسخ البصري بالباء.
أقوال العلماء فيه
في الخلاصة عبد الله بن النجاشي أبو بجير بضم الباء الموحدة وفتح
الجيم والراء بعد الياء المثناة التحتية روى الكشي حديثا في طريقه الحسن بن
خرزاذ يدل على أنه كان يرى رأي الزيدية ثم رجع إلى القول بامامة الصادق
ع وكان قد ولي الأهواز من قبل المنصور وكتب إلى أبي عبد الله
ع يسأله وكتب إليه رسالة معروفة اه. وقال الكشي: ما
روي في أبي بجير عبد الله بن النجاشي حدثني محمد بن الحسن حدثني
الحسن بن خرزاد عن موسى بن القاسم البجلي عن إبراهيم بن أبي البلاد.
وروى الكليني في الكافي في باب ادخال السرور على المؤمن بسنده
عن محمد بن جمهور قال كان النجاشي وهو رجل من الدهاقين عاملا على
الأهواز وفارس فقال بعض أهل عمله لأبي عبد الله ع ان في ديوان
النجاشي علي خراجا وهو مؤمن يدين الله بطاعتك فان رأيت أن تكتب له
كتابا فكتب إليه: بسم الله الرحمن الرحيم سر أخاك يسرك الله. فلما ورد
الكتاب عليه دخل عليه وهو في مجلسه فلما خلا ناوله إياه فقبله ووضعه على
عينيه وقال ما حاجتك قال خراج علي في ديوانك قال كم هو قال عشرة
آلاف درهم فدعا كاتبه وأمره بأدائها عنه ثم أخرجه منها وامر ان يثبتها له
لقابل ثم قال له: سررتك فقال نعم جعلت فداك ثم أمر له بمركب وجارية
وغلام وامر له بتخت ثياب في كل ذلك يقول هل سررتك فيقول نعم
جعلت فداك فكلما قال نعم زاده حتى فرع ثم قال له احمل فرش هذا البيت
الذي كنت جالسا فيه حين دفعت إلي كتاب مولاي الذي ناولتني فيه وارفع
إلي حوائجك ففعل وخرج الرجل فصار إلى أبي عبد الله بعد ذلك فحدثه
بالحديث على جهته فجعل يسر بما فعل فقال الرجل يا ابن رسول الله كأنه
قد سرك ما فعل بي فقال اي والله لقد سر الله ورسوله.
اخباره
روى أبو سليمان الناجي ان السيد الحميري قدم الأهواز وأبو
بجير بن سماك الأسدي يتولاها وكان له صديقا وكان لأبي بجير مولى يقال
له يزيد بن مذعور يحفظ شعر السيد ينشده أبا بجير وكان أبو بجير يتشيع

(١) مطلع الشمس.
(٨٧)

فذهب السيد إلى قوم من اخوانه بالأهواز فنزل بهم وشرب عندهم فلما
امسى انصرف فاخذه العسس فحبس فكتب من غده بهذه الأبيات وبعث
بها إلى يزيد بن مذعور فدخل على أبي بجير وقال قد جنى عليك صاحب
عسسك ما لا قوام لك به قال وما ذلك قال اسمع هذه الأبيات كتبها السيد
من الحبس وانشده يقول:
قف بالديار وحيها يا مربع * واسال وكيف يجيب من لا يسمع
ان الديار خلت وليس بجوها * الا الضوابح والحمام الوقع
ولقد تكون بها أوانس كالدمى * جمل وعزة والرباب وبروع
حور نواعم لا ترى في مثلها * امثالهن من الصبابة أربع
فعرين بعد تالق وتجمع * والدهر صاح مشتت ما يجمع
فأسلم فإنك قد نزلت بمنزل * عند الأمير تضر فيه وتنفع
تؤتى هواك إذا نطقت بحاجة * فيه وتشفع عنده فتشفع
قل للأمير إذا ظفرت بخلوة * منه ولم يك عنده من يسمع
هب لي الذي أحببته في احمد * وبنيه انك حاصد ما تزرع
يختص آل محمد بمحبة * في الصدر قد طويت عليها الأضلع
فلما سمعها أبو بجير دعا صاحب عسسه فشتمه وقال جنيت علي ما لا
يدلي به اذهب صاغرا إلى الحبس وقل أيكم أبو هاشم فأخرجه واحمله على
دابتك وامش معه صاغرا حتى تأتيني به ففعل فابى السيد أن يخرج إلا بعد
أن يطلق له كل من أخذ معه فأخبر أبا بجير فقال الحمد لله الذي لم يقل
أخرجهم واعط كل واحد منهم مالا فما كنا نقدر على خلافه فخلى سبيله
وسبيل كل من أخذ معه وأتى به إلى أبي بجير فقال قدمت علينا فلم تأتنا
وأتيت بعض أصحابنا الفساق وشربت ما حرم عليك حتى جرى ما جرى
فاعتذر من ذلك إليه فامر له أبو بجير بجائزة سنية وحمله وأقام عنده
مدة (١).
وقال إسماعيل بن الساحر بلغ السيد وهو بالأهواز أن أبا بجير قد
أشرف على الموت فأظهرت المرجئة الشماتة به فخرج السيد متحرقا حتى
اكترى سفينة وخرج إليها وأنشأ يقول:
تباشر أهل تدمر إذ أتاهم * بأمر أميرنا لهم بشير
ولا لأميرنا ذنب إليهم * صغير في الحياة ولا كبير
سوى حب النبي وأقربيه * ومولاهم بحبهم جدير
وقالوا لي لكيما يحزنوني * ولكن قولهم افك وزور
لقد أمسى أخوك أبو بجير * بمنزلة يزار ولا يزور
فبت كأنني مما رموني * به في قر ذي حلق أسير
كان مدامعي وجفون عيني * تؤخر بالفقاد فهن عور
أقول علي للرحمن نذر * صحيح حيث تحتبس النذور
بمكة أن لقيت أبا بجير * صحيحا واللواء له يسير
قال وهي قصيدة طويلة (٢).
وعبد الله النجاشي هذا هو صاحب رسالة الصادق ع وقد ذكرها
الشهيد الثاني في كشف الريبة. وذكرها السيد محيي الدين في أربعينه على ما
حكي عنه. وقد ذكر الشهيد الثاني في كشف الريبة سنده إليها. ونحن
نذكر أيضا سندنا إليها ونصله بالشهيد الثاني فنقول لنا إليها عدة أسانيد
نقتصر منها هنا على سند واحد. حدثنا إجازة شيخنا واستاذنا المحقق المدقق
الورع الزاهد الفقيه الشيخ محمد طه نجف التبريزي النجفي سنة ١٣١٨
بالنجف الأشرف عن شيخه الفقيه الورع الزاهد العابد الحاج ملا علي ابن
الميرزا خليل الطهراني النجفي عن العلامة الباهر قدوة علماء الاسلام الشيخ
محمد حسن ابن الشيخ باقر صاحب جواهر الكلام عن شيخه العلامة الفقيه
المحيط السيد محمد جواد الحسيني العاملي الشقرائي صاحب مفتاح الكرامة
عن شيخه الامام العلامة صاحب الكرامات السيد محمد مهدي الطباطبائي
الملقب ببحر العلوم عن شيخه المحقق الوحيد الآقا محمد باقر البهبهائي
الحائري عن والده محمد أكمل عن الشيخ جعفر القاضي عن العلامة
المجلسي محمد باقر بن محمد تقي عن الشيخ علي ابن الشيخ محمد ابن
الشيخ حسن ابن الشهيد الثاني عن شيخه السيد نور الدين بن علي بن
الحسين بن أبي الحسن الحسيني الموسوي عن جده المحقق الشيخ حسن
صاحب المعالم عن الشيخ الفقيه حسين بن عبد الصمد والد الشيخ البهائي
عن الشيخ الفقيه العلامة السيد زين الدين الشهيد الثاني عن شيخه الفقيه
الشيخ نور الدين علي بن عبد العالي الميسي عن شيخه الشيخ شمس الدين
محمد بن المؤذن الجزيني عن الشيخ ضياء الدين علي ولد الامام العلامة
المحقق السيد شمس الدين أبي عبد الله الشهيد محمد بن مكي عن والده
المذكور عن الشيخ فخر الدين ولد الامام العلامة محيي المذهب جمال الدين
الحسن بن يوسف بن المطهر الحلي عن والده المذكور عن والده السعيد
سديد الدين يوسف بن المطهر قال أخبرنا السيد العلامة النسابة فخار بن
معد الموسوي عن الفقيه سديد الدين شاذان بن جبرئيل القمي عن عماد
الدين الطبري عن الشيخ أبي علي الحسن ابن الشيخ أبي جعفر محمد بن
الحسن الطوسي عن والده الشيخ الطوسي عن الشيخ المفيد محمد بن محمد
ابن النعمان عن الشيخ الصدوق محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي
عن الشيخ أبي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه عن أبيه عن سعد بن
عبد الله عن أحمد بن محمد بن عيسى عن أبيه محمد بن عيسى الأشعري عن
عبد الله بن سليمان سليم النوفلي قال كنت عند جعفر بن محمد الصادق
ع فإذا بمولى لعبد الله النجاشي قد ورد عليه فسلم وأوصل إليه
كتابه ففضه وقرأه فإذا أول سطر فيه: بسم الله الرحمن الرحيم أطال الله
بقاء سيدي ومولاي وجعلني من كل سوء فداه ولا أراني فيه مكروها فإنه
ولي ذلك والقادر عليه اعلم سيدي ومولاي إني ابتليت بولاية الأهواز فان
رأى سيدي أن يحد لي حدا ويمثل لي مثالا استدل به على ما يقربني إلى الله
جل وعز وإلى رسوله ويلخص في كتابه ما يرى لي العمل به وفيما ابتذله
وأين أضع زكاتي وفيمن أصرفها وبمن آنس وإلى من أستريح وبمن أثق وآمن
وألجا إليه في سري فعسى أن يخلصني بهدايتك ودلالتك فإنك حجة الله على
خلقه وأمينه في بلاده لا زالت نعمته عليك.
قال عبد الله بن سليمان فاجابه أبو عبد الله ع: بسم الله الرحمن
الرحيم. حاطك الله بصنعه، ولطف بك بمنه، وكلأك برعايته، فإنه ولي
ذلك أما بعد فقد جاءني رسولك بكتابك وقرأته وفهمت جميع ما ذكرته
وسالت عنه وزعمت أنك بليت بولاية الأهواز فسرني ذلك وساءني
وسأخبرك بما ساءني من ذلك وما سر إن شاء الله تعالى. فاما سروري

(١) الأغاني.
(٢) الأغاني.
(٨٨)

بولايتك فقلت عسى أن يغيث الله بك ملهوفا خائفا من أولياء آل محمد
ويعز بك ذليلهم ويكسو بك عاريهم ويقوي بك ضعيفهم ويطفئ بك نار
المخالفين عنهم وأما الذي ساءني من ذلك فان أدنى ما أخاف عليك أن تعثر
بولي لنا فلا تشم حظيرة القدس فاني ملخص لك جميع ما سالت عنه إن
أنت عملت به ولم تجاوزه رجوت أن تسلم انشاء الله تعالى اخبرني يا عبد الله
أبي عن آبائه عن علي بن أبي طالب ع عن رسول الله ص أنه قال من
استشاره أخوه المؤمن فلم يمحضه النصيحة سلبه الله له واعلم أني سأشير
عليك برأي إن أنت عملت به تخلصت مما أنت متخوفه واعلم أن خلاصك
ونجاتك من حقن الدماء وكف الأذى عن أولياء الله والرفق بالرعية والتأني
وحسن المعاشرة مع لين في غير ضعف وشدة في غير عنف ومداراة صاحبك
ومن يرد عليك من رسله وارتق فتق رعيتك بان توقفهم على ما وافق الحق
والعدل إن شاء الله. إياك والسعادة وأهل النمائم فلا يلتزمن منهم بك أحد
ولا يراك الله يوما وليلة وأنت تقبل منهم صرفا ولا عدلا فيسخط الله عليك
ويهتك سترك واحذر مكر خوز الأهواز فان أبي اخبرني عن آبائه عن أمير
المؤمنين ع أنه قال إن الايمان لا ينبت في قلب اليهودي ولا خوزي أبدا،
فاما من تأنس به وتستريح إليه وتلجئ أمورك إليه فذلك الرجل الممتحن
المستبصر الأمين الموافق لك على دينك وميز عوامك أعوانك وجرب
الفريقين فان رأيت هناك رشدا فشأنك وإياه وإياك أن تعطي درهما أو تخلع
ثوبا أو تحمل على دابة في غير ذات الله تعالى لشاعر أو مضحك أو ممتزح إلا
أعطيت مثله في ذات الله ولتكن جوائزك وعطاياك وخلعك للقواد والرسل
والأجناد وأصحاب الرسائل وأصحاب الشرط والأخماس وما أردت أن
تصرفه في وجوه البر والنجاح والفتوة والصدقة والحج والمشرب والكسوة التي
تصلي فيها وتصل بها والهدية التي تهديها إلى الله عز وجل وإلى رسوله ص
من أطيب كسبك يا عبد الله اجهد أن لا تكنز ذهبا ولا فضة فتكون من
أهل هذه الآية التي قال الله عز وجل الذين يكنزون الذهب والفضة ولا
ينفقونها في سبيل الله. ولا تستصغرن من حلو أو فضل طعام تصرفه في
بطون خالية تسكن بها غضب الرب تبارك وتعالى واعلم أني سمعت أبي
يحدث عن آبائه عن أمير المؤمنين ع أنه سمع النبي ص يقول لأصحابه
يوما ما آمن بالله واليوم الآخر من بات شبعان وجاره جائع فقلنا هلكنا يا
رسول الله فقال من فضل طعامكم ومن فضل تمركم ورزقكم وخلقكم
وخرقكم تطفئون بها غضب الرب.
الشيخ عبد الله بن ناصر الحويزي الهميلي.
توفي في سنة ١١٤٣.
في ذيل إجازة السيد عبد الله بن نور الدين بن نعمة الله الجزائري
كان عالما صالحا ورعا ماهرا في العلوم العربية فقيها محدثا قرأ في الحويزة
وتستر على صهره الشيخ يعقوب. وفي أصبهان على الشيخ جعفر القاضي
اجتمعت به في الدورق وكان مدرسا في مدرستها ثم في الحويزة ثم في تستر
واستفدت منه. توفي بتستر وحضرت جنازته اه.
عبد الله بن هاشم المرقال بن عتبة بن أبي وقاص الزهري:
كان من أصحاب علي ع وشهد معه صفين وقتل أبوه هاشم بصفين
وكان معه لواء علي ع فلما قتل أخذ اللواء ولده عبد الله بن هاشم وهو
يقول:
أ هاشم بن عتبة بن مالك * أعزز بشيخ من قريش هالك
تخبطه الخيلات بالسنابك * في أسود من نقعهن حالك
ابشر بحور العين في الأرائك * والروح والريحان عند ذلك
قال نصر ثم أن عبد الله حمد الله وأثنى عليه ثم قال أيها الناس إن
هاشما عبدا من عباد الله الذين قدر أرزاقهم وأحصى أعمالهم وقضى
آجالهم فدعاه الله ربه الذي لا يعصى فاجابه وسلم لأمر الله وجاهد في
طاعة ابن عم رسول الله وأول من آمن به وأفقههم في دين الله المخالف
لأعداء الله المستحلين ما حرم الله الذين عملوا في البلاد بالجور والفساد
واستحوذ عليهم الشيطان فزين لهم الاثم والعدوان فحق عليكم جهاد من
خالف رسول الله ص وعطل حدود الله وخالف أولياء الله فجودوا بمهج
أنفسكم في طاعة الله في هذه الدنيا تصيبوا الآخرة والمنزل الأعلى والملك
الذي لا يبلى فلو لم يكن ثواب ولا عقاب ولا جنة ولا نار لكان القتال مع
علي أفضل من القتال مع معاوية ابن آكلة الأكباد فكيف وأنتم ترجون ما
ترجون.
قال نصر ولما انقضى أمر صفين وسلم الأمر الحسن ع إلى معاوية
اشخص معاوية عبد الله بن هاشم إليه أسيرا فلما أدخل عليه مثل بين يديه
وعنده عمرو بن العاص فقال يا أمير المؤمنين هذا المختال ابن المرقال فدونك
الضب المضب فاشخب أوداجه على اثباجه فقال له ابن هاشم فهلا كانت
هذه الشجاعة منك يا ابن العاص أيام صفين حين ندعوك إلى النزال وقد
ابتلت أقدام الرجال من نقع الجريال وقد تضايقت بك المسالك وأشرفت
فيها على المهالك وأيم الله لولا مكانك منه لنشبت لك مني خافية أرميك من
خلالها أحد من وقع الاثاقي فإنك لا تزال تكثر في هوسك وتخبط في دهسك
وتنشب في مرسك تخبط العشواء في الليلة الحندس الظلماء فاعجب معاوية
ما سمع من كلام ابن هاشم فامر به إلى السجن وكف عن قتله فبعث إليه
عمرو بأبيات يقول فيها:
أمرتك أمرا حازما فعصيتني * وكان من التوفيق قتل ابن هاشم
وكان أبوه يا معاوية الذي * رماك على جد بحز الغلاصم
فما برحوا حتى جرت من دمائنا * بصفين أمثال البحور الخضارم
وهذا ابنه والمرء يشبه أهله * ستقرع أن بقيته سن نادم
فبلغ ذلك ابن هاشم وهو في محبسه فكتب إلى معاوية:
معاوي إن المرء عمرا أبت له * ضغينة صدر غشها غير سالم
يرى لك قتلي يا ابن حرب وإنما * يرى ما يرى عمرو ملوك الأعاجم
على أنهم لا يقتلون أسيرهم * إذا كان منهم منعة للمسالم
وقد كان منا يوم صفين نغرة * عليك جناها هاشم وابن هاشم
قضى الله فيها ما قضى ثم ما انقضى * وما ما مضى إلا كأضغاث حالم
هي الوقعة العظمى التي تعرفونها * وكل على ما قد مضى غير نادم
فان تعف عني تعف عن ذي قرابة * وإن تر قتلي تستحل محارمي
وروى أبو عبد الله محمد بن موسى بن عبد الله المرزباني أن معاوية
لما تم الأمر له بعد وفاة علي ع بعث زيادا إلى البصرة ونادى منادي معاوية
أمن الأسود والأحمر بأمان الله إلا عبد الله بن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص
فمكث معاوية يطلبه أشد الطلب ولا يعرف له خبرا حتى قدم عليه رجل
(٨٩)

من أهل البصرة فقال له أنا أدلك على عبد الله بن هاشم بن عتبة أكتب إلى
زياد فإنه عند فلانة المخزومية فدعا كاتبه فكتب من معاوية بن أبي سفيان
إلى زياد بن أبي سفيان إما بعد فإذا أتاك كتابي هذا فاعمد إلى حي بني مخزوم
ففتشه دارا دارا حتى تأتي إلى دار فلانة المخزومية فاستخرج عبد الله ابن
هاشم المرقال منها فاحلق رأسه والبسه جبة شعر وقيده وغل يده إلى عنقه
واحمله على قتب بعير بغير وطاء ولا غطاء وانفذ به إلي. قال المرزباني فاما
الزبير بن بكار فإنه قال أن معاوية قال لزياد لما بعثه إلى البصرة أن عبد الله
ابن المرقال في بيوت بني ناجية بالبصرة عند امرأة منهم يقال لها فلانة فانا
أعزم عليك إلا حططت رحلك ببابها ثم اقتحمت الدار واستخرجته منها
وحملته إلي فلما دخل زياد البصرة وسال عن بني ناجية وعن المرأة فاقتحم
الدار واستخرجه منها فانفذه إلى معاوية فوصل إليه يوم الجمعة وقد لاقي
نصبا كثيرا ومن الهجير ما غير جسمه وكان معاوية يأمر بطعام فيتخذ في كل
جمعة لاشراف قريش ولاشراف الشام ووفود العراق فلم يشعر معاوية إلا
وعبد الله بين يديه وقد ذبل وسهم وجهه فعرفه معاوية ولم يعرفه عمرو بن
العاص فقال معاوية يا أبا عبد الله أ تعرف هذا الفتى قال لا قال هذا ابن
الذي كان يقول بصفين:
أعور يبغي أهله محلا * قد عالج الحياة حتى ملا
لا بد أن يغل أو يغلا
قال عمرو وأنه لهو دونك الضب المضب فاشخب أوداجه ولا ترجعه
إلى أهل العراق فإنهم أهل شقاق ونفاق وله مع ذلك هوى يرديه وبطانة
تغويه والذي نفسي بيده لئن أفلت من حبائلك ليجهزه إليك جيشا تكثر
صواهله بشر يوم لك فقال عبد الله وهو في القيد يا ابن الأبتر هلا كانت
هذه الحماسة عندك يوم صفين ونحن ندعوك إلى البراز وتلوذ بشمائل الخيل
كالأمة السوداء والنعجة القرداء أما أن قتلني قتل رجلا كريم المخبرة حميد
المقدرة ليس بالجبس المنكوس ولا المثلب المركوس فقال عمرو دع كيت
وكيت فقد وقعت بين لحيي لهذم فراس للأعداء يسعطك اسعاط الكودن
الملجم قال عبد الله أكثر ائتمارك فاني أعلمك بطرا في الرخاء جبانا في اللقاء
هيابة عند كفاح الأعداء ترى أن تقي مهجتك بان تبدي سوءتك أ نسيت
صفين وأنت تدعى إلى النزال فتحيد عن القتال خوفا أن يغمرك رجال لهم
أيد شداد واسنة حداد ينهبون السوح ويذلون العزيز قال عمرو لقد علم
معاوية اني شهدت تلك المواطن فكنت فيها كمدرة الشول ولقد رأيت أباك
في بعض تلك المواطن تخفق أحشاؤه وتنق أمعاؤه قال إما والله لو لقيك أبي
في ذلك المقام لارتعدت منه فرائصك ولم تسلم منه مهجتك ولكنه قاتل
غيرك فقتل دونك فقال معاوية أ لا تسكت لا أم لك قال يا ابن هند أ تقول
لي هذا والله لئن شئت لأعرقن جبينك ولأقيمنك وبين عينيك وسم يلين له
أخدعاك أ بأكثر من الموت تخوفني فقال معاوية أ وتكفي يا ابن أخي وأمر به
إلى السجن فقال عمرو: امرتك أمرا حازما فعصيتني الأبيات المتقدمة
فقال عبد الله الأبيات المتقدمة.
ثم قال له معاوية أ تراك فاعلا ما قال عمرو من الخروج علينا قال لا
تسأل عن عقيدات الضمائر لا سيما إذا أرادت جهادا في طاعة الله قال إذ
يقتلك الله كما قتل أباك قال ومن لي بالشهادة فاخذ عليه معاوية موثقا أن لا
يساكنه بالشام فيفسد عليه أهله.
أبو أحمد عبد الله بن محمد بن ورقاء الشيباني.
هو عم جعفر بن ورقاء بن محمد بن ورقاء المتقدم في محله كان من
امراء بني ورقاء وشعرائهم ويدل على أنه عم جعفر المذكور قول أبي فراس
في أبياته الآتية من ظلم عمك يا ابن عم وقول جعفر بن ورقاء في أبياته
الآتية أيضا وجور ما قد قال عم كما نبهنا عليه في ترجمة جعفر المذكور
قال في اليتيمة: أبو محمد جعفر وأبو احمد عبد الله أبناء ورقاء الشيباني من
رؤساء عرب الشام وقوادها المختصين بسيف الدولة وما منهما إلا أديب
شاعر جواد ممدح وبينهما وبين أبي فراس مراسلات ومجاوبات اه.
ولما قتل الصباح مولى عمارة المحرفي وكان سيف الدولة قلده قنسرين
فقصد قاتليه مطالبا لهم بدمه ثم كف عنهم عن قدرة وأقرهم بالجزيرة
بتوسط أبي فراس وسمع أبو أحمد بن ورقاء الشيباني الخبر في ذلك فقال
قصيدة يهنئ بها سيف الدولة بغزوته هذه ويفاخر مضر بأيام بكر وتغلب في
الجاهلية والاسلام أولها (١).
ارسما بسابروج أبصرت عافيا * فأذكرك العهد الذي كنت ناسيا
وهي قصيدة طويلة جدا وأورد منها في اليتيمة بعض أبيات فقال في
ترجمة أبي أحمد عبد الله بن محمد بن ورقاء الشيباني وله من قصيدة:
ألا ليت شعري والحوادث جمة * وما كنت من دهري إلى الناس شاكيا
أمخترمي ريب المنون بحسرة * تبلغ نفسي من شجاها التراقيا
إلى الله أشكو أن في الصدر حاجة * تمر بها الأيام وهي كما هيا
قال ومنها في ذكر بني كعب وايحاشهم سيف الدولة حتى أضربهم:
وإنهم لما استهاجوا صياله * وما كان عن مستوجب البطش دانيا
قال ابن خالويه فلما سمع أبو فراس ما عمل فيها عمل قصيدة على
هذا الشرح يذكر فيها أسلافهم ومناقبهم.
أولها:
لعل خيال العامرية زائر * فيسعد مهجور ويسعد هاجر
هكذا في نسخة مخطوطة من ديوان أبي فراس وفي نسخة أخرى كان
الأمير سيف الدولة قد ظفر ببني عامر بن صعصعة ومن اجتمع منهم من
طي وكلب على مخالفته وكتب أبو أحمد عبد الله بن ورقاء الشيباني بقصيدة
إليه يهنؤه بالظفر ويفاخر فيها مضرا ببكر وتغلب وذكر أيامها في الجاهلية
وغيرها فعمل أبو فراس على وزنها قصيدة يذكر فيها آباءه وأسلافه وأهله
الأقربين في الاسلام دون الجاهلية وهي لعل خيال العامرية زائر وذكر
القصيدة وقد مر أكثرها في ترجمة أبي فراس الحارث بن سعيد الحمداني.
وفي هذه القصيدة يقول أبو فراس مخاطبا بني ورقاء:
فقل لبني ورقاء إن شط منزل * فلا العهد منسي ولا الود داثر
وكيف يرث الحبل أو تضعف القوى * وقد قربت قربى وشدت أواصر
ثم يقول مخاطبا أبا احمد عبد الله بن محمد بن ورقاء ورادا عليه في
افتخاره بأيام بكر وتغلب في الجاهلية.

(١) ابن خالويه.
(٩٠)

أبا أحمد مهلا إذا الفرع لم يطب * فلا طبن يوم الافتخار العناصر
أ تسمو بما شادت أوائل وائل * وقد غمرت تلك الأوالي الأواخر
وتطلب العز الذي هو غائب * وتترك العز الذي هو حاضر
قال أبو عبد الله الحسين بن محمد بن أحمد بن خالويه في شرح ديوان
أبي فراس قال لي أبو فراس لما وصلت هذه القصيدة إلى أبي أحمد عبد الله
ابن محمد بن ورقاء الشيباني ظن أني عرضت به في البيتين الذين ختمت بهما
القصيدة وهما:
يسر صديقي أن أكثر واصفي * عدوي وإن ساءته تلك المفاخر
نطقت بفضلي وامتدحت عشيرتي * وما أنا مداح وما أنا شاعر
فكتب إلي قصيدة تصرف فيها في التشبيب أولها:
أشاقك بالخال الديار الدواثر * روائح مجت آلها وبواكر
وزاد فيها في اليتيمة هذه الأبيات التي اختصرها منها فقال وله من
قصيدة أجاب بها عن قصيدة أبي فراس التي أولها لعل خيال العامرية
زائر
عمرن بعمار من الأنس برهة * فهاهن صفر ليس فيهن صافر
أ خلت بمغناها دمى وخرائد * وحلت بأقصاها مها وجاذر
أ هن عيون باللحاظ دوائر * على عاشقيها أم سيوف بواتر
ضعائف يقهرن الأشداء قدرة * عليهم وسلطان الصبابة قاهر
ألا يا بن عم يستزيد ابن عمه * رويدك إني لانبساطك شاكر
تصفحت ما أنفذته فوجدته * كما استودعت نظم العقود الجواهر
وذكرني روضا بكته سماؤه * وضاحكه مستأسد وهو زاهر
عرائس يجلوها عليك خدورها * ولكنما تلك الخدور دفاتر
فعدلا فان العدل في الحكم سيرة * بها سار في الناس الملوك الأساور
فكتب أبو فراس إلى أبي محمد جعفر بن ورقاء أبياتا وجعله حكما بينه
وبين عمه أبي احمد عبد الله بن محمد بن ورقاء من جملتها:
قل لابن ورقا جعفر * حتى يقول بما علم
هل أنت يوما منصفي * من ظلم عمك يا ابن عم
أبلغه عني ما أقول * فأنت من لا يتهم
إني رضيت وإن كرهت * أبا محمد الحكم
وقد تقدمت هذه الأبيات بتمامها في ترجمة جعفر بن ورقاء. فاجابه
أبو محمد جعفر بن ورقاء بأبيات تقدمت هناك أيضا ولكنها كانت مغلوطة
وناقصة لأن النسخة التي نقلنا عنها كانت كذلك فأعدناها هذا بتمامها على
الوجه الصحيح قال:
أنتم كما قد قلت بل * أعلى وأشرف يا ابن عم
ولكم سوابق كل فخر * واللواحق من أمم
لم يعل منكم شامخ * فوق الشواهق والقمم
إلا ولاحقه ينيف * على ذراه كالعلم
ودعوت شيخك وابن * عمك جعفرا فيما ألم
من عدل قولك حين قلت * وجور ما قد قال عم
فقضى عليه وقد قضى * بالحق لما أن حكم
إن الذي أبدى الفخار * لسادة ملكوا الأمم
في عصرهم وزمانهم * ولهم قديم في القدم
ليسوا كمن لا يبلغ ال‍ * علياء إلا بالرمم
هذا قضائي إن نحا * للحق عم والتزم
أحسنت والله العظيم * نظام بيتك حين تم
فيما ذكرت من السيوف * وما ذكرت من النعم
حتى كان بنظمه * للحسن درا ينتظم
وشكوت أشواقا إلي * تحسن قلبك بالألم
أفديه قلبا عاليا * فوق الفضائل والهمم
قد فاض فيضا بالسماح * وقد تحرك بالكرم
فسيول جدواه تحر * ك بالشهامة عن ضرم
وقد انبرى لي منعما * يا طيب ذلك في النعم
وأزل لي من بره * أزكى وأطيب ما قسم
فلأشكرن صنيعه * حتى أغيب في الرجم
وكتب أبو فراس إلى أبي أحمد عبد الله بن محمد بن ورقاء إلى العراق
مجيبا له بهذه القصيدة ويظهر من بعض أبياتها أن عبد الله عتب على أبي
فراس في ابتدائه الافتخار بقومه ورده عليه في افتخاره بأيام بكر وتغلب في
الجاهلية لقوله فيها:
أ أجعل في الأوائل من نزار البيت وقوله أ من كعب نشأ بحر
العطايا.
قلوب فيك دامية الجراح * وأكباد مكلمة النواحي
وحزن لا نفاد له ودمع * يلاحي في الصباية كل لاحي
أ تدري ما أروح به وأغدو * فتاة الحي حي يني رياح
ألا يا هذه هل من مقيل * لفتيان الصبابة أو مراح
فلو لا أنت ما قلقت ركابي * ولا هبت إلى نجد رياحي
ومن جراك أوطنت الفيافي * وفيك غذيت ألبان اللقاح
رمتك من الشام بنا وجايا * قصار الخطو دامية الصفاح
تجول نسوعها وتبيت تسري * إلى غراء جائلة الوشاح
إذا لم تشف بالغدوات نفسي * وصلت لها غدوي بالرواح
يقول صحابتي والليل داج * وقد هبت لنا ريح الصباح
لقد أخذ السرى والليل منا * فهل لك أن تريح بجو راح
فقلت لهم على كره أريحوا * وفي الذملان روحي وارتياحي
إرادة أن يقال أبو فراس * على الأصحاب مأمون الجماح
فكم أمر أغالب فيه نفسي * ركبت فكان أدنى للجناح
أصاحب كل خل بالتجافي * وآسو كل داء بالسماح
وأنا غير اثام لنحوي * منيع الدار والمال المراح
وأنا غير بخال لنحمي * جمام الماء والمرعى المباح
لاملاك البلاد علي ضرب * يحل عزيمة الدرع الوقاح
ويوم للكماة به عناق * ولكن التصافح بالصفاح
وما للمال يزوى عن ذويه * ويصبح في الرعاديد الشحاح
لنا منه وإن لويت قليلا * ديون في كفالات الرماح
لسيف الدولة القدح المعلى * إذا استبق الملوك إلى القداح
لأوسعهم مذانب ماء واد * وأغزرهم مدافع سيب راح
(٩١)

أتاني من بني ورقاء قول * ألذ جنى من الماء القراح
وأطيب من نسيم الروض حفت * به اللذات من روح وراح
تبكي في نواحيه الغوادي * بأدمعها فتبتسم الأقاحي
عتابك يا ابن عم بغير جرم * أشد علي من وخز الرماح
وما أرضى انتصافا من سواكم * وأغضي منك عن ظلم صراح
أظنا أن بعض الظن اثم * أ مزجا رب جد في مزاح
أريتك يا ابن عم بغير عذر * عدوت عن الصواب وأنت لاحي
أ أجعل في الأوائل من نزار * كفعلك أم بأسرتنا افتتاحي
أ من كعب نشأ بحر العطايا * وأكرم مستغاث مستراح
وصاحب كل عضب مستبيح * أعاديه ومال مستباح
وهذا السيل من تلك الغوادي * وهذي السحب من تلك الرياح
وكيف أعيب مدح شموس قومي * ومن أضحى امتداحهم امتداحي
ولو شئت الجواب أجبت لكن * خفضت لكم على علم جناحي
ولست وإن صبرت على الأسايا * الاحي عصبتي وبهم الاحي
ولو أني اقترحت على زماني * لكنتم يا بني ورقا اقتراحي
ولأبي احمد في جوابها على ما في اليتيمة وقد اختصرها:
أ صاح قلبه أم غير صاح * وقد عنت له عفر البطاح
ظباء الوحش تحكي مائلات * ظباء الأنس بالصور الملاح
يدرن مراض أجفان صحاح * فيا عجبي من المرضى الصحاح
وما زالت عيون العين فينا * تؤثر فوق تأثير السلاح
أ مطلعة الهلال على قضيب * ومسدلة الظلام على الصباح
عدتني عن زيارتك العوادي * ودهر للأكارم ذو اطراح
أ مدرة تغلب لسنا وعلما * ومصقع نطقها عند التلاحي
لقد أوتيت علما واضطلاعا * بآداب وألفاظ فصاح
وفي اليتيمة: كتب أبو أحمد عبد الله بن ورقاء إلى أبي إسحاق
الصابي قصيدة منها:
يا هلالا يدعى أبوه هلالا * جل باريك في الورى وتعالى
أنت بدر حسنا وشمس علوا * وحسام عزما وبحر نوالا
وقال أبو فراس يخاطب بني ورقاء وأعدناها هنا بوجه أتم:
اللوم للعاشقين لوم * لأن خطب الهوى عظيم
كيف ترجون لي سلوا * وعندي المقعد المقيم
ومقلتي ملؤها دموع * وأضلعي حشوها كلوم
يا قوم اني امرؤ كتوم * تصحبني مسلة نموم
الليل للعاشقين ستر * يا ليت أوقاته تدوم
نديمي النجم طول ليلي * حتى إذا غارت النجوم
أسلمني الصبح للرزايا * فلا حبيب ولا نديم
برملتي عالج رسوم * يطول من دونها الرسيم
أنخت فيهن يعملات * ما عهد ارقالها ذميم
أجدبها قطع كل واد * أخصبه نبته العميم
ردت على الدهر في سراها * ما اذهب النجم والنجوم
تلك سجايا من الليالي * للبؤس ما يخلق النعيم
بين ضلوعي هوى مقيم * لآل ورقاء لا يريم
يغير الدهر كل شئ * وهو صحيح لهم سليم
امنع من رامه سواهم * منه كما يمنع الحريم
وهل يساويهم قريب * أم هل يداينهم حميم
ونحن من عصبة وأهل * يضم أعضاءنا الأروم
سمت بنا وائل وفازت * بالعز أخوالنا تميم
ودادهم خالص صحيح * وعهدهم ثابت مقيم
ذاك لنا منهم حديث * وهو لآبائنا قديم
نرعاه ما طرقت بحمل * أنثى وما أطفلت بغوم
ندني بني عمنا إلينا * فضلا كما يفعل الكريم
أيديهم في كل خطب * يثنى بها الفادح الجسيم
لم تنا عنا لهم قلوب * وإن نأت منهم جسوم
فلا عدمنا لهم ثناء * كأنه اللؤلؤ النظيم
يبقى ويبقون في نعيم * ما بقي الركن والحطيم
عبد الله بن يزيد بن ثبيط العبدي البصري من عبد القيس.
خرج مع أبيه يزيد بن ثبيط إلى الحسين ع بمكة ثم إلى العراق
وقتل معه. قال أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في تاريخه. قال أبو
مخنف: وذكر أبو المخارق الراسبي قال اجتمع ناس بالبصرة في منزل امرأة
من عبد القيس يقال لها مارية بنت سعد أو منقذ أياما وكانت تتشيع وكان
منزلها لهم مألفا يتحدثون فيه وقد بلغ ابن زياد إقبال الحسين فكتب إلى
عامله بالبصرة أن يضع المناظر ويأخذ بالطريق فاجمع يزيد بن ثبيط الخروج
وهو من عبد القيس إلى الحسين وكان له بنون عشرة فقال أيكم يخرج معي
فانتدب معه ابنان له عبد الله وعبيد الله ثم خرج حتى انتهى إلى حسين
ع فدخل في رحله بالأبطح ثم أقبل معه حتى أتى كربلاء فقاتل معه فقتل
معه هو وابناه اه.
عبد الله يزيد بن عاصم الأنصاري.
قال نصر في كتاب صفين أنه قال يرثي من قتل من أصحابه بصفين:
يا عين جودي على قتلى بصفينا * اضحوا رفاتا وقد كانوا عرانينا
كانوا أعزة قومي قد عرفتهم * مأوى الضعاف وهم يعطون ماعونا
أعزز بمصرعهم سبأ لقاتلهم * على النبي وطوبى للمصابينا
عبد المؤمن بن صفي الدين الجرجاني.
له بهجة الروح في الموسيقي فارسي مرتب على مقدمة وعشرة أبواب
وخاتمة.
الميرزا عبد المجيد ابن الحاج عبد العلي الزنجاني.
توفي في حدود نيف وعشرين وثلثمائة وألف.
كان عالما جليلا بارعا في فنون الكلام والحكمة متشرعا زاهدا ورعا
تلقى المبادئ في العلوم اللسانية والأدبية في زنجان وحضر على بعض
الأساتذة في الأصول والفقه ثم سافر إلى طهران وحضر على الحكيمين
الجليلين الآقا علي المعروف بالمدرس والميرزا أبي الحسن المعروف بجلوة
سنين متمادية تقرب من ثلاثين سنة أو أكثر حتى برع في فنون الفلسفة
والحكمة وعاد إلى زنجان وقام بها بالتدريس في العلوم المذكورة مع الانزواء
(٩٢)

والعزلة التامة عن مخالطة الناس وكان مقيدا بآداب الشرع شديد المحافظة
عليها مع زهد وورع تام وله حواش كثيرة على غالب الكتب المتداولة في
الكلام والحكمة ان كتبها على حواشي كتبه ولم يدونها مستقلة. هكذا أرسل
إلينا ترجمته صديقنا الشيخ فضل الله الزنجاني. عبد المجيد بن محمد بن أمين البغدادي الحلي.
ولد في ١٧ ذي القعدة سنة ١٢٨٢ وتوفي في ١٧ ذي القعدة سنة
١٣٤٢ في النجف ودفن بها. شاعر له يد في نظم التاريخ نظم تاريخا لمقام
أمير المؤمنين ع بالحلة بخرج منه ثمانية وعشرون تاريخا ونظم تاريخا لمقام
المهدي يخرج منه أيضا مثل ذلك ومن شعره قوله وقد تعلق بضريح الحسين
ع.
يدي وجناحا فطرس قد تعلقا * بجاه ذبيح الله وابن ذبيحه
فان ساد في أم فأنت ابن فاطم * وإن ساد في مهد فأنت أبو المهدي
وقوله في أمير المؤمنين ع.
من حمى المرتضى التجأت لحضن * قد حمى منه جانب العز ليث
فحبانا أمنا وجاد بمن * فهو في الحالتين غوث وغيث
وقوله في الكاظمين ع.
لي بالجوادين أقصى ما أؤمله * من الرجاء ومن مثل الجوادين
محا محلهما عني الجوى كرما * فليمح جودهما مثل الجوى ديني
الشيخ عبد المحسن الكاظمي بن محمد بن علي بن المحسن.
ولد سنة ١٢٨٨ في حي الدهانة ببغداد.
هاجر سنة ١٨٩٧ م إلى إيران فالهند وانتهى به المطاف إلى مصر سنة
١٨٩٩ م وتوفي فيها سنة ١٣٥٤ ه.
قال رفائيل بطي:
روى في شيخوخته للصحفي المصري طاهر الطناحي عن حياته ما
خلاصته: أخذني أهلي في طفولتي إلى كتاب فقيهة في البلد، انتقلت من
عندها إلى معلم إيراني يعلمني الفارسية، لأن أبي تاجر، ولتجار العراق
صلات وثقى بإيران والأفغان والهند، والمكاتبة التجارية بهذا اللسان،
فدرست عنده ستة أشهر حتى إذا ترك مهنته قصدت إلى مدرس عربي، لم
أثابر على التعلم عنده طويلا، وقادني ولعي بالقراءة إلى تطلب المخطوطات
العربية والفارسية وتصفحها، وكانت من حولي في الكاظمية كثيرة. أما
كيف هوى العلم والأدب، وأبوه يتعاطى التجارة، فيقول أنه رأى تكريما
عظيما لرجل في مجلس جده فسال من يكون؟ فأجيب بأنه عالم، فعلقت
نفسه بالعلم والأدب، ومال عن تجارة أبيه، وقد أعانه أخوه محمد حسين
على المسلك الأدبي، وكان أخوه يقول الشعر، وأكثر ما انساق إلى كتب
الأدب. وأخذ يعب من المعين الأدبي، يقرأ ويحفظ الأشعار التي
يستملحها، في غفلة من أقاربه، حتى فضحته مطارحة شعرية مع أخيه
وزملاء له، وقد بدأ يقول الشعر في السادسة عشرة من سنيه.
ولم يفد مع الفتى الموهوب إغراء أبيه بالتجارة، ولا أفلح صرفه إياه
عن تعاطي صناعة لا سوق لها، ثم عالج زمنا الزراعة بوحي البيئة أيضا،
فالقوم كانوا منشغلين في ذلك العهد بالزراعة، وقليل منهم بالتجارة حتى
إذا باء بالفشل تاجرا ومزارعا انكفا إلى كتبه ودفاتره. وانكب على القراءة
والكتابة والنظم. وهيأت له الأيام شاعرا كبيرا انتجع الكاظمية مستروحا،
هو السيد إبراهيم الطباطبائي النجفي، فتتلمذ عليه وأخذ عنه وحاكاه في
سرعة البديهة.
بهذا الهوس انهمك عبد المحسن في حفظ الشعر العربي القديم،
وأسعفته حافظته فوعى أكثر من اثني عشر ألف بيت من مختار القصيد،
وكانت تواتيه ذاكرته أيضا، فبرز راوية يشار إليه بالبنان، حتى غدت له
سليقة في محاكاة الفحول من الشعراء الذين حفظ آثارهم، بل كان يذكر
ويروي قصائده ومعظمها من المطولات، بينها ذات المئين، مع أن بعض
كبار الشعراء، لم يكن يحفظ قصيدته الواحدة بتمامها. فما بلغ العشرين
ربيعا الا وقد احتل في ديوان الأدب مكانا ملحوظا.
ولما وفد على العراق السيد جمال الدين الأفغاني منفيا من إيران تعرف
الشاعر الفتى بجمال الدين ولازمه، وأخذ عنه طرفا من العلوم، وتوجيها
في التفكير، واعتنق مبادئه. ثم نفي الأفغاني من العراق، ولاحقت النقمة
من كان يلوذ به من شباب الجيل، فتحرج موقف الكاظمي، فتناولته
عيون السلطة، وضايقته السعاية والكيد حتى بين ذوي قرباه. ولو لم
يتداركه قائد عسكري شهم هو رجب باشا لإصابة المكروه. وفقد
في أيام المحنة وهو يشاغل الأرصاد والمتعقبين رزمة من كتب وأوراق فيها
شعره وكتاباته رماها في النهر صديق أشفق عليه من يد الجند واعتزم
الهجرة. ولئلا يقع في الفخ لاذ بالقنصلية الإيرانية ببغداد، ولبيته فيها شأن
مرموق، إذ كان أحد أجداده يتاجر بالجلود في إيران فسمي بالفارسية
بوست فروش ولصق هذا اللقب باسرته دهرا طويلا. ومن هذا المخبأ
تسلل إلى البصرة وجنح إلى أبو شير حيث صرف أشهرا، ثم عاد إلى
بغداد اعتمادا على تحسين صديق بزوال المانع، فلم يصدق فاله. فرحل
ثانية إلى إيران عام ١٨٩٧، وشخص إلى الهند وتوجه إلى مصر على أن
يبرحها إلى إسطنبول، ثم يرجع إلى مسقط رأسه. وفي مصر مرض فقعد
عن السفر، وكتب له أن يتوطنها إلى غاية العمر، وقد ضعف بصره، وكاد
أن يفقده في أخريات أيامه.
قدم عبد المحسن الكاظمي مصر أديبا مكتمل الأداة، وشاعرا جيد
النظم. في شعره رصانة، وفي بداهته مثار إعجاب وإكبار، وتنسم في
ظلال مصر نسيم حرية في الجو الفكري، ومجالا للقول الصريح،
وصحائف تنطق بالكلمة الحرة فيدوي صداها في المجتمع ومن مصر اتصل
اتصالا وثيقا بالشيخ محمد عبده وقد كانت حياته في مصر حياة ضيق مالي
شديد.
ورغما عن ذلك فان منزلته الاجتماعية لم يمسها إعوازه المال فشارك في
المساعي للدعاية العربية وأرسل القوافي وأنشد القصائد هز بها المحافل،
وكانت حياته على ضفاف النيل ترضى طموحه الأدبي.
ومن بدء إذاعة الصحف المصرية شعره استحسنه الناس واستجاده
(٩٣)

الأدباء وأفسح لقائله مجال الاتصال بأعيان البيان، فانعقدت أواصر
الصداقة بينه وبين البارودي وصبري وحافظ ومطران، وهم في الرعيل
الأول بين فرسان البلاغة، كما أن بين كبار الأدباء المصريين من أعجب به
وأفاد منه كثيرا في مقدمتهم مصطفى صادق الرافعي، وإن مزاياه الشعرية
بميزان ذلك الطور رفعته إلى مقام عال فعدوه في الطبقة الأولى بين
الشعراء، ومما يؤثر أن أدباء العراق لم يكونوا يرون له هذا الفضل الكبير،
كما أثبت هذه الملاحظة الأفاضل العامليون الثلاثة الذين جمعوا المختار من
شعره عشرة شعراء عراقيين، وطبعوه في صيدا بعنوان العراقيات
ولكن هذا لم يحل دون اتساع شهرة الكاظمي في مضمار الشعر الرصين
ونعته بشاعر العرب وأن يظل قرابة خمسين سنة ينشد الجزل الرقيق
فيحظى بالسيرورة في العالم العربي، ويتناقل شعره الرواة مستجيدين،
ويعده المصريون ترجمان العروبة الصادق، ويهول المتصفح لفيض طبعه
ودعوته الصارخة هذا الأمد الطويل إلى احياء مجد العرب، واستجلاء ألواح
تاريخهم المجيد.
تزوج عام ١٩١٥ فتاة مصرية، وهي عائشة محمود التونسي،
وأنجب منها بنين وبنات، لم يعيشوا إلا أياما، فما خلف غير بنت هي
السيدة رباب، التي كان يحبها حبا جما، وقال فيها شعرا رقيقا، تغزل بها
صبية تغزلا معجبا نم عما تشغله من قلبه الثاكل.
وكانت خاتمة حياته في مصر الجديدة من ضواحي القاهرة يوم
الخميس في ٢ مايو سنة ١٩٣٥ ودفن فيها، وانتبهت حكومة العراق بعد
حين، قررت أن تكرم شاعر الشطين بعد أن غيبته الصفائح، فشيدت له
ضريحا لائقا في مقبرة الإمام الشافعي في العاصمة المصرية، نقلت رفاته إليه
في حفل يوم ١ مايو سنة ١٩٤٧.
والمزية التي تفرد بها، بحيث سبق الأنداد والنظراء، هي طول
النفس في الشعر، والارتجال على البداهة. لا يقف عند ارتجال البيتين أو
الأبيات الأربعة، بل يتجاوز إلى العشرات بل المئات، وقد سجل له تاريخ
الحركة الأدبية في هذا الميدان تفوقا مميزا.
واختص بطريقة في تغنيه بشعره تغنيا بدويا، وقد أخذ عنه حافظ
إبراهيم هذا التغني بمنظومه.
أما شعره وقيمته الفنية فتعلو على الأكثر من ناحية الأسلوب الجزل
وروعة الديباجة ومكان الابداع في صدق لهجته وانطباعه على القول.
وأكثر نظمه من وحي الساعة. ومن جماع ظروفه ونشأته وثقافته العربية
تولدت عنده هذه الخصائص، فمشى على غرار قدماء الشعراء الذين
اكتنزت حافظته روائعهم. فاحتذاهم في الطراز، ولم يقلدهم في معانيهم،
وإن تميزت ألفاظهم وتعابيرهم في نسج قصائده، فذلك محصوله من اللغة
وفصيح العبارة.
ولكنه لم يكن يتقعر أو يغرب في التلفظ أو التصوير. وعبد المحسن
وإن لم يحلق بعيدا في أجواز الشعر فهو لم يسف أيضا إلى درك الابتذال.
ويظهر أنه قد عالج التأليف في فجر شبابه، فألف كتاب البيان
الصادق في كشف الحقائق في وصف بعض أدواء المجتمع. وكتاب تنبيه
الغافلين وليسا موجودين الآن، ولعلهما من جملة ما فقد من آثاره أوقات
الحرج قبل أن يغادر وطنه الأول. وقد طبع له بعد وفاته ديوان كبير.
انتهى.
وروى سليم سركيس في مجلته عندما احتفى بالشاعر الكاظمي، إن
الدكتور شدودي تلا قصيدة مدح بها الشاعر المحتفى به فلما فرع من تلاوتها
أجابه الكاظمي عليها مرتجلا قصيدة كبرى من بحر القصيدة التي مدحه بها
الطبيب شدودي، ويقول سركيس: كنا أكثر من كاتب نسجل ما ينظم
فلا نلحق به.
فمن هذه القصيدة قوله يخاطب الشاعر الطبيب:
أ ذكيت يا آسي العيون * فؤاد صب مكتئب
أ ذكرتني عهد الشباب * وما قضيت من الإرب
فمن الرباع إلى اليفاع * إلى التلاع إلى الكثب
ومن الخصور إلى النحو * ر إلى الثغور إلى الشنب
حيث الهوى غض تهز * خطاه اعطاف القضب
والروض تصقل زهره * أيدي الرباب المنكسب
والسرب من عفر الظبا * يبدو وآخر ينسرب
ويقول فيها:
أ رأيت كيف العلم اطلع * من شموس لم تغب
ركبوا الهواء ومهدوا * طرق الهواء لمن ركب
وتناولوا هام السماء * ومزقوا شمل السحب
باتوا وبات وليدهم * في المهد يهزأ بالنوب
فمن المهاد إلى النجاد * إلى الطراد إلى الغلب
ومن الأديم إلى الغيوم * إلى النجوم إلى القطب
وأول ما نظم في مصر قصيدته التي يقول فيها:
ولما نقلنا للبواخر رحلنا * وعفنا المطايا وهي عجفاء ظلع
هجمنا على جيش من الموج ضارب * بزخاره نحو السما يترفع
يطالعنا من كل فج كأنه * جبال شروري أقبلت تتقلع
ولما تبينت السويس وسار بي * إلى النيل سيار من البرق أسرع
هرعت إليه ثانيا من حشاشتي * وقلت لصحبي هذه مصر فاهرعوا
وله:
فكم قائل سر نحو مصر تر المنى * وأنت على كل البلاد أمير
فقلت لهم والدمع مني مطلق * أسير وقلبي بالعراق أسير
وله:
ردد الذكرى وحيا البطلا * ومضى في قوله مسترسلا
شاعر مطلقة أدمعه * وجد الدنيا له معتقلا
: عبد المحسن الصوري
توفي سنة ٤١٩.
أحد اعلام الشعر العربي في عصره،
(٩٤)

قال الشيخ محمد رضا الشيبي:
عبد المحسن بن محمد بن طالب الصوري هكذا أورد نسبه الثعالبي
في تتمة اليتيمة، أما ابن خلكان فقال أبو محمد عبد المحسن بن محمد بن أحمد
بن غالب لا طالب بن غلبون الصوري الشاعر المشهور وبين
النسبين اختلاف كما ترى ونحن نميل إلى قول ابن خلكان لأنه من المحققين
في النسب والتاريخ. والصوري كما قال القاضي في وفيات الأعيان أحد
المحسنين المجيدين، شعره بديع الألفاظ حسن المعاني رائق الكلام مليح
النظام من محاسن أهل الشام له ديوان شعر أحسن فيه كل الاحسان وقد
نقل القاضي المذكور نتفة من شعره قال في آخرها: ومحاسنه كثيرة
والاقتصار أولى.
الصوري والمؤرخون
كلام المؤرخين والمتأدبين عن هذا الشاعر مقتضب موجز كما نجده في
تتمة اليتيمة ووفيات الأعيان والسبب في ذلك على ما نرجح هو انزواء هذا
الشاعر وميله إلى العزلة وقلة خروجه من صور إلى غيرها من البلدان فقل
لذلك العارفون به الواقفون على أحواله.
حياته من شعره
يظهر لنا من تصفح ديوان الصوري غلبة الفقر عليه حتى اضطر إلى
بيع عمامته وهو يندب ويشكو مر الشكوى بوار صناعته وكساد بضاعته
وكان للصوري أخ جميل الحال ولكنه شديد الجفاء له وقد هجاه مرات.
لم يخرج الصوري من الديار الشامية بل لم يخرج من صور وما إليها
إلا نادرا وذلك في أوائل شبابه إذ خرج إلى دمشق وفلسطين هذا ويكثر ذكر
صيدا، وطبرية والرملة في شعره والرملة يومئذ معسكر ينزله قادة الفاطميين
ونوابهم وقد اتصل بجماعة منهم ومدحهم. ولم يستطع الخروج إلى مصر
أيضا مع كثرة الدواعي التي توجب إلمامه بها ومن جملتها أن مصر يومئذ بلد
الفاطميين وهو يكثر من مدحهم ويتعصب لهم وينصر دعوتهم، ومن هذه
الأسباب والدواعي أن مصر أيام الفاطميين اجتذبت إليها كثيرا من اعلام
الفنون والآداب والفلسفة والغالب أن الفاقة وسوء تأثيرها على مزاجه هي
التي أقعدته عن الأسفار وهو القائل:
حصلت بمصر همتي واستوطنت * وأفادني عدمي سواها موطنا
يقول أن هواي جعل مصر موطنا لي ولكن قلة ذات يدي أكرهتني
على الإقامة في بلد آخر يضاف إلى ما تقدم أن الصوري كان على جانب
كبير من رقة الشعور والعطف والاحساس وهو يخشى أن تطوح أسفاره
وانتجاع الأقطار البعيدة بكرامته فتراه يفضل الفقر والقلة على الغنى مع
المهانة والذلة.
عجبت من نفسي ومن أنها * كأنها تكثر بالقلة
تعتز بالفقر متى استشعرت * إن الغنى يؤخذ بالذلة
والخلاصة كان الصوري قليل الاسفار حتى في إبان شبابه أما بعد
تقدمه في السن فقد لزم صور، لزمها وهو في سن السبعين إلى أن توفي فيها
سنة ٤١٩ وعمره ثمانون سنة أو أكثر وفي باب إقامته في صور وعدم
خروجه منها كتب إليه محمد بن سليمان النحوي الشاعر أبياتا جاء فيها:
أ عبد المحسن الصوري لم قد * جثمت جثوم منهاض كسير
إذا استحلى أخوك قلاك ظلما * فمثل أخيك معدوم النظير
تحرك على أن تلقى كريما * تزول بقربه أحن الصدور
فما كل البرية من تراه * وما كل البلاد بلاد صور
فاجابه الصوري:
جزاك الله عن ذا النصح خيرا * ولكن جاء في الزمن الأخير
وقد حدث لي السبعون حدا * نهى عما أمرت من الأمور
ومذ صارت نفوس الناس حولي * قصارا عذت بالأمل القصير
ميله إلى الايجاز في قصائده
الصوري شاعر مطبوع على الإجادة في أكثر أبواب الشعر غزلا
وتشبيبا ومديحا ورثاء ووصفا وغير ذلك وشعره من ذلك السهل الممتنع يمتاز
بجمال العبارة ومتانة الديباجة مع ميل ظاهر إلى الابداع والابتكار في
المعاني. وليس في قصائده طول وهو يميل فيها إلى الايجاز فجل قصائده
مقطوعات قصيرة أو شبيهة بالمقطوعات وقد عيب عليه ذلك ونسب إليه
العجز والحصر إما هو فقد اعتز وتباهى بمذهبه هذا في الايجاز مع البلاغة
وحسن الدلالة على المعنى وهو محق في ذلك إلى هذا ونحوه مما يدل على ميل
هذا الشاعر إلى تهذيب أشعاره وتنقيح آثاره وقد أشار إلى هذا المعنى مرارا
من ذلك قوله في قصيدة:
لقد انفردت فكنت وحدك سامعا * وقد انفردت وكنت وحدي شاعرا
ولطالما كثرت أقاويل الورى * فاتيت بالنزر القليل مكاثرا
ومن قصيدة في لؤلؤ البشاري
سأنظم من سميك فيك عقدا * وأترك ما تبقى للنثار
فربة ما أطال الناس قولا * فطاول ذلك القول اختصاري
ومن قصيدة في الأستاذ أبي الحسن بشارة:
أبا حسن رب شعر أطيل * وإن قيل اني اعتمدت اختصاره
إذا ما معانيه طالت فما * يضرك أن لا تطول العبارة
وله من قصيدة
أطلت معانيها وقصرت نظمها * وأوردتها بكرا وتصدر أيما
الصوري والمعري
عاش المعري بعد الصوري ثلاثين عاما ولا شك أنهما التقيا في مكان
بالشام بيد أننا لا نعلم هل كان ذلك قبل رحلة المعري إلى بغداد أم بعد
ذلك وعلى كل حال فان العلاقة بين الشاعرين لم تكن وثيقة مع أنهما
متعاصرين ينتميان إلى وطن واحد هو الشام ولعل ذلك لمكان الاختلاف
بينهما في الخلق والرأي. وقد ادعى الصوري في الأبيات الآتي ذكرها أن
المعري وافقه على القول بالبعث واليقين بالآخرة وأنه لا يميل إلى آراء
الملاحدة. قال الصوري:
نجا المعري من العار * ومن شناعات وأخبار
(٩٥)

وافقني أمس على أنه * يقول بالجنة والنار
وأنه لا عاد من بعدها * يصبو إلى مذهب بكار
فهذه شهادة معتبرة يحسن الاحتجاج بها على تدين أبي العلاء صريحة
بوقوع الاجتماع بين الشاعرين وذلك قبل نظمها بتاريخ قريب كما أنها تشعر
بان المجلس كان مجلس مناظرة أو محاورة بين الرجلين. أما أين تم هذا
الاجتماع ومتى فهذا من جملة الأمور المجهولة.
أما مذهب بكار في البيت الثالث من أبيات الصوري فهكذا
وجدناه في النسخة ولعل الصواب مذهب بشار وهو الشاعر الأعمى
المشهور المعدود من الملاحدة. أما بكار فهو من جملة القضاة.
أصحابه وشعراء عصره
شعراء عاصروا الصوري في مصر والشام غير قليلين ولكن عدد
الذين لقيهم أو الذين جرى بينه وبينهم ما يجري من مراسلات ومشاعرات
قليلون ومنهم أبو العلاء المعري وابن وكيع الشاعر التنيسي المصري المتوفى
سنة ٣٩٣ أرسل إليه قصيدة وأحمد بن سليمان النحوي أو الفخري.
ومن الشعراء الذين سماهم في ديوانه الشيخ أبو القاسم الحسين بن
ضحى مشى خلف جنازته فرأى جارية ناشرة شعرها وهي بقفطان وقناع
أحمر وله في ذلك بيتان ومن هؤلاء ابن بشر الشاعر ولا يعلم عنه أكثر من
ذلك ومن الشعراء الذين خالطهم عبد الله بن العذري الشاعر جمع بينهما
مجلس الأمير أبي الجيش حامد بن ملهم في بيروت ومنهم الشاعر المكتني بابن
الموازيني.
ابن القوالة
ومن اعلام عصره أدبا وشعرا الأستاذ عبد الله المعروف بابن القوالة
وهو من أهل الرملة ومن فحول شعراء الشام في ذلك العصر وبينهما
مراسلات ومشاعرات كثيرة وابن القوالة هذا هو الذي كتب إلى الصوري
في بعض جواباته:
لا تسلني وسل اخلاي عني * أنا في خلطتي بحيث التمني
لك ودي وعشرتي وافتقادي * وانقيادي وما تخيرت مني
أمثاله
علاج الأهواء
وعالجته من هوى عزمة * إن العزيمات أطباء
المال والحمد
وفي الناس مال بلا باذل * كثير وحمد بلا كاسب
بين الأقوال والأفعال
والمعالي ما بين فعل وقول * بين مستكره إلى مستحب
الشعر
والشعر ما طالت معا * نية وإن قصر النشيد
مجاهدة النفس
كل امرئ نفسه عدوته * لكنه قل من يجاهدها
الشعر الخالد
الشعر يبقى بيننا كلما * خط على أثواب عرض نقي
المعالي والمساعي
وتكاليف وليس ال‍ * سجود الا في الطباع
وبعيدات المعالي * في بعيدات المساعي
أصناف الناس
الناس صفان فمسترفد * مالا ولاقيك بافضاله
فواحد ينفق من وجهه * وآخر ينفق من ماله
من معانيه البديعة في الشيب
وناجمة أنذرتني الغروب * فليت الغروب على الناجم
تضئ وباطنها مظلم * كما زخرفت حجة الظالم
رقة الأخلاق
ألقى على الشعر جزء من خلائقه * فرق في الطرس حتى كاد ينسكب
هجاء أخ بخيل عملها في أخيه
عبد الصمد
وأخ مسه نزولي بقرح * مثلما مسني من الجوع قرح
فابتداني بقول وهو من السكرة * بالهم طافح ليس يصحو
لم تغربت قلت قال رسول الله * والقول منه نصح ونجح
سافروا تغنموا فقال وقد قال * تمام الحديث صوموا تصحوا
وله:
أسماء قوم كالحروف دليلها * في غيرها ودليلها ما يحضر
من حبهم أن لا يجودوا أنهم * ودوا لو افتقروا لئلا يقدروا
وله:
وصناعتي عربية وكأنني * القي بأكثر ما صنعت الروما
فلمن أقول وما أقول وأين لي * فأسير أو لا أين لي فأقيما
وله:
كان ذم الشام مذ كنت شاني * فنهتني عنه دمشق الشام
بلد ساكنوه قد جعلوا الجنة * قبل الحساب دار مقام
برياض أوصافها أبد الدهر * تراها رياضة الافهام
لم تفضل بطيبها جنة الخلد * عليها بل فضلت بالدوام
العزلة
أنست بوحدتي حتى لو أني * رأيت الأنس لاستوحشت منه
ولم تدع التجارب لي صديقا * أميل إليه إلا ملت عنه
(٩٦)

لا صبر على جور
وكم آمر بالصبر لم ير لوعتي * وما صنعت نار الأسى بين أحشائي
ومن أين لي صبر وفي كل ساعة * أرى حسناتي في موازين أعدائي
وله:
وإنك والغادي إليك بحاجة * لسيان كل منكما يبتغي فضلا
ولكنه المغبون فيما يبيعه * يبيعك ما يبقى عليك بما يبلى
مراثيه
فن الرثاء في مقدمة فنون الشعر التي يجود فيها نظم الصوري ويرتفع
إلى الذروة من الاحسان وما ذلك إلا لغلبة عاطفة الحزن والألم على نفس
هذا الشاعر مدة حياته وله في أئمة أهل البيت مديحا ورثاء قصائد غراء هي
من أحسن ما يقال في هذا الباب على وجه الدهر.
من شعره:
من ذا يحدثني عني وينصحني * فان رضيت بما لم يرضه لاما
فلست أعرف ما آتي فاتركه * ما هام من كان يدري انه هاما
وله:
ما أنت من مضر الحمراء واليمن * ولا قوامك في الخطية اللدن
مللت فاستوص خيرا أنها كبد * وربما عطبت إن أنت لم تلن
وله من قصيدة في مدح العزيز الفاطمي خليفة مصر:
جفن على شوك القتادة مطبق * وجوى إلى حيث الكنانة يسبق
ويكون كالظن البعيد لعائدي * كمدي فما ينفك أو يتحقق
أ يطيق كتمان الصبابة من له * في كل جارحة لسان ينطق
وكأنما دم قلبه من عينه * نار يطير لها شرار محرق
وكان وجنته حنية عاكف * والدمع قنديل عليه معلق
الحق سرائرك التي أركبتها * خيل الدموع فإنها لا تلحق
وله:
وشادن غص فيه ريقي * قهقهه لما رأى شهيقي
أراد في ضحكه يريني * منابت الدر في العقيق
وأنفذ إليه مبارك الدولة أن يجيز أبياتا عملها على نهر ليطا بظاهر
صور (١) أولها:
لا يوم في الدنيا * كيومينا بشاطي ليطا
فقال:
والطل ينشر كل وقت * لؤلؤا فيها سقيطا
وجواهر الأنوار تطلع * من زبرجدها خليطا
فإذا رأيت الدر * أبصرت العقيق به منوطا
والطير تستبق النشيد * بها وتعتقب البسيطا
والبحر مجتسم يرى * من جودها البحر المحيطا
حال ترد إلى التصابي * كل كسلان نشيطا
وله وقد طرح عليه هذان البيتان ليجيزهما:
إذا ما ظمئت إلى ريقه * جعلت المدامة منه بديلا
وأين المدامة من ريقه * ولكن أعلل قلبا عليلا
فأجازهما بديها:
هي الشمس مسكنها في السماء * فعز الفؤاد عزاء جميلا
فلن تستطيع إليها الصعود * ولن تستطيع إليك النزولا
وأنشده بعض الأحداث:
حواجبه قوس وأجفانه نبل * وقامته الخطي والناظر النصل
تجيش في جيش من الحسن وارتدى * رداء جمال طرازه الحدق النجل
فأجازهما عبد المحسن فقال:
ولما خلت عيناني منه ليعده * تمنيت أن القلب مثلهما يخلو
فراودته في ذاك جهدي فزاد بي * غراما كأني كنت أنهاه أن يسلو
ومن شعره قوله:
آل النبي هم النبي وإنما * بالوحي فرق بينهم فتفرقوا
أبت الإمامة أن تليق بغيرهم * إن الرسالة بالأمانة أليق
وقوله من قصيدة:
فأيكم صار في فرشه * إذا القوم مهجته طالبونا
ومن شارك الطهو في طائر * وأنتم بهذا له شاهدونا
وقوله من قصيدة:
نفر من أمية نفر الاسلام * من بينهم نفور اباق
انفقوا في النفاق ما غصبوه * فاستقام النفاق بالانفاق
وهي دار الغرور قصر باللوم * فيها تطاول العشاق
وأراها لا تستقيم لذي الزهد * إذا المال مال بالأعناق
فلهذا أبناء أحمد أيناء * علي طرائد الآفاق
فقراء الحجاز بعد الغنى الأكبر * أسرى الشام قتلى العراق
عرفت فضلكم ملائكة الله * فدانت وقومكم في شقاق
يستحقون حقكم زعموا ذلك * سحقا لهم من استحقاق
واستثاروا السيوف فيكم فقمنا * نستثير الأقلام في الأوراق
وله يمدح أهل البيت صلوات الله عليهم:
أنكرت معرفتي لما حكم * حاكم الحي عليها لي بدم
فبدت من ناظريها نظرة * أدخلتها في دمي تحت التهم
وصبت بعد اجتناب صبوة * بدلت من قولها لا بنعم
وفقدت الوجد فيها والأسى * فتألمت لفقدات الألم
ما لعيني وفؤادي كلما * كتمت باح وإن باحت كتم
طال بي خلفهم فاتفقت * لي هموم في الرزايا وهمم
ورزايا المصطفى في أهله * فاتحات للرزايا وختم
يا بني الزهراء ما ذا اكتسبت * فيكم الأيام من عتب وذم
أي عهد يرتجى الحفظ له * بعد عهد الله فيكم والذمم
لا تسليت وأنوار لكم * غشيتها من بني حرب ظلم
ركبوا بحر ضلال سلموا * فيه والاسلام فيهم ما سلم

(١) هو النهر الذي عرف باسم الليطاني.
(٩٧)

ثم صارت سنة جارية * كل من أمكنه الظلم ظلم
وعجيب أن حقا بكم * قام في الناس وفيكم لم يقم
والولا فهو لمن كان على * قول عبد المحسن الصوري قسم
وأبيكم والذي وصى به * لأبيكم جدكم في يوم خم
لقد احتج على أمته * بالذي نالكم باقي الأمم
وله من قصيدة:
فهل ترك البين من ارتجيه * من الأولين والآخرينا
سوى حب آل نبي الهدى * فحبهم أمل الآملينا
هم عدتي لوفاتي هم * نجاتي هم الفوز للفائزينا
هم حجة الله في أرضه * وإن جحد الحجة الجاحدونا
هم الناطقون هم الصادقون * وأنتم بتكذيبهم كاذبونا
هم الوارثون علوم النبي * فما بالكم لهم وارثونا
حقدتم عليهم حقودا مضت * وأنتم بأسيافهم مسلمونا
جحدتم موالاة مولاكم * ويوم الغدير بها مؤمنونا
وأنتم بما قاله المصطفى * وما نص من فضله عارفونا
وأيكم كان بعد النبي * وصيا ومن كان فيكم أمينا
لحي الله قوما رأوا رشدكم * مبينا فضلوا ضلالا مبينا
وقال يهجو أبا التقي الصيداوي من أبيات:
وقارب في العلوم وكن تقيا * وإلا لم دعيت أبا التقي
ولا تظهر لمن تلقى ولاء * فعندهم علامات الولي
ومن شعره قوله:
عجبا لي وقد مررت على قبر * ك كيف اهتديت قصد الطريق
أ تراني نسيت عهدك يوما * صدقوا ما لميت من صديق
وقوله:
عندي حدائق شكر غرس أنعمكم * قد مسها عطش فليسق من غرسا
تداركوها وفي أغصانها رمق * فلن يعود اخضرار العود أن يبسا
وقوله:
يا غزالا صاد قلبي * بلحاظ فأصابا
بالذي ألهم تعذيبي * ثناياك العذابا
والذي ألبس خد * يك من الورد نقابا
والذي أودع في * فيك من الشهد شرابا
والذي صير حظي * منك هجرا واجتنابا
ما الذي قالته عيناك * لقلبي فأجابا
وله:
رقت فكادت لا ترى * في كأسها إلا التماسا
لولا الحباب لخالها * شرابها في الكاس كأسا
وقال يرثي الشيخ المفيد:
يا له طارقا من الحدثان * الحق ابن النعمان بالنعمان
برئت ذمة المنون من الإيمان * لما اعتدت على الايمان
واستحل الورى محارم دين ال‍ * له ويل الورى من الديان
وأرى الناس حيث حلوا من الأرض * وحيث انتحوا من الأوطان
يطلب المفيد بعدك والأسماء * تمضي فكيف تبقى المعاني
فجعة أصبحت تبلغ أهل الشام * صوت العويل من بغدان
وقال يرثيه أيضا:
تبارك من عم الأنام بفضله * وبالموت بين الخلق ساوى بعدله
مضى مستقلا بالعلوم محمد * وهيهات يأتينا الزمان بمثله
وله يمدح الأستاذ أبا الحيش بشارة من قصيدة:
فقلت تعرضني دونها * رخاء يبشرني عن بشارة
يبشرني بالغنى عن فتى * أجار على الدهر حين استجاره
أقام على خلق واحد * من الناس والجود طورا وتارة
فليس يزال الندى شانه * وليس تزال المعالي شعاره
وكم جحفل لجب قاده * إلى جحفل وغبار اثاره
أبا حسن رب شعر أطلت * وإن قيل لي اعتمدت اختصاره
إذا ما معانيه طالت فما * يضرك إن لا تطول العبارة
وقال يمدحه من قصيدة:
نوائب إن لم يقطع الله بينها * بجود من الأستاذ طال اتصالها
فيا غيث لا تعرض ليمناه بعد ما * بدا لك عند الجود والباس حالها
وخيل تلقاها بخيل فلم تزل * تقارب حتى ضاق عنها مجالها
وقد صبغت بيض الظبا بدم الطلا * فغير منها حسنها وصقالها
وقد ظللتها للغبار غمامة * يزيد على حر الشموس ظلالها
فلما انجلت كانت لأروع ماجد * يروع فترتاع الوغى ورجالها
أبا الحسن الآمال جاءت تقودني * أوامر منها يستخف اقتبالها
وما جسرت لولاك إن تضمن الغنى * ولكن على جدوى يديك اتكالها
مكارم إن فاز الكرام بفعلها * وتاهوا به عجبا ففيه كمالها
تكاد القوافي أن تنوء بحملها * ويظهر منها ضعفها وكلالها
ويظهر أن بشارة هذا من الأمراء، ويمكن أن يكون هو الذي تنسب
إليه بلاد بشارة في جبل عامل.
وقال وقد رأى غلاما جميلا بظاهر دمشق وكان قد طلع هلال جمادى
كنت أمشي بجانب النهر بين الباب والجسر ذاهبا أتمادى.
فبدا راكب فرفعت طرفي * فبدا فوقه هلال جمادى
فجعلت التكبير مثنى وكان * الناس حولي يكبرون فرادى
وقال في يوم الغدير:
ولاؤك خير ما تحت الضمير * وأنفس ما تمكن في الصدور
أبا حسن تبين غدر قوم * لعهد الله من عهد الغدير
وقد قام النبي بهم خطيبا * فدل المؤمنين على الأمير
أشار إليه فيه بكل معنى * بنوه على مخالفة المشير
فيا لك منه يوما جر قوما * إلى يوم عبوس قمطرير
لأمر سولته لهم نفوس * وغرتهم به دار الغرور
وقال يمدح رئيس الرؤساء أبا الحسين عمار بن محمد من وزراء
الدولة الفاطمية بمصر وقد تولى ديوان الإنشاء في أيام الحاكم بأمر الله:
أ رأيت ما صنع الغريب النائي * أيام أغرب في حديث بكائي
متساقط العبرات كالجمرات من * حولي فوا عجبي لجمر الماء
(٩٨)

وأظل اعترض الرياح تنسما * فأعالج الأهواء بالأهواء
ومهفهف صحت على طول الضنى * أجفانه فدواؤه من دائي
إن نختلط فقد اختلفنا فانظروا * فالخلف داعي فرقة الخلطاء
كم أحمل الهم الغريب لصاحب الحسن * الغريب بليت بالغرباء
لا ينكرن العاذلون تفردي * من دونه بالوجد والبرحاء
جعلت مراشفه تلوذ بلحظه * حتى حمى اللمياء بالنجلاء
نثلت كنانتها وقامت دونها * ترمي فم الداني وعين الرائي
لئن احتمت لقد احتمت من قبلها * بأبي الحسين رياسة الرؤساء
وأباحها لمن استقل نعيمها * فأباح منها أصعب الأشياء
قوموا انظروا ما قام يصنع فانظروا * ما يستحق به من الأسماء
لقد استقام على طريق في العلى * خشناء موحشة من الرفقاء
ربط المكارم في جوانب بيته * لحوادث يحدثن في العلياء
نهضت لتدبير الممالك نفسه * فاستنهضته لاثقل الأعباء
فقواطع الأسياف في أغمادها * محبوسة كقواطع الآراء
ألا تكن نلت الوزارة ناشئا * فلقد نشأت مدبر الوزراء
في نور مكرمة ونار عزيمة * يتناهبان غياهب الظلماء
وقال يمدح بها علي بن الحسين المغربي والد أبي القاسم الوزير:
أ ترى بثار أم بدين * علقت محاسنها بعيني
في لحظها وقوامها * ما في المهند والرديني
وبوجهها ماء الشبا * ب خليط نار الوجنتين
بكرت علي وقال اختر * خصلة من خصلتين
أما الصدود أو الفرا * ق فليس عندي غير ذين
فأجبتها ومدامعي * تنهل مثل المأزمين
لا تفعلي إن حان صدك * أو فراقك حان حيني
فكانما قلت انهضي * فمضت مسارعة لبيني
ثم استقلت أين حلت * عيسها ورمت باين
ونوائب أظهرت أيا * مي إلي بصورتين
سودنها وأطلنها * فرأيت يوما ليلتين
ومنها:
هل بعد ذلك من * يعرفني النضار من اللجين
فلقد جهلتهما لبعد * العهد بينهما وبيني
متكسبا بالشعر يا * بئس الصناعة في اليدين
كانت كذلك قبل أن * يأتي علي بن الحسين
فاليوم حال الشعر * حالية كحال الشعرتين
ديوانه
يتضمن ديوانه أكثر من خمسة آلاف بيت موزعة على أكثر من ٥١٣
مقطوعة يتراوح عدد أبيات الواحدة منها بين بيتين اثنين وخمسة وثلاثين بيتا
من الشعر. وقد أدرجت هذه المقطوعات في الديوان حسب الترتيب
الأبجدي لقوافيها التي بلغت العشرين.
وفي مكتبة المجمع العلمي العربي بدمشق يوجد نسخة من الديوان،
كما توجد مخطوطات أخرى في لبنان والعراق، ولم يطبع.
وقد جاء ديوانه صورة لثقافة عصره الدينية وغير الدينية من منطق
وفلسفة، كما أبرز هذا الديوان أن للصوري نهجا أدبيا خاصا به، ميزه عن
معاصريه، وقلده به شعراء الجيل الذي خلفه. وقد جاء حافلا بأسماء من
قبضوا على زمام الإدارة السياسية الفاطمية في مصر والشام كوزراء
الفاطميين وسفرائهم وقادة جيوشهم، إلى جانب طائفة حكام بلاد الشام
من العنصر التركي.
كما يمكن أن يكون هذا الديوان دليل الألقاب والرتب الإدارية
والعسكرية في القرن الرابع، كالأستاذ وقاضي القضاة ورئيس الرؤساء
وأبو الجيش ووزير الوزراء.
هذا مع ما يحفل به الديوان من أسماء اعلام الفقه من معاصريه من
الذين صادقهم، وخصهم بقصائد من ديوانه مادحا في حياتهم، أو راثيا
بعد مماتهم مثل فقيه الشام أحمد بن عطاء الروزباري والفقيه الحسين بن أبي
كامل الأطرابلسي والشاعر ابن وكيع التنيسي وأبي العلاء المعري والشيخ
المفيد وغيرهم من شعراء عصره.
وهكذا كان ديوان عبد المحسن الصوري الذي ما زال مخطوطا تعبيرا
عن ثقافة قرن كامل، بل تعبيرا عن ثقافة عصر، عن الثقافة الدينية لهذا
العصر، وعن الحالة الاجتماعية والسياسية فيه، ملقيا أضواء جديدة
وكاشفة على أوضاع مصر والشام في ذلك العصر. كما كان تعبيرا عن نهج
أدبي اختص به فذهب في التاريخ خطة للشعراء. وبالفعل فقد عاش
الصوري عصره كاملا، فجاء ديوانه يغطي ثقافة هذا العصر.
منزلته
كان عبد المحسن الصوري مفضلا من قبل كثير من شعراء عصره
وغير عصره على كثير من معاصريه وممن جاء بعده. إلا أن أبا العلاء
المعري كان يعيبه بقصر النفس، وكان الشاعر أبو الفتيان بن جيوس يدافع
عن الصوري أمام أبي العلاء منشدا أبياتا لعبد المحسن، فيقول المعري:
هذه لقصيرك فيرد ابن جيوس: هو أشعر من طويلك، عانيا المتنبي.
الشيخ عبد محمد بن عبد الجليل ابن الحاج عبد محمد.
توفي سنة ١١٢٨.
في ذيل إجازة السيد عبد الله بن نور الدين بن نعمة الله الجزائري
كان فاضلا ذكيا منشئا أديبا حسن الخط ذا رأي رزين وفكر متين إلا أنه كان
كثير التعطيل يسكن الحويزة تارة والدورق أخرى والبنادر مرة وتستر أخرى
وكان أكثر إقامته أخيرا في بلادنا هو وابن عمه القاضي عبد الحسن بن عبد
الغفار وسافر أخيرا إلى أصبهان وتوفي هناك.
السيد عبد المطلب ابن السيد جواد مرتضى (١).
ولد في قرية عيثا من جبل عامل سنة ١٢٩٩ وفيها توفي سنة ١٣٦٢
فاضل شاعر درس في عيثا على شيوخ القرية وعلى والده، وله شعر منه قوله
منتصرا لبلدة بنت جبيل، حين قال الشاعر عبد الحسين عبد الله:
وعام بنت جبيل رحت بائعه بيوم تبنين هل في حيكم شاري

(١) مما استدركناه على مسودات الكتاب " ح ".
(٩٩)

فاجابه المترجم بهذه القصيدة:
عبد الحسين وقيتم كيد أشرار * ولا لقيتم سوى عز وايسار
آنست من روحكم ما ليس أعرفه * على الحقيقة من أرواح أحرار
لما خفضتم حقوق الجار وابتدرت * منك الرسائل في نظم وأشعار
وعام بنت جبيل رحت بائعه * بيوم تبنين أن تلق له شاري
مهلا ربيب المعالي وابن بجدتها * فلا يقاس الحصى بالكوكب الجاري
ولا يقال العصا في كل آونة * خير لدى الروع من أشفار بتار
بنت الجبيل غدت في أرض عاملة * كالعين للوجه أو كالبدر للساري
أو أنها كعروس وسط جلوتها * تميس ما بين إجلال وإكبار
أو أنها في رياض راق ناظرها * كوردة الفل تزهو بين أزهار
وأهلها أن نزلت اليوم ساحتهم * نزلت ما بين أبرار وأخيار
لم يجعلوا غير كسب الحمد متجرا * ولا استكانوا إلى ذل وإصغار
لهم نفوس لنيل الذخر عاشقة * عطفا على الضيف أو حنوا على الجار
فان أقام ففي المعروف قاصدهم * وأن ترحل في وفر وايسار
في ربعهم شعراء لست تنكرهم * تنسيك أقوالهم أقوال بشار
فما بديع زمان في كتابته * وابن المقفع الأعشر معشار
وربع تبنين اني لست اهجره * وذاك ربعي وفيه نيط إزاري
وأهله في ثنايا المجد قد صعدوا * ما منهم غير سامي الذكر مغوار
لكن الحق لا يخفي على أحد * ولا يعادل لون الصبح بالقار
فسل بتبنين عن بياع معرفة * إن كنت تلقى ولا بياع سمار
فكل ما جاء في تبنين من سلع * يوما على الضبط لم يحسب بدينار
فما تخطى إلى التفضيل غيركم * يوما ولا جال في سبق ومضمار
فأسلم ودم يا ابن عبد الله في سعة * واحكم بما شئت وانشر حر أفكاري
عليك مني سلام الله ما نسمت * بجانب المرج منه نسمة الذاري
وقال في رثاء السيد عبد الحسين محمود الأمين:
شيعوا الشمس ومالوا بالضحى * فانحنوا طرا عليها ناحبين
وانثنوا بين فؤاد ثائر * يبعث الشكوى لرب العالمين
وشجا يبعث في الحلق شجا * وعيون تذرف الدمع السخين
موقف يستنزف القلب وما * لوعة الثكلى وآهات الحزين
انا من عهد الصبا كنت فتى * صادق الاخلاص مع ابن الأمين
أنا من عهد الصبا كنت فتى * اصطفيه دون كل العالمين
وبه في كل خطب نازل * وعلى مر الليالي أستعين
فاستباح البين منه حرما * كان في عليائه الحصن الحصين
ما على الأيام لو تسعدني * بكريم الأصل وضاح الجبين
ما على الأيام لو تسعدني * بفتى العلياء والحبل المتين
ما على الأيام لو تمهلني * بسنا طلعته حينا وحين
عظموه أنه من معشر * هذبوا الدنيا بعلم وبدين
عظموه أنه من معشر * خلدوا الذكر على مر السنين
شيعوا إذ شيعوه بطلا * هو من نسل أمير المؤمنين
دفنوا الرأي الذي كنا به * نرفع الشك عن الحق اليقين
دفنوا باس علي في الوغى * هدى السجاد زين العابدين
دفنوا آيات موسى كلها * واليد البيضا وتابوت السكين
يا بني الزهراء يا من أنتم * أهل دين الله والبيت الأمين
ليس هذا أول في رزئكم * فاذكروا عهد الجدود السالفين
إن رزئتم في علي وابنه * فالرزايا من شعار الصالحين فاصبروا
فالصبر أنتم أهله * وسيوفي الله أجر الصابرين
ظعن الراحل والصبر معا * ويح نفسي من فراق الظاعنين
هو مولى من علي نسله * وعلي منه في الحق المبين
النقيب عميد الدين أبو طالب عبد المطلب ابن النقيب شمس الدين
علي بن المختار العلوي الحسيني.
بنو المختار سادة أجلاء كانت فيهم نقابة العراق ولهم جاه عظيم
ومكانة عالية والمترجم كان معاصرا للعلامة الحلي وباسمه صنف الشيخ
محمد بن علي الجرجاني أحد تلاميذ العلامة كتابه غاية البادي في شرح
المبادي للعلامة في الأصول.
قال في أوله أنه شرح الكتاب المذكور خدمة لمن إذا ذكرت المعاني فهو قطبها
وفلكها أو العدالة فهو أبو ذرها بل ملكها أو الفضائل وجمعها فهو مكنون
جوهرها ودرها أو الأخلاق والشيم فهو حالب درها أو الفواضل فهو أهلها
وخاتمها أو النسب فهو للعترة كاد أن يكون قائمها وهو المولى المعظم
والمخدوم الأعظم سيد النقباء في الآفاق المنعم المتفضل بالاطلاق صاحب
الفضل والفضائل ومكارم الأخلاق عميد الملة والدين شمس الاسلام
والمسلمين أبو طالب عبد المطلب ابن السعيد النقيب شمس الملة والدين علي
ابن المختار العلوي الحسيني متع الله المسلمين بدوام بقائه وامتداد علائه
بمحمد وأصفيائه اه.
السيد عميد الدين عبد المطلب بن محمد بن علي الأعرجي الحسيني
ابن أخت العلامة الحلي المعروف بالسيد العميدي.
ولد سنة ٦٨١ وتوفي سنة ٧٥٤.
له رسالة في المواريث سماها المسألة النافعة للمباحث الجامعة لأقسام
الوارث مطبوعة وقد قرضها خاله العلامة فكتب عليها ما صورته: أحسنت
أيها الولد العزيز العضد النسيب المعظم الفقيه المدقق عميد الملة والدين
جعلت فداك فيما أودعته في هذه الأوراق الدالة على التميز عن الاقران
والتبريز على أكثر أشخاص نوع الإنسان فلقد أتيت فيها بالمعاني اللطيفة
والمسائل الشريفة أحسن الله إليك وأفاض نعمه عليك ولا استبعاد في ذلك
منك وأنت من نسل شجرة النبوة وفقك الله لكل خير ودفع عنك كل ضير
بمنه وكرمه.
وقال في معجم الآداب:
هو من أولاد السادة الفقهاء الفضلاء كتب عن أبيه وجده وعميد
الدين شاب فاضل عالم اشتغل بالفقه على خاله مولانا وشيخنا العلامة جمال
الدين الحسن بن المطهر الحلي وكتب للشيخ العدل الأمين جلال الدين أبي
هاشم محمد ابن شيخنا شمس الدين أبي المناقب الهاشمي الحارثي ولولده
شمس الدين أبي المناقب وأخته ست المشايخ جميع رواياته وذكر من تصانيفه
كتاب المباحث العلمية في القواعد المنطقية وكتاب جل الفوائد في حل
مشكلات القواعد في الفقه وكتاب نهاية المأمول في شرح تهذيب الوصول إلى
علم الأصول في أصول الفقه وغاية السؤل في شرح مبادئ الوصول في
أصول الفقه.
(١٠٠)

عز الدين أبو الفضل عبد المطلب بن الحسين بن محمد بن علي
الحسيني الأشتري النقيب بنصيبين.
قدم بغداد وسمع منه شيخنا شمس الدين أبو المناقب محمد بن أحمد
الهاشمي الحارثي الكوفي بمنزله بالجانب الغربي بقصر عيسى ليلة الجمعة
عاشر جمادى الآخرة سنة ٦٧٢ عن شرف الدين إسماعيل بن أبي سعيد بن
علي بن المنصور بن محمد بن الحسين الآمدي عن علي بن عبد الله بن
سلامة الشافعي يعرف بابن الحميري عن الحافظ أبي طاهر السلفي (١).
عميد الدين أبو الحارث عبد المطلب بن شمس الدين النقيب علي ابن أبي
علي النقيب الحسن بن المختار العلوي الحسني الكوفي النقيب الرئيس.
قال في معجم الآداب:
مختار آل المختار الطاهرين النقباء الأطهار وهو من محاسن الدنيا في
علو الهمة ووفور الحشمة والدين المبين والعقل الرصين والنفس الطاهرة
والمحاسن الظاهرة والمآثر الباهرة والمفاخر الزاهرة والأخلاق المهذبة والاعراق
الطاهرة الطيبة وكان لأفاضل بغداد عليه رسوم من الإنعام يوصلها إليهم في
كل عام ولما وصلت من مراغة أسهم لي قسطا وافرا وكان أديبا فصيح البيان
مليح الخط له اطلاع على كتب الأنساب ومشاركة في جميع العلوم والآداب
صنف لأجله شيخنا جمال الدين أبو الفضل بن مهنا كتاب الدوحة المطلبية
طالعتها في داره المعمورة وكان ينعم إذا ورد بغداد ويتوجه إلى داري ويطالع
ما جمعته ووضعته وتذوق في التاريخ وتوفي وانا يومئذ بأذربايجان سنة ٧٠٧.
عبد المطلب الأمين (٢)
ولد في دمشق سنة ١٣٣٣ وتوفي سنة ١٣٩٤ في بيروت ودفن في بلدة
شقرا في جبل عامل لبنان.
الولد الأصغر لمؤلف الكتاب عاش بعده واحدا وعشرين سنة.
أكمل دراسته الابتدائية والثانوية والجامعية في دمشق حيث تخرج من كلية
الحقوق. وفي عام تخرجه عين مدرسا للغة العربية في دار المعلمين الريفية
ببغداد، وفي أول قيام عهد الاستقلال في سورية في أواخر الحرب العالمية
الثانية، وإنشاء وزارة الخارجية السورية كان أحد اثنين أسسا تلك الوزارة
وكانا أول موظفين فيها ثم عين قائما باعمال السفارة السورية في موسكو وله
هناك مواقف مجيدة، أهمها أنه انعقد خلال وجوده هناك مؤتمر لوزراء
الخارجية الأربعة الكبار في اعقاب الحرب العالمية الثانية لتصفية الأمور بعد
انتهاء الحرب. وكانت نية الفرنسيين والإنكليز العمل على الاحتفاظ بموقع
ممتاز لفرنسا في سورية ولبنان. فاستطاع بلباقته وحسن تصرفه أن ينتزع
السر من المستر بيفن وزير الخارجية البريطانية آنذاك وأبرق به في الحال
إلى سعد الله الجابري رئيس الوزارة السورية.
قال الأستاذ زهير مارديني يروي القصة: كان الجابري رئيسا
للوزراء ووزيرا للخارجية وصادف أن عقدت اتفاقية بيفن بيدو بغفلة
عن الحكومتين السورية واللبنانية، ولم يكن سفيرا لحكومتين في كل من
باريس ولندن يعرفان أي شئ عن هذه الاتفاقية... وهبت المعارضة في
دمشق تطالب حكومة الجابري بالاستقالة... وانتظر الجابري في وزارة
الخارجية على أمل أن يرده نبا ما ينقذه من ورطته، وحين يئس ذهب إلى
المجلس النيابي وقد صمم على الاستقالة...
وبينما كان الجابري يستعد لدخول قاعة المجلس أخبر بان برقية
وصلت من موسكو تتعلق باجتماع وزراء خارجية الدول الكبرى، وإن
مرسلها هو رئيس البعثة عبد المطلب الأمين...
وأجل فارس الخوري الجلسة نصف ساعة ريثما يأتي حل رموز
البرقية... وحين اجتمع المجلس وقف سعد الله الجابري وأعلن نصوص
اتفاق بيفن بيدو، ثم أعلن رفض سورية لهذا الاتفاق. وقامت
البلاد وقعدت لتلك الأنباء وكان من جراء ذلك أن سقط ما اتفق عليه
المستعمرون. ومن طرائفه في موسكو الحادثة التالية، وهي كما روتها جريدة
النهار كان عبد المطلب أول قائم بالأعمال لسوريا في موسكو غداة
الاستقلال فقدم أوراق اعتماده إلى ستالين. وبعد ما طوي الخطاب
التقليدي، قال مفاخرا: وليتأكد لك يا سيدي أن ليس لسوريا أية مطامع
في الاتحاد السوفيتي فخرج الزعيم السوفيتي عن طوره وكاد يقع من فرط
الضحك بل منذ ذلك الحين أصبح عبد المطلب الأمين من الأقرب إلى
ستالين انتهى.
ومن موسكو نقل إلى السفارة السورية في بغداد ثم إلى الإدارة
المركزية في دمشق. ولم يلبث أن قام انقلاب حسني الزعيم، فوقف عبد
المطلب مقاوما له منذ الساعة الأولى ونظم قصيدته في حسني الزعيم المنشورة
مع هذه الترجمة ففصل من وزارة الخارجية.
ثم انتقل إلى لبنان وبعد فترة عين قاضيا لمحكمة أميون فمارس
القضاء بضع سنين ثم تركه وعمل محاميا في محاكم الكويت ثم آثر العودة إلى
لبنان حيث انصرف إلى الكتابة والترجمة حتى وفاته.
لم يكن يعنى بجمع شعره وحتى ولا بنشره لذلك ضاع معظمه،
وأمكن بعد وفاته جمع بعض قصائده ونشرت في مجموع صغير باسم شعر
عبد المطلب الأمين.
قال:
يا غريب الديار اني غريب * صمت الكون فالفناء المجيب
منطق يسطع الحياة ويرزي * بالمفاهيم... فالعليل الطبيب
غربتي، يا غريب، موت كئيب * والردئ كالحياة نتن وطيب
ودروب الحياة مهما استطالت * فهي في خطونا الملح، دروب
وهي في سيرنا الوئيد أمان * تارة ترتوي وطورا تذوب
ودروب الحياة شوك وورد * والذي يسبق القطاف المصيب
الورود الشذى ونفح الأماني * والتهاويل والصبا المجلوب
الورود العنقاء تجثم قسرا * وشذاها المحموم طيف غريب
الورود البلهاء عطرا وشوكا * وشذاها على الأنوف مريب
ما شممنا من الحياة عطورا * لا ولا خالج الأنوف طيوب
نتن العيش أصبح اليوم عطرا * وصدا الجيفة اليوم طيب

(١) معجم الآداب.
(٢) مما استدركناه على مسودات الكتاب.
(١٠١)

وقال:
وحدتي هذه العروس الغلامة * مهرها الصمت والشجى والمدامه
عسل شهرها وكل شهوري * من جنى الياس والضنا والندامه
في فراشي تضمني وتغني * وتشد الصدى بحبل السلامة
وحدتي الجبن؟ لا، وعين المنايا * موكب المجد في حماها قلامه
وحدتي وحدة النبي بحراء * رسالة مشبوبة وتهامه
أنا من جيلي المضيع صوت * أنا من تعتع الضياع كلامه
وقال:
عودي ولا تصغي لمر شكاتي * فلقد حبست على الهوى زفراتي
ردي علي هواك مجنون الرؤى * بهج الكؤوس معطر السكرات
تزهو مطارفه بوشي غوايتي * وتضوع شعلته بنور حياتي
شفتي وكأسك ظامئان فهللي * للماجنين: الخمر والقبلات
وتخيري لحن الخلود تصوغه * شفة الشباب وأنمل الشهوات
يمضي العفاف ولم تبلغك المنى * أحلامه ذهبية الغفوات
أ تعود أحلام الصبا مقهورة * عن معقل الطهر المنيع العاتي
ما لي وللماضي تثير شجونه * هذي الشفاه الخرس بالبسمات
حسبي طوافا في دوارس عهده * متعثرا ببلاهتي وأناتي
وقال:
صمت الظلام فكيف ينطق نير * العمق يصمت والغباء يثرثر
والنور أين النور إن ساد العمى؟ * جنح الظلام أعف منه وأطهر
ما لوثته دمامة وتبذل * ظل الحجاب عليه يسدل يستر
أهوى العمى وأحبه في ناظري * فالقلب في ظل العماية أبصر
العين تعجز أن تحس جمالها * لولا صدى المرأة يعكس يبهر
والنهد في عين الأنامل جمرة * وعلى الشفاه تصوف وتحسر
ومع العيون إذا سما رمانة * تختال في أخواتها تتبختر
وقال:
كاسي يقصر عمري * وما حفلت بعمر
فالعمر ساحة لعب * كراتنا فيه تجري
أهدافها أن تسجل * فذاك وهم بنصر
وهم المشوق المعنى * والمستجير بعمرو
العمر عرض وطول * فهل يقاس بشبر؟
وقال:
ما ذا أقول لماضي الذي ذهبا * ما ذا أقول لآتي الذي هربا
ما ذا أقول ليومي بعد ما لمست * شفاهه بدل الايقونة اللهبا
وكيف ألقي صليبي باهتا خدرا * وقد صلبت باوهام الذي صلبا
ما ذا أقول لأشباحي وأخيلتي * ما ذا أقول لنبع الشعر إن نضبا
ما ذا أقول لهذا الحب وا لهفي * هل نلتقي؟ يا لعهر الحب إن كذبا
انا التقينا على أشفار هاوية * ضل الضلال فلم يغدق ولا سلبا
ما ذا أقول لماضي الذي سلبا * ما ذا أقول ليومي بعد أن شحبا
سأقول... لا أدري لا يهموا * سأقول أني دمعكم سكبا
وقال:
أ أخي عمري كالسهام اجرها * من ساحق الأعماق في الجرح الظمي
دفق الجراح سني ان عددتها * ودقائقي القطرات تقطر من دمي
نزف الشباب وقبله نزف الحجى * وبقيت كالشيخ الكسيح الأبكم
اجتر آهاتي واعصر مهجتي * اقتات من جود السراب المعدم
والشعر حتى الشعر غيض رفده * وتضاءلت ومضاته في مبسمي
لم يبق لي إلا الكؤوس نواصرا * وبلاسما في مهجتي في اعظمي
في ليلي القزم الطويل ملالة * وتفاهة، ونهاري المتجهم
في موكب الأيام يعبر مثلما * مر الذباب على جفون الضيغم
يؤذي ويزعج أو يحرك هاجسا * من تافه متبذل مستسلم
ألم التفاهة عفته ومللته * وحننت للألم العميق الملهم
وتلومني ولانت موئل غربتي * وملاذ تحناني وجهد توسمي
وتلومني ولانت في قلبي صدى * للباقيات الصالحات بمعظمي
ولانت بعد أبي عبير صبابتي * اكسير تحناني وكل تتيمي
الحب عمار القلوب ورفدها * ودليلها الهادي بليل معتم
لم ينفتح منه بقلبي وامض * الا عليك فأنت من قلبي فمي
وأنا الذي شرعت قلبي للهوى * فتجاهلت بله الرياح تعشمي
كان التزمت بيننا أسطورة * يا ليتها محيت بحسن تفهم
وقال:
تضاءل العمر وانهارت مهابته * حتى استحال تساجيعا وأوزانا
فاليوم كالأمس إغفاء على شجن * ويقظة لا تعير العمر آذانا
وبعثر الغد يأسا أو محاولة * للمستحيل تحيل الكفر ايمانا
وتاهت السفن البلهاء في فلك * من التناقض ألهانا وأعمانا
فلا الحياة ورود بعده صدر * ولا النهاية تبرير لدنيانا
وقيد العقل لا رفد الخيال له * ظئر ولا عبث المجهول واسانا
ولا التبذل أو أخذ الحياة على * علاتها وهب الضليل ربانا
نحن الذين يئسنا هل لنا أمل * في أن نعود عبابيدا وأوثانا
فيرجع الحجر المعبود متكأ * لعجزنا وركوع الياس منجانا
أم اننا في تمادينا وعزتنا * لا نرتضي في غمار الياس إذعانا
ولو خضعنا ولو غالى تمردنا * ففي الحياة عزوف عن قضايانا
بئست حياة نسيغ المر من فمها * ولا تحس حلاء من ثنايانا
سل الحياة أ لما نعطها دمنا * ورفدنا وتعاطينا منايانا
تلك الكؤوس شربناها على مضض * ومذ فرغن سلون الكاس والحانا
وقال:
ملت الحانة من سمارها * وتجافي الكاس عن معموده
وانطوى الليل على أشباحه * يصطفيها من رؤى عربيده
لم يبق السهد من اسراره * نعمة تغري على تسهيده
تشتكي الأطياف جهدا وظما * واكتئابا في فيافي بيده
تسقط الألحان صرعى صمته * كلما تمعن في تبدبده
ثائر في قيده مستهتر * بالذي أغرى على تقييده
أخرس يومي فما تفهمه * انما تجزع من تهديده
وهو لو أفصح عن اشجانه * لم يدع شاد على تغريده
ولصاع الليل لحنا كامدا * يوحش الدنيا صدى ترديده
فإذا الغيلان من سماره * وإذا الجن نشاوى غيده
موكب لليل يحدوه اللظى * تعجز الأوهام عن تقليده
وقال:
(١٠٢)

صبي فلن يصحو الفتى المخمور * ما شع في الدنيا طلا وثغور
وهت الحياة فما يحرك حسها * وهج صلاه غرامك المأجور
فاستنجدي بالكاس على حميمه * يطغى على أعصابه فتثور
واسقيه حتى ما يحس كرامة * لشبابه يندى بها الماخور
واسقيه حتى ما تظل ماثم * للشاربين ولا يظل فجور
واسقيه حتى ترتوي بدمائه * احشاؤك الظمأى خنى، وتفور
واسقيه حتى يستفيق خياله * ويعود يخفق جنحه المصهور
خفقان أجنحة الحبيس يهيجه * مرأى البواشق تعتلي وتطير
هي ساعة فاستنز في متع الخنى * فيها ويطوى عارها الممهور
وإذا فتاك خيالة من شهوة * تهذي، وظل للشجون يسير
يا دمية الماخور أين عن الهوى * هذا المجون الفاتر الممكور
متبذل اللذات مشلول المنى * سمج الدعابة بالونى مغمور
قبل تزق ولا لهيب ولا لظى * تطفو به حمى الهوى وتدور
ومحاسن كلف الذبول بطيها * وئد الشباب بها وغاب النور
لو لم تكن حواء أكرم منزلا * ما قلت إلا جيفة ونسور
أين الشفاه عن اللذاذات العلى * أم أين عن هرج الخفوق صدور
أين العيون يشع من احداقها * للنشوة الكبرى سنى وسعير
أين الخيالات العذاب يلفها * لليل منضود الوساد وثير
تتناقل الهمسات مسروق الخطى * فيه ويعذب جرسها المسحور
وتطوف النعمى فيلقف حالم * من فيضها ومسهد وسمير
اواه ما في ليلك الدامي سوى * حرق يداعبها الأسى ويثير
وقال:
إلى أين يمضي بنا ركبنا * عنيفا لجوجا على عمرنا
وحتام يعصف فينا القضاء * وتودي الرياح بأسمالنا
أ كنا من الكون ألعوبة * وهل أبدع الكون إلا لنا
ومن أبدع الكون؟ حاشا الاله * أيهوي إلى لهو أطفالنا
وحتى الصغار إذا ما لهوا * ففي لهوهم دفقات المنى
ونحن الكبار بآمالهم * صغار بخيبات آمالنا
صغار لأنا بعرف الحياة * نفلسف أسفاف اوهامنا
ونزعم انا كبار النفوس * ولكن واقعنا خاننا
ومن ساقني للنفاق الدني * على النفس مشكلتي أم أنا؟
ومنذا يجيب على سؤلنا * أ صمت المقادير أم صمتنا؟
مللنا انتظار الجواب المريب * فكنا الجواب على سؤلنا
وقال:
نجمة الصبح يا حطام الليالي * ورماد اللفافة السوداء
خلفتك الظلماء عقبا ذليلا * تحت اقدام كبرياء الضياء
أنت للنائمين إشراق صبح * ولعيني هجعة الظلماء
خالك الناس كالبداية عنفا * واتقادا في قبة الجوزاء
وأرى فيك من نهاية عمري * ذلة الأوب وانكسار العزاء
جرني الكاس للحياة فادمى * قدمي البكر بالسرى والعياء
انا لولاه مقعد في سرابي * وأسير لوحدتي وانزوائي
لامني الناس في رفاقة كاسي * يحرمون الأعمى عصا الاهتداء
ويرومون ان أغني وأشدو * في زوايا مقابر الاحياء
أنت نايي يا كأس والنغم الحلو * عطاء من كفك الخرساء
أنت حطمتني وسقت حياتي * في دياجير هذه الظلماء
انا لولاك جذوة من طموح * لم تسعها مدارج العلياء
ثم ما ذا، أخون فيك صديقي * وسميري وسلوتي وعزائي
لا وعينيك أيها السم فافتك * بالسقيم المنهوك من أحشائي
أعوزتني صداقة الناس فاملأ * بحطام الأوهام فقر فضائي
وقال:
ضلال العمى وضلال البصر * وحمى الملال وحمى السفر
ودف ء الضياع ودف ء السكون * وجود التفاهة في المنتظر
وشح المعين وبذل العفاء * وما في المنى من قصور النظر
وما زخرف الغيب من موحلات * وما يعثر الياس من مدخر
وما كوم العجز من شامخات * وما خرب الحسن في ما عمر
وما دنس الطهر من طاهرات * وما صوف العهر فيمن عهر
بغاء العفاف صراخ السكون * جفاف العطاء ومحل المطر
وهذا العواء الرتيب النشاز * وهذا العزوف الشريد الفكر
وهذا المتاه السديد الدروب * وهذا الفراع البليغ العبر
وما بين هذا وهذا وذا * تمادى المتاه وضاع العمر
وقال:
يا أمس، يا غد، يا يومي! بأيكم * أنمي وارثي واستوحي وابتسم
أنتم حياتي تسامت في تناقضها * فما تبذل الا حين تنجحم
يومي و أمسي، واخشى أن أقول غدي * غرقت في الألم الساجي وما علموا
كأنني لم أعش أمسي ولا عبقت * بين الشفاه عطور سمحة ودم
كان تلك الدنى أشباح واهمة * لا أكؤس لمعت فيها ولا نغم
تباله الزمن الواهي فمر بها * مر الكرام: عيون اوصدت وفم
واليوم؟ يا لشقائي اليوم لا ذكر * ظئر الربيع ولا شاء ولا نعم
أما الغد المتناهي في غباوته * فما تلفت إلا حين يتهم
وقال:
يا حلمي المخمور من روعك؟ * ويا ظلام الصبح من أطلعك؟
حتى على الأحلام ران الأسى * يا مصرع الأحلام ما أروعك!
يا كوكبي الهادي ويا جنتي * ما أظما الدنيا وما أترعك!
مات الهوى والشوق في مهجتي * وماتت الآهات الا معك
وقال:
تناهى النداء إلى مسمعي * فما هدهد الحلم في مضجعي
وما هز حتى شهي السهاد * ثقيل الظلال على مهجعي
نداء البعيد بعيد الصدى * غريب الرنين على مسمعي
تجاهله القلب في وحشة * وما هز من حوله اضلعي
نداء القصي القريب البعيد * تزيفه حلة المدعي
نداء الدعي بأوهامه * بان على العهد ذاك الدعي
وقال:
في أي صقع استقر واسكن * ولأي ظل أستريح وأركن
ألف السرى قدمي فما يحلو له * إلا التشرد فهو أشرس أرعن
من كل أرض في نعالي غبرة * ولكل ريح في ثيابي مسكن
(١٠٣)

الليل بيدائي على ظلمائه * تاهت خطاي وضاع ما أتبين
اهوى الظلام وعمقه وسكونه * ورؤاه لا تزهو ولا تتلون
سوداء حالكة ولو ناجيتها * لفتنت منها بالذي لا يفتن
حجبت مفاتنها فلم يطلع على * دنيا الورى الا سراب أدكن
حفت به الأشباح ناشزة المنى * مجنونة صخابة لا تذعن
يا سائلي... حلم الشريد تشرد * ومصير رحلته ضلال بين
طال السرى فيه وذي قدمي وهت * وتلكا الجرح القديم المزمن
سالت دماء الجرح تهدي تائها * ضل الطريق وسائرا يتبين
بالأمس كنت إذا ألح على دمي * نزفي وناء به الجريح المثخن
تأسوا جراحاتي يد مجهولة * ليست يدا تهب الأذى وتمنن
قد كان دربي في شعاب غضة * يندى به الحجر المطيع اللين
قد كان في هذا الظلام تعلتي * وسرابي العذب الذي لا ياسن
قد طال للوادي الخصيب تطلعي * وحنين تطوافي الطويل الموهن
لي في حنايا الواد أهل ضيعوا * أثري وفي احشائه لي موطن
وقال:
ذكراك في ظمأي وفي بيدائي * كالظل يجذبه خيال الماء
فهما غريبا الدار في الصحراء * صبرا على السراء والضراء
يتحديان لوافح الرمضاء * ويداعبان حواشي الإمساء
ذكراك في عنتي وفي بلوائي * مرت أناملها على أحشائي
تستلني من غمرة الأدواء * وتعيدني لعوالم الاحياء
وتصوع من صبري ومن إعيائي * أسطورة الآمال والأهواء
وبموكب الدنيا على ابطاء * جرجرت خطوي واستعدت مضائي
ومضيت في درب الحياة النائي * متلفتا متلهفا لورائي
قدامي الدنيا وثم ازائي * من طيفك المشحون بالاصداء
شبح هو الدنيا على استعلاء * أهواك في الأوحال والعلياء
ما أنت؟ ماض كلما ذكر الهوى * تطوي مواكبه السنين على الطوى
فتشل ما فعل الزمان والنوى * وتطيح بالامل الممض وبالجوى
أو تذكرين الليل كيف مشى بنا * للخيمة السوداء كيف أظلنا
أو تذكرين وقد بنى من شوقنا * وغرامنا المنهوم شامخ عشنا
أو تذكرين الساعدين وعنفها قد لفنا * ما أنت؟ ذبت كما أذوب به أنا
لهفاتنا لحن الحياة وصمتنا * أوتارها قد شلها صدأ الونا
أو تذكرين الحب يهدم ما بنا * ويفيض من عينيك إشعاع المنى
سمت السعادة عن مفاهيم المنى * فنشدتها في الموت سعدا هينا
أو تذكرين مذ انتشينا والدنى * تسعى مراشفها على اقدامنا
تقتات من دمنا وتسرق عطرنا * وتلم اعقاب السعادة حولنا
ولوافح الحمى بلاهب ثغرنا * وثمالة المهدور من كأساتنا
لتصوع منه للحياة مفاتنا؟
وقال:
محمومة الشفتين لو نطق الدم * لم يعد ما تهذي به وتتمتم
حلي البيان بها ونمنم حسنها * ولطالما زان البيان منمنم
آمنت بالظما الذي لا يرتوي * وفتنت بالثغر الذي لا يبسم
هو في لماك لبانة منهومة * وعلى شفاهك شهوة تتكلم
مرت بها القبل الظماء كليلة * لم ترتعش شفة ولم يخفق فم
ظلت تحن إلى مباهج أمسها * أيام تنعم بالغرام وينعم
أيام كان العمر في آلائه * شفة ترف وقبلة تتلعثم
وهوى يطوف على الكؤوس فتنتشي * ورؤى تمر على الجماد فيحلم
دنيا كما شاء الشباب رحيبة * ريانة صخابة تتبسم
خلقت بها شفتاك معجزة الهوى * متعا إذا سئم إلهنا لا تسام
قبلا كالحان الجحيم مرنة * هو جاء تعصف بالشفاه وتهدم
قد صنتها عن راحم مترفق * ووهبتها لمغامر لا يرحم
راض الشفاه على العنيف المشتهي * نصر الحياة بجامع يستسلم
وقال:
الحب واحة عمرنا كم حومت * في فيئها وظلالها صحرائي
ما بلل الظما القديم صبابة * تهب الهجير طراوة الأنداء
كانت لذاذات وكانت صبوة * والحب عنها كالغريب النائي
الحب والإنسان صنوا دوحة * نبتت أصول جذورها بسمائي
الله يرعاها ويسقي غرسها * بالدمع بالآلام بالأسماء
واللحم تسلية الذئاب وحلمها * ما ذقته الا كفاف غذاء
هو جيفة ان لم يعطره الشذا * هو نهشة بتكالب وعواء
ذكراك، يا ظما الهجير إلى الندى * وتطلع البأساء بالنعماء
ذكراك، يا ماض أفاض وكم سخا * وكسا الحياة روائع الآلاء
ذكراك، يا ظل الربيع على الربى * وتفتح الواحات في الصحراء
ذكراك، يا أمل الخريف برجعة * للزهر للافياء للانداء
وقال:
وطفت على كاسي الحياة سخية * مشحونة الأوتار بالانغام
ونسيت اني جائع ثكل إلهنا * لو لم يشعشع نجمه في جامي
انا من منحت العمر اكسير إلهنا * من فيض بوهيميتي المترامي
فلسفت هذا العمر فلسفة الأولى * عرفوه معرفة الشريد الظامي
في حانتي في وحشتي وظلامي * في زحمة الأسقام والآلام
هبت على القلب الرضيع نسيمة * للذكريات عطورها بعظامي
فاستيقظ القلب الملول وضاع في * صمت السعادة واقع الأيام
ومضيت اجتر الزمان ورفده * وصداه والمؤود من أحلامي
وقال:
فداء لعطرك هذا الدم * وخفاقه الصارخ الملهم
وما ثار في الصدر من عاصفات * وما يعلن القلب أو يكتم
فداء الشذا وفداء العبير * جراحاته الصم إذ تبسم
تماوجن كالشوك في ورده * ولم أر كالشوك لا يرحم
وقال:
انتهيت انتهيت انتهيت... * وما ذا بعيد اللتيا وليت
أ ألقى الحياة بثوب الضنا؟ * والبس للعيش اطمار ميت...؟
تناهى الضلال بأقداميه * أ بعد المتاه سكون لبيت؟
نفحت الحياة شواظ المنى
وحتى الكويت وبئس المقام * تنكر لي اليوم حتى الكويت
مضيت ابتغاء السلو الحزين * إلى عالم جاهل ان مضيت
وطوفت في السجف الحالكات
وملقت حتى الذي قد أبيت * ورضت الجموح الآبي الشموس
آبائي... وإذ ذاك قلت انتهيت
(١٠٤)

وقال في ذكرى الشريف الرضي:
ألف مضين وجرحك الهدار * شرف رضي شامخ معطار
نهج البلاغة ورده ومعينه * ومصبه الصابي أو مهيار
شطانه الشمم الشموخ ورفده * قلم أقل عطائه الاشعار
برد الخلافة ان تكن جردته * ما أنت عار منه بل، هو عار
زعموا بان النهج أنت رسمته * ونسبته وتقولوا وتباروا
قالوا بان الوصف فيه محدث * وبان بعض بيانه اسرار
والله لولا الشقشقية لم يثر * جدل ولا حجب الستار جدار
ما أنت الا من علي نطفة * كانت أصالتها هدى ومنارا
سميته نهج البلاغة حسبنا * ان الحفيد تتبع الآثارا
وتعيش فيما بيننا في يومنا * في أمسنا مسترشدين صغارا
شرف المناصب ان تطأطئ للذي * للشعب طأطأ رأسه مختارا
لا من أقام على قمامة رأسه * كرسيه يتصيد الأنصارا قذر على
قذر فثم تعانق * وتناسل ما انسل الاقذارا!
وقال:
طيبي دمشق ثرى وطيبي محتدا * عبق الجنان على ثراك تجسدا
وأشم تربك عاشقا، بل عابدا * طفلا باحضان الأمومة وسدا
طال الفراق وما سلوت ولا غفا * ثمل بأنغام الوفا قد عربدا
بيتي القديم وحارتي ومدارسي * والحب والذكرى السخية والصدى
كم في دروبك من خطاي معالم * كالوشم ابقاء ورفقا كالندى
كم في سمائك من خيالي موكب * للمجد كم ارض النجوم وجندا
كم في رياضك من فؤادي صبوة * للمجد كم راض النجوم وجندا
أماه ان يقس الزمان فما قسا * قلب الوليد الطفل فيك بل اهتدى
لا تنكري يا شام حبي، لهفتي * املي صلاتي وابتهالي والندا...
محراب حبك ان سجدت ببابه * سجد الوفاء ملوعا متنهدا
وإذا الوفاء بكى الوفاء فحسرة * وشراسة فيها العقوق وتجسدا...
انا ان عققت فظل عفوك وارف * والباذل المعطاء ان اهدى هدى
حلمات نهدك يا دمشق تعلتي * ما ذا اختفى منها وما ذا قد بدا
ورحيب صدرك قبلتي وتوجهي * ورؤى صلاتي عابدا متهجدا
أهواك يا صنمي ويا معبودتي * فيك أعوذ به الاله تجسدا
يا رب عفوك في كتابك، شامنا * من تحتها الأنهار تجري صعدا
والثغر كم قبل به محمومة * شمخ الهوى فيها وتاه وارفدا...
ثغر الشام أعز في عرف الهوى * من أن ينال تحديا وتعمدا
ثغر الشام لقبلة معطاءة * كفم الحبيبة عابقا وموردا
لكنه شرس شراسة لبوة * أعطت بنيها كل ما ملكت يدا
وحنان حضنك يا دمشق مضمخ * فيه من الخبر اليقين المبتدأ
لا تحسبي يا شام اني سائل * يبغي العطاء ويستطيب الموردا
الجوع أشرف من عطاء ممنن * الجوع نبراس لمن رام الهدى
الجوع سام جوعنا وممنن * للمتخمين وللظماء المهتدى
البؤس بؤس الجائعين تراثنا * نحييه بالثورات ان مات الصدى
انا شاعر لو جمعوا كل الدمى * أو قدسوها زائفا ومعمدا
ما اختار الا الكبرياء منارة * بشعاعه وسوى الكرامة موردا
طفل انا يا شام اهوى دفقة * من ثديك الحاني وأغفو سيدا
عيناك نبراس العروبة قائدا * ثدياك ينبوع الكرامة والندى
كفاك والرحمات بعض شمائل * منها لكم خشنت على وجه العدى
وقال:
شاخ النظام ورثت الزعماء * رخص الإماء ورخصهن غلاء
يا حارسي حصن النظام، وسوره * كالعنكبوت تهافت وغباء
سيدك هذا الحصن فوق رؤوسكم * شمشون قد نبتت له أبناء
بارت لتجار الرقيق بضاعة * فغدوا إماء سادهن إماء
للاقتصاد الحر صاروا سلعة * تشرى تباع رهائن ووفاء
وإذا النظام بقضه وقضيضه * شبح أصم وصورة شوهاء
عبد لغول الاحتكار ودمية * يلهو بها التجار والغرماء
غول الغلاء هم هم أنيابه * أظفاره اشباحه السوداء
أو لفتة للحاكمين كريمة * اقصى سماحتها سراب ماء
أو كهرباء لم ينيروا دربها * فدروبها كدروبهم ظلماء
والري لو صحت مزاعمهم به * يسقي التراب وتظما الأحشاء
والأرض ان فقدت غرام حبيبها * رغم الخصوبة قفرة جرداء
لم يبق للفلاح غير سياطهم * فسياطهم لديونهم إيفاه
أسد عليه وفي الحروب نعامة * خرقاء يفزعها صدى وعواء
لا شئ الا الشعب حي خالد * والباقيات سفاسف وفناء
كل الطغاة على تراب نعاله * تهوي وتسحق رمة شوهاء
لو يقرأ التاريخ طاغية لما * عصفت بتافه عقله الخيلاء
ولصان عن دوس النعال مصيره * ولا سعفته فطنة وذكاء
لكنما التاريخ سفر قيم * لا يرتقي لنصوصه الجهلاء
والعلم والطغيان قطبا ذرة * يتناقضان فسالب وعطاء
قل للطغاة السادرين بغيهم * حان القطاف أ ارغموا أم شاءوا
هل ينصف الضبع الزنيم فريسة * أو ينقذ الحمل الوديع بكاء
هل تدرك الجلاد عفة راحم * وشرابه، بئس الشراب، دماء
يا أرز قد مسخت عصونك نبتة * ملعونة إشعاعها ظلماء
فالله شيطان بها وخلودها * كخلودة أسطورة وفناء
انا نريدك شامخا كطموحنا * أنف أشم وعزة وإباء
انا نريدك خضرة فواحة * يغني الورى ثدي لها معطاء
ثدي لتنشئة الجمال وآخر * للعلم والعرفان فيه ثراء
انا نريدك ثروة وعدالة * وهم بما يجنونه النقضاء
ان يؤمنوا بالعنف آمنا به * إما الحوار فإننا البلغاء
وقال:
حكم القضاء على القضاء * حكم العمي على الضياء
حكم الهجير على الندى * حكم الظلام على الصفاء
حكم السقيم على الشفا * حكم الغبي على الذكاء
حم القضاء وفر ميزان * العدالة بالسماء
فإذا انعدام الوزن يعطي * كل ميزان سماء
أ ترى موازين السماء * تضيق عن سنن الفضاء
وإذا موازين تخف * فتستطير إلى العلاء
أما الموازين الثقال * فللحضيض وللوراء
أ تلوذ عذراء العدالة * بالدعارة والبغاء
رحماك يا سيف السماء! الأرض حصن الأشقياء
(١٠٥)

أ يصم سمعك يا سماء * أيبح صوت الأبرياء
أ نظل نصرخ يا عدالة * أدركينا بالدواء
يوما بترياق العراق * وجود أفيون الغباء
وحشيشة القدر الملطخ * بالنفاق وبالرياء
أم بالبيان العذب تمخط * من أنوف الأولياء
أم بالوعود المترفات * تزيد اسهال الغلاء
قد كان لي شرف الجلوس * على أريكات القضاء
لم يغرني فضفاض ثوبي * أو منصات العلاء
قد كان قلبي خلف قضبان * الحديد وفي العراء
لم يقفل القانون أبواب * السماحة والعطاء
لم يمح شوك متونه * وشروحه روض السخاء
وطرقت باب المجدلية * في دروب أبي الفداء
وصرخت في وجه * الزناة الأتقياء الأدعياء
ملأوا فناء البيت والتحفوا * تجاعيد السماء
الراجمين المجرمين * وفي مسوح الأنبياء
وصلبت... بل صلبوا * هم ونفاقهم ولي العزاء
المجدلية يا يسوع بلا نصير * ولا ظهير ولا غطاء
فالبيت قصر الأثريا * والقدس وكر الأدعياء
وروائح البترول تزكم * أنف كل الأنبياء
تطغى على نتن الجريمة * في دهاليز الثراء
والحاكمون الداعرون * تعودوا شرف البغاء
ألفوا أريكات النفاق * على متاهات الرياء
يا شعب جرحك في * يديك وبين كفيك الدواء
شلت يمينك يا قضاء * غدارة بالأبرياء
مسعورة ظمأى لمص * الطاهرات من الدماء
يا هادرا دمع الثكالى * في خضم من عفاء
ومباعد الأم الحزينة * عن رياحين العزاء
ومجلجلا بوشاحه البشع الصبيحة والمساء
ومدمرا بيد الجريمة كل حصن للرجاء
يا أم عمرك كله وقف * على مجد العطاء
سيان عندك ان سهرت * على ابتسام أو بكاء
يا أم يا قمم العطاء * يا أم يا أوج الفداء
يا طفلها قد كنت * شمعتها بوحدتها تضاء
ما زلت طفلا في * ذراعيها تهدهد بالحداء
قد كنت طفلا بالبراءة * والطهارة والصفاء
ونزعت منا مثلما نزع * الشهاب من السماء
لا للبزوغ ولا الرجوع * ولا الطموح ولا الضياء
بل للحريق وللضياع * وللدمار وللفناء
لم تلق من دنياك الا * ما يلاقي الأشقياء
عنت وحرمان وعدوان * على حق البقاء
وتنازعتك مباغض * بلهاء لعبة أدعياء
وذكاء داء يحذق * السرطان تسخير الذكاء
فطغى ذكاء الداء * واستشرى على عمق الدواء
وقال في انقلاب حسني الزعيم:
أدعوك ما ذا؟ بالرئيس * أم الزعيم المشير؟
شبك من الألقاب خفت * على اللسان من العثور
حملتها مبهوظ ظهر * غير مبهوظ الضمير
اني رحمتك من عظيم * اللفظ في المعنى الصغير
ورحمت نفسي ان أهين * الشعر في نخل القشور
وجزعت ان قصرت عن * شاو الفرزدق أو جرير
ازأر بنا... شتان بين * الهر والأسد الهصور
ازأر فما يخفى على * السمع المواء من الزئير
عربد على الحرية الغراء * تشرق في الصدور
ويلوح زاهر وجهها * ويلف آفاقا بنور
قل: ما انقلابك؟ اي * أمر جد فيه من الأمور
الملح ملحك لم يزل تربا * وخبزك من شعير
أجلدت فرانين لأشلت * يد البطل المغير
وشنقت للإرهاب محكومين * من دهر دهير (٢)
ان يجدروا ان يشنقوا * فلأنت أجدر من جدير
أ موزع الأرض الفسيحة * لم توزع غير زور
هل أحرز الفلاح الا ارض * عقلك ارض بور
أو شم جيشك منك * غير نفخ من غرور
أو نام عمال وما أقبلت * تفرش من حرير
الا على شوك البطالة * والتدهور في الأجور؟
زعموك سيد نهضة * فكشفت عن عبد أجير
عبد الدلار يتله من * أنفه تل البعير
ادلار لم يبذلك من بذلوك * عن كرم وخير
عوض خسيس أنت مبذول * عن العوض الخطير
أهجوك لا مدح السترليني * فقبحا للنظير
وأخو الفرنك إذا كثرت * فما كثيرك بالكثير
تالله لو طبعوك من ورق * ومن ذهب نضير
ما كنت الا من دم * المحروم أو دمع الفقير
ما كنت الا ظفر الاستعمار * ينشب في النحور
أو في عروق الأرض من * وطن وجيع مستجير
ظما إلى البترول ينفجر * انفجار دم غزير
ويعبه المستعمرون * وجوفهم جوف البحور
وبقلبهم ظما الذي يشوى * على حر الهجير
أ حياة حبس في سجونك * أم نزول في القبور؟
قد كان قلبك من طغوا * هلا سالت عن المصير؟
جدوا وأسرع سيرهم * لكن إلى شوط قصير
الشعب مد لهم إلى يوم * عبوس قمطرير
حتى تناولهم بكف * تلك كف من قدير
ذهبوا كاتفه ما يولي القش في الريح الدبور
وأنام سافل ذكرهم وحلا على نعل العصور

(١) الزعيم: اسم أسرته ولقبه العسكري، ثم رفع نفسه إلى رتبة مشير.
(٢) في محاولة حسني الزعيم ادعاء الاصلاح، أمر بجلد بعض أصحاب المخابز. وكان بعض
المحكومين بالاعدام قبل عهده لم ينفذ فيهم الحكم فأمر بتنفيذ الاعدام ارهابا.
(١٠٦)

أهتف بسوريا هتافا * ضج من ألم الشعور
ما كان مثلك يا أبية * من يقيم على النكير
ويطيق دوس الشعب * والتنكيل بالفكر الأسير
يا أم ثورات أطاحت * أمس بالنير العسير
وقال اثر العدوان الثلاثي على بورسعيد سنة ١٩٥٦.
للذائدين ببور سعيد
سجد اللظى وعنا الحديد
واستسلم القدر العنيد
لما يريد ولا يريد
واستروح التاريخ عطر * دمائهم يبغي المزيد
عطر هنا وهناك ما * فاحت به جيف الغزاة
نتن يلوث بالصديد * وبالقذى زبد القناة
وحقارة الإنسان يزكم * أنفها نتن الصديد
للباذلين ببور سعيد
سمع العلا وفم الخلود
ويد من الابداع تكتب * سفر شعب من جديد
صفحاته وهج الفدا * ومداده عطر الشهيد
شعب تحرر من أساطير * الملوك الداعرين
وضراوة الاقطاع ترتع * في ظلال الحاكمين
ومركب النقص المجسم * في صدى ماض مجيد
الآن عادت أرض مصر * لشعبها ارث الجدود
للكادح الفلاح أضرع * نيلها ودم الشهيد
لا للدخيل ولا العميل * ولا الصنائع والعبيد
من جفني المقروح من * آهات قلبي الدامية
من دفقة الاعصار تصرخ * في لظى اعصابيه
سأصوغ ملحمة الأباة * الصابرين ببور سعيد
في كل بيت رجعة * صماء من نزف الوريد
ولكل ثاكلة تناغم * مصرع الثاوي الوحيد
في هذه الأبيات أصداء * تجدد أو تعيد
انا عشتها في بورسعيد * حقائقا فوق الخيال
كانت يدي فوق الزناد * وكان صدري في القتال
يستقبل النيران هو جاء * المقاصد والحدود
قد عشت في حمى النضال * كأي فرد في الصعيد
أو في فم الدلتا الملثم * بالإباء وبالصمود
أو في صحارى التيه * مقبرة الصعاليك العبيد
أمي هناك مع الثواكل * والأرامل باكيه
ورأيت بيتي يستحيل * إلى طلول باليه
وسمعت اخوتي الصغار * يحشرجون ببور سعيد
هذا أخي سملوا بعينيه * شآبيب الضياء
ليتمتعوا بهما اللصوص * الغادرين الأدنياء
ويروا بعينيه الظلام * على مآقيه يسود
قد عشت اعصابا * تزمجر باللهيب وبالحمم
قد عشت آمالا * تنضرها تباريح الألم
قد عشت في صخب * الدماء اقضها سجن الوريد
شعبي الذي صهرته تجربة * الفدا صهر الحديد
فوقته شائبة التخاذل * والتوكل والقعود
وضلالة النوم العميق * على كرامات الجدود
شعبي الذي عادت * رسالته فداء خيرا
يستلهم التاريخ لا يجتره * فلقد صحا وتحررا
بيني شوامخه الجديدة * فوق لبنة بورسعيد
وقال: (١)
يا بؤس هذا الانقلاب * وذل هذا المنقلب
ما ذا تبدل غير توزيع * المناصب والرتب
ما ذا استجد سوى التذمر * والبطالة والشغب
ما زال يحكم من تجسس * واستغل ومن نهب
ان يقطعوا ذنبا من * الأفعى فقد ولوا ذنب
والرأس يحكم وحده * متخفيا خلف الحجب
حجبا من الدولار أو * من نسج صاحبه الذهب
لم يحظ من قلبوا بعشر * من زراية من قلب
وقال يرثي والده:
أغيض بياني وجف الفم * وحمحم في طرسه الأرقم
وعض اللجام وجن الجواد * وقد يحرز السبق من يلجم
أ يقنع من حبره زينة * وقد كان أدنى حلاه الدم
ويرضى من الشعر نظم الكلام * وما يقطر القلب لا ينظم
ويسألني الناس أنت العيي * إما ينطق الخطب أو يلهم؟
لقد قبع الجرح في صمته * فلا الشعر يقوى ولا البلسم
وصمت الجراح كصمت القبور * رهيب الكابات لا يرحم
وقفت على القبر وا لوعتي * فقلبي جرح وجرحي فم
وقد حف بالخافق الصامتان * فهذا عيي وذا أعجم
وانجدني الدمع وا رحمتا * لسمح رحيم ولا يرحم
ولا عجب فهو سبط الجراح * تعالى الجراح وجل الدم
سأسأل عنك انتفاض الربيع * ربيع حياتك لا يهرم
وذكراك مثل انبعاث الأريج * يجدد أزهاره البرعم
اكذب فيك افتراء النعي * بما يدعيه أو يزعم
فطود من المثل الساميات * اشادته كفاك لا يهدم
وعقد من الدرر الغاليات * قلادته أنت لا يفصم
لقد خسئ الموت فيما ادعى * فحصن الرسالات لا يقحم
وأهل الرسالات فوق الخلود * فمعنى الخلود استقي منهم
فلم يطو سقراط سم الكؤوس * ولا نال من حيدر المجرم
ولا أطفأت من شعاع الحسين * سيوف من البغي تستلهم
أ مولاي حسبي انتسابا إليك * باني معانيك استلهم
وحسبي من الهدي هذا الشعاع * يوشح بالنور ما ارسم
لئن كنت منك امتداد الظلال * فما حجبت ظلها الأنجم
أبانا وكم من شقيق لنا * شريك الحنان ولا نعلم
فقد وسعت نفسك الخافقين * نفوس الورى حولها حوم

(١) بعد الحركة التي أدت إلى استقالة بشارة الخوري من رئاسة الجمهورية اللبنانية.
(١٠٧)

وموطنك الخير إني سري * وأهلوه أهلوك أن ينتموا
ولم يترك الخير في جانحيك * مكانا يراود أو يقحم
وكم راودت نفسك المغريات * فجن الآباء وثار الدم
وطافت تهاويل من حيدر * تهاويل من عصمة تعصم
وقهر النفوس سبيل الجهاد * ومن ينصر الله لا يهزم
وزان الآباء حياة الكفاف * فلا الجاه يغري ولا الدرهم
وجابهت بالصبر شح الحياة * فكافأك الأرحم الأكرم
فغبرت في موكب السابقين * وخلفت في الدرب صرعاهم
فأرثك فينا كإرث النبي * يباهي به الجاحد المسلم
كتابك هذا الخدين الوفي * وبتارك الفاتك المعلم
وأنا بميراثك الأغنياء * إذا أملق الناس أو اعدموا
وقال في رثاء والدته:
عقوقي: يا أماه مثقل أوزاري * وملزمني صمتي وملبسني عاري
عقوقي لا أف الجحود ولا القلى * فلم أثلم القربى ولم أغضب الباري
وكان رضاك السمح انسا لوحشتي * وغوثا لتحناني وزادا لأسفاري
خلعت علي الحب آلاء رحمة * سماحة محروم وآيات ايثار
عقوقي: أن لا انسج الحزن والأسى * مطارف تزهو في شآبيب أشعاري
عقوقي: أن لا أجعل الدمع نغمة * ترددها الدنيا سلافة أوتار
عقوقي: أن العي شل قريحتي * فشد على نابي ولعثم قيثاري
وحول آلامي ركاما صديئة * وقد كن في الجلي لوافح اعصار
أ قبرك أم قلبي برودا ووحشة * لأنت على الرمسين دفقة أنوار
لقد آثرت دنيا التراب بدفئها * وخلفت الشلو الطعين بلا نار
جراحك في صدري وآهك في فمي * ومحنتك الجلي مغاليق اسراري
وشائجنا يا أم شتى وإننا * قريبان في النجوى بعيدان في الدار
بكيتك يا أمي بعبرة ثاكل * فغطى على الأشعار مدمعي الجاري
ويخسا شعري فيك إن حط قدره * فلم يك ذوبا للدموع بمدرار
على حافة التسعين إشراق مبسم * ودقة ادراك وروعة اصرار
وبعد عن الدنيا وقربى لأهلها * وشوق إلى الأخرى بايمان أنصار
إذا ذكر الايمان كنت منارة * يفئ لظليها المجوع والعاري
ليهنك يا أم البنين بأننا * كما غرست كفاك نبتة اطهار
نجل عن الزلفى ونسمو عن الخنا * ونشمخ للعاتين شمخة جبار
ونصفح صفح القادرين سماحة * ونجزي عن الحسنى جزاء سنمار
ونغضي على عار اللئام ترفعا * فما طهر الأرجاس رفعة أقمار
تراث أبينا لم يزل مترفا بنا * يطل على العلياء اطلال بتار
سيوف علي فيه بارقة اللظى * ترد على الباغين مصرع عمار
وصوت أبي ذر يجلجل صارخا * يثير على الطغيان موجات اعصار
يقول أ يرضى الجائعون بجوعهم * ولا ينهل المتخوم من سيف ثوار
وصوت بلال بالشهادة عابقا * يطوف على الدنيا بأنفاس معطار
وحجر عدي وهو يلفظ نفسه * ويستبق الثكل المرير باصرار
هم الشيعة الأبرار لا زهو خانع * ولاعته مغرور ولا لغو ثرثار
سماحك يا أماه أن ند عن فمي * سوى اسمك الحلو النزيه عن العار
فان حديثي عن شريكك سيدي * ومولاي في الدنيا وحصتي من النار
هو المحسن السمح الكريم على العدى * فكيف على القربى فكيف على الجار
وقال في رثاء شقيقته:
ما ألأم العيش يجفونا ونهواه * على عواتقنا تلقي خطاياه
سود لذائذه حمر نواجذه * قريبة كأمانينا مناياه
تضاءلت قيم الدنيا بصفحته * فليس يكتب إلا ما تخطاه
وليس يحكي سوى ظل الصدى وإذا * يمنن فالتاريخ مأواه
شربت عمري الذي ضن الزمان به * بما يجود به أو ما تحاماه
عمران: ذا عمر ناسي بصحبته * وذلك المتمني ما فقدناه
راض الفلاسف بطن الغيب عن سفه * فقهقه الغيب يستعدي خفاياه
وقال ما أتفه الإنسان يسخر بي * ومن ورائي عدل الموت والله
ومن ورائي قبر موحش وصدى * يكاد يملأ بالأشباح نعماه
الغيب نحن إماء في مجاهله * والغيب أرحم نخاس عرفناه
لولا مجاهله الغناء ما صبرت * على الأسى وعلى التبريح دنياه
أختاه يا بضعة من محسن غربت * ما أعذب الجرس لما قلت أختاه
ذكرت زينب إذ نادى الحسين وفي * أذن الزمان نشيج من رزاياه
ذكرت زينب تأساء وتعزية * وعمتي زينب والسبط جداه
نحن الذين نذرنا للفدى دمنا * وفي الأضاحي لم يبخل وريداه
منا علي إمام الحق من دمه * ورد الفلاح، ومنا الصيد ابناه
وفي الطفوف لنا جود على ظما * وغاية الجود ما يحبوه ظمأه
وإن ندل فبالتأريخ نملؤه * فخرا، وتضحية كنا ملأناه
أختاه يا دمعة حرى تضن بها * عين الزمان فما يبتل خداه
طويت عمرك بالآلام صابرة * ورحمة الموت جور في ضحاياه
لا بورك الموت في مزعوم رحمته * وبورك الألم الحاني ونجواه
أبا علي وفيما بيننا رحم * من الوداد رسيخات زواياه
قرابة الدم ما أوهى وشائجها * إن لم يهبها الوداد السمح معناه
بيني وبينك ود لا انفصام له * موطد في حنايا الصدر مبناه
ما صفق القلب في نعمى وفي شجن * إذا تلكأ عن يسراه يمناه
وقال في رثاء قريب:
أ بكل يوم طعنة وجراح * وبكل بيت للردى أفراح
بالأمس شيعت المروءة محسنا * ولها على الحسن الزكي نواح
واليوم للمهدي العلي ماثم * ثكل الحمى فيها وضج الساح
تلك البقية من ذؤابة هاشم * أدنى سجاياها ندى وسماح
تلك العمائم كالربيع نضارة * تخضر منها أربع وبطاح
عطر النبوة في شذا طياتها * ودم الحسين عبيرها الفواح
ومن الوصي وحاليات بيانه * وسنا شمائله لهن وشاح
الخير معدنها ورائد خطوها * ومدير دفتها هدى وصلاح
ما حاد عن سنن الهدى قدم لها * كلا ولا مست حراما راح
الخيرون المصلحون هم إذا * عز الكلام وأملق الاصلاح
والواهبون النيرون هم إذا * شح الزمان وابطا الاصباح
كانوا مصابيح الدجى في أمة * طالت لياليها وغاب صباح
في الدين والدنيا لنا أمثولة * تحذى ومنا في الدجى مصباح
ما غاب عن ليل الورى قمر لنا * إلا ليطلع مشرق وضاح
تأبى المروءة مذ رضعنا ثديها * إلا لنا أن يستلين جماح

(١) ما فقدناه: الذي فقدناه.
(١٠٨)

والخير أنا أهله وحماته * وله علينا خفقة وجناح
للناس للبسطاء للمستضعفين * على البغاة لنا قنا ورماح
الحق لو فرشوا الدروب بما لهم * لن تنثني عن بذلها الأرواح
حتى يسود ويستقر وتنمحي * من دربه الأوثان والأشباح
يا عابد الأوثان آن لجاحد * أن يستبين الحق فهو صراح
من يوم أن دك النبي بمكة * أوثانهم كلبت بهم أطماح
صنم من الحجر الأصم وآخر * سيماؤه التغرير والاصلاح
ما ذا يميزها فذلك أعجم * وشعار هذا الجهر والافصاح
وكلاهما صنم يغرر عابدا * ما في عبادته هدى وفلاح
الشعب أصبح كالاماء تبيعه * لمزايدين نخاسة ووقاح
عشرين عاما أو تزيد ونيرهم * في عنقنا والمنكرات تباح
ما ذا جنى الوطن الذبيح بعهدهم * فالجوع جوع والجراح جراح
حكموا وما عدلوا وداسوا حقنا * فالأسد تلجم والعرين يباح
يا شعب عامل أننا في دجنة * وبكف كل منكم مفتاح
أنتم ارادتكم أصالة رأيكم * لمصيرنا فيها هدى ورجاح
أن يبذلوا المال الحرام لبيعكم * وشرائكم فلكم طغوا وأباحوا
الشعب اسمى أن يباع ويشترى * وأجل من أن يزدرى ويباح
وقال في رثاء قريب:
مهج مرن على الأسى وعلى الصدا * قم عز فاطمة وعز محمدا
قم عز هاشم والحسين وزينبا * وعلي بالحسن الزكي وبالندى
ذكر الفواطم يوم غبت، بكربلا * جثمان جدك بالعراء موسدا
فبكين واستعبرن هذي سنة * قد شاءها التاريخ أن تتجددا
يقضي الحسين بكل عصر ظامئا * ويزيد يحكم في الرقاب مسودا
ولكل عصر ثورة وضحية * ومجازر فيها حسين استشهدا
عماه يا قمر الندي وأنسه * قد أظلم النادي وبدرك ما بدا
ذاك الحديث العذب تهزأ بالطلي * كاساته أو بالهزار مغردا
وجدي عليك كفيض علمك زاخر * هتان دمعي فيك ما سمع الندا
خل الدموع وشأنها كم دمعة * حلت أسار القلب مما قيدا
جمعت فأوعت فالبلاغة نفحة * من فيضها والشعر منها أرفدا
لا تنكروا في الدمع غصة شاعر * كم شاعر سكب الدموع تمردا
لهفي على الخلق الوديع وحكمة * الشاعرية من معازفها صدى
وشمائل هي والربيع توائم * سكر الشذا من عرفها وندى الندى
هي في شفاهك حكمة علوية * وعلى لسانك رحمة تسع الهدى
الشعر بعض أقاحها وورودها * والعلم ينهل من علاها الموردا
صور من المثل العلية كنتها * بخل الزمان بمن بهن تفردا
ومضت حياتك كالشعاع نقاوة * وكخفقة الشفق الندي توردا
وكبسمة العذراء طهرا نيرا * وكشدوة الحادي المجلجل إذ شدا
نسج العفاف برودها فبدت لنا * بيضاء ما مس الخبيث بها الردا
وسما الآباء بها إلى كنف السما * فعلا النجوم بها وجاز الفرقدا
ورضيت بالحرمان لم تسلك إلى * سبل الدنية غاية أو مقصدا
عرش الكرامة ما رضيت بغيره * عرشا فكنت به المليك السيدا
قل للأولي باعوا بأرخص ما اقتنوا * ثوب الكرامة واستكانوا للعدي
ما كان أحوجهم وهم في غيهم * لشعاع روحك ناقدا ومفندا
عماه طال بنا السرى في مهمه * ثمل الضلال به فجن وعربدا
دنيا على الخب اللئيم رحيبة * وعلى الكريم السمح ضاق بها المدى
الري والشبع الحرام لمتخم * ولمهجة العافي المجاعة والصدا
عماه لو ملك المحب لك الفدا * هان الفداء له وعز المفتدي
وقال في رثاء صديق:
جراحك في صدري ونزفك من دمي * ومأتمك الغالي المضمخ ماتمي
فبيتك بيتي والمرارة والأسى * وشائج من قربي أواصر من دم
وقلبك قلبي قد تفجر بالأسى * فينزف من عرقي وينزف من فمي
تلوذ بي الآلام هو جاء شرعا * كما لاذ أعصار الشتاء ببرعم
وتنهشني الأفعى فابسم ضاحكا * فقد خالط السم الجنوني مبسمي
وطفلك طفلي يصعق اليتم قلبه * وبيتك بيتي قد أحيل لميتم
سبقت إلى دف ء التراب بقيتي * فيا طول شوقي للحاق المحتم
ويا طول ما قد عذب القلب برده * فعاد إلى ظل الصواعق يحتمي
وأنكر في عهر الحياة عقوقه * فعاد باحضان المنية يرتمي
لدفء الردى أحلى مذاقا ومشربا * على النفس من لؤم الحياة المصمم
تضاءلت الدنيا بعيني فوصلها * جفاء وأعراس التفاهة ماتمي
بكيت على أمسي المضمخ بالشذا * ولاقيت يومي عاصب العين كالعمى
وسد الأسى دربي فلا الشوق حافز * بنابيه كي يغري الحياة بمنعم
ولا الورد مرموق البلاهة والشذا * ليعصمني من وهج اثم محرم
مصيري مصير الجيل لست بمفرد * ولا أنا باللحن النشاز بمغرم
أفقنا على دنيا الضياع فصادق * وآخر ملجوم الصراحة والفم
أرى وطني نهب التفاهة والخنا * وأسجن في جسمي وألجم في فمي
أثور كما الرقطاء تلدغ نفسها * فامضغ أحشائي وألعق من دمي
وأجرع من كاسي سموم بلاهتي * وغيب خيالاتي وسخف توهمي
وأنكا جرحي كالحبيب أصونه * وأخشى عليه من ضلالات بلسم
جراحي جراح الكون ما جف ضرعها * ومأساتي الكبرى كمأساة آدم
يضيق بجنات الخلود خياله * ويقصر حتى الاثم عن حلمه الظمي
أ يؤود ورد الشعر حصد سنابل * ومنجلها سيف القضاء المثلم
أ ترثي صباحا ثم ترثي عشية * كأنك نسر من نسور محرم
فهذا علي في دماء مكرم * وهذا حسين في بلاغة مكرم
وإني وإياك الشهيدان بيننا * سحابة يوم أو غلالة ماتم
ألح عليك الظل حتى تبعته * وما زال ظلي ممعنا بترسم
سأهرب منه للحياة أصده * وأمعن في تقليصه وتجسمي
سأهرب من ظلي من الياس لاجئا * إلى الحب في نعمي ذراعيه أرتمي
لقد أبصرت عيناي نفسي مذابة * دماء ويأسا يمزج الياس بالدم
فما راعني أني أذوب وانتهي * لو أن جراحي سوف تنزف من دمي
وأؤمن بالانسان قدرة خالق * وتجسيد أبداع ورمز تقدم
وثورة مسحوق وعزة ثائر * وسحقة متخوم باقدام معدم
إليك شهيد الشعر بسمة واثق * من الغد ما عبس بدون تبسم
سنحيا سنحيا في عميق قبورنا * كنازح تبر من غياهب منجم
وإن لنا الاشعاع والنور والهدى * وإن لهم منهم غياهب معدم
وقال:

(١) يشير بذلك إلى أن المرثي بهذه القصيدة كان قد رثى صديقا له صباحا، ثم توفي مساء.
(١٠٩)

يا قلب أين الدمعة الحمراء * نطق البلا ولحونها خرساء
روت بطاح الأمس من رحماتها * وزهت بها أوراده السوداء
موسى وديعة دمعة من أمه * لا اليتم يعرفها ولا الأنواء
ويسوع والرحمات ظل صليبه * جادت به من دمعها العذراء
وعلى تراتيل اليتيم المصطفى * من دمع آمنة سنى ورواء
دنيا الدموع وأين من عليائها * في العبقرية بسمة بلهاء
يا دمعتي خذل الهوى قيثارتي * أ فيخذل اللحن الجريح عزاء
حري على القلب الحبيب فطهري * ما دنست من قدسه النعماء
وقال في رثاء شهيد:
فداء لنعلك يا ابن الفداء * خنوع الرؤوس وذل الرياء
فداء لما فيك من شامخات * صغار الظلام وجود البغاء
فداء لنعلك هذي الرؤوس * رؤوس الأفاعي شفاه الدماء
رؤوس الخنوع أمام الطغاة * سفاه الظماء لعب الدماء
أجل فداءك عن ذي الدمى * فمنه أستعير شموخ السماء
نجيعك هذا النبي الفريد * نذير الدمار أمام البناء
غناء لمستقبل زاهر * دمار لمهترئ المومياء
نجيعك هذا الحسين الجديد * ففي كل يوم كربلاء
وفي كل يوم لنا كربلاء * وفي كل يوم كربلاء
نجيعك هذا العلي البليغ * فنهج البلاغة نهي الآباء
لنا الشعر هذا العطاء السخي * ولكنه في ركاب الفداء
أيا ابن الفداء وعز الفداء * تعالى الشموخ وجل العطاء
أيا ابن الفقير وأنت الغني * تهاوى على نعله الأغنياء
ويا شامخا في مهاوي الصغار * ويا شاعرا في حقار العواء
ويا عاكفا عن مهاوي الضلال * ويا رائدا في دروب البقاء
لأنت من الشعب إكسيره * وما الشعب إلا الصدا والنداء
وما الشعب إلا شفاه الحنان * ببسمتها النور والكبرياء
وقال في رثاء صديق:
يا ثاويا تحت الثرى يتبسم * ومشردا فوق الثرى يتألم
عصفت بك الآلام وهي رحيمة * بالتائهين وعطف ربك أرحم
كنت الصديق وكنت أحلى بسمة * في الثغر يرسمها عليه تألم
كنت الرفيق على دروب مودة * وعرت مسالكها وقل المغنم
بيني وبينك ألف ألف وشيجة * لا الموت يقطعها ولا هو يقصم
وسبقتني للقبر أنت المبتدأ * وأنا لك الخبر الذي يترسم
دف ء القبور وبردها وسكونها * أندى على القلب الوجيع وأنعم
والدود أرحم من كريه وجوههم * يتآكل الأمل الندي ويقضم
إن جف شريان بقلبك منهك * فانا الجفاف وما يحين الموسم
مأساتك الكبرى أعيش فصولها * أنا ناطق فيها وغيري أبكم
مأساتنا مأساة جيل كامل * لا رحمة نبغي ولا هو يرحم
أ أبا فؤاد أين عهد للصبا * ريان موتور البشاشة منعم
تتدفق النعمى على حافاته * كالسلسبيل وصمتها يتكلم
كنا الندامى والكؤوس ودفئها * والخمر ريا بالندى يتبسم
كنا المحبة عطرها وأريجها * وسماحها وضلالها تتجسم
كانت لنا أيام حب خير * حتى الشقاء بظله يتنعم
وقال في رثاء قريب:
يا وفيا مذ عزت الأوفياء * وأمينا وقد مضى الأمناء
وطهورا والرجس شاب النوايا * فإذا صفوة الورى اللؤماء
وإذا العهر والنفاق ذكاء * وإذا الطهر والوفاء غباء
وإذا العار في الصدور وسام * وذرى الضعف عفة وإباء
وإذا الغارقون في حماة الوحل * سراة أشاوس زعماء
والميامين عزل ضعفاء * والمحاميد قلة غرباء
والمقاييس منطق مستباح * والنواميس خبطة عشواء
أ فعاد الإنسان وحش فلاة؟ * غلفته حضارة أشلاء
فيك نبكي الإنسان قلبا نقيا * لم تدنس دماءه الأهواء
فيك نبكي الإنسان رعشة خير * شاع من حولها رضا وصفاء
لم تكن عندهم لتحسب شيئا * أنت في القلب والحشا أشياء
أنت ذكرى كأحلى وأغلى * ما تناجي أمواتها الاحياء
أنت للمحسن الأمين صفي * بورك المصطفون والأصفياء
بورك الحافظون للود والعهد * وباءت بعارها الأدعياء
هان عن مستوى الشنار دعي * إن مثواه رحمة وعفاء
يا رفيق الأمين في غربة الدار * لدار تحلها نعماء
أبلغ الصاحب الأمين نداء * مشمخر الصدى فمنه النداء
قل له: الدار بعد نأيك قفر * والميامين: في الحمى غرباء
قل له: الناس في غيابك شلو * مزقته النواهش الأهواء
قل له: لا تطل فالعين نسر * والمقادير جيفة شوهاء
وعيون النسور ليست كفيها * ناهشات فعينها عذراء
يا أخا الود والوفاء سلام * من محب فما وفاك الرثاء
كنت بالدمعة الطهور جوادا * أتوفيك دمعة خرساء؟
نبعها الخافق الصريح المدمى * ولغالي ذكراك فيه ثواء
دمعتي دمعة الوفي وفاء * نحن في دوحة الوفا شركاء
وارد الحوض في رحاب علي * كيف تظمأ وجدك السقاء
حبه البرد والسلام ومنه * من لظى النار جنة ووقاء
وبقلبي من حبه ومضات * هي ان شحت الدماء دماء
وقال في ذكرى الشيخ عارف الزين
أريج رياك لا اقفار وادينا * وري ذكراك لا شح الظما فينا
قد يبعث الموت فينا من نضارته * ظلا يرف على صحراء وادينا
قد يستقي الموت من نبع الحياة وقد * يروي الدروب ويستندي الرياحينا
وقد يفيض شعاعا في مسالكنا * وقد يشع رغابا في مآقينا
آمنت بالموت ايمان الحياة به * كالتوأمين هما معنى وتكوينا
وجهان للأزل المحجوب ما افترقت * ملامح لهما الا لتغرينا
وا ضيعة العمر وا ذل الحياة إذا * تجسدت في منايانا أمانينا
أبا أديب وفي ذكراك منتجع * للساغبين وري للظما فينا
فأنت والخير كالصنوين ما استقيا * الا الصلاح معينا والوفا دينا
وأنت في الحب والاخلاص مزرعة * نحن الغراس ملأناها أفانينا
عرفانك الفذ ما زالت خميرته * تضوع ما بيننا وردا ونسرينا
في كل زاوية من عامل أثر * منه وفي كل بيت هاج عرنينا
كم شن حربا على الطغيان ما رحمة * وفي صروح الأذى كم دق أسفينا
(١١٠)

أقلامنا الغضة العذراء كم وجدت * لدرء عثراتها فيه ميادينا
وكم حبت فيه اقدام وأخيلة * ومذ تشب تجافيه وتجفونا
كنا صغارا وكان العلم نافذة * ضنينة النور والنجوى بوادينا
وكان عرفانك المغداق موردنا * وكان في زحمة الظلماء هادينا
نحن العفاة بنو الآلام من دمنا * نسقي الحياة لنرويها وتظمينا
من جوعنا الملهم الجبار تخمتها * ومن عقوق لياليها مآسينا
من نبعة الألم الفياض موردنا * ومن رياض مآسيه مغانينا
صحائف الأحمق التاريخ بيضها * ما بعثرته على الدنيا أيادينا
عشنا مع الألم الوهاب يلهمنا * معنى الحياة ويصفينا ويهدينا
تبارك الألم الفياض يلهمنا * إن نستخف به حتى يدانينا
انا بنو الشعر من أخصاب نبعته * كنا زرعنا الدنا منه رياحينا
جراحنا الحمر ما تنفك صارخة * بالتائهين لتهديم وتهدينا
شعارنا الحب في عليا سماحته * تبارك الحب دنيا كان أم دينا
كان المسيح بما اضفي معلمنا * قربى الجراح تواسينا وتدنينا
والمجدلية رد الصفح غربتها * إلى القداسة حتى عاد توطينا
من دمع مريم من بلواء محنتها * كان المعين لباكينا وشادينا
ومن محمد رفت في جوانحنا * ذكرى اليتيم فمنا اليتم أو فينا
ودمع آمنة يذكي جوانحنا * كدمع مريم ترنيما وتلحينا
ودمع زينت لا كالدمع سخرية * بالنائبات وترسيخا لماضينا
انا رعيل علي من رسالته * وفي مبادئه تعلو نواصينا
نهج البلاغة دستور لحكمتنا * وذو الفقار شعار للإبا فينا
لا نرتضي الظلم الا أن يكون فدا * فللفداء وهبنا كل غالينا
فخر الضحية أن يقتات من دمها * جوع الفداء فما أسخى أضاحينا
أبا أديب وفي الجلي نحن إلى * تلك السيوف فقد شحت مواضينا
تثير ذكراك في أحشائنا ألما * بقدر ما قل من أمثالها فينا
تلك الوجوه وراء القبر ما برحت * تضئ حاضرنا من وحي ماضينا
وقال في ذكرى الشيخ عارف الزين
قبر بطوس إلى جنب الرضا وله * عين الرضا والهدى والحق تبتسم
العارف الله عرفان الوصي له * ومن له بهدى خطواته أمم
الناصعان: صغيراه وعمته * والداميان: صراع الحر والقلم
بالأمس أغمد سيف ظل ملتمعا * يكافح العسف من ذلوا ومن حكموا
وما جريمة من سيموا ولم يثبوا * في وجه ظلامهم إلا كمن ظلموا
أبا أديب لقد جاهدت ما وهنت * عزيمة لك إذ هانوا لدن عزموا
فأنت أنت حديد لا يلين ولا * يرقى لعليائه شك ولا تهم
وأنت أنت كجلمود وصومعة * من الإباء حماها الله والشمم
وأنت أنت بياض في المشيب وفي * طيب السريرة إذ عقوا وإذ لؤموا
وأنت أنت امام في الوفاء وفي * رعاية الود فليخز الالى زعموا
وأنت أنت سماح في اليدين وفي * شم الطباع سداها الحب والكرم
وأنت أنت من العرفان مقتبس * تقشع الظلم من جرأه والظلم
وأنت أنت على السبعين في قمم * من النصاعة دانت دونها القمم
وقال في رثاء قريب مات في كربلاء:
من كربلاء انطلقت شرارة مجدنا * وبكربلاء فقيدنا المستشهد
يسعى إلى قبر الحسين وقبله * يسعى الحسين ورأسه والموعد
بالتضحيات وبالدماء تراثنا * ومن الشهادة مجدنا والسؤدد
تاريخنا الدامي سجل حافل * بالمكرمات نعيده ونردد
آل الرسول وحسبنا فخرا به * انا على شرف الشهادة نحسد
ما ذا جنينا غير أن رؤوسنا * رهن الطغاة: فطائح ومهدد
يا ثاويا في كربلاء بجنة * لا يحتويها بلقع أو فدفد
أن تقض في الصحرا غريبا نائيا * وعلى الرمال دم يسيل ويشهد
فلقد مضى بطل الفداء وآله * ظمآن لا أمل هناك ولا غد
الا رسالات وحق يفتدى * بالغاليات وفكرة تتجسد
يزهو بها التاريخ يشمخ رأسه * وماثر نبني بها ونشيد
يا ابن العمومة ما تنكر للوغى * قلب لنا كلا ولا خانت يد
انا على عهد الوفاء قلوبنا * وتراثنا وكفاحنا المتجدد
وقال في رثاء صديق:
بالأمس أنت كما الربيع نضارة * وكما الشباب تحفز ومضاء
وكما الغدير تدفق وتوثب * وكما الزهور براعم وعطاء
واليوم! ما ذا حفرة ومناحة * ونوادب ومتاهة وعزاء
وبلاغة السرطان تزري بالمنى * بالحب، ما ذا يهدف الشعراء
الموت معجزة الخطابة منبرا * فاستلهموا يا أيها الفصحاء
في صمته سمت البلاغة وازدهت * وتألق الفصحاء والبلغاء
الموت اكسير الحياة ونبضها * لولا المنون لماتت الاحياء
عبر! وما يجدي التفلسف عندما * يقف الفؤاد وتخمد الحوباء
فإذا التراب هو الحياة ودوده * رمز الخلود وعشبه والماء
أسطورة الإنسان هل نزلت إلى * هذا الحضيض، كما أزيح غطاء
لا لن يذهب الإنسان طعما سائغا * للموت، للنسيان فهو بغاء
الله والإنسان وجها صورة * لهما الخلود، ليخسان فناء
آمنت بالانسان فهو سماحة * وتدفق وتطور وعطاء
آمنت بالانسان فهو أصالة * وترفع وتعاظم ووفاء
آمنت بالانسان فهو بسالة * وتنكر للذات فهو فداء
لا لن يموت وعنده بارودة * فهي الحياة لمن مناه بقاء
رأسي فداء للفدائي الذي * يسمو برأسي كي تكون سماء
شعري تراب تحت أقدام الذي * راض التراب، فقمة وعلاء
آمنت بالانسان لم أكفر به * خسئ الفناء فلن يكون فناء
الله والإنسان وجها صورة * فالكافرون به هم الضعاء
أجواد لن أبكيك أبكي واقعا * ضحل الوفاء به وشح الماء
الغادرون الخائفون طليعة * والمخلصون المؤمنون ولاء
أ تموت أنت ويرتدي حلل البقا * في الخافقين زعانف لؤماء
أ تموت أنت؟؟ وفي الوجود حثالة * مرذولة وتفاهة خرقاء
أ محمد ولأنت اكسير الوفا * ما ذا أقول لأنت أنت وفاء
من شسع نعلك من كريه وجوههم * وشم وفيك عليهم استعلاء
لا لن يضيرك أن تبيت مشردا * خسئوا فهم من باعدوا وتناءوا
ستظل أنت كما أبوك مطهرا * وهم الذين بعارهم قد باءوا
لك يا أخي بقية من دمعة * في القلب قد غالت به الخيلاء
دمع الرجال كما الرجال موفر * للنائبات كما تصان دماء
وقال:
(١١١)

امنحي الروض في الربيع ابتسامه * تذكريه اقاحه وخزامه
وابعثي الحب للشباب مدامه * تسكريه وتوقظي أحلامه
أنت مثل الربيع يغذو الكمامة * من ندى الفجر أو زذاذ الدموع
سورة الحب للقلوب حميا * فاملئي الكاس من شعاع المحيا
وابعثيه مع الخيال إليا * تمنحيني الحياة شيا فشيا
أنت مثل النجوم تكسو الثريا * حلة النور وازدهار الربيع
إن سمعت هزار شعري يناجي * ربة الشعر في سكون الدياجي
فأشاحت بنورها عن سراجي * ابعثي النور من خلال الرتاج
اجتني في الضلوع أزكى نتاج * خمرة الحب في كؤوس الدموع
في السكون الرهيب مجلي لحسى * حيث اخلو لخمرتي ولكأسي
حيث ترثي لشقوتي ولبؤسي * زهرات الدجى فتهدي لنفسي
من بهي الشعاع نور التأسي * حيث لف الهوى حنايا الضلوع
من مراثيه
رثي بشعر كثير منه ما يأتي:
قال السيد محمد حسن مهدي الأمين يرثيه:
خضراء ذكراك عمر الطيب تختصر * ضفافها الليل والأنسام... والقمر
خضراء ريا الحكايا في تلفتها * مفاتن بشفوف الوحي تأتزر
لها على كل أفق صبوة وعلى * كل التماعة فجر موسم عطر
رفت فذاكرة الصحراء ألهبها * خصب على هبوات الرمل ينفجر
طاقت بصدري فانداحت على حدقي * نعمى رؤاها وضجت في دمي صور
وراح يمطرني شجوا تلفتها * كما تنهد في غيبوبة وتر
أبصرت وجهك فيها وجه سابحة * بالضوء يقطر سحرا عريها الخفر
متوجا باخضرار الغار مؤتزرا * بالغيم تحنو عليك الأنجم الزهر
تزهو وتخطر بين الشاعرين كما * يزهو ويخطر بين الأنجم القمر
كأنما القبر حين اخترته جسدا * أعياه أن تطفا الأوضاح والغرر
فرحت تقطر ضوءا عبر كل مدى * وراح عنك ظلام القبر ينحسر
آمنت بالشاعرين الملهمين على * اعتابهم كبرياء الموت ينتحر
باقون كالشمس تفنى كل داجية * ودأبها الضوء لا شكوى ولا ضجر
أبا القوافي أ دار الوحي أكؤسها * وعل حتى انتشى من خمرها الحجر
أسرجتها في الدجى للسامرين فما * انطوى على مثل ما أبدعته سمر
ونجمة الصبح كم ناغيت وحدتها * تبثها ما يجن الخاطر الغمر
كانت لغربتك العذراء مؤنسة * وكان يحلو لها في أفقك السهر
وكنتما توأمي زهو يلفكما * شأن المحبين في ابراده السحر
أبا القوافي العذارى ما استبيح لها * خدر... وما طامنت من زهوها الغير
سقيتها العمر لم تحفل إذا رويت * أ طال من بعدها أم قصر العمر
لها بقلبك نبع لا انتهاء له * وأكرم النبع ما في القلب ينفجر
شددتها بالذرى فالتف مفرقها * بالشمس... فارتد عن آفاقها البصر
ذلت لخفق جناحيها الرياح فما * انتهى بها سفر... الا ابتدا سفر
وأنت في غمرة الابداع مؤتلف * الجبين بالألق العلوي منهمر
تترى الليالي بزاد أنت مبدعة * وأنت بالظما المحموم مؤتزر
كالأنبياء عذاب الوحي زادهم * ومن شموخ أساهم تورق العصر
يا فارس اللغة الخضراء رف لها * على جديب الليالي هاجس عطر
لم يغترب في ظلام التيه موكبها * وما تلون في أشواطها وطر
وما استبيحت على أعتاب طاغية * إن الطغاة على أعتابها قبروا
وكنت تعلم أن الدرب موحشة * فما أخافك درب موحش وعر
بل رحت تسرج نور الشعر في وطن * أذل زهو رباه الحاكم البطر
أبا القوافي حملت الجمر في شفتي * وجئت بالنار لا بالشعر ابتدر
على يدي وطني والنزف يرهقه * والنار تمعن فيه وهو يحتضر
موزع بين أشداق الذئاب على * كل التماعة ناب راح ينتثر
رؤاه بالغسق القاني مخضبة * وحلمه برخيص الترب منعفر
دام وينزف أمجادا وألوية * للحاكمين... وللمستضعف الخور
وقال الأستاذ إبراهيم شرارة يرثيه من قصيدة:
بحور شعرك! ما الشطان والجزر * هل عند شقراء من أخبارها خبر
تريدني أن أرود الشمس أحملها * على خيوط سراج زيته عكر
من عاذري؟ وذبالات المنى نضبت * وليس ينبت في بستاني العذر!
أنا المنهنه ما خمري وما قدحي؟ * أنا المغرد، ما غصني وما الشجر؟
عشقت حتى كان العشق أتلفني * وذبت فالوجد لا يبقي ولا يذر
لكنني والقوافي من أخي حسن (١) * ما زلت أعرى وأكسى والمنى وبر
طفلا حبوت إلى الاشعار أرضعها * ولو تصدى لهامي الشيب والكبر
فمن أبي محسن (٢) كم صدت قافية * تقاسمتها لهاتي والألى شعروا!
لي وقفة في ذرى شقراء (٣) مشرفة * على النعيم الذي توفي له النذر
مهد المروءات مهد الساهرين على * صحائف العرب والتاريخ مزدهر
شقراء، شمس الالى دارت شموسهمو * ونال مجد سناها البدو والحضر
شقراء، اي نضار ضمن مالكه * به وقد قلبته كف من خبروا
ما شهقة الماس إن داعبت قافية * أو قهقهت ضفة أو سلسل النهر
أنا اغتنيت بها، قبلت تربتها * كما يقبل من زواره الحجر!
ورب جرح أسال الشجو من كبد * لا تعرف الشجو لولا أنه الكدر
سرى إلى مهجة ترتاح في حسن * وتستظل بنعماه وتأتزر
على أبي محسن شبت مجامرها * وفرقة الأخ هم ليس ينحسر
أنا الخلي وأشواقي ممزقة * فكيف حال شجي أهله هجروا
كمحسن (٤) راود الفصحى وقلبها * وراح ينثر حيث العلم ينتثر
وجد في عصر الماضي يراعته * ما مل منها وملت ذاتها العصر
حتى أقام جديدا فوق هامتها * كما يقيم ألسنا والليل معتكر!!
يغار كل هجين قصرت يده * إذا استطاع أصيل أو عدا المهر
يا دوحة سمقت في الدهر منبتها * من هاشم وأفانين العلا خضر
أمام أبوابكم أوقفت راحلتي * أرجو منالا به أزهو وأفتخر
وآخرون لأبواب العبيد سعوا * يرجون مالا فاغنى المال وافتقروا
وقمت من عثرتي والعز من أربي * وذل قوم بأذيال الهوى عثروا!
سل جبهة عفرت في كربلاء بثرى * تغار منه الدراري أنها الحفر
ما زال طيب الشذى يسري بأنملتي * لما مسست ضريحا مسه اليسر
شموا طيوب حسين والأباة، فما * يغنيكم الشم عن سعي ولا النظر
طوبى لأشياعه، والمؤمنين به * وألف طوبى لمن في ظله قبروا!
الله أكبر دوت في مآذننا * هي البشائر طافت أو هي النذر

(١) شقيق المرثي.
(٢) هو المرثي.
(٣) بلدة المرثي.
(٤) والد المرثي.
(١١٢)

نبوءة جدك المختار قام لها * ونزلت في حراء الآي والسور
قل للذين ادعوا كبرا ومعصية * هم الدعيون ما شالوا وما كبروا!
لشقراء أي القوافي أنتقي، ويدي * غصت، وفاضت بها الآثار والسير
لآلئا تشتهي الأصداف لؤلؤة * منها وتخجل من أصدافها الدرر
هنا أفاقت بطون الكتب مشرعة * بها العمائم والأقلام والفكر
كمحسن (١) والمصابيح التي سطعت * فنورت من سناها الأنجم الزهر
في كل يوم كعرس الشمس نقرأها * رسائلا، ثم يذوي في الدجى العمر
ونحن نمضي وتبقى الشمس عالقة * على الضحى والضحى يجري وينتشر
وأنت ما الشمس، ما أعراس عودتها * إلى الجفون التي اودى بها السهر
فشعرك الصبح يصحو من مراقده * والليل يهدأ والسمار والسمر
إن كنت غرة هذا العرس في بلدي * فعرس هذي الدنى أشعارك الغرر
ومن قصيدة الأستاذ إبراهيم بري:
شقراء... أين رجال الفكر قد رحلوا * أين الملائك في ناديك والرسل؟
توقف الوحي، سلك الأنبياء وهي * أم لا يزال بسلك الله يتصل؟
بك انتقلنا، وعطر الأهل يرشدنا * كأننا بربوع الخلد ننتقل
إذا احتفلنا بلقياهم، فلا عجب * إن الطيور بلقيا الفجر تحتفل
كان الخلود ربيبا في مدارسهم * لم يرحل الخلد الا عندما ارتحلوا
قوم، إذا غرسوا في الطرس ريشتهم * توافد النحل سال الشهد والعسل
خطوا لنا أحرفا شع اليقين بها * حتى لتحسب أن الطرس يشتعل
يراعهم، لم يكن لوحا، ولا خشبا * بل مرودا فيه عين الدهر تكتحل
فكل شاردة من خط أنملهم * فيها لنا منهج... فيها لنا عمل
جروا على الأرض أذيالا مطهرة * لم يخل من طيبها سهل ولا جبل
وكلموا الغيب، ناجته ضمائرهم * إن العيوب لهم تصغي ومتتثل
المعجزات استجابت حين ناشدها * أبوهم... رتبة يرقى لها الرسل
بلمحة نظرت عين السماء إلى * خشوعه، وهو في المحراب يبتهل
فأومأت لخيول الريح فانطلقت * وللغيوم، فجاءت وهي تنهمل
فتشرب الأرض من ضرع السماء ندى * وتستحم القرى، والحقل يغتسل
تلك الوجوه، توارت بعد ما اكتملت * وللبدور خسوف حين تكتمل
يا عندل الشعر، صوت الشعر مختنق * فلا هديل، ولا شدو، ولا غزل
ولا القوافي التي نامت براعمها * على جفونك، منها الوحي ينغزل
كأنما أدركت، أن النهار نأى * عن أفقها، فاعتراها الياس والملل
تبكي لها الحق أن تجري مدامعها * على الهزار الذي اودى به الاجل
تلك الليالي التي سامرت وحدتها * أمست على قبرك المحزون تنسدل
وشعرك العف، ما أعلى تصوفه * في جانب العشق، يبدو الطهر والخجل
فالخلد والأزل الباقي له احتضنا * أكرم بشعر حواه الخلد والأزل
يا عندل الشعر حسب الشعر أن له * سلكا بعاطفة الإنسان يتصل
إليه تنطلق الأرواح لاهثة * فهو السبيل لمن ضاقت به السبل
أبناؤه نحن، عشنا في رعايته * منا الجفاء، ومنه الصفح والقبل
تحية لك من صحب أهاب بهم * صوت الوفاء، فلبوا الصوت وامتثلوا
عبد الملك بن الأعز بن عمران التقي الاسنائي المصري
توفي بأسنا من صعيد مصر سنة ٧٠٧.
قال صاحب الطالع السعيد: كان أديبا شاعرا قرأ النحو والأدب على
الشمس الرومي وورد عليهم إسنا وله ديوان شعر وكان متهما بالتشيع
مشهورا به أنشدني له بعض الاسنائية:
رفقا بصب يا أهيل العقيق * دموعه تجري عليكم عقيق
سقيتم كأس هواكم له * صرفا فمن سكرته لا يفيق
وكلما فاح شذا حيكم * فالقلب مأسور ودمعي طليق
طريق أشواقي لكم سالك * وما إلى السلوان عنكم طريق
زوروا ولو بالطيف مضنى بكم * إذا هجرتم هجركم لا يطيق
وأنشدني صاحبنا الأديب الفاضل أبو عبد الله محمد بن عبد الوهاب
الأدفوي قال أنشدني ابن الأعز لنفسه:
صيرت صبري في هواك جذاذا * وأطلت هجرك والبعاد لما ذا
ونفيت عن عيني المنام وأهملت * فيك المدامع وأبلا ورذاذا
والشوق أشحذ من جفوت مداه لي * حتى غدت كبدي به أفلاذا
وقال في الدرر الكامنة:
كان فاضلا أديبا وله ديوان شعر فمنه قوله:
ولا تلم من يخب عنه سراة * فغرام الحبيب قد أسراه
جذبته يد الغرام لمن يهواه * فاعذره في الذي قد عراه
أبو الغمر عبد الملك البعلبكي
توفي سنة خمسمائة ونيف وخمسين برأس عين.
ذكره ابن شهرآشوب في معالم العلماء في شعراء أهل البيت
ع وأورد له في المناقب هذه الأبيات:
جد لي بعونك يا إلهي * واكفني يوما عبوسا
بمحمد ووصيه * وابنيهما قسما غموسا
وبمن بحيدرة الوصي * المرتضى أضحت عروسا
وعليهم ومحمد * وبجعفر أيضا وموسى
وبمن بطوس قبره * بأبي وأمي من بطوسا
وثلاثة من بعدهم * وبرابع ثان لعيسى
جد لي بعفوك يا الا * هي واكفني يوما عبوسا
فلقد دعوتك بالذين * جعلتهم فينا شموسا
كدعاء آدم إذ دعا * ك فلم يخف إذ ذاك بوسا
إلا غفرت خطيئتي * وأمنتني الذنب البئيسا
وجعلت حبهم علي * من العدا درعا لبوسا
وفي الطليعة: كان فاضلا أديبا شاعرا دخل مصر وجال في الشام
وعرف شعره ومدح ملوكها وكان حسن الشعر فمن شعره ما ذكره
الصفدي:
هويته ظبيا كثير الجفا * يهدي إلى الأحشاء أمراضه
وجامحا لا فرق في حكمه * أعرض عنه الصب أم راضه
وقوله أورده في المناقب:
يا أهل بيت محمد * يا خير من ملك النواصي

(١) والد المرثي.
(٢) إشارة إلى صلاة الاستسقاء التي قام بها والد المرثي.
(١١٣)

أنتم وسيلتي التي * أنجو بها يوم القصاص
وأنا المبير بما اكتسبت * من القبائح والمعاصي
لكن بكم يا سادتي * أرجو غدا منها خلاصي
من حاز علما بالولا * ء فليس للرحمن عاصي
: أبو طالب واسمه عبد مناف
بن عبد المطلب واسمه شيبة الحمد بن هاشم واسمه عمرو بن عبد
مناف واسمه المغيرة بن قصي بن كلاب بن مرة بن لؤي بن غالب بن فهر
ابن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن
نزار بن معد بن عدنان عم رسول الله ص شقيق أبيه أمهما فاطمة بنت
عمرو بن عائذ المخزومية ووالد أمير المؤمنين علي ع.
الخلاف في اسمه
قيل اسمه عبد مناف وهو الأصح لقول أبيه عبد المطلب في وصيته له
بالنبي ص: أوصيك يا عبد مناف بعدي وسيأتي واشتهر بكنيته وعن
صاحب عمدة الطالب قيل اسمه عمران وهي رواية ضعيفة رواها أبو بكر
محمد بن عبد الله الطرطوسي النسابة وقيل اسمه كنيته استنادا إلى ما وجد
باخر المصحف الذي بخط أمير المؤمنين علي ع وكتب علي بن أبو طالب
بالواو ولكن قيل أن الموجود في آخر ذلك المصحف بالياء ولكنها مشتبهة
بالواو في الخط الكوفي مع أن الكنية إذا كانت علما جرى عليها الاعراب
بالحروف كما كانت وفي الإصابة اشتهر بكنيته واسمه عبد مناف على
المشهور وقيل عمران وقال الحاكم أكثر المتقدمين على أن اسمه كنيته اه.
أقول في المستدرك للحاكم بالاسناد عن يحيى بن معين اسم أبي طالب
عبد مناف قال الحاكم وهكذا ذكره زياد بن محمد بن إسحاق وقد تواترت
الأخبار بان أبا طالب كنيته اسمه والله أعلم اه.
مولده ووفاته ومدة عمره
ولد قبل مولد النبي ص بخمس وثلاثين سنة كما في الإصابة وغيرها
وتوفي في النصف من شوال في السنة العاشرة من النبوة وهو ابن بضع
وثمانين سنة عن الواقدي وسبع وثمانين سنة عن المواهب اللدنية وقبل
الهجرة بثلاث سنين عن ابن الجوزي بعد ما خرج من الحصار بالشعب
بثمانية أشهر وواحد وعشرين يوما عن سيرة البعمري فيكون عمره على هذا
ثماني وثمانين سنة خمس وثلاثون قبل مولد النبي ص وأربعون إلى بعثته.
أحواله
ذكره السيد علي خان في الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة في
الطبقة الأولى من الصحابة فقال: هو عم النبي ص وكافله ومربيه وناصره
وكان سيد البطحاء وشيخ قريش ورئيس مكة قالوا ولم يسد في قريش فقير
قط إلا أبو طالب وعتبة بن ربيعة هذا لشرفه وهذا لصدقه وإنما كانت قريش
تسود بالمال اه. وكان أبو طالب شاعرا خطيبا.
تربيته للنبي ص وحبه إياه
في الإصابة: لما مات عبد المطلب أوصى بمحمد ص إلى أبي طالب
فكفله وأحسن تربيته وسافر به صحبته إلى الشام وهو شاب اه،
وقال الواقدي توفي عبد الله بن عبد المطلب أبو النبي ص وهو
طفل يرضع وروي وهو حمل وهذه الرواية أثبت فلما وضعته أمه كفله جده
عبد المطلب ثماني سنين ثم احتضر للموت فدعا ابنه أبا طالب وقال له يا
بني تكفل ابن أخيك مني فأنت شيخ قومك وعاقلهم ومن أجد فيه الحجي
دونهم ثم أنشأ عبد المطلب يقول:
أوصيك يا عبد مناف بعدي * بموحد بعد أبيه فرد
فارقه وهو ضجيع المهد * فكنت كالأم له في الوجد
ألصقه على الحشي والكبد * حتى إذا خفت فراق الوحد
أوصيك أرجى أهلنا بالرفد * بابن الذي غيبته في اللحد
بالكره مني ثم لا بالمفدي * وخيرة الله تشافي العبد
ثم قال:
وصيت من كفيت بطالب * عبد مناف وهو ذو تجارب
يا ابن الحبيب أكرم الأقارب * يا ابن الذي قد غاب غير آيب
فقال أبو طالب وكان قد سمع من الراهب وصفه:
لا توصني بلازم وواجب * إني سمعت أعجب العجائب
من كل حبر عالم وكاتب * بان بحمد الله قول الراهب
وما زال عبد المطلب يكرر الوصية بالنبي ص لأولاده كلهم وهم
تسعة غير عبد الله حتى خرجت روحه فكفل أبو طالب النبي ص
وأحسن تربيته وسافر به إلى الشام وهو ابن اثنتي عشرة سنة وقيل تسع سنين
والأول أكثر.
وروى ابن سعد في الطبقات بعدة أسانيد عن جماعة دخل حديث
بعضهم في حديث بعض قالوا لما توفي عبد المطلب قبض أبو طالب رسول
الله ص إليه فكان يكون معه وكان أبو طالب لا مال له وكان يحبه حبا
شديدا لا يحبه ولده وكان لا ينام إلا إلى جنبه ويخرج فيخرج معه.
قال ابن أبي الحديد: قرأت في أمالي أبي جعفر محمد بن حبيب قال
كان أبو طالب إذا رأى رسول الله ص أحيانا يبكي ويقول إذا رأيته ذكرت
أخي وكان عبد الله أخاه لأبويه وكان شديد الحب له والحنو عليه وكذلك
كان عبد المطلب شديد الحب له. وكان أبو طالب كثيرا ما يخاف على
رسول الله ص البيات إذا عرف مضجعه وكان يقيمه ليلا من منامه ويضجع
ابنه عليا مكانه فقال له علي ليلة يا أبت إني مقتول.
فقال له أبو طالب:
إصبرن يا بني فالصبر أحجى * كل حي مصيره لشعوب
قد بذلناك والبلاء شديد * لفداء الحبيب وابن الحبيب
لفداء الأغر ذي الحسب الثاقب * والباع والكريم النجيب
إن تصبك المنون فالنبل تبرى * فمصيب منها وغير مصيب
كل حي وإن تملي بعمر * آخذ من مذاقها بنصيب
فقال علي ع مجيبا له:
أ تأمرني بالصبر في نصر احمد * ووالله ما قلت الذي قلت جازعا

(١) هكذا في الأصل وخلله ظاهر ولعل الصواب: من كفلته أو نحو ذلك - المؤلف -.
(١١٤)

ولكنني أحببت أن تر نصرتي * وتعلم أني لم أزل لك طائعا
سأسعى لوجه الله في نصر أحمد * نبي الهدى المحمود طفلا ويافعا
استسقاء أبي طالب بالنبي ص وهو صغير
أخرج ابن عساكر عن حليمة بن عرفة قال قدمت مكة وهم في قحط
فقالت قريش يا أبا طالب اقحط الوادي وأجدب العيال فهلم لنستسقي
فخرج أبو طالب ومعه غلام كأنه شمس دجن تجلت عنه سحابة قتماء وحوله
أغيلمة فاخذه أبو طالب فألصق ظهره بالكعبة ولاذ الغلام بإصبعه وما في
السماء قزعة فاقبل السحاب من هاهنا وهاهنا وأغدق واغدودق وانفجر
الوادي وأخصب النادي والبادي وفي ذلك يقول أبو طالب:
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه * ثمال اليتامى عصمة للأرامل
قيامه بنصرة النبي ص ومنابذة قومه له
كان أبو طالب هو الناصر الوحيد لرسول الله ص والمحامي عنه
والمحتمل لعظيم الأذى من قومه في سبيله والباذل أقصى جهده في نصرته فما
كان يصل إلى رسول الله ص من قومه سوء مدة حياة أبي طالب فلما مات
نالت قريش من رسول الله ص بغيتها وإصابته بعظيم من الأذى فقال ص
لأسرع ما وجدنا فقدك يا عم وصلتك رحم وجزيت خيرا يا عم وقال ابن
حجر في الإصابة لما بعث النبي ص قام أبو طالب في نصرته وذب عنه من
عاداه ومدحه عدة مدائح منها قوله لما استسقى به أهل مكة فسقوا:
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأرامل
ومنها قوله من قصيدة:
وشق له من اسمه ليجله * فذو العرش محمود وهذا محمد
قال ابن عيينة عن علي بن زيد ما سمعت أحسن من هذا البيت اه
وفي الدرجات الرفيعة في الحديث الصحيح المشهور أن جبرائيل ع
قال لرسول الله ص ليلة مات أبو طالب أخرج منها فقد مات ناصرك.
ولما أمر الله سبحانه رسوله ص أن يصدع بما أمر به فقام باظهار دين
الله وشهر أمره ودعا الناس إلى الاسلام على رؤوس الاشهاد وذكر آلهة
قريش وعابها أعظمت ذلك قريش وأجمعوا على عداوته وخلافه وأرادوا به
السوء فقام أبو طالب بنصرته ومنعه منهم وذب عنه من عاداه وحال بينه
وبين كفار قريش فلما رأت قريش محاماة أبي طالب عنه وقيامه دونه وامتناعه
من أن يسلمه مشى إليه رجال من أشراف قريش منهم عتبة بن ربيعة وشيبة
أخوه وأبو سفيان صخر بن حرب وأبو البختري بن هشام والأسود بن
المطلب والوليد بن المغيرة وأبو جهل بن هشام والعاص بن وائل ونبيه ومنبه
ابنا الحجاج وأمثالهم من رؤساء قريش فقالوا له يا أبا طالب أن ابن أخيك
قد سب آلهتنا وعاب ديننا وسفه أحلامنا وضلل آراءنا فاما أن تكفه عنا وإما
أن تخلي بيننا وبينه فقال لهم أبو طالب قولا رفيقا وردهم ردا جميلا فانصرفوا
عنه ومضى رسول الله ص على ما هو عليه يظهر دين الله ويدعو إليه ثم
أسرف الأمر بينه وبينهم تباعدا وتضاعفا حتى أكثرت قريش ذكر رسول الله
ص بينها وتذامروا فيه وحض بعضهم بعضا عليه فمشوا إلى أبي طالب مرة
ثانية فقالوا يا أبا طالب أن لك سنا وشرفا ومنزلة فينا وإنا قد استنهيناك من
ابن أخيك فلم تنهه عنا وإنا والله لا نصبر على شتم آبائنا وتسفيه أحلامنا
وعيب آلهتنا فاما أن تكفه عنا أو ننازله وإياك حتى يهلك أحد الفريقين ثم
انصرفوا فعظم على أبي طالب فراق قومه وعدواتهم ولم تطب نفسه باسلام
ابن أخيه لهم ولا خذلانه فبعث إليه فقال له يا ابن أخي أن قومك قد
جاءوني فقالوا لي كذا وكذا فابق علي وعلى نفسك ولا تحملني من الأمر على
ما لا أطيقه فظن رسول الله ص أنه قد بدا لعمه فيه بداء وإنه خاذله
ومسمله وأنه قد ضعف عن نصرته والقيام دونه فقال يا عم والله لو وضعوا
الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى
يظهره الله أو أهلك فيه ثم استعبر باكيا وقام وولى فلما ولى ناداه أبو طالب
أقبل يا ابن أخي فاقبل راجعا فقال له إذهب يا ابن أخي فقل ما أحببت
فوالله لا أسلمك لشئ أبدا وأنشأ يقول:
والله لن يصلوا إليك بجمعهم * حتى أوسد في التراب دفينا
فانفذ لأمرك ما عليك مخافة * وأبشر وقر بذاك منه عيونا
ودعوتني وزعمت إنك ناصحي * ولقد صدقت وكنت قبل أمينا
وعرضت عن ديننا قد علمت بأنه * من خير أديان البرية دينا
لولا الملامة أو حذار مسبة * لوجدتني سمحا بذاك مبينا
قال بعض علمائنا: اتفق على نقل الأبيات الأربعة قبل البيت
الخامس مقاتل والثعلبي وابن عباس والقاسم وابن دينار وزاد قوم البيت
الخامس ظلما وزورا إذ لم يكن في جملة أبياته مسطورا ولم يتنبهوا للتناقض
الذي فيه ومنافاته باقي الأبيات ثم قال: قلت وزيادة هذا البيت لا تنافي
إسلامه رضي الله عنه لأن مفهومه لولا حذار الشغب من قريش وخوف
الفتنة التي توجب السبة عندهم لأظهرت ما تدعوني إليه وبينته على رؤوس
الاشهاد وهذا لا ينافي إسلامه باطنا واعتقاده الحق كما دل عليه سائر الأبيات
وغيره من شعره. ثم إن قريشا حين عرفت أن أبا طالب قد أبى خذلان
رسول الله ص وإسلامه ورأوا إجماعه على مفارقتهم وعداوتهم مشوا إليه
بعمارة بن الوليد بن المغيرة المخزومي وكان أجمل فتى في قريش فقالوا له يا
أبا طالب هذا عمارة بن الوليد أبهى فتى في قريش وأجمله فخذه إليك فاتخذه
ولدا فهو لك وأسلم لنا هذا ابن أخيك الذي قد خالف دينك ودين آبائك
وفرق جماعة قومك لنقتله فإنما هو رجل برجل فقال أبو طالب والله ما
أنصفتموني تعطونني ابنكم أغذوه لكم وأعطيكم ابني تقتلونه هذا والله ما لا
يكون أبدا تعلمون أن الناقة إذا فقدت ولدها لا تحن إلى غيره وقال:
يقولون لي دع نصر من جاء بالهدى * وغالب لنا غلاب كل مغالب
وسلم إلينا أحمدا واكفلن لنا * بنيا ولا تحفل بقول المعاتب
فقلت لهم الله ربي وناصري * على كل باع من لؤي بن غالب
فقال له المطعم بن عدي بن نوفل وكان له صديقا مصافيا والله يا أبا
طالب ما أراك تريد أن تقبل من قومك شيئا لعمري لقد جهدوا في
التخلص مما تكره وأراك لا تنصفهم فقال أبو طالب والله ما انصفوني ولا
أنصفتني ولكن قد اجتمعت على خذلاني ومظاهرة القوم علي فاصنع ما بد
لك قال فعند ذلك تنابذ القوم وثارت الأحقاد ونادى بعضهم بعضا وتذامروا
بينهم على من في القبائل من المسلمين الذين اتبعوا محمدا ص فوثبت كل
قبيلة على من فيها منهم يعذبونهم ويفتنونهم عن دينهم ومنع الله رسوله منهم
بعمه أبي طالب وقام في بني هاشم وبني المطلب حين رأى قريشا تصنع ما
تصنع فدعاهم إلى ما هو عليه من منع رسول الله ص والقيام دونه فاجتمعوا
(١١٥)

إليه وقاموا معه وأجابوه إلى ما دعاهم إليه من الدفاع عن رسول الله ص إلا
ما كان من أبي لهب فإنه لم يجتمع معهم على ذلك. ولم يؤثر عن أبي لهب
خير قط إلا ما روي أن أبا سلمة بن عبد الأسد المخزومي لما وثب عليه
قومه ليعذبوه ويفتنوه عن الاسلام وهرب منهم فاستجار بأبي طالب. وأم
أبي طالب مخزومية وهي أم عبد الله والد رسول الله ص فأجاره فمشى إليه
رجال من بني مخزوم وقالوا له يا أبا طالب هبك منعت منا ابن أخيك محمدا
فما لك ولصاحبنا تمنعه منا قال أنه استجار بي وهو ابن أختي (١) وإن أنا لم
أمنع ابن أختي لم أمنع ابن أخي فارتفعت أصواتهم وأصواته فقام أبو لهب
ولم ينصر أبا طالب قبلها ولا بعدها فقال يا معشر قريش والله لقد أكثرتم في
هذا الشيخ لا تزالون تتوثبون عليه في جواره من بين قومه أما والله لتنتهن
عنه أو لنقومن معه فيما قام فيه حتى يبلغ ما أراد فقالوا بل ننصرف عما تكره
يا أبا عتبة فقاموا فانصرفوا وكان وليا لهم ومعينا على رسول الله وأبي طالب
فاتقوه وخافوا أن تحمله الحمية على الاسلام.
خبر الصحيفة وحصار بني هاشم في الشعب
الشعب
ثم لما رأت قريش أنها لا تصل إلى محمد ص لقيام أبي طالب دونه
أجمعت على أن يكتب بينها وبين بني هاشم صحيفة يتعاقدون فيها على أن لا
يناكحوهم ولا يبايعوهم ولا يجالسوهم أو يسلموا إليهم رسول الله فكتبوها
وختم عليها أربعون خاتما وعلقوها في جوف الكعبة تأكيدا على أنفسهم
وكان كاتبها منصور بن عكرمة بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن
قصي فشلت يده فيما يذكرون فلما فعلوا ذلك انحازت بنو هاشم والمطلب
فدخلوا كلهم مع أبي طالب في الشعب فاجتمعوا إليه وكانوا أربعين رجلا ما
عدا أبي لهب وأبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وظاهر أبو لهب قريشا
على قومه وحصن أبو طالب الشعب وكان يحرسه بالليل والنهار فضاق الامر
ببني هاشم وعدموا القوت الا ما كان يحمل إليهم سرا وخفية وهو شئ
قليل لا يمسك ارماقهم وأنفقت خديجة فيه مالا كثيرا على النبي ص.
وأخافتهم قريش فلم يكن يظهر منهم أحد ولا يدخل إليهم أحد وذلك أشد
ما لقي رسول الله ص وأهل بيته بمكة وكانوا لا يأمنون الا بموسم العمرة في
رجب وموسم الحج في ذي الحجة فاقاموا على ذلك سنتين أو ثلاثا حتى
جهدوا ولا يصل إليهم شئ الا القليل سرا ممن يريد صلتهم من قريش
وقد كان أبو جهل بن هشام لقي حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد
العزى ومع غلام يحمل قمحا يريد به عمته خديجة بنت خويلد وهي عند
رسول الله ص محاصرة في الشعب فتعلق به وقال أ تحمل الطعام إلى بني
هاشم والله لا تبرح أنت وطعامك حتى أفضحك بمكة فجاءه أبو البختري
العاص بن هشام بن الحارث بن أسد بن عبد العزى فقال ما لك وله قال
أنه يحمل الطعام إلى بني هاشم فقال أبو البختري يا هذا ان طعاما كان
لعمته عنده بعثت إليه فيه أ فتمنعه أن يأتيها بطعامها خل سبيل الرجل فابى
أبو جهل حتى نال كل منهما من صاحبه فاخذ أبو البختري لحي بعير فضربه
به فشجه ووطئه وطئا شديدا فانصرف وهو يكره أن يعلم رسول الله ص
وبنو هاشم بذلك فيشتموا.
ثم بعث الله على صحيفتهم الأرضة فأكلتها قيل الا اسم الله واطلع
الله رسوله على ذلك فذكره رسول الله ص لعمه أبي طالب فقال أبو طالب
ربك أطلعك على هذا قال نعم قال فوالله ما يدخل عليك أحد فانطلق في
عصابة من بني هاشم والمطلب إلى المسجد فلما رأتهم قريش أنكروا ذلك
وظنوا انهم خرجوا من شدة البلاء ليسلموا رسول الله ص فقالوا لأبي طالب
قد آن أن ترجعوا عما أحدثتم علينا وعلى أنفسكم فقال إنما اتيتكم في أمر
نصف بيننا وبينكم أن ابن أخي اخبرني أن هذه الصحيفة التي في أيديكم
قد بعث الله عليها دابة فأبقت اسم الله وأكلت غدركم وتظاهركم علينا
بالظلم فإن كان كما قال فلا والله لا نسلمه حتى نموت عن آخرنا وإن كان
باطلا دفعناه إليكم قالوا قد رضينا ففتحوا الصحيفة فوجدوها كما أخبر
الصادق ص فقالوا هذا سحر ابن أخيك وزادهم ذلك بغيا وعدوانا فقال أبو
طالب يا معشر قريش فيم نحصر ونحبس وقد بان الامر وتبين انكم أولي
بالظلم والقطيعة ثم دخل هو وأصحابه بين أستار الكعبة وقال اللهم انصرنا
على من ظلمنا وقطع أرحامنا واستحل ما يحرم عليه منا ثم انصرف إلى
الشعب
نقض الصحيفة وخروج بني هاشم من الشعب
ولما أراد الله سبحانه ابطال الصحيفة والفرج عن بني هاشم من
الضيق والأذى الذي كانوا فيه قيض هشام بن عمرو بن الحارث بن
حبيب بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي فقام في ذلك أحسن
قيام وذلك أن أباه عمرو بن الحارث كان أخا لنضلة بن هاشم بن عبد
مناف بن قصي من امه فكان هشام بن عمرو بحسب ذلك واصلا لبني
هاشم وكان ذا شرف في قومه بني عامر بن لؤي فكان يأتي بالبعير ليلا وقد
أوقره طعاما وبنو هاشم وبنو المطلب في الشعب حتى إذا اقبل به إلى فم
الشعب قمع بخطامه من رأسه ثم يضربه على جنبه فيدخل الشعب عليهم
ثم يأتي به مرة أخرى قد أوقره تمرا فيصنع به مثل ذلك ثم أنه مشى إلى
زهير بن أبي أمية بن المغيرة المخزومي وهو ختن أبي طالب على ابنته عاتكة
فقال يا زهير أ رضيت أن تأكل الطعام وتشرب الشراب وتلبس الثياب
وتنكح النساء وأخوالك حيث قد علمت لا يبتاعون ولا يبتاع منهم ولا
ينكحون ولا ينكح إليهم ولا يواصلون ولا يزارون إما اني احلف لو كان
أخوال أبي الحكم بن هشام ودعوته إلى مثل ما دعاك إليه منهم ما أجابك
ابدا قال ويحك يا هشام فما ذا اصنع إنما انا رجل واحد والله لو كان معي
رجل آخر لقمت في نقض هذه الصحيفة القاطعة قال قد وجدت رجلا قال
من هو قال انا قال زهير ابغنا ثالثا فذهب إلى المطعم بن عدي بن نوفل بن
عبد مناف فقال له يا مطعم أ رضيت أن يهلك بطنان من بني عبد مناف
جوعا وجهدا وأنت شاهد على ذلك موافق لقريش فيه إما والله لئن
أمكنتموهم من هذا لتجدن قريشا إلى مساءتكم في غيره سريعة قال ويحك
ما ذا اصنع إنما انا رجل واحد قال قد وجدت ثانيا قال من هو قال انا قال ابغني
ثالثا قال قد وجدت قال من هو قال زهير بن أبي أمية قال ابغنا رابعا فذهب
إلى أبي البختري بن هشام فقال له نحو ما قال للمطعم قال وهل من أحد يعين
على هذا قال نعم وذكرهم له قال فابغنا خامسا فمضى إلى زمعة بن الأسود بن
المطلب بن أسد بن عبد العزى فكلمه فقال وهل يعين على ذلك من أحد قال نعم
ثم سمى له القوم فاتعدوا حطم الحجون ليلا بأعلى مكة فاجمعوا امرهم وتعاقدوا
على القيام في الصحيفة حتى ينقضوها وقال زهير انا أبدؤكم وأكون أولكم في
التكلم فلما أصبحوا غدوا إلى أنديتهم وغدا زهير عليه حلة له فطاف بالبيت سبعا

(١) هكذا في الأصل، فكان أمه هاشمية ولو أراد أنه من بني مخزوم وأم أبي طالب مخزومية لكان
المناسب أن يقول: وهو ابن خالي - المؤلف -.
(١١٦)

ثم اقبل على الناس فقال يا أهل مكة أنأكل الطعام ونشرب الشراب ونلبس
الثياب وبنو هاشم هلكى والله لا اقعد حتى تشق هذه الصحيفة القاطعة
الظالمة وكان أبو جهل في ناحية المسجد فقال كذبت والله لا تشق فقال
زمعة بن الأسود لأبي جهل أنت والله اكذب ما رضينا والله بها حين كتبت
فقال أبو البختري معه صدق والله زمعة لا نرضى بها ولا نقر بما كتب فيها
فقال المطعم بن عدي صدق والله وكذب من قال غير ذلك نبرأ إلى الله
منها ومما كتب فيها وقال هشام بن عمرو مثل قولهم فقال أبو جهل هذا أمر
قضي بليل وقام مطعم بن عدي إلى الصحيفة فحطها وشقها فوجد الأرضة
قد اكلتها الا ما كان من باسمك اللهم فلما مزقت الصحيفة خرج بنو هاشم
من حصار الشعب وفي ذلك يقول أبو طالب:
الأهل اتى نجدا بنا صنع ربنا * على نايهم والله بالناس ارفد
فيخبرهم أن الصحيفة مزقت * وإن كل ما لم يرضه الله يفسد
يراوحها افك وسحر مجمع * ولم تلق سحرا آخر الدهر يصعد
فلم يزل أبو طالب ثابتا صابرا مستمرا على نصرة رسول الله ص
وحمايته والقيام دونه حتى مات.
اسلام أبي طالب
لما بعث النبي ص أسلم أبو طالب وآمن به وصدقه فيما جاء به ولكنه
لم يكن يظهر ايمانه تمام الاظهار بل يكتمه ليتمكن من القيام بنصر رسول الله
ص فإنه لو أظهره اظهارا تاما لكان كواحد من المسلمين الذين اتبعوه ولم
يتمكن من نصرته والقيام دونه، وإنما تمكن من المحاماة عنه بالثبات في
الظاهر على دين قريش وإن أبطن الاسلام كما لو كان لانسان شرف ووجاهه
في بلد الكفر وهو مظهر الكفر ويحفظ ناموسه بينهم بذلك وفي البلد نفر يسير
من المسلمين ينالون بالأذى فما دام مظهرا لمذهب أهل البلد يكون أشد تمكنا
من المحاماة والمدافعة عن أولئك النفر ولو أظهر الاسلام وكاشف أهل البلد
بذلك لصار حكمه حكم واحد من أولئك النفر ولحقه من الأذى والضرر ما
يلحقهم فأبو طالب لو أظهر الاسلام لازدادت نفرة قريش وبغضها له أكثر
مما كانت لأجل المحاماة عن ابن أخيه فقط مع بقائه على دين قومه ولارتفع
حجاب المراعاة والمداراة بينه وبينهم بالكلية فينابذونه بالقتال ويتوسلون إلى
قتله وقتل ابن أخيه بكل وسيلة إما ما دام مظهرا لهم أنه على دينهم فلا
ييأسون من تسليم ابن أخيه لهم ويبقى لهم طمع في الأسهل منه ويعذرونه
في المحاماة عن ابن أخيه بعض العذر لمكان القرابة والشفقة ولذلك كانوا لا
يفترون عن طلبهم إليه ردع ابن أخيه أو تسليمه لهم وأقوى دليل على
اسلامه أنه لو لم يؤمن به لهان عليه اسلامه لهم وخذلانه ولم يتحمل ما تحمله
في نصره ولا نقلب حبه بغضا فالدين مفرق بين الاباء والأبناء والأحباب
والأصدقاء. مع أنه قد صرح باسلامه في أشعاره الآتية المتواترة لكنه لم
يكن يظهره اظهارا تاما مراعاة للمصلحة واجمع أئمة أهل البيت
ع وعلماؤهم على اسلامه واجماعهم حجة وعن ابن الأثير في جامع
الأصول ما أسلم من أعمام النبي ص غير حمزة والعباس وأبي طالب عند
أهل البيت اه. ووافقنا على اسلامه أكثر الزيدية وبعض شيوخ المعتزلة
كابي القاسم البلخي وأبي جعفر الإسكافي وغيرهما وجماعة من الصوفية
حكى ذلك السيد عبد الرحمن بن أحمد الحسني الإدريسي المغزلي نزيل مكة
المشرفة والمتوفى بها سنة ١٠٨٧ عن جمع من أهل الكشف والشهود وحكاه
عنه في الدرجات الرفيعة وأثنى عليه وقال إنه كان من أرباب الحال وأقطاب
الرجال ووافقنا على ذلك جماعة من علماء أهل السنة غير من ذكر وصنفوا فيه
بعض الرسائل المطبوعة لكن جمهورهم على خلافه لروايات رواها أعداء
ولده أمير المؤمنين ع أو حملوا غيرهم على روايتها مراغمة له وتلقاها من
بعدهم بالقبول وصادموا بها الضرورة والبديهة لحسن ظنهم بمن رواها وأورد
بعضها البخاري ومسلم لحسن الظن المذكور وقد صنفوا في اثبات اسلامه
مصنفات كثيرة بعضها من علماء أهل السنة كما مر وأكثرها من علماء الشيعة
ومحدثيهم وتعلم كثرتها من تتبع كتب الرجال ومن مشهور ما صنف في ذلك
للشيعة كتاب السيد الفاضل السعيد شمس الدين أبو علي فخار بن معد
الموسوي قال المجلسي في البحار وهو من أعاظم محدثينا وداخل في أكثر
طرقنا إلى الكتب المعتبرة. كما صنف غيرهم في رد ذلك قال في
الدرجات الرفيعة:
ولنا في ايمانه رضي الله عنه روايات منها ما روي عن حماد بن
سلمة عن ثابت عن إسحاق بن عبد الله عن العباس بن عبد المطلب قال
قلت لرسول الله ص يا ابن أخي ما ترجو لأبي طالب عمك قال أرجو له
رحمة من ربي وكل خير ومنها ما روي بأسانيد كثيرة بعضها عن العباس
ابن عبد المطلب وبعضها عن أبي بكر بن أبي قحافة ان أبا طالب ما مات
حتى قال لا إله إلا الله محمد رسول الله ومنها الخبر المشهور ان أبا طالب
عند الموت قال كلاما خفيا فاصغى إليه اخوه العباس ثم رفع رأسه إلى
رسول الله ص فقال يا ابن أخي والله لقد قالها عمك ولكنه ضعف عن أن
يبلغك صوته ومنها ما روي عن أمير المؤمنين ع أنه قال ما مات أبو
طالب حتى اعطى رسول الله ص من نفسه الرضا ومنها ما روي عن أبي
عبد الله جعفر بن محمد الصادق ع ان رسول الله ص قال أن
أصحاب الكهف أسروا الايمان وأظهروا الشرك فاتاهم الله اجرهم مرتين
ومنها ما روي عن محمد بن علي الباقر ع أنه سئل عما يقوله
الناس أن أبا طالب في ضحضاح من نار فقال لو وضع ايمان أبي طالب في
كفة ميزان وايمان هذا الخلق في الكفة الأخرى لرجح ايمانه ثم قال أ لم تعلموا
أن أمير المؤمنين عليا ع كان يأمر بالحج عن عبد الله وأبيه أبي طالب في
حياته ثم اوصى في وصيته بالحج عنهم ومنها ما روي أن أبان بن محمد
كتب إلى أبي الحسن علي بن موسى الرضا ع جعلت فداك اني
قد شككت في اسلام أبي طالب فكتب إليه ومن يشاقق الرسول من بعد ما
تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين الآية ومنها روي عن زين
العابدين علي بن الحسين ع أنه سئل عن اسلام أبي طالب فقال وا عجبا
أن الله تعالى نهى رسوله أن يقر مسلمة على نكاح كافر وقد كانت فاطمة
بنت أسد من السابقات إلى الاسلام ولم تزل تحت أبي طالب حتى مات.
وفي الإصابة اخرج البخاري في التاريخ من طريق صليحة بن
يحيى عن موسى بن طلحة عن عقيل بن أبي طالب قالت قريش لأبي طالب
أن ابن أخيك هذا قد آذانا فذكر القصة فقال يا عقيل إئتني بمحمد فجئت
به الظهيرة فقال أن بني عمك هؤلاء زعموا انك تؤذيهم فانته عن أذاهم
فقال أ ترون هذه الشمس فما انا بأقدر على أن أدع ذلك فقال أبو طالب والله
ما كذب ابن أخي قط ثم قال صاحب الدرجات: قالت الامامية ومما
يدل على ايمانه خطبة النكاح التي خطبها عند نكاح رسول الله ص خديجة
(١١٧)

بنت خويلد رضي الله عنها وهي:
الحمد لله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم وزرع إسماعيل وجعل لنا
بلدا حراما وبيتا محجوبا وروي محجوجا وجعلنا الحكام على الناس ثم إن
محمد بن عبد الله أخي من لا يوازن به فتى من قريش الا رجح عليه برا
وفضلا وحزما وعقلا ورأيا ونبلا وإن كان في المال قل فإنما المال ظل زائل
وعارية مسترجعة وله في خديجة بنت خويلد رغبة ولها فيه مثل ذلك وما
أحببتم من الصداق فعلي، وله والله بعد نبا وخطب جليل.
قالوا فتراه يعلم نباه الشائع وخطبه الجليل ثم يعانده ويكذبه وهو من
اولي الألباب هذا غير سائغ في العقول.
وفي الإصابة ذكر جمع أنه مات مسلما وتمسكوا بما نسب إليه من
قوله:
ودعوتني وعلمت انك صادق * ولقد صدقت فكنت قبل أمينا
ولقد علمت بان دين محمد * من خير أديان البرية دينا
قال ابن عساكر في صدر ترجمته قيل أنه أسلم ولا يصح اسلامه وقد
وقفت على تصنيف لبعض الشيعة أثبت فيه اسلام أبي طالب بأحاديث ما
أخرجه من طريق يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق عن العباس بن عبد
الله بن سعيد بن عباس عن بعض أهله عن ابن عباس قال لما اتى رسول
الله ص أبا طالب في مرضه قال له يا عم قل لا إله إلا الله كلمة استحل بها
لك الشفاعة يوم القيامة قال يا ابن أخي والله لولا أن تكون سبة علي وعلى
أهلي من بعدي يرون اني قلتها جزعا عند الموت لقلتها لا أقولها الا لأسرك
بها فلما ثقل أبو طالب رثي يحرك شفتيه فاصغى إليه العباس فسمع قوله
فرفع رأسه عنه فقال قد قال والله الكلمة التي سأله عنها. من طريق اسحق
به عيسى الهاشمي عن أبيه سمعت المهاجر مولى بني نفيل يقول سمعت أبا
رافع يقول سمعت أبا طالب يقول سمعت ابن أخي محمد بن عبد الله يقول
أن ربه بعثه بصلة الأرحام وأن يعبد الله وحده لا يعبد غيره ومحمد الصدوق
الأمين.
قال المؤلف وأورد ابن حجر في الإصابة هذا الحديث نقلا عن
الخطيب في كتاب رواية الآباء عن الأبناء. أخبرنا أبو نعيم حدثنا محمد بن
فارس بن حمدان حدثنا علي بن السراج البرقعيدي حدثنا جعفر بن عبد
الواحد القاص قال لنا محمد بن عباد عن إسحاق بن عيسى عن مهاجر مولى
بني نوفل سمعت أبا رافع أنه سمع أبا طالب يقول حدثني محمد أن الله امره
بصلة الأرحام وأن يعبد الله وحده لا يعبد معه أحدا ومحمد عندي الصدوق
الأمين قال واخرج الخطيب في الكتاب المذكور من طريق أحمد بن الحسن المعروف
بدبيس حدثنا محمد بن إسماعيل بن إبراهيم العلوي حدثني عم أبي الحسين
ابن محمد عن أبيه موسى بن جعفر عن أبيه عن علي بن الحسين عن الحسين بن
علي عن أبيه قال سمعت أبا طالب يقول حدثني محمد ابن أخي وكان والله
صدوقا قلت له بم بعثت يا محمد قال بصلة الأرحام وأقام الصلاة وايتاء الزكاة ثم
قال في تتمة ما نقله عن مصنف بعض الشيعة من طريق ابن المبارك عن صفوان
ابن عمرو عن أبي عامر الهوزني ان رسول الله ص خرج معارضا جنازة أبي
طالب وهو يقول وصلتك رحم. ومن طريق عبد الله بن ضميرة عن أبيه
عن علي أنه لما أسلم قال له أبو طالب الزم ابن عمك. ومن طريق أبي
عبيدة معمر بن المثنى عن رؤبة بن العجاج عن أبيه عن عمران بن حصين
أن أبا طالب قال لجعفر بن أبي طالب لما أسلم صل جناح ابن عمك فصلى
جعفر مع النبي ص أقول كان علي ع يصلي مع النبي ص وحده
فكان جناحا له اي واقفا إلى يمينه متأخرا عنه قليلا فلما قال أبو طالب لجعفر
صل جناح ابن عمك وقفا معا خلف رسول الله ص كما ورد في بعض
الروايات وذلك هو المستحب في صلاة الجماعة يقف الواحد إلى جنب
الامام والاثنان خلفه ومن طريق محمد بن زكريا العلائي عن العباس بن
بكار عن أبي بكر الهذلي عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال جاء
أبو بكر بأبي قحافة وهو شيخ قد عمي فقال رسول الله ص الا تركت الشيخ
حتى آتيه قال أردت أن يأجره الله والذي بعثك بالحق لأنا كنت أشد فرحا
باسلام أبي طالب مني باسلام أبي ألتمس بذلك قوة عينك. ومن طريق
راشد الحماني عن أبي عبد الله الصادق ع في حديث إلى أن قال
ويحشر عبد المطلب به نور الأنبياء وجمال الملوك
ويحشر أبو طالب في زمرته الحديث. ومن طريق علي بن محمد بن متيم سمعت أبي يقول سمعت
جدي يقول سمعت علي بن أبي طالب يقول تبع أبو طالب عبد المطلب في
كل أحواله حتى خرج من الدنيا على ملته وأوصاني أن أدفنه في قبره فأخبرت
رسول الله ص فقال اذهب فواره فغسلته وكفنته وحملته إلى الحجون فنبشت
عن قبر عبد المطلب فدفنته معه.
وفي الدرجات الرفيعة عن السيد عبد الرحمن الحسني الإدريسي
أنه أورده المحب الطبري في ذخائر العقبى وقال السيوطي في المسالك قد
ورد هذا الحديث من طريق آخر عن ابن عباس أخرجه أبو نعيم وحكى
السيد فخار بن معد في رسالته في إسلام أبي طالب عن أبي علي الموضح أنه
قال ولأمير المؤمنين ع في أبيه يرثيه يقول:
أبا طالب عصمة المستجير * وغيث المحول ونور الظلم
لقد هد فقدك أهل الحفاظ * فصلى عليك ولي النعم
ولقاك ربك رضوانه * فقد كنت للطهر من خير عم
فلو كان مات كافرا ما كان أمير المؤمنين ع يرثيه ويدعو له
بالرضوان وفي الدرجات الرفيعة لا أكاد أقضي العجب ممن ينكر إيمان
أبي طالب رض أو يتوقف فيه وأشعاره التي يرويها المخالف والمؤالف
صريحة في صراحة إسلامه وأي فرق بين المنظوم والمنثور إذا تضمنا إقرارا
بالاسلام ثم أورد جملة من أشعاره الدالة صريحا على ذلك ولكنه لم يذكرها
كلها وما ذكره فقد اختصره ونحن نورد جميع ما وصل إلينا من أشعاره في
ذلك ولا نحذف منه شيئا وعن بعض الثقات أن قصائده في هذا المعنى التي
تنفث في عقد السحر وتغبر في وجه شعراء الدهر تبلغ مجلدا أو أكثر فمن
أشعاره الدالة صريحا على إسلامه قوله في أمر الصحيفة:
ألا أبلغا عني على ذات بينها * لؤيا وخصا من لؤي بني كعب
أ لم تعلموا انا وجدنا محمدا * نبيا كموسى خط في أول الكتب
وإن عليه في العباد محبة * ولا حيف فيمن خصه الله بالحب
وإن الذي رقشتم في كتابكم * يكون لكم يوما كراغية السقب أفيقوا
أفيقوا قبل أن تحفر الزبى * ويصبح من لم يجن ذنبا كذي ذنب
ولا تتبعوا أمر الغواة وتقطعوا * أو أصرنا بعد المودة والقرب
وتستجلبوا حربا عوانا وربما * أمر على من ذاقه حلب الحرب
فلسنا وبيت الله نسلم أحمدا * لغراء من عض الزمان ولا كرب
ولما بين منا ومنكم سوالف * وأيد أمدت بالمهندة الشهب
(١١٨)

بمعترك ضنك ترى قصد القنا * به والضباع العرج تعكف كالشرب
كان مجال الخيل في حجزاته * وغمغمة الأبطال معركة الحرب
أ ليس أبونا هاشم شد أزره * وأوصى بنيه بالطعان وبالضرب
ولسنا نمل الحرب حتى تملنا * ولا نشتكي مما ينوب من النكب
ولكننا أهل الحفائظ والنهى * إذا طار أرواح الكماة من الرعب
وقوله:
ترجون منا خطة دون نيلها * ضراب وطعن بالوشيج المقوم
ترجون أن نسخى بقتل محمد * ولم تختضب سمر العوالي من الدم
كذبتم وبيت الله حتى تفلقوا * جماجم تلقى بالحطيم وزمزم
وتقطع أرحام وتنسى حليلة * حليلا ويغشى محرم بعد محرم
وينهض قوم في الحديد إليكم * يذودن عن أحسابهم كل مجرم
على ما مضى من مقتكم وعقوقكم * وغشيانكم في أمركم كل ماثم
وظلم نبي جاء يدعو إلى الهدى * وأمر أتى من عند ذي العرش قيم
فلا تحسبونا مسلميه فمثله * إذا كان في قوم فليس بمسلم
فهذي معاذير مقدمة لكم * لئلا يكون الحرب قبل التقدم
وقوله:
فلا تسفهوا أحلامكم في محمد * ولا تتبعوا أمر الغواة الأشائم
تمنيتم أن تقتلوه وإنما * أمانيكم هذي كأحلام نائم
وإنكم والله لا تقتلونه * ولما تروا قطف اللحى والجماجم
زعمتم بانا مسلمون محمدا * ولما نقاذف دونه ونزاحم
من القوم مفضال أبي على العدى * تمكن في الفرعين من آل هاشم
أمين حبيب في العباد مسوم * بخاتم رب قاهر في الخواتم
يرى الناس برهانا عليه وهيبة * وما جاهل في قومه مثل عالم
نبي أتاه الوحي من عند ربه * فمن قال لا يقرع بها سن نادم
وقوله وقد غضب لعثمان بن مظعون الجمحي حين عذبته قريش
ونالت منه:
أ من تذكر دهر غير مأمون * أصبحت مكتئبا تبكي كمحزون
أم من تذكر أقوام ذوي سفه * يغشون بالظلم من يدعو إلى الدين
أ لا ترون أذل الله جمعكم * انا غضبنا لعثمان بن مظعون
ونمنع الضيم من يبغي مضيمتنا * بكل مطرد في الكف مسنون
ومرهفات كان الملح خالطها * يشفى بها الداء من هام المجانين
حتى تقر رجال لا حلوم لها * بعد الصعوبة بالأسماح واللين
أ وتؤمنوا بكتاب منزل عجب * على نبي كموسى أو كذي النون
وجاء في الخبر أن أبا جهل بن هشام جاء مرة إلى رسول الله ص وهو
ساجد وبيده حجر يريد أن يرضخ به رأسه فلم يستطع فقال أبو طالب في
ذلك:
أفيقوا بني عمنا وانتهوا * عن الغي من بعض ذا المنطق
وإلا فاني إذا خائف * بوائق في داركم تلتقي
كما ذاق من كان من قبلكم * ثمود وعاد ومن ذا بقي
غداة أتتهم بها صرصر * وناقة ذي العرش إذ تستقي
غداة يعض بعرقوبها * حسام من الهند ذو رونق
فحل عليهم بها سخطة * من الله في ضربه الأزرق
وأعجب من ذاك في أمركم * عجائب في الحجر الملصق
بكف الذي قام من حينه * إلى الصابر الصادق المتقي
فأثبته الله في كفه * على رغمه الخائن الأحمق
وقد اشتهر عن عبد الله المأمون بن هارون الرشيد أنه كان يقول
أسلم والله أبو طالب بقوله:
نصرت الرسول رسول المليك * ببيض تلألأ كلمع البروق
أذب وأحمي رسول الإله * حماية عم عليه شفيق
وما أن أدب لأعدائه * دباب البكار حذار الفنيق
ولكن أزير لهم ساميا * كما زار ليث بغيل مضيق
ومن شعره المشهور قوله:
أنت النبي محمد * قرم أغر مسود
لمسودين أكارم * طابوا وطاب المولد
نعم الأرومة أصلها * عمرو الخضم الأوحد
هشم الرميكة في الجفا * ن وعيش مكة أنكد
فجرت بذلك سنة * فيها الخبيزة تثرد
ولنا السقاية للحجيج * بها يماث العسجد
والمأزمات وما حوت * عرفاتها والمسجد
إني تضام ولم أمت * وأنا الشجاع العربد
وبطاح مكة لا يرى * فيها نجيع أسود
وبنو أبيك كأنهم * أسد العرين توقد
ولقد عهدتك صادقا * في القول لا تتزيد
ما زلت تنطق بالصواب * وأنت طفل أمرد
وجاء في السيرة وذكره المؤرخون أن عمرو بن العاص لما خرج إلى
بلاد الحبشة ليكيد جعفر بن أبي طالب وأصحابه عند النجاشي قال:
تقول ابنتي أين أين الرحيل * وما البين مني بمستنكر
فقلت دعيني فاني أمرؤ * أريد النجاشي في جعفر
لأكويه عنده كية * أقيم بها نخوة الأصعر
وإن انثنائي عن هاشم * بما أسطعت في الغيب والمحضر
وعن عائب اللات في قوله * ولولا رضا اللات لم نمطر
وإني لأشنى قريش له * وإن كان كالذهب الأحمر
فكان عمرو يسمى الشانئ ابن الشانئ لأن أباه كان إذا مر عليه رسول
الله ص بمكة يقول والله إني لأشناك وفيه أنزل أن شانئك هو الأبتر فكتب
أبو طالب إلى النجاشي شعرا يمدحه ويحرضه فيه على إكرام جعفر وأصحابه
والأعراض عما يقوله عمرو فيهم يقول فيه:
ألا ليت شعري كيف في الناس جعفر * وعمرو وأعداء النبي الأقارب
وهل نال إحسان النجاشي جعفرا * وأصحابه أم عاق عن ذاك شاغب
تعلم خيار الحبش إنك ماجد * كريم فلا يشقى لديك المجانب
تعلم بان الله زادك بسطة * وأسباب خير كلها لك لازب
وعن علي ع أنه قال قال لي أبي يا بني الزم ابن عمك فإنك تسلم
به من كل باس عاجل و آجل ثم قال لي:
إن الوثيقة في لزوم محمد * فاشدد بصحبته علي يديكا
(١١٩)

ومن شعره المناسب هذا قوله:
إن عليا وجعفرا ثقتي * عند ملم الزمان والنوب
لا تخذلا وأنصرا ابن عمكما * أخي لأمي من بينهم وأبي
والله لا أخذل النبي ولا * يخذله من بني ذو حسب
وقوله يخاطب أخاه حمزة حين أسلم وكان يكنى أبا يعلى:
صبرا أبا يعلى على دين أحمد * وكن مظهرا للدين وفقت صابرا
وحط من أتى بالحق من عند ربه * بصدق وعزم لا تكن حمز كافرا
فقد سرني إذ قلت إنك مؤمن * فكن لرسول الله في الله ناصرا
وناد قريشا بالذي قد أتيته * جهارا وقل ما كان أحمد ساحرا
وقال مقاتل تعاقدت قريش لئن مات أبو طالب ليجمعن قبائل
قريش على قتل رسول الله ص وبلغ ذلك أبا طالب فجمع بني هاشم
وأحلافهم من قريش فوصاهم برسول الله ص وقال إن ابن أخي محمد
صادق وأمين ناطق وإن شانه أعظم شأن ومكان من ربه أعلى مكان فأجيبوا
دعوته واجتمعوا على نصرته وراموا عدوه من وراء حوزته فإنه الشرف الباقي
لكم الدهر وأنشأ يقول:
أوصي بنصر النبي الخير مشهده * عليا ابني وعم الخير عباسا
وحمزة الأسد المخشي صولته * وجعفرا أن تذودوا دونه الناسا
وهاشما كلها أوصي بنصرته * أن يأخذوا دون حرب القوم أمراسا
كونوا فدي لكم نفسي وما ولدت * من دون أحمد عند الروع أتراسا
بكل أبيض مصقول عوارضه * تخاله في سواد الليل مقباسا
وقال لابنه طالب:
ابني طالب أن شيخك ناصح * فيما يقول مسدد لك راتق
فاضرب بسيفك من أراد مساءة * حتى تكون له المنية ذائق
هذا رجائي فيك بعد منيتي * لا زلت فيك بكل رشد واثق
فاعضد قواه يا بني وكن له * إني بجدك لا محالة لاحق
آها أردد حسرة لفراقه * إذ لا أراه وقد تطاول باسق
أ ترى أراه واللواء أمامه * وعلي ابني للواء معانق
أ تراه يشفع لي ويرحم عبرتي * هيهات إني لا محالة زاهق
وفيها أقواء كثير كما هو عادة العرب بل لا يكاد يخلو شعر لهم منه.
وقال يذكر حصار الشعب:
وقالوا خطة جورا وحمقا * وبعض القول أبلج مستقيم
لتخرج هاشم فتصير منها * بلاقع بطن مكة والحطيم
فمهلا قومنا لا تركبونا * بمظلمة لها أمر وخيم
فيندم بعضكم ويذل بعض * وليس بمفلح أبدا ظلوم
فلا والراقصات بكل خرق * إلى معمور مكة لا تريم
طوال الدهر حتى تقتلونا * ونقتلكم وتلتقي الخصوم
ويعلم معشر قطعوا وعقوا * بأنهم هم الجد الظليم كذا
أرادوا قتل أحمد ظالميه * وليس لقتله فيهم زعيم
ودون محمد فتيان قوم * هم العرنين والعضو الصميم
ومن قصيدة لأبي طالب في أمر الصحيفة:
وقد كان من أمر الصحيفة عبرة * متى ما يخير غائب القوم يعجب
محا الله منها كفرهم وعقوقهم * وما نقموا من ناطق الحق معرب
وأصبح ما قالوا من الأمر باطلا * ومن يختلق ما ليس بالحق يكذب
وأمسى ابن عبد الله فينا مصدقا * على سخط من قومنا غير معتب
ستمنعه منا يد هاشمية * مركبها في الناس خير مركب
فلا والذي تحدى له كل نضوة * طليح بجنبي نخلة فالمحصب
يمينا صدقنا الله فيها ولم نكن * لنحلف بطلا بالعتيق المحجب
نفارقه حتى نصرع حوله * وما بال تكذيب النبي المقرب
وله في أمر حصار الشعب:
تطاول ليلي بهم نصب * ودمعي كسح السقاء السرب
للعب قصي بأحلامها * وهل يرجع الحلم بعد اللعب
ونفي قصي بني هاشم * كنفي الطهاة لطاف الحطب
وقول لأحمد أنت أمرؤ * خلوف الحديث ضعيف النسب
إلا أن أحمد قد جاءهم * بحق ولم يأت بالكذب
على أن إخواننا وازرونا * بني هاشم وبني المطلب
هما اخوان كعظم اليمين * أمرا علينا كعقد الكرب
فيا لقصي أ لم تخبروا * بما قد خلا من شؤون العرب
فلا تمسكن بأيديكم * بعيد الأنوف بعجب الذنب
ورمتم بأحمد ما رمتم * على الآصرات وقرب النسب
فاني وما حج من راكب * وكعبة مكة ذات الحجب
تنالون أحمد أو تصطلوا * ظباة الرماح وحد القضب
وتفترقوا بين أبياتكم * صدور العوالي وخيلا عصب
وقال:
قل لمن كان من كنانة في العز * وأهل الندى وأهل الفعال
قد أتاكم من المليك رسول * فاقبلوه بصالح الأعمال
وأنصروا أحمدا فان من الله * رداء عليه غير مذال
وقال أنشده أبو عبد الله بن صفية الهاشمي له:
لقد كرم الله النبي محمدا * فأكرم خلق الله في الناس أحمد
وشق له من اسمه ليجله * فذو العرش محمود وهذا محمد
وأورد الحافظ ابن حجر البيت الثاني له في الإصابة ثم قال: قال ابن
عينية عن علي بن زيد ما سمعت أحسن من هذا البيت.
وأراد أبو طالب الخروج إلى بصرى الشام وعزم على عدم أخذ النبي
ص معه إشفاقا عليه فلما ركب تعلق بزمام ناقته وبكى وناشده في إخراجه
فأخرجه معه ولقيه بحرا الراهب وحمل له ولأصحابه الطعام والنزل وحثه
على سرعة الرجوع به فقال أبو طالب في ذلك:
إن ابن آمنة الأمين محمدا * عندي بمثل منازل الأولاد
لما تعلق بالزمام رحمته * والعيس قد قلصن بالأزواد
فارفض من عيني دمع ذارف * مثل الجمان مفرق الأفراد
راعيت فيه قرابة موصولة * وحفظت فيه وصية الأجداد
وأمرته بالسير بين عمومة * بيض الوجوه مصالت أنجاد
ساروا لأبعد طية معلومة * فلقد تباعد طية المرتاد
حتى إذا ما قوم بصرى عاينوا * لاقوا على شرك من المرصاد
(١٢٠)

حبرا فأخبرهم حديثا صادقا * عنه ورد معاشر الحساد
وقال أيضا في ذلك:
أ لم ترني من بعد هم هممته * بعزة حر الوالدين كرام
بأحمد لما أن شددت مطبتي * لرحل وإذ ودعته بسلام
بكى حزنا والعيس قد فصلت لنا * وجاذب بالكفين فضل زمام
ذكرت أباه ثم رقرقت عبرة * تفيض على الخدين ذات سجام
فقلت له رح راشدا في عمومة * مواسين في البأساء غير لئام
فلما هبطنا أرض بصرى تشوفوا * لنا بشراب طيب وطعام
ولما رأى أبو طالب من قومه ما يسره من جلدهم معه وتحد بهم عليه
مدحهم وذكر قديمهم وذكر النبي ص فقال:
إذا اجتمعت يوما قريش لفخرها * فعبد مناف سرها وصميمها
وإن حضرت أشراف عبد منافها * ففي هاشم أشرافها وقديمها
ففيهم نبي الله أعني محمدا * هو المصطفى من سرها وكريمها
تداعت قريش غثها وسمينها * علينا فلم تظفر وطاشت حلومها
وروى الفقيه إبراهيم بن علي بن محمد الدينوري الحنبلي في كتاب
نهاية الطلب وغاية السؤول في مناقب آل الرسول باسناده إلى محمد بن
إسحاق بن عبد الله بن مغيرة بن معتب أن أبا طالب فقد رسول الله ص
فظن أن قريشا اغتاله فبعث إلى بني هاشم ليأخذ كل واحد منكم حديدة
صارمة ويجلس إلى جنب عظيم من عظماء قريش فإذا قلت أبغي محمدا قتل
كل منكم الذي إلى جانبه ففعلوا وبلغ ذلك رسول الله ص فاتاه في المسجد
فلما رآه أخذ بيده ثم قال يا معشر قريش فقدت محمدا فظننت أن بعضكم
اغتاله وأخبرهم بما عزم عليه وأراهم السكاكين فهابت قريش رسول الله ص
فقال أبو طالب:
ألا أبلغ قريشا حيث حلت * وكل سرائر منها غرور
فاني والصرائح غاديات * وما يتلو السفافرة الشهور
لآل محمد راع حفيظ * وداد الصدر مني والضمير
فلست بقاطع رحمي وولدي * ولو جرت مظالمها الجرور
أيا من جمعهم أفناء فهر * لقتل محمد والأمر زور
فلا وأبيك لأظفرت قريش * ولا لقيت رشادا إذ تشير
بني أخي ونوط القلب مني * وأبيض ماؤه غدق كثير
ويشرب بعده الولدان ريا * وأحمد قد تضمنه القبور
أيا ابن الأنف أنف بني قصي * كان جبينك القمر المنير
ومن شعره الصريح في إيمانه قصيدته اللامية المشهورة كشهرة قفا نبك
وقال ابن كثير هي قصيدة بليغة لا يستطيع أن يقولها إلا من نسبت إليه وهي
أفحل من المعلقات السبع وأبلغ في تأدية المعنى اه. ولم أعثر عليها
بتمامها فأوردت هنا ما وجدته منها:
أعوذ برب البيت من كل طاعن * علينا بسوء أو ملح بباطل
ومن فاجر يغتابنا بمغيبة * ومن ملحق في الدين ما لم يحاول
كذبتم وبيت الله نخلي محمدا * ولما نطاعن، دونه ونناضل
وننصره حتى نصرع دونه * ونذهل عن أبنائنا والحلائل
وحتى ترى ذا الردع يركب ردعه * من الطعن فعل الأنكب المتحامل
وينهض قوم في الحديد إليكم * نهوض الروايا من طريق حلاحل
وأنا وبيت الله إن جد جدنا * لتلتبسن أسيافنا بالأماثل
بكل فتى مثل الشهاب سميدع * أخي ثقة عند الحفيظة باسل
وما ترك قوم لا أبا لك سيدا * يحوط الذمار غير نكس مواكل
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه * ثمال اليتامى عصمة للأرامل
يلوذ به الهلاك من آل هاشم * فهم عنده في نعمة وفواضل
وميزان صدق لا يخيس شعيرة * ووازن صدق وزنه غير عائل
أ لم تعلموا أن ابننا لا مكذب * لدينا ولا يعبأ بقول الأباطل
فأصبح فينا أحمد في أرومة * تقصر عنها صولة المتطاول
لعمري لقد كلفت وجدا بأحمد * وأحببته حب الحبيب المواصل
أقيم على نصر النبي محمد * أقاتل عنه بالقنا والقنابل
وجدت بنفسي دونه فحميته * ودافعت عنه بالذرى والكلاكل
فلا زال في الدنيا جمالا لأهلها * وشينا لمن عادى وزين المحافل
فمن مثله في الناس أي مؤمل * إذا قاسه الحكام عند التفاضل
حليم رشيد عادل غير طائش * يوالي إلها ليس عنه بغافل
فأيده رب العباد بنصره * وأظهر دينا حقه غير ناصل
ومن شعره المشهور يخاطب النبي ص ويسكن جأشه ويأمره باظهار
الدعوة قوله:
لا يمنعك من حق تقوم به * أيد تصول ولا سلق بأصوات
فان كفك كفي إن منيت بهم * ودون نفسك نفسي في الملمات
إلى غير ذلك وكل هذه الأشعار قد جاءت مجئ التواتر لأنه إن لم
تكن آحادها متواترة فمجموعها يدل على أمر واحد مشترك وهو تصديق
محمد ص ومجموعها متواتر كما أن كل واحد من قتلات علي ع الفرسان
منقولة آحادا ومجموعها متواتر يفيد العلم الضروري بشجاعته وكذلك القول
فيما يروى من سخاء حاتم وحلم الأحنف وذكاء أياس وغير ذلك وروى
أهل السير والمغازي إن عتبة بن ربيعة أو شيبة أخاه لما قطع رجل عبيدة بن
الحارث بن عبد المطلب يوم بدر أشبل عليه علي وحمزة فاستنقذاه منه وخبطا
عتبة بسيفيهما حتى قتلاه واحتملا عبيدة من المعركة إلى العريش فألقياه بين
يدي رسول الله ص ومخ ساقه يسيل فقال يا رسول الله لو كان أبو طالب
حيا لعلم أنه قد صدق في قوله:
كذبتم وبيت الله نخلي محمدا * ولما نطاعن دونه ونناضل
وننصره حتى نصرع حوله * ونذهل عن أبنائنا والحلائل
فاستغفر له رسول الله ص ولأبي طالب وبلغ عبيدة إلى الصفراء
ومات فدفن بها وروي إن إعرابيا جاء إلى رسول الله ص في عام جدب
فقال أتيناك يا رسول الله ولم يبق لنا صبي يرضع ولا شارف يجتر وأنشد:
أتيناك والعذراء يدمى لبانها * وقد شغلت أم الرضيع عن الطفل
وألقى بكفيه الفتى لاستكانة * من الجوع حتى ما يمر ولا يحلي
ولا شئ مما يأكل الناس عندنا * سوى الحنظل العاصي والعلهز الغسل
وليس لنا إلا إليك فرارنا * وأين فرار الناس إلا إلى الرسل
فقام النبي ص يجر رداءه حتى صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه
وقال:
(١٢١)

اللهم اسقنا مغيثا مريئا هنيئا مريعا سجالا غدقا طبقا دائما دررا
تحيي به الأرض وتنبت به الزرع وتدر به الضرع واجعله سقيا نافعا عاجلا
غير رائث قال فوالله ما رد رسول الله ص يده إلى نحره حتى ألقت السماء
ارواقها وجاء الناس يضجون الغرق يا رسول الله فقال اللهم حوالينا ولا
على علينا فانجاب الغمام عن المدينة حتى استدار حولها كالاء كليل فضحك
رسول الله ص حتى بدت نواجذه ثم قال لله در أبي طالب لو كان حيا لقرت
عينه من ينشدنا قوله فقام علي ع فقال يا رسول الله لعلك أردت
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه قال أجل فانشده أبياتا منها ورسول الله
ص يستغفر لأبي طالب على المنبر ثم قام رجل من كنانة فانشده:
لك الحمد والحمد ممن شكر * سقينا بوجه النبي المطر
دعا الله خالقه دعوة * إليه وأشخص منه البصر
فما كان إلا كما ساعة * أو أقصر حتى رأينا الدرر
دفاق العزالي وجم البعاق * أغاث به الله عليا مضر
فكان كما قاله عمه * أبو طالب ذو رواء غزر
به يسر الله صوب الغمام * فهذا العيان وذلك الخبر
فمن يشكر الله يلق المزيد * ومن يكفر الله يلق الغير
فقال رسول الله ص ان يكن شاعر أحسن فقد أحسنت ولما ثقل
رسول الله ص في مرضه أنشدت فاطمة ع وأبيض يستسقي الغمام
بوجهه البيت فقال رسول الله ص يا بنية هذا قول عمك أبي طالب
ولكن قولي: وما محمد إلا رسول الآية وذلك دليل على استفاضته واشتهاره
وبلغ من اشتهار قوله:
ولقد علمت بان دين محمد * من خير أديان البرية دينا
إن استشهد به أهل النحو في كتبهم في باب التمييز وفي الدرجات
الرفيعة ما أحسن قول السيد أبي محمد عبد الله بن حمزة الحسني الزيدي
من قصيدة:
حماه أبونا أبو طالب * وأسلم والناس لم تسلم
وقد كان يكتم إيمانه * وأما الولاء فلم يكتم
ولله در ابن الحديد المعتزلي حيث يقول:
ولولا أبو طالب وابنه * لما مثل الدين شخصا فقاما
فذاك بمكة آوى وحامى * وهذا بيثرب خاض الحماما
تكفل عبد مناف بأمر * وآوى فكان علي تماما
فقل في ثبير مضى بعد ما * قضى ما قضاه وأبقى شماما
فلله ذا فاتحا للهدى * ولله ذا للمعالي ختاما
وما ضر مجد أبي طالب * جهول لقا أو بصير تعامى
كما لا يضر أناة الصبا * ح من ظن ضوء النهار الظلاما
وذكر السيد علي خان في الدرجات الرفيعة لنفسه:
أبو طالب عم النبي محمد * به قام أزر الدين واشتد كاهله
ويكفيه فخرا في المفاخر أنه * مؤازره دون الأنام وكافله
لئن جهلت قوم عظيم مقامه * فما ضر ضوء الصبح من هو جاهله
ولولاه ما قامت لأحمد دعوة * ولا انجاب ليل الغي وانزاح باطله
أقر بدين الله سرا لحكمة * فقال عدو الحق ما هو قائله
وما ذا عليه وهو في الدين هضبة * إذا عصفت من ذي العناد أباطله
وكيف يحل الذم ساحة ماجد * أواخره محمودة وأوائله
عليه سلام الله ما ذر شارق * وما تليت أحسابه وفضائله
قال وكان ابن أبي الحديد من المتوقفين في إسلام أبي طالب صرح
بذلك في شرحه لنهج البلاغة فقضى على نفسه بالجهل والتعامي في هذه
الأبيات اه.
ولو كان أقل من هذه الأدلة التي ذكرناها لغير إسلام أبي طالب أو
توثيقه وأخذ أحكام الدين عنه لما توقف القوم في قبولها ولكن كيف تساعد
النفس على الاذعان باسلام أبي طالب وهو أبو علي بن أبي طالب والشيعة
كلها وأئمتها متفقة على ذلك فكيف يترك حديث رواه مسلم والبخاري
ويتبع هذا مهما بلغ من القوة.
بعض الأحاديث التي رويت في عدم إسلام أبي طالب.
في الدرجات الرفيعة وغيرها أما ما رووه عن النبي ص أنه قال إن
الله وعدني بتخفيف عذابه لما صنع في حقي وإنه لفي ضحضاح من نار فهو
خبر يروونه كلهم عن رجل واحد وهو المغيرة بن شعبة وبغضه لبني هاشم
وعلى الخصوص لعلي ع مشهور معلوم وقصته وخبره غير خاف
فبطل التمسك به قال وما رووه أيضا: من أن عليا وجعفرا لم يأخذا من
تركة أبي طالب شيئا حديث موضوع ومذهب أهل البيت بخلاف ذلك فان
المسلم عندهم يرث غير المسلم ولا يرث غير المسلم المسلم ولو كان أعلى
درجة منه في النسب وقوله ص لا توارث بين أهل الملتين نقول بموجبه لأن
التوارث تفاعل ولا تفاعل عندنا في ميراثهما واللفظ يستدعي الطرفين
كالتضارب لا يكون إلا من اثنين وفي الإصابة اخرج أحمد من طريق
حبة العرني رأيت عليا ضحك على المنبر حتى بدت نواجذه ثم قال تذكرت
قول أبي طالب وقد ظهر علينا وأنا أصلي مع النبي ص ببطن نخلة فقال له
ما ذا تصنعان فدعاه إلى الاسلام فقال ما بالذي تقول من باس ولكن والله لا
يعلوني أستي أبدا قال المؤلف لم يكن أبو طالب في عقله ونبله وحبه لابن
أخيه واستحسانه للاسلام واعترافه بالخالق وعظمته ليصده عنه هذه العلة
السخيفة فيترك السجود لله تعالى لأجلها ويسجد لأحجار لا تضر ولا
تنفع، إن هذا ما لا يكون أبدا ولم يكن أمير المؤمنين ع ليضحك حتى
تبدو نواجذه لترك أبيه الاسلام لعلة لا تصدر من أسفه السفهاء بل هو
موضع الحزن والبكاء لو كان وفيها قال عبد الرزاق حدثنا سفيان عن
حبيب بن أبي ثابت عمن سمع ابن عباس في قوله تعالى: وهم ينهون عنه وينأون
عنه قال نزلت في أبي طالب كان ينهي عن أذى النبي ص
وينأى عما جاء به أقول مع إرساله يوجب اختلاف مرجع الضميرين في
الآية وظاهرها أن مرجعهما واحد وهو الاسلام وفي مجمع البيان قيل عنى به
أبا طالب ومعناه يمنعون الناس عن أذى النبي ص ولا يتبعونه، عن عطاء
ومقاتل وهذا لا يصح لأن هذه الآية معطوفة على ما تقدمها وما تأخر عنها
معطوف عليها وكلها في ذم الكفار المعاندين للنبي ص أقول وأبو طالب
لو سلم أنه لم يسلم فلم يكن معاندا.
قال ابن حجر في الإصابة بعد إيراد الأحاديث السابقة التي نقلها
عن مصنف بعض الشيعة: وأسانيد هذه الأحاديث واهية وعلى تقدير
(١٢٢)

صحتها فقد عارضها ما هو أصح منها أما الحديث الأول ففي
الصحيحين أن أبا طالب لما حضرته الوفاة دخل عليه النبي ص وعنده أبو
جهل وعبد الله بن أبي أمية فقال يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها
عند الله فقال له أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية يا أبا طالب أ ترغب عن ملة
عبد المطلب فلم يزالا به حتى قال آخر ما قال هو على ملة عبد المطلب فقال
النبي ص لأستغفرن لك ما لم أنه عنك، فنزلت ما كان للنبي والذين آمنوا
أن يستغفروا للمشركين الآية إنك لا تهدي من أحببت الآية قال
وقد أجاب المذكور عن قوله وهو على ملة عبد المطلب بان عبد المطلب مات
غير كافر واستدل باثر مقطوع عن جعفر الصادق ولا حجة فيه لانقطاعه
وضعف رجاله وهو حديث راشد الحماني المتقدم قال وأما الحديث الثاني
وفيه شهادة أبي طالب بتصديق النبي ص فالجواب عنه وعما ورد في شعر أبي
طالب انه نظير ما حكاه تعالى عن كفار قريش فجحدوا بها واستيقنتها
أنفسهم ظلما وعلوا فكان كفرهم عنادا ومنشاوه من الآنفة والكبر إلى ذلك أشار
أبو طالب بقوله لولا أن تعيرني قريش قال في الحديث الأول من
حديثي الخطيب: قال الخطيب لا يثبت هذا الحديث أهل العلم بالنقل وفي إسناده
غير واحد من المجهولين وجعفر ذاهب الحديث وقال في الحديث الثاني
منهما: قال الخطيب لم أكتبه بهذا الإسناد إلا عن هذا الشيخ، ودبيس المقري
صاحب غرائب وكثير الرواية للمناكير قال وأما الحديث الثالث أي من
أحاديث مصنف الشيعي وهو حديث الهوزني فهو مرسل ومع ذلك فليس في
قوله وصلتك رحم ما يدل على إسلامه بل فيه ما يدل على عدمه وهو
معارضته لجنازته إذ لو كان أسلم لمشى معه وصلى عليه وقد ورد ما هو أصح
منه من طريق ناجية بن كعب عن علي قال لما مات أبو طالب أتيت النبي
ص فقلت أن عمك الضال قد مات فقال لي إذهب فواره وقد أخرجه
المذكور من وجه آخر عن ناحية بن كعب عن علي بدون قوله الضال وأما
الرابع والخامس وهو أمر أبي طالب ولديه باتباعه فتركه ذلك هو من جملة
العناد وهو أيضا من حسن نصرته له وذبه عنه ومعاداته قومه بسببه وأما
حديث إسلام أبي قحافة فالمراد أني كنت باسلام عمك لو أسلم أشد فرحا
مني باسلام أبي واستشهد لذلك ببعض الأحاديث المصرحة به وأما حديث
راشد الحماني فأخرجه عن أبي بشر أحمد بن إبراهيم بن يعلى بن أسد عن
أبي صالح الحمادي عن أبيه عن جده سمعت راشدا الحماني فذكره وهذه
سلسلة شيعية غلاة وقال قبل ذلك أنه مقطوع كما مر قال وورد في
الصحيح عن العباس بن عبد المطلب أنه قال للنبي ص ما أغنيت عن
عمك أبي طالب فإنه كان يحوطك ويغضب لك فقال هو في ضحضاح من
النار ولولا انا لكان في الدرك الأسفل قال والأحاديث الصحيحة
والأخبار المتكاثرة طافحة بذلك وقد فخر المنصور على محمد بن عبد الله بن
الحسن لما خرج بالمدينة بقوله في كتاب له وقد بعث النبي ص وله أربعة
أعمام فامن به اثنان أحدهما أبي وكفر به اثنان أحدهما أبوك ومن شعر عبد
الله بن المعتز يخاطب الفاطميين.
وأنتم بنو بنته دوننا * ونحن بنو عمه المسلم
وأما حديث ابن متيم فأخرجه عن أبي بشر المذكور عن أبي بردة
السلمي عن الحسن بن ما شاء الله عن أبيه علي بن محمد بن متيم وهذه
سلسلة شيعية من الغلاة فلا يفرح به وقد عارضه ما هو أصح منه ولم
يتعرض لحديث الطبقات بشئ ولعله لاكتفائه بما ذكره في غيره من أنه لا
يدل إلا على اعتقاده بنبوته لكنه لم يسلم عنادا وأنفة وقال في الحديث
الأخير: قال تمام الوليد منكر الحديث قال ابن عساكر والصحيح ما أخرجه
مسلم من حديث أبي سعيد الخدري أن رسول الله ص ذكر عنده أبو طالب
فقال تنفعه شفاعتي يوم القيامة فيجعل في ضحضاح من النار يبلغ كعبه يغلي
منه دماغه. انتهى ما أورده ابن حجر في الإصابة قال المؤلف والشنشنة
الأخزمية معروفة في كل حديث يكون فيه فضيلة لأهل البيت ومن إليهم أو
يوافق رأي الشيعة فأولا يقدح في سنده ما أمكن ويتمحل له الوجوه ولو
اشتهر وكثرت رواته ومؤيداته ويكفي لذلك وجود من ينسب إلى التشيع في
سنده فيقال رواته غلاة ولو كانوا معروفين بالصدق إما معارضه فلا يضر
وجود الغلاة في النصب في سنده ولا الخوارج أمثال عمران بن حطان أو
المغيرة بن شعبة لأنه صحابي مقدس ولو فعل ما فعل. ثم ينتقل إلى دلالته
فيحتمل لها التأويلات البعيدة ولو كانت الدلالة صريحة جلية قوله
وأسانيد هذه الأحاديث واهية، لم يبين وجه ضعفها هذا مع اعتضادها
باشعاره المتواترة الصريحة في إسلامه وقد عارضها بما زعم أنه أصح منها
كحديث للصحيحين مع أنه إذا ورد في الصحيحين ما لا يوافقهم لم يتحاشوا
من القدح في سنده والقول بأنه ليس كل ما في الصحيحين صحيح مع أن
حضور أبي جهل وابن أبي أمية عنده ومضايقتهما ومعارضتهما النبي ص في
إظهار إسلامه يمنعه عن إظهاره لأنه لم ييأس من الحياة فيخشى ما كان يخشاه
في حياته من عدم التمكن الكافي من نصرة رسول الله ص كما بيناه سابقا
فاكتفى بقوله أنه على ملة عبد المطلب الذي ثبت من طريق أهل البيت
ع أنه كان على الحق وعلى ملة أبيه إبراهيم.
أما قدحه في حديث الحماني بالقطع فلا قطع فيه فان رواية أبو بشر
أحمد بن إبراهيم ذو مصنفات ذكرتها الشيعة في فهارسها وذكروا أسانيدهم
إليها ووصفوه بالوثاقة وسعة الرواية وأنه من مشائخ الإجازة كما يأتي في
ترجمته انش فأين موضع القطع لولا العصبية والتشبث بالباطل.
أما أن آية ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين
الآية فقد اختلف المفسرون في سبب نزولها فقيل نزلت في أبي طالب
وحكى الفخر الرازي في تفسيره عن الواحدي عن الحسين بن الفضل
الحسن بن الفضل خ ل أنه استبعده لأن هذه السورة من آخر القرآن
نزولا ووفاة أبي طالب كانت بمكة في أول الاسلام وقول الفخر الرازي في
رفع هذا الاستبعاد يمكن أن يكون بقي يستغفر له إلى نزول هذه الآية لا
يرفعه فان الاستغفار للمشرك لم تكن فيه مصلحة ولم تتجدد فيه مفسدة حتى
يقر الله نبيه عليه كل هذه المدة إن الله لا يغفر أن يشرك به وقيل
نزلت في غيره ففي مجمع البيان عن تفسير الحسن أن المسلمين قالوا للنبي
ص أ لا نستغفر لآبائنا الذين ماتوا في الجاهلية فأنزل الله سبحانه هذه الآية
وبين أنه لا ينبغي لنبي ولا مؤمن أن يدعو لكافر ويستغفر له وفي تفسير
الرازي يروي عن علي أنه سمع رجلا يستغفر لأبويه المشركين فقال له
أ تستغفر لأبويك وهما مشركان فقال أ ليس قد استغفر إبراهيم لأبويه وهما
مشركان فذكر ذلك لرسول الله ص فنزلت هذه الآية وفي تفسير الطبري
بسنده عن مجاهد كان يقول المؤمنون ألا نستغفر لآبائنا وقد استغفر إبراهيم
لأبيه كافرا فأنزل الله وما كان استغفار إبراهيم الآية وفيه أيضا بسنده
عن ابن عباس كانوا يستغفرون للمشركين حتى نزلت هذه الآية فلما نزلت
أمسكوا عن الاستغفار لأمواتهم وإذا تعارضت الأخبار بطل الاستدلال بها
مع أن أخبار إيمانه معتضدة بالمؤيدات القوية المتقدمة والمعارضة لها إنما
(١٢٣)

رويت مراغمة لعلي ع وأهل بيته إرضاء للأمويين والعباسيين فرواها
العلماء وقبلوها لعدم إطلاعهم على وضعها ولحسن ظنهم بمن نقلها. وأما
آية أنك لا تهدي من أحببت. ففي مجمع البيان في تفسير سورة
القصص قيل أنها نزلت في أبي طالب فالنبي ص كان يحب إسلامه،
فنزلت، ويكره إسلام وحشي قاتل حمزة فنزل يا أيها الذين آمنوا لا
تقنطوا من رحمة الله الآية فلم يسلم أبو طالب وأسلم وحشي قال
وفي هذا نظر فان النبي ص لا يجوز أن يخالف الله تعالى في إرادته كما لا
يجوز أن يخالفه في أوامره ونواهيه فكانه سبحانه بمقتضى اعتقادهم يقول إنك
يا محمد تريد إيمانه ولا أريده ولا أخلق فيه الايمان مع تكفله بنصرتك وبذل
مجهوده في إعانتك والذب عنك ومحبته لك ونعمته عليك وفي هذا ما فيه
اه، وعن كتاب السيد فخار المتقدم إليه الإشارة أما ما ذكروه من
النبي ص كان يحب عمه أبا طالب ويريد منه أن يؤمن به وهو لا يفعل
فنزلت إنك لا تهدي من أحببت فإنه جهل بأسباب النزول وتحامل على
عم الرسول ص لأن لنزول هذه الآية عند أهل العلم سببا معروفا وذلك أنه
ص لما جرح يوم أحد وكسرت رباعيته قال اللهم إهد قومي فإنهم لا
يعلمون فنزلت وروي لنزولها سبب آخر وهو أن قوما ممن أظهر الايمان
بمكة لم يهاجروا وأظهروا الكفر فبلغ ذلك النبي ص وأصحابه فاختلفوا في
تسميتهم بالكفر والايمان فبعض قال كافرون وبعض مؤمنون لاظهارهم
الكفر اضطرارا واجتمعوا إليه ص وكان إشرافهم يريدون منه أن يحكم
بايمانهم لقرابتهم منهم فأحب ص أن ينزل ما يوافق محبة الاشراف لتالفهم
فنزلت أنك لا تهدي من أحببت أي لا تحكم ولا تسمي ولا تشهد بالايمان
لمن أحببت ولكن الله يفعل ذلك لمن كان مستحقا قال وإن ثبت أنها
نزلت في أبي طالب فتدل على فضله وعلو مرتبته في الايمان والهداية لأن
هدايته كانت من الله دون غيره وهو كان المتولي لها وكان تقديره أن أبا
طالب الذي تحبه لم تهده أنت يا محمد بنفسك بل الله تولى هدايته وهذا أولى
مما ذكروه لعدم ارتكاب النبي ص ما نهى عنه من حب الكافرين بقوله لا
تجد قوما الآية اه. أما جواب ابن حجر عن الحديث الثاني المروي من
طريق إسحاق وفيه شهادته بتصديق النبي ص وعما ورد في أشعاره بأنه نظير
ما حكاه تعالى عن كفار قريش وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما
وعلوا وإن منشأ كفره وكفرهم العناد والأنفة والكبر ففيه أنه لا يعقل
أن يصدر ذلك من مثل أبي طالب في عقله وفضله فيعاند ويستكبر ويأنف مما
جاء به ابن أخيه وأحب الخلق إليه ومن يسعد بنبوته ويتشرف بشرفه في
الدنيا والآخرة. ويخالف اعتقاده ولا يسلم ويخالف فعله في المبالغة بنصره
ويأمر أولاده باتباعه والايمان والصلاة معه ويمدح أخاه حمزة على إيمانه به أن
هذا ما لا يرضاه عاقل بل هو العناد بعينه ولو كانت الأنفة والكبر والعناد
تحمله على عدم الاسلام لنهى أولاده وأخاه عنه ولم يحثهم عليه ولم يمدح
فاعله لأن ما يأنف منه الإنسان لنفسه يأنف منه لأولاده وإخوته وأقرب الناس
إليه وما يحبه لنفسه يحبه لهم إذ ما يلحقهم من العار بذلك يلحقه وما يحصل
لهم من المنفعة كأنه حصل له ولا يقاس ذلك بأبي لهب وكفار قريش الذين
نزل فيهم وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا فإنهم كانوا
يجاهزون بعداوته وصد الناس عنه جهدهم وبذلك يبطل استشهاده بقوله
لولا أن تعيرني قريش فان قريشا إن عيرته باسلامه تعيره باسلام أولاده
وحثهم عليه وإن صح أنه قال فمحمول على إرادة الخوف من عدم تمكنه
من النصرة أن أظهره بسبب تعييرهم له بذلك واستخفافهم به ووجود
المجهولين في سند حديث الخطيب الأول أن أسلم لا يضر مع اعتضاده
بغيره وقول الخطيب عن راوي الحديث الثاني أنه صاحب غرائب وكثير
الرواية للمناكير يمكن أن تكون هذه الغرائب والمناكير مثل إسلام أبي طالب
الذي لا غرابة ولا نكران فيه أما قدحه في الحديث الثالث وهو حديث
الهوزني بأنه ليس في قوله وصلتك رحم ما يدل على اسلامه ففيه أنه دعاء له
بما لا يدعي به لكافر وقوله لو أسلم لمشى معه وصلى عليه فيه أنه ليس
في الحديث عدم مشيه معه والمعارضة لا تدل على ذلك بل الظاهر أنه لم يكن
حاضرا أول حمله ثم خرج فعارضه وقال ذلك ومشى معه ومع ذلك ليس
فيه أنه لم يصل عليه ويدل عليه المروي كما في الدرجات الرفيعة أنه لما مات
رضوان الله عليه جاء أمير المؤمنين علي ع إلى رسول الله ص فاذنه
بموته فتوجع عظيما وحزن شديدا ثم قال له إمض فتول غسله فإذا رفعته على
سريره فاعلمني ففعل فاعترضه رسول الله ص وهو محمول على رؤوس
الرجال فقال له وصلتك رحم يا عم وجزيت خيرا لقد ربيت وكفلت صغيرا
ونصرت وآزرت كبيرا ثم تبعه إلى حفرته فوقف عليه فقال إما والله
لأستغفرن لك ولأشفعن فيك شفاعة يتعجب لها الثقلان وإنما لم يصل عليه
لأن صلاة الجنائز لم تكن شرعت بعد ولا صلى رسول الله ص على خديجة
وإنما كان تشييع ورقة ودعاء وأما الحديث الذي زعم أنه أصح منه وهو
قول علي لرسول الله ص عمك الضال فلفظة الضال لا يمكن أن يقولها علي
في حق أبيه ويجابه بها رسول الله ص في حق عمه وكافله وناصره في حالة
وفاته ولو فرض أنه كافر ولا يقولها إلا شامت مبغض فهي زيادة مكذوبة
والصحيح ما في رواية ناجية من تركها مع أن أمر النبي ص له بتولي أمر
دفنه دون عقيل وطالب اللذين كانا غير مسلمين يومئذ ولم يسلم من أولاده
غير علي وجعفر وهو بالحبشة أقوى دليل على إسلامه وإلا لكان الكافر أولى
به وأما جعله أمر أبي طالب ولديه باتباعه مع تركه ذلك من جملة العناد
فهو عين العناد فان أمره لهما بذلك يدل على اعتقاد صدقه وينفي عنه العناد
ولو كان معاندا كابي لهب لنهاهما عن أتباعه وأراد لهما ما يريده لنفسه وكيف
ينصره جهده ويذب عنه ويعادي قومه بسببه ويأمر أولاده باتباعه مما يدل على
عدم عناده ويعانده هل هذا إلا التناقض والتمحل وأما تأويله لحديث
إسلام أبي قحافة فمخالف للظاهر وما استشهد به محتاج للثبوت وكيف يثبت
وهو مصادم للضرورة وأما حديث أنه في ضحضاح من نار فقد عرفت
مما تقدم كذبه وإن وصفه بالصحة كغيره مما زعمه ولا أعجب من استشهاده
بقول المنصور الظالم المتمادي في ظلمه الذي فعل بذرية الرسول ص ما لا
يفعله ظالم بأشقى الأشقياء وقد أشرنا إلى بعضه في المقدمات وبغضه لهم
وخوفه منهم على ملكه الذي يحمله على مثل هذا الكلام معلوم كاستشهاده
بشعر ابن المعتز الذي لا يقصر عن المنصور في بغض العلويين وقوله في
رواة حديث ابن متيم وهذه سلسلة شيعية من الغلاة فلا يفرح به، ظاهر في
تحامله وما الذي يجره إسلام أبي طالب على هذا الشيعي حتى يفرح به
وما الذي يضره هو من ذلك حتى يحزن له ويفرح بعدمه والسلسلة الشيعية
قد مر كلامنا في مثلها وفي دعواه أصحية المعارض والله المستعان.
تشيع أبي طالب
في الدرجات الرفيعة إن قلت هبكم أجمعتم على إسلامه وإيمانه
فكيف قلتم بتشيعه قلت أن النبي ص قد أخبر عشيرته في حياته أن عليا
ع وصيه وخليفته بمحضر من أبي طالب رضي الله عنه وغيره من
بني هاشم فاذعن أبو طالب له بذلك. ذكر الطبري في تاريخه عن عبد
(١٢٤)

الله بن عباس عن علي بن أبي طالب ع قال لما نزلت هذه الآية وأنذر
عشيرتك الأقربين على رسول الله ص دعاني فقال يا علي إن الله أمرني أن
أنذر عشيرتي الأقربين فضقت بذلك ذرعا وعلمت أني متى أبادئهم بهذا
الأمر أرى منهم ما أكره فصمت حتى جاءني جبرئيل فقال يا محمد إنك إن لم
تفعل ما أمرت به يعذبك ربك. فاصنع صانعا من طعام واجعل عليه
رجل شاة واملأ لنا عسا من لبن ثم أجمع بني عبد المطلب حتى أكلمهم
وبلغهم ما أمرت ففعلت ما أمرني به من دعوتهم وهم يومئذ أربعون رجلا
يزيدون رجلا أو ينقصون فيهم أعمامه أبو طالب وحمزة والعباس وأبو لهب
فلما اجتمعوا إليه دعا بالطعام الذي صنعت لهم فجئت به فلما وضعته تناول
رسول الله ص بضعة من اللحم فشقها بأسنانه ثم ألقاها في نواحي الصحفة
ثم قال كلوا بسم الله فأكلوا ما لهم إلى شئ من حاجة ثم قال إسق القوم يا
علي فجئتهم بذلك العس فشربوا منه حتى رووا جميعا فلما أراد رسول الله
ص أن يكلمهم بدره أبو لهب إلى الكلام فقال لشد ما سحركم صاحبكم
فتفرق القوم ولم يكلمهم رسول الله ص فقال لي من الغد يا علي ان هذا
الرجل قد سبقني إلى ما سمعت من القول فتفرق القوم قبل أن أكلمهم فعد
لنا اليوم إلى مثل ما صنعت بالأمس ثم أجمعهم لي ففعلت ثم جمعتهم ثم
دعاني بالطعام فقربته لهم ففعل كما فعل بالأمس فأكلوا حتى ما لهم بشئ
حاجة ثم قال إسقهم فجئتهم بذلك العس فشربوا منه جميعا حتى رووا ثم
تكلم رسول الله ص فقال يا بني عبد المطلب إني والله ما أعلم أن شابا في
العرب جاء قومه بأفضل ما جئتكم به أني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة
وقد أمرني الله أن أدعوكم عليه فأيكم يوازرني على هذا الأمر على أن يكون
أخي ووصيي وخليفتي فيكم فأحجم القوم عنها جميعا فقلت أنا وإني
لأحدثهم سنا وأرمصهم عينا وأعظمهم بطنا وأحمشهم ساقا يا رسول الله
أكون وزرك عليه فأعاد القول فامسكوا وأعدت ما قلت فاخذ برقبتي ثم قال
لهم هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا فقام القوم
يضحكون ويقولون لأبي طالب قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع.
وصية أبي طالب عند موته
في روضة الواعظين قال أبو عبد الله ع لما حضرت أبا طالب الوفاة
جمع إليه وجوه قريش فأوصاهم فقال:
يا معشر قريش أنتم صفوة الله من خلقه وقلب العرب وأنتم خزنة
الله في أرضه وأهل حرمه فيكم السيد المطاع الطويل الذراع وفيكم المقدم
الشجاع الواسع الباع اعلموا أنكم لم تتركوا للعرب في المفاخر نصيبا إلا
حزتموه ولا شرفا إلا أدركتموه فلكم على الناس بذلك الفضيلة ولهم به
إليكم الوسيلة والناس لكم حرب وعلى حربكم ألب وأني موصيكم بوصية
فاحفظوها أوصيكم بتعظيم هذه البنية فان فيها مرضاة للرب وقواما للمعاش
وثبوتا للوطأة وصلوا إرحامكم ففي صلتها منساة في الأجل واتركوا البغي
والعقوق ففيهما هلكت القرون قبلكم أجيبوا الداعي وأعطوا السائل فان
فيهما شرف الحياة والممات عليكم بصدق الحديث وإداء الأمانة فان فيهما محبة
في الخاص ومكرمة في العام وقوة لأهل البيت وإني أوصيكم بمحمد خيرا
فإنه الأمين من قريش والصديق في العرب وهو جامع لهذه الخصال التي
أوصيكم بها قد جاءكم بأمر قبله الجنان وأنكره اللسان مخافة النسيان وأيم
الله لكأني أنظر إلى صعاليك العرب وأهل الوبى والأطراف والمستضعفين من
الناس قد أجابوا دعوته وصدقوا كلمته وعظموا أمره فخاض بهم غمرات
الموت فصارت رؤساء قريش وصناديدها أذنابا ودورها خرابا وضعافها أربابا
وإذا أعظمهم عليه أحوجهم إليه وأبعدهم عنه أحظاهم لديه قد محضته
العرب ودادها وأصغت له فؤادها واصفت له بلادها خ ل وأعطته قيادها
فدونكم يا معشر قريش ابن أبيكم وأمكم كونوا له ولاة ولحزبه حماة والله لا
يسلك أحد سبيله إلا سعد ولا يأخذ أحد بهداه إلا رشد ولو كان لنفسي مدة
وفي أجلي تأخير لكفيته الكوافي لكفيت عنه الهزاهز خ ل ولدافعت عنه
الدواهي غير أني أشهد بشهادته وأعظم مقالته.
وحكى صاحب الدرجات الرفيعة هذه الوصية عن الكلبي بأخصر
من هذا وقال في آخرها وأنشد يخاطب ابنيه عليا وجعفر وأخويه والعباس.
أوصى بنصر النبي الخير مشهده إلى آخر الأبيات المتقدمة.
أولاد أبي طالب
كان له ستة أولاد أربعة ذكور وابنتان فالذكور طالب وهو أكبرهم وبه
يكنى وعلي أمير المؤمنين وجعفر وعقيل وكان علي ع أصغرهم
وجعفر أسن منه بعشر سنين وعقيل أسن من جعفر بعشر سنين وطالب أسن
من جعفر بعشر سنين ذكره غير واحد وهو اتفاق غريب والابنتان أم هاني
وجمانة، أمهم فاطمة بنت أسد. وكانت قريش أكرهت طالبا على الخروج
معها يوم بدر لقتال رسول الله ص ففقد ولم يعرف له خبر ويقال انه اقحمه
فرسه في البحر حتى غرق ويقال ان قريشا ردته إلى مكة ويدل عليه ما عن
الكليني في روضة الكافية باسناده عن أبي عبد الله ع أنه قال لما
خرجت قريش إلى بدر وأخرجوا بني عبد المطلب معهم خرج طالب بن أبي
طالب فنزل رجازهم وهم يرتجزون ونزل طالب بن أبي طالب يرتجز
ويقول:
يا رب أ ما تعززن بطالب * في مقنب من هذه المقانب
في مقنب المحارب المغالب * تجعله المسلوب غير السالب
فقال قريش ان هذا ليغلبنا فردوه قال وفي رواية أخرى عن أبي
عبد الله ع انه كان أسلم انتهى وروى أرباب السير لطالب شعر يدل
على اسلامه وقيل إنه لأبي طالب وهو:
إذا قيل من خير هذا الورى * قبيلا وأكرمهم اسره
نأتي بعبد مناف أب * وفضله هاشم الغرة
لقد حل مجد بني هاشم * مكان النعائم والنسره
وخير بني هاشم احمد * رسول الاله على فترة
وقد تمادى بنا الكلام في هذه الترجمة لاقتضاء المقام ذلك على اننا
تركنا جملة من الاخبار والأدلة الدالة على اسلامه كراهة زيادة التطويل.
جمع شعره
جمع شعره وأخباره أبو هفان عبد الله بن أحمد بن حرب بن مهزم
البصري النحوي الأديب الشاعر صاحب أشعار عبد القيس من أهل المائة
الثانية في كتاب يدعى كتاب شعر أبي طالب أوله:
خليلي ما أذني بأول عاذل * بصفواء في حق ولا عند باطل
وهو يزيد على خمسمائة بيت وجدت منه نسخة في خزانة آل السيد
عيسى العطار ببغداد كتبت عن نسخة في آخرها ما لفظها كتبه عفيف بن
أسعد لنفسه ببغداد في محرم سنة ٣٨٠ من نسخة بخط الشيخ أبي الفتح
عثمان بن جني وعارضه به وقرأه عليه رحمه الله، انتهى بلفظه، واستنسخه
الشيخ محمد السماوي بخطه لنفسه، ووجد في الخزانة المذكورة ديوان أبي
(١٢٥)

طالب وذكر إسلامه لعلي بن حمزة البصري التميمي يروي فيه عن أبي محمد
هارون بن موسى التلعكبري المتوفي سنة ٣٨٥ بأسانيده وعن أبي بشر أحمد
ابن إبراهيم بن المعلى بن أسد العمي عن محمد بن هارون الهاشمي عن
الزبير بن بكار ويروي فيه أيضا عن محمد بن دريد الأزدي اللغوي عن أبيه
عن هشام بن محمد بن السائب الكلبي عن أبيه وهذه النسخة كتبها لنفسه
المولى كلب علي بن جواد الكاظمي في ٢٨ من شهر رمضان سنة ١٠٧١.
الشيخ عبد المنان الطوسي
كان من مدرسي أصفهان ومفسريها ومحدثيها توفي سنة ١٢١٩ وله
تفسير شريف وهو من ذرية المحقق الطوسي الخواجة نصير الدين وقبره في
أوائل مقبرة تخت فولاد.
الشيخ عبد المنعم ابن الحاج محمد الجد حفصي البحراني
له يرثي الحسين ع
حيا مرابع سعدى وأكف الديم * وجادها كل هطال ومنسجم
بحيث تلقى ومن وشي الربيع لها * برد تدلى على الكثبان والأكم
مرابع طالما جررت مطرف لذا * تي بها رافلا في أجزل النعم
لا غرو أن صروف الدهر مولعة * دابا بحرب أولي الافضال والكرم
أ لا ترى أنها دارت دوائرها * على بني المصطفى المبعوث في الأمم
فكم لهم من مصاب جل موقعه * ولا كرزء الحسين السيد العلم
تعودت بيضهم أن ليس تغمد في * غمد سوى معقد الهامات والقمم
أكرم بهم من أناس عز مشبههم * فاقوا الورى في السجايا الغر والشيم
يسطو بأبيض ما زالت مضاربه * والموت في قرن في كل مصطدم
ألية بيمين منه ما برحت * حتف العدى وسحاب الجود والنعم
ما خلت من قبله فردا تكنفه * عرمرم وهو يبدي سن مبتسم
يا راكبا يقطع البيداء مجتهدا * في السير لم يلو من عي ولا سام
عرج على يثرب وأقر السلام على * محمد خير خلق الله كلهم
وقل له هل علمت اليوم ما فعلت * أمية بالحسين الطاهر الشيم
والسيد الطهر زين العابدين لقد * أمسى أسيرا يعاني شدة السقم
عبد المهدي بن صالح بن حبيب بن حافظ الحائري
توفي في كربلاء سنة ١٣٣٤ ودفن بها.
كان أديبا من أعيان تجار كربلاء وملاكهم يعرف التركية والفارسية
والافرنسية وانتخب مبعوثا في زمن الدولة التركية ومن شعره قوله:
هي وردة حمراء أم خد * في صعدة سمراء أم قد
متقلد من لحظة * سيفا يفوق على المهند
ما مر الا والجمال * يصيح صل على محمد
عاتبته يوما وقلت * إلى متى التعذيب والصد
أ يحل قتل متيم * غادرته قلقا مسهد
أدنى هواك له السقا * م وعنه صفو العيش ابعد
فأجاب هل لك شاهد * في ذاك قلت الحال يشهد
فازور من قولي واعرض * مغضبا مني وعربد
فزجرت قلبي قائلا * أ رأيت كيف أساء بالرد
فاعدل بنا نحو الغري * وعد بنا فالعود احمد
من شيد الاسلام صا * رمه وللايمان مهد
لولا صليل حسامه * لرأيت لات القوم تعبد
هل خاض غمرتها غدا * ة حنين والهامات تحصد
الا أبو الحسن الذي * لم يحص بعض صفاته العد
عبد المهدي بن بهاء الدين الفتوني العاملي
في نشوة السلافة أن مثل الأدب بالروضة فهو بلبها المطرب وهزارها
الصادح المعجب وإن نثر تستر الدر بالأصداف أو نظم فضح العقود
والأشناف فمن جيد نظمه هذه القصيدة:
ارسل إلى صاحب نشوة السلافة مقرضا كتابه نتائج الأفكار في
منتخبات الاشعار لما وقف عليه:
مؤلف للعقد لا للصباح * لكن لا جياد رجال فصاح
كالروض والبحر ولكنه * ذو زهر نظم ولئال صحاح
خير نديم لك في صحبته * كأنه يسقيك راحا براح
وإن ألم الهم من هاجر * مرابع الصدر ففيه انشراح
ألفه النحرير من فضله * في أفق المجد بدا كالصباح
سيد أهل العصر في شعره * فنظمه العقد لذات الوشاح
ذو الكرم المحض ربيب الندى * من ماله عن عرضه مستباح
يا ماجدا في مدحه شعرنا * كالمسك من أوصافه الغر فاح
أقسمت ما افلق صبح الدجى * لو لم يشب نورك ضوء الصباح
أدامك الله لنا ملجأ * ما انسكب الغيث وما البرق لاح
الشيخ عبد النبي ابن الشيخ سعد الجزائري
اخذ عن صاحب المدارك وفي أمل الآمل كان عالما محققا جليلا له
كتب منها شرح التهذيب قرأ على الشيخ علي بن عبد العالي الكركي وناقش
صاحب الرياض في روايته عن الكركي لأن الكركي متأخر عن طبقته.
ألف حاوي الأقوال في علم الرجال فصل فيه بين الضعفاء والثقات منه
نسخ في النجف. حواش على التهذيب وتعليقات على كثير من كتب
الرجال وغيرها. الاقتصاد في شرح الارشاد ألفه بالمدينة باقتراح السيد
شمس الدين بن شدقم. شرح التهذيب كبير منه نسخة في النجف.
وكانت له جلالة وجاه في الجزائر أيام حاكمها هجرس بن محمد الجزائري.
ويروي عنه جماعة من جملتهم الشيخ جابر بن عباس النجفي.
الشيخ عبد النبي السطوحي
هو تلميذ المولى رفيع الدين الجيلابي المشهدي الذي توفي في عشر
الستين بعد المائة والألف فهو معاصر للشيخ يوسف البحراني الذي يروي
عن المولى رفيع المذكور ومن تلاميذ المترجم الميرزا حسن الزنوزي ذكره في
كتابه رياض الجنة وقال أن له تفسيرا موجودا عنده وفيه نكات بديعة.
الشيخ عبد النبي الشيرازي الامامي
توفي ١٠ ربيع الأول ١٣٥٤ بشيراز
قال السيد شهاب الدين الحسيني فيما كتبه إلينا: هو الحافظ الضابط
(١٢٦)

المجود المؤرخ القارئ المحدث. وأبوه امام جمعة شيراز وأخو
امامها وعم امامها. كان من أعيان أهل الفضل أديبا حافظا للقرآن الشريف قارئا بتمام
القراءات العشر على اختلاف رواياتها شيخ القراء بإيران، أدركته وقد جاوز
التسعين، وله تواليف ورسائل في التجويد والتاريخ والحديث، اروي عنه
القراءات المشهورة لا سيما قراءة عاصم بالسند المتصل اه.
الشيخ عبد النبي بن علي النباطي ابن أحمد بن محمد العاملي
أخو الشهيد الثاني
كان فاضلا فقيها صالحا عابدا ورعا شاعرا أديبا روى عنه ولده
الشيخ حسن بن عبد النبي ويروي هو عن أخيه وعن الشيخ علي بن عبد
العالي العاملي الميسي سمعته من جملة منهم السند محمد بن محمد العيناثي
ابن بنت الشيخ حسن المذكور (١).
الشيخ عبد النبي بن علي بن أحمد بن الجواد الخازن لحرم
الكاظمين ع الكاظمي مولدا المدني الشيبي أصلا العاملي مسكنا
ومدفنا
ولد في بلد الكاظمين ع حوالي سنة ١١٩٨ وتوفي في قرية جويا
من ساحل صور في جبل عامل سنة ١٢٥٦ ودفن بها.
وقد كتب على قبره هذه الأبيات وكل شطر منها تاريخ وفاته:
يا مرقدا بين ثراه العلا * سقيت صوب البر يا مرقد
ينمى إليك الفضل فاهنا به * تاجا ففيك الشرف الأوحد
فلا عداك الفيض منهله * لطف وفيض الله لا ينفد
جاء من العراق وتوطن قرية جويا وكان عالما فاضلا محققا مدققا
متبحرا خبيرا بالأصول والفقه والحديث والرجال له تاليف حسنة مفيدة يدل
ما رأيناه منها على فضله وسعة اطلاعه له شهرة في جبل عامل مشهود له
بالعلم والفضل وقراءته وتحصيله بالعراق قرأ على السيد عبد الله الشبري
ووالده السيد محمد رضا وقال في ترجمة الأول من كتابه تكملة الرجال:
عبد الله بن محمد رضا الحسيني الشبري قرأت عليهما واستفدت منهما اه.
يروي بالإجازة عن السيد عبد الله الشبري المذكور عن مشائخه وكان أمير
البلاد حمد البك يعظمه ويكرمه وشي عليه مرة إلى الأمير بشير الشهابي
المشهور بوشاية فأرسل في طلبه فحضر الأمير حمد البك بنفسه من تبنين إلى
جويا وتدارك الامر ولم يخرج من جويا حتى رجع المرسل في طلبه وامن عليه
ذكره الشيخ محمد آل مغنية في كتابه جواهر الحكم فقال: من العلماء الذين
كانوا قبل عصرنا بمدة قليلة الشيخ عبد النبي الكاظمي سمعت من علماء
عصرنا أن هذا الشيخ كان اعلم علماء جبل عامل وله اليد الطولى في جميع
العلوم والفنون وله عدة تصانيف في علوم شتى مشهودا بفضله في العراق
وجبل عامل قرأ عنده جماعة وتخرج على يده جملة من الأفاضل ولم اسمع أن
أحدا وقع الاتفاق على الثناء عليه سوى هذا الشيخ اه. ولما جاء إلى جبل
عامل لم يكن له مزيد شهرة وكان الشيخ محمد علي الخاتوني يومئذ في العراق
فلما حضر من العراق صارت الشهرة للخاتوني إلى أن اجتمع جدنا السيد
علي بالمترجم ورأى من فضله فنوه باسمه وزادت شهرته على الخاتوني وعرف
الناس فضله ولم يكن الخاتوني يدانيه في الفضل ورأيت له اجازة للشيخ
أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد آل الحر العاملي الجبعي والد الشيخ علي
الحر المعاصر على ظهر كتاب تاريخها سنة ١٢٤٦ وقد اخنى عليها الدهر
وأكل جوانبها الفأر لكنه ذكر فيها أن الشهيد الثاني اسمه علي ويلقب زين
الدين مع أن اسمه زين الدين بن علي كما وجدناه بخطه الشريف في عدة
مواضع فقال في تلك الإجازة أنه يروي عن شيخه السيد عبد الله الشبري
عن الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي وعبر عنه شيخنا ومولانا عن بحر
العلوم الطباطبائي عن المحقق محمد باقر البهبهاني عن شيخه ووالده محمد
أكمل عن الميرزا محمد حسن البهبهاني عن شيخه ووالده محمد تقي عن
الشيخ بهاء الدين محمد عن والده الشيخ حسين بن عبد الصمد العاملي عن
شيخه الشيخ علي بن أحمد الملقب بزين الدين المشتهر بالشهيد الثاني وهذا
هو موضع الاشتباه فالشهيد الثاني اسمه زين الدين وعلي والده إلى أن
قال وقد أجزت له دام تأييده أن يروي عني في اجازة بحق روايتي عن
هؤلاء العلماء المذكورين بطرقهم إلى مشائخهم المثلثة أساميهم في المواطن
والمواضع المعروفة جميع ما تقدم من الكتب والاخبار والآثار وكذلك جميع ما
لمشائخي من المصنفات والمؤلفات والفتاوي التي صح نسبتها إليهم فليروها
عني بالإجازة أو عنهم بغيرها وكذلك ما ظهر من الحقير المعترف بالقصور
والتقصير وإن لم أكن من سالكي هذا النهج ولكنه قد ينظم مع اللؤلؤ
السبج فمنها شرح قواعد العلامة قدس سره ومنها الحاشية الرجالية المسماة
تكملة الرجال على نقد الرجال للأمير مصطفى التفريشي جمعت فيها ما
حكي عن كتب الرجال من الاخبار والفتاوى والتحقيقات وما يرد عليها وما
يؤيدها على طريق النقض والابرام ومنها مناسك الحج ومقدماتها من آداب
السفر ومنها الفتاوى ومن هنا اكل الفأر قدر ثلاثة أسطر قد ذهب منها
أسماء بعض مصنفاته المتأخرة عن تصنيف التكملة لأن هذه الإجازة متأخرة
عن تصنيف التكملة بست سنين وبعضها قد بقي أواخر أسمائها ثم قال
وفصل الخطاب في أصول الفقه والاقبال في عمل السنة وكذلك ما نرجو من
توفيق الله تعالى أن يظهر على يدي على شرط أن يكون عاملا بما اعتبره أهل
الدراية في الرواية سالكا طريق الاحتياط باذلا ما منحه الله من العلوم
لأهلها ملازما للاخلاص في طلبها أو بذلها وكذلك سائر ما اشترطه العلماء
كما شرطه علي مشائخي قدس الله أرواحهم وأن لا ينساني في خلوات
الدعاء والعبادات وغيرها وفقه الله لخير الدنيا والآخرة ولا حول ولا قوة الا
بالله العلي العظيم. وكتبه الحقير عبد النبي بن علي الكاظمي سنة ١٢٤٦ في
شهر ذي القعدة والحمد لله رب العالمين،
مؤلفاته
ذكرها في تكملة الرجال فقال مؤلف هذا الكتاب وله كتاب المطاعن
ورسالة تحفة المسافرين في آداب السفر ورسالة في الرد على الاخبارية وذكرها
أيضا في تكملة الرجال فقال ونحن كتبنا رسالة حققنا فيها معنى الاخباري
من كتب الرجال والاخبار وذكرنا مذاهب أصحاب الأئمة ع وإنها طبق
مذاهبهم ولا توافق مذهبه سميناها الحق الحقيق وشرح القواعد للعلامة
خرج منه مجلد في الطهارة ونسأل الله تعالى اتمامه وكتاب العقود المنثورة في
كليات الفقه وكتاب فصل الخطاب في أصول الفقه ورسالة توضيح خلاصة
الحساب والاقبال في عمل السنة وشرح المنظومة اه. وله منظومة في أصول
العقائد وله تعليقة على رسالة الفيلسوف ملا حمزة الجيلاني مطالب النفس
ومسائلها أقول لم نر شيئا من هذه الكتب وليس لها ذكر في جبل عامل
(١٢٧)

مع قرب العهد وجودة مواضيعها وشهرة مؤلفها نعم رأينا نسخة الاقبال في
النجف سنة ١٣٥٢.
الكلام على تكملة الرجال
وعثرنا على نسخة من كتابه تكملة الرجال بخط ولده الشيخ محمد
علي وهو يدل على فضل مؤلفه وسعة اطلاعه وفي آخر النسخة ما صورته
هذا آخر ما يسر لنا جل جلاله وسهل علينا من فضله وكرمه ونسأله أن ينفع
به اخواني في الدين واخلائي المؤمنين وأن يجعله خالصا لوجهه الكريم
ليكون ذخيرتي يوم حشري ونشري أنه على كل شئ قدير.
وكان الفراع من تصنيفه وجمعه وتأليفه على يد الحقير الفقير إلى الله
الغني عبد النبي بن علي الكاظمي ليلة الثلاثاء النصف من شهر ربيع الثاني
سنة ١٢٤٠ من الهجرة النبوية على صاحبها الصلاة والتحية وفي آخرها أيضا
ما صورته فرع من كتابته لنفسه ولمن يشاء الله من المؤمنين
من بعده ولده محمد علي ابن المرحوم الشيخ عبد النبي في يوم الأربعاء غرة الشهر السادس
من السنة التاسعة من العقد الثامن من المائة الثالثة بعد الألف اه يعني غرة
شهر جمادي الأولى سنة ١٢٧٩.
وكتب في آخر النسخة ما صورته: وقد مدح بعض الفضلاء هذا
الكتاب بهذين البيتين:
لله درك من كتاب ناقد * يكسو الرواية نقده تصحيحا
كشفت محجته وفصل خطابه * كنه الرواة معدلا مجروحا
وجاء في ديباجة الكتاب ما صورته وبعد فيقول العبد الجاني عبد
النبي بن علي الكاظمي: لا يخفى أن من أجل العلوم قدرا وارفعها خطرا
العلم بأحوال رواة الأحاديث النبوية وحملة الاخبار المعصومية بل ذلك مما
تشتد الحاجة إليه وتتوفر الدواعي عليه لما علم من وقوع الكذب فيها
واختلاط بعضها ببعض ولذلك قال ص فيما نقله الفريقان لقد كثرت علي
الكذابة الا فمن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار وما نقله الخاصة
عن خاصتنا ع أن لكل منا من يكذب عليه ولان من طبيعة الإنسان
السهو والغلط والنسيان كما هو مشاهد بعين الوجدان والعيان ولذلك أمر
الصادق ع بالأخذ بقول العدل والأعدل ولان اخبارهم ع متعارضة
وأمروا بالأخذ بالأحدث وكل هذه الأحوال قد بحث عنها أهل الرجال ولا
تعرف الا به وهذا كله يورث بداهة بطلان دعوى قطيعتها من رأس بل ولا
يعارض التصحيح فان ذلك كما يعرض للراوي يعرض للتصحيح ولئن
سلمنا قطعيتها فلا نسلم عدم احتياجنا إليه لأن ذلك حينئذ يكون من باب
التعبد لمقبولة عمر بن حنظلة. وتصحيح المحمدين الثلاثة لها على تقديره لا
يسد باب التراجيح ولان قدماء أصحابنا ومتأخريهم على عدم الاعتماد على
تصحيح غيرهم أ لا ترى الصدوق رحمه الله مع تقدم الكافي عليه يقول لم
اقصد قصد المصنفين في ايراد جميع ما رووه ولهذا المقام تحقيق طويل بيناه في
مقدمات نقد القواعد وسيجئ انش في جملة المسائل أيضا فقد ظهر
ابتناء استنباط الاحكام عليه وتوقف الاستدلال لديه وقد جمعت أحوالهم
وأعربت محاسنهم ومساويهم كتب معلومة مدونة في تراجمهم وعناوين معنونة
من قدمائنا والاجلاء من أصحابنا هي كتاب أبي عمرو الكشي وأبي العباس
النجاشي وكتابي الشيخ وابن الغضائري ورجال علي بن أحمد العقيقي وقد
جمعها جماعة من المتأخرين منهم المصنف يعني الأمير مصطفى التفريشي
صاحب نقد الرجال ثم اني عثرت على تحقيقات فائقة وتدقيقات رائقة
لبعض فقهائنا وغيرهم وكثير من الاخبار في موارد منتشرة ومواضع متبددة لم
يجمعها كتاب فجمعتها من شواردها في هذا الكتاب تسهيلا على طالبها
وتيسيرا لخاطبها وجعلتها تعليقا على هامش نقد الرجال للمولى الفاضل أمير
مصطفى التفريشي قدس سره وكانت تحول دون تدوينه العوائق وتقطعني
عنه العلائق فدونته حاشية عليه لاستغني عن نقل عبارات المدون من كتب
الفن ويكون منحصرا في نقل العبارات الشاردة والفوائد المتبددة ويكون ذيلا
وتكملة لكتابه فلذلك سميته بكتاب تكملة الرجال وأنت إذا تأملت هذا
الكتاب وجدت كم مجهول أثبت وثاقته وكم فاسق حقق عدالته وكم عدل
ابان فسقه وكم وفاق منقول تحول إلى خلاف وكم خلاف آل إلى الخلاف
وكم دعوى علم سندها وبان اعتضادها وكم من عبارة مجملة أوضحتها
الأدلة أو صارت محتملة إلى غير ذلك ثم عد الكتب التي نقله منها زيادة عن
أربعين كتابا وعد منها حاشية المختلف للسيد فيض الله وشرحي الاستبصار
للشيخ محمد بن صاحب المعالم والسيد نعمة الله الجزائري ومرآة العقول
شرح الكافي للمجلسي قال وحواشي بخطه جمعتها وشرح محمد صالح
المازندراني وملا خليل وحواشي بخط البهائي قال رأيتها معلقة على رجال
النجاشي جمعتها كلها حواشي للسيد مهدي الطباطبائي بخطه غير مذكورة
فيما جمع من متفرقاته وكمال شهر رمضان للشيخ المفيد وشرح صاحب المعالم
لاعتقادات ابن بابويه وفرج الهموم لابن طاووس وحواشي العلامة محمد
تقي المجلسي والمعتصم للمولى محسن الكاشي وحواشي المصنف التي علقها
على الهامش ثم أنه قدم مقدمات تشمل على فوائد في علم الرجال.
الشيخ عبد النبي القزويني اليزدي
الفقيه الفيلسوف المتكلم صاحب ذيل أمل الآمل ألفه باقتراح أستاذه
السيد بحر العلوم الطباطبائي وهو يروي بالإجازة عن الطباطبائي وهو ممن
سافر وجاب البلاد وحصل واستفاد أقام مدة في تبريز واخرى في شيراز وله
تعاليق على بعض كتب الفلسفة.
وقد كتب له السيد الطباطبائي تقريضا على ظهر كتابه ذيل أمل الآمل
وإجازة هذه صورتهما بعد المقدمة وبعد فقد وفقني الله وله الحمد للتشرف بما
املاه الشيخ العالم الفاضل والمحقق البدل الكامل طود العلم الشامخ وعماد
الفضل الراسخ أسوة العلماء الماضين وقدوة الفضلاء الآتين بقية نواميس
السلف وشيخ مشايخ الخلف قطب دائرة الكمال وشمس سماء الفضل
والافضال الشيخ العلم الزكي والمولى المهذب التقي المولى عبد النبي
القزويني اليزدي لا زال محروسا بحراسة الرب العلي وحماية النبي والولي
محفوظا من كيد كل جاهل غبي وعنيد غوي ويرحم الله عبدا قال آمينا
فأجلت فيما املاه نظري ورددت فيما أسداه بصري وجعلت أطيل فيه فكري
وأديم به ذكري فوجدته أنضد من لبوس وأزين من عروس وأعذب من الماء
وأرق من الهواء وقد ملك أزمة القلوب وسخى ببذل المطلوب:
لقد وافت فضائلك المعالي * تهز معاطف اللفظ الرشيق
فضضت ختامهن وقلت اني * فضضت بهن عن مسك فتيق
وجال الطرف منها في رياض * كسين محاسن الزهر الأنيق
شربت كؤوسا من معان * غنيت بشربهن عن الرحيق
(١٢٨)

ولكني حملت بها حقوقا * أخاف لثقلهن من العقوق
فسر يا أبا نعيم بي رويدا * فلست أطيق كفران الحقوق
وحمل ما أطيق به نهوضا * فان الرفق أليق بالصديق
ولعمري قد جاد وأجاد وبذل المطلوب كما أريد منه وزاد ولقد أحيا
وأشاد بما رسم وأفاد رسوما قد إندرست وطلولا قد عفت ومعاهد قد
عطلت وقباب مجد قوضت وأركان فضل قد هوت وانهدمت وأبنية سؤدد قد
انقضت وانتقضت فلله دره فقد وجب على العالمين بل العالمين شكره وبره
فكم أحيا بجميل الذكر ما قد مات ورد بحسن الثناء ما غبر وفات وكم له
في ذلك من النعم والأيادي على الحاضر والبادي ومن الفواضل البوادي على
المحفل والنادي فلقد نشر فضائل العلماء والفقهاء وذكر محاسن الأدباء
والأذكياء ونوه بذكر سكان زوايا الخمول وأنار منار فضل من أشرف ضوءه
على الأفول فكأني بمدارس العلم لذلك أزهرت وربت وطربت وبمحاسن
الفضل له قد أزلفت وأنست وكأني بسكان الثرى ورهائن القبور قد ارتقوا
معارج الطور وألبسوا ملابس البهاء والنور وتباشروا بالتحية والسرور وطفقوا
بلسان الحال ينشدون مادحهم هذا المقال:
أحييتنا بثنائك السلسال * فاذهب بنعماها رخي البال
في النشأتين لك المهنا والهنا * نيل المنى والفوز بالآمال
هذا وأني أروي العلوم الشرعية والأحاديث المروية أصلية وفرعية عن
مشائخي العظام وأساتيذي الكرام نواميس الشريعة الغراء وحماة الملة
البيضاء الشيخ العالم الفاضل الباهر والبحر المتلاطم الزاخر آقا محمد باقر
الأصبهاني أصلا الحائري مسكنا والشيخ الفاضل الفايز بدرجتي العلم
والعمل الشيخ يوسف البحراني أصلا والحائري مسكنا ومدفنا والشيخين
الفاضلين العالمين الكاملين الشيخ العلم العماد الشيخ حمد الجواد والشيخ
السني البهي الشيخ محمد المهدي الغرويين مسكنا ومدفنا وغيرهم من
المشايخ الجلة الذين كانوا في عصرنا من رؤساء الملة فليرو عني جميع ذلك
كيف شاء وأحب لمن شاء وطلب وسعى ورغب وكتب بيمناه الدائرة أوتي
بها كتابه في الآخرة يوم الأربعاء سابع عشر ذي الحجة الحرام الواثق بفضل
ربه الغني محمد مهدي الحسني الحسيني الطباطبائي حامدا مصليا.
الشيخ عبد النبي الشيرازي
توفي ١٠ ربيع الأول سنة ١٣٥٤ بشيراز كان عالما أديبا حافظا للقرآن
مجودا، له سند متصل إلى عاصم من طريقي حفص أصل أجداده من
البحرين وسكنوا شيراز وصاروا بها أئمة الجمعة له رسائل في التجويد وديوان شعر
وشرح على الشاطبية.
ملا عبد النبي ابن الشيخ شرف الدين محمد الشريف الطسوجي.
ولد سنة ١١١٧ في بلدة طسوج وتوفي بكربلا سنة ١٢٠٣ ودفن بها
عالم أديب فقيه أصولي رياضي رجالي ذكره السيد محمد إبراهيم بن عبد
الفتاح الحسيني المرعشي التبريزي النسابة في كتاب الكشكول وقال هاجر
من بلدته طسوج من أعمال آذربايجان إلى كربلاء سنة ١١٩٦ وبقي بها إلى
أن أجاب دعوة ربه في التاريخ المذكور له مؤلفات ١ حاشية على كتاب
السماء والعالم من البحار ٢ شرح خلاصة البهائي في الحساب ٣ شرح
الزبدة للبهائي في الأصول ٤ شرح الصمدية للبهائي في النحو ٥
حاشية الكافي ٦ حاشية الفقيه ٧ حاشية التهذيب ٨ حاشية
الاستبصار ٩ حاشية نهج البلاغة ١٠ ديوان شعر يزيد على مائة ألف
بيت قرأ عليه جماعة منها الفاضل المؤرخ السيد حسن الحسيني الزنوزي
صاحب كتاب رياض الجنة وكتاب بحر العلوم وذكره في كتابين وأثنى عليه
ورثاه بأبيات فارسية وأرخ فيها وفاته. وذريته إلى الآن بيت جلالة وعلم
وشرف ونبالة يروي المولى عبد النبي عن جماعة منهم المولى محمد رفيع
الجيلاني نزيل المشهد الرضوي عن المجلسي صاحب البحار.
السيد عبد الهادي ابن السيد إسماعيل الشيرازي (١)
ولد في سامراء، عام وفاة والده سنة ١٣٠٥ وتوفي ٩ صفر سنة
١٣٨٢ في النجف ودفن فيه في مقبرة ابن عم أبيه السيد محمد حسن
الشيرازي بجنب باب الطوسي.
تلقى دراسته الأولى في سامراء وانتقل من ثم إلى كربلاء فالنجف.
أتم السطوح على جماعة من الأعلام، ثم حضر دروس الشيخ محمد تقي
الشيرازي وشيخ الشريعة الأصفهاني والسيد علي الشيرازي وظل في النجف
حتى غدا في الطليعة من أعلامها، وبعد وفاة السيد أبو الحسن الأصفهاني
كان في عداد المراجع الذين انتهت إليهم أمور التقليد بعده، ثم بعد وفاة
السيد حسين البروجردي رجع إليه الجم الغفير من مقلديه.
من مؤلفاته:
١ كتاب الطهارة، ٢ كتاب الصوم، ٣ كتاب الزكاة، ٤
رسالة في اللباس المشكوك، ٥ رسالة في الاستصحاب، ٦ رسالة في
اجتماع الأمر والنهي، ٧ دار السلام، في فروع السلام وأحكامه،
أنهاها إلى ألف فرع، ٨ كتاب الحوالة، ٩ رسالة في الرضاع، ١٠
الوسيلة، ١١ الذخيرة، ١٢ تعليقة على العروة الوثقى، ١٣ رسائل
عملية باللغتين الفارسية والعربية.
وله شعر باللغتين العربية والفارسية فمن شعره بالعربية قوله في أبي
طالب:
هو العلم الهادي أزين بمدحه * شعوري ويزهو في ماثره شعري
أبو طالب حامي الحقيقة سيد * تزان به البطحاء في البر والبحر
أبو طالب والخيل والليل واللوا * له شهدت في ملتقى الحرب بالنصر
أبو الأوصياء الغر عم محمد * تضوع به الأحساب عن طيب النجر
لقد عرفت منه الخطوب محنكا * تدرع يوم الزحف بالباس والحجر
كما عرفت منه الجدوب أخاندى * دوين نداه الغمر ملتطم البحر
فذا واحد الدنيا وثان له الحيا * وقل في سناه ثالث الشمس والبدر
وإني يحيط الوصف غر خصاله * وقد عجزت عن سردها صاغة الشعر
حمى المصطفى في باس ندب مدجج * تذل له الأبطال في موقف الكر
فلولاه لم تنجح لطاها دعاية * ولا كان للاسلام مستوسق الأمر

(١) مما استدركناه على مسودات الكتاب " ح ".
(١٢٩)

السيد عبد الهادي الأمين ابن السيد كاظم.
كان عالما فاضلا سخيا شهما جليلا عالي النفس رفيع الهمة لم يتخلف
أبوه من الذكور بغيره وكان مئناثا ورزقه الله هذا الولد على كبر السن من
أبويه وبعد الياس ولم يولد لهما بعده وتوفي أبوه بعد ولادته بسنين قليلة وأمه
بنت السيد محمد ابن السيد جواد صاحب مفتاح الكرامة وكان السيد
عبد الهادي جاء إلى دمشق بطريقه إلى حج بيت الله وذهب إلى جبل عامل
ثم إلى مصر وبعد رجوعه عاد إلى العراق وأعلنت الدولة العثمانية الحرب
على خصمائها في الحرب العامة الأولى قبل أن يصل إلى بغداد وهو في أثناء
الطريق ثم أرسلته من العراق بسفارة بينها وبين والي لرستان في إيران
وصارت له حظوة عظيمة ولكنها لم تطل أيامه فتوفي بعيد الاحتلال
الانكليزي للعراق.
مما قاله الفقير مؤلف الكتاب مهنئا له بزفاف كريمة خاله السيد حسن
ابن السيد محمد ابن السيد جواد صاحب مفتاح الكرامة إليه ومهنئا خاليه
الحسنين وابني خاله الحسن عليا والجواد وذلك بالنجف الأشرف سنة
١٣١٤ ه.
هب إن في الريم منك الجيد والمقلا * فهل تراه يباري القد والكفلا
وإن حكتك غداة الجزع لفتته * فالثغر والخد ردا وجهه خجلا
يا فتنة العابد استخلى بصومعة * صام النهار وقام الليل مبتهلا
ومذ رأى وجهك الوضاح خالطه * فيك الجنون فأمسي في الهوى مثلا
يا جائرا في قضاء الحب ما عدلا * هلا رثيت لصب عنك ما عدلا
أطاع حبك جهد النفس ممتثلا * أمر الهوى وعصى من لام أو عذلا
وناحل الخصر ما مر النسيم به * الأوطار فؤادي عنده وجلا
علقت منه بخيلا بالوصال إلا * فاعجب لنفس كريم تعشق البخلا
وقلت زرني فلم يسمح فقلت له * عدني المزار فأومى بالحواجب لا
فقلت مر طيفك الساري على عجل * يمر بي قال إن ذقت الكرى فعلا
أعل جسمي تجنيه فانحله * والشهد من ريف فيه يبرئ العللا
والليل في حبه عون علي له * إن شح أو جاد لي أو جار أو عدلا
يطول في الهجر حتى لا انقضاء له * عني ويمضي سريع الخطو ان وصلا
يا صاحبي إلى اللذات حيهلا * فعرس هادي الورى قد انعش الأملا
لله يوم به تم السرور لنا * والعيش طاب لنا من أجله وحلا
فرع على خير أصل طاب مغرسه * بالمصطفى أحمد والمرتضى اتصلا
خلق كما هب معتل النسيم على * زهر الرياض وعزم يحطم الاسلا
فعش نعمت قرير العين مرتديا * بالعز ما غرد القمري أو هدلا
في ظل طودين عم الأرض ظلهما * ونيرين أضاءا السهل والجبلا
ليثان أن سطوا عضبان ما نبوا * بحران ما نضبا بدران ما أفلا
هما الجودان أما سوبقا سبقا * والراميان إذا ما نوضلا نضلا
المعطيان الغنى من غير مسالة * والباذلان صفايا المال إن سئلا
والقائلان صوابا كلما نطقا * والفاعلان جميلا كلما فعلا
وما رقى حسن للعز من درج * ألا تقفي حسين أثره وتلا
أبا علي لقد أتعبت مجتهدا * يبغي مداك وقد أعياه أن يصلا
سموت للمجد حتى نلت غايته * ما يبتغي من غدا بالنجم منتعلا
وإن شبليك في العلياء قد سلكا * سبيلك اللحب ما ضلا ولا عدلا
سرى علي وقفاه الجواد إلى * نيل المكارم لا يبغي بها بدلا
كرامة الدين أمسى اليوم في يدكم * مفتاحها وعليكم وحيها نزلا
الشيخ عبد الهادي البغدادي النجفي الشهير بالشيخ عبد الهادي
شليلة، وآل شليلة أخواله نسب إليهم.
ولد في النجف سنة ١٢٧٧ وتوفي في همذان سنة ١٣٣١ ثم نقل بعد
خمس سنين إلى النجف فدفن في مقبرتهم في محلة المشراق.
عالم فاضل معاصر رأيناه في النجف وشاركنا في بعض الدروس تلمذ
على الشيخ محمد طه نجف والشيخ آغا رضا الهمذاني والشيخ شريعة
الأصفهاني وملا كاظم الخراساني والشيخ أحمد المشهدي والسيد كاظم
اليزدي والشيخ عبد الله المازندراني وغيرهم نافت مؤلفاته على العشرين
مؤلفا منها كتاب في الرجال لم يتم وغاية المأمول في الفقه والأصول جزءان
ورسالة في الاجتهاد والتقليد ومنتقى الشيعة في أحكام الشريعة ومنتقى
الجمان في عالم الميزان متنا وشرحا وهو مطبوع وأرجوزة في المواريث. وكان
عارفا بالأصول والمنطق أديبا له مشاركة في الفلسفة وضاقت حاله أخيرا في
النجف فسافر إلى بلاد العجم فوافاه أجله فيها.
الشيخ عبد الواحد بن محمد البوراني.
في نشوة السلافة: خاتمة العلماء المجتهدين ونتيجة الأبرار السابقين
حسن الأخلاق وزاكي الأعراق وأما الأدب فهو بحره الفياض وناهيك من
نظمه الذي يفوق زهر الرياض فمن شعره قوله يرثي الشيخ خلف آل
موحي جد صاحب نشوة السلافة.
يا خلفا ليس له من خلف * عليه تبكي علماء النجف
لقد دهانا الدهر في موته * وسدد السهم فصال الهدف
وانتهب الدر على غرة * فما بقي في الكون إلا الصدف
يا بحر علم لم يزل طافحا * كم عالم منه روي واغترف
وبدر فضل حل أوج العلى * واليوم في الترب هوى وانكسف
من آل موح فضلهم ظاهر * جازوا العلى وانغمسوا في الشرف
وإنني أرجو له بعده * بشارة ابن أخيه الخلف
يا قبره انهل عليك الحيا * ما لمع البرق دجى أو خطف
قال صاحب النشوة لو رآني الشيخ الآن لقال:
وسبطه قد ناب عن جده كم فاضل دان له واعترف
وذكره السيد عبد الله بن نور الدين بن نعمة الله الجزائري في إجازته
الكبيرة ووصفه بالشيخ الفاضل الجليل وقال أنه يروي عن السيد حسام
الدين بن درويش علي الحلي.
عبد الواحد أبو عمرو بن مهدي.
في الرياض: هو عبد الواحد بن محمد بن محمد عبد الله بن محمد بن
مهدي من مشايخ الشيخ الطوسي ويروي عن ابن عقدة كما يظهر من أمالي
الشيخ الطوسي وقد يعبر عن عبد الواحد المذكور بأبي عمرو ويروي عن
أحمد والمراد بأحمد ابن عقدا اه. وفي سند أمالي الشيخ قال اخبرني أبو
عمرو سنة ٤١٦ في منزله ببغداد في درب الزعفراني رحبة المهدي، والمراد
هذا.
(١٣٠)

عبد الواحد بن الصفي النعماني.
كأنه منسوب إلى النعمانية بالضم، في معجم البلدان بليدة بين
واسط وبغداد في نصف الطريق على ضفة دجلة معدودة من أعمال الزاب
الأعلى وهي قصبته نسب إليها قوم من أهل الأدب اه. وعن رياض
العلماء للميرزا عبد الله الأفندي الأصفهاني الذي ألفه من سنة ١١٠٧ إلى
أن توفي في حدود سنة ١١٣٠ ما لفظه الشيخ عبد الواحد بن الصفي
النعماني فاضل عالم متكلم ومن مؤلفاته كتاب نهج السداد في شرح رسالة
واجب الاعتقاد نسبه إليه الكفعمي في حواشي مصباحه وهذه الرسالة
للعلامة الحلي في أصول الدين وبعض العبادات وعندنا من هذا الشرح
نسخة عتيقة ولم أتحقق خصوص عصره وأظن أنه من تلاميذ الشهيد أو
تلاميذ تلاميذه ثم ظني أنه من أسباط النعماني صاحب كتاب الغيبة وقد
اقتصر في شرح واجب الاعتقاد المذكور على بحث أصول الدين منه ولم
يشرح عبادات الفروع منه وجدنا له كتابه نهج السداد إلى شرح واجب
الاعتقاد الكبير للعلامة الحلي في تسع وأربعين ورقة بقطع الثمن قال في أوله
يقول العبد الفقير إلى رحمة ربه الغني عبد الواحد بن الصفي النعماني عفا
الله عنه الحمد لله الذي وجبت على الخلائق معرفته وصدقت على كل
مربوب ربوبيته القديم الذي لا أزل لأحد سواه والمبدئ الذي ما عداه إليه
منتهاه الذي وجب وجوده فاستحال عليه العدم وعم جوده فوجب شكره غير
مكتتم شهدت آثاره له بالوحدانية واستندت إلى استمرار بقائه الأزلية
والأبدية قدرته غير ممتنعة عليها المقدورات وعلمه غير متغير بتغير - + المعلومات
السميع بغير آلة والبصير بغير حاسة أراد الخير فامر به وكره القبيح فنهى عنه
تنزه عن الجواهر والأعراض والأجسام وتقدس من الحلول والاتحاد واللذة
والآلام غني لا يشوب جوده ملل ولا أعراض حكيم لا تنفك أفعاله عن
الحكمة والأغراض أرسل رسله إلى خلقه لطفا وكرما شرف محمدا وآله ص
بالنبوة والإمامة وبعد فان أشرف العلوم وأسناها ما كان الإنسان بتحصيله
ناجيا وباهماله هاويا وهو معرفة المبدأ والمعاد وما ذا خالقه بخلقه أراد إلى أن
قال وأقل ما يجزي في هذا الباب معرفة واجب الاعتقاد على جميع العباد
تاليف الامام الأعظم الخ وسميته بنهج السداد إلى شرح واجب
الاعتقاد.
عبد الواحد
الاسترآبادي بن نعمة الله بن يحيى.
العالم العارف المتكلم المفسر الفقيه تلميذ الشيخ البهائي له من
المؤلفات:
١ كشف الغطاء.
٢ معراج السماء.
٣ معارج السعادة.
٤ معيار الصلاة.
٥ مبادئ السالكين.
٦ مؤنس الوحيد.
٧ مصباح الهداية.
٨ إثبات الشوق.
٩ اثنيه غيب نما.
١٠ أنيس الواعظين.
١١ البرزخ الجامع.
١٢ جنة النعيم.
١٣ الآيات البينات في خلق الأرض والسماوات وطبع في بيروت
كتاب يقرب اسمه من هذا الاسم ولعله هو.
١٤ الأنوار القدسية منظومة في استكمال نفس النبي ص
١٥ البرزخ الجامع في معرفة الأزمان.
١٦ سلوك الملوك في تحقيق معنى العدالة.
١٧ طب القلوب في معالجة الأمراض الروحانية.
١٨ القطب الأعظم في الحسبة.
عبد الواحد بن عبد الله القيرواني.
في الدرر الكامنة: قدم القاهرة فاستوطنها وفاق في نظم الشعر ثم
دخل مكة فمدح صاحبها أبا نمي فراج عنده وله فيه غرر المدائح ويقال أنه
تعرض في بعض شعره لبعض الصحابة فقتل بمكة أشنع قتلة.
ومن شعره:
غزال تضاهيه الغزالة في الضحى * وتشبهه في البعد عن مستهامه
يموت جني الورد وغما بخده * ألم تنظروه مدرجع في كمامه
السيد المير عبد الواسع الخاتون آبادي جد أئمة الجمعة في طهران.
عالم فاضل معاصر ومعاشر للمجلسي الأول.
الميرزا عبد الوهاب المنجم باشي.
له نجوم القرآن في أطراف الفرقات ترجمة لكشف الآيات الذي كتب
في أفريقيا باللاتينية فترجمه هو إلى الفارسية حدود ١٢٩٠ وطبع مرارا في
إيران في آخر القرآن.
أبو الحسن علي بن أبي طالب بن أحمد بن القاسم بن أحمد ابن جعفر
بن محمد بن عبيد الله بن محمد بن الشجري.
في عمدة الطالب: قال ابن طباطبا وهو كثير الفضائل والعلوم له قدم
ثابت في كل علم حفظ وتصرف وله معرفة جيدة بالنسب كان نقيبا
بطبرستان وآمل حرسه الله تعالى وكثر في العشيرة أمثاله.
المولى عبد الوهاب الديرلي.
كان حنفيا ثم صار إماميا فصنف رسالة في مناظراته مع بعض العلماء
الحنفية بالفارسية سماها أبصار المستبصرين وترجمها إلى العربية الشيخ محمد
صادق بن أبي الفتوح بأمر مهدي قلى خان الشاملو ابن محمد خان ابن محمد
مؤمن خان وزير نادر شاة وترجيح الشيخ سعد الجزائري النجفي وقال
الشيخ محمد صادق في تلك الترجمة في حق المترجم. العالم العامل والفاضل
الكامل مولانا عبد الوهب الديرلي انتهى وذكرنا ذلك مفصلا في ترجمة
الشيخ محمد صادق.
السيد عبد الوهاب ابن السيد محمد علي سادن روضتي الحسين
والعباس.
توفي سنة ١٢٧١.
(١٣١)

كتب لنا ترجمته بعض أرحامه قال:
هو زعيم قبيلة آل طعمة المسماة قديما بال فائز تولى سدانة
الروضتين الحسينية والعباسية وحكومة كربلاء من قبل الولاة العثمانيين كما
كان جده السيد عباس ابن السيد نعمة الله نقيبا وأبوه السيد محمد علي
سادنا للروضة الحسينية وكانت في أيامه فرقة في كربلاء تسمى الرمازية
ديدنها الشقاوة والعصيان فغضب الوالي على كربلاء من أجل أولئك العصاة
وسير جندا لتأديبهم إلا أنهم تحصنوا في كربلاء واتفق معهم سائر
الكربلائيين فاعتصموا بالسور المحيط بكربلاء فارتد الجند عنهم ولما رأى
الوالي نجيب باشا ذلك ضاعف الجند بأمثاله وحشد العشائر الموالية له وقاد
القوة بنفسه وحاصر كربلاء ٢٥ يوما فاضطر الكربلائيون على التسليم
واحتل الوالي المدينة يوم ١١ ذي الحجة سنة ١٢٥٨ وإلى ذلك يشير
الأخرس البغدادي في قصيدته التي يهنئ بها الوالي نجيب باشا على إحرازه
النصر:
لقد خفقت في النحر ألوية النصر * وكان إنمحاق الشر من ذلك الثغر
وعلى أثر ذلك اتهم الوالي السيد عبد الوهاب بكونه زعيم تلك الحركة
فطلب القبض عليه لكنه فر من كربلاء متوجها نحو المسيب ومنها إلى عشيرة
الخزاعل تاركا أملاكه وعقاره فتصرف الوالي بها وعين شانئيه لسدانة
الروضتين وقد توسط في أمره السيد علي نقيب بغداد لدى الوالي فأصدر
العفو عنه وطلب حضوره إلى بغداد فسافر إليها والتحق بولده السيد عبد
الرزاق الذي كان رهينة لدى الوالي في بغداد وفوضه على أمر مقاطعة
الروز المعروفة ليزرعها فزرعها مدة ثلاث سنوات ثم أعطاه نهر الناصرية
من توابع المسيب فقطن فيه حتى توفاه الله سنة ١٢٧١ ونقل جثمانه إلى
كربلاء.
الأمير عبد الوهاب بن طاهر بن عسلي بن داود الحسني
الاسترآبادي
من المتكلمين له شرح الفصول النصيرية فرع منه يوم الأربعاء ٢٣
رجب سنة ٨٣٣ أو ٨٧٥ وعليه حاشية لبعض تلاميذ الشارح وله شرح
قصيدة البردة.
السيد الأمير عبد الوهاب بن علي الحسيني الأشرفي.
شيخ المولى ابن الحسن الزواري المفسر من أهل المائة التاسعة له تنزيه
الأنبياء تعرض فيه لكلام السيد المرتضى في تنزيهه وألفه باسم السلطان بديع
الزمان ولعله ابن حسين ميرزا بالقير وله شرح الفصول فرع منه سنة
٨٧٥.
عز الدين أبو محمد عبد الوهاب بن إبراهيم بن محمد الخزرجي
الزنجاني نزيل تبريز.
توفي سنة ٦٦٠.
كان فاضلا عالما أديبا حكيما عارفا بالمنقول والمعقول استوطن تبريز
وكان قد أقام بالموصل واستملى من الشيخ شمس الدين ابن النجار تصنيفه
وكان عالما بالنحو واللغة والتصريف وعلم المعاني والبيان وله تصانيف في
ذلك مفيدة وكان قد سافر إلى خراسان وعبر النهر إلى بخارى ورجع إلى
تبريز ولما دخل نصير الدين تبريز التمس منه أن يصنف له شيئا في علم
الهيئة فصنف له كتاب التذكرة ومن تصانيف عز الدين كتاب التذكرة
المجدية وغيره.
السيد عبد الوهاب بن علي بن سليمان بن عبد الوهاب الحسيني الرحيكي
الحائري
ولد سنة ١٢٩١ وتوفي في رمضان سنة ١٣٢٢ بالوباء في ضياع لهم
خارج كربلاء ودفن هناك ثم نقل إلى كربلاء ودفن في الرواق الشريف.
ذكره في الطليعة وقال كان أبوه من خدمة الروضة الحسينية أبا عن
جد فطلب هو العلم والفضل والأدب فناله بمدة قليلة ونال في أغلب العلوم
مع تقى ونسك وعبادة ومن شعره ما انشدنيه من لفظه:
وأغن يمنعه الحياء كلامه * فتخاله لا يحسن التكليما
اعطى القلوب بوصله وبصده * في حالتيها جنة وجحيما
وقوله مراسلا:
أحباي ما حيلتي فيكم * ولست على هجركم صابرا
فكيف السبيل لسلوانكم * وقد عاد لي عاذلي عاذرا
وقوله من أبيات:
أقل من اللوم أو فازدد * فما موردي أمس بالمورد
وما أبيض مفرقه بالمشيب * الا بيوم النوى الأسود
فلا عذر وأبيض منه الغدار * إن هام بالرشا الأغيد
وأذهله عن سؤال الطلول * سؤال المؤمل والمجتدي
أ أقنع بالخفض فعل الذليل * واقعد عن نهضة السيد
لئن انا لم تعل بي همة * فترقى على هامة الفرقد
لرحت إذا ورداء العقوق * من أم المعالي به ارتدي
ولست بواف ذمام العلي * إذا خان قولي فعل اليد
أباحوا حمى الله في ارضه * وردوا الضلال كما قد بدي
فمن غادر بعد يوم الغدير * وما غاب عن ذلك المشهد
ومن ملحد خان عهد النبي * والمصطفى بعد لم يلحد
وقوله:
خلت أربع ممن تحب وارسم * وأنت بها صب مشوق متيم
أمهما جرى ذكر العذيب وحاجر * بهت فلا سمع لديك ولا فم
سقى الوابل الوكاف اكناف حاجر * وأومض ثغر البرق فيهن يبسم
وما كنت أستجدي السحاب لربعها * وسقياه لولا الدمع من أعيني دم
أرقت ولم ترق الدموع ولا خبت * بجنبي نار للجوى تتضرم
ذكرت السيوف الغر من آل هاشم * غدت بسيوف الهند وهي تثلم
ولم يبق الا السبط في الجمع مفردا * ولا ناصر الا حسام ولهذم
لئن عاد فردا بين جيش عرمرم * ففي كل عضو منه جيش عرمرم

(١) الطليعة.
(٢) مطلع الشمس.
(١٣٢)

السيد عبد الوهاب بن خلف بن عبد المطلب الموسوي المشعشعي
الحويزي.
توفي سنة ١٠٠٠ في يزد
كان أديبا فاضلا اقامه اخوه السيد علي حاكم الحويزة في يزد حذرا منه
فكان بها إلى أن توفي.
رأيت له شعرا بخط يده فمنه قوله (١):
لقد جهدت نفسي من الهم والهوى * ولم تخط فيما فيه توفي همومها
فيا نفسي صبرا لست والله فاعلمي * بأول نفس أجهدتها همومها
وقوله:
لله أيام الوصال * وإن مضت عنا سراعا
فلعمرها لما انقضت * لم ارج بالعمر انتفاعا
أنبيك يا من لم يذق * بينا ولم يطعم وداعا
فاسمع مقالة من يبين * أليفه اضحى مراعا
ورمت به أيدي الفرا * ق فما أطاق لها دفاعا
قد صرت بين ذوي الهوى * مثلا أخافهم وراعا
لو كان بالجبل الأصم * غليل أحشائي تداعى
وقوله:
يا قاسي القلب ضعيف الوداد * وسالب العقل ولب الفؤاد
سواك لن يخطر في خاطري * أنت منى قلبي وأنت المراد
وقوله:
قومي هم القوم أهل الباس والكرم * أولو النهى سادة البطحاء والحرم
دعائم المجد أس الفخر قد ورثت * أبناؤهم عنهم مستحسن الشيم
لا عيب فيهم سوى أن النزيل بهم * يسلو عن الأهل والأوطان والحشم
وقوله:
ثق يا فؤادي بلطف الواحد الصمد * عسى تنال ذرى المجد الأثيل يدي
وقر عينا لعل الله يكشف ما * عليه أمسيت مطويا على الكمد
وسله بالمصطفى الهادي وعترته * أئمة الحق والهادين للرشد
الموت أجمل بي مما أكابده * يا حتف خذ بيدي قد خانني جلدي
وقوله مذيلا قول بعضهم:
شفيعي إلى الله أهل العبا * فإن لم يكونوا شفيعي فمن
شفيعي النبي شفيعي الوصي * شفيعي الحسين شفيعي الحسن
شفيعي التي غصبت حقها * فصلى عليها إله المنن
فقال:
ومن بعدهم سيد العابدين * شفيعي زين الورى ذو الثقن
وباقر كل علوم الورى * مميت الضلالة محيي السنن
ومن بعده جعفر وابنه * فمن صادق القول أو مؤتمن
ومن بعد موسى علي الرضا * لزائره جنة قد ضمن
وشبه المسيح شفيعي الذي * يجيب بغيب إذا ما امتحن
سمي الرسول ومن بعده * سمي الوصي كثير المحن
علي ونعم حاتم الأوصياء * امام البرية في ذا الزمن
ومستودع العلم من ربه * فمنه سيظهر ما قد بطن
الميرزا عبد الوهاب بن محمد الحسيني بن أبي القاسم بن مؤمن بن حسين بن
عماد
ابن أبو الفتح بن عسكري بن حسين بن محمد بن يوسف بن محمد بن
علي بن حسن بن حبيب الله بن فرض بن نجيب بن محمد بن عبد
المطلب بن مرتضى بن علي بن حسين بن بادشاه بن حسين بن بادشاه بن
عبد الله بن عقيل بن أبي طالب بن جعفر بن محمد بن أبي عبد الله
الأدهم بن محمد الأكبر بن أبي محمد الحسن بن حسين الأصغر بن أبي الأئمة
علي بن الحسين صلوات الله عليه وعلى آبائه وأبنائه الطيبين الطاهرين هكذا
ذكر نسبه في آخر كتاب شجرته ولكنه كتب عبد الوهاب الرضوي الحسيني
وهو ليس من السادات الرضويين لكن امه منهم صنف كتابا في مناسك
الحج سنة ١٢٤٠ بأمر السيد محمد القصير مشتمل على جميع أشكال البقاع
والمعابد والمساجد والمزارات والمنارات والجبال في المسجد الحرام ومسجد
النبي ص وفي المشاهد المشرفة وفي مشاهد أولاد الأئمة ع مع ذكر
الأدعية والزيارات والآداب والسنن واسم ذلك الكتاب زاد الزائرين.
مولانا عبد الوهاب شيخ الاسلام في المشهد المقدس
توفي سنة ١٢٦٢ ودفن في دار التوحيد المباركة.
له اليد الطولى في الرياضيات وله حواش على قوانين الأصول
وحواش على التذكرة في الهيئة وتعليقات على الرياض في الفقه.
ميرزا عبد الوهاب خان الكرمانشاهي له
رسالة في علم النجوم سماها مفتاح النجوم الفها سنة ١٢٩٠
ورتبها على ستين فصلا رأينا نسختها المخطوطة في كرمانشاه.
الشيخ أبو الفتح عبد الواحد بن محمد بن عبد الواحد الآمدي
له غرر الحكم ودرر الكلم من كلام أمير المؤمنين مطبوع في الهند وفي
صيدا من مشايخ ابن شهرآشوب وعليه شرح للمحقق جمال الدين
الخونساري وتكملته الموسومة بالجواهر العلية. ولأهل السنة كتب في هذا
الموضوع أيضا منها عيون الحكم والمواعظ لعلي بن محمد بن شاكر المؤدب
الكيشي الواسطي ألفه سنة ٤٥٣ ومنها منثور الحكم لأبي الفرج بن
الجوزي ومنها قلائد الحكم لأبي يوسف يعقوب الأسفراييني ومنها
دستور الحكم للقاضي القضاعي صاحب الشهاب المتوفى سنة ٤٥٤
ومنها العيون والمحاسن على نهج غرر الحكم ومنها الدر المكنون
ومنها نثر اللئالي ومنها اكسير السعادتين ومنها مائة كلمة للجاحظ
ومنها ألف كلمة جمع ابن أبي الحديد.
عبد الوهاب بن علي الحسني الاسترآبادي
فاضل متكلم محقق كان قاضيا بجرجان له ١ شرح الفصول النصيرية
فرع منه سنة ٨٧٥ ٢ حاشية على شرح الهداية الأثيرية ٣ شرح الردة

(١) الطليعة.
(٢) مطلع الشمس.
(١٣٣)

بالفارسية ٤ تنزيه الأنبياء ألفه باسم السلطان بديع الزمان ابن السلطان
حسين ميرزا بايقرا وهذا السيد هو أبو الأمير نظام الدين عبد الحي
الاسترآبادي وينسبون إلى أبي علي احمد الصوفي وتخرج عليه جماعة منهم
السيد علي بن الحسين الزواري المفسر صاحب لوامع الأنوار في تفسير
القرآن.
الميرزا عبد الوهاب ابن الميرزا آقاي الوزير في زمان محمد شاة القاجاري
والد ناصر الدين
كان عالما فاضلا له من المؤلفات رسالة في ترجمة اللغات المستعملة
في كتاب دبستان المذاهب فرع منها يوم الأربعاء ١٦ ذي القعدة سنة
١٢٧٩ كتاب كبير في اللغة شروح على القصائد والخطب ديوان
شعر كبير وغير ذلك.
عبد الوهاب بن الحسين بن حمدان بن حمدون التغلبي العدوي ابن عم
سيف الدولة
ذكر ابن الأثير في حوادث سنة ٣٠٣ أنه كان مع أبيه لما خرج أبوه
بالجزيرة على المقتدر فحاربه المقتدر وأسر هو وابنه عبد الوهاب فاركبا على
جمل وعليهما البرانس واللبود الطوال وقمصان من شعر احمر وحبسا عند
زيدان القهرمانة اه.
العبدي
يطلق على سفيان أو سيف بن مصعب وهو المتبادر عند الاطلاق وربما
يطلق على علي بن حماد وعلى علي بن عبيد العبدي أو أن ذلك هو العدوي لا
العبدي.
عبيد أو عبد بن أبي سلمة الليثي المعروف بابن أم كلاب
روى الطبراني في تاريخه بأسانيده أن عائشة لما انتهت إلى سرف راجعة
في طريقها إلى المدينة لقيها عبد بن أم كلاب وهو عبد بن أبي سلمة ينسب
إلى امه، وفي تاريخ ابن الأثير لقيها رجل من أخوالها من بني ليث يقال له
عبيد بن أبي سلمة وهو ابن أم كلاب فقالت له مهيم؟ قال قتلوا عثمان
فمكثوا ثماني قالت ثم صنعوا ما ذا قال اخذها أهل المدينة بالاجتماع فجازت
بهم الأمور إلى مجاز أو فحارت بهم الأمور إلى خير محار اجتمعوا على
علي بن أبي طالب فقالت والله ليت أن هذه انطبقت على هذه إن تم الامر
لصاحبك ردوني ردوني فانصرفت إلى مكة وهي تقول قتل والله عثمان
مظلوما والله لأطلبن بدمه فقال لها ابن أم كلاب ولم؟ فوالله أن أول من
امال حرفه لانت والله لقد كنت تقولين اقتلوا نعثلا فقد كفر قالت إنهم
استتابوه ثم قتلوه وقد قلت وقالوا وقولي الأخير خير من قولي الأول فقال لها
ابن أم كلاب.
منك البداء ومنك الغير * ومنك الرياح ومنك المطر
وأنت امرت بقتل الامام * وقلت لنا أنه قد كفر
فهبنا أطعناك في قتله * وقاتله عندنا من أمر
ولم يسقط السقف من فوقنا * ولم ينكسف شمسنا والقمر
وقد بايع الناس ذا تدرئ * يزيل الشبا ويقيم الصعر
ويلبس للحرب اثوابها * وما من وفي مثل من قد غدر
قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: قال أبو مخنف، لوط بن
يحيى الأزدي في كتابه: أن عائشة لما بلغها قتل عثمان وهي بمكة أقبلت
مسرعة وهي تقول: آية ذا الإصبع لله أبوك إما انهم وجدوا طلحة لها كفوا
فلما انتهت إلى سرف استقبلها عبيد بن أبي سلمة الليثي فقالت له ما عندك
قال قتل عثمان قالت ثم ما ذا قال ثم حارت بهم الأمور إلى خير محار بايعوا
عليا فقالت لوددت أن السماء انطبقت على الأرض إن تم هذا ويحك انظر
ما ذا تقول قال هو ما قلت يا أم المؤمنين فولولت فقال لها ما شانك يا أم
المؤمنين والله ما اعرف بين لابيتها أحدا أولي بها ومنه ولا أحق ولا ارى له
نظيرا في جميع حالاته فلما ذا تكرهين ولايته الحديث.
عبيد الله الذاكاني منسوب إلى ذاكان من قرى قزوين.
من شعراء الفرس في عهد الشاة صفي الصفوي شاعر ظريف مشهور
صاحب الأقوال اللطيفة المعروفة، كذا في رياض العلماء.
عبيد بن زرارة بن أعين بن سنس الشيباني
في رسالة أبي غالب الزراري أنه لقي أبا عبد الله جعفر بن محمد
ع وروى عنه قال وكان عبيد وافد الشيعة بالكوفة إلى المدينة عند وقوع
الشبهة في أمر عبد الله بن جعفر وله في ذلك أحاديث كثيرة قد ذكرت في
الكتب وقال ولقي عبيد بن زرارة وغيره من بني أعين أبا الحسن موسى بن
جعفر.
عبدة بن مبشر الواسطي
توفي سنة ٤٠٢
ذكره الذهبي في تذكرة الحفاظ ووصفه بالشيعي المعتزلي.
الشيخ موفق الدين أبو القاسم عبيد الله بن شمس الاسلام الحسن بن
الحسين بن بابويه القمي نزيل الري
في مجموعة الجباعي فقيه ثقة من أصحابنا قرأ على والده الشيخ الامام
شمس الاسلام الحسن بن بابويه فقيه عصره جميع ما كان له سماع وقراءة
على مشائخ الشيخ أبي جعفر والشيخ سالاز والشيخ ابن البراج والسيد
حمزة.
عبيد الله بن موسى
يروي عنه أحمد بن منصور ويروي هو عن قطر بن خليفة في سند
حديث من أحاديث الغدير أورده ابن جرير الطبري في كتابه الذي صنفه في
أخبار يوم الغدير كما حكاه ابن كثير الشامي في تاريخه قال ابن كثير
وعبيد الله بن موسى شيعي ثقة.
السيد عبيد الله بن موسى بن أحمد بن محمد بن أحمد بن موسى بن محمد بن
علي بن موسى بن جعفر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب
ع
ثقة ورع فاضل حديث. له كتاب أنساب آل الرسول وأولاد
البتول، كتاب في الحلال والحرام، كتاب الأديان والملل.
(١٣٤)

عبيد بن أبي سلمة الليثي وهو ابن أم كلاب
قال ابن أبي الحديد: قال أبو مخنف لوط بن يحيى الأزدي في كتاب
الجمل أن عائشة لما بلغها قتل عثمان وهي بمكة أقبلت مسرعة وهي تقول
آية ذا الإصبع لله أبوك إما إنهم وجدوا طلحة لها كفوا فلما انتهت إلى سرف
استقبلها عبيد بن أبي سلمة الليثي فقالت له ما عندك قال قتل عثمان قالت
ثم ما ذا قال ثم حارت بهم الأمور إلى خير محار بايعوا عليا فقالت لوددت أن
السماء انطبقت على الأرض إن تم هذا ويحك انظر ما ذا تقول قال هو ما
قلت لك يا أم المؤمنين فولولت فقال لها ما شانك يا أم المؤمنين والله ما
أعرف بين لابتيها أحدا أولى بها منه ولا أحق ولا أرى له نظيرا في جميع
حالاته فلما ذا تكرهين ولايته قال فما ردت علي جوابا. وروى الطبري
بسنده أنها خرجت من مكة تريد المدينة فلما كانت بسرف لقيها رجل من
أخوالها من بني ليث يقال له عبيد أو عبد بن أبي سلمة وهو ابن أم كلاب
فقالت له مهيم (١) قال قتل عثمان وبقوا ثمانيا قالت ثم صنعوا ما ذا قال
أخذها أهل المدينة بالاجتماع فجازت بهم الأمور إلى خير مجاز اجتمعوا على
بيعة علي فقالت ليت هذه انطبقت على هذه إن تم الامر لصاحبك ردوني
ردوني فانصرفت إلى مكة وهي تقول قتل والله عثمان مظلوما والله لأطلبن
بدمه فقال لها ولم والله أن أول من أمال حرفه لأنت ولقد كنت تقولين اقتلوا
نعثلا فقد كفر قالت إنهم استتابوه ثم قتلوه وقد قلت وقالوا وقولي الأخير
خير من قولي الأول.
عبيد الله بن العباس
أراد رجل أن يضار عبيد الله بن العباس فاتى وجوه قريش فقال يقول
لكم عبيد الله تغدوا عندي اليوم فاتوه فملئت عليه الدار فقال ما هذا فأخبر
بما صنع الرجل فأرسل إلى السوق فجئ بالفاكهة وأرسل قوما فذبحوا
وخبزوا وشووا فلم ينقض اكلهم الفاكهة حتى جاء الطعام ثم قال لوكلائه
فليتغد عندنا هؤلاء في كل يوم. وخرج عبيد الله يريد معاوية فاصابته
السماء وهو في أرض قفر ليلا فرفعت له نار فقال لغلامه مقسم اقصد بنا
النار فاتاها فإذا شيخ معه أهله وكان عبيد الله من أجمل الناس فلما رآه
الشيخ أعظمه وقال لامرأته إن كان هذا قرشيا فهو من بني هاشم وإن كان
يمانيا فهو من بني آكل المرار فهيئ لنا عنزك اقض بها ذمامه قالت إذا تموت
ابنتي من الجوع قال الموت خير من اللؤم فاخذ الشفرة وقام إلى العنز وهو
يقول:
قرينتنا لا توقظي بنيه * إن توقظيها تنحب عليه
وتنزع الشفرة من يديه * أبغض بهذا وبذا إليه
فذبحها وحدث عبيد الله حتى نضجت فاكل منها عبيد الله وباتا ليلة
فلما قرب الرحيل قال لمقسم كم معك من نفقتنا قال خمسمائة دينار قال
القها إلى الشيخ قال مقسم سبحان الله إنما كان يكفيه أن تضعف له ثمن
عنزة والله ما يعرفك ولا يدري من أنت قال لكني اعرف نفسي وأدري من
انا هذا لم يكن له من الدنيا غير هذه العنز فجاء لنا بها وهو لا يعرفنا فخرج
من دنياه وأعطيناه بعض دنيانا فهو أجود منا وسار عبيد الله حتى قدم على
معاوية وقضى حوائجه فلما انصرف قال يا مقسم مر بنا على الشيخ ننظر
كيف حاله فإذا ابل عظيمة وانشده الشيخ شعرا قال فيه:
توسمته لما رأيت مهابة * عليه وقلت المرء من آل هاشم
والا فمن آل المرار فإنهم * ملوك ملوك من ملوك خضارم
فقمت إلى عنز بقية أعنز * فاذبحها فعل امرئ غير عاتم
فعوضني منها غناي ولم تكن * تساوي عناقي غير خمس دراهم
فقالت لعرسي في الخلا ووصيتي * أ ألحق هذا أو هو أضغاث حالم
فقالوا جميعا لا بل الحق هذه * يخب بها الركبان وسط المواسم
بخمس مئين من دنانير عوضت * من العنز ما جادت بها كف حاتم
فبلغ ذلك معاوية فقال لله عبيد الله من اي بيضة خرج ومن اي
عش درج وروي أن عبد الله بن عباس اتى الحسن والحسين فقال أن أخي
واخاكما يريد عبيد الله قد أسرع في ماله اسراعا قد خفت منه على نفاده
وله صبية قد خفت أن يدعهم عالة وقد عاتبته في ذلك مرارا ولا أراه يقلع
ولا ينزع وارجو أن يكون لكما مطيعا وأن قولكما عنده مقبولا فلو عاتبتماه
فقالا نفعل فصارا إليه فلما دخلا وجداه يطعم الناس فإذا جزر تنحر فقال
أحدهما لصاحبه هذا بعض ما شكاه عبد الله فاستقبلهما وأسهل لهما عن
فراشه ولقيهما بالاجلال والاعظام وقالا أتيناك في حاجة فقال الحوائج بعد
الغداء قالا فهاته فقال ما كنت لأغديكما بنحيرة لغيركما فاحتبسهما حتى نحر
لهما فلما طعما قالا أن أخانا واخاك عبد الله سألنا معاتبتك على اسرافك في
مالك وقد رأينا بعض ما شكا ولك بنون ولسنا نأمن عليهم الضيعة بعدك
فقال ما لقولكما عندي مرد ولا لي عما تأمراني مدفع لكني أخبركما بقصتي
وارد الامر إليكما فما أمرتماني به أتيته وما نهيتماني عنه وقفت عنده أن الله
تبارك وتعالى عودني عادة جميلة فعودتها عباده ولست آمن أن قطعت عادتي
عن عباده أن يقطع عادته عني فقالا لا نأمرك في هذا بشئ وانصرفا
حامدين لامره (٢).
عز الدين عبيد الله بن عبد الله بن المختار العلوي الفقيه
قرأت بخطه على تقويم له.
إن تغترر باخ يخنك وأن تشم * برقا يضن وأن تقل لم يقبل
فاقنع برزقك واطرح هذا الورى * فلعل حظك ليله أن ينجلي (٢)
عبيد الله بن موسى بن أحمد بن محمد بن أحمد بن موسى بن محمد بن
علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب
ع
يروي عن أبي محمد جعفر بن أحمد وعن أحمد بن الحسين الأيوبي
الخضيب ويروي عنه تلميذاه الشيخ المفيد عبد الرحمن بن أحمد النيشابوري
وأبو سعيد محمد بن أحمد النيشابوري جد أبي الفتوح الرازب صاحب
التفسير كما يأتي وكلاهما من أعيان علماء الإمامية وأصحاب التصانيف. في
فهرست منتجب الدين: ثقة ورع فاضل محدث له ١ كتاب انساب آل
الرسول ص وأولاد البتول ٢ كتاب في الحلال والحرام ٣ كتاب الأديان
والملل.
أخبرنا بها جماعة من الثقات عن الشيخ المفيد عبد الرحمن بن أحمد
النيشابوري منتجب الدين والمترجم هو أبو الفتح بن أبي الحسن
موسى بن أبي عبد الله احمد النقيب بقم بن محمد الأعرج بن أحمد بن موسى
(١٣٥)

المبرقع ابن الإمام محمد الجواد ع الخ وعن كتاب البدر
المشعشع في ذرية موسى المبرقع للميرزا حسين النوري ان كون سلسلة
نسب المترجم بهذا النحو مأخوذ عن عدة نسخ منها مجموعة بخط صاحب
الكرامات شمس الدين محمد بن علي الجباعي جد الشيخ البهائي وهو نقل
عن خط الشهيد الأول والمجلسي ومولانا محمد الأردبيلي في جامع الرواة
نقلا نسبه عن المنتخب بهذا النحو وعليه فالنسخة التي كانت عند صاحب
أمل الآمل من المنتخب قد سقط منها رجلان من سلسلة أجداد المؤلف
حيث ذكره هكذا عبيد الله بن موسى بن جعفر اه. وفي الشجرة الطيبة
أن صاحب المنتخب بعد ما ذكر المترجم قال بعد فاصلة السيد الاجل أبو
الفتح عبيد الله بن موسى بن علي الرضا ع فاضل محدث والظاهر
أنه هو المترجم وأسقط سلسلة أجداده وذكره ثانيا تكرار ويؤيد أن عبيد الله
من أولاد موسى بن أحمد أن الشيخ منتجب الدين المذكور في كتاب
الأربعين نقل في آخره حكايات الحكاية الرابعة منها هكذا أخبرنا أبو علي بن
جندب بن الحسين بن أبي عدي البيع حدثنا الشيخ المفيد أبو محمد عبد
الرحمن بن أحمد بن الحسين الحافظ حدثنا السيد أبو الفتح عبد الله بن
موسى بن أحمد بن الرضا أن أبا محمد جعفر بن أحمد حدثهم حدثنا أحمد بن
عمران حدثنا عبد الله بن جعفر النحوي عن الحارث بن محمد التميمي عن
علي بن محمد قال رأيت ابنة أبي الأسود وبين يدي أبيها خبيص فقالت يا أبه
أطعمني فقال افتحي فاك ففتحت فوضع فيه مثل اللوزة ثم قال لها عليك
بالتمر فهو أنفع واشبع فقالت هذا أنفع وأنجع فقال هذا الطعام بعث به
إلينا معاوية يخدعنا به عن حب علي بن أبي طالب ع فقالت يخدعنا عن
السيد المطهر بالشهد المزعفر تبا لمرسله وآكله ثم عالجت نفسها وقاءت ما
أكلت منه وأنشأت تقول باكية:
أبا الشهد المزعفر يا ابن هند * نبيع عليك اسلاما ودينا
فلا والله ليس يكون هذا * ومولانا أمير المؤمنينا
وقال الشيخ أبو الفتوح الرازي في تفسيره كان عمرها خمس سنين أو
ست سنين وأبو الفتح المذكور في هذا السند هو عبيد الله بن موسى الذي
ذكره صاحب المنتخب وقال الشيخ الجليل الحافظ أبو سعيد محمد بن
أحمد بن الحسين النيشابوري جد أبي الفتوح الرازي صاحب التفسير في
أربعينه: الحديث الخامس أخبرنا السيد أبو الفتح عبيد الله بن موسى بن
أحمد العلوي الرضوي بقراءتي عليه قال أخبرنا أحمد بن الحسين الأيوبي
الخضيب حدثنا القاضي عمر بن الحسين حدثنا جعفر بن محمد وسعيد قال
حدثنا نصر بن مزاحم حدثنا عبد الله بن عبد الملك أبو عبد الرحمن
المسعودي حدثنا إبراهيم بن حيان عن أم جعفر بنت محمد بن جعفر امرأة
محمد بن الحنفية عن أسماء بنت عميس انها حدثتها إنها كانت تغزو مع
النبي ص قالت قلت يا جدة ما كنت تصنعين معه قالت كنت أرز السقاء
وأداوي الجرحى وأكحل العين وإن النبي ص صلى بنا العصر فانثنى بنا قبل
ان سلم فاوحى الله تعالى إليه فأخبر عليا ع وقد كان دخل في الصلاة ولم
يكن أدرك أول وقتها فلما انصرف النبي ص وقد طال ذلك منه إلى آخر ما
ورد في هذا الحديث. ويفهم من كتاب لباب الأنساب في تحقيق الألقاب
والأعقاب تاليف أبي جعفر محمد بن هارون الموسوي النيشابوري أن
للمترجم ولدا اسمه موسى انتقلت إليه نقابة قم كما ذكر في ترجمته.
عبيد الله أو عبد الله الحسيني.
ذكره ابن شهرآشوب في معالم العلماء في شعراء أهل البيت المجاهرين
وأورد له في المناقب قوله:
يا طيب نفح النسيم في سحر * عرج على طيبة بتغليس
وزر بقيعا بما تجد به * رسما من الدين جد مطموس
وأعزهما بالعزي كذا رازمة * تثلم لمحاكها بتعبيس
وطف بها بالطفوف مدلجا * وحيها ضحوة بتشميس
وأقصر ببغدان من أزمتها * ترو صداها بطول تعريس
وخص سامرة بمرتجز * يشوب تطبيقه بتبجيس
وازحف إلى طوس واقض محتسبا * حقوق ذاك الغريب في طوس
مشاهد روحت مراقدها * برحمة نورت وتقديس
عبيد الله بن عبد الله السدآبادي.
له ١ كتاب عيون البلاغة ٢ انس الحاضر ونقلة المسافر ٣
المقنع في الإمامة ٤ التاج الشرفي في معجزات النبي ص ودلائل أمير
المؤمنين ع.
أبو علي عبيد الله الأعرج ابن الحسين الأصغر ابن علي زين العابدين بن
الحسين بن علي بن أبي طالب ع.
في عمدة الطالب توفي في ضيعة ندي إيران أو ذي أمان وهو موضع
بخراسان في حياة أبيه وهو ابن سبع وثلاثين سنة على ما قاله أبو نصر
البخاري وقال أبو الحسن العميري ابن ستة وأربعين يكنى أبا علي امه أم
خالد وقال أبو نصر البخاري خالدة بنت حمزة بن مصعب بن الزبير بن
العوام وكان في إحدى رجليه نقص فلذا سمي بالأعرج ويعرف المترجم
بعبيد الله الأول لأن في أولاده اثنين كل منهما يسمى عبيد الله ووفد على أبي
العباس السفاح فاقطعه ضيعة بالمدائن دخلها كل سنة ثمانون ألف دينار
وكان عبيد الله قد تخلف عن بيعة النفس الزكية محمد بن عبد الله المحض
فحلف محمد إن رآه ليقتله فلما جئ به غمض محمد عينيه مخافة أن يحنث
وورد عبيد الله على أبي مسلم بخراسان فاجرى له ارزاقا كثيرة وعظمه أهل
خراسان فساء ذلك أبا مسلم وقال سليمان بن كثير الخزاعي لعبيد الله انا
غلطنا في أمركم ووضعنا البيعة في غير موقعها فهلم نبايعكم وندعو إلى
نصرتكم فظن عبيد الله إن ذلك ديسي من أبي مسلم فأخبره بذلك فثقل
عليه مكانه وجفاه وقال له يا عبيد الله إن نيسابور لا تحملك وقتل
سليمان بن كثير الخزاعي وكان في نفسه عليه شئ قبل ذلك اه.
أبو القاسم عبيد الله بن عبد الله بن أحمد بن محمد بن حمد بن محمد بن
حسكان القرشي العامري النيسابوري الحنفي الحاكم ويعرف بابن الحداد.
توفي بعد سنة ٤٩٠
ذكره الذهبي في تذكرة الحفاظ ووصفه بالقاضي المحدث وقال شيخ
متقن ذو عناية تامة بعلم الحديث وهو من ذرية الأمير عبد الله بن عامر بن
كريز الذي افتتح خراسان زمن عثمان وكان معمرا عالي الاسناد صنف
وجمع وحدث عن جده وابن أبي الحسن العلوي وأبي عبد الله الحاكم وأبي
طاهر بن محمش وعبد الله بن يوسف الأصبهاني وأبي الحسن بن عبدان وابن
فتحويه الدينوري وأبي الحسن علي بن السقا وأبي عبد الله بن باكويه وخلق
وينزل إلى أبي سعيد الكنجرودي ونحوه. اختص بصحبة أبي بكر ابن
(١٣٦)

الحارث الأصبهاني النحوي وأخذ عنه وأخذ أيضا عن الحافظ أحمد بن
علي بن منجويه وتفقه على القاضي أبي العلاء صاعد بن محمد وما زال
يسمع ويجمع ويفيد وقد أكثر عنه المحدث عبد الغافر بن إسماعيل الفارسي
وذكره في تاريخه.
وذكره ابن شهرآشوب في معالم العلماء وله كتاب شواهد التنزيل
وحسكان كغضبان لفظا ومعنى قرية من قرى نيسابور.
أبو محمد عبيد الله بن موسى بن أبي المختار العبسي مولاهم الكوفي شيخ
البخاري. ولد سنة ١٢٨ ومات في ذي القعدة سنة ٢١٢ أو ١٣ أو ١٤.
والعبسي بفتح العين المهملة وسكون الباء الموحدة وكسر السين
المهملة في أنساب السمعاني نسبة إلى عبس بن بغيض بن ريث بن
غطفان بن سعد بن قيس غيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان وهي
القبيلة المشهورة التي ينسب إليها العبسيون بالكوفة وجماعة ينسبون إلى عبس
مراد وقال ابن حبيب في الأزد عبس وهوزان بن أسلم بن أفصى بن حارثة
أخو خزاعة فالمنتسب إلى عبس بطن وهو الأشهر وعد منهم جماعة حتى
وصل المترجم مولاهم.
أقوال العلماء فيه
ذكره الشيخ الطوسي في رجاله في أصحاب الصادق ع
وفي انساب السمعاني أبو محمد عبيد الله بن موسى العبسي مولى لهم
من أهل الكوفة يروي عن إسماعيل بن أبي خالد والأعمش. روى عنه
أهل العراق والغرباء وعن كتاب دول الاسلام: سنة ٢١٣ مات محدث
الكوفة عبيد الله بن موسى العبسي الحافظ المتعبد. ومن كونه شيخ
البخاري وكون شيخ الإمام الشافعي هو إبراهيم بن محمد بن سمعان المدني
كما ذكر في بابه وشيخ أحمد بن حنبل كانوا من الشيعة يعرف ما كان للشيعة
من التقدم وعلو الهمة في العلم. والظاهر أنه هو الذي ذكره الذهبي في
تذكرة الحفاظ فقال: عبيد الله بن موسى الحافظ الثبت أبو محمد العبسي
مولاهم الكوفي المقري العابد من كبار علماء الشيعة وهو في عداد وكيع وإنما
أخرناه لتأخر موته سمع من هشام بن عروة وإسماعيل بن أبي خالد
والأعمش والثوري وابن جريح وحنظلة بن أبي سفيان والأوزاعي وطبقتهم
روى عنه البخاري ثم روى هو وباقي الجماعة في كتبهم عن رجل عنه
وحدث عنه أحمد وإسحاق ويحيى وأبو بكر بن أبي شيبة وعباس الدوري
والدارمي والحارث التيمي والكديمي وخلائق، وثقه يحيى بن معين وقال أبو
حاتم ثقة صدوق وأبو نعيم اتقن منه وعبيد الله أثبتهم في إسرائيل وقال
العجلي كان عالما بالقرآن رأسا فيه ما رأيته رافعا رأسه وما رئي ضاحكا قط
قلت قرأ على حمزة الزيات قال أبو داود وكان شيعيا محترقا أي شديد
التشيع وقال أحمد بن يوسف السلمي كتبت عنه ثلاثين ألف حديث. قال
ابن سعد مات في ذي القعدة سنة ٢١٣ رحمه الله تعالى اه.
وفي ميزان الاعتدال: عبيد الله بن موسى العبسي الكوفي شيخ
البخاري ثقة في نفسه لكنه شيعي منحرف وكان ذا زهد وعبادة وإتقان وثقه
أبو حاتم وابن معين وقال أبو حاتم أبو نعيم اتقن
منه وقال أحمد بن عبد الله العجلي كان عالما بالقرآن رأسا فيه ما رأيته رافعا
رأسه وما رئي ضاحكا قط.
عتاب بن لقيط البكري.
كان مع أمير المؤمنين ع يوم صفين ولما انتهى علي ع إلى
رايات ربيعة يوم العاشر من أيام الحرب بصفين قال ابن لقيط ان أصيب
علي فيكم افتضحتم وقد لجا إلى راياتكم.
عبيد الله بن علي بن إبراهيم بن الحسن بن عبيد الله بن العباس ابن أمير
المؤمنين ع.
له الجعفرية في فقه أهل البيت حكاه الشيخ رضي الدين أخو العلامة
الحلي في العلل القوية وصرح بأنه غير الجعفريات والأشعثيات وحكى في
العدد القوية عن الزبير بن بكار انه كان عالما فاضلا جوادا طاف البلاد وجمع
كتابا يسمى الجعفرية في فقه أهل البيت قدم بغداد وأقام بها وحدث ثم
سافر إلى مصر فتوفي بها سنة ٣١٢ ونحوه قال الخطيب في تاريخ بغداد وان
قدومه كان في أيام الرشيد وصحب المأمون ويقال أنه أشعر آل أبي طالب.
وقال في الرياض كذا ذكره سبط ابن الجوزي في تذكرة خواص الأمة.
عتبة بن أبي سفيان بن عبد المطلب بن هاشم.
أورد له عبيد الله بن عبد الله السدآبادي في المقنع في الإمامة قوله:
وكان ولي الأمر من بعد احمد * علي وفي كل المواطن صاحبه
وصي رسول الله حقا وصهره * وأول من صلى ومن لان جانبه
عتبة بن أبي لهب بن عبد المطلب.
أورد له عبيد الله بن عبد الله السدآبادي في كتابه المقنع في الإمامة
قوله:
تولت بنو تيم على هاشم ظلما * وذادوا عليا عن امارته قدما
ولم يحفظوا قربى نبي قريبة * ولم ينفسوا فيمن تولاهم علما
عتبة بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود الهذلي بالنسب الزهري
بالمحالفة أبو العميس المسعودي الكوفي.
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الصادق ع وذكره محمد بين
سعد كاتب الواقدي في الطبقات الكبير في طبقات الكوفيين فيمن نزل
الكوفة من الصحابة والتابعين من أهل العفة والعلم فقال: أبو عميس واسمه
عتبة بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود الهذلي حليف بني زهرة
وكان ثقة اه في تهذيب التهذيب عتبة بن عبد الله بن عتبة بن مسعود
الهذلي أبو العميس المسعودي الكوفي قال علي بن المديني له نحو أربعين
حديثا وقال أحمد وابن معين ثقة وقال أبو حاتم صالح الحديث وذكره ابن
حبان في الثقات اه.
مشائخه
روى عن أبيه وعون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود وأياس بن سلمة
ابن الأكوع وأبي صخرة جامع ابن شداد وعون بن أبي جحيفة وقيس بن
مسلم الجدلي وابن أبي مليكة وعلي بن الأقمر وعبد المجيد بن سهيل بن عبد
الرحمن بن عوف وعامر بن عبد الله بن الزبير وعبد الله بن عبد الله بن جبير

(١) تهذيب التهذيب.
(١٣٧)

وعبد الرحمن بن محمد بن الأشعث والعلاء بن عبد الرحمن وسعيد بن أبي
بردة وطائفة (١).
تلاميذه
وفي تهذيب التهذيب: روى عنه ابن إسحاق وهو من اقرانه وشعبة
ومحمد بن ربيعة الكلابي ووكيع وأبو معاوية وعبد الواحد بن زياد وابن عيينة
وحفص بن غياث وعمر بن علي المقدمي وأبو أسامة وجعفر بن عون وأبو
نعيم وغيرهم اه.
عثمان بن أحمد الواسطي.
في رجال بحر العلوم يظهر إنه من مشائخ النجاشي حيث قرنه
بالدعجلي المعلوم انه من مشائخه فقال في علي بن علي أخي دعبل قال
عثمان بن أحمد الواسطي وأبو محمد بن عبد الله بن محمد الدعجلي. وإن لم
يكن مجرد قوله قال صريحا في اللقاء فإنه يقول ذلك كثيرا فيمن لم يلقه كابن
الجنيد وابن عقدة وغيرهما اه.
أبو الفتح عثمان بن جني.
ولد في الموصل قبل سنة ٣٣٠ وتوفي ببغداد في ٢٨ صفر سنة ٣٩٢
ودفن في مقبرة الشونيزي من مقابر بغداد عند قبر أستاذه وشيخه الشيخ أبي
علي الفارسي. وقد نشأ في الموصل ثم سار إلى حلب والشام وبلاد فارس
وسكن بعد ذلك بغداد إلى أن توفي فيها
كان أبوه جني مملوكا روميا لسليمان بن فهد بن أحمد الآزري
الموصلي وأصبح من جند سيف الدولة بن حمدان. ويقال إن لفظة جني
تعريب لكلمة كني بالكاف الفارسية وهي كلمة رومية.
كان عثمان بن جني من طبقة الشريفين المرتضى والرضي وكان من
جملة مشايخ السيد الرضي في الأدب، وقد اثنى عليه علماء الرضي في
الأدب واللغة والبلاغة وقالوا عنه: إنه كان من أحذق أهل الأدب واعلمهم
بالنحو والتصريف وعلمه بالتصريف أقوى وأكمل من علمه بالنحو. وكان
إماما في العربية قرأها والأدب على الشيخ أبي علي الفارسي وكيفية اتصاله
بشيخه هذا: هو انه قعد في الجامع بالموصل للاقراء فاجتاز بحوزة تدريسه
أبو علي الفارسي فرآه في حلقته والناس حوله يشتغلون عليه وهو يقرؤهم
النحو وهو شاب فسأله أبو علي عن مسالة في التصريف فقصر فيها فقال له
تزببت وأنت حصرم فسال عثمان عنه فقيل له: هذا أبو علي الفارسي
فلازمه من يومه لمدة ٤٠ سنة وترك حلقته تلك واعتنى بالتصريف لديه.
فما أحد اعلم منه بالتصريف ولا أقدم بأصوله وفروعه ولا أحسن أحد
احسانه في تصنيفه. فلما مات أبو علي تصدر أبو الفتح عثمان بن جني في
مجلسه ببغداد فاخذ عنه الثمانيني وعبد السلام البصري وأبو الحسن
السمسمي.
وذكره الباخرزي في دمية القصر فقال عنه: ليس أحد من أئمة
الأدب في فتح المقفلات وشرح الشكلات ما له. فقد وقع عليها من ثمرات
الاعراب ولا سيما في علم الاعراب. ومن تأمل مصنفاته وقف على بعض
صفاته، فروي إنه كشف الغطاء عن شعره وما كنت اعلم أنه ينظم
القريض أو يسبغ ذلك الجريض حتى قرأت له مرثيته في المتنبي أولها:
غاض القريض واذوت نضرة الأدب * وصوحت بعدري دوحة الكتب
وخاتمتها:
فاذهب عليك سلام المجد ما قلقت * خوص الركائب بالأكوار والشعب
وقال أبو الحسن الطرائفي:
كان أبو الفتح عثمان بن جني يحضر بحلب عند المتنبي كثيرا ويناظره
في شئ من النحو غير أنه لم يقرأ عليه شيئا من شعره انفة وإكبارا لنفسه.
وكان المتنبي يعجب بأبي الفتح وذكائه وحذقه ويقول في أبي الفتح: هذا
رجل لا يعرف قدره كثير من الناس وقد التحق عثمان هذا حقبة من الزمن
ببلاط سيف الدولة في حلب. كما بقي زمنا ملازما لعضد الدولة البويهي
فيما كان هذا في فارس سيراز.
وكان لابن جني من الولد ثلاثة على وغال وعلاء وكلهم أدباء فضلاء
قد خرجهم والدهم وحسن خطوطهم منهم معددون في الصحيحي الضبط
وحسني الخط.
وقد امتلأت المعاجم وكتب الأدب بقصائده ونظمه. وقد روى ابنه
عال قصيدة طويلة لأبيه أولها:
وحلو شمائل الأدب * منيف مراتب النسب
إلى أن يقول:
فان أصبح بلا نسب * فعلمي في الورى نسبي
على اني اؤول إلى * قروم سادة نجب
قياصرة إذا نطقوا * أرم الدهر ذو الخطب
أولاك دعا النبي لهم * كفى شرفا دعاء نبي
أما مؤلفاته فكثيرة نذكر هنا فهرستها نقلا عن الإجازة التي كتبها
بخطه ونقلها ياقوت في معجم الأدباء ثم نتبعها بأسماء مؤلفاته التي لم يأت
على ذكرها في الإجازة أو الفها بعد تاريخ الإجازة: قال:
بسم الله الرحمن الرحيم: قد أجزت للشيخ أبي عبد الله
الحسين بن أحمد بن نصر أدام الله عزه ان يروي عني مصنفاتي وكتبي مما
صححه وضبطه عليه أبو أحمد عبد السلام بن الحسين البصري أيد الله
عزه، عنده منها كتابي الموسوم بالخصائص وحجمه ألف ورقه. وكتابي
التمام في تفسير أشعار هذيل مما أغفله أبو سعيد الحسن بن الحسين السكري
رحمه الله وحجمه خمسمائة ورقة بل يزيد على ذلك. وكتابي في تفسير
وتصريف أبي عثمان بكر بن محمد بن بقية المازني وحجمه خمسمائة ورقة.
وكتابي في شرح مستغلق أبيات الحماسة واشتقاق أسماء شعرائها ومقداره
المقصور والمحدود عن يعقوب بن إسحاق السكيت وحجمه أربعمائة ورقة.
وكتابي في تعاقب العربية واطرف به وحجمه مائتا ورقة، وكتابي في تفسير
ديوان المتنبي الكبير وهو ألف ورقة ونيف، وكتابي في تفسير معاني هذا
الديوان وحجمه مائة ورقة وخمسون ورقة. وكتابي اللمع في العربية وإن
كان لطيفا، وكذلك كتابي مختصر التصريف على اجماعه، وكتابي مختصر
العروض والقوافي، وكتاب الألفاظ المهموزة، وكتابي في اسم المفعول
المعتدل العين من الثلاثي على اعرابه في معناه وهو المقتضب، وما بدأت
بعمله من كتاب تفسير المذكر والمؤنث ليعقوب أيضا أعان الله على

(١) وقد شرحه الكثيرون.
(١٣٨)

اتمامه، وكتاب ما خرج عني من تأييد المذكرة عن الشيخ أبي علي أدام الله
عزه وكتابي في المحاسن في العربية وإن كان ما جرى أزال يدي عنه حتى
شذ عنها ومقداره ستمائة ورقة، وكتابي النوادر الممتعة في العربية وإن كان
ما جرى أزال يدي عنه حتى شذ عنها ومقداره ستمائة ورقة، وكتابي النوادر
الممتعة في العربية وحجمه ألف ورقه. وقد شذ أيضا أصله عني. فان وقعا
كلاهما أو شتى منهما فهو لاحق بها أجزت روايته هنا، وكتاب ما احضرنيه
الخاطر من المسائل المنثورة مما أمللته أو حصل في آخر تعاليقي عن نفسي
وغير ذلك مما هذه حاله وصورته، فليرو أدام الله عزه ذلك عني أجمع
إذا أصبح عنده وأنس بتثقيفه وتسديده وما صح عنده أيده الله من جميع
رواياتي مما سمعته من شيوخي رحمهم الله وقرأته عليهم بالعراق والموصل
والشام وغير هذه البلاد التي أتيتها وأقمت بها. مبارحا له فيه منفوعا به
بإذن الله. وكتب عثمان بن جني بيده حامدا الله سبحانه في آخر جمادى
الآخرة من سنة أربع وثمانين وثلاثمائة. والحمد لله حق حمده عودا على
بدء.
ومن كتبه ما لم تتضمنه هذه الإجازة كتب المحتسب في علل شواذ
القراءات وتفسير أرجوزة أبي نواس وتفسير قصائد العلويات
الثلاث للشريف الرضي كل واحدة في مجلد. وهي قصيدة رثى بها أبا
طاهر إبراهيم بن نصر الدولة أولها:
الق الرماح ربيعة بن نزار * اودى الردى بقريعك المغوار
وفيها قصيدته التي رثي بها الصاحب بن عباد أولها:
أ كذا المنون تقطر الأبطالا * أ كذا الزمان يضعضع الأجيالا؟
ومنها قصيدته التي رثى بها الصابي أولها:
أ علمت من حملوا على الأعواد * أ رأيت كيف خبا زناد النادي
وكتاب البشرى والظفر صنفه لعضد الدولة ومقداره خمسون ورقة
في تفسير بيت من شعر عضد الدولة:
أهلا وسهلا بذي البشرى ونوبتها * وباشتمال سرايانا على الظفر
وكتب رسالة في حصر الأصوات ومقادير المدات كتبها إلى أبي
إسحاق إبراهيم بن أحمد الطبري مقدار ١٦ ورقة بخط ولده عال والمذكر
والمؤنث والمنتصف ومقدمات أبواب التصريف والنقض على
ابن وكيع في شعر المتنبي وتخطئته والمغرب في شرح القوافي
والفصل بين الكلام الخاص والكلام العام والوقف والابتداء
والفرق والمعاني المجردة والفائق والخطيب والأراجيز
وذي القدر في النحو وشرح الفصيح وشرح الكافي في القوافي
والتعاقب والتلقين والتذكرة الأصبهانية.
هذا وكان عثمان بن جني فاقدا لاحدى عينيه يقول في صديق له:
صدودك عني ولا ذنب لي * دليل على نبة فاسدة
فقد وحياتك مما بكيت * خشيت على عيني الواحدة
ولولا مخافة أن لا أراك * لما كان في تركها فائدة
وكذا يقول:
يا ذا الذي ليس له شاهد * في الحب معروف ولا شاهده
شواهدي عيناي اني بها * بكيت حتى ذهبت واحده
واعجب الأشياء أن التي * قد بقيت في صحبتي زاهده
وكان له غلام بعين واحدة كذلك وفيه يقول:
له عين أصابت كل عين * وعين قد أصابتها العيون
عثمان بن حاتم بن المنتاب التغلبي.
قال النجاشي في ترجمة سعدان بن مسلم قد اختلف في عشيرته فقال
استاذنا عثمان بن حاتم بن المنتاب التغلبي قال محمد بن عبده سعدان بن
مسلم الزهري من بني زهرة بن كلاب عربي اه. وفي الحسين بن نعيم
الصحاف قال عثمان بن حاتم بن منتاب قال محمد بن عبده الخ وفي
الحسين بن أبي العلاء الخفاف مولى بني أسد ذكر ذلك ابن عقدة وعثمان بن
حاتم بن منتاب وقال أحمد بن الحسين مولى بني عامر اه. وقد علم مما مر
أنه من مشائخ النجاشي ويروي عن محمد بن عبده وفي رجال بحر العلوم لم
أجد له في الطرق إلى الكتب ذكرا واتحاده بعثمان بن أحمد الواسطي بعيد
جدا اه.
عثمان بن حنيف الأنصاري.
كان عامل أمير المؤمنين علي ع على البصرة ولاه إياها سنة
٣٦ بعد ما بويع بالخلافة فسار ولم يرده أحد عن دخولها ولم يجد لابن عامر في
ذلك رأيا ولا استقلالا بحرب وكان عبد الله بن عامر عامل عثمان عليها
خرج منها ولم يول عثمان عليها أحدا وافترق الناس بها فاتبعت فرقة القوم
ودخلت فرقة في الجماعة وقالت فرقة ننظر ما يصنع أهل المدينة فنصنع كما
صنعوا (١) وذكر ابن الأثير في حوادث سنة ٣٧ أن عبد الله بن عباس كان
عامل علي على البصرة فيكون توليته البصرة بعد حرب صفين. وأما
الكتاب الذي كتبه علي ع إلى عثمان بن حنيف المذكور في نهج البلاغة
فالظاهر أنه كتبه إليه من المدينة ولما أقبل أصحاب الجمل إلى البصرة قاتلهم
عثمان وهو القائل في رواية الأصمعي:
رأيت الحروب فشيبنني * فلم أر يوما كيوم الجمل
وهي أبيات تروى لغيره (٢).
قال الفضل بن شاذان: هو من السابقين الذين رجعوا إلى أمير
المؤمنين ع. وعمل لعمر ثم لعلي، ولاه عمر مساحة الأرضين
وجبايتها بالعراق وضرب الخراج والجزية على أهلها، وولاه علي على
البصرة، وإليه كتب كتابه الشهير حين قبل دعوة أحد أثرياء البصرة إلى
وليمة أقامها له.
ولما أقبلت عائشة وطلحة والزبير ومن معهما إلى البصرة كان هو عامل
علي ع عليها، وأدق الروايات في تفصيل الأحداث التي سبقت معركة
الجمل هي ما رواه أبو مخنف، وعليه نعتمد في سرد تلك التفاصيل:
الناكثون على أبواب البصرة
لما وصل الناكثون إلى ضواحي البصرة عسكروا في الموضع المسمى
بحفير أبي موسى الأشعري وكتبوا إلى عثمان بن حنيف أن أخل لنا دار
الامارة، فلما وصل الكتاب إلى ابن حنيف بعث إلى الأحنف بن قيس

(١) ابن الأثير.
(٢) معجم الشعراء.
(١٣٩)

يستشيره فقال الأحنف: إنهم جاءوك بعائشة للطلب بدم عثمان، وهم
الذين ألبوا على عثمان الناس وسفكوا دمه، وأراهم والله لا يزايلوننا حتى
يلقوا العداوة بيننا ويسفكوا دماءنا، وأظنهم والله سيركبون منك خاصة ما
لا قبل لك به إن لم تتأهب لهم بالنهوض إليهم فيمن معك من أهل البصرة
فإنك اليوم الوالي عليهم وأنت فيهم مطاع فسر إليهم بالناس وبادرهم قبل
أن يكونوا معك في دار واحدة فتكون الناس لهم أطوع منهم لك.
فقال عثمان بن حنيف: الرأي ما رأيت، لكنني أكره الشر وان
أبدأهم به وأرجو العافية والسلامة إلى أن يأتيني كتاب أمير المؤمنين ورأيه
فاعمل به.
ثم أتاه بعد الأحنف حكيم بن جبلة العبدي، فاقرأه كتاب طلحة
والزبير فقال له مثل قول الأحنف، وأجابه عثمان بمثل جوابه للأحنف.
فقال له حكيم: فائذن لي حتى أسير إليهم بالناس، فان دخلوا في
طاعة أمير المؤمنين وإلا نابذتهم على سواء، فقال له عثمان: لو كان ذلك
رأيي لسرت إليهم بنفسي، فقال حكيم: أما والله إن دخلوا عليك هذا
المصر لينقلن قلوب كثير من الناس إليهم وليزيلنك عن مجلسك هذا،
وأنت أعلم. فابى عليه عثمان.
علي يكتب إلى ابن حنيف
وكتب علي إلى عثمان لما بلغه مشارفة القوم البصرة: من عبد الله
علي أمير المؤمنين إلى عثمان بن حنيف.
أما بعد فان البغاة عاهدوا الله ثم نكثوا وتوجهوا إلى مصرك وساقهم
الشيطان لطلب ما لا يرضى الله به، والله أشد بأسا وأشد تنكيلا، فإذا
قدموا عليك فادعهم إلى الطاعة والرجوع إلى الوفاء بالعهد والميثاق الذي
فارقونا عليه، فان أجابوا فاحسن جوارهم ما داموا عندك، وإن أبوا إلا
التمسك بحبل النكث والخلاف فناجزهم القتال حتى يحكم الله بينك وبينهم
وهو خير الحاكمين، وكتبت كتابي إليك هذا من الربذة وانا معجل السير
إليك إن شاء الله.
عثمان يفاوضهم
فلما وصل كتاب علي ع إلى عثمان ارسل إلى أبي الأسود الدئلي
وعمران بن الحصين الخزاعي فأمرهما أن يسيرا حتى يأتياه بعلم القوم، وما
الذي أقدمهم فانطلقا حتى أتيا حفير أبي موسى وبه معسكر القوم، فدخلا
على عائشة فوعظاها وأذكراها وناشداها الله.
فقالت لهما ألقيا طلحة والزبير، فلقيا الزبير فكلماه، فقال لهما إنا
جئنا للطلب بدم عثمان وندعو الناس إلى أن يردوا أمر الخلافة شورى
ليختار الناس لأنفسهم. فقالا له: إن عثمان لم يقتل بالبصرة ليطلب دمه
فيها، وأنت تعلم قتلة عثمان من هم وأين هم، وإنك وصاحبك وعائشة
كنتم أشد الناس عليه وأعظمهم إغراء بدمه فأقيدوا من أنفسكم. وأما
إعادة أمر الخلافة شورى، فكيف وقد بايعتم عليا طائعين غير مكرهين،
وأنت يا أبا عبد الله، لم يبعد العهد بقيامك دون هذا الرجل يوم مات
رسول الله ص وأنت آخذ قائم سيفك تقول: ما أحد أحق بالخلافة منه ولا
أولى بها منه وامتنعت من بيعة أبي بكر. فأين ذلك الفعل من هذا
القول؟!
فقال لهما: إذهبا فالقيا طلحة، فقاما إلى طلحة فوجداه خشن
الملمس شديد العريكة قوي العزم في إثارة الفتنة وإضرام نار الحرب.
فانصرفا إلى عثمان بن حنيف فأخبراه، وقال له أبو الأسود:
يا ابن حنيف قد أتيت فانفر وأبرز لها مستلئما وشمر
فقال ابن حنيف أي والحرمين لأفعلن، وأمر مناديه فنادى في
الناس: السلاح، السلاح، فاجتمعوا إليه وقال أبو الأسود:
أتينا الزبير فدانى الكلام * وطلحة كالنجم أو أبعد
وأحسن قوليهما فادح * يضيق به الخطب مستنكد
وقد أوعدونا بجهد الوعيد * فأهون علينا بما أوعدوا
فقلنا ركضتم ولم ترحلوا * وأصدرتم قبل أن توردوا
فان تلقحوا الحرب بين الرجال * فملفحها جده الأنكد
وإن عليا لكم مصحر * إلا أنه الأسد الأسود
أما أنه ثالث العابدين * بمكة والله لا يعبد
فرخوا الخناق ولا تعجلوا * فان غدا لكم موعد
الناكثون في البصرة
وأقبل القوم فلما انتهوا إلى المربد قام رجل من بني جشم فقال: أنا
فلان الجشمي وقد أتاكم هؤلاء القوم، فان كانوا أتوكم من المكان الذي
يا من فيه الطير والوحش وإن كانوا إنما أتوكم بطلب دم عثمان، فغيرنا ولي
قتله فأطيعوني أيها الناس وردوهم من حيث أقبلوا فإنكم إن لم تفعلوا لم
تسلموا من الحرب الضروس والفتنة الصماء التي لا تبقي ولا تذر.
فحصبه ناس من أهل البصرة فامسك. واجتمع أهل البصرة إلى
المربد حتى ملأوه مشاة وركبانا. فقام طلحة فأشار إلى الناس بالسكون
ليخطب فسكتوا بعد جهد. فتكلم بكلام برر فيه قدومهم وأعلن أنهم
قدموا للطلب بدم عثمان بن عفان واستنجد بالناس على هذا الأمر، وأعلن
أنهم بعد الظفر يتركون أمر الخلافة شورى. وتبعه الزبير فتكلم بمثل
كلامه.
فقام إليهما ناس من أهل البصرة، فقالوا لهما: أ لم تبايعا عليا فيمن
بايعه، ففيم بايعتما ثم نكثتما؟! فادعيا أنهما بايعا مكرهين. فقال ناس:
قد صدقا وأحسنا القول، وقال ناس ما صدقا ولا أصابا في القول حتى
ارتفعت الأصوات. ثم أن عائشة تكلمت بما لا يخرج عن مضمون كلام
طلحة والزبير.
أهل البصرة يردون
فماج الناس واختلطوا فمن قائل أن القول ما قالت، ومن قائل
يقول: وما هي وهذا الأمر، وارتفعت الأصوات حتى تضاربوا بالنعال
وتراموا بالحصا. ثم أن الناس تمايزوا فصاروا فريقين: فريق مع عثمان
بن حنيف وفريق مع عائشة وأصحابها.
(١٤٠)

وحدث الأشعث بن سوار: قال لما نزل طلحة والزبير المربد اتيتهما
فوجدتهما مجتمعين، فقلت ناشدتكما الله وصحبة رسول الله ص ما الذي
أقدمكما أرضنا هذه؟ فلم يتكلما فأعدت عليهم، فقالا بلغنا أن بأرضكم
هذه دنيا فجئنا نطلبها.
طلائع المعركة
لما أقبل طلحة والزبير من المربد يريدان عثمان بن حنيف وجداه
وأصحابه قد أخذوا بأفواه السكك فمضيا بمن معهما حتى انتهوا إلى موضع
الدباغين فاستقبلهم أصحاب ابن حنيف فشجرهم أصحاب عائشة بالرماح
فحمل عليهم حكيم بن جبلة فلم يزل هو وأصحابه يقاتلونهم حتى
أخرجوهم من السكك ورماهم النساء من فوق البيوت بالحجارة فاخذوا إلى
مقبرة مازن فوقفوا بها مليا حتى ثابت إليهم خيلهم، ثم أخذوا على مسناة
البصرة حتى انتهوا إلى الرابوقة ثم أتوا سبخة دار الرزق فنزلوها.
مواجهة طلحة
واتاهما عبد الله بن حكيم التميمي لما نزلا السبخة بكتب كانا كتباها
إليه فقال لطلحة أيا أبا محمد إما هذه كتبك إلينا؟! قال: بلى، قال
فكتبت أمس تدعونا إلى خلع عثمان وقتله حتى إذا قتلته أتيتنا ثائرا بدمه!!
فلعمري ما هذا رأيك، لا تريد الا هذه الدنيا، مهلا إذا كان هذا رأيك
فلم قبلت من علي ما عرض عليك من البيعة فبايعته طائعا ماضيا، ثم
نكثت بيعتك، ثم جئت لتدخلنا في فتنتك. فقال إن عليا دعاني إلى بيعته
بعد ما بايع الناس، فعلمت لو لم اقبل ما عرضه علي لم يتح لي، ثم يغري
بي من معه.
ابن حنيف يعظهما
وفي الصباح من غد صفا للحرب وخرج عثمان بن حنيف إليهما في
أصحابه فناشدهما الله والاسلام وأذكرهما بيعتهما لعلي فقالا لا نطلب بدم
عثمان، فقال لهما، وما أنتما وذاك، أين بنوه، أي بنو عمه الذين هم
أحق به منكم، كلا والله، ولكنكما حسدتماه حيث اجتمع الناس عليه،
وكنتما ترجوان هذا الأمر وتعملان له، وهل كان أحد أشد على عثمان قولا
منكما! فشتماه شتما قبيحا وذكرا أمه. فقال للزبير: أما والله لولا صفية
ومكانها من رسول الله، فإنها أدنتك إلى الظل، وإن الأمر بيني وبينك يا
ابن الصعبة يعني طلحة أعظم من القول لأعلمتكما من أمركما ما
يسؤوكما. اللهم إني قد أعذرت إلى هذين الرجلين.
الهدنة
واقتتل الناس قتالا شديدا، ثم تحاجزوا واصطلحوا على أن يكتب
بينهم كتاب صلح فكتب:
هذا ما اصطلح عليه عثمان بن حنيف الأنصاري ومن معه من
المؤمنين من شيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وطلحة والزبير ومن
معهما من المؤمنين والمسلمين من شيعتهما: إن لعثمان بن حنيف دار الامارة
والرحبة والمسجد وبيت المال والمنبر. وإن لطلحة والزبير ومن معهما أن
ينزلوا حيث شاؤوا من البصرة ولا يضار بعضهم بعضا في طريق ولا فرضة
ولا سوق ولا شرعة ولا مرفق حتى يقدم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب،
فان أحبوا دخلوا فيما دخلت فيه الأمة وإن أصبوا لحق كل قوم بهواهم وما
أحبوا من قتال أو سلم أو خروج أو إقامة. وعلى الفريقين بما كتبوا عهد الله
وميثاقه وأشد ما أخذه على نبي من أنبيائه من عهد وذمة.
وختم الكتاب. ورجع عثمان بن حنيف حتى دخل دار الامارة،
وقال لأصحابه: إلحقوا رحمكم الله بأهلكم وضعوا سلاحكم وداووا
جراحكم فمكثوا كذلك.
الغدر
ثم أن طلحة والزبير قالا: إن قدم علي ونحن على هذا الحال من
القلة والضعف ليأخذن بأعناقنا، فاجمعا على مراسلة القبائل واستمالة
العرب. فارسلا إلى وجوه الناس وأهل الرئاسة والترف يدعوانهم إلى
الطلب بدم عثمان وخلع علي وإخراج ابن حنيف من البصرة فبايعهم على
ذلك الأزد وضبة وقيس بن غيلان كلها إلا الرجل والرجلين من القبيلة
كرهوا أمرهم فتواروا عنهم. وأرسلوا إلى هلال بن وكيع التميمي فلم يأتهم
فجاءه طلحة والزبير إلى داره فتوارى عنهما، فقالت له أمه: ما رأيت
مثلك، أتاك شيخا قريش فتواريت عنهما، فلم نزل حتى ظهر لهما وبايعهما
ومعه بنو عمرو بن تميم كلهم وبنو حنظلة إلا بني يربوع فان عامتهم كانوا
شيعة لعلي ع. وبايعهم بنو دارم كلهم إلا نفرا من بني مجاشع
ذوي دين وفضل.
فلما استوثق لطلحة والزبير أمرهما خرجا في ليلة مظلمة ذات ريح
ومطر ومعهما أصحابهما قد ألبسوهم الدروع وظاهروا فوقها بالثياب فانتهوا
إلى المسجد وقت صلاة الفجر وقد سبقهم عثمان بن حنيف إليه، وأقيمت
الصلاة، فتقدم عثمان ليصلي بهم فاخره أصحاب طلحة والزبير، وقدموا
الزبير، فجاءت السيابجة وهم الشرط حرس بيت المال فاخرجوا الزبير
وقدموا عثمان فغلبهم أصحاب الزبير فقدموا الزبير وأخروا عثمان، فلم
يزالوا كذلك حتى كادت الشمس أن تطلع. وصاح بهم أهل المسجد: أ لا
تتقون أصحاب محمد وقد طلعت الشمس. وغلب الزبير فصلى بالناس فلما
انصرف من صلاته، صاح بأصحابه أن يأخذوا عثمان بن حنيف، فأخذوه
بعد أن تضارب هو ومروان بن الحاكم بسيفيهما.
فلما أسر ضربوه ضرب الموت ونتفوا حاجبيه وأشفار عينيه وكل شعرة
في رأسه ووجهه. وأخذوا السيابجة وهم سبعون رجلا فانطلقوا بهم
وبعثمان بن حنيف إلى عائشة.
فقالت عائشة لابان بن عثمان بن عفان: اخرج إليه فاضرب عنقه فان
الأنصار قتلت أباك وأعانت على قتله. فنادى عثمان بن حنيف: يا عائشة
ويا طلحة ويا زبير: إن أخي سهل بن حنيف خليفة علي بن أبي طالب على
المدينة، وأقسم بالله إن قتلتموني ليضعن السيف في بني أبيكم وأهليكم
ورهطكم فلا يبقى أحد منكم. فكفوا عنه وخافوا أن يقع سهل بن حنيف
بعيالاتهم وأهلهم بالمدينة فتركوه.
عائشة تأمر بالمذبحة
وأرسلت عائشة إلى الزبير أن اقتل السيابجة فإنه قد بلغني الذي
(١٤١)

صنعوه بك، قال: فذبحهم والله الزبير كما يذبح الغنم، ولي ذلك منهم
ابنه عبد الله، وهم سبعون رجلا. وبقيت طائفة منهم مستمسكين ببيت
المال، قالوا لا ندفعه إليكم حتى يقدم أمير المؤمنين. فسار إليهم الزبير في
جيش ليلا فأوقع بهم وأخذ منهم خمسين أسيرا فقتلهم صبرا.
قال أبو مخنف: فحدثنا الصقعب بن زهير قال: كانت السيابجة
القتلى يومئذ أربعمائة رجل. قال: فكان غدر طلحة والزبير بعثمان بن
حنيف أول غدر كان في الاسلام. وكان السيابجة أول قوم ضربت أعناقهم
من المسلمين صبرا.
ولما وصل عثمان بن حنيف إلى علي ورآه بكى وقال: فارقتك شيخا
وجئتك أمرد. فقال علي: إنا لله وإنا إليه راجعون، قالها ثلاثا.
عثمان يموت في الكوفة
وسكن عثمان بن حنيف الكوفة بعد وفاة علي ع ومات بها في زمن
معاوية.
العجلي
هو أحمد بن محمد بن هيثم وقد يعبر عنه بابن الهيثم ويطلق على محمد
ابن إدريس صاحب السرائر.
شرف الدين عدنان الحسيني
توفي سنة ٧٣٣.
قال أبو الفداء في تاريخه: إنه مات في هذه السنة بدمشق نقيب الاشراف شرف الدين عدنان
الحسيني ولي النقابة على الأشرف بعد موت أبيه واستمر بها تسع عشرة سنة
وهم بيت تشيع.
الشريف أبو أحمد عدنان النقيب ابن الشريف الرضي الملقب
بالطاهر لقب جده.
توفي سنة ٤٤٩.
تولى نقابة الطالبيين ببغداد بعد وفاة عمه السيد المرتضى. قال أبو
الحسن العمري النسابة في وصفه بعد أن مدحه وأثنى عليه: وكانت الملوك
من بني بويه تعظمه كثيرا وتراه بالعين التي كانت ترى بها أباه وجده وعمه.
وذكره في الدرجات الرفيعة، ومدحه شعراء عصره مثل ابن الحجاج ومهيار
الديلمي.
عز الدين أبو نزار عدنان
بن أبي عبد الله المعمر بن عدنان بن المختار العلوي الكوفي النقيب
ذكره تاج الدين بن أنجب في تاريخه وقال رتب عز الدين نقيب مشهد
موسى بن جعفر وعزل في شهر ربيع الأول سنة ٦٠٦ وكان سيدا جليلا عالما
ومولده سنة ٥٧٠ وتوفي يوم السبت رابع شعبان من سنة ٦٢٥ ودفن في داره
بالقرب من باب المراتب على شاطئ دجلة.
النقيب شرف الدين عدنان بن أمين الدين جعفر بن محيي الدين
محمد بن عدنان الحسيني.
كان حيا شابا سنة ٧١٤.
في شذرات الذهب عن المعبر في حوادث سنة ٧١٤ فيها توفي أمين
الدين جعفر بن محيي الدين محمد بن عدنان الحسيني فولي النقابة بعده ولده
شرف الدين عدنان وخلع عليه بطرحة وهو شاب طري اه.
السيد عدنان البحراني نزيل البصرة.
ولد في غرة جمادى الثاني سنة ١٢٨٣.
وتوفي في الكاظمية وحمل إلى النجف فدفن فيها. عالم فقيه أصولي
أديب شاعر كان أبوه من علماء البحرين، خرج من البحرين فسكن
المحمرة ثم رحل إلى شيراز فتوفي فيها فجاء ولده هذا من المحمرة إلى
النجف وطلب العلم. رأيناه في النجف ورأيناه في مكة المكرمة في الحجة
الثانية سنة ١٣٤٣ ومن شعره قوله في أمير المؤمنين ع:
إمام الهدى وغياث الندى * وسيدها الحاكم المقسط
إمام به هلك المبغضون * وفي حبه هلك المفرط
كلا الجانبين عدو له * وشيعته النمط الأوسط
وقوله:
يا قلب ما أنت والغواني * وأنت أهدى الأنام قصدا
ما لك مهما ذكرت ليلى * قدحت بين الضلوع زندا
وكلما مر ذو جمال * تقول ماء ولا كصدأ
وله تاليف كثير منها المنظومة الحجية أولها:
الحج والعمرة فرضان على * من استطاع بالشروط مسجلا
قضت به ضرورة الدين الأغر * لا ينكر الوجوب إلا من قد كفر
يروي عنه ابنه السيد علي والد السيد رضا النسابة الصائغ البحراني
النجفي أستاذ السيد شهاب الدين النجفي في علم النسب وكذا يروي عنه
الشيخ محمد طه نجف وعنه الميرزا الشيرازي الحاج محمد حسن وغيرهم
ويروي عنه جماعة منهم السيد شهاب الدين المذكور يروي عنه كل ما
جازت روايته عموما.
عدي بن حاتم الطائي.
كان رسول الله ص قد بعث علي بن أبي طالب إلى الفلس صنم
طئ يهدمه ويشن عليه الغارات في مائتي فارس فأغار على حاضر آل حاتم
فأصابوا ابنة حاتم فقدم بها على رسول الله ص في سبايا من طئ وهرب
عدي بن حاتم من خيل النبي ص حتى لحق بالشام وكان على النصرانية
وكان يسير في قومه بالمرباع وجعلت ابنة حاتم في حظيرة بباب المسجد
وكانت امرأة جميلة جزلة فمر رسول الله ص فقامت إليه فقالت هلك
(١٤٢)

الوالد وغاب الوافد فامنن علي من الله عليك قال من وافدك قالت عدي بن
حاتم فقال الفار من الله ورسوله، وقدم وفد من قضاعة من الشام قالت
فكساني النبي وأعطاني نفقة وحملني وخرجت معهم حتى قدمت الشام على
عدي فجعلت أقول له القاطع الظالم احتملت باهلك وولدك وتركت بقية
والدك فأقامت عنده أياما وقالت له ارى أن تلحق برسول الله ص
فسلم عليه وهو في المسجد فقال من الرجل قال عدي بن حاتم فانطلق به
إلى بيته وألقى له وسادة محشوة بليف وقال اجلس عليها وجلس رسول الله
ص على الأرض وعرض عليه الاسلام فأسلم عدي واستعمله رسول
الله ص على صدقات قومه (١).
وقد ثبت عدي على اسلامه في الردة وأتى بعد ذلك عمر بن الخطاب
في خلافته فقال أ تعرفني يا أمير المؤمنين قال نعم أنت الذي آمن إذ كفروا
ووفى إذ غدروا. وكان مع علي بن أبي طالب في حروبه وهو القائل لمعاوية:
يحاولني معوية بن صخر * وليس إلى التي يبغي سبيل
يذكرني أبا حسن عليا * وخطبي في أبي حسن جليل
وبلغ عشرين ومائة سنة ووقع بينه وبين المختار ابن أبي عبيد لما غلب
على الكوفة أمر تشاجرا فيه فهم عدي بالخروج عليه ثم عجز عن ذلك
لكبر سنه وضعف جسمه فقال:
أصبحت لا أنفع الصديق ولا * أملك ضر الشانئ الشرس
وان جرى بي الجواد منطلقا * لم تملك الكف رجعة الفرس
وفي يوم الجمل حمل عدي ففقئت عينه، قال الأشتر رأيت
عبد الله بن حكيم بن حزام وعنده راية قريش وهو يقاتل عدي بن حاتم
وهما يتصاولان تصاول الحلين فتعاورناه فقتلناها، وأمره يوم صفين على
قضاعة وطئ وروى نصر في كتاب صفين عن عمرو بن شمر باسناده: قال
رجل لعدي بن حاتم يا أبا طريف أ لم أسمعك تقول يوم الدار والله لا تخنق
فيها عناق حولية وقد رأيت ما كان، وقد كانت فقئت عين عدي وقتل بنوه
وقال بلى والله لقد خنقت فيه العناق والتيس الأعظم.
وجاء عدي بن حاتم يلتمس عليا يوم صفين ما يطأ الا على انسان
ميت أو قدم أو ساعد فوجده تحت رايات بكر بن وائل فقال: يا أمير
المؤمنين الا نقوم حتى نموت فقال علي ع أدن فدنا حتى وضع
أذنه عند فمه فقال ويحك ان عامة من معي يعصيني وان معاوية فيمن يطيعه
ولا يعصيه وقال عدي بن حاتم بصفين:
أقول لما ان رأيت المعمعه * واجتمع الجندان وسط البلقعة
هذا علي والهدى حقا معه * يا رب فاحفظه ولا تضيعه
فإنه يخشاك رب فارفعه * ومن أراد عيبه فضعضعه
أو كاده بالغي فاقمعه
وخرج همام بن قبيضة من أصحاب معاوية ومعه لواء هوازن وهو
يقول:
قد علمت غيداء كالتمثال * اني إذا ما دعيت نزال
أقدم اقدام الهزبر العالي * أهل العراق انكم من بالي
كل تلادي وطريف مالي * حتى أنال فيكم المعالي
أو أطعم الموت وتلكم حالي * في نصر عثمان ولا أبالي
فقال عدي بن حاتم لصاحب لوائه أدن مني فاخذه وحمل وهو
يقول:
يا صاحب الصوت الرفيع العالي ان كنت تبغي في الوغى نزالي
فادن فاني كاشف عن حالي * تفدي عليا مهجتي ومالي
وأسرتي يتبعها عيالي فضربه
وسلب لواءه فقال ابن حطان وهو شامت به:
أ همام لا تذكر مدى الدهر فارسا * وعض على ما جئته بالأباهم
سما لك يوما في العجاجة فارس * شديد القفيز ذو شجا وغماعم
فوليته لما سمعت نداءه * تقول له خذ يا عدي بن حاتم
فأصبحت مسلوب اللواء مذبذبا * وأعظم بهذا من شتيمة شاتم
وقال عدي في بعض أيام صفين:
أ بعد عمار وبعد هاشم * وابن بديل فارس الملاحم
ترجو البقاء مثل حلم الحالم * وقد عضضنا أمس بالأباهم
فاليوم لا نقرع سن نادم * ليس امرؤ من يومه بسالم
ولما تعاظمت الأمور على معاوية دعا خواص أصحابه فقال لهم انه قد
غمني رجال من أصحاب علي فعد فيهم عدي بن حاتم وعبا لكل رجل
منهم رجلا من أصحابه فعبأ لعدي عبد الرحمن بن خالد بن الوليد فغدا عبد
الرحمن و كان ارجاهم عند معاوية ان ينال حاجته فقواه معاوية بالخيل
والسلاح فلقيه عدي بن حاتم في حماة مذحج وقضاعة فبرز عبد الرحمن امام
الخيل ثم حمل فطعن الناس وقصده عدي بن حاتم وهو يقول:
أرجو إلهي وأخاف ذنبي * وليس شئ مثل عفو ربي
يا ابن الوليد بغضكم في قلبي * كالهضب بل فوق قنان الهضب
فلما كاد ان يخالطه بالرمح توارى عبد الرحمن في العجاج واستتر
باسنة أصحابه واختلط القوم ورجع عبد الرحمن إلى معاوية مقهورا وقال
عدي بن حاتم لما رفعت المصاحف بصفين يا أمير المؤمنين إن كان أهل
الباطل لا يقومون باهل الحق فإنه لم يصب عصبة منا الا وقد أصيبت
مثلها منهم وكل مقروح ولكنا أمثل بقية منهم وقد جزع القوم وليس بعد
الجزع الا ما تحب فناجز القوم. وكان لعدي ابن اسمه زيد ولما مر أمير
المؤمنين ع بالمدائن خلف عديا بها يجمع الناس فلحقه في
ثمانمائة وخلف ابنه زيدا فلحقه في أربعمائة رجل منهم ثم لحق عليا
ع وكان حابس بن سعد الطائي صاحب راية طئ مع معاوية فقتل
فمر به عدي بن حاتم ومعه ابنه زيد بن عدي فرآه قتيلا فقال يا أبه هذا
والله خالي قال نعم لعن الله خالك فبئس والله المصرع مصرعه فقال زيد من
قتل هذا الرجل مرارا فخرج إليه رجل من بكر بن وائل فقال انا قتلته
فطعنه زيد فقتله بعد ان وضعت الحرب أوزارها فحمل عليه عدي يسبه
ويسب امه ويقول يا ابن المائقة لست على دين محمد ان لم أدفعك إليهم
فضرب فرسه فلحق بمعاوية فأكرمه فدعا عليه عدي وقال لا أكلمه ابدا ولا
يظلني وإياه سقف ولما لحق زيد بن عدي بمعاوية تكلم رجال من أهل

(١) طبقات ابن سعد.
(١٤٣)

العراق في عدي بن حاتم وطعنوا في امره وكان عدي سيد الناس مع علي في
نصيحته وغنائه فقام إلى علي ع فقال يا أمير المؤمنين قد قربني
زيد للظن وعرضني للتهمة غير اني إذا ذكرت مكانك من الله ومكاني منك
اتسع خناقي والله لو وجدت زيدا لقتلته ولو هلك ما حزنت عليه فاثنى عليه
علي خيرا وقال عدي في ذلك:
أيا زيد قد عصبتني بعصابة * وما كنت للثوب المدنس لابسا
فليتك لم تخلق وكنت كمن مضى * وليتك إذ لم تمض لم تر حابسا
الا زار أعداء وعق ابن حاتم * أباه وامسى بالفريقين ناكسا
وحامت عليه مذحج دون مذحج * وأصبحت للأعداء ساقا ممارسا
نكصت على العقبين يا زيد ردة * وأصبحت قد جدعت منا المعاطسا
قتلت امرأ من آل بكر بحابس * فأصبحت مما كنت آمل آيسا
ولما تهيا الحسن ع لقتال معاوية وجمع الناس فخطبهم
وحثهم على الجهاد فسكتوا قام عدي بن حاتم فقال انا ابن حاتم سبحان
الله ما أقبح هذا المقام أ لا تجيبون امامكم وابن بنت نبيكم أين خطباء مضر
أو خطباء المصر الذين ألسنتهم كالمخاريق في الدعة فإذا جد الجد
فرواغون كالثعالب أ ما تخافون مقت الله ولا عيبها وعارها ثم استقبل الحسن
ع بوجهه فقال: أصاب الله بك المراشد وجنبك المكاره
ووفقك لما تحمد ورده وصدره قد سمعنا مقالتك وانتهينا إلى امرك وسمعنا
لك وأطعناك فيما قلت وما رأيت وهذا وجهي إلى معسكري فمن أحب ان
يوافيني فليواف ثم مضى لوجهه فخرج من المسجد ودابته بالباب فركبها
ومضى إلى النخيلة وامر غلامه ان يلحقه بما يصلحه وكان أول الناس
عسكرا.
ودخل عدي بن حاتم على معاوية فقال له معاوية ما فعلت الطرفات
يعني أولاده وما قصد معاوية بذلك الا الشماتة وجرح قلب عدي قال
قتلوا مع علي.
فقال معاوية ما أنصفك علي قدم أولادك واخر أولاده، فقال عدي:
بل انا ما أنصفته قتل وبقيت بعده حيا.
وقال ابن أبي الحديد في شرح النهج كان من أشد الناس على عثمان
ومن أشدهم جهادا مع علي ع وفيه يقول عمرو بن يثري من
رجز تقدم في ترجمة زيد بن صوحان:
قد سبق اليوم لنا ما قد سبق * والوتر منا في عدي ذي الفرق
عرفجة بن أبرد الخشني.
قال يوم صفين وكان مع علي ع:
أ لا سالت بنا والخيل ساجية * تحت العجاجة والفرسان تطرد
وخيل كلب ولخم قد أضر بها * في قاعنا إذ غدوا للموت واجتلدوا
من كان أصبر فيها عند أزمتها * إذ الدماء على أبدانها جسدوا
وقال أيضا:
سائل بنا عكا وسائل كلبا * والحميريين وسائل شعبا
كيف رأونا إذا أرادوا الضربا * أ لم نكن عند اللقاء غلبا
لما زوى معبدهم منكبا
عزيز الله بن محمد تقي المجلسي
هو الأخ الأكبر للعلامة المجلسي وجد ميرزا محمد تقي ابن ميرزا
محمد كاظم له ١ حواش على المدارك ٢ حواش على التهذيب.
الميرزا أبو صالح غياث الدين عزيز النقيب
ابن الميرزا شمس الدين محمد الحسيني الرضوي المشهدي وباقي
النسب ذكر في ترجمة أبيه. في كتاب الشجرة الطيبة نقلا عن كتاب مجلس
النفائس في أحوال طبقات الملوك والوزراء والامراء والسادات والعلماء
للنوائي بالتركية ما تعريبه: انه كان من أهل المشهد الرضوي ونقيب الولاية
والروضة المطهرة يقصر اللسان عن تعريفه. وعن حبيب السير أنه قال ذكر
بعض السادات والنقباء والمشائخ والعلماء المعاصرين للسلطان حسين ميرزا
مقدم هذه الطبقة العالية الشأن وأشرف هذه الطائفة الرفيعة المكان السادات
العظام والنقباء الكرام للروضة المقدسة الرضوية الأمير نظام الدين عبد
الحي والأمير غياث الدين عزيز والأمير علاء الملك كانوا منصوبين بمنصب
النقابة الجليلة المراتب وهؤلاء النقباء الثلاثة كان لهم الامتياز التام باجتماع
الأسباب الصورية والمعنوية على سائر النقباء والسادة الموسوية والرضوية
ولهم همم عالية في ترويج وتعمير هذا المزار المقدس وضيافة الصادر والوارد
والآن نقابة هذه السدة السنية والعتبة العالية متعلقة بأولادهم ولما فتح عبيد
خان الأوزبكي المشهد المقدس كتب فرمانا باسم السيد غياث الدين أبو
صالح بتاريخ غرة شوال سنة ٩٣٢. كان له ولدان أحدهما الأمير محمد
الجد الاعلى للسلسلة الناظرية والثاني المير شمس الدين المسمى باسم جده
الجد الاعلى لسلسلة السركشيان.
السيد عزيز الله الحسيني
المدرس في أردبيل في مقبرة الشاة صفي في عصر الشاة طهماسب.
له شرح مقدمة الكلام للشيخ الطوسي فارسي ألفه للشاه طهماسب.
العسكري
هو الحسن بن عبد الله بن سعيد أستاذ الصدوق.
الميرزا عسكري المشهدي.
ابن الميرزا هداية الله ابن الميرزا محمد مهدي الشهيد الحسيني
الصادقي وباقي النسب في ترجمة جده.
ولد في رجب سنة ١٢١١ في المشهد المقدس وتوفي ١٤ شوال سنة
١٢٨٠ بمرض القلب ودفن في المسجد الذي خلف الضريح المطهر.
وصلت إليه امامة الجمعة في المشهد المقدس من والده دون سائر
اخوته واشتغل بتعليم العلوم وترويج الآداب والرسوم وراعى جانب الفقراء
والمساكين وأكثر طلاب المشهد المقدس كانوا موظفين بوظائفه وجماعة من
الفضلاء والعلماء والأدباء كانوا يحضرون في مكتبته ويشتغلون بالمباحثة
العلمية وتحقيق المسائل وكل عالم من بلاد إيران يزور المشهد المقدس لا
(١٤٤)

يقصر في زيارته وضيافته ويراعي مع العلماء طريقة الإفادة والاستفادة ولا
يتكلم في المجالس بغير المباحثة العلمية. ومن مؤلفاته ١ ينابيع الشريعة في
فقه الامامية من كتاب الطهارة والقضاء والشهادات مقدار منه تام والباقي
غير تام ٢ رسالة في مناسك الحج ٣ منظومة في الإرث ٤ شرح على
تمهيد القواعد لم يتم ٥ رسالة في الحدود والقصاص والديات ألفها بطلب
محمد شاة ٦ رسالة نجاة المتقين في أكثر أبواب الفقه مشتملة على جميع
الأقوال وطريقة الاحتياط ٧ صراط النجاة ٨ خلاصة النجاة كلاهما في
الأحكام الشرعية الفرعية ٩ رسالة في البيع الفضولي هل يكفي السكوت
في اللزوم ١٠ رسالة في قراءة المأموم خلف الامام ألفها بطلب حجة
الاسلام السيد محمد باقر وتوفي السيد المذكور قبل اتمامها، وتشرف هذا
الخادم لاخبار وآثار الأئمة الاطهار ع بزيارة العتبات فأخذت
نسختها معي وأوصلتها إلى انظار علماء النجف وكربلا فاستحسنوها وكتبوا
إجازات صريحة في حق مؤلفها وكان يحيل إلى المسائل التي يسال عنها
فأجيب عنها حسب قواعد الفقه واكتبها مع جوابها واعرضها عليه ثم اكتب
خلاصة الجواب في حاشية الاستفتاء فكانت قرب ثلاثين ألف بيت ولما توفي
السلطان محمد شاة أقام المترجم مدة في طهران وصلى عليه وكان منشأ
خدمات كثيرة للدين والدولة وفي فتنة سالار كان يراسل عساكر الدولة
فحبسه سالار مع أخيه ميرزا هاشم وجماعة أخرى ومن غريب الاتفاق ان عمره
وعمر والده واحد وكذلك أولاد المترجم مع أعمامهم ذكروا وإناثا
صغيرا وكبير متساوون في السن وولادته في رجب وكذلك ولادة أبيه وأخيه
ميرزا هاشم (١).
عصام بن مقشعر البصري.
هو الذي قتل محمد بن طلحة بن عبيد الله يوم الجمل وكان هو
ومحمد بن طلحة بن عبيد الله مع علي ونهى عن قتله وكان كلما حمل عليه
رجل يقول نشدتك بحاميم فينصرف عنه فيقال ان عصاما قتله ويقال قاتله
كعب بن مدلج الأسدي ويقال الأشتر النخعي ويقال سداد بن معاوية
العبسي والأول أثبت وقاتل محمد بن طلحة هو القائل:
وأشعت قوام بآيات ربه * قليل الأذى فيما ترى العين مسلم
دلفت له بالرمح من تحت بزه * فخر صريعا لليدين وللفم
شككت إليه بالسنان قميصه * فأرديته عن ظهر طرف مسوم
فذكرني حاميم لما طعنته * فهلا تلا حاميم قبل التقدم
على غير شئ غير أن ليس تابعا عليا ومن لا يتبع الحق يظلم (٢)
وقوله وكان هو ومحمد بن طلحة مع علي لا يصح لأن محمد بن طلحة
كان مع عائشة ولعله وقع خطا من الناسخ وصوابه وكان هو مع علي
ومحمد بن طلحة مع عائشة وانما كان يتلو حاميم لأنها شعار أصحاب علي
ع
عضد الدولة بن بويه
اسمه فناخسرو.
عطاء بن أبي الأسود الدئلي.
قد ذكرنا في أبي حرب بن الأسود احتمال ان يكون أبو حرب كنية
عطاء وان ابن قتيبة صرح بخلافه وانهما اثنان وكذا عيينة وفي تهذيب
التهذيب: ذكر عبد الواحد بن علي في اخبار النحاة عن أبي حاتم
السجستاني قال تعلم النحو من أبي الأسود ابنه عطاء اه وقال ابن قتيبة في
المعارف ولد أبو الأسود عطاء وأبا حرب وكان عطاء ويحيى بن يعمر
العدواني بعجا العربية بعد أبي الأسود ولا عقب لعطاء اه ومر في أبي حرب
ابن أبي الأسود ما له علقة بالمقام فراجع.
السيد عطاء بن فضل الله المشتهر بجمال الدين المحدث الحسيني.
له شرح أربعين حديثا في مناقب أمير المؤمنين ألفه بأمر ظهير الدين
شاة عبد الباقي فرع منه في ذي القعدة سنة ١٠٥٦.
السيد برهان الدين عطاء الله المشهدي.
توفي في شوال سنة ٩١٩.
شاعر بالفارسية فاضل وصاحب تصانيف وتأليف له رسالة في علم
البديع والقوافي وكف في آخر عمره كان في عصر الشاة حسين الصفوي.
السيد عطاء الله بن محمود الحسيني.
له تكميل الصناعة اي صناعة الشعر وله رسالة فارسية في القوافي
انتخبها منه.
السيد عطاء الله بن فضل الحسيني.
عالم فاضل له كتاب الأربعين وغيره كذا في أمل الآمل والظاهر أنه
السيد جمال الدين عطاء الله ابن الأمير فضل الله الشيرازي الدشتكي المحدث
المشهور صاحب كتاب روضة الأحباب في سيرة النبي والآل والأصحاب
الذي يظهر منه انه كان من علماء الجمهور وهو ابن السيد الحكيم الأمير
غياث الدين منصور المشهور صاحب المدرسة المنصورية بشيراز من أجداد
السيد عليخان الشيرازي.
عطاء الله الآملي.
يروي عنه السيد حسين ابن السيد جعفر الأعرجي الحسيني الموسوي
العاملي الكركي والد ميرزا حبيب الله ويروي هو عن المحقق الكركي
ووصفه السيد حسين ابن السيد حيدر الحسيني الكركي في اجازته بالمولى
الجليل مولى عطاء الآملي.
العطار
هو أحمد بن محمد بن يحيى.
عقبة بن سلام أو مسلم الهناء أمير البصرة للمنصور.
والموجود في أكثر النسخ سلم بدون ألف وفي بعضها سلام بالألف
فيمكن ان الألف حذفت كما في إسحاق وقد يوجد ابن مسلم والظاهر أنه
غلط.

(١) فردوس التواريخ.
(٢) معجم الشعراء.
(١٤٥)

قال ابن الأثير في حوادث سنة ١٥٠ في هذه السنة كان على البصرة
عقبة بن مسلم ثم قال في حوادث سنة ١٥١ في هذه السنة سار عقبة بن
مسلم من البصرة واستخلف عليها نافع بن عقبة إلى البحرين فقتل سليمان
ابن حكيم العبدي وسبى أهل البحرين وانفذ بعض السبى والأسارى إلى
المنصور فقتل بعضهم ووهب الباقين للمهدي فاطلقهم وكساهم ثم عزل
عقبة عن البصرة لأنه لم يستقص على أهل البحرين اه وفي الأغاني في
ترجمة السيد الحميري ان أبويه لما علما بمذهبه هما بقتله فاتى عقبة بن مسلم
الهناء فأخبره بذلك فأجاره وبوأه منزلا وهبه له فكان فيه حتى ماتا فورثهما
اه.
وفي النبذة المختارة من تلخيص اخبار شعراء الشيعة للمرزباني المشار
إليها في أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل الكاتب في ترجمة السيد الحميري:
ان أبويه توعداه بالقتل قال فاتى الأمير عقبة بن مسلم فخبره الخبر فنقله
إليه ووهب له دارا وفرشها له واخدمه وقام بأموره فقال:
حباني الأمير على عسرة * حبا المكثر الواجد المنعم
وبوأني الدار ممهودة * واخدمني خير مستخدم
فعوضني الله من والدي * معاونة المفضل المكرم
وقال فيه أيضا:
أنقذني الله بالأمير من النار * ومن كفر معشر نكد
قوم إذا الصبح عاينوه بدوا * في شتم حزب المهيمن الصمد
لن تخلو الأرض من سياستهم * قضاء عدل من عادل أحد
أما ظهور تنير حكمته * للناس أو باطن إلى أمد
وقيل إنه شرح حاله للأمير فقال إن أمي كانت توقظني في الليل
وتقول اني أخاف ان تموت على مذهبك فتدخل النار فلا أجيبها فجعلت
تنغص علي المطعم والمشرب.
قال السيد رحمه الله: لقيني أبو صالح الحسن بن أبي الفيض صاحب
هوازن وانا أريد عقبة بن مسلم وهو خارج من عنده فقال كم يا أبا هاشم
تتمادى في بغض السلف وذمهم وتنصرف عنهم إلى من لم يقع عليهم
اجماع، وكان أبو صالح هذا نصرانيا ثم أسلم وتنصب ليتالف العامة، قال
فقلت له اختياري آل رسول الله ص هداية من الله لي احمده عليها
واساله ايزاعي شكرها وتمسكي بهم نجاة في الدنيا والآخرة ولكنك كنت
نصرانيا وما نقى قلبك لرسول الله ص ولو أحببته لأحببت أهله.
ودخلت على عقبة وكان على مذهبي فأعلمته خبره فقطع عنه ما كان يصل
إليه منه، قال السيد رحمه الله ثم أنشدت الأمير عقبة:
ولقد عجبت لقائل لي مرة * علامة فهم من الفقهاء
سماك قومك سيدا لم يكذبوا * أنت الموفق سيد الشعراء
ما أنت حين تخص آل محمد * بالمدح منك وشاعر بسواء
مدح الملوك ذوي الغناء لعطائهم * والمدح منك لهم لغير عطاء
ومنحتهم صفو المودة والهوى * في الله عند تفرق الأهواء
فابشر فإنك فائز من حبهم * لو قد وفدت عليهم بحباء
ما تعدل الدنيا وفاخر ملكها * من حوض احمد شربة من ماء
حوض تصب به مشاعب جمة * ماء كلون الفضة البيضاء
أهل الكساء أحبتي وهم اللذ * وفرض الاله لهم علي ولائي
ولمن أحبهم ودان بدينهم * حتما علي مودتي وصفائي
قال وان عباد بن كثير والربيع بن صبيح والصلت بن دينار سعوا بي
إلى أبي بجير ابن سماك الأسدي والي الأهواز فرجعوا بالخزي فانصرفوا
إلى عقبة بن مسلم فشهدوا عنده انني اشتم السلف فقال لهم أنتم خصوم
فجيئوني بشهود بما قلتم والا أدبتكم لقذفكم له فانصرفوا معتذرين تائبين
فقلت في ذلك:
قل للأمير جزاك الله صالحة * يا عقبة الخير للدنيا وللدين
حكمت في الصلت حكما والربيع بما * فيه الصواب وفصل غير موهون
أرواحهم خلقت من صلصل نتن * يهوون للقعر من اطباق سجين
في بطن برهوت في بلهوت قد حشروا * لبغض احمد والرهط الميامين
انتهى ما نقلناه من النبذة المختارة وفي الأغاني روى عبد الله
بن أبي بكر العتكي ان أبا الخلال العتكي دخل على عقبة بن سالم والسيد عنده
وقد أمر له بجائزة وكان أبو الخلال شيخ العشيرة وكبيرها فقال له أ تعطي
هذه العطايا من ما يفتر عن القول في الشيخين فقال له: ما علمت ذاك ولا
أعطيته الا على العشرة والمودة القديمة وما يوجبه حقه وجواره مع ما هو عليه
من موالاة قوم يلزمنا حقهم ورعايتهم فقال له أبو الخلال فمره إن كان
صادقا ان يمدحهما حتى نعرف براءته مما نسب إليه من الرفض فقال قد
سمعك فان شاء فعل فقال السيد:
إذا انا لم احفظ وصاة محمد * ولا عهده يوم الغدير الموكدا
فاني كمن يشري الضلالة بالهدى * تنصر من بعد التقى وتهودا
وما لي وتيم أو عدي وانما * أولو نعمتي في الله من آل أحمدا
تتم صلاتي بالصلاة عليهم * وليست صلاتي بعد ان أتشهدا
بكاملة ان لم أصل عليهم * وادع لهم ربا كريما ممجدا
وان امرأ يلحى على صدق ودهم * أحق واولى فيهم ان يفندا
بذلت لهم ودي ونصحي ونصرتي * مدى الدهر ما سميت يا صاح سيدا
فان شئت فاختر عاجل الغم ضلة * والا فامسك كي تصان وتحمدا
ثم نهض مغضبا فقام أبو الخلال إلى عقبة فقال أعذني من شره أعاذك
الله من السوء أيها الأمير قال قد فعلت على أن لا تعرض له بعدها.
عقبة بن شيبة
يكنى أبا شيبة الأسدي ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الباقر ع
وروى الكليني في الكافي في باب الخضاب من كتاب الزي والتجمل
عن سيف بن عمارة عن أبي عبد الله ع فدل على أنه من
أصحاب الصادق ع أيضا.
عقبة بن عمرو السهمي من بني سهم بن عوف بن غالب.
قال يرثي الحسين وهو أول شعر رثي به ع:
إذا العين قرت في الحياة وأنتم * تخافون في الدنيا فاظلم نورها
مررت على قبر الحسين بكربلا * ففاض عليه من دموعي غزيرها
(١٤٦)

فما زلت ارثيه وابكي لشجوه * ويسعد عيني دمعها وزفيرها
وبكيت من بعد الحسين عصائبا * أطاف به من جانبيه قبورها
سلام على أهل القبور بكربلا * وقل لها مني سلام يزورها
سلام باصال العشي وبالضحى * تؤديه نكباء الرياح ومورها
ولا برح الوفاد زوار قبره * يفوح عليهم مسكها وعبيرها
عقبة بن عمرو بن ثعلبة بن أسيرة بن عطية بن خدادة بن عوف بن الخزرج
الأنصاري المعروف بأبي مسعود البدري.
وفاته
في الإصابة: قال خليفة مات سنة ٤٠ وقال المدايني مات سنة ٤٠
قال والصحيح انه مات بعدها فقد ثبت انه أدرك امارة المغيرة على الكوفة
وذلك بعد سنة ٤٠ قطعا، قيل مات بالكوفة وقيل بالمدينة اه وفي
الاستيعاب مات سنة ٤١ أو ٤٢ قيل مات أيام علي وقيل بل كانت وفاته
بالمدينة في خلافة معاوية وقال ابن الأثير توفي سنة ٣٩ وقيل غير ذلك
وانقرض عقبه.
نسبته
البدري نسبة إلى بدر المكان الذي كانت فيه الواقعة لأنه كان يسكن
بدرا قال ابن الأثير لم يشهد بدرا وانما قيل له بدري لأنه نزل ماء بدر وهو
مشهور بكنيته واختلف في شهوده بدرا ففي الإصابة قال موسى بن عقبة عن
ابن شهاب انه لم يشهد بدرا وهو قول ابن إسحاق: كان أبو مسعود أحدث
من شهد العقبة سنا ولم يشهد بدرا وشهد أحدا وما بعدها من المشاهد
وقالت طائفة شهد بدرا وبذلك قال البخاري فذكره في البدريين ولا يصح
شهوده بدرا. وكان قد نزل الكوفة وسكنها واستخلفه علي في خروجه إلى
صفين عليها اه وفي الإصابة اتفقوا على أنه شهد العقبة واختلفوا في شهوده
بدرا فقال الأكثر نزلها فنسب إليها وجزم البخاري بأنه شهدها واستدل
بأحاديث أخرجها في صحيحه في بعضها التصريح بأنه شهدها وقال أبو
عتبة بن سلام ومسلم في الكنى شهد بدرا وقال ابن البرقي لم يذكره ابن
إسحاق فيهم وورد في عدة أحاديث انه شهدها وقال الطبراني أهل الكوفة
يقولون شهدها ولم يذكره أهل المدينة فيهم وقال ابن سعد عن الواقدي ليس
بين أصحابنا اختلاف في أنه لم يشهدها وقيل إنه نزل ماء ببدر فنسب إليه
وشهدا أحدا وما بعده ونزل الكوفة وكان من أصحاب علي واستخلفه مرة
على الكوفة اه أقول الظاهر أن توهم شهوده بدرا نشأ من نسبته وقول ابن
عبد البر في الاستيعاب ان عليا ع استخلفه على الكوفة لما
خرج إلى صفين يوافق ما ذكره نصر بن مزاحم في أوائل كتاب صفين لكنه
ذكر في اواخره ما يدل على أنه كان معه بصفين لأنه ذكر ان معاوية ارسل
إلى جماعة من الأنصار فعاتبهم على شئ بلغه عن قيس بن سعد بن عبادة
منهم عقبة بن عمرو أبو مسعود البدري والله أعلم وروى الطبري ان عليا
ع لما خرج إلى صفين استخلف على الكوفة أبا مسعود
الأنصاري عقبة بن عمرو. ولكن في النهج قال أبو جعفر الإسكافي كان أبو
مسعود الأنصاري منحرفا عن علي واستشهد بعدة روايات فليراجع.
عقدة
اسمه محمد سعيد بن عبد الرحمن والد أحمد بن عقدة الحافظ المشهور
بابن عقدة ومر في ابنه أحمد بن محمد سبب تلقيبه عقدة ويأتي أيضا في
ترجمته.
عقيل بن الحسين بن محمد بن علي بن إسحاق بن عبد الله بن جعفر بن
عبد الله بن جعفر بن محمد بن علي ابن أبي طالب ع.
فقيه محدث راوية له: كتاب الصلاة، كتاب مناسك الحج،
الأمالي.
السيد عقيل بن زين العابدين بن الحسين بن علوي بن أحمد الجفري
العلوي.
كان جده المرحوم السيد علوي بن أحمد أميرا على عسكر اليمن من
قبائل يام ويافع فان امراء مكة كان لهم سابقا عسكر خاص بمحافظتهم من
قبل امام اليمن فكان السيد علوي الأمير الأكبر عليهم. وهو الذي غزا بني
سالم من قبائل حرب مع المرحوم الشريف راجح الشعبري وبني القلاع
والحصون بطريق المدينة المنورة واستشهد في غزوة الحزمة مع من استشهد
من الاشراف في الدفاع عن المرحوم الشريف سرور بن مساعد أمير مكة.
وقد أثخن السيد علوي بالجراح وحمل على الأعناق وتوفاه الله في وادي
نعمان ودفن بمكة بمقبرة العلويين.
وخلف ولدين صغيرين محمدا وحسينا، محمد له عقب بوادي مر
الظهران بقرية البرابر ومنهم الآن بمكة أيضا. وتولى الحسين نقابة الطالبيين
بمكة ثم تنازل عنها وخلف من الذكور عبد الله وصالح وعقيل وعلي والحسن
وعمار وزين العابدين وتفقه زين العابدين على السيد إسحاق بن عقيل بن
يحيى العلوي فلما توفي إسحاق رحل لطلب الرزق واشترى مركبا شراعيا
سمي فتح المجيد وذلك قبل وجود المراكب البخارية فسافر إلى البصرة
وفارس وبندر عباس وأبو شهر وزار العتبات المقدسة.
وفي سنة ١٣١٤ تولى نقابة الاشراف بفرمان سلطاني وألزمه عثمان
باشا قبولها طوعا أو كرها فقبلها وهو كاره. وقد اعطى له رتبة ووسام
مجيدي صنف ثاني، وسبب رده إياها هو ان التولية كانت من عثمان باشا
مع أن الشريف قد ولى السيد محضار السقاف وفعلا عزل عثمان السيد
محضار فكان ذلك سبب التنافر.
خلف السيد زين العابدين السيد عقيل وهو أكبر أولاده. ولد السيد
عقيل بمدينة سورابايا جاوا سنة ١٢٨٨ وأرسله أبوه إلى مكة سنة ١٢٩٥
ونشأ بها وحفظ القرآن وهو في العاشرة من عمره وجود القرآن على الشيخ
محمد الشربيني وعلى شيخ القراء المرحوم الشيخ يوسف أبو حجر، وقرأ
تفسير الجلالين وجامع مسلم وأبي داود والنسائي على الشيخ عبد الرحمن
الهندي الحيدرآبادي وعلى شيخ العلماء ومفتي الشافعية وجامع مسلم وأبي
داود على الشيخ محمد سعيد بابصيل وقرأ النحو على السيد عمر شطا وعلى
الشيخ عبد الرحمن بابصيل ثم قرأ على والده. ثم قرأ على السيد أبي بكر
بن عبد الرحمن بن شهاب الدين في سنغافورا سنة ١٣١٧ تفسير الدر المنثور
وأمالي الصدوق بن بابويه القمي ومسند النسائي والخصائص وقرأ على
تلميذه السيد محمد بن عقيل بن يحيى العلوي ثم تفقه بالعروة الوثقى للسيد
كاظم وقلده. ثم في سنة ١٣٢٠ رحل إلى مكة واجتمع بكثيرين من
(١٤٧)

علماء الجعفرية كالشيخ علي العمري المدني وغيره. وفي سنة ١٣١٨ سافر به
أبوه إلى بلد جامبي من سومطرا وكان ملكها إذ ذاك السلطان طه سيف
الدين وكان حاكما على جامبي وما حولها السيد عيدروس بن حسن بن
علوي الجفري فطلب هذا الوزير من السيد زين العابدين ان يزوج السيد
عقيل بابنته لما رآه فيه من سعة العلم وحسن الأخلاق فتزوجها السيد عقيل
ارضاء لوالده، وطلبه السلطان ان يحضر إليه ليراه فقدم إليه فاحتفل به
احتفالا عظيما وولاه أعلى رتبة دينية تعادل رتبة شيخ الاسلام فقبلها وهو لها
كاره وبعد سنتين اشتعلت الحرب بين السلطان طه وحكومة هولندا فامره أبو
زوجته بالرحيل إلى مكة مدة الحرب فسافر إليها ووكل السيد عيدروس في
فسخ النكاح متى طلبت ابنته، وانتهت الحرب بانتصار هولندا وألقت
القبض على رجال السلطان ونفتهم إلى أماكن بعيدة وفي أثنائها فسخ
القاضي النكاح وتوفي بعد ذلك الوزير السيد عيدروس واستولت هولندا
على جامبي بعد حرب عظيمة وذلك طبيعي لأن هولندا كاملة العدة والعدد
وأهل جامبي لا يملكون سوى بنادق ومدافع من الطراز القديم. وبقي
السيد عقيل بمكة ثم انتقل إلى جاوا سنة ١٣٣٩ واستقر بها وعكف على
الارشاد والوعظ والتآليف والكتابة فكان من أشهر العلماء العاملين
المجاهدين وقد لقي عنتا كثيرا وكابد جهدا عنيفا في سبيل عقيدته حتى أنه
دخل السجن مرارا.
أما أخلاقه فإنه كان لا يعرف الكبر والحسد والبخل ولا يحقد حتى
على أعدائه سريع الرضي كثير العفو عمن يسئ إليه، وكان يزور الضعفاء
والفقراء فيحسن إليهم سرا كما كان عضدا متينا لبعض المدارس والصحف
الوطنية.
عقيصا
لقب دينار أبي سعيد التيمي
عضد الدين أبو مسلم عقيل بن شهاب الدين راجح بن عماد الدين سبيع
العلوي الحسيني النقيب بتستر الفقيه.
من السادات الأكارم قدم جده شرفشاه بن مهنا من المدينة إلى
خوزستان واستوطنها وله فيها الأولاد النجباء وولي ولده عماد الدين سبيع
النقابة وكذلك ولده شهاب الدين راجح وكان عضد الدين المذكور من
أعيان السادات وتوفي بتستر في منتصف شهر ربيع الآخر سنة ٦٩٥ وله من
الأولاد نظام الدين محمد وشهاب الدين علي وقوام الدين الحسن اخبرني
بذلك ولده نظام الدين سنة ٧٠٥ (١).
عكبر الكردي
بضم العين والباء وقيل بفتح الباء هو الذي ينسب إليه تعكبرا من
نواحي دجيل بينه وبين بغداد عشرة فراسخ وكان من امراء الشيعة بالعراق
هو وأولاده كما ذكرناه في هارون ابن موسى التلعكبري وفي إسكندر بن
دربيس بن عكبر.
العكبر بن جدير بن المندر الأسدي الكوفي.
روى نصر بن مزاحم في كتاب صفين انه كان فارس أهل الكوفة
الذي لا ينازع رجل يقال له العكبر بن جدير الأسدي وكان فارس أهل الشام
الذي لا ينازع عوف بن مجزاة المرادي المكنى أبا احمر وكان العكبر له
عبادة ولسان لا يطاق فقام إلى علي فقال يا أمير المؤمنين ان في أيدينا عهدا
من الله لا نحتاج فيه إلى الناس وقد ظننا باهل الشام الصبر وظنوه بنا
فصبروا وصبرنا وقد عجبت من صبر أهل الدنيا لأهل الآخرة وصبر أهل الحق
عن أهل الباطل ثم نظرت فإذا أعجب مما تعجبت منه جهلي بآية من
كتاب الله: أ لم أ حسب الناس ان يتركوا ان يقولوا آمنا وهم لا يفتنون الآية
فاثنى عليه علي خيرا وخرج الناس إلى مصافهم وخرج عوف بن مجزاة
المرادي نادرا من الناس وكذلك كان يصنع وكان قتل قبل ذلك نفرا مبارزة
فنادى يا أهل العراق هل من رجل عصاه سيفه يبارزني ولا أغركم من
نفسي فانا فارس روف فصاح الناس بالعكبر فخرج إليه منقطعا من
أصحابه والناس وقوف فوقف المرادي وهو يقول:
بالشام امن ليس فيه خوف * بالشام عدل ليس فيه حيف
انا المرادي ورهطي روف * انا ابن مجزاة واسمي عوف
هل من عراقي عصاه سيف * يبرز لي وكيف لي وكيف
فبرز إليه العكبر وهو يقول:
الشام محل والعراق تمطر * بها الامام والامام معذر
انا العراقي واسمي العكبر * ابن جدير وأبوه المنذر
أدن فاني للكمي مصحر
فاطعنا فصرعه العكبر فقتله ومعاوية على التل في أناس من قريش
وغيرهم فوجه العكبر فرسه فملأ فروجه ركضا يضربه بالسوط مسرعا نحو
التل فنظر إليه معاوية فقال إن هذا الرجل مغلوب على عقله أو مستأمن
فاسألوه فاتاه رجله وهو في حمو فرسه فناداه فلم يجبه ومضى حتى انتهى إلى
معاوية وجعل يطعن في اعراض الخيل ورجا العكبر ان يفردوا له معاوية
فقتل رجالا وقام القوم دون معاوية بالسيوف والرماح فلما لم يصل إلى معاوية
نادى أولي لك يا ابن هند انا الغلام الأسدي ورجع إلى علي فقال له ما
دعاك إلى ما صنعت يا عكبر قال أردت غرة ابن هند وكان شاعرا فقال:
قتلت المرادي الذي جاء باغيا * ينادي وقد ثار العجاج نزال
يقول انا عوف بن مجزاة والمنى * لقاء ابن مجزاة بيوم قتال
فقلت له لما علاء القوم صوته * منيت بمشبوح الذراع طوال
فأوجرته في معظم النقع صعدة * ملأت بها رعبا قلوب رجال
فغادرته يكبو صريعا لوجهه * ينادي مرادا في مكر مجال
فقدمت مهري آخذا حد جريه * فاضربه في حومة بشمالي
أريد به التل الذي فوق رأسه * معاوية الجاني لكل خبال
يقول ومهري يعرف الجري جامحا * بفارسه قد بان كل ضلال
فلما رأوني أصدق الطعن فيهم * جلا عنهم وجم الغيوب فعالي
فقام رجال دونه بسيوفهم * وقام رجال دونه بعوالي
فلو نلته نلت المنى ليس بعدها * من الامر شئ غير قيل وقال
ولو مت في نيل المنى ألف ميتة * لقلت إذا ما مت لست أبالي
فانكسر أهل الشام لقتل عوف وهدر معاوية دم العكبر فقال العكبر
يد الله فوق يد معاوية فأين دفاع الله عن المؤمنين.

(١) مجمع الآداب.
(١٤٨)

الشيخ علاء الدين ابن الشيخ امين الدين ابن الشيخ ضياء الدين ابن الشيخ
صفي الدين ابن الشيخ فخر الدين ابن الشيخ محمد الطريحي.
ولد سنة ١١٦٥ وتوفي في النجف الأشرف سنة ١٢٣٦ ودفن في
مقبرتهم التي في دارهم. كان عالما فاضلا ورعا وكان يصلي في ايوان الذهب
في الحضرة الشريفة ويأتم به الجم الغفير، قرأ على الشيخ جعفر صاحب
كشف الغطاء وقد اجازه اجازة اثنى عليه فيها ثناء بليغا موجودة بخطه عند
احفاده تخلف بولدين: الشيخ نعمة والشيخ طعمة، له حياة الأرواح إلى
طريق الحق والاصلاح.
علان الملك المرعشي
حكى صاحب الرياض عن تاريخ عالم آرا انه كان من أجلة العلماء
في عصر الشاة طهماسب ومن أكابر السادات المرعشية بقزوين وكان شريكا
في قضاء العسكر مع الخواجة أفضل الدين تركة وبعد فتح بلاد جيلان صار
صدرا بها وكان في الأصول والرجال بارعا على أهل عصره واقرانه.
السيد علاء الدين بن محمد بن حمد بن زهرة العلوي الحسيني الحلبي.
قال الشهيد الأول في بعض مجاميعه على ما حكاه عنه الشيخ محمد بن
علي بن حسن بن محمد بن صالح الجبعي العاملي في مجموعته: اخبرني
السيد أبو طالب أحمد بن زهرة الحسيني أدام الله أيامه وفضله ان عم السيد
المعظم الامام العلامة شيخ الشيعة علاء الدين توفي لسبع مضين من ذي
الحجة سنة ٧٤٩ بحلب ودفن بمشهد الحسين ع بسفح جبل
جوشن بها وقد نيف على السبعين وأخبرني أيضا ان عمه علاء الدين يروي
عن الشيخ طومان بن أحمد العاملي رواية عامة وقرأ عليه كتاب الارشاد في
الفقه وقدم عمه إلى الحلة في سنة ٧٣٥ وروى عن السيد الإمام العلامة
شيخ الاسلام المرتضى علم الهدى عميد الحق والدين قدس الله روحه ومن
جملة مصنفات السيد علاء الدين ١ شرح الارشاد في الفقه ٢ تهذيب
النفس في الجمع بين الكتب الخمس القواعد والشرائع والمختصر والتحرير
والارشاد ٣ كتاب غاية الاقتصاد في واجب الاعتقاد في الكلام والفقه بقدر
التبصرة ٤ تهذيب السبيل إلى معرفة الحق بالدليل ٥ نذير الوصول إلى
علم الأصول والكلام ٦ كتاب في النية رأيته وهو كتاب حسن يدل على
فضل مصنفه. انتهى المنقول من كلام الشهيد.
العلاء عن محمد
هما العلاء بن رزين عن محمد بن مسلم.
العلائي
هو الشيخ عبد العالي ابن الشيخ علي بن عبد العالي العاملي
الكركي.
العلامة
لقب الحسن بن يوسف بن علي بن المطهر الحلي.
العلامة الحلي
الحسن بن يوسف بن علي بن محمد بن المطهر.
علباء بن الهيثم السدوسي
قتل مع علي ع يوم الجمل سنة ٣٦.
قال علي ع من يحمل على الجمل فانتدب له هند بن
عمرو الجملي المرادي فاعترضه عمارة بن يثري فقتله ثم حمل علباء بن
الهيثم فاعترضه ابن يثري فقتله.
علان
هو علي بن محمد المعروف بعلان
علقمة بن عمرو
كان من أصحاب علي ع يوم صفين فبرز إليه رجل من
أصحاب معاوية يقال له عوف وهو يقول:
اني انا عوف أخو الحروب * عند هياج الحرب والكروب
ولست بالناجي من الخطوب * إذ جئت نصرة الكذوب
ولست بالعف ولا النجيب
فبرز إليه علقمة وهو يقول:
يا عجبا للعجب العجيب * قد كنت يا عوف أخا الحروب
وليس فيها لك من نصيب * انك فاعلم ظاهر العيوب
في طاعة كطاعة الصليب * في يوم بدر عصبة القليب
فطعنه علقمة فقتله فقال علقمة في ذلك:
يا عوف لو كنت امرأ حازما * لم تبرز الدهر إلى علقمة
لاقيت ليثا أسدا باسلا * يأخذ بالأنفاس والغلصمة
لاقيته قرنا له سطوة * يفترس الاقران في الملحمة
ما كان في نصر امرئ ظالم * ما يدرك الجنة والمرحمة
ما لابن صخر حرمة ترتجي * لها ثواب الله بل مندمة
لاقيت ما لاقي غداة الوغى * من أدرك الأبطال يا ابن الأمة
ضيعت حق الله في نصرة * للظالم المعروف بالمظلمة
ان أبا سفيان من قبله * لم يكن مثل العصبة المسلمة
لكنه نافق في دينه * من خشية القتل على المرغمة
بعدا لصخر مع أشياعه * في جاحم النار لدى المضرمة
علقمة بن قيس النخعي
قطعت رجله مع علي ع بصفين فكان يقول ما أحب ان
رجلي أصح ما كانت لما أرجو بها من حسن الثواب من ربي ورأى في منامه
رؤيا ذكرت في ترجمة أخيه أبي ابن قيس النخعي.
الشيخ علم أو علي بن سيف بن منصور.
من مؤلفاته كنز الفوائد ودافع المعاند وهو منتخب كتاب تأويل
الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة للسيد شرف الدين علي الحسيني
الاسترآبادي المتوطن في الغري تلميذ الكركي انتخبه في المشهد المقدس
الغروي سنة ٩٣٩.
المولى علم الهدى بن الداعي بن ملك اردشير بن عبد اللطيف ابن الشيخ
صاحب المعالم العاملي الأصل الكاشاني المسكن.
كان فقيها رياضيا محدثا مفسرا له كتاب في الفقه عندي مجلدات
العبادات منه وفي اخرها: قد وقع الفراع منه في العام السابع من المائة
الثانية من الألف الثاني. يظهر منه وفور تتبعه وقوة فكره ونظره (١).

(١) شهاب الدين الحسيني.
(١٤٩)

السيد علوان بن علي بن الحسين موسى بن يوسف بن محمد بن موسى بن
يوسف بن محمد بن معالي بن عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن
محمد بن طاهر بن الحسين بن موسى بن إبراهيم بن موسى الكاظم بن
جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب.
ولد ببعلبك وتوفي بها سنة ٩٤٥ عن ٧٥ سنة وكان نقيب الاشراف
فيها.
كان عالما عاملا فاضلا شجاعا اعلم أهل زمانه بالانساب العلوية وله
شهادات بخطه على ما صح عنده من انساب العلويين وغيرها، هكذا في
كتاب الأنساب الموجود عند ذريته ولاشتهاره وجلالة قدره كثر اسم علوان
في ذريته.
السيد علوي بن إسماعيل البحراني.
ذكره صاحب السلافة فقال: فاضل في النسب والأدب وهو اليوم
شاعر هجر ومنطيقها ومعظم شعره فائق مستجاد، وذكره صاحب حديقة
الأفراح فقال: هو كما قال صاحب نفحة الريحانة من خلص الأسرة العلوية
الضاربين خيامهم في المنازل العلوية له في هجر ذكر لم يعرف الهجر وفضائل
توضحت مثلما توضح الفجر أطلعته السيادة من شرفها فوضعته تاجا فوق
فرقها ومن شعره قوله:
بنفسي أفدي وقل الفد * غزالا بوادي النقا أغيدا
مليحا إذا نض عن وجهه * نقاب الحيا خلت بدرا بدا
غزالا ولكن إذا ما نصبت * شراكا لاصطاده استأسدا
سقيم اللواحظ مكحولها * ولم يعرف الميل والأثمدا
رشيق القوام إذا هزه * رأيت الغصون له سجدا
له ريقة طعمها سكر * يحلي الصداء ويروي الصدا
ولحظ كعضب ولكنه * يشق القلوب وما جردا
تفرد بالحسن دون الملا * فسبحان مولى له أفردا
وقوله:
وليلة باتت براغيثها * ترقص إذ غنى لها البق
فكدت من وجدي وأفراحها * انشق لولا الصبح ينشق
وله:
أشيم البرق وهو على شوم * ويثنيني له الشغف القديم
وأصبو للهوى العذري ما * ان شدا القمري أو هب النسيم
العلوي
هو حمزة بن القاسم يروي عنه الصدوق بواسطة.
الشيخ السعيد مير شرف الدين علي
ذكره الشيخ أحمد بن إسماعيل الجزائري النجفي في اجازته ولده
محمد طاهر بن أحمد وقال إنه يروي عنه الشيخ محمد بن جابر النجفي
والشيخ فخر الدين الطريحي ويروي هو عن شيخه السيد الكبير مير فيض
الله وشيخه أيضا الشيخ إبراهيم ابن الشيخ علي ابن عبد العالي الميسي.
المولى مظفر الدين علي
من تلامذة الشيخ البهائي، له رسالة في أحوال أستاذه المذكور
السيد علي آل إبراهيم الحسيني العاملي الكوثراني
توفي سنة ١٢٦٠ والكوثراني نسبة إلى الكوثرية بلفظ النسبة إلى
الكوثر قرية من عمل الشقيف تدعى كوثرية السياد السادة وهناك قرية
أخرى تدعى كوثرية الرز، كان من مشاهير علماء جبل عامل في عصره
معاصرا لجدنا السيد علي الأمين وكان له جاه ورياسة. قال في حقه الشيخ
علي السبيتي في كتابه الجوهر المجرد بأسلوبه الخاص: لسان بني هاشم
الأوحد وخطيبهم الألد المقرم الذي عجزت عن شوطه فحول السرى
والفحل الهدار الذي يقول كل مصقع إذا سمعه ان النعامة في القرى خضم
بحر إذا أزبد قذف بالدر أمواجا وغطمطم تيار إذا خضخضته كأثرك
باللئالئ أفرادا وأزواجا شيخ أهل السيادة وفتاها ومحيي العلوم وناشر موتاها
رأيته فأصغرت برؤيته الزمن الغادر وخدمته فاستقللت القصر جواهر
والروض عباهر أيها الدهر هلا سمحت كفاك ببقاء من كان لك وجوده تاجا
فلو بقي لطب من دائك الدوي.
نال الردى يا قاتل الله الردى * من كان أعلق بالحشى مني يدا
قرأ أول امره على الشيخ حسن القبيسي في الكوثرية ثم على الشيخ
البلاغي بقرية رامية الظاهر أنه الشيخ رشيد نعمة بن طالب البلاغي ثم
توجه إلى العراق فقرأ على الشيخ علي ابن الشيخ جعفر الكبير ثم رجع إلى
جبل عامل سنة ١٢٤٨ وسكن في وطنه الكوثرية فقرأ عليه بها الشيخ
جواد بن شكر التمنيني البعلبكي والسيد حسن ولده والشيخ خليل عسيران
الصيداوي والشيخ محمد علي عز الدين والشيخ علي والشيخ حسن أولاد
الشيخ محمد السبيتي وتخلف بثلاثة أولاد الأكبر السيد حسين لم يوفق لخدمة
العلم. والسيد حسن والسيد محمد ترجما في بابهما وله شرح على منظومة
بحر العلوم بلغ فيه إلى آخر بحث الأواني رأينا منه نسخة عند احفاده.
وقد أسند إليه منصب الإفتاء من قبل الدولة العثمانية على المذهب
الجعفري في القسم الشمالي من جبل عامل.
أبو الحسن علي بن إبراهيم العريضي العلوي الحسني
يروي عنه الشيخ ورام بن أبي فراس ويروي هو عن علي بن نما كما
في اخر مجموعته، قال اخبرني السيد الأجل الشريف أبو الحسن علي الخ.
أبو الحسن القطان علي بن إبراهيم بن مسلمة بن بحر القطان القزويني.
قال صاحب كتاب التدوين في علماء قزوين في حقه: امام كبير له
من كل علم حظ موفور كان صاحب قراءة وتفسير وتاريخ وحديث وفقه
ولغة.
ونقل من كتاب المواعظ والزواجر جمع أبي احمد العسكري أنه قال
بلغني ان أبا الحسن القطان بقزوين أصابته علة البطن فتوضأ في يوم واحد
أكثر من تسعين مرة وقال أيضا ولا يكاد يضبط شيوخه لكثرتهم ولا ما جمعه
وكتبه وألفه، وخطه في الأغلب دقيق تعادل الورقة ورقتين وثلاث.
الشيخ علي القمي ابن الشيخ إبراهيم
كان أورع أهل العصر وأتقاهم حسن السيرة مستقيم الطريقة دائم
الاشتغال بالعلم والمجاهدة والمراقبة تاركا للمشتبهات لا يأكل ولا يشرب
ولا يستعمل الا ما تنتجه بلاد الاسلام. ولد في السابع من شهر رمضان
(١٥٠)

سنة ١٢٨٣ من بنت العلامة الشيخ مشكور الحولاوي المتوفي سنة ١٢٧٢ له
شرح التبصرة في الفقه وشرح الرجال أسانيد الكافي سماه تنوير المرآة
ومصباح الأنيس معرب أنيس البحار وشرح بداية الهداية اسمه شرح
المبتدي ورافع الغواشي عن بعض شبهات الحواشي وتدوين حواشي
الرسائل التي وجدها بخط مؤلفه الشيخ الحر على النسخة الأصلية في
الكاظمية سنة ١٣٤١ وصلاة المسافر تامة فرع منه ٩ ج ١ ١٣١٨ وله
تقريرات بحث الحاج ميرزا حبيب الله والمولى حسين علي الهمداني والحاج
آقا رضا الهمداني والحاج ميرزا حسين الخليلي والحاج الشيخ عبد الله
المازندراني والمولى محمد كاظم الخراساني.
وله مجموعة استنسخ فيها فصل القضاء وله اجازة الرواية. توفي بعد
العشاء ليلة الأربعاء ٢٢ ج ٢ ١٣٧١ ودفن في مقبرة الشيخ نصر الله
الحويزي مقابل مقبرة صاحب الجواهر ومادة تاريخه شأن عظيم.
علي بن إبراهيم
الملقب بدرويش برهان له كتاب بحر المناقب في فضل علي بن أبي
طالب بالعربية ومختصرة بالفارسية يسمى در بحر المناقب في تفضيل علي بن
أبي طالب توجد منه مخطوطة في مكتبة البرلمان الإيراني بطهران بخط مير
عماد الحسين القزويني تاريخ كتابتها ٩٨٤.
الشيخ علي بن إبراهيم
قال في الرياض انه من جملة أجلة العلماء المتأخرين.
السيد علي بن أبي الحسن الموسوي العاملي الجبعي
في أمل الآمل كان من أعيان العلماء والفضلاء في عصره جليل
القدر من تلامذة شيخنا الشهيد الثاني وكان زاهدا عابدا ورعا اه ويأتي
عن الأمل: السيد علي بن الحسين بن أبي الحسن الموسوي العاملي الجبعي
من تلامذة الشهيد الثاني كان فاضلا عالما كاملا محققا ذكره ابن العودي في
تاريخه وأثنى عليه اه والثاني هو والد صاحب المدارك وجزم في تكملة
الأمل باتحادهما قال وان صاحب الأمل انما ذكره مرة بعنوان علي بن أبي
الحسن ومرة بعنوان علي بن الحسين بن أبي الحسن لأنه كان يعرف بابن أبي
الحسن وهو جده الاعلى فإنه علي بن الحسين بن محمد بن الحسين بن علي بن
محمد بن أبي الحسن المذكور قال والنسبة إلى الجد الاعلى ليست بعزيزة بل
هو الشائع فلا تتوهم التعدد اه أقول ظاهر صاحب الأمل التعدد
فقد وصف كلا منهما بغير وصف الآخر ولم يشر إلى الاتحاد وان اشتركا في
لتتلمذ على الشهيد الثاني فيكون عم والد صاحب المدارك واشتراك العم
ابن الأخ في التلمذ على شخص واحد غير ممتنع والله أعلم.
السيد الشريف أبو القاسم علي بن أبي الحسن العلوي الحسيني المعروف
ابن الأعلم.
ولد سنة ٣٢٦ حكاه السيد علي بن طاوس في الباب الخامس من فرج
المهموم عن المجدي العمري النسابة.
له كتاب الزيج المعروف بزيج ابن الأعلم وهو أول من عمل الزيج
والمقدم في صناعته في بغداد.
علي بن أبي رافع مولى رسول الله ص.
تابعي من أصحاب أمير المؤمنين ع ومن خواصه من
فقهاء الشيعة، كان كاتبا لعلي ع شهد معه حروبه كلها وكتب
كتابا في الفقه: الوضوء والصلاة وسائر الأبواب تفقه على أمير المؤمنين
ع وجمع كتابه في أيامه وهو أول من صنف في الفقه في الاسلام، فقول
السيوطي ان أبا حنيفة أول من صنف في الفقه غير صحيح لأن أبا حنيفة
ولد سنة ١٠٠ من الهجرة وتوفي سنة ١٥٠ فابن أبي رافع فقيه قبل أبي حنيفة
بأكثر من خمسين سنة.
الشيخ علي ابن الشيخ أبي طالب الشريف
شاعر أديب ارسل إلى السيد نصر الله الحائري شعرا لم يحضرنا فاجابه
بقوله:
أهدي سلاما يخجل الأزهرا * ويفضح النجوم والجواهرا
إلى فتى نال العلا في صغر * لأنه قد رضع المفاخرا
فاتخذ السرج مكان مهده * وعن قريب يفرع المنابرا
وحاز في سن الشباب رتبة * أصبح طرف النجم فيها حائرا
فنثره ونظمه ينسيك من * حاز المعالي كاتبا وشاعرا
وكيف لا وهو من القوم الالى * فاقوا البرايا أولا واخرا
من معشر شم الأنوف سادة * دان لهم كل عزيز صاغرا
إذ هو نجل ماجد حاز البها * والمكرمات باطنا وظاهرا
كذاك في إفضاله وفضله * قد أدهش الابصار والبصائرا
أعني أبا طالب المولى الذي * يقدم يوم النزال حاسرا
وان دهت معضلة ففكره * يميط عن أوجهها الستائرا
حيا الحيا ربعها العامر ما * اضحك دمع الغيث روضا زاهرا
أبو الحسن علي بن أبي طالب التميمي الغروي
من الفقهاء المحدثين وجد في بعض نسخ عيون أخبار الرضا
ع: حدثني الشيخ المؤتمن الوالد أبو الحسن علي بن أبي طالب بن
محمد بن أبي طالب التميمي المجاور بالغري قال حدثني الأمير السيد الأوحد
الفقير العالم عز الدين شرف السادة أبو محمد شرفشاه بن أبي الفتوح
محمد بن الحسن بن زيادة العلوي الحسيني الأفطسي النيسابوري أدام الله
رفعته في شهور سنة ٥٧٣ بمشهد مولانا أمير المؤمنين عند مجاورته به.
الشيخ رشيد الدين علي بن أبي طالب الخبازي الرازي
فقيه فاضل له نظم لطيف
السيد علي ابن السيد أبي طالب بن عبد المطلب الحسيني الهمداني النجفي
توفي في النجف في أوائل المائة الرابعة بعد الألف وهو من أحفاد المير
السيد عليا المدفون بهمدان ووالده كان تلميذ صاحب الجواهر. له كتاب
الحساب وتذكرة النفس في الأخلاق.
الفصيح أبو الحسن علي بن أبي الغنائم بن صالح
يعرف بابن الصائغ العامري الكوفي، الأديب الشاعر كان من الأدباء
(١٥١)

العلماء حدثني عنه ولده تاج الدين أبو الفضل محمد وقال كانت أشعاره
موقوفة على مدائح بهاء الدين الحسيني داود بن المختار وأهله وسافر إلى بلاد
الشام واجتمع بعلمائها وكان خازن كتب النقيب قطب الدين بن الأقساسي
بالكوفة وأنشدني لوالده في الدوامر:
وقليب غشاؤه غابة الليث * وفيه ماء الشقا والنعيم
وهو يجري على الصباح بليل * قد خلا من أهله ونجوم
وتوفي سنة ٦٥٠ بالكوفة ودفن بالسهلة (١).
الشيخ علي بن الفتح العاملي المزرعي
يظهر انه من تلاميذ المحقق الكركي ووجدنا بخطه مسائل وأجوبتها
للمحقق الكركي وكتبها المترجم سنة ٩١٠ وقد أدرجناها في ضمن الجزء
الأول من معادن الجواهر.
السيد علي بن أبي القاسم الخوانساري
توفي حدود ١٢٣٨. فقيه فاضل من المبرزين من تلاميذ صاحب
القوانين شرح الدرة شرحا لم يتم.
السيد علي ابن السيد أبي القاسم الرضوي القمي اللاهوري
له التنقيد في اثبات الاجتهاد والتقليد من القرآن المجيد مطبوع.
أبو الحسن علي بن أبي معاذ البغدادي
توفي سنة ٢٨٠ له قصيدة يذكر فيها البرامكة ذكرها المسعودي،
أولها:
يا أيها المغتر بالدهر * والدهر ذو صرف وذو غدر
وله في الإمام موسى بن جعفر ع:
زر ببغداد قبر موسى بن جعفر * ان موسى مديحه ليس ينكر
هو باب إلى المهيمن تقضى * منه حاجاتنا ونجني ونخبر
هو حصني وعدتي وغياثي * وملاذي وموئلي يوم احشر
صائم القيظ كاظم الغيظ في الله * مصفى به الكبائر تغفر
سل شقيق البلخي عنه بما شاهد * منه وما الذي كان ابصر
قال لما حججت عاينت شخصا * ناحل الجسم شاحب اللون أسمر
سائرا وحده وليس له زاد * فما زلت دائبا أتفكر
وتوهمت انه يسال الناس * ولم أدر انه الحج الأكبر
ثم عاينته ونحن نزول * دون قيد على الكثيب الأحمر
يضع الرمل في الإناء ويحسوه * فناديته عقلي محير
اسقني شربة فناولني منه * فعاينته سويقا وسكر
فسالت الحجيج من هو هذا * قال هذا الإمام موسى بن جعفر
الشيخ أبو القاسم العلوي علي بن أحمد الكوفي
توفي سنة ٣٥٢ ودفن بكرما من نواحي فسا بينها وبين شيراز اثنين
وعشرين فرسخا، له كتاب الأدات ومكارم الأخلاق وكتاب التفسير.
السيد علي خان الشيرازي
شارح الصحيفة، هو السيد علي خان الملقب صدر الدين ابن الأمير
نظام الدين أحمد بن محمد معصوم ابن السيد نظام الدين أحمد بن إبراهيم
ابن سلام الله بن عماد الدين مسعود بن صدر الدين محمد ابن السيد الأمير
غياث منصور ابن الأمير صدر الدين محمد الحسيني الدشتكي الشيرازي
المدني من أحفاد الأمير السيد صدر الدين الشيرازي المتكلم المشهور وولده
الأمير غياث الدين منصور ينتهي نسبه إلى زيد بن علي بن الحسين بن
علي بن أبي طالب ع بست وعشرين واسطة كما نص عليه في
أول شرحه على الصحيفة السجادية توفي سنة ١١٢٠ وولد بالمدينة المنورة
منتصف جمادى الأولى سنة ١٠٥٢ ذكره في أمل الآمل فقال السيد الجليل علي
ابن ميرزا أحمد بن محمد معصوم الحسيني من علماء العصر عالم فاضل ماهر
أديب شاعر اه وفي حديقة الأفراح السيد الجليل علي الصدر بن أحمد نظام
الدين المدني صاحب سلافة العصر وهو الامام الذي لم يسمح بمثله الدهر.
قال مؤلف نفحة الريحانة القول فيه انه أبرع من أظلته الخضراء وأقلته
الغبراء وإذا أردت علاوة في الوصف قلت هو الغاية القصوى والآية الكبرى
طلع بدر سعده فنسخ الأهلة وانهل سحاب فضله فاخجل السحب المنهلة
اه وعن رياض العلماء أنه قال بعد الثناء البليغ عليه: ولد بالمدينة المباركة
ثم جاور بمكة ثم رحل إلى حيدرآباد من بلاد الهند وأقام بها مدة طويلة
وكان من أعيان أمرائها معظما عند ملوكها ثم لما غلب اوز بيك زيب ملك
الهند على تلك البلاد سار إلى الملك المذكور وصار من أعاظم امراء دولته ثم
توجه إلى حج بيت الله الحرام ثم جاء إلى بلاد إيران وهذا السيد يعبر عن
نفسه في شرحه على الصحيفة السجادية بتعبيرات مختلفة منها علي صدر
الدين المدني ابن احمد نظام الدين الحسيني الحسني فلا تغفل عن سرد ذلك
ولا تغلط اه.
مؤلفاته
١ شرح الصحيفة السجادية مطبوع مشهور سماه رياض السالكين
في شرح صحيفة سيد الساجدين ولم يؤلف في شروحها مثله عن رياض
العلماء صنفه باسم سلطان عصرنا الشاة حسين الصفوي وهو شرح كبير
جدا من أحسن الشروح وأطولها وقد اورد فيه فوائد غزيرة عن كتب غريبة
وصدر شرح كل دعاء بخطبة وديباجة على حدة وقد اخذ من شرحه هذا
المولى الجليل مولانا محمد حسين ابن المولى حسن الجيلاني في شرحه الكبير
على الصحيفة السجادية ثم لما اطلع هذا عليه بالغ في انكاره وسبه ولما عثر
هذا المولى على ذلك رد كلامه في أكثر المواضع من شرحه المذكور. وفي
روضات الجنات ان هذه التشنيعات على الآقا حسين بن الحسن صاحب
شرح الصحيفة الكبير الفارسي مذكورة في خاتمة رياض السالكين والحق في
جانب السيد علي خان ٢ الحدائق الندية في شرح الصمدية في النحو
للبهائي عن الرياض طويل حسن الفوائد لم يعمل مثله في علم النحو نقل
فيه أقوال جميع النحاة من كتب كثيرة عربية. ٣ موضع الرشاد في شرح
الارشاد في النحو ٤ شرحان آخران على الصمدية متوسط ومختصر ٥
منظومة في علم البديع وشرح له عليها ٦ الطراز الأول فيما عليه من لغة
العرب المعول في اللغة كبير اشتغل بتاليفه إلى يوم وفاته ولم يتم خرج منه
قريب من النصف قيل إنه من أحسن ما كتب في هذا الموضوع ذكر فيه كل
ما يتعلق باللفظة المبحوث عنها حتى القصص والأغاني والقواعد المستنبطة

(١) مجمع الآداب.
(١٥٢)

لأساتيذ هذا الفن من كل مكان وجدت منه نسخة إلى باب الصاد المهملة
٧ كتاب أحوال الصحابة والتابعين والعلماء لم يتمه خرج منه مجلد في
شطر من أحوال الصحابة ٨ الدرجات الرفيعة في طبقات الامامية من
الشيعة خرج منه مجلد واحد وصل فيه إلى كثير عزة ولو أتمه لكان من أحسن
ما يمكن ان يكتب في هذا الموضوع ٩ رسالة في أغلاط الفيروزآبادي في
القاموس، عن الرياض انها رسالة حسنة ١٠ الكلم الطيب والغيث
الصيب في الأدعية المأثورة عن النبي وأهل البيت صلوات الله عليه وعليهم
لم يتم، عن الرياض انه لا يخلو من فوائد جليلة ١١ أنوار الربيع في
أنواع البديع بديعية في مدح النبي ص وشرحها على نحو بديعية ابن
حجة الحموي والشيخ عبد الغني النابلسي مطبوع في مجلد كبير والظاهر أنه
هو المنظومة في البديع وشرحها المشار إليها انفا ولكن في روضات الجنات
جعلهما اثنين ١٢ كتاب الزهرة في النحو ١٣ سلوة الغريب وأسوة
الأديب ١٤ التذكرة في الفوائد النادرة ١٥ المخلاة على نحو كشكول
البهائي ومخلاته ١٦ ديوان شعره ورسائله ١٧ سلافة العصر في
محاسن أعيان العصر مطبوع بمصر مشهور ينقل عنه جل من كتب في
التراجم.
مشائخه
١ يروي عن أبيه السيد نظام الدين احمد عن السيد نور الدين علي
الموسوي عن صاحبي المعالم والمدارك ٢ يروي عن شيخه واستاذه الشيخ
جعفر بن كمال الدين البحراني عن الشيخ حسام الدين الحلي عن البهائي.
من يروي عنه
يروي عنه الأمير السيد محمد صالح الحسيني الخاتون آبادي كما عن
اجازته الكبيرة الموسومة بمناقب الفضلاء وغيرها من الإجازات.
شعره
له ديوان شعر مخطوط في ١٨٣ صفحة متوسطة توجد منه نسخ عدة
في العراق وأكثره مراسلات ومدائح في أبيه وفيه عرسيات كثيرة. وله فيه
قصيدة قالها عند زيارته أمير المؤمنين ع في النجف أولها:
يا صاح هذا المشهد الأقدس * قرت به الأعين والأنفس
والنجف الأشرف بانت لنا * اعلامه والمعهد الأنفس
والقبة البيضاء قد أشرقت * ينجاب عن لألائها الحندس
حضرة قدس لم ينل فضلها * لا المسجد الأقصى ولا المقدس
ومن شعره قوله:
سفرت أميمة ليلة النفر * كالبدر أو أبهى من البدر
نزلت منى ترمى الجمار وقد * رمت القلوب هناك بالجمر
وتنسكت تبغي الثواب وهل * في قتل ضيف الله من اجر
ان حاولت اجرا فقد كسبت * بالحج اضعافا من الوزر
نحرت لواحظها الحجيج كما * نحر الحجيج بهيمة النحر
وله كتاب أنوار الربيع في أنواع البديع، شرح فيه بديعيته البالغة
١٤٧ بيتا، قال إنه نظمها في اثنتي عشرة ليلة من ذي القعدة الحرام سنة
١٧٠٧ وأولها:
حسن ابتدائي بذكرى جيرة الحرم * له براعة شوق يستهل دمي
ومن شعره ما قاله وهو بحيدر آباد:
تذكر بالحمى رشا أغنا * وهاج له الهوى طربا فغنى
وحن فؤاد مشتاق لنجد * وأين الهند من نجد وانى
وغنت في فروع الأيك ورق * فجاوبها بزفرته وانا
وطارحها الغرام فحين رنت * له بتنفس الصعداء رنا
وأورى لاعج الأشواق منه * بويرق بالأبيرق لاح وهنا
معنى كلما هبت شمال * تذكر ذلك العيش المهنا
إذا جن الظلام عليه أبدى * من الوجد المبرح ما أجنا
سقى وادي الغضا دمع إذا ما * تهلل لا السحاب إذا أرجحنا
فكم لي في رباه قضيب حسن * تفرد بالملاحة إذ تثنى
كلفت به وما كلفت فرضا * فأوجب طرفه قتلى وسنا
وابدى حبه قلبي واخفى * فصرح بالهوى شوقا وكنى
تفنن حسنه في كل معنى * فصار العشق لي بهواه معنى
بدا بدرا ولاح لنا هلالا * وأشرق كوكبا واهتز غصنا
وثنى قده الحسن ارتياحا * فهام القلب بالحسن المثنى
ولو أن الفؤاد على هواه * تمنى كان غاية ما تمنى
بكيت دما وحن إليه قلبي * فخضب من دمي كفا وحنى
وأنت ترى ما كان ملتزما في شعر ذلك العصر ونثره من التزام
التسجيع وأنواع البديع الذي كثيرا ما يذهب رونق الكلام ان لم يجئ عفو
الطبع.
السيد علي شهاب
ولد في ١٢ ربيع الأول سنة ١٢٨٢ في بتاوي بجزيرة جاوا.
نسبه
السيد علي بن أحمد بن عبد الله بن حسين بن عبد الله بن محمد بن
علي بن محمد بن شهاب الدين بن عبد الرحمن بن شهاب الدين بن عبد
الرحمن بن علي بن أبي بكر السكران بن عبد الرحمن السقاف بن محمد مولى
الدويلة بن علي بن علوي بن محمد الفقيه المقدم بن علي بن محمد بن
علي بن علوي بن محمد بن علوي بن عبد الله بن أحمد بن عيسى بن
محمد بن علي العريضي بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين
العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب ع.
دراسته
في سنة ١٢٨٩ سافر من بتاوي إلى حضرموت، وهناك تعلم القراءة
والخط وبعض العلوم الدينية. وفي شوال عام ١٢٩٥ عاد برفقة السيد أبي
بكر بن شهاب الدين وابن عمه السيد علي بن عبد الرحمن بن شهاب الدين
إلى بتاوي.
وممن تلمذ عليهم سالم بن سعيد عبد الحق والسيد حسين بن عبد
الرحمن بن شهاب الدين والسيد عبد الرحمن بن هارون بن شهاب الدين
والسيد عبد الرحمن بن محمد المشهور.
(١٥٣)

وفي شوال ١٢٩٩ عاد إلى حضرموت فلازم السيد علي بن محمد
الحبشي وتلقى عنه علوم اللغة العربية وتلقى العلوم الاسلامية عن السيد
هادي بن الحسن السقاف والسيد أحمد بن جعفر وبعد سنة كاملة ساح في
حضرموت إلى جهاتها الغربية واستقر بدوعن لدى السيد احمد المحضار
فاخذ عنه أيضا. ثم رجع إلى تريم وتلمذ على السيد عمر بن الحسن
الحداد. ومنه ومن السيد أبو بكر بن شهاب ومن السيد محيي الدين بن
عبد الله بلفقيه حصل الإجازة.
أحواله
في عام ١٣٠٤ سافر إلى جاوا مارا بعدن والهندي وسنقافورة.
وفي عام ١٣٠٦ سافر إلى سومطرا وبعد عودته منها صار وكيلا لوالده
على عقاراته الطائلة وكان مدة اقامته بسومطرا يتجر كشريك لوالده.
ولقد كان أهم شاغل له هو النهوض بحضرموت فاخذ يكتب إلى
عظماء الاسلام ورجال الدولة العثمانية، ثم كاتب السلطان عبد الحميد
نفسه. وكان له آراء متبادلة مع السيد عبد الرحمن بن سهلي والد
زوجته الذي رحل إلى اسطمبول واتصل برجالها وحمل منها رسالة من
السلطان عبد العزيز إلى ملك هولندا الملك ويليم الثالث فطاف أوروبا
وخاطب ملك هولندا شفاها. وساعدته الدولة العثمانية فرافق السيد فضل
باشا واستولى على ظفار فكان عونا له إلى أن اضطر للخروج من ظفار فكان
السيد عبد الرحمن هذا ذا اتصال وثيق بالمترجم وكانا يعملان معا وكان من
مسعاهما ان عينت الدولة العثمانية قنصلا لها بالهند الشرقية اندونيسيا
اليوم وبعده تعاقب الممثلون حتى أيام الحرب العظمى الأولى، وقد
ازدادت صلة المترجم بالدولة العثمانية وكان ممثلوها كثيرا ما يرجعون إليه
ويستلهمون آراءه بل قد يعقدون في بيته الاجتماعات يتداولون فيها الآراء
كل ذلك سعيا في مصالح المسلمين النائين ورغبة في خدمة حضرموت
وخلال ذلك جرت حوادث استنجد فيها بالدولة العثمانية فأرسلت مندوبا
إلى جاوا هو احمد امين بك وعاد حاملا تقريراته ولكنها لم تثمر شيئا.
وقد كون المترجم بعثة من أبناء العرب بجاوا من بينهم ولده عبد
المطلب فسافرت إلى اسطمبول وسعى بعد ذلك في ارسال بعثات أخرى
فنشر المنشورات وبث الدعاية فوصلت إليه ردود القبول من نحو ستة
أشخاص ثم أخذوا يزدادون حتى صاروا نحو خمسين شخصا ولكن المندوب
العثماني إذ ذاك وهو امين بك المذكور وكان قد قدم من ليفربول كان لا
يرى هذا الرأي فكلفه ان لا يتمم هذا المسعى وكان كما أراد ولذلك لم
تتوجه الا بعثة واحدة فقط.
وكان يكتب الاخبار ويحرر المقالات بامضاءات رمزية في ثمرات
الفنون التي تصدر من بيروت للشيخ عبد القادر القباني، وفي اللواء المصرية
لمصطفى كامل، والمعلومات التي تصدر من اسطمبول والمؤيد لعلي يوسف
وغيرها، فاغرى الأعداء السلطات الهولندية به ففتش بيته واستجوب أكثر
من مرة وفي إحدى المرات لم ينج من السجن.
وما زال الأعداء يثيرون عليه كل شئ ويتعقبونه ويختلقون عليه
الأقوال حتى لحقت به اضرار مالية وأدبية، فنفر منه الكثيرون خوفا وصار
الاجراء وضعاف الإرادة يسعون ضده السعي الحثيث.
وفي عام ١٣١١ سافر إلى مصر قاصدا اسطمبول للتفاهم مع رجال
الدولة العثمانية في مسالة حضرموت ومسلمي جاوا فصادف إن كانت
الدولة إذ ذاك مرتبكة في داخليتها وقد بدأت الشيخوخة تدب في جسمها
واتصل بالأستاذ حسن حسني الطويراني فكانت بينهما صلات وأحاديث.
ورجع حاملا الوفاء لرفيقه بما تعهد به ثم حج بيت الله وساح في بلاد عسير
واليمن وكتب ما شاهده من اعمال العثمانيين بالعرب وأدرك أسباب النزاع
فكتب بهذا كتابات خصوصية إلى كثير من الرجال والى رجال تركيا، ثم
سافر منها إلى حضرموت.
وفي عام ١٣١٤ سافر وعائلته من حضرموت إلى جاوا مارا بالهند في
باخرة لسلطان المكلا والشحر. وفي عام ١٣١٩ سافر إلى سومطرا في أمور
تجارية واجتماعية ورأى هناك الحالة السائدة فكتب عنها في الصحف
المصرية، وفتح مراكز تجارية في عدة أماكن على الطرز الأوروبي فهو أول
عربي بجاوا عمل هذا، وأقام معملا للزر في مدينة فاندي كلانغ في
مقاطعة بانتن.
وكان من المشاركين في تأسيس أول مدرسة بالهند الشرقية
اندونيسيا وهي مدرسة جمعية خير، وفي تأسيس الجمعية نفسها. وأول
من قام بهذه الجمعية هو السيد محمد الفاخر المشهور والسيد محمد بن
عبد الله بن شهاب والسيد عيدروس بن شهاب والسيد علي بن أحمد بن
شهاب والأخير هذا هو أول رئيس لأول جمعية اسلامية بجاوا بل بالهند
الشرقية اندونيسيا وكانت للمترجم عناية بتدوين التاريخ فقد جمع
معلومات واسعة عن حروب الهولنديين في احتلالهم لاندونيسية مما لا يجده
المطالع في مصدر آخر وقد أخذ هذه المعلومات عن قواعد مسلمي سومطرا و
ملوكها وعن الضباط الهولنديين الذين باشروا الحرب بأنفسهم واخر ما
عرف عن هذه المجموعة انها كانت عند محمد بن هاشم. وقد بلغ من
اهتمام المترجم بموطنه الأول حضرموت ان حاول ان ينهض به زراعيا
فأرسل إلى حضرموت جميع الأبذرة الموجودة في جاوا لتزرع هناك وكرر هذا مرارا.
ولما خاب امله في الدولة العثمانية وجه همه إلى أمير المكلا والشحر
وهو الأمير عوض القعيطي إذ ذاك فكتب إليه يحثه على الاصلاح وأرسل إليه
تعليمات عن ايجاد روابط لجميع قبائل حضرموت. ثم ارسل وفدا برئاسة
مرعي بن جعفر وأرشده بالمعلومات وبذل جميع مصاريف هذا الوفد من
جيبه الخاص ذهابا وإيابا وإقامة، وعاد الوفد قائلا ان رغبة الأمير في
الاصلاح حسنة ولكن من حوله لا يريدون الا البقاء على حالتهم. فكتب
إلى امراء ورؤساء القبائل كامير سيون منصور بن غالب. وأمير آل تميم
علي بن يماني. فاعرضوا ثم رأى أن يجتهد في ايجاد إدارة للبريد والبرق
بحضرموت هربا من خيانات الوسطاء والتجار وتلاعبهم بعدن والساحل،
فكتب سنة ١٣٣٠ عريضة لأمير المكلا يستحثه في هذا فكان ذلك مما زاد في
همة الأمير إلى الاصلاح واختمر في فكرة ولي عهده ولكن لم يبرز إلى الوجود
وكانت له محاولات جريئة في انشاء شركات وطنية كبرى كشركة صيد
السمك وتعليبه فسافر من أجل ذلك إلى سنغافورا وفولوفينغ ومدارس
وبومباي وعدن والمكلا والشحر.
(١٥٤)

كما حاول ان ينشئ مدرسة في المكلا وفاوض الأمير وتم امرها ولكن
بعد تركه المكلا كانت المدرسة لم ترق لحاشية الأمير عملت الحاشية على
إغلاقها.
وكان هو في المكلا قد عرف بخلاف رؤساء يافع مع الامام يحيى
حميد الدين وقدومهم للاستنجاد بأمير المكلا والإنكليز فعمل على ردعهم عن
ذلك وأصلح شؤونهم مع امام اليمن.
وقبل ان تتضح له نوايا الحكومة العثمانية كان يسعى ليستعين بها
سواء على الهولنديين في اندونيسيا أو على الإنكليز في الجنوب العربي لا
سيما في سبيل رفع شأن حضرموت فعمل لأن ينشئ العثمانيون مصرفا
وبريدا لهم في حضرموت فلم ينجح بذلك.
وأخيرا يئس من العثمانيين بعد ان تكشفت له نواياهم الطورانية
لذلك كان من أول المسارعين تعضيد ثورة الشريف حسين العربية فاتصل
به كتابيا ودعمه في صحافة العرب بجاوا لا سيما في جريدة الاقبال.
ولما رأى الإنكليز ذلك حسبوا انهم يستطيعون ان يستهووه فعرضوا
عليه رتبا ورواتب فاعرض عنهم وقال إنه لا يخدمهم ولكنه يخدم أمته فإذا
تعارضت مصالحهم مع مصالح أمته عاداهم. وبالفعل فقد حدث بعد
ذلك ان اصطدام الامام يحيى بالانكليز فاتصل به وأيده مما حمل امام اليمن
بعد ذلك على أن يفوض إليه أمر مخاطبة الحكومة اليابانية في أمور وروابط
فقام بالعمل خير قيام.
ومن أعماله سعيه في إقامة دار لأيتام العرب فهو أول عربي فكر في
هذا وبذل من جيبه حتى تحصل على إذن من الحكومة وطبع قانونها وهو يريد
من وراء ذلك أن تكون هذه الدار وسيلة لنشر الاسلام الصحيح في النابتة
ولكن الناس عرقلوا مساعيه. فكل دار اسلامية للأيتام بجاوا اليوم انما
تأسست بعد تلك الفكرة.
وكان المترجم من المجاهرين والمجاهدين الأولين بالعقائد الصحيحة
من نبذ الخرفات واستقاء الدين من منابعه أهل البيت ع، وكان
الدعاة إلى ذلك قليلين كالسيد أبو بكر بن شهاب والسيد محمد بن عقيل
والسيد محمد المحضار والسيد محمد الشاطري وغيرهم.
وقد ألف المترجم كتبا متعددة جلها لم يطبع وأغلبها في المواضيع
الاجتماعية. وله مذكرة كتبها عن حياته وعما طالعه من الكتب ما زالت
محفوظة. ويمكن اعتباره أول خطيب اجتماعي في محيطه اتصل بالجماهير
عن طريق الخطابة المقنعة.
أبو الحسن علي بن أحمد الجرجاني المعروف بالجوهري.
توفي في حدود سنة ٣٨٠ عن رياض العلماء انه كان شاعرا أديبا
مشهورا وهو صاحب القصائد الفاخرة الكثيرة في مناقب أهل البيت
ومصائب شهدائهم اه فمن شعره فيهم قوله من قصيدة طويله:
وجدي بكوفان ما وجدي بكوفان * تهمي عليه ضلوعي قبل اجفاني
ارض إذا نفحت ريح العراق بها * أتت بشاشتها اقصى خراسان
ومن قتيل بأعلى كربلاء على * جهد الصدى فتراه غير صديان
وذي صفائح يستسقي البقيع به * ري الجوانح من روح ورضوان
هذا قسيم رسول الله من آدم * قدا معا مثلما قد الشراكان
وذاك سبطا رسول الله جدهما * وجه الهدى وهما في الوجه عينان
وا خجلتا من أبيهم يوم يشهدهم * مضرجين نشاوى من دم قان
يقول يا أمة حف الضلال بها * فاستبدلت للعمى كفرا بايمان
ما ذا جنيت عليكم إذ اتيتكم * بخير ما جاء من آي وفرقان
أ لم أجركم وأنتم في ضلالتكم * على شفا حفرة من حر نيران
أ لم أؤلف قلوبا منكم فرقا * مثارة بين احقاد وأضغان
أ ما تركت كتاب الله بينكم * وآية الغر في جمع وقرآن
أ لم أكن فيكم غوثا لمضطهد * أ لم أكن فيكم ماء لظمان
قتلتم ولدي صبرا على ظما * هذا وترجون عند الحوض احساني
سبيتم ثكلتكم أمهاتكم * بني البتول وهم لحمي وجثماني
يا رب خذ لي منهم إذ هم ظلموا * كرام رهطي وارموا هدم بنياني
أهل الكساء صلاة الله نازلة * عليكم الدهر من مثنى ووحدان
أنتم نجوم بني حواء ما طلعت * شمس النار وما لاح السما كان
هذي حقائق لفظ كلما برقت * ردت بلألائها ابصار عميان
هي الحلى لبني طه وعترتهم * هي الردى لبني حرب ومروان
هي الجواهر جاء الجوهري بها * محبة لكم من ارض جرجان
وقال يرثي الحسين ع:
اليوم شقق جيب الدين وانتهبت * بنات احمد نهب الروم والصين
اليوم قام بأعلى الطف نادبهم * يقول من ليتيم أو لمسكين
اليوم خضب جيب المصطفى بدم * امسى عبير الحور والعين
اليوم خر نجوم الفخر من مضر * وطاح بالخيل ساحات الميادين
اليوم اطفئ نور الله متقدا * وبرقعت عزة الاسلام بالهون
اليوم نال بنو حرب طوائلهم * مما صلوه ببدر ثم صفين
يا أمة ولي الشيطان رأيتها * ومكن الغي منها كل تمكين
ما المرتضى وبنوه من معاوية * ولا الفواطم من هند وميسون
يا عين لا تدعي شيئا لغادية * تهمي ولا تدعي دمعا لمحزون
قومي على جدث بالطف فانتقضي * بكل لؤلؤ دمع فيك مكنون
وفي الطليعة: كان أديبا شاعرا وفد على الصاحب فكان من جملة
شعرائه وندمائه أرسله إلى أبي العباس الضبي بكتاب كما في اليتيمة فمن
شعره قوله:
زر الصباح علينا شملة السحب * وسدت الريح منها واهي الطنب
صك النسيم فراح الغيث فانزعجت * بنفض أجنحة من عنه الزغب كذا
تسعى الجنوب بطرف حولها ثمل * من الندا وفؤاد حولها طرب
كفى العواذل اني لا ارى مرحا * الا شققت عليه حلة الطرب
ان قيل تاب يقول الغي لم يتب * أو قيل شاب يقول اللهو لم يشب
عز الدين علي بن أبي طالب الهادي بن أحمد البكاء الأفطسي الحسيني
الزاهد.
كان من الزهاد الافراد والعباد الأمجاد وله كتاب قد جمعه لنفسه كان
(١٥٥)

يروض خاطره به ويجتمع إليه طلاب الآخرة ويستفيدون منه ويقتبسون من
فوائده رأيته وعلقت منه قوله:
ان مع اليوم فاعملن غدا * ما أقرب اليوم من مجئ غده
ما ارتد طرف امرئ لحظته * الا وشئ يموت من جسده
ومنه:
للخير أهل لا تزال * وجوههم تدعو إليه
طوبى لمن جرت الأمور * الصالحات على يديه ٣٤٨:
السيد علي كاركيا ابن السلطان أحمد بن الحسين بن محمد بن ناصر بن محمد مير
سيد مهدي الحسيني العلوي أحد سلاطين كيلان، وباقي النسب في أبيه
احمد. سمه اخوه السلطان حسن أوائل سنة ٩٤١.
ذكره القاضي نور الله في مجالس المؤمنين فقال: كان سليم القلب
في الغاية محبا للعافية ولهذا رجع طبقات العسكر عنه ومالوا إلى أخيه
الأصغر كاركيا السلطان حسن الذي كان لا نظير له في العلم بأصول
الحرب وتعبئة الجنود فنازع أخاه عليا في الملك وجرى بينهما قتال وانتهى
الحال بالقبض على السيد علي مع جماعة من اخوته وقتلهم بالسم في التاريخ
المذكور.
السيد الشريف أبو القاسم علي بن أحمد بن موسى بن محمد التقي بن علي
ابن موسى الرضا ع.
توفي في جمادى الأولى سنة ٣٥٢ في كرمي ناحية فسلوشيرار، قال
النجاشي:
له: ١ كتاب الاستغاثة عن المحقق الكركي في رسالته في تزويج رقية
وأم كلثوم وانهما كانتا بناته لصلبه أو بنات خديجة، قال في حق المترجم
الشيخ الأجل العارف بالسير وآثار أهل البيت الاطهار أبو القاسم علي بن أحمد
الكوفي اه. وكتاب الاستغاثة في مسالة الإمامة نظير كتاب التعجب
للكراجكي وبعض نسب هذا الكتاب إلى ميثم البحراني شارح نهج
البلاغة، والمجلسي في أول البحار وعلي بن يونس العملي النباطي في
فهرست كتاب الصراط المستقيم حكما بفساد هذه النسبة. ٢ كتاب
تثبيت المعجزات في معجزات الأنبياء عموما ومعجزات نبينا ص
خصوصا وألف الشيخ حسين عبد الوهاب المعاصر للسيد المرتضى كتاب
عيون المعجزات فيما يتعلق بمعجزات الزهراء والأئمة الطاهرين
ع وهو تتميم لكتاب تثبيت المعجزات.
الشيخ أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد الفنجكردي النيسابوري.
توفي سنة ٥١٣ عن نحو ثمانين سنة وكان مقاربا لعصر الشريف
المرتضى.
والفنجكردي نسبة إلى فنجكرد قرية من نواحي نيسابور ذكره ابن
شهرآشوب وقال علي بن أحمد الفنجكردي الأديب النيسابوري له تاج
الاشعار سلوة الشيعة وهي أشعار أمير المؤمنين ع اه وقد جمع ديوان
أمير المؤمنين ع كما ذكرنا في ترجمة محمد بن الحسين بن الحسن البيهقي.
كان فاضلا كبيرا مشاركا في العلوم نحويا عاصره الزمخشري والميداني
وألف له الميداني كتاب السامي باللغة الفارسية ومدحه فيه كثيرا وكان
شاعرا فمن شعره قوله.
زماننا زمان سوء * لا خير فيه ولا فلاحا
لا يبصر الملبسون فيه * لليل احزانهم صباحا
فكلهم منه في عناء * طوبى لمن مات فاستراحا
وقوله:
يوم الغدير سوى العيدين لي عيد * يوم تسر به السادات والصيد
نال الإمامة فيه المرتضى وله * فيها من الله تشريف وتمجيد
لقول احمد خير المرسلين ضحى * في مجمع حضرته البيض والسود
وقوله أيضا:
لا تنكرن غدير خم انه * كالشمس في إشراقه بل أظهر
ما كان معروفا باسناد إلى * خير البرايا احمد لا ينكر
فيه امامة حيدر وجماله * وكماله حتى القيامة يذكر
أولي الأنام بان يوالي المرتضى * من تؤخذ الاحكام منه وتؤثر
وقوله:
إذ ذكرت الطهر من هاشم * تنافرت عنك العدا شارده
فقل لمن لام على حبه * خانتك في مولدك الوالدة
الشيخ علي بن أحمد الصيداوي العاملي.
فقيه عالم قاله منتخب الدين بن بابويه في الفهرست بدون لفظ
العاملي ولم يذكره في أمل الآمل مع التزامه بذكر جميع ما في الفهرست فكانه
غفل عنه أو سقط من نسخته.
الشيخ علي بن أحمد الملقب بالفقيه العادلي العاملي المشهدي الغروي.
له ديوان شعر وجدناه في النجف في مكتبة الشيخ محمد السماوي سنة
١٣٥٢ قال في مقدمته: إما بعد فيقول العبد الجاني أقل الورى عملا
وأكثرهم في الله رجاء واملا علي بن أحمد الفقيه لقبا العادلي العاملي إما وأبا
المشهدي الغروي مولدا ومسكنا. ثم ذكر ما حاصله انه في عنفوان شبابه
كان يشتغل بنظم القريض إلى أن اشتغل بالاسفار وألقى عصى الترحال في
أصفهان حفت بالأمان وصينت من حوادث الزمان، قال مع أقوام لم أجد
فيهم نبيلا ولا يملكون من الأدب فتيلا يرون انشاد الشعر سخافة وايراد النثر
حديث خرافة، قال إلى أن أعطاني الزمان الأمان وتسنى لي الإياب إلى الأوطان
فجمعني يوما مجلس الأدب مع فتية من ذوي الحسب والنسب فتذاكرنا من
القريض ما رق وراق وكل منهم فيه ابن جلا لا سيما السيد السند والركن المعتمد
نجل السادات القادات الأديب الأريب الحسيب النسيب الندس الألمعي والنطس
اللوذعي السيد نصر الله ابن السيد حسين الحسيني فامرني بجمع شعر ما نظمت
فامتثلت امره. ثم ذكر انه حضر يوما مجلس السيد الشريف السيد حيدر
ابن السيد نور الدين المكي العاملي وكان أديبا لبيبا كريم الأخلاق حسن
السجايا سخي النفس جليل القدر فانشده أحد الحاضرين قصيدة لاحد

(١) مجمع الآداب.
(٢) الرياض.
(١٥٦)

شعراء أهل الشام وهو عبد المحسن الصوري التي أولها:
من ركب البدر في الرمح الرديني فنظر إلي السيد وقال: ما أحسن
هذه القافية وهذا الوزن فهل لك ان تنسج على منواله فقلت نعم فنظمت
قصيدة في مدح النبي ص في يوم وليلة وهي هذه:
بدت تهادي بثوب أرجواني * تفتر عن مبسم رطب جماني
حمراء تغني عن النبراس ان برزت * صرفا على الصحب في الليل الدجوجي
تقلدت لحباب المزج واعتجرت * بين الندامى بنور شعشعاني
حسوتها والدجى يبكي السحاب به * وبرقه ضاحك عن ثغر زنجي
يسعى به رشا تغني مراشفه * سلافها عن رحيق خسرواني
مستكمل الحسن من آس العذار * ومن ورد الخدود وثغر أقحواني
كأنما فرقه من تحت طرته * صبح تبلج في ليل عذافي
يكاد ان يتوارى البدر منه وان * ثنى المعاطف أزرى بالرديني
مجرد سيف لحظ للمتيم من * جفن على الكسر لا ينفك مبني
تخال طلق محياه وقامته * بدرا بدا فوق فصن خيزراني
أظهرت مضمر وجدي في محبته * إذ أصبح الحسن منه غير مخفي
من لي باغيد وضاح الجبين رشا * مشنف من ظباء الإنس وحشي
مهفهف مايس الاعطاف ذي مرح * مر التجني وحلو اللفظ حلي
يا للرجال فاني قد ضللت به * وظل عنه عناني غير ملوي
الا إلى مدح من أرجو النجاة به * غدا شفيع الورى الهادي التهامي
هادي المضلين والمبعوث من مضر * إلى البرية بالدين الحنيفي
من جاءنا بكتاب الله معجزة * ككوكب لاح في الظلماء دري
كم عطر الكون ذكر في علاه جرى * ونشر طي حديث عنه مروي
أنار صبح الهدى من بعد ما * غربت شموسه بالحسام الهندواني
وجحفل قد نأت أطرافه لجب * مسور الجمع بالنصر الإلهي
تقلدوا ورحى الهيجاء دائرة * بكل أبيض مشطوب اليماني
كم صادموا في الوغى الاقران واقتحموا * عباب بحر من الهيجاء لجي
ما ذا أقول به مدحا ومادحه * باري الفريقين انى وجني
وقال عند خروجه من أصفهان متوجها إلى النجف سنة ١١٢٠ مادحا
أمير المؤمنين ع:
ذريني تعنيني الأمور صعابها * فان الأماني الغر عذب عذابها
إذا عرضت لي من أموري لبانة * فسيان عندي بعدها واقترابها
فلا بد من يوم يريني اجتلاؤه * وجوه الأماني قد أميط نقابها
فلا تعذلي من ارهف العزم خائضا * غمار المنايا حيث عب عبابها
ترامى به من كل هوجاء ضامر * امون كأمثال الحباب انسيابها
يؤم بها شهم إلى غاية غدت * تشاد بأكناف المعالي قبابها
وآنس من ارض الغري مسارحا * ولاح لعيني سورها وشعابها
فثم أريح اليعملات من السرى * وطي قفار مدلهم اهابها
احط بها رحلي والقي بها العصى * إلى أن يفادي النفس مني ذهابها
مواطن انس فالبرية قد غدت * إليها رجا الدارين تحدى ركابها
سمت شرفا سامي السماك فكاد في * ثراها ان يكون غيابها
الا ان أرضا حل في تربها أبو * تراب لكحل للعيون ترابها
أخو المصطفى من قال في حقه انا * مدينة علم وابن عمي بابها
امام هدى جاء الكتاب بمدحة * وجاء به الرسل الكرام كتابها
طويل الخطى تلقاء كل كتيبة * إذا شب في نار الهياج التهابها
إذا لم تطر قبل الفرار نفوسهم * فبالبيض والسمر اللدان استلابها
وقال يمدحه ع
توق لحظ الظباء الكواعب * وسمر قدود الغيد بيض الترائب
دمى طالما أغرقن في الحب من دم * وغادرن من صب حليف المصائب
أجبت دعاة الحب فيهن طائعا * فرحت بقلب ذاهل اللب ذائب
وقفز كظهر الترس مرداء مهمه * أبا العزم الا ان تطأها ركائبي
على ضامر هوجاء شذبها السرى * وأقلقها استيحاش جوز السباسب
تحن إلى نحو الغري فما ترى * لها في الفضا الا الصدى من مجاوب
ثناني عنها الدهر قسرا وانني * لما بي منها لم تسغ لي مشاربي
فلم أسلها يوما وحلة بابل * سقى الله تلك الدار در السحائب
يمثلها وهمي بعيني فاغتدي * بقلب على مر الجديدين واجب
ومذ شط عني شطها وعذارها * جرى نهر دمعي من جفوني السواكب
خليلي هل يقضي لي الدهر بالمنى * وتسفر لي فيه وجوه المآرب
وهل يلتجى للدهر من بعد غدره * عهود وفا أم عهده عهد كاذب
واعلم اني لا يقيني من العنا * سوى مدح من يرجي لدفع الضرائب
علي أمير المؤمنين وعصمة الموالين * في الدارين وابن الأطايب
اتته العلى منقادة غير طالب * لها فامتطى من صعبها كل غارب
تفاخر فيه الأرض إذ مس نعله * ثراها الثريا في علو المراتب
فلو رامت الكتاب احصاء فضله * لقصر عن احصائه كل كاتب
رمى كل ارض للطغاة بجحفل * بعيد مرامي الطرف جم المقانب
سلاهب تدعى الأرحبيات ضمر * عليها كماة من لؤي بن غالب
سراة إذا دارت رحى الحرب خلتهم * اسود عرين في متون السلاهب
أعاروا المواضي البيض والسمر في الوغى * إذا اقتحموا الهيجاء حمر الدوائب
ليوث الشري من كل أروع باسل * طويل نجاد السيف عبل المناكب
علي امين الله في الأرض قائد * له وزعيم غالب كل غالب
فلولاه هذا الدين لانهد واغتدى * كأوهن بيت في بيوت العناكب
ولكن براه الله للدين رحمة * لتنفيذ احكام وحرب محارب
سأفخر في مدحي على كل مادح * سواه لعلمي انني غير كاذب
واسهر ليلي في مديحي ولم أقل * أعيدوا صباحي فهو عند الكواعب
فوا أسفي حتى الممات وحسرتي * إذا لم تبلغني إليكم ركائبي
وقال أيضا يمدحه ع وانشدها في شيراز أيام صباه:
هلا رثيت لمدنف * سئمت مضاجعه الوسائد
مثل الذي ما زال مفتقرا * إلى صلة وعائد
لله أيام الغري * وحبذا تلك المعاهد
فلكم صحبت بأرضها * آرامها الغيد النواهد
وسحبت أذيال الصبا * مرحا وجفن الدهر راقد
والشمل منتظم لنا * بربوعها نظم الفرائد
ومضت على عجل بها * الأيام كالنعم الشوارد
يا دارنا بحمى الغري * سقيت منهل الرواعد
يا سعد وقيت النوى * وكفيت منها ما أكابد
بالله ان جزت الغري * فعج على خير المشاهد
واخلع بها نعليك ملتثم * الثرى لله ساجد
(١٥٧)

وقل السلام عليك يا * كهف النجاة لكل وافد
ومحط رحل المستضام * المستجير وكل وارد
يا آية الله التي * ظهرت فأعيت كل جاحد
والحجة الكبرى المناطة * بالأقارب والأباعد
لولاك ما اتضح الرشاد * ولا اهتدى فيه المعاند
كلا ونيران الضلالة * لم تكن ابدا خوامد
والدين كان بناؤه * لولاك منهد القواعد
حارت بك الأوهام * واختلفت بنعماك العقائد
أنت المرجى في الفوادح * والمؤمل في الشدائد
تدعو الأنام إلى الهدى * وعليهم في ذاك شاهد
خذها أبا حسن إلى * علياك ابكارا خرائد
أرجو بها يوم المعاد النصر * ان قل المساعد
صلى عليك الله ما * ارتضع الثرى در الرواعد
وقال في صباه يمدحه ع من قصيدة:
فاغن صبوح الحميا والغبوق بها * من كف طلق المحياذي المى الشنب
يكاد ان يتوارى البدر من خجل * من نور طلعته في امنع الحجب
ويخجل الغصن إذ يثني معاطفه * على كثيب من الارداف مضطرب
انى لغصن النقي قد كقامته * حمالة الحسن لا حمالة الحطب
بمهجتي جلنارا فوق وجنته * يدعى به قلبي الجاني أبو لهب
علقته والتصابي ليس من شيمي * لكنما سحر لحظيه تحكم بي
لم انس زورته والليل معتكر * تخال أنجمه احداق مرتقب
فقمت مستقبلا بدرا ومعتنقا * غصنا ومرتشفا ضربا من الضرب
وبت أشكو إليه وهو مبتسم * وجدي وما مسني من لاعج الوصب
حتى ألم الكرى في مقلتيه وقد * بدا الصباح كوجه الطاهر النسب
أعني عليا أمير المؤمنين امين الله * في الأرض خير العجم والعرب
خير الورى ووصي المصطفى وأب * الغر الميامين فرع السادة النجب
مولى رقى ذروة العلياء في شرف * سام تقصر عنه كل ذي حسب
ومن تقلد جيد المجد جوهر ما * اتى به من بديع العلم والأدب
وأظهر معجزات المعجبات فلا * يرى سواه فتى في مثلهن حبي
يا خير من وطئت نعلاه في كثب * وخير من دونت علياه في كتب
يا واحد الدهر يا سر الاله ويا * شقيق خير الورى سمعا فداك أبي
مولاي ان خاب سعيي في الحياة ففي * المماة صادق ظني فيك لم يخب
وقل أيضا يمدحه ع من قصيدة:
بدا يتثنى كالرديني مائسا * يجاذب اردافا له فتجاذبه
فجلى سواد الليل مبيض فرقه * مذا احمر منه الخد وأخضر شاربه
وسندس روض طرز الزهر برده * ووشح من قاني الشقيق جلاببه
سقى الله ذاك الشعب صوب مدامعي * ومغدودق الودق الملث سحائبه
فلى بين هاتيك الرباحي جيرة * أصابت فؤادي بالتنائي كواعبه
جاذر عين الإنس من معشر الصبا * وبغية مأسور النوى وجبائبه
أضاعوا عهودا كنت فيهن واثقا * وعهد الغواني سيات عواقبه
سألوي عنان الحب عنهن راجعا * إلى مدح من لم يتق الغدر ناد به
علي وصي المصطفى وابن عمه * ومخلفه في كل أمر ونائبه
ومن هو من نفس النبي بنصه * كهارون من موسى اخوه وصاحبه
أمام الورى الواعي إلى الله والذي * أبى الله الا ان تسامى مراتبه
ويغدو به الدين الحنيفي نيرا * مضئ الدياجي شرقه ومغاربه
فلله ارض مس نعلاه تربها * وحصباء رمس مسهن ترائبه
تروح به الأملاك لله سجدا * وتغدو بنور الله ملأى جوانبه
وله يرثي الحسين ع من قصيدة:
عج بالديار سقاها الوابل الهطل * وجادها من ملث القطر منهمل
ليت المطايا التي سارت بهم عقرت * يوم الرحيل ولازمت لهم ابل
بانوا فلم يبق لي من بعدهم جلد * كلا ولا مهجة تغتالها العلل
مصاب سبط رسول الله من ختمت * بجده أنبياء الله والرسل
دعوه للنصر حتى إذ اتى نكثوا * ما عاهدوه عليه بئس ما فعلوا
رووه يوم الرزايا بالكتائب * والخيل التي ضاق عنها السهل والجبل
والسبط في صحبه كالبدر حيث بدا * بين الكواكب لم يرهقهم الوجل
تسابقوا نحو ادراك العلى فجنوا * ثمارها بنفوس دونها بذلوا
من كل قرم أشم الأنف يوم وغى * ضرغام غاب ولكن غابه الأسل
فعفروا في الثرى نفسي الفداء لهم * صرعى تسح عليهم دمعها المقل
يا آل طه بكم نرجو النجاة غدا * من الخطايا إذا ضاقت بنا السبل
فأنتم شفعاء للأنام غدا * يوم الحساب إذا لم يسعد العمل
فدونكم من علي نجل أحمديا * آل النبي رثا ما شانه خلل
وله مؤرخا بئرا وقفها السيد الجليل السيد مراد متولي النجف على
عامة الناس وهي البئر المحاذية لداره المقابلة للحضرة الشريفة من جانب
القبلة:
بئر أعدت للسقاية في الورى * طوبى لمنشئها غدا في المحشر
الهاشمي أبا سلالة احمد * خير الورى من كان أشرف عنصر
يوحي إلى روادها تاريخها * ابدا ردوا منها مياه الكوثر
وله:
يا غزالا حوى المحاسن جملة * وهلالا تغار منه الأهله
وظلوما حملتني الوجد قسرا * لم أطق في الهوى وحقك حمله
قد أذاب الفؤاد صدك حتى * صرت بين الأنام في الحب مثله
وجفا جفني الكرى علم الله * وقد كان قبل ذاك كحله
عد على مهجة قريحة وجد * وجفون دموعها مستهله
مدمع قد روى حديث شجوني * عن قديم الهوى بايراد جمله
خط ياقوتة صحيفة خدي * ولكم قد أجاد فيه ابن مقلة
فتحام عن الهوى والتصابي * فقصارى الهوى هوان وذله
وله في قليان الزجاج:
نعم النديم أرى القليان لي وكفى * عن مؤنس ان يكن في حسن أوصاف
لأنني لم أجد قلبا بلا كدر * من الأنام وهذا قلبه صافي
وله مجيبا عن قصيدة أرسلها إليه السيد نصر الله ابن السيد حسين ابن
السيد إسماعيل الحائري على الوزن والقافية في سنة ١١٢٢:
وافى الربيع بحلة خضراء * نسجت مطارفها يد الأنواء
يفتر عن يقق الثغور أقاحها * منضودة بفرائد الأنداء
واحمر غيظا ورده من نرجس * يرنو إليه بمقلة حوراء
والبان ما عبث النسيم بدوحه * الا ثنى اعطاف ذي خيلاء
(١٥٨)

والورق تحكي في منابر أيكها * بلغاتهن مصاقع الخطباء
فلذا ترى المنثور مد أصابعا * توحي إلى الأزهار بالاصغاء
لله أيام الربيع فإنها * جنات عدن مثلث للرائي
فأطع هواك برشف أقداح الطلا * بين الرياض بروضة غناء
راح تريح من الهموم وربما * كانت لحاسيها دواء الداء
فاستجلها صرفا قديمة عصرها * حمراء جلت عن قراح الماء
وإذا دعتك إلى المزاج فلبها * واعقد لبنت الكرم بابن سماء
ودع الشوانئ باحتساء مدامة * تجلى إذا زفت على الندماء
يسقيكها رشا سلافة ريقه * يغنيك سلسها عن الصهباء
بدر يغار البدر منه إذا بدا * ويسره خجل عن الاسراء
وتريك غرته صباحا مسفرا * وتريك طرته ظلام مساء
فاحفظ فؤادك من سهام لحاظه * وصوارم من مقلة نجلاء
وحذار ان يسطو عليك إذا ثنى * اعطافه بالصعدة السمراء
ما العيش الا ما بلغت به المنى * خال من الاقذار والأقذاء
من كان يزعم أنه لي ناصر * مهلا فنصر الله فيه غنائي
السيد السند السخي أخو التقى * وسلالة النقباء والنجباء
شهب الظلام الموقدين على الربى * نار القرى في الليلة الليلاء
الموسعين نزيلهم وقطينهم * بالبشر والترحاب والنعماء
شهم يدين له البليغ بلاغة * فلديه يعنو أفصح الفصحاء
لا غرو ان حاز الكمال فإنه * ارث تأرثه من الاباء
فخرت به آباؤه ولربما * الاباء نالوا الفخر بالأبناء
فلقد فضلت بني الزمان بأسرهم * بمحامد ومكارم وسخاء
لا يستوون الناس في درجاتهم * ان قيل كلهم بنو حواء
هيهات لا سيان ما بين الورى * شتان بين الدر والحصباء
يا من تبوأ من فؤادي مسكنا * لم يخل منه على بقاء بقائي
حصرت باحصائي ثناءك فطنتي * والحصر أعياها عن الاحصاء
فإليك معذرتي فلست مؤملا * الا قبولك مدحتي وثنائي
حسبي علوا انني لك مخلص * ومزية ان كنت من خلصائي
ومنحتني ببديع نظم بادئا * والفضل للابداع بالابداء
نظم يضاهي النيرات فضوؤه * يغني عن النبراس في الظلماء
ويليق لو نظمت فرائد لفظه * عقدا لجيد الغادة الحسناء
أنتم بنو الاطهار إعلام الورى * وسلالة الأبرار والأمناء
ولكم من الشرف الرفيع منازل * مثل السماك وهامة الجوزاء
فعليكم مني السلام مضاعفا * ابدا بكل صبيحة ومساء
وله في بعض الرؤساء من قصيدة:
سرت خشية الواشين وهنا فراعها * من النجم احداق لها ونواظر
أطعت التصابي في هواها ضلالة * ولم أدر ان الحب في الحكم جائر
ولا عن رضا مني شغفت بحبها * لعمرك لكن طرفها الغض ساحر
تطارحني حلو الحديث وطالما * حلاوته شقت عليها المرائر
تجاذبني الأيام مقود عزمتي * بادراك مأمولي إذا ما أبادر
إلى أن ارى لي ناصرا فيه مؤثرا * وما ذاك الا ذو المكارم ناصر
له في مراضي الله منه أوامر * بها ومناهي الله عنها زواجر
ولو نطقت من قبل أعواد منبر * لما مدحت الا علاك المنابر
ولو شعرت فيك المشاعر ساعيا * إلى نحوها لاستقبلتك المشاعر
فلا تجهلني انني من أرومة * زكت نسبا إذ طاب منها العناصر
ومن معشر شم العرانين أسرة * تدين لهم يوم الفخار العشائر
فان شئت سل عني خبيرا فربما * أتيح لامري من سؤالك ناصر
فلا في عيب يزدريني به الورى * ولا في لولا غير اني شاعر
فلا المال الا ما اكتسبت به الثنا * وما العمر الا ما لعقباك عامر
وان بقاء المال والملك والورى * إلى عدم كل وحاشاك صائر
تيقنت إذ ألهمت مدحك انني * بنيل مرامي منك لا ريب ظافر
ومن حسن ظني فيك انك ماجد * يقينا ستأتي منك نحوي البشائر
أبحت لك الشكوى التي لم أبح بها * إلى أحد أأرباب والله غافر
فلا زلت في عيش رغيد منيرة * بصبح محياك الجلي دياجر
وله في الزهد والمواعظ:
إلى كم تمادى بارتكاب المحارم * وفعل المعاصي واكتساب المآثم
وحتى م لا ينهاك عن غيك النهى * ولم تستمع يوما نصائح لائم
أ ما لك في ترك الهوى منك زاجر * فترجع عنه قارعا سن نادم
بلى سوف تجزي في غد ما اجترحته * قصاصا بعدل من لدن خير حاكم
وحسب الفتى ما أبيض من شعر رأسه * بذاك نذيرا بعد اسود فاحم
وويلك ما الإنسان الا كظله * وأيامه الا كأحلام نائم
وحاذر خطا الشيطان والنفس والهوى * لتأمن يوم الحشر شر الجرائم
فيا رب ما لي غير عفوك شافع * يقيني يقيني فاضحات المظالم
وارجو بمن أرسلته رحمة لنا * شفيع الورى سامي العلا ذي المكارم
وعترته شهب الظلام وقادة * الأنام كرام الفرع فرع الأكارم
عليهم السلام الله ما هب شمال * واضحك ثغر الزهر دمع الغمائم
وله في القرط:
بنفسي ساحر الالحاظ المنى * يريني حين يبدي الصد حيني
يمثل قرطه خفقان قلبي * فاغدو مثلة بالخافقين
وقال متذكرا أيام شبابه مستطردا إلى مدح أمير المؤمنين ع:
أعد حديث الصبا والخرد الغيد * لمستهام كئيب القلب معمود
واستمطر الدمع من جفني القريح على * شرخ الشباب وعصر غير مردود
أيام اختال في ثوب الصبا مرحا * غض الأديم أراني منه في عيد
وأين تلك الليالي الغر لا برحت * مدى الزمان بتأبيد وتأبيد
ناشدتك الله هل يجدي النداء إذا * ناديتها يا ليالي وصلنا عودي
متى ترى يسمح الدهر الضنين بها * والدهر ما زال ذا غدر وتنكيد
كم ليلة في الصبا باتت تغازلني * غزلانه من ذوات الأعين السود
كواعب بابليات اللحاظ دمى * جثل الغدائر جعلا لا بتجعيد
وبي فتاة زهت بالحسن طلعتها * وفت بوعدي وصالا بعد توعيدي
أعيدها نظرات في محاسنها * إذا انثنت بين تصويب وتصعيد
فلم أجد غير بدر فوق غصن نقا * نشوان خمر صبا لا خمر عنقود
ومن ليالي سرور بت معتنقا * فيها قدود الغواني مورقا عودي
اجني بها ثمرات الوصل ملتثما * مواقع القرط من ثغر إلى جيد
وكم ترشفت ثغرا سلسبيل لمى * حكى شذا ماء ورد عن شذا عود
ان أخلفت لي الليالي في الصبا فرحا * أعاد لي منه أفراحا بتجديد
(١٥٩)

حتى إذا ما انتهى عصر الشباب وقد * قال السرور له قم غير مطرود
استودع الله قلبا لا يفيق عنا * من الزمان وعينا ذات تسهيد
تبيت ترعى الدراري حيثما اتجهت * قرحاء جفن بطرف النجم معقود
ورب مستودع سري رأى ظمأي * يقول إذ رآني حاملا جودي
أ منبع الماء تبغيه لدى ظما * فقلت كلا ولكن منبع الجود
المنهل العذب للظامي أبا حسن * مولى البرية من بيض ومن سود
والطاهر النسب السامي من امتنعت * صفاته الغر عن حصر وتحديد
يمم إليه ونكب كل مقتصد * من الأنام تجده خير مقصود
هو الجواد ومن ساواه ممتنع * الوجود في كل عصر غير موجود
مجيب كل مضام عند نازلة * ملبيا وكفى عونا إذا نودي
خير الوصيين والمعني في سور * الذكر الحكيم بمدح غير محدود
ففي المكارم يدعى بابن بجدتها * وفي الملاحم مقدام الصناديد
لذلك ألقى رسول الله حيث طما * بحر الهياج إليه بالمقاليد
القائد الخيل في الهيجاء مقرنة * من النجائب بالمهرية القود
تدثر بها رجال من بني مضر * تسربلوا سابغات نسج داود
وذكره في نشوة السلافة فقال:
الشيخ العالم النبيه الشيخ علي بن أحمد
الفقيه نادرة هذا العصر والزمان ومدرة الفصاحة والبيان لا تغمز له قناة ولا
تقرع له صفاة شعره أنور من روض زاهر لا يطيق أن يأتي بمثله شاعر اه
وقال المترجم مقرضا كتاب نتائج الأفكار في محاسن الاشعار للشيخ محمد
علي بن بشارة صاحب نشوة السلامة:
هذا الكتاب ترفع * على المجاميع أجمع
وكاد يعبق طيبا * محله حيث يوضع
ويستشف ضياء * مما حواه فيلمع
له يدين كتاب * به يقاس ويخشع
يروق كل أديب * ما فيه مرأى ومسمع
كم قد زها فيه روض * وزهرة منه أينع
وكم به من غصون * فيها الحمائم تسجع
ومن شمول شمول * بالجلنار تدفع
تبدي جمان حباب * حكت نضارا مرصع
ومن بدور سقاة * لها الحنادس مطلع
لله در أديب * به البلاغة أودع
تالله حلفة صدق * لقد أجاد وابدع
وكيف لا وهو بحر * من الفضائل مترع
حاز المكارم طفلا * من قبل ان يترعرع
لا زال دوحة فضل * أصولها تتفرع
ولما وقف السيد نصر الله الحائري على هذا التقريظ قرظ الكتاب
المذكور أيضا فقال:
حير عقلي ذا الكتاب الأنيق * فليس للوصف إليه طريق
دقيق معنى جزل لفظ له * كل مجاميع البرايا رقيق
ما هو الا روضة غضة * شقيقها ليس له من شقيق
كم نشق العشاق من نفحها * نسيم اخبار اللوى والعقيق
وشعها صوب يراع الذي * أصبح دوح الفضل فيه وريق
فقال المترجم مجيبا ومصدقا:
نعم له كل كتاب رقيق * بلفظة الجزل ومعنى دقيق
فرائد قد نظمتها الالى * من كل عقد للعذارى يليق
يكاد ان يسكر مما به * ناظره سكر هوى لا يفيق
ألفه الواحد في عصره * فهو بما أبدع فيه حقيق
ينتقد اللؤلؤ من ناظم * يخرجه من كل بحر عميق
يضيق وسع الفهم مني به * مدحا وذرعا عنه وصفي يضيق
احمده حمدا بلا غاية * ومدحه أعيا به لا أطيق
لا زالت الأيام تعنو له * ما أسفر الصبح بوجه طليق
نعمة الله علي بن أحمد بن محمد خاتون العاملي العينائي:
اشتهر بلقبه وقلما يذكر اسمه حتى فيما رأيناه بخط يده وما في اجازته
لملا عبد الله التستري وقد صرح بان اسمه علي المحقق الكركي في اجازته
له ولأبيه احمد ولأخيه زين الدين جعفر فما في بعض الكتب من أنه نعمة
الله بن علي بن أحمد سهو من النساخ.
ذكره في أمل الآمل فقال كان عالما فاضلا صالحا جليلا أديبا شاعرا من
تلامذة الشيخ علي بن عبد العالي العاملي الكركي اه. ورأيت خطه وهو
خط جيد جدا على ظهر نسخة من كتاب كفاية النصوص على عدد الأئمة
الاثني عشر للشيخ أبي القاسم علي بن محمد بن علي الخزاز القمي الرازي بما
صورته: تشرف بمطالعة هذا الكتاب وهو كتاب كفاية النصوص على عدد
الأئمة الاثني عشر ص فقير عفو الله نعمة الله بن أحمد بن
خاتون العاملي وذلك في أواسط شهر جمادى الآخرة سنة سبعين وتسعمائة
من الهجرة الفاخرة صلوات الله وسلامه على مشرفها وآله الأكرمين حامدا
مصليا اه. ومر في ترجمة ولده احمد ان المولى عبد الله التستري مر بالمترجم
وولده بقرية عيناثا في رجوعه من سفر الحج واستجازهما فأجازاه بإجازتين
تاريخهما في أواسط شهر محرم الحرام افتتاح سنة ٩٨٨ وان المترجم قال في
اجازته له بحق روايتي عن شيخي امامي الأئمة وأكمل الأئمة وسراجي
الملة الامام ذي المآثر والمفاخر والفضائل والفواضل والمعالي أبي الحسن علي
ابن عبد العالي والفقيه النبيه البدل الصالح والدي أبي العباس أحمد بن
خاتون قدس الله روحهيما ونور ضريحهما. ومر في ترجمة والده أحمد بن
محمد ان المحقق الكركي أجاز والده واجازه هو وأخاه زين الدين جعفر
وذكرنا صورة الإجازة هناك.
وله مؤرخا تجديد المشهد المعروف بمقام الخضر في قرية عيناثا من
الشيخ نعمة الله خاتون:
إذا جئت عيناثا فزر مشهدا بها * تجدد حقا بعد محو المراسم
ولا تعدون عيناك عنه فإنه * تأسس بالتقوى وصدق العزائم
ومن نعمة الله بن خاتون أحييت * جوانبه مع وضع بعض الدعائم
على الله في يوم القيام جزاؤه * وتاريخه خير يدوم لدائم
سنة ٩٥٧
علي بن أحمد بن محمد بن أبي جيد القمي:
وقد يعبر عنه بعلي بن أحمد القمي.
من مشايخ الشيخ والنجاشي روى النجاشي عنه في مواضع من كتابه
منها ترجمة الحسين بن المختار وأكثر الشيخ في الفهرست وكتابي الرجال من
(١٦٠)

الرواية عنه وفي منهج المقال وظاهر الأصحاب الاعتماد عليه ويعد طريق هو
فيه حسنا أو صحيحا كما لا يخفى اه أقول لا ينبغي الارتياب في وثاقته
وجلالته لكونه من شيوخ الإجازة واعتماد النجاشي والشيخ عليه واكثار
الثاني من الرواية عنه وعدم تصريح القدماء بوثاقته لظهور حاله عندهم كما
حصل في إبراهيم بن إبراهيم ولذلك جزم جماعة من الاجلاء بصحة
حديثه.
وعده بحر العلوم في رجاله من مشائخ النجاشي صاحب الرجال
وقال بعد الترجمة المذكورة هكذا نسبه النجاشي في ترجمة الحسين بن المختار
وقال في محمد بن الحسن الصفار أبو الحسين علي بن أحمد بن محمد بن طاهر
الأشعري القمي ونحوه في عبد الله بن ميمون وفي سعيد بن سعيد أبو الحسين
علي بن أحمد بن محمد بن طاهر وفي إدريس بن عبد الله بن سعد الأشعري
وفي موضع اخر علي بن أحمد القمي وأبو الحسين القمي وعلي بن أحمد وأبو
الحسين بن أبي جيد والكل واحد والرواية عنه كثيرة وقد أكثر عنه الشيخ
أيضا في المشيخة والفهرست وهو شيخ من شيوخ الإجازة يروي عن محسد
بن أبي جيد يكنى أبا الحسين ذكره النجاشي عند ترجمة الحسين بن المختار
وهو من مشائخ الشيخ والنجاشي اه.
أبو القاسم علي بن أحمد النقيب بقم ابن محمد الأعرج ابن أحمد بن موسى
المبرقع ابن الإمام محمد الجواد ع.
كان بعد وفاة أبيه في قم ثم ذهب إلى خراسان واتصل ببعض
رؤسائها وتوطنها وانتظمت أموره وولد له ابنان وبنت واحدة كما عن كتاب
نهاية الأنساب في عنوان نقيب قم وكاشان وخزان الروضة الشريفة الحسينية
من ذرية أبي القاسم علي بن أبي عبد الله المذكور بهذا الطريق السيد مهدي
الخازن ابن السيد محمد الخازن ابن الحسين بن محمد بن القاسم بن
إبراهيم بن شاة مير ابن شكر الله بن نعمة الله بن قريش الحائري بن عطاء
الله بن كمال الدين بن محمد بن عطاء الله بن محمد بن قريش بن حسن بن
محمد حسن بن الحسن المكنى أبو شجاع ابن احمد المكنى أبو عبد الله بن علي
ابن احمد نقيب قم والسيد العالم العامل الزاهد حسن ابن ولي الله مصنف
كتاب تحفة الملوك من أحفاد شكر الله بن نعمة الله.
الشيخ علي بن أحمد الظالمي
في نشوة السلافة: شرب من الآداب كأسا رويا وزاحم في علو رتبته
العيوق والثريا حسن نظمه ونثره وطلع في أفق البلاغة بدره فمن جيد نظمه
قوله يمدح قصيدتي المذهبة:
ومنظومة ما مثلها من قصيدة * تناظرها فهي الفريدة في العقد
تريك المعاني حين تجلى بلفظها * عرائس يسحبن البرود على القد
وقد صاغها من فاق بالشعر جرولا * وطال على الحذاق بالفهم والنقد
فقل للذي يبغي يساميه رتبة * رويدك هذا البدر في منزل السعد
السيد تاج الدين علي بن أحمد الحسيني العاملي
له كتاب التتمة في معرفة الأئمة يقرب من ارشاد المفيد فرع منه سنة
١٠١٨.
أبو الحسن علي بن أحمد بن نوبخت الشاعر
توفي بمصر في شعبان سنة ٤١٠ ونوبخت ضبط في إبراهيم بن
إسحاق.
وذكره ابن خلكان في وفيات الأعيان وقال كان شاعرا مجيدا الا انه
كان قليل الحظ من الدنيا لم يزل رقيق الحال ضعيف المقدرة وتوفي وهو على
حاله من الضرورة وشدة الفاقة رحمه الله تعالى وكفنه ولي الدولة أبو محمد
أحمد بن علي المعروف بابن خيران الكاتب الشاعر متولي كتب السجلات
عن الظاهر ابن الحاكم صاحب مصر.
الشيخ علي ابن الشيخ احمد الحر العاملي الجبعي
توفي سنة ١٣٢٢ وقد بلغ سن الشيخوخة ودفن في جبع. كان
فاضلا كاملا عاقلا دينا وقورا مهيبا متهجدا متعبدا لسنا فطنا رئيسا جليلا
غاية في حسن الخلق والشهامة وكرم النفس وسخاء اليد يضرب بجوده
وسخائه المثل وداره في جبع محط الرحال ومنزل الضيفان تنتابها الوفود وما
هي الا كعبة الجود الا انها اليوم قد اخنى عليه الزمان وخربت وذهبت
محاسنها وكذلك عادة الدهر. قرأ في جبع على شيخ الفقهاء الامام الشيخ
عبد الله نعمة ثم اتصل بالحكام فكان عضوا في محكمة صيدا الا ان ذلك لم
يشغله عن عباداته وأوراده، جئت إلى صيدا يوم حضوري من العراق
فكان أول من زارني. قال صاحب جواهر الحكم: رافقته وغصن الشباب
رطيب وروضه خصيب فحق لي ان أنشد:
ولي صاحب عضب المضارب صارم * طويل نجاد ما يفل له حد
رشادك لا يحزنك بين ابن همة * يتوق إلى العلياء ليس له ند
لئن كان حرا فهو للعزم والسري * ولليل من أفعاله والكرى عبد
فرعيا له وسيقا وبقيا عليه يا مالك الملك وبقيا لقد حسن مقاما وطاب
مستقرا فجاء برا تقيا كريما حرا من اعرق بيت في جبل عامل بالسيادة
والفضل.
له المقام الارفع الأسنى والصفات المحمودة الحسنى حاز الرياسة ابن
عشرين وتدرج إلى أعلى مراقيها.
ونادى المعالي فاستجابت نداءه * ولو غيره نادى المعالي لصمت
ونيطت بحقويه الأمور فأصبحت * بظل جناحيه الأمور استظلت
وأحيا سبيل المجد بعد دثوره * وانهج سبل الجود حين تعفت
ويجزيك بالحسنى إذا كنت محسنا * يغتفر العظمى إذا النعل زلت
إذا ظلمات الرأي أسدل ثوبها * تطلع فيها فجره فتجلت
أعز ربيط الجاش ماض جنانه * إذا ما القلوب الماضيات ارجحنت
ولقد رافقته في مواطن فكان لسان الجمهور ومصباح الديجور، وآل
الحر ينتهي نسبهم إلى رجل يسمى الحر إما كونه الحر بن يزيد الرياحي
الذي قتل مع الحسين ع بكربلا فغير معلوم.
ومن تكرمهم في المحل انهم * لا يعلم الجار فيهم انه الجار
حتى يبيت عزيزا من نفوسهم * أو ان يبين جميعا وهو مختار اه
(١٦١)

ومن أعماله انه آوى جمعا غفيرا من النصارى في داره في حادثة
الستين وهي الحادثة التي وقعت بين الدروز والنصارى سنة ١٨٦٠ م الموافق
١٢٧٧ ه. وحماهم وأكرمهم وقام بما يجب لهم ففي كتاب مجمع المسرات
تاليف الدكتور شاكر الخوري بعد ما ذكر انه أقام في النبطية مع جمع غفير
من النصارى خمسة عشر يوما قال: وفي أثناء ذلك ورد لنا خبر عن والدتي
واخوتي وخالتي وأولاد عمي انهم في جباع الحلاوة مع جماعة من النصارى
في بيت الشيخ علي الحر وهو رجل عظيم جدا من أكابر قومه عمل معروفا
مع النصارى لا يقدر وكذلك الشيخ عبد الله نعمة الذي عمل نفس
المعروف فأرسل حسين بك الأمين حاكم النبطية خيالة إلى جباع
فاحضروا والدتي وأقاربنا الذين كانوا هناك. وقد أخبرتني والدتي انها بينما
كانت في جباع مشتتة الأفكار بسبب زوجها واخوتها وأولادها لا تدري أ هم
احياء أم أموات وتقضي ليلها ونهارها بالنحيب إذا بسيد من أهل جباع
مهيبا متأدبا محتشما اسمه السيد إبراهيم يطلب مقابلتها فأخبرها انه بينما كان
في مزرعة الرهبان في جبل طورا رأى خمسة رجال من بكأسين مختبئين هناك
هم نصور مبارك الخوري ورفاقة يعيشون على القمح الفريك فسأله منصور
عمن عندهم في جباع من أهل الإقليم فأخبره بوجود والدتي هناك فقال له
منصور أرجوك ان تخبرها بسلامتنا وانا في ضيق عظيم فارجوها ان تعمل لنا
طريقة مع الشيخ علي الحر ليوصلنا إلى جباع فحضرت والدتي إلى الشيخ
علي وأخبرته بذلك فاحضر السيد إبراهيم وأمره ان يذهب مع خمسة رجال
ويأتوا بمنصور ورفقائه وان يحافظوا عليهم تمام المحافظة فذهبوا
واحضروهم. ثم قال إن بيت الحر في جباع حافظوا على النصارى الذين
اجتمعوا عندهم في حادثة الستين وعملوهم بالخير والاحسان ثم قال إن
مشايخ المتأولة الشيعة عملت كل معروف مع النصارى وكانوا يصرفون
من أموالهم الخاصة عليهم فلذلك يلزم أن تكون النصارى مدينة بالمعروف
لهم ولا ينسوا حسين بك الأمين الشيخ فضل وولده حسن بك والشيخ علي
الحر والشيخ عبد الله نعمة من جباع الخ ولا أولادهم إلى ما يأتي من نسلهم
فيما بعد.
الشيخ علي بن أحمد بن محمد بن علي بن أحمد بن أبي جامع العاملي الحارثي
الهمداني.
توفي بالحويزة سنة ١٠٠٥ ونقل إلى النجف فدفن فيه كذا ارخه
حفيده الشيخ جواد في ملحق أمل الآمل ولكن في تكملة أمل الآمل ما يدل
على أنه كان حيا سنة ١٠١٥ كما يأتي فاحد التاريخين غلط وكانه سقط شئ
من تاريخ الوفاة.
وآل أبي جامع الذين صاروا يعرفون بال محيي الدين مر الكلام
عليهم عموما في ترجمة أحمد بن علي بن الحسين بن محيي الدين.
والمترجم من ذكر أبيه وابنه عبد اللطيف وابن ابن ابنه الحسين بن
محيي الدين ابن عبد اللطيف ويأتي ذكر القاسم بن الحسين بن محيي
الدين.
أقوال العلماء فيه
لم يذكره صاحب أمل الآمل لأنه لم يطلع عليه ولا يحيط بجميع
الأشياء الا علام الغيوب. وفي رياض العلماء: الشيخ علي بن أحمد بن
محمد بن أبي جامع العاملي كان من أجلاء تلامذة الشهيد الثاني وقد قرأ
كتاب شرح اللمعة على مؤلفه الشهيد الثاني ورأيت نسخة من شرح
اللمعة بخطه الشريف وقد كتبها في حياة المؤلف ثم قابلها مع نسخة
الأصل وكان تاريخ كتابة تلك النسخة سنة ٩٦٠ بعد زمان التأليف بثلاث
سنين وكان والده الشيخ حمد من علماء عصره وفقهائه وقد مرت ترجمته اه.
ويظهر ان آل أبي جامع لهم علاقة كبيرة بشرح اللمعة فجدهم المترجم قرأه
على مؤلفه واستنسخه بخطه في حياة مؤلفه وحفيده الشيخ جواد محيي كان
معروفا بتدريس شرح اللمعة وقضى عمره في تدريسه. وفي تكملة أمل الآمل: عالم فاضل جليل يروي عن أبيه عن المحقق الثاني وعن السيد
خلف الحسيني اجازة سنة ١٠١٥ والعجب من المؤلف كيف أغفل مثله وهو
أبو الفضل والعلم وأبو اسره من اعلام العلماء كما عرفت اه. ومر ان
تاريخ وفاته ينافي تاريخ الإجازة. ولا عجب من إغفال صاحب أمل الآمل
له فإنه لم يطلع عليه.
وذكره الشيخ جواد آل محيي الدين في كتيبه ملحق أمل الآمل وقال إنه
أول من انتقل منهم من جبل عامل إلى العراق بعد قتل الشهيد الثاني
وقال إنه رأى بخط العالم الفاضل الشيخ علي ابن رضي الدين ابن الشيخ
علي المترجم انه لما جرى في تلك البلاد بسبب قتله من الخوف خرج صاحب
الترجمة بعياله وأولاده حتى وصل كربلاء فأقام بها وكان عالما فاضلا فقيها
محدثا تقيا صالحا ذا ثروة ونعمة فاتفق تصديقا للحديث الوارد المؤمن
ممتحن ان رجلا من أهل كربلاء من أهل الخير وهو الذي بنى الجامع
المعروف الموجود الآن في الروضة المشرفة الحائرية تجاه الضريح الشريف
وعمر مزار الشهداء ع لما حضرته الوفاة أوصى إلى السيد
العالم الفاضل السيد محمد بن أبي الحسن العاملي الذي جاء من جبل عامل
وجاور في كربلاء والى الشيخ علي المذكور بأمواله فأقام أحدهما وصيا والآخر
ناظرا وتوفي فشاع ذلك حتى بلغ مسامع السلطان العثماني فأرسل من قبله
قاصدا وأمره بالقبض على الرجلين واحضارهما إليه فقبض على السيد محمد
وقيده وكان الشيخ علي غائبا في النجف الأشرف فاخذ السيد مقيدا وسار
إلى النجف لطلب الشيخ علي وكان الحاكم في النجف السيد حسين آل
كمونة فتوسط لدى القاصد وتلطف له حتى اطلق السيد فخرج السيد من
وقته إلى بيت الله الحرام وجاور فيه حتى مات وكان الشيخ علي لما بلغه الخبر
خرج هاربا مع عياله وأولاده إلى بلاد العجم فلما وصل إلى الدورق كان
الحاكم فيها السيد مطلب والد السيد مبارك فاحسن وفادته وأكرمه وصرف
رأيه عن بلاد العجم فبقي هناك ثم انتقل مع السيد مطلب إلى الحويزة
وسكن بها حتى مات سنة ١٠٠٥ ونقل إلى النجف الأشرف وأقامت جنازته
في الطريق نحوا من اثني عشر يوما ودفن في الحضر المشرفة الحيدرية وهو
أول من نقل من الأموات من الحويزة. له من المصنفات شرح قواد العلامة
ورسالة في صلاة الجمعة اه.
وفي كلامه نظر من وجهين أولا ان تاريخ الوفاة يخالف تاريخ
الإجازة كما مر ثانيا انه ذكر في ترجمة أبيه الشيخ احمد انه أول من انتقل
من جبل عامل إلى النجف وهنا ذكر ان أول من انتقل هو المترجم.
أوحد الدين علي ابن إسحاق الملقب في شعره بانوري الأبيوردي الخاوراني
الشاعر الحكيم المعروف:
توفي سنة ٥٥١.
(١٦٢)

ذكره في الرياض في باب الألقاب وقال إنه نص على تشيعه جماعة
وذكر أبياته الصريحة فيه وهو من أفاضل الحكماء في عصره الذي انتقلت
السلطنة فيه إلى جنكيز خان ملك التتار وصرح في الرياض بأنه من مشاهير
حكماء الشيعة له كتاب البشارات في شرح الإشارات للرئيس ابن سينا في
المنطق والحكمة رأى صاحب الرياض نسخته في تبريز وله ديوان شعر يعرف
بديوان انوري.
أبو محمد علي بن إسحاق بن أبي سهل بن نوبخت.
مات في أيام الهادي ع.
نوبخت مر في إبراهيم بن إسحاق وكان المترجم واخوه يعقوب
من رجال آل نوبخت وجهابذة الكلام والنجوم وكان المترجم من العلماء
المقربين عند السلطان ومن المعروفين في علم الأوائل وكان من المنقطعين إلى
أهل البيت ع كأبيه واخوته يعقوب وإبراهيم صاحب
الياقوت.
أبو القاسم علي بن إسحاق بن خلف البغدادي المعروف بالزاهي الشاعر
المشهور.
ولد يوم الاثنين لعشر ليال بقين من صفر سنة ٣١٨ وتوفي يوم
الأربعاء لعشر بقين من جمادى الآخرة سنة ٣٥٢ ببغداد ودفن في مقابر
قريش كذا عن عميد الدولة أبي سعيد بن عبد الرحيم في طبقات الشعراء
وفي تاريخ بغداد قال لي التنوخي مات الزاهي بعد سنة ٣٦٠ والزاهي
بزاي فألف فهاء فياء في انساب السمعاني هذه النسبة إلى قرية زاه ويقال لها
الزاه أيضا من قرى نيسابور نسب إليه محمد بن إسحاق وأبو الحسن علي بن
خلف الشاعر المعروف بالزاهي، لا أدري هو من هذه القرية أم لا غير أنه
بغدادي وكان حسن الشعر في التشبيهات وغيرها اه وبعضهم قال انما لقب
الزاهي لأنه أول من زها في شعره وذكره ابن شهرآشوب في معالم العلماء في
شعراء أهل البيت ع المجاهرين فقال أبو القاسم الزاهي
الشامي وصاف وذكره الخطيب في تاريخ بغداد فقال علي بن إسحاق بن
خلف أبو الحسن الشاعر المعروف بالزاهي حسن الشعر في التشبيهات
وغيرها واحسب شعره قليلا انشدنا التنوخي انشدنا محمد بن عبيد الله بن
الكاتب النصيبي أنشدني علي بن إسحاق ابن خلف الزاهي البغدادي
القطان لنفسه وكان دكانه في قطيعة الربيع:
قم نهنئ عاشقين * أصبحا مصطلحين
جمعا بعد فراق * فجعا منه وبين
ثم عادا في سرور * من صدود آمنين
فهما روح ولكن * ركبت في جسدين
وذكره ابن خلكان في وفيات الأعيان فقال كان وصافا محسنا كثير الملح
وذكره الخطيب في تاريخ بغداد وأشار إلى أنه كان قطانا وذكره عميد الدولة
أبو سعيد بن عبد الرحيم في طبقات الشعراء قال وشعره في أربعة اجزاء
وأكثر شعره في أهل البيت ومدح سيف الدولة والوزير المهلبي وغيرهما من
رؤساء وقته وقال في جميع الفنون اه.
وذكره الشيخ الثعالبي في يتيمة الدهر فقال أبو القاسم الزاهي وصاف
محسن كثير الملح والظرف ولم يقع إلي شعره مجموعا وانما تطرفته من أفواه
الرواة واستفدته من التعليقات اه قال المؤلف كلام المترجمين فيه لا يخلو
من تناف فأكثرهم قالوا إنه بغدادي كما سمعت وابن شهرآشوب قال إنه
شامي وبعضهم كناه أبو القاسم وبعضهم أبو الحسن واختلفوا في تاريخ
وفاته والخطيب قال احسب شعره قليلا وابن عبد الرحيم قال إنه في أربعة
اجزاء إلى غير ذلك.
ومن شعره الذي أورده ابن عبد الرحيم قوله:
صدودك في الهوى هتك استتاري * وعاونه البكاء على اشتهاري
ولم اخلع عذاري فيك الا * لما عاينت من حسن العذار
وكم أبصرت من حسن ولكن * عليك لشقوتي وقع اختياري
وأورد له ابن خلكان في البنفسج
ولازوردية تزهو بزرقتها * بين الرياض على رزق اليواقيت
كأنها فوق قامات ضعفن بها * أوائل النار في أطراف كبريت
وأورد له أيضا:
ومدامة لضيائها في كأسها * نور على فلك الأنامل بازع
رقت وغاب عن الزجاجة لطفها * فكانما الإبريق منها فارع
وأورد له أيضا واقتصر في اليتمية على الآخرين:
وبيض بالحاظ العيون كأنما * هززت سيوفا واستللن خناجرا
تصدين لي يوما بمنعرج اللوى * فغادرن قلبي بالتصبر غادرا
سفرن بدورا وانتقبن أهلة * ومسن غصونا والتفتن جاذرا
واطلعن في الأجياد بالدر أنجما * جعلن لحبات القلوب ضرائرا
وأورد له ابن خلكان أيضا:
من عذيري من عذارى قمر * عرض القلب لأسباب التلف
علم الشعر الذي عاجله * انه جار عليه فوقف
قال وأنشدني أبو سعد نصر بن يعقوب في كتابه روائع التوجيهات من
بدائع التشبيهات للزاهي:
الريح تعصف والأغصان تعتنق * والمزن باكية والزهر معتبق
كأنما الليل جفن والبروق له * عين من الشمس تبدو ثم تنطبق
قال ومن مشهور شعر الزاهي قوله:
لولا عذارك ما خلعت عذاري * ولكنت في وزر من الأوزار
ما كنت احسب ان أعاين أو أرى * تخطيط ليل في بياض نهار
حتى نظرت إلى عذارك فاغتدى * سقم القلوب ونزهة الابصار
وتركت قولي في الوعيد لأجله * وعزمت فيك على دخول النار
وقال ووجدت في كتاب أبي الحسن علي بن أحمد بن عبدان في
مجموعة المترجم بحاطب الليل قصيدة للزاهي أولها:
الليل من فكري يصير ضياء * والسيف من نظري يذوب حياء
والخيل لو حملتها علمي بها * لتركتها تحت العجاج هباء
أحصي على دهري الذنوب بمقلة * لدموعها لا أملك الاحصاء
عجبا لصرف الدهر كيف يخون من * غمر البرية نجدة ووفاء
عدم الصباح فناب عنه بفكره * وعلت يداه فطاول الجوزاء
اخذ البيت الثالث من قول ديك الجن:
(١٦٣)

انا أحصي فيك النجوم ولكن * لذنوب الزمان لست بمحص
وقال وله في وصف الأترج:
وذات جسم من الكافور في ذهب * دارت عليه حواشيه بمقدار
كأنها وهي قدامي ممثلة * في رأس دوحتها تاج من النار
قال وانشدت له بيتا معمى وما أراه قاله:
من كان آدم جملا في سنه * هجرته حواء السنين من الدمى
آدم في حساب الجمل ٤٥ وحواء ١٥.
شعره في أهل البيت ع
ومن شعره قوله يرثي الحسين ع:
أعاتب نفسي إذا قصرت * وافني دموعي إذا ما جرت
لذكراكم يا بني المصطفى * دموعي على الخد قد سطرت
لكم وعليكم جفت غمضها * جفوني عن النوم واستشعرت
أمثل أجسامكم بالعراق * وفيها الأسنة قد كسرت
أمثلكم في عراص الطفوف * بدورا تكسف إذا أقمرت
غدت ارض يثرب من جمعكم * كخط الصحيفة إذ اقفرت
واضحت بكم كربلاء مغربا * لزهر النجوم إذا غورت
كأني بزينب حول الحسين * ومنها الذوائب قد نشرت
تمرع في نحره شعرها * وتبدي من الوجد ما أضمرت
وفاطمة عقلها طائر * إذا السوط في جنبها أبصرت
وللسبط فوق الثرى شيبة * بفيض دم النحر قد عفرت
ورأس الحسين امام الرفاق * كغرة صبح إذا أسفرت
وله يرثيه ع:
لست انسى النساء في كربلاء * وحسين ظام فريد وحيد
ساجد يلثم الثرى وعليه * قضب الهند ركع وسجود
يطلب الماء والفرا قريب * ويرى الماء وهو عنه بعيد
وقوله:
من مثلكم يا آل طه ولكم * في جنة الفردوس والخلد خطط
حب سواكم نفل وحبكم * فرض من الله علينا مشترط
قد نصب الله لكم مسددا * بالرشد والعصمة مأمون الغلط
أحاط بالعلم ولا يصلح ان * يدعي إماما من بعلم لم يحط
يا طود إفضال بعيد المرتقى * وبحر علم لم يكن يحويه شط
كل الولاء الا ولاك منحبط * وكل جرم بولاك منحبط
بحر لديه كل بحر جدول * يغرق من تياره إذا اغتمط
وليث غاب كل ليث عنده * بنظرة العقل حقيرا ان قلط
باسط علم الله في الأرض ومن * بحبه الرحمن للرزق قسط
سيف لو أن الطفل يلفى سيفه * بكفه في يوم حرب لشمط
يغدو إلى الحروب فيه حاسرا * كم فيه قد قد من رجس وقط
صنو النبي المصطفى والكاشف * الغماء عنه والحسام المخترط
أول من صام وصلى سابقا * إلى المعالي وعلى السبط عبط
وآية الأمة والقاضي الذي * أحاط من علم الهدى ما لم يحط
والنبأ الأعظم والحجة والمصباح * في المحنة والخطب الورط
حبل إلى الله وباب حطة الفاتح * بالرشد مغاليق الخطط
والقدم الصدق الذي سيط به * قلب امرئ بالخطوات لم يسط
وله في أمير المؤمنين ع:
ما زلت بعد رسول الله منفردا * بحرا يفيض على الوراد زاخره
أمواجه العلم والبرهان لجته * والحلم شطاه والتقوى جواهره
وله فيه ع:
بات على فراش النبي آمنا * والليل قد طافت به حراسه
حتى إذا ما هجم القوم على * مستيقظ ينصله إشماسه
ثار إليهم فولوا فرقا * يمنعهم عن قربه حماسه
وله:
فوجهك نزهة الابصار حسنا * وصوتك متعة الاسماع طيبا
رنا ظيبا وغنى عندليبا * ولاح شقائقا ومشى قضيبا
وله:
ارى الليل يمضي والنجوم كأنها * عيون الندامى حين مالت إلى الغمض
وقد لاح فجر يغمر الجو نوره * كما انفرجت بالماء عين على الأرض
علي بك الأسعد بن محمد بن محمود بن نصار وجده نصار الأول هو والد
الشيخ ناصيف النصار الشهير.
توفي سنة ١٢٨٢.
حكم في تبنين بعد عمه حمد البك من سنة ١٢٦٩ إلى سنة ١٢٨١
وذلك نحو من ١٢ سنة وكان شهما حازما أديبا شاعرا محترما للعلماء
والفضلاء وأهل الدين سكن قلعة تبنين وشاد بها القصور وهو آخر من
حكم بها من هذه الأسرة وبعده قسمت البلاد إلى مديريات وقائم مقاميات
على النحو الذي كان معمولا به في مدة الحكم العثماني وكانت قد قدمت
عليه شكايات وعلى ابن عمه محمد بك الذي كان بمنزلة الوزير له فطلبا إلى
بيروت ثم إلى دمشق وعفي عنهما ثم ماتا في دمشق بالوباء الهواء الأصفر
ودفن المترجم في المشهد المنسوب إلى السيدة زينب الصغرى المكناة بام
كلثوم بقرية راوية غربي المسجد وعلى قبره لوح فيه تاريخ من نظم الشيخ
عبد الله البلاغي العاملي الذي كان يباشر مهماته ودفن محمد بك بمقبرة باب
الصغير قرب القبور المنسوبة لأهل البيت ع وكان على قبره
رخام وتاريخ أتلفه بعض الناس.
ومن شعره هذه القصيدة نظمها وهو بدمشق وقيل في بيروت:
أ لا بلغي يا ريح عني تحية * يعطر ارجاء الربوع عبيرها
وقولي لأحباب تناءت ديارهم * وشطت مغانيها وبانت قصورها
أخذتم فؤادي خلسة ومنعتم * رقادي فهل لي مهجة أستعيرها
إما آن ان يطوي النوى شقة النوى * وتشرق من اعلام نجد بدورها
اخلاي هل بعد الفراق تواصل * ففي كبدي نار يشب سعيرها
واني وان هز التصابي معاطفي * فلي همة في المجد عز نظيرها
رميت ذوي العدوي علي بأسهم * أصيبت بها اكبادها ونحورها
أ لم تعلم الأقوام ان ذوي النهى * إذا اشتورت في الخطب اني مشيرها
وان اظلمت آراؤهم في ملمة * فاني ورب الراقصات منيرها
وكم شامخ في المجد طأطأ رأسه * لمجدي إذا ما ناب يوما عسيرها
فقل لمجد يبتغي درك غايتي متى * ببغاث الطير صيدت صقورها
(١٦٤)

وهل كان للعرفاء عزم بموقف * إذا كانت الآساد يبدو زئيرها
فقل لبني الأعمام ان فتاكم * طبيب لادواء الرجال خبيرها
فديتكم من كل سوء فهل لكم * سواي فتى حامي العلى ومجيرها
بذلت لكم نفسي فهلا رعيتم * لها حرمة القربى وأنتم سرورها
نشدتكم هل موقفي كان هينا * لدي الحضرة العليا التي عز طورها
وفينا بني الأعمام عز ومنعة * لعاملة إذ لا يجير مجيرها
حرام على أرماحنا طعن مدبر * وتندق في أعلى الصدور صدورها
ومن شعره:
خليلي ما هذا الجفاء والتقاطع * وما ذا التنائي والدموع هوامع
رعيت سوام اللحظ في زهرة الدجى * فما بان لي للنيرين مطالع
ولم أر غير الفرقدين وأختها * العميصا يعاطيها الرضا فتدافع
اقلب فكري في الدنو فلم أجد * سبيلا وداعي البين بالبعد صادع
طوى الدهر أحشائي من الهجر وانثنى * علي بسهم أوترته النوازع
متى نلتقي يوما بتبنين عامل * وقل لي متى تلك الليالي رواجع
هبوني فلا والله لم انس عهدكم * ولو نازعتني يا سليمى النوازع
أأنسى لييلات أديرت كؤوسها * علينا وأقداح السرور فواقع
نعمت صباحا ربع تبنين واغتدت * بك العين والآرام وهي رواتع
يقولون عذالي إما آن ان يرى * فؤادك عن ذكر الأخلاء هاجع كذا
سئمت سلوا للحبيب فلا يرى * كمثلك من بين الخلاء جازع
تذكرت هل يجدي العواذل عذلهم * وهل يصنع المحبوب ما انا صانع
يراعي حقوقا للوداد كما انا * مراع له ان قطعتني القواطع
لي الله كم عهد رعيت وذمة * حفظت وودا خباته الأضالع
وكم ليلة أحييتها وجفونكم * غريقة نوم أهنأتها المضاجع
خليلي اني كلما ذر شارق * شرقت بماء أسلبته المدامع
ولم يلهني عن ذكر سلمى سوى فتى * له في فؤادي منحنى ومرابع
إليك حنيني يا أخي واني * لحفظ بني الأعمام والعهد وادع
واني لك الأخ الشفوق وأنت لي * حسام أقي فيه الردى وأدافع
لي الفخر لا شوقي لسعدي وزينب * ولا لبثيني بل بلقياه طامع
إذا ما بد نحوي فكلي أعين * وإن هو ناجاني فكلي مسامع
فما انا عن عهد الأقارب معرض * ولا انا عن عهد الأخلاء راجع
سموت بآباء كرام شعارهم * بناء المعالي حيث كيوان ساطع
لهم شرف سام على هامة السها * ومجدهم فوق المجرة طالع
هم القوم من عليا نزار وطفلهم * تمائمه البيض الرقاق القواطع
هم مهدوا من عامل كل صعبة * وهم شيدوها والرماح شوارع
وهم ورثوها بالسيوف وبالقنا * وفي همم تندك منها القوارع
وهم لبني الآمال كعبة آمل * وعند لقا الاعدا رياح زعازع
وهم في الوغى أساد كل كريهة * وفي السلم بالجدوى غيوث هوامع
وأيامهم من عهد عاد شهيرة * إلى عصرنا هذا بدور طوالع
وناصيفهم قد كان أشرف من بني * له فوق هام النيرات مرابع
لقد حطم الأعداء والله عاضد * له وحمى الاسلام ممن ينازع
ففي كفر رمان شهود توضحت * بزيتونها تنبيك عنها الوقائع
وظل عميد القوم يوسف باكيا * جماجم قوم أسلمتها الخدايع
يلوذ بظل السلم أسلمه القضا * وصادي القنا من منحر القوم كارع
إذا خطب الهندي في رأس سيد * تراقص مران وخرت قنازع
فما زال حتى لف بالعفو شملهم * فأعينهم بعد السهاد هواجع
وفي يوم صيدا أختها ناء بالقنا * صدور وآخى بالمهند راكع
سل القوم عنه يوم بحرة حولة * بما فعلته المرهفات الشوارع
فكم وردت منهم دماء وغادرت * عميدهم في الماء غرقان واقع
وفي خبر الدولاب صحت رواية * يؤيدها أمثال ذلك وقائع
ومن بعده قد قام بالامر قائم * به أخصبت تلك الديار البلاقع
هو الفارس المشهور فيض نواله * وناهيك يوم الجسر ما هو صانع
ومن بعده قد اطلع الله شمسه * وآيته الكبرى على من يخادع
هو البدر رب المجد سيد وائل * وقحطان إذ يعيي الفخار المقارع
فخاري وعمي سيدي والدي الذي * يشوقك فيه للمديح التراجع
أكرر فيه القول عمي وسيدي * وعمي الذي في بابه الفضل راكع
وعمي الذي ألقت إليه قيادها * وأثنت عليه بالفخار الأصابع
وعمي الذي فك الأسارى بعكة * بيوم عبوس والأسود خواضع
وعمي الذي عكار اطلع بدرها * ولولاه ليل دجنه لا يقارع
وعمي الذي آوى شتيت عشاثر * واضحك منها بالحديث المجامع
وعمي الذي خفت بثقل غرامه * غرائمه والغير شعث أخادع
وعمي الذي ظلت ملوك زمانه * تذل له طورا وطورا تصانع
وعمي الذي أعيى شبيرا ورهطه * بخطة غدر والمعالي خدائع
طوى الخسف دون الغدر حتى تراجعت * إليه انقيادا وهي عنة تقارع
وعمي الذي سد الثغور بعزمة * توقد منها للمنون مساطع
فلا مارق الا تمزق بغيه * بصارمه حتى شكى من يطاوع
فساس أمور الملك والله حافظ * وشاعت له في الخافقين شوائع
وساد الورى في كل مكرمة غدا * مناقب ذكراها بصنعاء رائع
مروي القنا في يوم معترك القنا * وبتاره في هامة الضد راكع
مناقب لا تحصى له وماثر * شذا عرف رياها إلى الصين ضايع
رعى ذمة العلياء بالهمة التي * إليها جميع العالمين خواضع
وشاد لنا المجد الأثيل وطالما * به دفعت عنا الخطوب الفظايع
وكم شامخ العرنين اضحى مذللا * لديه وكاس الذل والحتف جارع
وكم حبس الأقيال في حومة الوغى * بيوم حبيس والأسارى رواتع
فراحوا نهابى بالسيوف وبالقنا * وأرواحهم في جانبيه ودايع
ويا لك من يوم عظيم مقامه * بعكة والبيض المواضي شوارع
فلم يثنه عنها جموع جموحة * ولم تلهه عنها رقاق قواطع جرى بينها
جري المنية سيفه * وغادرها فوق الصعيد تنازع
وأحيا رسوما قد محتها صروفها * أبيدت فلا يلفى لها الدهر جامع
فضم إليها شمل كل مشتت * فريق وقد ما قارعتها القوارع
وفي طبريا يوم ثارت لمصرها * اسود عليها للمنون براقع
وفي صفد قبلا وكم من شهيرة * تصفد أساد وحلت جوامع
وفي عينفيت يوم ثارت دروزها * فاخمد منها ثورة لا تقارع
وأوطأها شوس الجحاجح للورى * بأرماحها والسيف سم مناقع
فما زال حتى أصلحت من سريرة * وأعناقها للسلم منه خواضع
له كل يوم دونه الخطب خاضع * تماط به دون النزاع البراقع
وفي قدس والخيط دانت قبائل * وقد نازعتها للطواغي النوازع
تقابل بالشم الرواسي إباءها * وزاحم زهر النجم منها الأخادع
(١٦٥)

فما استيقظت الا بصهل خيوله * وما راعها الا الرماح الشوارع
وخطية ملس البطون مراشة * بكف اسود جربتها الوقائع
وكل مسود يحمل الموت كفه * إذا ارتطمت بالدار عين الأجارع
وكم مثل ذا من وقعة بعد وقعة * تسير بها الأيام فهي ودائع
مناقب مثل الشمس خطت رسومها * فما انفكت الأيام فيها تطالع
كان الضحى والليل طرسان لم يزل * لعلياه فيها كاتبان وسامع
وما النظم في عد المناقب حاصر * مزاياه كلا إذ سنا الشمس طالع
فخاري به لا فخر همام إذ سما * له دارم يعلو به ومجاشع
ففخري به فوق الذي فخرا به * وما لي في صدق الفخار منازع
أولئك أبالي فجئني بمثلهم * إذا جمعتنا يا جرير المجامع
واني الذي من حمد ربي ممهد * عصيا وان شدت إليه الطوامع
تركت حمياها يسوع لشارب * وقد كان قدما بالزلال ينازع
فلا فاتح جفنيه للشر ناشب * فسادا ولا مرخى جنانا يسارع
وقمت بها في ظلمة الخطب جاهدا * قيام فتى من دونه الخطب راكع
إذا ما طغى دجن الخطوب لطالب * فما انا الا البدر حيث يطالع
وان قارعت عن خطة المجد عصبة * فما انا الا الليث حيث يقارع
وان ساهمت أهل الفخار فخارهم * وجدت فخاري فوق كيوان طالع
وان طلب المعروف والفضل طالب * أشارت إلينا بالأكف الأصابع
وآل أبي فاعور فضل تشتت * على غير حرب شتتها الوقائع
فلاذوا بظل السلم لما تطايرت * إليهم بأيدي الطائرات الفواجع
فاسلمهم من كان قبل معاضدا * وخلاهم وهو الشفيق الممانع
فطاروا عباديدا بكل تنوفة * سراب الفيافي والصوادي شوارع
فظوا الصدا صهل الخيول وربما * ينازعهم عرف النسيم منازع
فلا الحولة الشعري يسوع ورودها * ولا بحمى الجولان يلفى مرابع
وضاقت بقاع الشام وهي فسيحة * وغوطتها الفيحاء والبر واسع
وظلت له نجران بصرى مضاربا * ومن قبل وادي بانياس مطالع
فلا وعرتا حران حصن ممنع * ولا الفرد من اعمال تيماء مانع
وسل عامل الفيحاء ما ذا أصابها * من الأمن حتى اهنأتها المضاجع
أبى الله ان نعطي الدنية ديننا * فكيف ولي عون من الله دافع
وحولي اسود الغاب يصرف نابها * يطالعها فحل الوغى وتطالع
وغلمة باس ينسف الشم بأسها * يطاولها شم الجبال المتالع
معودة رعف المنون سيوفها * إذا عطست بالمرزمات النواصع
نعاطي العدى كأسا من الذل ناقعا * ونولي الردي صدرا به الرمح شارع
رمين بأمثال الجبال حلومنا * وخف بنا دون المنون الزعازع
وكل سريع الخطو للموت مرقل * تقاصر عنه الحاذق المتمانع
ثبتنا على حال تقاتم جوه * واقفر ناديه وهدت صوامع
على حين لا كهف من الضيم ملجئ * ولا سامع الا بشكواه صادع
فما كدر الطغيان جو سمائنا * وان كدرته بالصفاة الفظائع
ولما نزل في طاعة الله والألى * أوامرهم نص من الله قاطع
على حالتينا في رخاء وشدة * رزان وان خفت علينا الفواظع
ورب فتى جر العنان تبخترا * بردم التي منها تطير القنازع
كبا دونها حتى تطامن روعه * فضاق به رحب الفضا وهو واسع
يظن الفضا قلب الجبان وجوه * سنان القنا والبحر سيف يقارع
كذا كل من رام الخلاف تقطعت * به وصلات الخير والله قاطع
ومن يتصل بالله حبلا تواصلت * أوامره والله للشمل جامع
ومن نثره ما كتبه إلى السيد محمد الأمين عم المؤلف جوابا عن
قصيدة: سبط الرسول الأمين ونجل علي أمير المؤمنين وابن سيدة نساء
العالمين ص مركز دائرة الفخار ومن سما مجده على هام
كيوان المخجل بعلمه البحر الزاخر والجواد الذي لا يبارى في حلبة السباق
سيدنا الجليل ومولانا النبيل من اسمه بدؤ اسمي وعليه معولي بعد الله
وبسهمه ارمي بعد لثم الأنامل التي أخجلت بجودها الديم وتزاحمت على
تقبيلها الأمم اعرض سيدي انه بأشرف طالع سني المطالع تشرفنا
بخريدتكم السامية الحاوية حسن المكارم النامية فحمدت الله وشكرته جل
ثناؤه على إن كان هذا الدعي على البعد والقرب مراعى غير بارح من الفكر
الزاهر ولا متباعد عن لمح الخاطر الخطير الفاخر وفي الحقيقة سيدي اني غير
مستحق لذلك وبعيد عما هنالك وانما وفور مكارمكم طوقتني مننا لا أقدر
على تأدية شكرها ولا أطيق احصاء مدها وجزرها فلا اعدمني الله تلك المزايا
الحميدة وابقى لنا تلك الذات الفريدة ولعمري ان مولاي مركز البلاغة
الفصاحة ومحل الكرم والسماحة ويحق لي ان أقول،
لعمر أبي ان الأنام قبائل * وانك يا شبل الأمير أميرها
وانك مولاها وانك كهفها * وان نابها خطب فأنت مجيرها
وغاية رجائي تشريفي بما يلزم فاني لامركم على أثبت قدم وأطال الله
بقاءكم بالنعم والسلام.
وقال بعض شعراء العامليين يمدحه ولم نعلم لمن هي وقد ذهب
أولها:
أ صفراء الترائب كم ليال * سقيت بقربك الشهد المذابا
ليالي قد سرقنا اللهو فيها * ورفهنا الشيبة والشبابا
نفض على مسامعنا حديثا * ونجتنب الخنا فيه اجتنابا
ولما حان وشك البين يوم ال‍ * وداع وزحزحت عنها الحجابا
وأبدت معصما ورنت بطرف * وألقت عن سنا قمر نقابا
تقول وقد سما طرفي إليها * ودمع العين ينسكب انسكابا
ارك قد اتخذت السير هما * وجوب البيد فوق الجرد دابا
وما حصلت في مسعاك حظا * ولا أدركت من أحد ثوابا
علاء م تركت رأس الناس طرا * وأعظمها ويممت الذنابى
تركت أعز من ركب المذاكي * وفارسها الذي ملك الرقابا
وقد ربيت في نعماه طفلا * وكهلا لن تذم ولن تعابا
فقلت لها وقد قلقت ركابي * ونار الوجد تلتهب التهابا
لقد حسدتين الأعداء لما * حباني جوده وكفى وحابى
وغيره الوشاة فصد عني * وأظهر لي جفاء واجتنابا
ولما لم أجد شهما كريما * بعامل غيره يولي الرغابا
رجعت إلى الإبا وخرجت منها * خروج مهند سلب القرابا
ومن فوق السماك وضعت نفسي * ورضت المدلهمات الصعابا
إلى أن فرج الرحمن عني * بما أملت منه واستجابا
ذريني للعلى أسعى فاني * وجدت إلى طريق المجد بابا
وها انا سائر من فوق عنس * تجوب بي الفدافد والهضابا
إلى تبنين من حجت إليها * جميع الناس خاضعة رقابا
(١٦٦)

هناك أبو السعود بها علي * على هام السهى ضرب القبابا
ترى ملكا تفيض يداه بحرا * كان بكل أنمله سحابا
ترى العظماء مطرقة لديه * كان على رؤوسهم العقابا
سما أصلا وفرعا وائليا * وغرسا طاب غارسه فطابا
إذا ما سار للغارات سارت * عشائر خلتها أسدا غضابا
يؤازره الفتى البطل المحامي * محمد من به افتخر انتسابا
اخوه في الشدائد وابن عم * متى ما يدعه يوما أجابا
اسود لا يهابون المنايا * قد اتخذوا رماح الخط غابا
أبا الأشبال لا زلت المرجى * إذا ما نائب الحدثان نابا
وباسمك حين يدعى في جيوش * العدو تطايرت تحكي الذبابا
ولما ان عصى لبنان يوما * على الأملاك واضطرب اضطرابا
وفرسان الدروز تشب حربا * على الأعداء تلتهب التهابا
ولم يبرح فؤاد (١) الملك يوما * إليه ولم يجد للحرب بابا
دعا الأبطال دعوة مستغيث * فكنت إليه أسرعهم جوابا
رآك أشد هذا الناس بأسا * وأعظمهم وأفصحهم خطابا
وأفضل من تقمص في برود * المعالي وارتقى الخطط الصعابا
فجرد منك بتارا صقيلا * ورأيا يثقت الصم الصلابا
وسرت إليه بالفرسان حتى * أجلت به المسومة العرابا
أسرت كماتهم وقريت منهم * سباع البر والطير السغابا
وسرت إلى الشام تثير نقعا * خيولك بين أفسحها رحابا
فلما عاينوك هووا سجودا * على الأذقان والتثموا الترابا
وفي حوران والجيدور كم قد * هززت البيض والسمر الكعابا
وقد هابتك اعراب البوادي * وفرت منك تجتاب الشعابا
وقد علم الأنام بكل ارض * بأنك في الوغى امضى ضرابا
كشفت عن العشائر كل خطب * جليل لو رآه الطفل شابا
وكم لك يا أبي بجدتها معال * أبت شرفا بان تحص حسابا
فما أبقيت في الدنيا فخارا * لمفتخر وجاريت السحابا
وما انا في الثناء عليك الا * كمن اهدى إلى صبح شهابا
بقيت أبا لسعود بعز ملك * وانعم عيشة طابت وطابا
علي بن إسماعيل بن شعيب الميثمي.
تكلم على مذهب الإمامية وصنف كتابا في الإمامة وكان من وجوه
المتكلمين كلم أبا الهذيل العلاف والنظام وفي ترجمة هشام بن الحكم فضله
وجلالته وانه أدرك الكاظم ع وهو إذ ذاك فاضل متين وقال
الشيخ المتكلم أول من تكلم على مذهب الإمامية وصنف كتابا في الإمامة
سماه الكامل وله كتاب الاستحقاق.
السيد علي ابن السيد إسماعيل بن أبي جعفر محمد بن علي الغياث.
ابن احمد المقدسي دفين لملوم بن هاشم بن علوي عتيق الحسين بن
حسين الغريفي الموسوي البحراني.
توفي سنة ١٢٤٦ بالطاعون الكبير وتولى تجهيزه السيد باقر القزويني
ودفن في الصحن الشريف في أول حجرة على يمين الداخل من باب
الطوسي. عالم فاضل شاعر تلمذ على بحر العلوم والشيخ جعفر والشيخ
حسين نجف والشيخ خضر شلال والشيخ راضي وغيرهم وقرأ عليه السيد
مهدي القزويني.
أبو الحسين علي بن إسماعيل النوبختي.
توفي سنة ٣٢٦.
منسوب إلى نوبخت ومر في حرف الألف في آل نوبخت عموما.
ذكره الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد فقال: علي بن إسماعيل أبو
الحسين النوبختي روى عن أبي العباس ثعلب حدث عنه الحسن بن الحسين
بن علي بن إسماعيل النوبختي قال أنشدني أحمد بن يحيى ثعلب وهما للعباس
بن الأحنف:
لو كنت عاتبة لسكن عبرتي * املي رضاك فزرت غير مراقب
لكن مللت فلم تكن لي حيلة * صد الملول خلاف صد العاتب
اه. والظاهر أنه أبو الحسين علي بن أبي سهل إسماعيل بن علي ابن
إسحاق بن أبي سهل بن نوبخت وهو غير أبي الحسين علي بن عباس ابن
إسماعيل بن أبي سهل بن نوبخت الآتي.
الآقا علي أشرف ابن الآقا احمد ابن المولى عبد النبي ابن الشيخ شريف الدين
محمد الطسوجي.
ولد ليلة الأضحى سنة ١١٨٩ ولا نعلم متى توفي.
كان من علماء زمانه مرجعا في الشرعيات حكيما متكلما أديبا شاعرا.
قرأ على بحر العلوم وصاحب الرياض وصاحب كشف الغطاء وابنه الشيخ
موسى وغيرهم وهو الذي طلب منه عباس ميرزا تهييج الناس لأجل دفع
الروس. له مؤلفات منها ١ الكشكول ٢ شرح المعالم ٣ ديوان
شعر.
المولى علي أصفر بن علي أكبر البروجردي.
ولد سنة ١٢٣١ له نور الأنوار مطبوع وله ضياء النور مثنوي أخلاقي
في المعارف الحقة والحكايات الأخلاقية مطبوع وله عقائد الشيعة ألفه باسم
السلطان محمد شاة القاجاري وذكر تصانيفه في آخر نور الأنوار.
أمين السلطان ميرزا علي أصغر خان بن إبراهيم خان امين السلطان اتابك
أعظم.
ولد سنة ١٢٧٤ وقتل سنة ١٣٢٥ ودفن في قم في صحن المشهد كان
وزيرا صدرا أعظم لناصر الدين شاة القاجاري وكانت له الكفاية
والاقتدار وكان أديبا تولى الصدارة بعد ميرزا يوسف خان إلى اخر سلطنة
الشاة ناصر الدين ثم تولى الصدارة لمظفر الدين شاة ثم أعفي منها وتولاها
ميرزا علي خان أمين الدولة وسافر المترجم إلى مكة ورأيناه هناك وفي المدينة
المنورة ثم جاء إلى الشام وزار المدرسة العلوية وتبرع لها بخمسين دينارا
ذهبيا واهدى لها رسمه ثم سافر منها إلى أوروبا ثم رجع إلى إيران وتولى
الصدارة لمظفر الدين شاة ثانيا إلى أن قتل ومن اثاره بناء الصحن الجديد في
قم وله اثار اخر في المشاهد المشرفة وفي مشهد السيدة رقية ومشهد رأس
الحسين ع بدمشق.

(١) لعله فؤاد باشا الذي جاء إلى سورية في حادثة الستين بين الدروز والنصارى.
(١٦٧)

أبو الحسن علي بن الحسين العقيلي.
عثر الأستاذ محسن جمال الدين على ديوانه مخطوطا في مكتبة
الأوسكوريال فكتب من مقال له في مجلة العرفان:
عثرت على هذه المخطوطة النفيسة في مكتبة الأوسكوريال بالقرب
من مدريد بعد ان اطلعت على فهرس المخطوطات العربية الذي وضعه لها
أحد العلماء الفرنسيين وقسمه حسب المواضيع، وقدم لكل مؤلف بكلمة
وجيزة تصفه وتشير إليه وتثبت مقدمته.
ولم يكلفنا الناسخ مشقة البحث عن نسب الشاعر فقد صدره لنا بماء الذهب
وقال عنه:
هو الشيخ الامام العالم الفاضل العلامة أبو الحسن علي بن الحسين
ابن حيدرة بن محمد بن عبد الله بن محمد العقيلي من ولد عقيل بن أبي طالب
أخي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وشاعرنا من شعراء
العصر الفاطمي خلال القرنين الرابع والخامس الهجري.
لم يذكر لنا ناسخ الديوان مولده ووفاته ولا أشار إلى الزمن الذي
انتهى فيه نسخ المخطوطة وهذا من بعض المعايب التي ابتليت بها مخطوطاتنا
العربية. ولولا معرفة الأخصائيين بدراسة المخطوطات، ووجود بعض
المقتطفات في كتب الأدب الغربي والشرقي، لما استطعنا ان نعرف تاريخه
على وجه التقريب؟!
أما عصر الشاعر فهو عصر زاه جميل ٧٩٠ م ١٠٧٩ م عصر
ازدهرت فيه العلوم والمعارف، وسما فيه الأزهر يطاول السماء بعلومه وفنونه
وجهابذته.
وتبدو لنا شخصيته من خلال شعره بأنه شاعر اهتم بالكرامة والعزة،
والاحترام الشخصي لذاته، وكان يهتم بمجالس انسه وطربه، لأنه غني
النفس، وغني المادة، بعيد عن تملق الشعراء وأبواب الخلفاء:
وقائل ما لملك قلت الغني * فقال: لا بل راحة القلب
وصون ماء الوجه عن ذلة * في نبيل ما ينفد عن قرب
ونرى نفسه نفسا أبية سامية، لم تراودها خيالات الجشع والطمع،
ولم تدفعها أحلام اللذة العابرة، ولم تبع كرامتها بالزائل من المادة: إذا ما
كان في بيني رغيف.
فذاك اليوم عندي يوم عرس * فان قصرت يدي عنه لعدم
رجعت بها إلى زاد التأسي * ولم اسحب لثوب القصد ذيلا
ولو سحب الطوى جسمي لرمسي * لان الموت أسهل من مقام
اعرض للتوسل فيه نفسي وقال:
دع ماء وجهك فيه لا ترقه فما * عند الذين ترجيهم سوى الياس
وكن فتى وزن الدنيا بهمته * فما نفى حبها بالذل للناس
وقال:
قنوعي بدون الدون لا نقص همة * ولكنه شئ أصون به نفسي
إذا كان لي في منزلي قوت ساعة * فما دونها قدرت اني في عرس
وهو مخلص جواد كريم لا تشوب نفسه شوائب الهجران، ولا تكدر
ذاته مرارة الجحود، لا ينسى أصحابه، ولا يتجاهل صداقتهم يتقبل
أخطاءهم بصدر رحب واسع من السماحة والمودة:
ما صاحب المرء إما زل عاتبه * بل صاحب المرء من يعفو إذا قدرا
فان أردت وصالا لا يكدره * هجر فكن صافيا للخل ان كدرا
وقال:
اني لأحفظ ود من صافيته * ودي واصفح دائبا عن عتبه
ويسوؤني ما ساءه ويسرني * ما سره في بعده أو قربه
وقال:
إذا بدت من صاحب جفوة * وصار للهجران معتادا
لا تضع المنجل في وده * الا إذا سماك حصادا
والشاعر لا يهجو الا قليلا، لأن الهجاء ليس من طبعه الأبي، فهو
متسامح، لا يثور الا لكرامته عندما يجد من يحاول المس منها ولا ينخدع
بالمظاهر الكاذبة:
يا مظهرا لي هيبة بحجابه * والكلب يأنف ان يجوز ببابه
ما رحت من هجوي بعرض سالم * الا لأنك دون ما تهجا به
وقال يهجو عامل دمياط:
قد مكن المطل من الوعد * وسلط المنع على الرفد
عامل دمياط الذي كل من * عامله يخسر في القصد
كأنه مستحلف انه * يستقبل السائل بالرد
وقال يهجو أبا يوسف بن المنشئ الكاتب:
سألت أبا يوسف حاجة * فقال أجئ بها في غد
وأودع انجازها موضعا * من المنع يقصر عنه يدي
ولو كان عندي علم به * لما كنت اجعله مقصدي
فإياك تشرب ميعاده * فتشرق بالطمع الأنكد
فكم سلط الشك من مطله * فاضني به جسد الموعد
لعمري لخسة طبع الفتى * تدل على خسة المولد
وله.
وشاعر يحسدني دائما * والناس حساد ومحسود
يصفر مني ابدا وجهه * كأننا الطنبور والعود
وله في مغن:
لنا مغن من بني الجند * انما من دمع على خد
لو دخل النار على حرها * لمات من فيها من البرد
وقال يهجو:
يا من يلقب نفسه بالشاعر * لا تقف اثار الجواد الضامر
اني أغار من العثار عليك في * طرقي لأنك غير صلب الحافر
فدع التتبع للجياد إذا جرت * حتى تكون طويل خطو الحافر
(١٦٨)

وقال:
لي صاحب انا من قبائح فعله * ما بين غيظ تارة ومرار
ما ينثني عن نقله لمجالسي * فكانه حرس على أسراري
وله:
فالقوم انعام لهم نعم * جربتهم فوجدت أظرفهم
كاللفت ما لبياضه دسم
وله:
ودعه يقل في شعرنا ما يشاؤه * فما يضع الحسناء قول الضرائر
١ الوصف: وتجده في أغلب الديوان فمنه وصف للطبيعة
الساحرة الجميلة التي عاش في احضانها. ومنه وصف لحالات النفس،
وأطوار المجتمع، وبدائع السحر والجمال، ولفتات العاطفة المشبوبة، التي
تظهر اندفاعاتها بين حسن بديع، وكؤوس مترعة، واخوان أصفياء،
واليك مقتطفات من وصفه، ورسوما من خواطره، قال:
يا طلعة القمر المنير يا قامة الغصن النضير
حار الخمار فقم بنا نعدل إلى عدل الخمور
لا تغفلن عن لذة في مثل ذا اليوم المطير
فالقاش في ديباجة اعلامها أس وخيري
أشجاره ونسيمه مثل المشاجب والبخور
وبهاره مثل الشموس وغدره مثل البدور
ونخيله كثواكل هتكت مصونات الستور
والطير في ارجائه متجاوبات بالصفير
فعليك بالذهب الذي اجراه روباس العصير
ما زال يسبك بالذي قد شب من نار الهجير
حتى صفا فكانه دمع الطليق على الأسير
يبدي حبابا كالعقود على كؤوس كالنحور
فدع الصغير مكانه واعدل إلى جهة الكبير
ما بين ورد كالخدود وأقحوان كالثغور
ان كنت تعلم أن لي علما باسرار السرور
فاعلم بحسب وصيتي لك في ملازمة البكور
فان استفدت مسرة فبحسن مشورة المشير
وقال:
قامت قيامة روحها لرواحي * ان النوى لقيامة الأرواح
غيداء غاداها فراقي بالأسى * وأذاقها البرحاء وشك براحي
فبكت فصار الدمع في وجناتها * مثل الحباب على كؤوس الراح
فكان صفحة وجهها لما بكت * روض ترصع ورده بأقاح
وقال:
وشادن طاف بمشمولة * لو ذاقها سكران هم صحا
فخلته والكاس في كفه * بدر الدجى يحمل شمس الضحى
وقال يوصف الدنيا:
يقولون ما الدنيا فقلت شبية * وأمن وعز دائم وثراء
وعافية زهراء هب نسيمها * وعيش رضي نافع وبقاء
٢ وغزل الشاعر السيد العقيلي هو غزل رقيق عفيف ليس فيه
اندفاعات المجون المكشوف ولا ميوعة التوله الكاذب المصطنع في أغلب
أشعار من عاصروه. غير أنه تأثر بالعصر الذي عاشه ذلك العصر الذي
عزل المرأة وهي ريحانة الرجل في قارورة من الطيب، لا تراها أشعة
الشمس المشرقة في بلاد الشرق، ولا تلامس اردانها هبات النسيم الطلق.
فهي حبيسة الدار، وسجينة البيت، وأسيرة الرجل، وخادمة الأسرة،
ونراه في شعره لا يتحدث الا بصيغة المذكر شانه شأن النواسي ومدرسته في
بغداد يومذاك. غير أنني استطعت ان أعثر على انفلاته من ربقة التقليد
الشعري، في غزل المذكر أحيانا.
وغادة ذات خد * ما ان له من شبيه
لو قيل ما تتمنى * يا فم ما تشتهيه
لما تمنى سوى ان * يمسي ويصبح فيه
وقال:
غدت إلى ديرها ومأواها * ما بين رهبانها وقساها
رود لها وجنة موردة * لو مر وهم بها لا دماها
يحتشم الفطن من مقبلها * ويخجل الروض من ثناياها
وقال:
عين وتاء وباء وميم وراء * هيفاء ما لي منها باء وخاء وتاء
لم يبق لي من هواها قاف ولام وباء * كأنما الوجه منها صاد وباء وحاء
أما إشارته إلى المذكر في شعره فإليك بعضه:
أدل بالدلال منه * حاء وسين ونون
أغن في الخد منه * خاء ودال وشين
ان زارني كان عندي * عين وراء وسين
٣ النسيب: لا عجب ان يبدو لنا نسيبه في طريقته التي سلكها في
غزله، الا اننا نرى تشبيبه أحيانا فيه مرارة اللوعة، وجحيم الصدود،
ونيران الهجر. وهو لم يكن في شبابه بالعاشق البائس،
ولا المحب المعدم، ولا القانص الفاشل.
قال:
اني لآنف من ثغر اقبله * ان لم يكن ثغر عن ما منه لي عوض
لأنني لست ارضى لثم مبتسم * ان لم يكن لي في إغريضه غرض
وذي غنج ناديته إذ رأيته * ونور الصبا ما بين عينيه لامع
أتيت على عقلي فزرني فقال لي: * على كل خير يا عقيلي مانع
وقال:
وليلة هجر بت ارقب صبحها * ودمعي منهل وطرفي ساهر
أقول لها إذ ضقت ذرعا بطولها * أيا ليلة الهجران ما لك اخر
وله:
غدا من الدير إلى الدار * من حسنه عار من العار
فقلت لما افتر في مشيه * أعيذه بالخالق الباري
ما أحسن الزنار في خصره * يا لك من خصر وزنار
طوبى لأهل النار إن كان ذا * يكون يوم البعث في النار
وقال:
ولما اقلعت سفن المطايا * بريح الوجد في لجج السراب
جرى نظري وراءهم إلى أن * تكسر بين أمواج الهضاب
(١٦٩)

فرحت أخوض بحرا من دموعي * زيادته إذا عصف انتحابي
وقال:
شكوت إليها يوم ودعتها وجدي * فألفيت منه عندها فوق ما عندي
وما زالت الأجفان تنثر دمعها * على خدها طورا وطورا على خدي
فلو لا النوى ما كنت انظر طرفها * ينضح ماء الورد منها على الورد
وله:
مر بنا يبسم عن جوهر * مفصل الأبيض بالأحمر
أهيف لولا خط حورية * تحيرت من طرفه الأحور
فقلت إذ قابلني صدغه * من نثر الجزع على المرمر
فقال لي عطار خدي اشتهى * ان يخلط الكافور بالعنبر
وقال:
قالوا التحى فانقطع عن عشقه * فقلت لم فخري ان اعشقه
هويته والخد منه بلا * طرز لديباجته المشرقة
فكيف إذ عنبر كافوره * وأصبحت فضته محرقة
٤ الفخر: نجد الفخر مبثوثا بين تضاعيف ديوانه، والفخر صفة
من صفات الكرامة الإنسانية إذا صدرت عن نفس حرة أبية، تضيف إلى
نسبها الشامخ مكارمها الغر، واعمالها الجليلة، والا يعتبر من باب المباهاة
الفاشلة، والا دعاء الكاذب الممقوت. وفخر العقيلي فخر لا يرجعه إلى
نفسه، بقدر ما يرجعه إلى تلك الدوحة الباسقة من آل بيته، وهم منارة
على شاطئ الحياة العربية، تشع بطولة، وانتفاضا، وعزة، ومجدا.
اني لمن أهل بيت شم العرانين غر * من يلقهم وهو ظام إلى نوال وبر
فإنما هو منهم ما بين غيث وبحر
وقال:
نحن بنو المعجزات والحكم * وأهل بيت السماح والكرم
قوم إذا ماء الرجاء يممهم * قال له جودهم على قدم
تأمن عز المقيم بينهم * من أن ترى قبح صورة العدم
ان جمع المجد أدركوه * على ما ركبوا من سوابق الهمم
فلا تقسهم بغيرهم ابدا * فلن تكون الأنوار كالظلم
وقال:
انا لنبني على ما أسسته لنا * اباؤنا الغر من مجد ومن كرم
لا يرفع الضيف رأسا في منازلنا * الا إلى ضاحك منا ومبتسم
اني وإن كان قومي في الندى علما * فإنني علم في ذلك العلم
٥ المدح: لم أجد في ديوانه من قصائد المدح الا ما ندر، ولم يمدح؟
ما دام يعيش في وفرة من العيش، وفي دنيا من الرفاهية! وهل يطري
الوزراء وهو أعظمهم شانا، أو يتقرب للخلفاء وهو من جذور تربتهم،
وأغصان شجرتهم؟!
وقد لمست مدحه يخص به بعض اقرانه ومحبيه، في أول ديوانه وفي
اخره.
قال:
يا سيدا ما ثنى عنانا * مذ كان عن سمعه الثناء
وقال:
يا سيدا أركان عليائه * في ذروة العيوق مبنيه
٦ المتفرقات: تجد فيها الشكوى والعتب، و الحكمة، والوفاء،
والايمان، والتسامح والأمل، واللذة، والاعتذار، والأخلاق، والغيرة،
وغيرها...
الرأي
يا سائلي ما الرأي اسمع وصفه * من مرهف العزمات والآراء
الرأي عندي قوة عقلية * في المرء ترشده إلى الأشياء
المكارم
ان المكارم لا يقود جيادها * من لم يكن من راضه الكرماء
فإذا وجدت لدرهميك حلاوة * دعها ولا تعبر لها برواء
فركوبها متعذر ان لم تكن * ممن له لجم من الآلاء
الوفاء
إذا الحب لم يحفظ لشكواي حرمة * ولم يرع في حفظي له حرمة الحب
نشرت احتمالي ثم غطيته به * وأعطيته مني أمانا من العتب
الايمان
وقائله أراك بغير كسب * ولست تفيق من اكل وشرب
فهل من متجر لك فيه ربح * فقلت لها نعم: ثقتي بربي
التسامح
ما يقرب المرء من قرن يلذ به * حتى يكون بعيدا من تعصبه
فتركه لتجني فيه فائدة * لأنه ليس يجدي ما يسر به
أمل
جسد ناحل وصبر ضعيف * وشباب يبلى وعز يبيد
ليت شعري متى أقول لنفسي * طاب في حبه الوصال الخلود
لذات
لله أيام لذات قضيت بها * حق الشباب وظل العيش ممدود
ما زلت ألبسها والدهر ينشرها * فاسود أبيضها وابيضت السود
الجميل
أورق جميلا يعيش المستظل به * فهكذا كل غرس عوده عود
وجد تجد ثمرات الحمد يانعة * فليس يحمد الا من له جود
أخلاق
لا ارى الإنسان انسانا إذا * لم أكن اعرفه بالمعرفة
لست ممن يرتضي أخلاقه * باخ أخلاقه مختلفة
معرفة
إذا وصف المرء شيئا * ولم يكن مستحقا لتلك الصفة
فذاك الدليل على أنه * قليل البضاعة في المعرفة
زمان
زمان بارت الأدباء فيه * فليس لهم بموسمه نفاق
يسوق إلي هما بعد هم * وعتبي عن مسامعه تساق
لاني لست أمل منه بقيا * وهل يبقى على القمر المحاق
حيرة
أبى الدهر ان تحلو مرارة طعمه * وان يتهنا فيه بالعيش ذائقه
إذا ما أتيت السهل من ما أحبه * لأسلك فيه وعرته عوايقه
(١٧٠)

فما حيلة الظمان في المورد الذي * إذا ما دنا منه تكدر رايقه
السيد ميرزا علي أصغر ابن ميرزا محمد حسين ابن ميرزا محمد تقي ابن
ميرزا إبراهيم بن محمد رضا بن محمد مهدي الشهيد ابن محمد إبراهيم بن
محمد بديع الرضوي النسب المشهدي البلد وباقي النسب في محمد بديع
توفي سنة ١٣٣٢ يوم الثلاثاء ثاني صفر ودفن تحت الرجلين قال في
الشجرة الطيبة: عالم جليل وحبر معتمد نبيل عمدة العلماء المحققين زبدة
الفضلاء المدققين الزاهد العابد العامل والإنسان الكامل كان في بداية عمره
في نهاية التقدس وغاية التقوى مجدا في تحصيل الكمال وتكميل الخصال
ويحضر دروس العلماء العظام حتى وصل إلى رتبة عليا ودرجة قصوى حتى
أذعن جميع الخلق بغزارة علمه ومقام زهده ورتبة ورعه وطيب أخلاقه
وكرائم ملكاته ولهذا صار مشمولا بنظر حجة الاسلام ميرزا إبراهيم
السبزواري وفي سنة ١٢٩٤ استصحبه معه إلى سبزوار وزوجه بابنة أخته
وبعد وفاة والده عاد سنة ١٣٠٤ إلى المشهد الرضوي وفي اخره تولى منصب
فراش الضريح المطهر من قبل متولي الآستانة.
المولى علي أصغر ابن المولى محمد يوسف القزويني.
كان تلميذ المولى خليل القزويني ومعاصرا لمحمد بن الحسن بن الحر
العاملي صاحب الوسائل له سفينة النجاة المشهور بالمقالات أيضا، فارسي
كبير في مجلدات.
السيد علي أصغر ابن السيد شفيع بن علي أكبر الموسوي الجابلقي
البروجردي.
توفي سنة ١٣١٣ ودفن بقم.
له طبقات الرواة في جزئين يروي عن أبيه بطرقه المذكورة في الروضة
البهية في الإجازة الشفيعية.
السيد علي أكبر ابن الميرزا محمد جعفر الحسني الحسيني اليزدي.
عالم لغوي أديب له تواليف كثيرة منها ١ نخبة الميزان في اللغة ألفه
باسم أبي الحسن التاجر الرشتي وطبع بطهران سنة ١٢٨٨ ٢ تفسير خرج
منه جزء إلى اخر سورة النساء ٣ شرح تهذيب ٤ شرح خطبة الزهراء
ع ٥ شرح الخطبة الشقشقية وغير ذلك.
المولى علي أكبر الطالقاني
قتل بخراسان سنة ١١٦٠
في ذيل اجازة السيد عبد الله بن نور الدين بن نعمة الله الجزائري:
كان فاضلا مدققا في غاية الذكاء والفراسة وسرعة الانتقال من المبادئ إلى
الغايات واستقامة السليقة الا انه كان ممتحنا بمعاشرة السلطان ومرافقته سفرا
وحضرا وكانت أكثر أوقاته ضائعة لا يتفرع فيها للمطالعة والاشتغال رأيته
أولا بالمشهد الرضوي ثم قدم إلينا سنة ١١٤٦ وتجاريت معه في البحث
فرأيته جوادا سباقا ثم اجتمعت معه في قزوين وفي أذربايجان بالمعسكر مرتين
وحضرت مجلس درسه أياما مع مولانا الشيخ محمد وجماعة من علماء
الاشراف وكان حسن الأخلاق منصفا مهتما بحوائج المؤمنين وله طرف ميل
إلى التصوف والى ما ذهب إليه صاحب المفاتيح في مسالة الغناء ووقع بينه
وبين آقا حسين ابن آقا إبراهيم المتقدم ذكره وهو شيخ الاسلام في المعسكر
مناظرة في ذلك وانقطع الكلام بينهما أخيرا على تحكيم ثالث يتراضيان به
فوقع رضاهما علي فسألاني عن ذلك في أثناء المسير ونحن خارجون من سور
قزوين متوجهون إلى أذربايجان واشترط كل منهما على الآخر ان لا يتكلم
بحرف واحد حتى ينتهي الجواب وكان معنا قاضي المعسكر الميرزا حسين ابن
الميرزا عبد الكريم الشيرازي الأصبهاني فنقلت لهم ما كان يحضرني في الحال
من أدلة الطرفين وما قيل أو يمكن ان يقال في وجوه دلالتها إلى أن انقطع
الطريق ونزلنا في المنزل وكل منهما يقول غفر الله لك نصرت مذهبي ونبهتني
على حجج ووجوه من التوجيه والتأويل كنت ذاهلا عنها الآن وقع الحكم
أخيرا على المولى علي أكبر وسلم ذلك لحسن انصافه وكان لتقربه من
السلطان محسودا من بعض الحواشي فقتلوه بخراسان.
الحاج علي أكبر النواب الآقا علي ابن الآقا إسماعيل ابن الآقا خليل الخراساني
المدرس بشيراز من لدن جده المتخلص ببسمل.
ولد سنة ١١٨٧ وتوفي سنة ١٢٦٣ من تلاميذ الحاج محمد حسن بن
معصوم القزويني الشيرازي له تحفة السفر في المعاني والبيان وله اثبات
الواجب وتذكرة دلگشا فارس في الشعراء ونور الهداية وسفينة النجاة حاشية
المدارك له تفسير بسمل.
صدر الاسلام الميرزا علي أكبر ابن الميرزا شير محمد الهمذاني.
ولد سنة ١٢٨٠ وتوفي بهمذان سنة ١٣٢٥ وحمل إلى النجف
الأشرف.
له ناسخ التفاسير قريب ثمانين ألف بيت فسر كلمات القرآن مرتبا على
حروف الهجاء.
الشيخ علي أكبر بن محمد باقر الإيجي الأصفهاني.
توفي في ١١ شوال سنة ١٢٣٢ في أصفهان ودفن في تخت فولاذ
عالم فقيه متكلم واعظ متبحر عابد متهجد مرتاض كثير الزهادة
والعبادة قليل الاكل والراحة.
١ له رسالة لطيفة في صلاة الليل ٢ رد على اليادري ٣ رد على
بعض رسائل الشيخ احمد الأحسائي ٤ رد على طريقة ميرزا محمد
الاخباري ٥ رسالة في المعراج ٦ رسالة في المواريث ٧ رسالة في مسائل
العبادات ٨ رسالة في الزكاة ٩ رسالة في الخمس ١٠ رسالة في
القضاء والشهادات ١١ رسالة في أن النافلة بسلام واحد وهو السلام
الأخير وانه لا يجوز الاتيان بتسليمات اخر وكتب السيد محمد باقر ردا
عليها فكتب المترجم ردا عليه فكتب السيد ردا على الرد.
الشيخ علي أكبر الملا باشي للسلطان نادر شاة.
ومعنى الملا باشي رئيس العلماء وذلك أن من عادة ملوك العجم ان
يكون لكل منهم عالم يلقب بالملا باشي يصحبه سفرا وحضرا يكون إليه
المرجع في الأمور العلمية والمناظرات التي تقع واستمر هذا إلى اخر دولة
القاجارية وقد كان بصحبة تيمورلنك ملا باشي تولى المناظرة مع علماء
حلب لما فتحها كما أشار إليه ابن الشحنة في تاريخه. وكان المترجم على
جانب من العلم والفضل كما يظهر من مناظرته مع السويدي الآتية:
(١٧١)

ذكره عبد الله السويدي البغدادي في رسالة الحجج القطعية
لاتفاق الفرق الاسلامية، ولا نعلم شيئا من أحواله الا من تلك الرسالة
ولولاها لضاعت آثاره كما ضاعت اثار الكثيرين غيره من علماء الشيعة لعدم
تدوينها.
وذلك أن نادر شاة بعد ما بايعه الإيرانيون بالسلطنة في آخر الدولة
الصفوية ١١٣٧ وفتح الهند وبلخا وبخارى وأفغانستان وجميع بلاد تركستان
وإيران وحاصر بغداد ثمانية أشهر وكاد يفتحها كان في تلك المدة يراسل
السلطان العثماني في عدة أمور منها الاعتراف بالمذهب الجعفري كالمذاهب
الأربعة وأن يكون له محراب خاص وامام في المسجد الحرام وأن يكون من
قبله أمير للحاج من طريق العراق وهو يتولى اصلاح البرك والآبار من طريق
زبيدة. وفي سنة ١١٥٤ أمر ببناء مشهد مولانا أمير المؤمنين
ع وتذهيب القبة والمنارتين والإيوان. وفي سنة ١١٥٦ غزا العراق
بجيش عظيم وحاصر البصرة وبغداد والموصل وفتح السليمانية وكركوك
وترددت الرسل بينه وبين احمد باشا ابن حسن باشا والي بغداد في الصلح
على شرط الاعتراف بالمذهب الجعفري كأحد المذاهب وجمع الشاة لذلك كل
مفت في بلاده من الشيعة وأهل السنة حتى بلغوا سبعين مفتيا وأرسل وهو في
العراق رسلا إلى الباشا يطلب منه ارسال عالم من قبله للمفاوضة مع العلماء
الذين بصحبته فأرسل السويدي فأكرمه الشاة واحترمه بعد ما كان خائفا
أشد الخوف حتى أنه بال دما وهو في الطريق ثم وصف دخوله على الشاة
وان عنده أربعة آلاف بنادقي يحرسون ليلا ونهارا وانه جعله في ضيافة
اعتماد الدولة ولم يترك نادر شاة من وسيلة في التقريب بين أهل السنة
والشيعة الا توسل بها كما يعلم من مراجعة الرسالة وما سننقله عنها مع ما
فيها من التحامل العظيم على الشيعة وعلى نادر شاة ووصفه بأقبح الصفات
مثل الباغي الخارجي وغيرها مع كل هذا الاكرام لكن كل هذه الوسائل
ذهبت ادراج الرياح بسبب التعصب وعدم الميل إلى الألفة ولولا ما حال
دونها من هذه التعصبات لانتجت نتائج حسنة للمسلمين.
ثم أمر الشاة باجتماعه مع الملا باشي للمناظرة وجعل على هذا
المجلس ناظرا وعلى الناظر ناظرا وعلى الآخر ناظرا اخر وكل لا يعلم
بصاحبه فخرج الملا باشي لاستقباله راجلا واجلسه فوقه وجلس متأدبا
والسويدي يقول إنه جلس كهيئة التلميذ ولكن هي عادة العجم في
جلوسهم على ركبة في مجالسهم مع كل أحد. قال السويدي ثم سألني
الملا باشي عن حديث أنت مني بمنزلة هارون من موسى الا انه لا نبي بعدي
فقلت انه حديث مشهور فقال إنه يدل بمنطوقه ومفهومه. على أن
الخليفة بعد النبي ص علي بن أبي طالب حيث أثبت له جميع منازل
هارون ولم يستثن الا النبوة والاستثناء معيار العموم فتثبت ان الخلافة لعلي
لأنها من جملة منازل هارون فإنه لو عاش لكان خليفة عن موسى
ع ودليل العموم الإضافة الدالة على الاستغراق بقرينة الاستثناء
فقلت أولا ان هذا الحديث اختلف فيه المحدثون فمن قائل انه صحيح ومن
قائل انه حسن ومن قائل انه ضعيف حتى بالغ ابن الجوزي فادعى انه
موضوع فكيف تثبتون به الخلافة وأنتم تشترطون النص الجلي فقال نعم
نقول بموجب ما ذكرت ودليلنا ليس هذا انما هو قوله ص سلموا على علي
بإمرة المؤمنين وحديث الطائر لكنكم تدعون انهما موضوعان وكلامي في هذا
الحديث لم لم تثبتوا الخلافة لعلي به قلت والاستغراق فيه ممنوع إذ من
جملة منازل هارون كونه نبيا مع موسى وعلي ليس كذلك باتفاق ونبوته مع
النبي ص لم تستثن وانما استثنيت بعده ومن جملتها كونه أخا شقيقا
لموسى وعلي ليس باخ والعام إذا تخصص بغير الاستثناء صارت دلالته ظنية
فليحمل على منزلة واحدة كما هو ظاهر التاء التي للوحدة فتكون الإضافة
للعهد وهو الأصل فيها والا بمعنى لكن نحو فلان جواد الا انه جبان
فالقضية مهملة يراد منها بعض غير معين وانما نعنيه من خارج وهو المنزلة
المعهودة حين استخلف موسى هارون على بني إسرائيل أخلفني في قومي
ومنزلة علي استخلافه على المدينة في غزوة تبوك فقال الملا باشي
والاستخلاف يدل على أنه أفضل والخليفة بعده فقلت لو دل على ذلك
لكان ابن أم مكتوم خليفة لأنه استخلفه على المدينة واستخلف غيره أيضا
ولو كان هذا فضيلة لما وجد علي في نفسه وقال أ تجعلني مع النساء والأطفال
والضعفة فقال ص تطييبا لنفسه أ ما ترضى الخ فقال ذكر في
أصولكم ان العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب قلت اني لم اجعل
خصوص السبب دليلا وانما هو قرينة تعين ذلك البعض المبهم فانقطع اه
ملخصا يقول المؤلف ما أجاب به السويدي لا يوجب الانقطاع ولكن ما
لنا وله انقطع أو لم ينقطع وليس للغائب ان يحكم على ما غاب عنه فلنذكر
ما عندنا في ذلك فنقول قد جرت العادة واستمرت الطريقة على أنه إذا
ورد حديث في فضل علي ع وتقديمه أو استدل به مستدل
يعمد أولا إلى سنده فينكر ولو كان من المتواترات أو مستفيضا فيتنزل من
الصحة إلى الحسن إلى الضعف إلى الوضع وتسليم السويدي ان هذا
الحديث مشهور وان قال بعض المحدثين بصحته أو حسنه يوجب تميزا
للسويدي وبعد بذل الجهد في انكار السند ولو كان مما لا ينكر والتشبث في
ذلك بكل متشبث ينتقل إلى الدلالة فتحتمل فيها الاحتمالات وتنتابها
التأويلات ولو كانت واضحة جلية أو نصا لا يحتمل التأويل شنشنة أعرفها
من أخزم ثم إن ما ذكره السويدي هنا لا يخلو من اضطراب فهو قد ذكر
اختلاف المحدثين في السند فما ربط ذلك بجلاء النص وخفائه وهو راجع
إلى الدلالة وكيف يقول له الملا باشي ان دليلنا حديث المنزلة وكيف سكت
عن الاعتراض عليه بذلك وكيف سلم له وضعه وهو مشهور رواه المحدثون
من الفريقين إما قول السويدي في منع الاستغراق ان من جملة منازل هارون
انه نبي مع موسى وأخ شقيق له وقد خصصا بغير الاستثناء والعام إذا
خصص بغير الاستثناء صارت دلالته ظنية فعجيب إذا الإضافة في نفسها
ظاهرة في العموم كالتعريف بال على ما تقرر في الأصول والظاهر حجة
والاستثناء يزيدها ظهورا ووضوحا ويجعلها نصا فيه أو كالنص لأنه اخراج
ما لولاه لدخل كما تقرر في علم العربية إما ان العام إذا خصص بغير
الاستثناء صارت دلالته ظنية فلا يفهم له معنى إذ العام لا يخرج عن الدلالة
الظنية خصص أو لم يخصص بل المعتبر في الدلالة الظهور لا الظن
الشخصي نعم الظهور يوجب الظن النوعي وعلى الظهور مدار الحجة في
أمور الدين والدنيا والاستثناء إذا أفاد الظهور زيادة أو نصوصية فلا يخرج
عنها إذا لم يعلم تخصيصه بمخصص معلوم غير ما أخرجه الاستثناء مثل ان
عليا ليس شريكا في النبوة ولا أخا فما رتبه على ذلك من حمل المنزلة على
منزلة واحدة ساقط لتمسكه بان ظاهر التاء الوحدة فان ظاهرها الوحدة لولا
الإضافة الظاهرة في العموم والاستثناء المؤكد لهذا الظهور الذي يجعله بمنزلة
النص وقوله الأصل في الإضافة العهد غير صحيح بل الأصل فيها
العموم كال وانما يحمل على العهد بقرينة وهي مفقودة وما زعمه قرينة من
(١٧٢)

استخلاف موسى هارون والنبي ص عليا في غزوة تبوك لا يصلح قرينة
لان العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما قال الملا باشي وجواب
السويدي عنه بأنه لم يجعل خصوص السبب دليلا وانما جعله قرينة على
تعيين البعض المبهم ساقط فانا قد بينا بقاء العام على عمومه وعدم صيرورة
القضية مهملة بما ذكره على أن الكلام ظاهر ظهورا تاما في أنه ليس مراد
النبي ص اني استخلفتك على النساء والضعفاء والأطفال كما استخلف
هارون موسى على قومه فان هذا ليس فيه شئ من التطييب لقلبه لظهور
الفرق بين المقامين فموسى استخلف هارون على قومه وجعل له منزلته فيهم
والنبي ص استخلف عليا على النساء والضعفاء فلم يأت له النبي
ص بشئ يرفع ما وقع في نفسه أو نفس غيره من الحزارة
بل أقرها وأثبتها فلا بد ان يكون أراد شيئا أعلى من ذلك وارفع ولو أراد
ذلك لم يحتج إلى قوله الا انه لا نبي بعدي بل يكون فضولا وزيادة لا محل لها في
كلام من هو أفصح من نطق بالضاد وأبلغهم هكذا تكون التأويلات المصادمة
للبديهة واما استثناء النبوة بعده وعدم استثنائها معه فلان ذلك محط النظر
وموضع الفائدة في اثبات منزلة هارون من موسى له وجعل الا بمعنى لكن
مع كونه خلاف الظاهر ومبنيا على بطلان العموم الذي بينا فساده لا يضر في
تأكيد العموم لان لكن والا التي بمعناها لا يخرجان عن إرادة الاستثناء
والاخراج من العموم السابق سواء سمي استدراكا واستثناء كما لا يخفى
قال ثم احتج الملا باشي بآية المباهلة و انه لا يقدم إلى الدعاء الا الأفضل
قلت هذا من باب المناقب لا الفضائل وكل صحابي اختص بمنقبة
لا توجد في غيره كما لا يخفى على من تتبع كتب السير قال المؤلف ولكن
عليا ع شارك جميع الصحابة في مناقبهم وانفرد عنهم بمناقب
كثيرة لم يشاركوه فيها كما لا يخفى على من تتبع كتب السير وانصف وهذه من
المناقب التي انفرد بها فتكون من الفضائل قال السويدي وأيضا القرآن
نزل على أسلوب كلام العرب ومحاوراتهم فإذا وقع حرب وجدال بين كبيرين
من عشيرتين يقول أحدهما للاخر أبرز أنت وخاصة عشيرتك وأبرز أنا
وخاصة عشيرتي دون الأجانب فلا يدل على أنه ليس في عشيرتهما أشجع من
خاصتهما قال المؤلف لا ندري من أين اتى السويدي بهذه العادة العربية
ولم نسمع ان أحدا من العرب فعلها في حروبهم ومخاصماتهم في الجاهلية
والاسلام وهذا علي لما طلب معاوية للمبارزة في حرب صفين لم يقل له أبرز
أنت وعشيرتك وابرز انا وعشيرتي بل كان ينهي بني هاشم عن المبارزة
ويكف الحسنين ع عن الحرب مطلقا والأصحاب والأصدقاء
لا تقدم عليهم العشيرة عند العرب ولا غيرهم في حرب ولا جدال لا سيما
إذا كانوا أفضل منها قال السويدي: وأيضا الدعاء بحضور الأقارب
يقتضي الخشوع لسرعة الإجابة فقال ولا ينشأ الخشوع الا من كثرة
المحبة فقلت هذه محبة جبلية طبيعية كمحبة الإنسان نفسه وولده أكثر
ممن هو أفضل منه ومن ولده بطبقات فلا تقتضي وزرا ولا اجرا والمقتضي
أحدهما هي الاختيارية قال المؤلف كل هذا ان أمكن ففي حق غير
الأنبياء ولا سيما أفضلهم الذي خضوعه على قدر معرفته بالله تعالى وعلى قدر صفاء
ذاته وطهارته لا يؤثر فيه حضور الأقارب ولا غيبتهم والذين حبهم وبغضهم في الله
تعالى وطبيعتهم وجبلتهم على ذلك لانهم متفانون في حبه تعالى لا يشركه فيه أحد من
قرابة ولا غيرها والقريب والبعيد عندهم في ذلك سواء ولهذا قال سلمان منا أهل البيت
وهو فارسي والقول بان النبي ص يحب نفسه وولده أكثر ممن هو أفضل منهم
بدرجات ازراء بمقامه ص ونسبة له إلى ما لا يرضى به بعض الأتقياء لأنفسهم وإذا
كان حضور الأقارب يوجب زيادة الخشوع من النبي ص ونسبة له إلى ما لا يرضى في
الفضل فلما ذا لم يجمع النبي ص جميع أقاربه من بني هاشم عند المباهلة ليزداد خشوعه
الموجب لسرعة الإجابة واقتصر على هؤلاء الأربعة وإذا كانت فاطمة وولداها أقرب
إليه فعلي ليس أقرب من عمه العباس وأولاده قال الملا باشي وفيها وجه آخر يقتضي
الأفضلية حيث جعل نفسه نفس علي في قوله: وأنفسنا وأنفسكم فقلت الله اعلم
انك لم تعرف الأصول ولا العربية فالأنفس جمع قلة مضاف إلى الدالة على الجمع
ومقابلة الجمع بالجمع تقتضي تقسيم الآحاد صرح بذلك في الأصول غايته انه اطلق
الجمع على الاثنين وهو مسموع واستعمله أهل الميزان في التعاريف وأطلق الأبناء على
الحسنين والنساء على فاطمة مجازا نعم لو كان بدل أنفسنا نفسي لربما كان له وجه ما
بحسب الظاهر ولو دلت الآية على خلافة علي لدلت على خلافة الحسنين وفاطمة
فانقطع قال المؤلف دعاء الإنسان نفسه محال والمجاز خلاف الأصل فيكون
المراد بأنفسنا على وحده مجازا كما اطلق على فاطمة نساءنا وعلى الحسنين أبناءنا لأنا
نقول المجاز على ما نقوله في أنفسنا فقط باطلاقه على الواحد وعلى ما تقولونه في أنفسنا
باطلاقه على الاثنين وفي ندعو باستعماله في دعاء الإنسان نفسه وغيره بلفظ واحد
وتقليل المجاز في الكلام أولي من تكثيره واما اقتضاؤه خلافة الحسنين وفاطمة
ع فنقول بها في الحسنين بعد أبيهما ولا نقول به في فاطمة لمكان الاجماع ثم
احتج الملا باشي بآية وانما وليكم الله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون
الزكاة وهم راكعون.
وقال أجمع المفسرون على انها نزلت في علي حين تصدق بخاتمه على
السائل وهو في الصلاة وانما للحصر والولي بمعنى الأولى منكم بالتصرف
فقلت لهذه الآية عندي أجوبة كثيرة وقبل ان أشرع في الأجوبة قال
بعض الحاضرين من الشيعة للملا باشي باللغة الفارسية اترك المباحثة مع
هذا فإنك كلما زدت في الدلائل فأجابك عنها انحطت منزلتك فنظر إلي
وتبسم وقال إنك رجل فاضل تجيب عن هذه وغيرها قال المؤلف وفي
اقتران ولايته بولاية الله وولاية رسوله وحصرها فيهم أقوى دليل على إمامته
وكان ينبغي للسويدي ان لا يترك الجواب عنها لقول بعض الحاضرين ولا
لقول الملا باشي ولا يترك للشك مجالا فإنه لا عطر بعد عروس وإذا ترك
الجواب عنها في المجلس فكان ينبغي ان يذكر أجوبتها في رسالته التي أكثر
فيها من التشنيع على الشيعة بغير حق وأبان فيها غلبته للملا باشي وقطعه
قال السويدي ثم قلت له أريد ان أسألك عن مسالتين لا تستطيع
الشيعة الجواب عنهما فقال وما هما قلت الأولى ما حكم الصحابة
عندكم قال ارتدوا الا خمسة حيث لم يبايعوا عليا بالخلافة قلت
كيف زوج علي ابنته أم كلثوم من عمر بن الخطاب فقال إنه مكره
فقلت انكم اعتقدتم في علي منقصة لا يرضى بها أدنى العرب فضلا عن
بني هاشم الذين هم سادات العرب وأكرمها أرومة وأفضلها جرثومة
وأعلاها نسبا وأعظمها مروءة وحمية وأكثرها نعوتا سمية وأدنى العرب يبذل
نفسه دون عرضه فكيف تثبتون لعلي وهو الشجاع الصنديد ليث بني غالب
أسد الله في المشارق والمغارب مثل هذه المنقصة التي لا يرضى بها اجلاف
العرب قال يحتمل أن تكون جنية تصورت بصورة أم كلثوم قلت
هذا أشنع ولو فتحنا هذا الباب لانسدت جميع أبواب الشريعة قال
المؤلف لا يقول أحد من الشيعة بان ترك المبايعة بالخلافة موجب
(١٧٣)

للارتداد بمعنى الخروج عن دين الاسلام لأن الخلافة ليست عندهم من
ضروريات الدين يكفر منكرها وليس فيهم من يقول بارتداد أحد من
الصحابة سوى من أجمع أهل السنة والشيعة عالي ارتداده كمن أنكر الرسالة
أو أنكر ما ثبت وجوبه أو تحريمه بالضرورة من دين الاسلام كوجوب الصلاة
والحج والصيام وتحريم الزنا والخمر والكذب وغير ذلك وكيف يتصور
متصور أو يتوهم متوهم انهم يقولون بالارتداد بمعنى الخروج عن دين
الاسلام في حق من يلتزم بضروريات الاسلام وأحكامه فكيف ينسبه
الملا باشي إلى الشيعة ان هذا ما لا يظن صدوره منه أما استدلاله بما
أطال به نعوت بني هاشم وأكثر فيه من الأسجاع بالأرومة والجرثومة
والحمية والنعوت السمية وفي أوصاف علي بالشجاع الصنديد وليث بني
غالب وأسد الله في المشارق والمغارب التي تذكر عند الاحتياج إليها في نصرة
الرأي ولم يطل العهد على انكاره أن تكون لعلي فضيلة انفرد بها وانما له
مناقب كما لغيره فالجواب عنه ان عليا ع مهما بلغت به
الشجاعة لم يكن أشجع من رسول الله ص ولا مساويا له وقد بقي
محصورا بالشعب ثلاث سنين وهو وبنو هاشم الذين هم سادات العرب
وأكرمها أرومة وأفضلها جرثومة وأعظمها حمية ونعوتا سمية كما وصفهم
السويدي مسلمهم وكافرهم لا يبايعون ولا يناكحون ولا يعاشرون حتى
كادوا ان يهلكوا وصبروا على هذه الخطة المضيمة ولم تدفع عنهم تلك الحمية
والأوصاف السمية والنفوس الأبية والنسب العالي وتلك الجرثومة والأرومة
وبعد خروجهم من الشعب بقي صابرا على اذى قريش لمن آمن به
وتعذيبهم إياهم ليفتنوهم عن دينهم وفيه شجاعة النبوة التي لا تصل إليها
شجاعة ليث بني غالب وفارس المشارق والمغارب ثم فر من قومه مختفيا في
الغار مع صاحبه الذي لم ينفرد عنه علي بفضيلة الشجاعة كما يقول
السويدي وقبل عام الحديبية في صلحه مع قريش بالشروط المجحفة بحقوق
المسلمين التي منها ان من جاءه مسلما فعليه ان يرده إلى قريش يقيدونه
بالسلاسل والأغلال ويعذبونه ومن جاءهم مرتدا أو غير مرتد ليس عليهم ان
يردوه إليه ولم يكن علي عندكم أشجع من موسى وهو نبي من اولي العزم
حين قال ففررت منك لما خفتكم ولا من نوح وهو كذلك إذ يقول رب اني
مغلوب فانتصر ولا من هارون إذ قال إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني
ولا من شعيب حين قال لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد إلى غير
ذلك. وهذا ليس معناه اننا نعتقد بأنه كان مكرها على ذلك ولكننا نقول إن
هذا الدليل لا ينفي عدم الاكراه. واما احتمال الجنية فهو السخافة بمكان
ولا يحتمله أحد من الشيعة ولا نظن أن الملا باشي فاه به ولو فعل لكان
جاهلا قال ثم سألته عن أم محمد بن الحنيفية فقال من بني حنيفة
فقلت من سبيهم فقال: لا أدري وهو كاذب فقال بعض الحاضرين من
علمائهم من سبيهم فقلت كيف ساع لعلي ان يأخذ جارية من السبي
والامام الجائر على زعمكم لا تنفذ احكامه فقال لعل أهلها زوجوه بها
فقلت هذا يحتاج إلى دليل فانقطع والحمد لله قال المؤلف لا ندري
كيف انقطع بهذا الجواب ولا نظن ذلك واقعا ومتى وجد الاحتمال بطل
الاستدلال فما زعمه السويدي من أنه استولدها بملك اليمين لا بالعقد هو
المحتاج إلى الدليل على أن سبي بني حنيفة وقتل مالك بن نويرة منهم وتزوج
خالد بزوجته أول من أنكره عمر بن الخطاب ونقم على خالد في ذلك ونزع
السهام التي كان وضعها في عمامته حين دخل المسجد وكسرها وطلب من
الخليفة ان يقيم عليه الحد والقصاص والقصة مشهورة فأين موضع
الاستدلال بسبي بني حنيفة.
ويحتمل قويا ان الملا باشي كان مأمورا من قبل الشاة بالتساهل مع
السويدي وعدم اكثار النزاع معه فلذلك سكت عن رد أجوبته التي ليس
فيها شئ يوجب انقطاعه كما بينا وقال السويدي: ثم أخبر الشاة بهذه
المناظرة طبق ما وقعت فامر باجتماع علماء إيران والأفغان وما وراء النهر وان
يرفعوا جميع ما يرونه منافيا وان أكون ناظرا عليهم ووكيلا عن الشاة فاجتمع
في المسقف الذي وراء ضريح الإمام علي سبعون عالما من علماء إيران فيهم
سني واحد وهو مفتي أردلان كتبت أسماء المشهورين منهم.
وهم ١ الملا باشي علي أكبر ٢ مفتي ركاب آقا حسين ٣ الملا
محمد امام لاهجان ٤ آقا شريف مفتي مشهد الرضا ٥ مرزا برهان
قاضي شروان ٦ الشيخ حسين المفتي بأرومية ٧ ميرزا أبو الفضل المفتي
بقم ٨ الحاج صادق المفتي بجام ٩ السيد محمد مهدي امام أصفهان
١٠ الحاج محمد زكي المفتي بكرمان شاة ١١ الحاج محمد الثماني
المفتي بشيراز ١٢ ميرزا أسد الله المفتي بتبريز ١٣ الملا طالب المفتي
بمازندران ١٤ الملا محمد مهدي نائب الصدارة بمشهد الرضا ١٥
الملا محمد صادق المفتي بخلخال ١٦ محمد مؤمن المفتي بأسترآباد ١٧
السيد محمد تقي المفتي بقزوين ١٨ الملا محمد حسين المفتي بسبزوار
١٩ السيد بهاء الدين المفتي بكرمان ٢٠ السيد احمد المفتي بأردلان
الشافعي وغيرهم من العلماء وهذا الآخر من علماء أهل السنة. ثم جاء علماء الأفغان
فكتب أسماؤهم وهم ١ الشيخ الفاضل الملا حمزة القلنجاني الحنفي مفتي الأفغان
٢ الملا امين القلنجاني قاضي الأفغان ٣ الملا دنيا الخلفي الحنفي ٤ الملا طه
الأفغاني الحنفي المدرس بنادرآباد ٥ الملا نور محمد القلنجاني الحنفي ٦ الملا عبد
الرزاق القلنجاني الحنفي ٧ الملا إدريس الايدالي الحنفي. ثم جاء علماء ما وراء
النهر يقدمهم شيخ جليل عليه المهابة والوقار يخيل للناظر انه أبو يوسف تلميذ أبي
حنيفة فكتبت أسماؤهم وهم ١ العلامة هادي خواجة الملقب بحر العلم القاضي
ببخارى ٢ مير عبد الله صدور ٣ قلندر خواجة ٤ ملا اميد صدور ٥ بادشاه
خواجة ٦ ميرزا خواجة ٧ الملا ابراهيك وكلهم بخاريون حنفيون وأنت ترى
ان السويدي ذكر أسماء علماء الشيعة مقتصرا عليها وذكر جماعة من غيرهم بأوصاف
التعظيم وابتدأ الملا باشي يقول لملا حمزة اننا مسلمون حتى عند أبي حنيفة قال في جامع
الأصول: مدار الاسلام على خمسة مذاهب وعد الخامس مذهب الإمامية وكذا
صاحب المواقف عد الامامية من الفرق الاسلامية وقال أبو حنيفة في فقه الأكبر لا
نكفر أهل القبلة وقال السيد فلان وصرح باسمه ونسبته في شرح هداية الفقه
الحنفي: الصحيح ان الامامية من الفرق الاسلامية وذكر أشياء كثيرة لا فائدة فيها
فلا نطيل بنقلها.
ثم قاموا وتصافحوا ويقول أحدهم للآخر أهلا بأخي وانقضى
المجلس قبيل الغروب يوم الأربعاء لأربع خلون من شوال سنة ١١٥٧
فنظرت فإذا الواقفون على رؤوسنا والمحيطون بنا من العجم ما يزيد على
عشرة آلاف وجاء اعتماد الدولة من عند الشاة وقد مضى من الليل أربع
ساعات فقال لي ان الشاة شكر فعلك وهو يرجو ان تحضر غدا في المكان
الأول ليكتبوا جميع ما قرروه ويضعوا خواتيمهم وتكتب شهادتك في صدر
الرقعة فحضرنا يوم الخميس كلنا والعجم متصلة من خارج من باب القبة
إلى باب الضريح يبلغون نحو الستين ألفا فاتوا بجريدة طولها أكثر من سبعة
(١٧٤)

أشبار فامر الملا باشي مفتي الركاب آقا حسين ان يقرأ قائما ففعل وهي باللغة
الفارسية مضمونها ان الله اقتضت حكمته ارسال الرسل حتى جاءت نبوة
نبينا محمد ص ولما توفي اتفق الأصحاب رضي الله عنهم على أفضلهم
أبي بكر الصديق رضي الله عنه فبايعوه حتى الإمام علي بن طالب بطوعه
واختياره ثم نصب أبو بكر الصديق عمر بن الخطاب للخلافة فبايعه
الصحابة كلهم حتى الإمام علي ثم جعلها شورى بين ستة أحدهم علي
فاتفقوا على عثمان بن عفان ثم استشهد فاجتمع الصحابة على علي وهؤلاء
الأربعة لم يقع بينهم تشاجر ولا نزاع وكان كل منهم يحب الآخر ويمدحه حتى
قال علي في الشيخين هما امامان عادلان قاسطان كانا على الحق وماتا عليه
وقال الصديق أ تبايعونني وفيكم علي بن أبي طالب فاعلموا أيها الإيرانيون ان
فضلهم وخلافتهم على هذا الترتيب فمن خالف فما له وولده وعياله ودمه
للشاه قال السويدي فاعترضت على لفظة النصب المذكورة في خلافة
سيدنا عمر وقلت للملا باشي ضع بدلها لفظة العهد لأن في لفظة النصب
شائبة انهم ناصبة فعارضني بعض الحاضرين وقال هذا خلاف ظاهر اللفظ
والمعنى الذي ذكرته لم يخطر ببال أحد ولا يقصده أحد واخشى ان تثور الفتنة
بسببك ووافقه الملا باشي فسكت وذكر انه اعترض على أشياء أخرى لا محل
لذكرها فلم يوافقوه عليها ثم وضعوا خواتيمهم في تلك الرقعة وفيها أيضا
كتابة عن لسان أهل النجف وكربلا والحلة والخوارز كذا فوضعوا فيها
خواتمهم ومنهم السيد نصر الله المعروف بابن قطة والشيخ جواد النجفي
الكوفي وغيرهم وكتابة عن لسان الأفغانيين وعلماء ما وراء النهر وفيها شهادة
على الإيرانيين بذلك فوضعوا خواتمهم فيها وقال شهدت في أعلاها وبعث
الشاة بالحلويات في صواني الفضة ومبخرة من الذهب مرصعة بالجواهر فيها
العنبر فتبخرنا واكلنا ووقف الشاة تلك المبخرة على حضرة سيدنا علي ثم
ارسل إلي وقربني وقال لي جزاك الله خيرا وجزى احمد خان أحمد باشا
خيرا فما قصر في اصلاح ذات البين وحقن دماء المسلمين أيد الله سلطان آل
عثمان وزاده عزا ورفعة ثم قال أريد ان تبقى غدا لاني امرت بصلاة
الجمعة في مسجد الكوفة وان تذكر الصحابة على المنبر على الترتيب ويدعى
لاخي الكبير سلطان آل عثمان ثم يدعى للأخ الصغير يعني نفسه وصبحة
الجمعة ارتحل إلى الكوفة وهي فرسخ وشئ وامر مؤذنيه فاعلنوا باذان
الجمعة فقلت لاعتماد الدولة ان صلاة الجمعة لا تصح عندنا في مسجد
الكوفة لعدم المصر عند أبي حنيفة ولعدم الأربعين من البلد عند الشافعي
فقال المراد حضورك لتسمع الخطبة فان شئت صليت وان شئت لا فذهبت
إلى الجامع فرأيته غاصا بالناس فيه نحو خمسة آلاف فيهم علماء إيران
والخانات وعلى المنبر امام الشاة علي مدد فتشاور الملا باشي وبعض علماء
كربلاء فامر الملا باشي بانزال علي مدد وصعد الكربلائي فحمد الله وأثنى عليه
وصلى على النبي ص ثم قال وعلى الخليفة الأول من بعده على
التحقيق أبي بكر الصديق وعلى الخليفة الثاني الناطق بالصدق والصواب
سيدنا عمر وعلى الخليفة الثالث جامع القرآن عثمان بن عفان وعلى الخليفة
الرابع ليث بني غالب سيدنا علي بن أبي طالب وولديه الحسن والحسين
وباقي الصحابة والقرابة رضوان الله عليهم أجمعين اللهم أدم دولة ظل الله
في العالم سلطان سلاطين بني آدم سلطان البرين وخاقان البحرين خادم
الحرمين الشريفين السلطان محمود خان ابن السلطان مصطفى خان أيد الله
خلافته وخلد سلطنته ونصر جيوشه اللهم أدم دولة من أضاءت به الشجرة
التركمانية ملاذ السلاطين وملجا الخواقين ظل الله في العالمين قران نادر
دومران ثم نزل وأقيمت الصلاة فاسبل يديه وجميع من وراءه من علماء
وخواقين واضعون ايمانهم على شمائلهم فقرأ الفاتحة والجمعة وقنت قبل
الركوع وجهر بتسبيحات الركوع ثم رفع رأسه قائلا الله أكبر بلا سمع الله
لمن حمده وربنا لك الحمد وقنت ثانيا جهرا ثم سجد سجدتين جلس بينهما
وجهر بالتسبيحات وقرأ في الركعة الثانية الحمد وسورة المنافقين وركع وسجد
وفعل كفعله الأول وتشهد فقرأ شيئا كثيرا ما فيه من تشهدنا الا السلام
عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته وجهر به وسلم على اليمين فقط واضعا
يديه على رأسه ثم ارسل الشاة حلويات كثيرة. ومما انتقده السويدي على
الخطيب انه كسر راء عمر مع أنه امام في العربية وشتم السويدي هنا الامام
أقبح الشتم مع أنه يمكن ان يكون لسانه سبقه إلى الكسر والإنسان محل
السهو والنسيان وإن كان إماما في العربية سيما في مثل ذلك المجمع العظيم
المهيب أو انه لم يخلص الفتحة كما يقع كثيرا فظهرت شبيهة بالكسرة فحمل
السويدي سوء ظنه الشديد على أن ظن به تعمد الكسر قال فقال لي
الاعتماد كيف رأيت الخطبة والصلاة فقلت إما الخطبة فلا كلام فيها واما
الصلاة فخارجة عن المذاهب الأربعة على غير ما شرط عليهم ان لا يتعاطوا
أمرا خارجا عن المذاهب الأربعة. فأخبر الشاة فغضب وأرسل لي معه
يقول أخبر احمد خان اني ارفع جميع الخلافات حتى السجود على التراب
يقول المؤلف يا عجبا للسويدي لا يرضيه عن الشيعة الا ان يتركوا
مذهب جعفر الصادق امام أهل البيت ويقلدوا المذاهب الأربعة التي ليس
مذهب جعفر دونها ان لم يكن خيرها والسجود على التراب جائز في المذاهب
الأربعة بل هو أفضل وأقرب إلى الخضوع لله تعالى الذي شرع السجود
لأجله فكيف يمنعه نادر شاة ليرضي السويدي ومع كل هذا التشدد كيف
يمكن اتفاق المسلمين الذي حاوله نادر شاة بكل جهده فحال دونه أمثال
السويدي ثم ذكر انه تذاكر مع الملا باشي في مذهب جعفر الصادق بما نقلناه
في الجزء الثاني من معادن الجواهر فلا نعيده هنا وأرسل الشاة صورة
الجريدة إلى أحمد باشا مع السويدي وأرسل بعد ذلك السيد نصر الله
الحائري ليكون إماما في مكة المكرمة وأرسل معه هدايا إلى شريف مكة
فحاول أهل مكة قتله ثم جاءه الامر بالسفر إلى اسلامبول للسفارة بين الشاة
والسلطان فاستشهد فيها لأجل التشيع فبطلت مساعي نادر شاة في جمع كلمة
المسلمين.
وذكرنا ملخص هذه الرسالة بطولها في هذه الترجمة وان خرجت عن
مقاصد الكتاب لما فيها من الوقائع التاريخية والمناظرة التي لا يمكن للانسان
ان يمر بها ولا يبدي رأيه فيها والشئ بالشئ يذكر والحديث شجون.
ميرزا علي أكبر ابن ميرزا شيران الهمداني الملقب صدر الاسلام.
توفي حدود سنة ١٣٣٤ بهمذان
كان في أول امره كاتبا عند الأمير زين العابدين الشوريني الملقب بأمير
أفخم حاكم همذان ثم ترك الخدمة عنده وتزهد وذهب إلى النجف فطلب
العلم هناك عند الميرزا السيد محمد حسن الشيرازي وغيره ثم عاد إلى
همذان وكان من أفضل العلماء وكان مرتاضا منزويا عن الخلق له من
المؤلفات ١ البحر المكفوف في علم الجفر والحروف ٢ تكاليف الأنام في
غيبة الامام ٣ مثنوي المسمى باب حياة شعر فارسي في المواعظ والحكم
مطبوع ٤ الدعوة الحسنى في الأدعية الحسنى مطبوع ٥ ناسخ التفاسير في
(١٧٥)

تفسير القرآن لم يتم ٦ نور على نور في شرح زيارة عاشور مطبوع وغير
ذلك من المصنفات.
السيد علي أكبر الغالي الشيرازي الموسوي.
توفي سنة ١٣١٩ بشيراز.
قال السيد شهاب الدين الحسيني فيما كتبه إلينا: كان عالما جليلا ذا
رياسة وجلالة بشيراز سفره السلطان ناصر الدين شاة القاجاري إلى طهران
في السنة التي سفر بها عدة من علماء إيران إلى طهران وذريته بيت علم
وجلالة ومن مشاهير احفاده العالم الفاضل السيد حسام الدين الغالي وهو
الآن بمشهد الرضا ع اه.
ميرزا علي أكبر القمي المعروف بالحكمي.
توفي بقم ٢٢ جمادى الثانية سنة ١٣٢٢ ودفن بمقبرة شيخان وهي
مقبرة معروفة فيها كثير من قبور العلماء واجلاء الرواة منهم زكريا بن آدم
وآدم بن إدريس الأشعريين وغيرهما.
كان من نوابغ قم في الفقه والأصول والحكمة قرأ على الميرزا أبي
القاسم الكلانتري صاحب التقرريات المشهور وعلى السيد صادق
الطباطبائي والميرزا حسن الآشتياني الطهراني الشهير وله مؤلفات في الفقه
والأصول والعلوم العقلية منها ١ شرح على الشواهد الربوبية لملا صدرا
٢ شرح على رسائل الشيخ مرتضى ٣ شرح على مكاسبه القمي
المعروف ببائين شهري من العلماء.
السيد علي بن أمير كيا بن حسن كيا الحسيني العلوي.
وتمام النسب في أحمد بن حسن أبي أحمد بن السيد محمد بن مهدي
ابن أمير كيا حفيد أخي المترجم.
قتل مع أخيه السيد مهدي في رشت سنة ٧٩٩ وقت صلاة الجمعة.
في مجالس المؤمنين: كان متحليا بحلية الفضل والفصاحة وعلو الهمة
والشجاعة.
وفي المجالس: ان أمير كيا والد المترجم كان قد وقع في نفسه طلب
السلطنة في جيلان فصار امراء جيلان بصدد طلبه فذهب مع أهل بيته إلى
رستمدار وتوفي هناك سنة ٧٦٣ وان المترجم سافر بعد وفاة والده باتفاق
اخوته من رستمدار إلى مازندران واتصل بوالي مازندران السيد قوام الدين
فأعزه وأكرمه وأخيرا في أيام الأمير تيمور الكوركاني تيمورلنك بايعه أهل
كيلان واجلسوه على سرير السلطنة وأرسل جيشا إلى رشت واستولى عليها
ثم قتل مع أخيه مهدي بالتاريخ المتقدم بعد ما استولى على تمام كيلان وتولى
السلطنة بعده ولده رضا كيا وكان الأمير تيمور قد ارسل إلى المترجم كتابا
فاجابه عليه ويظهر من الجواب فضله وعظم نفسه وعلو همته.
علي بن انجب المعروف بابن الساعي البغدادي.
توفي سنة ٦٨٤.
كان فقيها اخباريا محدثا مؤرخا وهو صاحب التصنيفات الأنيقة
والتأليفات الرشيقة لفن التاريخ وغيره قال في كشف الظنون: تاريخ ابن
الساعي وهو كبير يزيد على ثلاثين مجلدا وله تاريخ اخر لشعراء عصره وله
أيضا في هذا المعنى تاليف كثيرة منها اخبار الخلفاء واخبار المصنفين واخبار
الحلاج واخبار المدارس واخبار قضاة بغداد والجامع المختصر ومناقب الخلفاء
والمعلم الأتابكي والمقابر المشهورة وغرر المحاضرة وطبقات الخلفاء وغير ذلك
ومن مؤلفاته مختصر اخبار الخلفاء ثم اختصاره أواخر سنة ٦٦٦ مطبوع
بمصر.
وله كتاب تاريخ ينقل عنه الكفعمي في الجنة الواقية المعروف
بالمصباح قال فيه صفحة ١٧٠ وفي تاريخ علي بن انجب المعروف بابن
الساعي ان من واظب على هذا الدعاء تيسر له الرزق وتسهلت له أسبابه:
اللهم يا سبب من لا سبب له يا سبب كل ذي سبب يا مسبب الأسباب من
غير سبب صل على محمد وآل محمد وأغنني بحلالك عن حرامك وبطاعتك
عن معصيتك وبفضلك عمن سواك يا حي يا قيوم اه وقال في الحاشية قال
ابن الساعي في تاريخه واظب عليه أحمد بن محمد الغاري الضرير وكان فقيرا
فكثر رزقه وصار ذا ثروة ويسار اه.
علي آغا البغدادي الشريف العلوي.
كان حيا سنة ١٢٢٧
هو ابن أخي الحاج احمد آغا البغدادي المشهور المارة ترجمته في محلها
الذي كان آغا القول في الشام في زمن الجزار والمترجم كان عند والي صيدا
فأرسله متسلما إلى صور حاكما وفي سنة ١٢٢٧ أرسله للشام متسلما ثم إن
الوالي نصبه قائم مقام وعن كتاب ميخائيل الدمشقي انه كان فريد
الأوصاف ذكي العقل متوقد الفهم وكانت الناس راضية منه في مدة ولايته
ويميل للنصارى وعنده معروف ورقة لكنه كان بخيلا اه.
السيد علي بن تقي بن علي الحسيني المدني.
ذكره السيد ضامن بن شدقم الحسيني المدني في كتاب انسابه فقال امه
أم ولد حبشية كان سيدا جليل القدر رفيع المنزلة عظيم الشأن عالي الهمة
وافر الحرمة كريم الأخلاق ذا مروءة وشهامة وجود ونجدة وصلابة وطيب
منطق وذاربة وشرف ذات وعفاف كثير التواضع والحلم فطنا ذكيا ذا فراسة
وكظم غيظ وفي سنة ١٠٥٥ توجه إلى دار السلطنة الصفوية أصفهان ثم عاد
إلى الأهل والوطن وفي عام أظنه سنة ١٠٦٠ توجه إلى الشام ومنها إلى
استانبول ثم عاد إلى الوطن فمر بمصر دار السلطنة العظيمة فأقام بها برهة وفي
شهر ذي الحجة سنة ١٠٦٥ حج البيت الحرام واتجه بسلطان الحرمين
الشريف زيد بن محسن بن حسين بن حسن بن أبي نما الحسيني فانعم عليه
بمنصب النقابة على السادة الاشراف بني حسين فسلك بهم نهج آبائه الكرام
وكانت ناصيته عليهم مباركة ميمونة وبالخيرات إليهم متواترة ولمصالحهم
بجده ساعيا فمنها انه عرض أحوالهم بالمكاتبة إلى الشاة عباس ابن الشاة
صفي فاجابه لسؤاله وامر له باجراء ما أوقفه جده الشاة عباس فلم يزل
مغل الأوقاف والخيرات من الأقطار عليهم متواصلا فغلب عليهم الحسد
فتعاهدوا على عزله عنهم والتمسوا من الشريف زيد عزله ونصب غيره
عليهم ممن اختاروه بعد البذل منهم فانقطعت عنهم تلك المواد وتولى عليهم
أهل الجهل والعناد والبغي والفساد وتوفي المترجم في العشر الأول من
شهر رمضان سنة ١٠٨١ ودفن في أزج جده الحسن.
(١٧٦)

الشيخ علي التولاني
نسبة إلى تولان بمثناة فوقية وواو ولام وألف ونون، ببالي اني رأيت في
بعض المواضع ولا أتذكره الآن انه اسم قرية بنواحي البصرة.
والظاهر أنه من تلاميذ الشهيد الأول محمد بن مكي العاملي وشركاء
أحمد بن فهد الحلي عند الشهيد. له الرسالة التولانية في أحكام الطهارة
والصلاة رأيت منها نسخة في المكتبة الرضوية بخط قاسم بن الحسن سنة
٩١٧ كتب على ظهرها هكذا:
هذا كتاب التولانية تصنيف الشيخ علي التولاني. ويظهر انه كان
بدل تصنيف الشيخ علي التولاني تصنيف أحمد بن فهد ثم محي وكتب هذا
بدله. وكتب تحت ذلك هو تلميذ الشهيد محمد بن مكي. وكتب بجانب
ذلك هذا كتاب التولانية تصنيف الشيخ يوسف بن أبي... وهو تلميذ
الشيخ شهيد مع أحمد بن فهد وفيها في صلاة المسافر ما صورته قال بعض
مفيدي وكتب في الحاشية على لفظه مفيدي قبل هو الشيخ أحمد بن فهد
وكتب تحته هذا غير واقع لان مصنف هذا الكتاب الشيخ أحمد بن فهد.
وتاريخ كتابة النسخة سنة ٩١٧ وينقل في الرسالة عن الشهيد وعن
الفخر. ويستفاد مما مر ان الناسخ توهم كون النسخة لابن فهد وعلى ذلك
ابتنى ما كتب في الحاشية ان المؤلف أحمد بن أحمد لكن الظاهر أن هذا
اشتباه لدليل التغيير للاسم من ابن فهد إلى الشيخ علي وبدليل ما في
الحاشية من أن بعض مفيدية قيل إنه ابن فهد ويبقى الترديد بين كون اسمه
الشيخ علي أو الشيخ يوسف وهو من تلاميذ الشهيد وشريك ابن فهد في
الدرس فليراجع ولكن وجود محمد بن علي التولاني يؤيد ان اسمه الشيخ
علي. إما التولانية والتولاني واحتمال كونه تصحيف التوليني والتولينية نسبة
إلى تولين قرية في جبل عامل وانه الشيخ علي التوليني العاملي ليس
بصواب.
ويأتي في المحمدين الشيخ جمال الدين محمد بن علي التولاني البصري
وانه من مشايخ السيد بدر الدين حسن بن علي بن شدقم صاحب زهر
الرياض والظاهر أنه ولد الشيخ علي هذا.
الشيخ زين الدين علي التوليني النحاريري العاملي.
له الكفاية في الفقه وهو تلميذ الفاضل المقدار ويروي عنه الشيخ
جمال الدين احمد ابن الحاج علي العيناثي كما في اجازة الشيخ نعمة الله بن
خاتون وينقل عنه الكفعمي في بعض مجاميعه كما ذكره في الرياض وحكى
فيه صورة حكاية اجازة الشيخ عز الدين حسن بن أحمد بن محمد بن
سليمان بن فضل لبعض تلاميذه وخص فيها بالإجازة فتاوى كفاية الشيخ
زين الدين علي التوليني ولعله بعينه ورسالة الصلاة للتوليني موجودة في
الخزانة الرضوية وكتابتها سنة ٩١٧.
الشيخ أبو الحسن علي الجرجاني.
له تكملة السعادات في كيفية العبادات المسنونات فارسي قال في
الرياض انه من أجلة العلماء المعاصرين للعلامة وفرع من تكملة السعادات
سنة ٧٠٢ ه.
علي بن الجعد أبو الحسن الجوهري شيخ البخاري
توفي سنة ٢٣٠ عن ست وتسعين سنة.
في كامل ابن الأثير في هذه السنة مات علي بن الجعد أبو الحسن
الجوهري وهو من مشايخ البخاري وكان يتشيع اه.
علي بن جعفر الصادق المعروف بالعريضي.
له قبر في قم عليه قبة مزور وممن صرح بأنه قبره في قم المجلسي
الأول وقال المجلسي الثاني إما كونه مدفونا بقم فغير مذكور في الكتب
المعتبرة لكن اثر قبره الشريف موجود وعليه اسمه مكتوب وفي خارج سمنان
قبة عالية وصحن في غاية النزاهة معروف بقبر علي بن جعفر ولكن الحق ان
قبره بالعريض في ناحية المدينة كما هو معروف عند أهل المدينة وعلى قبره قبة
عالية وقبره مزور والظاهر أن القبر الذي في قم والذي في سمنان لشخصين
آخرين مشاركين له في الاسم واسم الأب فتبادر الذهن إلى الفرد الأكمل
كما يقع كثيرا ويحصل به الاشتباه.
الشيخ علي ابن الشيخ جعفر صاحب كشف الغطاء ابن الشيخ خضر
المالكي النسب الجناجي المحتد النجفي المولد والمنشأ والمسكن.
توفي في كربلاء فجاة في رجب سنة ١٢٥٣ وحمل إلى النجف فدفن في
مقبرتهم.
المالكي نسبة إلى آل مالك من قبائل عرب العراق والجناجي
نسبة إلى جناجيا من قرى سواد العراق. ذكره سبط أخيه الشيخ علي ابن الشيخ
محمد رضا ابن الشيخ موسى أخي المترجم في كتابه طبقات الشيعة وذكره
غيره: كان عالما فاضلا ورعا زاهدا عابدا فقيها أصوليا مجتهدا محققا مدققا
شاعرا أديبا جليل القدر عظيم المنزلة وله مشاركة جيدة في العلوم العقلية
والأدبية، رأس بعد أخيه الشيخ موسى وتصدر للتدريس والإفتاء مع كثرة
مراعاة الاحتياط مهيبا وقورا كثير الصمت ذاكرا لله تعالى في أغلب أوقاته
مواظبا على عبادته في نوافله وواجباته آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر لا تأخذه
في الله لومة لائم وكان أبوه يصحبه في أسفاره ويفديه بنفسه إذا عبر عنه
كما يدل على ذلك رسالته التي كتبها في أصفهان باستدعائه وكان مصاحبا له
في سفره ذلك. قرأ على أبيه وتخرج به وتفقه عليه، واقبل على الاخذ منه
والتخرج به خلق في النجف وكربلا وكان يقيم في السنة ثلاثة أشهر أو
أربعة في كربلاء في داره التي كانت فيها باستدعاء من طلبتها للحضور عليه
فيزدحم عليه طلبة العجم الذين يقرؤون على شريف العلماء المازندراني
ومنهم السيد إبراهيم القزويني صاحب الضوابط وممن تخرج عليه من مشاهير
الفقهاء والأصوليين الشيخ مشكور الحولاوي والشيخ مرتضى الأنصاري
والأخوند زين العابدين الكلبايكاني والشيخ جعفر التستري والشيخ احمد
الدجيلي والشيخ حسين نصار والشيخ طالب البلاغي والميرزا فتاح
المراغي صاحب العناوين وأغلبها تقرير دروسه وصهره السيد مهدي
القزويني وابن أخته الشيخ راضي ابن الشيخ محمد والسيد علي الطباطبائي
والسيد حسين الترك والحاج ملا علي بن الميرزا خليل الطبيب والشيخ
مهدي ابن المترجم وغيرهم. لم يعن كثيرا بالتأليف في الفقه قيل له في ذلك
فقال اباني جيده وأبيت رديه لم يصنف سوى ١ شرحه على الروضتين جملة
من أبواب البيع إلى آخر الخيارات وطبعت الخيارات منه فقط في طهران
(١٧٧)

وبعض يقول إن الخيارات شرح على قواعد العلامة فلتراجع ٢ حاشية
على رسالة والده بغية الطالب بعمل المقلدين وفي عصره اشتهر صاحب
الجواهر حتى صار يعد نظيرا له ولكنه لم يفقه ويقال انه لما كان أمر التقليد
مرددا بينهما اجتمع جماعة لتعيين الأفضل منهما فرجحوه على صاحب
الجواهر فسال صاحب الجواهر بعضهم قائلا: ما فعلت سقيفة بني ساعدة
فاجابه قدموا عليا فاستقل الشيخ محمد حسن بالتدريس من ذلك اليوم حتى
انتهت إليه الرياسة وكانه إلى ذلك يشير الشيخ عبد الحسين آل محيي الدين
في أبياته اللامية الهائية وذكرت في ترجمة الشيخ محمد ابن الشيخ علي ابن
الشيخ جعفر وينقل عنه انه كان يطوف ليلا على الأرامل واليتامى ويدفع
لهم صرر الدراهم ولا يخبرهم بنفسه تأسيا بأئمته الاطهار وكان اخوه الشيخ
موسى بني أساس المسجد الذي بجنب مقبرتهم ثم توفي قبل اتمامه فأتمه هو
وكان يقيم فيه الجماعة.
ورد إلى كربلاء لبعض الفتن التي وقعت في النجف مع أخيه الشيخ
موسى فأكب عليهما الفضلاء من أهل العلم وكانت كربلاء يومئذ هي محط
الطلبة فيها ألف فاضل من علماء إيران يحضرون دروس شريف العلماء
فحضر بعضهم درس الشيخين فاستحسنوا فقههما ومكانا يدرسان الفقه لا
غير ثم عاد المترجم بعد ستة أشهر مع أخيه الشيخ موسى إلى النجف وفي
تلك السنة توفي شريف العلماء فورد النجف ألف طالب من طلبة كربلاء
وسكنوا النجف حبا بدرس المترجم وأخيه الشيخ موسى ثم توفي الشيخ
موسى فاستقل الشيخ علي بالتدريس ومنها صارت النجف مرجعا لأهل
العلم من إيران وقبلها كربلاء ولم يكن في النجف طلبة من إيران.
شعره
له من قصيدة:
قل للمليحة من بنات الصيد * قولا يذوب له حشا الجلمود
لم لم ترقي في الهوى لمتيم * هل بين جانحتيك قلب حديد
أمرضت جثماني عليك صبابة * وكحلت جفن العين بالتسهيد
ما غردت فوق الغصون حمامة * الا وهمت إليك بالغريد
كم أدمع لي صوبتها زفرة * عن حر قلب ذاب بالتصعيد
ومفند لي في هواك سفاهة * قد ضل نهج الحق بالتفنيد
لو كان يبصر بعض ما أبصرته * القى الزمام إلي بالتقليد
يا بنت من يروى حديث فخاره * عن خير آباء له وجدود
كم ساق للعشاق خلفك موكب * والحسن تحت لوائك المعقود
ما زلت في بحر الكابة طافحا * حتى استوى بي فوق متن الجودي
وله في أمير المؤمنين:
أ حاجك برق في دجى الليل لامع * نعم واستخفتك الربوع البلاقع
هجرت الحمى لا انني قد سلوته * فكيف ولي قلب إليه ينازع
ولكنني جانبت قوما كأنني * لآنافهم مهما يروني جادع
سأشكوهم والعين يسفح ماؤها * وطير الجوى بين الجوانح واقع
إلى من إذا ما قيل من نفس احمد * أشارت إليه بالأكف الأصابع
وروح هدى في جسم نور يمده * شعاع من النور الإلهي ساطع
يريك الندى في الباس والباس في * التقى صفات لاضاد المعالي جوامع
أقول لقوم أخروك سفاهة * وللذكر نص فيك ليس يدافع
ألا أنما التوحيد لولا علومه * لما كشفت للناس عند البراقع
وله يرثي الحسين ع:
سهام المنايا للأنام قواصد * وليس لها الا النفوس مصائد
أنأمل ان يصفو لنا العيش والردئ * له سائق لم يلو عنا وقائد
ألم تر انا كل يوم إلى الثرى * نشيع مولودا مضى عنه والد
وحسبك بالاشراف من آل هاشم * فقد اقفرت أبياتهم والمعاهد
وقفت بها مستنشقا لعبيرها * ودمعي مسكوب وقلبي واجد
مهابط وحي طامسات رسومها * معاهد ذكر أوحشت ومساجد
وعهدي بها للوفد كعبة قاصد * فذا صادر عنها وذلك وارد
وأين الالى لا يستضام نزيلهم * إليهم والا ليس تلقى المقالد
ذوو الجبهات المستنيرات في العلى * تقاصر عنها المشتري وعطارد
سما بهم في العز جد ووالد * ومجد طريف في الأنام وتالد
وما قصبات السبق الا لماجد * نمته إلى العليا كرام أماجد
وأعظم احداث الزمان بلية * بكتها الصخور الصم وهي جلامد
وفي القلب أشجان وفي الصدر غلة * إذا رمت ابرادا لها تتزايد
أ يمسي حسين في الطفوف مؤرقا * وطرفي ريان من النوم راقد
ويمسي صريعا بالعراء على الثرى * وتوضع لي فوق الحشايا الوسائد
فلا عذب الماء المعين لشارب * وقد منعت ظلما عليه الموارد
ولم ير مكثور أبيدت حماته * وعز مواسيه وقل المساعد
بأربط جاشا منه في حومة الوغى * وقد أسلمته للمنون الشدائد
همام يرد الجيش وهو كتائب * بسطوته يوم الوغى وهو واحد
وله يرثي الحسين:
مررت بكربلاء فهاج وجدي * مصارع فتية غر كرام
حماة لا يضام لهم نزيل * أماجد برئوا من كل ذام
أسائل ربعها عن ساكنيه * ولاة العز والرتب السوامي
ومثل لي الحسين بها غريبا * عنائي للغريب المستضام
تكاد النفس ان ذكرته يوما * تفر من الحياة إلى الحمام
يحامي عن حقيقته وحيدا * بنفسي ذلك البطل المحامي
بعين للعدي ترنو واخرى * بها يرنو إلى نحو الخيام
سعى للحرب يهتز ارتياحا * ونار الحرب موقدة الضرام
تقارعه الهموم فيلتقيها * بقلب مثل حامله همام
إلى أن خر فوق الترب ملقى * على الرمضاء عز له المحامي
ولم أر مثل يومك والسبايا * على الأقتاب تهدى للشئام
ولم أر مثل رزئك ليس ينسى * على الأيام عاما بعد عام
هو الرزء الذي ابتدع الرزايا * وقال لا عين الأعداء نامي
أ لا يا كربلاء كم فيك بدر * علاه الخسف من بعد التمام
وكم من آل احمد من أبي * قضى ظما ولج الماء طامي
فهذا موثق عان وهذا * عليل لا يفيق من السقام
وذاك مجرع كأس المنايا * بضرب السيف أو رشق السهام
وأفئدة العقائل من معد * لها خفقان أجنحة الحمام
الا من مبلغ عني قريشا * لدى البطحاء والبلد الحرام
لأنتم أطول الثقلين باعا * وأبعد موطنا عن كل ذام
(١٧٨)

فلا حملت عواتقكم سيوفا * ورأس السبط فوق الرمح سامي
ولا ركبت فوارسكم خيولا * وصدر السبط مرضوض العظام
ولا حجبت كرائمكم خيام * ورحل السبط منهوب الخيام
ولا نقع الغليل لكم رواء * وسبط محمد في الطف ظام
ولا بلغ الفطام لكم صبي * ويذبح طفله قبل الفطام
وأنصار له في الله باعوا * حياة النفس بالموت الزؤام
إذا شبت لظى الهجاء كانوا * امام الدارعين إلى الامام
حموا وسموا فما حام وسام * سواهم من بني حام وسام
لقد نالوا المنى وجنوا ثمارا * من الشرف الرفيع المستدام
أ يا بن المقدمين على المنايا * إذا ما الصيد تحجم في الصدام
وهم حجج الاله على البرايا * بهم عرف الحلال من الحرام
تحلى بالعلى قوم سواهم * فكان نصيبهم منها الأسامي
الشيخ علي الشرقي (١)
ولد سنة ١٣٠٨ في النجف وتوفي سنة ١٣٨٤ في بغداد ودفن في
النجف الأشرف هو ابن الشيخ جعفر الشروقي المترجم في موضعه من هذا
الكتاب. قال جعفر الخليلي في بعض ما كتب عنه:
كان في مدينة النجف الأشرف عدد من الشبان الذين لفتوا إليهم
انظار شيوخ الأدب فأدخلوا في أذهان الجميع بما كتبوا ونظموا ونشروا
انهم سيكونون هم شيوخ الأدب وزعماءه في المستقبل. وكان الشيخ محمد
رضا الشبيبي والشيخ علي الشرقي في طليعة أولئك النفر من أدباء الشباب،
واتسعت دائرة أفكارهم وهم لا يزالون في أول مراحل الشباب فاتصلوا
بالعالم الخارجي وتتبعوا حركته الثقافية وعرفوا اخباره، فيوم غرقت الباخرة
تيتانيك سنة ١٩١٢ على اثر اصطدامها بجبل الثلج في المحيط الأطلنطيقي كان
الشبيبي والشرقي من أوائل شعراء العرب ان لم يكونا أول شاعرين تحسسا بهذه
النكبة وعمقها فراحا يصورانها في الشعر تصويرا غاية في الروعة ويعرضان للهلع
والفجيعة ألواحا تستفز المشاعر، وتتدفق بالعظات والامثال فهذا الشبيبي يقول في
بعض ما يقول عن عبر الحياة وقد نشرت مجلة لغة العرب قصيدته في حينها وهو يخاطب
الباخرة تيتانيك:
أ مليكة البحر اسمعي لك أسوة * في الأرض كم ثلث عروش ملوك
انى ينجيك الحديد وما نجوا * باشد من فولاذك المبسوك
ولم يتم الشرقي العقد الثاني من العمر يوم نشرت له مجلة العرفان
القصيدة التي يرثي بها تيتانيك فيقول فيها:
فيا جبل الجليد ولست أرسي * فتكت وكيف في جبل الحديد
وما اصطدمت جسوم في جسوم * بل اصطدمت جدود في جدود و
للشرقي شعر ينعي فيه الجمود والقيود، ويبكي الحرية ويستنهض
البلاد وينفخ في الشباب روح الفتوة وهو لم يزل فتى لا يزيد عمره على بضع
عشرة سنة مما يدل على سرعة نضجه ورهافة حسه إذ يقول
بنود البلاد قلوب الشباب * ترف فترمز عنها البنود
وان الحديد رؤوس الرجال * إذا عمرت لا البراري الحدود
أ لا تتحرك هذي القلوب * فما اخر الرق الا الجمود
لقد قيدونا بعادتهم * ضلالا فعضت علينا القيود
ومن أوائل نظمه قصيدة يثور فيها على عزوف البلاد عن الاخذ
بالجديد وذلك قبل الحرب العظمى الأولى بعدة سنين وهو في سن تدل على
نبوع الشاعر بسبب عمق تأثره بالعالم الخارجي إذ يقول:
وما بلد ضمني سجنه * ولكنه قفص البلبل
ترف جناحاه لم يستطع * مطارا فيفحص بالأرجل
لقد اقفلوا باب اماله * فحام على بابه المقفل
والحق ان هذا النفر من الشباب هو الذي نقل النضج الفكري
والوعي السياسي، والآراء الحديثة إلى النجف ان لم يكن إلى العراق كله إذ
لم يسبق لجماعة كبيرة في أية مدينة من مدن العراق ان تجاوبت مع الحضارة
الحديثة والأفكار الجديدة مثل هذا التجاوب في مثل تلك الأيام العصيبة.
والشرقي وليد أبوين لهما شأن غير قليل فيما أورثا ابنهما هذا من
ملكات حسية وشعرية، فأبوه الشيخ جعفر الشروقي عالم وأديب وشاعر،
وامه من آل الجواهري وهي أخت الشيخ عبد الحسين الجواهري، والشيخ
عبد العزيز الجواهري ووالد محمد مهدي الجواهري الشاعر ووالد عبد
الهادي الجواهري.
والشروقي نسبة يطلقها الناس على قبائل الجنوب ودجلة والجنوب
الشرقي من العراق وقد حول الشيخ علي الشرقي هذا الشروق إلى
الشرق فعرف بالشرقي ليس بقصد التصحيح وحده وانما تنزيها عما
كان يرافق مفهوم كلمة الشروقي عند النجفيين من بلادة وغباوة، فقد
زعم النجفيون بان أغلب طلاب العلم من الشروقيين بطيئون في فهم
المطالب العلمية وان الشيخ جعفر الشروقي وأضرابه من العلماء الشروقيين
وفضلائهم هم شواذ على زعم النجفيين ولا يجوز القياس عليهم.
لقد مات والد الشيخ علي الشرقي وهو لم يزل صبيا فكفله خاله
الشيخ عبد الحسين الجواهري، وكان بيت الشيخ عبد الحسين عبارة عن
ديوان أدب يحضره الكثير من رجالات الشعر والأدب أمثال الشيخ جواد
الشبيبي والسيد باقر الهندي والشيخ هادي الشيخ عباس والسيد جعفر
الحلي، والشيخ عبد الكريم الجزائري، وقد كان هذا الديوان بمثابة
مدرسة كان لها شأن غير قليل في صقل ذهن الشرقي ونضجه.
وخطا الشرقي في السن وادراك الحرية خطوات جعلته من أوائل
المعتنقين لفكرة استقلال العرب والدعوة إلى العروبة.
وخطا الشرقي في الأدب خطوات جريئة إذ احتوى على جانب كبير
من الوخز بالتقاليد والنقد والاستهجان، وكان قد ألم باللغة الفارسية
فطعمت الفارسية شعره بالكثير من المعاني والأخيلة وحببت له نظم
الرباعيات، وعرف الشرقي بطراز نظمه وصيد المعاني وطريقة النسج بكونه
من أوائل المجددين في الشعر لا بل لم يكن قد سبقه شاعر في نسج الفكرة
على ذلك النمط الذي حببه للأدباء والمتذوقين وكرهه للمجتمع الذي حارب
تقاليده ولا سيما المرائين من رجال الدين الذين كثيرا ما اشبعهم في رباعياته
وخزا وكثيرا ما حدث له ما يشبه الصخب واللعن كلما ظهرت له رباعية
جديدة تفيض بهذا الوخز والاستهانة ومن هذه الرباعيات المبتكرة المجددة
قوله وهو يخاطب الزعيم الروحاني المرائي الذي يتظاهر بما ليس فيه، ولا
ولا يصدع بما أمر به إذ يقول:

(١) مما استدركناه على مسودات الكتاب " ح ".
(١٧٩)

انظر إلى سبحته * تر الذي أقول لك
شيطانه كخيطها * بين الثقوب قد سلك
يا ذرة من نفخنا * قد اتقت إلى الفلك
ما اسودت السبحة * الا لترينا عملك
لقد وهب الشرقي إلى جانب ملكته الشعرية ملكة حسن التحدث
فلا احسب ان مستمعا للشرقي مل حديثه، أو سئم أمثلته التي ينتزعها من
الحوادث الواقعية فيأتي بها شواهد لما يقول في قصص طلية وحكايات تجعل
من المستمع من أي طبقة كان آذانا صاغية، والى هذه الملكات يعود انجذاب
الكثير من مختلف الطبقات به وقد كان له الأصدقاء الأوفياء ما قد يحسد
الشرقي عليهم.
والشرقي عف اللسان وهو مؤدب فيما يقول وما يكتب وما ينظم.
ولقد تناوله مرة أحدهم فنال منه في إحدى الصحف، فرد الشرقي بهذه
الرباعية التي ذهب مثلا:
يا رامي الشجر العالي باكرته * هلا تعلمت أخلاقا من الشجر
ترميه بالحجر القاسي لترجمه * وانه دائما يرميك بالثمر
قدست من بشر لولا مجاملة * لقلت في حقه قدست من بقر
قل للجاذر: ظلما أنت من بقر * ان ينسبوك وهذا الوحش من بشر
ومن رباعياته:
ذممت التعصب من قبل ذا * وها انا في ذمه لاهج
دعونا نوسع آفاقنا * ليقبلنا المزج والمازج
أقول وقد سألتني الرفاق أ أنت على وضعنا خارج؟
أبى الثمر الفج عن جذعه * فصالا وينفصل الناضج
ومثل هذه الرباعية رباعية أخرى نشرها كرد على الذين اسمعوه
الكثير من القذع والشتم بسبب شعره المحفز والمستنهض للاصلاح فقال
الشرقي:
ان قومي شعارها النقد لكن * انا قد جئت ناقدا للشعار
أنتم تقرعون في خشب الباب * ولكن قرعي على المسمار
وإذا البحر جف تبدو لئاليه * فان مت تعرفوا آثاري
قل لقوم شموا قتار شواء * اشتبهتم بريح كي حمار
وحمل على السياسة والسياسيين الذين أساءوا للبلد وخربوها ومن
هذا الشعر يتألف ديوان كبير لو تصدى جامع لجمعه، وأعتقد ان الشرقي
ممن لم يضع شئ من شعره، ولكنه اضطر لان يعزل طائفة من شعره
السياسي حين تصدى لطبع عواطف وعواصف الذي قال عنه انه
ديوان لعلي الشرقي لكي يبقى الباب مفتوحا لنشر ديوان اخر حين يجد
الوقت مناسبا وذلك لما كان يتضمنه شعره السياسي من قوارص الكلم التي
قد لا تتناسب مع الوقت، وقد لقي شعره السياسي حتى من الذين نقموا
على جرأته في جرح المرائين من رجال الدين اقبالا كبيرا ربما اعتبره البعض
خير كفارة عن ذنوبه، وهو شعر طافح فالاحساس اكتنزته الصدور وحفظه الحفاظ
في أذهانهم واطروه بإطار من الاعجاب بالشاعرية والفكرة أكثر مما عملت
الصحف والمجلات، ومن هذا الشعر قوله:
يا رب يثمل كل * الورى واني صاح
ان يفسد الناس طرا * فهل يفيد صلاحي
بغداد غنت ولكن * عراقها في نياح
وكيف عاصمة تتبنى * بهدم النواحي
ومما لهج به الناس من شعر الشرقي السياسي قوله:
أيتها العير ارى يوسفا * ومصره من عندكم مستريب
ستلسع استقلالنا عصبة * قد ملأت كل الزوايا دبيب
انا تقارعنا وأوراقنا * لا بد ان تسحب عما قريب
نصيب هذا القطر لملومة * على الكراسي لعبت يا نصيب
ومن أشهر شعره السياسي الذي لم يزل يتردد على الأفواه على سبيل
المثل قوله:
هذي الرؤوس ولكن كلها وجع * وذي العيون ولكن كلها رمد
كم من صدور بهذا الجيل فارغة * جوفاء ليس بها قلب ولا كبد
أصنام أندية في شحمها انتفخت * شوهاء بوهاء لا هر ولا أسد
من الشراك قد اختارت لامتنا * هذي السياسة ثوبا كله عقد
وقد عبر الشرقي في كل شعره عن المدى البعيد للحرية الفكرية
وصلاح المجتمع في صياغة اختص بها وحده في جزالة وايجاز عجيب بحيث
قل الذين يستطيعون ان يحملوا الألفاظ من المعاني كما كان يحملها، وان
ايجازه وقد اخذ جانبا كبيرا منه من الفارسية فيما قرأ لسعدي وحافظ والمثنوي والخيام
هو أحد ملكاته التي قل من يستطيع مجاراته فيه، ويظهر هذا الايجاز والجزالة واضحا
في شعره ونثره، وكلامه، ولقد طغت هذه الظواهر الأدبية على جميع آثاره حتى
مقالاته التاريخية فهو المؤرخ الوحيد الذي يمشي في تاريخه مشيته في أدبه فيأتي بالمقالة
التاريخية قطعا أدبية رائعة فيها كل ألوان البراعة من الجزالة والانسجام والايجاز وكان
كتاب الأحلام الذي أصدره قبل وفاته ببضعة شهور خير دليل على مقدرته
الرائعة في جمع الأدب والتاريخ في صعيد واحد.
ولم تنقطع علاقة الشرقي بالنجف كما لم تنقطع علاقاته بالأصدقاء
القدامى وكان وهو عضو في مجلس الأعيان ثم وهو وزير كما كان وهو رئيس
لمجلس التمييز الشرعي أو هو قاض، أو وهو لا شئ من حيث الوظيفة
يذكر أيام الضنك والضيق بشئ كثير من اللذة، ولا يمنعه مانع من أن
يستعرض تلك الصور امام جميع الناس كما لو كانت الذكريات العزيزة بل
انها لذكريات عزيزة عنده لذلك ما جاء النجف مرة الا وتفقد أصدقاء
شبابه، وأيام محنته وجلس عندهم وأطال الجلوس.
ومن رباعياته مع البلبل في السجن:
أيها البلبل المعلق في السجن * سلام بجلنار وآس
كل ريح تهز الغدير يطفح للطير * وعنه قد اكتفيت بكأسي
لست أخشى عليك من سارق قط * ولكن خوفي من الحراس
واليك قوله مخاطبا غريده المسجون:
أيها البلبل المعلق في السجن * سلام هل في الحياة سلام
أ نظام وللطيور سجون * وانسجام وفي القصور سوام
المس الجبر في النظام ودنيا * الورد فيها من دون جبر نظام
(١٨٠)

واليك قوله مداعبا بلبله السجين:
أيها البلبل المعلق في السجن * سلام وما تريد أريد
منبر السجن لا يليق بشاد * انما منبر البلابل عود
الربيع الجديد وافى فهل عندك * يا بلبلي غناء جديد
قد سئمنا اللحن القديم فدوما * أنت تبدي به واني أعيد
واليك قوله مداعبا غريده الطليق:
معي يا بلبل الروض * تصدر مجلس الورد
بما عندك طارحني * أطارحك بما عندي
خضضنا رغوة العمر * لكي تفصح عن زبد
فلم نلق سوى الخض * من المهد إلى اللحد
وقوله:
معي يا بلبل الروضة * من ناد إلى ناد
من الغابة للحقل * إلى السفح إلى الوادي
سنلقي عالم الاحياء * صيادا لصياد
ونلقي الوتر الحساس * محتاجا لعواد
وقوله:
معي يا بلبل الروضة * من بغداد للريف
معي حتى ترى العري * لأهل القطن والصوف
معي حتى ترى الحسناء * بين الشوك والليف
معي حتى ترى الإنصاف * محتاجا لتعريف
وقوله:
معي يا بلبل الروضة * من مرج إلى مرج
عسى ان ندرك القصد * إذا سرنا على النهج
سيغزو الثمر الناضج * سوق الثمر الفج
وفرخ كان في الكون * سنلقاه على البرج
الشيخ علي بن جعفر ابن علي بن سليمان البحراني.
يروي عنه السيد نصر الله الحائري ويروي هو عن أبيه عن الشيخ
البهائي ذكره السيد عبد الدين نور الدين بن نعمة الله الجزائري في اجازته
الكبيرة ووصفه بالفاضل المحقق.
السيد علي جواد النبارسي.
توفي حدود ١٣٤٠.
في كتيب للسيد علي نقي النقوي الهندي المعاصر:
كان من العلماء الأعلام والفقهاء العظام معروفا بالورع والتقوى
ومحاسن الأخلاق وطهارة النفس والزهد في حطام الدنيا قرأ على السيد حيدر
علي واخذ الأدب عن المفتي السيد محمد عباس وكان مقيما في نبارس من
بلاد الهند مرجعا لأهلها وأسس فيها المدرسة الايمانية لنشر الشريعة وتدريس
العلوم العربية.
الحكيم صدر الدين علي الجيلاني ثم الهندي.
في الرياض: فاضل عالم جامع وطبيب ماهر كان من أهل جيلان
وقرأ على علماء إيران ثم سافر إلى بلاد الهند وأقام بها إلى أن توفي فيها وكان
معاصرا للسيد الأمير أبي القاسم الفندرسكي المشهور واشتهر انه لما لاقاه
السيد المذكور في بلاد الهند حين اشتغل هذا الحكيم بتأليف شرح القانون
قال السيد كان لي اعتقاد عظيم بالشيخ أبي علي بن سينا ولما رأيت هذا
الحكيم تغير اعتقادي فيه وذلك اني إذا كنت نظرت كتب الشيخ سيما الشفا
والقانون يظهر عندي لمؤلفها فضل عظيم ولما شاهدت الحكيم المذكور
واطلعت على كيفية تاليفه لشرح القانون واخذه وجمعه من الكتب الآخر مع
عدم قوة فكره وعدم تصرفه وقلة معرفته علمت أن الشيخ كان أيضا كذلك
اه ولا يخفى ما في هذا الكلام. له من المؤلفات ١ شرح قانون ابن
سينا كبير جيد ٢ كتاب الشفاء العاجل ألفه بإزاء كتاب برئ الساعة
لمحمد بن زكريا الطبيب الرازي المعروف، حسن الفوائد.
الشيخ علي الجيلاني
من مؤرخي دولة الشاة عباس الكبير الصفوي له تاليف كثيرة منها
تاريخ طبرستان ومازندران ذكر فيه بناء بلاد الديلم والملوك الذين حكموا
فيها وبسط الكلام في الملوك السادة المرعشية الذين استولوا على تلك البلاد
وضربت بأسمائهم السكك وذكرت ألقابهم في الخطب على المنابر شرع في
تاليفه سنة ١٠٤٤ وألفه باسم الحاج محمد علي الاشرفي توجد منه نسخة
عند السيد شهاب الدين التبريزي الحسني المرعشي النسابة نزيل قم.
السيد الأمير شرف الدين علي بن حجة الله بن شرف الدين الطباطبائي
الشولستاني النجفي.
توفي سنة ١٠٦٠ في النجف وشولستان ناحية بين شيراز وخليج
البصرة قرأ على الأمير فيض الله التفريشي والشيخ محمد سبط الشهيد الثاني
وغيرهما ويروي عنه جماعة منهم المجلسي لما زار النجف صنف ١
توضيح الأقوال والأدلة أو الفوائد الفروية في شرح الاثني عشرية في الصلاة
للشيخ حسن صاحب المعالم في مجلدين لابنه ضياء الدين علي رضا مشتمل
على الاستدلال التام حسن الفوائد يظهر منه كمال فضله فرع منه سنة
١٠٥٧ ٢ كنز المنافع في شرح المختصر النافع لم يتم مبسوط في الغاية فرع
من كتاب الطهارة منه سنة ١٠٦٠ ٣ تعليقه على الصحيفة السجادية لم
يتم ٤ رسالة في قبلة مسجد الكوفة والقبلة في العراق أثبتها المجلسي في
المزار من البحار ٥ كفاية الطالبين في شرح ألفية الشهيد. فارسي ٦
الرسالة الدرية في أصول الدين فارسية ٧ في الدعوات المتفرقة ٨ رسالة
في آداب الحج فارسية ٩ رسالة في عصمة الأنبياء قبل البعثة وبعدها
وعصمة الأئمة قبل الإمامة وبعدها ١٠ إجازات طويلة وقصيرة ومن
اجازاته الطويلة مما كتبه للشيخ نور الدين محمد ابن الشيخ عماد الدين
محمود الشيرازي ١١ شرح على نصاب الصبيان بالفارسية ولعلها لغيره
١٢ حاشية على الاستبصار وله غير ذلك من كتب وتعاليق ورسائل
وإجازات وجد أكثرها بخطه خلف ابنا هو الأمير علي رضا كان من عباد
طلبة العلم. قال في الرياض رأيته في الغري في أول امره تشرفت فيها
بزيارة تلك الروضة المقدسة وانا ابن ١٥ أو ١٦ سنة وهو الذي ألف له
شرح الاثني عشرية وسلسلة هذا السيد سادات معروفون إلى الآن
بشولستان من اعمال فارس وقد رأيت جماعة منهم من بني عمه فضلاء.
علي بن الحسن بن هبة الله أبي الفتوح شكر بن الحسن بن أحمد بن
(١٨١)

محمد بن عمر بن يحيى بن الحسين ذي العبرة بن زيد الشهيد ابن علي زين
العابدين بن الحسين علي بن أبي طالب العلوي الحسيني الزيدي.
ذكره شيخنا تاج الدين علي بن انجب في تاريخه وقال كان أحد
المتصرفين في الأعمال حضرة وسوادا وكان يقول الاشعار في الفنون اورد له
في كتاب المدايح الوزيرية والمناقب المؤيدية قوله:
لقد وجبت على الناس النذور * وحلت حيث أنت لهم وزير
وحل الدست منك وزير ملك * به دست الوزارة يستنير
وهي طويلة. توفي سنة ٦٥٤ (١).
علي بن الحسن بن عتبة الملقب شميم الحلي النحوي اللغوي الشاعر
الأديب المنشئ.
توفي سنة ٦٠١ في الموصل.
هو مهذب الدين أبو الحسن علي بن الحسن الحلي، نسبة إلى مدينة
الحلة بالعراق.
وقد عرف بشميم بالتصغير كما ضبطه ابن خلكان.
ولم يذكر أحد ممن كتب عنه أو ترجم له تاريخ مولده، ومن المحتمل
ان يكون في أوائل القرن السادس للهجرة. فقد قال عنه كتاب السيرة
والمؤرخون انه توفي عن سنة عالية، فلا بد انه أمر ما يقرب من مائة سنة
أو نحو ذلك. ولما كانت وفاته، كما رجح المؤرخون، سنة ٦٠١،
ه. فمن المحتمل انه ولد في أوائل القرن السادس.
نشأ شميم في بلده ومسقط رأسه الحلة، وفوق ربوعها ترعرع وفيها
درس ثم درس في بغداد، ولم يطل بقاؤه في بغداد، بل عاد إلى الحلة بعد
ان اكتمل تعليمه ونضج عقله، وكانت الحلة يومذاك أهم مركز لعلماء
الشيعة، فكان من علمائها المشهورين وكان من اعلام فقهاء الشيعة
بالحلة وأهل الفتيا والأقراء عندهم. ثم اخذ ينتقل من بلد إلى آخر
كدمشق وحلب ونصيين وآمد وماردين وديار بكر وغيرها...
وأخيرا استقر به المقام في الموصل، فأقام فيها طويلا، وقد وصلها
صيته قبل ان يصلها هو، فما كاد يحط رحاله فيها حتى انثال إليه الناس
يزورونه، حتى نقيبها زاره أيضا، وقد أقام شميم في حجرات المساجد
يعيش فيها عيشة الزهاد، وكان أكثر وقت اقامه في حجرة بمسجد الخضر،
فكان مقدرا محترما، محبوبا معظما، يدرس العلوم المختلفة، ويقرئ
الطلاب الكثيرين، وينظم الشعر الجميل، ويكتب المصنفات العديدة.
وكان معجبا بنفسه اعجابا عظيما، مدلا بعلمه وأدبه إلى درجة
كبيرة. وكان يعتقد انه متفوق على كل من عاصره ومن تقدمه من اعلام
الآداب والعلوم العربية، فكان لا يأبه بزائريه ولا يحسن استقبالهم...
فتحامل عليه أكثر المؤرخين الذين كتبوا عنه ونعتوه بشتى النعوت،
وطعن بعضهم في خلقه وعقله.
ولعل اطرف ما تحدث به الرواة عن شميم: انه مهووس غريب
التصرف، يأتي في مجلسه باعمال مضحكة، قال أبو البركات سعيد بن أبي
جعفر الهاشمي: جاء الشميم إلى حلب، فدخلنا عليه مستفيدين، فرأيته
يوما وقد أنشد لنفسه شعرا أكثرنا الاستحسان إليه، فقام إلى أحد أركان
المنزل ونام على ظهره، ورفع رجليه إلى الحائط، ولم يزل يرتفع حتى صار
واقفا على رأسه، ثم جاءنا وقال: هكذا يشكر الله على النعمة وهو ان
يقف الإنسان على رأسه لا على رجليه.
له شرح اللمع لابن جني ذكره صاحب الذريعة وترجمه السيوطي في
البغية وله شرح مقامات الحريري ذكره في كشف الظنون وذكره السيوطي
وله ما يزيد على أربعين مؤلفا.
قطب الدين أبو القاسم علي الحسن بن الحسيني.
قرأت بخطه:
بنفسي من نفسي لديه رهينة * ومن هو سلم للوشاة ولي حرب
ومن قد أبى الا الصدود لشقوتي * رضيت بما يرضى فمسكنه القلب
وما لي ذنب عنده غير حبه * فإن كان ذا ذنب فلا غفر الذنب
فخر الدولة ملك الأمة أبو الحسن علي بن ركن الدولة الحسن بن بويه
الديلمي الملك.
ملك بعد أخيه مؤيد الدولة ابن بويه وكان الصاحب إسماعيل بن
عباد قد مهد له الأمور وكان قد قلده أبوه سلطنة همدان والجبل بعد موته
فوليها بعد موت أخيه اثنتي عشرة سنة وجمع من المال والدواب والأثاث ما لم
يجمعه أحد من الملوك وكان فخر الدولة يقول لقد جمعت لولدي ما يكفيهم
ويكفي عساكرهم إذا لم يكن لهم مادة الا ما جمعت وأقام أميرا على أصبهان
والري وهمذان وجميع بلاد الجبل مدة ثلاث عشرة سنة وتوفي في قلعة
طبرل. وكانت الخزائن مقفلة فلم يكن له ما يكفن به وابتيع من قيم
الجامع ثوب كفن فيه ومولده بأصبهان (٣).
أبو القاسم علي بن الحسن بن حسول الهمذاني.
كان معاصرا للصاحب بن عباد وذكر الثعالبي في تتمة اليتيمة في أثناء
ترجمة ولده أبي العلاء محمد بن علي بن الحسن بن حسول الهمذاني الرازي
فقال: وأبوه أبو القاسم من يضرب به المثل في الكتابة والبلاغة وكلامه في
غاية البراعة يصعب على التعاطي ويسهل على الفطنة وقد علق بحفظي
فصل من رسالة له في علو السن وتناهي العمر فكتبته وهو:
ما الظن بمن خلف عمره. وانطوى عيشه. وبلغ ساحل الحياة.
ووقف على ثنية الوداع. وأشرف على دار المقام. ولم تبق منه الا أنفاس
معدودة. وحركات محصورة. ومدة فانية وعدة متناهية.
قال: وسمعت أبا العلاء يقول سمعت أبي يقول: لما حبسني
الصاحب وطال لبثي في حبسه وكاد الياس يتولي علي اتاني آت في منامي
وقال لي: الخير باق والاحسان واق والمرء ما قدم لاق. فلم يدر الأسبوع

(١) معجم الآداب.
(٢) معجم الأدب.
(٣) معجم الأدب.
(١٨٢)

حتى فرج الله عني ويسر خلاصي اه ويدلنا ذلك وغيره مما نقرأه في اخبار
أدباء الفرس ان اللغة العربية والأدب كانا منتشرين في بلاد العجم انتشارا
لا مزيد عليه بعد الفتح الاسلامي وان ذلك قد تراجع في الاعصار الأخيرة
حتى اليوم.
علي بن الحسن بن أبي الفضل بن جعفر بن محمد بن كثير الحلبي.
قتل على التشيع بدمشق في جمادى الأولى ٧٥٥ وصفه في الدرر
الكامنة بالرافضي وقال: قدم دمشق وأقام بها سنوات فاتفق انه شق
الصفوف والناس في صلاة جنازة بالجامع الأموي وهو يسب من ظلم آل
محمد فانتهره عماد الدين بن كثير وأغرى به العامة وقال إن هذا يسب
الصحابة فحملوه إلى القاضي تقي الدين السبكي فاعترف فعقدوا له مجلسا
فحكم نائب المالكي بضرب عنقه بعد ان كررت عليه التوبة ثلاثة أيام
فأصر فضربت عنقه بسوق الخيل وحرق العوام جسده اه. هكذا يقول
صاحب الدرر الكامنة وقد نقل ما سمعه ولم يره والحقيقة التي لا شك فيها
ان هذا الرجل دخل المسجد ليصلي وكان معروفا بالتشييع والناس في صلاة
جنازة ويمكن ان يكون مر بين الصفوف سهوا أو اضطره الحال لذلك لأنه لم
يجد طريقا فعرفوا بذلك انه شيعي فتجمهروا عليه أو ان ابن كثير الذي
أغراهم به كان يعرفه فحملوه إلى القاضي وشهدوا عليه عصبية وعداوة فاظهر
التوبة فلم يقبل منه أو أنكر ما نسب إليه أولا خوفا من ثبوت الجرم عليه ثم
تاب فلم يقبل منه وفاز بدرجة الشهادة وخسر الظالمون له كما جرى مثله
للشهيد الأول محمد بن مكي العاملي الجزيني الذي قتل على التشيع في ذلك
العصر بدمشق وأحرق سنة ٧٨٦ والا فكيف يحتمل محتمل أو يصدق عاقل
بأنه يتكلم بهذا الكلام في مجتمع الناس بالجامع الأموي بعد ما يشق
الصفوف ثم يعترف ويمتنع عن التوبة الا ان يكون مجنونا فيسقط عنه
القلم. حدث العاقل بما لا يليق فان لاق له لا عقل له.
نظام الدين علي بن حسن بن نظام الدين الجيلاني.
له كتاب أنوار الفصاحة واسرار البراعة شرح على نهج البلاغة مأخوذ
من شرح ابن ميثم وشرح ابن أبي الحديد.
الشيخ زين الدين علي بن الحسن بن الحسين بن الحسن.
السرابشنوي أصلا القاشاني مولدا ومسكنا نسبة إلى سرابشنو بضم
السين المهملة وفتح الراء المهملة ثم الألف الساكنة وفتح الباء الموحدة
وسكون الشين المهملة وفتح النون واخرها واو قرية من قرى العراق.
في الرياض: فاضل عالم فقيه معاصر للشهيد قرأ على أبيه الحسن بن
الحسين وأبوه تلميذ العلامة رأيت نسخة من قواعد العلامة قرأها المترجم
على أبيه وكتب له عليها اجازة صورتها قرأ علي الولد الأعز الأكرم الأمجد
الفقيه زين الدين علي أبقاه الله تعالى واعانه على طاعاته وبلغه ما يؤمله من
القربات ووفقه لفعل الخيرات الجزء الأول والثاني من كتاب قواعد الأحكام
من أوله إلى اخره قراءة مهذبة مرضية تشهد بكمال فطنته وتعرب عن جودة
قريحته وبحث في أثناء قراءته عما أشكل عليه من معضلات هذا الكتاب
ومشتبهاته وانعم النظر في أصوله وبالغ في الاجتهاد في تحصيل فروعه ودخل
ببحث هذا الكتاب تحت المجتهدين واندرج في زمرة الفقهاء الفاضلين
الذين جعلهم الله تعالى قدوة الصالحين وورثة الأنبياء والمرسلين صلوات الله
عليهم أجمعين وقد أجزت له رواية هذا الكتاب عني عن المصنف قدس الله
روحه وغيره من مصنفاته في سائر العلوم العقلية والنقلية وأجزت له رواية
جميع مصنفات أصحابنا الفقهاء المتقدمين رضوان الله عليهم أجمعين عني
عن المصنف عنهم وجميع رواياتهم واجازاتهم في جميع العلوم فليرو لمن شاء
وأحب فإنه أهل لذلك. كتبه والده العبد الفقير إلى الله تعالى حسن بن
الحسين بن الحسن السرابشنوي نزيل قاشان في ٢٥ ربيع الأول سنة ٧٦٣
هجرية حامدا مصليا مستغفرا. وكتب أيضا بخطه على آخر الكتاب أنهاه
الولد الأعز قرة العين زين الدين علي بلغه الله آماله بمحمد وآله قراءة وبحثا
وفهما واستشراحا في مجالس آخرها سحر الثلاثاء ٢٠ ربيع الأول سنة ٧٦٣
كتبه والده العبد حسن بن الحسين بن الحسن السرابشنوي بخطه حامدا
مصليا مستغفرا. ورأيت في ظهر تلك النسخة اجازة أخرى صورتها أنهاه
الأعز الأكرم زين الملة والدين علي أطال الله بقاءه في ظل والده قراءة وبحثا
واستشراحا وفهما وضبطا في مجالس اخرها الرابع والعشرون من المحرم سنة
٨٥١ كتبه أضعف عباد الله تعالى وأحوجهم إلى عفوه وغفرانه واحسانه عبد
الملك بن إسحاق بن عبد الملك القمي مولدا ونجارا القاشاني مسكنا ودارا
غفر الله له ولوالديه واستبعد في الرياض بقاء المجاز إلى هذه المدة أو ان
التاريخ مغلوط وهو متحد مع المولى شرف الدين علي ابن الشيخ تاج الدين
حسن السرابشنوي الذي يروي عن أبيه عن العلامة الحلي ويروي عنه
المولى رضي الدين عبد الملك بن شمس الدين بن إسحاق بن رضي الدين
عبد الملك بن محمد بن فتحان الواعظ القمي كما يظهر من غوالي اللئالي
لابن جمهور الأحسائي وقال في صفته المولى شرف الدين علي الأعلم
الأفضل وفي موضع آخر منه الولي الأعلم الأعظم سيد الفقهاء في عصره
شرف الدين علي.
أبو منصور علي بن الحسن بن الفضل المعروف بصردر.
توفي في طريق خراسان تردى في حفرة سنة ٥٦٥.
له ديوان شعر، فمن شعره قوله:
وقفنا صفوفا والديار كأنها * صحائف ملقاة ونحن سطورها
يقول خليلي والظباء سوانح * اهذي التي تهوى فقلت نظيرها
لئن شابهت أجيادها وعيونها * فقد خالفت اعجازها وصدورها
وقد قلتم ان ليس في الأرض جنة * إما هذه فوق الركائب حورها
أراك الحمى قل لي بآية حيلة * توسلت حتى قبلتك ثغورها
وقوله:
نسائل عن ثمامات بحزوى * ووادي الرمل يعلم من عنينا
وقد كشف الغطاء فما نبالي * أ صرحنا بحبك أم كنينا
الا الله طيف منك يسري * يجوب مهامها بينا فبينا
مطيته طوال الليل جفني * فكيف شكا إليك وجاواينا
فأمسينا كانا ما افترقنا * وأصبحنا كانا ما التقينا
لقد خدع الخيال فؤاد صب * رآه على هوى الأحباب هينا
كما فعلت بنو كوفان لما * إلى كوفانهم طلبوا الحسينا
فبينا عاهدوه على التوافي * إذا هم نابذوه عدى وبينا
واسمعهم مواعظه فقالوا * سمعنا يا حسين وقد عصينا
فألفوا قوله حقا وصدقا * وألفي قولهم كذبا ومينا
هم منعوه من ماء مباح * وسقوه فضول السم حينا
(١٨٣)

يقل الرمح بدرا من محيا * له والأرض من جسد حننا كذا
وتسبى المحصنات إلى يزيد * كان له على المختار دينا
وله:
جلسة في الجحيم أحرى واولى * من نعيم يفضي إلى تدنيس
ففرارا من المذلة في آ * دم كان العصيان من إبليس
وله:
قد زان مخبره بأجمل منظر * وأعان منظره بأحسن مخبر
ما من يتوج أو يمنطق عسجدا * كمطوق بالمكرمات مسور
لا تبعدن همم له لو أودعت * عند الكواكب لادعاها المشتري
وله:
لك المثل الاعلى بكل فضيلة * إذا ملأ الراوي بها الغوراتهما
لئالئ من بحر الفضائل ان بدت * لغائصها صلى عليها وسلما
وما المدح مستوف علاك وانما * حقيق على المنطيق ان يتكلما
وله:
ما افتخار الفتى بثوب جديد * وهو من تحته بعرض لبيس
وله:
غدرانه بالفضل مملوءة * متى يردها هائم ينقع
يكشف منه الفرع عن قارح * قد أحرز السبق ولم يجذع
يشير ايماء إليه الورى * ان قيل من يعرف بالأروع
يريك ما ضمت جلابيبه * أحاسن العلم في موضع
ليس جمال المرء في برده * جماله في الحسب الارفع
وله:
وإذا تولى الشئ تكرهه * فكانه ما دار في فكر
تنسى مرارة كل حادثة * بحلاوة في النهي والامر
السيد علي بن حسن المؤلف، وصفه بالمؤلف لأن له كتابا في النسب وهو
جد السيد ضامن وكتاب السيد ضامن كالذيل على كتابه ولذلك يصفه
بالمؤلف.
قال السيد ضامن بن شدقم في كتابه:
كان عالي الهمة كثير العطايا لذوي الأرحام بالخفية فقيها فاضلا أديبا
شاعرا فصيحا حاويا عالما عاملا صالحا تقيا ذا إصابة في الدين وحماسة على
المعتدين له محاورات عديدة ومباحثات سديدة في كثير من العلوم الغريبة وقد
شهد بفضله كثير من الفضلاء الاجلاء مات بالمدينة وخلف أربعة بنين.
الشيخ أبو الفضل علي بن رضي الدين.
أبي نصر الحسن ابن الشيخ أمين أبي علي الفضل بن الحسن بن الفضل
الطبرسي في رياض العلماء. هو من فقهاء الإمامية له مشكاة الأنوار في
تتميم مكارم الأخلاق لوالده وهذا الشيخ سبط صاحب مجمع البيان.
أبو الحسن علي بن الحسن الارفادي المصري.
قال ياقوت في معجم البلدان:
الارفادي نسبة إلى ارفاد بالفتح ثم السكون وفاء وألف ودال مهملة
قرية كبيرة من نواحي حلب ثم من نواحي اعزاز ينسب إليها قوم منهم في
عصرنا أبو الحسن علي بن الحسن الارفادي أحد فقهاء الشيعة في زعمه مقيم
بمصر اه.
أبو الحسن علي الأديب بن أبي محمد الحسن الناصر الكبير الأطروش من
ذرية الحسين ع
كان أبوه من أئمة الزيدية كما ذكر في ترجمته وكان هو يذهب مذهب الإمامية
الاثني عشرية وكان شاعرا أديبا وكان يعاتب أباه بقصائد ومقطعات
وينقاض عبد الله بن المعتز في قصائده على العلويين ويهجو بعض الزيدية كما
ذكر صاحب عمدة الطالب، وهو إشارة إلى القصيدة الدالية المتقدمة في
الجزء ١٣ وأولها:
أيا عجبي من قرب أسباب مبعدي * وكثرة أعدائي وقلة مسعدي
والى الأبيات التي هجا بها أباه فأساء وما أصاب والتي يقول في
ختامها:
توبوا إلى الرحمان واستغفروا * من قبل ان تأتيكم الزلزله
وقد نسب كل من صاحبي تاريخ طبرستان وتاريخ رويان القصيدة
الدالية المتقدمة والأبيات اللامية المذكورة إلى أبي الحسين أحمد بن الناصر
وهو خطا والصواب انهما لأخيه المترجم ونحن قد نسبنا القصيدة الدالية إلى
احمد المذكور تبعا لهما ثم ظهر لنا انها والأبيات الميمية هي للمترجم وان
نسبتها إلى احمد خطا.
روي أنه قال يوما لابنه الحسن يا بني هاهنا شئ من الغراء نلصق
به كاغدا فقال لا انما هاهنا بالخاء فحقدها عليه ولم يوله شيئا وولى ابنيه أبا
القاسم والحسين وكان الحسن ينكر تركه معزولا ويقول انا أشرف منهما لأن
أمي حسنية وأمها أمة وكان الحسن شاعرا وله مناقضات مع ابن المعتز ولحق
الحسن بأبي الساج فخرج معه يوما متصيدا فسقط عن دابته فبقي راجلا فمر
به ابن أبي الساج فقال له اركب معي على دابتي فقال أيها الأمير لا يصلح
بطلان على دابة اه.
وقد بينا في ترجمة الناصر الحسن بن علي خطا ابن الأثير في أنه جعل
في أولاد الناصر من اسمه الحسن والحسين وانه ليس للناصر من الأولاد من
اسمه الحسن ولا من اسمه الحسين عند جميع النسابين وانما أولاده أبو
القاسم جعفر وأبو الحسن علي وأبو الحسين احمد وانه يوشك
ان يكون وقع تحريف منه أو من النساخ فأبدل أبو الحسن علي بالحسن
وأبو الحسين احمد وحينئذ فيكون صاحب قصة الغراء المذكورة التي
أوجبت سخطه عليه وعدم توليته وأوجب ذلك ان يعاتبه ابنه بل يهجوه
هو أبو الحسن علي المترجم وهو الذي لحق بأبي الساج ويدل عليه قوله ولم
يوله شيئا وولى ابنيه أبا القاسم الحسين فان أبا الحسين احمد كان صاحب
جيش أبيه كما ذكره جميع المؤرخين فهو بمنزلة وزير الحربية وهي من أعلى
الولايات في الدولة فلا يصح ان يقال فيه انه لم يوله شيئا وانه بقي معزولا
واحمد لم يخالف أباه وسعى في تولية الحسن بن القاسم حسب رغبة أبيه
وجعفر لم يصفه أحد بالشعر والأدب حتى يكون هو المراد بقوله وكان شاعرا
وله مناقضات مع ابن المعتز وعلي وصف بالأديب كما عرفت فهو المراد بذلك
والمقطوعتان له حتما ونسبتهما إلى أخيه احمد خطا بلا ريب مضافا إلى تصريح
(١٨٤)

صاحب عمدة الطالب الذي كان يعاتب أباه بقصائد ويناقض ابن المعتز
هو المترجم والله أعلم ومر في ترجمة أبيه الناصر الحسن بن علي ما ينبغي ان
يلاحظ.
الشيخ علي ابن الشيخ حسن ابن الشيخ علي بن سليمان ابن الشيخ أحمد آل
حاجي البلادي.
ولد في حدود سنة ١٢٦٩ وتوفي سنة ١٣٤٠.
له ١ أنوار البدرين في علماء الأحساء والقطيف والبحرين وهو أحد
مصادر كتابنا هذا كنا أرسلنا واستنسخناه عن نسخة من بعض خزانات
الكتب في النجف الأشرف ثم ارسل إلينا بعض أحفاد المؤلف نسخة
الأصل وله أيضا من المصنفات ٢ رياض الأتقياء الورعين في شرح
الأربعين ٣ منظومة التوحيد ٤ منظومة مواليد الأئمة ع
٥ الحق الواضح في ترجمة العبد الصالح يعني به الشيخ أحمد بن صالح بن
طعان بن ناصر بن علي الستري البحراني القطيفي وكان قد رباه صغيرا
وزوجه بابنته كبيرا وعلمه واجازه في الرواية عنه.
الشيخ زين الدين علي بن الحسن بن محمد بن صالح بن إسماعيل الحارثي
الجبعي العاملي.
والد الشيخ إبراهيم الكفعمي صاحب المصباح كان من أعاظم
العلماء الفقهاء وكثيرا ما ينقل عنه ولده المذكور معبرا عنه بالفقيه الأعظم
الأورع.
السيد زين الدين علي بن بدر الدين حسن بن نور الدين علي بن شدقم
الحسيني المدني وتمام نسبه مر في أبيه حسن.
ولد سنة ٩١٥ وتوفي ٩ رجب سنة ٩٩٦ بالمدينة المنورة وعمره ٤٥
سنة ذكره حفيده السيد ضامن بن شدقم بن زين الدين علي المترجم
الحسيني المدني في كتابه تحفة الأذهان فقال كان واسع الجود والإنعام عظيم
الصلة للقرابة وكان نقيبا عفيفا كاملا وفقيها عالما فاضلا حائزا لفنون العلم
وأصوله عاملا بواجباته ومندوباته متورعا بزهده وتقواه مشتغلا بأمر اخرته
وعقباه حتى أنه عزل نفسه عن النقابة واعتكف في المسجد النبوي ولم يفارق
وطنه منذ نشأ الا إلى حرم الله الأمين لتحصيل العلم الشريف الا مرة
واحدة طلبه السلطان برهان نظام شاة سلطان الدكن حين بلغه ما بلغه عنه
سنة ٩٥٥ (١) فأكرمه غاية الاكرام وانعم عليه وتلقاه فرسخا عن البلاد
وحصل له فيه نهاية الاعتقاد حتى أنه طلب منه الاطلاع على خزانته ووضع
يده المباركة فيها فاجابه لذلك ودعا له فلم يمض الا مدة يسيرة حتى ملك
كثيرا من الممالك وركب على الملك الكافر المعروف بالبراق وقتله وغنم
الغنائم وعمر جميع ما خربه من البيع والكنائس والصوامع مساجد وجوامع
واسلم ببركة دعائه جم غفير قاله محمد بن الحسين السمرقندي ثم رجع إلى
وطنه ٩٥٧ (٢) فكانت غيبته سنتين وله طاب ثراه جملة من الكرامات
وكانت وفاته في المدينة المنورة تاسع رجب سنة ٩٦٠ وعمره إذ ذاك ٤٥ سنة
اه وفي رياض العلماء في ترجمة والده بدر الدين حسن بن نور الدين علي ان
ولده السيد زين علي بن الحسن كان من مشاهير أكابر العلماء الامامية وان له
مسائل جيدة معروفة سال عنها الشيخ البهائي فلا تظنن ان السائل هو
الوالد هذا وان ظن فلا إشكال في المقام اه.
الشيخ علي بن حسن بن محمود بن محمد آل مغنية ومغنية ضبط في محمد بن
مهدي.
ذكره حفيده الشيخ محمد آل مغنية في كتابه جواهر الحكم ونفائس
الكلم وقال إن أباه الشيخ حسن أرسله إلى العراق مع أخيه الشيخ حسين
لطلب العلم فكان الشيخ علي هو المتقدم في العلم والفضل ثم عاد إلى جبل
عامل بعد هلاك الجزار وولاية سليمان باشا وسكن قرية الحلوسية بطلب
من العشائر امراء البلاد واتسعت دنياه وتملك في الصالحاني وبافليه ودير
قانون وبدياس والعباسية وولد له محمد وعلي وجواد وحسن ويحيى فتركهم
في جبل عامل وعاد إلى العراق وسكن الكاظمية وتوفي فيها كان عالما فاضلا
منشئا وجدت بخطه وصية تدل على تقدمه في فن الإنشاء له عدة مؤلفات
منها شرح المحصول في الأصول للسيد محسن الأعرجي ورسائل وشروح في
الفقه.
السيد علي ابن السيد حسن ابن السيد علي ابن السيد حسين ابن السيد أبي
الحسن موسى ابن السيد حيدر ابن السيد احمد الحسيني العاملي النجفي من
عائلة المؤلف.
ذكرنا في ترجمة جده السيد حسين هجرته إلى العراق وتوطنه فيها
وتسلسل ذرية آباء المترجم فيها كلا في بابه إلى أن اتصلت النوبة إلى
المترجم وخلف آباءه فكان عالما فاضلا سالكا على نهج آبائه وأجداده في
العلم والفضل خرج إلى سواد العراق بنواحي الرجيبة وتزوج هناك فولد
له السيد كاظم وابنتان وابنه هذا قاطن بناحية الرجيبة رأيناه في النجف
الاشراف مرتين ثانيتهما سنة خروجنا منها وهو بزي اعراب تلك الجهات
وطباعهم لأنه لم يساعده الحظ على اتباع طريقة آبائه في العلم فانقطع به
العلم من ذرية السيد حسين بن أبي الحسن الذي كان من رؤساء علماء
زمانه في أواخر القرن الحادي عشر وتسلسل العلم في ذريته إلى القرن
الثالث عشر.
الشيخ علي ابن الشيخ حسن ابن الشيخ مهدي بن حسن بن حسين بن
محمود بن محمد آل مغنية العاملي والد شيخنا الفقيه الشيخ حسين مغنية
الشهير المعاصر.
ولد سنة ١٢٥٦ وتوفي سنة ١٢٧٨ أو سنة ١٢٨٣ عن اثنتين وعشرين
أو سبع وعشرين سنة وكان أبوه قد توفي في العراق مهاجرا إلى طلب العلم
كما ذكرناه في بابه وتخلف بصاحب الترجمة وأخيه مصطفى قرأ المترجم أولا
في جبل عامل على الشيخ الجليل الشيخ محمد علي عز الدين وعلى غيره ثم
ذهب سنة ١٢٧١ مع عمه الشيخ حسين إلى النجف الأشرف لطلب العلم
على سنة آبائه وأجداده وأهل بيوتات العلم العاملية فنبغ نبوغا فائقا وظهر
عليه من مخائل النجابة وحدة الفهم وسرعة الانتقال ما بهر العارفين وبلغ
من العلم والفضل في المدة القصيرة ما لم يبلغه غيره في السنين الكثيرة حتى
تبرم به معلموه من كثرة ما يورد عليهم من الأسئلة والاعتراضات التي لا
يجدون لها جوابا بحيث لا يترك اعتراضا ولا سؤالا ولا دقيقة من الدقائق

(١) كان في الأصل المنقول عنه ٩٩٥ ولا يخفى انه لا يناسب كون وفاته سنة ٩٦٠ فظننا ان يكون
صوبه ٩٥٥.
(٢) كان في الأصل المنقول عنه ٩٩٦ وهو لا يناسب تاريخ وفاته ولا كون غيبته سنتين.
(١٨٥)

يمكن ايرادها الا تنبه لها وسال عنها ثم وافاه حمامه ولم يمهله زمانه وعمره
سبع وعشرون سنة وكان قد تزوج كريمة ابن عم والدي العلامة المتبحر
السيد كاظم ابن السيد احمد العاملي وكانت من فضليات النساء وحيدة في
تقواها ومحاسن اخلاقها وأمها بنت الشيخ مشكور العالم الفقيه النجفي
المشهور فرزق منها ولدا وهو الفقيه القدوة الشيخ حسين مغنية الشهير
المعاصر وبنتا فتوجه بها وبولديها اخوها السيد احمد ليوصلهم إلى جبل عامل
وفي أثناء الطريق خرج عليهم الاعراب فقتل السيد احمد وعادت أخته
وولداها إلى العراق ثم رجعوا إلى جبل عامل.
ذكره عمه الشيخ محمد آل مغنية في كتابه جواهر الحكم ودرر الكلم
فقال: نشأ آية في هذا القرن قرأ القرآن لأربعة أشهر ونصف بدون زجر
ولا تشديد عليه ولما بلغ العشر سنين كان قد اتقن علمي النحو والصرف
فلما كمل عمره اثنتي عشرة سنة كان أحق الناس بالتقدم اجتمع وهو في هذه
السن في صيدا ببعض قضاة ماهرين درسوا في الجامع الأزهر فأبهرهم ما رأوا
من علمه وفضله وتحدثوا عنه واثنوا عليه في بيروت بمحضر أمير امراء سوريا
حمد البك ولما حضر إلى مركزه تبنين زرناه جميعا فسأله البك مسائل نحوية
أجاب فيها أحسن جواب فاثنى عليه واعتنى بشأنه وبعد ما كان في دائرتنا
انحزنا لدائرته وانجررنا بإضافته وزادت عنايته بنا وكثر سؤاله عنا وخيره
إلينا ولما بلغ خمس عشرة سنة عزمنا على ارساله للعراق فاستخرنا الله جل
شانه فخار الله له ولأخي حسين فجمعت لهما ما لزم وسافرا إلى العراق سنة
١٢٧١ وشيعتهما إلى قبيل كفر رمان من عمل الشقيف ورجعت إلى طارفي
وتالدي واشتغلت باصلاح شؤون العائلة فوصلا إلى النجف واشتغلا
بالتحصيل وسرى ذكرهما في العراق والشام وبعد مضي أربع سنين توفي
أخي الأكبر حسين وبقي ابن أخي يجد في طلب العلم سمعت ممن يوثق به
من أهل الفضل والتقوى ان صاحب الترجمة كان يلقب في النجف بالشهيد
لأنه نبغ على صغر سنه بحيث لم تباره الشيوخ الأفاضل وكذلك سمعت من
العلامة شيخنا الشيخ موسى شرارة انه سمع منه أبحاثا حين قراءة الدروس
وتحقيقات ما سمعت من علماء هذا العصر وقد فات الكل وانعقدت على
فضله الخناصر ولو بقي لكان المرجع العام وسمعت من أنه سمع من بعض
الشيوخ الطاعنين في السن المسلم الرجوع إليهم أنه قال:
جرى ذكر المترجم وما وصل إليه وارتقاه من الدرجات اسمعوا حتى
أحدثكم بحديث غريب جاءني الشيخ حسن مغنية ومعه ابن أخيه الشيخ
علي والتمسني ان أباحثه درسا في مغني اللبيب فازدريت المباحث لصغر سنه
وقلت في نفسي بعد أربعين سنة قضيتها في الأصول والفقه أباحث حدثا
مبتدئا في علم النحو فلم اقبل وبعد ثلاث سنين كنت راكبا في الطرادة
الزورق متوجها للزيارة ومعي جماعة من الفضلاء ومعنا المترجم فجرت
المذاكرة في مسالة أصولية غامضة فذهب القوم فيها كل مذهب فنهض
المترجم من بين القوم واخذ ينقض ويبرم وبين وجه الصواب فيها وفند
أقوال الحاضرين فعجبت منه وعظم في عيني وقلت هذه موهبة سماوية
ليست من اشتغال سنتين أو ثلاث سنين وقلت بعدها لجماعة ان الشيخ علي
مغنية لا يعيش ولا يعمر من فرط ذكائه وحدة فهمه فيخشى عليه.
وروي البر التقي الورع الصدوق الشيخ محمد سليمان الزين ان
المترجم كان يكتب في العلوم التي يقرأها فيأتي بالعجب العجاب ونقل
المذكور أيضا عن مشاهدة وعيان ان المترجم كان يحضر درس فقيه العصر
والمرجع العام شيخنا الشيخ محمد حسين الكاظمي نفعنا الله ببره وبركته
وكان يباحث في جملة مسائل أثبتها في كتابه الكبير فيعارضه المترجم فيها
فيعدل عنها عندما يلوح له الصواب من كلامه جرى ذلك غير مرة وكنا
نرجو به احياء مدارس علوم آبائه بعد ما تعطلت مشاهدها ومعاهدها وسدت
مصادرها ومواردها إلى أن فات ما لا بر طالبه وبالضرع حالبه فانتقل لرحمة
الله ورضوانه وهو ابن اثنتين وعشرين سنة بعد وفاة عمه الشيخ حسين
بثلاث سنوات. فكانت مدة اقامته بالعراق سبع سنوات وذكر في موضع
اخر ان عمره كان سبعا وعشرين سنة والله أعلم.
ومن مكارم أخلاقه ان الشيخ علي الفرعي الحجازي الذي هو من
عرب الفرع كان يطلب العلم في النجف الأشرف فمرض فقام بخدمته
وباشره لأنه غريب ليس له من يباشره وصرف عليه من ماله، وهذا الذي
ذكره في حدة ذهن المترجم وامتيازه واشتهاره بالفضل سمعناه مستفيضا
بالنقل، ولقد أرسله خاله الحاج حسن عسيران إلى العراق مع ابن أخيه
الحاج محمد عسيران وكان ينفق عليهما مدة إقامتهما ولكن الحاج محمد لم
يمكث كثيرا فيها بل قفل راجعا إلى بلده صيدا واشتغل بالتجارة وبقي
الشيخ علي في النجف مشتغلا بالدرس والتدريس إلى أن صار من المبرزين
وكان من أجلة تلامذة الشيخ محمد حسين الكاظمي واشترى له خاله الحاج
حسن عسيران كتاب في الفقه والأصول والتفسير والتاريخ والحكمة والكلام
ما تبلغ قيمته خمسين ليرة عثمانية ذهبية ولكن الشيخ جعلها تحت يده أمانة
لأنه كتب على كل منها، ما هذا صورته: بسم الله تعالى. في ملك جناب
الخال الحاج حسن عسيران سلمه الله تعالى وهو عارية بيد محرره الجاني علي
مغنية العاملي عفى الله عنه في سنة ١٢٨٢.
الشيخ علي بن الحسن الزواري
نسبة إلى زوارة بفتح الزاي وتشديد الواو قصبة من اعمال أصفهان
تعرف بقرية السادات لكثرة العلويين فيها:
عالم فاضلا مفسر تلميذ المحقق الكركي وأستاذ ملا فتح الله
الكاشاني له مؤلفات ١ تفسير فارسي كبير اسمه ترجمة الخواص ويعرف
بتفسير الزواري ٢ شرح نهج البلاغة ٣ ترجمة كشف الغمة ترجمه سنة
٩٣٨ ٤ ترجمة احتجاج الطبرسي ٧ اعتقادات الصدوق ٨ التفسير
المنسوب إلى العسكري ٩ مجمع الهدى في قصص الأنبياء ١٠ تحفة
الدعوات في اعمال السنة ١١ لوامع الأنوار إلى معرفة الأئمة الاطهار
١٢ مرآة الصفا كلها بالفارسية.
الشيخ علي بن رضي الدين بن حسن بن أحمد بن محمد ابن أبي جامع
الحارثي الهمداني العاملي النجفي.
كان معاصرا لصاحب الوسائل وعده الشيخ جواد في ملحق أمل الآمل من علماء آل أبي جامع. وقال إنه رأى له في بعض كتبهم رسالة
أرسلها إلى الشيخ محمد بن الحسن بن الحر العاملي يقول فيها بعد البسملة
أدام الله تعالى وجود شيخنا لاحياء معالم علوم الدين المبين وأيده بعونه
وهدايته للتمسك والاعتصام بحبله المتين ثم بذكر انه اطلع على أمل الآمل
فوجده قد ذكر البعض من أجداده وترك البعض وقال الظاهر أن ذلك لعدم
(١٨٦)

وصول اخبارهم إليه فشرح له أحوال من ذكرهم الشيخ جواد بما ذكره.
وقال في ملحق أمل الآمل: من علماء آل أبي جامع وقال إنه كان
حسن الصحبة والعشرة ذا جد وهزل سكن خلف آباد وتولى القضاء بها
وكان بينه وبين السيد خلف مضاحكات وقد كان ينظم الشعر وله مقطوعة
أرسلها إلى عمه الشيخ عبد اللطيف وقد كان هو في شيراز وعمه المذكور في
خلف آباد من جملتها.
فلا تزعموا قد بنت عنها ملالة * فلست أرى فيها خليلا مصافيا
فذلك دأبي في الموامي وقطعها * إذا ما جفا عمي واعرض خاليا
فان عز خل بعد ذاك فإنني * أواخي السما والنيرات السواريا
ولكن دهري لم يجد لي بمطلب * وحتى متى لن أبرح الدهر شاكيا
علي بن حسن بن علي بن عمر بن علي بن حسين بن علي ابن أبي طالب.
في معجم الشعراء للمرزباني: هو القائل لعلي بن عبد الله الجعفري
وكان عمر بن فرج الرخجي حمله من المدينة.
صبرا أبا حسن فالصبر عادتكم * ان الكرام على ما نابهم صبر
أنتم كرام وارضى الناس كلهم * من الاله بما يجري به القدر
واعلم بأنك محفوظ إلى أجل * فلن يضرك ما سدى به عمر
وله:
ان الكرام بني النبي محمد * خير البرية رائح أو غادي
قوم هدى الله العباد بجدهم * والمؤثرون الضيف بالأزواد
كانوا إذا نهل القنا بأكفهم * سلبوا السيوف أعالي الأغماد
ولهم بجنب الطف أكرم موقف * صبروا على الريب الفظيع العادي
حول الحسين مصرعين كأنما * كانت مناياهم على ميعاد
الملا علي بن الحسين بن علي الكاشفي.
مرت ترجمة أبيه الملا حسين بن علي الكاشفي في محلها إما المترجم
فكان مثل أبيه من أكابر العلماء ومن فضلاء الدولة الصفوية وله من
المصنفات ١ لطائف الطوائف في قصص وحكايات طريقة ٢ حرز
الأمان من فتن الزمان في علم اسرار الحروف وخواص آيات القرآن ٣
أنيس العارفين في المواعظ والنصائح فارسي ٤ مختصر اسرار القاسمي من
مؤلفات أبيه وغير ذلك.
أبو القاسم علي بن الحسين الأزدي المعروف بالوزير المغربي.
قال ابن أبي الحديد في شرح النهج: حدثني أبو جعفر يحيى بن
محمد بن زيد العلوي نقيب البصرة قال لما قدم أبو القاسم علي بن الحسين
المغربي من مصر إلى بغداد استكتبه شرف الدولة أبو علي بن بويه وهو
يومئذ سلطان الحضرة وأمير الامراء بها والقادر خليفة ففسدت الحال بينه
وبين القادر واتفق لأبي القاسم المغربي أعداء سوء أوحشوا القادر منه وأوهموه
انه اتفق مع شرف الدولة في القبض عليه وخلعه من الخلافة فاطلق لسانه
في ذكره بالقبيح وأوصل القول فيه والشكوى منه ونسبه إلى الرفض والقدح
في السلف والى كفران النعمة وانه هرب من يد الحاكم صاحب مصر بعد
احسانه إليه.
قال النقيب أبو جعفر إما الرفض فنعم واما احسان الحاكم إليه فلا.
كان الحاكم قتل أباه وعمه واخا من اخوته وافلت منه أبو القاسم بخديعة
ولو ظفر به لألحقه بهم، قال أبو جعفر وكان أبو القاسم المغربي ينسب في
الأزد ويتعصب لقحطان على عدنان وللانصار على قريش وكان غاليا في ذلك
مع تشيعه وكان أديبا فاضلا شاعرا مترسلا وكثير الفنون عالما وانحدر مع
شرف الدولة إلى واسط فاتفق ان حصل بيد القادر كتاب بخطه شبه مجموع
قد جمعه عن خطه وشعره وكلامه مسودا اتحفه به بعض من كان يشنا أبا
القاسم ويريد كيده فوجد القادر في ذلك المجموع قصيدة من شعره فيها
تعصب شديد للأنصار على المهاجرين وفيها تصريح بالرفض مع ذلك
فوجدها القادر ثمرة الغراب وأبرزها إلى ديوان الخلافة فقرئ المجموع
والقصيدة بمحضر من أعيان الناس من الاشراف والقضاة والمعدلين والفقهاء
ويشهد أكثرهم انه خطه وانهم يعرفونه كما يعرفون وجهه وامر بمكاتبة شرف
الدولة بذلك فإلى ان وصل الكتاب إلى شرف الدولة بما جرى اتصل الخبر
بأبي القاسم قبل وصول الكتاب إلى شرف الدولة فهرب ليلا ومعه بعض
غلمانه وجارية كان يهواها ويتحظاها ومضى إلى البطيحة ثم منها إلى الموصل
ثم إلى الشام ومات في طريقه فاوصى ان تحمل جثته إلى مشهد علي فحملت
في تابوت ومعها خفراء العرب حتى دفن بالمشهد بالقرب منه
ع، وكنت كل برهة أسال النقيب أبا جعفر عن القصيدة وهو
يدافعني بها حتى املاها علي بعد حين وقد أوردت هنا بعضها لاني لم
استجز ايرادها على وجهها وهو يذكر في أولها رسول الله ص ويقول إنه
لولا الأنصار لم تستقم لدعوته دعامة ولا أرست له قاعدة فمن جملتها:
نحن الذين استجار فلم يضع * فينا وأصبح في أعز جوار
بسيوفنا أمست سخينة بركا * في بدرها كنحائر الجزار
ولنحن في أحد سمحنا دونه * بنفوسنا للموت خوف العار
فنجا بمهجته فلولا ذبنا * عنه تنشب في مخالب ضاري
وحمية السعدين بل بحماية * السدين يوم الجحفل الجرار
في الخندق المشهور إذ القى بها * بيد ورام دفاعها بثمار
قالا معاذ الله ان هضيمة * لم نعطها في سالف الاعصار
ما عندنا الا السيوف واقبلا * نحو الحتوف بها بدار بدار
ولنا بيوم حنين اثار متى * تذكر فهن كرائم الآثار
لما تصدع جمعه فغدا بنا * مستصرخا بعقيرة وجوار
عطفت عليه كماتنا فتحصنت * منا جموع هوازن بفرار
وفدته من أبناء فيلة عصبة * شروى البقير وجنة البقار
ما الامر الا امرنا وبسعدنا * زفت عروس الملك غير نوار
لكنما حسد النفوس وشحها * وتذكر الأذحال والأوتار
أفضى إلى هرج ومرج فانبرت * عشواء خابطة بغير نهار
ثم ارتدى المحروم فضل ردائها * فغلت مراجل أحنة ونفار
فتاكلت تلك الجذى وتلظمت * تلك الظبا ورقى أجيج النار
تالله لو ألقوا إليه زمامها * لمشى بهم سمحا بغير عثار
ولو أنها حلت بساحة مجده * بادي بدا سكنت بدار قرار
هو كالنبي فضيلة لكن ذا * من حظه كأس وهذا عاري
والفضل ليس بنافع أربابه * الا بمسعدة من الاقدار
ثم امتطاها عبد شمس فاغتدت * هزؤا وبدل ربحها بخسار
وتنقلت في عصبة أموية * ليسوا باطهار ولا أبرار
(١٨٧)

ما بين مأفون إلى متزندق * ومداهن ومضعف وحمار
قال فهذه الأبيات هي نظيف القصيدة التقطناها فاما قوله في بني أمية
ما بين مأفون البيت فمأخوذ من قول عبد الملك بن مروان وقد خطب
فذكر الخلفاء من بني أمية قبله فقال اني والله لست بالخليفة المستضعف ولا
بالخليفة المداهن ولا بالخليفة المأفون عني بالمستضعف عثمان وبالمداهن
معاوية وبالمأفون يزيد بن معاوية فزاد هذا الشاعر فيهم اثنين وهما المتزندق
وهو الوليد بن يزيد بن عبد الملك والحمار وهو مروان بن محمد بن مروان
اه.
أبو الحسن علي بن الحسين ختن الصاحب بن عباد على ابنته.
في معجم الأدباء كان شاعرا أديبا بليغا وله شعر منه هذان البيتان في
دار لبعض الملوك بناها.
دار علت دور الملوك بهمة * كعلو صاحبها على الأملاك
فكانها من حسنها وبهائها * بنيت قواعدها على الأفلاك
السيد نور الدين علي بن الحسين بن أبي الحسن الموسوي العاملي الجبعي
والد صاحب المدارك وأبو الحسن ليس هو جده الأدنى بل أحد أجداده
العالية كما مر في إبراهيم ولكن أصحاب كتب التراجم نسبوه إلى جده
الاعلى أبي الحسن وكذا غيره من أولاده فاقتفينا اثرهم في ذلك ومر ان
علي بن أبي الحسن الموسوي العاملي الجبعي من تلاميذ الشهيد الثاني وان
البعض جزم بالاتحاد وظاهر أمل الآمل التعدد.
ولد في جبع سنة ٩٣١.
في أمل الآمل من تلامذة الشهيد الثاني كان فاضلا عالما كاملا محققا
ذكره ابن العودي العاملي في تاريخه في أحوال الشهيد الثاني وأثنى عليه ثناء
بليغا ومدحه مدحا عظيما اه وفي مستدركات الوسائل السيد نور الدين
علي ابن السيد الزاهد الحسين بن أبي الحسن الموسوي تلميذ الشهيد الثاني
وصهره على ابنته والد صاحب المدارك منها ووالد السيد نور الدين علي من
أم صاحب المعالم يروي عنه ولده صاحب المدارك والأمين فيض الله
التفريشي والمحقق الداماد قال في مسند بعض الاحراز المروية عن الأئمة
ع كما في الرياض ومن طريق آخر رويته عن السيد الثقة
الثبت المركون إليه في فقهه المأمون في حديثه علي بن أبي الحسن العاملي رحمه
الله تعالى قراءة وسماعا وإجازة سنة ٩٨٨ من الهجرة المباركة النبوية في
مشهد سيدنا ومولانا أبي الحسن الرضا صلوات الله وتسليماته عليه بسناباد
طوس عن زين أصحابنا المتأخرين زين الدين بن علي بن أحمد بن محمد بن
علي بن جمال الدين بن تقي الدين بن صالح بن مشرق العاملي رفع الله
درجته في أعلى مقامات الشهداء والصديقين اه.
وفي لؤلؤتي البحرين كان من أعيان العلماء والفضلاء في عصره جليل
القدر من تلامذة شيخنا الشهيد الثاني تزوج ابنته في حياته فولد له منها ولده
السيد محمد صاحب المدارك ثم تزوج بعد موته والدة الشيخ حسن فأولدها
السيد نور الدين علي اه.
وفي بغية الراغبين امه بنت الشيخ شمس الدين محمد بن مكي
العاملي الشامي أحد شيوخ الشهيد الثاني قرأ أولا على أبيه ثم لازم الشهيد
الثاني وكانت شقيقته زوجة الشهيد الثاني وتزوج كريمة الشهيد من زوجته
الثانية فولد له منها صاحب المدارك وتزوج بعد وفاة الشهيد زوجته الثالثة أم
صاحب المعالم وفي سنة ٩٥٢ حج البيت الحرام وزار المدينة الطيبة وفي
سنة ٩٨٨ تشرف بزيارة الرضا ع إلى أن قال واستجازه الشيخ
محمد بن فخر الدين الأردكاني فاجازه وكتب له الإجازة بخطه على نسخة
من مصباح المتهجد تاريخها سنة ٩٩٩ يروي عنه تلميذه صاحب المعالم
وولده صاحب المدارك وذكره الشيخ علي الحفيد في الدر المنثور في أحوال
جده الشهيد الثاني فقال ومنهم أي من تلاميذه السيد الإمام العلامة خلاصة
السادة الأبرار وعين العلماء الأخيار وسلالة الأئمة الاطهار السيد العالم
الفاضل الكامل ذو المجدين علي ابن الإمام السيد البدل أوحد الفضلاء
وزبدة الأتقياء السيد المرحوم المبرور عز الدين حسين بن أبي الحسن العاملي
أدام الله شريف حياته رباه كالوالد لولده ورقاه إلى المعالي بمفرده وزوجه ابنته
رغبة فيه وجعله من خواص ملازميه قرأ عليه جملة من العلوم الفقهية
والعقلية والأدبية وغيرها واجازه اجازة عامة اه ويروي عنه جماعات من
أهل عصره.
السيد علي بن الحسين بن موسى العلوي الحسيني الموسوي.
نقيب الاشراف ببعلبك وصاحب الأوقاف والد السيد علوان المشهور
ولم نعلم تاريخ ولادته ووفاته ولكنه كان في المائة التاسعة.
الشيخ علي ابن الشيخ حسين شمس الدين.
توفي شابا سنة ١٣٢٨ في قرية مجدل سلم، ودرس في مدرسة السيد
علي ابن عم المؤلف السيد محمود في شقراء.
شعره
قال:
تلك الطلول فحيها أو اعرض * فالحي بين مزمم ومقوض
هون عليك فلست أول واجد * لسعته أفعى الظاعنين وخفض
ان كنت تهواهم فتلك طلولهم * فافضض بها للدمع ما لم يفضض
قف بي على دار الأحبة وقفة * فعسى ابل غليل قلب ممرض
يا وهب هب نقضوا العهود فإنني * لعهودهم عمر المدى لم انقض
ان يرتضوا هجر المحب فإنني * كلف بغير هواهم لا ارتضي
كرر على حديث أيام الصبا * ما آن زمن الصبا ان تنقضي
اني وان هم جانبوا أو باعدوا * أو اعرضوا عني فلست بمعرض
وقال يمدح أستاذه السيد علي:
سقى الدار من رمل الحمى المتعاقد * ملث من الأنواء خلو الرواعد
هي الدار ما تنفك مطمح ناظري * وأقصى هوى صب مشوق وواجد
تعشقتها حتى إذا غلب الهوى * بعدت ولم أظفر بنيل مقاصدي
صفا مورد فيها لغيري يروقه * وأصبحت بعد البين رنق الموارد
يبرد قلبا من جوى الشوق خاليا * وغلة قلبي حرها غير بارد
إلى م أمني النفس فيها وانثني * كأني في البيدا طريدة طارد
سقاها وحيا معهدا لي بربعها * عباد الحيا من بين تلك المعاهد
تراه إذا ما جاش صيب وكفه * ككف علي في السنين الشدائد
تزج عطاياه إلى الناس مثلما * تزج المطايا في قفار الفدافد
(١٨٨)

تفرد بالعلياء كهلا ويافعا * تفرد جد بالمعالي ووالد
شا ذروة العيوق مجدا وقد بنى * قباب المعالي فوق هام الفراقد
فتى فاق أبناء الزمان فلا ترى * له من مثيل في طريف وتالد
يجاهد نفسا في المعالي نفيسة * وهل يحرز العلياء من لم يجاهد
وقد عرقت فيه بهاليل هاشم * فأكرم بفرع من أصول أماجد
له الحجة البيضاء في كل مشهد * إذا اجتمعت اقرانه في المشاهد
يسير على انواره كل مدلج * ويهدي شذا أخلاقه كل قاصد
إلى ربعك المألوف مني تطلعت * صدور القوافي الباديات العوائد
ولولاك ما راق النظام وانما * بمدحك قد حليت جيد قصائدي
تهنا بعيد الفطر واسم لمثله * ودم في سرور للتهاني معاود
فلا زلت غوث الخلق في كل أزمة * وكهفي وحصني في الزمان وساعدي
وقال أيضا مادحا له ومهنئا:
أ يفيق صب قد أطال ولوعا * وطوى على حر الغرام ضلوعا
لعب الغرام به فبات مسهدا * حيران يأبى ان يذوق هجوعا
ما زال يكتم لوعة وصبابة * ويذيل من فرط الغرام دموعا
ما للمهى صدعت بأسهم هجرها * قلبي فراح مكلما مصدوعا
يا ريم وجرة لي إليك لبانة * ان لا تكون لعاذليك مطيعا
كم قد طلبت إلى لقائك شافعا * وسوى دموعي ما وجدت شفيعا
سل مضجعي عني يجبك بأنني * ما كنت الا للهموم ضجيعا
أقصدتني بسهام لحظك عامدا * وتركني دامي الفؤاد صريعا
أ مروعا بالهجر قلب متيم * ما زال من شوق إليك مروعا
أنت الذي جرعتني غصص النوى * ومنعت طرفي ان يذوق هجوعا
وانا الذي كتم الغرام ودمعه * قد راح للسر المصون مذيعا
أمعنفي لو كان عندك لوعتي * لبعثت غرب الدمع منك نجيعا
أو كنت ساعة بيننا ما بيننا * ورأيت كيف نكرر التوديعا
أيقنت ان من الدموع محدثا * وعلمت ان من الحديث دموعا
كم قد نهيت فما رأيت مطيعا * ولكم عذلت فما وجدت سميعا
خفض عليك فما يطيعك واجد * امسى على حب المهى مطبوعا
حسبي فتى طال الكواكب رفعة * وأقام مجدا فوقهن رفيعا
وسع الورى فضلا وأصبح كفه * غيثا لأبناء الزمان مريعا
قمر محا ظلم الجهالة بعد ما * كادت تعم العالمين جميعا
امسى به شمل الضلال مبدد * وغدا به شمل الهدى مجموعا
قد راح امن المستجير وكعبة * العافي وحصنا للأنام منيعا
يا نخبة النفر الأكارم والألى * طابوا أصولا في الورى وفروعا
ووحيد أهل الفضل لا برح إلهنا * لمقامك السامي الذرى مرفوعا
وقال معزيا له بابن عمه المرحوم السيد جواد ومهنيا له بالعيد ملتزما في
شطري كل بيت التهنئة والتعزية كما ترى:
أ أهنيك حيث طاب الهناء * أم أعزيك حيث جل العزاء
جذلا مقبلا أرتنا الليالي * ومصابا يطول منه البكاء
كاد لولاك ان تثل عروش المجد * حزنا وتخسف البيداء
قر طرف العلى بمجدك لكن * بمصاب الجواد سئ العلاء
قد جلا نورك الدياجي وكادت * بعده ان تحوطنا الظلماء
بزغت من علاك شمس وأودت * من سماء المجد والمعالي ذكاء
أشرق الكون من سناك وغاب * اليوم في التراب من بهاه سناء
يا فدتك الأنام طرا ويا ليت * البرايا لمن فقدت الفداء
قد تناهيت في الكمال كما لم * يبق للحزن بعد هذا انتهاء
يا ابن من قيل في مديح أبيه * كيف ترقى رقيك الأنبياء
من يجاريك سؤددا وفخارا * غير بدر بنوره يستضاء
ذاك غوث الورى محمد من قد * أصبحت فيه تكشف الغماء
قمر تستمد منه البرايا * نورها فهو للأنام ضياء
قد سما للعلى فأدرك شاوا * دونه في علوه الجوزاء
طيب الأصل طاهر الجيب ندب * أورثته فخارها الاباء
سادة قادة هداة حماة * وولاة أئمة شفعاء
حبهم طاعة وعقد ولاهم * جنة والضلال عنهم شقاء
يا وحيد الزمان صبرا جميلا * غاية الناس في الزمان فناء
وله مهنيا له بمولود ومؤرخا ولادته سنة ١٣١٧:
سنحت فحيرت القلوبا * وتمايلت غصنا رطيبا
ورنت بنجلاوين قد * تركا باحشائي ندوبا
هيفاء ناعمة البنان * بقدها تحكي القضيبا
غيداء قد زرت على * قمر السما منها جيوبا
فتنت قلوب العابدين * بناظر يرمي القلوبا
أ يفيق من خمر الهوى * كلف بذاك غدا طروبا
أو يلقى قلبي روحة * من بعد ما ملئ الوجيبا
لي زفرة راحت تشب * بقلبي المضني لهيبا
وبمهجتي من حرها * داء لقد أعيا الطبيبا
من ناشد من واجد * جيداء عاطلة كعوبا
ذهبت بلبي غادة * جلبت لمغرمها شعوبا
ألفت مصاحبة العذول * وغادرت قلبي كئيبا
قسما براحة ثغرها * وبما حوى حسنا وطيبا
لولا العلي بن الأمين * لما سلا القلب الحبيبا
ضحك الزمان به وكان * الدهر مسودا قطوبا
نادته داعية العلى * طفلا فكان لها مجيبا
فكسته حلة مفخر * وكسى العلى بردا قشيبا
قد ضم تحت ردائه * العليا وما ضم العيوبا
جمع المكارم والمفاخر * واقتنى خلقا عجيبا
و أعدا بعد ذبوله * غصن العلى غضا رطيبا
أسد لقد اضحى على * أعدائه غضبا مهيبا
و غدا بطلعة وجهه * نجد الهدى نجدا رحيبا
ان سدد الرأي السديد * بمشكل كان المصيبا
واليك يا عين الوجود * زففت غيداء كعوبا
فاهنا بمولود اتاك * ودم لنا مرعى خصيبا
فرحت به العليا وقد * هنت به العين القلوبا
والمجد من طرب به * أرخت فيه غدا طروبا
وسلمت ملجانا ولا * البست يا بدر الغروبا
وله يمدحه ويهنيه بعد الفطر سنة ١٣١٧:
طف بالكؤوس وعاطني الأقداحا * واسق الندامى من لماك الراحا
(١٨٩)

قم عاطنيها يا فديتك لا تخف * دركا ولا تخش عليك جناحا
وامزج بذكر الريم كاسي علني * أشفي كلوما بالحشى وجراحا
قف بين جمع والمصلى وانشد * الرشا الغرير الأحور المكشاحا
قل للذي قد راح عني نافرا * ولقلبي المضني الهموم أتاحا
لم يرع حق وداد صب مغرم * ما زال من حر الهوى ملتاحا
قسما براحة ثغره لولا الذي * قد فاق أبناء الزمان سماحا
لقضيت من حر الغرام وانما * قلبي بجدواه غدا مرتاحا
قد راح في أوج العلى متطلعا * حتى بنى فوق النجوم مراحا
يا نخبة النفر الذين أكفهم * بالجود تحكي العارض الدلاحا
عرف الخزامي أم أريجك فاحا * ووميض برق أم جبينك لاحا
وسناك أم قمر فرى كبد الدجى * حتى اغتدى منه الظلام صباحا
من نور غرتك اكتسى قمر السما * ثوب الضياء فزدته ايضاحا
لله نور في جبينك انه * أبدى سناء يخمد المصباحا
بك يستنير المدلهم كأنما * اطلعت فيه كوكبا وضاحا
عطرت يا شمس الشام بطيب * رياك البلاد صحاريا وبطاحا
يا غرة المجد الذي علياه قد * ملأت قلوب بني الورى أفراحا
حمل الصبا عنك الشذى فتضوعت * ارجاء عامل عنبرا فواحا
القى إليك الدين فضل زمامه * لما رآك السيد الجحجاحا
كتم الحسود علاك يا كهف الورى * حتى بدا رغما عليه فباحا
قد رضت للعلياء مصعبها وقد * امسى سواك لها يقود رزاحا
لو قست جدوى كفه بسحائب * المزن الثقال وجدتهن شحاحا
فت الالى سبقوا إلى العليا وقد * نظروا بأعينهم إليك طماحا
خذها أبا عبد الحسين خريدة * غيداء من در تميس مراحا
واهنا بعيد الفطر يا خير الورى * واسلم لمشكاة الهدى مصباحا
وقال يمدحه:
لي عند ظبيتك الادماء يا طلل * قلب فتكن به الأجفان والمقل
عانقتها غصنا يرنحها * فرط الدلال ويثني عطفها الجذل
فديتها ناهدا زانت ملابسها * يوم الغميم وحلا جيدها عطل
في ثغرها شنب قد فاض رونقه * على أقاح وفي أجفانها كحل
لم انس زورتها بعد الجهود وقد * ولت وفي نحرها من مدمعي بلل
باتت تذكرني أيام كنت بها * حديث عهد الصبا والدمع ينهمل
وألثمتني ثغرا طاب مرتشفا * ولذ لي من لماه العل والنهل
يا فتنة العابد استخلى بصومعة * وقام جنح الدجى يدعو ويبتهل
هل عطفة منك تشفي مغربا دنفا * أم هل تعود لنا أيامنا الأول
ويا مدير الحميا عاطني قدح * المدام هلى الحشا تطفى له غلل
قم فاستقنيها دهاقا من يدي رشا * حلو الشمائل فيه يحسن الغزل
أودع فحسبي مزايا ابن الأمين ومن * بفضله في البرايا يضرب المثل
اطل بدرا على الأيام فابتهجت * به سرورا وثوب الجهل منسدل
جم المناقب حلا مجده حسب * وزانه في البرايا العلم والعمل
عزت الملة البيضاء واعتصمت * عمر الزمان به الأديان والملل
أحيا قلوب البرايا فيض راحته * التي استمد نداها العارض الهطل
طال السهى محتدا والمشتري شرفا * وراح يقصر عن شاو له زحل
تخاله أسدا عند الجدال إذا * ما القوم حل بهم في مشكل جدل
يا صفوة النفر الأخيار من مضر * وخير من حملته الأينق الذلل
هذي نجائب أشعاري يسيرها * الوخيد نحوك والأرقال والرمل
وافت علاك على بعد يميس بها * إلهنا ويخطر فيها البشر والجذل
وقال يمدحه ويهنئه بأوبة نجله السيد عبد الحسين من النجف سنة
١٣٢٥:
أزهر الربى يزهو أم النجم يزهر * وهاتيك أقمار أم النور مقمر
رياض بها الوادي لقد طاب موردا * وقد راق منه للنواظر منظر
تفجر ماء كاللجين فشاقني * ورود ينابيع به تتفجر
كان حصاه حين أصبح يجتلى * فرائد در في مجاريه تنثر
تود الغواني لو تكون قلائدا * على جيدها تختال فيها وتخطر
واني ليصيبني غناء حمائم * وروض على سفح السلوقي مزهر
وريح الصبا عنه إلينا تحملت * لطائم عن مسك بدارين تخبر
وتنعش قلب الصب كأس يديرها * طليق المحيا أشنب الثغر احور
يميس كغصن البان دلا وينثني * كما ينثني الظافر المتبختر
وما زال يولينا شبيهة خده * معتقة من عصر قيصر تخبر
فقلت الا زدني فقد جدد إلهنا * لقاء فتى عن طلعة البدر يسفر
كريم نمته للمعالي عصابة * أناملها ان أجدب الزهر أبحر
من المطعمين الزاد والعام كالح * ومولين امن البر والبر أقفر
ومنهم عليا قد توليت فاغتدت * على حبه تطوي ضلوعي وتنشر
رقى ذروة لا يبلغ الطير شأوها * وأدرك مجدا دونه الوهم يقصر
وقام بأعباء الرياسة ناهضا * بعزم له يعنو الحسام المشهر
ضليع بما تبغي الفضائل والعلى * مطاع إذا ما راح ينهى ويأمر
اطل على الدنيا بأيمن طالع * يسر قلوب العالمين ويبهر
له خلق كالروض باكره الحيا * وكف على العافين كالغيث تمطر
إذا ضمه النادي به خلت يذبلا * واما دعا الداعي فأين الغضنفر
وعرف سجاياه لدى كل ناشق * إذا فاح رياهن مسك وعنبر
مناقبه أخلاقه الغر ذكره * نجوم رياض جادها الطل عبهر
نداه محياه هداه علومه * سحاب سنا برق شموس وابرح
الا قل لمن والى عليا وصنوه * لك الفوز في الأخرى وحظك أوفر
وقل لأعاديه الالى يحسدونه * لقد فاتكم جدا ومجدا فاقصروا
وانك يا كنز العفاة وغوثها * لخير الورى مهما أقلوا وأكثروا
وان حاولوا تقديم غيرك في العلى * فمثلك بالتقديم أحرى وأجدر
ليهنك وليهن العلى بك قادم * له في المعالي الغر ورد ومصدر
ولا زلت ترقى منبر الفضل والعلى * سمو وهل للفضل غيرك مظهر
ودم سالما ما لاح نجم وما شدا * حمام وما جاد السحاب المسخر
وقال يرثيه:
ثقفت للعلياء عوج ضلوعها * وحنيتها وأرقت غرب دموعها
اقذي نعيك طرفها فعيونها * لنواك فارقها لذيذ هجوعها
وأصمها إذ راح يهتف قائلا * هذي العلى اردى الردى بقريعها
هي ثلمة في الدين جاء نذيرها * ينعى بك الاسلام قبل وقوعها
قصمت رزيتك الظهور بوقعها * جزعا وأودت بالنفوس جميعها

(١) هو وادي السلوقي الشهير في جبل عامل إلى الشرق من قرية شقرا.
(١٩٠)

صدعتك فانصدعت قلوب بني الورى * حزنا وهل توسى كلوم صدوعها
أ صروف عادية الردى إحتكمي فقد * راعت خطوب الدهر قلب مريعها
وخذي بني الأيام ان زعيمها * الثاوي مضى بأصولها وفروعها
وحديثها وقديمها وكلامها * ونظامها وبيانها وبديعها
واجد عنها ظاعنا بثلاثة * معقولها منقولها مسموعها
درست معالم دينها فشرائع * الاسلام بعدك خيف من تشريعها
ورياضها قد صوحت فالروضة * الغناء خبا منها وميض لموعها
ضاقت مسالكها عليها بعد ما * كانت تروح وتغتدي بوسيعها
وجواهر الاحكام وهي سواطع * بك أخفت الأيام ضوء سطوعها
وقواعد الدين اغتدى متثلما * حزنا بناء رفيعها ومنيعها
وتعطلت تلك القوانين التي * ذهبت بالباب الأنام جميعها
أ قريش اودى فاربعي وتجرعي * غصصا تقاسي الحتف في ترجيعها
وتواكلي يا فهر ان سحائب * الجود العميم تقشعت بمريعها
وتعلمي نوح الحمائم واضربي * عن لهوها صفحا وعن ترجيعها
وألوي رقابك يا لوي مذلة * واستبدلي عن عزها بخضوعها
ولتبك معولة نزار فخطبه * ألوى بصبر رفيعها ووضيعها
ولتجعل الزفرات يعرب زادها * ومعد موردها نجيع دموعها
أخنى على مضر وأثكل هاشما * واجتاح فضل قريبها وشسوعها
كيف التصبر والاسى ينتاب * احشاء البرية كهلها ورضيعها
رفقا أبا عبد الحسين فمهجتي * تقفوك في ازماعها ونزوعها
أعزز علي بان أراك ضجيع أحجار * ثوى بالفضل شخص ضجيعها
أعزز علي بان تكون وديعة * في حضرة قلبي قرين وديعها
أعزز علي بان تكون وديعة * شقت مرائرنا لدى توديعها
سعدت بك الأرض التي قد غبت عن * عيني بها كالشمس عند طلوعها
سقيا لها من بقعة شقوا بها * قبرا لسيد هاشم وشفيعها
السيد علي بن الحسين بن حسان بن باقي القرشي.
له كتاب الاختيار وكتاب المصباح ينقلون عنهما كثيرا في كتب
العبادات والأدعية خصوصا الكفعمي والظاهر أن الكتابين واحد لأنه اختار
مصباح المتهجد ووجد في اخر بعض نسخة انه فرع من تاليفه سنة ٦٥٣
ووصفه الكفعمي في حاشية البلد الأمين بالسيد الجليل.
الشيخ علي ابن الشيخ حسين الخيقاني الحلي النجفي.
توفي يوم الثلاثاء ٢٧ رجب سنة ١٣٣٤ في النجف ودفن في الحجرة
التي عن يمين الداخل إلى الصحن الشريف من الباب الغربي. والخيقاني
نسبة إلى خيقان محل بسواد العراق.
عالم عامل فقيه رباني كان على جانب عظيم من الزهد والورع
والتقشف في الدنيا رأيناه في النجف الأشرف أيام اقامتنا به وعاشرناه.
وكان له إلمام بعلم الطب وبعض العلوم الغريبة جرى يوما ذكر المآكل
المضرة فقال بعض الجالسين طالما اكلت المضر فلم يضرني فقال له: كمثل
من يقول ألقيت نفسي من فوق السطح فلم تنكسر رجلي لا يدل على أن
القاء النفس من فوق السطح ليس فيه خطر. وصفه الحاج ملا علي ابن
الميرزا خليل في اجازته التي كتبها له: بفخر المحققين وزبدة المدققين وكان
أبوه أيضا من العلماء تلمذ هو على الشيخ مرتضى الأنصاري وعلي الملا علي
المذكور وعلى الميرزا السيد محمد حسن الشيرازي حين كان في النجف. له
١ شرح اللمعة ٢ رسائل في تمام أبواب الأصول ٣ في مهمات الفقه
وقواعده كقاعدة اليد ونفي الضرر وغيرهما ٤ تعليقه على فوائد الآقا
البهبهاني في الرجال أضاف إليها فوائد مهمة ٥ حاشية على المعالم.
خلف ولدين فاضلين الشيخ حسن والشيخ حسين، توفي الشيخ
حسين سنة ١٣٣٦ ودفن في ايوان حجرة أبيه.
الشيخ أبو الحسن علاء الدين علي بن الحسين الشفهيني الحلي.
أكثر ما وجدناه الشفهيني ولعله الأصح ويوجد العاملي وهو غلط.
وفاته
في الطليعة انه توفي في حدود السبعمائة بالحلة وله قبر معروف بها
يزار ويتبرك به اه وفي مجلة المرشد البغدادية انه توفي سنة ٧٠٠ ولا نخال
ذلك صحيحا إذ لم يسنده إلى مستند ولا رأينا من ذكره من المترجمين له
المعتنين بهذا الشأن مع أنه معاصر للشهيد الذي استشهد سنة ٧٨٦ وقد
شرح الشهيد بعض قصائده كما ستعرف فإذا فرضنا انه شرحها سنة وفاة
ناظمها ويبعد ان يكون عمره يومئذ دون العشرين فيكون عمر الشهيد قد
تجاوز المائة ولم يعده أحد من المعمرين. مضافا إلى ما ستعرف من قول
صاحب الرياض انه معاصر لابن فهد المتوفي سنة ٨٤١ وغاية ما علم أن
المترجم من أهل القرن الثامن معاصر للشهيد:
نسبته
الشهيفيني بشين معجمة وهاء ويائين مثناتين من تحت بينهما فاء
ونون وياء النسبة كما في كشكول البحراني والروضات وأمل الآمل وبعض
المخطوطات و في بعضها لا توجد الياء الثانية بعد الفاء، لا تعلم هذه
النسبة إلى اي شئ ولعل الشهيفنية قرية بنواحي الحلة نسب إليها ويوجد
في بعض القيود وعن رياض العلماء في موضوع الشفيهيني بالشين المعجمة
والفاء والياء المثناة من تحت والنون وفي بعضها الشفهيني بالشين والفاء
والهاء والياء والنون، قال والظاهر أنه نسبة إلى بعض قرى جبل عامل وفي
مجالس المؤمنين الشهيفية بغير نون بدل الشهيفيني والظاهر أنه من سهو
القلم وعن رياض العلماء في موضع اخر علي بن الشهيفية الحلي وقال لعلها
امه وهو اشتباه كما ستعرف فقد ذكر في الرياض ترجمتين إحداهما لعلي
ابن الشهيفية الحلي والثانية لعلي بن الحسين الشفهيني واستظهر انه عاملي
وفي روضات الجنات في ترجمة الشهيد الأول ان له شرحا على قصيدة الشيخ
أبي الحسن علي بن الحسين المشتهر بالشهيفيني العاملي في مدح سيدنا أمير
المؤمنين ع مجنسا وهي من جملة ديوانه الكبير كما ذكره بعض
الخبيرين والعجب أن صاحب أمل الآمل مع حرصه على جميع فضلاء جبل
عامل كيف غفل عن ذكر هذا الرجل وكيف غفل عن هذا الشرح فلم
يذكره في مؤلفات الشهيد اه. قال المؤلف: الرجل حلي لا عاملي كما
صرح به في مجالس المؤمنين والرياض في الترجمة الأولى وصاحب أمل الآمل
وصرح به المترجم نفسه بقوله في قصيدة تأتي:
إذا غبتم عن ارض حلة بابل * فلا سحبت للسحب فيه ذيول
وقوله في قصيدة أخرى:
فارقت ارض الجامعين فلا الصبا * عذب ولا طرف السحائب باكي
(١٩١)

والذي أوقع صاحب الروضات في الاشتباه بأنه عاملي هو كلام
صاحب الرياض بقوله الظاهر أن نسبته إلى بعض قرى جبل عامل والذي
أوقع صاحب الرياض في ذلك شرح الشهيد لقصيدته فزعم أنه عاملي وزعم أنهما
رجلان حلي اسمه علي بن الشهيفية وعاملي اسمه علي بن الحسين
الشهيفية والصواب انهما رجل واحد حلي لا عاملي وان ذكر الشهيفية بدل
الشهفيني في مجالس المؤمنين من سبق القلم منه أو من الناسخين ولو نظر
صاحب الرياض في القسم الثاني من أمل الآمل لعلم انه ذكر علي
الشهيفيني الحلي ولم يذكر انه عاملي والعجب من صاحب الروضات كيف
غفل عن أن صاحب الأمل ذكره في القسم الثاني من كتابه وذكر انه حلي و
إما عدم ذكره هذا الشرح في مؤلفات الشهيد فلعله لم يطلع عليه.
أحواله
هو شاعر مجيد متفنن طويل النفس في الشعر له قصائد متعددة في
مدح أمير المؤمنين ورثاء ولده الحسين ع وجدنا له من ذلك
ثمان قصائد في مجموعة كتبت سنة ١١٧٢ بخط الشيخ محمد حسين ابن
الشيخ محمد رضا ابن الشيخ عبد الحسين ابن الشيخ ناصر الكاظمي
ووجدنا بعضها في مخطوط قديم أيضا بعضها يبلغ ١٨٧ بيتا وبعضها ١٧٦
وبعضها ١٥٧ وبعضها ١٢٠ وبعضها ١٢٤ وبعضها ١٠٥ وبعضها ٥٦ عن
بعض الخبيرين ان له ديوانا كبيرا وهو يعتمد التجنيس في شعره فلذلك قد
يبدو عليه التكلف.
أقوال العلماء فيه
في مجالس المؤمنين: علي بن الحسين الشهيفية الحلي رحمة الله
عليه كان من فضلاء الشعراء المتأخرين وله في مدح أهل البيت
ع قصائد كثيرة وقد شرح الشيخ الأجل الشهيد أبو عبد الله محمد بن
مكي قدس الله روحه واحدة منها في مدح أمير المؤمنين ع فلما
اطلع الناظم على هذا الشرح ورأى اعتناء الشهيد بقصيدته مدح الشهيد
بعشرة أبيات أظهر فيها الافتخار والتشكر على ذلك وفي أمل الآمل
الشيخ علي الشهيفيني الحلي فاضل شاعر أديب له مدائح كثيرة في أمير
المؤمنين وسائر الأئمة ع. فمن قوله يا روح انس من الله
البدئ بدا إلى تمام ثمانية أبيات منها وستأتي والظاهر أنها هي القصيدة
التي شرحها الشهيد وعن الرياض علي بن الشهيفية الحلي ولعل الشهيفية نسبة
إلى الأم رأيت من أشعاره قصائد سبعا في مراثي الحسين ع في مجموعة
كانت كلها بخط الشيخ محمد بن علي بن الحسن الجبعي جد الشيخ البهائي الذي
توفي سنة ٨٨٦ قال ولعله معاصر لابن فهد المتوفي سنة ٨٤١ وذكر له ترجمة أخرى فقال
الشيخ أبو الحسن علي بن الحسين الشفيهيني بالشين والفاء والياء والهاء والنون
وعندنا قصيدة من ديوانه في مدح الأمير ع مجنسا وللشهيد ابن مكي
شرح عليها، فجعلهما رجلين أحدهما معاصر لابن فهد والآخر للشهيد وقد عرف
اتحادهما. فمن شعره قوله من قصيدة يمدح بها النبي والوصي ويرثي الحسين
ع مائة وستة وسبعين بيتا:
نم العذار بعارضيه وسلسلا * وتضمنت تلك المراشف سلسلا
قمر أباح دمي الحرام محللا * إذ مر يخطر في قباه محللا
رشا تردى بالجمال فلم يدع * لاخي الصبابة في هواه تجملا
كتب الجمال على صحيفة خده * بيراع معناه البهي ومثلا
فبدا بنوني حاجبيه معرفا * من فوق صادي مقلتيه واقفلا
ثم استمد فمد أسفل صدغه * ألفا ألفت به العذاب الأطولا
واعجب له إذ هم ينقط نقطة * من فوق حاجبه فجاءت أسفلا
فتحققت في ماء حمرة خده * خالا فعم هواه قلب المبتلى
قابلته شاكي السلاح قد امتطى * في غرة الأضحى أغر محجلا
مترديا خضر الملابس إذ لها * باللؤلؤ الرطب المنضد مجتلى
فنظرت بدرا فوق غصن مائس * خضر تعاهده العهاد فكللا
بدر مع الجوزاء لاح لناظر * مبتلج فأزاح ليلا أليلا
حتى إذا قصد الرمية راشقا * بسهامه ناديته متمثلا
لك ما ينوب عن السلاح بمثله * يا من أصاب من المحب المقتلا
يكفيك طرفك صارما والقد خطارا * وحاجبك المعرق عيطلا
عاتبته فشكوت مجمل صده * لفظا اتى لقطا فكان مفصلا
فتضرجت وجناته مستعذبا * عتبي ويعذب للمعاتب ما حلا
فافتر عن در واسفر عن ضحى * من لي بلثم المجتني والمجتلى
من لي بغصن نقي تبدأ فوقه * قمر تغشى جنح ليل فانجلى
حلو الشمائل لا يزيد على الرضا * الا علي قساوة وتدللا
نجلت به صيد الملوك فأصبحت * شرفا له هام المجرة منزلا
فالحكم منسوبا إلى آبائه * عدل ولكن حكمه لن يعدلا
أدنو فيصدف معرضا متبدلا * عني فاخضع طائعا متذللا
أبكي فيبسم ضاحكا فيقول لي * لا غروان شاهدت وجهي مقبلا
أنا روضة والروض يبسم نوره * بشرا ذا دمع السحاب تهللا
قسما بفاء فتور جيم جفونه * لا خالفن على هواه العذلا
ولأرخصن على الهوى نفسا غلت * فعلت ويرخص في المحبة ما غلا
ولأحسنن وان اسا والين طوعا * ان قسا وأزيد حبا ان قلا
لا نلت مما ارتجيه ماربي * إن كان قلبي عن محبته سلا
لا شئ أحسن من عفاف زانه * ورع ومن لبس العفاف تجملا
طبعت سرائرنا على التقوى ومن * طبعت على التقوى سريرته علاء
أهواه لا لخيانة حاشا لمن * انهى الكتاب تلاوة ان يجهلا
لي فيه مزدجر بما أخلصته * في المصطفى وأخيه من عقد الولاء
إلى أن يقول في أمير المؤمنين ثم رثاء الحسين:
العالم العلم الرضي المرتضى * نور الهدى سيف العلي أخو العلى
من عنده علم الكتاب وحكمه * وله تأدت متقنا ومحصلا
وإذا علت شرفا ومجدا هاشم * كان الوصي بها المعم المخولا
ومكسر الأصنام لم يسجد لها * متعفرا فوق الثرى متذللا
لكن له سجدت مخافة بأسه * لما على كتف النبي علاء علاء
تلك الفضيلة لم يفز شرفا بها * الا الخليل أبوه في عصر خلا
إذ كسر الأصنام حين خلا بها * سرا وولى خائفا مستعجلا
فتميز الفعلين بينهما وقس * تجد الوصي بها الشجاع الأفضلا
وانظر تر أزكى البرية مولدا * في الفعل متبعا أباه الأولا
وهو القؤول وقوله الصدق الذي * لا ريب فيه لمن وعى وتاملا
والله لو أن الوسادة لي بكم * ثنيت بما حظر الاله وحللا
لحكمت في قوم الكليم بمقتضى * توراتهم حكما بليغا فيصلا
(١٩٢)

وحكمت في قوم المسيح بمقتضى * إنجيلهم وأقمت منه الأميلا
وحكمت بين المسلمين بمقتضى * فرقانهم وابنت منه المجملا
وابنت محكمها ومبهمها وما * منها تشابه مجملا ومفصلا
حتى تقر الكتب ناطقة لقد * صدق الأمين علي فيما عللا
وانظر إلى نهج البلاغة هل ترى * لاولى الفصاحة منه أبلغ مقولا
حكم تأخرت الأواخر دونها * خرسا وأفحمت البليغ المقولا
خسئت ذوو الآراء عنه فلا ترى * من فوقه الا الكتاب المنزلا
وله القضايا والحكومات التي * وضحت لديه فحل منها المشكلا
في يوم بعث الطائر المشوي إذ * وافى النبي فكان أطيب مأكلا
إذ قال احمد آتني بأحب من * تهوى ومن أهواه يا رب العلى
أ فهل سوى بعل البتول اتاه عن * إذن من الرحمن يغشى المنزلا
وكسد أبواب الصحابة غيره * لمميز عرف الهدى متوصلا
يا ليت في الاحياء شخصك حاضرا * وحسين مطروح بعرصة كربلاء
عريان يكسوه الصعيد ملابسا * أفديه مسلوب اللباس مسربلا
متوسدا حر الصخور معفرا * بدمائه ترب الجبين مرملا
ظمآن مجروح الجوارح لم يجد * ماء سوى دمه المبدد منهلا
ولصدره تطأ الخيول وطالما * بسريره جبريل كان موكلا
عقرت أ ما علمت لأي معظم * وطأت وصدر غادرته مفصلا
ولثغره يعلو القضيب وطالما * شرفا له كان النبي مقبلا
وبنوه في أسر الطغاة صوارخ * ولهاء معولة تجاوب معولا
ونساؤه من حوله يندبنه * بأبي النساء النادبات الثكلا
يندبن أكرم سيد من سادة * هجروا القصور وجاوروا وحش الفلا
بأبي بدورا في المدينة طلعا * أمست بأرض الغاضرية أفلا
آساد حرب لا يمس عفاتها * ضر الطوى ونزيلها لن يخذلا
من تلق منهم تلق غيثا مسبلا * كرما وان قابلت ليثا مشبلا
نزحت بهم عن عقر دارهم العدى * بأبي الفريق الظاعن المترحلا
ساروا حثيثا والمنايا حولهم * تسري فلا يجدون عنها معزلا
ضاقت بهم أوطانهم فنبؤوا * شاطي الفرات عن المواطن موئلا
ظفرت بهم أيدي البغاث ولم أخل * وأبيك يقتنص البغات الأجدلا
منعوهم ماء الفرات ودونهم * بسيوفهم دمهم يراق محللا
هجرت رؤوسهم الجسوم وواصلت * زرق الأسنة والوشيج الذبلا
يبكي أسيرهم لفقد قتيلهم * أسفا وكل في الحقيقة مبتلى
هذا يميل على اليمين معفرا * بدم الوريد وذا يساق مغللا
لهفي لزين العابدين يقاد في * ثقل الحديد مقيدا ومكبلا
أفدي الأسير وليت خدي موطئا * كانت له بين المحامل محملا
يا صاحب الأعراف يعرض كل * مخلوق عليه محققا أو مبطلا
يا خير من لبى وطاف ومن سعى * ودعا وصلى راكعا وتنفلا
ظفرت يدي منكم بقسم وافر * سبحان من وهب العطاء واجزلا
شغلت بنو الدنيا بمدح سواكم * وانا الذي بسواكم لن أشغلا
ومنحتكم مدحي فرحن خزائني * بنفائس الحسنات منعمة ملا
مولاي دونك من علي مدحة * عربية الألفاظ صادقة الولاء
ليس النضار نظيرها لكنها * در تكامل نظمه فتفصلا
فاستجلها مني عروسا غادة * بكرا لغيرك حسنها لن يجتلى
وصادقها منك القبول فكن لها * يا ابن الأكارم سامعا متقبلا
صلى عليك الله ما سح الحيا * وتبسمت لبكائه ثغر الكلأ
وعليكم مني التحية ما دعا * داعي الفلاح إلى الصلاة وهللا
وقال ويمدح أمير المؤمنين ع وهي التي شرحها الشهيد
كما مر:
يا روح قدس من الله البدئ بدا * وروح انس على عرش العلي بدا
ألية بك لولا أنت ما كشفت * مسرة الأمن عن قلب النبي صدا
ولا غدت عرصات الكفر موشحة * يبكي عليهن من بعد الأنيس صدا
يا من به كمل الدين الحنيف * وللاسلام من بعد وهن ميله عضدا
وصاحب النص في خم وقد رفع * النبي منه على رغم العدى عضدا
أنت الذي اختارك الهادي البشير أخا * وما سواك ارتضى من بينهم أحدا
وحق نصرك للاسلام تلكؤه * حياطة بعد خطب فادح وردى
ما فصل المجد جلبابا لذي شرف * الا وكان مغناك البهيج ردا
يا كاشف الكرب عن وجه النبي لدى * بدر وقد كثرت أعداؤه عددا
استشعروا الذل خوفا من لقاك وقد * تكاثروا عددا واستصبحوا عددا
ويوم عمرو بن العامري وقد * سارت إليك سرايا جيشه مددا
أضحكت ثغر الهدى بشرا به وبكت * عين الضلال له بعد الدما مددا
وفي هوازن لما نارها استعرت * من غير عزمك يوما حرها بردا
اجرى حسامك صوبا من دمائهم * هدرا وأمطرتهم من أسهم بردا
أقدمت وانهزم الباقون حين رأوا * على النبي محيطا جحفلا لبدا
لولا حسامك ما ولوا ولا اطرحوا * من الغنائم مالا وافرا لبدا
واخر إذ اتى في جحفل لجب * لم يغن عنه وقد طوقته عمدا
وحصن خيبر لما ان هززت وقد * أعطاك رب العلى من عنده جلدا
وفي قدامة لما الاثم مال به * من ذا سواك له في إثمه جلدا
أقل وصفي في علياك سيفك والبنان * يجري دما هذا وذاك ندا
حكت صلاتك آيات خصصت بها * على صلاتك برا وافرا وجدا
لما على السائل المضطر جدت له * بخاتم راكعا يا خير ما وجدا
اني لاعذر فيك الحاسدين على * فضل سواك به في الناس ما انفردا
فكم حللت بعلم عقد مشكلة * وكم حزرت بحد السيف أنف ردئ
ان قايسوا مجدك العالي فحسبهم * معاشر لم ينالوا رتبة السعدا
فكيف ينقص در المسك منزلة * غلف القلوب إذا قاسوا به السعدا
يا جوهرا جل عن مثل وعن شبه * صفاته وسواه مشبه زبدا
علمت أنك روح الدهر واحدة * لذلك اخترت من مدحي لكم زبدا
يهزني طربا فيك المديح فلا * أخاف من قاد جيش البغي أو حشدا
كطائر هزه في دوحه طربا * قرب الأليف إذا لاح الصباح شدا
مولاي دونكما بكرا منفحة * ما بها جاورت غير مغنى حلة بلدا
رقت فراقت لذي علم فينكر معناها * البليد ولا عتب على البلدا
خنساء تهزأ بالحور الحسان حوت * محاسنا تركت أهل النفاق سدى
دقت صفات معانيها فملحمها * در الجناس له سلك النضار سدا
انا الولي الذي انقاد الجناس له * في مدحكم واقتفى معناه فاطردا
كم رامه حاسد من غير معرفة * فمذ اتاه له عن بابه طردا
يا أقرب الله عند الناس منزلة * بعد النبي وأعلى وافد وفدا
تفديك نفس علي حيث أنت لخير * المرسلين ولي ناصر وفدا
(١٩٣)

وقال يرثي الحسين ع وهي التي عارضها جماعة منهم
الحسن بن راشد.
عسى موعد ان صح منك قبول * يؤديه ان عز الوصول قبول
تطاول عمر العتب يا عتب بيننا * وليس إلى ما نرتجيه سبيل
أ في كل يوم للعتاب رسائل * مجددة ما بيننا ورسول
رسائل عتب لا يرد جوابها * ونفث صدود في السطور يطول
عسى مسمعي يصغي إلى قول مسمع * فيعطف قاس أو يرق ملول
وقد كنت أبكي والديار أنيسة * وما ظنعت للظاعنين حمول
فكيف وقد شط المزار وروعت * فريق التداني فرقة ورحيل
إذا غبتم عن ربيع حلة بابل * فلا سحبت للسحب فيه ذيول
ولا ابتسمت للثغر فيه مباسم * ولا نهجت للطل فيه طلول
ولا هب معتل النسيم ولا سرت * بليل على تلك الربوع بليل
وما النفع فيها وهي غير أواهل * ومعهدها ممن عهدت محيل
رعى الله أياما بظل جنابها * ونحن بشرقي الأثيل نزول
ليالي لا عود الربيع يجفه * ذبول ولا عود الربوع هزيل
بها كنت أصبو والصبا لي مسعد * وصعب الهوى سهل لدي ذلول
وإذ نحن لا طرف الوعود عن اللقا * بطئ ولا طرف السعود كليل
فلا تحسبي اني تناسيت عهدكم * ولكن صبري يا أميم جميل
نبيت وما غير العفاف شعارنا * وللامن من واش علي شمول
كروحين في جسم أقاما على الوفا * عفاف وأبناء العفاف قليل
إلى أن تداعى بالفراق فريقكم * ونم بكم حاد وأم دليل
تقاضى الهوى مني فما ظلاله * مقيل ولا مما جناه مقيل
أروم بمعتل الصبا برء علتي * واعجب ما يشفي العليل عليل
تمر بنا في الليل وهنا بريها * يبل عليل أو يبل غليل
أ غرك اني ساتر عنك لوعة * لها ألم بين الضلوع دخيل
ثقي بخليل لا يغادر خله * بغدر ولا يثنيه عنك عذول
حميد خلال لا يراع خليله * إذا ريع في جنب خليل الخليل
خليق بأفعال الجميل خلاقه * وكل خليق بالجميل جميل
يزين مقال الصدق منه فعاله * وما كل قوال لديك فعول
غضيض إذا البيض الحسان تأودت * لهن قدود في الغلائل ميل
ففي الطرف دون القاصرات تقاصر * وفي الكف من طول المكارم طول
أما وعفاف لا يدنسه الخنا * وسر عتاب لم يذله مذيل
لانت قلبي حيث كنت مسرة * وأنت له دون البرية سول
يقصر أمالي صدودك والقلى * وينشرها منك الرجا فتطول
أ أنسى حسينا للسهام رمية * وخيل العدى بغيا عليه تجول
أ أنساه إذ ضاقت به الأرض مذهبا * يشير إلى انصاره ويقول
إلا فاذهبوا فالليل قد مد سجفه * وقد وضحت للسالكين سبيل
فثار إليه قائلا كل أمثل * نحته إلى أزكى الفروع أصول
يقولون والسمر اللدان شوارع * وللبيض من فوق الحديد صليل
أ نسلم مولانا وحيدا إلى العدى * وتسلم فتيان لنا وكهول
وثاروا إلى الحرب العوان كأنهم * اسود لها وسط العرين شبول
اسود بيوم الروع لا ترهب اللقا * لها الخط في يوم الكريهة غيل
حماة إذا ما خيف للثغر جانب * كماة على قب الفحول فحول
ليوث لها في الدار عين وقائع * غيوث لها للسائلين سيول
أدلتها في الليل نور وجوهها * وفي النقع أضواء السيوف دليل
يؤم بها قصد المغالب أغلب * فروس لأشلاء الكماة أكول
صؤل إذا كر الكمي مناجز * بليغ إذا فاه البليغ قؤل
له من علي في الحروب شجاعة * ومن احمد عند الخطابة قيل
إذا شمخت في المجد ذروة هاشم * فعماه منها جعفر وعقيل
كفاه علوا في البرية انه * لأحمد والطهر البتول سليل
فما كل جد في الرجال محمد * ولا كل أم في النساء بتول
أيا ابن النبي المصطفى والذي له * فخار إذا عد الفخار أثيل
ارى الموت عذبا في لهاك وانه * لغيرك مكروه المذاق وبيل
فما مر ذو باس إلى مر بأسه * على مهل الا وأنت عجول
كان الأعادي حين صلت مبادرا * كثيب ذراه الريح فهو مهيل
بنفسي وأهلي عافر الخد حوله * لدى الطف من آل الرسول قبيل
كان حسينا بينهم بدر هالة * كواكبها حول السماء حلول
قتيل بكت حزنا عليه سماؤها * وصاب لها دمع عليه هطول
وأرجفت الأرض البسيط لفقده * وزلزل أجبال لها وسهول
قضى ظاميا والماء طام وماله * إليه وقد عز النصير وصول
وحز وريد السبط دون وروده * وغالته من أيدي الحوادث غول
وآب جواد السبط يهتف ناعيا * وقد ملأ البيداء منه صهيل
فلما سمعن الطاهرات نعيه * لراكبه والسرج منه يميل
برزن من الفسطاط حسرى نوادبا * لهن على الندب الكريم عويل
أخي يا هلالا غاب عند كماله * وحاق به بعد الطلوع أفول
بنفسي أخت السبط تعلن ندبها * على ندبها محزونة وتقول
أخي كنت شمسا يملأ الأفق نورها * ويرتد عنها الطرف وهو كليل
وغصنا يروق الناظرين نضارة * ألم به من بعد ذاك ذبول
وربعا يمير الوافدين ربيعه * تعاهده غب العهاد محول
وعضبا رماه الدهر في دار غربة * وفي غربه للمرهفات فلول
وضرغام غيل غيل دون عرينه * وفي كفه ماضي الغرار صقيل
أصبت فلا صوب المآثر صائب * ولا في ظلال المكرمات مقيل
ولا الجود موجود ولا ذو حمية * سواك فيحمى في حماه نزيل
ترى نسوة قد غاب عنها حميها * وأعوزها بعد الكفاة كفيل
سوافر بين السفر في مهمة الفلا * لها كل يوم رحلة ونزول
تزيد خفوقا يا ابن أمي قلوبنا * إذا خفقت للظالمين طبول
أ يقتل ظمانا حسين وجده * إلى الناس من رب العباد رسول
وآل رسول الله في دار غربة * وآل زياد في القصور نزول
مصاب أصيب الدين منه بفادح * تكاد له شم الجبال تزول
عليك ابن خير المرسلين تاسفي * وحزني وان طال الزمان يطول
جللت فجل الرزء فيك على الورى * كذا كل رزء في الجليل جليل
وان سئم الباكون فيك بكاءهم * ملالا فاني للبكاء مطيل
وما هي الا فيك نفس نفيسة * يحللها حر الأسى فتسيل
وان فاتني ادراك نصرك في يدي * فلي مقول اسطو به وأصول
ولي فيك ابكار لوفق جناسها * أصول بها في الشامتين نصول
لها رقة المحزون فيك وخطبها * جسيم على أهل النفاق مهول
لها في قلوب الحاسدين عواسل * ووقع نصول ما لهن نصول
بها من علي في علاك مناقب * يقوم عليها في الكتاب دليل
(١٩٤)

ينم من الأعراف طيب عرفها * فتعلقها للعارفين عقول
إذا نطقت آي الكتاب بفضلكم * فما ذا عسى فيما أقول أقول
لساني على التقصير في شرح وصفكم * قصير وشرح الاعتذار طويل
عليك سلام الله ما اتضح الضحى * وما عاقبت شمس الأصيل أصيل
وقال أيضا يمدح أمير المؤمنين ع من قصيدة تبلغ نحو
١٢٠ بيتا:
يا عين ما سفحت غروب دماك * الا لما علق الحشا بدماك
لك ناظر في كل غصن ناضر * مناك تسويفا بلوع مناك
كم نظرة أسلفت نحو سوالف * سامت أساي بها علاج اساك
يا بانة السعدي ما سلت ظبا * ك علي الأمن جفون ظباك
شعبت فؤادي في شعابك ظبية * تصمي القلوب بناظر فتاك
تبدو هلال دجى وتلحظ جؤذرا * وتميس دلا في منيع حماك
شمس تبوأت القلوب منازلا * مأسوسة عوضا عن الأفلاك
أسدية الاباء الا ان منتسب * الخؤلة من بني الأتراك
أ شقيقة الحسبين هل من زورة * فيها يبل من الضنا مضناك
ما ذا يضرك يا غزالة بابل * لو أن حسنك مثله حسناك
أنكرت قتل متيم خداك قد * شهدا بما صنعت به عيناك
وخضبت من دمه بنانك عنوة * وكفاك ما صنعت به كفاك
حجبوك عن نظري فيا لله ما * أدناك من قلبي وما أقصاك
ضن الكرى بالطيف منك فلم يكن * أسراك بل هجر الكرى أسراك
ليت الخيال يجود منك بنظرة * إن كان عز على المحب لقاك
فارقت ارض الجامعين فلا الصبا * عذب ولا طرف السحائب باكي
كلا ولا بيد الحيا برد الكلأ * فيها يحاك ولا الحمام يحاكي
ودعت راحلة فكم من فاقد * باك وكم من مسعف متباكي
ابكى فراقكم الفريق فأعين المشكو * تبكي رحمة للشاكي
كنا وكنت عن الفراق بمعزل * حتى رمانا عامدا ورماك
وكذا الالى من قبلنا بزمانهم * وثقوا فصيرهم حكاية حاكي
يا نفس لو أدركت حظا وافرا * لنهاك عن فعل القبيح نهاك
وعرفت من انشاك من عدم إلى * هذا الوجود وصانعا سواك
وشكرت منته عليك وحسن ما * اولاك من نعمائه مولاك
اولاك حب محمد ووصيه * خير الأنام فنعم ما اولاك
فهما لعمري علماك الدين في الأولى * وفي الأخرى هما علماك
وهما أمانك يوم بعثك في غد * وهما إذا انقطع الرجاء رجاك
وإذا الصحائف في القيامة نشرت * سترا عيوبك عند كشف غطاك
وإذا وقفت على الصراط تبادرا * وتقدماك فلم تزل قدماك
وإذا انتهيت إلى الجنان تلقيا * ك وبشراك بها فيا بشراك
هذا رسول الله حسبك في غد * يوم الحساب إذا الخليل جفاك
ووصيه الهادي أبو حسن إذا * أقبلت ظامية إليه سقاك
فهو المشفع في المعاد وخير من * علقت به بعد النبي يداك
لولاه ما عرف الهدى ونجوت من * متضايق الاشراك والاشراك
هو فلك نوح بين معتصم به * ناج ومطرح مع الهلاك
كم فيلق في مازق قد غادرت * مزقا حدود حسامه البتاك
وقال أيضا يمدح أمير المؤمنين ويرثي الحسين ع
من قصيدة تبلغ ١٩٤ بيتا:
يا ساهر الليل الطويل يمده * عونا على طول السهاد الفرقد
أسلمت نفسك للهوى متعوضا * وكذا الهوى فيه الهوان السرمد
فغدوت في شرك الظباء مقيدا * كيف الظباء تصيد من يتصيد
رحلوا فما أبقوا بجسمك بعدهم * رمقا ولا جلدا به تتجلد
ألفت عيادتك الصبابة والاسى * وجفاك من طول السقام العود
يا نائما عن ليل صب جفنه * ارق إذا غفت العيون الهجد
نام الخلي من الغرام وطرف من * ألف الصبابة والهيام مسهد
من لي بقرب غزالة في وجهها * صبح تجلى عنه ليل اسود
شمس على غصن تكاد مهابة * لجمالها تعنو البدور وتسجد
أعنو لها ذلا فتصرف وجهها * دلا وامنحها الدنو فتبعد
إلى أن يقول في المديح:
يا للرجال لامة مفتونة * سادت على السادات فيها الاعبد
اضحى بها الأقصى البعيد مقربا * والأقرب الأدنى يذاد ويبعد
فقضى بها خشناء يغلظ كلمها * ذل الولي بها وعز المفسد
ونفي أبو ذر وقرب فاسق * كان النبي له يصد ويطرد
ولو اقتدوا بامامهم ووليهم * سعدوا به فهو الوصي الأسعد
صنو النبي ونفسه وأمينه * ووليه والناصر المتمجد
من لم يقم وجها إلى صنم ولا * لللات والعزى قديما يعبد
سل عنه بدرا حين غادر شيبة * شلوا عليه النائحات تعدد
وثوى الوليد بسيفه متعفرا * وعليه ثوب من دماه مجسد
وبيوم أحد والرماح شوارع * والبيض تصدر في النحور وتورد
من كان قاتل طلحة لما اتى * كالليث يرعد للقتال ويزبد
وأباد أصحاب اللواء فأصبحوا * مثلا بهم يروى الحديث ويسند
وبيوم خيبر إذ يقول محمد * والقول منه موفق ومسدد
اني سأعطي رايتي رجلا له * كف على خلس النفوس معود
رجلا يحب الله ثم رسوله * ويحبه الله العلي واحمد
حتى إذا جنح الظلام مضى على * عجل وأصبح عن صبيحته غد
ناداه أين أخي ووارث حكمتي * ومبير أعدائي فقالوا أرمد
فجلا قذاه بتفلة وكساه سابغة * بها زرد الحديد منضد
فيد تناوله اللواء وكفه * الأخرى تزرد درعه وتبند
يمضي بها قدما غضنفر غابة * بالنصر من قبل الاله مؤيد
وفرى بحد السيف هامة مرحب * وهو الشجاع الفارس المتمرد
ودنا من الحصن الحصين وبابه * مستغلق حذر المنازل موصد
فانصاع مقتلعا له ودحا به * في حيث لا يقوى القوي الأيد
حمل الرتاج وتاج باب قموصها * والمسلمون وأهل خيبر تشهد
واسال حنينا حين فروا كلهم * جزعا كأنهم النعام الشرد
الا أبا حسن وسبعة أنفس * ثبتوا به واليوم يوم اسود
وثوى قتيلا أيمن وتبادرت * عصب الضلال لنحو احمد تقصد
وأب لجرول جاء يقصد قصدهم * شاكي السلاح لفرصة يترصد
فسقاه كأس الموت حيدرة فلم * تثبت جموعهم له وتبددوا
ومبيته فوق الفراش مجاهدا * وسواه خوفا نفسه تتصعد
أم هل سواه فتى تصدق راكعا * لما اتاه السائل المسترفد
رجل يتيه به الفخار مفاخر * ويسود إذ يعزى إليه السؤدد
(١٩٥)

ان يحسدوه على علاه فإنما * أعلى البرية رتبة من يحسد
وتتبعت أبناؤهم أبناءه * كل لكل بالأذى يتقصد
بأبي القتيل المستضام ومن له * نار بقلبي حرها لا يبرد
اضحى الذين أعدهم لعدوه * البا جنودهم عليه تجند
وتقدموا متسابقين لحربهم * جيش يقاد له واخر يحشد
ماض على عزم يفل بحده الماضي * حدود البيض حين يجرد
في أسرة من هاشم علوية * طهرت أرومتهم وطاب المولد
جادوا بأنفسهم امام امامهم * والجود بالنفس النفيسة أجود
حتى إذا انتهبت نفوسهم الظبا * من دون سيدهم وقل المسعد
طافوا به فردا وطوع يمينه * عضب له ماضي الغرار مهند
هجر الجفون بغير هامات العدى * يوم الكريهة حده لا يغمد
حتى هوى فوق الصعيد يظله * نبل الأعادي والقنا المتقصد
لا خير في سفهاء قوم عبدهم * ملك يطاع وحرهم مستعبد
ألقت عليه السافيات ملابسا * فكسته وهو من اللباس مجرد
والسيد السجاد محمول على * الأقتاب في الأغلال وهو مقيد
يا عين جودي عن دموعك بالدم * المهراق إن كانت دموعك تنفد
آل الرسول لهم بكل تنوفة * مستشهد وبكل ارض مشهد
ابني المشاعر والحطيم ومن هم * حجج بهم تشقى الأنام وتسعد
أقسمت لا ينفك حزني دائما * لكم ونار حشاشتي لا تخمد
كم مدحة لي فيكم في طيها * حكم تغور بها الركاب وتنجد
وبنات أفكار تفوق صفات ابكار * يقوم لها القريض ويقعد
صلى الاله عليكم ما باكرت * ورق على ورق الغصون تغرد
وقال يمدح أمير المؤمنين ويرثي الحسين ع من قصيدة
تزيد على ١٢٠ بيتا:
حلت عليك عقود المزن يا حلل * وصافحتك اكف الطل يا طلل
وافتر في ثغرك المأنوس مبتسما * ثغر الأقاح وحياك الحيا الهطل
ولا انثنت فيك بانات اللوى طربا * الا وللورق في أوراقها زجل
أقسمت يا وطني لم يهنني وطري * مذبان عني منك البان والأثل
لي في ربوعك بين السرب سانحة * مقيدي في هواها الشكل والشكل
في خصرها دقة في ردفها ثقل * في قدها هيف في طرفها كحل
يرنح الدل عطفيها إذا خطرت * كما ترنح من شرب الطلى ثمل
ما خلت من قبل فتك من لواحظها * ان تقتل الأسد في غاباتها المقل
عهدي بها حيث ريعان الشبيبة لم * يرعه شيبي وعيشي ناعم خضل
وليل فودي ما لاح الصباح به * والدار جامعة والشمل مشتمل
وربع لهوي مغمور بلذته * يروق فيه لي الغزلان والغزل
حتى إذا خالط الليل الصباح واضحى * الرأس وهو بشهب الشيب مشتعل
مالت إلى الهجر من بعد الوصال * وعهد الغانيات كفئ الظل منتقل
كمعشر عدلوا عن عهد حيدرة * وقابلوه بعدوان وما قبلوا
أخو النبي وخير الأوصياء ومن * بزهده في البرايا يضرب المثل
وأقدم القوم اسلاما وسابقة * والناس باللات والعزى لهم شغل
والضارب الهام في الهيجاء حيث * قناة الدين واهية في نصبها ميل
والعالم الحبر بحر العلم ان جهلوا * والليث ليث الشري والفارس البطل
لهفي لسبط رسول الله منفردا * بين الطغاة وقد ضاقت به السبل
من بعد ما وعدوه النصر واختلفت * إليه بالكتب تسعى منهم الرسل
يلقى العداة بقلب لا يخامره * وهن ولا راعه جبن ولا فشل
وقاتلت دونه من هاشم فئة * شم العرانين ما مالوا ولا نكلوا
تسربلوا في متون السابقات دلا * ص السابغات وللخطية اعتقلوا
وطلقوا دونه الدنيا الدنية * وارتاحوا إلى جنة الفردوس فارتحلوا
تراءت الحور في أعلى القصور لهم * جهرا فهان عليهم فيه ما بذلوا
سالت على البيض منهم أنفس طهرت * نفيسة فعلوا قدرا بما فعلوا
لهفي لزينب تسعى نحوه ولها * قلب تزايد فيه الوجد والوجل
فمذ رأته سليبا للشمال على * معنى شمائله من نسجها شمل
هوت مقبلة منه المحاسن والحسين * عنها بكرب الموت مشتغل
تقول يا شمر لا تعجل عليه ففي * قتل ابن فاطمة لا يحمد العجل
أ ليس ذا ابن علي والبتول ومن * بجده ختمت في الأمة الرسل
أ يقتل السبط ظمانا ومن دمه * تروى الصوارم والعسالة الذبل
يا آل احمد يا سفن النجاة ومن * عليهم بعد رب العرش اتكل
وحقكم ما بدا شهر المحرم لي * الأولي ناظر بالسهد مكتحل
ولا استهل لنا الا استهل من * الأجفان لي مدمع في الخد منهمل
حزنا لكم ومواساة وليس لمملوك * بدمع على ساداته بخل
فان يكن فاتني نصر فلي مدح * فيكم غدت ابدا ما عشت تنصل
فدونكم من علي عبد عبدكم * فريدة طال منها المدح والغزل
أعددتها جنة من حر نار لظى * أرجو بها جنة أنهارها عسل
وقال يرثي الحسين ع من قصيدة تزيد على ١٠٠ بيت:
نعم هذه ليلى وهاتيك دارها * بسقط اللوى يغشاك لألاء نورها
سلام على الدار التي طالما غدت * جلاء لعيني ذرة من ذرورها
وما عطفت عطفي ميلا إلى الصبا * بها شغفا الا بدور بدورها
كفى بنذير الشيب نهيا لذي الصبا * وتبصره فيها هدى لبصيرها
وما انس لا انس الحسين مجاهدا * بنفس خلت من خلها وعشيرها
رأى خير أنصار لديه وأسرة * لذي العرش سر مودع في صدورها
وفرسان صدق من لؤي بن غالب * تسير المنايا رهبة لمسيرها
وثابوا إلى كسب الثواب كأنهم * اسود الشري في كدها وزئيرها
وهان عليها الصعب حين تطلعت * إلى قاصرات الطرف بين قصورها
بنفسي مجروح الجوارح آيسا * من النصر خلوا ظهره من ظهيرها
بنفسي محزوز الوريد معفرا * على ظما من فوق حر هجيرها
قضى ظاميا والماء يلمع طاميا * وغودر مقتولا دوين غديرها
أ يمنع من ماء الفرات وتغتدي * وحوش الفلا ريانة من نميرها
ويؤتى بزين العابدين مكبلا * أسيرا الا نفسي الفدا لأسيرها
يقاد ذليلا في القيود مسيرا * لاكفر خلق الله وابن كفورها
ودار بني صخر بن حرب أنيسة * بشدو أغانيها وسكب خمورها
ودار علي والبتول واحمد * وشبرها مولى الورى وشبيرها
معالمها تبكي على علمائها * وزائرها يبكي لفقد مزورها
بدور بأرض الطف طاف بها الردى * فاهبطها من أوجها في قبورها
قضت عطشا والماء طام فلم تجد * لها منهلا الا دماء نحورها
وقال يرثي الحسين ع من قصيدة تزيد على ١٥٠ بيتا:
ذهب الصبا وتصرم العمر * ودنا الرحيل وقوض السفر
(١٩٦)

ووهت قواعد قوتي وذوي * غصن الشبيبة وانحنى الظهر
ذهبت نضارة منظري وبدا * في جنح ليل عذاري الفجر
وإذا الفتى ذهبت شبيبته * فيما يضر فربحه خسر
وعليه ما اكتسبت يداه إذا * سكن الضريح وضمه القبر
وإذا انقضى عمر الفتى فرطا * في كسب معصية فلا عمر
ما العمر الا ما به كثرت * حسناته وتضاعف الاجر
ولقد وقفت على منازل من * اهوى وفيض مدامعي غمر
وسالتها لو أنها نطقت * أم كيف ينطق منزل قفر
يا دار هل لك بالألى رحلوا * خبر وهل لمعالم خبر
أين البدور بدور سعدك يا * مغنى وأين الأنجم الزهر
أين الكفاة ومن أكفهم * في النائبات لمعسر يسر
أين الغيوث الهاطلات إذا * بخل السحاب واحجم القطر
أبكي اشتياقا كلما ذكروا * وأخو الغرام يهيجه الذكر
يا واقفا في الدار مفتكرا * مهلا فقد اودى بك الفكر
هلا صبرت على مصابهم * وعلى المصيبة يحمد الصبر
وجعلت حزنك للحسين ففي * رزء ابن فاطمة لك الاجر
غدرت به أهل النفاق وهل * من مثلهم يستبعد الغدر
طافوا بأروع في عرينته * يحمى النزيل ويامن الثغر
حتى إذا قرب المدى وبه * طاف العدى وتقاصر العمر
اردوه منعفرا تناهبه * بيض الظبا والذبل السمر
ظام يبل أوام غلته * ريا بفيض نجيعه النحر
بأبي القتيل ومن لمصرعه * ضعف الهدى وتضاعف الكفر
بأبي الذي أكفانه نسجت * من عثير وحنوطه عفر
ومغسل بدم الوريد فلا * ماء أعد له ولا سدر
بدر هوى من سعده فبكت * شمس النهار عليه والبدر
هوت النسور عليه عاكفه * وبكاه عند طلوعه النسر
سلبت يد الطلقاء مغفره * فبكا لسلب المغفر الغفر
بأبي كريمات الحسين وما * من دونهن لناظر ستر
لا ظل سجف يكتنفن به * عن كل أفاك ولا خدر
ويلقن للمهر الجواد وقد * أم الخيام عقرت يا مهر
ما بال سرجك يا جواد من * الندب الجواد أخي العلى صفر
واها لها نار تأجج في * صدري فلا يطفى لها حر
يا ابن الهداة الأكرمين ومن * لهم مني والخيف والحجر
ما طائر فقد الفراخ فلا * يؤويه بعد فراخه وكر
باشد من حزني عليك ولا * الخنساء جدد حزنها صخر
فلأبكينك ما حييت أسىء * حتى يواري اعظمي القبر
يا غائبين متى بقربكم * من بعد وهن يجبر الكسر
الفئ منقسم لغيركم * وأكفكم من فيئكم صفر
وإذا ذكرتم في محافلهم * فوجودهم مغبرة صفر
يتميزون لذكركم حنقا * وعيونهم مزورة خزر
نبكي فيضحكهم مصابكم * وسرورهم بمصابكم نكر
تالله ما سروا النبي ولا * لوصيه بسرورهم سروا
لكنه لا بد من فرج * والامر يحدث بعده الامر
أسماؤكم في الذكر معلمة * يجلو محاسنها لنا الذكر
شهدت بها الأعراف معرفة * والنحل والأنفال والحجر
وبراءة شهدت بفضلكم * والنور والفرقان والحشر
سمعا بني الزهراء قافية * ألفاظها من رقة سحر
عبقت مناقبكم بها فزكا * في كل ناحية لها عطر
صلى الاله عليكم ابدا * ما جن ليل أو بدا فجر
وعليكم مني التحية ما * سح الحيا وتبسم الزهر
الميرزا السيد علي النواب ابن السيد حسين الحسيني المرعشي صهر الشاة
عباس الصفوي.
كان عالما فقيها محدثا متكلما زاهدا تقيا مدرسا باجهان، تلمذ لدى
والده وغيره من اعلام ذلك العصر. ولد سنة ١٠٣٩ وتوفي سنة ١٠٨١
ودفن بمقبرة العلامة الحلي في الغري الشريف وهو جد الأسرة الفاطمية
المشهورة بالنوابية باجهان الموقوفة عليهم قرية ملك آباد من أهم القرى
بنواحي أصفهان.
ولصاحب الترجمة كتب في الفقه والنسب في تراجم الأعيان من
أسرته.
علي بن الحسين الدوادي
من شعره قوله:
بنو المصطفى المختار احمد طهروا * واثنى عليهم محكم السورات
بنو حيدر المخصوص بالدرجات * من الله والخواض في الغمرات
فروع النبي المصطفى ووصيه * وفاطم طابت تلك من شجرات
وسائلة لم تسكب الدمع دائبا * وتقذف نارا منك في الزفرات
فقلت على جسم الحسين وقد ذرت * عليه السوافي في ثائر الهبوات
وأصبح عن ماء الفرات محلأ * واهدي منه الرأس فوق قناة
أصيبوا بأطراف الرماح فاهلكوا * وهم للورى امن من الهلكات
فيا اقبرا خطت على أنجم هوت * وفرقن في الأطراف مغتربات
وليست قبورا هن بل هن روضة * منورة مخضرة الجنبات
وما غفر الرحمن عن عصبة طغت * بأيدي رزايا فتن كل صفات
الشيخ علي بن حسين بن حيدر رضا العاملي الركيني
له كتاب سرور المقبلين ينقل عنه محمد خان الكرماني في الكتاب
المبين.
وله تنبيه الغافلين وتحفة المريدين رتبه على خمسة أبواب ١ في المعارف
الخمس وكيفية العمل ٢ في بعض الزيارات المطلقة والمخصوصة ٣ في
بعض اعمال السنة والشهور ٤ في بعض اعمال الأيام والليالي ٥ بعض
المواعظ. وفي آخره ملحقات في عجائب البر والبحر وذكر بعض البلاد
المشهورة وعجائبها مرتبا على الحروف أوله:
الحمد لله خالق الإنس والجان لعبادة الرحمن. وفرع من أصله في
ذي الحجة سنة ١٢٧٢ ومن الملحقات ١٢٧٣ وأحال التفصيل في اخر
الكتاب إلى كتابه سرور المقبلين. ذكر ذلك المعاصر الشيخ آقا بزرگ في
كتاب مصنفات الشيعة وقال إنه رأى كتاب تنبيه الغافلين بالكاظمية وعلى
ظهره في ملك الشيخ عبد الحسين ابن المرحوم الشيخ علي الحويزي المعروف
بالعاملي. قال وأظنه ابن المؤلف.
(١٩٧)

المولى صفي الدين علي ابن المولى حسين الكاشفي السبزواري المفسر
المشهور.
له: كتاب أنيس العارفين، في المواعظ، فارسي، ألفه في عهد
الشاة طهماسب لبعض حكام خراسان. وله: بدائع الأفكار في صناعة
الاشعار. وله: حرز الآمان من فتن الزمان فارسي في علم الحروف
واسرارها وخواصها وخواص آيات القرآن وأثارها ونحوه من العلوم
الغريبة. عن صاحب الرياض انه رأى النسخة في سجستان قال وهو كتاب
جامع كامل في معناه غريب، رتبه على خمس مقالات كل مقالة خمسة أبواب
بعدد الخمسة الطاهرة رتب كل باب على اثني عشر فصلا بعدد الأئمة الاثني
عشر وذكر في أوله شطرا من أسماء الكتب التي ينقل عنها وعن غيرها كالجفر
الكبير والجفر الجامع والجفر الخابية والسجنجل والمحبوب والدائرة السبتية
وكشف المعاد في تفسير أبي جاد والألفين ولم يذكر مؤلفها ثم ذكر بعض
المؤلفين مع كتبهم منهم أبو العباس أحمد بن علي القرشي البوني صاحب
شمس المعارف في الأكبر والأصغر والتعليقة الكبرى والصغرى واللمحة
الروحانية واللمعة النورانية وختمات السور القرآنية وألواح الذهب
وغيرها، ومحيي الدين محمد بن علي العربي له المدخل في علم الحروف
والشيخ عفيف الدين عبد الله بن سعد اليمني له الدر النظيم في منافع
القرآن العظيم ومحمد بن إبراهيم التميمي الكازروني له خواص القرآن
وفخر الدين الرازي له لوامع البيان في شرح الأسماء الحسنى ومولانا يعقوب
الحرحي له خواص أسماء الله وبعض تلاميذ ابن عباس له سر الآيات وأبو
بكر علي بن وحشة له الهياكل والتماثيل ونجيب الدين حسين السكاكي له
خواص الحروف والسيد حسين الاخلاطي وتلاميذه سيما نظام الدين اللمرك لهم
رسائل مختصرة معتبرة والدرة المكنونة في غرائب خواص الحروف لبعض الأكابر
وكتاب حل قواعد الجفر الكبير لبعض تلاميذ السيد حسين الاخلاطي اه.
علي بن الحسين بن محمد أبو الفرج الأصبهاني المنتهي نسبه إلى مروان بن
الحكم (١).
قال التنوخي: من المتشيعين الذين شاهدناهم أبو الفرج الأصبهاني
ثم مدحه، وقال ابن شاكر في عيون التواريخ: انه كان ظاهر التشيع وقال
ابن الأثير في الكامل: وكان أبو الفرج شيعيا وهذا من العجيب، وقال ابن
الجوزي في كتابه المنتظم في الملوك والأمم: انه كان متشيعا ومثله لا يوثق
بروايته.
ولد سنة ٢٨٤ في أصفهان وتوفي سنة ٣٥٦.
نشأ في بغداد بعد تركه أصفهان واخذ العلم عن اعلامها، وكانت
بغداد إذ ذاك قرارة العلم والعلماء ومثابة الأدب والأدباء ومهوى أفئدة الذين
يرغبون في الالمام بالثقافة أو يودون التخصص في فروعها.
وقد اخذ أبو الفرج نفسه بالجد في طلب العلم فنبغ وتفوق، وكان له
من توقد ذكائه وسرعة حفظه وشغفه بالمعرفة ما مكن له من ناحية التفوق
وذلل له من شماس النبوع وجعله ينهض بتأليف الأغاني العظيم ولما
يبلغ الثلاثين من عمره، فإذا ما بلغها أو جاوزها بعام أو ببعض عام ألف
كتابه الخالد مقاتل الطالبيين.
وقد قدر له ان يعرف شابا من لداته يهيم بالمجد مثله ويبتغي إليه
الوسيلة بالقوة في العلم والأدب، وهو الحسن بن محمد المهلبي، وتظهرهما
المعرفة على ما بينهما من التمازج النفسي والالتقاء الكثير في الإرادات
والاختيارات والشهوات فتوثق بينهما صداقة عقلية ومؤاخاة روحية، ستظل
قوية العرى مستحصدة العلائق ابدا.
ويختلف الدهر ويتبدل العسر باليسر، ويرق الزمان لفاقة المهلبي
ويرثي لطول تحرقه وينيله ما يرتجي فيصير وزيرا لمعز الدولة البويهي. ويطيع
الدهر بعد عصيانه لأبي الفرج فيصبح كاتبا لركن الدولة البويهي قريب
المنزلة منه عظيم المكانة لديه ولعل من أسباب تلك الحظوة اتفاقهما في
التشيع.
وفي سنة ٣٢٨ يستوزر ركن الدولة أبا الفضل بن العميد فيكون بينه
وبين أبي الفرج ما يكون عادة من التحاسد والتباغض، والمصارعة النفسية
والاستباق إلى قلب ركن الدولة، ويستطيل ابن العميد على أبي الفرج
ويتعاظم، ولا يلقاه بما ينبغي له من الاجلال والتعظيم أثناء دخوله
وخروجه فتثور نفسه ويخاطبه بقوله:
ما لك موفور فما باله * أكسبك التيه على المعدم
ولم إذا جئت نهضنا وان * جئنا تطاولت ولم تتمم
وان خرجنا لم تقل مثل ما * نقول: قدم طرفه قدم
ان كنت ذا علم فمن ذا الذي * مثل الذي تعلم لم يعلم
ولست في الغارب من دولة * ونحن من دونك في المنسم
وقد ولينا وعزلنا كما * أنت فلم نصغر ولم نعظم
تكافأت أحوالنا كلها * فصل على الإنصاف أو فاصرم
ويظل أبو الفرج في ظل الوزير المهلبي مدة وزارته لمعز الدولة، وهي
مدة طويلة أربت على ثلاث عشرة سنة، يسامر وينادمه ويؤاكله، ويصبر
الوزير على مساوئ أبي الفرج، فقد كان كما قيل قذر المطعم والمشرب
والملبس، لا ينضو عنه ثوبه الا إذا أبلت جدته الأيام.
وتجري الأيام بينهما على خير ما تجري بين صديقين، أو على خير ما
تجري بين سمير ظريف ووزير حصيف يفيض بالكرم والإنعام.
ويؤتي الكرم ثماره فيسخر أبو الفرج أدبه في رغبة الوزير، ويترصد
مواقع هذه فيضع فيها نثره وشعره، ويؤلف له نسب المهالبة و
مناجيب الخصيان، وينظم فيه الشعر كلما دعت المناسبة فيهنئه إذا ابل
من مرض أو ولد له ولد، ويمدحه في المواسم والأعياد، ويتظرف فيشكو
إليه الفأر ويصف الهر ويستميحه البر:
رهنت ثيابي وحال القضاء * دون القضاء وصد القدر
وهذا الشتاء كما قد ترى * عسوف علي قبيح الأثر
ينادى بصر من العاصفات * أو دمق مثل وخز الإبر
وسكان دارك ممن أعول * يلقين من برده كل شر
فهذي تحن وهذي تئن * وأدمع هاتيك تجري درر
إذا ما تململن تحت الظلام * تعللن منك بحسن النظر
ولاحظن ربعك كالممحلين * شاموا البروق رجاء المطر

(١) من الترجمات التي توفي المؤلف قبل ان يكملها. وهي بقلم الدكتور حسين مروة.
(١٩٨)

يؤملن عودي بما ينتظرون * كما يرتجي آيب من سفر
فانعم بانجاز ما قد وعدت * فما غيرك اليوم من ينتظر
وعش لي وبعدي فأنت الحيا * ة والسمع من جسدي والبصر
وهو إذا ما عرض لمدحه لا ينجح إلى المبالغة الممقوتة، ولا يتعمل
الثناء الأجوف ولا يتصيد المكارم تصيدا، بل يقول ما يعرفه ويصفه بما
فيه:
إذا ما علاء في الصدر للنهي والامر * وبثهما في النفع منه وفي الضر
وأجرى ظبا أقلامه وتدفقت * بديهته كالمستمد من البحر
رأيت نظام الدر في نظم قوله * ومنثوره الرقراق في ذلك النثر
ويقتضب المعنى الكثير بلفظه * ويأتي بما تحوى الطوامير في سطر
أيا غرة الدهر ائتنف غرة الشهر * وقابل هلال الفطر في ليلة الفطر
بأيمن اقبال واسعد طائر * وأفضل ما ترجوه في أفسح العمر
فليس في هذا المديح اسراف ولا إغراق في المبالغة: فقد كان الوزير
المهلبي كما يقول الثعالبي غاية في الأدب والمحبة لأهله وكان يترسل ترسلا
سليما مليحا ويقول الشعر قولا لطيفا يضرب بحسنه المثل يغذي الروح
ويجلب الروح وكان محدثا حسن الحديث بليغ العبارة رشيق اللفظ وكان
أكثر حديثه يدور حول مذاكرة الأدب ومقابسة العلوم، لكثرة من يغشى
مجالسه من العلماء والأدباء والندماء كالصاحب ابن عباد، وأبي إسحاق
الصابي والقاضي التنوخي، وابن سكرة الهاشمي، وأبي القاسم الجهني،
وأبي النجيب الجزري، وأبناء المنجم، وكان أبو الفرج يجول في هذه
المجالس ويصول يقص ويروي وينقد وينذر وينثر من أدبه ويفيض من
علمه فكان مجلس المهلبي من أسباب نباهة شانه وشيوع ذكره كما كان
المهلبي من أسباب رفاهية عيشه وتفرغه للعلم والأدب، ولكنه مع ذلك لم
يخل من هجوه وكان يعلم أنه يهجوه سرا فطلب إليه ذات ليلة ان يهجوه
جهرا في قصة معروفة، وقد رأى أبو الفرج منه بعض ما يكره فظن أنه
رمي به من حالق، بعد ان أنعم عليه الخالق، فقذفه بهذين البيتين:
أ بعين مفتقر إليك رأيتين * بعد الغنى فرميت بي من حالق
لست الملوم انا الملوم لأنني * أملت للإحسان غير الخالق
يومئ أبو الفرج إلى ما كان من فقر الوزير أيام كان يشتهي اللحم
ولا يقدر على ثمنه فيتمنى الموت ويقول من أبيات:
الا موت يباع فاشتريه * فهذا العيش ما لا خير فيه
ولكن الهجاء لم يقطع الصديقين ويظل حبل اخائهما متصلا حتى
يقطعه موت المهلبي سنة ٣٥٢.
وقد كان أبو الفرج هجاء يحذره الناس ويتقونه، وقد استوزر الخليفة
الراضي أبا عبد الله البريدي وكانت داره ملاصقة لدار أبي الفرج فهجاه
وأنب الراضي بقصيدة تزيد على مائة بيت مطلعها:
يا سماء اسقطي ويا ارض ميدي قد تولى الوزارة ابن البريدي
وانحدر مرة إلى البصرة فضاق بها وهجاها وأهلها وقال عنهم: انهم
كلاب يلبسون الفرا وقد كان أبو الفرج ذا عناية ملحوظة بالحيوانات
وتربيتها، قال في وصف ديك له:
من حمرة صفرة في خضرة تخييلها يغني عن التحقيق
وكان سالفتيه تبر سائل وعلى المفارق منه تاج عقيق
وهذان البيتان من قصيدة له في رثاء هذا الديك يقول فيها في الرثاء:
أبكي إذا أبصرت ربعك موحشا * بتحنن وتأسف وشهيق
ويزيدني جزعا لفقدك صادح * في منزل دان إلي لصيق
قرع الفؤاد وقد زقا فكانه * نادى ببين أو نعي شقيق
فتأسفي ابدا عليك مواصل * بسواد ليل أو بياض شروق
وإذا أفاق ذوو المصائب سلوة * وتصيدوا أمسيت غير مفيق
ذلك رثاؤه لديك له فقد صوره تصويرا واضحا كاملا بفضل عينه
الشديدة الانتباه وفكره البعيد في العمق. وأبو الفرج الأصبهاني رزق من
محاسن اللغة والفن الشئ الكثير حتى كدنا نرى الديك يزهي بمحاسن
ألوانه، وكدنا نرى خطراته وميساته ونسمع صياحه، انه يصيب اللفظ في
مواضعه وينزله في منازله، والى هذا الوضوح في اللغة والغنى في الألفاظ
المصورة نستطيع ان نضيف الصفات المحسوسة وخصب التشبيهات في
الشعر: ومما جاء في قصيدته في رثاء الديك قوله:
لهفي عليك أبا النذير لو أنه * دفع المنايا عنك لهف شفيق
وعلى شمائلك اللواتي ما سمت * حتى ذوت من بعد حسن سموق
وتكاملت جمل الجمال بأسرها * متلألئا ذا رونق وبريق
من حمرة في صفرة في خضرة * تخييلها يغني عن التحقيق
عرض يجل عن القياس وجوهر * لطفت معاينه عن التدقيق
وخطرت ملتحفا ببرد حبرت * منه بديع الوشي كف أنيق
كالجلنارة أو صفاء عقيقة * أو لمع نار أو وميض بروق
أو قهوة تختال في بلورة * بتألق الترويق والتصفيق
وكان سالفتيك تبر سائل * وعلى المفارق منك تاج عقيق
وكان مجرى الصوت منك إذا نبت * وجفت عن الاسماع بح حلوق
ناي دقيق ناعم قرنت به * نغم مؤلفة من الموسيقي
يزقو ويصفق بالجناح كمنتش * وصلت يداه النقر بالتصفيق
ويميس ممتطيا لسبع دجائج * مثل المهاري أحدقت بفنيق
وهكذا فلم يعن أبو الفرج بمراقبة الناس وحدهم وتتبع اثارهم
واخبارهم، وانما عني بمراقبة الحيوان أيضا ولا سيما الحيوان الذي كان
يعيش في داره. فهو يصف هذا الحيوان وصفا إذا جاء في عصرنا هذا
مصور وقف عليه استطاع ان يعيد صورته بريشته وهذه براعة أبي الفرج في
الدقة والتصوير.
وكان من عادة أبي الفرج أن يغشى سوق الوراقين ويجلس على
دكاكينهم يقرأ ما يلحظ وينقد ما يسمع ويأخذ بأطراف الأحاديث التي
يتجاذبها بينهم رواد السوق من العلماء والأدباء ثم يؤوب إلى منزله بعد ان
يصطفي ما يرتأي من الكتب والمصادر التي يعتمد عليها في تاليف كتبه.
كما كان يجلس لتلاميذه ورواد أدبه يقرئهم من كتبه ما يريد أو
يريدون على نحو ما كان يفعله أستاذه أبو جعفر الطبري، وفي طليعة تلك
الكتب التي قرئت عليه من أولها إلى اخرها كتاب الأغاني الذي يقول عنه
ابن خلدون:
جمع فيه اخبار العرب وأشعارهم وانسابهم وأيامهم ودولهم وجعل
(١٩٩)

مبناه على الغناء في مائة الصوت التي اختارها المغنون للرشيد فاستوعب فيه
ذلك أتم استيعاب وأوفاه. ولعمري انه ديوان العرب وجامع اشتات
المحاسن التي سلفت إليهم في كل فن من فنون الشعر والتاريخ والغناء وسائر
الأحوال، ولا يعدل به في ذلك كتاب فيما نعلمه، وهو الغاية التي يسمو
إليه الأدب، ويقف عندها وانى له بها.
الأغاني
لا شك ان كتاب الأغاني يعد في الطبقة الأولى من تراثنا القديم،
ولكن بهذا الكتاب ميزة غير هذه، أي غير كونه تراثا فكريا ثقافيا محضا،
ومن خلال هذه الميزة يستحق ان ينظر إليه على وجه جديد.
وميزة الأغاني هذه، هي ان مؤلفه أبا الفرج الأصبهاني، قد عني
عناية ظاهرة في أن يسجل فيه الحياة العربية في عصره وفي العصور التي
سبقته تسجيلا أمينا صادقا شاملا تجاوز به طبقة الخلفاء والملوك والوزراء،
إلى فئات العلماء والشعراء والمثقفين، والمغنين والملحنين، والندماء، والى
سائر فئات الشعب في مختلف أحوالهم ووقائع عيشهم وطرائق تفكيرهم
وعادتهم إلى كثير من علاقاتهم الاجتماعية بعضهم ببعض وعلاقات الحكام
بهم.
ولكن هذه الميزة كانت تظل ناقصة، إذ كانت تكون غير ذات نفع،
ولا قيمة تاريخية انسانية، لو أن الفرج الأصبهاني قد حابى طبقة من هذه
الطبقات كلها على حساب التاريخ أو لو أنه كان هو نفسه من الذين هانت
عليهم كرامتهم العقلية فازدلف إلى الحكام بشئ من التملق والمراعاة
والمداجاة، أو لو أنه كان من غير هذه الطبقة التي عاش حياتها طوال
عمره، نعني طبقة المثقفين العاملين الذين يعتمدون حياة العمل في سبيل
المعرفة وسيلتهم الوحيدة لتحصيل المعرفة، حتى ينشأ فيهم وجدان يأبى
عليهم الا الصدق والصراحة، والا
التحرر من الهوى والطمع والرياء والدجل والمحاباة.
ذلك ان أبا الفرج على رغم انه ينتسب إلى الأمويين فهو من أحفاد
مروان بن محمد آخر خلفاء الأمويين قد ولد بأصبهان في أحضان الفقر،
وانتقل منذ صغره إلى بغداد، وليس له من أسباب العيش الا أيسرها
وأتفهها، فعكف في مدارسها ومعاهدها يطلب العلم من كل سبيل ويطرق
له كل باب لا يختص فرعا من المعرفة دون فرع.
وخرج الفتى الأصبهاني من شبابه وهو يجمع في واعيته فروعا شتى من
ثقافات بغداد، فإذا هو عارف باللغة والنحو والفقه والفلسفة، وإذا هو
على بصر في الشعر والأدب والأغاني، وإذا له إلمام جامع باخبار العرب
واثارهم وأيامهم وانسابهم، وإذا هو يحيط بأطراف من علوم الاحياء
والاجتماع وإذا له خبرة بعلوم البيطرة والتشريح والطب والنجوم.
وما عرف الناس في أبي الفرج وهو العالم الأديب النقاد المرموق انه
تملق إلى الحكام الا صلة كانت به بالحسن المهلبي وزير معز الدولة البويهي،
فإذا استثنينا هذه الصلة، نرى ان أبا الفرج كان منقطعا إلى علمه وأدبه يعز
شأنهما عن كل ابتذال وامتهان، ونرى رجال السلطان ورجال العلم
والأدب جميعا يجلون لذلك قدره ويهابون شانه
ثم نرى أبا الفرج رجلا ليس يخنقه الوقار والتزمت، ولكن نرى فيه
إلى وقار العلم ومهابة المعرفة، خفة روح وعذوبة طبع ونزوعا محببا إلى
الفكاهة، والطرب والمرح وارسال النادرة المستملحة الطيبة.
ومن هنا نعرف انه رجل حفظ لنفسه كرامتها، وحفظ لعلمه وأدبه
عزتهما والا لكان أولي بمثله يومئذ ان يختاره الخلفاء نديما، بل لكان أولي ان
يكون ذا منزلة وسلطان في دولة المنادمة وعلى موائد الملوك والخلفاء
والوزراء، ولكنه ترفع عن كل ذلك اكراما للعلم واعزازا للأدب والفكر.
على مثل هذه البسطة في العلم والأدب، وعلى مثل هذا الشمول في
ممارسة المعرفة وعلى مثل هذه النفس العزوفة عن الهوان والابتذال، عكف
أبو الفرج خمسين سنة يؤلف كتاب الأغاني.
ولقد مكنه علمه وأدبه ومكنه استقلاله الفكري وتحريره من كل ما
يقيده بصلة مع الحكام ومكنه اطلاعه على شؤون الحياة العامة في أوساط
الشعب كافة، لقد مكنه هذا ان يكتب الأغاني في استيعاب شامل وفي
صراحة ليس معها محاباة ولا رياء ولا ملق.
بل لقد بلغ به استقلاله الفكري وتحرره من علاقات العيش بذوي
السلطان على اختلاف في درجات السلطان وبلغ به التجرد العلمي من كل
ما كان يعرف أهل عصره من العصبيات انه كتب الأغاني بطريقة موضوعية
ليس متأثرا فيها بشئ من الدوافع الذاتية فلم يستسلم لعصبية من
العصبيات ولم يندفع مع خوف من خليفة أو ملك أو وزير، بل لم يحذر من
تقاليد الناس ومواضعاتهم العرفية في الأخلاق الشائعة.
ومن هنا جاء هذا الكتاب العظيم يتحدث إلى الأجيال عن حياة ذلك
العصر وما سبقه من عصور العربية حديثا شاملا حيا زاخرا بالحياة، فصور
ثقافة العصر وصور أدبه وغناءه وألحانه ثم صور حياة الخلفاء والملوك
والوزراء ورجال الدولة جميعا كما كانوا يعيشون ويبذخون ويلهون ويمجنون
واستعرض ألوانا من تاريخ الجاهلية وصدر الاسلام والعصر الأموي أدبا
واجتماعا وسياسة وصراعا على الحياة وعلى الرأي وعلى الخلافة جميعا.
وبعد فان للأغاني ميزة أخرى تضاف إلى الميزات كلها، وهي ان أبا
الفرج كتبه بلغة الأديب المنشئ المطبوع فإنما هو من حيث تعبيره فن أدبي
بارع بجمال السرد وجمال العرض والأداء، وجمال اللغة وصفائها، فهو
يمثل من هذه الناحية تطورا تاريخيا للنثر الفني في عصره، بل لقد كان وثبة
هائلة في هذا التطور.
فقد جمع الأغاني مزايا الفن الإنشائي ومزايا الفن القصصي ومزايا
النقد الأدبي البصير بكل جمالات الفن.
ولقد بنى أبو الفرج هذا الكتاب على دراسة مائة صوت من أصوات
الغناء العربي كان قد اختار لها الرشيد ثلاثة من اعلام الغناء في عهده:
إبراهيم الموصلي وإسماعيل بن جامع وفليح بن العوراء ثم اختاروا منها
ثلاثة أصوات. وفي عهد الواثق اختار له إسحاق من هذه المائة ما ارتأى انه
أفضل من غيره.
وقد جرى أبو الفرج في كتابه على البدء بصوت من هذه الأصوات
(٢٠٠)

فذكر الشعر ونوع اللحن ومن غناه ومن لحنه. ثم ترجم للمغني وللشاعر،
واستطرد في خلال ذلك إلى صور من الحياة المتصلة بكل منهما وإلى ترجمات
من اشخاص آخرين، وإلى نقد الشعر وذكر ما يعارضه. وما يماثله.
وهكذا ينتقل المؤلف من صورة إلى صورة ومن لون إلى لون، يتخلل ذلك
كله صنوف من العلم والمعرفة وشؤون من الحياة العامة.
ولا بد من القول أخيرا ان صاحب الأغاني كان أمينا للتاريخ كل
الأمانة فلم يذكر حديثا ولا حكاية ولا رواية ولا شعرا الا اجتهد في اسناده
إلى عدد من الرواة والأسانيد ولذلك يمكن القول انه من التجني على المؤلف
ما كتب بعض مؤرخي الأدب المعاصرين من أنه لا يجوز الاعتماد على
الأغاني من الناحية التاريخية الشاملة.
مقاتل الطالبيين
ومن كتبه التي قرئت عليه كذلك كتاب مقاتل الطالبيين وهو
كتاب مترجم فيه للشهداء من آل أبي طالب منذ عصر الرسول إلى الوقت
الذي شرع يؤلف فيه كتابه وهو جمادى الأول سنة ٣١٣ سواء كان المترجم
له قتيل حرب أو صريع السم في السلم، وسواء أ كان مهلكه في السجن أو
في مهربه أثناء تواريه من السلطان.
وقد رتب مقاتلهم على السياق الزمني ولم يرتبها على حسب اقدارهم
في الفضل ومنازلهم في المجد، واقتصر على من كان نقي السيرة قويم
المذهب، واعرض عن ذكر من عدل عن سنن آبائه وحاد عن مذاهب
أسلافه وكان مصرعه في سبيل اطماعه وجزاء ما اجترحت يداه من عبث.
وقد صنف أبو الفرج اخبارهم ونظم سيرهم ووصف مقاتلهم وجلا
قصصهم بأسلوبه الساحر وبيانه الآسر، وطريقته الفذة في حسن العرض
ومهارته الفائقة في سبك القصة وحبك نسجها وائتلاف أصباغها وألوانها
وتسلسل فكرتها ووحدة ديباجتها وتساوق نصاعتها على اختلاف رواتها
وتعدد روايتها وتباين طرقها، حتى ليبدو وكأنها بنات فكر واحد وهذا هو
سر الصنعة في أدب أبي الفرج.
ولئن كان أبو الفرج قد بلغ غاية التصوير والتعبير في كتاب الأغاني
لأن موضوعه يلتئم ومزاجه الفني ومسلكه في الحياة ويقع من عقله وفكره
وذوقه وعاطفته موقع الرضا والقبول، فإنه لكذلك قد بلغ غاية التصوير
والتعبير في مقاتل الطالبيين لان موضوعه حبيب إلى نفسه عظيم المكانة
من قلبه.
وهذا الكتاب كنز من كنوز الأدب والتاريخ ترجم فيه أبو الفرج لنيف
ومائتين من شهداء الطالبيين فاحسن الترجمة وصور بطولتهم تصويرا أخاذا
يخلب الألباب ويمتلك المشاعر، وذكر فيه من خطبهم ورسائلهم وأشعارهم
ومحاوراتهم، وما قيل فيهم وبسببهم من روائع الشعر والنثر ما لا تجده
مجموعا في كتاب سواه الا ان يكون منقولا عنه أو ملخصا منه. واوجز ما
يقال في وصف مقاتل الطالبيين انه دائرة معارف لتاريخ الطالبيين وأدبهم في
القرون الثلاثة الأولى.
الناقد
شارك أبو الفرج عصره في أكثر النواحي الأدبية والمتتبع يدرك مدى
هذا الاشتراك فقد كان إماما من أئمة النقد في الأديب شغف يتتبع الشعراء
حتى يعرف مصادرهم كما شغف في الحياة بتتبع الخلفاء ليعرف اسرار
حياتهم، وقد تعقب أبا العتاهية وأبا نواس وأبا تمام والبحتري، ولكنه كان
يميل إلى الاعتدال في نقده، ويكره الاسراف إما رأيه في قضية القديم
والجديد فهو رأي ظاهر فقد كان يجري مجرى الزمن ولا يجمد على حال،
فهو يعلم أن لكل عصر أطوارا وان الشعر ينبغي له ان يتبع هذه الأطوار،
من ذلك رأيه في شعر ابن المعتز فالأصبهاني في هذا النوع من النقد،
صاحب مذهب فهو من المجددين الذين يرون لكل عصر أحوالا خاصة في
الذوق والشعور ورأيه في ذلك رأي أكابر رجال الأدب واللغة أمثال ابن
قتيبة وابن فارس.
معاصر له يصفه
وصفه معاصره القاضي التنوخي فقال: كان من الرواة المتسعين
الذين شاهدناهم أبو الفرج علي بن الحسين الأصبهاني فإنه كان يحفظ من
الشعر والأغاني والاخبار والآثار والحديث المسند والنسب ما لم أر قط من
يحفظ مثله. وكان شديد الاختصاص بهذه الأشياء ويحفظ دون ما يحفظ منها
علوما اخر منها اللغة والنحو والخرافات والسير والمغازي، ومن آلة المنادمة
شيئا كثيرا مثل علم الجوارح والبيطرة ونتف من الطب والأشربة وغير ذلك.
مؤلفاته
١ الأغاني، وعند ما ألفه حمله إلى سيف الدولة الحمداني فأعطاه
ألف دينار. ٢. مقاتل الطالبيين، ٣ اخبار القيان، ٤ اخبار
الطفيليين، ٥ اخبار جحظة البرمكي، ٦ أيام العرب، ألف وسبعمائة
يوم، ٧ الإماء الشواعر، ٨ أدب الغرباء، ٩ أدب السماع، ١٠
الاخبار والنوادر، ١١ الفرق والمعيار في الأوغاد والأحرار، ١٢
المماليك الشعراء، ١٣ الغلمان المغنين، ١٤ الحانات، ١٥ التعديل
والانتصاف في اخبار القبائل وانسابها، ١٦ تفضيل ذي الحجة، ١٧
تحف الوسائد في اخبار الولائد، ١٨ الخمارين والخمارات، ١٩ دعوة
التجار، ٢٠ دعوة الأطباء، ٢١ الديارات ٢٢ رسالة في الأغاني،
٢٣ مجرد الأغاني، ٢٤ مجموع الاخبار والآثار، ٢٥ مناحيب الخصيان،
٢٦ كتاب النغم، ٢٧ نسب المهالبة، ٢٨ نسب بني عبد شمس،
٢٩ نسب بني شيبان، ٣٠ نسب بني كلاب، ٣١ نسب بني تغلب.
وقد عنى بديوان أبي تمام فجمعه ورتبه على الأنواع، كما جمع ديوان
أبي نواس وديوان البحتري ورتبه على الأنواع كذلك.
الشيخ علي ابن الشيخ حسين ابن الشيخ محيي الدين الحارثي الهمداني العاملي
النجفي.
ذكره في ملحق أمل الآمل فقال: كان عالما فاضلا جامعا للمعقول
والمنقول له كتاب توقيف السائل على دلائل المسائل في الفقه من أول
الطهارة إلى أول الوضوء وكتاب في المنطق أيضا شرح فيه شرح حاشية ملا
عبد الله على تهذيب التفتازاني من أول التصديقات وقيل له أيضا شرح على
التصورات ورسالة صغيرة في تحقيق كون النسبة ثلاثية أو رباعية والوجيز في
تفسير القرآن العزيز. ومنظومات في النحو والأصول والمنطق والهيئة اه.
أقول كتاب الوجيز موجود عند احفاده ونقل لي من رآه انه جيد
(٢٠١)

جدا وكتاب توقيف السائل رأيته بخطه مع بعض احفاده ولم تتسع لي
الفرصة لمراجعته.
الشيخ علي ابن الحاج حسين مروة
من تلاميذ جدنا السيد علي الأمين كان عالما فاضلا أديبا شاعرا توفي
سنة ١٢٨٠ في بولاق من القطر المصري في طريقه إلى الحج وهو جد الشيخ
علي ابن الشيخ محمد المعاصر الآتي ذكره.
من شعره في مدح أهل البيت ع من قصيدة:
وكيف يحيط النظم في مدح سادة * ارى مجدهم عنه أجل وأشرفا
وعلة هذا الكون بدءا واخرا * واولى بنا منا إذا الخصم انصفا
وفي مدحهم نص من الله واضح * اتى محكم التنزيل عنه معرفا
فسل هل اتى والشمس والنحل عنهم * كفانا بها عند التخاصم منصفا
إلى جدهم أمر الخلائق راجع * بوعد من الرحمن لن يتخلفا
أبوهم غداة الحشر مالك امرنا * بذا أخبر المختار جهرا بلا خفا
وفي يده النيران مالك امرها * يرى مالك ما قال فرضا موظفا
ورضوان في الجنات ينفذ امره * على إذن باري الخلق لن يتوقفا
رضاه رضي الرحمن والامر امره * فكل إلى كل أضيف واردفا
فتبا لقوم أخروه بجهلهم * وحادوا عن النهج القويم تعسفا
وطوبى لقوم بالوصي تمسكوا * وساروا على نهج المودة والوفا
بني احمد هذا فقير اتاكم * فمنوا عليه رأفة وتعطفا
عليكم صلاة الله ما انهزم الدجى * وسل عليه الصبح أبيض مرهفا
وله في مدحهم ع:
حب النبي وآله * درع حصين واقيه
من كل هول يتقى * ومن العداة العادية
هم عدتي وذخيرتي * أعددتهم لمعاديه
ارجوهم انجو بهم * من حر نار حاميه
واليت صنو محمد * زوج البتول الزاكية
سيف الرسول وزيره * مردي القروم العاتيه
فكانهم من بطشه * اعجاز نخل خاويه
وأبادهم أ فهل ترى * فيها لهم من باقيه
آل النبي بحبكم * يطفى لهيب الهاويه
طوبى لمن والاكم * يأوى الجنان العالية
فيها له ما يشتهي * وبها قطوف دانيه
أكوابها موضوعة * تلقاء عين جارية
ونمارق مصفوفة * لم يلف فيها لاغية
فكلوا هنيئا واشربوا * في عيشة هي راضية
هذا بما أسلفتموه * في الليالي الخالية
فالحمد لله الذي * من فضله أولانيه
حب النبي المصطفى * والمرتضى وهدانيه
من بعده لثلاثة * من ولده وثمانيه
بولائهم ومديحهم * وبحبهم غذانيه
من والدي أورثته * وشربته بلبانيه
وقال حين عزم على زيارة النبي ص:
إليك رسول الله حثت ركائبي * لها الشوق حاد إذ لها الوجد قائد
وحسن ظنوني في علاك أزمة * وذكراك زاد والقلوب مذاود
وقصدي جدواك التي عم نفعها * أيا خير من ترجى لديه المقاصد
أرجيك للدنيا وللدين انني * أسير ذنوب للمساعد فاقد
عليك صلاة الله ما عسعس الدجى * وما أبتسم الاصباح أو خر ساجد
وقال لما شرح أستاذه جدنا السيد علي الأمين منظومة بحر العلوم سنة
١٢٤٠:
أيا معشر الطلاب قرت عيونكم * فقد برزت من خدرها درة المهدي
وقد لبثت حينا من الدهر في الخبا * محجبة تشكو من اليتم في المهد
ممنعة إذ رام ان يهتدي الحجا * إليها هوى دونها عاثر الجد
معطلة الأجياد تفقد كفؤها * وكم راغب في وصلها فاز بالرد
فقلدها المولى العلي قلائدا * وألبسها من نسجه أفخر البرد
وزف لها كفؤا كريما به اغتدت * قريرة عين في هناء وفي رغد
فكان لها دون الورى خير كافل * وخير أب حلت به دارة السعد
وفتح من أبوابها كل مغلق * وأوضح من ألفاظها سبل الرشد
وأظهر من اسرارها كل مضمر * وحل لنا من نظمها مشكل العقد
فيا ناظما سلك العلوم بدرة * ومستخرجا من بحرها لؤلؤ العقد
شرحت صدور الطالبين بشرحها * وبلغتهم من نيلها غاية القصد
وقربت منها ما تباعد عنهم * وقد عاقهم عن وصلها شقة البعد
وكم أفحمت ألفاظها كل مصقع * ورد بليغا بادي العي ذا وجد
وكم قادح بالجد تخبو زناده * وكنت بجد دونهم واري الزند
شروط الصلاة الخمس فيها تجمعت * فكانت كجمع جاء في صيغة الفرد
مقربة اقصى المرام لطالب * مهذبة الألفاظ منجزة الوعد
بضبط معانيها تصح صلاتنا * فمن حازها يا سعد قد فاز بالسعد
ولا زلت يا كهف الأنام مؤيدا * من الله ترقى بينهم ذروة المجد
ودامت لك الأقلام تعلن دائما * على منبر الأوراق بالشكر والحمد (١)
وقال مخاطبا السيد جواد نجل أستاذه المذكور على سبيل المداعبة
والعتاب:
يا راكبا محقوقفا * أودى به طول السرى
يطوي به شقق الفلا * عن طيها لن يفترا
يحدو ركائب عزمه * يزجي بوازل ضمرا
عرج ولو لوث القناع * على ربى أم القرى
شقراء وألثم تربها * متنشقا متعطرا
وأقر السلام مبلغا * ذاك الجواد مكررا
السيد الندب الذي * قد ساد أصغر اكبرا
عن مدنف صرع الهوى * من اجله هجر الكرى
واشرح له اخباره * من بعده ما ذا جرى
يا خبرة الصب الذي * عن وصلكم لن يصبرا

(١) بهذا القدر ينتهي ما عثر عليه المؤلف من شعره، وقد وجدنا عند احفاده ديوانا مخطوطا له لم
يقدر للمؤلف ان يراه فآثرنا ان نأخذ منه القصائد التي تلي هذه القصيدة " ح ".
(٢٠٢)

متقلبا مستعبرا * متشوقا متأرقا
متفجعا متوجعا * متضرعا متضجرا
أملت ان تتعطفوا * بوصال صب احصرا
فمنحت من هجرانكم * والبعد حظا أوفرا
وعلمت ان مدامعي * تجري دما ولقد جرى
ان سركم هجرانه * فيسره ان يهجرا
أو ان تروا تعذيبه * فنعيمه فيما ترى
مستحسن أفعالكم * وحديثكم دون الورى
ما قلت ذا زورا ولا * قولي حديث مفترى
واليك بكر زفها * فكر لمدحكم انبرى
هيفاء جللها الحيا * بدوية لن تحضرا
عذراء بنت لييلة * ورجاؤها أن تعذرا
تمشي على استحيائها * ومرادها ان تمهرا
والمهر منك قبولها * ولنعم هذا ان جرى
واسلم ودم في نعمة * متسنما أعلا الذرى
ما فر جيش الليل من * علم الصباح وأدبرا
سنة ١٢٤٠
وقال مهنئا بختان ولده السيد أبي الحسن:
وفي الزمان وعوده وتنصلا * من ذنبه وقضى حقوقا للعلا
وغدا قرير العين يرتع أمنا * يقتاد عزا بالسعادة مقبلا
وتقشعت سحب الهموم وأزهرت * غرر المكارم حيث كانت أفلا
قرت عيون المكرمات وغردت * أطيارها بالبشر لما أقبلا
جاد الزمان بما هويت وانجز الا * قبال ما وعد الورى وتكفلا
منح السعادة والإفادة والاجادة * والتقى أبناءه وتفضلا
فليهنه وليهنهم وليهننا * بختان شهم بالفخار تسربلا
ما ذا أقول بحقهم ومديحهم * في محكم التنزيل نصا انزلا
واليكها عذراء فكر زفها * نفس القريحة والمنى ان تقبلا
وتمتعا في نعمة وسعادة * متحليين كلاكما أبهى الحلا
ما اضحك الأزهار دمع غمامة * وغدا الصباح بنوره وتهللا
قال وقدم لها في ديوانه المخطوط بما يلي:
وقلت امدح الشيخ حمد نجل المرحوم محمد المحمود: سنة ١٢٤١.
جادك العارض مهما وكفا * يا ربوعا بحمى الأندلس
وحماك الله دهرا وكفى * يا حمى رامة ذات الأنس
زمن فيك مضى وانقرضا * بين كأس وحديث وعناق
لم أجد عنه لعمري عوضا * ليته يسمح يوما بتلاق
يا له من عهد انس ورضى * حيث كاسات المنى فيه دهاق
نتعاطى سلسبيلا قرقفا * من يدي احور طرف انعس
مع خليل ذي وداد ووفا * احتسي من ثغره ما احتسي
يا نديمي اقضيا لي أربي * غنيا لي واسقياني سحرا
زوجا ابن تلغيث بنت العنب * فسقيط الطل درا نثرا
وسعى الكاس بتاج الحبب * وغدا النرجس يرنو شزرا
يغمز الورد ويبدي أسفا * شاخص الطرف كمثل الأخرس
وهزار الدوح غنى شغفا * وارتدى الروض ببرد سندسي
ونسيم الصبح طيبا نقلا * وترى الغصن سرورا يلعب
واكتسى خد شقيق خجلا * مذ رأى الريح ذيولا تسحب
تنقل الاخبار عنهم جملا * وعيون النجم فيهم ترقب
ورقيب الدهر ساه قد غفا * وحسود الحب بالغيظ كسي
والحيا اهدى صباحا تحفا * للروابي من بديع الملبس
صاحبي اصطحبا واغتبقا * ودعا عذل عذول وملام
فخطيب الديك وافى ورقا * معلنا حي على شرب المدام
وجنود الهم راحت فرقا * وكؤوس الراح توصي بالسلام
في يدي ظبي غرير أهيفا * من بني الترك شهي اللعس
لين العطف إذا ما انعطفا * لم يزل غصن النقا في ميس
ساحر الطرف إذا ما نفثا * عوذا من نافث في العقد
بمليك الفخر من قد ورثا * صهوة المجد رفيع العمد
حمد القرم إذا ما انبعثا * في الوغى طارت قلوب الأسد
من سطاه وغدا مرتجفا * كل مقدام كمي أشوس
قائد الجيش إذا ما زحفا * لم يزل طير الفلا في عرس
كفه الغيث إذا ما انهملا * أخصب الربع وبث الزهراء
مانح الوفر إذا ما سئلا * جاد بالنفس وابدى العذرا
واحد الدهر نوالا وعلا * دافع الخطب إذا الخطب عرا
سبط نصار المعالي وكفى * بحماهم يلتجي كل مسي
آل نصار الذي قد عرفا * نجد البائس والمبتئس
سيما سيف العلا والعضد * مركز الفضل وقطب الأدب
أسد تخشى لقاه الأسد * أسعد الجد كخال وأب
الكريم المنتمى والعمد * ماجد من ماجد منتجب
هاكها عذراء ود ووفا * زانها المدح بأبهى ملبس
وأسلما في رغد عيش وصفا * ما همى دمع الحيا المنبجس
وقال وقدم لها في الديوان بما يلي:
وقلت أرثي السيد جواد رفيقي في التدريس والتحصيل وأنيسي في
الخلوة والتعطيل نجل سيدي وأستاذي ومن عليه بعد الله اعتمادي السيد علي
الأمين:
قضى الله أمرا في البرية اجراه * رضينا بما قد كان مما قضى الله
كذا سنة الآباء من عهد آدم * وأي قبيل قد عدته مناياه
هو الدهر لا ينفك يرمي تعمدا * بينه بسهم البين يا خاب مرماه
إلى أن رمى لا كان ذاك جوادنا * فيا ليته منا بمن شاء فأداه
ولكنه لا زال بالسبق فايزا * أبى الله تأخير الجواد وحاشاه
فتى كان طودا للمكارم شامخا * وبحر ندى فاضت على الوفد جدواه
ومذ ساءه فعل الزمان وأهله * دعاه إليه الله يوما فلباه
فطوبى له في الخلد جاور ربه * وقر به زلفى إليه وأدناه
رعى الله رمسا قد تضمن جسمه * وأهداه رضوانا وبالعفو حياه
وسقاه من صوب التحية هاطلا * وراوحه روح الجنان وغاداه
فيا لك مفقودا تهدمت العلا * وزلزل ركن الجود حين فقدناه
وآيات احكام الشرائع عطلت * وفاضت على روض الجنان رزاياه
ولمعة مصباح المسالك اظلمت * وتذكرة الارشاد تبكي لذكراه
وتوضيح أبواب المقاصد مشكل * ومختلف التلويح سرح شكواه
وهدم تمهيد القواعد يومه * ومن بعد تقريب المعاهد أقصاه
وضمخ جيب الدرس بالهجر بعد ما * بنفحة ريحان الحدائق حياه
فيا راحلا كيف الإقامة بعده * بدار خلا من شخصك اليوم مغناه
(٢٠٣)

لقد كنت بدرا في الظلام فغاله * محاق من الأيام والحتف وافاه
ومذ غاب ذاك البدر أشرق ناجم * محا ظلمة الأحزان والوجد مرآه
أبو حسن موسى المؤمل بعده * و ناهيك من مولى يسرك لقياه
فتى شب في حجر المكارم والتقى * أبوه وفي مهد الفواطم رباه
وقال يمدح الشيخ حمد أيضا سنة ١٢٤٤:
احبس ركابك بين البان والعمل * ميمما نحو ذات الصال والسلم
واخلع نعالك ان وافيت مجتنبا * وطء الثرى وارع منه حرمة الحرم
وانزل على شاطئ الوادي وخط به * عن رحال تصب ما شئت فاغتنم
في منزل ترف بالزهر متصف * بالعز مكتنف بالأهل والحشم
أقماره طلعت انواره سطعت * غلمانه رتعت في ظله العمم
غزلانه سنحت ورقاؤه صدحت * أنهاره طفحت بالبارد الشبم
قامت دعائمه هبت نسائمه * باتت حمائمه في أحسن النغم
شطت مطارحه طابت روائحه * تشدو صوادحه في صوتها الرخم
الوحش ساكنه والطير قاطنه * أمست معاطنه مألوفة الرخم
ستاره نظر في وسطه نهر * حصباؤه درر يغنيك عن ارم
مع كل ناجبة الجدين ناعمة * الخدين ناهدة الثديين في هضم
زج حواجبها سود ذوائبها * بيض ترائبها في حمرة العنم
في لفظها رتل في ردفها ثقل * في مشيها كسل أعيت على الأمم
وسناء في دعج لعساء في ثلج * حمراء في بلج تغشاك في الحلم
وعدي مما طلة بالجور عاملة * عني مزائلة سفاكة لدمي
زادت على عجل تختال في حلل * كالبدر في ظلل من حندس الظلم
والشوق سائقها والمسك سابقها * والنجم رافقها في زي متهم
والحي من ارج الأردان خلت به * عدت ماثر قوم عند ذكرهم
أبناء ناصيف حقا ليس يجهلهم * الا حليف عمى عن واضح اللقم
ان كنت جاهلهم فأنزل منازلهم * واسال منازلهم عن يوم بأسهم
عزت نظائرهم طابت سوائرهم * تزهو عناصرهم في الأعصر الدهم
زكت مناسبهم عمت مواهبهم * ذاعت مناقبهم في العرب والعجم
قال وقدم لها في الديوان بما يلي:
وقلت ارثي امام المحققين وقطب الله والدين سيدي وأستاذي السيد
علي الأمين طاب ثراه وذلك سنة ١٢٤٩:
ما لي ارى ربع المدارس مقفرا * والأفق مسود الجوانب أغبرا
خطب عرى في آل احمد فادح * فالدين منه اليوم منفصم العرى
لله خطب في البرية نازل * الله أكبر ما أجل واكبرا
اودى بعامل وقعة فتزلزلت * أركانها وتهدمت لما عرا
وهداية المصباح اطفئ نورها * بعد العلي وكان أزهر أنورا
ومدارك التوضيح أشكل رسمها * ومسالك الارشاد أصبح موعرا
وذوت غصون المكرمات لفقده * روض الجنان غدا هشيما يذرا
وحدائق التهذيب صوح طلعها * والكل منها كان أخضر مثمرا
بدر عراه الخسف عند تمامه * والبدر يعروه الخسوف كما ترى
غدر الزمان به ففرق جمعنا * أف له من صاحب ما أغدرا
ما ضره لو كان يسمع مرة * لكنه من شانه ان يغدرا
بخل الزمان به وجاد بأربع * هم نجم للمهتدي ليل السرى
موسى أبو حسن ومحسن بعده * ومحمد العلم الذي لن ينكرا
يقفوهم مهديهم داموا لنا * ما هلل المولى الجليل وكبرا
ان تلقهم تلق الأسود بغابها * يوم القراع وحاتما يوم القرى
من كل شهم بالمعالي مولع * لبس الكمال وبالفخار تازرا
قال وقدم لها بما يلي:
قلت على مقتضي أحوال الزمان والله المستعان في سنة ١٢٥١:
ارى الدهر يجري عكس ما انا أمل * ويهوى خلافي في الذي انا قائل
فدع خلة الأيام والدهر وأعتقد * عداوة كل في الذي انا نائل
ولا نغترر منها ومنه بزخرف * فذلك تخييل بدا وهو باطل
فكم زينا عزا به الذل كامن * وكم حسنا أمرا به الحتف نازل
وكم بالمعالي طوقا جيد أرذل * وذو الفضل اضحى جيده وهو عاطل
هو الدهر لا ينفك يزري بذي الحجي * ويغدر أرباب النهى ويخاتل
فلا غرو ان طاحت علي طوائح * من الدهر وانهالت علي نوازل
وشط مزاري عن أصيل مودتي * يعاشرني غمر من الناس جاهل
إذا قلت لم يفهم مقالي كأنما * بأذنيه وقر أو به السكر نازل
يجاوبني عند الصدى فكأنني * أخاطب ترجيع الصدى وأسائل
وان فاه تحسبه وحاشاك تولبا * بلفظ له منه عليه دلائل
يقول فلا أدري ويفهم عكس ما * أقول كأني بالمحالة قائل
لقد ضاع رشدي عنده وكياستي * كأني مخمور عن الرشد ذاهل
قال وقدم لها بما يلي:
قلت امدح الشيخ حمد المتقدم ذكر سنة ١٢٥٦ حين توجه إلى فتح
بلاد صفد وعكة ومحاربة الدولة المصرية:
باتت على مضض السرى سهدا * مشغوفة في سيرها أمدا
خمصاء ظامية الفؤاد وقد * ألقت على جمر الحصا زبدا
والأفق من حد الغزالة في * ارجائها نار الغضا وقدا
والشوق حاويها وقائدها * لم يلوها نصب وطول مدا
حتى أتت أم القرى ورأت * في ربعها ليث الشري حمدا
الوارث العلياء عن سلف * قد شيدوا من أصلها عمدا
هم معشر طابت عناصرهم * قدما وصحت لحمة وسدا
يا ابن الجحاجحة الأولى جعلوا * فينا طرائف مجدهم قددا
فخرت بك الشامات وابتهجت * لما جلوت عن القلوب صدا
وأقمت من أمر النظام بها * ما كان من معوجة فسدا
يا من بنى المجد الأثيل على * رغم العدى فاستظهروا حسدا
ما أحنف ما حاتم بلغا * منه المدا يوما وقد جهدا
يسقي النديم سلاف منطقه * فيخال ان الشهد ما شهدا
لم يبغه أحد ينازله * الا موارد حتفه وردا
وأسال رميشا حين باكرها * بالغارة الشعوا وسل صفدا
واسال بروجا زلزلت وهوت * من عكة لما ان احتشدا
خرت له في الحال ساجدة * والسور تعظيما له سجدا
والنصر وافاه بناصرة * وانحل ما القاضي بها عقدا
خابت مساعيه ومامله * إذ لم يصب من امره رشدا
أمست أنوف القوم مرغمة * مذ انجز الاقبال ما وعدا
قال وقدم لها بما يلي:
وقلت امدح الشيخ حسين السلمان حين توجه صحبة المراكب
السلطانية إلى فتح عكة واستخلاصها من الدولة المصرية:
نجم السعود بعامل قد أزهرا بعد الأفول وليله قد أقمرا
إلى أن يقول:
(٢٠٤)

لم يتخذ درع الحديد وقاية * يوما ولا طلب الضعيف المدبرا
أغناه عن لبس الدروع شجاعة * وبسالة مشهورة بين الورى
جعل التوكل والتجلد درعه * والرمح ترسا والمهند مغفرا
ان تلقه تلق الغضنفر مغضبا * يوم النزال وحاتما يوم القرى
وإذا دها الخطب المريب ازاحه * بسديد رأي في الأمور تبصرا
ولكم جلا سجف الكروب وفك من * صفد الحديد ببهجة مستأسرا
واسال بني الاتزاك عن سطواته * تنبيك عما قد نقول وما جرى
لما تلاشاهم بسيف محمد * ولى له الجيش العرمرم مدبرا
ترميه من برق السيوف سواعد * عنا بها ليث المنية كشرا
وقد أضاف ولده الشيخ محمد للديوان قصيدة له في رثائه:
يا للرجال لمؤذن بنكاد * أوهى القلوب وفت في الأكباد
يا للرجال لفادح اودى بنا * فلقد هوى طود من الأطواد
يا للرجال لنكبة جذمت يدي * وجنت علي عظائم الأنكاد
غدر الزمان بسيدي ومسودي * وبموئلي ومؤملي وعمادي
الوالد البر الرحيم ومن له * فضل على الاقران والأنداد
العالم النحرير والأواه والمفضال * في الاصدار والايراد
العابد الأواب والبكاء في * الخلوات ليلا أزهد الزهاد
الناسك الورع التي فديته * أعظم به فردا من الافراد
وهو المجدد للعلوم بعامل * حتى سقاها كل قلب صادي
أحيا رسوم الدرس بعد عفائها * فلتبكه علماء ذاك النادي
منهم جنى منه ومنهم من جنى * ممن جنى واجرر ليوم معاد
يا راحلا سئم المقام بدارنا * متشوقا لمنازل العباد
فاهنا بها فلقد صفا لك وردها * لم تأتها الا على استعداد
السيد علي ابن السيد حسين بن أبي الحسن موسى بن حيدر بن أحمد الحسيني
العاملي النجفي ابن عم جد المؤلف.
كان أبوه من رؤساء العلماء في العراق هاجر إليها وتوطن النجف إلى أن
مات بها كما ذكرنا في ترجمته ولما توفي قام ولداه صاحب الترجمة واخوه أبو
الحسن مقامه في التدريس والإمامة والرياسة وكان صاحب الترجمة من
العلماء المجتهدين والفقهاء المحققين والأتقياء النبلاء المعروفين توفي بالنجف
ودفن مع أبيه وأخيه بمقبرتهم المعروفة بمحلة الحويش وتخلف بولد اسمه
السيد حسن وذكرت ترجمته في بابه.
السيد علي ابن السيد حسين بن محمد بن محمد الشهير بالصائغ الحسيني
العاملي الجزيني
توفي ليلة الثلاثاء حادي عشر شهر رجب سنة ٩٨٠ كما هو مكتوب
على قبره ودفن بقرية صديق شرقي تبنين. وعن رياض العلماء ما ذكرناه
في نسبه هو الذي صرح به نفسه في أواخر المجلد الأول من شرح ارشاده وهو
إلى آخر كتاب الصوم رأيته بقصبة دهخوارقان من اعمال تبريز وفي الأمل
كان فاضلا عابدا فقيها محدثا محققا من تلامذة الشهيد الثاني له كتاب شرح
الشرائع ورأيته بخطه وكتاب شرح الارشاد وغير ذلك قرأ عنده الشيخ حسن ابن
الشهيد الثاني والسيد محمد بن علي بن أبي الحسن الموسوي العاملي صاحب المدارك
ورويا عنه اه ويروي عنه أيضا الشيخ محمد الأردكاني وعن رياض العلماء انه
سمي شرحه على الارشاد بكتاب مجمع البيان في شرح إرشاد الأذهان ويظهر من
بعض المواضع ان له شرحين على الارشاد كبير وصغير وفي مستدركات
الوسائل وصفه بالعالم الفقيه وقال يروي عنه المولى الأردبيلي أيضا كما صرح
به العلامة المجلسي في أول الأربعين اه. وقال الشيخ علي ابن الشيخ
محمد ابن الشيخ حسن صاحب المعالم في الدر المنثور بعد ذكر جده الشيخ
حسن: وكان والده أي الشهيد الثاني على ما بلغني من جماعة من
مشائخنا وغيرهم له اعتقاد تام في العالم العامل السيد علي الصايغ وكان
يرجو من فضل الله ان يرزقه الله ولدا يكون مربيه ومعلمه السيد علي
المذكور فحقق الله رجاءه وتولى السيد علي الصائغ والسيد علي بن أبي
الحسن تربيته إلى أن كبر وقرأ عليهما خصوصا على السيد علي الصائغ
هو السيد محمد ولد السيد علي صاحب المدارك أكثر العلوم
التي استفادها من والده الشهيد من معقول ومنقول وفروع وأصول وعربية
ورياضي اه وقال ابن العودي في رسالته عند ذكر تلامذة الشهيد الثاني
ومنهم السيد الجليل الفاضل العالم الكامل فخر السادة الاعلام واعلم
العلماء الفخام وأفضل الفضلاء في الأنام السيد علي ابن السيد الجليل النبيل
حسين الصايغ العاملي أدام الله توفيقه قرأ عليه وسمع جملة نافعة من العلوم
في المعقول والمنقول والأدب وغير ذلك وكان قدس الله لطيفته له به
خصوصية تامة اه ورأيت قبره الشريف في قرية صديق وعليه صخرة باقية
إلى اليوم قد حفر عليها ما صورته:
هذا قبر السيد الجليل العالم وحيد عصره وفاضل وقته فقيه أهل البيت
ع السيد علي المشهور بالصائغ الحسيني تغمده الله برحمته
توفي ليلة الثلاثاء حادي عشر شهر رجب سنة تسعمائة وثمانين. ومكتوب
تحت ذلك هذه الأبيات:
سل القبر هل يدري بمن حل عنده * وذكره فالذكرى لذي الجهل تنفع
وقل صرت للداعين يا قبر مشعرا * وفيك لأهل الشرع يا قبر مشرع
وفيك امرؤ للعلم والمجد مجمع * على فضله بين البرية مجمع
اه وليس هو المكتوب شهادته على وثيقة ست المشايخ فاطمة بنت
الشهيد فذلك هو علي بن حسين الصائغ عامي وهذا سيد وذاك في عصر
الشهيد الأول وهذا في عصر الشهيد الثاني وبينهما نحو مائتي سنة.
وفي آمل الآمل: انه لما توفي رثاه الشيخ حسن ابن الشهيد الثاني
بقصيدة منها:
داعي الغواية بين العالمين دعا * من شاب نجم الهدى من بعد ما سطعا
وأصبحت سبل الاحكام مظلمة * وكان من قبل فجر الحق قد طلعا
وشتت الدهر منه كل ملتئم * وفرقت نوب الأيام ما اجتمعا
يا ثلمة بين أهل الحق هد بها * ركن ومن اجلها قلت الهدى انصدعا
مضى الهدى والتقى لما مضى وغدا * باب الجهالة في الآفاق متسعا
لا يعلم الجاهل الناعي بما صنعا * نعى معالم دين الله حيث نعى
نعى الصلاح مع التقوى بذاك كما * نعى المودة والأخلاق والورعا
لا خير في مهجة لم تحترق أسفا * منه ولا طرف عين بعده هجعا
كيف السبيل إلى نهج السداد وقد * بان الهدى وابن خير المرسلين معا
لقد فقدنا من الارشاد تبصرة * ومن دروس بيان بعده لمعا
(٢٠٥)

الشيخ علي ابن الشيخ حسين الشاطري العسكري البحراني.
والعسكري نسبة إلى العسكر قرية من البحرين في اطرافها
الجنوبية وهي الآن خراب وأهلها سكنوا المغاير وعمروها. وصفه في أنوار
البدرين بالفقيه المحقق، وعن الشيخ سلمان الماحوزي البحراني أنه قال
كان أوحد عصره غير مدافع وله كتب منها شرح الألفية مفيد كثير الفوائد
وله حواش مفيدة ورأيت خطه في كتبه وفي الكتب الموقوفة على أهل الماحوز
من كتبه كثير مثل كتاب المنهاج وكتاب احكام القرآن للقطب الراوندي.
أبو الحسن علي الأكبر ابن الحسين بن علي بن أبي طالب
ع.
مولده ومقتله ودفنه ومدة عمره
ولد سنة ٤١ أو ٣٥ من الهجرة وقتل مع أبيه بالطف سنة ٦١ من
الهجرة ودفن مع الشهداء مما يلي رجلي أبيه الحسين ع قال
المفيد ويقال انه أقرب الشهداء مدفنا إلى أبيه ع وعمره يومئذ
تسع عشرة سنة على رواية المفيد أو خمس وعشرون سنة على رواية غيره.
وبناء على ما يأتي من أن الأصح كونه الأكبر يترجح الثاني لما روي أن عمر
زين العابدين ع يوم الطف كان ثلاثا وعشرين سنة قال أبو
الفرج ولد في امارة عثمان وروى عن جده علي بن أبي طالب
ع أحاديث وهو يوافق كون عمره خمسا وعشرين فيكون قد ولد في
آخر امارة عثمان لان عثمان قتل في سنة ٣٥ كما في عنوان المعارف
للصاحب بن عباد ويكون عمره عند قتل جده أمير المؤمنين ع
خمس سنين لأنه قتل سنة أربعين ومثله يمكن ان يكون مميزا يتحمل الرواية
وإن كان لا يخلو من بعد. إما على القول بان عمره ١٩ سنة فتكون ولادته
بعد قتل جده أمير المؤمنين ع أو في سنة قتله وكيف كان فما في
ابصار العين من أنه ولد في أوائل خلافة عثمان لا يوافق شيئا من القولين
كما أنه على قول المفيد تكون ولادته بعد قتل جده بسنة على الأكثر لا
بسنتين كما في ابصار العين بل يحتمل كونها في سنة قتله إذ يمكن عدم تمام
الخمس والعشرين سنة مثله يتسامح به في التاريخ.
أمه
قال أبو الفرج امه ليلى بنت أبي مرة بن عروة بن مسعود الثقفي وأمها
ميمونة بنت أبي سفيان بن حرب بن أمية وتكنى أم شيبة وأمها بنت أبي
العاص بن أمية قال وقال يحيى بن الحسن العلوي وأصحابنا الطالبيون
يذكرون ان المقتول لام ولد وان الذي امه ليلى هو جدهم حدثني بذلك
أحمد بن سعيد عنه أقول هذا مخالف للمتفق عليه من أن أم زين
العابدين ع جد الحسينيين هي بنت يزدجرد ولذلك قال فيه
الشاعر:
وان غلاما بين كسرى وهاشم * لأكرم من نيطت عليه التمائم
قال وإياه عنى معاوية في الخبر الذي حدثني به محمد بن محمد بن
سليمان عن يوسف بن موسى القطان عن جرير عن معاوية أنه قال من
أحق الناس بهذا الامر قالوا أنت قال لا أولي الناس بهذا الامر علي بن
الحسين بن علي جده رسول الله ص وفيه شجاعة بني هاشم وسخاء بني
أمية وزهو ثقيف اه. وأراد معاوية بهذا جر النار إلى قرصه باطراء قومه
وإلا فلا يجهل معاوية ان عليا الأكبر لا يصل إلى رتبة أبيه الحسين وان
الشجاعة والكرم في بني هاشم لا يماثلهم غيرهم وان الزهو قد تنزهوا عنه
وما قال هذا الا من باب التفكه وليس يجهل من هو أولي بالامر.
في أن المقتول بكربلاء هو علي الأكبر لا الأصغر.
المشهور بين المؤرخين ان علي بن الحسين المقتول بكربلا هو الأكبر
وان زين العابدين ع هو الأصغر وبه قال أبو الفرج في مقاتل
الطالبيين وقال ابن سعد في الطبقات ان زين العابدين هو علي الأصغر قال
واما علي الأكبر بن حسين فقتل مع أبيه بنهر كربلاء وليس له عقب. وقال
المفيد في الارشاد عند ذكر دفن الشهداء ودفنوا ابنه علي بن الحسين الأصغر
عند رجليه وقال كما مر ان عمره تسع عشرة سنة فيكون عنده الأصغر لان
عمر السجاد ع كان يومذاك ثلاثا وعشرين سنة كما مر وقيل
بل كان للحسين ع ثلاثة أولاد كلهم يسمى عليا وان المقتول
بكربلاء أكبر من الثالث لا من زين العابدين وفيه بعد لان المتعارف في مثله
ان يقال الأوسط. قال ابن إدريس في السرائر ذهب شيخنا المفيد في
الارشاد إلى أن المقتول بالطف هو علي الأصغر وهو ابن الثقفية وان علي
الأكبر هو زين العابدين ع امه أم ولد وهي شاة زنان بنت
كسرى يزدجرد قال محمد بن إدريس والأولى الرجوع إلى أهل هذه الصناعة
وهم النسابون وأصحاب السير والاخبار والتواريخ مثل الزبير بن بكار في
كتاب انساب قريش وأبي الفرج الأصفهاني في مقاتل الطالبيين و البلاذري
والمزني صاحب كتاب اللباب في اخبار الخلفاء والعمري النسابة حقق ذلك
في كتاب المجدي فإنه قال وزعم من لا بصيرة له ان عليا الأصغر هو
المقتول بالطف وهذا خطا ووهم والى هذا ذهب صاحب كتاب الزواجر
والمواعظ وابن قتيبة في المعارف وابن جرير الطبري المحقق لهذا الشأن وابن
أبي الأزهر في تاريخه وأبو حنيفة الدينوري في الاخبار الطوال وصاحب كتاب
الفاخر مصنف من أصحابنا الإمامية ذكره شيخنا أبو جعفر في فهرست
المصنفين وأبو علي بن همام في كتاب الأنوار في تواريخ أهل البيت ومواليدهم
وهو من جملة أصحابنا المصنفين المحققين وهؤلاء جميعا أطبقوا على هذا
القول وهو ابصر بهذا النوع ثم قال محمد بن إدريس وأي غضاضة تلحقنا
وأي نقص يدخل على مذهبنا إذا كان المقتول عليا الأكبر وكان علي الأصغر
الامام المعصوم بعد أبيه الحسين ع فإنه كان لزين العابدين
يوم الطف ثلاث وعشرون سنة ومحمد ولده الباقر ع حي له
ثلاث سنين وأشهر ثم بعد ذلك كله فسيدنا ومولانا علي بن أبي طالب
ع كان أصغر ولد أبيه سنا ولم ينقصه ذلك اه أقول لم
يظهر من المفيد ان كونه الأصغر لأنه ليس بامام حتى يجيبه بما ذكر والظاهر أنه
لكونه روى أن المقتول بكربلاء عمره تسع عشرة سنة مع كون زين
العابدين كان عمره ثلاثا وعشرين سنة فإذا صح ان المقتول بكربلاء كان
عمره خمسا وعشرين كما قدمناه صح انه الأكبر.
أحوال علي بن الحسين الأكبر ع
قال المفيد في الارشاد كان من أصبح الناس وجها وفي اللهوف كان
من أصبح الناس وجها وأحسنهم خلقا ونقل انه كان يشبه بجده رسول الله
ص في المنطق والخلق والخلق وروى أبو مخنف عن عقبة بن سمعان:
(٢٠٦)

انه لما ارتحل الحسين ع من قصر بني مقاتل خفق وهو
على ظهر فرسه خفقة ثم انتبه وهو يقول إنا لله وإنا إليه راجعون والحمد لله
رب العالمين فعل ذلك مرتين أو ثلاثا فاقبل ابنه علي بن الحسين فقال مم
حمدت الله واسترجعت فقال يا بني اني خفقت خفقة فعن لي فارس على
فرس وهو يقول القوم يسيرون والمنايا تسير إليهم فعلمت انها أنفسنا نعيت
إلينا فقال له يا أبه لا أراك الله سوءا أ لسنا على الحق قال بلى والذي إليه
مرجع العباد قال فإننا إذن لا نبالي ان نموت محقين فقال له الحسين
ع جزاك الله من ولد خير ما جزى ولدا عن والده. والظاهر أن
القائل هو علي بن الحسين الأكبر لان زين العابدين ع كان
مريضا بالذرب. وفي الحديث من الدلالة على جلالة قدر علي بن الحسين
الأكبر وحسن بصيرته وشجاعته ورباطة جأشه وشدة معرفته بالله تعالى ما لا
يخفى. قال أبو الفرج وهو أول قتيل في الوقعة يوم الطف من آل أبي طالب
اه وهذا يدل على كمال شجاعته فسبق إلى جهاد العدو والى الشهادة جميع
أهل بيته واخوته، وروايته الحديث عن جده علي بن أبي طالب في صغر
سنه دليل على تعلقه بالعلم والكمال من الصغر. وقد مدحته الشعراء قال
أبو الفرج في المقاتل حدثني أحمد بن سعيد عن يحيى عن عبيد الله بن حمزة
عن الحجاج بن المعتمر الهلالي عن أبي عبيدة وخلف الأحمر ان هذه الأبيات
قيلت في علي بن الحسين الأكبر:
لم تر عين نظرت مثله * من محتف يمشي ومن ناعل
يغلي بنئ اللحم حتى إذا * انضج لم يغل على الاكل
كان إذا شبت له ناره * يوقدها بالشرف الكامل
كيما يراها بائس مرمل * أو فرد حي ليس بالأهل
أعني ابن ليلى ذا السدى والندى * أعني ابن بنت الحسب الفاضل
لا يؤثر الدنيا على دينه * ولا يبيع الحق بالباطل
النهئ بوزن أمير اللحم الذي لم ينضج ونئ مهموزا بوزن
حمل في المصباح هو كل شئ شانه ان يعالج بطبخ أو شئ ولم ينضج فيقال
لحم نئ قال والا ابدال والادغام عامي اه وتعدية يغلي بالباء مع أنها متعدية
بالهمزة لأنه أراد يغلي الماء والقدر بنئ اللحم ورواها في ابصار العين
نهئ بوزن أمير ولكنه مخالف لنسختي مقاتل الطالبيين والسرائر مع عدم
الوثوق بصحتهما وقوله يغلي الأولى من الغليان والثانية من غلاء مقابل
الرخص.
مقتل علي بن الحسين الأكبر
روى أبو الفرج في مقاتل الطالبيين بأسانيده عن جماعة دخل حديث
بعضهم في حديث الآخرين ان أول قتيل قتل من ولد أبي طالب مع الحسين
ع ابنه علي، وقال لما لم يبق مع الحسين ع الا
أهل بيته وخاصته تقدم ابنه علي بن الحسين ع وقال غيره انه
كان على فرس له يدعى ذا الجناح وفي اللهوف:
فاستأذن أباه في القتال فاذن له ثم نظر إليه نظرة آيس منه وارخى
عينيه فبكى وقال وفي رواية ثم رفع سبابتيه نحو السماء وقال وفي المقاتل
واللهوف ثم قال اللهم كن أنت الشهيد عليهم فقد برز إليهم غلام أشبه
الناس خلقا وخلقا ومنطقا برسولك وفي المقاتل غلام أشبه الخلق برسول الله
ص وفي رواية وكنا إذا اشتقنا إلى نبيك نظرنا إلى وجهه.
ثم تلا:
ان الله اصطفى أدم ونوحا وآل إبراهيم وال عمران على العالمين ذرية
بعضها من بعض والله سميع عليم. قال المفيد فحمل على الناس وهو
يقول:
انا علي بن الحسين بن علي * نحن وبيت الله أولي بالنبي
تالله لا يحكم فينا ابن الدعي * اضرب بالسيف أحامي عن أبي
ضرب غلام هاشمي قرشي قال أبو الفرج:
فجعل يشد عليهم ثم يرجع إلى أبيه فيقول يا أباه
العطش فيقول له الحسين ع اصبر حبيبي فإنك لا تمسي حتى
يسقيك رسول الله ص بكأسه وفي اللهوف ثم رجع إلى أبيه وقال يا
أبت العطش قد قتلني وثقل الحديد قد اجهدني فهل إلي شربة من الماء سبيل
فبكى الحسين ع وقال وا غوثاه يا بني قاتل قليلا فما أسرع ما
تلقى جدك محمدا فيسيقك بكأسه الأوفى. قال المفيد ففعل ذلك مرارا وأهل
الكوفة يتقون قتله فبصر به مرة بن منقذ العبدي فقال علي اثام العرب ان
مر بي يفعل مثلما فعل ان لم اثكله أباه. وفي رواية أبي الفرج ان لم اثكله
امه فمر يشد على الناس كما فعل في الأول فاعترضه مرة بن منقذ وطعنه
فصرع واحتواه القوم فقطعوه بأسيافهم وفي رواية ثانية لأبي الفرج حتى
رمي بسهم فوقع في حلقه فخرقه واقبل ينقلب في دمه ثم نادى يا أبتاه عليك
السلام هذا جدي رسول الله ص يقرئك السلام ويقول عجل القدوم
إلينا وشهق شهقة فارق الدنيا. قال المفيد فجاء الحسين ع
حتى وقف عليه قال أبو مخنف عن سليمان بن أبي راشد عن حميد بن مسلم
قال سماع أذني يومئذ الحسين ع وهو يقول قتل الله قوما قتلوك
يا بني ما أجرأهم على الله وعلى انتهاك حرمة الرسول ص قال المفيد
وانهملت عيناه بالدموع ثم قال على الدنيا بعدك العفا قال حميد وكأني انظر
إلى امرأة خرجت مسرعة كأنها الشمس الطالعة تنادي يا حبيباه يا ابن أخاه
فسالت عنها فقالوا هذه زينب بنت علي بن أبي طالب ع ثم
جاءت حتى انكبت عليه فجاء الحسين ع فاخذ بيدها إلى
الفسطاط واقبل إلى ابنه واقبل فتيانه فقال احملوا أخاكم فحملوه من مصرعه
ذلك ثم جاء به حتى وضعه بين يدي فسطاطه. قال أبو الفرج ولا عقب
له.
السيد علي بن حسين بن علي بن عرمة بن نكتة بن توبة بن حمزة بن علي
ابن عبد الواحد.
قال السيد ضامن بن شدقم في كتاب الأنساب:
قال جدي حسن المؤلف طاب ثراه: كان المترجم عالي الهمة ذا جاه
وحشمة ومواساة للأهل كثير الاسفار إلى مصر، خلف المترجم ابنه حسنا
وخلف حسن عليا ومحمدا فعلي كان ذا حشمة وجاه عظيم عند الفضلاء
والامراء والحكام والأعيان تولى النقابة بعد جدي وخلف علي ثلاثة بنين
مباركا يلقب جديعا وبديويا يلقب مجادعا وإبراهيم قال جدي علي قدس
سره كان بديوي بن علي مفرقا صدقات الاشراف بني حسين عند تقسيمها
في زمن نقابة أحمد بن سعد بن علي بن شدقم الحمزي ثم بعد وفاة احمد
تولى منصب النقابة ولده محمد كما ذكر في ترجمته فلم يزل بديوي كذلك
مفرقا في زمنه ثم تنازعا فسعى بديوي في مناصبه الثلاثة ببذل المال فانتزعها
(٢٠٧)

منه في الحال ومكث نقيبا أمينا على بيت المال حولا واحدا ثم مات بالمدينة
سنة ١٠٠٢ وكان لبديوي ولد اسمه عامر سافر إلى ديار العجم واتجه بالشاه
عباس ابن الشاة محمد خدابنده فعين له في كل زمان عشرين تومانا تبريزيا
من موقفات الحرمين الشريفين كليل وسرمة قريتان بين أصفهان وشيراز فلم
يزل ذلك المعين يقبضه حي مات.
السيد علي بن حسين الزنجفوري الهندي.
كان فاضلا عالما مصنفا قرأ على ممتاز العلماء السيد محمد تقي وعلى
تاج العلماء علي محمد بن سلطان العلماء السيد محمد الهندي وعلى المفتي
السيد محمد عباس ويروي بالإجازة عن الأخيرين. له من المؤلفات ١
لسان الصادقين في شرح الأربعين مطبوع ٢ دليل العصاة على سبيل
النجاة ٣ الذخائر في احكام الكبائر ترجمة دليل العصاة بالفارسية ٤
جلاء البصر في قصص آدم أبي البشر ٥ منازل قمرية في سوانح سفرية
وهي رحلته إلى مشاهد العراق ٦ تذكرة المتعلمين ونصرة المتأدبين ٧
صفاء اللآلي في احكام المساجد السفالي ٨ الحجة البالغة في حجية ظاهر
الكتاب ٩ السبيكة اللجينية من التربة الحسينية ١٠ الشمسة في
الأحاديث الخمسة.
الشيخ علي بن الحسين الطريحي النجفي المعاصر.
توفي بالشنافية سنة ١٣٣٣ وحمل على الرؤوس إلى النجف ودفن
بها. له شوارع الاحكام التي في شرائع الاسلام فرع من مجلده الأول
خامس ربيع الأول سنة ١٣١٥ وعلى ظهره إجازات مشايخه بخطوطهم وهم
الشيخ ميرزا حسين النوري والشيخ آقا رضا الهمداني والشيخ محمد طه
نجف.
الشيخ نور الدين أبو الحسن علي بن الحسين بن عبد العالي العاملي الكركي
المعروف بالمحقق الثاني والمحقق الكركي وبالشيخ العلائي وبالمولى
المروج.
الكركي نسبة إلى كرك نوح قرية ببلاد بعلبك والمحقق الثاني
في قبال المحقق الحلي جعفر بن سعيد فكم في علماء الشيعة من محققين ولكن
لقب محقق لم يشتهر الا لهما كما أن الذين استشهدوا من العلماء كثيرون
ولكن لقب الشهيد لم يصر علما الا على الشهيد الأول محمد بن مكي العاملي
الجزيني والشهيد الثاني زين الدين بن علي العاملي الجبعي ولقب العلامة لم
يختص الا بالعلامة الحلي الحسن ابن المطهر ولقب بحر العلوم لم يختص الا
بالسيد محمد مهدي الطباطبائي النجفي.
وفاته ومدفنه
توفي سنة ٩٤٠ في زمن الشاة طهماسب في التاسع والعشرين من ذي
الحجة كما عن نظام الأقوال لنظام الدين الساوجي متمم الجامع العباسي أو
في الثامن عشر منه يوم الاثنين كما عن تاريخ وقائع السنين للأمير
إسماعيل الخاتون آبادي أو يوم السبت كما عن تاريخ حسن بك روملو
الفارسي وكما في تاريخ عالم آرا كلهم صرحوا بان وفاته سنة ٩٤٠ ولكن في
الأمل انه توفي سنة ٩٣٧ وقد زاد عمره على السبعين وكذلك في المحكي عن
رسالة لبعض أفاضل تلامذته فيها تراجم جملة من العلماء انه مات بالغري
من نجف الكوفة سنة ٩٣٧ وله من العمر ما ينيف على الستين سنة. قيل
وكانه من سهو القلم كما أن ما في روضات الجنات في ترجمة الشهيد الثاني
من أن المحقق الكركي توفي في ١٢ ذي الحجة سنة ٩٤٥ الظاهر أنه من
سهو القلم أيضا لأنه صحح في ترجمة المحقق الكركي ان وفاته كانت سنة
٩٤٠ قال وهو المطابق لما جعلوه تاريخا لوفاته وهو مقتداي شيعة فإنها تبلغ
بحساب الجمل ٩٤٠ وفي تاريخ عالم آرا ان وفاته كانت في النجف
الأشرف. وعن رياض العلماء: قد صرح الشيخ حسين بن عبد الصمد
الحارثي والد شيخنا البهائي بان الشيخ علي الكركي قد قتل شهيدا والظاهر أنه
قد كان بالسم المستند إلى بعض امناء الدولة اه وذكر في روضات
الجنات في ترجمة الشهيد الثاني ان المحقق الكركي توفي مسموما وهو في
الغري ولكنه في ترجمة المحقق الثاني قال بعد نقل ما تقدم عن والد البهائي:
ان هذا غير مفهوم من كلمات واحد من الأصحاب ولا مصرح به في شئ
من المدونات في هذا الباب ولو كان لنقل ولو نقل لم يقل ولو كثر لأشتهر ولو
شهر لم يسر اه وفي تكملة الأمل بعد نقله انه سفسطة من الكلام ولو
نقله ألف مؤرخ لم يبلغ في الصحة مبلغ نقل الشيخ حسين بن عبد الصمد
الشيخ الرباني الذي هو في عصره مثل زرارة بن أعين ومحمد بن مسلم في
زمانهما فهذا التضعيف من أقبح التصنيف وكم لهذا السيد من مثل هذه
الهفوات رضي الله عنه اه ثم إن المؤرخين الذين ذكروا ان وفاته كانت
بالغري لم يذكروا سبب مجيئه للغري مع أن مسكنه كان ببلاد العجم فلعله
كان للزيارة أو انه انتقل إليها من بلاد العجم والله أعلم.
أقوال العلماء في حقه
في الأمل امره في الثقة والعلم والفضل وجلالة القدر وعظم الشأن
وكثرة التحقيق أشهر من أن يذكر اه. وقال السيد مصطفى التفريشي في
كتاب نقد الرجال في حقه: شيخ الطائفة وعلامة وقته صاحب التحقيق
والتدقيق كثير العلم نقي الكلام جيد التصانيف من أجلاء هذه الطائفة وقال
نظام الدين القرشي في كتابه نظام الأقوال: من مشائخنا المتأخرين نادرة
الزمان ويتيمة الأوان له تصانيف جيدة، وقال بعض أفاضل تلامذته في
حقه الشيخ الأجل الرفيع القدر شيخ الاسلام والمسلمين صاحب التعليقات
الحسنة والتصانيف المليحة.
وقال الشهيد الثاني في بعض اجازاته عند ذكره: الشيخ المحقق
المنقح نادرة الزمان ويتيمة الأوان وفي روضات الجنات شانه أجل من أن
يحتاج إلى البيان وفضله أوضح من أن يقام عليه البرهان وفي تكملة
أمل الآمل كان مروج المذهب والملة وشيخ المشائخ الأجلة محيي مراسم المذهب
الأنور ومروض رياض الدين الأزهر ومسهل سبيل النظر والتحقيق ومفتح
أبواب الفكر والتدقيق وشيخ الطائفة في زمانه وعلامة عصره وأوانه.
وذكره خوانده أمير المعاصر له من جملة علماء دولة الشاة إسماعيل
الأول وبالغ في الثناء عليه الا انه ذكره بعنوان الشيخ علاء الدين عبد العالي
وقال المجلسي في أوائل البحار في حقه أفضل المحققين مروج مذهب الأئمة
الطاهرين اجزل الله تشريفه ثم قال والشيخ المروج للمذهب نور الدين
حشره الله مع الأئمة الطاهرين، حقوقه على الايمان وأهله أكثر من أن
يشكر على أقلها وتصانيفه في نهاية الرزانة والمتانة.
(٢٠٨)

أحواله
رحل في أول امره إلى مصر واخذ عن علمائها بعد ما اخذ عن علماء
الشام كما عن رياض العلماء وفي ذلك من الدلالة على علو الهمة وعظم
النفس وقوتها وعصاميتها ما لا يخفى ثم رجع من مصر وتوجه إلى بلاد
العراق فورد النجف وأقام فيها زمانا طويلا يفيد ويستفيد ثم رحل إلى بلاد
العجم لترويج المذهب، والسلطان حينئذ الشاة إسماعيل الصفوي فدخل
عليه بهراة فأكرمه وعرف قدره وكان له عنده المنزلة العظيمة وعين له
وظائف وإدارات كثيرة ببلاد العراق حتى قيل إنه كان يصل إليه في كل سنة
من الشاة إسماعيل سبعون ألف دينار شرعي لينفقها في تحصيل العلم
ويفرقها في جماعة الطلاب والمشتغلين وقد عاب عليه معاصره ومنافسه
الشيخ إبراهيم القطيفي قبوله جوائز السلاطين ويظهر من اخبار تلك
المنافسة بينهما ان عيبه عليه ذلك كان بزمان وجوده بالغري وان تلك
الإنعامات كانت ترد من السلطان إلى النجف فلعل ذلك قبل ذهابه إلى بلاد
العجم وهذا جمود من الشيخ إبراهيم القطيفي فمن أحق بمال الأمة واعرف
بوجوه صرفه والتخلص من وجوه أشكاله من نواب الأئمة العاملين وهل
كان يتمكن الشيخ علي الكركي من القيام بما قام لولا المال ونرجو ان لا
يكون الباعث للقطيفي على ذلك الحسد وهو ليس من رجال الكركي
واقرانه مع زيادة علمه وفضله وبالجملة كانت بينهما منازعات وردود ونقوض
صنعها القطيفي واجابه الكركي ذكرت ترجمتها. وكذلك كان عند ولده
السلطان الشاة طهماسب الأول ثاني السلاطين الصفوية معظما مبجلا في
الغاية وصاحب الكلمة النافذة عنده موقرا في جميع بلاد العجم وعينه حاكما
في الأمور الشرعية لجميع بلاد إيران وكتب له بذلك فرمانا عجيبا حتى أنه
ذكر فيه ان معزول الشيخ لا يستخدم ومنصوبه لا يعزل وعين له وظائف
وإدارات كثيرة منها انه قرر له سبعمائة تومان في كل سنة بعنوان السيور غال
في بلاد عراق العرب وكتب في ذلك فرمانا وذكر اسمه الشريف فيه مع نهاية
الاجلال والاعظام وسيأتي ذكره وبالجملة مكنه من إقامة الدين وترويج
الاحكام وحكى في رياض العلماء عن حسن بيك روملو في تاريخه: أنه قال
لم يسع أحد بعد الخواجة نصير الدين الطوسي مثل ما سعى الشيخ علي
الكركي هذا في اعلاء اعلام المذهب الجعفري وترويج دين الحق الاثني
عشري وكان له في منع الفجرة والفسقة وزجرهم وقلع قوانين المبتدعة
بأسرهم وفي إزالة الفجور والمنكرات وإراقة الخمور والمسكرات واجراء
الحدود والتعزيرات وإقامة الفرائض والواجبات والمحافظة على أوقات
الجمعات والجماعات وبيان مسائل الصلوات والعبادات وتعاهد أحوال
الأئمة والمؤذنين ودفع شرور الظالمين والمفسدين وزجر المرتكبين الفسوق
والعصيان وردع المتبعين لخطوات الشيطان مساع بليغة ومراقبة شديده وكان
يرعب عامة الناس في تعلم شرائع الدين ومراسم الاسلام ويحثهم على ذلك
بطريق الالتزام.
ثم قال: من جملة الكرامات التي ظهرت في شأن الشيخ علي ان
محمود بيك المهردار كان من ألد الاخصام وأشد الأعداء للشيخ علي وكان
يومئذ بتبريز في ميدان صاحب آباد يلعب بالصولجان بحضرة السلطان
طهماسب يوم الجمعة وقت العصر وكان الشيخ في ذلك الوقت حيث إن
الدعاء فيه مستجاب مشغولا بالدعاء لدفع شره وفتنته وفساده ويدعو بدعاء
السيفي وبدعاء انتصاف المظلوم من الظالم المنسوب إلى الحسين
ع فما وصل إلى قوله ع في الدعاء الثاني قرب اجله
وايتم ولده حتى وقع محمود بيك عن فرسه في أثناء لعبة الصولجان فكسر
رأسه وهلك تحت حوافر الخيل.
قال: ورأيت في بعض التواريخ الفارسية المؤلفة في ذلك العصر ان
محمود بيك المخذول كان قد اضمر في خاطره المشؤوم ان يذهب في عصر
ذلك اليوم إلى بيت الشيخ علي بعد ما يفرع السلطان من لعب الصولجان
ويقتل الشيخ بسيفه وواضع على ذلك جماعة من الامراء المعادين للشيخ فلما
فرع من لعب الصولجان وأراد الذهاب إلى بيت الشيخ سقطت يد فرسه
وهو في أثناء الطريق في بئر هناك فوقع هو وفرسه في تلك البئر واندق عنقه
وكسر رأسه ومات من ساعته اه. وفي لؤلؤة البحرين. كان من علماء
دولة الشاة طهماسب الصفوي جعل أمور المملكة بيده وكتب رقما إلى جميع
الممالك بامتثال ما يأمر به الشيخ علي وان أصل الملك انما هو له لأنه نائب
الامام ع فكان الشيخ يكتب إلى جميع البلدان كتبا بدستور
العمل في الخراج وما ينبغي تدبيره في أمور الرعية حتى أنه غير القبلة في كثير
من بلاد العجم باعتبار مخالفتها كما علم من كتب الهيئة. وتقدم في ترجمة
الشيخ حسين بن عبد الصمد والد البهائي ما يشير إلى ذلك. وقال السيد
نعمة الله الجزائري في صدر كتابه شرح غوالي اللئالي: ان الشيخ علي بن عبد
العالي عطر الله مرقده لما قدم أصفهان وقزوين في عصر السلطان
العادل الشاة طهماسب أنار الله برهانه مكنه من الملك والسلطان وقال له
أنت أحق بالملك لأنك النائب عن الامام وانما أكون من عمالك أقوم
بأوامرك ونواهيك ورأيت للشيخ احكاما ورسائل إلى الممالك الشاهية إلى
عمالها وأهل الاختيار فيها تتضمن قوانين العدل وكيفية سلوك العمال مع
الرعية في اخذ الخراج وكميته ومقدار مدته وامر ان يقرر في كل بلد وقرية
امام يصلي بالناس ويعلمهم شرائع الدين، والشاة تغمده الله بغفرانه يكتب
إلى أولئك العمال بامتثال أوامر الشيخ وانه الأصل في تلك الأوامر والنواهي
وكان لا يركب الا ورجل يمشي في ركابه يجاهر بمذهب الحق وان علماء
الشيعة الذين كانوا بمكة المشرفة كتبوا إلى علماء أصفهان بما ينالهم بسبب
ذلك، وعن حدائق المقربين انه كان يدعى بمروج المذهب وكان شيخ
الاسلام في زمن سلطنة الشاة طهماسب الكبير وبالغ في ترويج مذهب الإمامية
بحيث لقبه بعضهم بمخترع مذهب الشيعة وكان سلطان الوقت
يعظمه كثيرا وحكى انه ورد في أيامه سفير من قبل سلطان الروم على
السلطان المذكور فاجتمع يوما بالشيخ في مجلس الشاة فقال السفير للشيخ ان
تاريخ اختراع طريقتكم هذه هو مذهب ناحق اي مذهب غير حق فقال
الشيخ نحن قوم من العرب وألسنتنا تجري على لغتهم لا على لغة العجم
فتاريخه مذهبنا حق اه.
ولما دخل الشاة طهماسب الأول الصفوي هرات بعد فتحها من قبل
عسكر أبيه الشاة إسماعيل سنة ٩١٦ كان الجند قد قتلوا أحمد بن يحيى بن
سعد الدين التفتازاني المعروف بالحفيد صاحب الحاشية على مختصر جده
المذكور وعندي منه نسخة مخطوطة فلما دخل المترجم هرات في موكب الشاة
طهماسب وعلم بقتله لامهم كثيرا على ذلك وقال إنه لو لم يقتل لأمكن ان
نتباحث معه في مسائل الخلاف فإذا أقمنا البراهين والحجج على ما نقوله
أمكن ان يكون ذلك سببا لهداية أهل تلك البلاد فكان كثير التأسف على
ذلك مدة حياته وحكى في رياض العلماء عن تاريخ حسن بيك روملو
الفارسي ان الأمير نعمة الله الحلي الذي كان من تلامذة الشيخ علي الكركي
ثم رجع عنه واتصل بالشيخ إبراهيم القطيفي الذي كان بينه وبين المترجم
(٢٠٩)

مناقضة ومنافرة تواطأ مع جماعة من علماء ذلك العصر المبغضين للشيخ علي
كالمولى حسين الأردبيلي الإلاهي والقاضي مسافر وغيرهم على أن يتكلم
نعمة الله مع الشيخ علي في أمر صلاة الجمعة في زمن الغيبة بمحضر الشاة
طهماسب فيعينوه على إلزام الشيخ وإفحامه بأسوأ وجه يكون واتفق معهم
أيضا جماعة من الامراء المعاندين للشيخ على اتمام هذا المهم الا ان حكمة
الله تعالى وحرمة شريعته المطهرة اقتضتا خلاف ما أرادوا به فلم يتيسر لهم
ذلك المقصود وفي ذلك الوقت كتب بعض المفسدين عريضة بخط مجهول
مشتملة على أنواع الفرية والبهتان في حق الشيخ علي بالنسبة إلى السلطان
ونسب فيها إلى الشيخ ارتكاب أنواع الفواحش و الفسوق زورا وبهتانا وجرأة
على الله تعالى وحسدا للشيخ ورماها إلى دار الملك من فوق الجدران وكانت
دار الملك يومئذ بصاحب آباد بلدة بتبريز بجنب الزاوية النصيرية فوصلت
تلك العريضة إلى الشاة فما اثرت الا زيادة الحب والتعظيم للشيخ عنده
واجتهد في معرفة كاتب العريضة إلى أن بلغه انها كتبت باطلاع الأمير نعمة
الله المذكور فأسقطه من عين نظره ثم أمر بنفيه إلى بغداد ومات بها بعد وفاة
الشيخ علي بعشرة أيام اه. وبعضهم يقول إن تقارب زمن المتخاصمين
أمر يشهد به التتبع كما وقع لجرير والفرزدق وغيرهما والله أعلم وعن
رياض العلماء انه جرت منازعة بين المترجم وبين الأمير غياث الدين
منصور ابن الأمير صدر الدين محمد الدشتكي الشيرازي المتكلم الحكيم
المشهور كان منشاها الاختلاف الواقع بينهما في مسائل عمدتها مسالة القبلة
التي غيرها المترجم في كثير من البلاد اه وفي روضات الجنات ان
المسموع عن المترجم انه كان له وثوق بديانة مولانا شمس الدين محمد بن أحمد
الفارسي المتكلم الحكيم المشتهر بالفاضل الخفري صاحب الحواشي
المشهورة على شرح التجريد وغيرها بحيث انه أجلسه في مجلسه في بعض
أسفاره وأذن للناس إليه في الرجوع إلى أمور دينهم ودنياهم فلما رجع وجد
أعماله موافقة للصواب فازداد به وثوقا والعهدة على الراوي اه.
مشائخه
يروي عن جماعة كثيرة كعلي بن هلال الجزائري عن أحمد بن فهد
الحلي والشيخ شمس الدين محمد بن خاتون العاملي كما يظهر من أواخر
وسائل الشيعة وكان الشيخ شمس الدين محمد بن خاتون أستاذه في الدرس
أيضا ويروي عن الشيخ شمس الدين محمد بن داود بن المؤذن الجزيني ابن
عم الشهيد الأول عن الشيخ ضياء الدين علي ابن الشهيد الأول عن أبيه
وقد قرأ على جماعة من علماء أهل السنة وروى عنهم كما صرح به في اجازته
وقال صاحب رياض العلماء انه اتفق مع الصدر الكبير الأمير جمال الدين
محمد الاستربادي الذي كان صدرا عند الشاة إسماعيل وولده الشاة
طهماسب وكان من العلماء على أن يقرأ الشيخ علي عند الصدر المذكور
شرح التجريد الجديد ويقرأ الصدر على الشيخ علي قواعد العلامة فقرأ
الشيخ عليه درسين من شرح التجريد ولم يقرأ الصدر على الشيخ ثم
تمارض الصدر اه وفي ذلك من الدلالة على علو همته وتواضعه للعلم وأهله
ولو كانوا من الامراء.
تلاميذه
يروي عنه جماعة كثيرة جدا من فضلاء عصره منهم الشيخ علي بن
عبد العالي والشيخ زين الدين الفقعاني والشيخ أحمد بن محمد بن أبي جامع
الشهير بابن أبي جامع والشيخ نعمة الله بن الشيخ جمال الدين أبي العباس
أحمد بن الشيخ شمس الدين محمد بن خاتون العاملي ووالده الشيخ أحمد بن
خاتون والشيخ برهان الدين أبو إسحاق إبراهيم ابن الشيخ زين الدين علي
ابن يوسف الخوانساري الأصفهاني والشيخ عبد النبي الجزائري صاحب
الرجال والشيخ علي المنشار زين الدين العاملي والشيخ كمال الدين درويش
محمد بن الشيخ حسن العاملي النظري جد والد التقي المجلسي من قبل
امه كما صرح به في أربعينه وغيره والسيد الأمير محمد بن أبي طالب
الاسترآبادي الحسيني الموسوي والسيد شرف الدين علي الحسيني
الاسترآبادي النجفي والشيخ أبو القاسم نور الدين علي بن عبد الصمد عم
الشيخ البهائي قرأ عليه الرسالة الجعفرية وله منه اجازة وعن رياض العلماء
عن تاريخ حسن بين روملو الفارسي ان الأمير نعمة الله الحلي كان من
تلامذته ثم رجع عنه واتصل بالشيخ إبراهيم القطيفي الذي كان بينه وبين
المترجم مناقضة ومنافرة حتى صار من أعداء أستاذه وعن رياض العلماء أيضا
أظن أن من تلامذته السيد جمال الدين عن عبد الله بن محمد بن الحسن
الحسيني الجرجاني.
مؤلفاته
له تعليقات حسنة وتصانيف جيدة منها جامع المقاصد في شرح
القواعد خرج منه ست مجلدات إلى بحث تفويض البضع من كتاب النكاح
وهو شرح لم يعمل قبله أحد مثله في حل مشكله مع تحقيقات حسنة
وتدقيقات لطيفة خال من التطويل والاكثار وشارح لجميع ألفاظه المجمع
عليه والمختلف فيه وقد اشتهر هذا الشرح اشتهارا كثيرا واعتمد عليه
الفقهاء في أبحاثهم ومؤلفاتهم مطبوع مع القواعد وحواشي الارشاد وشرح
الارشاد وشرح اللمعة وشكك بعضهم في وجود هذين الشرحين وحواشي
الشرائع وحواشي المختصر النافع وحواشي المختلف والرسالة الجعفرية وهذه
الرسالة لاقت حظا عظيما وشرحت عدة شروح من أعظم العلماء ورسالة
صيغ العقود والايقاعات واسرار اللاهوت أو نفحات اللاهوت في الجبت
والطاغوت ورسالة الجمعة وهي داخلة في جامع المقاصد ذهب فيها إلى
الوجوب التخييري أو العيني مع وجود المجتهد والسبحة والخيارية والمؤاتية
وكأنها هي المعبر عنها برسالة أقسام الأرضين وشرح الألفية للشهيد مطبوع
وحواش على الألفية ورسالة السجود على التربة الحسينية بعد ان تشوى
بالنار يرد فيها على الشيخ إبراهيم القطيفي معاصره في منعه من ذلك فرع
من تاليفها في النجف الأشرف حادي عشر ربيع الأول سنة ٩٣٣ ورسالة الجنائز
ورسالة احكام السلام والتحية والمنصورية ورسالة في تعريف الطهارة والرسالة
المحرمية نسبها إليه الشيخ حسن صاحب المعالم في عمدة المقال والرسالة النجمية في
الكلام ورسالة في العدالة ورسالة في الغيبة وحاشية على تحرير العلامة ينقل
عنها الشيخ حسن في فقه المعالم ورسالة في الحج وحواش على الدروس
وحواش على الذكرى و الرسالة الكرية ورسالة الجبيرة ورسالة في التعقيبات
ورسالة في المنع عن تقليد الميت بل البقاء عليه ادعى فيها اجماع الطائفة على
ذلك وله فتاوى وأجوبة مسائل كثيرة ذكرنا منها ١١ مسالة في الجزء الأول
من معادن الجواهر.
وله رسالة في الرضاع مطبوعة قال في أولها: اشتهر على ألسنة الطلبة
في هذا العصر تحريم المرأة على بعلها بارضاع بعض من سنذكره ولا نعرف
لهم من ذلك أصلا يرجعون إليه من كتاب أو سنة أو اجماع أو قول لاحد
(٢١٠)

من المعتبرين أو عبارة يعتد بها تشعر بذلك أو دليل مستنبط في الجملة يعول
على مثله بين الفقهاء فإنما الذي شاهدناهم من الطلبة يزعمون أنه من
فتاوى شيخنا الشهيد قدس الله روحه ونحن لأجل مباينة هذه الفتوى
لأصول المذهب استبعدنا كونها مقالة لمثل شيخنا على غزارة علمه وثقوب
فهمه لا سيما ولم نجد لهؤلاء المدعين لذلك اسنادا يتصل بشيخنا في هذه
الفتوى يعتد به ولا مرجعا يركن إليه ولسنا نافين لهذه النسبة عنه رحمه الله
استعانة على القول بفساد هذه الفتوى فان الأدلة على ما هو الحق اليقين
واختيارنا المبين بحمد الله كثيرة لا نستوحش معها من قلة الرفيق نعم
اختلف أصحابنا في مسائل قد يتوهم منها القاصر عن درجة الاستنباط ان
يكون دليلا لشئ من هذه المسائل أو شاهدا عليها الخ. ويتبين لنا مما
ذكره في هذه المقدمة علو شانه ورسوخ قدمه في التحقيق وانه من أجل ملوك
العلم وكلامه من ملوك الكلام. وقد ألف معاصره الشيخ إبراهيم القطيفي
رسالة في الرضاع رد بها على المحقق الكركي أساء فيها الأدب وتكلم بما لا
يليق بالعلماء مع عدم إصابته في أكثر ما رد به ولو فرض جدلا انه مصيب
في رده لكان مخطئا كل الخطا وخارجا عن طريقه أهل العلم في بذاءته. قال
في أول رسالته اني وقفت في تاريخ شهر ذي الحجة الحرام آخر
شهور سنة ٩٢٦ على رسالة لبعض المعاصرين ألفها في الرضاع وأورد
فيها مسائل زعم أن عليها الاجماع وزعم أنها ظاهرة لا تشتبه
الا على من يقصر عن الاستنباط وهو كما رأيته وترى لا ينفك عن
المبالغة والافراط والمتأمل المخلص عسى ان يهتدي إلى سواء السبيل فيفهم
ان المبالغة بتحسين اللفظ خاصة من غير رباط كان سبب وقوفي عليها ان
بعض الطلبة التمس مني قراءتها ليحصل منها فائدتها فلما ابتدأ بها رأيت
مبدأها عثارا فتأملتها فإذا هي مما لا ينبغي سطره ولا يحسن بين الطلبة
ذكره فأعرضت عنها اعراض من لا يؤوي منهزمها ولا يلتفت إلى نقض
مبرمها ثم رأيت أن ذلك يدخل في كتمان العلم فان الشخص المنسوبة إليه
قد ينسب إليه كمال الفضل من لا يظهر عليه خصوصا انه في الحل والحرمة
المتعلقة بالنكاح وقد أفتى بالحل لا مقتصرا على الفتوى بل ناقلا للاجماع وهو
الداهية الدهماء ولا عجب كيف لم يعرف مواقع الخلاف لأنه بمعزل عن
امعان النظر واعمال الفكر وحفظ الآثار فأوجبت على نفسي تاليف هذه
الرسالة وقد أحببت ان أكمل الفائدة بفوائد حسنة نفيسة واجعل بعض
حشوه من جملة المباحث الخ ثم قال في مقام الرد على الكركي الذي لم يصب
فيه بل كان الحق في جانب الكركي ما لفظه: ان الرجل المعاصر الذي هو
عن معرفة الدقائق بل عن ادراك الحقائق قاصر تكلم هنا بكلام رث وحشو
لا طائل تحته الخ. ثم قال في بعض كلامه وانظر إلى فهم هذا القاصر
واعتراضه ثم وصفه بأنه قاصر عن مدارك الأحكام ثم كرر في كلامه قال
المعاصر القاصر ثم قال أشهد بالله ان جهاد مثل هذا الرجل على الغلط
والأغلاط في المسائل أفضل من الجهاد بالضرب بالسيف في سبيل الله ثم
قال وهذا في الحقيقة نقض على الامام ع فانظر لسوء فهم هذا
الرجل إلى أين يبلغ به ثم قال فكان هذا الرجل مع قصور فهمه لم يعرف
اصطلاح الفن ولم يسمع ما حال أهله فيه ثم قال العجب من هذا الكلام
وممن نسب صاحبه إلى الفضل فان هذا من غرائب الدهر ونوادر العمر
وحيث اقتضت البلوى من تهافت الطالبين وتقادم أزمنة العالمين الجواب عنه
بتحمل ذي الجواب عما لا يحتاج إلى الجواب إذ هو بالاعراض حقيق فنقول
أولا ما ذكره من الاحتمال لا يليق بمن يسمع الرواية بل بمن نسي ما فيها أو
عمي عنه عمى القلب فإنها لا تعمى الابصار ولكن تعمى القلوب التي في
الصدور ثم قال هذا الرجل لاضطرابه لا يبالي بما قال وبما قيل ولقلة فهمه
لا يدري ما أسلف ولا ما أسلفه ثم قال فانظر أيها المتأمل في حظ هذا
الرجل وقلة تحصيله واستقامته ثم قال هذا الكلام من العجائب التي لم
يسبق مثلها الا ان يشاء الله وانا أنبه على ما فيه ليقضي الناظر فيه حق
التعجب ثم قال وهذا من المصائب في الدين التي والله ليست بهينة قال
الشاعر:
مصائب دنيانا تهون وانما * مصائبنا في الدين هن العظائم
وانما كانت مصيبة لان هذا الرجل * قد نسب إليه بعض الغافلين الفضل
بل كماله ثم قال نعوذ بالله من غفلة ونقص وقصور توقع في مثل هذا
الخ ثم قال من عرف خبط هذا الرجل لا يتعجب من مثل هذا الكلام ثم
قال: هذا الرجل يخبط خبط عشواء ولا يتأمل المعنى ويعترض على الفضلاء
في غير موضع الاعتراض. ثم قال لكن هذا الرجل لقوة وهمه وقصور
فهمه وعدم رؤيته من طعم الفقه وأصوله الا كأضغاث الأحلام لا يبالي
أين رمى الكلام ثم قال أ لا يستحي هذا الرجل من مثل هذا الكلام ثم قال
وقد تأملت فرأيت أن وهمه نشأ من نهاية قصوره التي لا توصف ثم قال وما
ذكره من الكلام فقد انقدح في خاطري جواب عنه حسن هو انه كثير
الدعوى مفرط في الشناعة أراد الله ان يبين قصوره عن درجة الاستنباط
بشهادته على نفسه وتصريحه بخبطه وقلة فهمه فان رسالته هذه لا تبلغ
كراريس وقد اضطرب وخبط فيها هذا الخبط فما ظنك بها لو طالت اه
فانظر واعجب إلى هذه الجرأة العظيمة من القطيفي على الشيخ علي الكركي
الذي اعترف جميع العلماء بعلو مكانه حتى لقبوه بالمحقق الثاني وتداولوا
تواليفه العظيمة النافعة في كل عصر وزمان وانظر كيف يصف الطائي
بالبخل ما در ويعير قسا بالفهاهة بأقل.
وله قاطعة اللجاج في حل الخراج قال في أولها: لما توالى على سمعي
تصدي جماعة من المتسمين بسمة الصلاح وثلة من غوغاء الهمج الرعاع
اتباع كل ناعق الذين أخذوا من الجهالة بحظ وافر واستولى عليهم الشيطان
فحل منهم في سويداء الخاطر لتقريض العرض وتمزيق الأديم والقدح
بمخالفة الشرع الكريم والخروج عن سواء النهج القويم حيث انا لما ألزمنا
الإقامة ببلاد العراق وتعذر علينا الانتشار في الآفاق لأسباب ليس هذا محل
ذكرها لم نجد بدا من التعلق بالغربة لدفع الأمور الضرورية من لوازم
متممات المعيشة مقتفين في ذلك الامر جمع كثير من العلماء وجم غفير من
الكبراء الأتقياء اعتمادا على ما ثبت بطريق أهل البيت ع
من أن ارض العراق ونحوها مما فتح عنوة بالسيف لا يملكها مالك مخصوص
بل هي للمسلمين قاطبة يؤخذ منها الخراج والمقاسمة ويصرف في مصارفه
التي بها رواج الدين بأمر امام الحق من أهل البيت ع كما وقع في
أيام أمير المؤمنين ع وفي حال غيبتهم ع قد أذن أئمتنا
ع لشيعتهم في تناول ذلك من سلاطين الجور كما سنذكره
مفصلا فلذلك تداوله العلماء الماضون والسلف الصالحون غير مستنكر ولا
مستهجن وفي زماننا حيث استولى الجهل على أكثر أهل العصر واندرس
بينهم معظم الاحكام وخفيت مواقع الحلال والحرام وهدرت شقاشق
الجاهلين وكثرت جرأتهم على أهل الدين استخرت الله وكتبت في تحقيق
هذه المسألة رسالة على وجه بديع تذعن له قلوب العلماء ولا تمجه اسماع
الفضلاء واعتمدت في ذلك ان أبين عن هذه المسألة التي افل بدرها وجهل
(٢١١)

قدرها غيرة على عقائل المسائل لا حرصا على حطام هذا العاجل ولا تفاديا
من تعريض جاهل فان بموالينا أهل البيت ع أعظم أسوة وأكمل
قدوة فقد قال الناس فيهم الأقاويل ونسبوا إليهم الأباطيل وبملاحظة لو كان
المؤمن في جحر ضب يبرد كل غليل الخ.
ويستفاد من كلامه هذا انه قد كان ترك بلاد العجم مع ما كان له
فيها من الجاه الطويل العريض لأسباب قاهرة وسكن العراق وان الضرورة
دعته إلى تناول شئ من خراج العراق من يد السلطان لأمر معاشه وان
بعض من يتسم بالعلم أنكر عليه ذلك وتبعه جماعة من الغوغاء ولعله الشيخ
إبراهيم القطيفي كما ذكر في ترجمته أو غيره فشنع عليه بسبب ذلك وقد رد
القطيفي على هذه الرسالة برسالة سماها السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة
اللجاج قال في أولها وان بعض اخواننا في الدين قد ألف رسالة في حل
الخراج وسماها قاطعة اللجاج واولى باسمها ان يقال مثيرة العجاج كثيرة
الاعوجاج ولم أكن ظفرت بها منذ الفها الا مرة واحدة في بلد سمنان وما
تأملتها الا كجلسة العجلان فأشار إلي من تجب طاعته بنقضها ليتخلق من
رآها من الناس برفضها فاعتذرت وما بلغت منها حقيقة تعريضه بل تصريحه
بأنواع الشنع فلما تأملته الآن مع علمي بان ما فيها أو هي من نسج
العناكب فدمع الشريعة على ما فيها من مضادها ساكب وهو مع ذلك لا يألو
جهدا بأنواع التعريض بل التصريح لكن المرء المؤمن يسلي نفسه بالخبر
المنقول عنهم ع لا يخلو المرء المؤمن من خمس إلى أن قال ومؤمن
يؤذيه فقيل مؤمن يؤذيه قال نعم وهو شرهم عليه لأنه يقول فيه فيصدق
وفي قوله تعالى وان تتقوا وتصبروا فان ذلك من عزم الأمور وقوله وان
تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا ان الله بما تعلمون محيط أتم دلالة
وقد حسن بي ان أتمثل بقول عنترة العبسي
ولقد خشيت بان أموت ولم تكن * للحرب دائرة على ابني ضمضم
الشاتمي عرضي ولم اشتمهما * والناذرين إذا لم القهما دمي
فاستخرت الله على نقضها وإبانة ما فيها من الخلل والزلل ليعرف أرباب
النظر الحق فيتبعوه والباطل فيجتنبوه فخرج الامر بذلك فامتثلت قائلا من
قريحتي الفاترة على البديهة الحاضرة ثلاثة أبيات:
فشمرت عن ساق الحمية معربا * لتمزيقها تمزيق أيدي بني سبأ
وتفريقها تفريق غيم تقيضت * له ريح خسف صيرت جمعه هبا
أبى الله ان يبقي ملاذا لغافل * كذاك الذي لله يفعل قد أبى
ألفت هذه الرسالة وسميتها السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة
اللجاج. ثم إنه قدم مقدمة ذكر فيها فوائد الأولى حرمة كتمان العلم
والفقه فذكر الآيات والأخبار الواردة في ذلك الثانية في ما ورد في ذم
اتباع السلطان من العلماء ونحو ذلك الثالثة في مدح من أعان طالب
العلم وذم من آذاه الرابعة في مدح العالم العامل وذم التارك للعمل
الخامسة في الحيل الشرعية. ثم شرح في الردود فكان مما قهل رد على
قول الكركي مقتفين في ذلك اثر كثير من العلماء الخ: لم يرض هذا المعتذر
ان ارتكب ما ارتكبه الا بان ينسب مثل فعله إلى الأتقياء وليت شعري اي
تقي ارتكب ما ارتكبه من اخذ قرية يتسلط فيها بالسلطان فإن كان وهمه
يذهب إلى مثل العلامة فهذا من الذي يجب عنه الاستغفار ويطهر الفم
بتكراره بعد المضمضة فان الذي كان له من القرى حفر أنهارها بنفسه
واحياها بماله لم يكن لاحد فيها من الناس تعلق ابدا وهذا مشهور بين
الناس ويزيده بيانا انه وقف أكثر قراه في حياته وقفا مؤبدا ورأيت خطه
عليه وخط الفقهاء المعاصرين له من الشيعة والسنة ومنه إلى الآن في يد من
ينسب إليه يقبضه بسبب الوقف الصحيح وفي صور سجل الوقف انه
أحياها وكانت مواتا والوقف الذي عليه خطه وخط الفقهاء موجود إلى الآن ومع
ذلك فالظن بمثله لما علم من تقواه وتورعه يجب ان يكون حسنا ولو لم يكن
من تقواه الا ان أهل زمانه فيه بين معتقد فيه ما لا يذكر واخر يعتقد فيه
الامر المنكر ويبالغون في نقضه ويعلمون بنقل الميت دون قوله كما صرح به
هو عن نفسه وهو في أعلى مراتب القدرة عليهم ولم يتعرض لغير الاشتغال
باكتساب الفضائل العلمية والاحكام النبوية واحياء دارس الشريعة المحمدية لكان
كافيا في كمال ورعه وجمال سيرته ونحو ذلك يقال في علم الهدى وأخيه رضوان الله
عليهما على أن الذي يجب على هذا المستشهد ان ينقل عنهم ولو بخبر واحد انهم أخذوا
القرية الفلانية لأمر السلطان لهم بذلك حتى يثبت استشهاده وحسن ان يتمثل له
بقول الشاعر:
وأفحش عيب المرء ان يدفع الفتى * اذى النقص عنه بانتقاص الأفاضل
ثم قال عن بعض كلام الكركي ان هذا من كرامات القرن العاشر
حيث أظهر ان من يسمى بالعلم ويوصف به ويجلس منتصبا للفتوى يبسط
مثل هذا في مصنف وليس أعجب من ذلك الا سماع أهل القرن لهذا
التأليف من غير أن ينكره منكر منهم انكار يردع مثل هذا المؤلف ان يؤلف
مثله ولا اعرف جوابا عن هذين الا ما قاله ع ان الله لا
يقبض العلم انتزاعا الخ وها انا ذا انفة على الدين أبين ما فيه الخ ثم قال
بعد ما ذكر اعتراضا للكركي على بعض العلماء:
وكم من عائب قولا صحيحا * وآفته من الفهم السقيم
ثم قال وبالجملة فهذا الرجل لم يعض بضرس قاطع على العلم
ليعرف مقاصده وينال مطالبه فلو مشى الهوينا وتأخر حيث اخره القدر كان
انسب بمقامه ثم قال فانظر أيها المتأمل بعين البصيرة إلى قلة تأمل هذا الرجل
وجرأته على دعوى الاجماع ثم قال فاعلم أن هنا أمرا إذا نظره المتأمل بعين
البصيرة لم يجد معه لهذا الرجل المتحمل في حل هذه الشعرية وجها وانه فيما
فعل وألف لا يخلو من أمرين قصور في العلم أو شدة حب لجمع الدنيا لا
يبالي معه من أين أصاب وذكر ما ذكر تمويها لدفع الشناعة من بعض
قاصري النظر ولعل الثاني هو الوجيه فان ولاة العراق قد ظلموا أهله
بتخريج مال لا شبهة في تحريمه ضرب في تحصيله السيد والعامي والمسكين
والفقير حتى أن الحائك وغيره من أرباب الصنائع من المؤمنين المكتسبين
يؤخذ منهم إلى مرتبة الدرهم والدرهمين وجمعوا ذلك وجعلوه في وجه المعونة
للزاد والراحلة وما تبعهما عند توجهنا إلى الرضا ع بإشارة من
خلدت دولته فبولغت فيه فكان جوابي بحضرة هذا المؤلف وحضرات أكابر
أهل العراق من السادة والعوام انه دامت سلطته بعث إلينا من أقاصي
خراسان ونحن في طرف عراق العرب طلبا لترويج الدين واظهار فضل
التشيع وأهله المستنين بسنة أهل بيت النبوة ع فإذا تركنا
الدين واخذنا الحرام فكيف نكون أهلا لترويج الدين فلم ألبث قليلا وإذا
به قد اخذه وصرفه فيما يشاء غير متأثم ولا خائف من موقف العرض ولا مستح من شناعة أهل الايمان وربما زعم أنه عمل حيلة له فليت شعري
كيف كانت تلك الحيلة مع أن الامر بالمعروف والنهي والمنكر يقتضي
وجوب السعي في رده إلى أهله على الفور بجميع أنواع القدرة فلو لم يكن
على المتحيل في اخذه الا عدم رده والسعي فيه لكان من موبقات الذنوب بل
الرضا والسكوت عنه مع المكنة من موبقاتها وانما ذكرت هذه الحكاية في هذا
(٢١٢)

المحل لأنها مشهورة وهو قد زعم أنه عمل عليها صورة وجاز امره مع ذلك
عند أهل الدنيا الغافلين عن مصالح المعاد فكيف لا يجوز ما يحتمل ان
يكون شبهة وقد كنت أكره ان أوقعها في مثل هذه الرسالة لولا ما علمته من
وجوب التنبيه لأهل الله ليأخذوا الحذر من مثله وليمتنعوا من تقليده لفقد ما
يشترط في صحة اخذه من الثقة والأمانة. ثم قال: على أن هذا المؤلف
فيما علمته والله على ما أقول شهيد في مرتبة يقصر عما يدعيه لنفسه فأحببت
ان اعرفه واعرف أهل الفضل مرتبته أيضا فرسالته هذه مع كونها واهية
المباني ركيكة المعاني قد اشتهرت بين أهل الراحة وحب الاشتهار بشعائر
الأبرار فأحببت اظهار ما غفلوا عنه قربة إلى الله تعالى لئلا يضيع الحق
والعذر عما فيها من التشنيع فان مثل ذلك جوابا عما سبق من تشنيعه جائز
بل هو الامر بالمعروف والنهي عن المنكر إذا وقع في تصنيف سبب حطا فيه
فان بدأ استحق الجواب وهذه عادة السلف فان شككت في ذلك فلاحظ
تصنيف العلامة خصوصا المختلف وانظر ما شنع فيه علي بن إدريس مع أن
مصنفه امام المذهب في العلم والعمل وانما فعلوا ذلك ليكون علماؤهم
منزهين عن التعرض بمثل ذلك قال الشاعر:
بسفك الدما يا جارتي تحقن الدما * وبالقتل تنجو كل نفس من القتل
وقال تعالى ولكم في القصاص حياة وقلت قريحتي الفاترة:
ولو أن زيدا سالم الناس سالموا * وكانوا له اخوان صدق مدى الدهر
ولكنه أوذي فجوزي بعض ما * جناه نكالا والتقاضي إلى الحشر
اه، ثم إن المحقق الأردبيلي ألف رسالته في الخراج وقال إنه لا يخلو
من شبهة ومال إلى قول القطيفي فألف معاصره الشيخ ماجد بن فلاح
الشباني رسالة رد بها على المحقق الأردبيلي وقوى قول المحقق الكركي بحيلة
الخراج وضعف قول القطيفي.
الشيخ علي بن الحسين بن عوض الحلي المعروف بالشيخ علي عوض من
أسرة تعرف بالحلة بال عوض يقولون انهم من بقايا بني مزيد امراء الحلة
والفرات.
ولد سنة ١٢٥٠ وتوفي سنة ١٣٢٥ في جمادي الآخرة ونقل إلى
النجف.
اخذ عن الكوازين والسيد حيدر والشيخ محمد الملا والشيخ جواد
بذقت خضر النجفي وكان بصيرا بالعربية صنف ١ الفلك المشحون في
الحركة والسكون ٢ الاسرار المرضية والآثار العوضية ٣ محادثة
الأديب ومسامرة الأريب ٤ رسالة صغيرة ترجم بها لخمسة من شعراء
الحلة ٥ أمان الأنام من شرور الأيام. وله شعر قليل. قال وقد هبت
عاصفة في الحلة فانشده الشيخ صالح الكواز له:
قد قلت للحلة الفيحاء مذ عصفت * فيها الرياح وراح الناس في رجف
ما فيك من يدفع الله البلاء به * ان شئت فانقلبي أو شئت فانخسفي
فقال الشيخ علي فورا اني ارويها على الباء ثم أنشده:
قد قلت للحلة الفيحاء مذ عصفت * فيها الرياح وراح الناس في ريب
ما فيك من يدفع الله البلاء به * ان شئت فانقلبي أو شئت فاضطربي
وله فيمن اسمه يعطي بصيغة المجهول:
جئت ابغي منه حاجة * قال لي انك مخطئ
ما سمعت الناس قالوا * كف يعطى كيف يعطي
وله:
ورب شاي شربنا * ينشي مع الروح روحا
للهم والحزن اوحى * عن مجلس الشرب روحا
وله مخاطبا الميرزا صالح القزويني:
أتيناك نرجو حاجة ووسيلة * فما أنت فيها صالح الفضل قائل
وسائلنا وقف عليك وقصدنا * إليك وقد تخطى لديك الوسائل
وتذكر ودا شده الله بيننا * كما ثبتت بالراحتين الأنامل
وقد صدقت فيك المخايل والمنى * ولا أكذبت فيك الرجاء القوابل
وكتب له أيضا:
وقائلة والدمع يسبق نطقها * وزند الجوى من خيفة الناي قادح
حنانيك لم ذا أنت بالسير مولع * وكم أنت فيه دون صحبك كادح
فقلت لها كفي لك الخير واعلمي * باني إلى بحر المكارم رائح
إلى ماجد أحيا ماثر جده * وشيد ركن المجد والمجد طائح
فقالت زمان قلت اي وهو فاسد * فقالت مليك قلت اي وهو صالح
إذا أرقلت بي يعملات لغيره * إذا غيبتني في ثراها الصفائح
وان انا لم أقدم عليك بوفرة * فلا العيش مذموم ولا القلب فارح
وله:
قد كغصن البان ناضر * قلب المحب عليه طائر
وغزال انس ما له * عني تولى وهو نافر
ما كنت احسب قبله * فيما اصور أو أناظر
ان الغصون على التحقوف * تلفها منه مأزر
وله:
بين اللوى فمعاقد الرمل * ظبي يريش الهدب من نبل
يلوي دوين الصب عن جدة * حتى يميت الدين بالمطل
تملي حديث الحسن طلعته * والشوق يكتب كلما تملي
من لي بخمر من مراشفه * أشهى لقلبي من جنا النحل
الشريف المرتضى علي ابن الحسين.
ولد سنة ٣٥٥ وتوفي سنة ٤٣٦ ودفن أولا في داره ثم نقل إلى جوار
جده الحسين، هو أبو القاسم علي ابن الطاهر ذي المناقب أبي احمد الحسين
ابن موسى بن محمد بن موسى بن إبراهيم بن موسى الكاظم بن جعفر
الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي
طالب صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين الملقب بالمرتضى ذي المجدين
علم الهدى كان نقيب الطالبيين وكان إماما في علم الكلام والأدب والشعر
وله ديوان شعر كبير وله الكتاب الذي سماه الدرر والغرر وهي مجالس
املاها تشتمل على فنون من معاني الأدب تكلم فيها على النحو واللغة وغير
ذلك وهو كتاب ممتع يدل على فضل كثير وتوسيع في الاطلاع على العلوم.
وذكره ابن بسام في أواخر الذخيرة فقال كان هذا الشريف امام أئمة العراق
بين الاختلاف والاتفاق واليه فزع علماؤها وعنه اخذ عظماؤها صاحب
مدارسها وجامع شاردها وآنسها وكانت ممن سارت اخباره وعرفت به أشعاره
وحمدت في ذات الله ماثره وآثاره إلى تاليف في الدين وتصانيف مما يشهد انه
فرع تلك الأصول ومن أهل ذلك البيت الجليل وملح الشريف المذكور
(٢١٣)

وفضائله كثيرة انتهى. وعن الصفدي أنه قال في الوافي بالوفيات كان
فاضلا ماهرا أديبا متكلما. وعن السيوطي في الطبقات عن ياقوت عن أبي
القاسم الطوسي ان المرتضى توحد في علوم كثيرة مجمع على فضله مثل
الكلام والفقه وأصول الفقه والأدب من النحو والشعر ومعانيه واللغة وغير
ذلك وله تصانيف، وعن السيد علي خان الشيرازي في كتاب الدرجات
الرفيعة أنه قال كان أبوه النقيب أبو أحمد جليل القدر عظيم المنزلة في دولة
بني العباس ودولة بني بويه واما والدة الشريف فهي فاطمة بنت الحسين بن أحمد
بن الحسن الناصر الأصم وهو أبو محمد الحسن بن علي بن عمر
الأشرف بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ع وهي أم
أخيه أبي الحسن الرضي رضي الله عنهما، وكان الشريف المرتضى أوحد
أهل زمانه فضلا وعلما وكلاما وحديثا وشعرا وخطابة وجاها وكرما إلى غير
ذلك قرأ هو واخوه الرضي على ابن نباته صاحب الخطب وهما طفلان ثم
قرأ كلاهما على الشيخ المفيد أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان قدس
سره وكان المفيد رأى في منامه ان فاطمة الزهراء بنت رسول الله ص
دخلت عليه وهو في مسجده بالكرخ ومعها ولداها الحسن والحسين
ع صغيرين فسلمتهما إليه وقالت علمهما الفقه فانتبه الشيخ وتعجب من
ذلك فلما تعالى النهار في صبيحة تلك الليلة التي رأى فيها الرؤيا دخلت
إليه المسجد فاطمة بنت الناصر وحولها جواريها وبين يديها ابناها علي
المرتضى ومحمد الرضي صغيرين فقام إليها وسلم عليها فقالت له أيها الشيخ
هذان ولداي قد أحضرتهما إليك لتعلمهما الفقه فبكى الشيخ وقص عليها
المنام وتولى تعليمهما وانعم الله عليهما وفتح الله لهما من أبواب العلوم
والفضائل ما اشتهر عنهما في آفاق الدنيا وهو باق ما بقي الدهر.
وكان نحيف الجسم حسن الصورة وكان يدرس في علوم كثيرة
ويجري على تلامذته رزقا فللشيخ أبي جعفر الطوسي كل شهر اثنا عشر
دينارا وللقاضي ابن البراج كل شهر ثمانية دنانير، وأصاب الناس في بعض
السنين قحط شديد فاحتال يهودي على قوت يحفظ به نفسه فخطر له
يوما مجلس المرتضى فاستاذنه ان يقرأ عليه شيئا من علم النجوم فاذن له وامر
له بجائزة تجري عليه كل يوم فقرأ عليه برهة ثم أسلم على يده وكان قد وقف قرية
على كاغد الفقهاء، وتولى نقابة النقباء وامارة
الحج والمظالم بعد أخيه الرضي أبي الحسن وهو منصب والدهما وفي تاريخ
اتحاف الورى باخبار أم القرى في حوادث سنة تسع وثمانين وثلاثمائة قال
فيها حج الشريفان المرتضى والرضي فاعتقلهما في أثناء الطريق ابن الجراح
الطائي فاعطياه تسعة آلاف دينار من أموالهما. انتهى كلام صاحب
الدرجات الرفيعة باختصار وقال العلامة في الخلاصة والشيخ الطوسي في
الفهرست في حقه على ما حكي عنهما: متوحد في علوم كثيرة مجمع علي
فضله متقدم في علوم مثل علم الكلام والفقه وأصول الفقه والأدب من
النحو والشعر واللغة وغير ذلك وله ديوان شعر يزيد على عشرين ألف بيت
وقال الشيخ الطوسي في حقه أيضا أكثر أهل زمانه أدبا وفضلا متكلم فقيه
جامع للعلوم كلها مد الله في عمره اه وعن الشيخ أبي جعفر محمد بن
يحيى بن مبارك بن مقبل الغساني الحمصي أنه قال قد كان شيخنا عز الدين
أحمد بن مقبل يقول لو حلف انسان ان السيد المرتضى كان اعلم بالعربية
من العرب لم يكن عندي آثما ولقد بلغني عن شيخ من شيوخ الأدب بمصر
أنه قال والله اني استفدت من كتاب الغرر مسائل لم أجدها في كتاب سيبويه
وغيره من كتب النحو انتهى وعن العلامة الطباطبائي في فوائده الرجالية
عظيما وصنف كتابا يقال له الثمانين وعمره ثمانون سنة وثمانية أشهر وعن
القاضي التنوخي صاحب السيد المرتضى أنه قال في حقه بلغ في العلم
وغيره مرتبة عظيمة قلد نقابة الشرفاء شرقا وغربا وامارة الحج والحرمين
والنظر في المظالم وقضاء القضاء وبقي على ذلك ثلاثين سنة انتهى وهي مدة
حياته بعد أخيه الرضي ومن العجب انه مع تقلده لهذه الأعمال ومزاولته
لتلك الاشغال وحوزه تلك الأموال برز منه هذه المصنفات التي أكثرها
عقليات وهذا من أعظم الكرامات ومصنفاته عديدة تستفيد الناس بها في
كل زمان قال العلامة الطباطبائي وكتبه كلها أصول وتأسيسات غير مسبوقة
بمثال من كتب من تقدمه.
قال الدكتور عبد الرزاق محيي الدين:
كان مما انتهيت إليه في تقدير المرتضى في ثقافته الأدبية انه كان في
طليعة المفسرين للقرآن الكريم بالرأي من الشيعة فقد كان غالبهم مفسرين
بالأثر من قبل ذلك، وانه كان من سابقيهم دعوة إلى فتح باب الاجتهاد في
الفقه، وأسبقهم تأليفا في الفقه المقارن، وأنه كان واضع الأسس لأصول
الفقه لديهم، ومجلى الفروق بينها وبين أصول العقائد لدى الشيعة
وسواهم، وأنه في علم الحديث كان أول من نادى الشيعة برفض شطر كبير
من الحديث وبخاصة ما كان من خبر الآحاد فيها، وكان لعمله هذا فضل
كبير في تمحيص أحاديث أهل البيت وفحصها، وأنه في علم الكلام كان
قرن القاضي عبد الجبار رأس المعتزلة وشيخهم الذي إليه انتهت زعامتهم
في القديم والحديث، وانه في جماع ذلك كان يعتبر مجدد المذهب الشيعي
الامامي وباعثه في القرن الرابع الهجري.
ولقد رأيت في المرتضى أديبا ناقدا يعتبر في طليعة الناقدين،
وأديبا ناثرا يعد من خيرة الأدباء المترسلين، وأديبا شاعرا، يسلك به في
الشعراء الآليين الذين يملكون المادة الصالحة، والآلة المرهفة، ولا يملكون
القدرة على الانتفاع بهما من أجل تحويلها إلى بضاعة تدخل سوق الأدب
فتصيب حظا بالغا من تقدير ورواج.
ويبدو من مؤلفات السيد المرتضى وبخاصة ما كان منها أديبا
أنه كان قوي الحافظة، كثير الرواية والأخذ، وأنه بما اخذه من كتب
القدماء، وبما رواه عن أساتذته لا يقل شانا عن المبرد وأبي علي
القالي وابن الأنباري وأمثالهم، فقد وقف الرجل فيما قرأناه من أماليه
وغيره على كثير من مأثور الأصمعي وابن السكيت وأحمد ابن
عبيد وأبي بكر العبدي. قرأ تاريخ الطبري والبلاذري وأبي مخنف
واقتبس من كتاب عيون الأخبار لابن قتيبة، والكامل للمبرد، وديوان
الحماسة للبحتري، وترجم لكثير من شعراء المعتزلة والجبرية، وأطال في
قصص المعمرين وأئمة الخوارج.
مناقشة ما ادعي على السيد المرتضى ويقول الدكتور محيي الدين:
١ حكى الخطيب أبو زكريا يحيى بن علي التبريزي اللغوي: أن
أبا الحسن علي بن أحمد بن علي الفالي الأديب كان له نسخة من كتاب
الجمهرة لابن دريد في غاية الجودة، فدعته الحاجة إلى بيعها، فاشتراها
الشريف المرتضى بستين دينارا، وتصفحها، فوجد فيها أبياتا بخط
بائعها:
أنست بها عشرين حولا وبعتها * لقد طال وجدي بعدها وحنيني
(٢١٤)

أنه قال جمعه بين الدنيا والآخرة مصداق قول الصادق (عليه السلام) وقد
يجمعها الله تعالى لا قوام اه‍ وكان يعرف بأبي الثمانين خلف بعد وفاته
ثمانين الف مجلد من مصنفاته ومقروءاته ومحفوظاته وعن الثعالبي في اليتيمة
انها قومت بثلاثين ألف دينار بعد ان اهدى إلى الرؤساء والوزراء منها شطرا
وما كان ظني انني سأبيعها * ولو خلدتني في السجون ديوني
ولكن لضعف وافتقار وصبية * صغار عليم تستهل شؤوني
فقلت ولم أملك سوابق عبرة * مقالة مكوي الفؤاد حزين:
وقد تخرج الحاجات يا أم مالك * كرائم من رب بهن ضنين
فارجع النسخة إليه وترك الدنانير (١).
٢ قرأت بخط محمد بن إدريس الحلي الفقيه الامامي قال:
حكى أبو حامد أحمد بن محمد الأسفراييني الفقيه الشافعي قال:
كنت يوما عند فخر الملك أبي غالب محمد بن خلف وزير بهاء
الدولة وابنه سلطان الدولة، فدخل عليه الرضي أبو الحسن، فأعظمه
وأجله، ورفع من منزلته، وخلى ما كان بيده من القصص والرقاع، وأقبل
عليه يحادثه إلى أن انصرف. ثم دخل بعد المرتضى أبة القاسم رضي الله عنه
، فلم يعظمه ذلك التعظيم، ولا أكرمه ذلك الاكرام، وتشاغل عنه
برقاع يقرؤها، وتوقيعات يوقع بها، فجلس قليلا، وسأله أمرا فقضاه،
ثم انصرف.
قال أبو حامد: فتقدمت إليه وقلت له: أصلح الله الوزير، هذا
المرتضى هو الفقيه المتكلم، صاحب الفنون، وهو الأفضل والأمثل
منهما، وانما أبو الحسن شاعر، قال: فقال: إذا انصرف الناس، وخلا
المجلس أجبتك عن هذه المسألة، قال: وكنت مجمعا على الانصراف
فجاءني أمر لم يكن في الحساب، فدعت الضرورة إلى ملازمة المجلس إلى أن
تقوض. الناس واحدا فواحدا، فلما لم يبق الا غلمانه وحجابه دعا
بالطعام، فلما أكلنا وغسل يديه وانصرف عنه أكثر غلمانه ولم يبق عنده
غيري، قال لخادم له: هات الكتابين اللذين دفعتهما إليك منذ أيام،
وأمرتك أن تجعلهما في السفط الفلاني، فأحضرهما، فقال: هذا كتاب
الرضي، اتصل بي انه قد ولد له، فأنفذت إليه ألف دينار، وقلت:
هذا للقابلة، فقد جرت العاد أن يحمل الأصدقاء إلى أخلائهم، وذوي
مودتهم مثل هذا في مثل هذه الحال، فردها، وكتب إلي هذا الكتاب
فاقرأه، فقرأته وهو اعتذار على الرد وفي جملته: اننا أهل بيت لا
يطلع على أحوالنا قابلة غريبة، وانما عجائزنا يتولين هذا الامر من نسائنا،
ولسن ممن يأخذن أجرة، ولا يقبلن صلة. قال فهذا هذا.
وأما المرتضى فإننا كنا قد وزعنا وقسطنا على الأملاك ببادوريا
تقسيطا نصرفه في حفر فوهة المعروف بنهر عيسى، فأصاب
ملكا للشريف المرتضى بالناحية المعروفة بالداهرية من التقسيط
عشرون درهما، ثمنها دينار واحد، قد كتب إلي منذ أيام في هذا المعنى هذا
الكتاب، فاقرأه، فقرأته، وهو أكثر من مائة سطر، يتضمن من الخضوع
والخشوع، والاستمالة والهز، والطلب والسؤال، في اسقاط هذه الدراهم
عن املاكه المشار إليها ما يطول شرحه. قال فخر الملك: فأيهما ترى
أولى بالتعظيم والتبجيل: هذا العالم المتكلم الفقيه الأوحد ونفسه هذه
النفس، أم ذلك الذي لم يشتهر الا بالشعر ونفسه تلك النفس؟ فقلت:
وفق الله سيدنا الوزير (٢).
هاتان قصتان تتفارقان مفارقة كلية، تدل أولاهما على نبل السيد
وسمو روحه، وتدل الثانية على نفس متخاذلة متهالكة، لا تحسن في سبيل
التوفر على دينار واحد أن تحفظ مقامها الاجتماعي.
أما الأولى فلا تكاد تبعد كثيرا عما عرف عن السيد من مقام
اجتماعي، وخلق نفسي، وأما الثانية وهي التي تبدو ناشزة على سير
الشريف فهي التي وعدت ان أضع بين يديك أمر النظر فيها.
القصة يرويها ابن أبي الحديد في سبيل التنويه بمقام الرضي
ونحن لا نحيل التنويه بمقامه فقد كان مجمعا على فضله ولكن التنويه
بمقام انسان لا ينبغي ان يتم على حساب انسان آخر، ليتخذ منه سبيل
مقارنة ومفارقة. وسننقد القصة من حيث سندها ورواتها وما اختلفت عليه
الروايات:
أ يقول ابن أبي الحديد في سند روايته: قرأت بخط محمد
ابن إدريس الحلي (٣) الفقيه الامامي. وأنا استبعد جدا ان يسجل
محمد بن إدريس الحلي الامامي على المرتضى هذه المنقصة، وقد
عرف ابن إدريس بأنه من رأى المرتضى في كثير من مسائل الفقه،
ومن مشايعيه في رأيه الأصولي، ومن تلاميذ مدرسته، بحيث متى ذكر
ابن إدريس قرن بالسيد المرتضى في كثير مما تدفع به عن ابن
إدريس المآخذ الفقهية.
ب حكى أبو حامد أحمد بن محمد الأسفراييني الفقيه الشافعي.
والشافعي أبو حامد الأسفراييني على عظم مقامه، وسمو منزلته في نظر
الشافعية خاصة كان معاصرا للمرتضى وقرنا له في الزعامة المذهبية (٤)
ومن أجل الأسفراييني اخرج الشيخ المفيد أستاذ المرتضى من بغداد (٥)
وكانت العداوة يومئذ بين الامامية والشافعية في ذات أئمتها بالغة ذروتها.
ج كنت يوما عند فخر الملك... الخ. ان علاقة المرتضى ب
فخر الملك كانت وثيقة جدا، وكانت العواطف المتبادلة بينهما لا نظير لها
في كل من عرفت للسيد صلة به، وكانا يتزاوران ويصطحبان (٦) وللسيد
في مدحه قصائد جياد تنيف على عشرين قصيدة (٧)، وإذ قتل فخر الملك
جزع السيد جزعا شديدا، ورثاه بقصائد أربع، لم يرث بمثلها خليفة أو
ملكا أو صديقا، وأقسم بعد قتله الا يقول الشعر، وظل منقطعا عنه سنين

(١) ابن خلكان ج ٣ ص ٦ ط النهضة المصرية سنة ١٩٤٨ ومرآة الجنان ج ٣ ص ٥٠٦ ط حيدر
آباد وشذرات الذهب ج ٣ ص ٢٥٨.
(٢) ابن أبي الحديد ج ١ ص ١٣.
(٣) روضات الجنات ج ١ ص ٥٩٨ ط إيران: هو صاحب كتاب " السرائر " ومن الذاهبين
مذهب السيد - يريد المرتضى - في عدم جواز العمل بخبر الآحاد توفي سنة ٥٩٨.
(٤) روضات الجنات ج ١ ص ٤٧، ورياض العلماء ص ٤٧٠ نقلا عن ابن الأثير الجزري في
" جامع الأصول ": ان مروج المائة الرابعة بقول فقهاء الشافعية أبو حامد احمد
الأسفراييني، وبقول علماء الحنفية أبو بكر محمد بن موسى الخوارزمي، وباعتقاد المالكية أبو
محمد عبد الوهاب بن نصر، وبرواية الحنبلية أبو عبد الله الحسين بن علي بن حامد،
وبرواية علماء الإمامية هو الشريف المرتضى الموسوي.
(٥) ابن الأثير والمنتظم حوادث ٣٩٨ وشذرات الذهب ج ٣ ص ١٥٠ ط القدس.
(٦) الديوان ج ٢ ص ٨٥.
(٧) الديوان ج ٢ ص ٦٨، ٧٢، ٧٣، ٨٠، ٨٥، ٨٦، ٨٧، و ج ٣ ص ٣، ٥، ٧، ٨، ١٠،
١١، ١٢، ١٤، ١٥، ١٧، ١٩، ٢١، ٨٩.
(٢١٥)

ثمانية، حتى إذا قدم سلطان الدولة ابن الملك بهاء الدولة إلى بغداد
طلب منه أن يقول الشعر ملحا معاودا، فاعتذر بما سبق ان عزم عليه: من
ترك الشعر بعد فخر الملك، ولكنه حمله على قوله بمعاودة الاصرار (١).
فهل تكون هذه العواطف من جانب المرتضى لرجل كان يزدري
مقامه، ويستهين بكرامته، ويلقاه بالفتور والبرود؟
والطريف في الأمر انك تجد القصة نفسها تروى بلسان آخرين، ومع
وزير آخر غير فخر الملك، فمرة تروى عن أبي إسحاق محمد بن إبراهيم
العباسي الكاتب (٢)، ومرة عن لسان أبي إسحاق الصابي (٣). وكلاهما
كما كان الحال مع أبي حامد الأسفراييني يدعى مشاهدة المجلس
وحده، ومع ادعاء التفرد بمجلس الوزير لا يصح ان يشاهدها آخرون،
وهذا صريح في اختراع القصة، أو في اختراع راويها.
وأطرف من هذا انها في إحدى الروايات تجري مع أبي محمد الوزير
المهلبي لا مع فخر الملك، ولكن الوزير المهلبي مات قبل ان يخلق
المرتضى بثلاث سنوات أو أربع (٤).
٣ ويدخل في باب المفارقات ما يورد للسيد وعنه بحسن نية،
وبقصد التنويه بذكره، ولكنه يخرج به عن خلقه المعروف به، أو عن
الخلق الإنساني السوى العام. فمن الشائع في الأوساط الخاصة لرجال
المذهب الامامي، والوارد في بعض المصادر أن السيد الرضي حين
أسمع أخاه المرتضى قصيدته في رثاء أبي الصابي:
أ علمت من حملوا على الأعواد * أ رأيت كيف خبا ضياء النادي
وفيها قوله:
ان لم تكن من أسرتي وعشيرتي * فلأنت أعلقهم يدا بودادي
الفضل ناسب بيننا ان لم يكن * شرفي مناسبه ولا ميلادي
غضب المرتضى لمكانة أخيه من النسب والدين وقال له مستخفا
بالصابي: حملوا كلبا.
يريدون بما أوردوا أن ينزهوا مقام رجل الدين المسلم عن رثاء رجل
ذمي، ناسين أن جواب المرتضى ان صح يتنافى مع الخلق الرفيع،
الذي يجب ان يتحلى به رجل كالمرتضى.
ولكني وجدت الشريف المرتضى نفسه يرثي أبا إسحاق
الصابي رثاء لا يقل تقديرا وأسى عن رثاء الرضي له، ووجدت بين
المرتضى وأبي إسحاق من تبادل العواطف والاخاء ما يدل على أن
الأخوات والصداقات لا يحول دونها اختلاف في منسب أو مذهب، وان
الرجل ما كان يحول مقامه الديني من أن يتغنى باخاء رجل كابي إسحاق
وأن يرثيه:
ما كان يومك يا أبا إسحاق * الا وداعي للمنى وفراقي
لولا حمامك ما اهتدى هم إلى * قلبي ولا نار إلى احراقي
وسلبت منك أجل شطري عيشتي * وفجعت منك بأنفس الأعلاق
لما رأيتك فوق صهوة شرجع * بيد المنايا أظلمت آفاقي
وكأنني من بعد ثكلك ذو يد * جذاء أو غصن بلا ايراق
ومودة بين الرجال تضمهم * وتلفهم خير من الأعراق
من ذا نضا عنا شعار جمالنا * ورمى هلال سمائنا بمحاق؟ (٦)
بل رأيت المرتضى يجرى إلى أكثر من هذا فيمدح هلال بن
المحسن الصابي وهو حفيد أبي إسحاق بأبيات فيها:
وقول زارني فوددت أني * وقيت بمهجتي من كان قاله (٧)
ذكرت به التصابي والغواني * وأيام الشبيبة والبطاله
وكيف ألوم إما لمت دهرا * ضللت به فاطلع لي هلاله
غفرت به ذنوب الدهر لما * أتى كفى وأعلقها وصاله
وما انا مصطف الا خليلا * رضيت على تجاربه خلاله
وهي طويلة قبست منها موضع الحاجة.
٤ وقد رمي الشريف بالبخل في أحد المصادر القديمة وعنه نقلت
المصادر المتأخرة ذلك. جاء في عمدة الطالب: وكان المرتضى يبخل،
ولما مات خلف مالا كثيرا، وخزانته اشتملت على ثمانين ألف مجلد، ولم
أسمع مثل ذلك (٨).
ان صفتي البخل والكرم يختلف فيها عرف عن عرف، وليس لمدلولها
حد معين وبخاصة فيما تعارف عليه العرب من تقدير الصفتين فان أريد
بهذه العبارة اتهام الشريف بالتخلي عن واجباته الاجتماعية وبتقتيره على نفسه
أو أسرته أو اخوانه في سبيل التوفر على جمع المال واختزانه فذلك ما لم يثبت
من سيرته، إذ قد عرف بالسعة فيما توجبه منزلته: من الظهور بمظهر الغنى
والبسطة، ومن اعطاء الجرايات الشهرية لأفاضل مدرسته وأصدقائه، ومن
حبسه قرية على كاغد الفقراء، واهدائه الهدايا الجسام لزعماء القبائل حين
يجتاز البادية إلى مكة.
وان أريد بالبخل عدم الأخذ بأساليب الأجواد من كرام الأشراف
والأمراء والخلفاء، وذلك بالانفاق في اسراف على الشعراء، وبخلع الخلع
للمادحين لهم وبالعطاء المتسع لكل مجتد وطالب، حتى ينتقل الثري منهم
ما لم يكن وهابا نهابا بين عشية وضحاها من غني إلى فقر، ومن ثراء إلى
عدم، فذلك ما كان الشريف حقا عليه. ولكن هذا ليس بالصفة التي
يعاب بها رجل العلم والدين.
لو كان الشريف من الأجواد لتسابق شعراء العصر إلى امتداحه،
ولتزاحموا على بابه، ولديهم أكثر من سبب للقول فيه، والتغني بامجاده،
ولكنهم كانوا نزرى القول فيه على كثرة المناسبات.
هذا مهيار الديلمي لم يحفل ديوانه الكبير بغير قصيدة واحدة في
مدح الشريف، والقصيدة نفسها على ما احتوت من اطراء لا تخلو من
تثريب على التباطؤ عن انجاز وعد كان الشريف وعده إياه، بل هي قيلت
تذكيرا بوعد لم ينجز:
أبا القاسم استمتع بها نبوية * تراجع عنها الناس فيما توغلوا

(١) الديوان ج ٣ ص ٩٩.
(٢) انظر مقدمة ديوان الرضي طبع بيروت.
(٣) روضات الجنات ج ٢ ص ٥٧٥ طبع إيران.
(٤) المنتظم حوادث ٣٥١ وتجارب الأمم حوادث ٣٥٢.
(٥) الشريف الرضي للدكتور محفوظ طبع بيروت سنة ١٨٤٤.
(٦) الديوان ج ٣ ص ٨٣.
(٧) الديوان ج ٣ ص ٨١، ٨٢ قالها المرتضى جوابا " لهلال ابن المحسن " عن قصيدة أرسلها
للمرتضى وفيها يقول هلال بن المحسن:
أسيدنا الشريف علوات عزا * تضاف إليك أوصاف الجلاله
لأنك أوحد والناس دون * ومن يسمو لمجدك أن يناله
ولى أمل سأدركه وشيكا * بعون الله فيك بلا محاله
وليس على موالاتي مزيد * لأني لم أرثها عن كلاله
(٨) رياض العلماء ص ٤٧١ وروضات الجنات ترجمة المرتضى.
(٢١٦)

محاسن ان سارت فقد سار كوكب * بذكرك، أو طارت فقد طار أجدل
تحدث عنها الناطقون وأصبحت * بها العيس تحدي والسوابق تصهل
سما للعلى قوم سواك فلم تنل * سماؤك، حتما ان باعك أطول
أ لست من القوم استخفت سيوفهم * رقاب عدا كانت على الموت تثقل!
تؤدي فروض الشعر ما قيل فيكم * وفي الناس إما جازكم يتنفل
نحمس من آثاركم وعلاكم * وننسب من أحلامكم ونغزل
لك الخير! ظني في اعتلاقك عاذري * فلا تتركن يا حر وعدك يعذل
لعمري! وبعض الريث خير مغبة * ولكن حساب الناس لي فيك أعجل
تشبث بها أكرومة في أنها * كتاب يوفى في يديك مسجل
فوالله ما أدرى! هل الدهر عارف * بفضلك إلهاما أم الدهر يغفل (١)
ومن القصص الطريف الذي يراد به الدلالة على ذكاء المرتضى
المفرط، أو ذكاء من يكون طرفا ثانيا للمرتضى، ولكنه بما يحاط به من
تزيد أو مغالاة، يحيله إلى ما يعود على خلق المرتضى بأذى وتخديش،
لو قبلناهما لتناقضا كثيرا مع الخلق المعروف عن الرجل، ومع الظروف التي
تلابسه. فقد روى أن أبا العلاء يوم ورد على بغداد كان ملازما
لمجلسه وأنه أعنى أبا العلاء كان يتعصب للمتنبي، ويفضله على
غيره من الشعراء، على حين كان الشريف ينتقصه، ويورد معايب في
شعره، فقال المعري يوما: لو لم يكن للمتنبي الا قوله:
لك يا منازل في القلوب منازل * اقفرت أنت وهن منك أواهل
لكفاه فضلا. فغضب المرتضى وأمر باخراجه من مجلسه، ثم قال لمن
حضر: أ تدرون أي شئ أراد بذكر هذه القصيدة، فان للمتنبي أجود
منها ولم يذكرها. انما أراد قوله:
وإذا أتتك مذمتي من ناقص * فهي الشهادة لي باني كامل
نحن لا ننكر تعصب أبي العلاء للمتنبي، ولا تعصب الشريف
عليه، فكلاهما معروف بذلك، ولا نستكثر على المعري هذه الايماءة
اللاذعة، ولا على الشريف تلك الانتباهة الخاطفة الفارعة، ولكن الذي لا
نراه يتسق ومجرى الصلة بين الرجلين مع جواز أن يغضب المرتضى في
نفسه أن يأمر باخراج مناظره من مجلسه، وان تتزيد بعض الروايات على
ذلك فتقول: فسحب برجله وأخرج (٢).
ننكر هذا، لأننا لم نشهد في كل ما كتب أبو العلاء تعريضا
بالمرتضى، ولا في جملة ما كتب المرتضى انتقاصا لأبي العلاء، بل
وجدنا غير ذلك. وجدنا أبا العلاء الطريد من مجلس الشريف على
زعم الاخباريين بعد تسعة أعوام من عودته إلى المعرة لا ينسى فضل هذا
البيت، ولا فضل الشريفين خاصة، فيبعث إليهما عند وفاة والدهما أبى
أحمد مواسيا معزيا، بقصيدة من غرر ما في ديوانه سقط الزند، ولا
يفوته أن يستطرد إلى مدح المرتضى وولده بما يدل على كرم شيم، ونبل
نفس، وأن يستجد عذرا له مما قدم من شعر في التعزية هو دون أهل هذا
البيت مقاما ومنزلة:
أودى فليت الحادثات كفاف * مال المسيف وعنبر المستاف
الطاهر الآباء والأبناء والآراب * والأثواب والآلاف
ولقيت ربك فاسترد لك الهدى * ما نالت الأيام بالاتلاف
وساقاك أمواه الحياة مخلدا * وكساك شرخ شبابك الأفواف
أبقيت فينا كوكبين سناهما * في الصبح والظلماء ليس بخافي
قدرين في الارداء بل مطرين في * الاجداء بل قمرين في الأسداف
رزقا العلاء فأهل نجد كلما * نطقا الفصاحة مثل أهل دياف
ساوى الرضي المرتضى وتقاسما * خطط العلى بتناصف وتصافي
حلفا ندى سبقا وصلى الأطهر * المرضى فيا لثلاثة أحلاف (٣)
أنتم ذوو النسب القصير فطولكم * باد على الكبراء والأشراف
والراح ان قيل ابنة العنب اكتفت * باب عن الأسماء والأوصاف (٤)
ما زاع بيتكم الرفيع وانما * بالوجد أدركه خفي زحاف
ويخال موسى (٥) جدكم لجلاله * في النفس صاحب سورة الأعراف
يا مالكي سرح القريض أتتكما * منى حولة مسنتين عجاف
لا تعرف الورق اللجين وان تسل * تخبر عن القلام والخذراف
وأنا الذي أهدى أقل بهارة * حسنا لأحسن روضة مئناف
أوضعت في طرق التشرف ساميا * بكما ولم أسلك طريق العافي
وأدل من هذا كله على ما لأبى العلاء من اعجاب بالشريف، وذكرى
حسنة لأيام اقامته في بغداد، لم تنقص باذلال واهانة ما روي أن صح ما
روي من أن أبا العلاء سئل عن المرتضى بعد عودته من العراق
فقال:
يا سائلي عنه فيما جئت تسأله * ألا هو الرجل العاري من العار
لو جئته لرأيت الناس في رجل * والدهر في ساعة والأرض في دار
شعره
شعره في غاية الجودة وحكي عن جامع ديوانه أنه قال سمعت بعض
شيوخنا يقول ليس لشعر المرتضى عيب الا كون الرضي أخاه فإنه إذا أفرد
بشعره كان أشعر أهل عصره ومن شعره قوله:
وطرقنني وهنا بأجواز الربا * وطروقهن على النوى تخييل
في ليلة وافى بها متمنع * ودنت بعيدات وجاد بخيل
يا ليت زائرنا بفاحمة الدجى * لم يأت الا والصباح رسول
فقليله وضح الضحى مستكثر * وكثيره غلس الظلام قليل
وقوله أيضا:
تجاف من الأعداء بقيا فربما * كفيت فلم تجرح بناب ولا ظفر
ولا تبر منهم كل عود تخافه * فان الأعادي ينبتون من الدهر
وقوله:

(١) ديوان مهيار الديلمي ج ٣ ص ١١.
(٢) روضات الجنات ج ١ ص ٧٤ ط إيران نقلا عن كتاب " البغية " و " أنوار الربيع " باب
التلميح ص: ٥٣٩ ط طهران ١٣٠٤.
(٣) سقط الزند ج ٢ ص ٦٢ بولاق قال الشارح: الأطهر المرضى، هو ابن للمرتضى.
(٤) فوات الوفيات ج ٢ ص ٣٧٥ ط مصر. قال الصفدي: ما عزى كبير بذاهب سلف بمثل هذا
البيت.
(٥) يريد الإمام موسى بن جعفر الكاظم.
(٦) سقط الزند ص ١٢٦٤ - ١٣٢٠ ط دار الكتب.
(٧) روضات الجنات ج ١ ص ٧٤.
(٢١٧)

بيني وبين عواذلي * في الحب أطراف الرماح
انا خارجي في الهوى * لا حكم الا للملاح
وقوله:
مولاي يا بدر كل داجية * خذ بيدي قد وقعت في اللجج
حسنك ما تنقضي عجائبه * كالبحر حدث عنه بلا حرج
بحق من خط عارضيك ومن * سلط سلطانها على المهج
مد يديك الكريمتين معي * ثم ادع لي من هواك بالفرج
وقوله:
قل لمن خده من اللحظ دام * رق لي من جوانح فيك تدمى
يا سقيم الجفون من غير سقم * لا تلمني ان مت منهن سقما
انا خاطرت من هواك بقلب * ركب البحر فيك أبا وأما
وقوله:
ضن عني بالنزر إذ انا يقظان * واعطى كثيره في المنام
والتقينا كما اشتهينا ولا عيب * سوى ان ذاك في الأحلام
وإذا كانت الملاقاة ليلا * فالليالي خير من الأيام
وقوله:
جزعت لو خطات المشيب وانما * بلغ الشباب مدى الكمال فنورا
والشيب ان فكرت فيه مورد * لا بد يورده الفتى ان عمرا
يبيض بعد سواده الشعر الذي * ان لم يزره الشيب واراه الثرى
وقوله:
وقد علم المغرور بالدهر انه * وراء سرور المرء في الدهر غمه
وما المرء الا نهب يوم وليلة * تخب به شهب الفناء ودهمه
وكان بعيدا عن منازعة الردى * فألقته في كف المنية امه
الا ان خير الزاد ما سد فاقه * وخير تلادي الذي لا اجمه
وان الطوى بالعز أحسن بالفتى * إذا كان من كسب المذلة طعمه
وقوله:
إذا كان أدنى العيش ليس بحاصل * لذي اللب في الدنيا بغير متاعب
فكيف بأعلى العيش في عالم البقا * لذي الجهل مع تقصيره في المطالب
وقوله:
يا خليلي من ذؤابة قيس * في التصابي رياضة الأخلاق
عللاني بذكرهم تطرباني * واسقياني دمعي بكأس دهاق
وخذا النوم من جفوني فاني * قد خلعت الكرى على العشاق
وقوله:
ولما تفرقنا كما شاءت النوى * تبين ود خالص وتودد
كأني وقد سار الخليط عشية * أخو جنة مما أقوم واقعد
وقوله في مرثية أخيه السيد الرضي:
يا للرجال لفجعة جذمت يدي * ووددت لو ذهبت علي برأسي
ما زلت احذر وردها حتى أتت * فحسوتها في بعض ما انا حاسي
ومطلتها ضمنا فلما صممت * لم يثنها مطلي وطول مكاسي
لله عمرك من قصير طاهر * ولرب عمر طال بالادناس
وقوله:
ومنذ عرفت الحزم ثم أدرعته * لباسا جميلا ما تراني أهزل
ولا غزل لي بالحسان شمائلا * فعما قليل يندم المتغزل
ولا عذل يحتل سمعي لأنني * ثناءيت عما حل فيه المعذل
وما زال هذا الدهر منذ قطعته * بغير الخنا يلقي علي واحمل
أبيت قبولا بذله ولو انني * قبلت الذي يعطيه ما كان يبذل
لحا الله قوما بت فيهم مضيعا * أعل بأنواع الغرور وانهل
يقولون ما لا يفعلون تعاطيا * واني ممن لا يقول ويعمل
وتخرجني الأقوال فيهم تكذبا * فيا ليتهم قالوا ولم يتقولوا
هم قدموا من لا فضيلة عنده * وما أخروا الا الذي هو أكمل
وقد عشت فيمن ليس ينفق عندهم * ولا يجتبى الا الذي هو أجمل
أصبت بفكر في الأمور أجيله * ويعجبني في المشكلات التأمل
واعشق ابكار المعاني اثيرها * وما العشق في القوام الا التخيل
وما غرني في هذه الدار مهمل * تزور المنى أوطانه وهو مقبل
وله:
قل لمعز بالصبر وهو خلي * وجميل العذول ليس جميلا
ما جهلنا ان السلو مريح * لو وجدنا إلى السلو سبيلا
وله:
الا يا نسيم الريح من ارض بابل * تحمل إلى أهل الخيام سلامي
وقل لحبيب فيك بعض نسيمة * إما آن ان سطيع رجع كلام
واني لأرضى ان أكون بأرضكم * على انني منا استفدت سقامي
قال أبو الحسن العمري دخلت على الشريف المرتضى فأراني بيتين قد
عملهما وهما:
سرى طيف سعدي طارقا فاستفزني * هوبا وصحبي بالفلاة هجود
فقلت لعيني عاودي النوم واهجعي * لعل خيالا طارقا سيعود
فخرجت من عنده ودخلت على أخيه الشريف الرضي فعرضت عليه
البيتين فقال:
فردت جوابا والدموع بوادر * وقد آن للشمل المشتت ورود
فهيهات من لقيا حبيب تعرضت * لنا دون لقياه مهامه بيد
فعدت إلى المرتضى بالخبر فقال يعز علي أخي قتله الذكاء فما كان الا
يسيرا حتى مضى الرضي لسبيله.
وله:
يا عصب الله ومن حبهم * مخيم ما عشت في صدري
ومن أرى ودهم وحده * زادي إذا وسدت في قبري
وهو الذي أعددته جنتي * وعصمتي في ساعة الحشر
حتى إذا لم يك لي ناصر * من أحد كان بكم نصري
أقلني ربي بالذين اصطفيتهم * وقلت لنا هم خير من انا خالق
وان كنت قد قصرت سعيا إلى التقى * فاني بهم ما شئت عندك لاحق
هم أنقذوا لما فزعت إليهم * وقد صممت نحوي النيوب العوارق
وهم جذبوا ضبعي إليهم من الأذى * وقد طرقت بأبي الخطوب الطوارق
ولولاهم ما زدت في الدين حظوة * ولا اتسعت فيه علي المضائق
ولا سيرت فضلي إليها مغارب * ولا طيرته بينهن مشارق
ولا صيرت قلبي من الناس كلهم * لهم وطنا تاوي إليه الحقائق
وله:
اطرحوا النهج فلم يحفلوا * بما لكم في محكم الذكر
(٢١٨)

واستلبوا ارثكم منكم * من غير حق بيد العسر
كسرتم الدين ولم تعلموا * وكسرة الدين بلا جبر
فيا لها مظلمة أولجت * على رسول الله في القبر
وله في أمير المؤمنين ع:
وهو الذي ما كان دين ظاهر * في الناس لولا رمحه وحسامه
وهو الذي لا يقتضى في موقف * اقدامه نكص به اقدامه
ووقى الرسول على الفراش بنفسه * لما أراد جمامه اقوامه
ثانيه في كل الأمور وحصنه * في النائبات وركنه ودعامه
لله در بلائه ودفاعه * واليوم يغشى الدارعين قتامه
وكأنما أجم العوالي غيله * وكأنما هو بينها ضرغامه
طلبوا مداه ففاتهم سبقا إلى * أمد يشق على الرجال مرامه
مؤلفاته
١ الشافي في الإمامة مطبوع ٢ الذخيرة في الكلام ٣ جمل العلم
والعمل في الفقه ٤ تقريب الوصول ٥ دليل الموحدين ٦ الرد على
يحيى بن عدي ٧ الرد على يحيى بن عدي ثانيا ٨ طبيعة الاسلام ٩
تنزيه الأنبياء والأئمة مطبوع ١١ المقنع في الغيبة ١٢ الصرفة في
الاعجاز ١٣ أقوال المنجمين ١٤ أنواع الاعراب ١٥ الحدود
والحقائق ١٦ الذريعة في الأصول ١٧ مسائل الخلاف ١٨
المسائل المفردة ١٩ شرح الرسالة في الاعجاز ٢٠ الأمالي ويسمى
الغرر والدرر مطبوع ٢١ شرح القصيدة المذهبة مطبوع في مصر ٢٢
شرح الخطبة الشقشقية ٢٣ الشيب والشباب مطبوع ٢٤ الطيف
والخيال ٢٥ تتبع ابن جني ٢٧ المرموق في الروق ٢٨ النقض على
يحيى بن عيسى ٢٩ النصرة لأهل الرؤية ٣٠ المسائل الناصرية
مطبوع ٣١ فنون القرآن ٣٢ تفسير الحمد والبقرة ٣٣ تفسير قل
تعالوا أتل ٣٤ تفسير ليس على الذين آمنوا ٣٥ تحقيق علمه تعالى
٣٦ تحقيق الإرادة مطبوع، تحقيق الإرادة ثانيا ٣٧ دليل الخطاب
٣٨ تحقيق التأكيد ٣٩ الفقه المكي ٤٠ تحقيق المتعة ٤١
الانتصار فيما انفردت به الإمامية مطبوع ٤٢ المصباح ٤٣ الوعيد
٤٤ مسالة في أصول الدين ٤٥ المسائل الطرابلسية الأولى ٤٦ والثانية
٤٧ والثالثة ٤٨ والرابعة ٤٩ مسائل البرمكيات الأولى ٥٠ والثانية
٥١ والثالثة ٥٢ والرابعة ٥٣ والخامسة ٥٤ المسائل الموصلية الأولى ٥٥
والثانية ٥٦ والثالثة ٥٧ والمسائل الصيداوية الأولى ٥٨ والثانية ٥٩
والثالثة ٦٠ المسائل التبانية الأولى ٦١ والثانية ٦٢ والثالثة ٦٣
المسائل المحمديات الأولى ٦٤ والثانية والثالثة ٦٥ المسائل الحلبية الأولى
والثانية ٦٦ المسائل المصرية الأولى ٦٧ والثانية ٦٨ المسائل الجرجانية
٦٩ المسائل الديلمية ٧٠ المسائل الطوسية ٧١ المسائل الرسية ٧٢
المسائل السلارية ٧٣ المسائل الدمشقية ٧٧ المسائل الواسطية ٧٨
المسائل الرازية ٧٩ الكلام على من تعلق بقوله تعالى ولقد كرمنا ٨٠
مسالة في التوبة ٨١ مسالة قتل السلطان ٨٢ الخلاف في أصول الفقه
٨٣ شرح مسائل الخلاف ٨٤ ديوان شعر يزيد على عشرين ألف بيت
٨٥ المسائل المفردة في أصول الفقه ٨٦ مسائل مفردة في نحو من مائة
مسالة في فنون شتى ٨٧ مسالة كبيرة في ابطال القول بالعول.
٨٨ وله تفسير سورة هل اتى رأينا منه نسخة مخطوطة في جبل
عامل في ٥١ صفحة متوسطة في آخرها: كتبه الفقير إلى ربه محمد ابن
علي بن سليمان بن محمد بن علي الشهير بابن نجدة هزيمة ووافق الفراع
من كتابتها فجر الأحد ٣ شعبان سنة ١١١١.
٨٩ ومن مؤلفاته انقاذ البشر من الجبر والقدر رأينا منه نسخة
مخطوطة بالنجف سنة ١٣٥٢.
ونسب إليه كتاب عيون المعجزات مع أنه من مؤلفات الشيخ الجليل
حسين بن عبد الوهاب المعاصر للسيدين وقد صرح في مواضع بأنه مؤلفه
كما نسب إليه كتاب الخصائص مع أنه للرضي واعجب من ذلك قول ابن
الأثير الجزري في مختصر تاريخ ابن خلكان واليافعي في تاريخه انه اختلف
الناس في كتاب نهج البلاغة هل هو جمعه أو جمع أخيه الرضي واعجب منه
ما عن الحسن بن سليمان تلميذ الشهيد من التصريح بان نهج البلاغة
تاليف المرتضى.
وأجوبة المسائل الطرابلسيات الواردة في شعبان سنة ٤٢٧ هي مسائل
الشيخ أبو الفضل إبراهيم بن الحسن الأباني وجدت منه نسخة في طهران في
مكتبة شريعتمدار الرشتي وجواب المسائل الطرابلسيات الثانية سأله عنها
المذكور وله أجوبة مسائل سأله عنها بعض الاشراف. ووجد بخط
المرتضى: قد أجزت لأبي الحسن محمد بن محمد البصروي أحسن الله
توفيقه في جميع كتبي وتصانيفي وأمالي ونظمي ونثري ما ذكر منه في هذه
الأوراق وما لعله يتجدد بعد ذلك، وكتب علي بن الحسين الموسوي في
شعبان من سنة ٤١٩.
الشيخ علي النقي ابن الشيخ حسين زغيب
ولد في قرية يونين التابعة لقضاء بعلبك سنة ١٢٨٤ وتوفي سنة
١٣٥٥ في بعلبك ونقل إلى يونين فدفن بها.
درس في جبل عامل بقرية حنويه في مدرسة الشيخ محمد علي عز
الدين ثم في مدرسة الشيخ أبي الفرج الخطيب بدمشق ثم على السيد جواد
مرتضى في بعلبك وتولى في عهوده الأخيرة منصب الإفتاء في بعلبك.
شعره
من شعره قوله مادحا السيد جواد مرتضى:
سأصبر حتى يحكم الله بالذي * يريد لعل الصب ينفعه الصبر
واحمل عبئا يصدع الصم حمله * واركب لجا موجه الهول والذعر
واقتادها مثل النعام ضوابحا * يضيق بها في وسعه البحر والبر
عليها رجال كالأسود عوابس إذا * قدحت زند الوغى للوغى كروا
إذا ازدحمت فرسانها وتصامدت * كتائبها واصطكت البيض والسمر
رأيتهم أسدا ووقع سيوفهم * صواعق والهامات من زجرها قطر
بدور بأفق المجد إشراق فضلهم * كما بجواد إشراق الكون والعصر
أبوه علي والحسين وولده * وجدته الزهراء والمصطفى الطهر
سخي فاما كفه فسحابة * هتون واما وجهه فهو البدر
هو البحر لا ملحا أجاجا وانما * هو البحر علما فيضه التبر والدر
إذا ما ارتقى الأعواد في الناس خاطبا * تقول أروح الله هذا أم الخضر
(٢١٩)

تفردت في غر المزايا فأصبحت * صفاتك روضا والمزايا هي الزهر
غدا يتهاداها النسيم فكلما * يرف بجنحيه يضوع لها نشر
وله يرثي السيد جواد مرتضى من قصيدة:
عفت المدارس والمجالس اقفرت * وتعطل الترتيل والتأويل
يا صاحب الخلق العظيم وصاحب القلب * السليم لمن إليه نؤول
كل الأنام على اختلاف طباعها * تهوى إليك قلوبها وتميل
أبقيت ذكرا طيبا ومأثرا * هي كالنجوم على المسير دليل
فكانها الفرقان في اعجازه * وكأنها بين الورى إنجيل
تدعو إلى حب الوثام وفعله * حتى كأنك في الأنام رسول
رفعوا سريرك خاشعين كأنما * نادى بهم للحشر إسرافيل
يمشون والأجفان تسفح دمعها * وامامك التكبير والتهليل
في كل قلب قد غدا لك مدفن * في ذكر فضلك عامر مأهول
يا صاحب الحسب الرفيع ومن له * طابت فروع في الورى وأصول
الصبر يحمد في المصاب وانما * حزني عليك مدى الزمان يطول
ولقل ان تذري الجفون دموعها * ابدا فمثلك في الرجال قليل
وله في ١٠ تموز سنة ١٣٢٥ وكان ذلك يوم عيد الدستور العثماني
واصفا الأسهم النارية:
يا عشر تموز بالاقبال صرت لنا * عيدا سعيدا بأوقات إلهنا عادا
في ليلة أسهم النيران قد زحمت * من الشياطين احزابا واجنادا
ما شق سهم بذلك النور كبد سما * الا وشق من الأعداء اكبادا
كأنما الأرض في أنوارها فلك * يزهو وأنجمها تزداد ايقادا
أو السماء اعارتها كواكبها * فرحن ينثرن أزواجا وأفرادا
وله من قصيدة ألقاها في حفلة مدرسية:
بالعلم طال سماء المجد من سبقا * وليس يلحق الا من به لحقا
فالمجد ان رمت مجدا من فوائده * والرزق من طرقه ان رمت مرتزقا
والفضل والدين والعمران يجمعها * وكل خير به ما زال ملتصقا
ومنها:
اني لتطربني الأخلاق صافية * وأكرم الناس عندي من حوى خلقا
فاجمل العين عين للعلا عشقت * وأطيب القلب قلب بالهدى خفقا
أبو الحسن علي بن الحسين بن علي بن عبد الله المسعودي الهذلي المؤرخ
الشهير
وفاته
توفي سنة ٣٤٦ بمصر هكذا ارخ وفاته صاحب كشف الظنون وفوات
الوفيات وغيرهما وما في البحار نقلا عن النجاشي انه مات سنة ٣٣٣ اشتباه
نشأ من قول النجاشي الآتي انه بقي إلى سنة ٣٣٣ وهو لا يدل على وفاته في
تلك السنة كما قاله الشهيد الثاني في حواشي الخلاصة. والنجاشي يظهر انه
اخذه من قول المسعودي في أواخر مروج الذهب انه انتهى من تاليفه سنة
٣٣٣ مع أنه في اواخره أيضا قال: ذكر تسمية من حج بالناس من أول
الاسلام سنة ٣٣٥ ثم ذكر ما يدل على أنه فرع منه سنة ٣٣٦ كما يأتي وعن
الحاوي قيل في كتاب ابن طاوس انه على نسخة كتابه: يقول محمد بن معد
الموسوي كتابه الموسوم بالتنبيه والاشراف يتضمن انه ارخه إلى سنة ٣٤٥
أقول وفي النسخة المطبوعة من التنبيه والاشراف انه في سنة ٣٤٤ تهدم
نحو من ثلاثين ذراعا من قبة ابن طولون وفيه أيضا: ذكر ملوك الروم من
الهجرة إلى سنة ٣٤٥ وفي مجالس المؤمنين يروي انه بقي إلى سنة ٣٤٥
اه. وما في بعض المواضع انه توفي سنة ٣٤٥ ليس بصواب.
نسبته
المسعودي نسبة إلى مسعود والد عبد الله بن مسعود الصحابي
والمترجم من ذرية عبد الله بن مسعود هذا، صرح بذلك غير واحد منهم
صاحب فوات الوفيات. والهذلي بضم الهاء وفتح الذال المعجمة بعدها
نسبة إلى هذيل قبيلة عربية مشهورة ينتسب إليها عبد الله بن مسعود.
أقوال العلماء فيه
لم يذكر الشيخ في رجاله ولا في فهرسته وانما ذكر المسعودي كما
ستعرف الذي يحتمل انه هو وفي روضات الجنات: قال صاحب رياض
العلماء: العجب ان المسعودي قد كان جد الشيخ الطوسي من طرف امه
كما يقال مع أنه لم يذكر له ترجمة في فهرسته ولا رجاله وانما اورده النجاشي
والعلامة وأمثالهما اه.
وقال النجاشي: علي بن الحسين بن علي المسعودي أبو الحسن
الهذلي هذا رجل زعم أبو الفضل الشيباني رحمه الله انه لقيه واستجازه وقال
لقيته وبقي هذا الرجل إلى سنة ٣٣٣ اه. وقال الشيخ في الفهرست في
باب من عرف بقبيلته أو بلده أو لقبه: المسعودي له كتاب رواه موسى بن
حسان اه فلعله هو وذكره العلامة في الخلاصة وابن داود في رجاله في
القسم الأول من كتابيهما المعد لمن يعتمد عليه. وقال أبو علي في رجاله:
المسعودي هذا من أجلة العلماء الامامية ومن قدماء الفضلاء الاثني عشرية
ويدل عليه ملاحظة أسامي كتبه ومصنفاته وهو ظاهر النجاشي والعلامة
وابن داود أيضا لذكرهما أيها في القسم الأول وكذا الشهيد الثاني لعدم
تعرضه في الحاشية لردهما كما في غيره من المواضع وممن صرح بذلك السيد
ابن طاوس في كتاب فرج الهموم عند ذكر العلماء العالمين بالنجوم حيث قال
ومنهم الشيخ الفاضل الشيعي علي بن الحسين بن علي المسعودي مصنف
كتاب مروج الذهب إلى اخر كلامه وقد عده المجلسي في الوجيزة من
الممدوحين وذكر في جملة الكتب التي اخذ عنها في البحار كتاب الوصية
وكتاب مروج الذهب وقال كلاهما للشيخ علي بن الحسين بن علي المسعودي
وقال في الفصل الذي بعده في بيان الوثوق بالكتب التي اخذ منها:
والمسعودي عده النجاشي من رواة الشيعة وذكره في موضع آخر من البحار
وقال هو من علمائنا الامامية اه وفي فوات الوفيات: علي بن الحسين بن
علي أبو الحسن المسعودي المؤرخ من ذرية عبد الله بن مسعود رضي الله عنه
قال الشيخ شمس الدين عداده في البغداديين وأقام بمصر مدة وكان اخباريا علامة
صاحب غرائب وملح ونوادر مات سنة ٣٤٦ اه وفي رياض العلماء الشيخ أبو الحسن
علي بن الحسين بن علي المسعودي الهذلي الفاضل العالم الكامل الجامع المؤرخ
المقبول قوله عند العامة والخاصة المعروف بالمسعودي الشيخ الجليل المتقدم من
أصحابنا الإمامية المعاصر للصدوق وصاحب كتاب مروج الذهب وغيره من
المؤلفات الكثيرة اه وعن السيد الداماد في حاشية اختيار رجال الكشي للشيخ
الطوسي أنه قال في حق المسعودي: الشيخ الجليل الثقة الثبت المأمون الحديث عند
العامة والخاصة علي بن الحسين المسعودي أبو الحسن الهذلي اه وفي تكملة الرجال
(٢٢٠)

علي بن الحسين بن علي المسعودي بخط التقي المسعودي شيعي وكتاب مروج
الذهب لا يظهر منه تشيعه والمعتمد كتبه الآخر بخط ولده المجلسي: أقول عندنا
كتاب اثبات الوصية له ويدل على أنه من أكمل الشيعة وخواصهم وقال السيد ابن
طاوس في كتاب النجوم عند ذكر العارفين بعلم النجوم من الشيعة ما هذا لفظه:
ومن أفضل الموصوفين بعلم النجوم الشيخ الفاضل الشيعي علي بن
الحسين بن علي المسعودي مصنف كتاب مروج الذهب وله تصانيف جليلة
ومنزلة في العلوم والتواريخ والرياسة كبيرة اه وقوله إن كتاب مروج الذهب
لا يظهر منه تشيعه في غير محله فتشيعه منه ظاهر كالنور على الطور في مواضع
كثيرة نعم قد سلك فيه مسلك المؤرخين الذين يذكرون كل ما قيل لا
مسلك المتحيزين لجهة خاصة.
وفي فهرست ابن النديم: المسعودي هذا الرجل من أهل المغرب
يعرف بأبي الحسن علي بن الحسين بن علي المسعودي من ولد عبد الله بن
مسعود مصنف لكتب التواريخ واخبار الملوك اه. وفي معجم الأدباء:
علي بن الحسين بن علي المسعودي من ولد عبد الله بن مسعود مصنف لكتب
التواريخ واخبار الملوك اه. وفي معجم الأدباء: علي بن الحسين بن علي
المسعودي المؤرخ أبو الحسن من ولد عبد الله ابن مسعود صاحب النبي
ص وذكره محمد بن إسحاق النديم فقال هو من أهل المغرب مات فبما
بلغني سنة ٣٤٦ بمصر قال وقوله إنه من أهل المغرب غلط لأن المسعودي
ذكر في السفر الثاني من كتابه المعروف بمروج الذهب وقد عدد فضائل
الأقاليم واعتدالها وانحرافها ثم قال: وأوسط الأقاليم إقليم بابل الذي
مولدنا به وإن كانت ريب الأيام أنات بيننا وبينه وساحقت مسافتنا عنه
وولدت في قلوبنا الحنين إليه إذ كانت وطننا ومسقطنا إلى أن قال وأشرف
هذه الأقاليم مدينة السلام ويعزز علي بما أصارتني إليه الاقدار من فراق هذا
المصر الذي عن بقعته فصلنا لكنه الدهر الذي من شيمته التشتيت والزمن من
شريطته الآفات ومن علامة وفاء المرء دوام عهده وحنينه إلى اخوانه
وشوقه إلى أوطانه ومن علامة الرشد أن تكون النفس إلى مولدها تائقة والى
مسقط رأسها شائقة. قال فهذا يدلك على أن الرجل بغدادي الأصل وانما
انتقل إلى ديار مصر فأقام فيها وهو يحكي في كتبه كثيرا ويقول رأيت أيام
كوني بمصر كيت وكيت اه.
وقال الدكتور صالح احمد العلي:
تتميز الحركة الفكرية في القرنين الثالث والرابع الهجري بميزات
معينة واضحة، طبعت معظم العلماء الذين ظهروا فيهما، ولعل من أبرز
تلك الميزات هو تعدد نواحي ثقافة العلماء والمفكرين، إذ كان كل منهم
بدرس مواضيع متعددة من لغة وفقه وحديث وفلسفة وتاريخ وجغرافية،
وكثيرا ما كان العالم منهم يبرز في أكثر من ميدان من ميادين المعرفة،
فالطبري كان مبرزا في الفقه والتفسير واللغة والتاريخ والحديث، واليعقوبي
من أعظم المؤلفين في الجغرافية والتاريخ، ومن قبلهم الكندي كان مبرزا لا
في الفلسفة فحسب بل في معظم فروع المعرفة، والجاحظ لم يكن أديبا
فحسب بل كان متكلما ومؤرخا وعالما طبيعيا أيضا. والفارابي برز في
الفلسفة والموسيقي.
ولا ريب ان تعدد نواحي المعرفة يساعد العالم على معرفة العلاقات
بين العلوم المختلفة، ويساعد على تطعيم هذه العلوم ببعضها فالمنطق يعين
على النقد والتفكير والتنظيم، والأدب على اظهار جمال الأسلوب،
والتاريخ يساعد على معرفة التطور وتقدير أهمية وحدة العلوم وترابطها مع
بعضها.
وتعدد جوانب المعرفة من شانه ان يوسع أفق نظر الإنسان، ويخرجه
من نطاق التخصص الذي كثيرا ما يؤدي إلى التعصب، هذا إلى أنه
يساعد على تقدير مكانة كل علم ومركزه بين العلوم، وان العالم الذي تعدد
جوانب معرفته يكون ذا نظرة واسعة، وصدر رحب، وروح نقدية،
ويتصف بعدم الاستسلام والتعصب الأعمى.
ومن ميزات القرنين الثالث والرابع الهجري تشبع الناس بروح الدولة
الاسلامية، فالفرد منهم صار يعتز بكونه بأصله وعشيرته، حتى أن كثيرا
من العلماء الذين ظهروا في هذه الفترة، لا نعلم إلى أي عشيرة ينتمون،
بل إن كثيرا ما لا نعلم هل ان أصلهم عربي أم أعجمي، والواقع ان
معظم العلماء والمفكرين الذين ظهروا في هذين القرنين كانوا ينتسبون إلى
المحلات التي ولدوا فيها، أو المحلات التي أقاموا فيها، أو الأقاليم التي
ترعرعوا فيها. كما أن العالم قلما يكتفي بالإقامة في مكان واحد، بل كان
يقوم برحلات وسفرات، ليتصل بالعلماء ويسمع منهم أو يدرس على يدهم
ويستفيد من عملهم. وقد شجعت أحوال المجتمع هذه الرحلات، فان
الحج من أركان الاسلام الخمسة، وهو يلزم كل قادر على زيارة مكة
المكرمة للحج، مما يحمل الناس على السفر، ثم إن الرخاء الاقتصادي في
القرنين المذكورين وتوزع مراكز الإنتاج والمدن، وقلة العراقيل بوجه التجار
والمسافرين ساعد على هذه الرحلات والسفرات. ولا ريب ان التنظيمات
القائمة آنذاك كانت تساعد الناس، والعلماء خاصة على القيام بمثل هذه
الرحلات، فقد كانت الجوامع تقدم لكثيرين منهم المأوى، والتبرعات
كانت توفر للفقراء منهم ما يحتاجونه من زاد وغذاء. وينبغي الا يغيب عن
ذهننا ان معظم العلماء كان دافعهم حب العلم والمعرفة، دون الاهتمام
بالمطامع المادية، لذلك لم يكونوا ليحتاجوا في طلب العلم إلى مبالغ طائلة.
ومن هؤلاء العلماء الأفذاذ الذين ظهروا في هذه الحقبة من الزمن،
أبو الحسن علي بن الحسين بن علي المسعودي الذي ينحدر أصله من عبد الله
بن مسعود الصحابي المشهور. ولد في المنتصف الثاني من القرن الثالث
ببغداد، ويظهر انه ترعرع وتثقف فيها وكان يحن إليها في سفراته، ولا
أدل على هذا الحنين من قوله في مروج الذهب وأواسط الأقاليم إقليم
بابل الذي مولدنا به. وإن كانت ريب الأيام أنات بيننا وبينه، وساحقت
مسافتنا عنه، وولدت في قلوبنا الحنين إليه،! إذ كان وطننا ومسقطنا إلى
آخر ما قاله في كلامه. ان هذا النص يدل على مدى تعلق المسعودي
بالعراق، انه نشأ وترعرع فيه، ودرس على علمائه فتركوا في نفسه كل هذا
الأثر العميق.
لا تذكر المصادر شيئا واضحا عن نشاة المسعودي الأولى، ولا عن
وضعه المالي أو العلماء الذين تتلمذ عليهم أو ناقشهم أو اتصل بهم، ولكننا
نستطيع ان نحدس ذكاءه وتتبعه وسعة اطلاعه من الكتب التي روى أنه
ألفها، ففي كتابه التنبيه والاشراف الذي انجز تاليفه في سنة ٣٤٥ ه ذكر
(٢٢١)

أسماء أربعة وثلاثين كتابا من مؤلفاته، في الفقه، والكلام، والأدب،
والاخبار والتاريخ، والجغرافية، ولكن لم يبق من هذه الكتب الا كتاب
مروج الذهب، وكتاب التنبيه والاشراف، والأول أطول من الثاني الا ان
الثاني يبدو فيه الاتساق والنضج، وهو يروي ان بعض كتبه الأولى كبيرة.
ولكن الزمان لم يبق عليها فضاعت كما ضاع كثير من كنوز المعرفة الاسلامية
العظيمة.
غير اننا نستطيع ان نقدر سعة علمه من الكتب التي يورد ذكرها،
ففي مقدمة مروج الذهب ذكر لتسعة وسبعين مؤلفا أو كتابا من أمهات
كتب التاريخ التي قرأها، عدا الكتب التي لم ير مبررا لذكرها نظرا لوهنها
وضعفها.
وتتجلى سعة اطلاعه أيضا مما يورده في مؤلفيه الذين بقيا لنا، يشير
إلى الفلسفة، ويذكر الفلاسفة بالاحترام والتقدير، وينعى على مدعى
الفلسفة، الذين شوهوا قيمها السامية، كما كان مطلعا على آراء أهل الملل
والنحل وألف كتبا عنها. ولكن أكثر تأثره كان بالعلماء الإغريق والغرب.
فاما الإغريق فقد كانوا مبرزين في كثير من العلوم، وقد ترجمت
معظم مؤلفاتهم إلى العربية، فساعدت العلماء على الاطلاع عليها والإفادة
منها. وقد اورد المسعودي آراء كثير من العلماء الإغريق، وخاصة أرسطو
الذي اقتبس المسعودي منه بعض الآراء والأفكار في الجغرافية الطبيعية كما
تردد كثيرا في كتابه ذكر العالم الإغريقي بطلميوس، فاقتبس منه كثيرا وأشار
إلى بعض آرائه وخاصة عند بحثه عن شكل الأرض وأبعادها، وامتداد
المعمور والأقاليم وقسمة الأرض إلى ثلاث قارات، كما أشار إليه عند
البحث عن الأنوار والفصول والبحار، وقد أشار في كتبه إلى مارينوس
الصوري وهرمس.
غير أنه لم يتقبل كافة آرائهم أو يصدقها، بل نقدهم، نقد آراء
بطلميوس عن امتداد المعمورة وتقسيمها إلى ثلاث قارات، أو ان البحر
يحيط القارات من كافة الجهات.
وقد أشار المسعودي إلى المتقدمين من العلماء العرب، فذكر من
الفلكيين كتاب الثلاثين فصلا للفرغاني، والزيج للبتاني، وصورة الأرض
للخوارزمي، والمدخل إلى صناعة النجرم للبلخي والزيج المأموني، واقتبس
من العرب فكرة انحناء سطح الأرض وان الأرض كالقبة، وكذلك خطوط
الطول والعرض، وأفكاره عن البحار والمناخ والأمطار، ولعل أكثر
المفكرين العرب اثرا في المسعودي هو الكندي وتلميذه أحمد بن الطيب
السرخسي حيث يجلهما ويقر آراءهما وخاصة عن بحر الحبشة ورسم المعمور
وقد تأثر بهما كثيرا.
على أنه لم يكتف بالتعلم بل قام بسفرات طويلة في العالم الاسلامي
وخارجه، فقد زار فارس وخراسان والهند والسند حيث بقي فيهما أمدا
ووصفهما وصفا دقيقا، كما زار سجستان وكرمان وجرجان وطبرستان
وخوزستان. وزار أيضا شرقي إفريقية وسوريا ومصر حيث أقام عدة سنين
ألف فيها كتابيه مروج الذهب والتنبيه والاشراف. وقد أكسبته هذه
الرحلات اطلاعا واسعا وخبرات مباشرة ومرونة في التفكير.
لقد كان المسعودي واسع الاطلاع، نقادة لا يرضى بالخرافات،
يعتمد على خبراته الشخصية وعلى قوة تفكير في النقد، واهتم بدراسة
أحوال الشعوب وأهل الأرض دراسة شاملة، فوصف الأرض التي
يسكنونها فكان جغرافيا عظيما، كما وصف طبائعهم وعاداتهم وتقاليدهم
وعقائدهم ومواطنهم، وبحث عن تاريخهم، وهكذا أظهر الصلة الوثيقة
بين الجغرافية والتاريخ. ولم يقتصر على وصف العالم الاسلامي فحسب،
بل شمل بحثه البلاد غير الاسلامية أيضا، كما لم يقصر بحثه على المصادر
العربية بل حاول ان يستقى معلوماته عن تاريخ كل شعب من كتبهم،
وهكذا أظهر عمليا انه نموذج رائع للعالم الحقيقي الفطن المرن الواسع
الصدر.
كلمة المؤلف
وقال المؤلف: هذا الرجل جليل القدر عظيم المنزلة في العلم بارع
في أكثر علوم الاسلام علامة فيها ولم أر من المتقدمين من وفاه حقه في
الترجمة مع أنه حقيق بكل وصف جميل فجملة من المؤرخين لم يذكروه كابن
خلكان وابن الأثير وغيرهما حتى أن الخطيب في تاريخ بغداد لم يذكره مع أنه
ذكر كل من اجتاز بها وان لم يكن من أهلها وهذا ولد بها وتوطنها ولم يذكره
ومن ذكره من المؤلفين اقتصر في وصفه على بضع كلمات لا تفي بحقه مع
اطنابهم فيمن لم يبلغ درجته في العلم والفضل والإحاطة والتبحر فابن
النديم اقتصر كما سمعت على وصفه بأنه مؤرخ وجعله من أهل المغرب وهو
من أهل المشرق وياقوت كما سمعت أيضا لم يزد على وصفه بالمؤرخ وأطال
في الرد على ابن النديم في جعله له مغربيا، وكان كل شئ في الدنيا يحتاج
إلى حظ، والدنيا حظوظ كما يقال وليس لدينا من كلمات العلماء ما نستفيد
منه شرح أحواله على التمام لأنها في حقه موجزة كما سمعت أو معدومة وانما
يمكننا ان نستفيد بعض الشئ من أسماء مؤلفاته ومواضيعها ومما حكاه عن
نفسه من أسفاره وتنقله في البلاد الدال على علو همته ولذلك اشتملت كتبه
في التاريخ على غرائب لا توجد في غيرها كما يعلم من مطالعتها. وفي
رياض العلماء عن بعض علماء مصر أنه قال في كتاب الاهرام والصنم
المسمى بأبي الهول قرأت في كتب المسعودي المشتملة على العجائب
والغرائب من حكاياته ورواياته ما هذا نصه وقيل إن الوليد الخ...
كان المسعودي مؤرخا بارعا متبحرا وجغرافيا ماهرا ومتكلما أصوليا
فقيها محدثا رجاليا عارفا بالفلسفة وعالما بالنجوم وما إلى ذلك اخلاقيا نسابة
وقد ألف في هذه العلوم وفي أكثر علوم الاسلام فألف في أصول الفقه وفي
الفقه وفي علم الكلام والدعاء وفي أصول الديانات وفي التاريخ وفي
الطبيعيات ولكنه اشتهر بعلم التاريخ واشتهرت تاليفه وشاعت بين الناس
وطبع ما وجد منها غير مرة وقد دل على معرفته للعلوم المهمة من علوم
الاسلام ودرسه لها وتأليفه فيها ما اشتهر من مؤلفاته.
اشتكى في مقدمة كتابه مروج الذهب ومعدن الجوهر قلة العلم
والعلماء بقوله على أن العلم قد بادت آثاره وطمس مناره وكثر فيه العناء
وقل الفهماء فلا تعاين الا مموها جاهلا ومتعاطيا ناقصا قد قنع بالظنون
وعمي عن اليقين لم ير الاشتغال بهذا الضرب من العلوم والتفرع لهذا الفن
من الآداب. ثم ذكر قسما من مؤلفاته في العلوم الاسلامية فمن العلوم
التي درسها وألف فيها علم الكلام وأصول الدين كما أشار إلى ذلك في
(٢٢٢)

مقدمة كتابه المذكور بقوله حتى صنفنا كتبنا من ضروب المقالات وأنواع
الديانات ككتاب الإبانة عن أصول الديانة وكتاب المقالات في أصول
الديانات وكتاب الاستبصار في الإمامة ووصف أقاويل الناس في ذلك من
أصحاب النص والاخبار وحجاج كل فريق منهم وكتاب الصفوة في الإمامة
اه وألف في ذلك أيضا كتاب اثبات الوصية لأمير المؤمنين علي وأولاده
الأحد عشر ع وفيه اثبات ان الأرض لا تخلو من حجة وذكر
كيفية اتصال الحجج من الأنبياء من لدن آدم ع إلى نبينا
ص وكذلك الأوصياء إلى قائمهم ع وأول رواياته في
تعداد جنود العقل والجهل، وسيأتي انه ألف في نقض كتب الجاحظ ككتاب
العثمانية وغيره.
ومنها علم أصول الفقه ألف فيه كتاب نظم الأدلة ذكره في مقدمة
كتابه المذكور فقال وكتاب نظم الأدلة في أصول الملة وما اشتمل عليه من
أصول الفنون وقوانين الاحكام كنفي (١) القياس والاجتهاد في الأحكام
ورفع (٢) الرأي والاستحسان ومعرفة الناسخ من المنسوخ وكيفية الاجماع
وماهيته والنواهي والحظر والإباحة وما أتت به الاخبار من الاستفاضة
والآحاد ومعرفة الخاص والعام والأوامر والنواهي وأفعال النبي ص وما
الحق بذلك من أصول الفتوى وأنباء مناظرة الخصوم فيما نازعوا فيه
وموافقتهم في شئ منه ومنها علم الطبيعة والفلسفة والملاحم وما إلى
ذلك.
ولعل من جملة مؤلفاته فيه كتابه سر الحياة المذكور في مقدمة مروج
الذهب فان المظنون مناسبته لذلك وفيه شئ من علم الأخلاق وقد أشار
في مقدمة الكتاب المذكور إلى مؤلفات اخر له في هذا المعنى بقوله مع سائر
كتبنا في ضروب علم الظواهر والبواطن والخفي الداثر وايقاظنا على ما يرتقبه
المرتقبون ويتوقعه المحدثون وما ذكروه من نور يلمع في الأرض وينبسط في
الجدب والخصب و ما في عقب الملاحم الكائنة الظاهر انباؤها المتجلي
أوائلها، وقوله إلى سائر كتبنا في السياسة الطبيعية وانقسام اجزائها والإبانة
عن المواد وكيفية تركيب العوالم والأجسام السماوية وما هو محسوس وغير
محسوس من الكثيف واللطيف وما قال أهل النحلة في ذلك، وقوله في
مقدمة المروج أيضا عند ذكر سنان بن ثابت بن قرة الجرجاني انه انتهج ما
ليس من صناعته وألف كتابا استفتحه بجوامع من الكلام في أخلاق النفس
وأقسامها من الناطقة والغضبية والشهوانية وذكر لمعا من السياسات المدنية مما
ذكره أفلاطون في كتابه في السياسة المدنية وهو عشر مقالات ولمعا مما يجب
على الملوك والوزراء إلى أن قال إن عيبه انه خرج عن مركز صناعته وتكلف
ما ليس من مهنته ولو اقبل على الذي انفرد به من علم أقليدس والمعظمات
والمجسطي والمدورات ولو استفتح بسقراط وأفلاطون وأرسطاطاليس فأخبر
عن الأشياء الفلكية والآثار العلوية والمزاجات الطبيعية والنسب والتأليفات
والنتائج والمقدمات والصنائع والمركبات ومعرفة الطبيعيات من الإلاهيات
والجواهر والهيئات ومقادير الاشكال وغير ذلك من أنواع الفلسفة لكان قد
سلم مما تكلفه اه فان هذا يدل على معرفته بهذه الأمور ومنها علم
الأخلاق فقد ذكر في كتابه اثبات الوصية جنود العقل وجنود الجهل وبحث
في ذلك ومنها علم السياسة وقد أشار إلى ذلك في مقدمة مروج الذهب
أيضا فقال إلى سائر كتبنا في السياسة كالسياسة المدنية واجزاء المدنية وانقسام
تكون المدنية ومنها علم النجوم وتأثيرها في السفليات وقد أشار إليه فيما
مر من كلامه بقوله والأجسام السماوية الخ. وتأتي إشارته إليه في ضمن
وصفه لكتاب اخبار الزمان ومر قول ابن طاوس في ذلك ويشتمل كتاب
التنبيه والاشراف على قسم من ذلك ومنها الجغرافيا وأشار إليها في
ضمن وصفه لكتاب اخبار الزمان أيضا. وذكر مهماته في ضمن كتاب
مروج الذهب فمن أبوابه ذكر الأرض والبحار ومبادئ الأنهار والجبال
والأقاليم السبعة وما والاها من الكواكب وغير ذلك وذكر مهماته أيضا في
كتاب التنبيه والاشراف ومنها النحل والمذاهب فقد أشار إليها في ضمن
وصفه لكتاب اخبار الزمان أيضا كما يأتي وعقد لها بابا في مروج الذهب ومما
ألفه في ذلك كتاب المقالات في أصول الديانات ومنها علم الرجال وقد
أشار إليه في مقدمة مروج الذهب فقال قد آتينا على تسمية جميع أهل
الاعصار من حملة الآثار ونقلة السير والاخبار وطبقات أهل العلم
من عصر الصحابة ثم من تلاهم من التابعين وأهل كل عصر على
اختلاف انواعهم وتنازعهم في آرائهم من فقهاء الأمصار وغيرهم
من أهل الآراء والنحل والمذاهب والجدل إلى سنة ٣٣٢ في كتابنا
المترجم باخبار الزمان والكتاب الأوسط اه. ويأتي في مؤلفاته الفهرست
والظاهر أنه في الرجال ومنها علم التاريخ وهو أشهر علومه وقد فاق فيه
على اقرانه ويدل على تفوقه فيه ما يشير إليه من الحوادث والمطالب التي يحيل
فيها على كتابيه اخبار الزمان والأوسط ويدل عليه كتابه المشهور المتداول بين
الناس المسمى مروج الذهب ومعدن الجوهر الذي طبع أكثر من مرة وقلما
يخلو كتاب في معناه من النقل عنه والذي تفنن فيه في نقل نوادر الاخبار
وأحوال الرجال وغرر الحوادث والوقائع وقد قال في أواخر الجزء الثاني منه
انه انتهى التصنيف فيه إلى هذا الوقت وهو جمادى الأولى سنة ٣٣٦ ونحن
بفسطاط مصر ثم قال وجميع ما أوردناه في هذا الكتاب لا يسع ذوي الدراية
جهله فمن عد أبواب كتابي هذا ولم يمعن النظر في قراءة كل باب منه لم يبلغ
حقيقة ما قلناه ولا عرف للعلم مقداره فلقد جمعنا فيه في عدة السنين
باجتهاد وتعب عظيم وجولان في الاسفار وطواف في البلدان من الشرق
والغرب وكثير من الممالك غير مملكة الاسلام اه وقد قال عن كتابه اخبار
الزمان عند وصفه له في مقدمة مروج الذهب وقدمنا القول فيه في هيئة
الأرض ومدنها وعجائبها وبحارها وأغوارها وجبالها وأنهارها وبدائع معادنها
واصناف مناهلها واخبار غياضها وجزائر البحار والبحيرات الصغار واخبار
الأبنية المعظمة والمساكن المشرفة وذكر شأن المبدأ وأصل النسل وتباين
الأوطان وما كان نهرا فصار بحرا وما كان بحرا فصار برا وما كان برا فصار
بحرا على مرور الأيام وكرور الدهور وعلة ذلك وسببه الفلكي والطبيعي
وانقسام الأقاليم بخواص الكواكب ومعاطف الأوتاد ومقادير النواحي
والآفاق وتباين الناس في التاريخ القديم واختلافهم في بدئه وأوليته من
الهند واصناف الملحدين وما ورد في ذلك عن الشرعيين وما نطقت به الكتب
وورد على الديانين ثم اتبعنا ذلك باخبار الملوك والأمم الداثرة من الملوك
والفراعنة والأكاسرة واليونانية ومقايل فلاسفتهم واخبار العناصر واخبار
الأنبياء والرسل والأتقياء إلى النبي ص فذكرنا مولده ومنشأه وبعثته
وهجرته ومغازيه وسراياه إلى وفاته والخلافة ومقاتل من ظهر من الطالبيين
إلى الوقت الذي شرع فيه في تصنيف مروج الذهب في خلافة المتقي سنة
٣٣٢ ومنها علم الأخلاق فسيأتي ان له فيه الكتاب المسمى بطب

(١) الذي في النسخة كتيفن وهو تصحيف.
(٢) الذي في النسخة ووقع وهو تصحيف أيضا.
(٢٢٣)

النفوس. وقد كان مولعا بالسياحة والاسفار في جميع البلدان والأقطار
فشاهد الأمور بنفسه ولم يكتف بالنقل كما أشار إليه في مقدمة مروج الذهب
أيضا فقال: من تقاذف الاسفار وقطع القفار تارة على متن البحر كقطعنا
بلاد السند والزنج والصنف والصين والرانج وتقحمنا الشرق والغرب فتارة
بأقصى خراسان وتارة بأوساط أرمينية وأذربيجان والهرات والطالقان وطورا
بالعراق وطورا بالشام فسيري في الآفاق سرى الشمس في الاشراق كما قال
بعضهم:
ييمم أقطار البلاد فتارة * لدى شرقها الأقصى وطورا إلى الغرب
سرى الشمس لا تنفك تقذفه النوى * إلى أفق ناء يقصر بالركب
قال ولكل إقليم عجائب يقتصر على علمها أهله وليس من لزم جهة
وطنه وقنع بما نمي إليه من الاخبار عن إقليمه كمن قسم عمره على قطع
الأقطار ووزع أيامه بين تقاذف الاسفار واستخراج كل دقيق من معدنه
وإثارة كل نفيس من مكمنه. ويدل على تبحره في التاريخ كثرة ما جمعه
واطلع عليه من مشهورات كتب التواريخ فقد ذكر في مقدمة مروج الذهب
أسماء ما يزيد على ٨٥ مؤرخا نقل عن كتبهم وقرأها وجملة منهم تصانيفهم
في التاريخ متعددة. وقال لم نذكر من كتب التواريخ والاخبار والسير والآثار
الا ما اشتهر مصنفوها وعرف مؤلفوها ولم نتعرض لذكر كتب تواريخ
أصحاب الأحاديث في معرفة أسماء الرجال واعصارهم وطبقاتهم إذ كان
ذلك أكثر من أن نأتي على ذكره في هذا الكتاب ومنها الفقه فستعرف ان
من مؤلفاته فيه كتاب المواهب في الاحكام اللوازب، فالظاهر أنه واجبات
الشرع وكتاب القضايا أو القضاء وكتاب التجارات على بعض النسخ
ومنها الذكر والدعاء فستعرف انه ألف فيه كتابا ومنها علم الأخلاق
فسيأتي ان له فيه الكتاب المسمى بطب النفوس.
وبعد فراغنا من كتابة هذه الترجمة عثرنا على كتابه التنبيه والاشراف
المطبوع بمصر ورأينا مصححه الأستاذ عبد الله إسماعيل الصاوي المصري
قد ترجم المؤلف بترجمة استغرقت ثماني صفحات.
أخباره
قد عرفت انه لم يصل إلينا من اخباره الا النزر اليسير ويقول الأستاذ
الصاوي المار ذكره ولم يذكر ماخذه انه خرج عن بغداد سنة ٣٠١ ليقوم
برحلة قيل إنها استمرت ثلاثة أعوام أقضاها متنقلا بين فارس وكرمان ثم
بعد ان جاب بلاد الهند وصيمور قطن أخيرا في بومباي إلى سنة ٣٠٤ قال:
وهو يحدثنا انه كان في سنة ٣١٤ في فلسطين وفي أنطاكية وقال إنه في سنة
٣٣٦ تم تاليف مروج الذهب في فسطاط مصر وكان قد ابتدأ تاليفه سنة
٣٣٢ وذكر انه في سنة ٣٤٤ كان يشتغل بوضع النسخة الأولى من كتاب
التنبيه والاشراف في الفسطاط بمصر ثم في سنة ٣٤٥ زاد فيها واصلحها
اه.
ومن اخباره ما ذكره في مروج الذهب عند ذكر البحر الحبشي وهو
بحر الهند بما هذا لفظه: وقد ركبت انا هذا البحر من مدينة سنجار وهي
قصبة بلاد عمان مع جماعة نواخذة السيرافيين واخر مرة ركبت فيه في سنة
٣٠٤ من جزيرة قنبلو إلى مدينة عمان وقد ركبت عدة من البحار كبحر
الصين والروم والخزر والقلزم واليمن وأصابني فيها من الأهوال ما لا أحصيه
كثرة فلم أشاهد أهول من بحر السند وفيه السمك المعروف بافال طول
السمكة نحو من ٤٠٠ ذراع بالذراع العمرية والأغلب من هذا السمك
طوله مائة باع وربما يظهر شيئا من جناحه فيكون كالقلع العظيم وربما يظهر
رأسه وينفخ الصعداء بالماء فيذهب في الجو أكثر من ممر السهم فإذا بغت
هذه السمكة بعث الله عليها سمكة نحو الذراع تدعى السل فتلتصق بأصل
أذنها فلا يكون لها منها خلاص فتطلب قعر البحر وتضرب بنفسها حتى
تموت فتطفو فوق الماء فتكون كالجبل العظيم.
وقال كان دخولي إلى بلاد المولتان بعد الثلاثمائة والملك بها أبو الدلهان
المنبه بن أسد القرشي وكذلك كان دخولي إلى بلاد المنصورة في هذا الوقت
والملك عليها أبو المنذر عمر بن عبد الله.
ودخل بلاد الشحر من بلاد حضر موت كما يدل عليه قوله في مروج
الذهب: ووجدت أهل الشحر من بلاد حضر موت وساحلها وهي تسعون
مدينة يستظرفون اخبار النسناس الخ.
وقال المسعودي في مروج الذهب: رأيت في بلاد سرنديب وهي
جزيرة من جزائر البحر، ان الملك من ملوكهم إذا مات سير على عجلة قريبة
من الأرض.
وكان المسعودي في عصر معز الدولة أحمد بن بويه وأخيه ركن الدولة
الحسن بن بويه واخيهما عماد الدولة علي بن بويه كما ذكره في أواخر مروج
الذهب. وقال في مروج الذهب:
أوسط الأقاليم الإقليم الذي ولدنا به وإن كانت الأيام أنات بيننا
وبينه وولدت في قلوبنا الحنين إليه إذ كان وطننا ومسقطنا وهو إقليم بابل
وقد كان هذا الإقليم عند ملوك الفرس جليلا وقدره عظيما وكانت عنايتهم
إليه مصروفة وكانوا يشتون بالعراق في الفصول إلى الصرود من الأرض
والحرور وقد كان أهل المروءات في الاسلام كابي دلف القاسم ابن علي
العجلي وغيره يشتون في الحرور وهو العراق ويصيفون في الصرود وهي
الجبال وفي ذلك يقول أبو دلف:
واني امرؤ كسروي الفعال * أصيف الجبال وأشتو العراقا
ولما خص به هذا الإقليم من كثرة مرافقه واعتدال ارضه وغضارة
عيشه ومادة الرافدين إليه وهما دجلة والفرات وعموم الأمن فيه وبعد الخوف
عنه متوسطة الأقاليم السبعة كانت الأوائل تشبهه من العالم بالقلب من
الجسد لأن ارضه من إقليم بابل الذي تشعبت الآراء عن أهله بحكمة
الأمور كما يقع ذلك عن القلب وبذلك اعتدلت ألوان أهله وأجسامهم
فسلموا من شقرة الروم والصقالبة وسواد الحبشة وغلظ البربر ومن جفا من
الأمم واجتمعت فيهم محاسن جميع الأقطار وكما اعتدلوا في الجبلة كذلك
لطفوا في الفطنة والتمسك بمحاسن الأمور وأشرف هذا الإقليم مدينة
السلام ويعز علي ما أصارتني إليه الأقدار من فراق هذا المصر الذي عن
بقعته فصلنا وفي قاعته تجمعنا لكنه الزمن الذي من شيمته التشتيت ولقد
أحسن أبو دلف العجلي حيث يقول:
أيا نكبة الدهر التي طوحت بنا * أيادي سبأ في شرقها والمغارب
(٢٢٤)

قفي بالتي نهوى فقد طرت بالتالي * إليها تناهت راجعات المصائب
وقال في مروج الذهب أيضا:
ان بغوطة دمشق بقرية تعرف بعين ترما قوما من همدان إلى هذا
الوقت وهو سنة ٣٣٢ وفي رجال أبي علي ان بعض السادة الاجلاء حكى
عن مروج الذهب وإن كان لم يقع نظري عليه ان فيه ما لفظه: نعت
الامام ان يكون معصوما من الذنوب لأنه ان لم يكن معصوما لم يؤمن ان يدخل فيما
يدخل فيه غيره من الذنوب فيحتاج ان يقام عليه الحد كما يقيمه
على غيره فيحتاج الامام إلى امام إلى غير نهاية وأن يكون اعلم الخليقة لأنه
ان لم يكن عالما لم يؤمن عليه ان يقلب شرائع الله تعالى وأحكامه فيقطع من
يجب عليه الحد ويحد من يجب عليه القطع ويضع الاحكام في غير المواضع
التي وضعها الله تعالى وأن يكون أشجع الخلق لانهم يرجعون إليه في الحرب
فان جبن وهرب يكن قد باء بغضب من الله وأن يكون أسخى الخلق لأنه
خازن المسلمين وأمينهم فإن لم يكن سخيا تاقت نفسه إلى أموالهم وشرهت
إلى ما في أيديهم وفي ذلك الوعيد بالنار اه.
وقال عن كتاب عمرو بن بحر الجاحظ المترجم بكتاب الأمصار انه
كتاب في نهاية الغثاثة لان الرجل لم يسلك البحار ولا أكثر الاسفار ولا
يعرف المسالك والأمصار وانما كان حاطب ليل ينقل من كتب الوراقين
الخ.
وقال المسعودي في مروج الذهب: وقد زعم عمرو بن بحر الجاحظ
ان الكركدن يحمل في بطن امه سبع سنين وانه يخرج رأسه من امه فيرعى
ثم يدخل رأسه في بطنها وهذا القول اورده في كتاب الحيوان على طريق
الحكاية والتعجب فبعثني هذا الوصف على مسالة من سلك تلك الديار من
أهل سيراف وعمان ومن رأيت بأرض الهند من التجار فكل يتعجب من
قوله إذا أخبرته بما عندي من هذا وسألته عنه ويخبرونني ان حمله وفصاله
كالبقر والجواميس ولست أدري كيف وقعت هذه الحكاية للجاحظ أ من
كتاب نقلها أو من مخبر اخبره بها اه.
مؤلفاته
١ المقالات في أصول الديانات في الرياض: من أجل الكتب
وصرح بانتسابه إليه ابن إدريس في السرائر ٢ الزلف قال في مروج
الذهب ان قوما تكلموا في أوج الشمس عند انفصالها إلى البروج الجنوبية
وما يحدث في العالم في كون الشمال جنوبا والجنوب شمالا وتحول العامر
غامرا والغامر عامرا على حسب ما ذكرناه في كتابنا المترجم بكتاب الزلف
٣ الاستبصار في الإمامة ٤ سر الحياة في الأخلاق وفي بعض المواضع
نشر الحياة وفي بعضها بشر الحياة وهو تصحيف ٥ بشر الأبرار أو نشر
الاسرار حسب اختلاف النسخ ووقوع التصحيف فيها ٦ الصفوة في
الإمامة ٧ الهداية إلى تحقيق الولاية ٨ المعالي في الدرجات والإبانة في
أصول الديانات وقد يوجد ابدال المعالي بالمعاني والإبانة بالإمامة والظاهر أنه
تحريف ويأتي في مؤلفاته الإبانة في أصول الديانة ويوشك ان يكون هو
والمذكور هنا واحد ٩ رسالة اثبات الوصية لعلي بن أبي طالب
ع مطبوع في إيران ١٠ رسالة إلى ابن صفوة أو صعوة المصيصي
١١ اخبار الزمان ومن أباده الحدثان من الأمم الماضية والأجيال الخالية
فرع منه سنة ٣٣٢ وهو في نحو من ثلاثين مجلدا يوجد منه جزء في مكتبة
فيينا ويوجد كتاب بهذا الاسم في دار الكتب بمصر مصور عن نسخة بالمكتبة
الأهلية بباريس في جزء واحد تام وهذا الكتاب يحيل إليه في كتاب مروج
الذهب ١٢ مروج الذهب ومعادن الجوهر في تحف الاشراف من الملوك
وأهل الديارات قال في أواخر الجزء الأول منه انه كان وصوله إليه سنة ٣٣٢
وذكر في آخر الجزء الثاني منه ما يدل على أنه فرع منه في جمادى الآخرة سنة
٣٣٦ في رياض العلماء: هو كتاب غزير الفوائد وهو وإن كان موضوعه في
التاريخ ولكنه يشتمل على مطالب جليلة أخرى اه مطبوع بمصر مرارا وقد
ترجم إلى الفرنسية والإنكليزية ١٣ الفهرست والظاهر أنه في الرجال
وهذه ذكرها النجاشي في رجاله وذكر أكثرها المسعودي في مروج الذهب
والتنبيه والاشراف وزاد عليها في الكتابين ما يأتي ١٤ الأوسط وهو مختصر
من اخبار الزمان كما أن مروج الذهب مختصر منهما وكثيرا ما يحيل فيه عليهما
١٥ نظم الأدلة في أصول الملة وهو في أصول الفقه وقد يوجد ابدال نظم
بنظر ١٦ نقض كتب الجاحظ ككتاب العثمانية وغيره ١٧ رسالة بيان
أسماء أئمة القطيعة من الشيعة ١٨ القضايا والتجارب وفي بعض
المواضع القضاء والتجارات وكانه تصحيف ١٩ الرؤوس السبعة في
الطبيعيات ٢٠ المبادئ والتراكيب وكانه في الطبيعيات أيضا ٢١
الدعاوى ٢٢ الاسترجاع وقد فات ذكره صاحب الذريعة ٢٣ الرؤيا
والكمال ٢٤ طب النفوس. ويظهر انه في الأخلاق ٢٥ الزاهي في
أصول الدين ٢٦ حدائق الأذهان في اخبار آل محمد وتفرقهم في
البلدان ٢٧ مزاهر الاخبار وطرائف الآثار للصفوة النورية والذرية الزكية
٢٨ أبواب الرحمة وينابيع الحكمة في أهل البيت وقد فات صاحب
مؤلفات الشيعة ذكره ٢٩ الواجب في الفروض اللوازب في الفقه
٣٠ الانتصار ٣١ اخبار الخوارج ٣٢ ذخائر العلوم وما كان في
سالف الدهور ٣٣ كتاب الرسائل ٣٤ الاستذكار لما جرى في سالف
الاعصار ٣٥ التاريخ في اخبار الأمم من العرب والعجم ويمكن ان
يكون هو التاريخ الأوسط ٣٦ التنبيه والاشراف مر انه ارخه إلى سنة
٣٤٥ طبع في ليدن ثم بمصر ٣٧ خزائن الدين وسر العالمين وسماه
ياقوت خزائن الملك وسر العالمين وبعضهم سماه خزائن الملوك وسر العالمين
٣٨ نظم الجواهر في تدبير الممالك والعساكر ٣٩ نظم الاعلام في
أصول الاحكام ويظهر انه في أصول الفقه ٤٠ المسائل والعلل في
المذاهب والملل ٤١ المسعوديات ذكره في التنبيه والاشراف وقال وقد
ذكرنا في الاخبار المعروفة بالمسعوديات التي نسبت إلينا ٤٢ وصل
المجالس بجوامع الاخبار ومختلط الآداب بمنزلة الكشكول ذكره في التنبيه
والاشراف وهو الذي ذكر في مروج الذهب انه عازم على تاليفه فقد حقق
ذلك العز وألفه ٤٣ تقلب الدول وتغيير الآراء والملل ٤٤ الإبانة في
أصول الديانة ويمكن ان يكون هو الذي تقدم باسم المعالي في الدرجات
والإبانة في أصول الديانات ويمكن كونهما كتابين ٤٥ مقاتل فرسان
العجم ٤٦ فنون المعارف وما جرى في الدهور السوالف فهذه ثلاثة
وثلاثون كتابا وذكرها في مروج الذهب والتنبيه والاشراف زيادة على ما ذكره
النجاشي وغيره ٤٧ كتاب الأدعية، في رياض العلماء نسبه إليه
الكفعمي في حواشي مصباحه.
تشديده النكير على من حرف كتابه أو اختصره
قال في خطبة مروج الذهب: فمن حرف شيئا من معناه أو أزال ركنا
(٢٢٥)

من مبناه أو طمس واضحة من معالمه أو لبس شاهدة من تراجمه أو غيره أو
بدله أو شحنه أو اختصره أو نسبه إلى غيرنا أو إضافة إلى سوانا فوافاه من
غضب الله ووقوع نقمه وفوادح بلاياه ما يعجز عنه صبره ويحار له فكره
وجعله الله مثلة للعالمين وعبرة للمعتبرين وآية للمتوسمين وسلبه الله
ما أعطاه وحال بينه وبين ما أنعم عليه من قوة ونعمة مبتدع السماوات
والأرض من اي الملل كان والآراء انه على كل شئ قدير وقد جعلت هذا
التخويف في أول كتابي وآخره ليكون رادعا لمن ميله هوى أو غلبه شقاء
فليراقب أمر ربه وليحاذر منقلبه فالمدة يسيرة والمسافة قصيرة والى الله
المصير.
الشيخ كمال الدين أبو الحسن علي بن الشيخ شرف الدين الحسين بن جمال
الدين حماد بن أبي الخير الليثي الواسطي.
اختلاف الكلمات في ترجمته
ذكره في رياض العلماء في موضعين تارة بعنوان الشيخ كمال الدين أبو
الحسن علي بن الشيخ شرف الدين الحسين بن حماد بن أبي الخير الليثي
الواسطي. وتارة بعنوان الشيخ كمال الدين علي بن حماد الواسطي وقال في
الموضعين الحق انهما شخص واحد وهكذا اختلف التعبير عنه في كلام العلماء
فمنهم من قال علي بن الحسين بن حماد ومنهم من قال علي بن حماد بن أبي
الخير ومنهم من قال علي بن حماد الليثي الواسطي فنسبه إلى جده والنسبة إلى
الجد شائعة والكل شخص واحد. وفي الرياض عن بعض نسخ غوالي
اللآلي ذكر جمال بدل حماد وقال وهو من الناسخ اه أقول حماد يكني جمال
الدين فكانه سقط من النسخة شئ ويأتي في علي بن حماد بن عبيد الله
العدوي الاخباري البصري ما له عليقة بالمقام وللمترجم ولد اسمه الشيخ
حسين تقدم في بابه وكلاهما شاعر.
أقوال العلماء فيه
في مجموعة الجبعي التي هي منقولة عن خط الشهيد الأول ظاهرا
الشيخ العالم الفاضل العلامة الحبر المحقق المدقق الزاهد العابد الورع
الحافظ المتقن كمال الدين فخر الطائفة علي بن حماد الليثي نسبا الواسطي
مولدا ومنشأ اه. وفي أمل الآمل الشيخ كمال الدين أبو الحسن علي بن
الحسين بن حماد الليثي الواسطي فاضل فقيه زاهد من مشائخ ابن معية
ونقل الشيخ حسن ان السيد غياث الدين عبد الكريم بن طاوس اجازه
اجازة قال فيها استخرت الله وأجزت للأخ في الله العالم الفاضل الصالح
الأوحد الحافظ المتقن الفقيه المحقق البارع المرتضى كمال الدين فخر
الطائفة علي بن الشيخ الإمام الزاهد بقية المشيخة شرف الدين الحسين بن
أبي الخير الليثي الواسطي مولدا ان يروي عني إلى آخر كلامه اه. وعن
ابن جمهور في غوالي اللآلئ أنه قال في صفته الفقيه العالم الفاضل. وقال
الشهيد في بعض أسانيد أحاديث أربعينه: اخبرني السيد شمس الدين
أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي المعالي الموسوي قراءة عليه قال أخبرنا
الشيخ الامام الفقيه الصدوق الزاهد كمال الدين أبو الحسن علي بن الحسين
حماد الليثي الواسطي قال أخبرنا الشيخ الفقيه الصالح شمس الدين أبو
جعفر محمد بن أحمد بن صالح القسيني الخ.
وفي رياض العلماء: الشيخ كمال الدين علي بن حماد الواسطي
فاضل عالم شاعر وهو من أجلة علمائنا ومن مشائخ إجازاتهم ويروي
الصحيفة الكاملة السجادية وغيرها عن الشيخ نجيب الدين يحيى بن سعيد
الحلي ويروي عنه الشهيد بواسطة واحدة اه وقال في موضع آخر انه
يروي الصحيفة الكاملة عن الشيخ نجيب الدين يحيى بن سعيد الحلي
ويرويها الشهيد عنه بواسطة واحدة أو أكثر اه ومر ان الشهيد في
أربعينه روى عنه بواسطة واحدة.
مشائخه
في مجموعة الجبعي عن خط الشهيد الأول: ظاهرا ان المترجم يروي
بالإجازة عن السيد عبد الكريم بن أحمد بن جعفر بن محمد بن أحمد بن
محمد بن أحمد بن محمد الطاووس بن إسحاق بن الحسن بن محمد بن
سليمان بن داود بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب
ع وتاريخ الإجازة يوم الخميس ٢٠ رجب سنة ٦٩٠ بالحلة ويروي
المترجم أيضا عن الشيخ نجيب الدين يحيى بن سعيد الحلي الهذلي اجازة في
شعبان سنة ٦٩٠ ويروي بالإجازة أيضا عن الشيخ نجم الدين جعفر بن نما
الربعي في جمادى الأولى سنة ٦٨٩ وفي الرياض انه يروي عن السيد عبد
الكريم بن طاوس الحلي كما صرح به ابن جمهور في غوالي اللآلي اه
ومن مشائخه الشيخ شمس الدين أبو جعفر محمد بن أحمد بن صالح
القسيني كما يدل عليه الحديث المتقدم عن أربعين الشهيد. وفي الرياض
أيضا انه يروي عن جماعة عديدة من علماء الخاصة والعامة كما يظهر من
اجازة ولده الشيخ حسين بن علي للشيخ نجم الدين خضر بن محمد بن نعيم
المطارآبادي منهم الشيخ كمال الدين ميثم بن علي البحراني شارح نهج
البلاغة اجازه سنة ٦٨٧ بجميع مؤلفاته ومقروءاته ومسموعاته ومستجازاته في
سائر العلوم. ومنهم الشيخ نجم الدين محفوظ بن وشاح الحلي اجازه سنة
٦٨٢ ومنهم الشيخ نجم الدين جعفر بن محمد بن هبة الله بن نما الربعي
ومنهم الشيخ نجيب الدين يحيى بن سعيد الحلي. ومنهم من علماء العامة
جم غفير على التفصيل المذكور فيها اه.
تلاميذه
في مجموعة الجبعي انه يروي عنه بالإجازة السيد الاجل الشريف
الحسيب النسيب محمد بن أحمد بن أبي المعالي الموسوي وتاريخ الإجازة ١٣
ذي القعدة سنة ٧٤٢ أقول مر في سند الحديث المنقول عن أربعين الشهيد
رواية الشهيد عن السيد شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي
المعالي الموسوي عنه ويروي عنه بإجازة أيضا ولده الشيخ حسين بن علي بن
حماد كما في رياض العلماء وفيه أيضا ان المترجم كان من مشائخ السيد تاج
الدين محمد بن معية قال ويروي عنه أيضا الشيخ نجم الدين جعفر بن
محمد بن جعفر بن هبة الله بن نما الحلي. أقول مر عن مجموعة الجبعي
وعن رياض العلماء ان ابن نما من مشائخه ولعل صواب العبارة هنا ويروي
أيضا عن الشيخ نجم الدين الخ.
شعره
قد سمعت قول صاحب الرياض انه كان شاعرا، قال ورأيت في
بعض المجاميع التي عندنا قصائد غراء لعلي بن حماد يمدح عليا ع
ويذم أعداءه والظاهر أن المراد به هو هذا الشيخ الواسطي اه أقول
(٢٢٦)

الاشعار الموجودة في المجاميع والكتب بعضها نسب لابن حماد وبعضها
لعلي بن حماد إما الذي في مناقب ابن شهرآشوب منسوبا لابن حماد فالظاهر أنه
لعلي بن حماد بن عبيد الله العدوي أو العبدي الأخباري البصري الآتي
لتقدم عصره لأنه كان في حدود ٤٠٠ وليست لابن حماد هذا لتأخر عصره
عن عصر ابن شهرآشوب لان هذا كان حيا سنة ٦٨٢ وبقي إلى سنة ٧٤٢
كما يظهر من تاريخ الإجازات المتقدمة له ومنه والله أعلم كم عاش بعدها،
وابن شهرآشوب توفي سنة ٥٨٨ فالمترجم لم يدرك عصره يقينا وكذلك
الاشعار التي في البحار وغيره المنسوبة إلى ابن حماد، الظاهر أنها ليست له
لأن الظاهر أن المعروف بابن حماد هو الاخباري البصري أو الأزدي
البصري بناء على تغايرهما.
وذكرنا فيمن بدئ بابن ان ابن حماد يطلق على علي بن حماد بن
عبيد بن حماد البصري العبدي أو العدوي وعلى علي بن الحسين بن حماد
الليثي الواسطي وعلى ولده الحسين وعلى محمد بن حماد. وظهر لنا انه يطلق
أيضا على علي بن حماد الأزدي البصري الشاعر وانه غير علي بن حماد
العدوي. وتحصل من ذلك أنه يطلق على عدة أشخاص ١ أبو الحسن
علي بن حماد بن عبيد بن حماد العدوي أو العبدي الاخباري البصري
الشاعر شبح اجازة والد ابن الغضائري صاحب الرجال ومعاصر النجاشي
صاحب الرجال وهو الذي أورد ابن شهرآشوب في المناقب أشعاره بعنوان
ابن حماد ويأتي قريبا.
٢ علي بن حماد الأزدي البصري الشاعر ويأتي قريبا. ٣ علي بن
الحسين بن حماد الليثي الواسطي الراوي عن السيد عبد الكريم بن طاوس
ويحيى بن سعيد الحلي وجعفر بن نما وتلميذ الشيخ ميثم البحراني وهو الذي
تقدم ٤ ولده الحسين بن علي بن الحسين بن حماد الليثي الواسطي
وكلاهما شاعر ومر في بابه ٥ محمد بن حماد ويأتي في بابه.
السيد علي الحسيني
ذكره في رياض العلماء وقال إن له كتاب اقصى الهمة في معرفة الأئمة
وله مناظرة مع رجل بهشمي.
السيد نور الدين علي بن أبي الحسن علي بن الحسين بن أبي الحسن
الموسوي العاملي.
توفي سنة ١٠٦٨ أو سنة ١٠٦١ له حاشية على الكافي أصولا وفروعا.
السيد شرف الدين علي الحسيني الاسترآبادي ثم النجفي.
في رياض العلماء: فاضل عالم ذكي نبيل من أجلة العلماء وهو من
تلامذة المحقق الثاني.
مؤلفاته
في رياض العلماء: له من المؤلفات كتاب الغروية في شرح الجعفرية
لإستاذه المذكور قال ورأيت في بلدة أردبيل نسخة من كتاب الغروية في
شرح الجعفرية يظهر منه انه تاليف السيد الأمير شرف الدين تلميذ الشيخ
علي الكركي وقد ألف هذا الشرح في حياة المصنف قال وله تأويل الآيات
الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة وهو كتاب معروف لكن قد اختلف في
مؤلفه والذي قلناه هو الذي اختاره الأستاذ أيده الله تعالى في أوائل فهرس
البحار فقال فيه وكتاب تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة
للسيد الفاضل العالم الزكي شرف الدين علي الحسيني الاسترآبادي المتوطن
بالغري مؤلف كتاب الغروية في شرح الجعفرية تلميذ الشيخ الأجل نور
الدين علي بن عبد العالي الكركي وأكثره مأخوذ من تفسير الشيخ الجليل
محمد بن العباس بن علي بن مروان بن الماهيار وذكر النجاشي بعد توثيقه
يعني لابن الماهيار المذكور ان له كتاب ما نزل من القرآن في أهل البيت
وكان يعني ابن الماهيار معاصرا الكليني. وكتاب كنز
الفوائد أو جامع الفوائد وهو مختصر من كتاب تأويل الآيات له أو لبعض من تأخر عنه
ورأيت في بعض نسخه على أن مؤلفه الشيخ علم بن سيف بن منصور
اه وقال في الفصل الثاني من مقدمة البحار وكتاب تأويل الآيات وكتاب
كنز جامع الفوائد ورأيت جمعا من المتأخرين رووا عنهما ومؤلفهما في غاية
الفضل والديانة اه هذا ما حكاه في رياض العلماء وقوله إن كتاب
تأويل الآيات قد اختلف في مؤلفه يشير به إلى ما مر في حرف الشين في
ترجمة الشيخ شرف الدين بن علي النجفي من أنه ربما ينسب الكتاب إلى
الكراجكي. وفي الرياض مما يؤيد عدم كون ذلك الكتاب للكراجكي ان
النسخة التي رأيتها في تبريز وكانت عتيقة يروي فيها عن كتب ابن شهرآشوب
والحسن بن أبي الحسن الديلمي صاحب ارشاد القلوب وهما متأخران
عن الكراجكي وهذا يدل على أنه ليس له لا انه يؤيده فقط وإن كان
يروي فيها عن المفيد والمرتضى والشيخ الطوسي أيضا لكن من كتبهم ثم إن
الموجود في الفصل الأول من مقدمة البحار المطبوع عند تعداد الكتب
المأخوذ منها نسبة كتاب تأويل الآيات إلى بعض المتأخرين لا إلى السيد
المذكور حيث قال: وكتاب تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة
لبعض المتأخرين وأكثره مأخوذ، إلى قوله وكان معاصرا للكليني ثم قال
وكتاب كنز الفوائد لمؤلف تأويل الآيات الظاهرة وهو مختصر منه اه فكان
هذه الزيادة كانت في بعض النسخ دون بعض فكانت في نسخة صاحب
الرياض دون النسخة المطبوع عنها وقد عرفت في حرف الشين في ترجمة
شرف الدين بن علي ان الظاهر كون جامع الفوائد أو كنز الفوائد المختصر
من تأويل الآيات هو للشيخ علم المذكور لا لصاحب تأويل الآيات وما
حكاه عن الفصل الثاني من مقدمة البحار يخالفه الموجود في النسخة المطبوعة
فان فيها في الفصل الثاني ما صورته: كتاب تأويل. كتاب كنز الفوائد
رأيت جمعا من المتأخرين رووا عنه لكنه ليس في درجة سائر الكتب اه
فقال رووا عنه ولم يقل عنهما ولم يقل ان مؤلفهما في غاية الفضل والديانة.
ثم أنه قد مر في ترجمة الشيخ شرف الدين بن علي النجفي نسبة صاحب
أمل الآمل إليه كتاب الآيات الباهرة في فضل العترة الطاهرة وقوله إن له
نسختين في إحداهما زيادة عن الأخرى وانه ينقل فيها عن كنز الفوائد
للكراجكي وعن كتاب ما نزل من القرآن في أهل البيت ع
لمحمد بن العباس بن علي بن الماهيار المعروف بابن الحجام وقلنا هناك ان
الظاهر وقوع اشتباه منه بين الشيخ شرف الدين بن علي والمترجم وان
الصواب هو الثاني والأول لا وجود له وان الذي ظنه نسخة ثانية هو مختصره
وهو لغير مؤلف الأصل لا له. ثم إنه قد مر عن صاحب الأمل في حرف
العين انه ذكر الشيخ شرف الدين على الاسترآبادي ووصفه بالعلم والفقه
وقال إنه رأى له شرح الجعفرية لإستاذه المذكور في الخزانة الرضوية
اه.
(٢٢٧)

والظاهر أنه هو المترجم بعينه اشتبه به كما اشتبه بشرف الدين بن علي
النجفي والله أعلم ومر في ترجمة علم بن سيف بن منصور ما له دخل في
المقام.
السيد مير علي الحسيني الجامي.
توفي ببخارى سنة ٩٤٠.
من سادات هراة كان من الخطاطين واحدث أسلوبا وقاعدة جديدة في
خط النسخ تعليق. وبعد ان تلمذ على زين الدين محمود جاء إلى المشهد
الرضوي وتعلم الخط على يد مولانا سلطانعلي ونشأ هناك ووصل إلى
الدرجة العالية في جميع أنواع الخطوط من الجلي والخفي وكتابة القطع
والكتائب وكتابة العمارت. والخط الذي كتبه على طاق بلند الايوان
العالي لا يصل إليه قلم وفي بعض أماكن يكتب خادم آل علي مير علي
الحسيني وله شعر بالفارسي يذكر فيه شروط حسن الخط وهي ١ دقة
الطبع ٢ والوقوف على الخطوط ٣ وقوة اليد ٤ والصبر ٥ وحضور
أدوات الكتابة على الكمال ويقول إذا نقص واحد منها لم تحصل الفائدة ولو
بقي مائة سنة ولما اخذ عبيد خان هراة كان المترجم هناك فأرسله مع سائر
أعيانها إلى بخارى سنة ٩٣٥ فاشتغل المترجم بالكتابة في مكتبة عبد العزيز خان بن عبيد
خان وبقي هناك إلى أن توفي. (١)
السيد علي الحسيني المرعشي.
كان من العلماء وكبار الأطباء زمن ناصر الدين شاة القاجاري وكانت بينه و
بين الشيخ محمد عبده مفتي مصر مراسلات أدبية ولما عوفي السيد علي
من مرض ارسل إليه الشيخ محمد عبده قصيدة مطلعها:
صحت بصحتك الدنيا من العلل يا ابن الوصي أمير المؤمنين علي
السيد شرف الدين علي الحسيني التبريزي الملقب حكيم باشي.
كان عالما بالفقه قرأ على صاحب الضوابط وصاحب الجواهر
وغيرهما، وممن نزل السرداب المقدس المدفون فيه سيد الشهداء
ع لما انكسر الضريح الشريف ولما عاد إلى بلاد العجم اشتغل بالطب
عند الميرزا حسن الشيرواني وغيره حتى مهر فيه.
علي المعروف بالحكيم الصوفي.
له تفسير نهج البلاغة بالفارسية فرع منها سنة ١٠١٦ رأينا منه نسخة
بهمذان.
الشيخ علي الحلبي
لا نعلم من أحواله شيئا سوى ان له مشاركة في مساجلة شعرية
جرت في بعلبك بين عشرة اشخاص من علماء وأدباء ذلك العصر من
العامليين وغيرهم وجدت في مجموعة كتبت في ذلك العصر سنة ١١٠١
وذكرت في ترجمة الشيخ حسن بن علي الحانيني.
قال المترجم فيها:
ودعته وضرام الشوق في كبدي * وقد بدا منه للتفريق احزان
السيد ركن الدين المفرج علي بن حماد.
وجد على آخر نسخة الجزء الأول من تهذيب الشيخ الطوسي ما هذه
صورته: كتب لخزانة المولى الأمير الاجل السيد الكبير ركن الدين المفرج
علي بن حماد أدام الله سعادته وسلامته ووفقه للعمل بما فيه بمحمد وآله
أجمعين وافق الفراع من نسخه في آخر جمادى الآخرة من سنة ٥٧٤ وكتب
أبو الفوارس ابن نصر الله ابن الموصلي اه والمفرج الظاهر أن لقبه واسمه
علي بن حماد.
علي بن حماد الأزدي البصري الشاعر.
شاعر مجيد مكثر من شعراء أهل البيت ع والمخلصين
في ولائهم والمجاهدين بمدحهم وتفضيلهم وتقديمهم ذكره القاضي نور الله في
مجالس المؤمنين في أثناء ترجمة علي بن حماد بن حماد العدوي البصري الشاعر
الآتي ورجح ان يكون علي بن حماد اثنين أحدهما العبدي وثانيهما الأزدي
هذا واستشهد لذلك بما وجده في بعض المجاميع في عنوان بعض قصائده
انها لعلي بن حماد الأزدي البصري فدل على أنه غير علي بن حماد العدوي أو
العبدي قال وعلى كل حال انهما من المخلصين والمادحين لأهل البيت
ع أقول الظاهر أنهما اثنان كما استظهره وكلاهما بصري
وقد صرح هذا في تائيته الآتية بأنه بصري وقال في المجالس:
انه وجد هذه القصيدة في بعض المجاميع منسوبة لعلي بن حماد
الأزدي البصري وهي في مدح أمير المؤمنين وأهل البيت
ع:
الدهر فيه طرائف وعجائب * تترى وفيه فوائد ومصائب
تأتي الحوادث ثم تمضي فاصطبر * حتى تزول وكل آت ذاهب
فسد القياس على العقول فأبطلت * عاداتها نوب أتت ونوائب
زمن تسود رذاله ساداته * فيه وتفترس الأسود ثعالب
ويقال يا ذا الحق حقك باطل * ويقال يا ذا الصدق قولك كاذب
هذا ببصرتنا وأما غيرها * فالامر فيما بينهم متقارب
للناس في كل الأمور مارب * ولهم على كل الوجوه مذاهب
فأهرب من البلد المشوم فمن بنى * فيه مكانا فهو منه ذاهب
في أي ارض شئتها لك منزل * وبأي قوم ظلت فيهم صاحب
بلد نهينا ان نقيم به ومن * يعص الامام تعمدا سيعاقب
فكانما اهلوه حياة على * آل النبي ضرية وعقارب
وجميع من تلقاه حين تودهم * وتحبهم يلقاك وهو مغاضب
بأبي وأمي بلدة لا يجتري * فيها على أهل التشيع ناصب
حرم لربك امن من حله * ظفرت يداه بكل ما هو طالب
وإذا بدت لك قبة النجف التي * فيها لكل المؤمنين رغائب
فاضرع لربك وادع دعوة شاكر * عما لك الرحمن منه واهب
واعلم بان ولاء آل محمد * رزق لنا من ربنا ومواهب
سبقت لنا من ربنا الحسنى بهم * أ فلا نواصل شكرنا ونواظب
وعلى الصراط المستقيم أقامنا * والخلق عنه ما سوانا ناكب
فلذاك ان ذكروا تلين قلوبنا * وهواهم فيها مقيم لازب
طابت موالدنا بحب أئمة * هم طاهرون من العيوب أطائب

(١) مطلع الشمس.
(٢٢٨)

وإذا أتيت إلى الغري معاودا * في كل عام زائر تتواثب
طف حول مشهده وعفر فوقه * خديك والثمه ودمعك ساكب
وقل السلام عليك يا من حبه * فرض على كل البرية واجب
والله ما لك في الفضائل مشبه * كلا ولا في المكرمات مقارب
ما هبت مخلوقا ولست بهائب * لكن لباسك كل شئ هائب
ما زلت تغلب في الحروب مظفرا * فيها وما لك قط فيها غالب
شيدت دين محمد فأساسه * منك الأساس اسنة وقواضب
يا سيف رب العرش سيفك قاطع * في كل معركة وسهمك صائب
للبيض في كلتا يديك مشارق * ومن الغوارب في الحروب مغارب
زوجت فاطمة لأنها كفؤها * والنور للنور المضئ مناسب
والله كان وليها في عرشه * والروح جبريل الأمين الخاطب
فالبدر والشمس المنيرة أنتما * وبنوكما للعالمين كواكب
ان الذي يرجو مكانك في العلى * هو في البرية لا محالة خائب
بهرت دلائلك العقول فما لها * محص وهل للرمل يوما حاسب
أعطيت يا مولى الأنام فضائلا * ومناقبا ما مثلهن مناقب
تركت مناقبك المناقب كلها * ان عورضت خجلا وهن مثالب
يا أهل بيت محمد أنتم لنا * قبل إلى رب السما ومحارب
فليحمد الله ابن حماد على * نعمائه وهو الكريم الواهب
اني لمن والى الوصي مواليا * ولمن تولى غيره لمحارب
وقال في المجالس وهذه القصيدة أيضا مذكورة على الألسنة والأفواه
لعلي بن حماد أقول ونفسها يناسب التي قبلها:
بقاع في البقيع مقدسات * وأكناف بطيبة طيبات
وفي كوفان آيات عظام * تضمنها الغري موثقات
وفي غربي بغداد وطوس * وسامرا نجوم زاهرات
مشاهد تشهد البركات فيها * وفيها الباقيات الصالحات
ظواهرها قبور دراسات * بواطنها بدور لامعات
جبال العلم فيها راسيات * بحار الجود فيها زاخرات
معارج تعرج الأملاك فيها * وهن بكل أمر هابطات
وليست في القبور لهم ولكن * مواقع في النجوم معظمات
بها الرحمن أقسم لو علمتم * ففي القرآن هن مسميات
بيوت يذكر اسم الله فيها * رجال بالسجود لهم سمات
وهم حجج علينا بالغات * وهم نعم علينا سابغات
وحبل الله ينجو ماسكوه * وحبل الله ليس له انبتات
وهم معنى الصراط ففاز عبد * على ذاك الصراط له ثبات
محاريب الورى اللاتي إليها * وجوه ذوي العلى متوجهات
خلائف ربنا في الأرض تجلى * بها عنا الدياجي المظلمات
رسول الله والهادي علي * وفاطمة وسبطاه الهداة
لهم نادى منادي الحق منا * الا أين الأرامل والعفاة
أناملهم إذا وكفت يداها * عليهم بالغوادي مزريات
يرون عداتهم بالجواد دينا * وليس لهم إذا سئلوا عداة
فان المرتضى الهادي عليا * لتقصر عن مناقبه الصفات
وزير محمد حيا وميتا * شواهده بذلك واضحات
اخوه كاشف الكربات عنه * وقد أمت إليه الداهيات
فان أيام أهل الحرب عدت * وأيام الوصي مشهرات
فاحد لم يحد فيها علي * ولا غمزت له فيها قناة
وخيبر حين فر القوم عنه * فرار العير ضاق بها الفلاة
فمر إليهم الهادي علي * فغادرهم وشملهم شتات
وفي الأحزاب حين دعوا لعمرو * وقد خمدوا كأنهم الموات
ولم يبرز له الا علي * وهل يحمي الحمى الا الحماة
وعنه عسكر الحمراء فاسال * لتخبرك الدماء السائلات
وفي صفين إذ حشدوا عليه * وهاتيك الصفوف مخرمات
فلو راموا النزال فليس شئ * يرى الا المنايا نازلات
ويشكو الهام والاحداق منه * وتكرهه السيوف اللامعات
ترى أسيافه يضحكن ضحكا * بها هام الفوارس باكيات
صوارمه يزوجها نفوسا * وللابدان هن مطلقات
إذا أعوجت ذوابله بطعن * ففي الأبدان هن مثقفات
له كفان واحدة حياة * إذا جادت وواحدة ممات
هو البحر الذي خبرت عنه * ولكن ماؤه عذب فرات
وبات على الفراش يقي أخاه * وقد همت بكبسته الطغاة
حوى علم الشريعة فهو يقضي * بعلم ليس بعلمه القضاة
وعلمه بذاك العلم علم * يفوت العالمين ولا يفات
تعنفني على حبي عليا * فقلت لهم الا لعن الغلاة
فلا والله ما قصرت نوحي * إذا ما ضن بالنوح الحداة
بدينكم اقتديت وفي ذراكم * دفنت وفي محبتكم نجاة
وتلك هبات رب العرش عندي * وارجو ان تتم لي الهبات
وقد نظم ابن حماد قريضا * فما شئ تغيره النحاة
ولي فيكم قصائد من زماني * إلى أبد الزمان مسيرات
وقد أبدى الرواة عيوب شعري * وكم شعر تدنسه الرواة
أبو الحسن علي بن حماد بن عبيد أو ابن عبيد الله بن حماد العدوي أو
العبدي الاخباري البصري شاعر آل محمد ع.
توفي حدود ٤٠٠ بالبصرة كما في الطليعة.
نسبته
العدوي نسبة إلى بني عدي والعبدي نسبة إلى عبد القيس من
ربيعة بن نزار كما مر في سفيان بن مصعب العبدي، وجماعة قالوا في نسبته
العدوي كالنجاشي والعلامة في الخلاصة وايضاح الاشتباه وبعضهم قال
العبدي كصاحب غاية الاختصار ولكن النجاشي معاصر له واعرف بنسبته
وبسبب وصف البعض له بالعبدي وقع الاشتباه من ابن شهرآشوب
وصاحب أمل الآمل كما ستعرف والاخباري من يتعاطى رواية الاخبار
فينسب إليها.
أقوال العلماء فيه
كان شاعرا مشهورا ومن مشائخ الإجازة معاصرا للنجاشي صاحب
الرجال. قال النجاشي في ترجمة عبد العزيز بن يحيى الجلودي بعد عد كتبه
قال لنا أبو عبد الله الحسين بن عبيد الله هو ابن الغضائري والد صاحب
الرجال: أجازنا كتبه جميعها أبو الحسن علي بن حماد بن عبيد الله بن حماد
(٢٢٩)

العدوي وقد رأيت أبا الحسن بن حماد الشاعر رحمه الله اه والظاهر أن
رؤية النجاشي له كانت في وقت لم يكن النجاشي قابلا للرواية عنه لصغر
النجاشي ولهذا روى عن شيخه ابن الغضائري عن ابن حماد ويؤيده ما
سيأتي من أن ابن حماد كان معاصرا للصدوق وكانت ولادة النجاشي قبل
وفاة الصدوق بعشر سنين. وقال العلامة البهبهاني في التعليقة: علي بن
حماد بن عبيد الله بن حماد العدوي أبو الحسن بن حماد الشاعر رحمه الله مر
في عبد العزيز بن يحيى عن الشيخ الترحم عليه وانه رآه، وهو شيخ اجازة
الحسين بن عبيد الله الغضائري اه واسناد الترحم والرؤية إلى الشيخ
من سبق القلم وان وجد ذلك بخط الشيخ لان الذي ترجم عليه وذكر
انه رآه هو النجاشي كما مر وفي ايضاح الاشتباه: علي بن حماد بن عبيد الله
بالياء بن حماد العدوي بالعين المهملة والدال المهملة المفتوحة رأيت بخط
السعيد صفي الدين محمد بن معد الموسوي هذا هو ابن حماد صاحب هذه
الاشعار إلي تبرح بها الناحية في المشاهد الشريفة وغيرها رحمه الله اه
وهكذا في نسخة مخطوطة عندي معارضة بنسخة ولد ولد المصنف تبرح بها
الناحية ومعناه غير واضح وفي بعض النسخ تنوح بها النائحة. ولعله
اصلاح، وفي رياض العلماء تفوح بها الفائحة ومعناه أيضا غير ظاهر ولعله
تصحيف.
وفي رجال أبي علي رأيت بخط بعض الأذكياء هكذا: علي بن حماد
الشاعر المعروف بابن حماد البصري كان من أكابر علماء الشيعة وشعرائهم
ومن المعاصرين للصدوق ونظرائه وأشعاره في شأن أهل البيت
ع وقصائده في مدائح الأئمة ع ومراثيهم ولا سيما في
مراثي الحسين ع مشهورة وفي كتب الأصحاب وخاصة في
كتاب مناقب ابن شهرآشوب وفي كتاب المنتخب في المراثي والخطب للشيخ
فخر الدين الرماحي المعاصر مذكورة اه وفي رياض العلماء الشيخ أبو
الحسن علي بن حماد بن عبيد الله العبدي العدوي الاخباري البصري
الشاعر المعروف بابن حماد الشاعر كان من قدماء الشعراء والعلماء وهو
مذكور في كتب الرجال اه.
وقال أيضا: يظهر من كتاب المجدي في النسب للسيد أبي الحسن
علي بن محمد الصوفي الفاضل المعاصر للسيد المرتضى انه يروي عن ابن
حماد الشاعر هذا يعني المترجم بواسطة واحدة بعض أشعاره في الإمامة
فعلى هذا فابن حماد هذا في درجة الصدوق اه.
وفي مجالس المؤمنين ما ترجمته: أبو الحسن علي بن عبيد الله بن حماد
العدوي أو العبدي (١) البصري رحمه الله تعالى كان شاعرا أديبا فاضلا
ذكره النجاشي في كتاب الرجال في ترجمة أبي احمد عبد العزيز بن يحيى بن أحمد
بن عيسى الجلودي الأزدي البصري الذي هو من أكابر محدثي
الامامية وقال إن بعض أساتيذنا يروي كتب الجلودي عن علي بن حماد
الشاعر واستشهد الشيخ أبو الفتوح الرازي في تفسيره بعدة مقاطيع من
شعره ثم احتمل صاحب المجالس ان يكون علي بن حماد اثنين أحدهما
الراوي عن الجلودي والثاني الأزدي البصري كما وجده في بعض المجاميع في
عنوان بعض قصائده وقال إنه في حال التأليف لم يكن له مجال إلى تحقيق
الحال في ذلك، قال وعلى كل حال فكلاهما من مداحي أهل البيت
والمخلصين في محبتهم اه أقول وصفه بالأزدي يقوي احتمال كونهما
اثنين أحدهما عبدي أو عدوي والآخر أزدي وكلاهما بصري وذكره ابن شهرآشوب
في معالم العلماء في شعراء أهل البيت المجاهرين فقال: أبو الحسن
علي بن حماد بن عبيد العبدي الاخباري البصري ورد عن بعض الصادقين
ع أنه قال تعلموا شعر العبدي فإنه على دين الله ويقال انه لم
يذكر بيتا الا في أهل البيت ع اه وحكاه عنه بلفظه
صاحب أمل الآمل مقتصرا عليه وهو اشتباه يقينا فان هذا الحديث رواه
الكشي عن الصادق ع في سفيان بن مصعب كما مر في ترجمته
ولا مجال لاحتمال ان يكون ابن شهرآشوب أراد ببعض الصادقين بعض
العلماء الثقات كما في رياض العلماء مؤيدا له بأنه لم يعقبه بقوله
ع مع اعترافه بان ظاهر سياق الكلام يقتضي إرادة أحد الأئمة
ع فان لفظة التسليم موجودة في النسخ والإشارة به إلى
حديث الكشي لا ينبغي الشك فيه ولا يمكن ان يكون الصادق
ع أراد بالعبدي في هذا الحديث علي بن حماد ولو سلمنا انه عبدي
أيضا لأنه إذا كان ابن حماد هذا قد رآه النجاشي المتوفي سنة ٥٤٠ وأجاز
والد ابن الغضائري المعاصر للنجاشي وكان معاصرا للصدوق كما سمعت
ذلك فكيف يمكن ان يكون معاصرا للصادق ع سنة ١٤٨ أو
متقدما عليه حتى يقول تعلموا شعر العبدي وانما ذلك سيف أو سفيان بن
مصعب العبدي الشاعر الذي كان من أصحاب الصادق ع كما
في ترجمته وذكره في علي بن حماد سهو نشأ من اشتراك كل منهما مع الآخر في
كونه عبديا والغفلة عن الطبقة مع أن كون علي بن حماد عبديا ليس بثابت
وفي أكثر العبارات انه عدوي كما عرفت على أن ابن شهرآشوب نفسه ذكر
سفيان بن مصعب العبدي في أصحاب الصادق ع ونسب في
المناقب أشعارا لابن حماد واخرى للعبدي مما يدل على أنهما عنده اثنان.
مشائخه
يروي عن عبد العزيز بن يحيى الجلودي.
تلاميذه
يروي عنه الحسين بن عبيد الله الغضائري والد صاحب الرجال
ويروي عنه النجاشي بواسطة الحسين بن عبيد الله الغضائري حيث قال
النجاشي أجازنا جميع رواياته عن شيوخه، ومن شيوخه علي بن حماد
ويروي عنه أيضا صاحب المجدي المعاصر للنجاشي بواسطة واحدة
كالنجاشي.
أشعاره
له أشعار كثيرة في أهل البيت ع وقد سمعت ما قيل إنه
لم يذكر بيتا الا فيهم ع لكن ظهر مما مر ان ذلك القول
في سفيان بن مصعب لا فيه فمن شعره قوله كما في مجالس المؤمنين:
ضل الأمين وصدها عن حيدر تالله ما كان الأمين أمينا
يريد الأمين من قيل فيه انه امين هذه الأمة يوم السقيفة لا يوم
الشورى كما توهم أبو علي في رجاله والضمير في صدها للخلافة، وأدى
سوء الاعتقاد بالشيعة من خصومهم ومن يحب الاسراع إلى الوقيعة فيهم إلى
نسبة هذا الشعر إلى بعض غلاة الشيعة الزاعمين انه تعالى ارسل جبرائيل
بالنبوة إلى علي فضل وأداها إلى النبي ص كما يحكي نسبة ذلك إلى بعض

(١) الذي في الأصل البغدادي البصري والظاهر أن صوابه العدوي أو العبدي إذ لم يذكر أحد ان
المترجم بغدادي - المؤلف -.
(٢٣٠)

غلاتهم عن الشهيد الشريف وهذا اشتباه سببه سوء الظن وحب الوقيعة
وليس له عند الشيعة عين ولا اثر لا عند غلاتهم ولا معتدليهم.
ومن شعره قوله:
ما ضر عهد الصبا لو أنه عادا * يوما فزودني من طيبه زادا
سقيا ورعيا لأيام لنا سلفت * كأنما كن أعراسا وأعيادا
أيام تنعم لي نعم وتجمل بي * جمل واسعد من سعداي اسعادا
ظباء انس لقيد الأسد هل نظرت * عيناك ظبيا لصيد الأسد صيادا
ان لم تكن ظباء في براقعها * فقد حكتهن الحاظا وأجيادا
من كل سحارة العينين لو لقيت * سحرا لهاروت أو ماروت لانقادا
تميد بالأرض عشقا كلما حظرت * تهتز غصنا من الريحان ميادا
بانت بروحي غداة البين عن جسدي * والبين يتلف أرواحا وأجسادا
والدهر ليس بموف عهد صاحبه * هيهات بل يجعل الميعاد ايعادا
افنى القرون ويفنيهم معا فإذا * أباد كل الورى من بعدهم بادا
افنى التبابع والأقيال من يمن * طرا واتبعهم عادا وشدادا
وليس يبقى سوى الحي الذي جعل * الموت الوحي لكل الخلق مرصادا
سبحانه واصطفى من خلقه حججا * مطهرين من الأدناس امحادا
مثل النجوم التي زان السماء بها * كذاك ميزهم للأرض أوتادا
أعطاهم الله ما لم يعطه أحدا * فأصبحوا في ظلال العز أوحادا
محمد وعلي خير مبتعث * وخير هاد لمن قد رام ارشادا
والصادقون أولو الامر الذين لهم * حكم الخليفة إصدارا وايرادا
آل الرسول وأولاد البتول هم * خير البرية آباء وأولادا
أعلى الخليقة همات وأطهر أمات * وأكرم آباء وأجدادا
سرج الظلام إذا ما الليل جنهم * قاموا قياما لوجه الله عبادا
لما تعرضت الدنيا لهم انفوا * منها فألفتهم للعيش زهادا
جادوا وسادوا ففي الأمثال ذكرهم * إما يقال إذا جاد امرء سادا
ان كفكفت بالندى يوما أكفهم * فلا تبالي اكف الغيث أم جادا
ان كورموا فبحور الجود تحسبهم * أو حوكموا خلتهم في الحكم أطوادا
كل الأنام له ند يقاس به * ولن ترى لهم في الناس أندادا
الله والى الذي والاهم فإذا * عاداهم أحد فالله قد عادى
في السلم تحسبهم أقمار داجية * حسنا وتحسبهم في الحرب آسادا
إما علي فنور الله جل فهل * يسطيع خلق لنور الله اخمادا
آخى النبي وواساه بمهجته * وما ونى عنه اسعافا واسعادا
هو الجواد أبو الأجواد وابنهم * وهكذا تلد الأجواد اجوادا
ما قال لاقط للعافي نداه ولا * لكل من جاءه للعلم مرتادا
يجدي ويسدي ويغني كف سائله * يد فان عاد في استيجاده زادا
يعد ميعاده بخلا فلست ترى * دون العطاء له بالجود ميعادا
يلتذ بالجود حتى أن سائله * لو سامه نفسه جودا بها جادا
من كان بادر في بدر سواه وما * ان حاد في يوم أحد كالذي حادا
من قد ابن ود في النزال ومن * اضحى لعمرو بن عبد القيل مقتادا
ان جرد السيف في الهيجاء عوضه * من الغمود رؤوس الصيد أغمادا
سيف أقام عمود الدين قائمه * ضربا وقوم ما قد كان ميادا
ترى المنايا له يوم الوغى خدما * بعون ربك والأملاك اجنادا
واليته مخلصا لا ابتغي بدلا * منه ولست أبالي كيد من كادا
يا سيدي يا أمير المؤمنين ومن * بحبه طبت أعراقا وميلادا
يا خير من قام يوما فوق منبره * وخير من مسكت كفاه أعوادا
من كان أكثر أهل الأرض منقبة * يكون أكثر أهل الأرض حسادا
كسرت أصنامهم بالأمس فاعتقدت * منها لك الدهر اضغانا واحقادا
فصار حبك ايمانا وتبصرة * وصار بغضك كفرانا والحادا
وطاف لي بفناء الطف طيف أسىء * خلى فؤادي لطول الحزن معتادا
ذكرت فيه الحسين السبط حين ثوى * فردا وحيدا حوى للنوح أفرادا
في عصبة بذلت لله أنفسها * فأحمدت بذلها لله احمادا
يذاد عن ريه حتى قضى عطشا * فلا سقى الله ريا من له ذادا
لهفي على غرباء بالطفوف ثووا * لا يعرفون سوى العقبان ورادا
كأنني ببنات المصطفى ذللا * في السبي يندبنه نوحا وتعدادا
انا ابن حماد العبدي أحسن لي * ربي فلا زلت للإحسان حمادا
أمدني منه بالنعمى فاشكره * شكرا لنعمائه عندي وامدادا
وتلك عادته عندي مجددة * وكان سبحانه بالفضل عوادا
فهاكها كعقود الدر قد قرنت * إلى يواقيتها توما وإفرادا
لو جسم الشعر جسما كان يعبدها * حتى يراه لها الراءون سجادا
وازنت ما قال إسماعيل مبتدئا * طاف الخيال علينا منك عبادا
والشعر كالفلس والدينار تصرفه * حتى يميزه من كان نقادا
وقال أيضا:
النوم بعدكم علي حرام * من فارق الأحباب كيف ينام
والله ما اخترت الفراق وانما * حكمت علي بذلك الأيام
لو أنها استأمت علي بقربكم * أعطيتها فوق الذي تستام
وحياتكم قسما أبر بحلفه * ولربما تتأثم الأقسام
أشتاقكم حتى إذا نهض الهوى * بي نحوكم قعدت بي الآلام
لم انسكم فأقول اني ذاكر * نسيان ذكركم علي حرام
والله لو اني شرحت ودادكم * فني المداد وكلت الأقلام
اني أميل لوصلكم وحديثكم * ويزيدني في الذكر منه هيام
وإذا بدا ألفان الفتني بكم * حسر كما يتحسر الأيتام
وتالف الأرواح حظ لم يكن * ليتم أو تتالف الأجسام
لله أيام إذا مثلتها * فكانها من طيبها أحلام
والدهر ليس بسالم من ريبه * أحد وليس لنفسه استسلام
اخنى على آل النبي بصرفه * فتحكمت فيهم له احكام
فعراضهم بعد الدراسة والهدى * درس تجاوب في ثراها الهام
وهم عماد الدين والدنيا وهم * للحق ركن ثابت وقوام
منهم أمير النحل والولي الذي * هو للشريعة معقل ونظام
وهو الامام لكل من وطأ الحصا * بعد النبي وما عليه امام
يغني العفاة عن السؤال تكرما * فينيلهم اضعاف ما قد راموا
أمواله للسائلين غنيمة * وله باخذهم لها استغنام
وإذا تحزم للبراز تقطعت * أيدي الحروب فما يشد حزام
وإذا انتضى أسيافه في مازق * فغمودهن من الكماة الهام
وإذا رنا نحو الشجاع بطرفه * فلحاظه في لبتيه سهام
وإذا الحروب توقدت نيرانها * ولها بأفاق السماء ظلام
فالبيض شمس والأسنة أنجم * والنقع ليل فوقهن ركام
حتى إذا ما قيل حيدرة اتى * خفتوا فلم يسمع هناك كلام
(٢٣١)

لا يملكون تزيلا عنه كان القوم * لم تخلق لها اقدام
وكان هيبته قيود عداته * لا خلف ينجيهم ولا قدام
رجل يحب الله وهو يحبه * فعليه منه تحية وسلام
كانت هدايا الله تأتيه بها * منه ملائكة عليه كرام
تفنى الصفات وليس يدرك فضله * وتضل دون بلوغه الأوهام
واليته وبرئت من أعدائه * أ فهل علي بما فعلت ملام
واليكها تجلى القلوب بحسنها * وتبلج الأذهان والافهام
فيها ابن حماد يعارض أختها * كم قد طوتك الكوم والأكام
وقال:
دعا قلبه داعي الوعيد فاسمعا * وريع لبادي شيبه فتورعا
أيقن بالترحال فاعتد زاده * وحاذر من عقبي الذنوب فاقلعا
إلى كم وحتى م اشتغالك بالمنى * وقد مر منك الأطيبان فودعا
أ يقنع بالتفريط في الزاد عاقل * رأى الرأس منه بالمشيب تقنعا
إذا نزع الإنسان ثوب شبابه * فلست ترى الا إلى الموت مسرعا
وشيبك توقيع المنون مقدما * بان الموت في غد متوقعا
أ تطمع ان تبقى وغيرك سابقا * فليس ترى للنفس في العيش مطمعا
ووجدنا للعبدي هذه القصيدة الغراء على طولها وجمعها لبدائع المعاني
وطلاوتها وانسجامها في مجموعة قديمة نفيسه فيها شرح قصيدة ميمية أبي
فراس لابن أبي جرادة الحلبي ونبذة مختارة من كتاب تلخيص اخبار شعراء
الشيعة للمرزباني فيها تراجم مفصلة لسبعة وعشرين شاعرا منهم والعلويات
السبع لابن أبي الحديد وقصيدة للواسطي عينية في مدح أمير المؤمنين ورثاء
الحسين ع وقصيدة هائية وجدت بخط الشهيد محمد بن
مكي في حق الزهراء ع أولها:
ما لعيني قد غاب عنها كراها وعراها من عبرة ما عراها
وقصيدة لامية للحسن بن راشد الحلي وسينية له وكافية للجبري
شاعر آل محمد كلها في أهل البيت ع وغير ذلك إما قصيدة
العبدي فذكرت بهذه الصورة: للعبدي شاعر آل محمد ع.
ويمكن ان يكون المراد به علي بن حماد بن عبيد الله البصري المترجم
ان صح انه يوصف بالعبدي كما مر عن غاية الاختصار وليس المراد به
سفيان بن مصعب العبدي المعروف بالعبدي قطعا.
لذكره الأئمة الاثني عشر فيها وسفيان بن مصعب كان معاصرا
للصادق ع كما مر ولولا ذلك لكان الراجح أن تكون لسفيان
ابن مصعب لأنه المعروف بالعبدي وعلي بن حماد وصفه بالعبدي مشكوك فيه
كما عرفت والقصيدة هي هذه:
هل في سؤالك رسم المنزل الخرب * برء لقلبك من داء الهوى الوصب
أم حره يوم وشك البين يبرده * ما استحدرته النوى من دمعك السرب
هيهات ان ينفذ الوجد المثير له * ناي الخليط الذي ولى فلم يؤب
يا رائد الحي حسب الحي ما ضمنت * له المدامع من ماء ومن عشب
ما خلت من قبل ان حالت نوى قذف * ان العيون لهم أهمى من السحب
بانوا فكم اطلقوا دمعا وكم أسروا * لبا وكم قطعوا للوصل من سبب
من غادر لم أكن يوما أسر له * غدرا وما الغدر من شأن الفتى العربي
وحافظ العهد يبدي صفحتي فرح * للكاشحين ويخفي وجد مكتئب
بانوا قبايا وأحبابا تصونهم * عن النواظر أطراف القنا السلب
وخلفوا عاشقا ملقى رمى خلسا * بطرفه خدر من يهوى فلم يصب
القى النحول عليه برده فغدا * كأنه ما نسوا في الدار من طنب
لهفي لما استودعت تلك القباب وما * حجبن من قضب عنا ومن كثب
من كل هيفاء اعطاف هضيم حشا * لعساء مرتشف غراء منتقب
كأنما ثغرها وهنا وريقتها * ما ضمت الكاس من راح ومن حبب
وفي الخدور بدور لو برزن لنا * بردن كل حشا بالوجد ملتهب
وفي حشاي غليل بات يضرمه * شوق إلى برد ذاك الظلم والشنب
يا راقد اللوعة أهبب من كراك فقد * بان الخليط ويا مضنى الغرام ثب
إما وعصر هوى ذب العزاء له * ريب المنون وغالته يد النوب
لأشرقن بدمعي ان نأت بهم * دار ولم اقض ما في النفس من أرب
ليس العجيب بان لم يبق لي جلد * لكن بقائي وقد بانوا من العجب
شبت ابن عشرين عاما والفراق له * سهم متى ما يصب شمل الفتى يشب
ما هز عطفي من شوق إلى وطني * ولا اعتراني من وجد ومن طرب
مثل اشتياقي من بعد ومنتزح * إلى الغري وما فيه من الحسب
أزكى ثرى ضم أزكى العالمين فذا * خير الرجال وهدي أشرف الترب
إن كان عن ناظري بالغيب محتجبا * فإنه عن ضميري غير محتجب
مرت عليه صروع المزن رائحة * من الجنوب فروته من الحلب
من كل مقربة اقراب مرزمة * ارزام صادية الأزواد والقرب
يذيبها حر نيران البروق وما * لهن تحت سجاليها من اللهب
حتى ترى الجلعد الكوماء رائحة * ممغوطة النسع ضمرا رخوة اللبب
بل جاد ما ضم ذاك الترب من شرف * مزن المدامع من جار ومنسكب
تهفو اشتياقا إليه كل جارحة * مني ولا مثل ما تجتاح في رجب
لو تكون لي الأيام مسعدة * لطاب لي عنده بعدي ومقتربي
يا راكبا جسرة تطوي مناسمها * ملاءة البيد بالتقريب والخبب
هو جاء لا يطعم الأنضاء غاربها * مسرى ولا تشتكي من مؤلم التعب
تقيد المغزل الادماء في صعد * وتطلح الكاسر الفتخاء في صبب
تثني الرياح إذا مرت بغايتها * حسر الطلائح بالغيطان والخرب
بلغ سلامي قبرا بالغري حوى * اوفى البرية من عجم ومن عرب
واجعل شعارك الله الخشوع به * وناد خير وصي صنو خير نبي
اسمع أبا حسن ان الالى عدلوا * عن حكمك انقلبوا عن خير منقلب
ما بالهم نكبوا نهج النجاة وقد * وضحته واقتفوا نهجا من العطب
ودافعوك عن الأمر الذي اعتقلت * زمامه من قريش كف مغتصب
ظلت تجاذبها حتى لقد خرمت * خشاشها تربت من كف مجتذب
إلى أن يقول:
عادت كما بدئت شوهاء جاهلة * تجر فيها ذئاب اكلة الغلب
وكان عنها لهم في خم مزدجر * لما رقى احمد الهادي على قتب
وقال والناس من دان إليه ومن * ثاو لديه ومن مصغ ومرتقب
قم يا علي فاني قد امرت بان * بلغ الناس والتبليغ أجدر بي
اني نصبت عليا هاديا علما * بعدي وان عليا خير منتصب
فبايعوك وكل باسط يده * إليك من فوق قلب عنك منقلب
عافوك لا مانع طولا ولا حصر * قولا ولا لهج بالغش والريب
وكنت قطب رحى الاسلام دونهم * ولا تدور رحى الا على قطب
ولا تساوت بكم في العلم مرتبة * ولا تماثلتم في البيت والنسب
(٢٣٢)

ان تلحظ القرن والعسال في يده * يظل مضطربا في كف مضطرب
وان هززت قناة ظلت توردها * وريد ممتنع في الروع مجتنب
ولا تسل حساما يوم ملحمة * الا وتحجبه في رأس محتجب
كيوم خيبر إذ لم يمتنع رجل * من اليهود بغير الفر والهرب
فاغضب المصطفى إذ جر رايته * على الثرى ناكصا يهوى على العقب
فقال اني سأعطيها غدا لفتى * يحبه الله والمبعوث منتجب
حتى غدوت بها جذلان مخترقا * مظنة الموت لا كالخائف النحب
والأرض من لاحقيات مطهمة * والمستظل مثار القسطل الهدب
جم الصلادم والبيض الصوارم * والزرق اللهاذم والماذي والبلب
وعارض الجيش من نقع بوارقه * لمع الأسنة والهندية القضب
أقدمت تضرب صبرا تحته فغدا * يصوب مزنا ولو أحجمت لم يصب
غادرت فرسانه من هارب فرق * أو مقعص بدم الأوداج مختضب
لك المناقب يعيا الحاسبون لها * عدا ويعجز عنها كل مكتتب
كرجعة الشمس إذ رمت الصلاة وقد * راحت توارى عن الابصار بالحجب
ردت عليك كان الشهب ما اتضحت * لناظر وكان الشمس لم تغب
وفي براءة أبناء عجائبها * لم تطو عن نازح يوما ومقترب
وليلة الغار لما بت ممتلئا * أمنا وغيرك ملآن من الرعب
ما أنت الا أخو الهادي وناصره * ومظهر الحق والمنعوت في الكتب
وزوج بضعته الزهراء يكنفها * دون الورى وأبو أبنائها النجب
من كل مجتهد في الله معتضد * بالله معتقد لله محتسب
وارين هادين ان ليل الظلام دجا * كانوا لطارقهم اهدى من الشهب
لقبت بالرفض لما ان منحتهم * ودي وأحسن ما أدعى به لقبي
صلاة ذي العرش تترى كل آونة * على ابن فاطمة الكشاف للكرب
وأبينه من هالك بالسم مخترم * ومن معفر خد في الثرى ترب
والعابد الزاهد السجاد يتبعه * وباقر العلم داني غاية الطلب
وجعفر وابنه موسى ويتبعه ال‍ * بر الرضا والجواد العابد الدئب
والعسكريين والمهدي قائمهم * ذو الامر لابس أثواب الهدى القشب
أهل الهدى لا أناس باع بائعهم * دين المهيمن بالدنيا وبالرتب
لو أن اضغانهم في النار كأنة * لأغنت النار عن مذك ومحتطب
يا صاحب الكوثر الرقراق زاخره * ذد الأعادي عن سلساله الخصب
قارعت منهم كماة في هواك بما * جردت من خاطر أو مقول ذرب
حتى لقد وسمت كلما جباههم * خواطري بمضاء الشعر والخطب
ان ترض عني فلا أسديت عارفة * ان ساءني سخط أم برة وأب
صحبت حبك والتقوى وقد كثرت * لي الصحاب فكانا خير مصطحب
استجل من خاطر العبدي آنسة * طابت ولو جاوزت إياك لم تطب
جاءت تمايل في ثوبي حيا وهدى * إليك حالية بالفضل والأدب
اتبعت نفسي في مدحيك عارفة * بان راحتها في ذلك التعب
ومن شعره ما اورده في البحار لابن حماد وهو محتمل للاخباري
البصري وللأزدي البصري ولغيرهما:
أهجرت يا ذات الجمال دلالا * وجعلت جسمي بالصدود خيالا
وسقيتني كأس الفراق مريرة * ومنعت عذب رضابك السلسالا
اسفاكما منع الحسين بكربلا * ماء الفرات واوسعوه خبالا
وسقوه أطراف الأسنة والقنا * ويزيد يشرب في القصور زلالا
وله:
يا دهر ما أنصفت آل محمد * في سالف من امرهم وقريب
في كل يوم لم تزل بمصائب * ونوائب عمتهم وخطوب
لم تخلهم من محنة وفجيعة * ما بين مهتضم وفقد حبيب
ومجدل ظام ومنبوش على * أعواد جذع بالكناس صليب
ولقد وقفت بكربلاء فهيجت * تلك المواقف لوعتي وكروبي
وله:
لا يستوي من وفى يوما ومن نكثا * وليس من طاب أصلا كالذي خبثا
قد شرف الله خلقا من بريته * لولاهم ما بدا نفسا ولا نفثا
قوم أبوهم علي خير منتجب * وجدهم في البرايا خير من بعثا
رمتهم نائبات الدهر عن كثب * فلم تدع منهم كهلا ولا حدثا
أبو الحسن ويكنى أبا عبد الله علي بن حمزة بن عبد الله بن بهمن بن فزار
الكسائي
توفي سنة ١٨٩ بالري.
أحد القراء السبعة قرأ في القرآن على حمزة وقرأ حمزة على أبي عبد الله
وقرأ على أبيه وقرأ على أمير المؤمنين ع على ما عن رياض
العلماء في باب الألقاب وقرأ الكسائي على أبان بن تغلب وهو من الشيعة
والتشيع مذهب أكثر أهل الكوفة في ذلك العصر. وأكثر الشيخ حسن بن
علي الطبرسي في كتاب اسرار الإمامة من النقل عن كتاب قصص الأنبياء
للكسائي هكذا استدل بعض المعاصرين على تشيعه والله أعلم.
وهو كوفي نزل بغداد وأدب محمد بن الرشيد. وهو امام أهل الكوفة
في النحو والقراءة وأستاذ الفراء وخلف الأحمر. والكسائي قليل الشعر وله
أبيات يصف فيها النحو ويحث على تعلمه مشهورة أولها:
انما النحو قياس يتبع * وبه كل أمر ينتفع
فإذا ما ابصر النحو الفتى * مر في المنطق مرا فاتسع
وإذا لم يعرف النحو الفتى * هاب ان ينطق حسنا فانقمع
يقرأ القرآن ما يعلم ما * صرف الاعراب فيه وصنع
فتراه يخفض الرفع وما * كان نصب ومن خفض رفع
مات هو ومحمد بن الحسن الفقيه مع الرشيد بناحية الري في خرجته
الأولى إلى خراسان. وكتب الكسائي إلى الرشيد وهو يؤدب محمد بأبيات
أولها:
ما ذا تقول أمير المؤمنين لمن * امسى إليك بحرمة يدلي
واستماحه فيها فامر له بعشرة آلاف درهم وجارية حسناء وخادم
وبرذون بسرجه ولجامه (١).
ويحتل الكسائي منزلة سامية بين علماء عصره، فهو شيخ أئمة الكوفة
في النحو، واحد القراء السبعة المشهورين في الأمصار، ومن أوائل من
أسهموا في وضع قواعد اللغة العربية وارساء دعائمها.

(١) معجم الشعراء.
(٢٣٣)

ومن المعروف انه نشأ بالكوفة، ونال مركز الصدارة بين علمائها،
ثم رحل إلى بغداد حيث استفاضت شهرته فيها، وعرف له الخليفة المهدي
هذه المكانة فأسند إليه مهمة تثقيف ولده الرشيد، ولما تولى الرشيد الخلافة
عهد إليه بمهمة تأديب ولديه: الأمين والمأمون، فقام الكسائي بأداء المهمة
على خير وجه، إذ رفعه الرشيد بعدها من طبقة المعلمين والمؤدبين إلى
طبقة الجلساء والمؤنسين.
ومن العجيب ان الرجل الذي وصل إلى هذه المنزلة، قضى شبابه
كله وصدرا من كهولته، وهو ابعد الناس عن العلم، ولو أن عرافا أسر
إليه بأنه سيصبح من أئمته في المستقبل لظنه يسخر منه أو يهزأ به، ولكن
الذي حدث ان الكسائي، وكان يذهب كثيرا لمجالسة صديق له من
العلماء، ذهب ذات مرة إلى صديقه هذا، وهو في حال شديدة من التعب
والارهاق، فلما سأله الرجل عن حاله، قال الكسائي: لقد عييت، فاظهر
الرجل اشمئزازه وسخطه من هذه الكلمة وقال له: أ تجالسني وأنت تلحن؟
فقال الكسائي كيف لحنت؟ فقال له: ان كنت أردت من انقطاع الحيلة
والتحير في الامر، فقل: عييت مخففا، وان كنت أردت من التعب،
فقل: أعييت.
فانف الكسائي من هذه الكلمة، ثم قام من فوره ذلك، فسال:
من يعلم النحو؟ فارشدوه إلى معاذ بن مسلم الهراء، فلزمه حتى أنفذ ما
عنده.
ثم لم يكتف الكسائي بما اخذه عن أستاذه من علم كان كفيلا على
التحقيق الا يجعله يقع فيما استنكفه من نفسه من لحن. يبدو ان نفسه قد
تفتحت للعلم، وطمح بامله إلى بلوع مرتبة أعلى من مرتبة الذين اخذ
بعضهم عليه زلة الوقوع في اللحن، فرحل إلى البصرة حيث جلس في
حلقة الخليل بن أحمد، وقد أدهشه ما يتمتع به الخليل من وفرة العلم
واتساع المعرفة، فسأله في لحظة من لحظات اعجابه به مأخوذا: من أين
أخذت علمك هذا؟ فأجاب الخليل: من بوادي الحجاز ونجد وتهامة،
وسرعان ما كان الكسائي يشد رحاله إلى تلك البوادي، يسمع عن اعرابها
من غريب اللغة ونوادرها ما انفذ في كتابته خمس عشرة قنينة حبر، سوى ما
حفظ، ورجع بعد ذلك إلى الكوفة، وقد وعى من العلم الشئ الكثير.
ثم رحل الكسائي إلى بغداد تسبقه شهرته كعالم فذ من علماء اللغة،
وكان عليه لكي يقرر هذه الحقيقة ويزيدها تأكيدا ان يخوص كثيرا من
المناظرات اللغوية التي كان يخرج منها كلها غالبا منتصرا.
ولعل أشهر مناظرة خاضها الكسائي في بغداد، هي تلك المناظرة
المعروفة، التي جرت بينه وبين سيبويه امام النحاة البصريين، على مشهد
من العلماء في محفل البرامكة، وهي تتلخص في ذلك السؤال الذي وجهه
الكسائي إلى سيبويه قائلا: كيف تقول: كنت أظن أن العقرب أشد لسعة
من الزنبور فإذا هو هي، أو فإذا هو إياها؟ فقال سيبويه: أقول: فإذا هو
هي، ولا يجوز النصب، فقال له أخطأت، العرب ترفع ذلك وتنصبه.
وحينئذ أصر سيبويه على رأيه، وصمم الكسائي على ورود الوجهين.
وكان ان استدعى يحيى بن خالد البرمكي الاعراب الواقفين على بابه
لتحكميهم في الامر، فشهدوا ان القول ما قاله الكسائي.
هذه هي خلاصة المناظرة الشهيرة التي كان من نتيجتها ان ترك
سيبويه بغداد، ورحل إلى قريته البيضاء في فارس، ثم لم يلبث بعد
ذلك ان مات وهو في ريعان رجولته حزينا آسفا.
لا شك ان ما مني به الرجل من فشل، ثم انزواءه وموته، كان لهما
أكبر الأثر في اعطاء هذه المناظرة أكثر مما تستحق من نقاش وجدل، فقد
انبرى أنصار سيبويه لمهاجمة الكسائي والحط من شانه، فاتهموه بالجهل،
وقالوا ان هذه المناظرة لم تكن الا تمثيلية مرتبة احكم وضعها مع الاعراب
الذين شهدوا معه وقبضوا ثمن شهادتهم قبل الأدلاء بها، وان الكسائي
خشي على مكانته من خصمه ففعل ذلك وهو يعلم أن الحق ليس معه. إلى
غير ذلك من التهم التي يطول بنا الامر لو أوردناها، وأوردنا الردود
عليها.
والواقع ان الرجل كما يتضح من تاريخ حياته العلمية يبدو أكبر من أن
يسلك هذا المسلك في سبيل النيل من خصمه، وقد أدلى في مناظرته معه بما
كان يعتقده صوابا، وبما صح لديه من كلام العرب حتى قبل ان يعرف ان
ثمة مناظرة ستجري بينهما في يوم من الأيام. ونظرة إلى مذهب مدرسة
الكوفة في النحو توضح لنا الرأي الذي أدلى به الكسائي، فمن المعروف ان
مذهبهم في اللغة يقوم على الفسحة والتوسع فيها، ولهذا فهم مثلا يعتبرون
الشاذ والضرورة من كلام العرب ليسا خطا وان كانا قليلين ويجيزون
القياس عليهما بناء على ذلك، على حين ان مدرسة البصرة التي يمثلها
سيبويه تتشدد في ذلك وتأبى الاعتراف بغير المتواتر الكثير الورود من
الكلام، وما عداه خطا لا يجوز القياس عليه، وقد أدلى كلا الرجلين بما
يؤمن به وما صح عنده من غير حاجة إلى تواطؤ من الكسائي مع الاعراب
لتقرير شئ لم يرد في كلام العرب اختلافا وكذبا، وكيف هو الذي شهد له
معاصروه بالصدق والعلم. يقول ابن الأعرابي: ما جربت على الكسائي
في كذبه قط.
بعد المناظرة التي جرت بين الكسائي وسيبويه، يمكننا ان نقول: إن
سيبويه كان ولا شك آخر الشخصيات العظيمة التي ناظرها الكسائي، فقد
كان أنبغ من أنجبتهم البصرة من رجالها بعد الخليل، وحسبه مكانة انه
صاحب الكتاب الذي لم يؤلف في العربية أتم ولا أكمل منه حتى
الآن.
وقد عاش الكسائي بعد ذلك علما شامخا معترفا بنبوغه ووفرة علمه
من علماء عصره جميعا. ويتضح ذلك بجلاء من قصة مناظرة، لعلها اخر
مناظرة جرت بينه وبين أحد من العلماء وهو الفراء.
يقول الفراء: مدحني رجل من النحويين فقال في: ما اختلافك إلى
الكسائي وأنت مثله في النحو؟ فأعجبتني نفسي فاتيته فناظرته مناظرة
الأكفاء، فكأني كنت طائرا يغرف من البحر بمنقاره.
الشيخ علي ابن الشيخ حميد بالتصغير ابن الشيخ محمد حسن صاحب
الجواهر.
توفي يوم الأربعاء سابع المحرم سنة ١٣١٧ اخذ عن الشيخ مرتضى
الأنصاري ثم عن تلميذه السيد حسين الترك وكان من وجوه تلامذته وهو
(٢٣٤)

وصيه المنجز لأموره من بعده تصدر للقضاء وروجع في المهمات وكان له
درس وامامة في مسجد جده وبيته. رأيته بالنجف وهو شيخ كبير وتوفي
ونحن بالنجف.
علي الحوزي الحسيني من ذرية الحسن الأفطس بن علي الأصغر بن زين
العابدين ع.
ضربه موسى الهادي حتى غشي عليه لتزوجه ببنت عمر العثمانية التي
كانت من قبل تحت المهدى محمد بن المنصور فأنكر عليه الهادي ذلك وأمره
بطلاقها فابى وقال ليس المهدي رسول الله ص حتى تحرم نساؤه بعده ولا
هو أشرف مني وقتله هارون الرشيد.
السيد علي بن حيدر بن نور الدين علي أخي صاحب المدارك
كان عالما زاهدا عابدا ناسكا عاكفا على الأوراد والعبادة صواما
قواما منقطعا إلى الله هاجر إلى مكة وتوطنها حتى قبض فيها سنة ١٠٨٩ (١).
الشيخ علي ابن الشيخ حيدر المنتفكي النجفي.
من تلامذة العلامة الأنصاري صنف في الفقه والأصول وكتبت
تقريرات بحث شيخه المرتضى وكان أحد علماء العرب المدرسين في النجف
ولما غصبت املاكه في المنتفك لم يستطع المكث في النجف فسكن المنتفك في
سوق الشيوخ.
له من المؤلفات أرجوزة في المنطق وأرجوزة في علم التجويد وتفسيره
للقرآن وشرح على متن الحاشية في المنطق وشرح القسم الثاني في الكلام وله
في الأصول حاشية على القوانين وحاشية على الرسائل وله كتابات أخرى
خطية في الأصول والفقه.
الشيخ علي بن خاتون العاملي.
توفي مقتولا في حبس الجزار بعد ١٢٢٠ ولسنا نعلم تاريخ وفاته على
التحقيق. كان عالما فاضلا فقيها جليلا متبحرا في علم الطب القديم وهو
من علماء عصر الشيخ ناصيفي ابن نصار الوائلي شيخ مشائخ جبل عامل
قبض عليه احمد باشا الجزار فيمن قبض عليهم من علماء ووجوه جبل عامل
وحبسه في عكا وعذبه ثم قتله و كان يحمي له الساج حتى يحمر ثم يضعه على
رأسه وممن حبسهم الجزار سلمان البزي والد الحاج موسى بن سلمان
البزي، والحاج موسى هذا عمر طويلا وأدركته ورأيته وتوفي عن ١١٢ سنة
١٣٠٣ وكان حيث قتل أبيه صغيرا وذهب إلى عكا ورأى أباه وكان يقول
انني اعرف المكان الذي حبس فيه أبي إلى اليوم وهو والد الحاج محمد والحاج
سليمان البزي. وكون المترجم قتل في حبس الجزار هو الذي تتناقله
الألسن ولكن حدثنا السيد محمد ابن السيد مطلب الموسوي آل نور الدين
العاملي ان الجزار عفا عن المترجم بعد ما حبسه وأطلقه وان الذي قتله أحد
جنود الجزار في قرية جويا وان الجزار كان في الحج وذلك أن هذا الجندي جاء
إلى أولاد ابن الشيخ وطلب منهم ان يدلوه على أموال جدهم فقالوا لا علم
لنا بذلك فجعل يتهددهم ويضربهم فاستغاثوا بجدهم فقال للجندي اعملوا
ما شئتم فانا عاملون وانا وإياكم إلى الله لمنقلبون فقال له الجندي أ تدعو علي
يا شيخ وطعنه في خاصرته فتوفي تلك الليلة وان قبره في مقبرة جويا معروف
وذكره صاحب جواهر الحكم في كتابه وقال كان من الفضلاء المتبحرين في
العلوم والفنون قرأ في جبل عامل على أهله حتى ترعرع وبرع ثم رحل إلى
العراق فقرأ هناك حتى بدر فضله ثم هاجر إلى بلاد العجم ودرس الطب
والعلوم العقلية حتى صار في الكل آية، نقل عنه انه درس قانون ابن سينا
عشرين مرة وتخرج عليه عالم كثير في بلاد العجم قال صاحب الجوهر
المجرد الشيخ علي السبيتي اخبرني السيد حسين نور الدين انه رأى في
رحلته إلى العجم جملة من علمائها هناك يبالغون في الثناء على هذا الشيخ
الجليل الموقر وانه اجتمع برئيس أطباء إيران فقال قرأت عليه عشر سنين
تامة ولما رجع إلى عاملة وفد عليه طلاب المعارف وكان حسن السلوك مع
الناس وله ميل إلى الرياضيات.
السيد علي خان بن خلف ابن المطلب بن حيدر الموسوي المشعشعي
الحويزي.
توفي سنة ١٠٥٢ أو ١٠٥٨ كما عن أنوار السيد نعمة الله، وفي
الفوائد الرضوية لا يخفى انه اشتباه لأنه فرع من النكب سنة ١٠٨٤:
ينتهي نسبه بتسعة عشر واسطة إلى احمد ابن الإمام موسى بن جعفر
المدفون بشيراز والمعروف بشاه جراع الذي أعتق ألف عبد في سبيل الله وقال
في وصفه صاحب نخبة المقال:
شاة جراع احمد الكاظم * أعتق ألفا سيد الأعاظم
كان المترجم حاكما بالحويزة وله كأبيه مؤلفات كثيرة نافعة حتى أن
صاحب رياض العلماء قال أظن أن أكثر فوائد كتب السيد نعمة الله
الجزائري المعاصر مأخوذة من كتبه حيث إنه كان بينهما ألفة وقرب جوار
ووصفه السيد نعمة الله في الأنوار النعمانية بالعلم والأدب والعبادة والصلاح
والشعر وقال إنه كان حاكم بلاد العرب مثل الحويزة وأطرافها وكنت بشوشتر
وفي كل سنة يرسل إلي كتبا ورسائل يرغبني في الوصول إلى حضرته
والتشرف بخدمته إلى أن قال ولهذا السيد تصانيف كثيرة في فنون العلم
ويحفظ من الشعر على كبر سنه ما لا يحصى وله ديوان نفيس ولا اسمع في
مجالسه سوى روى جدنا عن جبرائيل عن الباري اه ويحكى عن السيد
نعمة الله أنه قال لما وصلت إلى خدمة السيد علي خان رأيت كريمته بيضاء
فسألته لما ذا لا تخضب فقال اني أردت ان أؤلف تفسيرا للقرآن الكريم،
فاستخرت بكلام الله فخرجت هذه الآية وان له عندنا لزلفى وحسن مآب
فعلمت انه قد قرب الأجل فشرعت بتفسير مختصر وتركت الخضاب لألقى
الله تعالى بشيبة بيضاء فمات بعد سنة وهذا السيد وآبائه ممن قال فيهم أمير
المؤمنين والصادق ع وقد يجمعهما الله لأقوام اي الدنيا والآخرة له
مؤلفات مثل النور المبين في الحديث موضوعه اثبات النص على أمير المؤمنين
ع وخير المقال في شرح قصائد في مدح النبي والآل وتفسير
القرآن سماه منتخب التفاسير ابتدأ به في جمادى الآخرة سنة ١٠٨٦ ووصل
في ربيع الأول سنة ١٠٨٧ إلى تفسير سورة الرحمن ونكت البيان وديوان شعر
سماه خير الجليس ونعم الأنيس إلى غير ذلك وما يوجد من نسبة شرح
الصمدية وشرح الصحيفة إليه فهو اشتباه بالسيد علي خان الشيرازي
المدني.

(١) بغية الراغبين.
(٢٣٥)

ومن شعره قوله:
وصيرت خير المرسلين وسيلتي * وألزمت نفسي صمتها ووقارها
وعترته خير الأنام وفخرهم * وانى يشق العالمون غبارها
ومن شعره:
وصير وسيلتك المصطفى * الأمين أبا القاسم المؤتمن
وصنو الرسول ومن قد علاء * على كتفه يوم كسر الوثن
وبضعته وامامي الشهيد * من بعد ذكر امامي الحسن
وبالعترة الغر أرجو النجاة * فحبهم لي اوفى الجنن
ولي الحويزة بعد السيد بركة لأن بركة كان مشغولا باللهو واللعب كما
ذكر في ترجمته فطلبه سياوش خان أحد وزراء الصفوية وقبض عليه واعطى
الحويزة للمترجم وكان الرقم والخلعة عنده مخفيين وذلك سنة ١٠٦٠ فجاء
المترجم إلى الحويزة حاكما ومعه أولاده فخاصمه اخوه السيد جواد الله
ووصل الفضول فصالوا معه وقصدوا الحويزة فأخبر والده السيد خلف
بذلك فاقبل إلى الحويزة وأرسل إلى ولده السيد علي ان اطلع عليهم فإنك
منصور فركب السيد علي إلى والده ثم توجه ومعه أولاده لدفع أخيه جواد
الله ولما التقوا أصابت جواد الله رصاصة فقتل وانهزمت خيل الفضول ورجع
السيد علي ظافرا وجزع السيد خلف على قتل ولده جواد الله لأنه كان من
فرسانهم وشجعانهم وكرمائهم وجاء السيد علي خان إلى والده فلامه على قتل
أخيه وامر باخراجه وركب فرسه ورجع إلى خلف آباد ولم يعد إلى الحويزة
حتى توفي. وحدثت بعد ذلك المترجم احداث كثيرة في الحويزة إلى أن
استتب له امرها وجرت له عدة وقائع وحروب من جملتها وقعة المهناوي
ووقعة الخوشنامية وكانت سنة ١٠٨٠.
وفيها يقول من قصيدة:
وابنا ورأس الناصبي كأنه * خطيب على عود الرديني يخطب
بذلت لهم حلمي ومالي لعلهم * إذا نظروا ان يرجعوا أو ينكبوا
ولما أبو الا العداوة والقلى * تروى بهم منا الحديد المذرب
وكنت قضاء الله صبح جمعهم * وما عن قضاء الله للمرء مهرب
انا الأسد الوثاب ان صالت العدى * ولكنني لله ارضى وأغضب
بفتيان حرب من ذؤابة هاشم * يمدهم الخال المبجل والأب
كماة حموا اعراضهم بنفوسهم * وقد انفوا من أن يعيشوا ويغلبوا
إذا أطربتهم رنة البيض في الطلى * فليس لهم الا دم الصيد مشرب
فلو ملكت جرد الجياد اختيارها * أبت غيرهم يعلو عليها ويركب
فيا طالبا مسعاهم ولحوقهم * رويدك ما تبغيه عنقاء مغرب
ولو خبرت آباؤنا لتحققوا * بأنهم أبقوا كراما وانجبوا
هم صدمونا واثقين بأننا * إذا صدموا نخشى لقاهم ونهرب
وما علموا انا إذا جاش جأشنا * من الطود ارسى أو من الصخر أرسب
ومن كان حب الطهر احمد حصنه * وعترته هيهات يخشى ويرهب
وأعظم ما أرجو نجاتي من لظى * إذا جئت يوم الحشر والنار تلهب
فان إليهم مرجع الامر كله * فهذا بهم ينجو وهذاك يعطب
وان ولاهم عصمة لوليهم * ويغدو وفي نعمائه يتقلب
وكيف وقد أمحضتهم خالص الولاء * واني إليهم بالنبوة انسب
فشكرا لمولى لا زال مباعدا * له وهو بالألطاف والعفو يقرب
ولو لم يكن الا ولاهم وحبهم * كفاني بهذا نسبة حين انسب
وخير صلاة الله ما ذر شارق * على المصطفى والآل ماكر مغرب
ومن شعره قوله مفتخرا:
إما آن جري السابحات السلاهب * وما آن سل الباترات القواضب
الا ماجد يهتز للمجد هزة * فيجمع فيها شاردات المناقب
به أنف عن كل شئ يشينه * يرى الكفر ان يدنو لأدنى المعائب
بغيض إليه المال مغرى ببذله * فدا ماله وقفا على كل طالب
بميط جلابيب الهوان بفتية * نماهم إلى العليا لؤي بن غالب
مناجيب ما ضاهاهم غير خيلهم * أعاريب أصل فوق خيل أعارب
لهم نسب كالشمس أشرق ضوءه * على هاشم الغر الكرام الأطايب
مغاوير نالوا مجدهم بسيوفهم * وما رغبوا الا ببذل الرغائب
فنيرانهم والليل مرخ ستوره * ترحب بالسارين من كل جانب
غنوا بهداها عن هدى كل كوكب * ونالوا بها ما لم ينل بالكواكب
إذا طلعت وافى بها الضيف سعده * وحقق منها النحس فحل النجائب
أ هم شئ والزمان يصدني * وتردعني عنه نواهي التجارب
فلو كان هذا الدهر قرنا محاربا * لأغمدت أسيافي برأس المحارب
ولكنه يلقى الكماة مواربا * وكيف احتيالي بالعدو الموارب
لقد طال شكوى أينقي من إقامتي * إلى كم تشكاني إلى ركائبي
فما الذل الا بالجلوس على الأذى * وما العز الا في اقتعاد الغوارب
ولطم وجوه الأرض ان ضاق ذرعها * بأيدي المطايا وادراع السباسب
وخرق فلاة ينكر الذئب نفسه * به قاتم الارجاء عاري الجوانب
فلو جاز مرتاد القطا جوز ارضه * لكر ولم يظفر بنهلة شارب
يرجى غريق البحر منه سلامة * وقاطعه لم يرج عودة آيب
تحدثني نفسي بقطع جميعها * وعزم كحد السيف في كف ضارب
عصيت له أدنى صحابي وانما * لأمر عداك اللوم خالفت صاحبي
وقائلة دع ما تريد من النوى * فديتك ان البين ناب النوائب
فقلت ولولا العزم ما كنت قائلا * دعيني فقطع البيد أولي المآرب
إذا الحر لاقي يا ابنة القوم ذلة * يكون عليه السر ضربة لازب
إذا عرضتني في المشارق رفقة * تنقلت عنها دعايا بالمغارب
وان السهى أدنى مقاما لماجد * يؤمل من دنياه أعلى المراتب
عدمت فؤادا لا يبيت مولعا * ببذل العطايا أو بجر المقانب
أفارق من اهوى وما ذاك عن قلى * واجفو لأجل العز أدنى أقاربي
يحن إلى ارض الحويزة نازح * يؤمل من دنياه أوبة غائب
إذا ما ذكرت الكرختين وأهلها * عرفت هوانا من صهيل السلاهب
ديار بها حل الشباب تمائمي * وارض بها جر الفخار ذوائبي
محل هوى قلبي ونجح مطالبي * ومجمع أصحابي ومغنى حبائبي
ومربع غزلان فؤادي كناسها * ربابيب انس فاضحات الربائب
فقدت بها عيشا نهبت نعيمه * أجل انما اللذات نهبة ناهب
نأت أم عمرو والشباب كلاهما * وأصبحت موسوما بوضحة شائب
تحاول من ذا العيش رجعة فائت * وتطلب من ذا الدهر أوبة ذاهب
فما واحد الدنيا وفرد زمانه * سوى من تعرى من جميع الشوائب
وقال يمدح النبي ص ويذكر غرضا في نفسه:
سلوها لما ذا غيرتها العواذل * فهل غير أن قالوا سلا وهو باطل
وكيف سلو الأرض عن صيب الحيا * إذا ما تمادى ريها وهو ماحل
(٢٣٦)

خليلي هذي دار ظمياء فانزلا * فاني وان خالفتماني لنازل
فعندي لربع العامرية مقلة * تصوب إذا لاحت لعيني المنازل
أسائل عن رمل الكثيب وانما * لأهل الكثيب الفرد شوقا أسائل
هل أخضر واديه وسالت مياهه * وهل ضحكت بالروض تلك الخمائل
ومما شجاني يوم ذي الأثل موقف * تبينت فيه ما تقول الرواحل
فكم نضو سير قد دعا نضو صبوة * لبين فلبته الدموع الهوامل
فهل عائدات والأماني سفاهة * على المنحنى تلك الليالي القلائل
ليالي لا وصل الحسان مذمم * لدينا ولا صبغ الشبيبة ناصل
وكم ليلة زارت فنم وشاحها * بزورتها لما خرسن الخلاخل
ولما رأين الشعر قد حال لونه * نكصن وود البيض كالشعر حائل
ومن وجد الخل المواسي فإنني * طلبت فلم أظفر بخل يجامل
تماطلني الأيام عما أريده * وشر الرفيقين الرفيق المماطل
تمر الليالي ليلة بعد ليلة * نديماي فيها زفرة وبلابل
وما ذاك من وجد على فوت عيشة * يروح بها ذو نشوة وهو رافل
ولكنه غيظ على الدهر ان غدا * وجيد المعالي من حلى الفضل عاطل
وهل يكمد الأعداء صفقة راحة * ويثني عدوا ان تعض الأنامل
وكيف أخاف الدهر أو أرهب العدا * ولي من اله الدهر كاف وكافل
ومن كان خير الخلق والآل حصنه * غدا في حمى ان نازلته النوازل
نبي علت عليا قريش بفضله * ودانت لها يوم الفخار القبائل
وزادت به طيبا على المسك طيبة * وفاخرت الشهب الحصا والجنادل
به بشر الإنجيل من قبل بعثه * وسرت به قبل القرون الأوائل
وعلمه من علمه خالق الورى * فها هو عما قاله الله قائل
توسلت الرسل الكرام بفضله * فوافتهم البشرى وعمت فواضل
مدينة علم بابها كان صهره * وما مؤمن الا من الباب داخل
دها الشرك منه ذو غرارين منطق * وعضب وكل قاطع الحد فاصل
إذا قال في الاحكام فالله قائل * وان صال في الاقران فالحق صائل
وردت عليه الشمس بعد أفولها * وكيف ترد النيرات الأوافل
وأبناؤه الاطهار والسادة الالى * أقر لهم بالفضل حاف وناعل
ميامين يستهدي الأنام بنورهم * كأنهم للحائرين مشاعل
بها ليل بسامون واليوم كالح * بحور ندى والجدب للناس شامل
بهم باهل المختار أعداء دينه * فقال اخوهم خشية لا تباهلوا
فيا صفوة الرحمن و السادة التي * ينال بهم كل المسرات آمل
ولولا هواكم ما نظمت قصيدة * وقد كان لي شغل عن الشعر شاغل
جعلتكم عند الاله وسيلتي * إذا أعوزتني من ذنوبي الوسائل
وله من قصيدة يمدح بها النبي ص:
سمح الدهر بكم حينا ومنا * ما عليه لو بكم جاد ومنا
كان لي عيش مهنى بكم * آه لو دام لي العيش المهنى
لو سمحتم باللقا ثانية * عاد من شرخ الصبا ما فات منا
فعدوا بالوصل ان لم تنجزوا * لا تروا لي بان كان وكنا
ضل من قال بيأس راحة * فهو أنكى كل شئ لي واضنى
اتمانكم لتبقي مهجة * بكم تقضي إذا لم اتمن
امنح البارق والورقا إذا * لاح أو ان رجعت عينا وأذنا
وحديثا لم يكن في ذكركم * لم يجد يوما على أذني أذنا
وصباكم شابهتني رقة * انا مضنى والهوى النجدي مضنى
آه لا رسل توافي منكم * وأبى طيفكم يطرق وهنا
امنعوا أو فاطلقوا طيفكم * انما يلقاه من أطبق جفنا
رب دار ان رأتها مقلتي * أظهرت بالدمع ما القلب اجنا
طالما طالعت فيها قمرا * يفضح الأقمار نورا وحسنا
زعم البدر تماما انه * مشبه أوصافه حسنا وسنا
غلط البدر ولا الشمس سنا * والظبا ان تعط والغصن تثنى
ما لنضوي بعد نص بركت * يا تراها عرفت اطلال لبنى
اندب الدار بلفظي سائلا * وهي تشكو بدثور الرسم معنى
باكرتها لا كانفاس الصبا * جادها الغيث أخو دمعي هتنا
يا نزولا بين جمع والصفا * نأيكم اقتل شئ للمعنى
ليت لو تنفع ليت مدنفا * تغتدي لي داركم دارا ومغنى
كم إلى كم أصحب الأشرار أو * اشتكي من بقليل الوصل منا
بعت رشدي بضلالي غرة * ان يكن غبنا فبيعي كان غبنا
أقرع السن على ما فاتني * جهد من يندم أو يقرع سنا
كان أولي من ركوبي باطلا * رقص انضاء وحاد يتغنى
تدمن السير صباحا ومسا * وتجوب البيد بي سهلا وحزنا
ليت شعري وزماني مخلفي * لا ترى يصدقني بالخير ظنا
هل تداني بي المطايا طيبة * فلئن دانت بنا طابت وطبنا
وله أيضا من قصيدة:
صبرا على صدكم يا جيرة العلم * وان تزايد في هجرانكم ألمي
لا أحرم الله أجفانا بكم سهرت * طيب الوصال وقلبا راح كالحرم
ان فزت منكم بوصل لم أقل عجزا * حتام نحن نساري المجد في الظلم
سلمت ان عاينت عيني الخيام وقد * مدت على خير أحباب بذي سلم
ان اضرموا نارهم ليلا وثبت لها * يا من رأى وامقا يصبو إلى الضرم
وان تبسم برق من ثغورهم * ظننته بارقا يبدو على أضم
يا سادة الحي ما قلبي بمنصرف * عن حبكم لا ولا حبي بمتهم
عاهدتكم ببلى عهدا وفيت به * فلن يرى عهدي الماضي بمنخرم
ان عدتم بوصال كان ينعشني * ضمنت منكم رجوع الشرخ من عدم
من أين تكحل اجفاني برؤيتكم * وأين للسمع برء الوقر من صمم
مهما نسيت فلن انسى معاهدنا * بالمازمين وعيشا مر كالحلم
إما وحرمة أيام بكم سلفت * وانها باعتقادي أشرف القسم
ما حلت عنكم بسلوان ولا بدل * ولا عرى شوقي البادي بمنفصم
اني أقول لجيش الشيب حين نفى * الشبلي عن لمتي ما شئت فاحتكم
وان تصرم وصل كنت آلفه * فان حسن ادكاري غير منصرم
في ذمة الله أحباب وشرخ صبا * بانوا فبأن فؤادي يوم بينهم
ويلاه لا القلب يسلوهم فنعرض عن * مذكرات تعنيني بذكرهم
أو يلحق الأول الباقي وحسبهما * إقامة ومقر في جوارهم
فان تقل راح مأسور أقل طربا * يا حبذا مهجة تقضى بأسرهم
وان أضر بي السقم الممض أقل * يا حبذا كلما ألقاه من أضم
هموم قلب وآلام مضاعفة * أودت بصبري وضاقت عندها هممي
وله من قصيدة:
وليلة سمحت فيها لنا بكري * لرؤية الطيف تخييلا وتمويها
ألم في مثله في منزل درست * اعلامه مثله وصفا وتشبيها
(٢٣٧)

فقف نستسمح الغيث الهتون لها * ان لم يجد فدموع العين تسقيها
عندي من الدمع ما يسقي سقيم ثرى * منها وينقع صاديها ويرويها
عيضت بنافرها من بعد آنسها * واستخلفت عاطلا من بعد حاليها
لله شمس بها كنا نطالعها * ما الشمس يوما إذا لاحت تحاكيها
فلست أدري أ سقمي من موشحها * أم من سقام اعارتنا أماقيها
يا طالبا ثائرا في مهجة تلفت * اطلب عيونا فرتنا في مواضيها
ما هذه ناقة سارت بغانية * بل ذي حياة معنى هائم فيها
وله من قصيدة يباري بها قصيدة البهائي وهي: سرى البرق من
نجد فجدد تذكاري
هي الدار ما بين العذيب وذي قار * عفت غير سحم ماثلات واحجار
رسوم عفاها كل ساق وهاطل * فهن كجسمي أو غوامض اسراري
أقمنا حيارى سائلين فلم نجد * مجيبا سوى دمع على نؤيها جاري
ولا عجبا لو أصبح الدمع حائرا * كقلبك في تلك المعاهد يا جاري
معاهد لا أدري أ من طيب تربها * نسيم الصبا حيث أم العنبر الداري
وقفنا بها حتى لطول وقوفنا * تخليت انا قد خلقنا من الدار
أذلنا مصونات الدموع بربعها * ولما نجد في سكبنا الدمع من زاري
خلت بعد ما كانت مناخا لراكب * وملعب اتراب ومجمع سمار
ومرتع غزلان ترى الصيد صيدها * فقل في غزال يصرع الأسد الضاري
رماني بسهم من كنانة حسنه * فما أخطأ الظبي الكناني لا القاري
وعصر تصاب قد فجعت بفقده * وماضي شباب رحت من حليه عاري
لئن قصرت أيامه فلشد ما * تولت وأبقت طول بث وتذكار
الا في أمان الله عصر لفقده * من العيش واللذات قلمت اظفاري
وله:
أحبتنا أنتم لنا الروح هل على * مفارق روح من ملام إذا حنا
الا ان بين الروح والجسم ألفة * إذا فارقت تبقى كلفظ بلا معنى
بعثتم إليه السقم لما هجرتم * وكان له طبا مقاربة المعنى
فبدلتم قرب الديار ببعدها * الا في سبيل الحب روح نأت عنا
حمامات وادي الأيك بالله جاوبي * محبا على تبعاد احبابه مضنى
فنوحي على الأغصان اني نادب * رشيقة قد تخجل اللدن والغصنا
فلست ارى نوحي ونوحك واحدا * إذا كان ذا سجعا فقد كان ذا حزنا
عسى الله يدنينا فيشبه بعضنا * لبعض بقرب إذ تحالفني لبنى
وله من قصيدة:
تذكرت حيا بالقرينة والغمر * ودهرا تقضى بالمسرة والبشر
روى عن محاني شعبهم ناسم سرى * حديثا عرفناه صحيحا من العطر
فاشفى جروحا بالفؤاد نكية * على أنه أذكى به لأهب الجمر
وكان دواء للفؤاد وداءه * ويا رب خير قد يؤل إلى الشر
وعهدي بنشر المسك للجرح مؤلما * فيا من رأى جرحا يعالج بالنشر
هو الشوق مهما رمت كتمان سره * سرى البرق نجديا فجاش به صدري
فلم أر مثل البرق للدمع جالبا * ولم أر مثل الدمع أفضح للسر
ولم أر اشجى للفؤاد من النوى * إذا لم يكن من بعد صد ولا هجر
نوى حجبت عنا وجوها نحبها * فما نلتقي الا بضرب من الذكر
ولو اطلقوا نومي لكنت رأيتهم * بطيف يسري الهم عني متى يسر
تذكرت احبابا بسابقة النقي * وعيشا نهبناه على غفلة الدهر
وليلات وصل بالحسان منيرة * من النبت بسطا قد تسهمن بالبدر
ولا حدثتنا الحادثات بنكبة * تمر الليالي والشهور ولا ندري
فيا حبذا ذاك الزمان وحبذا * شبابا به أدنو إلى ربة الخدر
فقد كان لي نعم الشفيع إلى ألمها * ونعم مطاع القول ممتثل الامر
على انني أغشي خبأها صبابة * وارجع عنها طاهر العرض والازر
ولو كان لولا خشية الله بيننا * عناق وضم يلصق النحر بالنحر
وما كان يقصينا ويفصل بيننا * حذار مقال الناس الا سنا الفجر
على مثل ذاك العيش تجرى مدامعي * وحق لها لو كان ينفع ان تجري
وفرسان حرب من ذؤابة هاشم * أبى أصلهم من أن يناموا على وتر
ينالون ما راموا وان عز نيله * بسمر العوالي والمهندة البتر
وما منهم الا همام مسود * يلوح عليه ميسم الفضل والفخر
متى تأتي ناديهم تجده كهالة * حوت أوجها يزري سناهن بالبدر
ترى الجود والمعروف فيهم سجية * فحيهم يجدي وميتهم يقري
تنادي القرى نيرانهم طالب القرى * بالسنة يهدى بها تائه القفر
إذا أمهم في المحل مستنجع الندى * فعندهم منع العطاء من الكفر
عسى الله يقضي بالإياب إليهم * ولا يقتضى في تباعدهم عمري
وله أيضا في وداع الأحباب وشكاية الزمان:
عسى من رماني بالنوى يعكس النوى * فيعلو مكان بينكم بمكين
لئن خانني الصبر الجميل لبعدكم * فقد ساعدت عند الفراق شؤوني
ولما توادعنا ونصت ركابنا * وقد غابت الاظعان جن جنوني
تكلفت صوت الدمع ان تشمت العدا * وهيهات سر الدمع غير مصون
تزيد على نار الغضا نار زفرتي * ويخجل سحب المزن وكف جفوني
لقد عذلوني ان حننت صبابة * ولو وجدوا وجدي لما عذلوني
سلوا أ ينقي عن وجدها وغرامها * والا فعن فرط الحنين سلوني
فما هيج الاشجان الا حنينها * وما هاجها الا رجيع حنيني
ومن كرمي اني أحس صبابة * إلى كل ألف نازح وخدين
على أن لي قلبا شديدا على العدا * ولكنه يلقى الصديق بلين
ويقتحم الأهوال في طلب العلى * ولم يرض من نيل العلاء بدون
وكيف أخاف الليل أو أرهب السرى * وآساد خفان تزمجر دوني
واني فتى الحي الكرام رجاله * واطلبهم للمجد لو عرفوني
أشد على من حاربوه جراءة * وأورعهم لو يعلمون بديني
وقائلة ما ذا تريد من النوى * واخطاره جم فقلت ذريني
وجدك ان العز في الهول مودع * وبالله قد جودت حسن يقيني
فشمرت لا أصبو إلى عذل عاذل * ولم يلو لي جيد لنصح قرين
وله:
إلى أين مرمى العيس تذمل أو تخدي * إما هذه الأطلال والسفح من نجد
بحيث العرار الغض ما زال مورقا * ذوائبه تهفو على قامة الرند
وهذا نسيم الشيخ جاء مخبرا * يحدثنا عن جيرة العلم الفرد
إذا هب من تلقاء نجد تظنه * لطائم تسدي طيب العنبر الورد
يحوز الذي خاط النعاس جفونه * ويطرق مكحول النواظر بالسهد
فينكره من أنكر العشق قلبه * ويعرفه طاوي الضلوع على الوجد
ولم يبق لي من وصلهم غير نفحة * تلم بريا المسك والمندل الهندي
(٢٣٨)

ونار أضاءت لي بأكناف حاجر * تنورتها من بين أهل السري وحدي
تشب سناها ناهد الثدي كاعب * تضئ على بعد واحراقها عندي
فيا عجبا من يقرب النار تكوه * ونار ابنة السعدي تكوي على البعد
فيا قمر السعد الذي حال دونه * سحاب قتام من خيول بني سعد
تذود ظباهم عن كناس ظبائهم * فتغدو وحد الهند يمنع عن هند
أ تزعم نفسي خدرهم وعرينهم * ودون نعام الريم زمجرة الأسد
إما والمذاكي الجرد تعثر بالقنا * وتسبح بالغر الغطارفة المرد
ورنة بيض الهند في أذني وقد * غدوت وسيفي بدل الهام بالغمد
وتعبيس وجهي في الحروب لدى الوغى * وإشراق وجهي للسماحة والرفد
لسيان لولا الدهر عندي حربهم * وشربي برد الماء في الحر لا البرد
ستعلم ذات القرط اني على الوفا * مقيم وخان المجد ان خنتها عهدي
ولكن أبت لي نخوة علوية * مجرى لغير المجد في حالة تردي
فما راحتي في أكؤس الراح تجتلى * ولا طربي في وصل مائسة القد
ولا شاق قلبي أدعج الطرف اكحل * ولا بت ارعى النجم شوقا إلى دعد
ولكن إلى المعروف والفضل والندا * أحن ولبس الدرع والفرس النهد
فمن مبلغ الفتيان من آل هاشم * ولا سيما الاشراف من عترة المهدي
بان فتاهم ليس يرضى بأنه * يعيش وان يجدي عليه ولا يجدي
إذا لا تمشي بي إلى الكر سابح * ولا سلكت بي مسلك الأب والجد
ومن كان مثلي الموسوي له أب * تسنم ظهر الخطب سيرا إلى الحمد
أبي خير من يدعى لدفع ملمة * وجرد المذاكي في وطيس الوغى تردي
هو الليث الا انه ليس ينثني * هو البحر الا انه دائم المد
رفيع عماد البيت جودا تخاله * أتت نحوه شهب السماوات تستجدي
ومن امه راح الزمن مسالما * له وحباه الدهر بالعيشة الرغد
يرى أحرم الأشياء حرمان سائل * وان يتلقى طالب الرفد بالرد
يلاقي عظيم الهائلات بعزمة * أشد على الأعداء من حجر صلد
بطئ مناخ العيش في طلب العلى * ولكن سريع الشد للعز والمجد
أخو همة لم يثنها زجر زاجر * وما اشتد من أمر يعوق عن القصد
ولما رأى في المكث ذلا وانما * منال المعالي الغر بالنص والوخد
وان أبي الضيم يقتحم القنا * إذا لم يجد عن وقفه الذل من بد
ومن طلب العلياء داس خطوبها * يهون لسع النحل طيب جنى الشهد
سرى قاصدا باب الأمير وباب من * عنت نحوه اقصى الفرنجة والسند
وله في الفراقيات:
أ في كل يوم لي حبيب مودع * وطرف على فقد الأحبة يدمع
أشيع من اهوى واعلم انني * لروحي لا للظاعنين أشيع
أ ما تغلط الأيام فينا بان ترى * لشمس اللقا من جانب الغرب مطلع
لعمرك ان العيش بعد رحيلهم * وفرقتهم ما لم يؤبوا مضيع
وان جفوني مذ تناءت ركابهم * إلى الغرب من وكف السحائب اهمع
لئن أصبح الوادي من الحي بلقعا * فبعدهم قلبي من الصبر بلقع
فكم دمعة لي بالمعاهد وزعت * وخير دموع العين دمع موزع
وقفت بها أبكي وترزم اينقي * وتصهل خيلي والحمائم تسجع
ويرجع قلبي ان توهم سلوة * هديل حمام أو حنين مرجع
ويذكى سعير الوجد نشر نسيمهم * وبرق بدا من جانب الغور يلمع
مضى زمني زفرة مستطيلة * تشيعها من لوعة الوجد أدمع
ومبدؤها من قبل حل تمائمي * عسى قبل قطع العيش منى تقطع
وله:
رعى الله من لم أحظ الا بهجرها * ولم أدر معنى قربها ووصالها
أتت دون لقياها ليال طويلة * وما طولها لولا طويل مطالها
فلو للنوى مثلي قذال ولمة * رأيت مشيبا راعني في قذالها
إذا قلت جرح القلب قد آن برؤه * رمتني دواهي بينها بنبالها
وان قلت داني عقد بتات وصلها * ألح زماني جاهدا بانحلالها
لقد حرمت حتى رخيم كلامها * الا واظما قلبي لبرد مقالها
وقد منعت حتى نسيم ديارها * وقد بخلت حتى بطيف خيالها
ولو رقدت عيني لما شاهدت سوى * فظيع ثنائيها ووشك زيالها
تصد ويحلو في القلوب مريرها * ويكثر في عيني قليل نوالها
ولم ألق منها غير تسليم خائف * وقد قربت للبين بزل جمالها
فلو لا العلى والعزم والحزم والنهى * لفارقت روحي راغبا لارتحالها
ومجهلة سرب القطا لا يجوزها * ولا معلم الا أداجي ريالها
قديمة عهد بالعهاد وودقه * ممردة الأوراق افنان ضالها
تجشمتها طورا أغور بأرضها * وآونة أعلو رفيع جبالها
أريد بها احياء بكر بن وائل * ولا سيما من حل وسط حجالها
إذا لاح برق من تهامة بادرت * دموعي من تذكارها بانهمالها
وان هب من تلقائها الريح بكرة * نشقت بها طيبا سرى من تلالها
تصوب جفوني صوب صيب مزنها * ويرقص قلبي رقص لماع آلها
وله من قصيدة:
اهاب بي العزم المسدد قائلا * وصلت المعالي ان قطعت الفيافيا
إذا لم تطب لي بالعراقين هجعة * فما ضرني اني غدوت شاميا
وان كره الإخوان حسن رفاقتي * كفتني القنا والمرهفات المواضيا كذا
وموضونة فيها عن الحتف ذائد * ويلقى بها من يتقي الموت حاميا
تحير أفكار المنايا فلا ترى * إلى لابسيها في الكريهة هاديا
ولو لم يصلنا الحتف الا بهلكها * جلدنا ولم نخش الردى والدواهيا
وما ذاك خوف من حمامي وانني * عليم باني سوف القى حماميا
ولكنني راج بها نجح مطلبي * وتبليغ امثالي الندى والمعاليا
وشغواء ملء الحزم تحسب ربها * إذا ما اعتلاها للسموات راقيا
كساها الدجى من لونه اي حلة * ونقطها نجما على الوجه باديا
وماس بهاتيها على الصبح إذ غدا * لسمحتها دون الشخوص مباهيا
سوى انها تلقى الطعان وتنثنى * وقد كسيت ثوبا من الطعن قانيا
الأمير السيد علي الخطيب.
كان عالما فاضلا من علماء دولة الشاة طهماسب الصفوي وبقي إلى
زمان الشاة إسماعيل الثاني وكان معاصرا للأمير السيد حسين ابن السيد
ضياء الدين الموسوي الكركي العاملي المعروف بالأمير المجتهد ومشاركا له في
الأذية الصادرة من ذلك السلطان إليهما كما عن الرياض.
أبو الحسن علي بن خلف بن مطلب بن عبد الله.
قال ضامن بن شدقم: مولده يوم الثلاثاء في ذي الحجة ١٠١٨ خدم
بعض الفضلاء الكرام والعلماء العظام فاقتبس منهم قراءة وسماعا فمنهم
الشيخ محمد بن علي الحرفوشي الشامي في بلدة أصفهان، قرأ عليه ألفية ابن
مالك وشرحها وغيرها في النحو والصرف والشيخ صالح بن علي بن غانم
(٢٣٩)

والشيخ معين الجزائري وعلى والده في علم الكلام والشيخ عبد اللطيف
الجامعي العاملي.
نظم الشعر وهو ابن أربع عشرة سنة فمن شعره قوله:
لله ما فتكت بنا الحاظها * يوم اللوى تلك الظباء العين
من كل نافجة بطيب لطيمة * فكانما اكنافها دارين
وإذا مشت وسط الرياض تضوعت * أزهارها وتارج النسرين
برزت لنا لما برزن صوارم * بلحاظها ومن القدود غصون
فلقد رأيت الدمع وهو محاذر كذا * ولقد دعوت الصبر وهو حرون
ولأجل ذاك اللؤلؤ المكنون ان * بذار كذا هذا اللؤلؤ المكنون
بانت وقد بان الشباب ببينها * فكانه بوصالها مقرون
ورضيت في حكم الغرام بما قضى * والصبر شأن الصب والتوطين
من لم يسر بطريق من قبل الهوى * حركاته في السالكين سكون
انا أناس قد رضينا بالهوى * دينا نقول بشرعه وندين
قتل النفوس صيانها بطريقنا * فاختر فكل طريقة ستهون
فالخمر لولا دوسها ومقرها * في السجن ما كان اسمها الزرجون
فكأنني بالسائرين إلى الحمى * وصلوا وخاب العاجز المأفون
يا صاح ما ماء العذيب وانه * شهد ولكن دون ذاك منون
فالأسد تعرض والرماح شواجر * والبيض تلمع والجياد صفون
ما مر يوم واحد من دهرنا * الا ووجد العذر فيه يبين
بالله صف لي الصفو منه فإنني * لم أدر صفو العيش كيف يكون
متلون بخطوبه وأشد ما * صحب الفتى من طبعه التلوين
يبدي الغرائب من حوادثه لنا * فكان كل غريبه مضمون
من شك في غدر الزمان فإنني * اضحى لدي الشك وهو يقين
فات الشباب وما حظيت بطائل * فاتت شهور بدلت وسنون
أنفقت عمري في ضلالك باطلا * وبذلت هذا العمر وهو ثمين
وغدوت في خطر وما تدري بما * تأتي وأنت بما كسبت رهين
فافزع إلى مدح الأمين فإنما * لأمانة البلد الأمين امين
الحاج ملا علي ابن ميرزا خليل الطبيب الطهراني المتوطن بالنجف الأشرف
حيا وميتا.
ولد سنة ١٢٢٦ وتوفي سنة ١٢٩٦ كان من زهاد العلماء وعبادهم لم
ير مثله في عصره في الزهد، كان مع جلالة قدره يحمل ما يشتريه لعياله من
السوق في طرف عباءته أو يحمله على عاتقه ويشتري اللبن الجامد من البقال
ويحمله بيده من غير اناء وكنا يوما في مجلس الدرس عند شيخنا الآقا محمد
رضا الهمداني وكان درسنا في العدالة في منافيات المروءة فقال الشيخ ان
بعض ما يرى من منافياتها مع الاعتياد عليه لا يضر بصاحبه فنازعه بعض
الحاضرين فقال له الشيخ: أ ترى ان ما كان يفعله المرحوم الحاج ملا علي
من وضع الخبز والخيار وغيرهما في طرف عباءته وحمله له على ظهره واللبن
بيده كان مخلا به عند الله وعند الناس فسكت. وكان يزور الحسين
ع في أغلب الزيارات ماشيا وقد أسن ومعه جراب لزاده.
قال في مستدركات الوسائل: كان فقيها رجاليا مضطلعا بالاخبار وقد
بلغ من الزهد والاعراض عن زخارف الدنيا مقاما لا يحوم حوله الخيال لباسه
الخشن واكله الجشب من الشعير. قرأ الأصول على شريف العلماء
وصاحب الفصول والفقه على صاحب الجواهر ويروي عن الشيخ جواد ملا
كتاب والشيخ رضا بن زين العابدين العاملي والشيخ عبد علي الرشتي
والسيد محمد ابن السيد جواد العاملي صاحب مفتاح الكرامة وعن الشيخ
مرتضى الأنصاري، ومن تصانيفه خزائن الاحكام في شرح تلخيص المرام
في عدة مجلدات وغصون الأيكة الغروية في الأصول الفقهية وسبيل الهداية
في علم الدراية كما ذكره في اجازته للشيخ محمد علي عز الدين العاملي، قرأ
عليه اخوه ميرزا حسين وميرزا حسين النوري والسيد حسن الصدر والشيخ
علي الخيقاني والميرزا محمد علي الرشتي والملا باقر التستري والشيخ محمد علي
عز الدين العاملي وغيرهم.
الشيخ علي الخوئي النجفي.
توفي في النجف أول المحرم سنة ١٣٠٩ ودفن بوادي السلام. من
كبار تلاميذ الشيخ مرتضى الأنصاري. كان محققا مدققا عميق النظر في
علم الأصول والفقه كان يدرس بعد أستاذه الوسائل ويحضر درسه أفاضل
طلبة العرب وكان ورعا تقيا موثوقا به عند أهل العلم وقورا قليل الكلام
حسن التقرير. له رسائل في حجية الظن.
المولى علي رضا المتخلص بالتجلي ابن المولى كمال الدين حسين الأردكاني
الشيرازي.
توفي في سنة ١٠٨٥: كان عالما فاضلا أديبا شاعرا تلمذ على الآقا
حسين الخونساري كما عن الرياض. له تفسير التجلي فارسي وله سفينة
النجاة مطبوع وحاشية على حاشية المولى عبد الله في المنطق المشهورة.
السيد علي ابن السيد دلدار علي اللكهنوئي الهندي.
ولد في ١٨ شوال ١٢٠٠ في لكهنوء وتوفي في ١٩ رمضان سنة ١٢٥٩
ودفن بجنب قبر السيد المجاهد.
قرأ في لكهنوء على والده فتخرج عليه في كثير من العلوم وسافر إلى
العراق سنة ١٢٤٥ ولقي العلماء وباحث معهم في الفقه ثم رجع إلى لكهنوء
وسافر ثانيا سنة ١٢٥٦ إلى خراسان وبعد زيارة الرضا ع عاد إلى
العراق وتوفي في التاريخ المذكور ورثته الشعراء بمراث جمعها الشيخ
هادي بن محمد الاسترآبادي من تلامذة صاحب الضوابط في مجموع سماه
المراثي الخليلية. له من التصانيف ١ بحث في فدك ٢ و ٣ رسالتان
في المتعة ٤ رسالة التجويد ٥ رسالة في إقامة عزاء الحسين
ع ٦ التوضيح المجيد في تفسير كلام الله المجيد مجلدان.
الشيخ علي النجفي المعروف بالفاضل المقدس الرشتي.
توفي سنة ١٢٩٥ وتاريخ وفاته في هذا الشطر الا غاب عنه علي
وحيدا عالم فاضل فقيه أصولي عابد زاهد ناسك مجاهد من العلماء
الربانيين كان من كبار تلاميذ الشيخ مرتضى الأنصاري والميرزا الشيرازي
هاجر إلى لار من بلاد فارس بأمر الميرزا الشيرازي فجاور هناك واهتدى به
خلق كثير وترتب على وجوده اثار كثيرة حسنة وبعد مدة مرض فغلط
الطبيب في الدواء فتوفي رحمه الله.
(٢٤٠)

بهاء الدين أبو الحسن علي بن رستم بن هارون الحلبي المعروف بابن
الساعاتي.
من شعره قوله في أمير المؤمنين ع كما في الطليعة:
أمجادلي فيمن رويت صفاته * عن هل اتى وشرقت من أوصافي
زوج البتول ووالد السبطين والفا * دي النبي ونجل عبد مناف
أتظن تأخير الامام نقيصة * والنقص للاطراف لا الاشراف
أوما ترى ان الكوكب سبعة * والشمس رابعة بغير خلاف
وقوله من قصيدة:
أبا حسن ان اخروك وقدموا * عليك رجالا فهو في نقصهم يكفي
فذي ألف الآحاد ان هي أخرت * وقدمن أصفار تعود إلى الألف
ومن شعره:
ولكل حي أسوة بمحمد * ومحمد ذو الموقف المشهود
كم في مصارع آله من غارة * سوداء عدوها من التسويد
فتاس بالمأموم والمسموم والمظلوم * والمجرور نحو يزيد
وله ذكره الأبشيهي في المستطرف:
قبلتها ورشفت خمرة ريقها * فوجدت نار صبابتي في كوثر
ودخلت جنة وجهها فأباحني * رضوانها المرجو شرب المسكر
علي بن رضي الدين بن أحمد بن محيي الدين الجامعي العاملي.
توفي حدود سنة ١٠٥٠:
له رسالة في تراجم أجداده أرسلها إلى صاحب أمل الآمل هي مستند
نقل الشيخ جواد محيي الدين في كتيبه في تراجم آل محيي الدين، وأرسل
إلينا بعض آل محيي الدين من العراق نسخة هذه الرسالة بشكل محرف
مغلوط لا يكاد يستفاد منه فأصلحنا منها ما أمكن اصلاحه وفيها بعد
البسملة: أدام الله وجود شيخنا لاحياء معالم الدين المبين وأيده بعونه
وهدايته للتمسك والاعتصام بحبله المتين. وبعد فيقول الفقير إلى الله
علي بن رضي الدين الجامعي العاملي: لما نضر ناظري بازهار رياض كتابه
الشريف وأبهج خاطري من تصفح صفحات أسلوبه اللطيف وهو أمل الآمل في فضلاء جبل عامل وكانت أسلافه من أهل الشأن ولهم أسوة بمن
حازوا قصب السبق في هذا الميدان وكان الشيخ سلمه الله تعالى، قد ذكر
البعض وترك البعض والظاهر أن ذلك لعدم وصول اخبارهم إليه ووضوح
أحوالهم كما ينبغي لديه وذلك لتغربهم وتشتتهم في البلاد حرك مني ساكنا
وحداني على ذلك ما سمعته من بعض الفضلاء ان مؤلف الكتاب حريص
على التفحص عن اخبار تلك البلاد وعلمائها فها انا امتثالا للامر مثبت ما
وصل إلي وسمعته وتحققته من غير واحد نبذا من أحوالهم واخبارهم
وماثرهم بلا زيادة ولا نقصان ولا مغالاة والله حسبي ونعم الوكيل. ثم
ابتدأ بالشيخ علي بن أحمد بن أبي جامع فالمخاطب بقوله أدام الله وجود
شيخنا الخ هو صاحب أمل الآمل ورأى أن صاحبه ذكر بعض آل أبي جامع
واهمل البعض كتب له هذه الرسالة.
ملا علي الروزدري.
من أفاضل تلاميذ الميرزا الشيرازي السيد محمد حسن، له تقرير
بحث أستاذه المذكور من أول مباحث الألفاظ إلى العام والخاص وله التعادل
والترجيح.
الشيخ علي خان النقناوي أو الزنكناوي.
ويقال الشيخ علي زنكنة، وزنكنة عشيرته:
كان وزير الشاة سليمان الصفوي وكان زاهدا عابدا صالحا تقيا كثير
الخيرات راغبا في الحسنات حسن السيرة صادق القول ذا رياسة وسياسة
وهيبة وصلابة، قيل إنه جمعت صدقاته بعد وفاته فبلغت تسعين ألف تومان
من النقد ومثلها من العروض وهذا غير الموقوفات التي وقفها في حياته الباقية
للآن.
الشيخ علي بن زهرة العاملي الجبعي ابن عم والد البهائي.
من تلاميذ الشهيد كان على غاية من الصلاح والتقوى والخير
والعبادة وكان الشهيد يعتقد فيه الولاية وكان رفيقه إلى مصر وتوفي بها.
أبو الحسن علي بن زيد بن عبد الله بن أبي مليكة بن عبد الله بن جدعان
التيمي القرشي البصري الضرير الحافظ عالم البصرة.
توفي سنة ١٢٩ أو سنة ١٣١.
ذكره الذهبي في تذكرة الحفاظ ووصفه بالامام وبعالم البصرة، وقال
روى عن انس بن مالك وسعيد بن المسيب وأبي عثمان النهدي وعروة بن
الزبير وخلق وعنه قتادة وشعبة والسفيانان والحمادان وعبد الوارث
وإسماعيل بن علية، ولد أعمى وهو من أوعية العلم وفيه تشيع، قال أبو
حاتم ليس بقوي وقال احمد ويحيى وقال الترمذي صدوق وربما رفع الموقوف
قال منصور بن راذان قلنا لعلي بن زيد لما مات الحسن اجلس موضعه قلت
لم يحتج به الشيخان لكن قرنه مسلم بغيره، مات في التاريخ المذكور رحمه
الله، انتهت تذكرة الحفاظ. يقول المؤلف يظهر ان هذا الرجل قد
أصابه حظ عظيم فمع ان فيه تشيعا وصف انه من أوعية العلم وبأنه
صدوق وإن كان لم يسلم من التضعيف وعدم القوة وعدم الاحتجاج به وانه
ربما رفع الموقوف.
الشيخ أبو الحسن علي بن أبي القاسم زيد بن محمد بن الحسين.
الشهير بفريد خراسان والشهير بأبي الحسن البيهقي النيسابوري.
وما في بعض المواضع من تسميته الحسن بن الحسين سهو وتحريف.
مولده ووفاته
قال عن نفسه انه ولد يوم السبت ٢٧ شعبان سنة ٤٩٩ في قصبة
السابزوار من ناحية بيهق وفي الذريعة عن مقدمة تاريخ بيهق سنة ٤٩٣
وتوفي سنة ٥٦٥ كما في معجم الأدباء.
أقوال العلماء فيه
يستفاد مما ذكره العلماء في حقه ومما حكاه هو نفسه في كيفية تحصيله
وتعداد مصنفاته كما يأتي انه كان لغويا نحويا صرفيا منطقيا متأدبا شاعرا
أديبا ناظرا في الطب عالما بعلم الحديث فقيها عالما بعلم النظر والجدال
واعظا محسدا من أقاربه وقد صدق قول من قال:
اني حسدت فزاد الله في حسدي * لا عاش من عاش يوما غير محسود
لا يحسد المرء الا من فضائله * بالعلم والحلم والاحسان والجود
(٢٤١)

وقد دعي إلى تولي القضاء فابى وهرب منه ضنا بعمره ان يصرفه في
مثل ذلك وكفى بها رتبة وصرف عمره في الدرس والتدريس ووعظ الناس
والتآليف والتصنيف حتى صنف ما يزيد عن ٧٨ كتابا جلها بالعربية.
وتدلنا سيرة المترجم واخباره ومؤلفاته على انتشار اللغة العربية في إيران
والعلوم العربية والاسلامية بعد الفتح الاسلامي بانتشار علماء العرب فيها
واقبال أهلها على تعلم العلوم العربية بأنواعها وتاليفهم فيها المؤلفات التي
فاقت مؤلفات العرب ولا غرو فالعجم أهل الجد والاجتهاد والصبر والثبات
وأهل المدنية الخالدة ولكن بلاد إيران اليوم على عكس ما كانت عليه في
تلك الاعصار بالنسبة إلى اللغة العربية. وقد ذكره أصحاب أمل الآمل
ورياض العلماء والمعالم ومستدركات الوسائل في باب الكنى بعنوان أبي
الحسن بن أبي القاسم زيد بن الحسين البيهقي ولم يذكروه في باب الأسماء
والظاهر أنهم لم يعثروا على اسمه وذكره باسمه ياقوت في معجم الأدباء.
قال في الرياض في باب الكنى الشيخ أبو الحسن ابن الشيخ أبي القاسم زيد
ابن الحسين البيهقي كان من أجلة مشائخ ابن شهرآشوب ومن كبار
أصحابنا كما يظهر من بعض المواضع.
وفي معجم الأدباء: ذكره العماد الأصفهاني في كتاب الخريدة
ووصفه بالرياسة والشرف قال حدثني والدي انه لما مضى إلى الري عقيب
النكبة أصبح ذات يوم وشرف الدين البيهقي قد قصده في موكبه وهو حينئذ
والي الري ونقله إلى منزله وتكفل بتسديد خلله وكان حينئذ يترشح لوزارة
السلطان وهو كبير الشأن وما زالا بالري مقيمين متوانسين حتى فرق بينهما
محتوم البين وذلك سنة ٥٣٣ قال وأظنه نكب في وقعة السلطان سنجر مع
الكفار الخطائية وكان والدي يثني عليه ابدا ويقول إنه ما نظر إلى نظيره ولا
مثلت لعينه عين مثله، صنف وشاح الدمية الخ اه وشرف الدين هذا
كان صهر المترجم كما سيصرح به المترجم فيما يأتي من أحواله ولا ندري ما
وجه اقحام هذه الحكاية في ترجمة المترجم إذ لا تتعلق بها بوجه وقوله:
وأظنه نكب الخ لا يدري انه راجع إلى المترجم أو إلى شرف الدين والظاهر
الثاني، إما قوله وكان والدي يثني عليه الخ فالظاهر رجوعه إلى المترجم
لقوله في اخره وصنف وشاح الدمية ومصنف الوشاح هو المترجم وأنت ترى
ان البعض ذكره وأباه بكنيتيهما مقتصرا عليها وبعض ذكرهما بكنيته وأباه
بكنيته واسمه وبعض ذكرهما بالكنية والاسم وبعض ذكر جده الحسين
وبعض محمد بن الحسن وهو الصواب.
وفي مستدركات الوسائل: العالم المتبحر أبو الحسن أو الحسين ابن
الشيخ أبو القاسم بن الحسين البيهقي الفاضل المتكلم الجليل المعروف
بفريد خراسان اه وذكره ياقوت في معجم الأدباء فقال علي بن زيد أبو
الحسن بن أبي القاسم البيهقي. وفي معالم العلماء ترجم والده وذكره هو في
أثناء ترجمة والده فقال: أبو القاسم زيد بن الحسين ولابنه أبي الحسن فريد
خراسان كتب وذكرها كما يأتي وفي بعض نسخ المعالم ولابنه الحسن كتب
الخ من دون لفظة أبي، ومنها نسخة عندي مخطوطة إما المطبوعة ففيها
ولابنه أبي الحسن، وفي الرياض في بعض نسخ المعالم ولابنه الحسن دون
لفظة أبي ولذلك أوردناه في باب الحاء المهملة اه أقول الصواب أبي
الحسن ولفظة أبي سقطت من النساخ أو من قلم صاحب المعالم، وذكره في أمل الآمل نقلا عن المعالم بعين عبارتها لم يزد عليها شيئا فقال أبو الحسن بن
زيد بن الحسن البيهقي فريد خراسان له كتب وذكرها كما يأتي، قاله ابن
شهرآشوب اه.
أحواله واخباره
قال فيما حكاه ياقوت عن كتابه مشارب التجارب: مولدي يوم السبت
٢٧ شعبان سنة ٤٩٩ في قصبة السابزوار من ناحية بيهق وهي بلدة بناها
ساسان بن ساسان بن بابك بن ساسان فاسلمني أبي بها إلى الكتاب ثم
رحلنا إلى ناحية ششتمد من قرى تلك الناحية ولوالدي بها ضياع فحفظت
في عهد الصبى كتاب الهادي للشادي تصنيف الميداني والسامي في الأسامي
له والمصادر للقاضي الزوزني وغريب القرآن للعزيزي واصلاح المنطق
والمنتحل للميكالي وأشعار المتنبي والحماسة والسبعينات والتلخيص في النحو
ثم بعد ذلك حفظت المجمل في اللغة وحضرت في شهور ٥١٤ كتاب أبي
جعفر المقرئ إما الجامع القديم بنيسابور مصنف كتاب ينابيع اللغة
وغير ذلك وحفظت تاج المصادر من تصنيفه وقرأت عليه نحو
ابن فضال وفصلا من كتاب المقتصد والامثال لأبي عبيد والامثال للأمير
أبي الفضل الميكالي ثم حضرت درس الامام صدر الأفاضل أحمد بن
محمد الميداني في المحرم ٥١٦ وصححت عليه السامي في الأسامي
من تصنيفه والمصادر للقاضي والمنتحل وغريب الحديث لأبي عبيد واصلاح
المنطق ومجمع الأمثال من تصنيفه وصحاح اللغة للجوهري وفي أثناء ذلك
كنت اختلف إلى الامام إبراهيم الحراز المتكلم واقتبس منه أنوار علوم
الكلام والى الإمام محمد الفزاري وسمعت منه غريب الحديث للخطابي
وغيرهم ثم مات والدي في سلخ جمادى الآخرة سنة ٥١٧ فانتقلت في ذي
الحجة سنة ٥١٨ إلى مرو فقرأت على تاج القضاة أبي سعيد يحيى بن عبد
الملك وعلقت من لفظه كتاب الزكاة والمسائل الخلافية ثم سائر المسائل على
غير الترتيب وخضت في المناظرة والمجادلة سنة جردا حتى رضيت عن نفسي
فيه ورضي عني أستاذي وكنت اعقد مجلس الوعظ في تلك المدرسة وفي
الجامع ثم انصرفت عن مرو في ربيع سنة ٥٢١ واشتغلت بمرو بتزويج
صدني عن التحصيل صدا وعدت إلى نيسابور ثم عدت إلى مسقط الرأس
وزيارة الوالدة ببيهق وأقمت بها ثلاثة أشهر وذلك في سنة ٥٢١ ورجعت إلى
ناحية سابور ثم رجعت إلى بيهق واتفقت بيني وبين الاجل شهاب الدين
محمد بن مسعود المختار والي الري ثم مشرف المملكة مصاهرة وصرت
مشدودا بوثائق الأهل والأولاد سنين وفوض إلي قضاء بيهق في جمادى الأولى
سنة ٥٢٦ فبخلت بزماني وعمري على انفاقه في مثل هذه الأمور التي
قصاراها ما قال شريح القاضي أصبحت ونصف الناس علي غضبان
فضقت ذرعا ولم أجد بدا من الانتقال حتى يتقلص عني ظل ذلك الامر
فقصدت كورة الري ليلة العيد من شوال سنة ٥٢٦ والوالي بها شهاب
الدين صهري فتلقاني أكابرها وقضاتها وسائر الاجلاء وأقمت بها إلى ٢٧ من
جمادى الأولى سنة ٥٦٧ وكنت في تلك المدة انظر في الحساب والجبر والمقابلة
وطرفا من الاحكام لعله يريد علم الحكمة أو احكام النجوم وصرت في
تلك الصناعة مشارا إلي وانتقلت إلى نيسابور في غرة ربيع الآخر سنة ٥٢٩
وكان علم الحكمة عندي غير نضج وعدت إلى بيهق وفي العين قذى من
نقصان الصناعة فرأيت في المنام سنة ٥٣٠ قائلا يقول عليك بقطب
الدين محمد المروزي الملقب بالطبسي النصيري فمضيت إلى
سرخس وأقمت عنده وأنفقت ما عندي من الدنانير والدراهم وعالجت
جروح الحرص بتلك المراهم وعدت إلى نيسابور في السابع
(٢٤٢)

والعشرين من شوال سنة ٥٣٢ وأقمت معه بنيسابور حتى أصابه الفلج
وذلك في رجب سنة ٥٣٦ فعدت إلى بيهق في شعبانها فأزعجني عنها حسد
الأقارب فخرجت منها خائفا أترقب في رمضان سنة ٥٣٧ إلى نيسابور
فاكرمني أكابرها فكنت اعقد المجلس في يوم الجمعة بجامع نيسابور القديم
ويوم الأربعاء في مسجد المربع ويوم الاثنين في مسجد الحاج وتفد علي وفود
اكرام الوزير ملك الوزراء طاهر بن فخر الملك واكرام أكابر الحضرة
فألقيت العصا بنيسابور وأقمت بها إلى غرة رجب سنة ٥٤٩ ثم ارتحلت عنه
لزيارة والدتي ومات ولدي احمد ووالدتي في السنة وكانت حافظة للقرآن عالمة
بوجوه تفاسيره اه ومنه يعلم أنه ولد بين أبوين فاضلين فأبوه وصف
بالامام وامه حافظة للقرآن وتفسيره.
تشيعه
وجدت في مسودة الكتاب ولا اعلم الآن من أين نقلته انه كان من
أجلة مشايخ ابن شهرآشوب وكبار علماء الإمامية وقد ذكره ابن شهرآشوب
في المعالم وابن الحر في أمل الآمل والأفندي في رياض العلماء والنوري في
مستدركات الوسائل، فجزم رئيس المجمع العلمي فيما صدر طبعة كتابه
تتمة صوان الحكمة المعروف بتاريخ حكماء الاسلام بعدم تشيعه استنادا إلى أن
مشايخه من غير الشيعة ليس بصواب فتتلمذ الشيعة على غير الشيعة أكثر
من أن يحصى ولئن كان في ذلك دلالة على عدم التشيع ففي تتلمذ أحد
أجلاء علماء الشيعة وهو ابن شهرآشوب عليه دلالة على التشيع.
مشايخه
كما يستفاد مما مر من كلامه ١ أبو جعفر المقرئ ٢ صدر
الأفاضل أحمد بن محمد النيسابوري المعروف بالميداني ٣ الامام إبراهيم
الحراز المتلكم ٤ الإمام محمد الفزاري ٥ تاج القضاة أبو يحيى بن عبد
الملك بن عبيد الله بن صاعد ٦ الحكيم أستاذ خراسان الثمان ابن جاذ
وكار ٧ قطب الدين محمد المروزي الطبسي النصيري.
تلاميذه
لا شك ان له تلاميذ كثيرين طوت الأيام ذكرهم ولم نعرف منهم غير
ابن شهرآشوب.
تصانيفه
ذكر تصانيفه ما كان منها مجلدة واحدة وأكثر ونحن نذكرها فما كان
منها مجلدة واحدة اقتصرنا على ذكر اسمه اختصارا فيعلم انه كذلك وما كان
أكثر من مجلدة صرحنا به كما اننا تركنا لفظة كتاب التي أضافها إلى كل
واحد من مصنفاته. قال فيما حكاه عنه ياقوت وها انا أذكر تصانيفي في هذه
المدة ١ أسئلة القرآن مع الأجوبة ٢ اعجاز القرآن ٣ الإفادة في كلمة
الشهادة ٤ المختصر من الفرائض ٥ الفرائض بالجدول ٦ أصول
الفقه لم يذكره المعاصر ٧ قرائن آيات القرآن ٨ معارج نهج البلاغة وهو
شرح الكتاب وهو أول من شرحه ٩ نهج الرشاد في الأصول ١٠
كنز الحجج في الأصول ١١ جلاء صداء الشك في الأصول ١٢
ايضاح البراهين في الأصول لم يذكره المعاصر ١٣ الإفادة في اثبات الحشر
والإعادة ١٤ تحفة السادة ١٥ التحريز في التذكير مجلدتان ١٦
الوقيعة في منكر الشريعة ١٧ تنبيه العلماء على تمويه المتشبهين بالعلماء
١٨ أزاهير الرياض المريعة وتفسير ألفاظ المحاورة والشريعة ١٩
أشعاره ٢٠ درر السخاب ودرر السحاب في الرسائل ٢١ ملح البلاغة ٢٢
البلاغة الخفية ٢٣ طرائف الوسائل إلى حدائق الرسائل
٢٥ الرسائل بالفارسي ٢٦ رسائله المتفرقة ٢٧ عقود اللآلئ
٢٨ غرر الأمثال ودرر الأقوال، في كشف الظنون هو ماخذ الميداني وهو
سهو فالميداني شيخ المترجم فأولى ان يكون كتاب المترجم مأخوذا من الميداني
مجلدتان ٢٩ الانتصار من الأشرار ٣٠ الاعتبار بالاقبال والادبار
٣١ وشاح دمية القصر ولقاح روضة العصر مجلدة ضخمة في شعراء
عصره ٣٢ اسرار الاعتذار ٣٣ شرح مشكلات المقامات الحريرية ٣٤
درة الوشاح تتمة وشاح دمية القصر مجلدة خفيفة ٣٥ العروض ٣٦
أزهار أشجار الاشعار ٣٧ عقود المضاحك بالفارسي ٣٨ نصائح الكبراء
بالفارسية ٣٩ آداب السفر ٤٠ مجامع الأمثال وبدائع الأقوال أربع مجلدات
٤١ مشارب التجارب وغوارب الغرائب أربع مجلدات وهو ذيل على تاريخ
اليميني يشتمل على تاريخ إيران من سنة ٤٢٠ إلى سنة ٥٦٠ ٤٢ دخائر
الحكم ٤٣ شرح الموجز المعجز ٤٤ اسرار الحكم ٤٥ عرائس النفائس
٤٦ أطعمة المرضى ٤٧ المعالجات الاعتبارية ٤٨ تتمة صوان الحكمة
لأبي سليمان السنجري طبعه المجمع العلمي العربي بدمشق سنة ١٣٦٥
باسم تاريخ حكماء الاسلام وهو اسم حادث ٤٩ السموم ٥٠
الحساب ٥١ خلاصة الزيجة ٥٢ أسامي الأدوية وخواصها ومنافعها
ويقال له تفاسير العقاقير مجلدة ضخمة ٥٣ جوامع الاحكام ثلاث مجلدات
وفي كشف الظنون جوامع النجوم فارسي جمعه من ٢٥٢ كتابا ٥٤ أمثلة
الأعمال النجومية ٥٥ مؤامرات الأعمال النجومية ٥٦ غرر الأقيسة
٥٧ معرفة ذات الحلق والكرة والإسطرلاب ٥٨ احكام القرانات ٥٩
ربيع العارفين ٦٠ رياحين العقول ٦١ الإراحة عن شدائد المساحة
٦٢ حصص الأصفياء في قصص الأنبياء على طريق البلغاء بالفارسية
مجلدتان ٦٣ المشتهر في نقض المعتبر الذي صنفه الحكيم أبو البركات
٦٤ بساتين الأنس ودساتين الحدس في براهين النفس ٦٥ مناهج
الدرجات في شرح كتاب النجاة ثلاث مجلدات ٦٦ الأمانات في شرح
الإشارات ٦٧ رقيات قضايا التشبيهات على خفايا المختلطات
بالجداول ٦٨ شرح رسالة الطير ٦٩ شرح الحماسة ٧٠ الرسالة
العطارة في مدح بني الزنارة ٧١ تعليقات فصول بقراط ٧٢ شرح شعر
البحتري وأبي تمام ٧٣ شرح شهاب الاخبار. قال ياقوت هذا ما ذكره
من مشارب التجارب ووجدت له ٧٤ تاريخ بيهق بالفارسية و ٧٥
لباب الأنساب اه ٧٦ قوام علوم الطب ذكره صاحب كشف الظنون
ولعله أسامي الأدوية المتقدم ٧٧ تلخيص مسائل الذريعة للمرتضى ٧٨
جواب يوسف اليهودي العراقي ذكرهما ابن شهرآشوب في المعالم. ولا يوجد
من كتبه هذه سوى تاريخ بيهق وتتمة صوان الحكمة مع أن تاريخ بيهق لم
يوجد الا في فرنسا كما ستعرف والعجب أن صاحب الذريعة أهمل ذكر
الكثير من مصنفاته ولم يذكر منها الا القليل مع أنه اطلع على ترجمته في
معجم الأدباء.
الكلام على تاريخ بيهق
هذا الكتاب رأيت منه نسخة في طهران سنة ١٣٥٣ أخذت بالتصوير
الشمسي في فرنسا وبقيت عندي أياما ونقلت منها ما أمكنني في هذا الكتاب
(٢٤٣)

وأخبرت ان الدولة الإيرانية أنفقت للحصول على هذه النسخة ما يزيد عن
ألف ليرة عثمانية ذهبا فأخذت بواسطة سفيرها في باريز صورة فوتوغرافية
عن النسخة المخطوطة التي في مكتبة باريز وأودعتها خزانة المكتبة المنشأة في
طهران باسم مكتبة المجلس واستعارها من المكتبة تيمور طاش
وزير البلاط الملكي مع أن أنظمة المكتبات ان لا تخرج منها المخطوطات
ولكن من يستطيع منع وزير البلاط ومن أخذها في بلاد الشرق فلما قتله
الشاة رضا البهلوي بقيت في داره واتصلت إلى من بينه وبينهم مصاهرة من
قبل زوجته واتصلت لي منهم. فانظر واعجب ان يكون كتاب من تاليف
عالم من بلاد العجم وبلغتهم وفي تاريخ بلادهم ولا توجد نسخته في
بلادهم بل توجد في باريز ويحتاجون في تحصيل صورة منها إلى دفع مبالغ
طائلة. وهو يستشهد في هذا الكتاب باشعار كثيرة عربية من أجود الشعر
بل لعله لا يستشهد بغير الاشعار العربية ودل انتقاؤه لها على معرفته بالشعر
ولأجل ذلك كان يظن بعضهم ان أصل الكتاب بالعربية وترجم إلى
الفارسية، وانا كنت أظن ذلك في أول الأمر لكن لما علمت عراقة المؤلف
في اللغة العربية وحسن معرفته بالشعر العربي زال هذا الظن. وقد صرح
فيه بأنه ألفه سنة ٥٦٣ اي قبل وفاته بسنتين في زمان السلطان المؤيد اي آبه
وهو على ما أفادنا بعض فضلاء الإيرانيين اسم قائد.
أشعاره
أنشد لنفسه في الوشاح أشعارا منها في مخلص الدين أبي الفضل
محمد بن عاصم كاتب الإنشاء في ديوان السلطان سنجر وهو ابن أخت أبي
إسماعيل الطوغرائي (١).
كريم علاء أوج النجوم علاه * واوقظ نوام المديح نداه
سرى واهتدى طبعي بنجم كماله * واحمد في وقت الصباح سراة
له روضة أبدت من الورد نرجسا * وغصنا من الاقبال طاب جناه
أعاد صواع القلب في رحل وده * وغادر في قلبي صواع هواه
تفرق أشجان الأفاضل يمنة * ويجمع كل الصيد جوف فرآه
لقد زرت أشراف الزمان وانما * أبى الفضل الا ان أزور فتاه
ومما اورده لنفسه في وشاح الدمية قوله:
تراجعت الأمور على قفاها * كما يتراجع البغل الرموح
وتستبق الحوادث مقدمات * كما يتقدم الكبش النطوح
وقوله:
تشير بأطراف لطاف كأنها * أنابيب مسك أو أساريع مندل
وترمي بلحظ فاتر الطرف فاتن * بمرود سحر بابلي مكحل
ينم على ما بيننا من تجاذب * نسيم الصبا جاءت بريا القرنفل
قال ياقوت:
ومن شعره الذي اورده في الوشاح قوله في عزيز الدين
أبي الفتوح علي بن فضل الله المستوفي الطغرائي ونقلته من خطه:
شموسي في أفق الحياة هلال * وامني من صرف الزمان محال
واطلب والمطلوب عز وجوده * وارجو وتحقيق الرجاء خيال
إلى كم ارجي من زماني مسرة * وقد شاب من رأس الزمان قذال
وبال على الطاووس ألوان ريشه * وعلم الفتى حقا عليه وبال
وللدهر تفريق الأحبة عادة * وللجهل داء في الطباع عضال
لقد ساد بالمال المصون معاشر * واخلاقهم للمخزيات عيال
وبينهم ذل المطامع عزة * وعندهم كسب الحرام حلال
وله:
ضجيعي في ليلي جوى نحيب * وألفي في نومي ضنا ولغوب
دجا ليل آمالي وابطا صبحه * وللمنذرات السود فيه نعيب
وتلسعني الأيام فهي أراقم * وتخدعني الآمال فهي كذوب
الا ليت شعري هل أبيتن ليلة * وباعي في ظل الوصال رحيب
خليلي لا تركن إلى الدهر أمنا * فاحسانه بالسيئات مشوب
وكم جاهل قد قال لي أنت ناقص * فهيج ليث الحقد وهو غضوب
وعيرني بالعلم والحلم والنهى * قبائل من أهل الهوى وشعوب
فقلت لهم لا تعذلوني فإنني * لصفو زجاجات العلوم شروب
وما ضرني اني عليم بمشكل * وقد مس أهل الدهر منه لغوب
لئن كان علم المرء جرما لديكم * فذلك جرم لست منه أتوب
كفى حزنا اني مقيم ببلدة * بها صاحب العلم الرصين غريب
قال وذكر في الوشاح أيضا قال دخلت على الأمير يعقوب بن إسحاق
المظفر ابن نظام الملك فاكرمني وقابلني بالتعظيم والتفخيم فقلت بديهة:
يعقوب يظهر دائما في لفظه * عسلا لديه نظمه يعسو به
وغدا بحمد الله صدرا مكرما * يعلو نطاق المشتري عرقوبه
فسقى أنامله حدائق لفظه * وجرى على نهج العلى يعبوبه
قد غاب يوسف خاطري عن مصره * ويشم ريح قميصه يعقوبه
قال المؤلف شعر صاحبنا في الروية ليس بذلك الا قليلا منه
فكيف به على البديهة ويعجبني قوله في الأبيات السابقة:
كفى حزنا اني مقيم ببلدة بها صاحب العلم الرصين غريب
ومعنى البيت ادخل في الاعجاب من لفظة، وهذه الأبيات الأربعة
لا تستحق الذكر لكننا ذكرناها لأن الكتاب لا باس ان يوجد فيه من هذا
وذاك وقوله فسقى، كان يمكنه أن يقول فسقت أظن أنها غلبت عليه فيه
العجمة. قال فأشار إلي وقال هل لك ان تنسج على منوالي فيما قلت
فانشدني لنفسه:
أعاذل مهلا ليس عذلك ينفع * وقولك فينا دائما ليس ينجع
وهل يبصر الصب المشوق على الجوى * وفي الوصل مشتاق وفي الهجر مجزع
يقولون إن الهجر يشفي من الجوى * وان فؤاد الصب في القرب اجزع
بكل تداوينا فلم يشف ما بنا * الا ان قرب الدار أجدى وانفع
نحن إلى ظل من العيش وارف * وعهد مضى منه مصيف ومربع
قال المؤلف وهذا الأمير مضى في حلبة الشعر وليس من أهل هذه
الحلبة فجاء غير سابق واخذ من غيره فلم يحسن الاخذ فان قوله
يقولون والبيت الذي بعده مأخوذ من قول القائل:
وقد زعموا ان المحب إذا نأى * يمل وان البعد يشفي من الوجد
بكل تداوينا فلم يشف ما بنا * على أن قرب الدار خير من البعد
قال فقلت أيها الصدر ليس للخل حلاوة العسل ولا للتكحل طلاوة
الكحل. ومن أين للسراج نور الشمس وللكودن سبق الخيل الشمس.
ومن أين للضباب منفعة السحاب. فقال لا بد من ذلك فجمعت العجالة

(١) معجم الأدباء.
(٢٤٤)

والبداهة هنالك وقلت في الحال في مقام الارتحال وكتبت بقلم الارتجال على
قرطاس الاستعجال:
سرى طيفه وهنا ولي فيه مطمع * وبرق الأماني في دجى الهجر يلمع
ويأبى حقين الهجر عذرة طيفه * فلم أدر من مهوى الهوى كيف اصنع
لقد يحمد القوم السرى في صباحهم * زمان تلاق عنده الشمل يجمع
وها انا أسري في ظلامي وانني * أذم صباحي والخلائق هجع
أقول لصبري أنت ذخري لدى النوى * وذخر الفتى حقا شفيع مشفع
ولكن ماء العين ناري وانما * هواء من تربة الطيف أنفع
رأيت معيدي الخيال فقال من * جهينة اخبار المعيدي تسمع
دعوت إلى جيش الهوى جندب الهوى * فولى وطرف العين في النوم يرتع
وقال لنفسي لا تموتي صبابة * لعل زمانا قد مضى لك يرجع
ولم يبق مني غير ما قلت منشدا * حشاشة نفس ودعت يوم ودعوا
اجلك يا يعقوب عن كنه مدحتي * لأنك عن مدحي أجل وارفع
قال ثم شرفني بقصيدة أولها أ لا أبلغ إلى سلمى السلاما فأجبت
وقلت بعد الجواب علاوة للتصديع والابرام. على طريق أداء شكر المنعم
اللائق بأحوال الخدم:
يا صاحبي كسدت أسواق أشواقي * والتفت الساق يوم الهجر بالساق
يا ليت شعري هل سعد يساعدني * أم أهل لداء الهوى في الناس من راق
أم هل سبيل إلى سلوان مكتئب * أم هل طريق إلى ايناس مشتاق
يا نجل إسحاق يا من ثوب سؤدده * قد جل في الدهر عن وهي وإسحاق
فما تمهلت في يومي وغى وندى * الا قضيت بآجال وارزاق
وكل ذكر وان طال الزمان به * فان ذكرك في نادي الندى باق
قال المؤلف: وأنت ترى ان ما مر من شر المترجم كله لا يجري في
حلبة الشعر وعذرنا في ايراده ما مر:
الكلام على شرحه لنهج البلاغة
عن الرياض انه أول من شرح النهج اه وقيل إنه أول من شرحه
بعد عصر الرضي واما أول الشروح الذي لم يسبقه شرح فهو شرح علي بن
ناصر المعاصر للرضي الآتي. قال المترجم في أول شرحه على النهج كما في
مستدركات الوسائل: لم يشرح قبلي من كان في الفضلاء السابقين هذا
الكتاب بسبب موانع منها ان من كان متبحرا في علم الأصول كان قاصرا في
اللغة والامثال ومن كان كاملا فيهما كان غافلا عن أصول الطب والحكمة
وعلوم الأخلاق ومن كان كاملا في جميع هذه العلوم والآداب كان قاصرا في
التواريخ وأيام العرب ومن كان كاملا في جميع ذلك كان غير معتقد لنسبة
هذا الكلام إلى أمير المؤمنين ع ومن حصلت لديه هذه
الأسباب لم يعثر بذخائر كنز التوفيق فان التوفيق كنز من كنز الله يختص به
من يشاء من عباده وانا المتقدم في شرح هذا الكتاب إلى أن قال:
ومن قبل التمس مني الامام السعيد جمال المحققين أبو القاسم علي بن
الحسن الحونقي النيسابوري رحمه الله ان أشرح كتاب نهج البلاغة وأصرح
أمد الالتباس عن شرحه صرحا فصدني الزمان عن اتمامه صدا وبنى بيني
وبين مقصودي سدا وانتقل ذلك الإمام الزاهد الورع من لجة بحر الحياة
إلى الساحل وطوى من العمر جميع المراحل وودع أفراش المقام في ردا الدنيا
مع الرواحل وكل انسان وان طال عمره فان وكان ذلك الامام قارعا باب
العفاف قانعا عن دنياه بالكفاف رحمة الله عليه. إلى أن قال: وخدمت بهذا
الكتاب خزانة كتب الصدر الاجل السيد العالم عماد الدولة والدين جلال
الاسلام والمسلمين ملك النقباء في العالمين أبي الحسن علي بن محمد بن
يحيى بن هبة الله الحسيني فإنه جمع في الشرف بين النسب والحسب وفي
المجد بين الموروث والمكتسب إذا اجتمعت السادة فهو نقيبهم وامامهم وإذا
ذكرت الأئمة والعلماء فهو سيدهم وهمامهم وإذا أشير إلى أصحاب المناصب
فهو صدرهم وإذا عد أرباب المراتب فهو فخرهم فأبقاه الله تعالى للسادات
والعلماء ما صار الهلال بدرا انتهى.
ويناسب هنا ذكر ما وصل إلينا من شروح هذا الكتاب مرتبة بحسب
اعصار مؤلفيها:
١ شرح العلامة علي بن الناصر المعاصر للرضي اسمه اعلام نهج
البلاغة وشرح اخر له يسمى المعارج.
٢ شرح الشيخ أبي الحسن البيهقي المتقدم ذكره المتوفى سنة
٥٦٥.
٣ شرح قطب الدين الراوندي سعيد بن هبة الله المتوفى في
٥٧٣ المسمى منهاج البراعة.
٤ شرح قطب الدين الكيدري فرع منه سنة ٥٧٦.
٥ شرح الشيخ الامام أفضل الدين الحسن بن علي بن أحمد
الماهابادي شيخ الشيخ منتجب الدين توفي ٥٨٥ ٦ شرح القاضي عبد
الجبار المردد بين ثلاثة مقاربين لعصر الشيخ الطوسي وهم عبد الجبار بن
علي الطوسي وعبد الجبار بن منصور وعبد الجبار بن فضل الله بن علي بن
عبد الجبار وذكر في أحوال عبد الرحمن العتائقي انه اختار شرحه لنهج
البلاغة من عدة شروح أحدها للقاضي عبد الجبار الامامي ٧ شرح
الامام فخر الدين الرازي محمد بن عمر المتوفي سنة ٦٠٦ لم يتم. ذكره
جمال الدين القفطي في تاريخ الحكماء.
٨ شرح عز الدين أبي حامد عبد الحميد بن هبة الله بن أبي
الحديد المعتزلي المدائني المتوفى ببغداد سنة ٦٥٦ طبع مرتين بإيران ومرة بمصر
٩ شرح السيد علي بن طاوس المتوفى ٦٦٤ ١٠ شرح الشيخ كمال
الدين ميثم بن علي بن ميثم البحراني المتوفى ٦٧٩ مطبوع بإيران. ١٠
شرحه المتوسط ١٢ الصغير واحدهما يسمى مصباح السالكين في شرح
النهج اقتصر فيه على بيان بعض لغاته وكتبت النسخة التي وجدت منه في
المشهد المقدس المنصوري سلام الله على ساكنه ٧٠١ وقوبلت سنة ٧٠٣
وكتب عليها السيد احمد ابن السيد كاظم الرشتي انه للامام يحيى بن حمزة
العلوي صاحب كتاب الطراز ويحيى هذا توفي سنة ٧٤٩ وفي بعض المواضع
منه ذكر إشارة أمير المؤمنين ع في كلامه إلى أن الأئمة من ولده
أحد عشر الدال على أن مؤلفه اثنا عشري وإن كان ما تقدم يعطي انه من
الزيدية.
١٣ شرح لبعض علماء أهل السنة اسمه النفائس كتابته سنة ٧٥٩
موجود في الخزانة الرضوية ١٤ شرح ابن العتائقي الحلي عبد الرحمن بن
محمد جمعه من أربعة شروح شرح القاضي عبد الجبار وشرح ابن ميثم
وشرح الكندري وشرح ابن أبي الحديد في أربع مجلدات في الخزانة الغروية
(٢٤٥)

فرع من الثالث ٧٨٠ ١٥ شرح سعد الدين مسعود بن عمر
التفتازاني صاحب المطول المتوفى سنة ٧٩٢.
١٦ الشرح الموسوم بالتحفة العلية في نهج البلاغة الحيدرية للسيد
أفصح الدين محمد بن حبيب الله بن أحمد الحسيني كبير جدا فرع منه ٨٨١
كتبه لبعض الملوك ونسخة منه موجودة في مكتبة السيد علي الهمداني بالنجف
١٧ شرح العلامة الحلي المتوفي ٧٣٦ ١٨ شرح المولى قوام الدين
يوسف بن حسن الشهير بقاضي بغداد المتوفي ٩٢٢ ذكره في كشف
الظنون.
١٧ شرح المولى كمال الدين الحسين بن عبد الحق الأردبيلي
المتوفي ٩٥٠ اسمه منهج الفصاحة.
١٨ شرح عماد الدين علي القاري الاسترآبادي بنحو الحاشية،
في أوائل القرن العاشر.
١٩ شرح أبي الحسن علي بن الحسن الزواري تلميذ المحقق
الكركي بالفارسية اسمه روضة الأبرار فرع منه ٩٤٧.
٢٠ شرح تلميذه المولى فتح بن شكر الله الكاشاني بالفارسية
المتوفى ٩٨٨ مطبوع.
٢١ شرح عز الدين الآملي شريك المحقق الكركي في الدرس
القرن العاشر.
٢٣ شرح علي المعروف بالحكيم الصوفي بالفارسية فرع منه سنة
١٠١٦ رأينا منه نسخة بهمذان.
٢٤ شرح الشيخ حسين بن شهاب الدين الكركي العاملي المتوفى
١٠٧٦ وهو شرح كبير.
٢٥ شرح السيد ابن المطهر بن محمد بن الحسين الجرموزي
اليماني المتوفى ١١١٠.
لم يتم حكاه في نسمة السحر عن ابن المصنف السيد احمد ابن
الحسن.
٢٦ شرح المولى محمد رفيع بن فرج الجيلاني المتوفى حدود
١١٦٠ سلك فيه طريقة جامعة بين شرحي ابن ميثم وابن أبي الحديد.
٢٧ شرح ميرزا باقر النواب بالفارسية في القرن الثالث عشر
مطبوع بإيران.
٢٨ شرح السيد محمد تقي الحسيني القزويني المتوفي ١٢٧٠
فرع من المجلد الأول ١٢٦٨.
٢٩ شرح الشيخ جواد الطارمي الزنجاني المتوفى سنة ١٣٢٥
بالفارسية.
٣٠ شرح ميرزا إبراهيم بن الحسين بن علي بن عبد الغفار
الدنبلي الخوئي المستشهد سنة ١٣٢٥ اسمه الدرة النجفية مطبوع بإيران ذكر
في ترجمته.
٣١ شرح السيد حبيب الله بن محمد الموسوي الخوئي المتوفى
حدود ١٣٢٦ في عشر مجلدات اسمه منهاج البراعة طبع نصفه.
وهناك بعض الشروح مجهولة المؤلف، وبعض شروح مقتصرة على
موضوع معين كشروح الخطبة الشقشقية وغيرها.
الشيخ علي بن زين الدين بن محمد بن الحسن بن زين الدين الشهيد الثاني
العاملي الجبعي المعروف بالشيخ علي الصغير في مقابلة عمه الشيخ علي بن
محمد بن الحسن بن زين الدين. واشتبه من زعم أن الشيخ علي الصغير
هو أخو الشيخ زين الدين الوسط ابن محمد بن الحسن.
في الأمل: فاضل عالم شاعر أديب معاصر قرأ على عمه وغيره سكن
أصفهان إلى الآن اه وله شرح الصحيفة السجادية فرع منه في صفر سنة
١٠٨٩ رأينا منه نسخة في كربلاء سنة ١٣٥٢ في المكتبة التي كانت للشيخ
عبد الحسين الطهراني.
أبو طاهر علي بن سعد القمي.
توفي سنة ٤٨٢ بعد استكتابه لملك شاة بنحو ثلاثة أشهر كما في
المجالس.
كان فاضلا كاتبا أديبا شاعرا ورد إلى العراق من قم في حدود
الأربعمائة وخمسين وتخرج بفضلائها ونظم الشعر فأجاده واختص بنظام
الملك في زمن ملكشاه وكتب له ثم ارتقت به الحال حتى كتب لملك شاة أيام
فتنة أهل مرو فمن شعره قوله.
أقول اني عبد لا عتاق له * لآل ياسين قول الصادع الجاهر
محمد وعلي والبتولة والسبطين * والسيد السجاد والباقر
وجعفر وابنه موسى وحافده الر * ضا ونور الهدى محمد الطاهر
والعسكري علي وابنه الحسن * الزاكي أرومته والحجة الباهر
وقوله من قصيدة في أمير المؤمنين ع.
وليلة كاد المشركون محمدا * شرى نفسه لله والناس لا تشري
فبات مبيتا لم يكن ليبيته * ضعيف عمود القلب منتفخ السحر
وسماه رب العرش في الذكر نفسه * فحسبك هذا القول إن كنت ذا خبر
واخاهم مثلا لمثل فأوضحت * اخوته كالشمس ضمت إلى البدر
وآخى عليا دونهم وأصاره * لهم علما بين الهداية والكفر
وقال لهم هذا وصيي ووارثي * ومن شد رب العالمين به أزري
على كزري من قميصي إشارة * بان ليس يستغني القميص عن الزر
وهي طويلة
الأمير السيد شمس الدين علي سلطان من بني المختار
جاز في زمان السلاطين الكوركانية من بلاد العرب بخيله وحشمه
وخدمه إلى خراسان وأقام في سبزوار وملك قرى وضياعا وغيرها، ورغب
اتباعه في الزراعة والعمارة وحصلت له مبالغ كثيرة من حاصل املاكه.
وفي حبيب السير انه لم يجئ في زمان من الأزمنة من الحجاز وعراق العرب
سيد مثل شمس الدين علي في علو الشأن والثروة وكثرة الخدم والحشم،
والكلام المشهور السماء لله والأرض لبني المختار شاهد عدل على ذلك،
وصار مقربا عند السلاطين وأعطي له منصب نقيب ممالك إيران وولايات
خراسان، وفي زمان ظهور الدولة الصفوية تقدم أولاده عندهم ونالوا درجة
(٢٤٦)

رفيعة وجال في خاطر المير شمس الدين والد المير محمد زمان في فترة
الأزبكية ومجئ عبيد خان إلى خراسان طلب الامارة، فاعطي من قبل
الشاة عباس رتبة الامارة العليا ولقب بالخان نائب السلطان وأعطي التقدم
على سادات وأكابر خراسان علاوة على منصبه السابق وبقي على ذلك إلى
حين وفاته (١).
الحاج علي الزين ابن الحاج سليمان.
ولد في صيدا سنة ١٢٧٠ ه وتوفي سنة ١٣٤٩ تعلم القرآن الكريم
ومبادئ القراءة والكتابة على بعض الشيوخ ولما ترعرع التحق بأخويه
اللذين كانا في مدرسة جبع على عهد مؤسسها الشيخ عبد الله نعمة فدرس
مبادئ اللغة العربية وولع من صغره بالنظم والنثر وكان بينه وبين بعض
مشائخ آل الحر مراسلات ومساجلات من منظوم ومنثور. ثم جعل سكناه
الدائم في شحور وقد نبه امره واشتهر ذكره:
شعره
من شعره في شبابه قوله في المناجاة:
إلهي عبدك العاصي * مقر انه الجاني
كبير الجرم أوصلني * إلى هلك وخذلان
وابعدني عن الحسنى * هوى نفسي وشيطاني
لئن دلست كفرانا * فما دنست ايماني
وقلبي نير بولا * خيار الإنس والجان
محمد خير من فرحت * به جنات عدنان
وليث الله ناصره * علي خير عدنان
وضمن هذه الأبيات كتابا أرسله لبعض أصدقائه في صيداء وكان
طال غيابه عنها:
حننت حنين النيب قد كظها الصدى * لمشرعة ثلجاء صاف شرابها
أحن إلى صيدا وصيداء بلدتي * مزخرفة الأطراف رحابها
وللجدول الغربي اشتاق كلما * تراءى لعيني بالفلاة ضبابها
فيا حبذا روضاتها وجنانها * ويا حبذا ارجاؤها وقبابها
ديار لها ارتاح ما عن ذكرها * وأهوى نواحيها الأنيق جنابها
ديار بها أهلي وجل عشيرتي * وخير أحباء حلالي عتابها
إذا ارتسمت بالفكر رددت بيت من * لاوطانه شاقته قبلي هضابها
بلاد بها نيطت علي تمائمي * وأول ارض مس جسمي ترابها
وله مرتجلا:
لا تسل يا سعد عن وجدي بهم * انني لاقيت ما افنى الجلد
انحلت جسمي تباريح الهوى * وبرى الشوق فؤادي والكبد
وله قصيدة في رثاء المرحوم الحاج محمد بزي لم يحفظ منها سوى هذين
البيتين:
سارت نعاتك بالآفاق حاملة * اخبار موتك فانهل السما نوبا
وسيروك على الأعواد فانفصمت * قلوبنا ودم الأحشاء قد سكبا
وله مرثاة في الشيخ محمد علي عز الدين مطلعها:
ألا فاتئدت يا دهر أو عجل البلوى * فما بعد هذا الخطب بث ولا شكوى
وله مرثاتان في الشيخ عبد الله نعمة مطلع أولاهما:
ألقت نواعيك قولا بعده العطب * فمادت الأرض وانهالت بها الهضب
ومطلع الثانية:
نبا به ناعيك أعجم مقولي * وتعاور المنطيق حال الأفكل
ويقول فيها:
الله يا لبنان ما ملك ثابتا * والراسيات تزلزلت فتزلزل
ومما رثي به من قصيدة للشيخ سليمان ظاهر:
فجعت خزرج به يوم أودى * فبكته حزنا نزار وفهر
فجعت فيه ندوة الحي إما ال‍ * تبس الامر وهو في الحي أمر
فجعت عامل به ومحاني الشام * طرا والرافدان ومصر
فجع الحلم فيه وهو ابن قيس * والندى وهو غيثه المكفهر
وقال السيد عمر الرافعي مخاطبا نجله الشيخ عارف:
أبوك ما مات كما أوهموك * بل لم يزل في الناس حيا أبوك
ما مات من مثلك ابن له * بالعلم والفضل وحسن السلوك
فقل لمن غاب بجثمانه * روحك فينا مثلتها بنوك
الشيخ زين الدين علي بن سليمان بن درويش بن حاتم القدمي
البحراني.
من تلامذة الشيخ البهائي يروي عنه صاحب بلغة الرجال بواسطة شيخه وسميه
الشيخ سليمان بن علي بن راشد البحراني وذكر صاحب
البلغة في حقه انه أول من نشر علم الحديث في بلاد البحرين وكان قبل
ذلك لا اثر له ولا عين. وذكر أيضا انه كان قبل وصوله إلى خدمة شيخنا
البهائي يقرأ عند الشيخ محمد بن رجب المقابي البحراني ولما رجع من خدمة
الشيخ البهائي بالغا مبلغه من العلم بالحديث ونشره فيها كان الشيخ محمد
المذكور من جملة من يحضر حلقة درسه فعوتب على ذلك فقال وكان على
غاية من التقوى والورع والإنصاف انه قد فاق علي وعلى غيري مما اكتسبه
من علم الحديث.
الشيخ جمال الدين علي بن سليمان الستري البحراني.
في أنوار البدرين عن الشيخ سليمان الماحوزي أنه قال في حقه:
الفيلسوف الحكيم الشيخ جمال الدين علي بن سليمان البحراني اثنى عليه آية
الله العلامة في رسالته التي أفردها لاجازته لأولاد زهرة وذكر انه عارف
بقواعد الحكماء وانه يروي عنه بواسطة ولده الشيخ حسين وأثنى عليه الشيخ
كمال الدين ميثم بن علي بن ميثم بن المعلى في بعض مصنفاته وابن أبي
جمهور الأحسائي ورأيت من مصنفاته رسالة الإشارات في الإلهيات على
طريق الحكماء المتألهين قال وقال تلميذه المحدث الشيخ عبد الله بن صالح
في الإجازة المذكورة وعن العلامة يعني العلامة الحلي عن الشيخ العالم
الرباني الشيخ ميثم بن علي البحراني عن شيخه الشيخ علي بن سليمان
البحراني وكان هذا الشيخ عالما جليلا متكلما حكيما وهو أستاذ الشيخ ميثم المذكور
وقبره في سترة من البحرين حميت عن حوادث الملوين و له تصانيف في
الحكمة منها الإشارات ومنها رسالة الطير شرح أبيات الشيخ علي بن سينا في
وصف الروح وهي.

(١) تاريخ عالم اراي الفارسي.
(٢٤٧)

هبطت إليك من المحل الارفع
المذكورة في مولد النبي ص اه ووجدنا مجموعة في مكتبة
الشيخ فضل الله النوري في طهران:
وفيها معراج السلامة ومنهاج الكرامة كتب عليه من املاء الامام
العلامة ملك ملوك العلماء لسان المتكلمين والحكماء ذي النفس القدسية
والرياسة الإنسية جمال الملة شمس الاسلام والمسلمين علي بن سليمان
البحراني بلغه الله اقصى مراتب الصديقين وأسنى مناصب المقربين بمحمد
وآله الطاهرين.
أبو القاسم علي بن شبل بن أسد.
في رجال بحر العلوم عده من مشائخ صاحب الرجال فقال ومنهم أبو
القاسم علي بن شبل بن أسد روى عنه في إبراهيم بن إسحاق الأحمري
وظفر بن حمدون وعبد الله بن حماد الأنصاري وروى عنه الشيخ وكناه فيمن
لم يرو عنهم ع أبا شبل ولقبه بالوكيل اه أقول قال
النجاشي في إبراهيم بن إسحاق له كتب أخبرنا بها أبو القاسم علي بن
شبل بن أسد حدثنا أبو منصور ظفر بن حمدون البادرائي بها وقال في ظفر بن
حمدون. له كتب منها اخبار أبي ذر قرأته على أبي القاسم علي بن شبل بن
أسد قال اخبرني به أبو منصور ظفر بن حمدون وفي عبد الله بن حماد له كتابان أخبرنا
بهما علي بن شبل بن أسد عن ظفر بن حمدون اه وفي الفهرست في
إبراهيم بن إسحاق الأحمري أخبرنا بكتبه ورواياته أبو القاسم علي بن شبل بن
أسد الوكيل أخبرنا أبو منصور ظفر بن حمدون ان شداد البادرائي اه وبذلك
علم أنه من مشائخ النجاشي والشيخ انه يروي عن ظفر بن حمدون وفي
التعليقة علي بن شبل بن أسد يظهر من الرجال انه شيخ النجاشي والشيخ يكنى
أبا القاسم والظاهر أنه من مشائخ الإجازة كما في المعراج اه وفي رجال أبي
علي كما في التعليقة الا أنه قال علي بن شبل بن أسد الوكيل أقول لم
أجد من حكى له ترجمة مستقلة عن رجال الشيخ فيمن لم يرو عنهم
ع كما يظهر من رجال بحر العلوم وليست عندي نسخة رجال الشيخ
فلعل ذلك في بعض نسخه دون بعض أوانه ذكره في أثناء بعض التراجم
وتلقيب أبي علي له بالوكيل كأنه اخذه من الشيخ في الفهرست مع عدم
وجوده في التعليقة إما تكنية الشيخ له بأبي شبل فلم أجد من ذكرها غير بحر
العلوم وفي التعليقة في إبراهيم بن إسحاق الاجري عند بيان وجوه
الاعتماد عليه قال وكذا رواية الصفار وعلي بن أبي شبل الجليليين عنه
اه فكنى أباه بأبي شبل مع أن الموجود في غيره ابن شبل وكفى في
جلالته كونه شيخ النجاشي والشيخ.
السيد علي بن شدقم الحمزي المدني.
له الشجرة في الأنساب وهو الجد الاعلى للسيد ضامن بن شدقم كما
يظهر من تحفة الأزهار للسيد ضامن بن شدقم ينقل عنه فيه بعنوان قال
السيد في الشجرة ثم يذكر بعده غالبا ما زاده عليه جده الأدنى السيد أبو
المكارم بدر الدين حسن بعنوان قال جدي المؤلف حسن ثم يذكر بعده ما
زاده من نفسه.
المولى علي بن شمس الدين ابن الحاج حسين.
عالم مؤرخ أديب له كتب منها تاريخ خاني في تاريخ طبرستان وجيلان
ألفه باسم احمد خان الحسيني من ملوك جيلان فرع منه بعد سنة ٨٩٩
والنسخة بخطه موجودة عند السيد شهاب الدين الحسيني المرعشي التبريزي
النسابة نزيل قم.
السيد علي ابن السيد صافي ابن السيد قاسم ابن السيد محمد ابن السيد احمد
ابن السيد عبد العزيز ابن السيد احمد الموسوي النجفي.
توفي بالنجف بالوباء سنة ١٣٢٢ عن ٤٥ سنة ذكره ولده فيما جمعه
من أحوال جده السيد عبد العزيز وذريته فقال: كان من الفقهاء العلماء
المبرزين في النجف مع سجاحة خلق ورجاحة عقل وذكاء ونبل وفضل
وورع وتقوى قرأ على الشيخ محمد حسين الكاظمي النجفي صاحب هداية
الأنام وعلى الشيخ محمد طه آل نجف النجفي. له حواش على الرياض
وحواش على رسائل الشيخ مرتضى الأنصاري.
السيد علي شاة ابن السيد صفدر ابن السيد صالح الرضوي نسبا القمي
الكشميري.
توفي في لكهنوء سنة ١٢٦٩.
فقيه متبحر ورع معروف بالزهد والورع والتقى كثير الرغبة في العبادة
والابتهال شديد الانزواء قرأ على أبيه السيد صفدر شاة المتوفى اخر يوم
الخميس ١٧ رجب سنة ١٢٥٥ ثم هاجر إلى العراق فقرأ على صاحب
الجواهر وغيره ثم رجع إلى الهند وبعد التحول والتجول في الآفاق القى
عصا السير في لكهنوء وتوفي هناك بالتاريخ المتقدم. له من المؤلفات ١
رسالة في أصل البراءة ٢ رسالة في حجية الاستصحاب ٣ معيار
الاحكام في شرح شرائع الاسلام.
المولوي علي رضا بن طالب الهندي البشاوري.
كان حكيما محققا مدققا وكان موجودا في حدود سنة ١٢٩٠ قال
الفاضل المعاصر الشيخ حيدر قلي الكابلي الكرمانشاهي: لقيه والدي ولا
أتحقق سنة وفاته ولا سنة ولادته له منظومة في الكلام وفي الطبيعيات رأيناها
عند الشيخ حيدر قلي المذكور في كرمانشاه وله منظومة في الصرف ومنظومة
في المنطق اسمها رمزة الميزان وله منظومات كثيرة غير ذلك هي عند الشيخ
حيدر قلي المذكور.
قال في منظومته الكلامية:
كلام أرباب الكلام القدما * خالف في الجسم كلام الحكما
إلى وجود الجزء جهلا مالوا * ثم على أصولهم قد فالوا
الجوهر القابل للابعاد * ألف من جواهر الافراد
وأول منظومة المنطق:
يا دائم الفضل على البرية * يا باسط اليدين بالعطيه
يا مبدع العقول والنفوس * وصانع المعقول والمحسوس
مقوم الأنواع بالحصول * مقسم الأجناس بالفصول
مهذب العقول والأذهان * بفيضان صفة الميزان
مقرر البرهان والقياس * منور المصباح والمقباس
مدبر الأفلاك والعناصر * منظم الاعراض والجواهر
مركب الأجسام من بسائط * مرتب الأجزاء والشرائط
(٢٤٨)

علي بن طاهر بن زيد بن عبد الرحمن بن القاسم بن حسن بن زيد بن
حسن بن علي بن أبي طالب.
في معجم الشعراء للمرزباني أنه يقول:
هل كان يرتحل البراق أبوكم * أو كان جبريل عليه ينزل
أم من يقول الله إذ يختاره * للوحي قم يا أيها المزمل
يبدأ المؤذن في الآذان بذكره * من بعد ذكر الله ثم يهلل
الشيخ علي بن ظاهر المطيري النسب الحلي المولد والمنشأ.
توفي في حدود سنة ١٢٩٠ وهو منصرف من الحويزة إلى العراق.
كان أول امره شابا يبيع اللفت في الحلة ويختلف أحيانا إلى جامع
يجتمع الأدباء فيه فيسمع منهم وكانت له بداهة وطبع ارهف حدهما
بالسماع وتعاطى النظم فدرت قريحته واعجب الناس به ونفق على مدحت
باشا والي بغداد فقدمه واختصه وانتفع به وكان يخرج إلى الحويزة، وكان
رقيق الحال قاعد الجد سافر إلى طهران والى الأهواز وأقام مدة في كربلاء وفي
النجف ومن شعره قوله:
سقى الفيحاء هطال سجوم * وخفق في خمائلها النسيم
وباكرها ورف على رباها * نطاف الطل لا الدر النظيم
ربوع لا عراها الجدب يوما * ولا عنها انثنى الغيث العميم
تخللها الفرات فظل يفري * أديم الروض فاخضل الأديم
وقد نعمت برياها النعامى * وأعطاها غضارته النعيم
تظل على مناهلها العذارى * تحوم وحولها الأشواق حوم
سوانح للورود وقد حمتها * عيون بالقلوب لها كلوم
فواتر لا تطيش لها سهام * ويوشك ان تطيش بها الحلوم
تناسينا معاهدها زمانا * وطفل الشوق رعراع فطيم
فعاد القهقرى يمشي هواها * وجدد ذلك العهد القديم
فاوقفن المطي بها سحيرا * وهن من السرى انضاء هيم
ورجلن الحدوج على رباها * مهابة ان موقفنا كريم
فعانقن الغصون ولا نفوس * وارسلن العيون ولا حسوم
وبتنا والقلوب لها وجيب * وقد لاقي الحميم بها الحميم
نسر كآبة ونبث أخرى * كما يشكو إلى الراقي السليم
تشاكينا الهوى والكل مضنى * فكان لمثله يشكو السقيم
وعالجنا بشرب الراح ساق * هضيم الكشح ساجي الطرف هيم
أدار الكاس مترعة دهاقا * لها من طيب نفحته شميم
سقاني أربعا وأدار أخرى * وبي من نشوة الأولى نميم
فصكت جبهتي قدمي وخانت * يدي عزمي وقد ذل الشكيم
فقلت ترفقي بي يا حميا * ومهلا في فؤادي يا حميم
وله في إفرنجية اجتازت نهر دجلة على زورق وقيل إن الأبيات لمدحت
باشا (١).
ورب خود من الإفرنج حاسرة * عن وجهها وعليها ثوب أنوار
قضيت فيها الهوى شوقا فاوقفني * على شفا جرف هار من النار
جاءتك في زورق بالماء تحسبه * عين المحب طفت في دمعها الجاري
أو تلك شمس هلال الأفق يحملها * فيما يلي الأفق لا في دجلة ساري
حتى إلى الجسر جاءت فانحنت حذرا * من أن يمر على اعطافها الذاري
فيجرح الذر اعطافا منعمة * تكاد تجرح لو مرت بأفكار
وله فيها وينسبان إلى الوزير المذكور ونرى أنهما له:
ان التي بالأمس كنت ارى لها * وجها كضوء البدر في إشراقه
قد عاد زورقها ولم أرها به * فدعوت مجري الفلك في إغراقه
وله يداعب شاعرا يعرف بابن نوح:
بحر اقتداري طمى في النظم فانبجست * عين النشائد منه كالحيا الهطل
قل لابن نوح إذا ما رام منقصتي * في النثر والنظم فليأو إلى جبل
وله:
ولولا جفون تنفث السحر ما صبا * أخو ورع يوما إلى الأعين الحو
ورعت زمانا وارتميت بنظرة * فلا ورعي فيها أفاد ولا عفوي
وله:
ولائم أسبه لأنه * لما عشقت لامني وألهجا
وآخر قال عليك حرج * فهل درى على محب حرجا
ورابع يروعني بحادث * سأقحم البيد واصدع الدجى
واركب الحزم إذا الطرف ونى * واسبق السهم إذا الهم زجى
وله:
ولا قلت فيه قاصر بل عهدته * بليغا بعد طبع لديه سليم
ولكن كما قد قال بعض ذوي النهى * لعل له عذرا وأنت تلوم
وله:
أخدود أم روضة غناء * وقوام أم صعدة سمراء
أو باللحظ سحر بابل أم خمر * أديرت لكنها سوداء
أفسدت عقل ذي النباهة * الا انها صبو أعين لا احتساء
وله:
انا يوما الفي عزيزا ويوما * بين أهل الايمان الفي ذليلا
ولا حرى بان أذل لاني * أبتغي غير أهل حق خليلا
فسأرضى بالذل ان كفر الذل * ذنوبي ولم أكن مسؤولا
كعقيل لما تجافى عليا * ثم مذ جاءه أهان عقيلا
وله:
يجلو لك الراح معسول اللمى شنب * فبت به مستخفا حلمك الطرب
ما بين قوم بدت في الليل أوجههم * مثل الشموس لهم من كأسهم شهب
بيض الثياب وهم سود القلوب غدوا * حمر الوجوه من الراح التي شربوا
مالت بأعينهم بالكاس نشوتها * حتى تلاقى نطاف الدمع والحبب
مستحوذين على اللذات ما برحت * تدعوهم لهواها الخرد العرب
وهم يجيبون داعي الحب لا عذل * يلهيهم عندهم أمر الهوى يجب
تباشروا بائتلاف من قلوبهم * بحيث لم يبق قلب وهو مضطرب
وله:
مجلس كل أهله أهل ود * ما بهم لائم على الأشواق
زينتهم أخلاقهم ولنعم الزينة * اليوم زينة الأخلاق
جعلوا فيه كلما نشتهي الأنفس * مما يروق في الآماق

(١) حكى صاحب سمير الحاضر وأنيس المسافر عنه ان المعجز له والصدر لمدحت باشا.
(٢٤٩)

فلكم عاكف على العود يشدو * باسمه والهوى وآخر ساقي
عدلا بالهوى وما عدلا حين * رمينا بأسهم الأحداق
والندامى على اختلاف الأماني * كل شخص لاه بما هو لاقي
فجرى ما جرى من الوصل حتى * قيل لا هجر بعد يوم التلاقي
فلبسنا من العفاف ثيابا * ومن الاعتناق كالأطواق
وله قصيدة:
عاد بعد الصدود والهجران * فأعاد الكرى على اجفاني
شادن لين المعاطف ألمى * حاز نومي بطرفه الوسنان
كلما هز منه كالغصن قدا * هم قلبي عليه بالطيران
مرسلا صدغه ينبئ عنه * انه في الجمال رب المعاني
بفؤادي جهنم من هواه * وبخديه للورى جنتان
حيه حين بشرت بلقاه * روح في قدس هيكل الإنسان
قد وهبت البشر روحي واضحى * لي هو الروح والهوى جثماني
وله يهني الشيخ محمد رضا ابن الشيخ جعفر الجناجي بقدومه من
تستر سنة ١٢٨٧.
منحتك رفقا إذ شكوت صدودا * فاتتك تسحب للوصال برودا
وسقتك من لعس المراشف ريقها * فشفت هنالك قلبك المكمودا
وبدت كقرن الشمس يرفل في الدجى * وعلى الدجى نثرت عقاصا سودا
ولها كجيد الظبي جيد ان بدا * في الليل أبدى للصباح عمودا
وحلفت بالسلسال وهو رضا بها * لا ابتغي بعد الرضاب ورودا
أ مبشري بالرود بعد صدودها * عطفت فدع عنك الفتاة الرودا
اني لذي شغل بذي الفضل الرضا * حيا فأحيا للرياض همودا
بحر تدفق من جميع جهاته * علما وغيثا ظل يمطر جودا
فالناس بين مقلد حكما له * ومقلد من راحتيه عقودا
علي بن عاصم.
في رسالة أبي غالب الزراري انه خال أحمد بن محمد العاصمي.
قال: وكان علي بن عاصم شيخ الشيعة في وقته ومات في حبس المعتضد
وكان حمل من الكوفة مع جماعة من أصحابه فحبس من بينهم في المطامير
فمات على سبيل ماء وأطلق الباقون وكان يسعى به رجل يعرف بابن أبي
الدواهي وله قصة طويلة وكان للحسن بن الجهم جدنا سليمان ومحمد
والحسين أبناء الحسن ولا أدري أيهم أسن ولم يبق لمحمد ولحسين ولد.
وكانت أم الحسن بن الجهم ابنة عبيد بن زرارة ومن هذه الجهة نسبنا
إلى زرارة ونحن من ولد بكير وكنا قبل ذلك نعرف بولد الجهم.
الميرزا علي رضا بن عبد الكريم الشيرازني.
له كتاب تاريخ الزيدية أولهم كريم خان واخرهم لطف علي خان
مطبوع في ليدن.
أبو الحسن علي بن العباس بن إسماعيل النوبختي.
توفي سنة ٣٢٩ بعد سن عالية والنوبختي نسبة إلى نوبخت ومر
ضبطه في إبراهيم بن إسحاق ذكره ياقوت في معجم الأدباء فقال أحد
مشائخ الكتاب وأهل الأدب المشاهير والمروءة روى من اخبار البحتري وابن
الرومي قطعة حسنة وهو القائل لابن عمه أبي سهل إسماعيل بن علي
النوبختي وقد شرب دواء:
يا محيي العارفات والكرم * وقاتل الحادثات والعدم
كيف رأيت الدواء أعقبك الله * شفاء به من السقم
لئن نخطت إليك نائبة * حطت بقلبي ثقلا من الألم
شربت فيها الدواء مرتجيا * دفع اذى من عظامك العظم
والدهر لا بد محدث طبعا * في صفحتي كل صارم خذم
أبو الحسن علي بن العباس بن جورجس الرومي مولى عبيد الله بن
عيسى بن جعفر بن المنصور وامه حسنة بنت عبد الله السجري.
ولد في رجب سنة ٢٢١ بالعتيقة من الجانب الغربي من مدينة السلام
وتوفي في الجانب الشرقي في مشارع سوق العطش في جمادى الأولى سنة
٢٨٣ ودفن في مقابر باب البستان وكان ملازما للحسن والقاسم ابني
عبيد الله بن سليمان في وزارة أبيهما فيقال ان ابن فراس الكاتب احتال
عليه بشئ أطعمه إياه بأمر القاسم بن عبيد الله وكان سبب موته لهجائه ابن
فراس.
وهو أشعر أهل زمانه بعد البحتري وأكثرهم شعرا وأحسنهم أوصافا
وأبلغهم هجاء وأوسعهم افتنانا في سائر أجناس الشعر وضروبه وقوافيه،
يركب من ذلك ما هو صعب متناولة على غيره ويلزم نفسه ما لا يلزمه
ويخلط كلامه بألفاظ منطقية يجعل لها المعاني ثم يفصلها بأحسن وصف
وأعذب لفظ، وهو في الهجاء مقدم لا يلحق فيه أحد من أهل عصره غزارة
قول وخبث منطق ولا اعلم أنه مدح أحدا من رئيس ومرؤوس الا وعاد
عليه فهجاه ممن أحسن إليه أو قصر في ثوابه فلذلك قلت فائدته من قول
الشعر وتحاماه الرؤساء وكان سببا لوفاته، وكانت به علة سوداوية ربما
تحركت عليه فغيرت منه. هذا ما قاله المرزباني في معجم الأدباء (١).
القرن الثالث:
عاش ابن الرومي في القرن الثالث الهجري وهو قرن امتلأ بأبحاث
شتى سياسية، وحركات اجتماعية واخرى عقلية. قرن التقى فيه العلم
بالفلسفة، والتحلل الخلقي بالتصوف، والتقى الأدب واللغة والفقه
بمفهوماتها القديمة مع الهندسة والتنجيم والكيمياء والرياضة والمنطق بمفهوماتها
الحديثة مع ثمرات النقل والترجمة. وفي هذا القرن تميز العصر العباسي
بالتوسع في المصطلحات اللفظية والتوليد في المعاني نظرا لاختلاط العرب
بغيرهم والميل إلى التحرر، كما تميز بالتجدد اللفظي بظهور النقد البياني
الذي جعل أساس البلاغة في الألفاظ السهولة والحلاوة والجزالة، وكذلك
تميز بالتفنن في المعاني الشعرية الخاصة بضروب التمثيل والتشبيه
والاستعارة. في خضم هذا العصر الراقي عاش ابن الرومي معاصرا جمهرة
طيبة من علماء الدين المعروفين والفلاسفة والأطباء المشهورين، والنحويين
والأدباء والشعراء الكبار، والجغرافيين والمؤرخين الثقات. فمن بين علماء
الدين نذكر: البخاري والطبري، وابن ماجة. ومن الفلاسفة: الكندي
والفارابي. ومن الأطباء: يوحنا بن ماسويه، وابن سهل الرازي. ومن
الأدباء: الجاحظ وابن عبد ربه، وابن قتيبة. ومن النحويين: الزجاج،

(١) من الترجمات التي توفي فبل ان يكملها. وما يراه القارئ بعد هذا لاكلام ابتداء من
القرن الثالث، حتى (رثاؤه) هو للأستاذ خليل إبراهيم نعمة. والباقي وصولا إلى
(تشيعه) هو للدكتور حسين مروة.
(٢٥٠)

وابن الأنباري، ونفطويه، ومن اللغويين: ابن دريد، وعبد الرحمن
الهمذاني، والسجستاني. ومن المؤرخين البلاذري وابن طيفور، والطبري
ومن الجغرافيين: ابن الحائك وابن الفقيه. ومن الشعراء: علي بن الجهم
وابن المعتز، وغيرهم.
أصله
لم يكن ابن الرومي عربي الأصل، وانما كان مستعربا، وكانت العربية
لغته، قد شب وشاب بين العرب، نطق بلسانهم، وحذق علومهم،
واستظل بمدنيتهم، غير أنه احتفظ بطبيعة جنسه حتى صارت روميته المتمسك
بها مفتاح شعره ونفسه. وقد وصف العقاد ذلك بقوله: فالرومية هي
أصل هذا الفن الذي اختلف به ابن الرومي عن عامة الشعراء في هذه
اللغة، وهي السمة التي أفردته بينهم، إفراد الطائر الصادح في غير
سربه.
وهو يذكر في عدة مواضع في ديوانه ان الروم أصله، وإن كان جده
لامه فارسيا، كما أن جده لأبيه رومي... فهو القائل:
وإذا ما حكمت والروم قومي * في كلام معرب كنت عدلا
انا بين الخصوم فيه غريب * لا ارى الزور للمحاباة أهلا
شعره
ابن الرومي شاعر فحل، ومصور بارع، دقيق المعاني، عميق الفكر،
بديع التصوير، وهو عند ابن رشيق القيرواني، أولى الناس باسم الشاعر
لكثرة اختراعه، وحسن افتنانه. وقد أعجب به ابن خلكان فقال: هو
صاحب النظم العجيب، والتوليد الغريب، يغوص على المعاني النادرة،
فيستخرجها من مكامنها ويبرزها في أحسن صورة، ولا يترك المعنى حتى
يستوفيه إلى اخره، ولا يبقى فيه بقية. ويمتاز شعره بطول النفس مع
المحافظة على السلاسة، فهو مقتدر على الاسهاب في النسج دون تعب أو
تكلف ظاهر، فنحن لا نرى لشاعر عربي ما نراه لابن الرومي من كثرة
المطولات التي تتجاوز المئة والخمسين بيتا، وأكثرها حسن السبك،
كثير الألوان المعنوية، تدل على غزارة مادته اللغوية ومهارته في استخدام
الألفاظ لمعانيه. فهو فياض كثير الاطناب والمراجعة بعيد المدى في ميدان
النظم. وقد خالف الشاعر سنة الذين جعلوا البيت وحدة النظم وجعل
القصيدة كلا واحدا لا يتم بغير لمام المعنى الذي اراده على النحو الذي
نحاه. فقصائده موضوعات كاملة، مؤلفة تأليفا منطقيا وفنيا لا عوج فيه ولا
ضعف. ولم يكن ابن الرومي المفرد العلم من شعراء عصره النازع إلى
التحليل والتعمق في الشعر، فقد كان أبو تمام شديد النزوع إلى هذا الباب،
إلى أبعد الحدود، وقد بلغ الولوع بالمعاني عند الشاعرين حتى أنهما اكثرا من
توكيد المعنى بالمعنى في شعرهما.
عرف ابن الرومي انه برع في التمثيل وهو أدق من التشبيه وأكثر
لطفا وأجمل صفاء، فقد يكون قصارى الشاعر المشبه ان يشبه ممدوحه
بالبحر في الجود، والقمر في السناء، والسيف أو القدر في المضاء، ولكن
الشاعر بز بهذه الأبيات التي يمدح فيها أبا القاسم وزير الخليفة المعتضد
بقوله:
إذا أبو قاسم جادت لنا يده * لم يحمد الأجودان: البحر والمطر
وان أضاءت لنا أنوار غرته * تضاءل النيران: الشمس والقمر
وان نضا حده أو سل عزمته * تأخر الماضيان: السيف والقدر
من لم يبت حذرا من سطو صولته * لم يدر ما المزعجان: الخوف والحذر
ينال بالظن ما يعيا العيان به * والشاهدان عليه: العين والأثر
ويعين ابن الرومي على قدرة الوصاف فيه، عين المصور الماهر،
وريشته الساحرة، فقد شغف الشاعر بالحياة وأحب ان يعيش قويا ليتمتع
بجمالها وأطايبها، فكان كله شهوات حين يأكل وحين يشرب وحين يجلس
إلى مائدة فيصورها بما فوقها من أطايب الطعام. وقد وهبته الطبيعة حسا
دقيقا، فكان يرى فيه أدق الألوان واخفى الأصوات والحركات. وقد ترك
لنا أوصافا كثيرة تجعله من كبار الوصافين في الرياض والأزهار والفواكه
والطعام والشراب والطيور وبني الإنسان، وقد رسمها في لوحات كاملة
رائعة ذات ظلال واضواء جميلة متناسقة خلابة... لاحظ كيف يصف رياضا
تختال في أزهارها مراقبا صحوات الحياة فيها بدقة وانتباه فيقول:
ورياض تخايل الأرض فيها * خيلاء الفتاة في الابراد
ذات وشى تناسجته سوار * لبقات بحوكة وغواد
شكرت نعمة الولي على الوسمي * ثم العهاد بعد العهاد
فهي تثني على السماء سماء * طيب النشر شائعا في البلاد
من نسيم كان مسراه في الأرواح * مسرى الأرواح في الأجساد
حملت شكرها الرياح فادت * ما تؤديه ألسن العواد
تتداعى بها حمائم شتى * كالبواكي والقيان الشوادي
من مثان ممتعات قران * وفراد مفجعات وحاد
تتغنى القران منهن في الأيك * وتبكي الفراد شجو الفراد
وابدع في وصف الشيب والشباب والبكاء على عهود الصبا النواضر،
فأطال فيها وأجاد متوافرا على استيفاء المعاني وتقصيها، وتدقيقه في رسم
الظلال لها، وهو بذلك يسجل أجمل ما قيل في هذا الباب مما يقل نظيره في
الأدب العربي.
وفيه يقول مرحبا.
وقلت مسلما للشيب: أهلا * بهادي المخطئين إلى الصواب
أ لست مبشري في كل يوم * بوشك ترحلي اثر الشباب
لقد بشرتني بلحاق ماض * أحب إلي من برد الشراب
فلست مسميا بشراك نعيا * وان اوعدت نفسي بالذهاب
وأنت وان فتكت بحب نفسي * وصاحب لذتي دون الصحاب
فقد أعتبتني وأمت حقدي * بحثك خلفه عجلا ركابي
إلى أن يقول:
يذكرني الشباب جنان عدن * على جنات انهار عذاب
تفئ ظلها نفحات ريح * تهز متون أغصان رطاب
إذا ماست ذوائبها تداعت * بواكي الطير فيها بانتحاب
يذكرني الشباب وميض برق * وسجع حمامة، وحنين ناب
فيا أسفا ويا جزعا عليه * ويا حزنا إلى يوم الحساب
أ أفجع بالشباب ولا أعزى * لقد غفل المعزي عن مصابي
تفرقنا على كره جميعا * ولم يك عن قلى طول اصطحاب
وكانت أيكتي ليد اجتناء * فعادت بعده ليد احتطاب
(٢٥١)

ثم استمع إلى تعليقه في حبه للوطن وحنينه إليه وارتباطه الوثيق به:
وحبب أوطان الرجال إليهم * مارب قضاها الشباب هنالكا
إذا ذكروا أوطانهم ذكرتهم * عهود الصبا فيها فحنوا لذلكا
فقد ألفته النفس حتى كأنه * لها جسد، ان بان غودر هالكا
مدحه
لم يدرك ابن الرومي المعتصم والواثق الا صبيا صغيرا، وقد أدرك
سن البلوغ في زمن المتوكل وعاش إلى خلافة المعتضد، ومع ذلك لا ترى في
شعره ما يدل على تقربه من الخلفاء والحظوة عند الامراء، ولعل السبب انه لم
يدرك منهم غير المستضعفين كالمستعين والمعتز والمهتدي والمعتمد، وكلهم قتل
أو خلع أو حكم. وقد عاش مدة أربع سنوات في خلافة المعتضد وله فيه
بعض المديح. وهو مدح آل وهب، وآل طاهر، وآل المنجم، وآل نوبخت،
وبني المدبر، وبني مخلد وغيرهم. وعلى الرغم من كثرة ممدوحيه فإنه لم يحظ
من مدائحه بكبير طائل، رغم قوتها وأصالتها. وبينما نرى زملاءه من كبار الشعراء كالبحتري قد فاض كسبهم، نراه
وهو في الخمسين من عمره يشكو وطأة الزمان، ونار الحرمان فيقول لمن
عاب قريضه:
ابعد ما اقتطعوا الأموال واتخذوا * حدائقا وكروما ذات تعريش
يحاسدوني وبيتي بيت مسكنة * قد عشش الفقر فيه أي تعشيش
هجاؤه
لم يكن ابن الرومي مطبوعا على النفرة من الناس، ولكنه كان فنانا
بارعا في ملكة التصوير ولطف التخيل والتوليد وبراعة اللعب بالمعاني
والاشكال، فإذا قصد شخصا أو شيئا صوب إليه مصورته الواعية فإذا
ذلك الشخص أو ذلك الشئ صورة مهياة في الشعر تهجو نفسها بنفسها
وتعرض لنظر مواطن النقص من صفحتها كما تنطبع الاشكال في المرايا
المحدبة، فكل هجوه تصوير مستحضر لاشكاله ولعب بالمعاني على حساب
من يستثيره.
رثاؤه
يبرز ابن الرومي بين شعراء الرثاء المجيدين لأبنائهم أمثال أبي ذؤيب
الهذلي والقرشي والخنساء وعبد الله بن الأهتم وأبي العتاهية وجرير، وابن
عبد ربه، والتهامي وغيرهم. وقد أجاد في مرثية ابنه الأوسط محمد وهي
تعد من أرق ما فاضت به عواطف والد على ولد عزيز. وقد استهلها مخاطبا
عينيه بقوله:
بكاؤكما يشفي وإن كان لا يجدي * فجودا فقد اودى نظيركما عندي
الا قاتل الله المنايا ورميها * من القوم حبات القلوب على عمد
توخى حمام الموت أوسط صبيتي * فلله كيف اختار واسطة العقد
طواه الردى عني فاضحى مزاره * بعيدا على قرب قريبا على بعد
وقد أبدع في وصف الداء الذي أصابه، وما كان من التأثير فيه،
شارحا العواطف، الأبوية المتالمة شرحا يحرك أوتار القلوب. فتصور شدة ألمه
وروعة تصويره وأصالة فنه حين يقول:
ألح عليه النزف حتى أحاله * إلى صفرة الجادي عن حمرة الورد
وظل على الأيدي تساقط نفسه * ويذوي كما يذوي القضيب من الرند
واني وان متعت بابني بعده * لذاكره ما حنت النيب في نجد
محمد ما شئ توهم سلوة * لقلبي الا زاد قلبي من الوجد
ارى أخويك الباقيين كليهما * يكونان للأحزان اورى من الزند
إذا لعبا في ملعب لك لذعا * فؤادي بمثل النار عن غير ما قصد
وقد أرصد الدهر سهامه لابن الرومي في أهله وأسرته، فراح يرثي
الراحلين منهم مراثي مؤثرة، فرثى والديه وامه وخالته وزوجته وأخاه
الأكبر... ويبدو ان الأحزان لم تعد تشغله عن رزئه في نفسه، فقد كانت
فجيعته في حياته أشد وانكى من فجيعته في موت أهله وبنيه:
رأيت الدهر يجرح ثم يأسو * يوسي أو يعوض أو ينسي
أبت نفسي الهلاع لرزء شئ * كفى شجوا لنفسي رزء نفسي
وقد يجد أغلبنا راحة وتأسيا في احزان غيره وبلواهم، فتهون عليه
بلواه، ولكن ابن الرومي لا يرى ذلك البتة فيقول:
وما راحة المرزوء في رزء غيره * أيحمل عنه بعض ما يتحمل
كلا حاملي عب ء الرزية مثقل * وليس معينا مثقل الظهر مثقل
ورثى الشهيد يحيى العلوي، وهو حفيد حفيد الإمام علي، بمرثية
طويلة فاجعة.
المؤرخون يظلمون ابن الرومي
ما رجعت مرة إلى سيرة هذا الشاعر العربي الا اخذني شئ من
السخط، أو شئ من الحقد على هؤلاء المؤرخين الذين كتبوا قديما تاريخ
الفكر العربي في القرن الثالث الهجري.
فقد رأيت هؤلاء يقتصدون في تاريخ سيرة ابن الرومي اقتصادا يبلغ
حد الاجحاف والتقتير، حتى تكاد سيرته لا تتجاوز عندهم بضعة سطور،
فإذا تاريخ حياته كلها ينحصر في أن اسمه علي وان أباه العباس بن جريج
أو جورجيس، الرومي أصلا، وان امه فارسية، وانه ولد في بغداد عام
٢٢١ وانه لم يبرح بغدادا طوال حياته الا مرة إلى بعلبك وبضع مرات إلى
سامراء وما جاورها، ثم هم لا ينسون ان يؤكدوا انه كان مولى لاحد
أحفاد الخليفة العباسي المنصور وهو عبيد الله بن عيسى بن أبي جعفر
المنصور.
ولا يبلغ المؤرخون هذا الحد حتى يقفزوا اثنين وستين سنة عاشها ابن
الرومي، لكي يقولوا انه مات عام ٢٨٣ بقرص مسموم من الحلوى
خشكنانجة أطعمه إياه القاسم بن عبيد الله من آل وهب حين كان هذا
وزيرا للخليفة المعتضد لكي يتقي شر هجائه.
وعلى رغم هذا الاقتصاد العجيب في تاريخ حياة الشاعر، ترى
هؤلاء المؤرخين يفيضون في اخبار تطيره وتشاؤمه، إفاضة تحملك على
الظن بان القوم يأتمرون عمدا بهذا الشاعر لكي يمسخوا وجه حياته ويصوروه
للأجيال انسانا ضعيف العقل مهدم الأعصاب، خائر الهمة، تستعبده
العاطفة، وتستأثر به الشهوات الحسية إلى حد الغلو والشذوذ في النهم
للطعام والشراب والنساء.
ومن هنا حكم هؤلاء المؤرخون على ابن الرومي، انه لم يكن أهلا
للحظوة لدى الملوك ومنادمتهم، وانه كان من الفاشلين في صناعة
(٢٥٢)

المديح، ثم يتزيدون في تشويهه حتى يكون من المسلم عندهم ان ابن
الرومي كان حسودا حقودا لئيم الطبع.
والعجيب في هذا كله، ان أكبر المحدثين، ولا سيما بعض
المعاصرين، قد تابعوا أولئك الذين كتبوا قديما تاريخ ابن الرومي على هذا
الوجه الممسوخ الشائه، فإذا سيرة هذا الشاعر العبقري، تلقى اليوم إلى
طلبة المدارس ممسوخة مشوهة تثير ضحك الساخرين أو تثير إشفاق المشفقين
أكثر مما تهدي أذهان الطلبة إلى نواحي العبقرية عنده والى مواطن الجمال
الفني في شعره والى اثر الظلم الاجتماعي في توجيه عبقريته وفنه وجهة الألم
الجامح والهجاء اللاذع.
ويصح في ظني ان قدامي المؤرخين قد صنعوا هذا كله في سيرة ابن
الرومي لأن حقيقة التاريخ كانت عندهم مجرد تاريخ الملوك والامراء
والوزراء ومن يدور مدارهم من شعراء وندمان وكتاب وحجاب وجواري
وقيان ومغنين، وانما تكبر عندهم أو تصغر قيمة شاعر من الشعراء أو مفكر
من المفكرين على قدر ما يكون نصيبه من شرف الحظوة في مجالس
الحاكمين.
ويا لعنة التاريخ لشاعر أو مفكر أبعدته طبيعته أو ظروفه عن قصور
الملوك وحاشيات الملوك، كما أبعدت ابن الرومي إذا أبت عليه ان يتصرف
مع الملوك تصرف ذوي الملق والزلفى إليهم فابغضوه وأهانوه وانكروا شانه،
فإذا هو محروم مزري محقور، وإذا المؤرخون يعرفون من سيرة بعض المغنين
اضعاف ما يعرفون من سيرة شاعر عظيم كابن الرومي.
ولقد كان من اهمال المؤرخين لتفاصيل حياته، اننا لا نزال نجهد في
البحث عن حلقات مفقودة من سيرته فلا نجد منها الا قليلا في شعره فان
هؤلاء المؤرخين على كثرة ما رووا من اخبار تطيره وتشاؤمه وشذوذه في
التطير والتشاؤم، لم يقولوا لنا كيف عاش ابن الرومي ولا كيف تعلم وتثقف
ولا كيف اتفق له ان عاصر الخلفاء، دون ان يتصل بواحد منهم، بمدح أو
حظوة أو منادمة أو مجالسة، أو ما يشبه ذلك من الصلات.
ومهما يكن من أمر فان المؤرخين مع اهمالهم شأن هذا الشاعر
وظلمهم إياه، فإننا نستطيع باستقصاء أحواله ومراجعة أشعاره ومدارسة
جملة الاخبار التي تناثرت في كتب أهل الأدب، من قدامي ومحدثين عن
صلاته بالناس وصلات الناس به طوال حياته نستطيع بهذا كله ان نعلم أن
ابن الرومي لم يكن كما زعم قدامي المؤرخين وكما يقلدهم بعض
مؤرخي الأدب المعاصرين، من أنه ضعيف العقل وانه حسود حقود لئم
الطبع، وانه بلغ من التطير والتشاؤم ما يصفون ويبالغون.
وانما نعلم أن ابن الرومي كان انسانا قوي الاحساس بالحياة قوي
الحب لها، قوي الرغبة في الاستمتاع بطيباتها ولكنه لا يستطيع بلوع ما
يشتهى منها ثم نعلم، إلى هذا، انه رجل نال نصيبا وافرا من ألوان المعرفة
والثقافة في عصره، لقد كان على علم واسع بفقه اللغة ومفرداتها وآدابها
وفقه الشريعة والفلسفة وعلوم الرياضة والفلك، وكان من ذوي الرأي في
المذاهب الفلسفية والعقلية المعروفة يومئذ.
ثم نعلم أنه إلى سعة علمه وعبقرية فنه الشعري، كان قليل موارد
العيش، وكان يرى من حقه ان ينال منزلته لدى الخلفاء كغيره من أدباء
عصره، بل كان عنده من الاعتداد بنفسه بحيث يرى أنه أحق من غيره في أن
ينال أعلى منازل الكرامة في بلاط الخلفاء، وان تحوز يداه أسنى الجوائز
والعطايا ليعيش موفروا خلي البال من أمر القوت والجهد في تحصيله
ولكنه لم ينل شيئا من هذا الذي يراه حقا له، لان الخلفاء عرفوا به
رجلا لا يصلح لمجالسة الملوك ونيل الحظوة عندهم وانشاء المدائح بين
أيديهم بما كان من ثقته بنفسه حتى لا يرى حاجة للالتزام بما كان يلتزم به
الشعراء والمداحون من التملق والتزلف واصطناع أسبابا الحيلة للوصول إلى
مجلس الخليفة وانتزاع عطفه وتقديره، وبما كان في طبعه من الصراحة
والوضوح بحيث لا يخفي ما في نفسه نقدا أو عتبا أو ملاما إذا ما اقتضى
الامر شيئا من النقد أو العتب أو الملام، وهذا يخالف تقاليد الملوك
والامراء والكبراء.
من أجل هذا كله ظل بعيدا عن قصور الملوك والخلفاء، ولكنه كان
على صلة بعدد من الامراء والوزراء والكتاب والندماء، كامراء آل طاهر
وآل وهب وكنيس بن أبي صاعد وأبي سهل النوبختي وابن ثوابة الكاتب
وإسماعيل بن بليل وعلي بن يحيى القديم غير أن هؤلاء جميعا، كيف
يقدمون شاعرا جفته قصور الخلفاء، وهم إذا قدموه اشبعوه منه وأذى أكثر
مما اعطوه من حقه وقدره.
وقد كان ابن الرومي لا يحتمل المن والأذى من هؤلاء، ولا يحتمل
ان يبخسوه حقه وقدره فلا يكاد يمدح أحدهم، وينتقص قدره أو يبخس
حقه، حتى يتبع المدح بالعتاب والملام، وقد يتبعه بالهجاء اقسى الهجاء.
كان ابن الرومي محبا للحياة قوي الاحساس فيها فأحس لذعة الحرمان
وأبى ان يصانع الملوك كما كانوا يريدون فنبذوه واحتقروه، وتبعهم
المؤرخون. وقلد هؤلاء من جاء بعدهم من كتاب التاريخ حتى يومنا هذا
فإذا ابن الرومي مظلوم في حياته وفي مماته معا، وليس يكفيه انصافا ان
يعرف الناقدون مذاهبه الفنية وكفى. بل الإنصاف الحق لابن الرومي انه
كان في الفكر العربي من اعلام المفكرين والواعين الأحرار الذين اضطهدهم
ذوو السلطان لوعيهم مصادر الظلم الاجتماعي ولتعبيرهم عن هذا الظلم
بمختلف ألوان التعبير، بل بأروع ما يعرف الحرف العربي كيف يعبر ويصور
ويلهم ويوحي للنفوس بالصور تتلاحق ملامحها وتتكامل حتى تكون منها
بدعة الفن وبدعة الفكر، وبدعة الحقد الإنساني النبيل الخير الذي ينبع من
أقدس ينابيع الحب والخير. لقد حقد فعلا وامتلأ قلبه حقدا شديدا عنيفا
غير أن حقده هذا ما كان طبعا لئيما فيه كما يشاء أن يقول المؤرخون، وانما
كان حقدا يصدر عن احساسه القوي بالحياة، وعن حبه العميق للحياة
وعن شوقه العارم لكل طيبات الحياة ومشتهياتها، كان يحقد على الحرمان
وحده على الذين حرموه طيبات الحياة فقد كان رجلا محروما وكان شعوره
بالحرمان عنيفا على نفسه مرهقا شديد الارهاق لعصبه وحسه فقد حرمه
نظام مجتمعه الفاسد ان يستمتع بابسط حقوقه الإنسانية فكيف إذن لا ينقم
على من يستمتعون بأطايب الحياة دونه ودون الفقراء والمعوزين من سائر
فئات الشعب مع أنه كان يرى أولئك أقل منه كفاءة عقل وعلم وانه أعظم
منهم في مواهب الفن العبقري.
كيف لا يحقد ابن الرومي على ذوي السلطان وعلى كل مستأثر
(٢٥٣)

بأسباب النعمة من رجال الدولة وعلى كل محتكر لموارد الثروة من دون فئات
المجتمع كلها؟ كيف يستطيع ان لا يحقد على هؤلاء جميعا حين يرى إلى
هذا الحمال الأعمى كما وصفه في هذه القطعة الإنسانية البارعة:
رأيت حمالا حبيس العمى * يعثر في اأكم وفي الوهد
محتملا ثقلا على رأسه * تضعف عنه قوة الجلد
بين جمالات وأشباهها * من بشر ناموا على المجد
وكلهم يصدمه عامدا * أو تائه اللب بلا عمد
والبائس المسكين مستسلم * أذل للمكروه من عبد
وما أشتهي ذاك ولكنه * فر من اللؤم إلى الجهد
فر إلى الحمل على ضعفه * من كلمات المكثر الوغد
أ هذا هو الحسد والحقد ولؤم الطبع في ابن الرومي؟ أ ترى ما يكون
الحق على الظالمين والمحتكرين لؤما، أم تراه يكون نبلا ورحمة وسموا؟...
فابن الرومي إذا كان ذا طبيعة انسانية رحيمة وكان ألمه لنفسه
ولغيره، اي لحرمانه وحرمان غيره من الجماهير في مجتمعه، وكان احساسه
بالظلم ليس احساسا ساذجا سلبيا، ولكن كان احساسا واعيا يعرف
الأسباب والمصادر، ويحسن تعليل الظلم وتعليل النوازع النفسية التي تتأثر
بالظلم.
حفا كان ابن الرومي ساخرا، وذلك لأن سخريته كانت على قدر
استخفافه بمن يملكون الجاه والسلطان، أو يملكون الشرف والنعيم، وهم
دون غيرهم كفاءة وموهبة وعقلا وأدبا. وعلى قدر ما يرى في مجتمعه ذاك من
شخوص تقعد في غير مقاعدها، ومن أوضاع تجري في غير مجاريها، فإذا
كل ما في المجتمع مقلوب يثير السخر والتندر فكان ابن الرومي لذلك
أقدرن الساخرين وأبرع شاعر أو كاريكاتوري عرفته عصور الأدب
العربي.
تطيره
لقد كانت الدولة تجفو هذا الشاعر وتبخسه قدره يضاف إلى هذا انه
كان على شئ كثير من رهافة الحس وسرعة التأثر والانفعال ببواعث الألم،
وان بواعث الألم هذه تكثر في حياته وتكثر في مجتمعه الذي كان يشرف
يومئذ على الانحلال الاجتماعي والانهيار الاقتصادي بما كان ينخر في جسم
الدولة من علل الفساد والبغي والاستئثار.
ويضاف إلى هذا أيضا ان الشاعر كان يرى إلى كثير من المقربين في
مجالس الخلفاء وكبار رجال الدولة تغدق عليهم ألوان الترف والنعم وهو كان
يعلم أن أحدا منهم لم يستحق شيئا من هذا بكفاءته وموهبته وانما استحقه
بمجرد اتقانه فن الخداع والزلفى وأساليب المكر والرياء.
ثم يضاف إلى كل ما تقدم ان ابن الرومي لم يكن على بسطة في عيشه
بل كان في أكثر أيامه في ضيق العيش محتاجا إلى المعونة، وما كان له من
مورد يكفيه الطلب إلى اخوانه أو إلى بعض ممدوحيه سوى موارد ضئيلة جار
عليه الناس فاغتصبوه إياها ولم يسعفه أحد بدفع العدوان عنه.
وقد امتحن إلى هذا كله محنته العاطفية إذ فقد أولاده الثلاثة ثم فقد
امه فأخاه الأوحد فزوجه. وكان اثر هذه الفواجع على حسه عنيفا وعلى
عصبه الضعيف وطبعه الانفعالي.
وهكذا اجتمعت على ابن الرومي كل هذه الأسباب والعوامل فإذا هو
أضعف من أن يطيق احتمالها، وإذا هو ينقلب انسانا يرى الحياة ظلاما
وقتاما وشؤما، ثم إذا كل خاطر من خواطر السوء وكل هاجس من هواجس
النحس يتجسم في نظره ويكبر حتى صار معدودا في التاريخ من المتطيرين
وحتى ضربت الأمثال بطيرته وتشاؤمه.
ومن هنا يظهر بوضوح ان طيرة ابن الرومي جاءت من خارج نفسه،
اي من ظروف حياته كلها، وليست طبعا أصيلا قد خلقت فيه.
وينبغي ان نشير أيضا إلى أن هذه الأخبار نفسها التي يرويها الرواة
عن طيرته وتشاؤمه مطعونة بالغلو والمبالغة.
مكانته عند العرب والمستشرقين
لم يلق شاعر من شعراء العربية ما لقيه ابن الرومي من إغفال مقصود
أو غير مقصود لفنه ومواهبه في الأدب العربي... غير أنه لم يعدم بعض النقاد
الذين انصفوه وتعرضوا لبعض أشعاره. فالمرزباني عقد موازنة طريفة بينه
وبين البحتري في الهجاء، وانتصر له. وقال عنه ابن رشيق: انه أكثر
المولدين اختراعا. ومدحه ابن شرف القيرواني بقوله: انه شجرة
الاختراع وثمرة الابداع، وله في الهجاء ما ليس له في الاطراء، فتح فيه
أبوابا، ووصل منه أسبابا،. وأشاد بشعره وصياغته ابن خلكان، وأبو علي
القالي، وبديع الزمان الهمذاني، وأبو هلال العسكري، وابن عمار،
والثعالبي، وغيرهم.
وحظي ابن الرومي بعناية بعض المستشرقين الكبار ونال اعجابهم.
فالمستشرق الألماني يرو كلمن تحدث عنه في الجزء الأول من كتابه المشهور في
تاريخ الأدب العربي. والمستشرق الفرنسي أميل درمنجهم اختار له أربع
قصائد كأجمل ما في النصوص العربية وترجمها إلى الفرنسية. والأستاذ
الفرنسي كليمان هيوار أشاد بشعره واعجب بجمال تعبيراته وأفكاره.
خلاصة القول في شاعريته
في أي باب من أبواب الشعر كان ابن الرومي يجيد خاصة؟ سؤال لا
بد ان يخطر في بالنا في معرض الكلام على صناعته وأسلوبه وأرى ان
الكثيرين سيقولون أو قالوا إنه هو باب الهجاء لأنه اشتهر به وشاع انه
مات بسببه، فلنعلم انهم مخطئون في هذا الحكم لان ابن الرومي كان يجيد
في أبواب الشعر كلها على حد سواء، ويعطي قصائده جميعا بمقدار واحد من
عنايته واتقانه.
وخذ مثلا أقواله في الحكمة وهي أقل ما اشتهر به تجد له مئات من
الأبيات التي تسير مسير الأمثال وتخرج عن عداد تلك الأفكار المطروقة التي
يتفيهق بها من يحبون الاشتهار بالبيت الحكيم والمثل السائر، ولو اننا، رجعنا
إلى أبياته لما ألفينا بينها تفاوتا في الطبقة بين غرض وغرض وباب وباب،
وانما اشتهر بالهجاء لان الهجاء أشهر وأسير، لا لأنه يجيد فيه أكثر من
اجادته في المديح أو بالوصف البارع.
وأغرب من هذا الاستواء في طبقة القول انك تقرأ أشعاره فتحسب
انها نظمت كلها في عمر واحد فلا تدري أيها شعر الشباب وأيها شعر
(٢٥٤)

الكهولة والشيخوخة. الا ما يندب فيه شبابه ويتبرم بسنه. فقصائده التي
نظمت من العشرين إلى الستين طبقة واحدة من هذه الناحية لا تستطيع ان
تتحقق فيها مزية سن على سن ولا فترة على فترة. وتعليل ذلك صعب في
الشعراء المطبوعين غير ابن الرومي، إما هو فلا صعوبة في تعليل هذا
الاستواء في تركيبه والتشابه في روحه ونسجه لأنه ينسج من غزل واحد
وبضاعة واحدة، وهي الشعور الجديد أو شعور الطفولة الفتية التي لازمته في
حياته من المبدأ إلى النهاية. فلم يتغير فيه الا القليل بعد ما درس نصيبه من
اللغة والعلم واستوفى مادته من الفن والصياغة، وكان الشجرة نضجت
مبكرة وبلغت تمامها ورسخت تربتها، فثمرتها اليوم كثمرتها بعد سنوات
عشر أو عشرين وثلاثين، ولا عيب في ذلك الا أن تكون الثمرة شرا لا خير
فيه. أما إذا كانت ثمرة جنينة كأطيب الثمر في النظرة والحلاوة فالتبكير إذن
أصلح من التأخير والبقاء على طبقة واحدة أحب وأكمل من التغيير.
فالكلمة الأولى والأخيرة في هذا العبقري النادر انه كان شاعرا في
جميع حياته، حيا في جميع شعره وان الشعر كان لأناس غيره كساء عيد وحلة
موسم ولكنه كان له كساء كل يوم وساعة بل كان له جسما لا تكون بغيره
حياة. انتهى مقال الدكتور مروة.
تشيعه
يقول الأستاذ العقاد:
كان ابن الرومي شيعيا ومعتزليا. ثم يقول: وكان مذهبه في
الاعتزال مذهب القدرية الذين يقولون بالاختيار وينزهون الله عن عقاب
المجبر على ما يفعل.
ويستشهد الأستاذ العقاد على ذلك بقوله في العباس بن القاشي
ويناشده صلة المذهب:
مقالة العدل والتوحيد تجمعنا دون المضاهين من ثنى ومن جحدا
ثم يقول العقاد:
فواضح من كلامه هذا انه معتزلي وانه من أهل العدل والتوحيد
وهذا الاسم الذي تسمى به القدرية لانهم ينسبون العدل إلى الله فلا
يقولون بعقوبة العبد على ذنب قضي له وسيق له، ولأنهم يوحدون الله
فيقولون ان القرآن من خلقه وليس قديما مضاهيا له في صفتي الوجود
والقدم. وقد اختاروا لأنفسهم هذا الاسم ليردوا به على الذين يعتقدون
القدر واولى بان ينسبوا إليه انما نحن أهل العدل والتوحيد لأننا ننزه الله عن
الظلم وعن الشريك.
هذا ما قاله الأستاذ العقاد. ولكن الواقع ان موافقة المعتزلة للشيعة في
بعض الأقوال، كالقول بالاختيار وخلق القرآن والحسن والقبح العقليين
جعلت بعض الباحثين ينسبون كثيرا من رجال الشيعة إلى الاعتزال حتى لقد
قال بعضهم عن السيد المرتضى والصاحب بن عباد انهما معتزليان وهما من
هما في التشيع.
كما قال آخرون عن عبد الحميد بن أبي الحديد المعتزلي انه شيعي،
وهو مثل ما قاله الأستاذ العقاد عن ابن الرومي الشيعي، وأين الاعتزال من
التشيع، فإذا اتفقا في بعض الأشياء فقد اختلفا في أشياء وأشياء. فان ابن
الرومي شيعي، ولا يمكن ان يكون الشيعي معتزليا ولا المعتزلي شيعيا.
وإذا قال ابن الرومي بالعدل والتوحيد والاختيار وخلق القرآن فلان
الشيعة والمعتزلة متفقان في هذا على حين انهما مختلفتان في غير هذا.
ابن الرومي في هجائه
وقال الدكتور محمد مصطفى هدارة:
لم ينل شاعر من اعراض مؤرخي الأدب مثل ما لقيه ابن الرومي،
بسبب كثرة خصوماته في عصره وإفراطه في الهجاء حتى صدق ما قاله فيه أحد
معاصريه ان لسانه أطول من عقله. والمتصفح لديوان ابن الرومي سواء ما
طبع منه، أو الجزء الذي لا يزال مخطوطا، يرى الهجاء غالبا على كل ما
عداه من فنون الشعر فيما عدا المديح، حتى ليرسخ في النفس ان هذا
الشاعر عدو للناس والمجتمع، بعيد عن الاتزان وضبط النفس، وهما سمة
الإنسان والعاقل، قريب من معاداة الإنسانية بمعناها العام، بل لقد يحس
كذلك انه اتخذ الهجاء صناعة بحكم علله النفسية وما يشعر به من نقص
وحقد وحسد وغيرة ازاء الناس والمجتمع.
وكثيرا ما كان الهجاؤون يعانون مثل هذه العلل والنقائص التي
تدفعهم إلى التعويض بسلاطة اللسان، والتهجم على الاعراض، وتخويف
من عداهم من البشر المسالمين.
ولكننا ننفي ذلك كله عن ابن الرومي من واقع اخباره وأشعاره،
ونرى أنه في كل أهاجيه برغم كثرتها وفحشها وسلاطتها كان الضحية
المعتدى عليه، وان هجاءه كان سلاحا للدفاع عن النفس، في عصر لا يبر
الضعفاء، ولا يرحم المساكين، وان هذا السلاح لم يكن ابن الرومي يشرعه
الا في حالة الاضطرار والاستفزاز.
كان ابن الرومي بطبعه مصافيا للناس يألفهم ويألفونه، ويبرهم
ويبرونه، ولكنه كان فقيرا يكتسب بشعره، شديد الحساسية في احتفال
بكرامة نفسه وكرامة شعره على السواء، وكان فيمن صادفهم ابن الرومي في
حياته الغني الذي يريد استعباده بماله، والعابث الذي يلمح فيه مواطن
الضعف فيلح عليها بعبثه، والغبي الذي يجهل قيمة شعره، وأمثال هؤلاء
كانوا يستفزون ابن الرومي فيضطر إلى هجائهم، ويحركون فيه طبعه الحاد،
أو طبعه المقاتل الذي لا يستسلم، ولا يستكين لمهاجمة.
وقد يغفر بعض الباحثين هجاء ابن الرومي للكثرة الهائلة من شعراء
عصره وكتابه وعلمائه من أمثال البحتري، والناجم، والناشئ، والمبرد،
ونفطويه، والأخفش، وقد يتسامحون في هجاء ابن الرومي للمغنين
والمغنيات في أيامه، ولكنهم يقفون من ابن الرومي موقف التشكك والاتهام
بالنسبة لهجائه من سبق له مدحهم من ذوي المناصب العامة، هؤلاء الذين
كان يتوجه إليهم بمديحه، ليستعين بجوائزهم على مواصلة الحياة، فهل كان
ابن الرومي انسانا غير سوي الطبيعة، مرائيا منافقا عديم الوفاء؟ وأيهما
كان أصدق: مديحه السابق أم هجاؤه اللاحق؟ وإذا كان مديحه نفاقا في
سبيل لقمة الخبز، فما جدواه من وراء هجاء ذوي المناصب، وبعضهم كان
لا يزال في منصبه؟ هل نجد في شخصية ابن الرومي تهورا واندفاعا في
سبيل الهجاء، بحيث ينكب عن ذكر العواقب جانبا؟
(٢٥٥)

ان مصاحبتنا لشعر ابن الرومي تجعلنا نؤكد انه لا يبتدر خصومه
بالهجاء، بل يظل يصبر عليهم حتى لا تبقى للصبر بقية، وهو حذر جدا في
علاقته بذوي السلطان، لأنه شديد الاحساس بعوزه وحاجته إلى التكسب
بشعره، ومحال ان يقطع معين رزقه لاندفاع أو تهور، بل ما أعجبه حين
يصف لنا حذره من ذوي السلطان، ويضع بنفسه حدودا لهجائه في قوله:
لا أقذع السلطان في أيامه * خوفا لسطوته ومر عقابه
وإذا الزمان أصابه بصروفه * حاذرت رجعته ووشك مثابه
واعد لؤما ان أهم بعضه * إذ فلت الأيام من أنيابه
تالله اهجو من هجاه زمانه * حرمت مواثبتيه عند وثابه
فليعلم الرؤساء اني راهب * للشر، والمرهوب من أسبابه
طب باحكام الهجاء، مبصر * أهل السفاه بزيفه وصوابه
حرم الهجاء على امرئ غير امرئ * وقع الهجاء عليه من أضرابه
أو طالب قوتا حماه قادر * ظلما حقوق طعامه وشرابه (٤)
ما احكم هذا الدستور الذي وضعه ابن الرومي لهجائه وما أشد
صرامته، انه لا يهجو أصحاب السلطان وهم في أوجهم، خوفا من سطوتهم
وعقابهم، فإذا خان الزمان أحدهم عف ابن الرومي عن هجائه خوفا من
عودته إلى السلطة مرة أخرى. ولكن هذه العفة لا تقوم على أساس الخوف
وحده، بل على أساس من كريم الخلق، فمن اللؤم هجاء انسان تعرض
لمحنة. وكم من الشعراء كانوا ينهشون ممدوحيهم السابقين بمجرد تجردهم
من السلطة، وكان البحتري مشهورا بذلك، فقد هجا نحو أربعين من
ممدوحيه السابقين بعد تجردهم من السلطان. وابن الرومي يطمئن الرؤساء
من ناحيته، فهو يرهب الشر، وهو خبير باحكام الهجاء: متى يجوز ومتى لا
يجوز، وهو يقصر جواز الهجاء على موضعين: الرد على من يهاجيه من
اقرانه، وردع الظالمين الذين يمنعون الفقير حق ما يقتات به. فإذا كان ابن
الرومي قد خرج على دستور الهجاء الذي وضعه، فليس من سبب لهذا
الخروج الا ان يكون اضطرارا يستفز الشاعر لهذا الهجاء.
وأول من يلقانا من أصحاب المناصب، ممن هجاهم ابن الرومي بعد
مدح، إبراهيم بن المدبر الكاتب الذي شغل عدة مناصب هامة، كان من
بينها منصب وزير المعتمد. ويترجم له ياقوت فيقول عنه إبراهيم بن
محمد بن عبيد الله ابن المدبر، أبو إسحاق الكاتب، الأديب الفاضل،
الشاعر الجواد المترسل، صاحب النظم الرائق والنثر الفائق، تولى الولايات
الجليلة، ووزر للمعتمد، توفي ٢٧٩ ه وهو يتقلد ديوان الضياع للمعتضد
ببغداد وقد مدحه ابن الرومي بمناسبة هروبه من سجن الزنج سنة ٢٥٧
ه، ولكن يبدو ان ابن المدبر لم يكن كريما مع ابن الرومي بحيث يمنحه
جائزة سخية على مديحه، بل لعله بحكم شاعريته خاض في نقد شعر
ابن الرومي، ولهذين السببين استحق الهجاء، ويطالبه ابن الرومي في
بعض هجائه برد قصائد مديحه فيه، ولو ممزقة، يقول:
أردد على قراطيسي ممزقة * كيما تكون رؤسا للدساتيج (٥)
فان ذلك أدنى من تشاغلها * بحفظ مدحك يا علج العلاليج
ومن أصحاب المناصب الذين سبق لابن الرومي ان مدحهم ثم عاد
فهجاهم، أحمد بن محمد الطائي الذي كان واليا على الكوفة سنة ٢٦٩ ه،
وظل في منصبه حتى قبض عليه سنة ٢٧٥ ه كما يذكر المسعودي والطبري
في احداث تلك السنة. وقد هجاه ابن الرومي لسببين يزكيان خروجه عن
دستوره في الهجاء، إما السبب الأول فهو مماطلة الطائي في تحقيق وعد
قطعه على نفسه باجراء عطاء على ابن الرومي، والسبب الآخر اختطافه ابن
أحد الكتاب واتخاذه رهينة بسبب خوفه من القتل في أثناء وزارة ابن بلبل في
واسط، اي حوالي سنة ٢٧٣ ه، كما نعلم من تتبع حياة ابن بلبل. يقول
ابن الرومي في هجائه للطائي مطمئنا وهو في حمى ابن بلبل:
علج ترقى رتبة فرتبة * ولم يكن أهلا لهاتيك الرتب
فزل من تلك المراقي زلة * أصبح منها مشفيا على العطب
وهكذا، كل ارتقاء في العلا * قريب عهد بارتقاء في الكرب
وعلى الرغم من صلة ابن الرومي القوية بأبي الصقر إسماعيل بن
بلبل الذي تقلب في عدة مناصب رئيسية، فكان رئيسا لديوان الضياع في
سامرا سنة ٢٥٥ ه، وكان وزيرا في أيام الموفق، وعلى الرغم من مدائح
ابن الرومي المطولة فيه في مناسبات مختلفة، وعلى مدى سنوات كثيرة الا
انه ناله بهجائه، وكان السبب الواضح في ذلك إغفال ابن بلبل المتعمد لابن
الرومي، ومنعه ما يستحق من جوائز على مديحه، فهو يقول له:
ما بال شعري لم توزن مثوبته * وقد قضت منه اوزان وأوزان
ويستخدم ابن الرومي قبل ان يتحول تماما إلى هجاء ابن بلبل
أسلوبا طريفا في الهجاء يبدؤه بمعنى صريح غاية في الصراحة، وهو ان
مديحه لابن بلبل ليس نابعا من محبة شخصية أو اعجاب به، ولكن
للحصول على عطائه فحسب، يقول:
أظنك خبرت اني امرؤ * أبر الرجال بشعري احتسابا
وذلك أحسن ما في الظنون * إذا ما أخ بأخيه استرابا
ول غيرك السائمي ما أرى * تشعبت للظن فيه شعابا
فقلت: غبي كسا جهله * نواظره دون شمسي ضبابا
وران على قلبه رينه * فليس يريه صوابي صوابا
أ ذلك؟ أو قلت: كان امرءا * رأى الجود ذنبا عظيما، فتابا؟
هفا هفوة بالندى، ثم قال * انبت إلى الله فيمن أنابا؟
أ ذلك؟ أو قلت: بل لم يزل * أخا البخل الا عدات كذابا
مريغ ثناء بلا نائل * يمني أماني تلقى سرابا
إلى كل ذاك تميل النفوس * أخطأ ظن بها أم أصابا
وابن الرومي في هذه القصيدة يستخدم أسلوبا غير مباشر في الهجاء،
يقوم على الظن والافتراض الذي قد يكون مرده إلى الخطا، ولكنه بعد كل
ظن يقول له: أ ذلك وكانه يريد ان ينتزع منه اعترافا بصحة كل ما افترضه
فيه من سوء الظن.
وقد ألح ابن الرومي على ادعاء إسماعيل بن بلبل نسبا عربيا في
شيبان، وكان ادعاء العروبة بين ذوي الأصول الأعجمية كثيرا منذ القرن
الثاني الهجري. يقول ابن الرومي فيه:

(١) اقذع: أي ارميه بسوء القول.
(٢) مثابه: عودته.
(٣) تالله اهجو: أي لا اهجو، لان لا تحذف بعد القسم بالله والتاء.
(٤) حماه بمعنى منعه.
(٥) الدستجة: الكأس أو الزجاجة.
(٢٥٦)

عجبت من معشر بعقوتنا * باتوا نبيطا، وأصبحوا عربا
مثل أبي الصقر، ان فيه وفي * دعواه شيبان آية عجبا
بيناه علجا على جبلته * إذ مسه الكيمياء، فانقلبا
عربه جده السعيد كما * حول زرنيخ جده ذهبا
يا عربيا، آباؤه نبط * يا نبعة كان أصلها غربا
كم لك من والد ووالدة * لو غرسا الشوك أثمر العنبا
بل لو يهزان هزة نثرت * من رأس هذا وهذه رطبا
لم يعرفا خيمة، ولا وتدا * ولا عمودا لها، ولا طنبا
ولم يكن ابن الرومي في هجائه إسماعيل بن بلبل متجنيا، بل إن هذا
الرجل قد أذله بحيث جعله يعري مشاعره بصورة كاملة، فإذا بنا امام
انسان مظلوم قهره الظلم، يبيع عصارة فكره ولا يجد من يشتري، بل إن
الممدوحين يحاولون إذلاله وإساءة معاملته، فهو يقول لإسماعيل بن بلبل
هذا:
كم نسام الأذى، كانا كلاب * كم، إلى كم يكون هذا العقاب
كلما جئت قاصدا لسلام * ردني عن لقائك البواب
ما كذا يفعل الكرام، ولا تر * رضي بهذا في مثلي الآداب
انا حر، وأنت من سادة الأحرار * أهل الحجا المصاص اللباب
وقبيح بعد الطلاقة والبشر * بذي المجد نبوة واحتجاب
وجميل من ابن الرومي ان يذكر ممدوحه بأنه حر مثله، وليس عبدا
يقرع، أو كلبا يطرد. وهذا الموقف اللا أخلاقي من جانب إسماعيل بن
بلبل جعل هجاء ابن الرومي ذا نفحة انسانية، على الرغم من تعبيره عن
ذاتيته فهو يقول:
حرمت في سني وفي ميعتي * قراي من دنيا تضيفتها
لهفي على الدنيا، وهل لهفة * تنصف منها ان تلهفتها؟
كم آهة قد تأوهتها * فيها، ومن أف تأففتها
أغدو، ولا حال تسفعتها * فيها، ولا حال تردفتها قبحا لها،
قبحا، على انها * أقبح شئ حين كشفتها
تعسفتني ان رأتني امرءا * لم ترني قط تعسفتها
كددت النفس، من بعد ما * رفهتها قدما وعففتها
لا طالبا رزقا سوى مسكة * ولو تعدت ذاك عنفتها
طالبت ما يمسكها مجملا * فطفت في الأرض وطوفتها
وناكد الجد، فمنيتها * وماطل الحظ، فسوفتها
ما أشد احساس ابن الرومي بعذابه في هذه الدنيا التي لم يرد منها الا
ما يمسك عليه حياته، ومع ذلك يأبى الحظ ان يماطله عن طريق أولئك
الممدوحين الذين لا يثيبونه على شعره الرائع، وليس غير هذا الشعر وسيلة
لاكتساب الرزق الشحيح، الذي لا يحصل عليه الا بعد كد ومعاناة.
ونستفيد مما تقدم، ومن كثير غيره ان ابن الرومي كان مظلوما في
هجائه لممدوحيه السابقين، فقد كان موقفهم منه مخزيا متعفنا وقد صدق
العقاد حين قال: وأنت تقلب ديوان ابن الرومي فتقرأ فيه عشر قصائد في
الشكوى والتذكير والاستبطاء والالحاح والإنذار والهجاء، إلى جانب قصيدة
واحدة في المدح.
ويعدد العقاد مواقف الممدوحين المخزية من ابن الرومي، فإسماعيل
بن بلبل يسئ فهم مديحه الرائع فيه ويظنه هجاه، ومحمد بن عبد الله بن
طاهر يهجو شعر ابن الرومي:
مدحت أبا العباس اطلب رفده * فخيبني من رفده، وهجا شعري
ويكتب قصيدة في عتاب أبي سهل النوبختي، فيراها ملقاة في جانب
الدار، وقد خطط في ظهرها بالمداد، والرياح تتلاعب بها، ولهذا يقول له:
رقعة من معاتب لك ظلت * ولها في ذراك مثوى مهان
سطر العابثون فيها أساطير * عفت متنها، فما يستهان (١)
خط ولدانكم أفانين فيها * أو رجال كأنهم ولدان
وقبيح يجوز كل قبيح * وقعة من معاتب لا تصان
وكان ابن الرومي يشعر باستبعاد الممدوحين له، فهم يمنون عليه ان
قبلوه في مجالسهم، واحضروه موائدهم، ويفرضون عليه وفاء العبد للسيد،
والصنيعة لولي النعمة، ويظنون انهم كلفوه بالعيش الرغيد، والظل
الظليل، يقول ابن الرومي في ذلك:
إذا امتاحهم اكلة عبدوه * تعبيد رب لمربوبه (٢)
يخالون انهم بلغو * ه بالقوت أفضل مطلوبه
وانهم حرسوا نفسه * به من غوائل مرهوبه
يذيل مضيفهم ضيفه * كملبوسه أو كمركوبه (٣)
ولهذا هجا ابن الرومي ممدوحيه السابقين، وكان يروي انهم غافلون
عن شعره:
ما خمدت ناري، ولكنها * ألفت قلوبا نارها خامدة
أو هم جاهلون لا يفهمون:
ما بلغت بي الخطوب رتبة من * تفهم عنه الكلاب والقرده
وما انا المنطق البهائم والطير * سليمان قاهر المرده
وقد بالغ العقاد في الدفاع عن موقف ابن الرومي من هجاء ممدوحيه
فجعلهم كلهم أو أكثرهم لصوصا، لا ينقضي على أحدهم في المنصب
أشهر أو سنوات حتى يعمر بيته بالمنهوب والمسلوب من أرزاق الرعية
الضعفاء، وليست القضية بهذا التعميم، كما انها ليست قضية لصوصية
الممدوحين بل قضية انسانيتهم المضيعة ازاء هذا الشاعر الذي ذوب عصارة
فكره في تمجيدهم، ولم يقبض منهم الا على هواء، فعاش مضطهدا
كسيرا، ومات مهضوما مظلوما.
من شعره
نظرت فاقصدت الفؤاد بسهمها * ثم انثنت عنه فكاد يهيم
الموت ان نظرت وان هي أعرضت * وقع السهام ونزعهن اليم
وله في وصف السيف وهو نهاية في معناه:
يشيعه قلب رواء وصارم * صقيل بعيد عهده بالصياقل

(١) أهي " يستبان "؟ لأن ما كتبه فيها العابثون محل متن القصيدة، فهو غير واضح.
(٢) امتاحهم أي استمنحهم، وعبدوه أي استعبدوه.
(٣) يذبل هنا بمعنى يهين، أي أنه يهين ضيفه كما يهين ثوبه أو دابته.
(٢٥٧)

تشيم بروق الموت في صفحاته * وفي حده مصداق تلك المخايل
وقد أكثر الشعراء في ذكر الأوطان ومحبتها والشوق إليها فجاء ابن
الرومي مع قرب عهده فذكر الوطن وبين عن العلة التي لها يحب وزاد
عليهم أجمعين وجمع ما فرقوه في أبيات من قصيدة يخاطب بها سليمان بن
عبد الله بن طاهر وقد أريد على بيع منزله فقال:
ولي وطن آليت ان لا أبيعه * وان لا ارى غيري له الدهر مالكا
عهدت به شرخ الشباب ونعمة * كنعمة قوم أصبحوا في ظلالكا
وقد ألفته النفس حتى كأنه * لها جسدان غاب غودر هالكا
وحبب أوطان الرجال إليهم * مارب قضاها الشباب هنالكا
إذا ذكروا أوطانهم ذكرتهم * عهود الصبا فيها فحنوا لذلكا
وله في معناه:
بلد صحبت به الشبيبة والصبا * ولبست ثوب العيش وهو جديد
فإذا تمثل في الضمير رأيته * وعليه أغصان الشباب تميد
وله وسمعه البحتري فاستجاده:
يقتر عيسى على نفسه * وليس بباق ولا خالد
ولو كان يسطيع من بخله * تنفس من منخر واحد
وله من قصيدته الطويلة:
لما تؤذن الدنيا به من صروفها * يكون بكاء الطفل ساعة يولد
والا فما يبكيه منها وانها * لافسح مما كان فيه وارغد
وله في إبراهيم بن المدبر وكان رد عليه قصيدة مدحه بها:
رددت علي مدحي بعد مطل * وقد دنست ملبسه الجديدا
وقلت امدح به من شئت غيري * ومن ذا يقبل المدح الرديدا
ولا سيما وقد عبقت فيه * مخازيك اللواتي لن تبيدا
وهل للحي في أثواب ميت * لبوس بعد ما امتلأت صديدا
وأورد له في شرح رسالة ابن زيدون في الشماتة وقد بالغ فيها:
لا زال يومك عبرة لغدك * وبكت لشجو عين ذي حسدك
فلئن بكيت فطالما بكيت * بك همة لجات إلى سندك
أو تسجد الأيام ما سجدت * الا ليوم فت في عضدك
يا نعمة ولت غضارتها * ما كان أقبح حسنها بيدك
فلقد بدت بردا على كبدي * لما غدت حرا على كبدك
ورأيت نعمى الله زائدة * لما استبان النقص في عددك
لم يبقى لي مما برى جسدي * الا بقايا الروح في جسدك
ومن شعره الذي يدل على قوله بالعدل وعدم الجبر قوله في ذكر
مساوي الحقد من قصيدة:
يا ضارب المثل المزخرف مطريا * للحقد لم تقدح بزند واري
شبهت نفسك والألى يولونها * آلاءهم بالأرض والعمار
وزعمت فيك طبيعة أرضية * يا سابق التقرير بالاقرار
فينا وفيك طبيعة أرضية * تهوي بنا ابدا لشر قرار
هبطت بآدم قبلنا وبزوجه * من جنة الفردوس أفضل دار
فتعوضا الدنيا الدنية كاسمها * من تلكم الجنات والأنهار
بئست لعمر الله تلك طبيعة * حرمت أبانا قرب أكرم جار
واستأسرت ضعفي بنيه بعده * فهم لها اسرى بغير اسار
لكنها ماسورة مقسورة * مقهورة السلطان في الأحرار
فجسومهم من اجلها تهوي بهم * ونفوسهم تسمو سمو النار
عرفوا لروح الله فيهم فضل ما * قد اثرت من صالح الآثار
فتنزهوا وتعظموا وتكرموا * عن لؤم طبع الطين والأحجار
لا ترض بالمثل الذي مثلته * مثلا ففيه مقالة للزاري
الأرض في أفعالها مضطرة * والحي فيه تصرف المختار
فمتى جريت على طباعك مثلها * فكان طرفك بعد من فخار
أخرجت من باب المشيئة مثلما * خرجت فأنت على الطبيعة جاري
انى تكون كذا وأنت مخير * متصرف في النقض والامرار
أين انصراف الحي في انحائه * وحويله فيما سوى المقدار
أين اختيار مخير حسناته * ان كنت لست تقول بالاجبار
شهد اتفاق الناس طرا في الهوى * وتفاوت الأبرار والفجار
ان الجميع على طباع واحد * وبما يرون تفاضل الأطوار
قاد الهوى الفجار فانقادوا له * وأبت عليه مقادة الأبرار
لولا صنوف الاختيار لأعنقوا * لهوى كما اتسقت جمال قطار
ورأيتهم مثل النجوم فإنها * متتابعات كلها لمدار
متيممات سمت وجه واحد * ولها مطامع حجة ومجاري
وله في أمير المؤمنين علي ع من قصيدة:
يا هند لم اعشق ومثلي لا يرى * عشق النساء ديانة وتحرجا
لكن حبي للوصي مخيم * في الصدر يسرح في الفؤاد تولجا
فهو السراج المستنير ومن به * سبب النجاة من العذاب لمن نجا
وإذا تركت له المحبة لم أجد * يوم القيامة من ذنوبي مخرجا
قل لي أ أترك مستقيم طريقه * جهلا واتبع الطريق الأعوجا
وأراه كالتبر المصفى جوهرا * وأرى سواه لناقديه مبهرجا
ومحله من كل فضل بين * عال محل الشمس أو بدر الدجى
قال النبي له مقالا لم يكن * يوم الغدير لسامعيه ممجمجا
من كنت مولاه فذا مولى له * مثلي فأصبح بالفخار متوجا
وكذاك إذ منع البتول جماعة * خطبوا وأكرمه بها إذ زوجا
وقال في أمير المؤمنين علي ع:
تراب أبي تراب كحل عيني * إما رمدت جلوت به قذاها
تلذ لي الملامة في هواه * لذكراه وأستحلي أذاها
قال من قصيدة يرثي بها يحيى بن عمر بن الحسين بن زيد بن علي
ابن الحسين بن علي بن أبي طالب ع حين ثار على الظلم
وفساد الحكم أيام العباسيين:
امامك فانظر اي نهجيك تنهج * طريقان شتى مستقيم وأعوج
الا ايهذا الناس طال ضريركم * بال رسول الله فاخشوا أو ارتجوا
أ كل أوان للنبي محمد * قتيل زكي بالدماء مضرج
تبيعون فيه الدين شر أئمة * فلله دين الله، قد كان يمرج (١)
بني المصطفى كم يأكل الناس شلوكم * لبلواكم عما قليل مفرج
أ ما فيهم راع لحق نبيه * ولا خائف من ربه يتحرج

(١) مرج الدين: اضطرب.
(٢٥٨)

لقد عمهوا ما انزل الله فيكم * كان كتاب الله فنهم محجحج (١)
الا خاب من أنساه منكم نصيبه * متاع من الدنيا قليل وزبرج
أ بعد المكنى بالحسين شهيدكم * تضئ مصابيح السماء فتسرج
لنا وعلينا لا عليه ولا له * تسحسح أسراب الدموع وتنشج
وكيف نبكي فائزا عند ربه * له في جنان الخلد عيش مخرفج (٢)
فان لا يكن حيا لدينا فإنه * لدى الله حي في الجنان مزوج
وكنا نرجيه لكشف عماية * بأمثاله أمثالها تتبلج
فساهمنا ذو العرش في ابن نبيه * ففاز به، والله أعلى وأفلج
أ يحيى العلى لهفي لذكراك لهفة * يباشر مكواها الفؤاد فينضج
لمن تستجد الأرض بعدك زينة * فتصبح في اثوابها تتبرج
سلام وريحان وروح ورحمة * عليك وممدود من الظل سجج
ولا برح القاع الذي أنت جاره * يرف عليه الأقحوان المفلج
ويا أسفي ان لا ترد تحية * سوى ارج من طيب رمسك يأرج
الا انما ناح الحمائم بعد ما * ثويت وكانت قبل ذلك تهزج
الا أيها المستبشرون بيومه * أظلت عليكم غمة لا تفرج
أكلكم امسى اطمأن مهاده * بان رسول الله في القبر مزعج
فلا تشتموا وليخسأ المرء منكم * بوجه كان اللون منه اليرندج (٣)
فلو شهد الهيجا بقلب أبيكم * غداة التقى الجمعان والخيل تمعج
لأعطى يد العاني أو ارتد هاربا * كما ارتد بالقاع الظليم المهيج (٤)
ولكنه ما زال يغشى بنحره * شبا الحرب حتى قال ذو الجهل: أهوج
وحاش له من تلكم، غير أنه * أبى خطة الأمر الذي هو اسحج
وأين به عن ذاك؟ لا أين، انه * إليه بعرقيه الزكيين محرج
كأني به كالليث يحمي عرينه * وأشباله لا يزدهيه المهجهج
كدأب علي في المواطن قبله * أبي حسن، والغصن من حيث يخرج
كأني أراه والرماح تنوشه * شوارع كالأشطان تدلى وتخلج
كأني أراه إذ هوى عن جواده * وعفر بالترب الجبين المشجج
فحب به جسما إلى الأرض إذ هوى * وحب بها روحا إلى الله تعرج
أأرديتهم يحيى ولم يطو أيطل * طرادا ولم يدبر من الخيل منسج
تأتت لكم فيه منى السوء هينة * وذاك لكم بالغي أغرى وألهج
تمدون في طغيانكم وضلالكم * ويستدرج المغرور منكم فيدرج
اجنوا بني العباس من شنآنكم * وأوكوا على ما في العياب وأشرجوا
وخلوا ولاة السوء منكم وغيهم * فأحربهم ان يغرقوا حيث لججوا
نظار لكم ان يرجع الحق راجع * إلى أهله يوما، فتشجوا كما شجوا
على حين لا عذرى لمتذريكم * ولا لكم من حجة الله مخرج
فلا تلقحوا الآن الضغائن بينكم * وبينهم ان اللواقح تنتج
غررتم لئن صدقتم ان حالة * تدوم لكم والدهر لونان اخرج
لعل لهم في منطوى الغيب ثائرا * سيسمو لكم، والصبح في الليل مولج
أ في الحق ان يمسوا خماصا وأنتم * يكاد اخوكم بطنة يتبعج
وتمشون مختالين في حجراتكم * ثقال الخطى أكفالكم تترجرج
وليدهم بادي الضوى ووليدكم * من الريف ريان العظام خدلج
بنفسي الالى كظتهم حسراتكم * فقد علزوا قبل الممات وحشرجوا (٥)
وعيرتموهم بالسواد، ولم يزل * من العرب الا محاض أخضر أدعج
ولكنكم زرق يزين وجوهكم * بني الروم! ألوان من الروم نعج
أبى الله الا ان يطيبوا وتخبثوا * وان يسبقوا بالصالحات ويفلجوا
وان كنتم منهم وكان أبوكم * أباهم فان الصفو بالرفق يمزج
وقال في أهل أبيت:
ان يوال الدهر أعداء لكم * فلهم فيه كمين قد كمن
خلعوا فيه عذار المعتدي * وغدوا بين اعتراض وارن (٦)
فاصبروا يهلكهم الله لكم * مثل ما أهلك اذواء اليمن
قرب النصر فلا تستبطئوا * قرب النصر يقينا غير ظن
ومن التقصير صوني مهجتي * فعل من اضحى إلى الدنيا ركن
لا دمي يسفك في نصرتكم * لا ولا عرضي فيكم يمتهن
غير اني باذل نفسي وان * حقن الله دمي فيما حقن
ليت اني غرض من دونكم * ذاك أو درع يقيكم ومجن
أ تلقى بجبيني من رمى * وبنحري وبصدري من طعن
ان مبتاع الرضي من ربه * فيكم بالنفس لا يخشى الغبن
وله في رثاء شبابه:
أ بين ضلوعي جمرة تتوقد * على ما مضى أم حسرة تتجدد
خليلي ما بعد الشباب رزية * يجم لها ماء الشؤون ويعتد
فلا تلحيا للجلد يبكي فربما * تفطر عن عين من الماء جلمد
شباب الفتى مجلودة وعزاؤه * فكيف وانى بعده يتجلد
وفقد الشباب الموت يوجد طعمه * صراحا، وطعم الموت بالموت يفقد
رزئت شبابي عودة بعد بدأة * وهن الرزايا بادئات وعود
سلبت سواد العارضين وقلبه * بياضهما المحمود إذ انا أمرد
وبدلت من ذاك البياض وحسنه * بياضا ذميما لا يزال يسود
لشتان ما بين البياضين معجب * أنيق ومشنوء إلى العين أنكد
وكنت جلاء للعيون من القذى * فقد جعلت تقذى بشيبي وترمد
هي الأعين النجل الذي كنت تشتكي * مواقعها في القلب والرأس اسود
فما لك تأسى الآن لما رأيتها * وقد جعلت مرمى سواك تعمد
تشكى إذا ما أقصدتك سهامها * وتأسى إذا نكبن عنك وتكمد
كذلك تلك النبل من وقعت به * ومن صرفت عنه من القوم مقصد
إذ عدلت عنا وجدنا عدولها * كموقعها في القلب بل هو اجحد
تنكب عنا مرة فكانما * منكبها عنا إلينا مسدد
كفى حزنا ان الشباب معجل * قصير الليالي والمشيب مخلد
إذا حل جارى المرء شاو حياته * إلى أن يضم المرء والشيب ملحد
ارى الدهر اجرى ليله ونهاره * بعدل فلا هذا ولا ذاك سرمد
وجار على ليل الشباب فضامه * نهار مشيب سرمد ليس ينفد
وعزاك عن ليل الشباب معاشر * فقالوا نهار الشيب اهدى وارشد
وكان نهار المرء اهدى لسعيه * ولكن ظل الليل اندى وابرد
أأيام لهوي هل مواضيك عود * ولهل لشباب ضل بالأمس منشد
أقول وقد شابت شواتي وقوست * قناتي واضحت كدنتي تتحدد
ولذت أحاديثي الرجال وأعرضت * سليمى وريا عن حديثي ومهرد
وبدل اعجاب الغواني تعجبا * فهن روان يعتبرن وصدد

(١) جلد أو طلاء اسود.
(٢) مجج الكتاب لم يبين حروفه.
(٣) ناعم واسع.
(٤) زلج تقدم.
(٥) فلو نزل يحيى لمعترك وقلبه متخوف كقلب أبيكم لسلم نفسه للاسر أو ولى هاربا كما يهرب النعام.
(٥) علز اخذه القلق والهلع.
(٧) الارن النشاط واظهار القوة.
(٢٥٩)

لما تؤذن الدنيا به من صروفها * يكون بكاء الطفل ساعة يولد
والا فما يبكيه منها وانها * لافسح مما كان فيه وارغد
وللنفس أحوال تظل كأنها * تشاهد فيها كل غيب سيشهد
وما لي عزاء عن شبابي علمته * سوى انني من بعده لا أخلد
وان مشيبي واعد بلحاقه * وان قال قوم انه يتوعد
السيد مير علي أبو طبيخ (١).
ابن السيد عباس ابن السيد راضي بن الحسن يرجع نسبه إلى الإمام موسى
بن جعفر ع، وامه بنت الشيخ راضي جد الأسرة
المعروفة في النجف، ويمت إلى آل كاشف الغطاء بمثل هذه الخؤلة. ولد في
النجف في غضون العشرة الأولى من القرن الرابع عشر الهجري، وتوفي في
شهر شوال من سنة ١٣٦١ وهو لم يتجاوز الخمسين الا قليلا. وبالنظر لمكانة
أخواله العلمية بالإضافة إلى فضيلة أبيه العلمية فقد كان لذلك كل الأثر في
ثقافته ونشأته وتكوينه حتى لقد تلقى سلسلة طويلة من دروسه على الشيخ
جعفر والشيخ راضي وعلى الشيخ عبد الرضا الشيخ راضي، وكان يقضي
معظم أوقاته في مجالسهم العامة ودواوينهم العامرة. واجتاز في سيره مرحلة
كبيرة من العلوم الدينية إلى أن حل به مرض اقعده في البيت نحو اثنتي
عشرة سنة وله مؤلفات بقيت مخطوطة (٢).
شعره
له ديوان شعر طبع بعد وفاته فمن شعره هذه القصيدة التي نظمها
خلال الحرب العامة الثانية:
اروبا معدن العلم * لقد ابنك العلم
هصرت الأرض كيناء * وثقفت الأطباء
ترومين بان يسعد * هذا الخلق احياء
فلما أينع الشاطئ * اصقاعا وارجاء
غدا يقصفه الجو * فعاث الزرع والماء
على غير هوى منك * تجافى ربعك السلم
فيا ظلمة أيامي * غداة اجتاحك الظلم
فكم نجم بدا منك * وكم منك هوى نجم
وكم يحيى بك العلم * فلم يقتلك العلم؟
أتت تختبط الدأماء * في الحرب الأساطيل
كما تسحق هام الحق * في الدنيا الأباطيل
فأضحت أمة العذراء * تنعاها الأناجيل
كان الدهر لم يأن * له جرح وتعديل
فكم دنيا رأينا منك * في الأيام معموره
رمادا أصبحت تذرى * وكانت ذهب الكوره
فلم يبق لها المدفع * من أنقاض مقصوره
ولم تغن الهيولات * إذا فارقت الصورة
مرت كفك ضرع الدهر * كي يصفو لك المشرب
فنلت السهل بالسهل * ورضت الصعب بالأصعب
وقد أفرط فيك الزهو * حتى لم يجد مذهب
فهبك كنت طاووسا * فما الحيلة ان أذنب؟
ذريني واجب القلب * أجل طرفي مبهوتا
لئن قصرت في نعتي * فما قصرت منعوتا
صفي لي وثبة الطيار * يستوحي البراشوتا
فهل من شخص عزرائيل * كان الشكل منحوتا
على المرقب ناقوس * وفي المربا صفاره
إذا دوى بها الأفق * بدت تنذر بالغاره
فلا الدار ترى الشخص * ولا الشخص يرى داره
وكان النفق القلب * أهل الدار اسراره
أمانا جنة الدنيا * فقد حاطتك نيران
لها الواقد أشياخ * وفي الموقد شبان
ذوت من لهب المدفع * حرقا وهي أغصان
فما صنعك بالحور * إذا لم يك ولدان؟
مها أفزعها المهداد * فانصاعت عن الورد
تؤم المخبا النائي * فلا تلوي إلى قصد
وتثني الفاحص المذعور * عن دغدغة النهد
ومان ان خفيت دل عليها * ارج الند
صقور في الفضاء الرحب * تزجيها الشياطين
تريع العصم في الأمن * فكيف الخرد العين؟
فأين الخلق السهل * وأين الرفق واللين؟
ومن طلقة (سينغفريد) * أقوى حصن ماجينو
عزاء غاب بولون * إذا ما عقك الشعب
فمن اجلك نهر السين * لا ينهى به الشرب
تهون الفتنة الكبرى * إذا عم بها الخطب
سرت شعلتها حتى * تساوى الشرق والغرب
وقال في مرضه الأخير:
أهوت به علته فانتدب * الحيلة يثنيها فأعياه السبب
قالوا النطاسي فالقى فخه * مقتنصا جاء ليصطاد النشب
حتى إذا استفرع ما ظن به * من فضة يكنزها أو من ذهب
تعاظم الداء عليه فالتوى * واستعضل النازل فيه فانسحب
وللرفاق حوله ولولة * وللبنين والبنات مصطخب
يقوم هذا فزعا مما به * والبعض جاث عنده على الركب
فلا حميم لحماه يلتجي * ولا ابن أم نافعا ولا ابن أب
وهو على بصيرة من امره * منتبها يرنو لسوء المنقلب
ينظر فيم ذهبت أيامه وما * اكتسى من عمل وما اكتسب
طغت عليه لجج الموت فما * أقام في تيارها حتى رسب
فاستك منه سمعه وأخرست * شقشقة تزري بفصحاء العرب
وجاءه الموت فاضحى هامدا * قد استقر بعد ما كان اضطرب
وأغمضت اجفانه لا عن كرى * وأسبل الأيدي من غير وصب
وسيقت النفس على علاتها * إلى الجنان أو إلى النار حطب
اني أعوذ بولاء حيدر * وصفوة الآل البهاليل النجب
هم الرعاة لا عدمت فيئهم * وهم سفائن النجاة في العبب
هم عرفات الحج هم شعاره * هم كعبة البيت وهم أسنى القرب
وهم يد الله ونور وجهه * الساطع والسر الذي به احتجب

(١) مما استدركناه على مسودات الكتاب " ح ".
(٢) مقدمة الديوان.
(٢٦٠)

آل العبا المطهرون انهم * خيرته والنخبة التي انتخب
وقال في رثاء الحسين ع
تطوي الذميل على الرسيم * وتفل ناصية الأديم
ان أرقلت بمناسم * زفت بقادمة الظليم
تدع البروق وراءها * وتجر ارسنة النسيم
تبدو بجؤجؤ أربد * متلفتا بلحاط ريم
من قوس حاجب صنعها * أو صنع عرجون قديم
فذر النواطح للسحاب * وخذ بناطحة النجوم
من قبة الفلك استجذ * سنامها للمستنيم
فالغرب شرق عندها * والشرق غرب حين تومي
قد شاقها وادي الطفوف * فنكبت وادي الغميم
تهفو لمعهد فتية * هم نجدة الحي المضيم
غر بها ليل الوجوه * قوارع الصيد القروم
يتسابقون إلى العلا * ويدون بالشرف الصميم
علموا الحقيقة فاغتدوا * في طاعة الملك العليم
واستوضحوا سبل الحياة * بمرقد الليل البهيم
من كل غطريف ارم * بمنبت الفرق الكريم
كحبيب الماضي الشباة * ومسلم الليث الشتيم
قالت إذا قعدت بهم * احسابهم للحرب قومي
لا ينتشون بغيرها * كالكأس في كف النديم
تسري النجائب تحتهم * برقا بمختلف الغيوم
ولدوا على أعرافها * وتمسكوا بعرى الشكيم
نصروا الحسين بموقف * يثني الحميم عن الحميم
حفته خيل أمية * من كل طاغية أثيم
فطوى الرعيل على الرعيل * وشلها شل الأديم
تلك المئات يخطها * بالسيف والرمح القويم
ألفات هذا في الرقاب * ونقط هذا في الصميم
حتى إذا نزل القضاء * وفاء بالامر الحكيم
القى جران الصبر * بين مضارب الخطب الجسيم
أفديه منهتك الحمى * أفديه مسبي الحريم
أفديه منعفر الجبين * مجدلا دامي الكلوم
يا بضعة الهادي الشفيع * وآية النبأ العظيم
هتكوا بك البيت الحرام * وركن زمزم والحطيم
ما بال بجدل لارعت * أحشاه غير لظى الجحيم
لو سام كفك نائلا * لرمت بخاتمها الوسيم
ولقلت ذا فعل الوصي * أبي ومن شيمي وخيمي
الشيخ زين الدين علي بن عبد الجليل البياضي المتكلم نزيل دار النقابة
بالري. ورع مناظر له تصانيف في الأصول منها الاعتصام في علم الكلام
والحدود ومسائل في المعدوم والأصول (١).
الميرزا علي ابن الشيخ عبد الحسين بن الآخوند ملا علي أصغر الواعظ
الحائري الإيرواني.
ولد في النجف الأشرف في الخامس والعشرين من شعبان سنة ١٣٠١
وتوفي والده وهو في أوائل البلوغ وكانت له والدة ممن وهبهن الله نظرا مصيبا
ومعرفة بالأمور فبذلت جهدها في تحصيله فاختارت له معلما صالحا يعلمه في
دار سكناها فتعلم العلوم العربية والمنطق على معلمه الخاص ثم شرع في
قراءة السطوح عليه ثم درس على الشيخ ملا كاظم الخراساني والسيد محمد
كاظم اليزدي والميرزا محمد تقي الشيرازي له من المؤلفات ١ حاشية على
مكاسب الشيخ تامة ٢ حاشية على الكفاية أيضا تامة ٣ كتاب بشرى
المحققين دورة أصولية حاوية لجميع مباحث الألفاظ والأصول العلمية ٤
كتاب الطهارة ٥ كتاب الصلاة ٦ رسالة عملية فارسية سماها خير الزاد
ليوم المعاد.
الشيخ علي بن عبد الحميد النيلي (٢)
توفي في حدود سنة ٨٠٠ كان عالما مصنفا حسن التصنيف من شيوخ
الإجازة أديبا شاعرا فمن شعره قوله في الحسين ع:
إذا ما سطا شاهدت هاما مفلقا * وأيد من الضرب الدراك تطير
يخط بخطي القنا في ظهورهم * خطوطا لها وقع السيف سطور
خذوها قصيدا يخجل الشمس ضوؤها * ويعجز عنها جرول وجرير
إذا تليت بين الملا بمديحكم * تضوع منها مندل وعبير
محررة قد زانها ذكر مدحكم * وما شأنها عما يراد قصور
عليكم سلام الله ما لاح بارق * وما غردت فوق الغضون طيور
وله:
لا تنكري ان ألفت الهم والأرقا * وبت من بعدهم حلف الأسى قلقا
ليت الركائب لازمت لبينهم * وليت ناعق يوم البين لا نعقا
يا منزلا لعبت أيدي الشتات به * لعب النحول بجسمي إذ به علقا
الشيخ علي العاصي العاملي الكفراوي
قرأ على الشيخ راضي والشيخ محمد حسين الكاظمي وتوفي بالنجف
في حدود سنة ١٣٠٠ له حاشية على المعالم.
السيد علي بن عبد الحميد بن فخار بن معد الموسوي الحلي المعروف
بالمرتضى أستاذ ابن معية.
توفي في حدود سنة ٧٦٠.
كان فقيها نسابة يروي عن والده عن أبيه عن جده فخار عن شيخه
النسابة جلال الدين أبي علي عبد الحميد بن التقي الحسيني عن السيد ضياء
الدين فضل الله بن علي الحسني الراوندي عن أبي الصمصام ذي الفقار بن
محمد بن سعيد الحسيني المروزي عن الشيخ أبي العباس، أحمد بن علي بن أحمد
بن عباس النجاشي الكوفي بطرقه المعلومة ويروى عنه ابن معية. له
كتاب الأنوار المضيئة في أحوال المهدي. ومن ذرية المترجم بنو نزار ينتهون
إلى نزار ابن السيد هذا وآل أبي محمد وهم ينتهون إلى الحسين ابن صاحب
الترجمة وللمترجم كتاب في مراثي الشهيد وله في علم الكلام وغيره تصانيف
ومن شعره قوله:

(١) مجموعة الجباعي.
(٢) راجع ترجمة النيلي الآتية.
(٢٦١)

عز صبري وعز يوم التلاقي * آه وا حسرتاه مما ألاقي
وفؤادي اضحى غريم غرام * واصطباري ناء ووجدي باقي
يا عذولي اني لسيع فراق * ما له بعد لسعة من راقي
حق ان أسكب الدما لا دموعي * وأشق الفؤاد لا أخلاقي
وأزيد الحزن الشديد لرزء السبط * سبط الراقي بظهر البراق
قتلوه ظلما ولم يرقبوا فيه * لعمري وصية الخلاق
يا بن بنت الرسول يا غاية المأمول * يا عدتي غداة التلاقي
ابن عبد الحميد عبدك ما زال * محبا لكم بغير نفاق
حبكم عدتي وأنتم ملاذي * يوم حشري ومنكم اعراقي
وصلاة الرب الرحيم عليكم * ما تغنى الحداة خلف النياق
السيد علي بن عبد الحميد الحسني.
وصفه الشيخ إبراهيم القطيفي في السراج الوهاج بالفاضل الكامل
العالم العامل وقال إنه تلميذ فخر الدين وان له شرحا على النافع بلغ فيه
الغاية.
الشيخ أبو القاسم نور الدين علي بن عبد الصمد العاملي عم الشيخ
البهائي.
كان عالما فاضلا فقيها محدثا يروي عن الشهيد الثاني وهو أحد
تلامذته الاجلاء وقرأ في أول امره على المحقق الكركي ووجدت بعض
مصنفات المحقق الكركي بخطه في عصره ويروي عنه بالإجازة أيضا،
حكي عن صاحب رياض العلماء أنه قال رأيت اجازة الشيخ المذكور على
ظهر الرسالة الجعفرية له وصورتها: وبعد فقد قرأ علي جملة من الرسالة
الموسومة بالجعفرية في فقه الصلاة وسمع معظمها الصالح الفاضل الشيخ
نور الدين ابن الشيخ الفاضل عمدة الأخيار ضياء الدين عبد الصمد ابن
المرحوم المقدس قدوة الاجلاء في العالمين الشيخ شمس الدين محمد الجبعي
أدام الله له التوفيق وسلك به سواء الطريق وقد أجزت له روايتها عني
ورخصته بالعمل بما تضمنته من الفتاوى التي استقر عليها رأيي وقوي عليها
اعتمادي فليروها كما شاء وأحب موفقا وكتب هذه الأحرف بيده الفانية
الفقير إلى الله تعالى علي بن عبد العالي بالمشهد المقدس الغروي في خامس
شهر رجب سنة ٩٣٥ ووصفه في روضات الجنات بالفاضل العالم الجليل
الفقيه الشاعر له نظم ألفية.
الشيخ علي بن عبد العالي بن عبد الباقي بن إبراهيم ابن الشيخ علي بن
عبد العالي العاملي الميسي.
هو حفيد المحقق الشيخ علي بن عبد العالي الميسي المشهور صاحب
الميسية وحفيد ابنه الشيخ إبراهيم. كان عالما فاضلا قرأ على الشيخ حسن
الحانيني وجدنا بخطه كتابا في النحو فرع منه سادس ربيع الآخر سنة ١٠٢٢
وشرح الآجرومية فرع من نسخ تعليقه ضحوة نهار الاثنين السادس من شهر
شوال سنة ١٠٢٠ وكتابا اخر في النحو تاليف الشيخ أبي عبد الله بن المنيرة
الشيرازي فرع منه يوم الثلاثاء تاسع عشر شوال سنة ١٠١٩ وكتب شيخه
المذكور على الكتاب الأول في النحو وعلى كتاب الشيرازي انه أنهاهما قراءة
عليه كما ذكرناه فيه في ترجمته ومن شعر الشيخ على المذكور قوله:
نظرت للعالم السفلي بعد هدى * بعين رشد بعين العقل والبصر
فما رأيت ولا شاهدت من أحد * سواي منفردا في الدهر بالضرر
وقوله:
من لم يلذ بالتقى في طول مدته * يا بئس منه الا وأسوء حالته
لكنما شيمة الدنيا وعادتها * تعز من قد تمادى في جهالته
الشيخ علي بن عبد العالي العاملي الميسي.
في أمل الآمل فاضل صالح زاهد ورع من المعاصرين وليس
هو المذكور بعده يعني المحقق الميسي شيخ الشهيد الثاني اه ويحتمل
كونه المذكور قبله ويبعده انه لو كان كذلك لعرفه بجده المشهور فقال وهو
من ذريته المحقق الميسي ولو كان من ذريته لما خفي عليه.
الشيخ أبو القاسم نور الدين علي بن عبد العالي العاملي المسيي.
نسبة إلى ميس بميم مفتوحة ومثناة تحتية ساكنة وسين مهملة من قرى
جبل عامل، خرج منها كثير من العلماء وما في اللؤلؤة من أنها بكسر الميم
مخالف للمعروف عند العامليين الذين هم اعرف بأسماء بلادهم.
توفي ليلة الأربعاء عند انتصاف الليل ودخل قبره الشريف بجبل
صديق النبي ليلة الخميس من جمادى الأولى سنة ٩٣٨ كذا عن خط والد
البهائي، فالظاهر أنه انتقل من ميس إلى قرية صديق الكائنة على الجبل
الذي بقرب تبنين وفيه قبر عليه قبة يسمى صاحبه صديق، والله أعلم ما هو
وإن كان والد البهائي قال إنه نبي كما هو المعروف عند أهل تلك البلاد
ولكن قبره غير معروف بل المعروف قبر السيد علي الصائغ كما ذكرناه في
ترجمته ولو كان قبره في غير جبل عامل لكان مشيدا معروفا مزورا مشهورا
لكن علماء جبل عامل حالهم بعد الممات كحالهم حال الحياة. في الآمل
كان فاضلا عالما متبحرا محققا مدققا جامعا كاملا ثقة زاهدا عابدا ورعا
جليل القدر عظيم الشأن فريدا في عصره. روى عنه شيخنا الجليل
الشهيد الثاني بغير واسطة وروى عنه بواسطة السيد حسن بن جعفر
ابن فخر الدين حسن بن نجم الدين الأعرج الحسيني. وقال
الشهيد الثاني في اجازته الكبيرة بعد عد مؤلفات الشهيد الأول:
ارويها عن عدة مشايخ بعدة طرق أعلاها سندا عن شيخنا الامام الأعظم بل
الوالد المعظم شيخ فضلاء الزمان مربي العلماء الأعيان الشيخ الجليل الواعظ
المحقق العابد الزاهد الورع التقي نور الدين علي بن عبد العالي العاملي
الكركي فقال عند ذكره: سيدنا الشيخ الأجل العالم الفاضل حاوي محاسن
الصفات الكاملة العلية متسنم ذرى المعالي بفضائله الباهرة ممتطي صهوات
المجد بمناقبه السنية الزاهرة زين الحق والملة والدين أبو القاسم علي بن عبد
العالي الميسي اه ثم ذكر انه استجازه فأجاز له شرح رسالة صيغ العقود
والايقاعات وشرح الجعفرية ورسائل متعددة اه وعن المولى عبد الله بن
عيسى الأصفهاني المعروف بالأفندي أنه قال في رياض العلماء: رأيت بهراة
بخط الشيخ حسين بن عبد الصمد العاملي والد البهائي في مجموعة
هكذا: توفي شيخنا الامام العلامة التقي الورع الشيخ علي بن عبد العالي
الميسي أعلى الله نفسه الزكية إلى أن قال وظهر منه كرامات كثيرة قبل موته
وبعده وهو ممن عاصرته وشاهدته ولم اقرأ عليه شيئا لانقطاعه وكبره اه
ومن المعروف عنه في جبل عامل انه كان ينقل الحطب ليلا على حماره في
قرية ميس لتلامذته وعياله وقرأ عليه الشهيد الثاني في ميس كما ذكرناه في
ترجمته وتزوج ابنة الشيخ علي ولازمه حتى توفي ولكن يظهر من عبارة والد
البهائي السابقة انه انقطع عن التدريس في آخر عمره. له من المؤلفات
(٢٦٢)

المشهورة الرسالة الميسية في الفقه ينقل عنها العلماء في مصنفاتهم كثيرا
ويعتنون بشأنها. والعجب أن صاحب الأمل لم يذكر له مؤلفا لا هي ولا
غيرها، وقال صاحب اللؤلؤة لم اقف على من نسب إليه شيئا من المصنفات
اه تلمذ عليه الشهيد الثاني وبقي ملازما له حتى توفي المترجم وكان
المترجم زوج خالة الشهيد الثاني وزوجه ابنته وهي زوجته الكبرى وتزوج
ابنتها السيد علي بن الحسين بن أبي الحسن الموسوي فولدت له السيد محمد
صاحب المدارك.
اجازة المحقق الكركي له
قال المحقق الكركي في اجازته له ولولده الشيخ إبراهيم لما كتب إليه
الميسي يستجيز لنفسه ولولده:
وبعد فان الكتاب الكريم الصادر عن سيدنا الشيخ الأجل العالم
العامل الفاضل الكامل علامة العلماء ومرجع الفضلاء جامع الكمالات
النفسانية حاوي محاسن الصفات الكاملة العلية المتسنم ذروة المعالي بفضائله
الباهرة الممتطي صهوات المجد بمناقبه السنية الزاهرة زين الملة والحق والدين
أبي القسم علي ابن المرحوم المبرور المقدس الموج المحبوب الشيخ العالم
الاجل الكامل تاج الحق والدين عبد العالي العاملي الميسي أدام الله تعالى
ميامن أنفاسه الزكية بين الأنام وأعاد على المسلمين من بركات علومه السامية
إلى يوم القيامة بمحمد وآله الاطهار الأبرار صلى الله عليهم أجمعين مصابيح
الظلام ومفاتيح الإنعام وحفظة الشرائع والاحكام ورد على هذا الضعيف
المعترف على نفسه بالعجز والتقصير كاتب هذه الأحرف بيده الجانية فقابله
بمزيد الاعظام والاكرام ووفاه ما يجب له من التوقير والاحترام وحيث تضمن
الاستجازة على القانون المقرر بين أهل الصناعات العلمية من العقلية
والنقلية لما ثبت لي من روايته من أصنافها على تفاوتها واختلافها اجازة عامة
لنجله الأسعد الفاضل الأوحد ظهير الدين أبي إسحاق إبراهيم أبقاه الله
تعالى في ظل والده الجليل دهرا طويلا وقد استفيد من المكتوب الشريف
استدعاء نحو ذلك لنفسه النفيسة وعلو مقامه أدام الله تعالى بقاءه وإن كان
صارفا عن الإجابة الا ان وجوب متابعة مرامه منع من المخالفة فاستخرت
الله وأجزت له أدام الله أيامه ونجله الأسعد أقر الله عينه ببقائه لفظا وكتابة
صريحا لا كناية رواية كل ما يجوز لي وعني روايته من العلوم الاسلامية مما
للرواية فيه مدخل معقولها ومنقولها مثل الأصوليين والفقه والحديث والتفسير
واللغة والنحو والتصريف وساير العلوم الأدبية التي تثبت حق الاتصال بهم
بأنواع الرواية السماع والقراءة والمناولة والإجازة وكذلك أجزت رواية ما
صنفته وألفته على نزارته وقلته.
السيد علي بن غياث الدين أبو المظفر عبد الكريم بن علي بن محمد
الحسيني.
له كتاب جامع شتات الاخبار.
أبو الحسن علي بن عبد العزيز بن أبي محمد الخليعي الموصلي الحلي.
توفي في حدود سنة ٧٥٠ بالحلة وله قبر بها يزار.
كان فاضلا مشاركا في الفنون أديبا شاعرا، له ديوان ليس فيه الا
مدح الأئمة ع. أصله من الموصل وسكن الحلة ومات بها،
هكذا ذكر صاحب الذريعة ويوجد في بعض المجاميع المخطوطة أشعار في
رثاء الحسين ع منسوبة للشيخ حسن الخليعي وبعضها
للخليعي بدون ذكر اسمه. وذكر ابن خالويه في شرح ديوان أبي فراس
أشعارا للخليعي في مدح ناصر الدولة ابن حمدان ومدح الحسين بن سعيد
ابن حمدان أخي أبي فراس ولم يذكر اسمه. والذي يظهر لي ان الخليعي
لقب لثلاثة اشخاص لا لاثنين أحدهم مادح الحمدانيين والثاني صاحب
المراثي في الحسين ع وهو حلي أصله موصلي، وصاحب
الطليعة يقول اسمه علي بن عبد العزيز والظاهر أنه من نسل مادح
الحمدانيين وهو غيره يقينا لان المادح كان في المائة الرابعة وصاحب المراثي
المذكور في الطليعة كان في المائة الثامنة، إما صاحب المراثي الآخر المسمى
بالحسن ان تحقق وجوده فهو متأخر أيضا، ويمكن كونه ولد علي بن عبد
العزيز، ويمكن كونه أبا الحسن الخليعي وسمي الحسن اشتباها بل هو غير
بعيد فلا يكون الخليعي سوى اثنين والله أعلم.
فمن شعر الخليعي الحلي علي بن عبد العزيز قوله في أمير المؤمنين
ع:
سارت بأنوار علمك السير * وحدثت عن جلالك السور
والمادحون المجدون غلو * وبالغوا في ثناك واعتذروا
واحكم الله في إمامتك الا * يأت واستبشرت بك العصر
وذكر المصطفى فاسمع من * ألقى له السمع وهو مدكر
وجد في نصحهم فما قبلوا * ولا استقاموا له كما امروا
واختلفوا فيك أيها النبأ الأعظم * الا من دله النظر
فمعشر امنوا فزادهم الله * بيانا ومعشر كفروا
أسماؤك المشرقات في أوجه القر * آن من كل سورة غرر
أقامك الله للعباد فلم * يقعدك عما أقامك البشر
يا صاحب الكرة المنورة الغراء * جار بحكمها القدر
يا راكبا ظهر هوجل سرح * لا يعتريها أين ولا ضجر
تحثها قاصدا مزار فتى * به تنال النجاة والظفر
بلغه عن عبده السلام وقل * والدمع من مقلتيك منهمر
يا شاهدا لا تغيب عن بصري * وغائبا عنه يخسأ النظر
عليك يوم المعاد متكلي * وأنت لي عدة ومدخر
وله:
سل جيرة القاطنين ما فعلوا * وهل أقاموا بالحي أم رحلوا
وقف معي وقفة الحزين عسى * أنشد ربعا ضلت به السبل
ولا تلمني على البكاء فللأدمع * ري تطفى به الغلل
بانوا فلي مقلة مقرحة * ومهجة بالزفير تشتعل
جسمي لشوك القتاد مفترش * وناظري بالسهاد مكتحل
قد كان قلبي والدار جامعة * والعيش غض والشمل مشتمل
مروعا خائفا فكيف به * عند التنائي والركب مرتحل
فواضلا لي تبكي لوحشتهم * عيني وبين الضلوع قد نزلوا
واسال النطق من صدى طلل * بال واني يجيبني الطلل
فما لقلبي والنائبات وكم * يرمى بسهم نوى وينتبل
يا نفس صبرا فكل نائبة * سوى مصاب الحسين تحتمل
ويا جفوني سحي عليه فلي * عن كل رزء برزئه شغل
يا سادتي يا بني النبي ومن * عليهم في المعاد اتكل
ما راعني فقد من ألفت به * ولم يهجني التشبيب والغزل
(٢٦٣)

ولا شجاني الا مصابكم فما بدمعي عليكم بخل
ما للخليعي عبد أنعمكم * الا ولاكم إذا انقضى الاجل
يكفيه عند الأعراف علمكم * يوما بسيماه يعرف الرجل
ما عنكم لابن حرة عوض * وليس منكم لعارف بدل
وله:
أي عذر لمهجة لا تذوب * وحشا لا يشب فيها لهيب
ولقلب يفيق من ألم الحزن * وعين دموعها لا تصوب
وابن بنت النبي بالطف مطروح * لقي والجبين منه تريب
حوله من بني أبيه شباب * صرعتهم أيدي المنايا وشيب
وحريم النبي عبرى من الثكل * وحسرى خمارها منهوب
جد لم تقبل الوصية في الأهل * ولم يرحم الوحيد الغريب
يصبح الجاحد البعيد من الحق * قريبا منهم ويقصى القريب
بأبي الطاهرات تحدى بهن * العيس بين الملا وتطوى السهوب
يا ابن أزكى الورى نجارا على مثلك * يستحسن البكا والنحيب
لا هناني عيشي و مبسمك الندي * باد وقد علاه قضيب
سهم بغي الأولى أصابك من قبل * ولله منك سهم مصيب
اظهروا فيك حقد بدر ومن قبل * دعوا للهدى ولم يستجيبوا
يا بني احمد إلى مدحكم قلب * الخليعي مستهام طروب
كيف صبر امرئ يرى الود في القربى * وجوبا وارثكم مغصوب
أنتم حجة الاله على الخلق * وأنتم للطالب المطلوب
بولاكم وبغض أعدائكم تغسل * أعمالنا وتمحى الذنوب
لثناكم شاهت وجوه ذوي النصب * وشقت لذاك منها القلوب
وله من قصيدة:
يا سادة شرف الكتاب بما جرى * فيهم من الاجلال والاعظام
يا من إذا ذكر اللبيب مصابهم * هانت عليه مصائب الأيام
قسما بمن فرض الولاء على الورى * لكم وذلك أعظم الأقسام
ما اطمع الأرجاس فيما ابدعوا * فيكم وجرأهم على الاقدام
الا الذين تعاقدوا ان ينقضوا * ما احكم الهادي من الابرام
يا قاسم النيران يا من حبه * فرض علي مؤكد الالزام
انا عبدك الخلعي لا اخشى لظى * وعليك معتمدي وأنت عصامي
فلقد عرفت بغير نكر خالقي * ونبيي الهادي معا وامامي
ولقد دللت على وجوب رياسة * المعصوم لا حصر ولا متعامي
فلتعطفن علي يوم تقول للا * شياع طبتم فأدخلوا بسلام
ونذود أعداء الرسول عن الروي * عصب الخنا والرجس والاثام
ويعجل الله العذاب لمعشر * غدروا فابلغ من عداك مرامي
وله من قصيدة:
العين عبرى دمعها مسفوح * والقلب من ألم الجوى مقروح
لهفي لرأس ابن النبي محمد * كالبدر من فوق السنان يلوح
يا آل احمد ان شعري فيكم * والمدح ما طال المدى تسبيح
شرفي بكم وبمدحكم ولطالما * في الناس شرف مادحا ممدوح
صلى الاله عليكم يا سادتي * ما بان نجم في السماء يلوح
وله من قصيدة:
قتيل بالطفوف أطال نوحي * واسلمني إلى الحزن الطويل
قتيل أورث المختار حزنا * وأذكى النار في قلب البتول
ومر مشمرا للحرب يسطو * على الأبطال بالسيف الصقيل
الا يا ابن النبي ومن هداني * بحبكم إلى نهج السبيل
مصابك يا قتيل الطف أدمى * جفوني للبكاء على الطلول
وبعدي عن مرار ثراك اشجى * فؤادي لا مفارقة الخليل
لقد بلغ المنى عبد عطفتم * عليه وفاز منكم بالقبول
وله من قصيدة:
يا سادتي يا من بنور هداهم * ومناهم يجلي دجى الظلمات
بولاكم يا خير من وطأ الثرى * نيل المنى وتقبل الطاعات
واليتكم ونصبت حرب عداتكم * فرفعتم فوق الورى درجاتي
نال الخليعي الأمان بحبكم * ونجا من النيران اي نجاة
لا يحسب الشعراء ان قد أدركوا * تحديد فضلكم بكنه صفات
لكنهم نظروا الكتاب فضمنوا * من مدحكم ما جاء في الآيات
ليبدلن الله خوف وليكم * أمنا ويجزيه على الحسنات
وله من قصيدة:
الا ما لجفني بالسهاد موكل * وقلبي لأعباء الهوى يتحمل
ولم يشجني فقد الأنيس ولم اطل * وقوفي على الربع الدريس فاسال
ولا قلت للحادي ترفق هنيهة * ولا الركب لما سار أين ترحل
ولم ارتقب طيف الخيال من الكرى * ولا انا ممن بالمنى يتعلل
ولكن شجتني عصبة علوية * تداعوا جميعا للفناء فقتلوا
الا يا بني المختار يا من بحبهم * إلى الله فيما نابني أتوسل
خذوا بيد العبد الخليعي في غد * فقد فاز من اضحى عليكم يعول
وافلح من والاكم متبرئا * إلى الله من قوم أضاعوا وبدلوا
وله:
يا سادتي يا بني الهادي النبي ومن * أخلصت ودي لهم بالسر والعلن
فاز الخليعي كل الفوز واتضحت * به لكل سبل الارشاد والسنن
وله:
لست ممن يبكي رسوما محولا * وديارا عفى البلى وطلولا
لا ولم تلهني ملاعب اترابي * ولم أبك مربعا مأهولا
ما شجاني النوى فاستوقف الحادي * ولا احبس الركاب قليلا
بل شجاني يوم الحسين فأجريت * دموعا لما شجاني همولا
كيف لا أسعد البتول على الحزن * وقد بات قلبها متبولا
والنبي الهادي به فرح يحنو * عليه ويكثر التقبيلا
يا بني احمد زكوتم فروعا * طيبات الجني وطبتم أصولا
وشرعتم محجة الرشد للناس * ولولاكم لضلوا السبيلا
واليكم جواهرا من ولي * عارف يتبع المقال الدليلا
لازم ما امرتموه من التقوى * مقيم على الولاء لن يحولا
تعس القائلون ان الخليعي * بغى بالهداة يوما بديلا
وله من قصيدة:
هجرت مقلتي لذيذ كراها * لمصاب الشهيد من آل طه
وقليل لمصرع السبط مجراها * ولو أن دمعها من دماها
لقتيل ساءت زريته الأملاك * واستعبرت عليه سماها
بأبي ركبه المجد يجوب البيد * وخدا وهادها ورباها
بأبي الفتية الميامين تسري * حوله والردئ امام سراها
(٢٦٤)

قبحت أنفس أطاعت هواها * وعصت من بلطفه سواها
ألهمت رشدها وعلمها الله * أجور النفوس من تقواها
يا ابن بنت النبي يومك أذكى * في الحشا جمرة يشب لظاها
كم لمملوكك الخليعي فيكم * مدحا يهتدى بنور سناها
تتجلى بها عقول ذوي اللب * وتجلو عن القلوب صداها
ومراث قد اكمن الطيب فيها * كل ما أنشدت يطيب شذاها
راجيا منكم الأمان إذا عد * ذنوبا يخاف من عقباها
وقال:
وفي بعض المجاميع نسبتها للشيخ حسن الخليعي ولا يبعد ان
يكون صوابه أبو الحسن فيكون هو المترجم له،
لم أبك ربعا للأحبة قد خلا * وعفا وغيره الجديد وامحلا
ومطارح النادي وغزلان النقا * والجزع لم احفل بها متغزلا
وبواكر الاظعان لم أسكب لها * دمعا ولا خل نأى وترحلا
لكن بكيت لفاطم ولمنعها * فدكا بما نافى الكتاب المنزلا
لهفي لها وجفونها قرحى وقد * حملت من الأحزان عبا مثقلا
تخفي تفجعها وتخفض صوتها * وتظل نادبة أباها المرسلا
تبكي على تكدير دهر ما صفا * من بعده ومرير عيش ما حلا
لم آنسها إذ أقبلت في نسوة * من قومها تروي مدامعها الملا
وتنفست صعدا ونادت أيها الأنصار * يا أهل الحماية والكلأ
أ ترون يا نجب الرجال وأنتم * انصارنا وحماتنا ان نخذلا
أ عليه قد نزل الكتاب مبينا * حكم الفرائض أم علينا نزلا
أم خصه المبعوث منه بعلم ما * أخفاه عنا كي نضل ونجهلا
أم أنزلت آي بمنعي ارثه * قد كان يخفيها النبي إذا تلا
أم كان في حكم النبي وشرعه * نقص فتممه هناك وكملا
أم كان ديني غير دين أبي فلا * ميراث لي منه وليس له ولا
أين المودة في القرابة يا ذوي الإيمان * ما هذي القطيعة والقلا
أ فهل عسيتم ان توليتم بان * تمضوا على سنن الجبابرة الالى
ولسوف يعقب ظلمكم ان تتركوا * ولدي برمضاء الطفوف مجدلا
في فتية مثل الدور كواملا * عرض المحاق لها فعادت أفلا
وكريمه من فوق أسمر ذابل * كالبدر في ظلم الليالي يجتلى
يهدى إلى الرجس الزنيم فيشتفي * منه فؤاد بالحقود قد امتلا
ويظل يقرع منه ثغرا طالما * قدما ترشفه النبي وقبلا
يا راكبا تطوي المهامة عيسه * طي الردا وتجوب أجواز الفلا
عرج بأكناف الغري مبلغا * شوقي وناد بها الامام الافضلا
ومن العجيب تشوقي لمزار من * لم يتخذ الا فؤادي منزلا
مولاي يا جنب الاله وعينه * يا ذا المناقب والمراتب والعلى
اخذ الاله لك العهود على الورى * في الذر لما ان برى وبك ابتلى
قسما بوردي من حياض معارفي * وبشربي العذب الرحيق السلسلا
ومن استجارك من نبي مرسل * ودعا بحقك ضارعا متوسلا
ان قلت انك رب كل فضيلة * ما كنت فيما قتله متنحلا
أو بحت بالخطر الذي أعطاك رب * العرش كادوني وقالوا قد غلا
أم كيف يبلغ كنه وصفك قائل * والله في علياك أبلغ مقولا
ونفائس القرآن فيك تنزلت * وبك اغتدى متحليا متجملا
وله:
ما ذا تريد النوى من قلبي العاني * أ ما تناهت صباباتي وأشجاني
لم يبق في الضنا جسما يقوم بأعبائي * ولا يقتفي اثار أظعان
ولا جفونا تؤاتيني على سهر * ولا دموعا تروي ترب أوطاني
وطالما غادروني يوم بينهم * أبكي بشجو فابكي طائر البان
استودع الليل انائي ويقلقني * شوقي وتجفو لذيذ النوم اجفاني
وكم تعللت أستشفي النسيم سرى * بطيب نشرهم حينا فأحياني
وكم تغزلت بالغزلان من طرب * وهاجني ذكر احقاف وكثبان
أيام غصن شبابي يانع نضر * تجنى ثمار الوفا من قطفه الداني
اجر ذيل مسراتي وانهب لذاتي * وازهو بأتراب وخلان
وله أيضا:
فاح أريج الرياض ذي الشجر * ونبه الورق راقد السحر
واقتدح الصبح زند بهجته * فاشتعلت في محاجر الزهر
وافتر ثغر النوار مبتسما * لما بكته مدامع المطر
واختالت الأرض في غلائلها * فعطرتنا بنشرها العطر
وقامت الورق في الغصون فلم * تبق لنا حاجة إلى الوتر
ونبهتنا إلى مساحب أذيال * الصبا بالأصيل والبكر
يا طيب أوقاتنا ونحن على * مستشرف شاهق الذرى خضر
نطل منه على بقاع أنيقات * كساها الربيع بالحبر
في فتية ينثر البليغ بهم * دار فيهدي تمرا إلى هجر
من كل من يشرف الجليس له * معطر الذكر طيب الخبر
وله أيضا:
أكفكف دمعي وهو لا يسام الوكفا * واخفى غرامي والصبابة لا تخفى
وأعجم داء الحب والوجد معرب * واطوى حديثي والضنا ينشر الصحفا
واعرض عنكم لا ملالا ولا قلا * وحاشا هواكم ان يمل وان يخفى
أسكان ذاك الربع لا الدمع ناقع * غليلي ولا نار الهوى بالبكا تطفا
رعى الله ليلات مضت لي بقربكم * تهيمني وجدا وتعجزني وصفا
ليال جلوت البدر فيها على الدجى * فمرت ولم ترسل لها وارد وحفا
وبات يعاطيني المدامين لحظة * وريقته حتى رشفتهما رشفا
وبت عفيفا خلوتي وضمائري * ولا غرو للحر الكريم إذا عفا
وله أيضا:
هو الحمى وبأنه * لا تعرت غزلانه
ولا تعداه الحيا * ولا ذوت أغصانه
فكم به من قمر * سحارة اجفانه
أهيف معسول اللمى * غض الصبا ريانه
مغرية ألفاظه * مطربة ألحانه
يا نزهة العاشق يا * من وجهه بستانه
ما أحسن الورد إذا * حف به ريحانه
وما أتم الحسن مقر * ونا به احسانه
ارحم عزيز معشر * لذ له هوانه
متيما حي الغرام * ميتا سلوانه
يعجم داء وجده * والدمع ترجمانه
وله أيضا:
لم اطل في عرصة الدمن * وقفة الباكي على السكن
(٢٦٥)

ما شجتني العيس تنقلها * أنة النائي عن الوطن
بل شجاني نوح فاقدة * غردت شجوا على غصن
أ ذكرتني فقد من تركوا * مهجتي وقفا على الحزن
فجرى دمعي لذكرهم * وجفتني لذة الوسن
الشيخ علي بن عبد العظيم التبريزي الخياباني
ترجم نفسه في كتابه وقائع الأيام فقال إنه: ولد في ٢٨ شوال سنة
١٢٨٢ وقرأ النحو والصرف عند ملا نور محمد المشتهر بالمقدس الاهرابي ثم
اشتغل في المدرسة الطالبية بفنون العلم فقرأ المطول وخلاصة الحساب وسي
فصل وشرح اللمعة والرياض والمكاسب والرسائل له مؤلفات منها ١
وقائع الأيام في عدة مجلدات بعضها مطبوع ٢ منتخب المقاصد ومنتجب
الفوائد ست مجلدات ٣ تحفة الاحياء في شرح قصيدة سيد الشعراء.
السيد بهاء الدين أبو القاسم علي ابن السيد غياث الدين عبد الكريم ابن
عبد الحميد الحسيني العلوي النسابة النقيب النيلي الأصل النجفي الموطن.
نسبته
النيلي نسبة إلى النيل بلفظ نهر مصر بلدة في العراق على الفرات
بين بغداد والكوفة أنشأها الحجاج وشق لها الأنهار وهي اليوم قرية عامرة
قرب بابل، ينسب إليها جماعة من العلماء.
الاختلاف في ترجمته
ترجمه بعضهم كما ذكرنا ويوجد في بعض الإجازات والتراجم السيد
علي بن عبد الحميد النسابة النجفي وفي بعضها السيد النقيب الحسيب علي
ابن عبد الكريم بن علي بن محمد بن عبد الحميد الحسيني النجفي وفي
بعضها السيد المرتضى النقيب السعيد بهاء الدين علي بن غياث الدين عبد
الكريم بن عبد الحميد الحسيني النجفي وفي بعضها زين الدين علي بن
محمد بن عبد الحميد الحسيني النجفي وعن خط الشيخ حسن صاحب المعالم
سيدنا النقيب بهاء الدين علي بن عبد الحميد ويأتي كلام ابن فهد: السيد
المرتضى بهاء الدين علي بن عبد الحميد النسابة وفي بعض العبارات السيد
الجليل النقيب بهاء الدين أبي القاسم علي بن عبد الحميد النيلي النسابة
والظاهر اتحاد الجميع فنسب تارة إلى أبيه واخرى إلى جده عبد الحميد وثالثة
لأبيهما وترك باقي أجداده لتميز هذين من بينهم والتعدد مع ذلك
محتمل بان يكونوا أربعة اشخاص علي بن عبد الكريم بن عبد الحميد وعلي
بن عبد الحميد وعلي بن عبد الكريم بن علي بن محمد بن علي بن عبد
الحميد وعلي بن محمد بن عبد الحميد فكثيرا ما تتحد الأسماء والكنى
والألقاب والنسب مع تعدد المسميات (١) كما وقع في محمد بن جرير
الطبري الامامي ومحمد ابن جرير الطبري صاحب التاريخ وأبي حنيفة
النعمان صاحب دعائم الاسلام الذي كان مالكيا وانتقل إلى مذهب الإمامية
وأبي حنيفة النعمان امام المذهب وغير ذلك. وسمع رجل اخر
ينادي باسمه في الموقف فلم يجبه فقال يا فلان ابن فلان باسمه واسم أبيه
فلم يجبه لعله يرد غيره فقال يا فلان ابن الفلاني باسمه واسم أبيه ونسبته
فلم يجبه وقال قد يتفق الاتحاد في كل هذا فقال يا فلان ابن فلان الفلاني
من بلدة كذا باسمه واسم أبيه ونسبته واسم بلده فاجابه فقال لم أردك وانما
أدعو رجلا بهذا الاسم من بلدة في المغرب وأنت من بلدة في المشرق فكيف
مع اختلاف اللقب بين بهاء الدين وزين الدين واختلاف الاباء زيادة
ونقصانا وهناك شخص آخر اسمه الشيخ نظام الدين علي بن عبد الحميد
النيلي وهذا لا وجه لاحتمال اتحاده مع المترجم وان شاركه في بعض الأمور
فلذلك ترجمناه مستقلا.
أقوال العلماء في حقه
ذكر في حق المترجم عبارات لم تجتمع كلها لترجمة واحدة من التراجم
التي ذكرناها ونحن نوردها هنا كلها بناء على ما استظهرناه من أن هذه
التراجم كلها لشخص واحد وإن كان التعدد محتملا أيضا. قالوا إنه كان
فقيها محدثا رجاليا نسابة شاعرا وعن الحسن بن سليمان تلميذ الشهيد:
أنه قال في كتابه مختصر البصائر: ومما رواه لي ورويته عنه السيد
الجليل السعيد الموفق الموثق بهاء الدين علي ابن السيد عبد الكريم بن عبد
الحميد الحسيني باسناده عن أبي سعيد ابن سهل الخ وقال ابن فهد في
المهذب البارع في شرح المختصر النافع في بحث الأغسال المسنونة التي منها
غسل يوم النوروز بعد ما ذكر الأقوال في تعيين يوم النوروز ورجح القول بأنه
يوم نزول الشمس برج الحمل ما لفظه: ومما ورد في فضله ويعضد ما
قلناه ما حدثني به المولى السيد المرتضى العلامة بهاء الدين علي بن عبد
الحميد النسابة دامت فضائله اه ويحكى عن المجلسي في البحار انه
مدحه كثيرا وكان أبوه وجده من أكابر العلماء وترجما في محلهما.
مشائخه
قيل إنه تلمذ على الشيخ فخر الدين ولد العلامة والذي في كتب
الإجازات ان تلميذ العلامة هو الشيخ علي بن محمد بن عبد الحميد النيلي.
وروى عن جده عبد الحميد وعن أبيه أيضا وقيل إنه في كتابه الدر النضيد
الآتي ذكره كثيرا ما يروي عن جده عبد الحميد مع أنه ليس له ذكر في كتب
الرجال والمذكور فيها السيد عبد الحميد بن معد بن فخار الموسوي الآتي
وكونه جده ليس بمعلوم بل الظاهر خلافه كما ذكر في ترجمته.
تلاميذه
من تلاميذه الحسن بن سليمان تلميذ الشهيد والحسن بن علي الشهير
بابن العشرة والشيخ جمال الدين أحمد بن فهد الحلي وله منه اجازة كذا قيل
ولكن الموجود في الإجازات ان الذي أجاز ابن فهد هو الشيخ علي بن
محمد بن عبد الحميد النيلي كما ذكر في ترجمته ويمكن ان يكون كل منهما
اجازه.
مؤلفاته
نسبت إليه مؤلفات لم تنسب إلى عنوان واحد من عناوين التراجم
المتقدمة فنحن نذكرها هنا بناء على ما استظهرناه من الاتحاد وبالجملة قد
وقع اختلاف كثير في ترجمته ومشائخه وتلاميذه ومؤلفاته وكان سببه وجود
مشارك له في الاسم وبعض الاباء والصفات والنسب فنسب بعض ما لهذا
لهذا وبالعكس والله أعلم. وهذه أسماء المؤلفات التي نسبت إليه: الإنصاف
في الرد على صاحب الكشاف. الجزاف من كلام صاحب الكشاف ويحتمل

(١) ذكرنا في الصفحة ١٦٢ من هذا الجزء ترجمة مستقلة للنيلي بناء على احتمال التعدد فلتراجع.
(ح).
(٢٦٦)

اتحادهما. ايضاح المصباح لأهل الفلاح. شرح المصباح الصغير للشيخ
الطوسي اي مختصر المصباح فان الطوسي بعد ما ألف المصباح اختصره وكانه
هو ايضاح المصباح. كتاب السلطان المفرج عن أهل
الايمان. سرور أهل الايمان في علامات ظهور صاحب الزمان. الأنوار المضيئة في أحوال المهدي
ع كتاب الغيبة مع أن كتاب الأنوار المضيئة منسوب للسيد
علي بن عبد الحميد بن فخار بن معد كما ذكر في ترجمته وكتاب الغيبة قد
صرح في مقدمات البحار انه منتخب من الأنوار المضيئة وظاهر ان الأنوار
المضيئة لغيره وان له المنتخب فقط كما أن ظاهر مقدمات البحار ان كتاب
السلطان ليس له وانما له كتاب منتخب منه ولعله سرور أهل الايمان ففي
مقدمات البحار عند تعداد الكتب المأخوذ منها ما لفظه: وكتاب الغيبة
المنتخب من كتاب الأنوار المضيئة من مؤلفات السيد علي بن عبد الحميد
الحسيني وكتاب اخر أيضا استخرج من كتاب السلطان والمفرج عن أهل
الايمان تاليف السيد المذكور، وظاهره ان كتاب الغيبة والكتاب الآخر
لصاحب الترجمة وان كتابي الأنوار والسلطان المنتخب منهما ليسا له بل هما
لغيره. ومن مؤلفات المترجم كتاب في رجال الشيعة وكتاب الأنوار الإلهية
في الحكمة والدر النضيد في تغازي الامام الشهيد إما كتاب الرجال فقد
ذيله السيد جمال الدين بن الأعرج العميدي بأمر مؤلفه بتتمة ذكر فيها
أحوال المعاصرين لهما، منهم أحمد بن فهد الحلي ووجد بخط الشيخ حسن
صاحب المعالم أو ولده الشيخ محمد النقل عن تتمة هذا الكتاب التي هي
بخط مؤلفها ووجد بخط الشيخ علي حفيد صاحب المعالم نقلا عن خط
جده صاحب المعالم انه ذكر اسم مؤلف كتاب الرجال المذكور بعنوان سيدنا
النقيب بهاء الدين علي بن عبد الحميد كما مر وأما الأنوار الإلهية فعن
خط صاحب المعالم المتقدم انه تعرض أيضا لذكر مصنفاته وقال هي كثيرة
وموضوعاتها متينة ومنها الأنوار الإلهية في الحكمة الشرعية خمس مجلدات
أولها في علم الكلام على طريقة الامامية الثاني في الناسخ والمنسوخ
والمحكم والمتشابه والعام والخاص والمطلق والمقيد إلى غير ذلك الثالث
والرابع في فقه آل محمد الخامس في أسرار القرآن والقصص الظريفة
وفوائد جمة وافرة منها جملة خواص وافرة من السور والآيات إلى أن
قال صاحب المعالم وانا رأيت المجلد الأول منها في كتب الخزانة الشريفة
الغروية وهو كتاب غريب وذكر في أوله فهرست جميع الكتاب بترتيب بديع
وأسلوب عجيب ومن خواص هذا الكتاب التي نبه عليها ورأيناها في المجلد
الذي رأيناه في مزج آيات القرآن بتفسيرها وكتبها بالحمرة وجمعها من
مواضعها على حسب ما ظنه من دلالتها على الحكم الذي استدل بها عليه
ثم إنه مع ذلك إذا أسقطت الآيات من البين لا يتغير الكلام ويبقى مربوطا
على ما كان عليه من الفائدة وإذا قرأت من الكتاب وأبقيتها لا تتغير الفائدة
بل هي هي بعينها فليلاحظ. واما كتاب الدر النضيد فهو الذي وضعنا
اسم كتابنا الدر النضيد في مراثي السبط الشهيد قبل العثور على اسمه
وقلما يتفق اسم كتاب لم يسم به غيره واتفق انه لما الفنا المجالس السنية
وطبعنا بعض اجزائه ذهبنا لنشتري ورقا لما بقي منها فوجدنا عند بائع الورق
كتابا مطبوعا ملقى على المنضدة اسمه المجالس السنية، وقد اورد في الدر
النضيد هذا عدة حكايات منها انه كان في عهد الحسين بن الحجاج
الشاعر الخليع المشهور رجلان صالحان هما محمد بن قارون السيبي وعلي بن
زرزور السورائي وكانا يزدريان بشعره كثيرا لما فيه من السخف والمجون
فرأى السورائي ليلة في منامه كأنه أتى إلى الروضة الشريفة الحسينية وكان
الزهراء ع هناك مسندة ظهرها إلى ركن الباب الذي على
يسار الداخل والأئمة إلى مولانا الصادق ع جلوس في
مقابلها وابن قارون قائم بين أيديهم فرأيت ابن الحجاج مارا في الحضرة
فقلت لابن قارون أ لا تنظر إلى هذا الرجل كيف يمر في الحضرة فقال انا لا
أحبه حتى انظر إليه فقالت الزهراء ع كالمغضبة أ ما تحب أبا عبد
الله أحبوه فان من لا يحبه ليس من شيعتنا وقال الأئمة من لا يحب أبا
عبد الله ليس بمؤمن.
ومنها ان السلطان مسعود بن بويه الديلمي لما بنى سور مشهد
النجف الأشرف وفرع من تعمير القبة الشريفة وتجصيص خارجها وادخلها
دخل الحضرة الشريفة وقبل العتبة وجلس متأدبا فوقف ابن الحجاج بين
يديه وانشد قصيدته التي أولها:
يا صاحب القبة البيضا على النجف * من زار قبرك واستشفى لديك شفي
على باب الحضرة فلما وصل إلى الهجاء الذي فيها أغلظ له الشريف
المرتضى وكان حاضرا فقطع الإنشاد فرأى ابن الحجاج في منامه تلك الليلة
الامام ع وهو يقول لا ينكسر خاطرك فقد بعثنا المرتضى علم
الهدى يعتذر إليك فلا تخرج إليه فقد امرناه ان يأتي دارك ويدخل عليك
ورأى المرتضى تلك الليلة النبي والأئمة عليهم الصلاة والسلام جلوسا
فوقف بين أيديهم فلم يقبلوا عليه فعظم ذلك عنده وقال يا موالي انا عبدكم
وولدكم فبما ذا استحققت هذا منكم فقالوا بما كسرت خاطر شاعرنا ابن
الحجاج فتمضي إلى منزله وتعتذر إليه وتمضي به إلى ابن بويه وتعرفه نيتنا
فيه فقام المرتضى من ساعته وقرع عليه الباب فقال يا سيدي الذي بعثك
إلي امرني ان لا اخرج إليك فقال سمعا وطاعة لهم ودخل عليه معتذرا
ومضى به إلى ابن بويه وأخبره بذلك فأكرمه وانعم عليه وأمره بانشاد
القصيدة في تلك الحال فانشدها.
ومنها ما ذكره في خاتمة ذلك الكتاب أنه قال قد علمت وظهرت لي
امارات ودلائل ان كتابي هذا مقبول عند الله ورسوله وآله ص وكنت عند
إرادتي تحصيل شئ من القصائد والاخبار يتيسر تحصيلها بسهولة وإن كانت
بحيث لا يمكن الوصول إليها حتى أن بعض تلك القصائد كانت عند أحد
أصحابنا المؤمنين فأرسلت إليه بعض الغلمان في جلبها فلقيه في الطريق
فأخبره فسارع نحوي فلما دخل علي لم يملك ان انكب على يدي يقبلهما
ويقول أسألك بحق جدك الحسين الا ما سالت الله ان يرحمني ويقضي عني
الدين فسألته ما الذي عرض لك فقال كنت نائما فإذا قائل يقول لي في
منامي قم وأجب ولدي عبد الحميد وأحل إليه القصيدة ووقع في خاطري
ان القائل إما أمير المؤمنين أو الحسين ع فخرجت لآتيك
فلقيني الغلام في الطريق وأخبرني بذلك فعلمت انها ساعة إجابة وان
دعوتك مستجابة.
علي بن عبد الكريم المدائني.
في معجم الشعراء للمرزباني: يتشيع ويكثر مدح أهل البيت
ع اه ولم يذكر شيئا من شعره.
السيد علي بن عبد الكريم بن المير السيد علي الطباطبائي البروجردي من
أحفاد السيد محمد جد بحر العلوم.
توفي في ربيع الأول سنة ١٣٠٦ ودفن في تكية الآقا حسين
(٢٦٧)

الخونساري بتخت فولاذ.
أدرك الحاج مولى أسد الله البروجردي وتلمذ في أصفهان على الحاج
محمد جعفر آباده ولاقى مهدي الكلباسي والسيد أسد الله حجة الاسلام.
له شرح هداية الحر العاملي ومجلد في تمام أصول الفقه.
الشيخ علي بن عبد الله البحراني نزيل مسقط.
توفي سنة ١٣١٨.
له كتاب لسان الصدق في الرد على كتاب ميزان الحق طبع في الهند
ثم مصر وله رسالة تحريم التشبيه.
علي قلي بن قرجه غاي خان الخلخالي نزيل مدرسة الشيخ لطف الله العاملي
بأصفهان.
حكيم محقق عارف من تلاميذ المحقق الخوانساري وشمس الدين
الحكيم الجيلاني. له خزائن الجواهر يظهر منه تبحره في الحكمة والعرفان
والفلسفة مرتب على خزائن وله احياء الحكمة وشرح اثولوجيا والايمان
الكامل.
الأمير السيد علي المترجم لكتب الاخبار ابن السيد محمد ابن السيد أسد الله
الأصفهاني الامامي.
نسبة إلى الامام زاده زين العابدين بن الصادق ع
المدفون بمحلة جملان أصفهان المعروف اليوم بدرب امام.
من تلامذة المحقق الخونساري المعاصر لصاحب الرياض له كتاب
التراجيح كتاب كبير في الفقه في مجلدات ضخام يذكر فيه أقوال العلماء
وعباراتهم.
نظام الدولة علي محمد ابن خان بن امين الدولة عبد الله خان بن محمد
حسين خان الصدر في دولة فتح علي شاة.
ولد في العجم سنة ١٢٢٢ وتوفي في ٩ ذي الحجة سنة ١٢٧٧ ودفن
في مدرستهم الشهيرة. هو الأمير العلامة الأديب شب على مخالطة العلماء
والأدباء والامراء وردت إليه حكومة أصفهان ولما رأى فتح علي شاة كفاءته
أحبه وصاهره على أعز كريماته شمس الدولة وولاه حكومة كاشان وكان في
أثناء النظر في مهام الحكومة والانصراف إلى السياسة لا يفتر عن النظر في
الكتب والآثار ومخالطة العلماء والأدباء وكان ميالا بكليته إلى تحصيل العلوم
أكثر من الامارة وما يلحقها من المظالم والتبعات في ذلك الزمان فصمم سرا
على النجاة بنفسه والهروب إلى العراق بدون اطلاع الشاة إذ لو اطلع لحال
بينه وبين ما يريد فهرب بنفسه وزوجته قاصدا العراق وورد النجف سنة
١٢٤٧ سنة الوباء الجارف العام وأقام فيها واستقدم اتباعه وأمتعته بعد ذلك
تدريجا من كاشان واعرض عن الدنيا وزخارفها بالمرة ومناه الشاة ورغبه في
الرجوع فامتنع ايثارا للآخرة على الأولى والآجلة على العاجلة وكانت
النجف يومئذ وجهة المخلصين وكعبة العلوم فاخذ فيها عن صاحب الجواهر
فقها وعن الملا مقصود علي أصولا واخذ الكلام عن الميرزا حسين بن المنلا
علي النوري في مشهد الكاظمين وشارك في الفلسفة والرياضيات إما الأدب
فكان أحد أئمته نثرا ونظما وعلما وكان يستظهر شذور الذهب للأندلسي في
الكيمياء وله ميل إلى التصوف والمعرفة وكانت داره في النجف مجمع العلماء
والأدباء ومأواهم من أطراف العراق وجرت بينه وبين أعيان هذه البلاد
وأدبائها وعلمائها مراسلات ومطارحات مثل السيد محمود الآلوسي وعبد
الغني جميل وعبد الباقي العمري وغيرهم كثير وله شعر ونثر باللغتين وكان
على جلالة قدره كثير الملح والنوادر والمفاكهة والمجون ارسل إليه صاحب
الفصول كتابه ليقرضه فلم يزد على وضع نقطة على الصاد من اسم الكتاب
فصار اسمه الفضول وكانت له إلى جنب داره دار صغيرة فيها خزانة
كتبه ما ينيف على ألف كتاب من المخطوطات في سائر الفنون تلف أكثرها
بعد وفاته. صنف كشف الابهام في الفقه، معارج القدس في الحكمة
والكلام، الشهاب الثاقب في الرد على ابن حجر، رسالة في الأصول
واخرى في الشبهة المحصورة والماء المضاف طبعتا في طهران، شارقة الوزارة
كتبها باقتراح الوزير علي رضا باشا في معنى الولاية على الطريقة الصوفية
والعرفاء بالفارسية طبعت مع الفوائد البهائية. اعقب من زوجته الجركسية
الشاعر المشهور مرتضى علي خان والشيخ محمد بهاء الدين صاحب الفوائد
البهائية ومن ابنة فتح علي شاة أربعة أولاد ذكور أحدهم الحاج أسد خان
والحاج آقا والحاج امين كان مشغولا بالتحصيل والحاج علي آغا وابنتين
إحداهما زوجة سيف الملوك حفيد فتح علي شاة والثانية الحاجة بيبى زوجة
علي شاة ابن الآقا خان رئيس الإسماعيلية. والحاج أسد خان واخوه الحاج
علي آغا رأيناهما بالعراق والحاجة بيبى حجت ونحن بالنجف عن طريق
نجد بكل أبهة وجلالة وتجمل وهي التي عمرت ايوان مشهد السيدة زينب
في راوية في السنة الماضية سنة ١٣٥٠.
علم الدين أبو الحسن علي بن عبد الحميد بن فخار العلوي الموسوي
النسابة.
كان عارفا بالانساب كتب الكثير بخطه من الذيول ولم أره قرأت
بخطه في مجموع له أوقفني عليه السيد المعظم النقيب العالم صفي الدين
محمد بن علي بن الطقطقي:
طلاب العلى لا رغبة في المكاسب * تفرق ما بيني وبين الحبائب
رعى الله قلبا لا يزال متيما * ببيض المعالي لا بسود الذوائب
ومن طلب العلياء اطلع دونها * صباح المنايا في دياجي الغياهب
السيد الأجل علي ابن عبد الحميد الحسيني
مدحه الشيخ إبراهيم القطيفي قائلا انه بلغ الغاية وتجاوز النهاية، له
شرح المختصر النافع.
المولى المتأله الآقا علي الشهير بالمدرس الطهراني ابن المولى عبد الله المدرس
الزنوزي التبريزي.
توفي في حدود ١٣٠٩.
له بدائع الحكم فارسي جواب سبع مسايل من المسائل الحكمية سأله
عنها الشاهزاده عماد الدولة بديع الملك ميرزا بن امام قلي ميرزا ابن محمد
علي ميرزا بن فتح علي شاة القاجاري فرع منه سنة ١٣٠٧ مطبوع.

(١) مجمع الآداب.
(٢٦٨)

الشيخ الحاكم أبو منصور علي بن عبد الله الزيادي.
يروي عن جعفر بن أحمد بن العباس بن محمد العبسي الدوريستي
بحق روايته عنه في أواخر ذي الحجة سنة ٤٧٤ عن أبيه محمد بن أحمد عن
الصدوق محمد بن علي بن بابويه القمي.
سيف الدولة علي بن عبد الله بن حمدان.
ولد في سنة ٣٠٣ وتوفي سنة ٣٥٦
البطل العربي الذي صمد في وجه الروم ورد عاديتهم عن بلاد الشام
وحمى موطنه من غاراتهم وحكمهم، فلقد أنشأ علي بن حمدان دولته
الحمدانية في احرج ظرف من ظروف العرب والمسلمين، حين قام نقفور
فوقاس الثاني يلوح بمطامعه الهوجاء، ويزمجر بأمانيه الواسعة في استرداد
بلاد الشام والنفاذ منها حتى إلى الحجاز، ولقد كان ضعف الخلافة وتشتت
قواها، وتمزق شمل البلاد وانقسامها مما أغراه على الطمع وشجعه على
الاقدام، ولكنه واجه الصخرة الصلدة التي تحطمت عليها آماله وتبعثرت
فيها مطامعه، واجه سيف الدولة بفروسيته المفادية وشجاعته المتعالية، فرده
خائبا وتغلل في صميم بلاده، واشتبك معه بمعارك كانت من أروع
الصفحات في تاريخنا الحربي والسياسي والأدبي، وحسبك انها أبرزت بطلا
كسيف الدولة وشاعرين كالمتنبي وأبي فراس، وانها كانت كفيلة بحفظ
البلاد وحمايتها ورد الروم عنها إلى الأبد.
وكما كان سيف الدولة مجليا في الميدان العسكري فقد كان مجليا
كذلك في ميادين العلوم والآداب إذ جمع في بلاطه من العلماء والشعراء
والأدباء ما كان منهم خير حفظة لتراث العرب، وأفضل رواد لثقافتهم.
مزاياه
كل ما اتصف به سيف الدولة كان جديرا بان يجذب إليه الشعراء:
شجاعته وحروبه المتعددة توفر لهم مواد المدح الفخم، كرمه الفياض يرغبهم
في صحبته، حبه للأدب ومعرفته بالشعر، يعزز فيهم المنافسة، عصبيته
للعرب تعيد إليهم ما انقرض من موضوعات الفخر القديم، تساهله وسعة
ثقافته تجرئهم على أقوال ما كانوا ليجرأوا عليها في حضرة أمير جاهل ضيق
الصدر.
أما شجاعته فالشواهد عليها كثيرة. ونكتفي بالقول انه بدأ غزو
الروم ومحاربتهم وهو لا يتجاوز التاسعة عشر أو الحادية والعشرين، ولم
يكف عن المعارك يباشرها بنفسه وراكبا أو ماشيا حتى وفاته، اي مدة اثنتين
وثلاثين سنة، لا تمر عليه سنة الا ويسير للحرب إما غازيا أو مدافعا، إما
منتصرا أو منكسرا. حتى اننا لا نرى مبالغة في قول من قال إن سيف الدولة
كان كلما رجع من غزوة نفض ما علق ثيابه من غبار فجمعه في مكان،
واوصى بان يصنع منه لبنة توضع تحت خده في قبره، فنفذت وصيته. ومهما
يكن من أمر فان في الحادثة رمزا دقيقا إلى سعة غزوات ذاك الأمير.
ومن الطبيعي ان تقترن هذه الشجاعة بفروسية ماهرة فيظهر سيف
الدولة من أشهر خياله عصره، ومن أشرقهم في الحرب، يطاعن بالرمح،
ويجالد بالسيف، ويستعمل أحيانا نوعا من السلاح يعرف بالمستوفي: وهو
عمود من حديد طوله ذراعان، مربع الشكل، له مقبض مستدير.
وفي كرمه نوادر عديدة لا باس بذكر بعضها:
روى ابن ظافر في تاريخ سنة أربع وخمسين وثلثمائة ان سيف الدولة
صاهر أخاه ناصر الدولة، فزوج ابنيه أبا المكارم وأبا المعالي بابنتي ناصر
الدولة وزوج أبا تغلب بابنته ست الناس. وضرب دنانير كبيرة، في كل
دينار منها ثلاثون دينارا وعشرون وعشرة عليها مكتوب: لا إله إلا الله.
محمد رسول الله. أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب. فاطمة الزهراء.
الحسن. الحسين. جبريل. ع وعلى الجانب الآخر: أمير
المؤمنين المطيع لله. الأميران الفاضلان: ناصر الدولة، سيف الدولة.
الأميران أبو تغلب وأبو المكارم وجاد بما لم يجد به أحد. ويقال ان مبلغ ما
جاد به سبعمائة ألف دينار.
ونقل الثعالبي في يتيمة الدهر عن أبي الحسين محمد بن علي
العلوي الحسيني الهمذاني قال: كنت واقفا في السماطين بين يدي سيف
الدولة بحلب، والشعراء ينشدون، فتقدم إليه عربي رث الهيئة، فاستأذن
الحجاب في الإنشاد، فأدنوه فانشد هذه الأبيات:
أنت علي وهذه حلب * قد نفد الزاد، وانتهى الطلب
عبدك الدهر قد أضر بنا * إليك من جور عبدك الهرب
فقال سيف الدولة: أحسنت، ولله أنت، وامر له بمائة دينار.
وحكى ابن لبيب، غلام أبي الفرج ألببغاء ان سيف الدولة كان قد
أمر بضرب دنانير للصلات في كل دينار منها عشرة مثاقيل وعليه اسمه
وصورته. فامر يوما لأبي الفرج منها بعشرة دنانير فقال ارتجالا:
نحن بجود الأمير في حرم * نرتع بين السعود والنعم
أبدع من هذه الدنانير لم * يجر قديما في خاطر الكرم
فقد غدت، باسمه وصورته * في دهرنا، عوذة من العدم
فزاده عشرة أخرى.
وقال ابن خلكان: قال أبو القاسم عثمان بن محمد العراقي، قاضي
عين زربة: حضرت مجلس الأمير سيف الدولة بحلب، وقد وافاه القاضي
أبو نصر محمد بن محمد النيسابوري، فطرح من كمه كيسا فارغا ودرجا فيه
شعر استأذن في انشاده فاذن له فانشد قصيدة أولها:
حباؤك معتاد، وأمرك نافذ * وعبدك محتاج إلى ألف درهم
فلما فرع من انشادها ضحك سيف الدولة ضحكا شديدا. وأمر له
بألف دينار فجعلت في الكيس الفارع الذي كان معه.
وقد عرف سيف الدولة بعصبيته للعرب، وهو ممثل العروبة الوحيد
في ذلك العصر. وهذه أقوال الشعراء تشهد بذلك. بل إن عروبته هذه
كانت من الأسباب التي دعت المتنبي، وهو الشاعر العربي الأكبر، إلى
الاتصال به ذاك الاتصال الوثيق فمثلا في عصرهما النزعة العربية سياسة
وأدبا.
ابتداء امره
يروي التنوخي على لسان سيف الدولة نفسه قصته مع أخيه ناصر
الدولة ازاء فتح حلب، وقصة التنوخي منقولة عن أبي يعلى محمد بن
يعقوب البريدي الكاتب عن سيف الدولة نفسه. يقول سيف الدولة محدثا
البريدي: لما رجعنا من بغداد اقتصر بي أخي ناصر الدولة على نصيبين،
(٢٦٩)

فكنت مقيما فيها، ولم يكن ارتفاعها يكفيني، فكنت أدافع الأوقات وأصبر
على مضض من الإضافة مدة. ثم بلغتني اخبار الشام وخلوها الا من يأنس
المؤنسي وكون ابن طغج بمصر بعيدا عنها، ورضاه بان يجعل يأنس عليها
ويحمل إليه الشئ اليسير منها، ففكرت في جمع جيش وقصدها واخذها
وطرد يأنس ومدافعة ابن طغج ان سار إلي بجهدي، فان قدرت على ذلك
والا قد تعجلت من أموالها ما تزول به إضاقتي مدة، ووجدت جمع الجيش
لا يمكن الا بالمال، وليس لي مال، فقلت اقصد أخي و أسأله ان يعاونني
بألف رجل من جيشه يزيح هو علتهم أي يتحمل تكاليفهم ويعطيني
شيئا من المال واخرج بهم فيكون عملي زائدا في عمله وعزه.
وكانت تأخذني حمى ربع، فرحلت إلى الموصل على ما بي ودخلت إلى
أخي وسلمت عليه، فقال: ما أقدمك، فقلت: أمر أذكره بعد، فرحب
وافترقنا، فراسلته في هذا المعنى وشرحت له، فاظهر من المنع القبيح والرد
الشديد غير قليل. ثم شافهته فكان أشد امتناعا، وطرحت عليه جميع من
كان يتجاسر على خطابه في مثل هذا فيردهم، وكان لجوجا إذا منع من
الأول شيئا يلتمس منه أقام على المنع. ولم يبق في نفسي من يجوز ان
اطرحه عليه واقدر انه يجيبه الا امرأته الكردية والدة أبي تغلب، فقصدتها
وخاطبتها في حاجتي وسالتها مسألته فقالت: أنت تعلم خلقه، وقد ردك،
وان سألته عقيب ذلك ردني أيضا فاخرق جاهي عنده ولم يقض الحاجة
ولكن أقم أياما حتى أظفر منه في خلال ذلك بنشاط أو سبب اجعله طريقا
للكلام والمشورة عليه والمسألة فيه، فعلمت صحة قولها فأقمت. فاني
جالس بحضرته يوما إذ جاءه براج الموكل إليه أبراج الحمام الزاجل
بكتاب طائر عرفه سقوطه من بغداد أي ان الكتاب من الزاجل القادم من
بغداد فلما قرأه اسود وجهه واسترجع وأظهر قلقا وغما وقال: انا لله وانا
إليه راجعون، يا قوم، المتعجرف الأحمق الجاهل المبذر السخيف الرأي
الردئ التدبير الفقير القليل الجيش، يقتل الحازم المرتفق العاقل الوثيق
الرأي الضابط الجيد التدبير الغني الكثير الجيش؟ فرمى الكتاب وقال:
قف عليه، فإذا هو كتاب خليفته ببغداد بتاريخ يومين يقول: إن
في هذه الساعة تناثرت الاخبار وصحت بقتل أبي عبد الله البريدي
أخاه أبا يوسف واستيلائه على البصرة. فلما قرأت ذلك مع ما سمعت من
كلامه، مت جرعا وفزعا، ولم أشك انه يعتقد اني كأني أبو عبد الله البريدي
في الأخلاق التي وصفه بها، ويعتقد في نفسه أنه كابي يوسف، وقد جئته في
أمر جيش ومال، ولم أشك في أن ذلك سيولد له أمرا في القبض علي
وحبسي، فأخذت اداريه واسكن منه وأطعن على أبي عبد الله البريدي
وأزيد في الاستقباح لفعله وتعجيز رأيه إلى أن انقطع الكلام. ثم أظهرت له
انه قد ظهرت الحمى التي تجيئني، وانه وقتها وقد جاءت فقمت، فقال: يا
غلمان، بين يديه، فركبت دابتي وتحركت إلى معسكري. وقد كنت منذ
وردت وعسكري ظاهر البلد ولم انزل دارا فحين دخلت معسكري وكان
بالدير الاعلى لم انزل وقلت لغلماني: ارحلوا الساعة الساعة ولا تضربوا
بوقا واتبعوني، وتحركت وحدي فلحقني نفر من غلماني، وكنت اركض على
وجهي خوفا من مبادرة ناصر الدولة إلي بمكروه، فما علقت أي أنخت
ركبي و استرحت حتى وصلت إلى بلد اسم قرية من اعمال الموصل في
نفر قليل من أهل معسكري وتبعني الباقون، فحين وردوا نهضت للرحيل
ولم أدعهم ان يرخوا وخرجنا، فلما صرنا على فرسخ من البلد إذا باعلام
وجيش لاحقين بنا، فلم أشك ان أخي أنفذهم للقبض علي. فقلت لمن
معي: تاهبوا للحرب ولا تبدأوا وحثوا السير، فإذا بأعرابي يركض وحده
حتى لحق بي وقال: أيها الأمير، ما هذا السير المحث؟ خادمك دنحا قد
وافى برسالة الأمير ناصر الدولة ويسالك ان تتوقف عليه حتى يلحقك، فلما
ذكر دنحا قلت: لو كان شرا ما ورد دنحا فيه، فنزلت وقد كان السير كدني
والحمى أخذتني، فطرحت نفسي لما بي، ولحقني دنحا واخذ يعاتبني على
شدة السير فصدقته عما كان في نفسي. فقال: اعلم أن الذي ظننته
انقلب، وقد تمكنت لك في نفسه هيبة بما جرى، وبعثني إليك برسالة يقول
لك: انك قد كنت جئتني تلتمس كيت وكيت فصادفت مني ضجرا
وأجبتك بالرد، ثم علمت أن الصواب معك، فكنت منتظرا ان تعاودني في
المسألة فأجيبك فخرجت من غير معاودة ولا توديع، والآن ان شئت فاقم
بسنجار بنصيبين فاني منفذ إليك ما التمست من المال والرجال لتسير إلى
الشام. فقلت لدنحا: تشكره وتجزيه الخير وتقول كذا وكذا، وأشياء وافقته
عليها، وتقول: اني خرجت من غير وداع لخبر بلغني في الحال من طروق
الاعراب لعملي، فركبت لألحقهم، وتركت معاودة المسألة تخفيفا، فإذا
كان قد رأى هذا فانا ولده، وان تم لي شئ فهو له، وانا مقيم بنصيبين
لانتظر وعده. وسرت ورجع دنحا، فما كان الا أيام يسيرة حتى جاءني دنحا
ومعه ألف رجل قد أزيحت عللهم واعطوا أرزاقهم ونفقاتهم وعرضت
دوابهم وبغالهم ومعهم خمسون ألف دينار، وقال هؤلاء الرجال وهذا المال،
فاستخر الله وسر. فسرت إلى حلب وملكته وكانت وقائعي مع الأخشيدية
بعد ذلك المعروفة (١).
مملكة سيف الدولة
الحق ان مملكة سيف الدولة تمتاز بكثرة المدن الهامة مثل حلب وأنطاكية
وقنسرين ومنبج وبالس ومعرة النعمان ومعرة مصرين وسرمين وكفر طاب
وأفامية وعزاز وحماه وحمص وطرطوس، كما انها تمتاز بكثرة الثغور التي
يطلقون على كثير منها اسم الثغور الجزرية وهي في الواقع ثغور شامية وانما
سميت بالجزرية لان أكثر المرابطين بها من أهل الجزيرة. ومن الثغور الهامة
المصيصة وأدنه ومرعش وطرطوس والحدث وزبطرة وملطية وسميساط
ورعبان ودلوك. يضاف إلى كل ذلك ديار بكر التي ولد سيف الدولة ثم دفن
في إحدى مدنها وهي ميافارقين، وديار مضر التي كانت الرقة عاصمة لها ثم
ما تم له فتحه من بلاد أرمنية.
التأليف في ظل سيف الدولة
هناك قصة اهداء أبي الفرج الأصفهاني كتابه الأغاني إلى سيف
الدولة واعطاء سيف الدولة له ألف دينار، ولقد ألف أبو الفرج كتابه بعيدا
عن حلب، وانما قصدها ليهديه إلى الأمير الأديب، ولكن هناك كتبا كثيرة
في فنون مختلفة قد ألفها العلماء والأدباء الذين عاشوا في كنف سيف الدولة
وفي بلاطه، وقد وصل إلينا بعض هذه الكتب وضاع البعض الآخر مع ما
فقد من كنوز التراث العربي في فترات المحن المتكررة.
ففي الطب كان فيما يذكر المؤرخون يقف على مائدة سيف الدولة

(١) نشوار المحاضرة ص ٤٣٠.
(٢٧٠)

وقت الأكل أربعة وعشرون طبيبا (١)، وان دل هذا الخبر على شئ رغم
المبالغة الظاهرة فيه فإنما يدل على وفرة الأطباء في حلب في عهد سيف
الدولة، وقد شارك بعض هؤلاء الأطباء في الترجمة والتآليف فكان عيسى
الرقي الطبيب يترجم من السريانية إلى العربية، وألف الحسين بن كشكرايا
كناشه المعروف بالحاوي، وكان طبيبا لعضد الدولة ثم لسيف الدولة.
وفي الهندسة والرياضة والفلك عاش في عصر سيف الدولة ومملكته
أبو القاسم الرقي المنجم، والمجتبى الأنطاكي، ودينسيوس بطريرك
اليعاقبة، وقيس الماروني ولكل واحد منهم مؤلفات جليلة.
وفي الفلسفة عاش الفارابي في كنف سيف الدولة.
وفي اللغة وعلومها ألف الحسين بن خالويه كتبا كثيرة مثل كتاب
أسماء الأسد، واعراب ثلاثين صورة، وكتاب البديع في القراءات، وكتاب
الاشتقاق، وكتاب ليس في كلام العرب، وكتاب اشتقاق خالويه وكتاب
الالفات، وشرح مقصورة ابن دريد، وكتاب المذكر والمؤنث، وكتاب
الجمل في النحو.
وألف ابن جني كتبا كثيرة أهمها كتاب الخصائص، وسر صناعة
الاعراب، و المنصف في شرح تصاريف المازني، كما عدد له ياقوت كثيرا من
الكتب التي ضاعت وليس لدينا الا أسماؤها (٢)
وألف أبو علي الفارسي أثناء وجوده في حلب كتاب المسائل الحلبية،
وكان أبو علي إذا حل في مدينة جلس للدرس، ولقد زار أكثر مدن الشرق
الاسلامي وله في كل بلدة حل بها كتاب يضم درسه فيها و ما عرض له من
مسائل مثل كتاب المسائل البغدادية وكتاب المسائل الشيرازية، وكتاب
المسائل البصرية، وكتاب المسائل القصرية، وكتاب المسائل الدمشقية،
وكتاب المسائل العسكرية، فضلا عن كتبه الأخرى الكثيرة التي ألفها بعيدا
عن حلب (٣).
وفي الجغرافيا ألف ابن حوقل الموصلي كتاب المسالك والممالك. هذا
وقد شارك بعض شعراء سيف الدولة في التأليف والتصنيف، فالشاعران
الخالديان ألفا وصنفا كتبا كثيرة أهمها كتاب حماسة شعر المحدثين، وكتابا في
اخبار أبي تمام ومحاسن شعره، وكتاب اخبار الموصل، وكتابا في اخبار شعر
ابن الرومي، وكتاب اختيار شعر البحتري، وكتاب اختيار شعر مسلم بن
الوليد (٤) وكتاب الديارات وألف السري الرفاء الشاعر كتاب الديرة،
وكتاب المحب والمحبوب، وكتاب المشموم والمشروب (٥). وألف كشاجم
كتاب أدب النديم وكتاب المصايد والمطارد.
سيف الدولة القائد
لعل من الأمور التي تلفت النظر إلى سيف الدولة القائد المحارب هذه
الجرأة التي دفعته إلى أن يغزو الإمبراطورية البيزنطية أكثر من مرة وكان لا
يزال في الخامسة والعشرين من عمره، وكيف أوغل بجيشه المحدود العدد
في داخل الأراضي البيزنطية فاضطر الدمستق ان يخرج إليه على رأس مائتي
ألف جندي مجهزين أحسن تجهيز فانتصر عليهم سيف الدولة وأسر سبعين
بطريقا واستولى على سرير الدمستق وكرسيه.
ومن هذه الجرأة أيضا ما قام به من غزو في أرض الروم ولم يكد
يمضي على الغزوة السابقة سنتان، وما كان من توغله في أراضي
الإمبراطورية ووصوله إلى مواضع لم تطأها قدما مسلم من قبل، وتحديه
للامبراطور ونزوله إلى قلونية.
بل كيف قاد سيف الدولة جيوش أخيه ناصر الدولة وحارب
البريديين وانتصر عليهم واسترد منهم بغداد، وطاردهم إلى واسط.
الأباطرة الذين نازلهم سيف الدولة
ان الانتصار على جيش ضعيف تحت قيادة قائد مغمور أمر يسير غير
خطير، بل لا يكاد يعد انتصارا، ولكن تعظم قيمة النصر كلما كان العدو
خطيرا وجيشه كبيرا وقائده ماهرا، ومن هنا يمكن تقدير انتصارات سيف
الدولة حق قدرها، لقد كانت الجيوش البيزنطية التي يواجهها سيف الدولة
يربو عددها في الموقعة الواحدة على مائتي ألف محارب أحيانا، وهم بعد ذلك
من أجناس مختلفة بين روس وبلغار وروم وصقلب وأرمن وخزر، فجيش
البزينطيين على حد قول المتنبي:
تجمع فيه كل لسن وأمة * فما يفهم الحداث الا التراجم
فإذا ما نظرنا إلى القادة الذين كانوا يقودون هذه الجيوش وجدناهم
الأباطرة البيزنطيين أنفسهم، ومن بين هؤلاء أخطر قائدين عرفتهما بيزنطة
ونعني بهما برداس فوكاس ثم اخوه نقفور فوكاس ومن قبلهما قسطنطين
ليكابينوس الذي تحداه سيف الدولة في غزواته قبل الملك.
فاما برداس فقد القى بسيف الدولة في عدة معارك، وعلى رغم كثافة
جيوشه لم يحرز نصرا مشرفا واحدا، بل كان يفقد في كل معركة جانبا كبيرا
من جيشه وعددا خطيرا من بطارقته أي قواده ثم اكتمل سوء حظه حينما
التقى بسيف الدولة قرب مرعش سنة ٣٤٢ ه ٩٥٣ م وفي هذه المعركة
جرح برداس في وجهه ووقع ابنه قسطنطين أسيرا في يد سيف الدولة فضلا
عن أسرى آخرين من القواد (٦).
وكانت هذه المعركة من أكبر ما مر على البيزنطيين من نكبات فبعدها
حزن برداس حزنا شديدا على أسر ولده ودخل الدير مترهبا وتسابق شعراء
سيف الدولة فوصفوا هذه الحادث الفريدة وصفا بارعا فيقول أبو الطيب
المتنبي والخطاب موجه إلى الإمبراطور البيزنطي:
نجوت بإحدى مهجتيك جريحة * وخلفت إحدى مهجتيك تسيل
أ تسلم للخطية ابنك هاربا * ويسكن في الدنيا إليك خليل
بوجهك ما أنساكه من مرشة * نصيرك منها رنة وعويل
نقفور فوكاس
وكان هذا القائد من أمهر واقسى القواد البيزنطيين، كان قبل توليه
القيادة والملك قائدا عاما للقوات البيزنطية البرية والبحرية في الجبهة الغربية
وقد نجح فيما أخفق فيه كثير من القواد السابقين حينما استطاع استعادة
جزيرة كريت من يد العرب سنة ٣٥٠ ه أي ٩٦١ م (٧).

(١) ابن أبي أصبيعة ٢ / ١٤٠.
(٢) وفيات الأعيان ١ / ٥٦٢.
(٣) بغية الوعاة ص ٢١٧.
(٤) الفهرست لابن النديم ص ١٦٩.
(٥) معجم الأدباء ١١ / ١٧٥.
(٦) زبدة الحلب ١ / ١٢٣، ١٢٤، ابن الوردي ١ / ٢٨٦.
(٧) العرب والروم لفازيليف ترجمة الدكتور محمد شعيرة ص ٥٨.
(٢٧١)

وكان لنقفور فوكاس أطماع كثيرة أهمها الملك وثانيها استعادة بيت
المقدس من أيدي المسلمين، فاما هدفه الأول فقد وصل إليه حينما عقد
أواصر صداقة مع زوجة الإمبراطور، رومانوس حتى تزوج أرملته تيوفانو
وأعلن نفسه امبراطورا وتسمى باسم نقفور الثاني وكان ذلك سنة ٣٥٢ ه
٩٦٣ م (١).
وكثيرا ما راودته الفكرة الثانية أي فكرة فتح بيت المقدس وقد وضح
ذلك جليا حينما فتح طرسوس ووقف على منبرها وخطب قائلا ان هذه
البلدة هي التي كانت تعوقه عن الوصول إلى بيت المقدس (٢).
بعض أخباره ووقائعه
أشار الأمير أبو فراس الحارث بن سعيد الحمداني إلى أكثر وقائع
سيف الدولة وحروبه في قصيدته التي يفتخر فيها بقومه وعشيرته وقد مر
قسم منها في ترجمة أبي فراس وذكرنا جملة منها في تراجم من تعرض لذكرهم
فيها من قومه ونذكر منها هنا ما يتعلق بسيف الدولة ووقائعه قال:
فان يمض أشياخي فلم يمض مجدها * ولا دثرت تلك العلى والمآثر
نشيد كما شادوا ونبني كما بنوا * لنا شرف ماض واخر غابر
ففينا لدين الله عز ومنعة * ومنا لدين الله سيف وناصر
هما وأمير المؤمنين مشرد * أجاراه لما لم يجد من يجاور
ورداه حتى ملكاه سريره * بعشرين ألفا بينها الموت سافر
وساسا أمور المسلمين سياسة * لها الله والاسلام والدين شاكر
والمراد بهما ابنا عمه سيف الدولة علي بن عبد الله بن حمدان بن حمدون
واخوه ناصر الدولة الحسن بن عبد الله بن حمدان بن حمدون والمراد بأمير
المؤمنين هو المتقي وقد مر خبر استجارته بهما وتلقيبه إياهما بسيف الدولة
وناصر الدولة في ترجمة ناصر الدولة في الحسن بن عبد الله بن حمدان ثم قال
في مدح سيف الدولة وذكر وقائعه:
ألا قل لسيف الدولة القرم انني * على كل شئ غير وصفك قادر
فلا تلزمني خطة لا أطيقها * فمجدك غلاب وفضلك باهر
ولو لم يكن فخري وفخرك واحدا * لما سار عني بالمدائح سائر
ولكنني لا أغفل القول عن فتى * اساهم في عليائه وأشاطر
وعن ذكر أيام مضت ومواقف * مكاني منها بين الفضل ظاهر
مساع يضل القول فيهن كله * وتهلك في أوصافهن الخواطر
بناهن باني الثغر والثغر دارس * وحافظ دين الله والدين داثر
ونازل منه الديلمي بأزرق * لجوج إذا نادى مطول مصابر
قال ابن خالويه: افتتح سيف الدولة ديار بكر سنة ٣٤٣ وقلدها أبا
جعفر الديلمي فعصى وسار فتحصن بارزن فنزل عليه سيف الدولة حتى
أنزله قهرا واستباح بلاده والى ذلك أشار أبو فراس بقوله ونازل منه
الديلمي بارزن قال:
وذلت له بالسيف بعد إبائها * ملوك بني الجحاف تلك المساعر
قال ابن خالويه: ملوك بني الجحاف أبو اليقظان الاعلى ابن مسلمة
السلمي نازله سيف الدولة في بلده حتى فتحه وهرب إلى بلاد الروم فأمده
ملك الروم ببطريق في عشرين ألفا فهزمهم وعاد السلمي فدخل في جملة
أصحاب سيف الدولة ورده إلى بلده ورضي عنه. وقصد
أبا العز السلمي وأبا سالم فاخذ بلدانهم ثم ردها عليهم فأقرهم عليها فصاروا من جملة
أصحابه. قال:
وشق إلى نفس الدمستق جيشه * بأرض سلام والقنا متشاجر
قال ابن خالويه: غزا سيف الدولة في سنة ٣٣٤ حتى نزل حصن
بني زياد، فاقبل الدمستق في ثمانين ألفا حتى أحاط بالعسكر في موضع يقال
له سلام، فأشاروا على سيف الدولة بأخذ ما خف والهرب فابى وناجزهم
وهرب الدمستق قال:
سقى ارسناسا مثله من دمائهم * عشية غصت بالقلوب الحناجر
وبات يدير الرأي من أين وجهه وذو الحزم ناهية وذو العزم آمر
ارسناس بفتح الهمزة وسكون الراء وفتح السين المهملة ونون
وألف وسين أخرى، في معجم البلدان: اسم نهر في بلاد الروم يوصف
ببرودة مائه عبره سيف الدولة ليغروا فقال المتنبي:
حتى عبرن بارسناس سوابحا * ينشرن فيه عمائم الفرسان
يقمصن في مثل المدى من بارد * يذر الفحول وهن كالخصيان
والماء بين عجاجتين مخلص * تتفرقان به وتلتقيان
قال:
وأوردها أعلى ثنية آمر * بعيد مغار الجيش ألوى مخاطر
وساق نميرا أعنف السوق بالقنا * فلم يمس شامي ولم يضح جازر
قال ابن خالويه أخذت خيل بني نمير من نواحي نصيبين خروفا من
غنم راع وسيف الدولة فيها فنهض إليهم فطردهم إلى الدالية قال:
وناهض أهل الشام منه مشيع * يسيره الاقبال فيمن يساير
له وعليه وقعة بعد وقعة * ولو بأطراف الأسنة عاقر
فلا هو فيما سره متطاول * ولا هو فيما ساءه متقاصر
ولما رأى الاخشيد ما قد أظله * تلافاه يثني غربه ويكاسر
رأى الصهر والرسل الذي هو عاقد * تنال به ما لا تنال العساكر
قال ابن خالويه: كانت له وقائع مع الاخشيد وكانت الحروب بينهما
سجالا ولما تطاولت الحروب راسله بالصلح فأجاب إليه سيف الدولة وتزوج
ابنة الاخشيد ولم يدخل بها قال
وأوقع في جلباط بالروم وقعة * بها العمق واللكام والبرج فاخر
في معجم البلدان: جلباط بالضم ناحية بجبل اللكام بين أنطاكية
ومرعش كانت بها وقعة لسيف الدولة ابن حمدان بالروم افتخر بها أبو فراس
فيما افتخر فقال وأوقع في جلباط وذكر البيت، وفيه: عمق بفتح أوله
وسكون ثانيه واخره قاف كورة بنواحي حلب وإياه عنى أبو الطيب المتنبي
حيث قال مخاطبا سيف الدولة:
ومثل العمق مملوء دماء * مشت بك في مجارية الخيول
وقال أبو العباس الصفري شاعر سيف الدولة يذكر العمق:
وكم شامخ عالي الذرى قد تركته * وارفعه دك وأسفله سهب
وأوقعت بالاشراك في العمق وقعة * تزلزل من أهوالها الشرق والغرب
وفيه اللكام بالضم وتشديد الكاف ويروى بتخفيفها وهو في شعر
المتنبي مخفف فقال:

(١) الإمبراطورية البيزنطية لباينيس ترجمة الدكتور حسين مؤنيس ص ٦٢.
(٢) زبدة الحلب ١ / ١٤٣.
(٣) أي من أهل الجزيرة.
(٢٧٢)

بها الجبلان من صخر وفخر * أنافا ذا المغيث وذا اللكام
وهو الجبل المشرف على أنطاكية والمصيصة وطرسوس وتلك الثغور.
وفيه: برج الرصاص قلعة ولها رساتيق من اعمال حلب قرب أنطاكية
وإياها عنى أبو فراس بقوله: وذكر البيت: قال:
وأوردها بطن اللقان وظهره * يطان به القتلى خفاف حواذر
في معجم البلدان بالضم ثم التخفيف واخره نون بلد بالروم وراء
خرشنة بيومين غزاه سيف الدولة وذكره المتنبي في قوله:
يذري اللقان غبارا في مناخرها * وفي حناجرها من آلس جرع
وهذا البيت من اسرافات المتنبي في المبالغة لأنه يقول إن هذه الخيل
شربت من آلس وهو بلد بالروم فلم يتعد حناجرها حتى أذرى اللقان الغبار
في مناخرها يعني انها سارت من آلس إلى اللقان في مدة هذا مقدارها وبينهما
مسافة بعيدة وقد شدده أبو فراس فقال:
وقاد إلى اللقان كل مطهم * له حافر في يابس الصخر حافر
اه والموجود في ديوانه ذكر في البيت كما ذكرناه أولا ولا وجود له
بالصفة التي نقلها ياقوت في جميع النسخ التي بأيدينا، قال:
اخذن بأنفاس الدمستق وابنه * وعبرن في جيحان من هو عابر
وجبن بلاد الروم ستين ليلة * تغادر ملك الروم فيمن تغادر
تخر لنا تلك القبائل عنوة * وترمى لنا بالأهل تلك المظاهر
قال ابن خالويه: قوله وأوردها بطن اللقان الخ قال أبو فراس:
غزونا مع سيف الدولة وفتحنا حصن العيون سنة ٣٣٩ وسني إذ ذاك تسع
عشرة سنة وأوغلنا في بلاد الروم وفتحنا حصن الصفصاف فقال ابن عمي
أبو زهير مهلهل بن نصر بن حمدان في هذه الغزاة أبياتا ذكرت في ترجمته،
وأحرقت في هذه الغزاة مدينة خرشنة وصارخة وهزم الدمستق واخذ من
بطارقته عدة عديدة اه وفي معجم البلدان: صارخة بعد الراء خاء
معجمة بلدة غزاها سيف الدولة في سنة ٣٣٩ ببلاد الروم فعند ذلك قال
المتنبي:
مخلى له المرج منصوبا بصارخة * له المنابر مشهودا بها الجمع
قال:
وما زال منا جار خرشنة امرؤ * يراوحها في غارة ويباكر
قال ابن خالويه قال أبو فراس غزا عمي قبل سنة ٣٠٠ فاحرق مدينة
خرشنة وصارخة اه.
ولما وردنا الدرب والروم فوقه * وقدر قسطنطين ان ليس صادر
ضربنا بها عرض الفرات كأنما * تسير بنا تحت السروج جزائر
إلى أن وردنا ارقنين نسوقها * وقد نكلت اعقابنا والمخاصر
والهبن لهبي عرقة وملطية * وعاد إلى موزار منهن زائر
ومال بها ذات اليمين لمرعش * مجاهيد يتلو الصابر المتصابر
فلما رأت جيش الدمستق راجعت * عزائمها واستنهضتها البصائر
وما زلن يحملن النفوس على الوجى * إلى أن خضبن بالدماء الاشاعر
وابن بقسطنطين وهو مكبل * تحف بطاريق به وزرازر
وولى على الرسم الدمستق هاربا * وفي وجهه عذر من السيف عاذر
فدى نفسه بابن عليه كنفسه * وللشدة الصماء تقنى الذخائر
وقد يقطع العضو النفيس لغيره * وتدفع بالامر الكبير الكبائر
في اليتيمة: يقال إن سيف الدولة غزا الروم أربعين غزوة له وعليه
فمنها انه أغار على زبطرة وعرقة وملطية ونواحيها فقتل وأحرق وسبا وانثنى
قافلا إلى درب موزار فوجد عليه قسطنطين بن فردس الدمستق فأوقع به وقتل
صناديد رجاله وعقب إلى بلدانه وقد تراجع من هرب منها فاعظم القتل
وأكثر الغنائم وعبر الفرات إلى بلد الروم ولم يفعله أحد قبله حتى أغار على
بطن هنزيط فلما رأى فردس بعد مغزاه وخلو بلاد الشام منه غزا نواحي
أنطاكية فاسرى سيف الدولة إليه يطوي المراحل لا ينتظر متأخرا ولا يلوي
على متقدم حتى عارضه بمرعش فأوقع به وهزمه وقتل رؤوس البطارقة وأسر
قسطنطين بن الدمستق وأصابت الدمستق ضربة في وجهه وأكثر الشعراء في
هذه الوقعة:
قال ابن خالويه: قوله ولما وردنا الدرب الخ قال أبو فراس: كل
موقف لسيف الدولة شريف وهذه الحالة التي أشرحها كالمعجزة وذلك انا
سرنا معه إلى ديار مضر لأن قبائل كعب شمخت واستفحل امرها فلما عبرنا
الفرات هربوا وأمرني باللحاق بهم وردهم إلى الطاعة ففعلت ذلك واخذت
رهائنهم فكتب إلي أبو محمد الكاتب بحضرة سيف الدولة:
أصلحت أمر عقيل * وسست أمر قشير
وكنت أيمن خلق * على خلال نمير
فلا يزال نزار * ما دمت فيهم بخير
وسرنا ففتحنا بلاد الروم وقدمني ففتحت حصن عرقة، وفي معجم
البلدان عرقة بكسر أوله وسكون ثانيه مؤنث عرق بلدة في شرقي طرابلس
بينهما أربعة فراسخ وعلى جبلها قلعة لها وكان سيف الدولة بن حمدان قد
غزاها فقال أبو العباس الصفري شاعره:
أخذت سيوف السبي في عقر دارهم * بسيفك لما قيل قد اخذ الدرب
وعرقة قد سقيت سكانها الردى * ببيض خفاف لا تكل ولا تنبو
كان المنايا أودعت في جفونها * فارواح من حلت به للردى نهب
ثم قال عرقة هكذا وجدته مضبوطا بخط بعض فضلاء حلب في شعر
أبي فراس بفتح أوله وقال هي من نواحي الروم غزاها سيف الدولة فقال أبو
فراس:
وألهبن لهبي عرقة وملطية * وعاد إلى موزار منهن زائر
أقول هذا البيت لا يوجد في نسخ الديوان التي بأيدينا وقد ذكره
ياقوت في معجم البلدان في ثلاثة مواضع منه في عرقة وملطية وموزار:
قال: وكذا يروى في شعر المتنبي أيضا، قال:
وأمسى السبايا ينتحبن بعرقة * كان جيوب الثاكلات ذيول
قال وموزار بالفتح ثم السكون وزاي واخره راء حصن ببلاد الروم
وقد ذكره أبو فراس فقال:
ألهبن لهبي عرقة وملطية * وعاد إلى موزار منهن زائر
وقال المتنبي:
وعادت فظنونها بموزار قفلا * وليس لها الا الدخول قفول

(١) الموجود في النسخ التي بأيدينا من الديوان (بالتيجان) وفي بعضها بالهيجاء وكلاهما تحريف
والصواب في جيحان، قال ياقوت وهو نهر بالمصيصة بالثغر الشامي مخرجه من بلاد الروم ثم
يصب في الشام.
(٢٧٣)

ثم قال أبو فراس فيما حكاه عنه ابن خالويه في تتمة الكلام السابق:
وعدنا إلى درب موزار فوجدنا عليه قسطنطين بن الدمستق في الجموع فلم
يمكن الخروج منه فعدنا إلى بلاد الروم وكمن لهم سيف الدولة في موضع
آخر فقتلنا منهم مقتلة عظيمة قال الشاعر:
طلعت لهم فوق الدروع سحابة * تهمي بصوبي عثير وقتام
والمسلمون بمعزل منهم سوى * من أفردوه لنصرة الاسلام
وأبو فراس في الهياج أمامه * مثل الحسام بدا امام حسام
ثم قصدنا الفرات فعبرنا فلما وصلنا إلى ارفنين بلغنا خبر الدمستق
وخروجه إلى الشام ونادى سيف الدولة بالتاهب وسرنا نطوي المنازل حتى
عدنا من سميساط ولحقه سيف الدولة وراء مرعش في ستمائة رجل مجهدين
فأوقع بهم وهزمه وأسر قسطنين وقتل البطريق بن الملاين وضرب الدمستق
في وجهه ونصرنا عليهم اه وفي معجم البلدان: ارقنين بالفتح ثم السكون
وفتح القاف وكسر النون وياء ساكنة ونون بلد بالروم غزاه سيف الدولة بن
حمدان وذكره أبو فراس فقال إلى أن وردنا ارقنين البيت اه وفي ذلك
يقول أبو فراس من قصيدة أخرى:
وويلك من اردى أخاك بمرعش * وجلل ضربا وجه والدك العضبا
قال:
رأى الثغر مثغورا فسد بسيفه * فم الدهر عنه وهو سغبان فاغر
وهذا البيت مذكور في اليتيمة ولا ذكر له في نسخ الديوان التي بيدنا،
قال في اليتيمة: سار سيف الدولة لبناء الحدث وهي قلعة عظيمة الشأن
فاشتد ذلك على ملك الروم فجمع عظماء أهل مملكته وجهزهم بالصليب
الأعظم وعليهم فردس الدمستق ثائرا بابنه قسطنطين في عدد لا يحصى حتى
أحاطوا بعسكر سيف الدولة والتهبت الحرب واشتد الخطب وساءت ظنون
المسلمين ثم انزل الله نصره فحمل سيف الدولة يخرق الصفوف طلبا
للدمستق فولى هاربا وأسر صهره وابن بنته وقتل خلقا كثيرا من الروم وأكثر
الشعراء في هذه الواقعة فقال أبو الطيب:
هل الحدث الحمراء تعرف لونها * وتعلم اي الساقيين الغمائم
سقتها الغمام الغر قبل نزوله * فلما دنا منها سقتها الجماجم
بناها فأعلى والقنا يقرع القنا * وموج المنايا حولها متلاطم
وكان بها مثل الجنون فأصبحت * ومن جثث القتلى عليها تمائم
وقد فجعته بابنه وابن بنته * وبالصهر حملات الأمير الغواشم
قال:
ويوم على ظهر الأحيدب مظلم * جلاه ببيض الهند أبيض زاهر
أتت أمم الكفار فيه يؤمها * إلى الحين ممدود المطالب كافر
وهذان البيتان موجودان في معجم البلدان ولا يوجدان في الديوان
قال:
فحسبي بها يوم الأحيدب وقعة * على مثلها في العز تثنى الخناصر
عدلنا بها في قسمة الموت بينهم * وللسيف حكم في الكتيبة جائر
إذ الشيخ لا يلوي ونقفور محجر * وفي القدالف كالليوث قساور
فلم يبق الا صهره وابن بنته * وثور بالباقين من هو ثائر
الأحيدب جبل وهو الذي يقول فيه المتنبي:
نثرتهم فوق الأحيدب نثرة * كما نثرت فوق العروس الدراهم
قال ابن خالويه:
بنى سيف الدولة الحدث في سنة ٣٤٣ والذي في النسخة ٣٣٣ وهي
غير مضمونة الصحة ولكن في معجم البلدان وكامل ابن الأثير ٣٤٣ وزاحف
الدمستق وجموع الروم معه فهزمه وأسر صهره وابن بنته فحبسهم فقال في
ذلك أبو فراس: وحسبي بها... الأبيات:
ثم قال ابن خالويه: لما لحق الدمستق ما لحقه وأسر ابنه وابن أخيه
ومات في حبس سيف الدولة جمع عساكره وقصد الثغور فسار إليه سيف
الدولة والتقوا عند الحدث وسيف الدولة نازل عليهم فلما أشرف الدمستق
على الأحيدب وهو جبل مطل عليها هال المسلمين ما رأوا وتسللوا عن
سيف الدولة وكان في مدة يسيرة ممن بقي معه فحمل عليهم سيف الدولة
فيمن ثبت معه وكان له بصيرة فأنزل الله عليه الصبر والنصر فولى الدمستق
هاربا وأسر صهره وابن بنته وقرابات له فاستبقاهما سيف الدولة وقتل الباقي
ويدل كلام ابن الأثير ان ذلك كان سنة ٣٤٣ وكذلك قال ياقوت ان خروج
سيف الدولة لبناء الحدث كان سنة ٣٤٣ قال ابن خالويه وما زالت الرسل
تتردد بينهما إلى أن أسر أبو فراس سنة ٣٥١ فوفق الله من الرأي ما عقد له
وضمن للملك أثمان ما بقي من الاسرى بعد ما تفادى من البطارقة وغيرهم
ومبلغه ٢٤٠٢٠٠ مائتا ألف وأربعون ألف ومائتا دينار رومية اه وقال:
وأجلى إلى الجولان كلبا وطيئا * واقفر عجب منهم وأشاعر
وباتت نزار يقسم الشام بينها * كريم المحيا لوذعي مغاور
علاءة كلب للضباب علاءة * وحاضر طي للجعافر حاضر
في معجم البلدان عجب موضع بالشام في شعر عدي بن الرقاع اه
والأشاعر لست اعرف معناه والأشعر من جبال الحجاز.
قال ابن خالويه: أوقع سيف الدولة بطئ وكلب ونفاهم عن جند
حمص واسكن البلد نزارا اه قال:
وانقذ من مس الحديد وثقله * أبا وائل والدهر اجدع صاعر
أبو وائل هو تغلب بن داود بن حمدان بن حمدون ومضى شرح ذلك
مع بقية الأبيات في ترجمته قال:
وقد يكبر الخطب اليسير وينتحي * أكابر قوم ما جناه الأصاغر
كما أهلكت كلبا غواة جناتها * وعم كلابا ما جناه الجعافر
شرينا وبعنا بالسيوف نفوسهم * ونحن أناس بالسيوف نتاجر
وصنا نساء نحن أولي بصونها * رجعن ولم تكشف لهن ستائر
ينادينه والعيس تزجى كأنها * على شرفات الروم نخل مواقر
الا ان من أبقيت يا خير منعم * عبيدك ما ناح الحمام السواجر
فنرجوك احسانا ونخشاك صولة * لأنك جبار وانك جابر
قوله وقد كبر الخطب اليسير، قال ابن خالويه أحدثت بنو كلاب
حدثا بنواحي بالس ثم أجفلت فاسرى إليهم سيف الدولة من حلب وامر
أبا فراس ان يعارضه من منبج فعارضه من بالس فلحقه بالجسر فأوقع بهم
وملك الحريم والأموال فعف عن الحريم وكساهن والحقهن بأهلهن على
المحامل وجاء مطر البلدي فسأله الابقاء فأجاب اه قال:
وجشمها بطن السماوة قائضا * وقد اوقدت نار السموم الهواجر
نطرد كعبا حيث لا ماء يرتجى * لتعلم كعب اي قرم تصابر
ونطلب كعبا حيث لا اثر يقتفى * لتعلم كعب اي عود تكاسر
(٢٧٤)

فجعنا بنصف الجيش حوبة كلها * وارهق جراح وولى مغاور
أبو الفيض مار الجيش حولا محرما * وكان له جد من القوم مائر
قال ابن خالويه: العرب تدعو سيف الدولة أبا الفيض لفيضه عليهم
بالاحسان، وسرنا معه إلى ديار بكر سنة ٣٣٨ فأقام يمير الناس على طبقاتهم
مدة مقامه وكان جده أبو العباس حمدان بن حمدون مار الخليفة المعتضد
وحاشيته وقت اصعاده إلى حرب الطولونية اه قال:
و راحت على سمنين غارة خيله * وقد باكرت هنزيط منها بواكر
وهذا البيت لا يوجد في نسخ الديوان التي بأيدينا.
في معجم البلدان سمنين بضم أوله وكثيرا ما يروى بالفتح وسكون
ثانيه ونون مكسورة واخره نون أخرى بلد من ثغور الروم وهنزيط بكسر
الهاء وسكون النون وكسر الزاي من الثغور الرومية أيضا اه وذكرهما أبو
الطيب أيضا فقال يصف خيل سيف الدولة:
تراه كان الماء مر بجسمه * واقبل رأس وحده وتليل
وفي بطن هنزيط وسمنين للظبا * وصم القنا ممن أبدن بديل
قال:
بكم وبنا يا سيف دولة هاشم * تطول بنو أعمامنا وتفاخر
فانا وإياكم ذراها وهامها * إذ الناس أعناق لها وكراكر
ترى أيها لاقيته من بني أبي * له حالب لا يستفيق وجازر
وقال ابن خالويه في شرح ديوان أبي فراس: كثرت وقائع سيف
الدولة أبي الحسن علي بن عبد الله بن حمدان بن الحارث العدوي التغلبي
بالعرب في كل ارض فتجمعت نزاريها ويمانيها وتشاكت ما لحقها وتراسلت
وانفضت على الاجتماع بسلمية لمقاتلته ومناجزته وأوقعت بعامله بقنسرين
وهو الصباح عبد عمارة المخارقي دعي زيد بن جشم فقتلته فنهض سيف
الدولة ومعه ابن عمه أبو فراس حتى أوقع بهم وعليهم يومئذ الندى بن
جعفر ومحمد بن بزيع العقيليان من آل المهنا فهزمهم وقتل وجوههم
وسرواتهم واتبع فلهم وقدم أبا فراس في قطعة من الجيش فلم يزل يتبعهم
ويقتل وياسر حتى ألحقهم بالغور موضع بالشام فلم ينج منهم الا من سبق
به فرسه واتبعهم سيف الدولة حتى لحقهم بتدمر فهتكهم وأهلكهم قتلا
وعطشا وانكفا سائرا إلى بني نمير وهي بالجزيرة فوجدها قد أخذت المهل
ولحقته خاضعة ذليلة تعطي الرضا وتنزل على الحكم فصفح عنهم واحلهم
بالجزيرة. فقال أبو فراس يذكر الحال والمنازل ويصف مواقفه فيها:
أبت عبراته الا انسكابا * ونار ضلوعه الا التهابا
ومر أكثر هذه القصيدة في ترجمة أبي فراس.
وفي اليتيمة: حدثنا أبو عبد الله الحسين بن خالويه قال لما كانت
الشام بيد الاخشيد ابن محمد طغج سار إليها سيف الدولة فافتتحها وهزم
عساكره عن صفين فقال المتنبي:
يا سيف دولة ذي الجلال ومن له * خير الخلائف والأنام سمي
أو ما ترى صفين حين أتيتها * فانجاب عنها العسكر الغربي
فكانه جيش ابن حرب رعته * حتى كأنك يا علي علي
وقال أبو فراس من قصيدة طويلة وهي الرائية المشهورة:
اتى الشام لما استذأب البهم واغتدت * بها اذؤب البيداء وهي قساور
فثقف مناد وأصلح فاسد * وذلل جبار وأذعر ذاعر
وهذان البيتان لا يوجدان في نسخ الديوان التي بأيدينا.
وظهر في الغرب رجل من القرامطة يعرف بالمبرقع وافتتح مدائن
من أطراف الشام وأسر أبا وائل تغلب بن داود بن حمدان وهو خليفة سيف
الدولة على حمص وألزمه فداء نفسه بخيل ومال فاسرى سيف الدولة من
حلب حتى لحقه في اليوم الثالث بنواحي دمشق فقتله ووضع السيف في
أصحابه فلم ينج الا من سبق فرسه وعاد إلى حلب ومعه أبو وائل وبين يديه
رأس الخارجي على رمح، فقال أبو فراس يذكر ذلك:
وانقذ من مس الحديد وثقله * أبا وائل والدهر اجدع صاغر
وآب ورأس القرمطي أمامه * له جسد من أكعب الرمح ضامر
قال في اليتمية: وهذا من أحسن ما قيل في الرأس المصلوب على
الرمح. ومما فيه قول الآخر:
وعاد لكنه رأس بلا جسد * يمشي ولكن على ساق بلا قدم
إذا تراءى على الخطي أسفر في * حال العبوس لنا عن ثغر مبتسم
وهذه الواقعة هي التي يقول فيها أبو الطيب من قصيدة:
ولو كنت في غير أسر الهوى * ضمنت ضمان أبي وائل
قال ياقوت: قرأت في تاريخ ألفه أبو غالب بن المهذب المعري ان
سيف الدولة بن حمدان لما عبر الفرات سنة ٣٣٣ ليملك الشام تسامع به
الولاة فتلقوه من الفرات وكان فيهم أبو الفتح عثمان بن سعيد والي حلب
من قبل الاخشيد فلقيه من الفرات فأكرمه سيف الدولة واركبه معه وسايره
فجعل سيف الدولة كلما مر بقرية سأله عنها فيجيبه حتى مر بقرية فقال ما
اسم هذه القرية قال ابرم بكسر الهمزة وسكون الباء الموحدة وفتح الراء وميم
فسكت سيف الدولة وظن أنه أراد انه أبرمه واضجره بكثرة السؤال فلم
يسأله سيف الدولة بعد ذلك عن شئ حتى مر بعدة قرى فقال له أبو الفتح
يا سيدي وحق رأسك ان اسم تلك القرية ابرم فاسال من شئت عنها
فضحك سيف الدولة وأعجبته فطنته اه.
وفي خزانة الأدب كان سيف الدولة لا يملك نفسه وكان يأتيه علوي
من بعض جبال خراسان كل سنة فيعطيه رسما له جاريا على التأبيد فاتاه وهو
في بعض الثغور فقال للخازن اطلق له ما في الخزانة فبلغ أربعين ألف دينار
فشاطر الخازن وقبض عشرين ألف دينار إشفاقا من خلل يقع على عسكره
في الحرب.
وقيل إن سيف الدولة خرج يوما على جماعة فقال قد عملت بيتا وما
احسب أحدا يعمل بيتا آخر الا إن كان سيدي أبا فراس وانشدهم:
لك جسمي تعله * فدمي لم تطله
فقال أبو فراس:
انا ان كنت * مالكا فلي الامر كله
قال سامي الكيالي:
شخصية سيف الدولة
من البطولات الفذة التي كان لها شأنها الخطير في دفع الغزو البيزنطي
عن الأرض العربية بطولة سيف الدولة الحمداني، هذا القائد العربي
المغوار الذي وقف وحده في الميدان يحارب جيوش الإمبراطورية البيزنطية
الكبرى في فترة كانت الدولة العباسية قد تمزقت شذر مذر. وتهددتها
(٢٧٥)

الأطماع من كل طرف وأصبح الحكم بيد الاعراب، واخذت النزعة
الشعوبية تتحكم، وتعمل جهدها للقضاء على العنصر العربي.
في هذه الفترة العصيبة قام سيف الدولة وأسس الدولة الحمدانية في
حلب (١) واتخذ من قلعتها الحصينة معقلا ليرد الغزاة، ويصون ارض الوطن
العربي من الغزوات البيزنطية.
كان موقفه من الصعوبة بمكان أسس جيشا جعله عدته في الكفاح.
وكان همه قبل كل شئ ان يصد البيزنطيين عن التوغل في الأرض
العربية. فاستلم زمام المبادهة، ونقل الحرب إلى الأرض البيزنطية،
ونستطيع ان نقول إن الدور الخطير الذي لعبه عماد الدين زنكي ونور
الدين محمود، وبعدهما صلاح الدين في رد حملات الغزاة الأوروبيين الذين
تجلببوا في رداء الصليبيين قد لعبه قبلهم سيف الدولة في رد هجمات
البيزنطيين الذين كانوا يحملون باستعادة سيطرتهم على الشرق العربي بعد ان
لمسوا هذا التفكك المريع الذي عصف بالدولة العباسية، وانتهى بقيام
امارات هزيلة أخذت تتقاتل على عروش واهية.
نعم كانت مهمة سيف الدولة في غاية الخطورة، ولكنه كان من
أولئك الأفذاذ، الذين تتضاءل الاحداث امامهم مهما عصفت ومهما عظم
شأنها.
ولا نستغرب هذا من عربي يغلي دم العروبة في كل خالجة من خوالج
نفسه ونحن نعلم أن الحمدانين بطن من تغلب بن وائل من العدنانية اي
انهم يتحدرون من أصل عربي صميم، من العدنانية التي ولدت العربية في
كنفها.
لقد آلمه ان يصبح هذا الملك العريض الذي بناه الأجداد بيد المتغلبين
من غير العرب، وهو في طريقه لان يصبح بيد البيزنطيين فاقسم ان يبذل
الدم سخيا للحفاظ على ذياك المجد الأثيل.
خاض سيف الدولة مع البيزنطيين أكثر من أربعين معركة...
ووصلت طلائع جيشه إلى قلب الأناضول حتى كادت تصل إلى
استانبول... كانت معاركه وغزواته أناشيد في فم الشعراء.
ومن يرجع إلى قصائدهم التي تغنوا فيها ببطولاته يرى العجب، ما
كان شعر أكثرهم مدحا بقدر ما كان وصفا للمعارك. وشعر المديح أريد
مدح القادة الذين يخوضون غمار المعارك وهو لون من الشعر البطولي لأنه
يقص وقائع خاضها بطل.
وكان يروق لسيف الدولة ان يصطحب معه الشعراء ليروا بام أعينهم
المعارك، فإذا وصفوا، وصفوا واقع معاركه وحقيقة غزواته وبطولاته
ولم يهيموا في أودية الخيال.
وقصائد المتنبي أريد سيفياته التي جاوزت الثمانين قصيدة
ومقطوعة هي روائع الأدب العربي في تصوير معارك البطل الحمداني.
تسع سنوات كاملة والمتنبي لم يفارق سيف الدولة، ولا سيما في فترات
الجهاد التي مرت من أفق حياته، وكان لهذه الصحبة اثرها البليغ في صغره.
وقد ذهب الدكتور طه حسين إلى أن شعره في سيف الدولة ان لم يكن من
أجمل شعره وأروعه وأحقه بالبقاء فهو من أجمل الشعر العربي كله وأروعه
وأحقه بالبقاء.
وسر ذلك، كما أرى، ان المتنبي رافق سيف الدولة في بعض غزواته،
وشهد معاركه، فوصف البطولة العربية وصفا دقيقا لا تجده في شعر غيره
من الشعراء الذين وصفوا معاركه أو معارك غيره من القادة. ولا مجال هنا للمقارنة والإفاضة في هذا الموضوع الذي تقتضيه دراسة
واسعة.
هذا القائد البطل الذي رمى الدرب بالجرد الجياد إلى العدى كان
رمزا في المغامرة والشجاعة. والى هذا أشار المتنبي بقوله:
وقفت وما في الموت شك لواقف * كأنك في جفن الردى وهو نائم
تمر بك الأبطال كلمى هزيمة * ووجهك وضاح، وثغرك باسم
وقال:
فيوما بخيل تطرد الروم عنهم * ويوما بجود تطرد الفقر والجدبا
سراياك تترى والدمستق هارب * أصاحبه قتلى وأمواله نهبي
يقول شلمبرغر في كتابه عن القائد البيزنطي نيقفور فاكاس:
ان المتصفح لمقتطفات التاريخ البيزنطي في منتصف القرن العاشر،
ولاكثر من عشرين سنة، أي من سنة ٩٤٥ إلى سنة ٩٦٧ يجد اسما وحيدا
يطفو على كل صفحة من صفحات ذلك التاريخ كانسان قوي شجاع لا
يكل ولا يتعب وكان عدوا لدودا للإمبراطورية الرومانية، ذلك هو أمير
حلب سيف الدولة بن حمدان الذي كان قاسيا طموحا ولم يعبأ بأي الوسائل
في سبيل الحصول على الأموال للانفاق على جيوشه، وبالرغم من ذلك
فكان يتمتع بشجاعة فائقة لا يعرف الخور إليه سبيلا، كما كان يوصف بأنه
حامي الآداب والفنون.
هذا القائد الذي رفعت به العرب العماد لم تصرفه المعارك عن أن
يجعل من حلب بيئة خصبة للآداب والفنون، ولشتى أنواع الترف ومباهج
الحضارة.
فقد فتح قصره كما يذكر شلمبرغر أيضا لكل فنان، موهوب و
أديب فذ، فوفدوا عليه من جميع الأطراف، من العراق، من فارس، من
الشام، من بيزنطة، من البندقية وجنوى، وكان يستمع إلى الشعراء ويتحبب
إلى الكتاب والمصورين، ويمنح المؤرخين الشئ الكثير من عطاياه ومنحه
فيعود هؤلاء إلى بلادهم حاملين إلى شعوبهم صورة رائعة عن خلق الرجل
العالي وشخصيته العجيبة.
هذه الرواية الأجنبية التي تتسم بالصدق تقابلها الرواية العربية على
لسان الكثير ممن عاصروه وفي طليعتهم الثعالبي حين قال: إنه
لم يجتمع قط بباب أحد من الملوك ما اجتمع ببابه من شيوخ
الشعر ونجوم الدهر.
وكما اعتنى بكل ما يضفي على عاصمته أبهى مظاهر الحضارة، كان
قصره روعة في الفن والبناء، فقد جاء بأحذق المهندسين وأمهر المصورين،

(١) قامت للحمدانيين أول الأمر دولة في الموصل برئاسة ناصر الدولة أخي سيف الدولة، فطلب
سيف الدولة من أخيه ان يمده بالمال والرجال ليستقر في بلاد الشام فأجابه بعد تردد، فاتجه
إلى حلب التي كانت بيد عامل الاخشيد صاحب مصر فتغلب عليها ثم انتصر على
الأخشيدين في حمص. وتكررت المعارك. وبعد ذلك دخل سيف الدولة دمشق ثم خرج
عنها.
(٢٧٦)

وأبرع البنائين، والنجارين، يعنون ببناء وفرش هذا القصر على أفخم
طراز، أبدع ما تضمنه أباطرة الرومان.
وصف المستشرق دايفس القصر في قصته عن سيف الدولة بقوله:
وعند ما افتتحت أبواب القصر للمرة الأولى كان ذلك مثار الدهشة
والاعجاب، لأن الأبواب كانت من البرونز النحاسي نقشت عليها ألوف
التصاوير المستغربة الجميلة، وهي تدور على قواعد من الزجاج، وإذا تدخل
الباب تواجهك قاعات متتابعة ملأى بالأعمدة المرمرية المزركشة الموشاة
بالذهب والفضة، وقد جعل الرسامون رسم الزهور في أواسط القبب
العالية حيث حفروا بين جهة وأخرى آيات من كتاب الله الكريم بأحرف
كوفية جميلة، وأبيات مختارة لأعاظم الشعراء بأحرف فارسية فتانة.
وكان للقاعة الكبرى خمس قبب بلون اللازورد يحملها ١٤٢ عمودا
من المرمر المزركش بالفضة والذهب، تنيرها ألوف النوافذ الزجاجية الملونة
وفي وسط كل عمود خرجت زهريات ملأى بالزهور والنباتات.
أين هذا القصر؟ وهل بقي شئ من معالمه؟
من المؤسف، والا لم يجز في نفوسنا ان نقول: لا، فقد كانت طبيعة
الحروب في تلك الفترات، وكما هي دائما الحرق والتدمير، وكان من نتيجة
تلك الغزوات والحروب، ان خسرت حلب أعظم اثر تاريخي يرمز إلى جمال
الفن العربي المزيج من الفن البيزنطي، كما يرمز إلى نزعة الروح الفنية
التي كانت تخالج نفس هذا الأمير العربي الذي استطاع في الفترة القصيرة
التي عاشها في حلب ان يجعل لمملكته ذكرا كاد يضفي على الكثير من
الممالك الكبرى.
لقد استطاع هذا البطل العربي، بالرغم من الحروب الداخلية التي
شنها عليه الأخشيديون وبالرغم من الفتن التي اثارها رجال القبائل،
وبالرغم من دخول البيزنطيين حلب أكثر من مرة بعد ان أعدوا جيشا
ضخما بلغ تعداده المائتي ألف مقاتل بغية استعادة سيطرتهم على الوطن
العربي، وان يصون الشام من غزوهم، والى هذا أشار المتنبي حين اعتبر
حروبه مع البيزنطيين ليست لحماية حلب وحماية بلاد الشام فقط، بل
لحماية مصر والعراق.
ليس أأرباب يا علي همام * سيفه دون عرضه مسلول
كيف لا يا من العراق ومصر * وسراياك دونها والخيول
لو تحرفت عن طريق الأعادي * ربط السدر خيلهم والنخيل
ودرى من اعزه النفع عنه * فيهما انه الحقير الذليل
أنت طول الحياة للروم غار * فمتى الوعد ان يكون القفول
وسوى الروم خلف ظهرك روم * فعلى أي جانيك تميل
قعد الناس كلهم عن مساعيك * وقامت بها القنا والنصول
ما الذي عنده تدار المنايا * كالذي عنده تدار الشمول
وهكذا، فقد كان يحارب وحده، وظل في صراع مرير حتى مات.
وقال أديب التقي:
المتنبي وسيف الدولة
في يوم من الأيام الضاحكة من سنة ٣٣٧ للهجرة، وفي دار من أعز
دور أنطاكية أهلا ورحابا، وأعلاها في المكارم والمحامد بابا، احتشد حفل
من علية الناس، وكبراء القوم... وتلاقى في هذا الحفل على بساط واحد
عمائم الفقهاء والعلماء، وقلانس البطاركة والمطارين وخوذ الشجعان
والفرسان... وزخرت الردهة الكبرى في الدار بمختلف أصحاب المقامات
الضخمة من رجال السياسة والزعامة وأكابر القادة وذوي الوجاهة
والنباهة.
هذه الدار هي دار الأمير أبي العشائر الحمداني الأمير الشاب الذي
كان كغيره من امراء البيت الحمداني علما من اعلام الفروسية والأدب،
وبطلا من ابطال السيف والقلم. وكانت ضفاف العاصي في أنطاكية،
والطرق المؤدية إلى الدار تنتغش بالمارة والنظارة الذين سدوا المنافذ ليشرفوا
على الغادي والرائح بين الجماعات التي تغشى الدار والوفود التي تقصد
إليها.
ويظهر ان أنطاكية التي تعودت ان تشهد بين حين وآخر أمثال هذه
الاحتشادات والتجمعات وألفت تلك الدار ان تضم ردعتها هؤلاء الاجلاء
من الناس للاحتفاء برجل الدولة الحمدانية الكبير وبطل العروبة الفذ
الأمير سيف الدولة.
وكان يعقل النظر في هذا المجتمع شاب حذر اللفتات، حاد
النظرات، ما تكاد تستقر حدقة عينيه، ولا تقف لحظاته وتاملاته. هذا
الشاب كان غريبا عن أنطاكية واهليها، غريبا عن كل شئ فيها، هو احمد
ابن الحسين أبو الطيب المتنبي. وربما كان مجلسه القريب من الأمير أبي
العشائر والي أنطاكية، والأمير الكبير سيف الدولة هو تعزيته عن وحدته
وتسليته عن كربته، فيبدد من كآبة غربته وكمدة وحشته فتبدو بين فترة
واخرى على وجهه ابتسامات الجذل وامارات الاغتباط وكان الأمير الكبير
يبادله نظرات الاعجاب والاكبار، ويلحظ كل منهما الآخر لحظات تستثير
الذكريات وتعود بهما إلى الماضي غير البعيد عندما تعارف الوجهان لأول مرة
وتمازج القلبان للنظرة الأولى. لقد كانت أنطاكية سنة ٣٣٧ للهجرة موثقة
بين هذين القلبين، علائق رأس عين سنة ٣٢١ وكان هذا الاجتماع
محققا للأهداف والآمال التي جاءت وليدة ذلك التلاقي ونتيجة هذا الاتصال
نعم لقد التقى المتنبي بسيف الدولة سنة ٣٢١ في رأس عين وكان من
ثمرات هذا الالتقاء أول قصيدة مدح فيها المتنبي سيف الدولة وهي
القصيدة التي أولها:
ذكر الصبا ومراتع الارام * جلبت حمامي قبل وقت حمامي
وقد ذكر فيها ايقاعه بعمرو ابن حابس وبني ضبة سنة ٣٢١ للهجرة.
وفي هذا الاجتماع الثاني جدد التعارف بينهما الأمير أبو العشائر، وجاءت
ثمرة هذين الاجتماعين عظيمة وجد عظيمة في تاريخ سيف الدولة الأدبي
والسياسي والحربي، ومؤثرة جد مؤثرة في خلود البطلين بطل العلياء
والهيجاء علي بن حمدان وبطل الأدباء والشعراء أحمد بن الحسين. وظل
سيف الدولة بأنطاكية أشهرا من هذه السنة وأبو الطيب معه لا يفارقه وفي
هذه المدة استطاع كل منهما ان ينفذ إلى روح الآخر، ويقف على دخائله،
وكان لهذا الاتصال روعة واثر عميق في نفس المتنبي دل عليهما قوله في أول
قصيدة انشدها بهذا اللقاء:
سلكت صروف الدهر حتى لقيته * على ظهر عزم مؤيدات قوائمه
فأبصرت بدرا لا يرى البدر مثله * وخاطبت بحرا لا يرى العبر عائمه
(٢٧٧)

غضبت له لما رأيت صفاته * بلا واصف والشعر تهذي طماطمه
لقد سل سيف الدولة المجد معلما * فلا المجد مخيفة ولا الضرب ثالمه
أما الرواية التي يؤخذ منها ان المتنبي اشترط على سيف الدولة حينما
لقيه في أنطاكية ان لا ينشده الا وهو قاعد، وان لا يكلف تقبيل الأرض بين
يديه فهي رواية لا يرتاح إليها الباحثون، ولا يطمئن لها العارفون حقيقة
سيف الدولة، والمتنبي يومئذ لم يكن مشهورا شهرته بعد اتصاله بسيف
الدولة ولم يكن نفخ في انفه بعد كبر العظمة والغرور.
وإذا كان من المقرر ان البيئة شديدة التأثير في الشاعر وان الشاعر
متأثر ببيئته لا محالة فان البيئة الجديدة التي صار إليها المتنبي في ظلال سيف
الدولة كانت خصيبة وجد خصيبة على أدب أبي الطيب وشعره، وقد ظهرت
اثارها في جميع أنماط شعره الذي قاله مدة ملازمته سيف الدولة وبعد
مفارقته إياه.
وخصائص سيف الدولة الأدبية العظيمة، من عمق المعرفة، وطول
الباع في الأدب ونقده، وسمو المنزلة مع نفاذ النظر، كل ذلك كان حافزا
للمتنبي ان يجود فيما يقول لعلمه انه سيعرضه على الصيقل. وكان من ذلك
أيضا الحياة الوارفة الظلال، الرافهة، الهانئة التي اتصل بها أبو الطيب بعد
ذلك القلق المساور وضربه في اجواز الفلوات ومغامرته في البلدان
يقولون لي ما أنت في كل بلدة وما تبتغي، ما ابتغي جل ان يسمى
لقد وصل المتنبي أو كاد إلى هذا الذي قال إنه جل ان يسمى
وبلغ ان يتعاظم على الكبراء والامراء في مجالس الملوك وكاد يقول ما قاله
الأخطل من قبل لعبد الملك بن مروان:
خرجت اجر الذيل حتى كأنني * عليك أمير المؤمنين أمير
وإذا أضيف إلى هذا علو ثقافة سيف الدولة وان حلب كانت في عصر
سيف الدولة عاصمة للعلم والأدب ومركزا لاثرى المكاتب لا سيما مكتبة
الأمير سيف الدولة العظيمة التي كان الإخوان الخالديان قيمين عليها نعلم
مقدار ما استطاعت اقتباسه ثقافة المتنبي البدوية الجافة من ثقافة سيف الدولة
العلمية الأدبية الناضرة.
ويلاحظ بعض الذين كتبوا في المتنبي من المتأخرين ان وشائج المحبة
والولاء بين هذين الرجلين الفذين سيف الدولة والمتنبي لم تكن قائمة على
الروابط الأدبية فقط بل إن هذه الوشائج كانت تتصل بالنواحي السياسية
ووحدة الاتجاه فيها، فكلا الرجلين كانا يتعاونان على انفاذ برنامج واحد هو
اعلاء شأن العروبة والعمل للمجد العربي في عصر سيطرت فيه الأعاجم
وكاد يذوب العربي في السلطات الغربية عنه... وكانت هذه الناحية من
أدق البواعث لسيف الدولة في تقريب المتنبي وتفضيله على غيره ممن يمت
إليه من أركان الدولة ورجالات العلم والأدب حتى اسمى الناس قربى
لديه. وهو القائل يوم اتصاله بأبي العشائر تحقيقا لغرضه:
فسرت إليك في طلب المعالي * وسار سواي في طلب المعاش
هذه الادعاءات التي ادعيناها نحن وغيرنا للمتنبي وادعاها هو لنفسه
من بغضه الأعاجم وحبه توحيد المساعي مع الامراء العرب لجعل كلمة
العرب العليا وتخليصهم من المتسلطين عليهم وليسوا منهم ربما نقضها ما
أشهدناه من المتنبي بعد خروجه من حلب وقصده كافورا في مصر ومدحه
إياه أجل المديح وهو غير عربي ثم قصده إلى ابن العميد في أرجان، ثم
عضد الدولة البويهي في شيراز وكلاهما من الأعاجم الذين زخر شعر المتنبي
في النقمة عليهم والغض منهم. ولعل كل هذا صورة عن حيرة المتنبي وقلقه
النفساني، ثم لعله تأييدا لما ذهب إليه آخرون من أن المتنبي كغيره من
شعراء عصره لم يكن يبالي بغير جمع المال والحصول عليه من أي طريق جاء
وبآية وسيلة حصل. وربما يعتذر المتنبي عن ذلك بأنه لم يكن مخلصا في
مدحه لهؤلاء وانما تكلف ذلك تكلفا، وانه لم يقصد شيراز إلى عضد الدولة
الا بعد تلكؤ وتثاقل وبعد الحاح ابن العميد عليه ولما استنشد الشعر في أول
ملاقاته تعاظم وانشد من قصيدته التي قالها بعد خروجه من مصر:
فلما انحنا ركزنا الرماح * بين مكارمنا والعلى
وبتنا نقبل أسيافنا * ونمسحها من دماء العدى
لتعلم مصر ومن بالعراق * ومن بالعواصم اني الفتى
واني وفيت واني أبيت * واني عتوت على من عتا
حتى قال عضد الدولة هونا. يتهددنا المتنبي ثم هو لما أنشده
قصيدته قال في مستهلها:
ولكن الفتى العربي فيها * غريب الوجه واليد واللسان
ملاعب جنة لو سار فيها * سليمان لسار بترجمان
ومن بالشعب أحوج من حمام * إذا غنى وناح إلى البيان
وقد أشار عضد الدولة إلى موقف المتنبي هذا فقال: ان المتنبي كان
جيد شعره بالغرب يريد سيف الدولة. ولما وصل هذا إلى المتنبي قال
الشعر على قدر البقاع. وإذا مدح المتنبي كافورا أو ابن بويه بعد مدحه
ابن حمدان فليس انصافا ان يتخذ ذلك طريقا إلى الشك في اخلاص المتنبي
لسيف الدولة وشدة ولائه ومحبته له، فكذب الشاعر في شئ لا يستلزم
كذبه في غيره وخاصة إذا راعينا ظروف المتنبي ولاء منا بينها وبين نفسه
وغرائزه.
وكانت عطايا سيف الدولة للمتنبي عظيمة ذكر صاحب خزانة
الأدب ان ما ناله المتنبي من سيف الدولة في أربع سنين بلغ خمسة
وثلاثين ألف دينار، وكان يعطيه في كل سنة ثلاثة آلاف دينار على ثلاث
قصائد ما عدا العطايا الخاصة. أ فلا يحق للمتنبي بعده هذا أن يقول في
سيف الدولة:
أسير إلى اقطاعه في ثيابه على طرفه من داره بحسامه
وهو الذي كان قبل اتصاله به يتعثر بأذيال الفقر والخساسة ويضرب
في الآفاق من أجل دينار راكبا فعليه وممتطيا قدميه. وبنو حمدان كما قال
الثعالبي في اليتيمة كانوا ملوكا وجوههم للصباحة وعقولهم للرجاحة
وأيديهم للسماحة وألسنتهم للفصاحة. وغير مستنكران يجد المتنبي في هذه
الوجوه الصبيحة ما يصرفه عن وجوه الغيد، وفي تلك الألسنة الفصيحة ما
يكسو به شعره من وشي وانماط، وفي تلك العقول الرجيحة ما يقبس منه
مصباحه العقلي الذي أضاء له السبيل إلى رائع حكمته وبليغ فلسفته. إما
السماحة التي وجدها بقربهم فهي التي صيرته يقول من بعد:
تركت السرى خلفي لمن قل ماله * وانعلت أفراسي بنعماك عسجدا
لازم المتنبي سيف الدولة تسع سنوات أتحفت الأدب العربي بأروع ما
يتحف به شاعر، وضمت إلى قائمة فحول شعراء العربية شاعرا عقمت
العربية إلى اليوم ان تلد مثله، وعطف الأمير العربي الكبير على الشاعر
(٢٧٨)

العربي الكبير، واعجب بمزاياه وبشعره أيما اعجاب وأدناه وقربه إليه وأغدق
عليه فأجاد هذا الهدايا والمواهب وأجاد ذلك صوع الفرائد والقلائد. وكان
بلاط سيف الدولة كبلاط لويس الرابع عشر في فرنسا أشبه بمجمع علمي
يضم الشاعر والناثر واللغوي والفقيه والعالم والأديب والفيلسوف والطبيب
حتى كان يلتقي على مائدته أربعة وعشرون طبيبا، من حذق منهم علما
واحدا كان له رزق واحد ومن حذق منهم علمين فله رزقان، وفيه خيرة من
أنبتته العروبة والاسلام من رجالات العلم واعلام الأدب كالفارابي
والصنوبري وأبي علي الفارسي وابن نباته السعدي وأبي الفرج الأصفهاني
وابن خالويه والأمير أبي فراس والرفاء والنامي وكثير غير هؤلاء. فلا غرابة
إذا كثر حساد المتنبي ومناوئوه في البلاط وخاصة إذا لوحظ ما كان عليه
المتنبي من الطبع القوي وخلق التعاظم والعجرفة. وليس من الإنصاف ان
نقول إن الحسد وحده كان السبب في عداوة الناس له، بل إن الرجل كان
على جانب عظيم من غلظة الطبع والتعرض لعداوة الناس وقد اتصلت
غلظة طبعه هذه بتعاظمه وترفعه على الناس بتأزر الخلقان على خلق
الكراهية له في نفوس عارفيه ومعاشريه، أ لم يقل:
أمط عنك تشبيهي بما وكأنما * فما أحد فوقي ولا أحد مثلي
سيعلم الجمع ممن ضم مجلسنا * بأنني خير من تسعى به قدم
وكيف لا يحسد امرؤ علم * له على كل هامة قدم
وهذا الطبع صحبه في جميع المواطن فاوجد له من الخصوم أمثال
ابن كروس عند بدر بن عمار والأمير أبي فراس الحمداني و
ابن خالويه وغيرهما عند سيف الدولة والوزير ابن حنزابه عند
كافور والحاتمي واضرابهما في بغداد.
وقد ضايق هؤلاء الخصوم والحساد المتنبي في البلاط الحمداني
واستطاعوا ان يوغروا صدر الأمير الكبير عليه وتبرم المتنبي بهؤلاء الخصوم
والحساد وهدد وعرض:
أبا الجود اعط الناس ما أنت مالك * ولا تعطين الناس ما انا قائل
أ في كل يوم تحت ضبني شويعر * ضعيف يقاويني قصير يطاول
بأي لفظ تقول الشعر زعنفة * تجوز عندك لا عرب ولا عجم
وليس من السهل ان يحف الشاعر في حضرة من ينشده بفئة كبيرة من
حاسديه وماقتيه يرمقونه شزرا ويعيبونه كيف قال وكيف نطق. ان صمود
المتنبي لخصومه هؤلاء في مجلس سيف الدولة عند انشاده إياه قصيدته
واحر قلباه ممن قلبه شبم وشدة معارضة أبي فراس له وتعييبه ونقده
وتوجيه الإهانات له كل ذلك لمما يصدع قلب الأسد ويفت في العزيمة ويفلج
المقاومة والمغالبة وإذا أضيف إلى ذلك انقلاب سيف الدولة أيضا على الشاعر
ومجاراته للخصوم في ذلك المجلس حتى ضرب الشاعر بالدواة التي بين يديه
على مرأى ومسمع من هؤلاء الخصوم، عرفنا قوة ذلك القلب الذي يحمله
المتنبي وشدة جلادته على الصدمة ومثل هذه الصدمات تحل العزائم وتخرس
الألسنة وتفقد الرشد. ولم يبق امام المتنبي بعد هذا غير الخروج من حلب
ومفارقة سيف الدولة فراق الوامق المغلوب المخذول...
وقد يظن أن الأمير أبا فراس حين كان يوغر صدر سيف الدولة على
المتنبي ويغريه بقطع عطاياه عنه وتوزيعها على غيره من الشعراء يعد ذلك
حسدا من الأمير لأبي فراس. والواقع ان أبا فراس في منزلة من الشعر
والأدب والقربى من سيف الدولة لا يدانيه فيها المتنبي ولا غيره، حتى قالوا إن
المتنبي كان يتهيب انشاد الشعر في حضرة أبي فراس الدولة يدعوه في
أكثر الأحيان الا سيدي، ولم يكن البلاط الحمداني وغيره ينظر إلى شعر
أبي فراس بأقل من نظره إلى شعر أبي الطيب. وأبو فراس من رجال
الحمدانيين المغاوير ومن ابطال سيف الدولة الأفذاذ، بل هو دعامة عظيمة
من دعائم الدولة الحمدانية ولم يقرب من سيف الدولة قربه أحد، ورجل
مثل هذا لا يكون حاسدا وانما يكون محسدا. وفيه وفي امرئ القيس قالوا
بدئ الشعر بملك وختم بملك. وانما كان ذلك حملة موجهة إلى شخصية
المتنبي وما يلازم هذه الشخصية من عجرفة وكبرياء وتعاظم حتى في مجلس
سيف الدولة وحتى على سيف الدولة نفسه وبني أعمامه وأبو فراس في موقفه
ذلك ماقت ناقد وليس بحاسد.
فارق المتنبي سيف الدولة أسفا نادما يلتفت إلى أمامه لفتة والى خلفه
لفتات وهو الذي يقول في هذا الفراق:
ولله سيرى ما أقل تئية * عشية شرقي الحدالى وغرب
عشية أحفى الناس بي من جفوته * واهدى الطريقين التي أتجنب
أ ليس في قوله ومن جفوته اعتراف بأنه البادئ في الجفاء وانه هو
مصدر هذا التباعد لسيف الدولة ثم أ ليس فيه الصراحة الكافية الدالة على أنه
خلف الأمل والرجاء وراءه واستقبل الخيبة والياس أمامه:
يا من يعز علينا ان نفارقهم * وجداننا كل شئ بعدكم عدم
نعم لقد كان وجدانه كل شئ عدما بعد سيف الدولة، فارقه وهو لا
يريد فراقه ونزح وهو لا يرغب في هذا النزوح. وقد ذكر أحد الفضلاء من
الأدباء المعاصرين ان فراق المتنبي لسيف الدولة لم يكن منشؤه ما وقع
للمتنبي من كيد حساده له وتغير قلب سيف الدولة عليه، وانما كان ذلك
منبعثا عن حبه خولة أخت سيف الدولة ومعرفة بعض امراء البيت
الحمداني بذلك حتى قاموا يناوئونه تلك المناوءة ويستثيرون عليه سيف
الدولة. وهذا خلاف ما ذهب إليه جميع الذين ترجموا المتنبي وهي دعوى ما
تزال تفتقر إلى عناصر تحقيقه وأدلة أقوى من الأدلة التي اعتمدها الكاتب،
وألبت فيها على هذا النحو، والحال كما ذكرنا، مجازفة قولية لا تقوم على
أساس. والمتنبي من أصلب الناس عودا وأغلظهم كبدا في قضايا الحب
ومشاكل الغرام.
وقد انبترت الصلات بين المتنبي وسيف الدولة بعد حلب سوى ما
كان من انفاذ سيف الدولة ابنه من حلب إلى المتنبي في الكوفة، بعد خروجه
من مصر يدعوه إلى حلب وانفاذ المتنبي قصيدته مالنا كلنا جو يا رسول
إليه سنة ٣٥٢، ثم انفاذه إليه قصيدته يا أخت خير أخ يا بنت خير
أب يعزيه بخولة أخته، ثم كتابة سيف الدولة إليه وجواب المتنبي على
هذا الكتاب أواخر سنة ٣٥٣ بقصيدته فهمت الكتاب أبر الكتب
والقصائد الثلاث هذه تكشف عن عاطفة متأججة في المتنبي نحو سيف
الدولة لم تقو عوامل التشرد الشديدة وقسوة الظروف التي مرت على المتنبي
ان تطفئ من جمرتها أو تخمد من جذوتها. وقد جاء في الأولى:
كلما رحبت بنا الروض قلنا * حلب قصدنا وأنت السبيل
فيك مرعى جيادنا والمطايا * واليها وجيفنا والذميل
والمسمون بالأمير كثير * والأمير الذي بها المأمول
الذي زلت عنه شرقا وغربا * ونداه مقابلي ما يزول
(٢٧٩)

ومعي أينما سلكت كأني * كل وجه له بوجهي كفيل
ومما جاء في الثالثة:
وما لاقني بلد بعدكم * ولا اعتضت من رب نعماي رب
ومن ركب الثور بعد الجوا * د أنكر أظلافه والغبب
وما قست كل ملوك البلاد * فدع ذكر بعض بمن في حلب
ولو كنت سميتهم باسمه * لكان الحديد وكانوا الخشب
أ في الرأي يشبه أم في السخاء * أم في الشجاعة أم في الأدب
ليلاحظ قوله: والمسمون بالأمير كثير والأمير الذي بها المأمول
وقوله ونداه مقابلي ما يزول وقوله وما اعتضت عن رب نعماي رب
كيف جعله المأمول دون كل من تسمى أميرا، وعده رب نعماه، وكيف جعل
الملوك من الخشب وجعله من الحديد وهم لا يشبهونه سخاء ولا شجاعة ولا
أدبا، ثم اعتذاره عما خلعه على غيره من الملوك والألقاب والنعوت وقوله
ولو كنت سميتهم باسمه لكان الحديد وكانوا الخشب كل هذا يؤيد ما
قاله، حينما سئل عن تراجع شعره بعد مفارقته سيف الدولة: قد تجوزت
في قولي وأعفيت طبعي، واغتنمت الراحة منذ فارقت آل حمدان.
وكان شعر المتنبي قد لازم سيف الدولة مدة من ٣٣٧ ٣٤٦ ممثلا
عظمة الأمير الحمداني الكبير وحروبه ووقائعه. وقد تعمد المتنبي ان يضع
لأمير في أعلى منزلة يستطيع التحليق فيها شعر الشاعر وخياله، وبلغ ما
قاله ثلث شعره، ولم يجئ شعره فيه من نوع ذلك الشعر الذي تلوكه ألسنة
الشعراء في الممدوحين ولا صله له بقلوبهم وعواطفهم فأبو الطيب نظم ما
نظم في سيف الدولة وهو في ذلك انما يترجم عن قلبه وينحت من عاطفته
وصدق ايمانه فيه. وقد دام هذا الاخلاص حتى في أيام التشرد التي قضاها
المتنبي في مصر والعراق أ لم يقل في مصر:
فارقتكم فإذا ما كان عندكم * قبل الفراق اذى بعد الفراق يد
إذا تذكرت ما بيني وبينكم * أعان قلبي على الشوق الذي أجد
وقال في القصيدة التي أنفذها إليه من الكوفة:
لست أرضى بان تكون جوادا * وزماني بان أراك بخيل
نغص البعد عنك قرب العطايا * مرتعي مخصب وجسمي هزيل
ان تبوأت غير دنياي دارا * واتاني نيل فأنت المنيل
وقال في قصيدته الثانية التي أنفذها من الكوفة أيضا:
واني لاتبع تذكاره * صلات الاله وسقي السحب
وأثنى عليه بآلائه * وأقرب منه نأى أو قرب
وان فارقتني امطاره * فأكثر غدرانها ما نضب
وربما كان موضع ملاحظة ترك المتنبي خلفاء بني العباس ومدحهم
والانصراف عنهم إلى الحمدانيين. والحق ان المتنبي لم يجد في البلاط
العباسي يومئذ ما يحقق أهدافه ومن هذه الاهداف رؤيته العنصر العربي
مسيطرا عزيز الوجه والنفس واللسان. وهذا الهدف تحقق في البلاط
الحمداني في قرب أعز العرب دارا وزمانا وسلطانا الأمير سيف الدولة. وقد
روي أن أبا سعيد المجيمري عذله على تركه لقاء الملوك وامتداحهم فقال
له:
أبا سعيد جنب العتابا * فرب رأي أخطأ الصوابا
فإنهم قد أكثروا الحجابا * واستوقفوا لردنا البوابا
وان حد الصارم القرضابا * والذابلات السمر والعرابا
ترفع فيما بيننا الحجابا
وقال في قصيدة له أيضا يعرض بهؤلاء الملوك المستضعفين:
أ يملك الملك والأسياف ظامئة * والطير جائعة، لحم على وضم
من لو رآني ماء مات من ظما * ولو عرضت له في النوم لم ينم
وقد شغف المتنبي كل الشغف بتصوير وقائع سيف الدولة وألهاه ذلك
لا بل صرفه عن الفن الحضري الذي يتناول الحياة الاجتماعية من شتى
وجوهها فيصفها أدق وصف. ومثل هذا النمط من الوصف تجده في شعر
شعراء الحضر مثل البحتري وابن الرومي وغيرهما من وصف القصور
والبرك ومجالس اللهو والقيان وشبيهه. إما المتنبي فيتعذر وجود شئ من
ذلك في شعره كان لم يكن في عهد سيف الدولة صور اجتماعية جديرة بقلم
المتنبي الشعري وان يتناولها بوصف أو ذكر. والحقيقة ان الرجل انصرف
إلى ما تتوق إليه نفسه من الشعر وما يلائم طبعه من وصف المعارك والجيش
ووصف القتال وساحات القتال، وغير هذا الوصف انما جاء في شعر المتنبي
عرضا وعلى وجه الاقلال.
وقد نشأ المتنبي في عصر يشبه عصر الفتوة في أوروبا فلا غرابة إذا
رأيناه ينشط لأعمال الفروسية ويرتاح لمغامرات الشباب ويقبل على الأخذ
بأساليب الترويض الذي اراده عليه سيف الدولة وهو لم يكن في أول اتصاله
بسيف الدولة من الشجاعة في المكان الذي وضعه فيه المغالون وانما قويت
فيه ملكات هذه الشجاعة بعد اتصاله بسيف الدولة وما روضه عليه من
أفانينه حتى قطع من بعد صحراء التيه وفدافد البادية وحده، وأبى ان يسير
بغير خفارة سيفه من واسط إلى بغداد، وإذا أكسبته صحبة سيف الدولة العز
والمال وقوة الشعر فهي أيضا قد أكسبته هذه الشجاعة وعلمته الجرأة
وحببت إليه مواقف البطولة.
وقد حققت له صحبة سيف الدولة فكرته حينما قيل له وهو في المكتب
ما أحسن وفرتك فقال:
لا تحسن الوفرة حتى ترى * منشورة الضفرين يوم القتال
على فتى معتقل صعدة * يعلها من كل وافي السبال
فقد رافق سيف الدولة في كثير من حروبه وغزواته، وانتشر ضفر
الوفرة كما نعلم، واعتقل الصعدة... واعلها كما شاء من كل وافي السبال.
وكان يقال إن المتنبي خلق سيف الدولة بمدائحه كما خلق كافور
بهجائه، وقد وهم هؤلاء القائلون... ولو شاؤوا لعرفوا ان سيف الدولة هو
الذي خلق المتنبي ولولاه لكان كغيره من شعراء عصره، ولما كان تغذى
شعره وعبقريته بتلك الروائع من مقلدات المعاني التي خلعتها عليه نفس
سيف الدولة، ووقائعه وأهدافه. وهذا ليس بضائر أن تكون قصائد المتنبي
في سيف الدولة هي التي خلدت وقائعه ونقلتها إلى الأجيال صورا ومرائي
تعكس إلى الأحفاد عظمة الأجداد وتصور لهم طموحهم وشممهم وما بلغوه
من عز وكرامة ورفعة واستعلاء. وهذه القصائد كانت وما زالت من عهد
سيف الدولة إلى اليوم من أقوى العناصر التي غذت أدبنا العربي. ومن
أروع الألواح الشعرية التي تباهي بها العربية والعروبة. وهي أيضا من
أجل الوثائق وأصدقها على نهضة العلم والأدب العظمى التي قامت على
(٢٨٠)

مزايا سيف الدولة وأياديه، فبينما كان يدفع عادية الروم عن بلاد الشام بيد
كان يرفع لواء النهضة العلمية والأدبية فيها بيد أخرى، وهو الذي جمع مما
كان يعلق بثيابه من غبار الوقائع والمعامع التي خاضها بنفسه مقدار لبنة
واوصى ان توضع تحت رأسه في قبره، وبلغ خلق التضحية الحربية فيه ان
قال فيه المتنبي:
الجيش جيشك غير انك جيشه * في قلبه ويمنه وشماله
كل يريد رجاله لحياته * يا من يريد حياته لرجاله
وفي دائرة المعارف الاسلامية، ان الفضل الذي احرزه سيف
الدولة بن حمدان في نشر العلوم والآداب العربية هو عنوان مجد لا يقل عن
أعماله الحربية. ولولا سيف الدولة لعاد إلى الروم سلطانهم في الشام.
تلقيبه سيف الدولة
لما استولى البريدي على بغداد هرب منها المتقي هو وابنه أبو منصور
ولحق بهما ابن رائق في جيشه فساروا جميعا نحو الموصل ولقيهما سيف الدولة
فخدم المتقي خدمة عظيمة ثم انحدر اخوه ناصر الدولة الحسين بن
عبد الله بن حمدان إلى المتقي فخلع عليه ولقبه ناصر الدولة وخلع على أخيه
أبي الحسين علي ولقبه سيف الدولة ومن ذلك اليوم عرفا بهذين اللقبين ثم
انحدر إلى بغداد ومعه ناصر الدولة واخوه سيف الدولة فدخل المتقي بغداد
ومعه بنو حمدان في جيوش كثيرة والى ذلك أشار أبو فراس بقوله:
ففينا لدين الله عز ومنعة * ومنا لدين الله سيف وناصر
في أبيات ذكرناها مع تفصيل ذلك في ترجمة ناصر الدولة الحسين بن
عبد الله.
من شعره
قوله:
حب علي ابن أبي طالب * للناس مقياس معيار
يخرج ما في أصلهم مثلما * يخرج غش الذهب النار
وقال في قوس قزح:
وساق صبيح للصبوح دعوته * فقام وفي اجفانه سنة الغمض
يطوف بكاسات العقار كأنجم * فمن بين منقض علينا ومنفض
وقد نشرت أيدي الجنوب مطارفا * على الجود كنا والحواشي على الأرض
يطرزها قوس السحاب بأصفر * على احمر في أخضر اثر مبيض
كأذيال خود أقبلت في غلائل * مصبغة والبعض اقصر من بعض
وقال:
مقيم على هجري كأني مذنب * فما تنفع الشكوى إليه ولا العتب
تجنى على الذنب ذنبه * وعاتبني ظلما وفي شقه العتب
واعرض لما صار قلبي بكفه * فهلا جفاني حين كان لي القلب
إذا برم المولى بخدمة عبده * تجنى له ذنبا وان لم يكن ذنب
وقال:
اقبله على جزع * كشرب الطائر الفزع
رأى ماء فاطمعه * وخاف عواقب الطمع
فصادف خلسة فدنا * ولم يلتذ بالجرع
السيد علي بن عبد الله الحسيني البحراني
هذا سيد ورد علينا من النجف وهو من سادات البحرين وأهل
الشرف له مشعر يضاهي الشعري العبور ويشبه قلائد الدر في النحور فمما
اختاره من نظمه هذه القصيدة يمدح بها الشيخ درويش بن إبراهيم
الكعبي:
مطية عزمي ما لغيرك قد سرت * ولا قطعت جوز الفلاة ولا جرت
ولا رفعت أخفافها في مفازة * إلى السير الا ظلكم قد تخيرت
لعرفانها قصدي فصارت مجدة * بقطع الفيافي كالسهام إذا سرت
ولو انني كلفتها قصد معشر * سواك لكلت بالمسير وقصرت
وكم مرة خاطبتها وهي في السرى * إلى أين هذا القصد في الحال أخبرت
إلى العالم المشهور بيت قصيدة ال‍ * معالي فهل قوم لما قلت أنكرت
إلى من حوى علما ومجدا ورفعة * غدا علمه يحكي بحارا تفجرت
سحاب السما قد يمطر الماء ان سخا * وراحته للتبر للناس أمطرت
إلى شمس هذا العصر ما ضر قومه * إذا الشمس في أفق السماوات كورت
إلى نجل إبراهيم من طاب عنصرا * وفاق صفاء عن أصول تكدرت
وله يمدح العلوية العلية الشاهزاده وأوصل القصيدة إليها على يد
وكيلها النائب العلامة الشيخ المذكور وهو يومئذ في البحرين.
براك ربك من نور وبراك * من العيوب وأعلاك وأغلاك
اشبهت في الحكم بلقيسا بعرش سبأ * وفاطم الطهر ليلا في مصلاك
رعيت في عين جود سائليك فلا * زالت مدى الدهر عين الله ترعاك
ونلت رتبة مجد دونها زحل * قد كل دون مداها كل دراك
لبست أثواب فخر إذ كملت فما * عراك نقص ومنه الله عراك
لك البتولة أم والوصي أب * والجد احمد من ذا نال علياك
فكل ما في الورى من عفة وحجى * ومن حياء معار من سجاياك
وحزت صدقا لو أن الخلق احرزه * ما كان من آثم فيهم وأفاك
أشكو إليك ولا أشكو إلى أحد * فقري وأنت ملاذ العائذ الشاكي
حياك ربك بالألطاف منه على * رغم الحسود وفي الدارين أرضاك (١)
علي بن عبد الله القرشي بن جعفر السيد.
ابن إبراهيم الأعرابي بن محمد بن علي الزيني بن عبد الله بن جعفر
ابن أبي طالب. في عمدة الطالب كان شاعرا ويعرف بالمتمني لقوله:
ولما بدا لي انها لا تحبني * وان هواها ليس عني بمنجل
تمنيت ان تهوى سواي لعلها * تذوق مرارات الهوى فترق لي
تاج الدين أبو تراب علي بن عبد الله.
فاضل متبحر زاهد له عشرة آلاف بيت في مدايح آل الرسول وفي
فنون شتى (٢).
السيد علي خان ابن السيد عبد الله خان ابن السيد علي خان الموسوي.
له كتاب رحلته إلى الحج ذكر فيه تراجم أجداده المشعشعين حكام
الحويزة منه نسخة في طهران في مدرسة سبهسالار كتب في فهرستها ان
اسمه صفة الصفوية ويظهر انه بخط المؤلف وعباراته عامية ونقلنا منه كثيرا

(١) لم تشر مسودات الكتاب إلى القائل " ح ".
(٢) مجموعة الجبعي.
(٢٨١)

من تراجمهم في هذا الكتاب ولد ١٦ جمادى الثانية سنة ١٠٨٠.
المولى علي آقا بن عبد الله بن محمد بن محب الله بن محمد جعفر العلياري.
ولد سنة ١٢٣٦ وتوفي سنة ١٣٢٧ له بهجة الآمال في علم الرجال
وهو شرح زبدة المقال ومنتهى الآمال في خمس مجلدات وله رياض المقاصد
في شرح قصيدة الحسن بن راشد.
أبو الحسن علي بن عبد الله بن وصيف المعروف بالناشي الأصغر الحلاء
المتكلم المشهور البغدادي نزيل مصر.
ولد ٢٧١ وتوفي يوم الأربعاء لخمس خلون من صفر سنة ٣٦٥ وقيل
سنة ٣٦٦ وورد كتاب ابن بقية إلى ابن العميد بخبره وقيل إنه تبع جنازته
ماشيا وأهل الدولة كلهم ودفن في مقابر قريش وقبره هناك معروف ولم يخلف
عقبا ولم يعلم أنه تزوج، كذا في معجم ياقوت نقلا عن الخالع وسمي
بالناشي الأصغر في مقابلة الناشي الأكبر وهو أبو العباس عبد الله بن
محمد بن شرشر الشاعر المتكلم المتوفى سنة ٢٩٣ والأكبر لا دليل على تشيعه
فلهذا لم نفرد له ترجمة. والناشي: في انساب السمعاني بفتح النون
المشددة وفي اخرها الشين المعجمة، وانما قيل له الناشي لأنه نشأ في فن من
الشعر، والمشهور بهذه النسبة علي بن عبد الله الناشي وأبو العباس
عبد الله بن محمد بن شرشر الناشي المتكلم من أهل الأنبار أقام ببغداد مدة
طويلة ثم خرج إلى مصر والحلاء قال ابن خلكان بفتح الحاء المهملة
وتشديد اللام وانما قيل له ذلك لأنه كان يعمل حلية من النحاس، وفي
معجم الأدباء قال الخالع كان يعمل الصفر ويخرمه وله فيه صنعة بديعة ومن
عمله قنديل بالمشهد بمقابر قريش ومربع غاية في حسنه.
أقوال العلماء فيه
عن ابن كثير الشامي في تاريخه انه كان متكلما بارعا من كبار الشيعة
اخذ الكلام عن أبي سهل إسماعيل بن علي بن نوبخت وكان المتنبي يحضر
مجلسه ويكتب من املائه.
وذكره ابن شهرآشوب في معالم العلماء في شعراء أهل البيت
المجاهرين فقال أبو الحسين علي بن وصيف الناشي المتكلم بغدادي من
باب الطاق حرقوه اه. وفي أنساب السمعاني علي بن عبد الله
الناشي شاعر مشهور كان في زمن المعتمد والقاهر والراضي وغيرهم وهو
بغدادي سكن مصر هكذا ذكره أبو نصر بن ماكولا. وذكره ابن خلكان في
وفيات الأعيان فقال أبو الحسن علي بن عبد الله بن وصيف المعروف بالناشي
الأصغر الحلاء الشاعر المشهور وهو من الشعراء المحسنين وله في أهل البيت
قصائد كثيرة وكان متكلما بارعا اخذ علم الكلام عن أبي سهل إسماعيل بن
علي بن نوبخت المتكلم وكان اي ابن نوبخت من كبار الشيعة وله
تصانيف كثيرة وفي أشعاره مقاصد جميلة اه (وفي انساب السمعاني)
علي بن عبد الله الناشي شاعر مشهور كان في زمن المعتمد والقاهر
والراضي وغيرهم وهو بغدادي سكن مصر هكذا ذكره أبو نصر بن
ماكولا. وذكره ابن خلكان في وفيات الأعيان فقال أبو الحسن علي بن
عبد الله بن وصيف المعروف بالناشي الأصغر الحلاء الشاعر المشهور وهو من
الشعراء المحسنين وله في أهل البيت قصائد كثيرة وكان متكلما بارعا اخذ
علم الكلام عن أبي سهل إسماعيل بن علي بن نوبخت المتكلم وكان (اي
ابن نوبخت) من كبار الشيعة وله تصانيف كثيرة وفي اشعاره مقاصد جميلة
اه وذكره ياقوت في معجم الأدباء فقال علي بن عبد الله بن وصيف
الناشي الحلاء ويكنى أبا الحسين قال ابن عبد الرحيم حدثني أبو عبد الله
الخالع حدثني الناشئ قال: كان جدي وصيف مملوكا، وكان أبي عبد الله
عطارا في الحضرة بالجانب الشرقي وكنت لما نشأت معه في دكانه كان ابن
الرومي يجلس عندنا وانا لا اعرفه وكان يلبس الدراعة وثيابه وسخة،
وانقطع مدة فسالت عنه أبي وقلت ما فعل ذلك الشيخ الوسخ الثياب الذي
كان يجلس إلينا، فقال ويحك ذاك ابن الرومي وقد مات، فندمت ان لم
أكن أخذت عنه شيئا ولا عرفته في حال حضوره وتشاغلت بالصنعة عن
طلب العلم ثم لقيت ثعلبا ولم آخذ عنه الا أبياتا وهي:
ان أخا الإخوان من يسعى معك * ومن يضر نفسه لينفعك
قال الخالع: وكان الناشئ قليل البضاعة في الأدب، قؤوما بالكلام
والجدل، يعتقد الإمامة ويناظر عليها بأجود عبارة، فاستنفد عمره في مديح
أهل البيت حتى عرف بهم، وأشعاره فيهم لا تحصى كثيرة، ومدح مع ذلك
الراضي بالله وله معه اخبار، وقصد كافور الأخشيدي بمصر وامتدحه
وامتدح ابن خنزابة وكان ينادمه وطرى إلى البريديين بالبصرة والى أبي
الفضل بن العميد بأرجان وعضد الدولة بفارس وكان يميل إلى الاحداث
ولا يشرب النبيذ وله في المجون والولع طبقة عالية وعنه اخذ مجان باب
الطاق كلهم هذه الطريق وكان يخلط بجدله ومناظراته هزلا مستملحا ومجونا
مستطابا يعتدم به اخجال خصمه وكسر وحده وله في ذلك اخبار مشهورة.
كانت له جارية سوداء تخدمه فدخل يوما إلى دار أخته وانا معه فرأى صبيا
صغيرا اسود فقال لها من هذا فسكتت، فالح عليها فقالت ابن بشارة فقال
ممن فقالت من أجل هذا أمسكت، فاستدعى الجارية وقال لها من أبو هذا
الصبي؟ فقالت ما له أب فالتفت إلي وقال سلم إذا على المسيح
ع.
قال الخالع: ومن مجونه في المناظرات وغيرها انه ناظر أبا الحسن علي
ابن عيسى الرماني في مسالة فانقطع الرماني وقال أعاود النظر وربما كان في
أصحابي من هو اعلم مني بهذه المسألة فان ثبت الحق وافقتك عليه، فاخذ
يندد به ودخل أبو الحسن علي بن كعب الأنصاري أحد المعتزلة فقال في أي
شئ أنتم يا أبا الحسن فقال في ثيابنا فقال دعنا من مجونك واعد المسألة
فلعلنا ان نقدح فيها فقال كيف تقدح وحراقك رطب، وناظره أشعري
فصفعه الناشي فقال ما هذا يا أبا الحسن قال هذا فعل الله بك فلم تغضب
مني قال ما فعله غيرك وهذا سوء أدب وخارج عن المناظرة، فقال ناقضت،
ان أقمت على مذهبك فهو من فعل الله وان انتقلت فخذ العوض فانقطع
المجلس بالضحك وصارت نادرة. قال ياقوت: قال عبيد الله الفقير إليه
تعالى مؤلف هذا الكتاب: لو كان الأشعري ماهرا لقام إليه وصفعه أشد
من تلك ثم يقول له صدقت تلك من فعل الله بي وهذه من فعل الله بك
فتصير النادرة عليه لا له اه قال المؤلف: لا يخفى ان هذه المهارة التي
ادعاها ياقوت وتمنى أن تكون لذلك الأشعري باردة لا معنى لها فالناشي الزم
الأشعري أن تكون الصفعة من الله بمقتضى مذهبه فما الذي يريد ان يلزم
الناشي به بمقتضى مذهبه. قال ومن مجون الناشي انه ناظر بعض المجبرة
فحرك الجبري يده فقال للناشي هذه من حركها؟ فقال الناشي من أمة
زانية فغضب الرجل فقال له ناقضت، إذا كان المحرك غيرك لم تغضب؟
قال ياقوت: قال عبيد الله الفقير إليه: وهذا أيضا كفر وبهت لان المحرك
لها على اعتقاد الناشي مناظره فقد أساء العشرة مع جليسه وعلى مذهب
(٢٨٢)

صاحبه الخالق فقد كفر فعلى كل حال هو مسئ اه قال المؤلف:
وهذا الانتصار أيضا بارد كسابقه كما لا يخفى وأي إساءة أدب في مقام
المناظرة وإلزام الخصم قال وسمع رجلا ينادي على لحم البقر أين من
حلف ان لا يغبن فقال له أيش تريد منه؟ تريد ان تحنثه؟...
وقيل وفد الناشئ على عضد الدولة بن بويه وامتدحه فامر له بجائزة
سنية واحاله على الخازن فقال ما في الخزانة شئ فاعتذر إليه عضد الدولة وقال
ربما تأخر حمل المال إلينا وسنضاعف لك الجائزة متى حضر فخرج من عنده
فوجد على الباب كلابا لعضد الدولة عليها قلائد الذهب وجلال الخز قد
ذبح لها السخال وألقيت بين يديها فعاد إلى عضد الدولة وأنشأ يقول:
رأيت باب داركم كلابا * تغذيها وتطعمها السخالا
فهل في الأرض أدبر من أديب * يكون الكلب أحسن منه حالا
ثم حمل إلى عضد الدولة مال على بغال وضاع منها بغل ووقف على
باب الناشي فاخذ ما عليه ثم دخل على عضد الدولة وانشده قصيدته التي
يقول فيها:
ومن ظن أن الرزق يأتي بمطلب * فقد كذبته نفسه وهو آثم
يفوت الغنى من لا ينام عن السرى * واخر يأتي رزقه وهو نائم
فقال له هل وصل المال الذي على البغل قال نعم قال هو لك بارك
الله لك فيه فعجب الحاضرون من فطنته.
ومن شعره قوله:
وإذا بليت بجاهل متغافل * يدع المحال من الأمور صوابا
أوليته مني السكوت وربما * كان السكوت عن الجواب جوابا
وقوله يصف فرسا:
مثل دعاء مستجاب ان علاء * أو كقضاء نازل إذا هبط
وقوله:
لا تعتذر بالشغل عنا انما * ترجى لأنك دائما مشغول
وإذا فرغت ولا فرغت فغيرك ال‍ * مرجو والمطلوب والمأمول
وعن الناشئ قال أدخلني ابن رائق على الراضي بالله وكنت مداحا
لابن رائق ونافقا عليه، فلما وصلت إلى الراضي قال لي أنت الناشي
الرافضي، فقلت خادم أمير المؤمنين الشيعي قال من أي الشيعة؟ قلت
شيعة بني هاشم، قال هذا خبث حيلة فقلت مع طهارة مولد قال هت ما
معك فأنشدته فامر ان يخلع علي عشر قطع ثيابا واعطى أربعة آلاف درهم
فاخرج إلي ذلك وتسلمته وعدت إلى حضرته فقبلت الأرض وشكرته وقلت
انا ممن يلبس الطيلسان فقال هاهنا طيالس عدنية اعطوه منها طيلسان
وأضيفوا إليها عمامة خز ففعلوا فقال أنشدني من شعرك في بني هاشم
فأنشدته:
بني العباس ان لكم دماء * اراقتها أمية بالذحول
فليس بهاشمي من يوالي * أمية واللعين أبا زبيل
فقال ما بينك وبين أبي زبيل فقلت أمير المؤمنين اعلم فتبسم وقال
انصرف، قال الخالع وشاهدت العمامة والطيلسان معه وبقيا عنده إلى أن
مات. قال الخالع وكان أبو الحسن شيخا طويلا جسيما عظيم الخلقة
عريض الألواح موفور القوة جهوري الصوت عمر نيفا وتسعين سنة لم
تضطرب أسنانه ولا قلع سنا منها ولا من أضراسه.
ووفد الناشي على سيف الدولة ومدحه واخذ جوائزه وكان معاصرا
للنامي شاعر سيف الدولة، قال الخالع: حدثني الناشي قال لما وفدت على
سيف الدولة وقع في أبو العباس النامي وقال هذا يكتب التعاويذ فقلت
لسيف الدولة يتأمل الأمير فإن كان يصلح ان يكتب مثله على المساجد
بالديخ (١) فالقول كما قال فأنشدته قصيدة أولها:
الدهر أيامه ماض ومرتقب وقلت فيها:
فارحل إلى حلب فالخير منحلب * من نيل كفك ان لاحت لنا حلب
فقال يا أبا الحسن هذا بيت جيد لكنه كثير اللبن وأنشدته قصيدة
أخرى أقول فيها:
كان مشيبي إذ يلوح عقارب * واقتل ما أبصرت بيض العقارب
كان الثريا عوذة في تميمة * وقد حليت واستودعت حرز كاعب
قال الخالع أنشدني الناشي يوما لنفسه:
تجاه الشظى جنب الحجى فالمشرف * حيال الربى فالشاهق المتشرف
طلول أطال الحزن لي حزن نهجها * والزمني وجدا عليها التأسف
وقفت على ارجائها أسال الربى * عن الخرد الأتراب والدار صفصف
وكيف يجيب السائلين مرابع * عفتها شآبيب من المزن وكف
ومنها:
دنان كرهبان عليها برانس * من الخز دكن يوم فصح تصفف
ينظم منها المزج سلكا كأنه * إذا ما بدا في الكاس در منصف
قال الخالع لما أنشد البيت الأول قلت له بم ارتفعت هذه الأسماء
وهي ظروف فقال بما يسؤوك وهذا داخل في مجونه.
قال ياقوت: قرأت بخط بديع الزمان بن عبد الله الهمداني فيما قرأه
على ابن فارس اللغوي سمعت أبا الحسن الناشي علي بن عبد الله بن
وصيف بمدينة السلام قال حضرت مجلس أبي الحسن ابن المغلس الفقيه
فانقلبت محبرة لبعض من حضر على ثيابي فدخل أبو الحسن وحمل إلي قميصا
بيقيا ورداء حسنا فأخذتهما ورجعت إلى بيتي وغسلت ثيابي ولبستها ورددت
القميص والرداء إلى الحسن فلما رآهما غضب غضبا شديدا وقال ألبسهما لولا
انك تتوشح بالأدب لجفوتك اه قال المؤلف لم اورد هذه الحكاية لما
فيها من كثير فائدة بل للتنبيه على ما كان للعلماء من الاعتناء باخبار أهل العلم
والأدب دقيقها وجليلها حتى يرويها البديع الهمذاني عن أحمد بن
فارس اللغوي.
أشعار الناشي في أهل البيت ع
بال محمد عرف الصواب * وفي أبياتهم نزل الكتاب
هم الكلمات والأسماء لاحت * لآدم حين عز له المتاب
وهم حجج الاله على البرايا * بهم وبجدهم لا يستراب
بقية ذي العلى وفروع أصل * بحسن بيانهم وضح الخطاب
وأنوار يرى في كل عصر * لارشاد الورى منها شهاب
ذراري احمد وبنو علي * خليفته وهم لب لباب
إذا ما أعوز الطلاب علم * ولم يوجد فعندهم يصاب

(١) الديخ بوزن ريح القنو وهو العذق بما عليه من الرطب والمراد غير ظاهر - المؤلف -.
(٢٨٣)

تناهوا في نهاية كل مجد * فطهر خلقهم وزكوا وطابوا
ودادهم صراط مستقيم * ولكن في مسالكه عقاب
ولا سيما أبو حسن علي * له في الحرب مرتبة تهاب
طعام سيوفه مهج الأعادي * وفيض دم الرقاب لها قراب
هو النبأ العظيم أبو تراب * وباب الله وانقطع الخطاب
هو البكاء في المحراب ليلا * هو الضحاك ان جد الضراب
كان سنان ذابله ضمير * فليس عن القلوب له ذهاب
وصارمه كبيعته بخم * معاقده من الخلق الرقاب
قال ياقوت حدث الخالع قال حدثني أبو الحسن الناشي قال كنت
بالكوفة سنة ٣٢٥ وانا املي شعري في المسجد الجامع بها والناس يكتبون
عني قال المؤلف الظاهر أن ذلك الشعر كان في مدح أهل البيت
ع والا فغيره من الشعر لا يقرأ في المسجد الجامع بالكوفة وكان الناس
الذين يكتبون عنه هم الشيعة لان جل أهل الكوفة كانوا شيعة في ذلك
الوقت قال وكان المتنبي إذ ذاك يحضر معهم وهو بعد لم يعرف ولم يلقب
بالمتنبي فأمليت هذه القصيدة وقلت فيها:
كان سنان ذابله ضمير * فليس عن القلوب له ذهاب
وصارمه كبيعته بخم * معاقده من الخلق الرقاب
فلمحته يكتب هذين البيتين ومنهما اخذ ما أنشدتموني الآن من قوله:
كان الهام في الهيجا عيون * وقد طبعت سيوفك من رقاد
وقد صغت الأسنة من هموم * فما يخطرن الا في فؤاد
قال الخالع واصل هذا لأبي تمام:
من كل أزرق نظار بلا نظر * إلى المقاتل ما في متنه أود
كأنه كان ترب الحب من زمن * فليس يعجزه قلب ولا كبد
وسبق إلى ذلك ديك الجن في قوله:
فتى ينصب في ثغر القوافي * كما ينصب في المقل الرقاد
قال ابن عبد الرحيم: حدثني الخالع قال كنت مع والدي في سنة
٣٤٦ وانا صبي في مجلس الكبوذي في المسجد الذي بين الوراقين والصاغة
وهو غاص بالناس وإذا رجل قد وافى وعليه مرقعة وفي يده سطيحة وركوة
ومعه عكاز هو شعث فسلم على الجماعة بصوت رفعه ثم قال انا رسول
فاطمة الزهراء ص فقالوا مرحبا واهلا ورفعوه فقال أ تعرفون
لي احمد المزوق النائح فقالوا ها هو جالس فقال رأيت مولاتنا ع
في النوم فقالت لي امض إلى بغداد واطلبه وقل له نح على ابني بشعر الناشي
الذي يقول فيه:
بني احمد قلبي لكم بتقطع * بمثل مصابي فيكم ليس يسمع
عجبت لكم تفنون قتلا بسيفكم * ويسطو عليكم من لكم كان يخضع
أقول وبعده:
فما بقعة في الأرض شرقا ومغربا * وليس لكم فيها قتيل ومصرع
ظلمتكم وقتلتم وقسم فيئكم * ويسلمني طيب الهجوع فاهجع
كان رسول الله اوصى بقتلكم * فأجسامكم في كل ارض توزع
وهي بضعة عشر بيتا.
وكان الناشي حاضرا فلطم على وجهه وتبعه المزوق والناس كلهم،
وكان أشد الناس في ذلك الناشي ثم المزوق ثم ناحوا بهذه القصيدة في ذلك
اليوم إلى أن صلى الناس الظهر وتقوض المجلس وجهدوا بالرجل ان يقبل
شيئا منهم فقال والله لو أعطيت الدنيا ما اخذتها فاني لا ارى ان أكون
رسول مولاتي ع ثم آخذ عن ذلك عوضا وانصرف ولم يقبل
شيئا.
قال وحدثني الخالع: قال اجتزت بالناشي يوما وهو جالس في
السراجين فقال لي قد عملت قصيدة وقد طلبت وأريد ان تكتبها بخطك
حتى أخرجها فقلت امضي في حاجة وأعود وقصدت المكان الذي أردته
وجلست فيه فحملتني عيني فرأيت في منامي أبا القاسم عبد العزيز
الشطرنجي النائح فقال لي أحب ان تقوم فتكتب قصيدة الناشي البائية فانا
قد نحنا بها البارحة بالمشهد وكان هذا الرجل قد توفي وهو عائد من الزيارة
فقمت ورجعت إليه وقلت هات البائية حتى اكتبها فقال من أين علمت أنها
بائية وما ذاكرت بها أحدا فحدثه بالمنام فبكى وقال لا شك ان الوقت قد دنا
فكتبتها فكان أولها:
رجائي بعيد والممات قريب * ويخطئ ظني والمنون تصيب
ومن شعره قوله يرثي الحسين ع:
مصائب نسل فاطمة البتول * نكت حسراتها كبد الرسول
الا بأبي البدور لقين كسفا * وأسلمها الطلوع إلى الأفول
الا يا يوم عاشورا رماني * مصابي منك بالداء الدخيل
كأني بابن فاطمة جديلا * يلاقي الترب بالوجه الجميل
يجرر في الثرى قدا ونحرا * على الحصباء بالخد التليل
صريعا ظل فوق الأرض أرضا * فوا أسفا على الجسم النحيل
أعاديه توطأه ولكن * تخطاه العتاق من الخيول
وقد قطع العداة الرأس منه * وعلوه على رمح طويل
وقد برز النساء مهتكات * يحززن الشعور من الأصول
فطورا يلتثمن بني علي * وطورا يلتثمن بني عقيل
وفاطمة الصغيرة بعد عز * كساها الحزن أثواب الذليل
تنادي جدها يا جد انا * طلبنا بعد فقدك بالذحول
وله:
لقد كسرت للدين في يوم كربلاء * كسائر لا توسى ولا هي تجبر
فاما سبئ بالرماح مسوق * واما قتيل بالتراب معفر
وجرحى كما اختارت رماح وانصل * وصرعى كما شاءت ضباع وأنسر
وقوله في أمير المؤمنين ع:
قد نصب الله لكم سيدا * بالرشد والعصمة مأمون الغلط
أحاط بالعلم ولا يصلح ان * يدعى إماما من بعلم لم يحط
من مثلكم يا آل طه ولكم * في جنة الفردوس والخلد خطط
حب سواكم نفل وحبكم * فرض من الله علينا مشترط
يا طود إفضال بعيد المرتقى * وبحر علم ما له يحويه شط
كل الولاء الا ولاكم باطل * وكل جرم بولاكم منحبط
وقوله:
ومن لم يقل بالنص منه معاندا * غدا عقله بالرغم منه يحاوله
يعرفه حق الوصي وفضله * على الخلق حتى تضمحل بواطله
وقوله:
ان الذي قبل الوصية ما اتى * غير الذي يرضي الاله وما اعتدى
(٢٨٤)

أصلحت حال الدين بالامر الذي * اضحى لحالك في الرياسة مفسدا
وعلمت انك ان أردت قتالهم * ولوا عن الاسلام خوفك شردا
فجمعت شملهم بترك خلافهم * وان اغتديت من الخلافة مبعدا
لتتم دينا قد امرت بحفظه * وجمعت شملا كاد ان يتبددا
وقوله:
قوم نجوم في البروج منيرة * في برج ثاني العشر ظل قرانها
ومنازل القمر المنير عليهم * سعد السعود وغيرهم ديرانها
عرفت بوطئهم البقاع وان علوا * قلل المنابر شرفت عيدانها
سل عنهم الليل البهيم فإنهم * في كل حندس ليلة رهبانها
وله:
هم الآل آل الله والقطب التي * بها فلك التوحيد أصبح دائرا
أئمة حق خاتم الرسل جدهم * ووالدهم من كان للحق ناصرا
علي أمير المؤمنين وسيد * إلى قرنه بالسيف ما زال باترا
وأمهم الزهراء أكرم برة * غدا قلبها مضنى على الوجد صابرا
ومنهم قتيل السم ظلما ومنهم * امام له جبريل يكدح زائرا
قتيل بأرض الطف أروت دماؤه * رماح الأعادي والسيوف البواترا
ومنهم لدى المحراب سجاد ليله * وقرم لفضل العلم أصبح باقرا
وسادسهم ياقوتة العقد جعفر * امام هدى تلقاه بالعدل آمر
وسابعهم موسى أبو العلم الرضا * ومن لم يزل بالعلم للحق ناشرا
وثامنهم ثاو بطوس ومن به * طفقت حزينا للهموم مسامرا
وتاسعهم زين الأنام محمد * أبو علم للقوم أصبح عاشرا
ومنهم امام سر من را محله * تمام لحادي العشر ظل مجاورا
واخرهم مهدي دينك انه * امام لعقد الفاطميين اخرا
وله في أمير المؤمنين ع
جامع وحي الله إذ فرقه * من رام جمع آية فما ضبط
أشكله لشكله بجهله * فاستعجمب أحرفه حين نقط
وله فيه ع:
وقى النبي بنفس كان يبذلها * دون النبي قرير العين محتسبا
حتى إذا ما اتاه القوم عاجلهم * بقلب ليث يعاف الرشد ما وجبا
فساءلوه عن الهادي فشاجرهم * فخوفوه فلما خافهم وثبا
ومن شعره قوله:
وليل توارى النجم من طول مكثه * كما أزور محبوب لخوف رقيبه
كان الثريا فيه باقة نرجس * يجئ بها ذو صبوة لحبيبه
وقوله:
وكان عقرب صدغه وقفت * لما دنت من نار وجنته
انتهى ما اورده ياقوت في معجم الأدباء. وذكره الثعالبي في اليتيمة
فقال: أبو الحسين الناشي الأصغر أنشدني أبو بكر الخوارزمي قال
أنشدني أبو الحسين الناشي بحلب لنفسه:
إذا انا عاتبت الملوك فإنما * أخط بأقلامي على الماء أحرفا
وهبه ارعوى بعد العتاب أ لم تكن * مودته طبعا فصارت تكلفا
قال وأنشدني لنفسه:
ليس الحجاب من آله الاشراف * ان الحجاب مجانب الإنصاف
ولقل من يأتي فيحجب مرة * فيعود ثانية بقلب صافي
وله في سيف الدولة يودعه والمسافر سيف الدولة لا الناشي كما توهم
ابن خلكان ولم يذكر البيت الأخير الدال على ذلك:
أودع لا اني أودع طائعا * وأعطي بكرهي الدهر ما كنت مانعا
وارجع لا ألفي سوى الوجد صاحبا * لنفسي ان ألفيت بالنفس راجعا
تحملت عنا بالصنائع والعلى * فنستودع الله العلى والصنائعا
رعاك الذي يرعى بسيفك دينه * ولقاك روض العيش أخضر يانعا
وله، قال ابن خلكان عزاهما إليه الثعالبي ثم عزاهما إلى أبي محمد
المنجم:
إذا لم تنل همم الأكرمين * وسعيهم وادعا فاقترب
فكم دعة أتعبت أهلها * وكم راحة نتجت من تعب
قوله:
يا خليلي وصاحبي * من لؤي بن غالب
حاكم الحب جائر * موجب غير واجب
لك صدع كأنما * نونه نون كاتب
يلدع الناس إذ تعقرب * لدع العقارب
وأورد له ابن خلكان هذه الأبيات ولكن قد وجدنا ان الرضا
ع انشدها المأمون والله أعلم:
اني ليهجرني الصديق تجنبا * فأريه ان لهجره أسبابا
وأخاف ان عاتبته أغريته * فارى له ترك العتاب عتابا
وإذا بليت بجاهل متغافل * يدعو المحال من الأمور صوابا
أوليته مني السكوت وربما * كان السكوت عن الجواب جوابا
وله:
أيا ناصر المصطفى احمد * تعلمت نصرته من أبيكا
وناصبت نصابه عنوة * فلعنة ربى على ناصبيكا
ولو آمنوا بنبي الهدى * وبالله ذي الطول ما ناصبوكا
وله:
إذ فاخر العباس عم المصطفى * لعلي المختار صهر محمد
بعمارة البيت المعظم شانه * وسقاية الحجاج وسط المسجد
فاتى بها جبريل عن رب السما * يقري السلام على النبي المهتدي
أ جعلتم سقي الحجيج وما يرى * من ظاهر الأستار فوق الجلمد
كالمؤمنين الضاربي هام العدى * وسط العجاج بساعد لم يرعد
وله:
صد بخد ارق من رقة الخمر * وقلب اقسى من الحجر
يا ليت شعري لم ابتليت بمن * شيبني قبل مبلغ الكبر
وله في أمير المؤمنين ع:
الا يا خليفة خير الورى * لقد كفر القوم إذ خالفوك
أدل دليل على أنهم * أبوك وقد سمعوا النص فيك
خلافهم بعد دعواهم * ونكثهم بعد ما بايعوك
طغوا بالخريبة واستنجدوا * بصفين والنهر إذ صالتوك
أناس هام حاصروا شيخهم * ونالوه بالقتل ما استأذنوك
فيا عجبا منهم إذ جنوا * دما وبثاراته طالبوك
فلم لم يثوروا ببدر وقد * قتلت من القوم إذ بارزوك
ولم عردوا إذ شجيت العدى * بمهراس أحد ولم نازلوك
(٢٨٥)

ولم أحجموا يوم سلع وقد * ثبت لعمرو ولم أسلموك
ولم نكصوا بحنين وقد * صككت بنفسك جيشا صكوك
فأنت المقدم في كل ذاك * فيا ليت شعري لم اخروك
وله:
يا آل ياسين من يحبكم * بغير شك لنفسه نصحا
أنتم رشاد من الضلال كما * كل فساد بحبكم صلحا
وكل مستحسن لغيركم * ان قيس يوما بفضلكم قبحا
علي بن عبد الله الخوافي
في انساب السمعاني: الخوافي بفتح الخاء المعجمة وفي آخرها الفاء
وبعد الواو الألف، هذه النسبة إلى خواف وهي ناحية من نواحي نيسابور
كثيرة القرى والخضرة وهي متصلة بحدود الزوزون منها جماعة من العلماء
والمحدثين. أورد الصدوق في العيون هذه المرثية له في الرضا ع
واقتصر على الأبيات الخمسة الأول ورواها ابن عياش في مقتضب الأثر عن علي
ابن هارون المنجم عن الخوافي وزاد فيها الأبيات الأربعة الأخيرة:
يا ارض طوس سقاك الله رحمته * ما ذا حويت من الخيرات يا طوس
طابت بقاعك في الدنيا وطيبها * شخص ثوى بسنا آباد مرموس
شخص عزيز على الاسلام مصرعه * في رحمة الله مغمور ومغموس
يا قبره أنت قبر قد تضمنه * حلم وعلم وتطهير وتقديس
فخرا فإنك مغبوط بجثته * وبالملائكة الأبرار محروس
في كل عصر لنا منكم امام هدى * فربعه آهل منكم ومأنوس
أمست نجوم سماء الدين آفلة * وظل أسد الشري قد ضمها الخيس
غابت ثمانية منكم وأربعة * ترجى مطالعها ما حنت العيس
حتى متى يظهر الحق المنير بكم * والحق في غيركم داح ومطموس
الشيخ مجد الدين علي بن عبد الله بن محمد بن الهيصم الهروي.
كان عالما فاضلا مؤلفا أديبا شاعرا وصفه البارع الهروي فيما حكي
عن كتابه طرائف الطرف بالشيخ الامام مجد الدين علي بن الهيصم. وقال
ياقوت في معجم الأدباء: علي بن عبد الله بن محمد بن الهيصم الهروي
الامام صدر الاسلام، مات في حدود الخمسمائة.
وقال الدكتور مصطفى جواد العراقي فيما كتبه إلى مجلة المجمع
العلمي العربي بدمشق: جاء ذكر ابن الهيصم استطرادا في كتاب القفطي
وهو كتاب المحمدون من الشعراء وأشعارهم المخطوط بدار الكتب
الوطنية بباريس رقم ٣٣٣٥ ورقة ١٨ من العربيات فقد قال في ترجمة
محمد بن أحمد بن عبد الله الامام المقتفي لأمر الله العباسي ما صورته: ذكره
علي بن الهيصم في كتاب عقود الجواهر وانشد له من قصيدة أولها عمر
الامام ودينه الأديانا اه وقال في الطليعة: كان كما قال تلميذه أبو
الحسن البيهقي صاحب الوشاح: قد بلغ من العلم أطوريه فلا فضل الا
وهو منسوب إليه ورست بالفصاحة فواعده واشتدت بالزهادة سواعده وكان
مصنفا أديبا شاعرا.
مؤلفاته
فيما حكاه ياقوت عن أبي الحسن البيهقي في كتاب الوشاح في تتمة
كلامه السابق أنه قال: ومن تصانيفه ١ مفتاح البلاغة ٢ كتاب البسملة
٣ نهج الرشاد ٤ عقود الجواهر ٥ لطائف النكت ٦ تصفية القلوب
ديوان شعره.
أشعاره
يبدو من ملاحظة أشعاره انها من الطبقة الوسطى، قال
ياقوت عن كتاب الوشاح: ومن منظومه اي ابن الهيصم
ضحك الربيع بعبرة الأنداء * ومن العجائب ضاحك ببكاء
وله:
هنيئا لك العيد المبارك يا صدر * وساعدك الاقبال واليمن والنصر
وعن كتاب طرائف الطرف للبارع الهروي انه اورد فيه للشيخ الامام
مجد الدين علي بن الهيصم قوله:
سامضي لنصر الحق والشرك راغم * ببيض تقد الدار عين ظماء
ومطرودة زرق تروح وتغتدي * لنهب نفوس أو لسفك دماء
إذا خالطت في الطعن درعا حسبتها * صلال الأفاعي في قرارة ماء
فان مت يوما فالجهاد وسيلتي * وان عشت فالطعن الدراك غذائي
فلا زالت الأعداء في شر حالة * وكانوا على رغم الأنوف فدائي
وأرد له ابن شهرآشوب في المناقب:
الحمد لله ذي الافضال والكرم * رب البرايا ولي الطول والنعم
أبدى صنائعه من غيب قدرته * تزهو بدائعها كالروض بالديم
يجري ممالكه سلطان حكمته * ما شاء يخرج من خلق عن العدم
انظر إلى القبة الخضراء عالية * قد زانها الأنجم الزهراء في الظلم
وانظر إلى الأرض فوق الماء طافية * محفوظة بالرواسي ربة الشمم
أ ما ترى شخصك الرحمن أبدعه * من نطفة ركبت في ظلمة الرحم
جسما عجيبا بلا عيب تعاوره * قدا جميلا مكين الساق والقدم
هذا مرتب أفعال ميسرة * هذا مفتح مخزون ومنكتم
هذا بعرفان محض القول في شرف * هذا بتوحيد رب العرش في نعم
سبحان منشئها سبحان مبدعها * أعجب بصنعته في كل ذي رقم
واختار من خلقه ما شاء مغتنيا * حتى تعالى رفيع الشأن والعلم
واختار منهم رسول الله سيدنا * محمدا أفضل الاحياء والنسم
جلت مناصبه عزت مناسبه * فاحت أطائبه في الحل والحرم
صلى عليه إله الخلق متصلا * ما انحل وبل على القيعان والاكم
ثم الصلاة على من بعده خلف * عنه الخليفة حقا كاسر الصنم
أخو الرسول أمير المؤمنين ولي * الله خير عباد الله كلهم
صلى عليه إله الحق ثم على * أخيه ما انهل وبل من حيا سجم
ثم الصلاة على نجل له فطن * أعني به الحسن المختار ذا الهمم
هم هم شفعائي في القيام إذا * قام الأنام بيوم جد مزدحم
هم هم ملجاي آوي إليه وهم * مستمسكي في مخاويفي وملتزمي
هم الهداة هم سفن النجاة هم * سم العداة هم الوافون للذمم
الشيخ منتجب الدين أبو الحسين علي بن عبد الله بن الحسن بن الحسين
الصدوق علي بن الحسين بن بابويه القمي صاحب الفهرست.
توفي بعد سنة ٥٨٥.
قال صاحب رياض العلماء: كان بحرا من العلوم لا ينزف وهو
(٢٨٦)

الشيخ السعيد الفقيه المحدث الكامل شيخ الأصحاب المعاصر لابن شهرآشوب
وهو من أولاد أخ الصدوق. وقال صاحب كتاب التدوين في تاريخ
قزوين وهو من الشافعية في حقه: ريان من علم حديث سماعا وضبطا
وحفظا وجمعا ويقل من يدانيه في هذه الاعصار في كثرة الجمع والسماع. له
كتاب الأربعين وينسب إلى التشيع وقد كان ذلك في آبائه وكان يسود تاريخا
كبيرا فلم يقض له نقله إلى البياض وعن كتاب ضيافة الاخوان ان له تاريخا
كبيرا ذكر فيه أحوال علماء الشيعة.
وقال الشهيد الثاني في شرح رسالته المسماة بالبداية في علم الدراية:
وهذا الشيخ منتجب الدين، كثير الرواية واسع الطرق عن آبائه وأقاربه
واسلافه ويروي عن ابن عمه الشيخ بابويه بن سعد بن الحسن بن الحسين
أخي الصدوق بغير واسطة ومثل الشهيد الثاني في شرح تلك الرسالة أيضا
لرواية الأبناء عن ستة آباء برواية الشيخ منتجب الدين عن آبائه الخمسة
المذكورين عن الصدوق. وفي أمل الآمل: الشيخ الجليل منتجب الدين
علي بن عبيد الله بن الحسن بن الحسين بن بابويه القمي كان فاضلا عالما
ثقة صدوقا محدثا حافظا راوية علامة له كتاب الفهرست في ذكر المشائخ
المعاصرين للشيخ الطوسي والمتأخرين إلى زمانه نقلنا كل ما فيه في هذا
الكتاب، يرويه عنه محمد بن محمد بن علي الحمداني القزويني، لكنه لم
يشتمل الا أسماء قليلة وكان في ترتيبه تشويش كثير وأسماء كثيرة في غير بابها
فرتبته أحسن ترتيب كما فعل ابن داود وميرزا محمد في ترتيب الرجال
المتقدمين ونقلت باقي الأسماء من مؤلفات من تأخر عنه واجازاتهم ومن
أفواه المشائخ وغير ذلك وله أيضا كتاب الأربعين عن الأربعين في فضائل
أمير المؤمنين ع وغير ذلك أقول هذا الفهرست قليل
الفائدة لشدة اختصاره.
وكتاب الأربعين عن الأربعين من الأربعين في فضائل أمير المؤمنين
صلوات الله عليه يوجد منه نسخة في مكتبة الحسينية في النجف وقد وجدنا
منه نسخة مخطوطة في طهران في مكتبة الشيخ ضياء الدين النوري، قال في
أولها: لما فرغت من جمع ما عندي من أسامي علماء الشيعة ومصنفيهم
صرفت حظا من عنايتي إلى جمع ما سبق به الوعد من جمع الأربعين على
الأربعين من الأربعين في فضائل سيدنا ومولانا أمير المؤمنين صلوات الله
وسلامه على رسوله ثم عليه وعلى أبنائه وذلك أربعون حديثا عن أربعين
شيخا عن أربعين صحابيا ثم شرع في ذكر الأحاديث بأسانيدها. وعلى
ظهر النسخة ما صورته: جمع الشيخ الامام الحافظ السعيد منتجب الدين
موفق الاسلام سيد الحفاظ رئيس النقلة سيد الأئمة والمشائخ آدام حديث
رسول الله ص أبي الحسن علي بن عبيد الله بن الحسن بن الحسين ابن
بابويه قدس الله روحه وروح أسلافه وبعده ما صورته بخط السيد الإمام
غياث الدين بن طاوس في هذا الموضع هكذا: رواية عبد الكريم بن أحمد
بن طاوس الحسني عن نصير الدين الوزير محمد بن محمد بن الحسن
الطوسي عن محمد بن محمد بن علي الحمداني القزويني عن المصنف اه
وتحته بخط السيد الإمام صفي الدين محمد بن معد رحمه الله اه.
رواية أبي جعفر محمد بن معد بن علي بن رافع بن أبي الفضائل معد
ابن علي بن حمزة بن أحمد بن حمزة العريضي بن علي بن أحمد بن موسى بن
إبراهيم بن موسى الكاظم ع اجازة عن الشيخ محمد بن
محمد بن علي الحمدوني، وبخط الشيخ الامام سديد الدين يوسف ابن
المطهر الحلي هكذا:
رواية يوسف بن مطهر عن أحمد بن يوسف العريضي العلوي
الحسيني عن محمد بن محمد بن علي الحمداني عن مصنفه:
وعلى النسخة المكتوب منها هذه ما صورته: قال العبد المفتقر إلى كرم
ربه محمد بن مكي، اني أرويه عن شيخي الامامين عميد الدين عبد المطلب
ابن الأعرج الحسيني وفخر الدين محمد ابن الإمام جمال الدين الحسن ابن
المطهر عن شيخهما جمال الدين عن والده سديد الدين وعن ابني طاوس عن
ابن معد وعن خواجة نصير الدين عن الحمداني قال ابن مكي وارويه عن
النسابة العلامة تاج الدين أبي عبد الله محمد بن القاسم بن معية الحسني عن
رضي الدين علي بن السعيد غياث الدين عبد الكريم بن طاوس عن والده
رحمهم الله أجمعين. وفي اخر الكتاب ما صورته: تيسر الفراع عن تحرير
كتاب الأربعين وقد وفيت بما وعدت ولو سهل الله تعالى وأعطاني المهل
واخر الاجل أضفت إلى كتاب فهرس أسماء علماء الشيعة ما يشذ عني بحيث
يصير مجلدا فخما إن شاء الله تعالى وأضفت إلى ما سبق مني من الأربعين
عن الأربعين من الأربعين مع الأربعين في مناقب أمير المؤمنين ع
والآن أضيف إلى ذلك ما وقع لي من حكايات لطيفة في مناقبه وإن كان لا
يفي بها تحرير بنان ولا تقرير بيان ثم ذكر أربع عشرة حكاية مسندة وفي
آخرها نجز لاحدى وعشرين مضت من شهر الله رجب الأصم سنة إحدى
وستين وثمانمائة بكرك نوح ع بقلم العبد الفقير محمد بن علي بن
حسن بن محمد بن صالح الجبعي اللويزاني من نسخة بخط الشيخ شمس
الدين محمد بن مكي كتبها بالحلة سنة ٧٧٦ وهو نقل من نسخة بخط محمد
بن محمد بن علي الحمداني القزويني رحمه الله تاريخها سنة ٦١٣ وفي آخرها
أيضا بلغ مقابلة بأصله في شهر شعبان سنة ٨٦١.
الشيخ علي بن عبد الله بن محمد بن أحمد بن مظفر النجفي.
توفي حوالي ١٣١٦ عن عمر يناهز الستين بالنجف ودفن في الصحن.
له مؤلفات في الفقه والأصول منها حاشية على رسائل الشيخ مرتضى
وأراجيز في الفقه والأصول وله شعر.
الشيخ علي الحلي
الشاعر في عهد داود باشا والي بغداد، اسمه علي بن ظاهر المطيري.
علي بن عبد الواحد بن علي بن جعفر النهدي الحميري.
له كتاب المشتهر المأثور من العمل في الشهور ينقل عنه ابن طاوس في
الاقبال.
علي بن عبد الله الطالبي المسمى بالمرعشي
كان من أصحاب الداعي الكبير الحسن بن زيد ولما عاد سليمان بن
عبد الله بن طاهر خليفة ابن أخيه محمد بن طاهر إلى طبرستان بعد ما أخرجه
الداعي منها واستولى عليها وتنحى الداعي عنها وذلك سنة ٢٥١ كان
المترجم يقاتل عن مدينة آمل فجاء كتاب أسد بن جندارة إلى سليمان يخبره
بهزيمة علي بن عبد الله الطالبي المسمى بالمرعشي فيمن كان معه وهم أكثر
من ألفي رجل، ورجلان من رؤساء الجبل في جمع عظيم عند وصول الخبر
إليهم بانهزام الحسن بن زيد ودخل أسد مدينة آمل قال الطبري وفيها اي
(٢٨٧)

سنة ٢٥١ ورد كتاب مؤرخ لاحدى عشرة ليلة بقيت من المحرم بانتقاض
أهل أردبيل وكتاب الطالبي إليهم وانه بعث أربعة عساكر على أربعة
أبواب مدينتهم ليحاصروهم اه.
أبو القاسم علي جلال الدين بن عبد الوهاب فخر الدين بن عبد الحميد
نظام الدين بن أبي الفوارس محمد مجد الدين بن أبي الحسن علي فخر
الدين.
له علم وفضل بتحقيق وتدقيق قتل في وقعة بغداد.
الشيخ علي عرب
كان تلميذ المحقق الكركي وصار شيخ الاسلام بأصفان وتزوج
البهائي ابنته له رسالة في النكاح.
عز الدين أبو محمد علي بن فخر الدين عبيد الله بن عز الدين علي بن ضياء
الدين زيد الحسيني النقيب بالموصل.
كان من سادات النقباء بالموصل واعمالها قرأت بخطه مطالبة إلى
بعض الأكابر في رسالة:
إذا هزني شوقي إليكم ولم أجد سبيلا سوى حمل الرسائل والكتب
مررت على ابياتكم متلفتا كما التفت الظامي إلى البارد العذب (١)
علي بن عبيد الله ابن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب، يقال له الطيب
في معجم الشعراء للمرزباني: لما حبس الرشيد موسى بن جعفر
واشتد في طلب الطالبيين قال علي بن عبيد الله:
كلما قلنا اتتنا دولة * أذهبت عسرا وجاءت بيسر
عطف الخوف علينا والردئ * وصفاء الدهر رهن بكدر
صار والله علينا ما لنا * ان هذا لبلاء مستمر
نزع الشيطان فيما بيننا * فاتانا من جهات الخير شر
وله يرثي بعض أهله:
لي يا أخي ابدا عليك انين * والى خيالك رنة وحنين
ومدامعي مشغولة بك كلها * وخيال وجهك للضمير يبين
كنت المنى عندي ونازح كرمتي كذا * فاستأثرت بمناي فيك منون
الأمير السيد علي ابن السيد عزيز الله بن عبد المطلب الموسوي الجزائري
الساكن بقصبة خرم آباد.
توفي سنة ١١٤٩
في ذيل اجازة السيد عبد الله بن نور الدين بن نعمة الله الجزائري:
كان فاضلا محققا علامة أريبا لبيبا جامعا بين المعقول والمنقول والعلم
والعمل والأدب ورياسة الدنيا والدين يروي عن أبيه وعن الشيخ جعفر
القاضي بأصبهان وغيرهما. له رسالة في الطب التقطها من كتاب التذكرة
للشيخ داود الأنطاكي وحواشي كثيرة على شرح اللمعة ومثلها على الدرك
يظهر منها كمال تدربه وتعمقه وجودة ذهنه حضرت درسه بالمدارك وبشرح
الارشادات من أول النمط السادس مع جماعة من الأتراب أوقات اقامته
عندنا أخيرا وكان قد قدم إلينا مرارا في بلادنا وقدمت إليه مرارا في أسفاري
إلى خراسان وأذربايجان وكان أبوه قد انتقل من الجزائر إلى شيراز وأقام بها
وولد له السيد علي هناك ثم إنه قدم إلى تستر فعن له الانتقال إلى خرم آباد
فسافر بنفسه إليها ثم نقل عياله إليها ونشأ السيد علي أحسن منشأ وهوت
إليه أفئدة الحكام والامراء وانتظمت أحواله أحسن انتظام وقصدته الوفود
من الأطراف وعلا امره وانتشر صيته وقضيت حوائج الناس على يديه
وسمعت انه كان يحيل في السنة على خزانة الحاكم ثلاثة آلاف تومان
للسادات والعلماء وأبناء السبيل والمرتزقين يحيلها بنفسه لا يحتاج إلى مراجعة
الحاكم ولا العمال وكان في غاية التواضع وخفض الجناح مع الفقراء متعززا
على أهل الدنيا.
السيد علي بن عطيفة الحسني الكاظمي
توفي سنة ١٣٠٦ في طريق زيارة الرضا ع عن عمر
ناهز السبعين، تلمذ على الشيخ محمد حسن ياسين ومن في طبقته، له شرح
المنظومة في النحو عليه حواشي معاصره الشيخ عباس وله كتاب شرح
الدرة منظومة السيد بحر العلوم في الفقه. وآل عطيفة سادة حسنيون
أجلاء في الكاظمية.
السيد علي ابن السيد علاء الدولة ابن السيد ضياء الدين نور الله الحسني
الشوشتري المرعشي.
تلميذ محمد بن محمد الشيرازي الدارابي له خطبة ذكر فيها شرح
أستاذه على الصحيفة الكاملة قال في تلك الخطبة اني لما تشرفت بمطالعة
هذا الشرح العزيز القدر عرضت على خدمة الشارح المنشرح الصدر ان
اكتب إليه خطبة فامرني ان أدير على ذلك الكاس فرأيت أن أجيب دعوته
بلبيك وسعديك فلعمري لقد أحسن بي أحسن الله عليه حيث علمني تأويل
الأحاديث التي علمها لديه واني انست برياض إفادته وارتويت من حياض
إفاضاته. وذكر في تلك الخطبة ان النسخة التي شرحها هي التي اتى بها
زبدة المجتهدين شيخنا البهائي من جبل عامل إلى ديار العجم واستنسخ
منها مولانا محمد تقي المجلسي.
السيد علي ابن السيد علوان الحسيني الموسوي نقيب بعلبك.
ولد ببعلبك وتوفي بدمشق سنة ١٠٣٠ عن تسعين عاما ودفن بالباب
الصغير.
تولى النقابة بعد أبيه سنة ٩٤٥ وكان عالما عاملا صالحا فاضلا تقيا،
كذا في كتاب الأنساب الموجود عند ذريته.
السيد علي العلوي النهاوندي الأصل البروجردي.
له المسائل الأولى والمسائل الثانية للسيد عبد الله بن نور الدين بن
نعمة الله الجزائري وقد وصفه السيد عبد الله المذكور في مقدمة الأولى بقوله
انه لما قضى الله عز وجل بالمرور على بلاد الجبل والاجتماع بمن فيها من
الأولياء الكمل الجامعين بين العلم والعمل ومنهم المولى الاجل والحبر
الفاضل الشريف القارن من المحاسن بين التالد والطريف الحسيب النسيب
النجيب اللبيب الأريب الأديب النقيب السيد الحميد السديد المجيد النقي
التقي الرضي البهي السيد علي الخ سألني أدام الله وفادته ووفر مكارمه
وسعاداته عن مسائل الخ ووصفه في مقدمة الثانية بقوله: قد خدمت فيما
مضى حضرة المولى الجليل والحبر النبيل ذي المجد الأصيل والشرف الجزيل
والأخلاق العظيمة والسجايا الكريمة التقي النقي الأمين المؤمن اه وقد
ذكرناهما في ترجمة السيد عبد الله المذكور.

(١) معجم الآداب.
(٢٨٨)

علي بن علي العاملي
وجد مكتوبا على مجلدين من مجمع البيان: قد دخل في ملكي هذا
الكتاب المستطاب بالبيع الصحيح الشرعي وانا أقل عباد الله تعالى علي
ابن أحمد بن جعفر العمري لقبا السكيكي الميسي العاملي بلدا سنة ١١٠٥
بمحروسة أصفهان.
السيد نور الدين علي أخي صاحب المدارك بن نور الدين علي بن الحسين
ابن أبي الحسن الموسوي العاملي الجبعي نزيل مكة المكرمة.
ولد بجبع سنة ٩٧٠ وتوفي بمكة المكرمة لثلاث عشرة بقين من ذي
الحجة سنة ١٠٦٨ وصلى عليه ولده السيد زين العابدين ودفن بالمعلى، وهو
أخو السيد محمد صاحب المدارك لأبيه وأخو الشيخ حسن صاحب المعالم
لامه فان والده كان قد تزوج ابنة الشهيد الثاني في حياته فولد له منها
صاحب المدارك ثم تزوج أم الشيخ حسن بعد شهادة أبيه التي هي غير أم
زوجته فولد له منها صاحب الترجمة، ذكره السيد علي خان في سلافة العصر
فقال في حقه طود العلم المنيف، وعضد الدين الحنيف، ومالك أزمة
التأليف والتصنيف، الباهر بالرواية والدراية والرافع لخميس المكارم أعظم
راية، فضل يعثر في مداه مقتفية ومحل يتمنى البدر لو أشرق فيه وكرم يخجل
المزن الهاطل وشيم يتحلى بها جيد الزمن العاطل وصيت حل من حسن
السمعة بين السحر والنحر.
فسار مسير الشمس في كل بلدة * وهب هبوب الريح في البر والبحر
وكان له في مبدأ امره بالشام مكان لا يكذبه بارق العز إذا شام بين
اعزاز وتمكين ومكان في جانب صاحبها مكين ثم قطن مكة شرفها الله وهو
كعبتها الثانية يعتقد الحجيج قصده من غفران الخطايا وينشد بحضرته تمام
الحج ان تقف المطايا وقد رأيته بها وقد أناف على التسعين والناس تستعين
به ولا يستعين والنور يسطع من أسارير جبهته والعز يرتع في ميادين جدهته
اه.
وفي أمل الآمل: كان عالما فاضلا أديبا شاعرا منشئا جليل القدر
عظيم الشأن قرأ على أبيه وأخويه صاحبي المدارك والمعالم وقد رأيته في بلادنا
وحضرت درسه بالشام أياما يسيرة وكنت صغير السن ورأيته بمكة أيضا أياما
وكان ساكنا بها أكثر من عشرين سنة ولما مات رثيته بقصيدة تبلغ ستة
وسبعين بيتا نظمتها في يوم واحد منها:
لحا الله قلبا لا يذوب لفادح * تكاد له صم الصخور تذوب
أقول لو نظمها في حول لما كانت الا على على هذا النول وفي
لؤلؤتي البحرين: كان فاضلا محققا مدققا مشارا إليه في وقته توطن بمكة
المشرفة وله اجازة للشيخ صالح بن عبد الكريم البحراني تاريخها ثاني عشر
ذي القعدة سنة ١٠٥٥ له شرح المختصر النافع أطال فيه المقال والاستدلال
لم يتم. الفوائد المكية في مداحض الخيالات المدنية ردا على الملا محمد امين
الاسترآبادي الاخباري صاحب الفوائد المدنية والأنوار البهية في شرح الاثني
عشرية في الصلاة للبهائي رسالة في تفسير قوله قل لا أسألكم عليه اجرا الا
المودة في القربى. غنية المسافر عن النديم والمسامر يشتمل على فوائد واخبار
ونوادر وأشعار وتعليقات كثيرة على كتب الفقه والأصول والحديث وأجوبة
وسؤالات وغيرها.
وكانت في ذلك العصر الكلمة والغلبة بمكة المكرمة لعلماء الامامية
وكانت الإمامة في المسجد الحرام لهم كما يدل عليه كلام ابن حجر في أول
صواعقه حيث ذكر انه التمس على أقرائها بمكة حيث إن مجمع الروافض
بها، وقال: طهر الله البيت منهم، ويدل عليه أيضا ما في تكملة أمل الآمل من أن عنده نسخة من كتاب المحاسن للبرقي في أحاديث أهل البيت
ع بخط الامام بمقام إبراهيم الخليل ع بالمسجد الحرام
بمكة المشرفة السيد الشريف عبد الله بن محمد علي الحسيني الطبري فرع من
نسخها يوم الأحد المبارك من شهر جمادى الأولى من ١٠٤٤ من الهجرة
النبوية على صاحبها آلاف صلاة وآلاف تحية اه وعن ابن شدقم انه
ذكر المترجم وأولاده الخمسة السيد جمال الدين والسيد زين العابدين والسيد
علي والسيد حيدر والسيد أبا الحسن اه.
وذكره السيد ضامن بن شدقم المذكور في كتابه وأثنى عليه وقال
منشؤه في الشام ثم عطف عنان عزمه إلى البيت الحرام تشرفنا برؤيته مرارا
بمكة المكرمة سنة ١٠٦٨ وله أشعار حسنة منها قوله:
يا من مضوا بفؤادي عندما رحلوا * من بعد ما في سويد القلب قد نزلوا
يا من يعذب من تسويفهم كبدي * ما ان يوما لقطع الحبل ان تصلوا
جادوا على غيرنا بالوصل متصلا * وفي الزمان علينا مرة بخلوا
كيف السبيل إلى من في هواه مضى * عمري وما صدني عن ذكره شغل
في أي شرع دماء العاشقين غدت * هدرا وليس لهم ثار إذا قتلوا
يا للرجال من البيض الرشاق إما * كفاهم ما الذي بالناس قد فعلوا
وله ومادحا بعض الامراء:
سموت علي عالي المجرة رفعة * ودارت على قطبي علاك الكواكب
وحزت رهان السبق في حبلة العلى * فأنت لها دون البرية صاحب
وجلت بحومات الوغى جول باسل * فردت على اعقابهن الكتائب
ببيض المواضي يدرك المرء شاوه * وبالسمران ضاقت تهون المصاعب
لاسلافك الغر الكرام قواعد * على مثلها تبنى العلى والمناصب
بنو عمكم لما أضاءت مشارق * بكم أشرقت منهم علينا مغارب
وفيكم لنا بدر من الغرب طالع * فلا غرو إن كانت لديه العجائب
هو الفخر مد الله في الأرض ظله * ولا زال تجلى من سناه الغياهب
إلى حلب الشهباء مني بشارة * تعطرها حتى تفوح الجوانب
إذا ما مضى من بعد عشر ثلاثة * من الدور فيها تستتم المآرب
لقد حدثت عنها أولو العلم مثلها * جرى وانقضت تلك السنون الجواذب
بدا سعدها لما علي بدا لها * ويا طالما قد انحست وهو غائب
وفوز علي بالعلى فوزها به * فكل إلى كل مضاف مناسب
كأني بسيف الدولة اليوم وافد * إليها يلاقي ما جنته الثعالب
لقد جادها صوب الحيا بعد محلها * وشرفها من أحكمته التجارب
كريم إذا ما امحل الغيث أمطرت * أياديه جودا منه تصفو المشارب
أريب أديب لو تصور لفظه * أصابته عقدا للنحور الكواعب
مدحتكم والمدح فيكم تجارة * بها تثمر النعمى وتغلو المكاسب
إلى باب علياكم شددت ركائبي * ويا طالما شدت إليه الركائب
بها الفضل منشود بها الجود وافد * بها فتح من سدت عليه المذاهب
ووجد على جامع في جبع ما صورته.
قد وفق الله لهذا إلينا * ولم يكن في الوسع تيسيره
فهو بحمد الله قد تم في * أحسن ما قد كان تصويره
(٢٨٩)

من بدوه احكم بنيانه * بالخير والقتوى وتفسيره
فجاء تاريخ به معبد * كان لوجه الله تعميره
عمر هذا المسجد بعد اندراسه وجدده بعد انطماسه راجي عفو ربه
وغفرانه نور الدين بن علي بن الحسين الشهير بابن أبي الحسن الموسوي تجاوز
الله عن سيئاتهم بدء في ختامه سنة ١٠٣٩ تسع وعشرين بعد الألف من
الهجرة.
السيد علي ابن السيد نور الدين علي أخي صاحب المدارك ابن علي بن
الحسين بن أبي الحسن الموسوي العاملي الجبعي ساكن مكة المكرمة. ولد
بمكة المعظمة سنة ١٠٦١ وتوفي سنة ١١١٩ ثامن عشر ذي الحجة بمكة
المكرمة وأرخ وفاته ولده السيد مصطفى بقول: دخل الجنات وكان أبوه
استوطن مكة المكرمة ثم مات أبوه وله سبع سنين فكفله اخوه السيد زين
العابدين فعلمه القراءة والكتابة ولما بلغ اثني عشر عاما توفي اخوه أيضا
فتولى تربيته جماعة من تلامذة أبيه واخذ العلم عنهم وعن غيرهم من علماء
الخاصة والعامة. وفي أمل الآمل فاضل صالح شاعر أديب اه وفي
تكملة أمل الآمل يروي عن أخيه لأبيه صاحب المدارك وأخيه لامه صاحب
المعالم وقيل يروي عن أبيه ويروي عن الميرزا محمد الرجالي وعن الشيخ
البهائي ويروي عنه جماعة لأنه كان حلة للاجلة وشيخ علماء الجلة ويروي
عنه الشيخ علي السبط والشيخ قاسم الفقيه الكاظمي والشيخ علي ابن
سليمان البحراني المعروف بام الحديث والسيد هاشم بن الحسين بن عبد
الرؤوف الأحسائي وغيرهم اه. وذكره المحبي في خلاصة الأثر في اخر
ترجمة أخيه السيد جمال الدين فقال كما اخبرني بذلك اخوه روح الأديب
السيد علي بمكة المشرفة اه وذكره ولده السيد عباس في نزهة الجليس
باسجاع كثيرة خلاصتها مع حذف الأسجاع فقال جهبذ عزيز فاضل تفرد
بعلم البديع والمعاني وتوحد بالنحو والصرف وتعزز في اللغة وعلوم الأوائل
وتبحر في سائر العلوم إلى كرم يخجل قطر المطر واخلاق الطف وأرق من
نسمة السحر أفضل من نثر من البلغاء ونظم كان بمكة المشرفة كالحجر
الأسود موقرا مكرما عند السادة آل الحسن وجميع الرؤساء والوزراء والأكابر
ومن شعره قوله.
عجبت لجسم كالحرير منعم * يضم فؤادا قد من حجر صلد
لها الله من رعبوبة سفكت دمي * بمرهف ماضي اللحظ منها على عمد
تعشقتها أخت المهاة خريدة * ثوى حبها في القلب مذ كنت في المهد
فعني إليك اليوم يا لائمي اتئد * أ تحسب ان اللوم في حبها يجدي
وأقسم بالمسود من مسك خالها * وبالشفق المحمر من صفحة الخد
وبالمقلة النجلاء والمبسم الذي * تستر بالياقوت والمرشف الشهدي
لو أنك تشكو ما بقلبي عذرتني * وما لمت لكن ما بقلبك ما عندي
وقله معارضا كافيا البهائي التي أولها يا نديمي بمهجتي أفديك:
رحمة يا معذبي لفتى * نفسه من اذى الردى تفديك
لم يزل في الهوى أخا شجن * يا منى القلب مستهاما فيك
والذي قد كساك ثوب بها * انا راض بكل ما يرضيك
نم قريرا فان لي مقلا * لم تذق لذة الكرى وأبيك
وترك صاحب الترجمة ثلاثة أولاد وهم السيد مصطفى والسيد
سليمان والسيد عباس إما السيد سليمان فذكر اخوه السيد عباس في
نزهة الجليس انه اجتمع به بمكة المكرمة عام ١١٣١ وانه توفي بمكة عام
١١٣٤ واخوه المذكور ببلاد الهند وانه رثاه بأبيات أولها:
الا ان هذا الخطب للقلب صدها * وواصل من عيني ما عشت أدمعا
ويا شامتا بالموت والموت خلفه * فلا بد يوما ان تجيب إذا دعا
واما السيد مصطفى فترك أربعة أولاد السيد علي والسيد حيدر والسيد
نور الدين والسيد مرتضى. وفي بغية الراغبين ان الأخير جد السادة
المعروفين بال مرتضى المقيمين بمدينة صور واما السيد عباس فمذكور في
بابه.
السيد علي ابن السيد طالب بدر الدين
توفي في مجدل سلم سنة ١٣٦٧ وكان شاعرا أديبا فمن شعره قوله
يعزي السيد علي ابن عم المؤلف السيد محمود عن فقد عقيلته سنة
١٣٢٣.
فجعت يد الأيام والغير * كهف الأنام وواحد البشر
بمصونة تركت رزيتها * عين التقى والمجد في سهر
اودى الحمام بها فغيبها * وكذا أفول الأنجم الزهر
يا دهر هل تدري الغداة بمن * انشبت في ناب وفي ظفر
علوية الجدين طاهرة البر * دين في صون وفي خفر
من أسرة بلغوا السماء علاء * بالفضل والخطية السمر
يا دهر ما صنعت يداك وما * ساقت يد الاقدار والغير
ثلث عروش المكرمات وما * أبقت لعز الصون من اثر
تركت عيون المجد دامية * ووحيد هذا العصر في كدر
كيف استطاعت ان تجوس حمى * ما زال امن الخائف الحذر
تحميه آيات العلى فما * تدنو إليه طوارق القدر
مولى الورى من سار نائله * في الكون سير الشمس والقمر
كشاف داجية الخطوب إذا * عادت ذوو الألباب والفكر
يستل من إرائة بثرا * تغني عن الصمصامة الذكر
هو حجة للدين بالغة * في الناس من بدو ومن حضر
هو حجة العلماء واحدها * وعميدها في الحادث النكر
علي بن علي الصغير الوائلي العاملي من امراء جبل عامل.
قتل سنة ١٠٧٢ هو وأولاده على ما ذكره الشيخ محمد بن مجير العنقاني
في تاريخه المختصر قال وقتل عاصي وأولاده وقتل قرقماس بن معن وقال
قبل ذلك أنه في سنة ١٠٧٠ صارت صيدا باشوية وكان أولهم علي باشا
وبعده محمد باشا في ثاني سنة وقتل قمرقماس بن معن اه والظاهر أنه
قتل المترجم وأولاده كان في الفتنة العظيمة التي حدثت بين علي باشا الدفتر
دار أول باشا ولي صيدا وبين امراء الشيعة جبل عامل فقد ذكر الأمير حيدر
في تاريخه انه في سنة ١٠٧١ قدم علي باشا الدفتردار إلى صيدا وهو أول من
تولاها من الباشوات وتعينت باشاوية من ذلك الوقت ليرفع حكم العرب
عنها وكانت فتنة عظيمة بينه وبين مشائخ المتأولة. وفي سنة ١٠٧٣ عزل علي
باشا الدفتردار عن مدينة صيدا وتولى مكانه محمد باشا فكتب إلى الأمير
قرقماز والأمير احمد المعنيين ولدي الأمير ملحم حاكمي جبل الشوف واخر
من حكم منهم بالأمان وكانا مختفيين في كسروان فحضروا فغدر بهما فقتل
قرقماز وهرب احمد بعد ما أصابه سيف في رقبته.
(٢٩٠)

الشيخ علي بن علي رضا الخوئي.
ولد سنة ١٢٩٢ وتوفي سنة ١٣٥٠ له تعليق على مبحث التعادل
والترجيح من كتاب المعالم وله تعديل الأوج والحضيض في لفي الجبر
والتفويض وله تقريرات أصولية وفقهية في مجلد كبير.
أبو الحسين علي الأصغر بن علي زين العابدين ع.
وهو أصغر أولاده وهو من أم ولد سندية مع أخت منها اسمها خديجة
وعقبه مع ابنه الحسن الأفطس.
المولى علي بن علي النجار التستري.
قال السيد عبد الله بن نور الدين بن نعمة الله الجزائري: أخي
وثقتي وخاصتي العالم الورع الجليل الذي لا يماثل بكفو ولا عديل امام
الجماعة ومقتدى أهل التقوى والقناعة تعاشرنا من أول الترعرع إلى الآن
من غير ملل ولم أعثر منه على عثرة ولا زلل ولم ارض به بدلا ولم ابغ عنه
حولا سافر لطلب العلم إلى خراسان وأصبهان مرتين ثم رجع واشتغل على
والدي وتشاركنا في أكثر الدروس وهو الذي امرني بشرح النخبة المحسنية
لان جماعة من الطلبة كانوا مشتغلين بها عليه وهو يشرفني كل يوم باقدامه
الشريفة ويفيدني من فوائده الأنيقة الطريفة ويزين محضري بحضوره وينور
ساحتي بأشعة نوره وينبهني في مواقع الغفلة ويلط الستر على ما يبدر مني
هفوة أو زلة ويقوم اودي والتمس منه دعاءه في الخطوب المهمة واستكشف
بهمته الكروب المدلهمة اه.
المولى زين الدين علي ابن عين الخوانساري.
يروي بالإجازة عن المير محمد حسين الخاتون آبادي سنة ١١٢٨ وهي
الإجازة الموسومة بمناقب الفضلاء. له العجالة في رد مؤلف الرسالة وهي
رد على رسالة المولى حيدر علي الشيرواني في تحقيق معنى الناصر.
ميرزا علي أكبر خان بن أبي القاسم بن عيسى بن حسن الحسيني
الفراهاني.
توفي سنة ١٣٢٩ وهو جد الميرزا أبي القاسم قائم مقام صاحب الإنشاءات
له كتاب جان جهان في الأخلاق نظير گلستان مطبوع وله غيره من
المؤلفات.
بسم الله الرحمن الرحيم
على أثر صدور الجزء الذي خصص لترجمة المؤلف نشر الدكتور
حسين مروة هذه الكلمة تعليقا عليه:
قليلة في تراثنا الأدبي والفكري كتب السيرة بأقلام من عاشوا السيرة
أنفسهم. على حين ان كتابة الرجل الكبير سيرته بقلمه، تعد بذاتها عملا ذا
قيمة فكرية أو أدبية لا يقتصر شأنها على ما في هذا العمل من طرافة ومتعة
للذهن وللنفس معا، بل من شأنها كذلك ان تنير للباحثين السبل إلى حياة
صاحب السيرة بعد انقضاء زمنه، والى تفهم مذهبه في نواحي الفكر أو
الأدب، والى استيعاب عصره وأوضاع بيئته، والى التغلغل في مسارب
وجدانه وتجاريه الذاتية. ثم من شأنها أيضا ان تجنب الباحثين مواقع الزلل
في استخلاص الحقائق من امره. والاستدلال بها على الوجه العلمي
الصحيح.
أقول هذا وانا اقرأ الآن كتاب السيد محسن الأمين سيرته بقلمه
وأقلام آخرين وقد صدر حديثا.
والقراء يعرفون من هو السيد محسن الأمين، وما ذا تعني سيرة هذا
العالم الكبير الذي فقدناه منذ سنوات... فقد تنوعت كثيرا جوانب
شخصيته، وكانت كلها ذات خصب، ودخلت كلها حياة الناس في بيئته
وزمنه، إذ كان قليلا مثله في علماء الشريعة الاسلامية وفي رجال الدين، من
حيث السماحة في تفكيره، ومن حيث السعة في آفاقه العقلية، ومن حيث
امتداد الصلة بين حياته وحياة مجتمعه العربي والإسلامي، ثم من حيث
تصديه للأباطيل الشائعة يبددها من عادات الناس وأذهانهم، ليرد التفكير
الديني والعقائد الاسلامية إلى العافية والفاعلية الاجتماعية النافعة.
هذه خصائص كانت أبرز ما عرف الناس من شخصية الأمين،
غير أنها خصائص طغت على جانبه الأدبي... لقد كان أديبا ذواقة، ونقادة،
ومنتجا. كان شاعرا يمارس النظم تعبيرا عن حالات وجدانية، واجتماعية،
ويمارسه لأغراض وصفية وتعليمية.
ولكن حين نقرأ سيرته بقلمه، نعلم أن جانبا من شخصيته كان يمكن
ان يظل مجهولا لو لم يكتب لنا هذه السيرة الطريفة بنفسه.
يبدو لي الآن، وقد قرأت هذه السيرة، ان السيد محسن الأمين لو
لم يكن فقيها ورجل دين ومصلحا، لكان أبرع كاتب يكتب السير
الشخصية... انه يدخل إلى حياته الوجدانية، والى حياته العامة، والى
حيوات الآخرين، والى عادات عصره ومجتمعه وتقاليدهما وأوضاعهما،
فيحدث عن هذه جميعا ببساطة عجيبة، وبرمح سمح، وبتفصيل شيق،
وبصراحة تحسبها سذاجة أول وهلة، ثم تراها طريقة خاصة رسمها لنفسه
في معايشة الناس، أو لعلها فلسفة اختارها سبيله في اقتحام ظروف الحياة
ومعالجة هذه الظروف وتطويعها لنفسه وللناس.
لقد صرت، بعد قراءة هذه السيرة، أوسع وأعمق فهما للرجل الكبير
الذي لا يزال حيا باثاره الكبيرة. حسين مروة
الشيخ علي شرارة ابن الشيخ احمد ابن الشيخ امين (١).
ولد في بنت جبيل سنة ١٣٠٢ وتوفي فيها سنة ١٣٧٥.
كان معظم دراسته في مدرسة السيد نجيب فضل الله فقد لزم ابن عمه
الشيخ عبد الكريم مدة وجوده في جبل عامل في تلك المدرسة فدرس عليه
بعض المقدمات ثم درس على الشيخ موسى مغنية وانقطع إلى السيد نجيب
فضل الله إلى أن عاد ابن عمه الشيخ عبد الكريم من العراق فانقطع إليه
ولكن المدة كانت قصيرة أعقبتها الحرب العالمية الأولى فكانت عائقا له عن
الوصول إلى اكمال بغيته على أنه كان يعد من الفضلاء المبرزين حاضر
البديهة كثير الحفظ سريع الجواب لا تغيب عنه نكتة أدبية محيط بالفروع
الفقهية والعلوم العربية ذو ذوق جميل، درس عليه جملة من الفضلاء وقد
دعته أعباء العائلة بعد الحرب العالمية الأولى ان يلتزم وظيفة التدريس في

(١) مما استدركناه على مسودات الكتاب (ح).
(٢٩١)

مدارس الحكومة فربى أجيالا من الناشئة مدة عشرين سنة انتقل فيها إلى
عدة بلدان.
آثاره
كان له شعر كثير وأكثره في المناسبات في الرثاء أو في التهاني وله في
غير ذلك فقد كانت تجري بينه وبين أدباء عصره محاورات تشتمل على
طرائف أدبية ولكن فقد أكثره ولم نجد منه الا القليل وله منظومة شعرية في
مستحبات الفقه.
واليك قسما من نظمه في الدور الأخير من حياته.
اضطرته الحياة لان يقيم بعيدا عن أهله فعاش مدة من الزمن وحيدا
يقاسي ألم الغربة وعناء البرد وقسوة الوحدة فأرسل لاحد أولاده هذه
القصيدة التي يصف بها تلك الفترة:
القر في جيشه الجرار محتشد * والريح عاصفة والثلج مطرد
ملء الوهاد وهاتيك الهضاب وفي * أعلى الجبال جبال ما لها عدد
كيف التفت تراه أبيضا يققا * كأنه الطهر لم يرتب به أحد
لم يبق كوخا ولا بيتا وزاوية * الا وراح لها يعلو ويضطهد
كأنما هو جيش ظافر حنق * يحتل ما شاء وهو الغاضب الحرد
قد حل فينا حلول السقم في دنف * عنه أحبته والاهل قد بعدوا
ولا صديق يواسيه ويؤنسه * ولا ولي حميم لا ولا عضد
ولا طبيب نطاسي يعالجه * علاج ذي مقة يشفى به العمد
والليل من طوله كالدهر ليس له * من آخر ونهاري كله صرد
ولا سبيل إلى دف ء أرد به * من ثورة البرد مهما رحت اجتهد
لا فحم من حجر لا فحم من حطب * كلا الوقودين ممنوع ومفتقد
مدثر بلحافي لا أفارقه * مزمل قابع في البيت منفرد
لو لم أكن لصروف الدهر محتملا * وللخطوب لخان الصبر والجلد
لكنني قط لم اضرع لنازله * ولا شكوت وان جل الذي أجد
ما عدمت من الأقوام عاطفة * فالكل لي وزر والكل لي عضدد
هي الحياة سعيد ذا وذاك بها * اضحى شقيا وقد قل الالى سعدوا
أين الالى ملكوا الدنيا بأجعها * ورد هني وعيش كله رغد
سرعان ما ارتحلوا عنها إلى حفر * وما أفادهم مال ولا ولد
وقال بعنوان حامل شهادة:
كم حامل لشهادة ودماغه * صفر بغير حجى ولا أحلام
بين العواطف والكمال وبينه * سد غدا في غاية الاحكام
حسب الشهادة كل شئ فانثنى * وبنفسه حنق على الأيام
وكجيبه عند الفضائل نفسه * في غاية الافلاس والاعدام
أخلاقه مرذولة وحديثه * ينبو عن الاسماع والافهام
وإذا يكون بمجلس مع غيره * فكانه صنم من الأصنام
كالسلحفاة يمد فيه رأسه * وعن الكلام تراه في احجام
وإذا تلكم قال: تلك شهادتي * في كل ناد تقتضي اكرامي
وقال بعنوان اغتيال برنادوت وهو الوسيط الدولي الذي اغتاله
اليهود سنة ١٩٤٨:
حقنت دماء الماكرين اولي الغدر * وبالسر قد ناضلت عنهم وبالجهر
مددتهم بالمال والجند والغذا * وأعتدة للحرب جلت عن الحصر
ففي الهدنة الأولى حفظت حياتهم * وقد حلت بين العرب والفتح والنصر
وكنت لهم مثل السموأل في الوفا * ومثل سنمار جزيت بلا وزر
ولولاك كانت للمواضي نفوسهم * وأشلاؤهم للطير والوحش والنسر
فكنت لهم يا برندوت دريئة * من الفتك والتنكيل والقتل والأسر
قطعت المسافات الطوال لأجلهم * وما من ثواب ترتجيه ولا أجر
تطير إلى لبنان طورا وتارة * إلى ارض عمان وطورا إلى مصر
وفي القدس ضيفا نازلا كنت عندهم * تبلغهم ما ذا حملت من الامر
أتيت ولم تضمر سوى الخير كله * لهم وهم لا يضمرون سوى الشر
وقال:
ولرب قائلة وفي أحشائها * ما بعضه يأتي على الأحشاء
العلم عندك ما تقول وانه * عند الآلي تدعو لأكبر داء
تدعو إليه بملء ء فيك مجاهرا * أو ما تحاذر سطوة الزعماء
تدعو إليه وضدك القوم الالى * هم ساسة الأقطار والارجاء
سادوا ولكن لا بفضل مناقب * وعلا وحسن رعاية ووفاء
بل جدهم والجهل فيك سما بهم * فخضعت طوع إشارة ونداء
سل عنهم هل من نجيب فيهم * أو ماجد ذي غيرة وإباء
هل من غيور تستجن به إذا * نابتك نائبة من الأسواء
هيهات ما فيهم سوى متكبر * تقذى برؤيته عيون الرائي
لو كان علم في البلاد لما غدت * نهبا تعيث بها يد الأهواء
وقال:
حمى ورد خدك ان يقتطف * بصدغك عقربه المنعطف
ونبال لحظك لم يتخذ * سوى القلب من غرض أو هدف
وقرقف ثغرك من دونه * حياض المنية للمرتشف
وفرعك إما دجى ليله * فصبح محياك يجلو السدف
طويت هواك ولكنه * له الدمع ينشر إما ذرف
تحور علي ولا ذنب لي * سوى انني بك صب كلف
فمن لغليلي وما ان يبل * بغير جنى ريقه لو عطف
وغيداء قد زرتها والرقيب * بميل الكرى طرفه منطرف
فحييت إذ جئت قالت الا * تراعي الوشاة ولما تخف
فقلت أتيت وما ساهر * هناك وذا الليل مرخى السجف
وقد قادني الشوق قسرا إلى * حماك وما عنه لي منصرف
وعز اصطباري فلا صبر لي * واني بكم لشديد الكلف
فقالت وما ذا عسى ان يكون * وأنت الذي بالعفاف اتصف
فقلت أجل غير أن الفؤاد * به ظما قاده للتلف
فرحماك ان الغرام * على غير مغناك بي ما وقف
فراضت فرحت وما ابتغيه * وبت المحكم في المرتشف
انزه في حسنها ناظري * ومن خدها ورده اقتطف
فتبسم عن مثل نور أقاح * وتفتر عن برد مرتصف
وقائلة لي أين الالى * بهم كنت ذا منعة أو كنف
وفيهم ربوعك مأهولة * وشمل السرور بهم مؤتلف
فقلت نأوا في طلاب العلى * وحلوا العراق وارض النجف
منازل تهوى قلوب الورى * إليها ويأوي العلى والشرف
(٢٩٢)

وكعبة فضل تحط الرحال * بساحتها خلفا عن سلف
فيا معشرا كلهم عاكف * على الفضل من بحره يغترف
لأنتم نجوم سماء الهدى * دياجي الخطوب بكم تنكشف
وقال يرثي ابن عمه الشيخ عبد الكريم:
عليك دما قد أرسلت عبراتها * شؤني عسى يطفي البكا حسراتها
وهيهات ما ارسالها الدمع نافع * وبالأمس قد واروا جلاء قذاتها
وقفت برسم الدار وقفة منكر * معارفها والحزن عم جهاتها
وقفت ولي بين الجوانح زفرة * تجف مياه الأرض من لفحاتها
وقفت ونار الوجد تسعر بالحشا * ولي أضلع لفت على جمراتها
وعهدي بها تزهو سرورا وبهجة * وتأوي إليها الناس في معضلاتها
ولو نطقت قالت بمن أزدهي وقد * رمت واحد الأيام في مردياتها
فلهفي على فتيانها كيف وجدهم * عليه ووا لهفي على فتياتها
ويا وحشة الدنيا وكانت أنيسة * ويا بؤس ما فيها وبؤس حياتها
لقد فقدت منه الورى بدر هديها * وملجا عانيها وغيث عفاتها
له ذات قدس عز في الناس مثلها * بنفسي ما أحلى وأعلى صفاتها
إباء تقى زهدا عفافا ونائلا * وعلما وحلما ذاك بعض سماتها
أبا محسن تفديك نفسي وأ نفس * ترى موتها أحرى بها من حياتها
أ يهدأ قلبي ساعة من وجيبه * أ تالف اجفاني لذيذ سناتها
وقد ضاقت الأرض الفضاء برحبها * على فما انفك رهن فلاتها
بآية كف استجن واتقي الخطوب * إذا ما أقبلت بهناتها
ومن ذا الذي ان ساورتني نكبة * من الدهر يوما كنت لي من وقاتها
ومن لندوب في حشاي ممضة * عزيزة برء كنت لي من أساتها
أتيت فألفيت الأنام بغمرة * من الجهل حيري في دجى ظلماتها
تتيه فلا تدري الطريق إلى الهدى * وتخبط لا تدري سبيل نجاتها
فأنقذتها من غمرة الغي والعمى * سريعا وقومت إعوجاج قناتها
فكم شبه أوضحت كانت مزلة * فرحت مقيلا من أذى عثراتها
وكم السن أخرستها بعد نطقها * وكم أرجل قصرت من خطواتها
مضيت نقي الثوب غير مدنس * بشئ من الدنيا ولا تبعاتها
رضيت بنزر العيش فيها قناعة * وبالغت بالاعراض عن طيباتها
لقد كنت لا تأسو على فائت بها * ولا فرحا منها بأسنى هباتها
ليهنك يا عبد الكريم نعيمها * بجنات عدن تجتني ثمراتها
الشيخ علي عز الدين ابن الحاج كاظم ابن الحسن بن
إبراهيم (١).
كان فاضلا أديبا شاعرا ولد في دير قانون النهر سنة ١٢٨١ وقرأ
القرآن على الشيخ طالب مغنية ثم انتقل إلى حناوية فدرس النحو والصرف
والمنطق والمعاني والبيان والفقه والأصول على الشيخ إبراهيم عز الدين كما
درس في حناوية الطب القديم على السيد محمد آل إبراهيم وألف فيه رسالة
جاء بخطه في أولها: وبعد فهذا مختصر يشتمل على زبدة ما يجب
استحضاره من صناعة الطب انتخبته من كتب المتقدمين ورتبته على عشر
مقالات الأولى في الأمور الطبيعية وهي مشتملة على فصول الفصل الأول
في الأركان والأمزجة ثم انتقل من حناوية إلى بلده دير قانون النهر.
شعره
قال من قصيدة:
شبوب لا تجارى في سباق * وإن كان السباق مع الطيور
ومقربة تقرب لي مرادي * وتبعدني عن الخطر الخطير
تمانع غير فارسها ركابا * وتجنح نحوه ميل السمير
هي الشهباء فارية الفيافي * بعزم ثاقب صلد الصخور
شبوب بي إلى العليا كأني * علوت بها على هام الأثير
ولي أمل أجوب بها الفيافي * إلى ارض الغري حمى الأمير
من انتشأت له الأملاك طرا * أمير المؤمنين أبو شبير
مغيث الخلق غيث الجود مولى * شفيع العالمين من السعير
عليه ما همى غيث بأرض * سلام الدائم الحي القدير
وله:
أ شذاك أم عرف الخزامي ينفح * وبريق ثغرك أم بروق تلمح
ومعاطف من لين قدك تنثني * أم تلك أغصان القسي ترنح
ونبال راء ما رمين حشاشتي * أم سهم لحظك في فؤادي يجرح
يا ريم هل لي من رضا بك نهلة * أو زورة أو طيف شخصك يسنح
بالله صل صبا بحبك مغرما * بفؤاده داعي هواك مبرح
لم يبق حبك من فؤادي موضعا * الا وفيه للصبابة مطرح
فعلا م حرمت الوصال ولم أكن * اجني عليك ولم أطع من ينصح
وله:
وانظري النهر وتجعيد الرياح * ماءه الصافي بعين صافيه
جنة تجري بها الأنهار في * حيث لا تسمع فيها لاغيه
فارقصي تيها وميسي طربا * وأصغى للأطيار أذنا واعيه
واسمعي تغريدها فوق الغصون * بلبل شادي وقمري صافر
تشكر الصانع في تغريدها * وغناها لذة للسامعين
وانظري الشمس تجلت في السما * وتراءت لعيون الناظرين
سنة الله بكل كوكب * فلم عنا سناك تحجبين؟
وله:
ما بين رملة عالج وزرود * وتلال رامة والنقى الصيخود
قلبي أصيب بأسهم مطرورة * من قوس لحظ فاتر وخدود
عجبا لظبي يشتكي ضعف الحشا * ويصيد أفئدة الليوث الصيد
إلى أن يقول:
أيام كنت من الشباب مجللا * بمناقبي وعلي فضل برود
حتى بدا فجر المشيب مشعشعا * في عارضي ولمتي ووريدي
ان المشيب لهيبة وجلالة * وسناء فضل طارف وتليد
وله قصيدة يهنئ بها أخاه الشيخ كاظم عند قدومه من الحج:
سل سرحة الوادي واثل الريف * بين المحصب من منى والخيف
هل جاز في تلعاتها متروحا * من عالج رهط الظباء الهيف؟
سرب على غدران رامة وارد * اوفى يريث الخطو غير مخوف
اهوى على ورد الغدير وللصبا * بين الغصون تحرش بوزيف
فأحس من ذاك الحفيف بنباة * بثته بين تناؤف وشعوف
فانحار ثمة نافرا متلفتا * وجلا بقلب ذي جوى ووجيف

(١) مما استدركناه على مسودات الكتاب " ح ".
(٢٩٣)

عجبا تذاد الورود مروعة * بصرير أغصان وهمس حفيف
وتهاب سطوة لحظها أسد الشري * من كل مقدام وليث غريف
غيد حكت لدن الثقاف قدودها * من كل ظامية الوشاح رشوف
ريا المخلخل فرعها ريحانة * من فوق غصن القد ذات رفيف
ومهفهف عذب اللمى وجناته * ورد ولكن ليس بالمقطوف
من لي بهاتيك الظباء شواردا * عافت ترافة رفرف وشنوف
يا صاحبي قفا نظريكما * ان جزتما بين النقا وثقيف
واستمطرا دمعيكما دمنا عفت * بتتابع الأنواء والتصريف
دمن لعمري ما وقفت برمسها * الا وأبت على جوى موقوف
وذكرت والذكرى تهيج بلابل * الولهى زمان ترافتي وشفوفي
جادت معالمها البروق بصيب * رق النسيم بسحبها وطفيف
تالله لا انسى عهود معاهد * قد كان فيها مربعي ومصيفي
بشذاك يا ريح النعامى * روحي روحي ولهف فؤادي المشغوف
هبت وضاع عبيرها فتنبهت * للروح أفئدة وشم أنوف
وتأرجت منها نواحي دوحتي * طيبا فقلت لصحبتي واليفي
من أين ذا الطيب الذي ملأ الفضا؟ * أ من النسيم سرى بغير حريف
وأظن عير أبي الكليم من الصفا * فصلت ففاح عبيرها بسجوف
قالوا أجل ذا نشر مكة فاح من * ريا بشير جل عن تعنيف
إذ جاء بالبشرى بأكرم سيد * عند العظائم باسمه مهتوف
ناديت أي هذا المبشر حبذا * لي أنت، أنت مدى الزمان حليفي
لو أن لي روحا سواه وهبتها * لك يا فديت من الردي بألوف
أهديت لي جذلا لعمري ما له * مثل يقاس بتالد وطريف
وأسغت لي كأس إلهنا وأمطت غاشية * القذا عن طرفي المطروف
يا سعد قد راض الزمان فهاتها * مشمولة صرفا بلا تطفيف
وقال يهنئ ابن عمه الشيخ إبراهيم بقدومه من الحج:
حياك يا سرحة ملتف السلم * بين العذيب فزرود والعلم
برق كهبهاب اللظى تضحك عن * وميضه لماعة من الديم
وجاد مغناك الاغن ثرة * ترقرق الوسمي فيها وانسجم
لولاك لم استومض البرق ولا * طل على الأطلال لي دمع ودم
ولا حبست مهجتي وقفا على * مسرح واديك وجرعا ذي سلم
ان لم أهاجر لمحانيك فلا * جرى بقرطاس المعالي لي قلم
ولا رشفت سلسل الثغر إذا * لم ارو مياد القنا ماء القمم
سأصدع البيداء خائضا على * ذاملة تلف بالسهل اأكم
تخب في مضلة ما انتعلت * بأرضها خف بعير أو قدم
تقتات من لفح الهجير بالفلا * وتشرب الآل من القفر الأصم
ان حثحث الحادي المهاري أسادت * تعتسف البر وسيرها رسم
تؤم وعثاء العذيب علها * ترتاح من وعثاء السياط واللقم
فثم رهط الريم ظل راتعا * سرب على الأراك ضحوة ألم
من غادة مترفة الخد صبا * تختال في مرطي شباب ولمم
وأغيد مكحولة اجفانه * لكن بمرود الفتور والسقم
تبطن الوادي الخصيب ملعبا * لم يخش فيه قانصا ولا زيم
يلعب بالروض الأنيق مارحا * في زهرة الغض وورده الجمم
يا سعد ما أبهجها خميلة * راض بها الربيع والزهر أبتسم
ورق مصواع الشذى منها كان * عرف أبي محمد فيها نسم
القائل القول يليه فعله * والحازم الرأي إذا هم عزم
ذو طلعة غراء كالصبح سنا * جر عليها الفضل سالف النعم
علي بن رزين بن عثمان بن عبد الرحمان بن عبد الله بن بديل بن ورقاء
الخزاعي أخو دعبل الخزاعي.
من أصحاب الرضا ع يروي عنه ولده إسماعيل بن
علي، روى الشيخ الطوسي في الأمالي بسنده عن علي بن علي صاحب
الترجمة قال حدثنا سيدي أبو الحسن علي بن موسى الرضا ع
بطوس سنة ١٩٨ وفيها رحلنا إليه على طريق البصرة وصادفنا عبد الرحمن
بن مهدي عليلا فأقمنا عليه أياما ومات عبد الرحمن بن مهدي وحضرنا
جنازته وصلى عليه إسماعيل بن جعفر ورحلنا إلى سيدي انا وأخي دعبل
فأقمنا عنده إلى اخر سنة ٢٠٠ وخرجنا إلى قم بعد.
عز الدين أبو الحسن علي بن علي بن الحسن العلوي المقري.
كان عالما بالقرآن واستنباط المعاني منه، أنشد:
حسبك من فخر وان كنت في * نهاية الخسة والسخف
انك من جنس الذي ذكره * في سورة الأعراف والكهف
في سورة الأعراف قوله تعالى كمثل الكلب الآية وفي الكهف ذكر
كلب أصحاب الكهف (١).
الميرزا السيد علي ابن ميرزا علي رضا الطباطبائي اليزدي المشتهر بالمدرس.
توفي سنة ١٣١٦ في بلدة طبس آيبا من زيارة الرضا
ع.
كان من أعيان علماء يزد عالما ربانيا فقيها شاعرا بالفارسية أقر بفضله
معاصروه كالميرزا الشيرازي وغيره. له مؤلفات منها إلهام الحجة في أصول
العقائد فارسي مطبوع حسن في بابه وهو من أسرة طباطبائية في يزد يعرف
أفرادها بالمدرس.
الشيخ أبو القاسم علي بن علي بن جمال الدين محمد بن طي العاملي
الفقعاني نسبة إلى فقعية بفاء مفتوحة فقاف ساكنة فعين مهملة متفوحة
فمثناة تحتية ساكنة فهاء، قرية في ساحل صور من جبل عامل.
توفي سنة ٨٥٥.
ذكره في أمل الآمل في القسم الثاني المعد لغير علماء جبل عامل
فقال: علي بن طي كان فاضلا يروي عنه محمد بن داود العاملي اه
ولكن عن رياض العلماء انه من علماء جبل عامل وان له رسالة في العقود
والايقاعات وكتاب المسائل الفقهية فرع منه سنة ٨٢٤ وقد جمع فيه مسائل
وفوائد من نفسه ومسائل وفتاوى اخر من غيره قال في أوله إما بعد فاني
استمد من الله المعونة وتيسير المئونة على جمع مسائل كتاب المسائل كل مسالة
في كتابها المختصة به وأضيف إليها من غيرها مسائل اخر هي مسائل
الشيخين الامامين المرحومين ابن مكي وابن نجم الدين أسكنهم الله في أعلى
غرف الجنة بحرمة النبي والأئمة وهي مرتبة على عدة كتب ومقاصد. وفي
تكملة أمل الآمل عندي نسخة منها قال في آخرها: تمت المسائل المفيدة
بالألفاظ الحميدة لذوي الألباب والبصائر السديدة من مسائل السيد الأمجد

(١) معجم الآداب.
(٢٩٤)

نجم الدين والشهيد المرحوم قلت والسيد ابن نجم الدين هو السيد بدر
الدين حسن بن أيوب المعروف بابن نجم الدين الطراوي العاملي المتقدم
اه وفي زاد المعاد للمجلسي نقلا عن كتاب زوائد الفوائد للسيد علي بن
طاوس في اعمال ربيع الأول انه اورد حديثا في اتخاذ يوم التاسع منه يوم
عيد وساق الحديث بطوله إلى أن قال في اخره قال صاحب زوائد الفوائد
كتبت هذا الحديث من خط علي بن محمد بن طي رحمه الله اه والظاهر أنه
صاحب الترجمة نسب إلى جده كما يقع كثيرا وفي ذلك دلالة على أنه
معروف وبالفضل موصوف وهو من تلاميذ أحمد بن محمد بن فهد الحلي،
كان عالما فاضلا أديبا شاعرا، ومن شعره قصيدة يرثي بها شيخه المذكور
ويصف بها كتابه المهذب البارع. وفي مجالس المؤمنين لعلي بن طي هذا
قصيدة يتشوق فيها إلى رؤية ابن فهد ومصاحبته وذلك قبل تلمذه عليه
منها:
معاقرة الأوطان ذل وباطل * ولا سيما ان قارنتها الغوائل
فما العز الا حيث أنت موفر * وما الفضل الا حيث ما أنت فاضل
وما الأهل الا من رأى لك مثلما * رأيت والا فالمودة باطل
إذا كنت لا تنفي عن النفس ضيمها * فأنت لعمري القاصر المتطاول
يعز على ذي الفضل ان يستفزه * إلى حيث لا يرضى له العلم ذاهل
يرد عليه القول والقول قوله * وينكر منه فضله المتكامل
الا ان هذا الدهر لم يسم عنده * من الناس الا جافل العقل ذاهل
فقم شد سرج الحزم من فوق سابح * يفوت الصبا منه على الشد كاهل
وعرج على أرض العراق ميمما * إلى بلد فيه الهدى والفضائل
أنخ بنواحي بابل بعراصها * فثم مقام دونه النجم نازل
وحي فتى طال السحاب بطوله * وجاء بما لم تستطعه الأوائل
همام إذا ما اهتز للبحث وافقت * ماربه فيما يروم المسائل
تفرد حتى قصر الكل دونه * فها هو فرد في الفضائل كامل
وسله إذا ما جئته دعواته * لذي وله عزت عليه الرسائل
الشيخ علي أبو الحسن بن الحاج حسن بن مهدي الخنيزي (١).
مولده ووفاته
ولد في القطيف في رجب سنة ١٢٩١ وتوفي ودفن فيها في ٢١ ذي
القعدة سنة ١٣٦٣.
والده وأسرته
كان والده الحاج حسن علي جانب من التدين فكانت تجري عنده
بعض المعاملات والعقود الشرعية، حيث إن البلاد كانت آنذاك خالية من
العلماء فكان أبناء الشعب يوقفون على يديه بعض الأوقاف وربما جعلوا
ولاية بعضها له وكانت جميع حجج المبيعات، والمشريات متوجة بشهادته.
وآل الخنيزي: طائفة عربية عريقة... كانت تسكن
البحرين ثم نزحت عنها إلى القطيف، منذ أمد بعيد.
بعض ما قيل في حقه.
قال الأستاذ محمد سعيد المسلم:
خلف في شعبه أكبر الأثر من خدماته الوطنية وعلمه الجم وقد أذكى
القبسة العلمية حتى استضاء بها القريب والبعيد فاودع في قلوب تلاميذه
وشعبه اثرا لا يمحى ولا يزول.
وقال الخطيب ميرزا حسين البريكي:
هو الرجل الأول وفي ظني الأكيد انه الرجل الأخير الذي قام أو يقوم
بتشكيل البحث الخارج: فقها وأصولا وحكمة وكلاما في القطيف على
شكل البحث العلمي الديني في النجف الأشرف.
وقال السيد مرتضى الحكيمي:
عندما مكث في وطنه واستغنى عن النجف أتاح له ان يتخرج على
يديه العلماء والمجتهدون وكان أيضا تأهله للقضاء هو لبلوغه درجة
الاجتهاد، وحصول شروطه العسيرة في شخصه.
وقال السيد محمد رضا الحكيم:
ولعل من أظهر مظاهر هذه الشخصية هو هذا الكفاح في توجيه أبناء
أمته وقومه توجيها صحيحا والاخذ بيدهم إلى حيث الفضيلة والكمال.
أحواله
حج سنة ١٣١٣ على طريق البحر ثم زار المدينة المنورة وفي السنة
التي تلتها كانت هجرته إلى النجف مصحوبا بأبيه ثم عاد والده إلى القطيف
ولم يلبث ان توفي سنة ١٣١٦ فاقبل المترجم على وطنه حيث مكث ستة
أشهر عاد بعدها إلى النجف حيث أكب على التحصيل حتى نال اجازة
الاجتهاد وكان خلال ذلك قد زار مشهد الرضا ع وفي عام
١٣٢٩ في شهر رجب عاد إلى وطنه واشتغل بحياته العلمية باذلا نفسه في
الخدمة الدينية والوطنية، فعقد بحثا خارجيا سنة ١٣٤٣ في مسجده الكبير
يجتمع حوله عدد غير قليل من الطلاب والفضلاء فأفاد جمعا غفيرا من
أولئك غير أن ذلك البحث لم يستمر فانقطع لسنتين من صدوره. ومما يؤثر
عنه انه كان يخرج إلى القرى والأرياف فيفقه الناس ويوجههم.
أساتذته
قرأ المقدمات على أساتذة من وطنه وهم: الشيخ محمد علي النهاس.
والشيخ عبد الله الشيخ ناصر آل نصر الله. وابنه الشيخ علي آل نصر الله.
والشيخ حسين والشيخ محمد علي آل عبد الجبار. والشيخ منصور الجشي.
وحضر في النجف دروس الشيخ هادي الهمداني والشيخ محمد طه نجف
والسيد أبو تراب الخوانساري والشيخ فتح الله الشهير بشيخ الشريعة ثم
انقطع إلى بحث الشيخ محمد كاظم الخراساني صاحب الكفاية.
تلاميذه
منهم الشيخ علي الجشي والشيخ محمد علي الجشي، والشيخ منصور
آل سيف وغيرهم.
مؤلفاته
له من المؤلفات: ١ روضة المسائل، ٢ قبسة العجلان في مرجع
الكفر والايمان، ٣ في عدة الحامل المتوفى عنها زوجها، ٤ الخلسة في

(١) مما استدركناه على مسودات الكتاب (ح).
(٢٩٥)

الزمن في معنى التسامح في أدلة السنن، ٥ مقدمة في أصول الدين، ٦
دلائل الاحكام، وهو شرح مهم على الشرائع، ٧ المناظرات الكمالية،
٨ الحاشية على كتاب إحقاق الحق. ٩ الرسالة الشكية، وهي مختصرة
من رسالته الكبرى، ١١ رسالة عملية صغرى، ١٢ نعم المنهج، وهو
منسك، ١٣ صراع الحق في مجلدين كبيرين، وله تعاليق كثيرة وحواش
عديدة غير متحدة الموضوع، بل متفرقة، حسب المناسبة، ولو جمعت لكانت
كتابا نفيسا.
شعره
له شعر قليل منه هذه الأبيات:
قد يطلب المرء السعادة والقضا * يأبى عليه والقضا غلاب
ويظن في برق الأماني وابلا * ان الأماني برقها خلاب
ويرى بان الدهر ينجز وعده * والدهر في ايعاده كذاب
وقوله:
سوف تراهم قد ادالوا له * وانتزعوا السلطان من كفه
وأنزلوه في حضيض الثرى * ينتظر الراحة في حتفه
وقوله:
فلو لا دموعي لاحترقت من الجوى * ولولا الجوى كنت الغريق من الدمع
أسر لهذا اليوم لا لسعوده * ولكن الدفع الله ما كان أنحسا
وقال في رثاء ابن له:
كيف أنساك حسينا * وفؤادي لك قبر
لست أنساك، وفي الا * حشاء من فقدك سعر
لست أنساك حبيبي * ما بقي عمر وفكر
وفيه يقول:
بفقدك يا حسين فقدت انسي * وفارقني سروري وارتياحي
ولا ينفك ذكرك من لساني * بليل أو غدو أو رواح
وليس يزان شخصك في خيالي * بليل، أو مساء، أو صباح
غشتك دجنة الارزاء حتى * تشاكل لون ليلك والصباح
قضى فيها حسين فانتشونا * بكأس الخطب سكران وصاحي
ولا عجب إذا سكر السكارى * فراح الخطب تقهر كل راح!
وفيه يقول:
مصابك يا حسين أذاب قلبي * وأجرى الدمع احمر من عيوني
وقولي الدمع تخييل ووهم * فذي نفسي تسيل من الجفون
وعارض بيتي ابن الآلوسي على تجريد الطوسي.
قد فاق تجريد النصير بحسنه * في مبدء، يتلوه حسن الخاتمة
يا راميا بالسوء حسن ختامه * السوء فيك فخلته في الخاتمة (١)!
من مراثيه
قال السيد محمد جمال الهاشمي يرثيه:
وقف المجد خاشعا لجلالك * فسلام العلا عليك وآلك
أنت حي كالفجر تهفو لك الروح * وتندك في جلال جمالك
قلت للموت: ويك دعه * فان النور اسمى مكانة من مجالك
هو من عالم الخلود ولا * ترشق الا الفناء سود نبالك
أ تخال الورود أوراقها الخضر * وكمامها وأمثال ذلك
وهي تحيى في العطر والعطر روح * أزلي الشذا برغم خيالك
يا شعاعا يهدي الحياة إذا ضلت * وضاعت في متعبات المسالك
طل كما شئت في الفضاء فان المجد * يهفو لواؤه في ظلالك
السنون الطوال مرت سراعا * بك كادهم إذ يمر ببالك
أهلكت زائفا من الجسم لكن * جوهر النفس لم تنشه المهالك
غللتك الحياة دهرا فاعلتك * وفك الردى عرى أغلالك
فعلى اليمن طر إلى الأفق النائي * ونل ما تشاء من آمالك
يا فقيد القطيف استغفر الله * لما قلت، يا فقيد الممالك
فنجوم الهدى وان خص فيها * أفق، فهي مهتدى كل سالك
لك ذكر كالحب يهفو له القلب * وشكر يرف في أعمالك
ان حقلا غرسته بمساعيك * نما منتجا ثمار نضالك
فعلى كل شرفة منك يسمو * قمر سحر وجهه من هلالك
ومحيطا ثقفته بمباديك * يروي العقول من سلسالك
يتعب الدهر وهو يمشي قويا * يستمد الكفاح من أقوالك
نم سعيدا فالله حقق آمالك * فيما خلفت من أشبالك
وقال ولده الشيخ عبد الحميد
يا خط للصبر الجميل ألا افزعي * نفذ القضاء وحم ما لم يدفع
غزت الخطوب السود ربعك وانبرى * ريب المنون يغول كل سميدع
ولعت بك الاحداث حتى أنها * تركتك دار مصائب وتفجع
ولقد خبا من أفقك النور الذي * قد كان يرشد للطريق المهيع
وقد انطوى حامي الحقيقة وارث * الأمناء بل نفس الوصي الأنزع
كان الصوى للسائرين وها هم * ضلوا الطريق ضحى بليل اسفع
كانت تلوذ به شريعة احمد * فيحلها في عزة وتمنع
نادي إذا احتشد الندي ولم تري * نور الإمامة ساطعا في المجمع
من للقضايا المشكلات يحلها * من للقضا من للبيان الارفع
من للأيامى الضائعات مؤمل * من للعفاة ولليتامى الخشع
سل عن أياديه القطيف... فإنها * كالغيث في روض أغن وبلقع (٢)
جفت أزاهير المنى وغديرها * ما بعد يومك من رجا أو مطمع
غادرتنا فتركتنا في ظلمة * نمشي حيارى ما لنا من مفزع
لم تبق غير حشاشة خفاقة * ومدامع حمر وقلب موجع
ويل لسلك قد تحمل نعيك الداوي * فلم يوهن ولم يتقطع
وافى به شطر الغري مجلجلا * كادت تثقف منه عوج الأضلع (٣)
قد كنت آمل ان أبشر باللقا * وإذا صدى الناعي يرن بمسمعي
عقدت رزيتك اللسان فخانني * نطق اللبيب الهزبري المصقع
فإذا القوافي المسلسات جوامح * وهي التي ان أدع لم تتمنع
لم أبك يا أبتي عليك وانما * أبكي على شعب هناك مضيع
قد كنت تلكؤه وكم من ليلة * من اجله قد بت نابي المضجع

(١) الأصل:
فاق النصير بحسن تجريد له * لكنه فيه أساء الخاتمة
يا خاتما بالسوء حسن كتابه * أو ما خشيت عليك سوء الخاتمة.
(٢) إشارة لمن حفظ اليد، ولمن ضيعها.
(٣) كان الشاعر عند وفاة أبيه في النجف.
(٢٩٦)

أبكي لمسجدك الحزين وبائس * يرجو وشمل للعلوم مصدع
بالأمس: أنت عليه ظل وارف * ويحل منك على الربيع الممرع
ان يبلغ الأقوام إربا خبهم * فلقد بلغت بعفة وتورع
لم تؤخذن منذ الشباب بزلة * نفس على غير التقى لم تطبع
أجهدت نفسك في الاله وموطن * حاولت ترفعه لأكرم موضع
ودأبت ترسل في الظلام أشعة * حتى بدأ فجر العلوم بأربعي
واليوم عاد إلى زمان جهالة * داجي الحواشي بالنفاق ملفع
أعددت لليوم الجنين عصابة * ما فيهم غير الأريب اللوذعي
هتكت حجاب الغيب فكرتك التي * كانت أحد من السيوف القطع
ألقيت امسى على نديك نظرة * فارتد طرفي غارقا في الادمع
الفتية كئب الجوانب خاشعا * ويصبح بي شبح المنون: الا ارجع
واجلت فكري فيه حتى عاد لي * كالطير محمولا بريح زعزع
فرجعت للذكرى أروح خاطري * في سفر ماضيك النقي الأسطع
وإذا أياديك الجسام نواطق * فيه تشير إلى الخلود بأصبع
وإذا ماثرك التي أبقيتها * طلعت علينا كالشموس اللمع
اني لاقسم: أنت حي خالد * ما مات مصلح أمة أو ألمعي
أبتاه! لو اني أسلت محاجري * ونظمت فلذة مهجتي لم اقنع
ما لم أذب وجدا عليك فلم يطب * عيش إلي ومقلتي لم تهجع
ما قدر هذا الدمع أو هذا الرثا * اني اجلك عن رثاي وأدمعي
ابني علي لا ينل منكم أسىء * الا كما نال الندى من لعلع
الخط منها أنتم واليكم * ما للنفوس سواكم من مرجع
ان غاب من أفق الإمامة كوكب * فاعشوا إلى نجم أغر مشعشع
ومن قصيدة الشيخ فرج العمران:
فجيعة ليس مثلها من فجيعة * كل نفس لها تراها مروعه
دهمت شعبنا القطيف فهزت * شم أطواده فخرت صريعة
ورمتنا بأسهم تنفث السم * فأكبادنا بهن قطيعة
قد رمت مهجة الهدى وحشا الدين * وقلب التقى وعين الشريعة
يا بني الدين قد قضى كافل الدين * وهدت منه الرواسي الرفيعة
فلينح كل ذي حجي بافتجاع * وليس كل ذي شعور دموعه
نلت يا دهر كل ما تتمنى * واتت نحوك فاهتف بمن شئت
مات من تختشيه فاهتف بمن شئت * تجد أنفس الطغاة سميعه
حسبك الله لم تطب منك نفس * الغدر حتى قضى زعيم الشيعة
يا فقيدا به فجعنا لك الدين * فقيد أعظم بتلك الفجيعة
غبت يا زهرة الزمان وأبقيت * نفوسا منا عليك جزوعه
من إلى العلم بعد نورك هاد * ومبين أصوله وفروعه
من لدست القضا وحسم الدعاوى * فيصل حكمه الخصوم مطيعة
ومن قصيدة الشيخ خالد الفرج:
نعش تداوله الأكف * يكاد يطفو في الدموع
وضعوا عليه أكفهم * وضع الأكف على الضلوع
سالت عليه نفوسهم * في دمعهم مثل الشموع
يمشون دون هدى وقد * غاب الدليل بلا رجوع
تالله لم أشهد بهم * من كان في حال طبيعي
والحزن يفتك بالنفوس * كفتكة الداء المريع
نشر السواد على الوجوه * كآبة قبل الدروع
ومحا الوقار فلا ترى فيهم * سوى باك جزوع
غص الفضا بهم كما * قد غص لحد من ضجيع
يبكون شمس الفضل غابت * لن تعود إلى طلوع
يبكون روحا لن ترفرف * في سجود أو ركوع
أودى أبو حسن فمن * كعلي العلم الرفيع
والخط أصبح دارسا * كالخط في طل الربوع
يا شيخ كم أيتمت بعد * ك من فطيم أو رضيع
ولكم تشكى بعدك البؤساء * من عري وجوع
من للعويص من الأمور * يفك بالحل السريع
من للنوادي إذ تزان * بمثل مظهرك البديع
من للأحاديث الرقيقة * مثل أزهار الربيع
هذا الذي نبكيه من ذكرا * ك بالدمع الهموع
قد صار قبرك في: القطيف * كأنه بعض البقيع
ومن قصيدة الشيخ عبد الرسول الجشي:
جددت عهدا للمعارف ذاهبا * ونجدت شعبا للتحرر واثبا
ودأبت جهدك للشباب موجها * فخلقت فيه كفاءة ومواهبا
وجمعت شمل المخلصين مؤلفا * منهم لاسعاد البلاد كتائبا
واخذت تدفعهم لباب مليكهم * كالهيم توردها المعين تعاقبا
وعدلت لم تجنح لذي قربى ولم * تدفع عن الحق الصراح أجانبا
وخفضت للعافي جناحك رحمة * ولانت اجرأ للطغاة مغالبا
وصبرت صبر المصلحين على الأذى * وصفحت صفح الأكرمين مجانبا
وضممت اشتات الفضائل كلها * فتجسدت بك واستحلت مناقبا
فلو ان للأيام عينا لاهتدت * بخطاك وانتهجت سبيلك لاحبا
ولما تعامت عن هداك وهذه * آثارك الحسنى تشع كواكبا
آية أبا الحسن استمع لمقالتي * وأحلم علي فما عهدتك غاضبا
هذي بلادك قد أضاعت رشدها * وتفرقت بعد الوئام مذاهبا
نقضت جناحيها ولو تركتهما * لرأت لها بين النجوم مساربا
يا من يجذ يمينه بشماله * هلا تثوب عن الغواية تائبا
عوذت فيك مواهبا عقلية * من أن تكون بها لقومك ناكبا
القوم إذ تهان سراتهم * والشعب شعبك حين يلقى عاتبا
ولانت منهم في الصميم أرومة * ومصالحا ومبادئا وعواقبا
ان يكرموا تكرم وان يهنوا تهن * فاختر لنفسك ما تراه الواجبا
وكن الرقيب على ضميرك واتخذ * منه لنفسك في الأمور محاسنا
هذي يدي بيديك فاقرأ سرها * تجد التعاون للاخاء مصاحبا
واستقر ما املي الجنان مصورا * مني المشاعر منشدا أو كاتبا
أ أبا الحسين وكم دعيت لازمة * فحللتها وكشفت كربا لازبا
أشرف علينا من سمائك لحظة * واسطع على الحزبين نجما ثاقبا
وصل الأواصر بيننا فلربما * اندملت جراح كن أمس لواغبا
وقال الشيخ محمد سعيد الجشي من قصيدة:
أين منا علم، يهدي إلى * شرعة الحق ويعلى من بناها
بيننا آثاره خالدة * كخلود الآي في بعد مداها
كتب من صحف الرسل استقت * منهل الوحي وللحق رواها
(٢٩٧)

من صراع حقق الحق به * وارتوت منه نفوس فشفاها
أو كتاب شع وحيا معجزا * كشعاع الشمس في رأد ضحاها
ذائد العلم وحامي عرشه * ظفرت منه المنايا بمناها
لا تقولوا: الشيخ أودى فجاة * فقلوب الناس لم يبرد لظاها
انما الخط ثوت في لحدها * ويلها! لما تبدت في عماها
يا غديرا سلسلا! يجري إلى * قمة العليا فيسمو في ذراها
وربيعا نيرا حلو الرؤى * عشقته الخلد فاختار لقاها
سائلوا الخط عن النيل الذي * طلبت منه رحيقا فسقاها
هل لها من بعده من عالم * يحكم الفتوى ويرجى لقضاها
سائلوا المحراب عن سجدته * ونوادي العلم: من هد بناها
سائلوا النعش عن الجسم الذي * حل فيه: هل زها فخرا وتاها
خانني يوم علي قلمي * ومشى الوجد بنفسي فمحاها
كوكب شع كمرآة الضحى * غمر الأرواح نورا وانتباها
رويت بالعلم منه أمة * قد سقاها العلم كأسا فرواها
هذه الخط بدت في ظلمة * ليلها داج، ومخفي سناها
وقال ولده الشيخ محمد سعيد من قصيدة:
أبتاه فاض القلب بالأحزان * وعدت عليه طوارق الحدثان
أبتاه قم للخط فهي صريعة * رهن البلى وحوادث الأزمان
وتواترت سود الخطوب مطلة * في الخط مثل مسفه العقبان
أرثيك بأقلب الذي قطعته * وأذبته وجدا بدمع قان
صورتني تمثال حزن في الورى * قلق الوساد مسهد الأجفان
ودفنت آمالي بتربتك التي * هي كعبة الاسلام والايمان
ونفضت كفي من ترابك يائسا * من نورك الهادي بني الإنسان
وسبكت قلبي فوق لحدك أدمعا * ورشفت منه بسمة العرفان
ما راعني الا بنعيك هاتف * هز الخليج بصوته الرنان
فإذا الخليج ثواكل ومأتم * غرقي ببحر الدمع والأحزان
آية أبا حسن وأنت رسالة * علوية تتلى مدى الأزمان
قد كنت أنصع صفحة وضاحة * كالشمس ساطعة بكل مكان
طوقت أجياد القطيف بمنة * وهديتها للحق بالاحسان
أرسلت نور العلم مصباح النهى * فغذا العقول شعاعه النوراني
غذيت أبناء القطيف بحكمة * ورفعتها من هوة الخسران
ومن قصيدة ملا علي بن رمضان:
قد طوى الموت واحد الدين والد * نيا، ورب الصلاة والمحراب
حجة الله آية الله باب الله * أدرى الورى بنص الكتاب
يا لسان الشرع الشريف عجيب * اسكت الموت منك اي خطاب
من لفصل القضاء ان أشكل * الخطب وعز البيان للطلاب؟
فسلام للخط لا تلد الدهر * مثيلا له مدى الأحقاب
وسلام على القضا وعلى * الاسلام من بعده وآي الكتاب
الشيخ علي بن حسن علي بن حسن بن مهدي الخنيزي ابن شقيق
الشيخ علي المقدم (٢).
ولد سنة ١٢٨٥ في القطيف وتوفي سنة ١٣٦٣ في البحرين وكان قد
قصدها مستشفيا من مرض ألم به فتوفي فيها ونقل جثمانه إلى القطيف فدفن
فيها.
درس كما كان يدرس غيره في الكتاب ثم زاول التجارة مع أبيه
طيلة أربعة أعوام، ثم رغب في طلب العلم فهاجر إلى النجف سنة
١٣٠٨.
أساتذته
قرأ العربية: القطر، الألفية على خال والدته الشيخ محمد علي
الجشي. وقرأ المغني والحاشية والشمسية عند الشيخ محمد بن
نمر العوامي (٣) وقرأ المعاني والبيان، عند الشيخ علي بن حسن
التاروتي (٤) وقرأ المعالم والقواني واللمعة على الشيخ آل عبد
الجبار، وقرأ الرسائل على الشيخ حسن علي بن عبد الله البدر، والسيد
محمد شبر، ثم الشيخ عبد الله العاملي، ثم أكمل دراسته على كل من الشيخ
محمد طه نجف والشيخ محمود ذهب والسيد كاظم اليزدي والشيخ فتح الله
شيخ الشريعة.
تلاميذه
تتلمذ على يديه ثلة من أبناء وطنه يوم كان في العراق، وبعد ان عاد
إلى وطنه منهم:
الشيخ علي الجشي والشيخ منصور آل سيف والشيخ منصور الزائر
والشيخ محمد حسين آل عبد الجبار وغيرهم.
أحواله
عاد من النجف في شعبان سنة ١٣٢٣. فعهدت إليه الحكومة
العثمانية أمر القضاء والفتيا في القطيف ولما احتل عبد العزيز بن سعود
القطيف أقره في منصبه وظل في منصبه حتى وفاته.
وكان منصب القضاء الجعفري في القطيف واسع الدائرة أول الأمر
ثم انحصر في الأوقاف والمواريث الشيعية.
وللمترجم موقف حاسم في استيلاء ابن سعود على القطيف سلما بلا
إراقة دماء ففي العام ا ١٣٣٠ ه‍ وقد بدأ يتقلص ظل الحكم العثماني عن
البلاد جمع الضابط جميع أهالي القطيف، وفي طليعتهم الأعيان عندما شاع
توجه ابن السعود لاحتلال القطيف بعد ان احتل الأحساء.
وقد كانت إرادة الضابط من هذا الجمع ان يقفوا إلى جانبه، في صد
ابن السعود.
وأراد ان يستشف رأي المفتي المترجم فاجابه، بما مؤاده:

(١) " صراع الحق " اخر كتاب وضعه المترجم.
(٢) مما استدركناه على مسودات الكتاب (ح).
(٣) نسبة إلى " العوامية " - إحدى قرى القطيف.
(٤) نسبة إلى (تاروت) وهي جزيرة صغيرة من القطيف، وجنوبي (تاروت) تقع (دارين) الفرضة
التاريخية الشهيرة، واليها يجلب المسك، وهي التي عناها الشاعر القديم:
يمرون بالدهنا خفافا عيابهم * ويخرجن من (دارين) بحر الحقائب
و (تاروت) في العهد (الفينيقي) كانت معبد اله الجمال (عشتاروت) وقد اشتهرت به،
ثم حذف المقطع الأول منه للاختصار، وصارت تعرف بالمقطعين الأخيرين (تاروت).
(٢٩٨)

ان الشروط الدفاعية غير متوفرة لتشعب قرى القطيف، وبعد بعضها
عن بعض وقلة عدد المدافعين في القرى عن أنفسهم واحتياجهم لضعفهم
إلى قوات أخرى دفاعية، تؤمن لهم حياتهم، وتحرسهم من الخطر.
وان الحكومة التركية لعاجزة عن القيام بهذه المهمة الخطيرة بل هي
عاجزة، حتى عن حفظ وحراسة العاصمة فضلا عن غيرها، من المدن
والقرى...
فلهذا الأسباب فان الدفاع والصمود، يدل على عدم تقدير
للعواقب، لأنه يوجب تعريض النفوس إلى الهلاك.
إذن فإنه يفضل التسليم الموقت للحكومة المحتلة، إذ لا مناص عنه
ولكن هناك وسيلة أخرى فإذا كانت الحكومة قادرة ولديها من القوة فإنها
تستطيع بعد استعدادها لذلك ان تعيد الكرة بعد التسليم الموقت فاقتنع
الضابط واستمر الحال في حصار وقلق واضطراب... حتى فتح عبد
الرحمن بن سويلم السعودي: القطيف، في ضحى يوم الخميس ٩
جمادى الثانية ١٣٣١.
وهكذا بدت حياته السياسية، وتغلبت شخصيته السياسية على
الجوانب الأخرى من شخصيته.
وفي المترجم قال الشاعر خالد محمد الفرج وقد مر به فحياه من بعيد
دون ان يصل إليه:
أ مولاي اني أسأت الأدب * وقصرت مولاي فيما يجب
وكان لزاما علي النزول * لتقبيل أيديكم والركب
ولكنني عالم ان نزلت * نزلتم إلى برغم التعب
وان تواضعكم للصغار * أعلى مقامكم في الرتب
فاثرت راحتكم واثقا * بعفوكم ان بسطت السبب
ادامكم الله فينا سنين * وبارك ربك فيما وهب
مؤلفاته
١ أسفار الناظرين، في شرح تبصرة المتعلمين للعلامة الحلي وقد
بدأ فيها في شعبان ١٣٢٢ ه ٢ شرح نجاة العباد للشيخ محمد حسن
الجواهري ٣ تبصرة الناسك في اعمال المناسك وهو الكتاب الوحيد الذي
أتمه، ويعتبر هذا المنسك مبسوطا بالقياس إلى غيره من المناسك ٥
رسالة عملية وهي في الشكوك خاصة.
من مراثيه
من قصيدة للشيخ عبد الحميد الخطي:
كل ناد عليه ألف رقيب * والقضا للظبا وسمر الرماح
وهو ماض يهزهم بالبيان البكر * هبوا لرد حق صراح
في حماس الشباب في دعة الشيخ * ولطف الصبا وعصف الرياح
واقف نفسه على الوطن المنكوب * ما ذاق لذة الأفراح
لم يكن ذلك البياض قتيرا * بل غبار الأيام والأتراح
أيها الحامل المصاعب عنا * ليس فينا غير العجاف الطلاح
لم أخل ان تضاع ميتا ولكن * هذه فعلة الليالي القباح
السيد نور الدين علي بن علي بن أبي الحسن الحسيني العاملي.
وجدت بخطه مجموعة كتبت سنة ١١٠١ ووجد فيها مساجلة شعرية
جرت في مدينة بعلبك بين عشرة اشخاص من علماء وأدباء جبل عامل
وذكرت هذه المساجلة في ترجمة الشيخ حسن بن علي الحانيني فلتطلب من
هناك.
الشيخ علي بن عناية الله الشهير ببايزيد البسطامي الثاني.
تلميذ المولى عبد الله التستري وأستاذ السيد حسين بن حيدر الكركي
كتب له اجازة سنة ١٠٠٤ له كتاب الإنصاف في معرفة الأسلاف في الإمامة
وترجمة أيضا إلى الفارسية بأمر الشاة عباس الأول.
المولى عماد الدين علي بن عماد الدين علي القاري الشريف الأستر
آبادي.
كان من علماء دولة الشاة طهماسب معظما عنده. له كتاب في
التجويد فارسي في قراءة عاصم ينقل فيه عن الشاطبية، وتاريخ كتابة
النسخة سنة ١١٥٤ وله التحفة الشاهية في بيان مخارج الحروف واختلاف
القراء العشر في سورة الفاتحة والاخلاص صنفه للشاه طهماسب.
شمس الدين أبو القاسم علي بن عميد الدين من بني المختار.
ولد سنة ٥٣٦:
وبنو المختار من السادة الاجلاء ينتهي نسبهم إلى أبي علي المختار
النقيب وأمير الحاج كانت نقابة مشهد النجف وامارة الحج فيهم منهم السيد
الجليل نقيب نقباء العراق وخراسان شمس الدين أبو القاسم علي بن عميد
الدين، وعبد المطلب بن نقيب النقباء جلال الدولة أبو نصر إبراهيم ابن
السيد العالم الفاضل النقيب عميد الدين بن عبد المطلب بن شمس الدين
علي المتقدم اخر النقباء في زمن بني العباس. وفي كتاب غاية الاختصار في
اخبار البيوتات العلوية المحفوظة من الغبار تاليف السيد تاج الدين بن
محمد بن حمزة بن زهرة الحسيني نقيب حلب عند ذكر بني زيد الشهيد ما
لفظه: ومنهم بنو المختار ومن أعاظمهم شمس الدين أبو القاسم علي ناظر
الكوفة كان سيدا متأدبا شاعرا رتب نقيبا بالكوفة. قال ابن انجب في كتابه
الدر الثمين في أسماء المصنفين حضرت داره بالكوفة فاحسن ضيافتي وناولني
ديوان شعره بخطه وكان قد جمع فضلاء العلويين الحسينيين من أهل الكوفة
فلما عرف الناصر فضله استحضره إلى بغداد لتقليده نقابة الطالبيين فحضر
إلى بغداد وكتب ضراعة يسال فيها ذلك فأجيب سؤاله وكتب تقليده
وأحضرت الخلع إلى دار الوزير فحضر في الليلة التي يريدون ان يخلعوا عليه
في صبيحتها دار زعيم الدين أستاذ الدار ابن الضحاك فوقع غيث كثير فركب
في الليل متوجها إلى داره بظاهر باب المراتب فسقط من دابته فانكسرت
رجله وحمل في محفة إلى داره فلما أنهيت حاله تقرر ان يولى اخوه فخر الدين
الأطروش فغير الاسم في التقليد وخلع على فخر الدين خلع النقابة،
انقضى كلام ابن انجب ثم قال: قال لي السيد النسابة الفقيه العلامة غياث
الدين أبو المظفر عبد الكريم بن طاوس رحمه الله كان شمس الدين بن
المختار محبوسا بحبس الكوفة من الناصر وكان عم امه صفي الدين الفقيه
(٢٩٩)

محمد بن معد في تلك الأيام ذا منزلة ومكانة من الناصر ووزيره العلقمي
فكتب إليه شمس الدين بن المختار يستنجده ويسأله التوصل في الافراج عنه
قصيدة من جملتها:
يا قادرين على الاحسان ما لكم * من غير جرم عدتنا منكم النعم
ما لي أذاد كما ذيدت محلأة * عن وردها ولديكم مورد شبم
قوام الدين أبو الفرج علي بن عمر بن محمد بن فارس يعرف بابن الحداد
ابن معين الأنباري ناظر الحلة.
رأيت ذكره في مشيخة نجيب الدين ابن أبي الحسن علي بن علي بن
منصور الحائري الخازن وقد ذكر قوام الدين وشكره ووصفه بالفضل والعلم
والمعرفة وقال كان كاتبا سديدا ورتب ناظرا بالبلاد الحلية روى عنه محمد بن
جعفر بن عليل وطالعت كتاب الروض الناضر في اخبار الامام الناصر وقال
لم يزل على عمله إلى أن توفي سنة ٦١٠ وله شعر وله كتاب نخبة الانتقاد (١)
الشيخ علي بن فضل بن هيكل الحلي.
كان تلميذ ابن فهد، له مجموعة الأدعية والأوراد والختوم. وجد
بخطه رسالة في واجبات الصلوات لفخر المحققين.
السيد علي الحائري ابن السيد أبي القاسم المفسر اللاهوري.
من العلماء المعاصرين سكن في لاهور من مدن باكستان ورأس فيها.
من مؤلفاته المجلد الرابع عشر من تفسير لوامع التنزيل لوالده وغاية
المقصود في أحوال الامام الموعود وغير ذلك.
القاضي علي ابن القاضي أبي علي المحسن ابن القاضي أبي القاسم علي بن
محمد بن أبي الفهم داود بن إبراهيم بن تميم القحطاني التنوخي البصري
ثم البغدادي.
صاحب كتاب الطوالات وولد صاحب كتاب الفرج بعد الشدة ولد
في شعبان سنة ٣٥٦ بالبصرة وتوفي في أول المحرم سنة ٤٤٧ وسمع لما
كملت له خمسة أعوام من علي بن محمد بن سعيد الرزان وغيره قال
الخطيب: كان متحفظا في الشهادة عند الحكام صدوقا في الحديث تقلد
قضاء المدائن وقرميسين والبردان.
قال أبو الفضل بن خيرون قيل كان رأيه الرفض والاعتزال. قال
شجاع الذهلي كان يتشيع ويذهب إلى الاعتزال قال شيخنا شمس الدين
رحمه الله كان زيديا وهو في الأستاذ على الرشد بالله في أوساط رجال الزيدية
وكان التشيع دينه ودين أبيه وجده، وجده علي بن محمد الأكبر هو صاحب
القصيدة البائية المشهورة في الذب عن أهل البيت ع مجيبا
لقصيدة ابن المعتز وقد ذكرناها في ترجمته، كذا في كتاب مطلع البدور
ومجمع البحور في علماء الزيدية رأينا منه الجزء الثالث والرابع في مكتبة
السيد هبة الدين الشهرستاني في بغداد وتاريخ كتابته سنة ١١٨٠.
وفي الرياض: الفاضل العالم الجليل الشاعر الأديب المعروف
بالقاضي التنوخي كان من أصحاب المرتضى وأبي العلاء المعري بل
تلميذهما والراوي عنهما وينقل عنه الخطيب البغدادي بل التبريزي أيضا وهو
من أولاد يشجب بن يعرب بن قحطان وكان هذا القاضي وأبوه صاحب
كتاب الفرج بعد الشدة وجده الاعلى وعمه القاضي أحمد بن محمد بن أبي
الفهم وسائر سلسلته وأقربائه بل أكثر التنوخيين من أهل بيت العلم
والفضل وهذا القاضي وسائر هذه السلسلة قد عدهم أكثر العامة من
علمائهم في كتبهم وبعض الخاصة عد خصوص هذا القاضي من علماء
الشيعة كما يظهر من فحاوى بعض إجازات أصحابنا، وفي مجالس المؤمنين
صرح بأنه من علماء الشيعة بل جعل والده وجده أيضا من علماء الإمامية
وكذا يظهر من تاريخ ابن كثير الشامي لكن جعل صاحب الجواهر المضية في
طبقات الحنفية هذا القاضي من الحنفية كما أن سائر سلسلته كذلك وقال إنهم
أهل بيت علماء فضلاء، قال وكان بينه وبين الخطيب أبي زكريا
التبريزي مؤانسة واتحاد اه وابن طاوس في أول الطرائف قال صنف
القاضي أبو القاسم علي بن الحسن بن علي التنوخي وهو من أعيان رجالهم
يعني العامة كتابا سماه ذكر الروايات عن النبي ص أنه قال لأمير
المؤمنين ع أنت مني بمنزلة هارون من موسى الا انه لا نبي
بعدي وبيان طرقها واختلاف وجوهها رأيت نسخة من هذا الكتاب نحو
ثلاثين ورقة عتيقة عليها رواية تاريخ الرواية سنة ٤٤٥ اه وأوردناه في
كتابنا لظهور انه من علماء الشيعة ويؤيده ان ابن شهرآشوب عد في معالم
العلماء القاضي أبا القاسم بن محمد التنوخي من الشعراء المجاهرين بمدح
أهل البيت ع ويحتمل ان يريد به جده فيكون أيضا شيعيا أو
اراده هو وحذف بعض الأسامي من نسبه اختصارا كما هو شائع وهذا
القاضي هو الذي نقل ان كتب المرتضى كانت ثمانين ألف مجلد سوى ما
اخذه الامراء ونحو ذلك من أحوال المرتضى، ورأيت في مجموعة بخط
الشيخ محمد بن علي بن الحسن الجباعي العاملي جد البهائي وتلميذ ابن فهد
الحلي نقل فيها أبياتا للقاضي التنوخي هذا في مدح أمير المؤمنين
ع والسبطين ع تدل على تشيعه. وفي مجالس المؤمنين
ان القاضي أبا القاسم علي ابن المحسن بن علي بن محمد بن أبي الفهم
التنوخي هو ولد القاضي أبي علي المحسن وقال ابن كثير الشامي في تاريخه انه
كان من أعيان فضلاء العصر ولد بالبصرة سنة خمس وستين وثلاثمائة وسمع
الحديث سنة سبعين وثلاث مائة وقبلت شهادته عند الحكام في حداثته وتولى
القضاء بالمداين وغيرها وكان صدوقا محتاطا الا انه كان يميل إلى الاعتزال
والرفض وقال ابن خلكان انه كان مصاحبا لأبي العلاء المعري وكان يحفظ
شعرا كثيرا وهم قد كانوا أهل بيت كبير كلهم أدباء فضلاء ظرفاء.
ملا علي القزويني القاربوزآبادي.
وقاربوزآباد قرية من نواحي قزوين ولد المترجم بها في سنة ١٢٠٩
ه وقرأ في أوائل امره على علماء قزوين ثم هاجر إلى أصبهان وتلمذ على
جماعة من أساتذتها منهم المرحوم الشيخ محمد تقي الأصبهاني صاحب بداية
المسترشدين واجازه ثم عاد إلى بلده ولقي والمولى عبد الكريم الإيرواني
المعروف بالتبحر في علم الأصول فحضر عليه أيضا مدة متمادية حتى صار
مجازا عنه وصرح مصوبا علميته بعده وهاجر إلى زنجان وتوقف بها وتوطن
هناك مشتغلا بتعليم الاحكام وارشاد الناس والتدريس والتصنيف والقضاء
وعظم صيته وكبرت رياسته ورجع إلى العمل بفتاويه جماعات كثيرة من
أهالي بلاد أذربايجان والقفقاز وهمدان وقزوين وزنجان.

(١) معجم الآداب.
(٣٠٠)

وتوفي بزنجان في يوم السبت ثامن شهر محرم الحرام سنة ١٢٩٠
ودفن هناك في بقعة مخصوصة وله كتب ومؤلفات كثيرة منها كتاب نظام
الفرائد في شرح القواعد للعلامة في سبع مجلدات طبع منها المجلد الأول
وكتاب جوامع الأصول ثلاث مجلدات وكتاب النواميس في الأصول في
مجلدين كتاب تفسير القرآن من أول سورة يس إلى آخر القرآن مجلد، رسالة
في احكام المتاجر ورسالة في احكام الصيد
والذبايح بالفارسية مطبوعة ورسالة في صيغ العقود والايقاعات مطبوعة في
صيغ العقود والايقاعات مطبوعة مرارا. وكتاب معدن الاسرار في المواعظ
خمس مجلدات طبع منه مجلدان، رسالة في العقائد ووسيلة النجاة في العقائد
والفروع مجلد ومجموعة مسائل على سبك جامع الشتات للمحقق القمي
مجلد.
عز الدين أبو الحسن علي بن فضل الله بن علي بن عبيد الله الحسني
الراوندي الكاتب.
من سلالة السادات النجباء وأولاد النقباء رأيت له مجموعة قد كتبها
بخطه الأنيق من شعره الفائق، كتب إلى بعض اخوانه: بأي لسان أم
بأي بيان * يبين بناني ما يجن جناني
لعمري بقلبي أنتم غير انكم جفوتم وقلبي عندكم فجفاني (١)
المولى علي بن المولى فتح الله النهاوندي النجفي.
من أجل تلاميذ الشيخ مرتضى الأنصاري عمر طويلا.
وتوفي غرة ربيع الثاني سنة ١٣٢٢ حال اشتداد الوباء في النجف
ودفن في مقبرته، له رواشح الأصول وله تشريح الأصول الكبير وتشريح
الأصول الصغير مطبوعان ولعل الرواشح أحدهما أو انه لغيره فإنه لم يعرف
له غير التشريحين، وله كتاب الطهارة ومعه الدماء الثلاثة.
السيد الإمام عماد الدين علي ابن السيد الإمام ضياء الدين أبي الرضا
فضل الله الحسيني الراوندي.
فقيه فاضل ثقة له كتاب حسيب النسيب، كتاب غنية المتغني ومنية المتمني،
كتاب مزن الحزن، كتاب غمام الغموم، كتاب نثر اللئالي لفخر المعالي، كتاب
مجمع اللطائف ومنبع الطرائف، كتاب طراز المذهب في ابراز المذهب، تفسير
القرآن لم يتمه (٢).
الشيخ علي بن القاسم الحلي.
توفي في حدود سنة ١٣٢٩ بالحلة ودفن في النجف.
كان شاعرا أديبا ومن شعره:
تردى لقتل الصب بالحلل الحمر * وماس كما ماست مثقفة السمر
تشبهه العشاق بدرا وانما * محياه اعطى النور للشمس والبدر
فلو نظر الفاروق طلعة وجهه * لسيره عمدا واعرض عن نصر
الشيخ علي بن قاسم بن درويش الصوري. ولد في صور وسافر إلى النجف وهو في الثامنة عشرة من عمره سنة
١٣١٥ فتلمذ على مؤلف الكتاب ثم على السيد كاظم اليزدي وغيرهما.
كان في طليعة العامليين في النجف نباهة وورعا وقد جاور مدة في
كربلاء فكان للشيخ محمد تقي الشيرازي عناية به ولما تهيا للعودة إلى وطنه
مرض وتوفي في الكاظمية ودفن في النجف.
الشيخ علي آل الغول العاملي.
توفي سنة ١١٥٢
كان عالما فاضلا ذكره الشيخ محمد بن مجير العنقاني في كتيبه قال في
هذه السنة توفي الشيخ الأجل الشيخ علي الغول اه وآل الغول بضم
العين المعجمة بيت علم وتقوى وزهادة في جبل عامل.
علي بن قاسم بن محمد علي خان الهندي.
له كتاب المبنى مختصر في المنطق
السيد علي الشهير بالقطب الهزارجريبي المازندراني الحائري.
توفي سنة ١٣٢٢ في كربلاء. من مشاهير العرفاء والمتصوفة ساح ولقي
جماعة من مشائخ الطرق الصوفية وراض نفسه بذلك وكان له اتباع
مريدون في العجم يعتقدون انه من الأقطاب المرشدين. توطن كربلاء
وتردد بينها وبين النجف وبغداد ومشهد الكاظمين، وكان نظيف البزة
متجملا في معاشه وأحواله، آثر العزوبة مدة ثم تزوج من ابنة تاجر كبير في
مشهد الكاظميين فاثرى منها ومن اتباعه وبنى قصرا عظيما في كربلاء واعتقر
ببعض العقارات، كان كثير التلاوة للمثنوي معجبا به وقد رأيته بالعراق
وحج في بعض السنين واخذ معه الشباك الفولاذ المصنوع لضريح أئمة
البقيع الذي بقي إلى عهد اخذ الوهابية للمدينة المنورة في هذا العصر
فهدموا القبة الشريفة وقلعوا الشباك وتركوا المشهد قاعا صفصفا. ولا باس
بالإشارة هنا إلى التصوف ودعوى القطبية وما أشبه ذلك من الألفاظ:
التصوف مأخوذ من لبس الصوف لأن الذين يدخلون في هذه الطريقة
يلبسونه تزهدا في الدنيا وتخشنا فيها ويسمون بالأقطاب تشبيها بقطب
الرحى الذي عليه مدارها كأنهم أقطاب العالم وعليهم يدور وشاعت هذه
الطريقة في الاسلام وأعتقد الناس في أهلها الخير والمقامات العالية في الدين
وبنوا لهم الخانقاهات وتكلموا بالكلام الذي يسمونه شطحا وبما يدل على
الوجد والغرام والتفاني في ذاته تعالى واستعملوا الأوراد والاذكار واتبعوا ما
يسمونه طريقة واخذوا ذلك بالإجازة عن مشائخ لهم وكثر ذلك في أهل السنة
أزيد من الشيعة وفي العجم من الشيعة أزيد من العرب وغالب ذلك
لا يرجع إلى أصل في الدين وجل تلك الألفاظ التي يستعملونها تلبيس
وتمويه وما يظهرونه من الغرام يكون غالبا بتصور صورة حسنة أو بنحو
الرياء واظهار ما ليس في النفس والتصوف إذا لم يرجع إلى الزهد في
الدنيا ورياضة النفس بالطاعات والتعود على محاسن الأخلاق فهو باطل
وبدعة والاذكار والأوراد إذا لم تأخذ عن صاحب الشرع فهي كذلك والزهد
في الدنيا معناه قلة الرغبة فيها وعدم المبالاة بها لا لبس الصوف.
اعتماد السلطنة وزير العلوم علي قلي خان المراغي.
له فلك السعادة في ابطال احكام النجوم مطبوع فرع منه سنة ١٢٧٧
وهو فارسي وقيل إن الكتاب ليس له بل لعلي قلي ميرزا اخر فرهاد ميرزا
واما اعتماد السلطنة فله آثار جليلة ككتاب حجة السعادة في حجة الشهادة

(١) معجم الآداب.
(٢) مجموعة الجبعي.
(٣٠١)

يشتمل على ما وقع في سنة ٦١ يوم عاشورا على بسيط الأرض ومن كان من
الملوك عليها حينئذ.
المولى علي قلي خان بن قرجه غاي خان الخلخالي الأصفهاني تلميذ المولى
شمس الدين الجيلاني والمحقق الخوانساري.
له فرقان الرأيين وتبيان الحكمتين في الفرق بين حكمة القدماء مثل
أرسطاطاليس وأفلاطون والمتأخرين مثل الفارابي والشيخ الرئيس والمير
الداماد ذكر فيه أربعا وعشرين مسالة مما اختلف فيه القدماء والمتأخرون وله
كتاب احياء الحكمة وشرح اثولوجيا في تمهيدات في الحكمة وله زبور
العارفين فارسي عربه بنفسه مع بعض الزيادات وسماه المزامير وله مزامير
العاشقين في حقيقة النفس والترغيب إلى العالم العقلي والتزهيد عن العالم
الحسي وتعليم مراقب السلوك.
الميرزا السيد علي خان الكابلي.
من سادات كابل أهل الدرجات العالية له حذاقة كلية في علوم شتى
خصوصا الطب وفي أواسط عمره هاجر إلى المشهد المقدس الرضوي
واشتغل بامامة الجماعة ووظائف العبادة وبعد مدة ترك المحراب
واشتغل بنشر الفضيلة ومباشرة المعالجة إلى أن توفي وقبره بالمشهد
الرضوي (١).
السيد علي القودجاني الخونساري.
معاصر للشيخ احمد زين الدين الأحسائي له شرح خلاصة الحساب للبهائي.
الشيخ ملا على الكني.
نسبة إلى كن بفتح الكاف وتشديد النون قرية على فرسخين من
طهران في سفح جبل هناك وسميت كن لتسترها بانخفاض محلها، كذا قال
المترجم.
ولد سنة ١٢٢٠ بقرية كن المذكورة وتوفي يوم الخميس ٢٧ المحرم
سنة ١٣٠٦ في طهران ودفن في مشهد عبد العظيم.
أخذ عن صاحب الجواهر في النجف ورجع بعد اجازته بالاجتهاد إلى
طهران فرأس ونال ثروة عظيمة وجاها عند ناصر الدين شاة بعد إن كان
فقيرا معدما أيام تحصيله في النجف. صنف تحقيق الدلائل في شرح
تلخيص المسائل في القضاء والشهادات، كتاب البيع والخيارات طبعا معا في
طهران سنة ١٣٠٤، توضيح المقال في الرجال طبع مع منتهى المقال رجال
أبي علي قرأ عليه في الأصول الشيخ موسى آل شرارة العاملي وترجم نفسه
في آخر توضيح المقال فقال سميت بعلي وولدت سنة ١٢٢٠ في قرية كن
وذهبت إلى المعلم بسعي مني والتماس فاستغنيت عنه في مدة قليلة ثم كنت
مصرا على الدخول في العلوم العربية الأدبية واستمر على المنع إلى قرب
عشرين سنة فوفقت عندها لذلك بدعوات وشفعاء إلى أن وفقت لمجاورة
الروضات الساميات والعتبات العاليات فببركاتهم وشفاعاتهم شرعت في
تصنيف الأصول فكتبت منها أكثر مسائل الأوامر والنواهي والمفاهيم
والاستصحاب سنة ١٢٤٤ إلى أن وقع الطاعون العظيم في البلاد وخاصة في
العراق فعاقني ذلك وغيره كغيري عن الاشتغال وصرنا مدة سنين في حل
وارتحال إلى أن وفقت ثانيا للمجاورة فاشتغلت بتصنيف الفقه ولم يكن
عندي ما يحتاج إليه من الكتب والأسباب مع شدة الفقر ومعاكسة الدهر
فكنت اكتب في كل موضع يتيسر لي ما يحتاج إليه في ذلك الموضع بعد كد
وجد فبرز مجلد في الطهارة ومجلد في الصلاة ومجلد في البيع ومجلدان في
القضاء والآن انا في ثالثهما، دخلها الفصل بهذه الرسالة بالتماس جمع من
الطلبة مع المسافرة إلى زيارة الرضا ع وزيارة الوالد وذلك سنة ١٢٦٢.
ورثاه السيد جعفر الحلي بقصيدة أولها:
واحر قلبي لخطب هائل هجما * أحال مذحل أمجاد الورى عدما
رزء أناخ بأقصى الأرض كلكه * فثل ركنا من الاسلام فانهدما
قد حلت اليوم بالاسلام حادثة * فهونت كلما يأتي وما قدما
قضى علي فما عذر العيون إذا * لم تمزح الدمع من فرط البكاء دما
الشيخ علي الكوته ميري المعروف بالبنابي.
الكوته ميري بضم الكاف وسكون الواو وكسر الميم ثم الياء المثناة
التحتية نسبة إلى كوته مير من قرى أذربايجان والبنابي بالموحدة المكسورة
ثم النون والأب والموحدة والمثناة التحتية نسبة إلى بناب بلدة بأذربايجان
واصلها بن آب بضم الموحدة الأولى. من أجلة تلاميذ الشيخ مرتضى
الأنصاري وغيره يروي عنه اجازة ويروي عنه جماعة منهم العالم النسابة
السيد شمس الدين محمود الحسيني التبريزي.
علاء الدين علي بن لاجين بن عبد الله القوامي الطاووسي الشاعر.
شاب فاضل من أولاد مماليك النقيب قوام الدين أحمد بن طاوس
الحسني ونشأ على طريقة مشكورة من التحصيل والاشتغال ونظم الاشعار
ومدح بها النقباء الاطهار وكتب خطا حسنا وسمعت شيئا من شعره ورأيته
ولم يتفق لي بالكتابة عنه (٢).
المولى علي اللوذري ويقال أيضا شب دري.
توفي في حدود سنة ١٢٩٠.
كان من أجلاء تلاميذ السيد ميرزا محمد حسن الشيرازي بسامراء.
له كتاب في التعادل والترجيح واصل البراءة وله تقرير بحث أستاذه
المذكور.
الميرزا علي ابن ميرزا لطف علي المغاني التبريزي.
توفي سنة ١٢٨٤.
له تقرير بحث السيد حسين الترك في الأصول في سبع مجلدات
بعضها من تقرير بحث المامقاني.
الشيخ زين الدين علي بن الفاضل المازندراني المجاور بالغري.
توفي سنة ٦٩٩

(١) مطلع الشمس.
(٢) معجم الآداب.
(٣٠٢)

في الرياض: من أجلة أصحابنا وهو الحاكي لقصة الجزيرة الخضراء
يرويها عن الشيخين شمس الدين بن نجيح الحلي، والشيخ جلال الدين
عبد الله الجواني الحلي، قال مؤلف الرسالة في وصفه: الشيخ الصالح التقي
الفاضل الورع الزكي ركن الدين علي بن الفاضل المازندراني المجاور
بالغري.
والرسالة المشار إليها كأنها الرسالة المنتخبة للشيخ زين الدين بن فروخ النجفي.
السيد علي ابن السيد محسن بن محمد بن فلاح الموسوي المشعشعي ومر باقي
النسب.
قتل سنة ٩٢٤
في كتاب صفوة الصفوية المتقدم انه كان هو واخوه أيوب رئيسين في
حياة والدهما وتوليا الملك بعده بيمن وارشاد السيد الجليل النبيل السيد نور
الله المرعشي القاضي نور الله الشوشتري فإنه أظهر اسم الشريعة
النبوية وماثر الطريقة المرتضوية ونشر اعلام الشيعة الاثني عشرية في عصرهما
وصار لذلك شأن عظيم وكان وزيرهما القاضي عبد الله الشوشتري الفاضل
الفهامة الأديب الكامل فهو مدبر دولتهما وقوامها ووكيل سلطنتهما
وصمصامها وكان اخوه الصاحب الأعظم الفاضل المعظم المحقق المدقق
الشيخ محمد الذي من آثاره في شوشتر القنطرة الصخرية مقابل الامام زاده
مكتوب عليها بيت شعر فارسي:
تمام قشت ابن بنا بي شين * بسعي صاحب أعظم محمد بن حسين
وتعريبه:
تم البناء بحمد الله بلا شين بسعي الصاحب الأعظم محمد بن حسين
وكان لهما أخ أصغر منهما اسمه الشيخ حسن وكان شجاعا بطلا
فجعلا إليه قيادة الجيوش فأوقع أرباب الأغراض بمسامع الحضرة السلطانية
الصفوية ان هؤلاء السادة غالون معاندون كعمهم وانهم على غير مذهب
التشيع فلما رجع من فتح بغداد وذكره بحالهم الأمير الحاج محمد والشيخ
محمد الرعاشي وهو ابن معلم أولاد السيد محمد فلاح توجه السلطان
الصفوي إلى جهة الحويزة فلما سمع السيدان بذلك استقبلاه بجنودهما
وارسلا إليه كتابا يتضمن التنصل مما نسب إليهما فقبل ذلك منهما وأرسل
إليهما هدية سنية فارسلا إليه مثلها ثم قتلا في السنة المتقدمة وانتفضت
الدولة المشعشعية وثار أهل الجزائر في أرضهم، والمنتفق تملكوا البصرة
والحسا وكان سبب قتلهما انهما كانا في قلعة الشوش فراسلهما حاكم شوشتر
من قبل الصفوية بنوع من الصداقة والخديعة وطلبا ان يلاقياه لأجل الصيد
والقنص فحضرا إلى مكان يعرف الآن بعلي وأيوب من أراضي الزوية
فقبض عليهما وقتلهما ودفنهما هناك واستولى على القلعة وتلك النواحي وكانوا
يغلقون أبواب القلعة عصرا وتفتح ضحى حذرا من دخول عسكر يأخذها
ولا يدخل للبيع والشراء سوى النساء فدخل يوما جماعة بزي النساء فلما
خرج النساء بقوا وجردوا سيوفهم وكانت تحت ثيابهم وقد وعدوا جماعتهم
السهر بدران فدخلوها وقتلوا كل من فيها من الفرس ثم خربوا القلعة والى
الآن تعرف بقلعة عبد الله بن الداية.
السيد فخر الدين علي بن عز الدين محمد بن أحمد بن علي بن عبد الله بن
أبي الحسن علي بن عبد الله بن الأعرج بن علي بن الحسين بن علي بن أبي
طالب ع الحسيني العبيدلي.
كان من العلماء وله شجرة كما يظهر من كتب الأنساب قال السيد
أحمد بن علي بن الحسين النسابة الحسني تلميذ السيد تاج الدين ابن معية في
طي ذكر عقب الحسين بن علي بن أبي طالب ع واما الحسن
ابن جعفر الحجة فاعقب من أبي الحسين يحيى النسابة يقال إنه أول من جمع
كتابا في نسب آل أبي طالب فاعقب يحيى النسابة من سبعة رجال ما بين
مقل ومكثر وهم طاهر وعلي وأبو العباس عبد الله وأبو إسحاق إبراهيم وأبو
الحسن محمد الأكبر العالم واحمد الأعرج وأبو عبد الله جعفر إما أبو عبد الله
جعفر بن يحيى فعقبه قليل، منهم صالح والقاسم ومحمد وعبد الله بنو جعفر
أولدوا، واما احمد الأعرج بن يحيى فعقبه أيضا قليل منهم القاسم بن أحمد
المذكور أولدوا واما أبو الحسن محمد الأكبر بن يحيى فمن ولده أبو محمد
الحسن بن محمد هذا وهو الديداني النسابة المعروف بابن أخي طاهر راوي
كتاب جده يحيى بن الحسن روى عنه شيخ الشرف العبيدلي النسابة ولا
عقب له واما أبو إسحاق إبراهيم بن يحيى فعقبه قليل أيضا منهم إسحاق بن
محمد بن إبراهيم المذكور له أولاد ذكور واخوة وأما أبو العباس عبد الله بن
يحيى فولده ببادية المدينة وجمهور عقبه يرجع إلى مسلم بن موسى بن عبد
الله المذكور من ولد نجم الدين علي نقيب المدينة بن حسن فقيهها ابن
سلطان نقيها بن حسن بن عبد الملك بن ذويب بن عبد الله بن مسلم
المذكور، له ولد منهم مسلم بن حبيب بن مسلم له عقب منهم محمد بن
هلال بن قياس لعله غياث ابن محمد نقيب المدينة بن حبيب بن مسلم
المذكور له عقب ومنهم عبد المنعم بن هاني بن يحيى بن أبي طالب بن
محمد بن هاني بن حبيب بن مسلم بن حبيب بن مسلم بن العباس بن
عبد الله المذكور واما علي بن يحيى فمرجع عقبه إلى الحسن بن محمد
المعمر بن أحمد الزاير بن علي المذكور وهم جماعة كثيرة بالحائر اعقب الحسن
هذا من رجلين أبي محمد إبراهيم إلى أن قال:
منهم شيخنا العالم النسابة الشاعر الأديب فخر الدين علي بن
محمد بن علي الأعرج المذكور وابناه السيد خليل العالم الزاهد مجد الدين أبو
الفوارس محمد والسيد النسابة الفاضل جمال الدين احمد.
الشيخ علي السبيتي ابن الشيخ محمد بن أحمد بن إبراهيم بن علي بن يوسف
العاملي الكفراوي.
السبيتي مر بيانه في أخيه الشيخ حسن، والكفراوي نسبة إلى كفرى
بفتح الكاف وسكون الفاء بعدها راء مهملة مقصورة أو راء وهاء، من قرى
جبل عامل وعمل صور. ولد في كفرى في الخامس والعشرين من ذي
الحجة سنة ١٢٣٦ وتوفي بها ليلة الجمعة مستهل رجب سنة ١٣٠٣.
عالم فاضل ثقة ثبت صالح زاهد نحوي بياني لغوي شاعر كاتب
مؤرخ، مصارح بالحق غير مداهن. رأيناه فشاهدنا فيه الزهد والتقوى
والصلاح والمجاهرة بالحق، وكان حسن النادرة ظريف المعاشرة، قرأ على
علماء جبل عامل وكان مشهورا بعلم اللغة والبيان والنحو والتاريخ.
ذكره صاحب جواهر الحكم فقال: كان شيخا ورعا تقيا بارا صدوقا
(٣٠٣)

يحب الخير ويفعله، يبذل المعروف بفقه وسكينة ووقار ورشد واصلاح،
مهابا جليلا، من الذين إذا مروا باللغة مروا كراما. وقال: قرأ في أول أمره
على الشيخ التقي الشيخ حسن آل مروة ثم انتقل إلى النميرية إلى عند البحر
الزخار السيد علي آل إبراهيم فاخذ عن السيد واستفاد منه فائدة تامة يحسن
السكوت عليها حتى اشتهر وامتاز على اقرانه بعلمي المعاني والبيان، ولما
شغل السيد بعض عوارض عن ملازمة التدريس تفرقت التلامذة وارتحل
مع الشيخ حسن وخاله الشيخ محمد علي آل عز الدين إلى جبع عند الشيخ
الأعظم عبد الله آل نعمة واستقام مدة استفاد فيها وأفاد خصوصا في البيان
والبديع، إما التاريخ والإنشاء فله فيهما الباع الأطول وكذلك في معرفة
العقائد والأديان والآداب وتواريخ العرب وانسابهم وأحوالهم في الجاهلية
والاسلام. ولما توجه اخوه الشيخ حسن إلى العراق اشتغل عن البحث
والتدريس واخذته امراء عاملة لجهتها وكان عند الدوحة الوائلية ملهج
لسانها وانسان عين زمانها محتاجة إلى انشائه وقلمه، وأخيرا تعرفته الحكومة
الصورية والتمسته ان يكون شيخا للمدرسة الرشدية بمعاش معلوم فحضر
وباشر وبقي أربع سنوات اه‍.
له من المؤلفات الجوهر المجرد في شرح قصيدة علي بك الأسعد
يحتوي على كثير من تاريخ جبل عامل وترجمة جملة من علمائه المتأخرين
سمعنا به ولم نره بعد الطلب الحثيث وسيكون نصيب الأرضة أو الفار أو
مياه السقف كما هو الشأن في كثير من نفائس كتب جبل عامل (١) وكتاب شرح
ميمية أبي فراس ورسالة في رد فتوى الشيخ نوح الذي حلل فيها دماء
الشيعة وأموالهم وكتاب الكنوز في النحو لم يتم واليواقيت في البيان وكتاب
الرد على البطريرك مكسيموس ورسالة في الرد على رسالة أبي حيان
التوحيدي التي رواها أبو حامد أحمد بن بشر المروزي عنه كما نقله ابن أبي
الحديد في شرح النهج، فرع منها سنة ١٢٧٣ بقرية كفرى، ورسالة في
فضل أمير المؤمنين ع إلى غير ذلك من الرسائل، قال صاحب
جواهر الحكم: والجميع نسجت العناكب عليها بيوتها.
ومن اخباره انه حضر إلى دمشق في أيام مفتيها الشهير محمود أفندي
حمزة وكلفه بحاجة له عن الحكام، فعرض عليه تفسيره للقرآن الكريم
بالمهمل فتأمل فيه وقال له خبيص الملوك مأكول فاغتاظ المفتي من ذلك ولم
بقض له حاجته وجبهه، ولما نقل لي ذلك قلت له ما الذي دعاك إلى هذا
فقال: جواب في محله وكلمة حق لا اتركها ولو أدت إلى ما أدت.
شعره
قال يرثي أختا له تسمى فاطمة توفيت في طريق مكة المكرمة:
يا رائحين سقتهم كل صادرة * مزنا تخال على حافتها زبدا
حيث الملبين شعث ضج هاتفهم * لبيك لبيك داعينا وما وعدا
لي فيكم من بنات الصون واحدة * لا تعرف الاثم إذ سوق التقى كسدا
يا ترب كم أحرزت بوغاك جوهرة * أعيى النقود لها نقدا إذا نقدا
وقال من قصيدة أرسلها إلى علي بك الأسعد إلى بيروت سنة ١٢٧٤
وهي منقولة عن شرح ميمية الفرزدق للمترجم:
فكم راح يشدو في علاك مملك * يخط على وجه الثرى فاضل البرد
يغني بارفاد يضيق ببعضه * فضا الغور أو سهل البراري إلى نجد
حشدت عليه بالعطايا زواخر * بها غرق السامي فعاق عن المد
فملك بني قيس بن موسى تركته * يماني ينسى يوم راهط للوفد
على أنه الملك الذي ضيق الفضا * عطاء وغطى البر في البزل الجرد
فتى أوقد الغورين نارا وماءه * دماء وقد كانت زلالا لذي الورد
وذي جفنة ذم ابن جدعان جوده * لديها فضاقت عند معتبك الزبد
كذا تغلب متت إليك قرابة * وأين يمان بالقرابة من سعد
طبعتهما مداح سوحك عزة * وان كثرت في سوحهم مدح الحمد
وذكر في الشرح المذكور عند تفسيره لهذه الأبيات ان مراده بملك بني
قيس بفتح الميم وسكون اللام هو عقيل بن موسى رئيس عرب الهوارة
الساكن في طبريا وما والاها وكان قد خرج على الدولة فحبس في
القسطنطينية ثم هرب من الحبس واستعمل التعرب وخدم الدولة ثانيا
فشموا منه رائحة العصاوة فارسلوا إليه خيل الأكراد من الشام وعليها محمد
سعيد بن شمدين آغا صاحب صالحية دمشق وحاربه في ارض صفورية من
طبريا فانكسر الأكراد وقتل أخو رئيسهم وراح عسكرهم نهبا وقتلا ثم اتى
فلهم إلى غور الحولة واستنصروا الممدوح علي بك فحشد معهم وأقام لهم
الزاد والعلوفة فجاء أمر الدولة بعدم التعرض لعقيل بن موسى هذا فظن أن
البك هو الساعي باطنا بابطال الحرب عنه فوفد بعد حين على البك في تبنين
في جملة من رؤساء البدو فأعطاهم البك عطاء جزيلا من الملابس الفاخرة
والأسلحة والخيول بحيث أدهشهم وعجزت الرجال عن حمل الجفن من
الطعام فكانوا يجرونها جرا واهدى له عقيل فرسا ومهرا ولما رأى كثرة العطاء
أراد ان يهدي له فرسه المشهورة فقال له بعض الرؤساء فمن معه ان أهديتها
له اهدى لك ما هو أعظم منها فامسك وانما قلت إنه ملك بني قيس لأن
الجانب الذي يسكنه عقيل قيسية وبلاد عاملة التي هي بلاد البك يمانية
وكانت يوم مرج راهط لليمانية على القيسية وكان على القيسية الضحاك بن
قيس الفهري وعلى اليمانية حسان بن بجدل الكلبي وذلك بعد هلاك يزيد
ابن معاوية فكسرت القيسية كسرة عظيمة وقتل الضحاك حتى أن رجالا من
قيس لم يضحكوا بعد مرج راهط حزنا على من قتل منهم أي ان ملك بني
قيس صار يمانيا لكثرة العطاء ونسي وقعة مرج راهط وكذلك تغلب وهم
عنزة اليوم وقيل إنهم من بكر وقيل من تميم متوا إليك بقرابة وأين سعد
الذين هم بطن من تميم من اليمانيين قومك لأن عشيرة البك ترجع إلى قحطان
وقولي طبعتهما مداح سوحك الخ يعني ان هذين الرجلين رئيس الهوارة
عقيلا ورئيس عنزة محمد بن دوخي وان كانوا مقصدا للشعراء والمداح فهم
لأياديك عليهم صاروا مداحا لك وابن جدعان من بني تميم من قريش أول
من أطعم العرب الفالوذج وداف لهم لباب السير بالسمن والعسل.
ومن شعره ما نظمه بأمر حمد البك في مدح السلطان عبد المجيد
وأهديت إليه فمنها:
تفاخرني السراة وان قومي * لقوم جلببوا الشمس الظلاما
نصبنا المجد حتى أن قوما * بظل فخارنا ضربوا الخياما
وكم يوم عبوس قمطرير * عقدنا فوق هامتهم قتاما
سننا كل نعمى في البرايا * باعناق الملوك غدت وساما
وغبرنا لكسرى اي وجه * بعدل مليكنا فسما وسامى

(١) انتهى امره أخيرا إلى الاحتراق بالنار وذلك بلفاقة تبع ألقيت اهمالا فأدت إلى احتراق ما في
الغرفة والتهمت النار فيما التهمته هذا الكتاب وغيره من الكتب الموجودة في الغرفة " ح ".
(٣٠٤)

قضى دين المفاخر والمعالي * وأيقظ عدله قوما نياما
ومنها:
لنا يوم الحبيس وأي يوم * منعنا شوس مصر ان تناما
يوم الحبيس إشارة إلى وقعة بين العامليين والمصريين في واد يسمى
وادي الحبيس من عمل فلسطين.
وقبلا يوم حمص لو ترانا * اثرنا نقع حرب قد أغاما
وكم لي والمدا خطب طويل * يسود وجنة القرطاس حبرا
تركت هواه صبارا لامري * فصبرا يا أخا الارزاء صبرا
وقال وأرسلها طي كتاب مصدر ومختتم بكلام منثور سنة ١٢٧٧ إلى
المرحوم علي بك الأسعد وهو في دمشق في صحبة محمد فؤاد باشا يوم قدم
بلاد الشام مندوبا للدولة العثمانية على اثر حوادث الستين:
أقمها حنايا تنقل العز والنصرا * نجائب قد حملتها الأسل السمرا
نواقل فرسان الطعان إلى الوغى * بكل بعيد الهم يلحظها شزرا
من الشدقميات المضمن شوطها * دراك المعالي أو بوازرها الغبرا
عليها فحول الموت من آل وائل * إذا لقحت حرب لها ابتهجت بشرا
قماقم لم تبهج بغير عظيمة * ولم تنشرح في غير ضائقة صدرا
أشاوس حرب أو مصالت غارة * طلائع جيش تخدم المجد والفخرا
هم الركب ركب الموت إما جهلتهم * سل الحرب تعطيك المثقفة الخبرا
مغاور باس وابن أسعد سعدها * إذا اظلمت ليلا يشق لها البدرا
بعيد طويل الهم رحب فناؤه * يدفقه جودا فيجهدها شكرا
أبو زيدها في النائبات وعمرها * فهل لسواه اليوم محمدة ذكرا
سرى صيته حتى تقطع تحته * من الحافر الخف المثقلها ظهرا
فتى قد أعد الله جل جلاله * لمعضلة عونا لمهيضة دخرا
فتى تنظر البدرين سيماء وجهه * أسارير سر تدفق الخير واليسرا
يعاضده في النائبات محمد * فتى القوم يوم الحرب أثبتهم صبرا
يعلق في مثل السواري حمائلا * يلامع في شفراته الموتة الحمرا
من المقرمين اللاء إما ذكرتهم * تهلل وجه الوفد احمدهم ذكرا
أفاتوا المعالي درك سبق خيارهم * فجاءوا بها بيضا غطارفة زهرا
على أنهم لو انصفوا لتفاخروا * بأبنائهم آباء غيرهم فخرا بنوا ما
بنوا للمكرمات وللعلى * فشيدها مجدا وجاوزها نسرا
لهم كل فياض اليدين من الندى * إذا قام فيه الامر اثقلها شكرا
علي المعالي وابن أسعد جدها * إذا ضاق أمر الخطب اوسعها فكرا
يضيق على غير ابن أسعد رأيه * ويعصيه ماضيه فيرهقه عسرا
فتى فرج المعقود من كل مشكل * على حالة قد ضاق مشكلها أمرا
له سيف مقدام محمدها علاء * يفلق في الظلماء من سيفه فجرا
أبو فائز في النائبات وفائز * إلى القرم يمشي مشية البطة الكدرا
قريب من الداعي بعيد من الخنا * سريع إلى الجلي بطئ عن الصغرى
ترى حمله بين الورى غير طائش * وبين القنا كالجن يذعرهم ذعرا
إذا ما امتطى ظهر الجواد تضايقت * جبال الورى شوسا وبيداؤها شقرا
بكل منار الفخر في رأس شاهق * يقلبه يمنى ويرقصه يسرى
إذا صال أعطاه الزعامة بأسه * وان قال أعطته رياستها الكبرى
بدور المعالي والعوالي فلن ترى * لها منكرا صعبا سوى صعدة سمرا
تغالط أم الطفل بالسرج طفلهم * فيصعد ظهر المهد يحسبه مهرا
يشاطر وفد الركب أشطار ماله * رصائعها جردا شداقمها عفرا
ويقري بتهليل الأسارير أشعثا * رماه المدى في كل معضلة غبرا
فلست ترى في ساحة غير قلص * مقطعة الأنساع ثاقبة ظهرا
حراجيج أمثال الأهلة شسفا * تلفت خوف اليسر مرعبة زجرا
عليها لطول اليسر كل شمردل * على كتفها جنا وغاربها نسرا
يقول لها قرى فهذا ابن أسعد * لنا ناقتي من كل قاصمة ذخرا
وكم مثلها من كل نقابة الذرا * فذاك ذراها اليوم تحسبه قصرا
ودهماء مثل الخوص يعلو قتارها * رصائع أرغتها شكائمها الحرا
فيا حاسبا عد المكارم في الورى * فليس لها في ابن اسعدها حصرا
حصرت واني في الورى ذو بلاغة * فما حيلتي والعجز يقعدني حصرا
سوى انني اتلو مديحا لذكره * فيبهجني ذكرا ويشرح لي صدرا
له كل يوم في المعالي مجدد * من الذكر طول الدهر لا يعرف الدهرا
مدائح في جبهات ذا الدهر غرة * علي علاها كيف لا يحسن الشعرا
فخذها كافواه الرياض قصيرة * يطول على غيري مدى بحرها شعرا
وفي بعض مجاميعه انه أنشأ فلاحة بقرية شارنية سنة ١٢٦٩ وانه
في سنة ١٢٦٣ و ١٢٦٤ أنشأ فلاحة في قريتي ريشا ومروحين من قرى
الشعب.
وكان من أساتذته الشيخ علي مروة قرأ عليه في حداثا والسيد علي
إبراهيم قرأ عليه في النميرية والشيخ عبد الله نعمة قرأ عليه في جبع وفي
ذلك يقول:
وفي روض حداثا سنون تصرمت * باسرة اخوان وخلة خلان
أنال بهم هام الثريا وربما * جررت على المريخ إذ ذاك أرداني
بدار الحجى دار النميرية التي * تكف عن الملهوف صولة عدوان
أقمت بها شطرا من الدهر اجتني * ثمار العلى لا تعرف الغمض اجفاني
ثلاثة أعوام فلا من مبرز * يقابلني في منطقي وبتبياني
فمن منطق أو من بديع وحكمة * ونحو وتفسير وصرف مباني
بيان معان أو أصول عميدها * أبو حسن لا سيبويه ورماني
غنمنا بها ما بين يوم وليلة * فصاحة قس أبو بلاغة سحبان
وعن جبع لا تسألن فإنها * معاهد أحبابي ومنزل اخواني
عرفت بها عزى وفضلي وسؤددي * ونلت بها علمي وأحرزت عرفاني
خدمت بها شيخ الهدى سيد الورى * أبا حسن غوث الصريخ رجا الجاني
نعم قوضت تلك الليالي وعوضت * ليالي ريشا بين جلف وجوبان
ففي مروحين وأم توتة أختها * ويارين سكنى بيدر بين عربان
كعمرو وهبروش وفسا وحلحل * ولبلوبة أو أم سيف وجربان
وقطوزة الغرا وشاهين والتي * يفوتك في وجناتها عيشة العاني
إذا نهضت للماء اقعدها الحنا * قريبة مس الدهن في طي اردان
لها وجنة شوها وجلد مبرقع * كجلدة حرذون وجدرة جرذان
وشعر كشعر العبد أجعد أقمل * وكالقنفذ الشاكي وخنفس حيطان
وجلباب سوء لو أصاب عصيره * فم الحية الرقشاء كانت من الفاني
يطرز قمل الرأس اردان ثوبها * لها ريح سمان وأثواب قطراني
حديث كقلع الضرس أو نتف شارب * وتعذيب جزار وحبس بلومان
تبدلتها عن كل حوراء طفلة * كزهرة رمان وتفاح بستان
تجلي هموم المعسر المقتر الذي * تقاعد عن حظه منذ أزمان
(٣٠٥)

فزايلتها عض الغبين أناملا * وبحث تراب الأرض عن حب مرجان
إلى شارنية أو رشاف وطيرة * لحب شعير أو لشتلة دخان
وحاكورة فات الحراث بزرعها * ومن بيدر في تبنه ملء تبان
وحقل غدا عبود في قمسه ضحى * وحقل رمى فيه الوكيل لزهران
وفي آل حمدون وباهلة الالى * تواصوا بنهب القش والتتن الداني
لذلك قدمت الشكاية فيهم * لساحة مقدام واسكندر الثاني
أبي فدعم ملجأ الضعيف ومن به * تقر عصا الجاني ويهدأ حشي العاني
هو البيك رب المجد غير مدافع * إذا رجفت كف الشجاع بمران
همام شجاع لوذعي سميدع * قرى البائس العاني رجا الخائف الجاني
وهم طويل قد تمطى بصلبه * ففرجه عفوا على غير امكان
قال: ريشا ومروحين وأم توتة ويارين خرائب
ومزارع للعرب زرعت فيهن سنة ١٢٦٣ و ٦٤ وهي لا ماء فيها ولا جيرة
وجوبان راعي الغنم وعمرو وهبروش وفسا وحلحل
ولبلوبة وأم سيف وجربان وقطوزة وشاهين أسماء
العربان هناك وشارنية قرية عند صور والجزار هو احمد باشا الجزار
الظالم المشهور واللومان حبس الجرائم وزهران رجل من الشوف
كان قد زرع فيها فسمح له شريكي بالخراج وعبود رجل من صور زرع
الأرض وهرب بحاصلها ولم يعطنا حقنا منه وباهلة وحمدون اعراب
نهبوا قشنا وارشاف قرية وأبو فدعم حمد البك وكان لا يسمع
عليهم شكاية فقلت هذه القصيدة لا عرضها عليه فصادف لسوء الحظ ان
توفي أيام نظمها فعنكبت عليها العناكب حتى نقلت بعضها الآن وهو سنة
١٢٧٣ ومنها:
معودة كسر الجفون لحادث * عن السيف لا كسر الجفون لمفتان
سلوا عنه في وادي الجيش عصابة * من الترك فروا في وعور ووديان
وظلت رماح العامليين شرعا * لنهلة خطار بمنحر فرسان
وكل رحيب الصدر ياطر رمحه * من الباس مهتاج بمهجة حران
تأز له الأطواب يرغو لوقعها * ونغمتها لا صوت نغمة عيدان
إذا سطع البارود فرج انفه * إلى ريحه لا ريح بان وريحان
وكل شديد الساعدين مقذف * صليب الحشي شثن الأصابع طعان
يعانق خود الموت لم يدر صوله * أ خود الحشايا أم خريدة مران
قريب من الداعي بعيد من الخنا * يرنح للهيجا معاطف نشوان
ومن قصيدة له في أبي الفضل العباس:
ضمائر فيها البين والهم نافث * تهيجها للحادثات حوادث
وقائع في اثنا وقائع لا يعي * لها غابر حتى يوافيه حادث
وأعظمها وقعا لذي اللب في الحشي * إذا ضاع موروث وأعوز وارث
سأرمي بها دوا يضح فجاجه * ولم يمش فيه للسحاب نوافث
مالف للخريت غير رحابها * سباريث فيها الصادقون حوانث
إليك أبا الفضل الرضا زمت العللا * حدائجها والامر للامر كإرث
أ أنساك يوم الطف والخيل تدعي * فينحط عريد ويرعد لاهث
صليت لظاها دونك الشوس تدعى * بأيامها والخطب للخطب عائث
ويوم دعتك الهاشميات والحشى * تلاعب فيه نافخ الحر عابث
ونادى مناديها هل اليوم فارس * عصته العوالي والسيوف النوافث
وكل جسور يولد الموت صوته * إذا صاح لبته المنايا الغوارث
فأخمدت من هيجائها كل مرجل * يقر لك الجمعان انك حارث
ورثت من القوم الذين وصاتهم * إذا امحل العامان غوث وغائث
ترى حلمهم تحت الظبا غير طائش * وخطوهم بين القنا متماكث
وقال من قصيدة:
رعى الله أيامنا بالنقي * وليلتنا يوم ذات الأثل
ليالي تحمد ظلماؤها * ويشكر فيها المساء الأصل
بكوري صبوح ونجمي سعود * ويومي الخميس وبرجي الحمل
ليالي بيض بوصل الحسان * ويومي رطيب بظل أظل
له الله عمرا مضى عزه * بغر وجر علي الخلل
وقلت بشيبي ابغي النجاة * واستعمل الزهد زاد الاجل
وباقيه افنيه بالصالحات * واعمر داثره بالعمل
ففئت إليه دثور المحال * فقيد المعون ضعيف الحيل
ولم يبق غير زفير الأسيف * بفوت المراد وعزم الملل
بعمر تقضي بجهل الغرور * وعي التعوب وقطع الوصل
فهلا تراك لعين بكت * وقلب تجشع ثم انخذل
يرى قرة العين ذات اليمين * وذات اليسار بلوع الأمل
ويقضي ديونا تفك الرهان * ويثلج صدر شديد العلل
وهيهات قد فات ليل البطي * وفاجى النهار مسير العجل
واثقل كتفي حمل الذنوب * وقيد خطوي نسوع الزلل
واوجي خفافي حزون الطريق * واوحل ممشاي سوء السبل
ولست ارجي بكل الأمور * لرد الضياع ونيل الأمل
بحال يذل عليه العزيز * وخطب يعز عليه الأذل
رجاء لرأبة هذي الصدوع * ومن يرج شيئا عليه اتكل
بغير ولائي لآل الرسول * فبدري بهم طالع ما افل
ولاء عقدت بقلبي عراه * فأوثقتها عقدة لا تحل
أأنسى ولاهم وهم للوجود * وللنشأتين أصول العلل
فمن يعرب المجد حتى قصي * ومن هاشم الخير غيث المحل
ومن احمد الطهر مبدئ الفيوض * إلى حيدر الفخر ذاك البطل
وله في يوشع بن نون صاحب المشهد الذي على سفح الحولة الغربي
من قصيدة:
ألست الذي طوع ايمائه * ذكاء وقد آذنت بالأفول
ألست الذي حين ماد الطغاة * وازت مراجلها للنكول
أريحا وبيسان ذات الشقاق * وارض البثينة ذات السهول
أدرت رحى الحرب وهي الحرون * تذل العزيز تعز الذليل
أقمت نواميس دين الكليم * وأحكمت شرعة دين الجليل
وأفصح عنك بتوارتهم * مديح القيام بلفظ طويل
وأبدلت طغيانهم حكمة * وقدت الصعاب مقاد الذلول
ونادى على جوها صارخا * منادي الاله بدين الخليل
وموسى سررت وهارونه * برفع عماد التقى المستطيل
وأسميت عند أهيل السماء * مذل الجبابر عز الذليل
وصي الكليم وليث الحروب * إليك أتيت بحمل ثقيل
قصدت ربوعك دون الربوع * لخطب جليل وسيب جزيل
فاما قبلت ففضل الكرام * واما طردت فصبر جميل
(٣٠٦)

وله من أبيات:
وذي قامة هيفاء كالغصن تنثني * وردف كأحقاف بعالج يرتج
وقامرته في كل كأس مصبر * فكان له الصافي وكان لي المزج
وفي كل واد لي فؤاد معلق * له زحل في كل شارقة برج
ترعرع فيه للأماني مشيئة * يطاردها عن كل ناصية فج
وقال يمدح علي بك الأسعد من قصيدة وأرسلها إليه سنة ١٢٧٧:
وان الكرام الغر من آل وائل * لهم شرف الفضل الطريف وتالده
بنوا من طريق المكرمات موضحا * يلم به العافي فيكرم وافده
تالف في افنائهم كل شارد * فذاك فناهم لا تعد قواصده
لهم بدر مجد في العلا نال رتبة * فمن دون أدناها السهى وفراقدة
يبدد جيش المال وجود بنانه * كما بدد الجيش العرمرم ساعده
إذا سار سار الموت تحت لوائه * وذلك حوض لا تغب موارده
وله يمدحه سنة ١٢٧٠ من قصيدة وأرسلها إليه إلى بيروت وقد مر
بعض أبياتها في ترجمته:
إليك اشتياقي لا لزينب أو هند * وفيك غرامي لا بسعدى ولا دعد
وما لي لا اهوى الفخار وسؤددا * هو الظل للضاحي وجدوى لمستجدي
ففك لمأسور واطلاق موثق * واثراء ذي عدم وارغام ذي حقد
فكم راح يشدو في علاك مملك * يجر على وجه الثرى فاضل البرد
حشدت عليه بالعطايا زواخرا * بها غرق السامي فعيق عن المد
وظل بها عيا يحاول منطقا * وقد حصرت فيه المناطيق عن عد
فملك بني قيس بن موسى تركته * يماني ينسى يوم راهط للرفد
على أنه الملك الذي ضيق الفضا * عطاء وغص البر في البزل الجرد
فتى اوقد الغورين نارا وماءها * دماء وقد كانت زلالا لذي ورد
كذا تغلب متت إليك قرابة * وأين يمان بالقرابة من سعد
وذا حمد في القبر قرت عيونه * غداة رأى كيف ابتناؤك للمجد
وذي جفنة ذم ابن جذعان جوده * لديها وامسى لا يعيد ولا يبدي
أبا المجد يا عليا نزار ويعرب * وحاتمها المجدي وفارسها المردي
نزلت ببيروت وخلفت عاملا * فما عامل من دون صارمك الهندي
فعجل فدتك النفس واملأ قلوبها * مسرة ذي وعد يبادر بالوعد
وخذها عروسا بضة بنت ليلة * ثناك حلاها تزدهي منه في عقد
علي بن محمد بن منصور بن نصر بن بسام البغدادي
توفي سنة ٣٠٢ أو ٣ عن عمر ينيف على السبعين.
كان شاعرا هجاء وامه بنت حمدون النديم وهو غير صاحب الذخيرة
ومن شعره:
وكانت بالصراة لنا ليال * سرقناهن من ريب الزمان
جعلناهن تاريخ الليالي * وعنوان المسرة والأماني
وقوله:
ان عليا لم يزل محنة * لرابح الدين ومغبون
أنزله من نفسه المصطفى * منزلة لم تك بالدون
صيره هارون في قومه * لعاجل الدنيا وللدين
فارجع إلى الأعراف حتى ترى * ما صنع الناس بهارون
السيد علي بن محمد علي الحسيني المبيدي اليزدي نزيل كرمنشاه.
توفي سنة ١٣١٣.
له بديع اللغة في اللغات المولدة.
أبو الحسن علي بن محمد الشغرائي.
في الرياض هو السيد الاجل عين السادات أبو الحسن علي بن محمد
ابن علي بن القاسم العلوي الشغرائي اه لعله الشقرائي.
أبو الحسن علي بن محمد العدوي الشمشاطي النحوي.
له كتاب البرهان في النص الجلي على امامة أمير المؤمنين
ع ينقل عنه في البحار وله ذيل تاريخ الموصلي من سنة ٣٢٢ إلى
وقته.
وهو صاحب الرسالة إلى سيف الدولة المعاصر للصيني له كتاب ذكر
من قابل الجميل بالقبيح وهو لغوي أديب شاعر.
القاضي جمال الدين علي بن محمد العبسي.
قال معارضا رائية ابن منير الطرابلسي المشهورة:
بالبيت أقسم أو باهل * البيت سادات البشر
وبصولة المولى الذي * باهت بها عليا مضر
ان طال غصب مطهر * عمدا لداري واستمر
لأقلدن أبا حنيفة * صاحب الرأي الأغر
ولأسمعن له وان * حل النبيذ المعتصر
حبا لقوم أنزلوا * بمطهر أقوى ضرر
أعني بهم أبناء * خاقان الميامين الغرر
ولا تركن الترك ترفل * من مديحي في حبر
ولا نظمن شواردا * فيهم تحار بها الفكر
وأسواقها زمرا إلى * زمر وتتلوها زمر
ولأبكين على الوزير * بكل معنى مبتكر
أعني به حسنا وان * فعل القبيح فمغتفر
وأقول ان سنانهم * سيف نفته يد القدر
ما جار قط ولا أراق * دما وبالتقوى أمر
وإذا جرى ذكر الخمور * ومن حساها واعتصر
نزهتهم عنها سوى * لام المفند أو عذر
استغفر الله العظيم * سوى النبيذ إذا حضر
فالرأي رأيهم السديد * وقد رووا فيه خبر
ولامضين على بكير * في العشايا والبكر
اقضى بتربته الفروض * ومن زيارته الوطر
ولأملين على العوام * مسائلا فيها غرر
تقضي بتطويل الشوارب * عند تقصير الشعر
ولارضين من العمائم * ما تكولك واعتصر كذا
ولأرفعن إلى الصلاة * يدي وأزويها أشر
وأقول في يوم تحار * له البصائر والبصر
والصحف تنشر طيها * والنار ترمي بالشرر
هذا الشريف أضلني * بعد الهداية والنظر
(٣٠٧)

السيد جلال الدين علي بن أبي الفوارس محمد مجد الدين بن أبي الحسن
علي فخر الدين.
قال السيد ضامن: كان سيدا جليل القدر رفيع المنزلة عظيم الشأن
عالي الهمة رئيسا نقيبا بالحلة.
الشيخ علي بن محمد الهجري البحراني.
له الجامع في مقتل الحسين ع عن الرياض ما علمت
عصره واستظهر بعض انه ابن الشيخ محمد بن سليمان الراوي عن
البهائي.
الأمير الاجل السيد الشريف علي بن محمد بن الرضا بن محمد الحسيني
الموسوي الطوسي المعروف والده بدقر خوان المعالي.
له كتاب ألف جارية وجارية فرع منه ثاني المحرم سنة ٦٥٤ توجد منه
نسخة في فينا عاصمة النمسا.
الميرزا علي بن الميرزا محمد الاخباري النيسابوري.
كان من نوابع عصره في الفقه والحديث والعلوم الغريبة اخذ العلم
عن والده الميرزا محمد ويروي عنه وهو عن مشايخه المعروفين الميرزا محمد
مهدي الشهرستاني والشيخ موسى بن علي البحراني وغيرهما وهم عن
صاحب الحدائق كما نص على ذلك في كتابه دوائر العلوم وجداول الرسوم
وله تاليف كثيرة منها كتاب سبيكة اللجين وكتاب العروة الوثقى وغيرهما.
توفي بالمحمرة سنة ١٢٧٣ وبها قره، خلف جماعة من الأفاضل وهم الميرزا
حسين والميرزا محمد والميرزا عبد الرضا والميرزا عبد الله والميرزا باقر والميرزا
محمد طاهر وبعضهم بسوق الشيوخ وبعضهم بالمحمرة ويروي السيد
شهاب الدين النجفي الحسني النسابة عن المترجم بواسطتين إذ يروى عن
الميرزا عنايت الله وهو عن والده الميرزا حسين وهو عن والده الميرزا علي
المترجم.
السيد المير نظام الدين علي بن المير قوام الدين محمد بن المير علاء الدين أو تاج
الدين الحسين بن الأمير الشريف المرتضى بن الأمير الشريف علي بن
السلطان ببلاد طبرستان السيد كمال الدين ابن السلطان بها المير قوام الدين
الحسني المرعشي المشتهر بمير بزرگ.
كان من علماء الحديث والفقه والأصولين وهو من اسلاف سلطان
العلماء السيد حسين المشهور بخليفة سلطان صاحب الحواشي على شرح
اللمعة صهر الشاة عباس. خرج نظام الدين من بلاد مازندران بعد أن
توفي أبوه ونزل اجهان وحمل ما كان في خزانة والده من النفائس ومصطفيات
الملوك خوفا من السيد عبد الله المرعشي المتولي على بلاد طبرستان، وهو
الذي أسس بيت الخليفة سلطانية باجهان بيت شرافة ووزارة وفقاهة وعلم
وورع ويعبر عن ذريته سادات كل بهار لنزولهم بتلك المحلة باجهان
وسادات خليفة سلطانية كما نص على ذلك جمع منهم المولى الأفندي في
تعاليقه على الرياض.
أبو الحسن علي بن حمد بن عبد الرحمن الفارسي.
جمع المجالس للمفيد، منه نسخة مخطوطة في مكتبة الشيخ ضياء
الدين النوري في طهران.
السيد فخر الدين علي بن محمد بن أحمد بن علي الأعرج بن سالم بن
بركات بن محمد أبي البركات بن محمد بن الحسين أبي عبد الله بن علي بن
أبي محمد الحسن بن محمد الأعمش بن أحمد الزابر بن علي بن أبي الحسين
يحيى النسابة بن أبي الحسن جعفر الحجة.
قال ضامن بن شدقم في كتابه: كان عالما فاضلا كاملا أديبا شاعرا
نسابة.
علي بن محمد بن زياد الصيمري.
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الهادي وقال في أصحاب
العسكري علي بن محمد الصيمري وهما واحد وفي كتاب مهج الدعوات انه
كان من وجوه الشيعة وثقاتهم ومقدما في الكتابة والأدب والعلم وان له
كتاب الأوصياء وانه كان صهر جعفر بن محمود الوزير على ابنته أم احمد
ويستفاد من روايته معجزات العسكري ع حسن عقيدته
ورسوخ ايمانه.
وينقل عنه ابن طاوس في مهج الدعوات، قال ما لفظه من نسخة
عتيقة عندنا الآن فيها تاريخ بعد ولادة المهدي ع بإحدى
وسبعين سنة ووجد هذا الكتاب في خزانة مصنفه بعد وفاته سنة ٢٨٠ وكان
رضي الله عنه قد لحق مولانا علي بن محمد الهادي ومولانا الحسن بن علي
العسكري ع وخدمهما وكاتباه ودفعا إليه توقيعات كثيرة.
وأورد ابن طاوس في المهج عدة روايات ذكرها علي بن محمد
الصيمري في كتابه المذكور منها عن سعيد عن أبي هاشم قال كنت محبوسا
عند أبي محمد ع في حبس المهتدي الحديث وذكر روايات
كثيرة نقلها عن الكتاب المذكور.
الشيخ علي بن محمد بن شاكر المؤدب الليثي الواسطي.
له كتاب عيون الحكم والمواعظ وذخيرة المتعظ والواعظ جمعه من كلام
أمير المؤمنين ع مما ذكره أبو الفتح عبد الواحد بن محمد
الآمدي في غرر الحكم ودرر الكلم وما لم يذكره من كتب مشهورة ككتاب
دستور الحكم ومكارم النسم للقاضي القضاعي صاحب الشهاب في الحكم
والآداب وهو أبو عبد الله محمد بن سلامة بن جعفر بن علي القضاعي
وككتاب المناقب لأحمد بن مكي الخوارزمي خطيب خوارزم ومثل كتاب
منثور الحكم لابن الجوزي ومثل كتاب الفرائد والقلائد لأبي يوسف
يعقوب بن سلمان الاسفريني رتبه على ثلاثين بابا بترتيب حروف الهجاء
لكن سقط من النسخ الباب الأخير فرع منه سنة ٤٥٧.
علي ميرزا الرشتي امام الجمعة.
له كتاب استيفاء المهمات من الطهارة إلى الديات رأينا منه نسخة
مخطوطة في طهران في مكتبة شريعتمدار الرشتي لعلها بخط المؤلف وصل
فيها إلى غسل الجنابة لعله في عصر صاحب الرياض وله منظومة في الأصول
ومنظومة في الكلام مع شرحهما وشرح الارشاد.
(٣٠٨)

٦١٢: السيد علي بن محمد بن جابر.
ذكره ضامن فقال:
وقال قرأ على المؤلف طاب ثراهما في النحو والصرف والمنطق وعلم
الكلام والفقه ولديه في كثير من العلوم الصالحة والفروع النافعة كان فقيها
ومحققا نبيها مدققا محيطا بأقوال العلماء وخلافاتهم راويا لفتاواهم وحل
مشكلاتهم ورعا زاهدا صالحا عابدا متصفا بالسكينة والوقار معروفا بخفض
الجناح للمتقين والمرجع في جميع الأحكام الشرعية وعليه المعول في الأمور
الدينية ومنه كانت استفادات علي بن حسن المؤلف في الفقه وعليه فيه
قراءته وكان حميما صديقا ووالدا شفيقا جزاه الله خير الجزاء وكانت وفاته
بالمدينة سنة ١٠٠٥ ودفن في أزج بناه جدي علي لنفسه وقصد بدفنه فيه
التبرك به اه.
علي بن محمد الكاشي من علماء الإجازة وهو شيخ ابن العتايقي.
له كتاب النكات في مسائل امتحانية في علمي المنطق والكلام، صنفه
لعماد الملة والدين يحيى، منه نسخة بخط عبد الرحمن بن العتايقي في
الخزانة الغروية، فرع من نسخها سنة ٧٥٢ وعلى ظهر الكتاب بخط ابن
العتايقي: توفي مولانا وشيخنا المولى القدوة القبلة سلطان الفقهاء والعلماء
والمتكلمين نصير الملة والحق والدين مصنف هذا الكتاب طاب ثراه وجعل
الجنة مقامه ومأواه عاشر رجب سنة ٧٥٥ هجرية. وللكاشي في الخزانة
الغروية تعريب زبدة الادراك في علم الأفلاك للخواجة نصير الدين
الطوسي وشرح هذا التعريب ابن العتايقي بشرح سماه الشهدة في شرح
الزبدة وهو موجود في الخزانة الغروية وكتب على ظهر النكات: كتاب
النكات املاء المولى الامام الأعظم البارع الورع المعظم قطب الأولياء
وخلاصة الأصفياء سلطان الحكماء والفقهاء والمتكلمين شيخ مشايخ العارفين
كعبة طلاب العلم والسالكين نصير الملة والحق والدين علي بن محمد
الكاشي آدام الله أيامه وأعطاه في داريه مرامه بمحمد وآله الطاهرين.
السيد أبو الحسن علي زين الدين بن محمد بن علي بن محمد بن علي بن
عبد الله بن محمد من نسب بني زهرة.
قال ضامن: كان عظيم الشأن جليل القدر رفيع المنزلة عالما فاضلا كاملا.
السيد علي ابن السيد محمد بن السيد علي ابن السيد إسماعيل بن أبي جعفر
محمد ابن علي الغياث بن أحمد المقدس دفين لملوم بن السيد هاشم بن علوي
عتيق الحسين ابن السيد حسين الغريفي الموسوي البحراني.
ولد في النجف الأشرف سنة ١٢٦٤ وتوفي سنة ١٣٠٢ ودفن في
وادي السلام.
كان عالما فاضلا فقيها أصوليا، قرأ على السيد علي الطباطبائي صاحب
البرهان القاطع والشيخ راضي النجفي والشيخ مهدي الجعفري والشيخ
محمد حسين الكاظمي والسيد مهدي القزويني والسيد حسين الترك والشيخ
هادي بن محمد امين الطهراني والشيخ ملا كاظم الخراساني، وفي
الرياضيات علي السيد محمد الهندي والسيد محمد الشرموطي، وقرأ عليه
جماعة كالسيد محمد شبر والحاج محمد حسن كبة والشيخ قاسم قسام النجفي
والسيد عدنان البحراني وغيرهم، له من المؤلفات ١ المقاييس في أصول
الفقه فرع منه سنة ١٢٩٥ ٢ نتائج الأفكار منظومة في الأصول ٣
حاشية على التعادل والترجيح من رسائل الشيخ مرتضى ٤ منظومة في
أصول العقائد ٥ حاشية على حاشية ملا كاظم الخراساني على الرسائل ٦
منظومة في المنطق ٧ شرح كتاب الظهار وكتاب اللقطة ومبحث الحيض
من الشرائع ٨ المفتاح في علم الزايجة ٩ رسالة في علم الرمل ١٠
رسالة في علم الجفر ١١ منتهى المرام في شرح النظام ١٢ كتاب في
الرجال إلى حرف الحاء ١٣ منظومة في المواريث ١٤ رسالة في
استحالة اجتماع الأمر والنهي ١٥ رسالة في الوضع ١٦ العمود في
المقادير ١٧ رسالة في تحقيق المرفقين والكفين ١٨ رسالة في قاعدة لا
ضرر ١٩ منظومة في الهيئة ٢٠ منظومة في تحرير أقليدس ٢١
منظومة في الفقه إلى آداب الاستنجاء.
الشيخ علي بن المولى محمد جعفر الاسترآبادي الطهراني.
توفي سنة ١٣١٥.
له كتاب البرد اليماني في ألفاظ المعاني وغاية الآمال وبروج العروج في
الهيئة وبروز الرموز في متصرفات المسائل ومتجدداتها وكليات القواعد
الفقهية ومندجاتها والبروق اللامعة في شرح الزيارة الجامعة وتحرير الأصول
في أصول الفقه وشرحه ايضاح التحرير وتحفة الأنام في الطهارة والصلاة
والصيام فارسي، وتذكرة العالمين الأبدان والأديان في آداب السفر وما
يحتاج إليه المسافر والمناظر.
الشيخ زين الدين أبو محمد علي بن محمد بن علي بن محمد بن يونس
النباطي البياضي العاملي (١).
توفي سنة ٨٧٧.
له كتاب الصراط المستقيم إلى مستحقي التقديم مهديا إلى كل ذي
عقل سليم وجدنا منه نسخة في كربلاء مخطوطة وهو في اثبات الواجب
وصفاته والنبوة والإمامة. يدل على فضل مؤلفه وختمه بأبيات من نظمه قال إنه
سمحت بها فكرتي عند تمامه:
جعلت من الدين القويم صحائفا * هداني إليها...
وحرزت فيها للولي لطائفا * تجلى عمى عين الغبي وباله
وأوضحت فيه للغوي طرائفا * سرائرها مطوية في خلاله
وقررت فيه كل قول منضد * يزحزحه في دينه عن ضلاله
فلا وامق الا هدى بكماله * ولا مارق الا هوى بنصاله
يساق إليه الموت عند نزاله * ويساق للافحام عند جداله
وسميته باسم الصراط تيمنا * ليسلك فيه للنبي وآله
وارجو إلى الرحمن منهم شفاعة * تصرف عني من عظيم وباله

(١) وجدنا في مسودات الكتاب اسما ورد بهذا الشكل: الشيخ أبو محمد علي بن يونس
العنفجري البياضي العاملي " العنفجري " كأنه منسوب إلى عين فجور وهي قرية كانت
بقرب لبايا من اعمال البقاع في طريق دمشق هي خراب والعين باقية إلى اليوم " والبياضي "
بتشديد الياء نسبة إلى البياض قرية بسواحل صور من جبل عامل له كتاب نجدة الفلاح
وزبدة البيان ينقل عنهما الكفعمي في حواشي كتابه المعروف بالمصباح.
فاحتملنا ان يكون الاسمان لشخص واحد، اوهما لشخصين مختلفين فأوردناه هنا كما ترى
(ح).
(٣٠٩)

وجعل تاريخه سنة ٨٥٤ وفي آخره ما صورته:
تم كتابة كتاب الصراط المستقيم في يوم الأحد في ثامن شهر ربيع الثاني
من شهور سنة ١٠٩٩.
وبعده هكذا:
هذا الكتاب تصنيف الشيخ زين الدين أبو محمد علي بن محمد
البياضي متعه الله بجميل غفرانه وأسكنه بحبوحة جنانه وللمؤمنين من
اخوانه يمنه وغفرانه.
هذا الكتاب مبشر برشاد من * يسلك طرائقه بغير خلاف
فكانه المبعوث احمد إذ اتى * في آخر الأديان بالأنصاف
وكانه من بين كتب الشيعة ال‍ * متقدمين كسورة الأعراف
ينبيك عن حال الرجال وما رووا * بعبارة تغني وقول شافي
سهل الطرائق عذبة ألفاظه * فكانها ممزوجة بسلاف
فإذا قرأت أصوله وفروعه * رواك من عذب فرات صافي
فهو الصراط المستقيم ومنهج ألد * ين القويم لسالكيه كافي
تاليف من شهدت له آراؤه * بكماله في ساير الأوصاف
للشيخ زين الدين قطب زمانه * رب المكارم عبد آل مناف
فلقد أنار منار شيعة حيدر * وأباد من هو للنصوص منافي
فجزاؤه من احمد ووصيه * أهل السماحة معدن الاشراف
ان يمنحاه شفاعة مقبولة ويخصه.
وللمترجم أيضا من المؤلفات:
الرسالة اليونسية في شرح المقالة التكليفية للشهيد الأول.
وله ذخيرة الايمان أرجوزة في علم الكلام نحو ستين بيتا نظمها سنة
٨٣٤ أولها:
الحمد لله على تمامه * والشكر لله على انعامه
وقال في آخرها:
وهذه أرجوزة الضعيف * علي اللاجي إلى اللطيف
والرسل والأيمة الأنجاب * ليشفعوا في موضع الحساب
سميتها ذخيرة الايمان * هدية مني إلى الاخوان
وله فاتح الكنوز المحروز في نظم الأرجوزة وهو شرح على أرجوزته في
الكلام. وله المقام الأسنى في تفسير أسماء الله الحسنى. وله كتاب في علم
الكلام.
النسابة نجم الدين علي بن أبي الغنائم محمد بن علي بن محمد ابن الشيخ
ملقطة كذا محمد بن أحمد بن محمد علي بن محمد الصوفي بن يحيى بن
عبد الله بن محمد بن عمرو بن علي المعروف بابن الصوفي النسابة.
كان حيا إلى سنة ٤٤٣.
كان عالما فاضلا نسابة جليلا ثقة معاصرا للسيدين المرتضى والرضي
والشيخ الطوسي واضرابهم يروي عن جماعة منهم السيد أبو الحسن محمد بن
أبي جعفر محمد بن علي العلوي العبيدلي والد الحسين الأصغر الشهيد شيخ
الشرف ومنهم أبو عبد الله الطباطبائي النسابة له كتاب المبسوط والشافي
والمجدي والعيون في النسب وألف المجدي لمجد الدولة أبي الحسن احمد
نقيب البصرة ابن نقيب النقباء أبي يعلى حمزة فخر الدولة بن الحسن قاضي
دمشق وسماه باسمه.
كان يسكن البصرة فانتقل منها سنة ٤٢٣ وسكن الموصل ودخل بغداد
مرارا وله مع المرتضى الحكاية المعروفة.
الشيخ علي بن محمد بن يوسف بن ثابت.
ذكره الكفعمي في حواشي مصباحه ووصفه بالشيخ الفاضل وقال عفا
الله عنه برحمته وذكر ان له كتاب لسان المحاضر والنديم وبستان المسافر
والمقيم ونقل بعض الأمور عن كتابه المذكور.
علي بن محمد علي
له رسالة في حجية الشهرة منها نسخة مخطوطة في كربلاء بمكتبة الشيخ
عبد الحسين الطهراني.
الشريف أبو الحسن علي بن محمد بن جعفر بن إبراهيم بن عمر
الأطرف بن علي بن أبي طالب ع.
في عمدة الطالب انه نقيب البطائح وانه يقال لهم بنو الطيب.
السيد علي بن محمد الكربلائي الموسوي يكنى أبا الحسين.
كان حيا سنة ١٠٩٤.
أحد أدباء كربلاء في القرن الحادي عشر ولد سنة ١٠٩٤، كان
يراسل السيد علي خان.
السيد علي بن شهاب الدين محمد بن علي بن يوسف بن محب بن محمد بن
جعفر بن عبد الله بن محمد بن علي بن الحسن بن الحسين بن زين العابدين
ع الهمذاني العارف المعروف.
توفي سنة ٧٨٦.
له الفوائد العرفانية فارسية مختصرة. وكتاب اختيارات المنطق في
التصوف. وله كتاب اورد فتحية مطبوع.
تاج العلماء السيد علي محمد ابن السيد محمد سلطان العلماء الهندي.
ولد في شوال سنة ١٢٦٠ وتوفي ٤ ربيع الثاني سنة ١٣١٢ ودفن في
حسينية جده غفران مآب بلكهنوء.
قال السيد علي نقي النقوي الهندي المعاصر:
محقق مدقق جامع للعلوم لا يكاد يوجد علم الا وله فيه تصنيف واستنباط،
فقيه أصولي متكلم منطقي حكيم طبيب محدث رجالي مفسر شاعر أديب باحث
مناظر مع أهل الديانات والملل المختلفة ماهر في اللغة العبرانية والسريانية وكتبه
مشحونة بنقل عبائر التوراة والإنجيل العبرانيين. قرأ على أبيه وله أكثر من مائة مصنف
بنقل عبائر التوراة والإنجيل العبرانيين.
من كتب ورسائل منها عماد الاجتهاد في الفقه الاستدلالي، أحسن القصص في
تفسير سورة يوسف على نمط لطيف طبع قديما في عظيم آباد، سلسلة الذهب شرح
كبير لوجيزة البهائي في الدراية، الجوهرة العزيزة شرح وسيط للوجيزة،
التحقيق العجيب في عدم ضمان الطبيب، الارشادية وتسمى أيضا المواعظ
(٣١٠)

الجونفورية، كتاب الطرائف والظرائف، زعفران زار في اللطائف المبهجة،
الموعظة الجودية، الموعظة اليونسية، الموعظة العظيم آبادية في شرح زيارة
الناحية القاسمية في تحقيق حكاية زواج القاسم بن الحسن، ترجمة القرآن في
مجلدين بلغة الأردو، الزاد القليل متن دقيق في علم الكلام وقد شرحه
تلميذه السيد أبو الحسن ابن السيد نقي شاة الرضوي الكشميري المتوفى سنة
١٣٤١ في كتابه المسمى بسواء السبيل في شرح الزاد القليل وقد طبع
الأصل مرارا والشرح مطبوع أيضا، الاثنا عشرية في البشارات المحمدية من
كتب العهدين عربي مطبوع، رسالة في شرح خطبة الزهراء سلام الله
عليها، شرح صغير لوجيزة البهائي في الدراية، الجوهر الفرد في المنطق،
رسالة في عمل التصاوير الغير المجسمة، فرائد الفوائد في آداب التعليم
والتعلم، أنوار الأنظار في تفسير سورة النور، تعليقة على زبدة الأصول
للشيخ البهائي، تصديق الصدق في المنطق، شرح حديث العقل من أصول
الكافي، شرح لشرح سلم العلوم للقاضي مبارك، الطبية متن لطيف في
علم الطب، العلالة الرائعة، العروضية، عماد الدين وفلاح المؤمنين،
غيث الله المدرار، كتاب في علم الرجال برز منه مجلد واحد، المقامات
العلية في المنامات العلوية، طريق اثنا عشري في بعض مسائل الكلام
بالفارسية، ارشاد اللبيب في شرح التهذيب في النحو، ترجمة دعاء العديلة،
النقد الجديد، ترجمة الصلاة، تحفة الواعظين، حواشي القرآن في الرد على
سر سيد احمد خان الشهير في الهند، خلاصة دعاء السمات، الدر الثمين،
در بي بها، الرسالة الجهادية، الرسالة المهدية، الحجية، شرح دعاء الصباح
رسالة في شتم اليهودية للنبي، رسالة الرد على المولى عناية علي في بعض
المسائل الكلامية، زبدة الحساب، سوانح عمره بالفارسية، الساعتية وتسمى
تهذيب الصرف، شرح الأخلاق الناصري للنصير الطوسي، شرح الخطبة
الشقشقية، المواعظ الحسنة، معركة آراء ما التسبب، المسألة الروائية. وقد
سافر المترجم إلى العراق وله الرواية عن جل علماء عصره كالمفتي السيد
محمد عباس التستري اللكهنوي والفاضل الاردكافي والشيخ راضي النجفي
والميرزا علي نقي الطباطبائي الحائري المتوفى سنة ١٢٨٩ والشيخ زين
العابدين المازندراني الحائري وغيرهم ويروي عنه جملة من الأفاضل الاعلام
منهم السيد علي حسين الزنجي فوري والسيد كلباقر الجائسي الحائري
والسيد مكرم حسين الجلالولي.
الحكيم علي محمد اللاهوري.
له فلك النجاة في الإمامة والصلاة في مجلدين اولهما في الإمامة والثاني في الصلاة
ويسمى أيضا غاية المرام في معيار الامام طبع في لاهور طبعتين إحداهما بالعربية
للمترجم والثانية ترجمة للأولى بلسان أردو والمترجم تلميذه الحكيم أمير الدين الذي
كان حنيفا ثم صار اماميا وعليه تقاريض للعلماء منها تقريض السيد علي بن أبي
القاسم القمي الحائري وله أيضا ترغيب الجماعة في صلاة الجماعة مطبوع بلسان
أردو.
المير السيد علي ابن المير محمد رفيع الطباطبائي الأصفهاني.
هو من أحفاد الميرزا رفيعا العلامة النائيني المعروف. كان المترجم من
أعيان علماء عصره وحكمائه ومتكلميه وفقهائه توفي سنة ١١٩٥ بأصفهان
ودفن بمقبرة الست فاطمة وفيها قبور أكثر ذرية السيد حسين الحسيني
المعروف بسلطان العلماء وخليفة سلطان وأقربائه وبني أعمامه كأنها مختصة
بهم وهي قريبة من دور هؤلاء السادة ومنازلهم وكان للمترجم تاليف كثيرة
قد تلفت أكثرها.
الميرزا علي بن الميرزا محمد بن عبد النبي بن عبد الصانع النيسابوري
الاخباري.
توفي سنة ١٢٧٣.
كان عالما بحاثة عارفا بالأدب والحديث والتفسير والكلام والعلوم
الغريبة قرأ على والده وخلف عدة أولاد أفضلهم الميرزا حسين.
أبو الحسن علي بن محمد بن نصر بن منصور بن بسام العبرتائي الكاتب.
مات سنة ٣٠٢.
في معجم الشعراء للمرزباني: امه ابنة حمدون بن إسماعيل النديم
وله مع خاله أبي عبد الله أحمد بن حمدون اخبار وأكثر شعره مقطعات
واستفرع شعره في هجاء أبيه محمد بن نصر وهجاء الخلفاء والوزراء وجلة
الناس وله قصائد رثى فيها أهل البيت وأبان عن مذهبه في التشيع وهو
القائل يمدح النحو ويحض على تعلمه:
رأيت لسان المرء وافد عقله * وعنوانه فانظر بما ذا تعنون
ولا تعد اصلاح اللسان فإنه * يخبر عما عنده ويبين
ويعجبني زي الفتى وجماله * فيسقط من عيني ساعة يلحن
على أن للأعراب حدا وربما * سمعت من الاعراب ما ليس يحسن
ولا خير في اللفظ الكريه استماعه * ولا في قبيح اللحن والقصد أبين
وله:
واصل خليلك انما ألد * نيا مواصلة الخليل
ودع العدو فإنه * سيمل من قال وقيل
وانعم ولا تتعجل ال‍ * مكروه من قبل النزول
بادر بما تدري فما * تدري متى وقت الرحيل
وارفض مقالة لائم * ان الملام من الفضول
وله في عبيد الله بن سلمان لما مات ابنه الحسن يهجو القاسم ويمدح
الحسن،
قل لأبي القاسم المرجى * قابلك الدهر بالعجائب
مات لك ابن وكان زينا * وعاش ذو النقص والمعائب
حياة هذا كموت هذا * فلست تخلو من المصائب
الشيخ نجيب الدين علي بن محمد بن عيسى.
ذكره الشيخ احمد الجزائري في اجازته لولده وقال إنه يروي عنه
الشيخ علي بن محمد بن الحسن بن الشهيد الثاني ويروي هو عن الشيخ
حسن والسيد محمد صاحب المدارك.
السيد علي ابن السيد محمد التبريزي النجفي المعروف بالداماد.
مات فجاة عصر الخميس في ٢٠ صفر سنة ١٣٣٦.
من تلامذة الشيخ حسن المامقاني اشتهر بخروجه مع العثمانية إلى
حرب الإنكليز.
(٣١١)

السيد علي محمد
من علماء الحائر الحسيني في صدر المائة الثالثة بعد الألف.
عز الدين أبو الحسن علي بن أبي الفتح محمد بن أبي جعفر.
نقيب الموصل بن زيد العلوي الموصلي الأديب.
ذكره جمال الدين أبو الفضل أحمد بن محمد بن المهنا الحسيني في كتاب
المشجر وأثنى عليه وانشد عنه:
لهفي على عمري الذي ضيعته * في كل ما ارضى ويسخط مالكي
ويلي إذا عنت الوجوه له بها * ودعيت مغلولا بوجه حالك
ورقبت أعمالي تنادي شامتا * ما عبد سوء أنت أول هالك
لم يبق من بعد الغواية منزل * الا الجحيم وسوء صحبة مالك
عز الدين أبو القاسم علي بن محمد بن زيد الحسيني النقيب قرأت بخطه:
اني حلفت ولست بالحلاف * بالذاريات وسورة الأحقاف
ان الضيافة سنة مأثورة * عن سيد السادات والاشراف
فإذا أقام الضيف فوق ثلاثة * فاحبس قراه وبل على الأضياف (١)
عفيف الدين أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الجبار العلوي الحسيني
الفقيه.
كان من أعيان السادات، قال الحسين بن أبي القاسم انشدنا السيد
عفيف الدين أبو الحسن علي بن محمد بن محمد الجبار الحسيني:
نظرت يوم مشيبي * وثيابي يوم عيد
ثم قالت لي هزءا * يا خليعا في جديد
لا تغالطني فلا * تصلح الا للصيود
قوام الدين علي بن محمد بن علي بن العلقمي الأسدي البغدادي الحاجب.
كان والده مخبرا مع النائب كما سيأتي ذكره ثم ترك ذلك والتجا إلى
خدمة السعيد نصير أبي جعفر فلما مات وكان قد ألزمه الكتابة والحساب
والأدب لم يلتفت إلى شئ من ذلك وعاشر غير أبناء جنسه وتوصل إلى أن
صار نائبا بالجانب الغربي وظهرت منه جلادة ومعرفة وكان شابا حسن
الشكل مترددا إلى الأصحاب ولوالدته علينا حق وجاء السلطانية إلى خدمة
خواجة أصيل الدين وقتل سنة ٧٠٧ (٢).
علم الدين أبو محمد علي بن محمد الحسيني الكوفي نائب النقابة يعرف بابن
كتيلة.
من أعيان السادات العلويين رأيته ولم اكتب عنه أنشدني بعض
الأصحاب قال أنشدني علم الدين.
أيا من قده ألف * ويا من صدغه لام
لقد أكثرت عذالي * ولو أنصفت ما لاموا (١)
أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الله بن السكن البغدادي الحاجب.
ذكره العدل جمال الدين أبو عبد الله ابن الديثي في تاريخه وقال كان
أحد حجاب الديوان سمع من نسيبه محمد بن علي بن السكن سمعنا منه
رسالته عن مولده فذكر لي انه ولد سنة ٥٥٨ وتوفي في ربيع الأول سنة ٦٢٣
ودفن بمقابر قريش.
فخر الدين أبو الحسن علي بن محمد بن أحمد بن علي الأعرج بن سالم بن
بركات بن أبي الأغر محمد بن أبي محمد الحسن نقيب الحائر بن علي بن
الحسن بن محمد معمر بن أحمد بن علي بن يحيى النسابة بن الحسن بن جعفر
الحجة بن أبي علي عبيد الله الأعرج ابن الحسين الأصغر بن زين العابدين
علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب العلوي العبيدلي الحسيني الحلي
النحوي النسابة.
من مشايخنا السادات الذين أخذنا عنهم علم الأنساب، كان فاضلا أديبا
نسابة قد شجر وكتب بخطه، استدعاه النقيب الطاهر رضي الدين أبو القاسم
علي ابن طاوس الحسني لما اهتم بجمع الأنساب سنة ٧٠١ واتانا نعيه من الحلة في ذي
الحجة سنة ٧٠٢ وحمل إلى مشهد جده الحسين بن علي ع.
قوام الدين أبو الحسن علي بن محمد بن محمد العلوي البصري الفقيه.
ذكره شيخنا جمال الدين أبو الفضل أحمد بن المهنا الحسيني النسابة فيما
قرأته عليه بمنزله بالحلة السيفية في رجب سنة ٦٨١ وقال هو أبو الحسن علي
بن محمد بن محمد بن علي بن أبي الفتح محمد ابن أبي الحسين بن النقيب
الأغر بالبصرة أبي منصور محمد بن أبي الغنائم محمد بن أبي الحسن
الفضل بن أبي الحسن علي بن أبي جعفر محمد بن السخطة بن أبي عبد الله
الحسين ع بن أبي الحسين يحيى. وهو سيد فاضل فقيه (١).
عز الدين أبو الحسن علي بن محمد بن المطهر بن علي بن محمد بن أبي
القاسم علي بن أبي جعفر محمد رئيس قم ابن أبي علي حمزة البطري بن أحمد
الدج ابن محمد بن الديباج إسماعيل بن الأرقط محمد الباهر بن أبي
عبد الله بن زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب العلوي
الحسيني النقيب.
ذكره شيخنا جمال الدين أبو الفضل أحمد بن مهنا العبيدلي وقال كان
سيدا جليلا جمع بين الشرف والعلم (١).
السيد مير علي الطباطبائي.
من علماء الحائر الحسيني على مشرفه السلام في صدر المائة الثالثة بعد
الألف، اثنى عليه الرشتي كثيرا ولقبه المجتهد المطلق عند المخالف
والمؤالف.
السيد مير علي ابن السيد محمد ابن السيد محمد تقي ابن السيد محمد رضا
ابن السيد مهدي بحر العلوم الطباطبائي النجفي.
توفي سنة ١٣١٥ في حياة أبيه كان المترجم قد بلغ الكمال في العلم
والتقوى كما وصفه أبوه بقوله: غاص في بحار الفقه على الخفايا وبجودة
الفكر أبرزها وجال في ميادين العلم لاحراز الغاية فاحرزها ورثاه بعض
العلماء بقصيدة فقال:
أ لم يكف بالمهدي ما فعل الردي * فثنى واشجى في علي محمدا

(١) معجم الآداب.
(٢) معجم الأدباء.
(٣١٢)

وللمترجم كتاب كشف الأستار في شرح الاظهار. وخلف بعد موته
ولده السيد جعفر له شرح صلاة نجاة العباد قرضه السيد كاظم اليزدي
وشرح ارثها شرحا مزجيا وتوفي السيد جعفر سنة ١٣٣٤.
شهاب الدين علي الملقب بشهاب التولية ابن ميرزا محمد رضا بن محمد
علي بن محمد تقي بن محمد علي نقي بن محمد حسن بن محمد بديع بن أبي
طالب إلى آخر النسب المذكور في محمد بديع الرضوي المستهدي.
كان له منصب رئاسة الدفتر في المشهد المقدس الرضوي وصرف
عمره في الخدمة بالصدق والديانة.
الشيخ علي بن الشيخ محمد قنديل.
كان عالما فاضلا جليلا عارفا بجملة من العلوم شاعرا أديبا.
من مشايخ السيد نصر الله الحائري وللسيد نصر الله فيه مدائح منها
قوله:
ناحت على الغصن الحمامة * فتوقع المضني حمامه
وبدا له برق فسحت * عينه شبه الغمامة
واها له من هائم * ملك الغرام بكم زمامه
وبنفسي البدر الذي * يبدي عن الشهب ابتسامه
هيهات أين البدر ممن * لا نرى الا تمامه
والشمس تكسف ان نضا * عن وجهه الباهي لثامه
ذو قامة أحسن بها * قامت علي بها القيامة
ولواحظ مهما رنت * ناديت يا رب السلامة
ورحيق ريق رائق * مسك لما امسى ختامه
بين العقود وقرطه * ما بين سمعي والملامه
لا انثني عن وصفه * الا لمدح أخي الشهامة
شيخ الشيوخ المجتبي * من ذا الزمان غدا غلامه
من ليس يدرك شاوه * يوم السخا كعب بن مامه
علامة في وجهه * من كل مكرمة علامة
مولى جليل القدر في * كل العلوم له الإمامة
ندس تبدى شعره * في وجنة الاشعار شامه
لولا عذوبة لفظه * خلناه من صافي المدامه
نظم حكى المسك الذكي * شذاه والدمع انسجامه
والروض وشي حرومه * والدر في العقد انتظامه
يا بحر جود دافق * يطفي من الصادي اوامه
يا مشفقا وضع الدقائق * لي على طرف الثمامة
ما كنت اعرف قدركم * حتى مضيتم بالسلامة
والشمس تفقد عندما * جنح الدجى يرخى ظلامه
ما زلت بعدك قارعا * سني وهل تجدي الندامة
وبمهجتي حل العنا * مذ قوض المولى خيامه
متذكرا عصرا مضى * بالطف ما خلت انصرامه
لا زلت ما بين الورى * طول المدى سامي المقامة
ثم السلام عليك ما * ناحت على الغصن الحمامة
علي بن محمد علي بن زيد الاسترآبادي المشهور بالفصيحي أبو الحسن.
توفي ببغداد ١٣ ذي الحجة سنة ٥١٦.
اشتهر بالفصيحي لاكبابه على كتاب الفصيح في النحو لثعلب
النحوي. شيخ فاضل أديب نحوي تلميذ الشيخ عبد القاهر الجرجاني
وأستاذ ملك النحاة وكان مدرسا في المدرسة النظامية ببغداد بعد الخطيب
التبريزي وحيث اتهموه بالتشيع سألوه عن حقيقة حاله فقال ما أقدر على
انكار مذهبي وانا شيعي من فرقي إلى قدمي فعزل عن التدريس وعين
مكانه أبو منصور الجواليقي فاعتزل عن الناس.
السيد علي بن محمد بن أسد الله الأصفهاني.
نسبة إلى الامام زاده زين العابدين المدفون بمحلة حملان أصفهان
الذي هو أحد أجداده.
سيد فاضل كامل أديب أريب من تلاميذ العلامة المجلسي له ١
كتاب التراجيح في الفقه ٢ ترجمة الشفا ٣ ترجمة الإشارات ٤ هشت
يهشت اي ثمان جنات وهو ترجمة ثمان كتب من كتب الأصحاب مثل
الخصال وكمال الدين وعيون اخبار الرضا والأمالي ونحو ذلك ينتهي نسبه
إلى علي بن جعفر العريضي.
علي بن محمد الشولستاني.
له زبدة التفاسير وجدت منه نسخة في النجف كتابتها سنة ١٠٩٤.
نظام الدولة الميرزا علي محمد خان ابن الميرزا عبد الله خان.
امين الدولة بن محمد حسين خان الصدر الأعظم. استعفى نظام
الدولة من المنصب وجاور في النجف مشتغلا بالعلم إلى أن توفي بها وكان
من تلاميذ صاحب الجواهر له تقريرات أصولية وتقريرات في بعض مسائل
الطهارة كلاهما مطبوعان.
أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن علي بن محمد بن محمد بن السكون
الحلي المعروف بابن السكون.
توفي حدود سنة ٦٠٦ الحلي منسوب إلى حلة بني مزيد بأرض
بابل، والسكون في الرياض: المشهور بفتح السين وقد يقال بضمها
ويرد في بعض المواضع علي بن محمد بن علي بن السكون وتارة علي ابن
السكون ونحوهما من التعبيرات و الكل واحد وحذف بعض أسامي الأجداد
اختصارا.
في الرياض: العالم الفاضل العابد الورع الأديب النحوي اللغوي
الشاعر الفقيه الثقة. وفي أمل الآمل:
ابن السكون فاضل صالح شاعر أديب. وفي بغية الوعاة ذكر كلام
ياقوت وبعده ابن النجار الآتيين مقتصرا عليهما. وقال ياقوت في معجم
الأدباء: كان عارفا بالنحو واللغة حسن الفهم جيد النقل حريصا على
تصحيح الكتب لم يضع قط في طرسه الا ما وعاه قلبه وفهمه وكان يجيد قول
الشعر وحكى لي عنه الفصيح ابن علي الشاعر انه كان نصيريا قال لي وله
تصانيف اه وقوله كان نصيريا ليست بأول قارورة كسرت في الاسلام
(٣١٣)

ولا بأول فرية من هؤلاء الأقوام، وفي طبقات السيوطي: قال ابن النجار
قرأ النحو على ابن الخشاب واللغة على ابن العصار تفقه على مذهب الشيعة
ويرع فيه ودرسه وكان متدينا مصليا بالليل سخيا ذا مروءة ثم سافر إلى
مدينة النبي ص وأقام بها وصار كاتبا لأميرها ثم قدم الشام ومدح
السلطان صلاح الدين اه وهو معاصر لعميد الرؤساء هبة الله حامد
راوي الصحيفة الكاملة وكلاهما تلميذ ابن العصار لغويان، نقل جماعة عن
الشيخ البهائي ان قول حدثنا الذي في أول الصحيفة السجادية هو لابن
السكون وأنكر ذلك المير الداماد وقال إن القائل حدثنا هو عميد
الرؤساء، وفي الرياض ان المترجم هو القائل حدثنا في أول الصحيفة
الكاملة على ما في النسخ المشهورة منها كما قاله الشيخ البهائي، لكن يظهر
من كلامه ان ابن السكون هذا هو محمد بن السكون، وأظن أنه سهو منه إذ
محمد والده وكان أيضا من الرواة والعلماء. لكن الراوي للصحيفة انما هو
الولد علي وقد صرح بذلك جماعة من الأصحاب، ثم قال في الرياض قال
السيد الداماد في شرح الصحيفة بعد حكمه بان القائل حدثنا هو غير ابن
السكون وبعد نقل صورة خط الشهيد على ظهر الصحيفة كما أوردناها في
ترجمة عميد الرؤساء هكذا فاما النسخة التي بخط علي ابن السكون فطريق
الاسناد فيها على هذه الصورة:
أخبرنا أبو الفضل محمد بن عبد الله بن عبد المطلب الشيباني إلى اخر
ما في الكتاب وهناك نسخة أخرى طريقها على هذه الصورة: حدثنا الشيخ الأجل
السيد الإمام السعيد أبو علي الحسن بن محمد ابن الحسن الطوسي
إلى آخر سياقة الاسناد المكتوب في هذه النسخة على الهامش اه قال
ومراده بما كتب في هامش الصحيفة هو قوله في شهر جمادي الآخرة من سنة
٥١١ قال اخبرني الشيخ الجليل أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي اخبرني
الحسين بن عبيد الله الغضائري حدثنا أبو الفضل محمد بن عبيد الله بن
المطلب الشيماني في شهور سنة ٣٨٥ قال وحدثنا الشريف أبو عبد الله
جعفر بن محمد بن جعفر بن الحسن بسنده المذكور عن أبي الزيات
اه.
وفي الفوائد الرضوية عندي نسخة من أمالي الصدوق بخط ابن
السكون المذكور، اخرها هكذا: فرع من كتبه بتوفيق الله سبحانه علي بن
محمد بن علي بن السكون يوم الخميس رابع عشر ذي الحجة سنة ٥٦٣ وفي
ظهره خط الشيخ محمد بن نظام الدين بن علي الاسترآبادي صاحب شرح
ألفية الشهيد وغيره وتاريخ خطه أول ربيع الأول سنة ٨١٣ اه ومن
شعره بنقل السيوطي عن ابن النجار قوله:
خذا من لذيذ العيش مارق أو صفا * ونفسكما عن باعث الهم فاصرفا
ألم تعلما ان الهموم قواتل * واحجى الورى من كان للنفس منصفا
خليلي ان العيش بيضاء طفلة * إذ ارشف الظمان ريقتها اشتفى
وفي الطليعة كان فاضلا شاعرا أديبا منشئا مشاركا في العلوم رماه
ياقوت بالنصيرية وحاله معلوم عند أهله وذويه.
ومن شعره قوله:
يا سائلي من علي والألى عملوا * به من السوء ما قالوا وما فعلوا
لم يعرفوه فعادوه لجهلهم * والناس كلهم أعداء ما جهلوا
السيد علي ابن السيد محمد الحسيني الشهير بالحكيم.
ولد سنة ١٢٠٠. وتوفي سنة ١٣٠٠ في النجف ودفن في وادي
السلام قريب من مقام صاحب الزمان عن مائة سنة. كان عالما جليلا ماهرا
في علم الطب.
من تلامذة صاحب الجواهر والشيخ مرتضى الأنصاري له من
المؤلفات ١ حواش على تذكرة العلامة ٢ شرح التبصرة ٣ حاشية على
الجواهر ٤ حاشية على رسائل الشيخ مرتضى ٥ شرح نجاة العباد ٦
رسالة في الوباء والطاعون مطبوعة ٧ رسالة في الجدري ٨ حواش على
كليات التفسير ٩ حواش على شرح الأسباب ١٠ شرح على التجريد
١١ حواش على خلاصة الحساب ١٢ رسالة في الزبر والبينات ١٣
حواش على كتاب الجفر للسيد حسين العقيلي الهندي المشهور ١٤ حواش
على سرخاب القوندي في الرمل ١٥ شرح على كتاب الكيمياء لأبي بكر
الرازي المصري الامامي ١٦ ذيل السلافة للسيد علي خان ١٧ حواش
على رجال الميرزا الكبير.
السيد علي ابن السيد محمد علي بن أبي المعالي الصغير بن أبي المعالي الكبير
أخي السيد عبد الكريم جد بحر العلوم الطباطبائي الحائري.
ولد في الكاظمية ١٢ ربيع الأول سنة ١١٦١ وتوفي سنة ١٢٣١.
وجاء في تاريخ وفاته بموت علي مات علم محمد ودفن في الرواق
الشريف مما يلي مقابر الشهداء وهو مع الآقا البهبهاني في صندوق واحد يزار،
وما يحكى عن مجموعة السيد مهدي بحر العلوم الطباطبائي من قوله: وفاة
العم المرحوم السيد علي سنة ١٢٠١ وما في روضات الجنات من أنه توفي
حدود إحدى ومائتين بعد الألف الظاهر أنه وقع فيه نقصان ثلاثين سنة أولا
لمخالفته للتاريخ المذكور المنظوم، ثانيا لأن عمره على هذا يكون أربعين سنة
ويبعد بلوغه هذه الغاية من العلم والتآليف في هذه المدة.
أقوال العلماء فيه
هو المحقق المؤسس الذي ملأ الدنيا ذكره وعم العالم فضله، تخرج
عليه علماء اعلام وفقهاء عظام صاروا من أكابر المراجع في الاسلام كصاحب
المقابيس وصاحب المطالع وصاحب مفتاح الكرامة وأمثالهم من الأجلة، وقد
ذكروه في إجازاتهم ومؤلفاتهم ووصفوه بأجمل الصفات قال في المقابيس:
ومنها الأستاذ الوحيد سيد المحققين وسند المدققين العلامة النحرير مالك
مجامع الفضل بالتقرير والتحرير المتفرع من دوحة الرسالة والإمامة المترعرع
في روضة الجلالة والكرامة الرافع للعلوم الدينية ارفع رأيه الجامع بين
محاسن الدراية والرواية محيي شريعة الدراية والرواية محيي شريعة أجداده
المنتجبين مبين معاضل الدين المبين بأوضح البراهين وأوضح التبيين نادرة
الزمان خلاصة الأفاضل الأعيان الحاوي شتات الفضائل والمفاخر الفائق بها
على الأوائل والأواخر أول مشائخي وأساتيذي وسنادي وملاذي وعمادي
السيد علي بن محمد علي الطباطبائي الحائري أدام الله وجوده وأفاض عليه
لطفه وجوده، وهو ابن أخت الأستاذ الأعظم وصهره وتلميذه وروى عنه
وعن غيره وروي عنه، وله شرحان معروفان عن النافع: كبير موسوم
برياض المسائل وصغير وهما في أصول المسائل الفقهية أحسن الكتب
(٣١٤)

الموجودة في مسائل عديدة وشرح مبسوط على قطعة من كتاب الصلاة من
المفاتيح مشتمل على معظم الأقوال والأدلة والتارجيح اه.
وقال صاحب مطالع الأنوار في بعض اجازاته عند عد شيوخه: منهم
شمس فلك الإفادة والإفاضة بدر سماء المجد والعز والسعادة محيي قواعد
الشريعة الغراء مقنن قوانين الاجتهاد في الملة البيضاء فخر المجتهدين ملاذ
العلماء العاملين ملجأ الفقهاء الكاملين سيدنا واستاذنا العلي العالي الأمير
السيد علي الطباطبائي الحائري مسكنا ومدفنا حشره الله تعالى مع مشرفها في
الفردوس العلي العالي اه.
وقال صاحب مفتاح الكرامة في اجازته: الآقا محمد علي بن الآقا باقر
الهزارجريبي: فأجزت له ان يروي عني ما استجزته وقرأته وسمعته من
السيد الأستاذ رحمة الله سبحانه في البلاد والعباد الامام العلامة مشكاة
البركة والكرامة صاحب الكرامات أبو الفضائل مصنف الكتاب المسمى
برياض المسائل الذي عليه المدار في هذه الاعصار النور الساطع المضئ
والصراط الواضح السوي سيدنا واستاذنا الأمير الكبير السيد علي أعلى الله
شانه وشان من شانه ومن حسن نيته وصفاء طويته من الله سبحانه وتعالى
عليه بتصنيف الرياض الذي شاع وذاع وطبق الآفاق في جميع الأقطار وهو
مما يبقى إلى أن يقوم صاحب الدار جعلنا الله فداه ومن علينا بلقاه وهو عالم
رباني ومتبحر صمداني رسخ في التقوى قدمه وسيط بالله لحمه ودمه، زهد
في دنياه وقربه الله وأدناه وهو أول من علم العبد ورباه اه.
مؤلفاته
١ الرياض ٢ مختصرة ٣ رسالة حجية الشهرة أخرجها ولده
بالمفاتيح بتمامها ٤ شرح صلاة المفاتيح ٥ رسالة في أصول الدين ٦
رسالة في حجية الاجماع والاستصحاب ٧ رسالة في حجية مفهوم الموافقة
٨ رسالة في كفاية الضربة الواحدة في التيمم ٩ رسالة اختصاص
الخطاب بالمشافهين ١٠ رسالة في منجزات المريض ١١ رسالة استظهار
الحائض إذا تجاوز دمها ١٢ ترجمة رسالة خاله الآغا البهبهاني في أصول
الدين الفارسية إلى العربية ١٣ رسالة تكليف الكفار بالفروع ١٤ رسالة
أصالة براءة ذمة الزوج من المهر وعلى الزوجة اثبات اشتغال ذمته به ١٥
رسالة حلية النظر بالجملة إلى الأجنبية وإباحة سماع صوتها كذلك ١٦
حاشية على معالم الأصول ١٧ حاشية على المدارك ١٨ حاشية على
الحدائق ١٩ شرح مبادي الأصول للعلامة وغير ذلك من الحواشي
والتعليقات والتقييدات وأجوبة المسائل، يروي عن السيد عبد الباقي
الأصفهاني عن والده المير محمد حسين عن جده لامه المجلسي ويروي أيضا
عن خاله واستاذه الآقا محمد باقر البهبهاني وعن صاحب الحدائق، وقيل إنه
كتب الحدائق بخطه وكان في أول امره يكتب بكتابة الأكفان وهو مشغول
بتصنيف الرياض، ثم انفتح عليه باب الهند في الدولة الشيعية وصارت
الدراهم عنده كأكوام الحنطة حتى اشترى دور الكربلائيين من أربابها ووقفها
على سكانها وأهلها جيلا بعد جيل وبنى سور كربلاء وطلب عشيرة من
البلوج واسكنهم كربلاء لقوتهم وشدتهم وروج الدين بكل قواه وبذل في
سبيل ذلك كل لوازمه وعظم أهل العلم فقدمهم وبارك الله في كل أموره.
السيد علي ابن السيد محمد رضا الطباطبائي صاحب البرهان القاطع.
ولد سنة ١٢٢٤ وتوفي سنة ١٢٩٩ في النجف الأشرف ودفن بوصية
منه قريب باب الصحن المعروف بباب الطوسي والطباطبائيون في النجف
وكربلاء أهل بيت علم ورياسة وجلالة من عهد جدهم بحر العلوم وقبله
وكانوا ينحون في أوضاعهم مناحي الفرس ويتكلمون الفارسية كما يتكلم بها
أهلها وأرخ وفاة المترجم السيد حسن ابن السيد إبراهيم الطباطبائي بقوله:
يا من كبرق أومضا * إلى الجنان قد مضى
قوموا نعزي المرتضى * ارخ لفقد ابن الرضا
سنة ١٢٩٩
كان عالما جليلا محققا مدققا فقيها أصوليا مدرسا، تولى تقسيم
الأموال الهندية المخصصة لأهل النجف الأشرف المعروفة بفلوس الهند
وهي مبلغ عظيم من المال أوصت به امرأة هندية ان يصرف نصف ريعه
على أهل كربلاء فأخذته الدولة الإنكليزية ووضعته في بنوكها وصرفت
فائدته في البلدين الشريفين وكانت وصيتها ان يسلم بيد المجتهدين فعرضت
حصة النجف الأشرف على الشيخ مرتضى الأنصاري رئيس علماء الإمامية في ذلك
العصر فلم يقبلها ويقال ان القنصل الانكليزي في بغداد المعروف في العراق
بالباليوز طلب منه ان يقتطع لنفسه قسما منها ويعطيه الشيخ خطا بأنه قبضها
تماما، وان هذا كان سبب عدم قبوله، وعرضت على المترجم فقبلها وانتقلت بعد
وفاته إلى ابن أخيه السيد محمد ابن السيد محمد تقي صاحب بلغة الفقيه ثم
راجعت صورة الوصية المكتوبة بالفارسية فوجدت ان فيها انها تعطى بيد
المجتهدين بعد ما راجعت في تفسيرها كتاب دولة إيران فرسمت ان توزع
على جميع المجتهدين في النجف الأشرف يفعلون بها ما شاؤوا حسب اطلاق
الوصية وان لا تبقى بيد مجتهد واحد فعرضتها عليهم فقبلها بعض ورفض
آخرون وهي كذلك إلى يومنا هذا.
له من المؤلفات: البرهان القاطع في شرح المختصر النافع بلغ فيه
إلى اخر كتاب الطهارة مع تمام البسط والتحقيق مشهور مرغوب عند العلماء
والطلاب مطبوع في مجلدين وكان مراده اتمام الفقه بأخصر من ذلك فعاجلته
المنية فرع منه غرة شهر رمضان سنة ١٢٩١ وطبع في حياته ولم يرغب فيه الا
بعد وفاته. ورسالة في القبلة فرع منها سنة ١٢٧٥ ورسالة في الحبوة فرع
منها سنة ١٢٩٠ ورسالة في المسافة الملفقة ورسالة في نية الإقامة في السفر
ورسالة في تصرفات المريض ورسالة في ميراث الزوجة فرع من الأربعة في
٢٤ رمضان سنة ١٢٨٩، وهذه الرسائل كلها شرح على المختصر النافع
ومطبوعة مع البرهان القاطع وكانت عادته في شهر رمضان ان يختار مسالة
من المسائل المشكلة وينقل الدرس إليها وصنف فيها هذه الرسائل، وله
منهج العابد في جميع أبواب الطهارة لم يبرز إلى الطبع.
تلمذ في الأصول على ملا مقصود علي، وفي الفقه على صاحب
الجواهر ويروي بالإجازة عنه وقرأ قليلا على الشيخ علي ابن الشيخ جعفر
الكبير ويروي عن أخيه السيد حسين عن صاحب الجواهر ويروي عنه
السيد مصطفى حفيد السيد دلدار علي اللكهنوي وتخرج به كثير من
الفضلاء. ورثاه جملة من الشعراء منهم الشيخ محمد سعيد ابن الشيخ محمود
الإسكافي بقصيدة مطلعها:
أراشت يد الأيام سهم مسدد * فاصمت بما قد سددت اي سيد
وقد أثكلت شرع النبي محمد * فها هو يبكيه بطرف مسهد
وقد ارخ وفاته الميرزا محمد الهمداني بقوله:
(٣١٥)

ولما خر من أفق المعالي * علي بن الرضا العلم اللبيب
غدا بدر المكارم في خسوف * وشمس المجد ارخ في غروب
الشيخ علي بن محمد المعروف بنصير الدين القاشي.
توفي سنة ٧٥٥.
المتكلم الفقيه المحدث، له حاشية على شرح التجريد للفاضل
الأصفهاني وله تعليقات على هامش شرح الإشارات ورسالة الاعتراضات
على تعريف الطهارة وشرح طوالع البيضاوي وحاشية الشمسية.
الشيخ أبو الحسن علي بن محمد بن إبراهيم بن الحسن ابن الطيب المعري
المعروف بأبي التحف.
في الرياض الظاهر أنه من الخاصة وكان من مشايخ الشيخ حسين
ابن عبد الوهاب المعاصر للمرتضى والرضي وللشيخ الطوسي أيضا وهو
يروي عن جماعة كثيرة منهم العلاء بن الطيب بن سعيد المغازلي البغدادي
وعن الأشعث ابن مرة وغيرهما وكان من مشايخ السيد المرتضى وأخيه الرضي
كما ذكر في ترجمتهما.
الشيخ علي ابن الشيخ محمد حسن ابن الشيخ محمد علي آل محبوبة النجفي.
كان عالما فاضلا قرأ على الشيخ مرتضى الأنصاري وتوفي في حياة
أستاذه المذكور من شعره قوله:
سفرت وليل جعودها ممدود * فانشق من فلق الصباح عمود
وارتك شمسا فوق أملد دونها * شمس الضحى والناعم الأملود
واتتك تختبط الظلام كأنها * غصن يرنحه الصبا فيميد
حوراء في فمها الممنع مودع * كنز بأفعى جعدها مرصود
الشيخ علي ابن الشيخ محمد رضا ابن الشيخ جعفر صاحب كشف الغطاء.
توفي غرة المحرم سنة ١٣٥٠ في النجف.
له كتاب الحصون المنيعة في طبقات الشيعة في تسع مجلدات لم تخرج
من المسودة وله سمير الحاضر وأنيس المسافر في خمس مجلدات كبار على
طريقة الكشكول، بخط يده.
السيد علي الشوشتري ابن السيد محمد ابن السيد طيب ابن السيد محمد ابن
السيد نور الدين ابن السيد نعمة الله الجزائري.
كان عالما فقيها عابدا زاهدا ولد سنة ١٢٢٢ بشوشتر من بلاد
خوزستان وتوفي سنة ١٣٠٥ ونقل إلى النجف فدفن في الصحن الشريف
عند قبر أبيه وعمه. هاجر إلى النجف لطلب العلم فدرس على أساتيذ
عصره وكان يؤثر العزلة، وكان يصاحب الشيخ مرتضى الأنصاري وبينهما
محبة شديدة وعاش بعده مدة قليلة تصدى فيها لتدريس بعض تلامذته،
وقد اخرج تحقيقات من مسائل متفرقة من أصول الفقه، وكان كثير الجود
والحدب على الضعفاء حتى أنه بذل عليهم ماله وآثرهم على نفسه وذلك أن
نصيبه من تركة أبيه السيد محمد الذي كان من أجلاء شوشتر بلغ إلى ثلاثين
ألف تومان فلم يقبضها وتركها عند أخيه السيد احمد وأحال عليه الفقراء
والمستحقين حتى لم يبق شئ فأخبره بذلك ولم يصرف على نفسه الا بقدر
الضرورة وصرف عمره في الزهادة والقناعة وترك اللذات الدنيوية وله
حكايات عجيبة تدور على السنة أهل خوزستان وقد أشار الشيخ محمد تقي
من اعلام أصبهان في كتابه الموسوم بمفتاح السعادة إلى بعض ما يدل على
عظم شانه وعلو مرتبته ونقل صاحب طرائق الحقائق قصة مهاجرته من
شوشتر إلى النجف الأشرف والسبب في تركه للمعاشرة وانعزاله عن الناس. خلف
ولدا اسمه السيد حسين كان عالما كثير العبادة كريم الأخلاق ذكيا فطنا اشتغل في
أوائل عمره بتحصيل العلوم الشرعية ومقدماتها ثم حصل الطب واخذ يطبب في
شوشتر وكان شديد الرحمة للضعفاء يعالجهم بدون اجرة بل يعطيهم منه ثمن الأدوية
والأغذية.
أبو الحسن علي بن محمد بن جعفر بن محمد بن زيد بن علي بن الحسين
ع المعروف بالحماني نسبة إلى حمان بكسر الحاء وتشديد الميم
قبيلة بالكوفة نزلها.
توفي سنة ٢٦٠ كما في كامل ابن الأثير
كان فاضلا أديبا شاعرا وشهد له الإمام أبو الحسن الثالث
ع في التفضيل في الشعر فمن شعره قوله:
هبني بقيت على الأيام والأبد * ونلت ما نلت من مال ومن ولد
من لي برؤية من قد كنت آلفه * وبالشباب الذي ولى ولم يعد
لا فارق الحزن قلبي بعد فرقتهم * حتى يفرق بين الروح والجسد
وقوله:
لنا من هاشم هضبات عز * مطنبة بأبراج السماء
تطوف بنا الملائك كل يوم * ونكفل في حجور الأنبياء
ويهتز المقام لنا ارتياحا * ويلقانا صفاه بالصفاء
وقوله:
وانا لتصبح أسيافنا * إذا ما التقينا بيوم سفوك
منابرهن بطون الأكف * وأغمادهن رؤوس الملوك
وقوله وانشده المرتضى في الفصول المختارة من كتاب المجالس وكتاب
العيون والمحاسن للمفيد:
رأت بيتي على رغم الملاحي * هو البيت المقابل للضراح
ووالدي المشار له إذا ما * دعا الداعي بحي على الفلاح
وقوله:
يا آل حم الذين بحبهم * حكم الكتاب منزلا تنزيلا
كان المديح حلى الملوك وكنتم * حلل المدائح عزة وجمولا
بيت إذا عد المآثر أهلها * عدوا النبي وثانيا جبريلا
قوم إذا اعتدلوا الحمايل كذا أصبحوا * متقسمين خليفة ورسولا
نشأوا بآيات الكتاب فما انثنوا * حتى صدرن كهولة وكهولا
ثقلان لن يتفرقا أو يطفيا * بالحوض من ظما الصدور غليلا
وخليفتان على الأنام بقوله * بالحق أصدق من تكلم قيلا
فاتوا اكف الآيسين كذا فأصبحوا * لا يعدلون سوى الكتاب عديلا
وقوله:
لقد فاخرتنا من قريش عصابة * بمط خدود وامتداد أصابع
(٣١٦)

فلما تنازعنا المقال قضى لنا * عليهم بما نهوي نداء الصوامع
وانا سكوت والشهيد بفضلنا * عليهم جهير الصوت في كل جامع
فان رسول الله احمد جدنا * ونحن بنوه كالنجوم الطوالع
وقوله:
سقيا لمنزلة وطيب * بين الخورنق والكثيب
بمدافع الجرعات من * اكناف قصر أبي الخصيب
دار تحيزها الملوك * فهتكت رأي اللبيب
واها لأيام الشباب * بعدن من عهد قريب
أيام غصن شبيبتي * ريان معتدل القضيب
أيام كنت من الطروبة * للصبا ومن الطروب
أيام كنت من الغواني * في السواد من القلوب
لو يستطعن خبأنني * بين المخانق والجيوب
أيام كنت وكن لا * متحرجين من الذنوب
غرين يشتكيان ما * يجدان بالدمع السروب
لم يعرفا نكدا سوى * صد الحبيب عن الحبيب
وأورد له في معجم البلدان أيضا:
كم وقفة لك بالخور * نق ما توازى بالمواقف
بين الغدير إلى السدير * إلى ديارات الأساقف
فمدارج الرهبان في * اطمار خائفة وخائف
دمن كان رياضها * يكسين اعلام المطارف
وكأنما غدرانها * فيها عشور في مصاحف
وكأنما أغصانها * تهتز بالريح العواصف
طرر الوصائف يلتقين * بها إلى طرر الوصائف
تلقى أواخرها أوائلها * بألوان الرفارف
بحرية شتواتها * برية منها المصائف
درية الصهباء كافورية * منها المشارف
وقوله:
الأهل سبيل إلى نظرة * بكوفان يحيا بها الناظران
يقلبها الصب دون السدير * وحيث أقام بها القائمان (١)
وحيث أناف بأوراقه * محل الخورنق والماديان
وهل أبكرن وكثبانها * تلوح كأودية الشاهجان
وأنوارها مثل برد النبي * تردع بالمسك والزعفران
وقوله:
يلقى السيوف بوجهه وبنحره * ويقيم هامته مقام المغفر
ويقول للطرف اصطبر لشبا القنا * فهدمت ركن المجد ان لم تعقر
نيطت أنامله بقائم مرهف * وبنشر فائدة وذروة منبر
ما ذا يريد إذا الرماح شجرنه * درعا سوى سربال طيب العنصر
وقوله:
يسترسل الضيف في أبياتنا أنسا * فليس يعلم خلق أينا الضيف
والسيف ان قسته يوما بناشئنا * في الروع لم تدر عزما أينا السيف
وأورد له المرتضى في الفصول المختارة من المجالس والعيون والمحاسن
للمفيد في الفصل الثامن عشر قوله:
بين الوصي وبين المصطفى نسب * تختال فيه المعالي والمحاميد
كانا كشمس نهار في البروج كما * أدارها ثم احكام وتجويد
كلاهما انتقلا من طاهر علم * إلى مطهرة اباؤها صيد
تفرقا عند عبد الله واقترنا * بعد النبوة توفيق وتسديد
وذر ذو العرش ذروا طاب بينهما * فانبت نور له في الأرض تخليد
نور تفرع عند البعث فانشعبت * منه شعوب لها في الدين تمهيد
هم فتية كسيوف الهند طال بهم * على المطاول آباء مناجيد
قوم لماء المعالي في وجوههم * عند التكرم تصويب وتصعيد
يدعون احمد ان عد الفخار أبا * والعود ينبت في افنائه العود
والمنعمون إذا ما لم يكن نعم * والذائدون إذا قل المذاويد
أوفوا من المجد والعلياء في قلل * شم قواعدهن الفضل والجود
ما سود الناس الا من تمكن في * احشائه لهم ود وتسويد
سبط الأكف إذا سميت مخايلهم * أسد اللقاء إذا صد الصناديد
يزهى المطاف إذا طافوا بكعبته * وتشرئب لهم منها القواعيد
في كل يوم لهم باس يعاش به * وللمكارم في أفعالهم عيد
محسدون ولم يعقد بحبهم * حبل المودة يضحي وهو محسود
لا تنكر الدهر ان ألوى بحقهم * فالدهر مذ كان مذموم ومحمود
وقوله:
لا تكتسي النور الرياض إذا * لم تروهن مخايل المطر
والغيث لا يجدي إذا ذرفت * أفاق مدمعه على حجر
وكذاك لو نيل الغني بيد * لم يجتذب بسواعد القدر
الشيخ علي عز الدين ابن الشيخ محمد علي عز الدين.
توفي سنة ١٣٠٤
قرأ على أبيه وكان ذكيا حاذقا نسابة عارفا بأسفار العرب حافظا
للتواريخ الا أنه تعطل عن طلب العلم اسكناه صور وكان رجل
من المسيحيين اسمه إبراهيم الصولي شاعرا أديبا أرسلته الدولة العثمانية إلى
صور لمهمة ادارية فصادف وجود المترجم بالسرايا فاجتمع به فوجده على
غاية من الأدب والمعرفة فصار كل يوم يتردد عليه الا يوم العاشر من المحرم
فسال عنه فأجابوه ان هذا اليوم عزاء الحسين ع فأرسل له
الصولي هذه الأبيات:
لا فارق الكرب المؤبد والبلا * من لا ينوح على الشهيد بكربلا
ان لم تنح مني العيون ففي الحشا * حرق يفتت نوحهن الجندلا
فعلى الشهيد واله آل الرضي * مني السلام متمما ومكملا
فاجابه المترجم على البديهة:
قد جمعت فيك البلاغة والعلى * يا من به نور الفضائل قد علاء
لا فض فوك ولا عدمتك منشئا * إذ قلت ما قد قلت في خير الملا
فسكرت من طربي وقلت لصاحبي * ما الشعر الا هكذا أو لا فلا
أنت المصلي في المكارم موقفا * ان لام ذو حسد دعوتك أولا
قد صلت يا صولي على كل الملا * بفصاحة سمت السماك الا عزلا
ما كان أقعدني بعيدا عنكم * مع قرب داري لا ملال ولا قلا
ما عاقني عن أن أراكم والهوى * الا عزائي للشهيد بكربلا
وقال والده الشيخ محمد علي يخاطبه حاثا له على طلب العلم:

(١) هما قائما الغري.
(٣١٧)

ابني من يخطب عليه يدرع * صبرا لها ليعد من أكفائها
ابني ان علية ابنة مالك * حب القلوب أقل مهر نسائها
نبئت ان علية في خدرها * كالبدر يجلى في دجن سمائها
نبئت ان علية في خدرها * محجوبة والناس تحت ردائها
فاصمد لها فلكم رمت ذا مرة * قصرت خطاه عن بلوع خبائها
ودع الكرى ان الكرى من دائه * واسهر فديتك فهو عين دوائها
وارهن لها نفسا تعز فإنما * عين الحياة الموت تحت لوائها
لله قوم أدلجوا لطلابها * حمدوا السرى مذ أصبحوا بفنائها
فاجابه ولده الشيخ علي المترجم:
أأباه اني مذ نظرت عليه * أضمرت في نفسي دخول خبائها
أأباه ان علية ابنة مالك * قد أحرقت كبدي بحسن بهائها
أأباه اني مذ أنيط تمائمي * كنت المشوق لوصلها ولقائها
كم جرعت قلبي بكأس صدودها * ولكم شربت الكاس من صهبائها
فسأخطبن علية من أهلها * علما باني اليوم من اكفائها
وسأركبن إلى علية صعبة * كالريح إذ عصفت على بطحائها
وسأصمدن لها واجعل مهرها * نفسا تعز على بدور سمائها
واهين نفسا طالما كرمتها * لاكون حامل ثقلها ولوائها
ولقد سالت الناس عن أحوالها * قالوا أبوك مشيد لبنائها
كانت علية قلبه محجورة * وبه الوفود تكثرت فنائها
فاهنا بها إذ كنت ممن أدلجوا * لسراتها بصباحها ومسائها
وانعم أبي عينا فاني أرتجي * برضاك ان أغدو أبا أبنائها
السيد علي ابن السيد محمد الأمين ابن السيد أبي الحسن موسى ابن السيد
حيدر ابن السيد احمد جد مؤلف الكتاب الأدنى لأبيه.
كان عالما من فحول العلماء المحققين وعظماء الفقهاء المدققين انتهت
إليه الرياسة في البلاد العاملية وجمع بين الرياستين الدينية والدنيوية وكان
زاهدا ورعا تقيا متواضعا عالي النفس رفيع الهمة مهيبا عند الحكام والامراء
وجميع الخلق جريا على الحكام عظيما في نفوسهم قرأ في صغره النحو
والصرف والمنطق والبيان وغيرها في جبل عامل على علمائها ففاق اقرانه
وظهرت عليه خمائل النباهة والنجابة ثم لما حدثت فتنة الجزار ووضعه أبوه
رهينة عند الجزار كما فصل في ترجمة أبيه جعل يختلف إلى حاشية الجزار حتى
اتصل بشاب مقارب له في السن يقال له عبد الله بك بن علي باشا الخوندار
وهو الذي صار أميرا على عكا بعد ذلك ودعي عبد الله باشا، كان مع أمه
في عكا وعنده خزانة كتب فاطلع الجد عليها وأنس به وتأكدت المودة بينهما
وجعل يدخل معه إلى دار الحرم وأحبته أمه لمحبة ولدها إياه فجعل يطالع في
تلك الكتب وأخذ ولدها يقرأ عليه وكان ممن مارس العلم فقرأ عليه في
المنطق حاشية ملا عبد الله على تهذيب التفتازاني وكان الجد فرع من قرائتها
قبل مجيئه لعكا وفي غيره من العلوم فلم يزل يقرأ عليه حتى رجع أبوه السيد
محمد الأمين بأداء ما طلبه الجزار وأخرجه من عكا. ثم إنه سافر إلى العراق
مع أخيه السيد حسن ابن السيد محمد الأمين واشتغلا بطلب العلوم حتى
صارا ممن يشار إليهما بالبنان وقرأ الجد في النجف على العلامة السيد جواد
صاحب مفتاح الكرامة وعلى السيد علي الطباطبائي صاحب الرياض وعلى
الشيخ جعفر الجناجي صاحب كسف العطاء وكان له اتصال تام بالشيخ
جعفر وأولاده وعلى المحقق الشيخ أسد الله التستري الشهير صهر الشيخ
جعفر على ابنته وعلى السيد عبد الله شبر وعلى غيرهم من فحول العلماء حتى
بلغ الغاية في جميع العلوم إلى درجة الاجتهاد فرجع إلى البلاد العاملية فعلا
ذكره وانتشر صيته وصار مرجع الكل في الكل وقصدته طلاب العلم من كل
صوب وامتلأت شقراء بطلاب العلوم وكان الجزار قد هلك وولي بعده
سليمان باشا ثم ولي عبد الله باشا صديق الجد في الصبا كما مر بعد سليمان
باشا فوفد عليه الجد فبالغ عبد الله باشا في اكرامه واعظامه وحل عنده محلا
لم يصل إليه غيره من العلماء والقضاة وغيرهم وجعل له في كل سنة ألف
غرش وهي تعد في ذلك العصر مالا جزيلا وسيفا وبنشا جبة مخصوصة
وعبدا ما يحبوه به من العطايا ثم إن الجد قال له ان هذا الذي تعطينيه ينقطع
بموت أحدنا فأحب ان تقطعني عوضه ضيعة تكون لي ولذريتي من بعدي
فقال له اختر ضيعة كثيرة الغلة فاختار قرية الصوانة فكتب له بها صكا
باسم العامل في ذلك القطر فارس الناصيف وذلك في سنة ١٢٣٧ شدد فيه
على من خالف ذلك وانتزعها منه أو من ذريته وجعل على من يفعل ذلك
لعنة الله والناس أجمعين. وأراد بعض العمال في بعض السنين اخذ الخراج
منها فكتب الجد إلى الباشا في ذلك أبياتا يقول فيها:
أبيت اللعن أنت رسمت لعنا * لآخذها إلى يوم المعاد
فكتب له الباشا صكا آخر بردها فردت، وهي في يد بعض ولده إلى
اليوم وطالما جمع عبد الله باشا بينه وبين العلماء والقضاة في عكا فتجري بينه
وبينهم أبحاث في كلها يكون له الفلج عليهم. وحكي انه اعجزهم الجواب
عن بعض المسائل فقالوا له امهلنا ساعة فقال أمهلتكم إلى قيام الساعة.
وذاكرهم مرة بحضرة الباشا في آية الوضوء فاعترفوا بما يقوله بعد بحث
طويل كما أشار إلى ذلك في شرحه على منظومة بحر العلوم ولا باس بايراد ما
كتبه الجد في الاحتجاج لوجوب مسح القدمين دون غسلهما في شرحه على
منظومة العلامة الطباطبائي لما فيه من الفوائد. قال العلامة الطباطبائي في
بحث واجبات الوضوء:
ان الوضوء غسلتان عندنا * ومسحتان والكتاب معنا
فالغسلتان الوجه واليدان * والمسحتان الرأس والرجلان
وقال الجد رحمه الله في شرحه: اتفقت كلمة الامامية رضوان الله
عليهم على أن الوضوء ثلاث غسلات وثلاث مسحات وأخبارهم بذلك
متواترة معنى قولا وفعلا عن النبي ص فضلا عن الأئمة ع
أصحها رواية يونس بن أبي إدريس الثقفي من طريق العامة انه رأى رسول
الله ص اتى كضامة قوم بالطائف فتوضأ ومسح على قدميه وعن علي ع
انه مسح على نعليه وقدميه ثم دخل المسجد وصلى عن ابن عباس أنه قال ما أجد
في كتاب الله الا غسلين ومسحين وذكر انس بن مالك قول الحجاج بغسل
القدمين فقال انس صدق الله وكذب الحجاج، قال الله تعالى فامسحوا
برؤوسكم وأرجلكم الآية وقال الشعبي مغسولان وممسوحان وعن حذيفة قال اتى
رسول الله ص سباطة قوم فبال عليها ثم دعا بماء فتوضأ ومسح على قدميه ذكره أبو
عبيدة في غريبه الحديث ومنها ما روى عن أوس بن أبي أوس أنه قال رأيت
النبي ص توضأ ومسح على نعليه اه العربيان الغير الساترين لظاهر
القدم الذين لا يمنعان المسح على ظاهر القدمين نزل جبرائيل
ع بالمسح ومنها ما روي عن ابن عباس أنه وصف وضوء رسول الله
ص فمسح على رجليه وروي أنه قال في كتاب الله المسح ويأبى الناس
الا الغسل وقال الوضوء غسلتان ومسحتان وقال قتادة افترض الله غسلين
ومسحين إلى غير ذلك مما يطول ذكره وبه قال ابن عباس وقتادة وأنس بن
(٣١٨)

مالك وعكرمة وأبو العالية والشعبي وقال الحسن البصري بالتخيير بين
الغسل والمسح واليه ذهب الطبري والجبائي الا انهما قالا يجب مسح القدمين
ولا يجوز الاقتصار على مسح ظاهر القدم وقال الحق (١) من أئمة الزيدية
يجب الجمع بين الغسل والمسح وقال باقي الجمهور بوجوب الغسل لأن
عثمان لما وصف وضوء رسول الله ص رأى قوما يتوضؤن وأعقابهم
تلوح فقال ويل للأعقاب من النار ورد الأول بمعارضته بالاخبار المتقدمة التي
هي أكثر رواية وأوضح اسناد ولا أقل من التساوي فيجب التساقط
والرجوع إلى كتاب الله وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله وأما الثاني فلا دلالة
فيه على الغسل بوجه من وجوه الدلالات ولو سلمنا فالمراد من غسل
الأعقاب النجاسة لانهم كما روي عنهم يبولون وهم قيام فيشر شر البول
على أعقابهم وأرجلهم فلا يغسلون ويدخلون المسجد وكان ذلك سببا لهذا
الوعيد هذا ما يتعلق بالسنة وأما الكتاب فهو ظاهر بل صريح في وجوب
المسح على القدمين لا يرتاب فيه ذو بصيرتين قال الله تعالى فاغسلوا
وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين
ووجه الدلالة على قراءة الجر ظاهرة ولا تنافيها قراءة النصب لجواز العطف
على موضع الجار والمجرور فان مثله كثير في كلام العرب قالوا ليس فلان
بقائم ولا ذاهبا وانشسدوا فلسنا بالجبال ولا الحديدا (٢) وقال تأبط شرا.
هل أنت باعث دينار لحاجتنا * أو عبد رب أخا عون بن مخراق
فعطف عبد النصب على دينار (٣) ومثله قول الشاعر:
جئني بمثل بني بدر وقومهم * أو مثل (٤) اخوة منظور بن سيار
فعطف مثل الثانية بالنصب على مثل الأولى إلى غير ذلك ويمكن جعل
الواو للمعية أيضا وعلى كل حال فلا تعارض بين القراءتين ووجه الاستدلال
بالآية على الغسل عند الجمهور قراءة النصب في أرجلكم فجعلوها معطوفة
على الوجوه والأيدي المغسولة وحمل بعضهم قراءة الجر في الأرجل على
المجاورة للرؤوس وبعضهم جعلها معطوفة على الرؤوس قال المراد بالمسح
هو الغسل وقال المسح خفيف الغسل وقال الزجاج إذا قرأ بالجر يكون عطفا
على الرؤوس فيقتضي كونه ممسوحا قال والخفض على الجوار في كتاب الله
تعالى ولكن المسح على هذا في القرآن كالغسل قال الأخفش هو معطوف
على الرؤوس في اللفظ مقطوع عنه في المعنى كقول الشاعر أعلفتها تبنا
وماء باردا (٥) ويرد عليهم ان العطف على القريب أولي من العطف على
البعيد ان لم يكن متعينا لان الجملة الأولى الآمرة بالغسل قد انقطعت وبطل
حكمها باستئناف الجملة الثانية المخالفة لها فلا يجوز ان يعطف عليها أحد
جزئي الجملة الثانية فان ذلك يجري مجرى قولهم ضربت زيدا وأكرمت عمروا
وبكرا فان عطف بكر على خالد هو الذي لا يسوع سواه ولا يجوز عطفه
على عمرو المضروب الذي قد انقطع حكمه ولو جاز ذلك لكان العطف على
القريب أولى وأرجح واما حمل قراءة الجر على الجوار فقد تقدم عن الزجاج
جواز ذلك في الكلام فإنما يجوزه مع فقد حرف العطف وكلما استشهد به
عليه فهو من هذا الباب كما في: جحر ضب خرب وقول امرئ القيس.
كان ثبيرا في عرانين وبله * كبير أناس في بجاد مزمل
وأيضا فجواز ذلك مشروط بارتفاع اللبس كما في الأمثلة وليست الآية
من هذا الباب. وثالثا فان جماعة من النحويين منعوا الجر بالمجاورة فهو في
الحقيقة موافق لنا من حيث لا يدري واما من جعله مثل قول الشاعر
علفتها تبنا وماء باردا فهو أبعد من الجميع فان ذلك انما يجوز إذا
استحال حمل الكلام على ظاهره واما مع الإمكان فلا. وانما أطلنا الكلام في
هذا المقام لنرد به شبه المخالفين وقد جرى بين الحقير وبين كثير من علمائهم
أبحاث طويلة عريضة في هذا وأمثاله وكانت الغلبة من فضل الله تعالى لي
عليهم وشهد بها جماعة منهم في حضرة ملك قطرنا انتهى ومراده بملك
قطره هو عبد الله باشا المذكور، قوله فان ذلك يجري مجرى الخ لا يخفى ان
ذلك هو عين التعقيد المعنوي الذي ذكره أهل البيان في مثل قول الفرزدق:
وما مثله في الناس الا مملكا * أبو أمه حي أبوه يقاربه
وهو يخل ببلاغة الكلام وفصاحته ومثله المثال الذي ذكره الجد في
كلامه. ويقال انه كان لعبد الله باشا امرأة يحبها فقال لها أنت طالق ثلاثا
لأمر أغضبه منها فسال العلماء عن ذلك فأجابوه بتحريمها حتى تنكح زوجا
غيره فعظم ذلك عليه وسال الجد عن أمرها فأبان له المخرج من ذلك بدون
أن تنكح زوجا غيره ويمكن أن يكون أفتاه ببطلان الطلاق لعدم الشهود
العدول كما هو رأي الشيعة وكما يدل عليه قوله تعالى واشهدوا ذوي عدل
بعد آية الطلاق والامر للوجوب وان قوله ثلاثا لا يجعل الطلاق ثلاثا ولا
يخرج عن كونه طلقة واحدة بعد فرض صحته. كما يحكى مثل ذلك عن
العلامة الحلي قدس الله روحه انه لما طلبه السلطان الجايتو محمد المغولي
الملقب بشاه خدابنده على ما حكاه التقي المجلسي في شرح الفقيه وذلك أن
السلطان غضب على إحدى زوجاته فقال لها أنت طالق ثلاثا ثم ندم فسال
العلماء فقالوا لا بد من المحلل فقال لكم في كل مسالة أقوال فهل يوجد هنا
اختلاف قالوا لا فقال أحد وزرائه: في الحلة عالم يفتي ببطلان هذا الطلاق
إلى آخر القصة حين استدعاه الملك وسأله عن الطلاق فقال إنه باطل
لعدم وجود الشهود العدول وجرى البحث بينه وبين العلماء حتى ألزمهم
جميعا مما أدى إلى أن تشيع الملك وخطب بأسماء الأئمة الاثني عشر في جميع
بلاده وأمر فضربت السكة بأسمائهم وأمر بكتابتها على المساجد والمشاهد
قال والموجود بأصبهان في الجامع القديم في ثلاثة مواضع بتاريخ ذلك الزمان
وفي معبد يرمكران لنجان ومعبد الشيخ نور الدين من العرفاء وعلى منارة
دار السيادة التي تممها السلطان المذكور بعد ما ابتدأ بها أخوه غازان كله من
هذا القبيل وكان من جملة القائمين بمناظرته الشيخ نظام الدين عبد الملك
المراغي أفضل علماء الشافعية فغلبه العلامة واعترف المراغي بفضله كما عن
تاريخ الحافض الأبرد من علماء السنة وغيره اه.
وحكي ان العامل في تبنين من قبل عبد الله باشا ويسمى يومئذ المتسلم
صدر منه بعض التقصير في شأن الجد ولم يكن يعلم بمنزلته عند
الباشا فاتفق ان جاء عبد الله باشا إلى تبنين وحضر لزيارته وكان خط المتسلم ان يقف
مع الخدم فلما دخل الجد على الباشا ورأى المتسلم اعظام الباشا له خاف خوفا
شديدا وظن أنه لا بد ان يخبر الباشا بتقصيره معه فقال الباشا للجد كيف
رضاكم عن المتسلم وهل هو قائم بما يلزم من خدمتكم فقال نعم ومدح المتسلم كثيرا
فسر الباشا من المتسلم ولما انقضى المجلس جاء المتسلم إلى الجد وجعل يقبل

(١) الظاهر نقصان كلمة هنا كعبد الحق أو مظهر الحق أو نحو ذلك.
(٢) صدره (معاوي اننا بشر فاسجج).
(٣) بدليل اتباعه باخا المينصوب.
(٤) يروى بنصب مثل.
(٥) تمامه " حتى شتت همالة عيناها ".
(٣١٩)

يديه ويعتذر ويقول إنه لم يصدر مني إليكم ما استحق به المدح وانما صدر ما
استحق به الذم ومع ذلك مدحتني عند الباشا كثيرا فقال له الجد هكذا أمرنا
ان نحسن إلى من أساء إلينا فكان المتسلم بعد ذلك لا يعدو أمره في كل
شئ وكان جريا على امراء جبل عامل مهيبا في صدورهم يحتملون منه
ما لا يحتملون من غيره وكان غاية في علو النفس وإباء الضيم فمما هو
معروف عنه من هذا القبيل انه كان كما مر يكتب إلى الفقراء من تلامذته
إلى بعض القرى باعطائهم من الزكاة فسمع مرة عن بعض أهل تلك القرى
أنه قال ما تكفينا خيل الحكام حتى تجيبنا تلامذة السيد علي الأمين فلما بلغه
ذلك قال لتلامذته من كان عنده كفاية فليبق عندي ومن ليس له كفاية
فليذهب يكسب لا أكلف أحدا لكم بعد اليوم شيئا ومنها انه رأى جمالا
محملة فسال عنها فقيل أنها مرسلة من قرية الجميجمة لأخيك السيد احمد
فأعطاه مزرعة دوبيه ونهاه أن يقبل من أحد شيئا وتقلد منصب الإفتاء
من قبل السلطان بعنوان مفتي بلاد بشارة كما كان هذا المنصب لأبيه ولولده
بعده السيد محمد الأمين كما يأتي ويقال انه لما بلغه وفاة شيخه الشيخ
جعفر صاحب كشف الغطاء قدس سره ورجوع الناس بعده إلى تلامذته
قال الآن وجب علي الإفتاء لأني اعلم أنه لم يكن في تلامذته من هو
أفضل مني وقيل إنه لما بلغه وفاة الشيخ موسى ابن الشيخ جعفر قال
الآن وجبت علينا الفتيا. وكان من رأيه وجوب تقليد الأعلم وعن الشيخ
خضر شلال رحمه الله من تلامذة الشيخ جعفر أنه قال سافر السيد علي
الأمين إلى جبل عامل وهو أفضلنا وبقي مدة عمره مشغولا بالتدريس
والتصنيف والحكم بين الناس وإفتاء المستفتين. وكانت مدرسة شقرا التي
أسسها جده السيد أبو الحسن حافلة في عهده بالطلبة والعلماء وتخرج عليه
جملة من أفاضل العلماء منهم الشيخ علي زيدان والشيخ علي مروة والشيخ
صادق والشيخ إبراهيم بن يحيى وغيرهم.
مؤلفاته
له من المؤلفات شرح منظومة بحر العلوم لم يكمل وهو مع اختصاره
يدل على فضل عظيم وتبحر في الفقه كثير واختار فيه كفاية الثلاثة أشبار في
الابعاد الثلاثة في الكسر قائلا والإنصاف ترك الإنصاف ولما شرح المنظومة
المذكورة قال بعض تلامذته وهو الشيخ علي مروة يمدحه من قصيدة تذكر في
ترجمته:
أبا معشر الطلاب قرت عيونكم * فقد برزت من خدرها درة المهدي
وقد لبثت حينا من الدهر في الخبا * محجبة تشكو من اليتم في المهد
وله رسالة في التوحيد ورسالة في الحيض وحواش على شرح الصغير
مختصر شرح الكبير المعروف بالرياض كلاهما لإستاذه السيد علي الطباطبائي
وعلى تلك النسخة خط أستاذه المذكور وقد وقفها عليه وكتابات أخر رأيتها
بخطه لم تكمل ولم تخرج إلى المبيضة.
من ذكره من المؤلفين
ذكره صاحب الجوهر المجرد الشيخ علي سبيتي فقال:
كان من العلماء المحققين والفضلاء المدققين علامة عاملة وشمس
فضلها على الاطلاق ارتقى أعلى درجات المعارف حتى غدت ساحة فضله
كعبة لكل قاصد بجلالة ووقار وشرف واعتبار وكان هذا السيد مرموقا
بالمهابة والتبجيل من جميع أهالي عاملة مشهودا له بالفضل الأول ومن حينما
وفد من العراق كانت أمور البلاد مشوشة لما لحقها من الوهن بأيام الحاج
احمد باشا الجزار فعبد الله باشا اعتنى بأمر السيد ومسك بضبعه وقدمه
وأكرمه واحترمه ولما تعلق بالسيد أعطاه مزرعة الصوانة اقطاعا وكتب له بها
صكا وكتب في آخره فمن عارضه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين
وكان ذلك سنة ١٢٣٧ والمرسوم باسم فارس الناصيف. ولما تنمر الأمير
بشير الشهابي لأهل جبل عامل وأغرى بعضهم ببعض تقدم لالتزام قرى
المعيشة التي أعطتهم الدولة إياها عوضا عن أملاكهم وكان من جملة اللذين
أصابهم ذلك السيد بالصوانة فعندها ركب السيد إلى عكا وطالبه بعهده وكان
شديد الجرأة عليه ومدحه بقصيدة منها:
أبيت اللعن أنت رسمت لعنا * لاخذها إلى يوم المعاد
فردها عليه بمرسوم ثان وكتب اللعنة على من أخذها منه وهي الآن
بيد ابنه السيد محمد.
وقال أيضا: ان السيد علي الأمين بعد خروجه من حبس عكا
الصواب انه لم يكن محبوسا بعكا وانما كان رهينة عند الجزار هاجر إلى
العراق وقرأ على الشيخ جعفر وعلى صهره الشيخ أسد الله حتى مهر وأقر له
بالفضل الشيوخ الكبار فرجع إلى البلاد وتمت له الرياسة ولم يكن حينئذ في
البلاد أحد ينازعه فسلمت إليه المقاليد وانتهت إليه الرياسة ودرس في العلم
فهاجر إليه الطالبون فسمع من بعض أهالي البلاد كلمة أغاظته فترك
التدريس واستراح إلى تعليم الشيخ علي الزيداني لأولاده وكان دائما في
زيارة اخوانه اه والكلمة التي سمعها انه كان يكتب للطلبة إلى بعض
القرى باعطاء شئ من الزكوات فقال رجل نريد ان نكفي خيالة حمد بك
وتلامذة السيد علي الأمين فلما بلغه ذلك قال للطلبة من كان يقدر على
معاشه فليبق ومن كان لا يقدر فاني لا اكتب إلى أحد بعد هذا فتفرق أكثر
الطلبة.
وذكره السيد محمد بن معصوم في تلامذة السيد المتبحر السيد عبد الله
شبر الكاظمي فقال: ومنهم العالم العامل الفاضل المدقق الكامل المتبحر
الماهر التقي النقي السيد علي العاملي فإنه لما هاجر من بلاد الجبل إلى العراق
للاشتغال ورد إلى مشهد الكاظمين ع فقرأ جملة من العلوم
على سيدنا المذكور وله شرح منظومة السيد محمد مهدي الطباطبائي. وفي
تكملة أمل الآمل: وبيت السيد الشريف السيد علي الأمين في شقراء من
قرى جبل عامل بيت علم وجلالة وفضل وسيادة خرج منهم جماعة من
العلماء والفضلاء، والعلم والفضل باقيان بعد في هذا البيت الشريف
اه.
وفي بعض المخطوطات العاملية في التاريخ انه في جمادى الأولى سنة
١٢٠٣ زوج السيد محمد الأمين ولده السيد علي بنت الشيخ إبراهيم تاج
الدين.
مرسوم عبد الله باشا
ومرسوم إبراهيم باشا
وكان لأبيه السيد محمد امين أربعة فدن في شقرا معاشا من الحكومة
بصفته مفتيا لبلاد بشارة معينا من قبل الحكومة وبعد وفاة والده المذكور عين
(٣٢٠)

هو أيضا مفتيا لبلاد بشارة من قبل الحكومة وأعطي الأربعة الفدن المذكورة
معاشا فطلب اخوته أن يشاركوه فيها بزعم انها ميراث من أبيهم فكتب له
عبد الله باشا مرسوما بها هذه صورته:
قدوة الأمائل والاقران متسلمنا في تبنين وهونين حالا الحاج إبراهيم
آغا زيد قدره.
بعد السلام التام بمزيد الاعزاز والاكرام المنهى إليكم بخصوص
الأربعة فدن مطلق الذي كانوا إلى المتوفى السيد محمد امين العالم في قرية شقرة
وبعد وفاته بأيام سلفا المرحوم طاب ثراه صاروا العام إلى ولده رافع
مرسومنا هذا السيد علي امين بموجب مرسوم من سلفنا المشار إليه وبوقته
اخوته نازعوه بهذا المطلق وتعين لهم بالمرسوم ان يكون هذا الإنعام إلى
السيد علي المومى إليه وحده وما لاخوته معه معارضة به حيث إنه ان وجد
مفتي القرية المذكورة فلزم الآن إصدار مرسوما إليكم تأكيدا لأمر سلفنا
ويكون معلوم ان هذه الأربعة فدن مطلق القرية المذكورة للسيد علي المذكور
وحده ليس لاخوته بهم حق ومرسومنا هذا بعد اطلاعكم عليه تبقوه بيده
لأجل عدم معارضته من أحد ولدي في ٤ م سنة ١٢٣٦:
الختم
السيد عبد الله والي صيدا
ويافا وطرابلس والشام
ولما جاء إبراهيم باشا ابن محمد علي باشا من مصر وحاصر عكا
وأخرج عبد الله باشا منها طلب منه مرسوما بذلك فكتب له هذا المرسوم له
صورته:
قدوة الأماثل والاقران الحاج عثمان آغا متسلم تبنين وهونين بعد
السلام التام إليكم ان رافع مرسومنا هذا افتخار العلماء الكرام السيد علي
امين العالم اعرض لمن معنا مراسيم بيده من حضرات اسلافنا الوزراء
العظام آخرهم محرر في ٧ رجب سنة ١٢٤٦ مضمونهم بخصوص مشد
المطلق في قرية شقرة التابعة بلاد بشارة أن يكون متصرفا به السيد علي
المذكور والتمس منا تجديد المراسيم المشروحة وقد قبلنا التماسه فيقتضي انه
يتصرف به أنعاما له والى أولاده من بعده بدون أحد يعارضهم أو ينازعهم
فيه بناء على ذلك اقتضى إصدار مرسومنا هذا من ديوان معسكر عكة
لتعملوا بموجبه وتعتمدوه في ١٠ ش سنة ١٢٤٧
الحاج إبراهيم والئ جده
الختم
سلام على إبراهيم
وكلمتا والي وجدة لم تكونا منقوطتين وبجنب ياء والي همزة تحتها كسرة
وكذلك في توقيع له آخر ولم نتحقق المراد منها.
ما جاء في وصيته
عثرنا له على وصية بخطه قد ذهب بعضها فأثبتنا هنا ما وجد منها
لكونها اثرا في الجملة ولا يخلو اثباتها عن فائدة وعبرة وهي هذه:
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين
الحمد لله الذي أمر بالوصية قبل حلول المنية وصلى الله على سيدنا
محمد وآله خير البيرة وبعد فان الفقير الحقير المعترف بالذنب والتقصير
عبد الله وابن عبديه علي بن محمد يشهد ان لا إله الا الله وحده لا شريك
له إلها واحدا، أحدا افرادا صمدا حيا قيوما لم يتخذ صاحبة ولا ولدا قديما
أزليا دائما أبديا عليما قديرا لطيفا خبيرا سميعا بصيرا مدركا مهلكا مريدا
كارها آمرا ناهيا متكلما صادقا حليما كريما عدلا حكيما رؤوفا رحيما جامعا
لصفات الكمال منزها عن صفات النقص لا شريك له ولا وزير ولا شبيه
ولا نظير وانه بكل شئ عليم وعلى كل شئ قدير وانه ليس بمركب ولا
جسم ولا جوهر ولا عرض وليس بمحل للحوادث وليس بمرئي لا تدركه
الابصار وهو يدرك الابصار بلا عين ولا أذن مجردا في ذاته أوحديا في صفاته
وانها عين ذاته لا تعرف له معنى ولا حالا سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون
علو كبيرا.
ويشهد ان سيدنا ونبينا محمد ص عبده المجتبى ورسوله المرتضي
أرسله بالهدى ودين الحق لا ينطق عن الهوى وانه أفضل خلق الله وخاتم
رسل الله سيد الكونين وأفضل الثقلين وعلة الوجودني وسقط هنا ما
يتضمن الشهادة بامامة الأئمة ع وأوصى إذا نزل به القضاء
الذي لا بد منه ولا محيد لاحد عنه ان يغسل ويحنط بأربعة عشر درهما من
الكافور كذا.
حنوطه وان يغسل بالسدر الذي وضعه بالكفن وان يؤتى بورق سدر
أخضر من الحولة ومن رأس العين بأجرة لمن يأتي به فلا بد منه وان يدفن
بكفنه المكتوب المعد له وان يحبر بوجه لحاف ان أمكن والا فبغيره وان يقرأ
على القبر ستة أيام بلياليها قراءة عارفين مع الاحكام وان يطعم كفاية
الحاضرين ويخرج عنه لأربعين مؤمنا ركعات الهدية مع الإمكان والا تكرر
حتى تبلغ الأربعين ليلة الدفن وان يخرج عنه ثلاثون سنة صلاة أربع سنين
منها صلاة سفر مقصورة وثلاثون شهر صوم وان يعمر القبر ويعمر حائط
من الغرب بحيث تدخل القبور إلى جهة المسجد وان يخرج زيارة رضوية
بخمسين قرشا وأئمة العراق ثلاثون قرشا وأئمة البقيع رمضان من كل سنة
ثلاث ختومة القرآن إلى عشر سنين تهدى له قراءة عارف ولو في الجملة وان
يخرج عنه حجة وان يحفر بئر في داره لأولاده الذكور وأوصى ان في ذمته إلى
بنت حسين فرحات من عشرون ستمائة قرش ولأولاد أخيه حسن ستمائة
قرش وان يخرج عنه عشرون كفارة كبيرة وأربعون صغيرة من قمح أو شعير
وان يقام عنه تعزية الحسين في عشر المحرم ويطعم كل ليلة أقلها ثلاثة
أنفس وفي يوم العاشر أكثر يقيم ذلك أولاده عنه الذين أكبرهم أبو الحسن
إلى عشر سنين أو أكثر مع الإمكان...
شعره ونثره
قال هذه القصيدة يعاتب بها الشيخ محمد الناصيف على تلك زيارته
له بعد قدوم جدنا من الحج على أن الجد كان قد مر عليه يوم وصوله وبعد
ذلك جاء الشيخ محمد الناصيف إلى عند الحاج إبراهيم آغا ولم يمر على الجد
وعرض فيها زيارة الآغا له وطلب من الشيخ محمد الناصيف المحاكمة عند
الشيخ صادق بن الشيخ إبراهيم بن يحيى وعمه الشيخ عطوي وجعل
الشهود ناصيفا وابن عمه أسعد فقال:
(٣٢١)

أيا ليت شعري ما أقول وانني * خبير بأقوال من العتب جمة
أيحسن منكم ان تمر بقربنا * وتبخل في وصل علينا وزورة
وتمنعني عن نظرة يشتفي بها * فؤاد محب صادق في المحبة
وقد زرتكم من فرط شوقي إليكم * على بعد أسفاري قبيل أحبتي
ألم تر إبراهيم من صدق وده * تشرفت فيه مرة بعد مرة
وكان جديرا ان يزار بربعه * ولكنه سباق كل كريمة
فيا رب متعنا بطول بقائه * وانبت به زرع الهدى في البسيطة
واني لارضى صادق الود والوفا * وإن كان خصما حاكما في القضية
وفي عمه نرضى وإن كان خصمنا * إذا كان هذا حظنا في البرية
وناصيف أيضا نجلكم وابن عمه * وكل الورى من كل دين وملة
وناهيك رب دونه كل حاكم * إذا وقف الخصمان يوم القيامة
فيا ربنا احكم بيننا ثم نجهم * ومن عليهم يا كريم بتوبة
على انني لا أدعي نقض ودهم * ولكن حظي ناقص في المودة
فلما وصلت إلى الشيخ محمد الناصيف أجاب معتذرا عن التخلف
وطالبا للحكومة عند الآغا فقال:
سلام وأشواق وخير تحية * إلى من سما في المجد أرفع رتبة
أتاني كتاب منه كالمسك عرفه * تضمن ودا خالصا في المحبة
وحقكم لست الذي مل صاحبا * ولا نقض ميثاق الأخلاء خلتي
وتذكر مسعاك الشريف لدارنا * وزورة اخوان ولقيا أحبة
وحكمت فينا صادق الود والولا * على أنه خصم لنا في الخصومة
نعم ارتضي في حكمه كل عارف * وإن كان لي خصما وشيب بتهمة
واحزم رأي ان نولي قضاءنا * كريما حليما عادلا في القضية
أبا يوسف الشهم الهمام أخا العلى * أبا العرف من يرجى لكل ملمة
سمي خليل الله يحكم بيننا * وحسبي به قاض إذا النعل زلت
ذكرت وفاه مرة بعد مرة * وليس عجيبا فهو سباق غاية
لئن كان هذا حاكما في قضائكم * وصادقنا المفتي لكم في الحقيقة
ونجلي وصنوي شاهدين لديكم * علينا بتقصير فما وجه حيلتي
وناهيك من رب البرايا محكما * على عاجز تعلوه أضعف نملة
واني عن حق الصديق لعاجز * فكيف بحق الله باري البرية
وما كان هذا الصد هجرا ولا قلى * ولكن ربي عالم كيف محنتي
وأنت بقلبي ساكن بل بناظري * وودكم ذخري ليوم المثوبة
وإذا ما جنى زيد فما عمرو غارم * وليس يجازى غير رب الجريرة
زيارتكم فرض علينا وواجب * بها نرتجي الحسنى وتكفير زلة
وحظكم واف من الله وافر * فلا غرو ان بلغت أرفع رتبة
وسمع المرحوم الشيخ علي مروة أحد تلامذة جدنا بهاتين القصيدتين
فعززهما بثالثة تتضمن الصلح فقال مخاطبا الجد أولا:
أيا سيدا أنشأ كتابا بطيه * عتاب على الماضي وترك الزيارة
إلى الماجد الحر الذي في هواكم * يقاسي الجوى في كل حين وساعة
سمي حبيب الله من خير سادة * له الشيمة الغرا وكل فضيلة
هو البارع الندب الأديب أخو العلى * وفي صفي صادق في المحبة
إذا رمت خلا في الأنام شبيهه * فلست الذي تلقاه بين البرية
وأمست تحاكي المزن جودا يمينه * ويروي الصوادي ان شكت حر غلة
ولكنه يعطي العطا وهو باسم * ويبكي سحاب المزن عند العطية
وتبغي القضا من صادق الود والوفا * وقد كان خصما جانيا للجريرة
وعم له ترضاه للحكم بينكم * وكل الورى من كل دين وملة
وانك من نجليه ترضى شهادة * لدى عارف في الناس حكم الشريعة
ويبغي لدى الندب الكريم حكومة * سمي خليل الله رب الحكومة
أبو يوسف الليث الهمام أخو الحجى * كفيل اليتامى عند فقد الكفالة
وأنت جدير بالقضاء وفصله * وأحرى به من دون كل البرية
سليل النبي الهاشمي محمد * وهاد إلى نهج التقى والهداية
فلا غرو ان فقت الأنام جميعها * فبالشمس يخفى النجم حين تجلت
ولا زلت يا بحر العلوم مؤيدا * وتجلو دياجي المشكلات الخفية
ومن نثره هذه المكاتبة جوابا عن كتاب:
سلام كانفاس الخزامي إذا باكرها الغيث تحدوه النعامى وسلام أوسع
الدهر العبوس ابتساما يعربان عن شوق مبرح بمن لولاه لم أدر ما معنى
الغرام.
دعوا لي أطباء الشام لينظروا * لداء دوي في الحشاشة واللب
وهيهات ان يدروا بدائي ويعلموا * دوائي وما يغني الأطباء في الحب
يطيلون جس النابضين ضلالة * ويسقونني كأسا من البارد العذب
فضلوا عن الداء الدخيل لجهلهم * ولو علموا جسوا النوابض من قلبي
هذا وبينما نحن على أحر من جمر الغضا نتعلل بلعل وعسى إذ ورد
علينا الكتاب المستطاب المحتوي على النظم الرائق والنثر الفائق الحاكي
قلائد العقيان على نحور الخرد الحسان فأين منه بشار ومهيار وحسان فنبه
لوعات المشوق وأرقه وأجج في القلب نار الوجد المحرقة:
وسرى نسيمهم فقلت لمهجتي * يا نار مسك نافح فتأججي
فحتام هذا البعد والنوى عمن لم يضمر السلوان ولا نوى وقد نسجنا
في هذا المقال على منوال من قال:
إذا لم يكن في الحب عتب ولا جنى * فأين حلاوات الرسائل والكتب
ومن شعره ما أرسله إلى أمير عصره عبد الله باشا المقدم ذكره:
أ فرعها أم ظلام الليل معتكر * ووجهها أم ضياء الصبح مشتهر
ما ان رأيت ولا أذني به سمعت * شمسا تطلع من ازرارها قمر
دنت فنفرها عن وصلنا نفر * واعتاد طرفي لما صدت السهر
عهدي بها والتصابي غصنه نضر * ما ان تغيرها عن ودي الغير
مت لعمري عقد الوصل حين رأت * بعارضي صباح الشيب ينتشر
قالوا كبرت وغصن الحب منك ذوي * أجل ولكنما في الغاية الثمر
والدمع من مقتلي والدر في فمها * ضدان جاءا فمنضود ومنتثر
لها المودة ان صدت وان وصلت * فما لقلبي عنها اليوم مصطبر
قالوا استعار الدجى من شعرها ومن آلوجه * استعارت سناها الأنجم الزهر
فقلت مهلا فان الامر متضح * فما سواء عيان المرء والخبر
ان التي تشرق الدنيا ببهجتها * شمس النهار وعبد الله والقمر
مولى لنا في الدجى من وجهه قمر * وفي المحافل من ألفاظه درر
سوار زند المعالي وابن بجدتها * وفرع آل بهم يستنزل المطر
شهم إذا عاينت عيناك صورته * عاينت شخصا به قد جمع البشر
لقد كسا العدل أثواب الشباب فما ال‍ * فخار الا شذا في برده عطر
(٣٢٢)

غيث خلا انه بالبيض منسكب * ليث ولكنما أنيابه السمر
فتى تناهى إليه المجد وائتلفت * لعدله في الورى الآساد والعفر
من ابن خاقان من عبد العزيز ومن * عزيز مصر ومن من قبلهم غبروا
طالوا وطلت ولكن أين منك هم * والبدر لا يستوي والأنجم الزهر
حلم وعلم واقدام ومكرمة * ونائل نال منه البدو والحضر
وسؤدد لو حوته الشمس ما أفلت * حباكه دون هذا الخلق مقتدر
وقال يرثي شيخه واستاذه الشيخ جعفر صاحب كشف الغطا:
أ تطلب دنيا بعد فقدك جعفرا * وتطمع فيها أن تكون معمرا
وتركن للدهر الخئون سفاهة * وتغفل عما كنت تسمع أو ترى
وتعذلني يا جعفري على البكا * وتعجب من محمر دمعي إذا جرى
أ لم تدر ان العلم جب سنامه * وأصبح ركن الدين منفصم العرى
فتى كان عزا للذليل وناصرا * ويسرا لمن قد كان في الناس معسرا
له الشيم الغر التي لو تجسمت * لكانت لنا شمسا من الشمس أنوار
وان عدا أهل الفضل كان امامهم * جميعا وكل الصيد في جانب الفرا
هو الدهر الا انه غير خائن * هو البحر الا انه ما تكدرا
هو الشمس لم تكسف هو البدر لم يغب * هو الليث الا انه ليس أبخرا
هو الدين والدنيا هو العلم والتقى * هو الغيث الا انه العلم أمطرا
فقدناه فقدان النبي وصنوه * علي فيا لله من فادح عرا
فقدناه فقدان الوليد كفيله * فهلا متم بناه وكان المعمرا
ونغبط سكان القبور لأنه * أقام بواديهم وجاور حيدرا
فوا عجبا للبحر يحويه قبره * ووا أسفا للبدر يغرب في الثرى
لئن غاض بحر العلم فينا فإنه * أفاض من العلم الإلهي أبحرا
فموسى هو البحر المحيط بعلمه * فيا لك بحرا في الأنام وجعفرا
حسودهم خفض عليك فإنهم * بحور ندى من جانب الله في الورى
سقى الغيث قبرا ضم أعظم جعفر * وروى ثراه رائحا ومبكرا
وقال مخمسا هذه الأبيات وهي للشيخ إبراهيم بن يحيى:
إذا ما دهاك الدهر يوما بهمه * وأسقاك كأسا من مرارات سمه
فقل كي تنال الروح من كرب غمه * إلهي بحق المصطفى وابن عمه
علي وبالزهراء والحسنين
هم الخمسة الأبرار طاب ثناؤهم * وعم الورى طرا لعمري عطاؤهم
تمسك بهم ان الكمال رداؤهم * وبالتسعة الغر الذين ولاؤهم
وطاعتهم فرض على الثقلين
بني أحمد خير الخلائق بعده * فما سائل الا بهم نال قصده
فناد بصدق مالك الملك وحده * أنلني بهم قبل الممات وعنده
ومن بعده يا رب قرة عين
وقال مشطرا لها:
إلهي بحق المصطفى وابن عمه * أبي الحسن الكرار يوم حنين
وصي رسول الله عيبة علمه * علي وبالزهراء والحسنين
وبالسادة الغر الذين ولاؤهم * وحبهم ارثي من الأبوين
وعقد ولاهم والمودة فيهم * وطاعتهم فرض على الثقلين
انني بهم قبل الحساب تكرما * ومن بعده يا رب قرة عين
وقال مخمسا هذه الأبيات المنسوبة للشهيد رحمه الله:
لقد صار كسب المال للناس في الدنا * وهجر علوم الدين دأبا وديدنا
ونحن بحمد الله مالك أمرنا * شغلنا بكسب العلم عن طلب الغنى
كما شغلوا عن مطلب العلم بالوفر * أ ما علموا ان المال إلى الفنا
وانا جميعا للحساب مردنا * وان علوم الدين أفضل مقتنى
فصار لهم حظ من الجهل والغنى * وصار لنا حظ من العلم والفقر
وقال:
رضيت بما قد قدر الله في القضا * وفوضت أمري للعليم بحالي
إلى الله أشكو من زمان تكثرت * نوائبه ما للزمان ومالي
وقد شبت في رق العبودية التي * يفك لها رق العبيد موالي
فيا رب بالهادي النبي وآله * وعترته الاطهار أكرم آل
تفضل على العبد الضعيف بتوبة * تميط بها ذنبي وسوء فعالي
وله في أهل البيت ع وقد شطرها الشيخ صادق بن
يحيى:
سقى حكيم يا خيرة الله ديمة * من المزن تحدوها النعامى وترعاها
ولا زالت الأيام تهدي إليكم * من العز والاقبال خير هداياها
ورشتم جناحي في ظلال رياضكم * فطرت إلى الدار التي كنت أهواها
ولم أطلب المجد الأثيل برحلتي * ولا طلبت نفسي غنا لا ولا جاها
ولكنما الاقدار تهتف بالنوى * فصبرا على تشتيتها وبلاياها
وان زماني مولع بانعكاسه * مقاديره تجري بلا متمناها
فدعها إلى حكم الاله وأمره * فيقضي كما شاء الحكيم قضاياها
وان كنت في شك من الامر فأجتهد * وبادر إلى الآثار وأحك حكاياها
أ لم تر ان الشمس وهي رفيعة * لتجري وأفلاك السما عكس مجراها
وان رسول الله راح بنفسه * إلى الغار خوفا من قريش وأخفاها
وان أمير المؤمنين أقامه * لامته يوم الغدير ليرعاها
فينجح كل منهم ثم ضيعوا * وصيته فيه وما خيف عقباها
بني أحمد يا خيرة الله في الورى * وعروته الوثقى وعلة مبداها
متى يظهر المهدي منكم محكما * فيأخذ أوتارا لها عند أعداها
فيا رب عجل بالقيام لنصره * والا فقربني إليك بتقواها
وله:
ألا يا رسول الله يا خير من له * تشد المطايا والمطهمة الجرد
ويا علة الايجاد والكعبة التي * تحج ولم يبرح بساحتها الوفد
ويا أول الخلق الذي قد دعا به * أبوه وقد أودى به الذنب والجهد
ويا بضعة المختار فاطمة التي * على الناس من بعد النبي لها المجد
أجيبا دعا عبد وكونا لذنبه * شفيعين إذ لا مال ينجي ولا ولد
فان له منكم ذماما ونسبة * وحبا شديدا ما لغايته حد
فلا تخرجاه من حريم رضاكما * فان له حقا بفضلكما يبدو
وقوله:
خبرت بني الدنيا فلم أر فيهم * سوى حاسد أو شامت أو منافق
فأبعد حماك الله عنهم ولا تكن * بغير اله العرش يوما بواثق
(٣٢٣)

وسلم إلى الرحمن امرك كله * إذا خفت يوما من نزول المضايق
وثق بولاء المصطفى وابن عمه * وعترته الغر الكرام الحقائق
تجد خير كهف من حماهم ومعقل * يقيك لدى الدارين شر البوائق
وله قصيدة في الرد على مروان بن أبي حفصة هذا ما وجدناه منها
وهي أطول من هذا:
فيا راكبا إما عرضت فبلغن * سلامي على خير الورى أكرم الرسل
وبث لهم حزني فاني بحبهم * أجادل أقواما لئاما ذوي جهل
وألأمهم مروان ذو الجهل والعمى * وأكذبهم في القول منه وفي الفعل
فتى باع أبناء النبي محمد * بابناء عباس ذوي الجبن والبخل
فدونك آباتي فجئني بمثلهم * إذا ما تفاخرنا وهيهات من مثل
أهارونها كالكاظم الغيظ في الحجى * ومنصوركم كالصادق القيل في النبل
علية منكم أم علية منهم * وكان لكم شيخ الغناء أم لهم قل لي
فهذا الأسى والله لا خطبة النساء * إذا صح ما لفقت من كاذب النقل
فكيف يهم المرتضى بمحرم * وكيف يسوء المصطفى طلب الحل
لئن كان والشورى أباه لجهله * فخير الورى طرا أباه أبو جهل
وأصحاب هارون أبوه جميعهم * عنادا وظلوا عاكفين على العجل
وتحكيمه للحاكمين كليهما * دعاه إليه غدر قوم ذوي غل
وما ضره لو خالفوه وحكموا * عدوين كانا بالحكومة والفصل
وما باعها سبط النبي محمد * معوية الا بخائنة الكل
وقلة أنصار لديه تفرقوا * ومالوا عن العليا جميعا إلى السفل
وفاته
توفي سنة ١٢٤٩ شهيدا بالسم وكان سبب سمه ان عبد الله باشا
ارسل إليه بالحضور، فبعث الجد إلى بعض أعيان البلاد وكانوا سبعة
أشخاص فاستصحبهم معه إلى عكا، فعاجله الحساد بالسم لما كان يفعله
معه عبد الله باشا من التعظيم ولما كان يظهر له من الغلبة على علماء تلك
الديار، فوضعوا له السم في قهوة البن فشرب منه هو وأصحابه الا واحدا
منهم فمات كل من شرب، ورجع الجد من فوره حين أحس بالسم فمات
في صور ونقلته زوجته أم السيد محمد امين، وحمل على أعناق الرجال إلى
شقرا فدفن بها في مقبرة كان أعدها لنفسه غربي المسجد الكبير جعل نصفها
لنفسه وعائلته وأدار عليه حائطا والنصف الآخر لسائر أهل القرية، وأول
من دفن فيها ولده السيد جواد الذي توفي في حياته. وكون وفاته في عهد
عبد الله باشا وهو الذي سمعناه من شيوخ العائلة، لكن الظاهر أنه اشتباه
لان سوريا في هذا التاريخ كانت في حكم إبراهيم باشا وقد ذهب إليه الجد
وأخذ منه مرسوما سنة ١٢٤٧ من ديوان معسكر عكا كما مر، والظاهر أنه
بعد خروج عبد الله باشا منها وسفره إلى مصر لأنه كان في تلك السنة، ولم
يذكر المؤرخون انه أعيد إليها. فالظاهر أن ذهابه إليها وسمه كان في عهد
إبراهيم باشا والله أعلم.
مراثيه
قال الشيخ صادق بن الشيخ إبراهيم بن يحيى راثيا له ومؤرخا عام
وفاته:
لله من فادح عم الورى جلل * ونكبة طوحت بالعلم والعمل
اليوم قوض طود العلم من مضر * وطبق الكون رزء غير محتمل
هذا العميد المفدي قد جرين به * نجب المنايا لظل غير منتقل
من للرواية أو من للدراية أو * من للهداية في حل ومرتحل
أو للعلوم إذا ما ضل طالبها * يهدي المريدين منها أوضح السبل
هذي معالم دين الله قد طمست * وغودرت أيما لم تلف من بدل
هل الليالي درت أي امرء فقدت * وجيدها من رماه اليوم بالعطل
وهل درى العالم العلوي أي فتى * لفقده العالم السفلي في وجل
على الليالي العفا من بعد ان عدمت * قطب الأواخر بل والقادة الأول
فالكل ينشد في تاريخه لهف * لقد تهدم ركن الدين بعد علي
وقال تلميذه الشيخ علي زيدان يرثيه:
الا انما الأيام شيمتها الغدر * فاولها مد وآخرها جزر
وفي صحوها سكر وفي صفوها قذا * وفي أمنها غدر وفي طيها نشر
لعمر أبي ما المرء الا كعابر * سبيلا وأيام الحياة له جسر
فدع زهرة الدنيا ولين قناتها * إذا لاح من وجه الزمان تلك البشر
فكم أسد غضبان يبدي ابتسامة * ورب رماد كن من تحته جمر
لك الله قل لي هل سمعت بحادث * قضى خطبه ان ليس يعقبه صبر
وذلك فقدان الذي كان كعبة * تحج إلى ساحاته البدو والحضر
فتى كان للاسلام والثغر حائطا * فاضحى وفي الاسم من بعده ثغر
فتى كان عضبا كلما هز في يده * من الحق كانت دونه البيض والسمر
فتى كان رحب الباع في حلبة العلى * ورب جواد في العلى باعه شبر
فتى كان للأعناق من فضله حلى * وللدر والعقيان من لفظه نثر
فتى كان من وفر المعالي تلاده * وما كان في أيدي الرجال له وفر
إذا ذخر الأقوام وفرا لحاجة * فما كان الا المكرمات له ذخر
فتى فل عضب الموت منه مهندا * وكسر المنايا ليس يوما له جبر
فتى كبر الملبوس يوم وفاته * على أنه ما كان يوما به كبر
وما كان ممن سامه الدهر حادث * ولكن يسام الضيم من بعده الدهر
فتى كان امضى من حسام مهند * إذا جل خطب الدهر أو فدح الامر
فتى كان مشهور المساعي إلى العلى * ويا رب سعي ليس يعقبه الشكر
فتى ذاق مر الدهر حتى حلا له * ولولا سواد الليل ما طلع الفجر
وما مات حتى مات من بعده الهدى * وان لم يكن واراه لحد ولا قبر
وضوق أعناق الليالي فضائر * كافراد عقد الدر زين به النحر
فضائل لا يخفى مدى الدهر نورها * يروح بها سفر ويغدو بها سفر
سقى الغيث قبرا قد ثوى فيه سيد * له السؤدد المشهور والنائل الغمر
فقد صار بدر التم في فلك العلى * وبحرا وقطرا دونه القطر والبحر
هو السيد السامي إلى كل غاية * تقاعس عن ادراكها العبد والحر
فقدناه فقدان الصبا كلما مضى * به ذكر عهد جاء من بعده ذكر
كان ثناه العنبر الورد كلما * تضوع للأقلام من طيه نشر
فما البدر ما ذا لشمس في رونق الضحى * لديه وما البحر الخضم وما القطر
لقد كنت أرجو أن تنال يدي به * نجوم الثريا لو تراخى له العمر
فلا ورد الا صفوه اليوم لي قذا * ولا عيش الا طمعه في فمي مر
فمن لي على الأيام يسطو حسامه * وأدعوه للجلى إذا راعني الدهر
ومن ذا لافراد الرجال يبيدها * إذا ما جلت في حلبة دونها النسر
ووراد علم واردين حياضه * إذا سدرت عنها وأحقابها سفر
فمن ذا يحلي اليوم نحر العلا ومن * تزان به الدنيا
ومن امره الامر ومن مبلغ عني نزارا بأنه * هوى بالثرى من بين أنجمه البدر
ومن مبلغ عني لويا بأنه * أصيب لعمر الله من مجدها النحر
(٣٢٤)

وان العلا منها لعمر أبي غدت * واظفار ريب الدهر من دمها حمر
بعينك هل ترقى لعينيك عبرة * وهل يطيبها الغمض ما بقي العمر
فلا تعذلي يا جارتا ذا صبابة * يبيت أخا وجد وأدمعه غزر
فمن لي بطرف ذا شؤون بعيدة * ومن لي بقلب تحت احشائه صخر
أرى بعدك الأيام يا ابن محمد * عوابس لا يفتر يوما لها ثغر
وان زمانا عال مثلك لم يزل * على كبد الاسلام من فعله حر
إما وأبي ما نيط عقد من العلى * بعاطلة الا وأنت له در
ولا اجتمعت أبناء مجد وسؤدد * على موكب الا وأنت له صدر
سرت تخبط الظلماء من بعدك الورى * غداة ثوت في لحدك الشمس والبدر
فلا عين الا مسها عائر القذا * ولا أذن الا قد ألم بها وقر
لئن أوترت منك الليالي فطالما * على ما أرى أضحى لديك لها وتر
وان سرت من فوق الرقاب فطالما * سرى يتحرى من فضائلك السفر
وان خلعت منك الحياة يد الردى * فثمة مجد ليس يخلعه الدهر
وان غاب بدر من علاك فإنما * ينوب مناب البدر أنجمه الزهر
بني هاشم صبرا إذا ناب حادث * فأي اصطبار ليس من بعده أجر
إذا ما ذوي غصن السماح فأنتم * بني هاشم روض السماحة والزهر
وأي حمى تزهو به أغصن العلى * إذا ما ذوي من روضه الغصن النضر
إذا فاخرت عدنان قحطان من على * فما كان الا من علاكم له فخر
فهل أنتم الا بدور أغرة * إذا خر بدر لاح من بعده بدر
كذاك ما زالت نزار ويعرب * إذا مات حبر قام من بعده حبر
ورب حسود راح يغضي على قذى * وفي صدره وغر وفي قلبه غمر
رأى منك نجم العلى غير آفل * فراح وفي الأحشاء من حقده حر
فقولا له مهلا فما أنت والعلى * فما لك منها لا عوان ولا بكر
بقيتم مدى الدنيا ونلتم بها المنى * ولا نالكم للدهر ناب ولا ظفر
هو الربع من سلمى سقى دارها القطر * نأى ساكنوه فهو مستوحش قفر
برغم المعالي ان ألم به الردى * وحك على ثاويه كلكله الدهر
فيا طالما أشرقن في جنباته * نجوم معال لاح في أفقها البدر
أما والهجان البزل تدمى خفافها * إذا جاب اعراض الفلاة بها السفر
عليها رجال لا يملون من سرى * نشاوى من الادلاج تهويمهم نزر
يؤمون قبرا دونه الشمس رتبة * ثوى فيه مولى الكل والعلم الوتر
لقد فجع الاسلام منه بأروع * تزول به الجلي ويستدفع الضر
شأى الكل في كل فراح مقدما * وإن كان في الأزمان أخره العصر
همام نماه الشم من آل يعرب * به القطر يستسقى إذا أجدب القطر
فمن مبلغ الأقيال من آل هاشم * بان العميد الفذ غيبه القبر
له الله من خطب فقدنا به الأسى * وأمست نفوس الخلق قد عزها الصبر
ونادى ذوو الأحلام في كل بقعة * كذا فليجل الخطب وليفدح الامر
فيا راحلا لأمسك السوء انني * أرى دوني الخنساء إذ فاتها صخر
وليس البكا أن تسكب العين انما * أحر البكا ما كابد القلب والصدر
ويا قبره طلت السماوات رفعة * ومن دون حصبا تربك الأنجم الزهر
ولا زال منهل الغمام ونوءه * يحييك منه الدهر مرتجز عمر
وقال تلميذه الشيخ علي زيدان أيضا يرثيه ويرثي أخاه السيد احمد
والشيخ جعفر كاشف الغطاء ونجله الشيخ علي ويعزي السيد محمد الأمين
ويمدحه ويعزي أخاه السيد محسن وابن عمه السيد كاظم ويرثي الحسين
ع:
منازل اروى كيف اقفرت من اروى * تبدلت طلح الغور من بانتي حزوى
منازل أقمار أفلن وطالما * حبسن على ساحات أعتابها نضوا
وقفنا بها نستنجد الدمع والاسى * عليها باحشاء على البين لا تقوى
وقد قلن للوجناء جدا فإنما * خلقت لغير الشيخ والحوض والمثوى
وللركب انضاء نشاوى من السرى * وقوفا باطلال المرابع من اروى
وللظاعن العجلان طارت به النوى * حنانيك سربي عن منازلكم رهوا
عزيز على من عزة الصبر أن يرى * منازل من يهوى على غير ما يهوى
وذا مرة غير أن مهلا فإنني * أراك غداة البين من لوعة خلوا
وهاتفة في الروض تشكو من الجوى * تعالى أقاسمك الصبابة والشكوى
لك الويل فات الامر بالعلم الذي * غداة ثوى في الترب ربع العلا أقوى
فتى فقدت فقدان خطباء ثاكل * فتاة المعالي من فضائله كفوا
واعدت عليه للزمان حوادث * وكانت على ريب الزمان له دعوى
فاقسم بالبزل الهجان مشيحة * تجوب الفلا أو تبلغ الغاية القصوى
وجرد تجوب البيد تطوي بساطها * رواحا إلى حوز الأماني أو غدوى
لقد حل بالاسلام خطب وصوحت * رياض من المجد النزاري والجدوى
فيا قبره ما ذا تضمنت من تقى * سناه أضاء الخافقين ولا غروا
فلو ضل ركب قاصدوك لقادهم * شذا تربك المشتق من جنة المأوى
سقتك على رغم الحول سحائب * من الدمع ان ضن الغمام بان تروى
فيا نجله صبرا إذا ناب حادث * فاني رأيت الصبر درعا من التقوى
فمن ذا له يوما على الدهر إمرة * وأي فتى في الناس خلو من البلوى
أ لم ترى ان الموت دين على الورى * إذا ما تقضاه الغريم فلا يلوى
فان امام الكل في الكل جعفر * إليه الردى قبلا باظفاره أهوى
فتى جوهري المجد فردا غدا وفي * خصوص معاليه عموم العلى يطوى
لقد كان للداعي حمى للتقى ابنما * أبا للمعالي للندى للهدى صنوا
وان عليا نجله عيبة الهدى * قضى والمعالي عنه أخبارها تروى
وان أمين الدين من آل هاشم * علي سنام المجد والغاية القصوى
إليه انبرى ريب المنايا فحلقت * على الرغم عنفا بالرواية والفتوى
رياض هدى صوحن بعد غضارة * وساحات مجد طاب في دوحها المثوى
برغم المعالي ان تخطى إليهم * مصاب الردى والدهر نال الذي يهوى
بعيشك هل يوما نرى بعدهم فتى * يجدد من رسم الشريعة ما أقوى
خليلي قوما عللاني فقد صحا * بقلبي داء كنت من خطبه خلوا
فمن مبلغ عدنان عنا وهاشما * وقحطانها ان الردى بالهدى ألوى
بني احمد مهما رزيتم فمجدكم * على مجد أبناء المعالي له العلوي
بحسب العلى منكم عميدا محمد * فتى لا نرى في كل مجد له كفوا
وحسب المجارية مغذا إلى من * علاء علمه ان ليس يرقى له شاوا
امام له القدح المعلى من العلى * على كل خصم في لباب العلى ألوى
تعفت مباني الفضل لولا بنانه * ومخضل أغصان المنى كاد ان يذوى
إذا ما عزت قوم طريفا وتالدا * رأيت سوام المكرمات له عزوى
ومن كان بالبيض الكواعب لاهيا * فما برحت بيض المساعي له تهوى
ومن كان ذا صبو إلى عادة الحمى * فان إلى خود المعالي له صبوى
له في بني همدان دعوى مكارم * كبير دوي تصديق هاتيكما الدعوى
لئن أنكر القالي علاه فعاذر * إذا أنكرت بدر الدجى مقلة عشوى
كذبتكما ان قلت إن محمدا * على ظهرها في الخافقين له شروى
ويا محسنا ما زلت فيما ينوبكم * شريك عنان لا يرى عنكم سلوى
تاس احتسابا للرزايا فأنتم * لعمري جبال الحلم أوفت على رضوي
(٣٢٥)

ألا ثكلت أم الليالي فإنني * ارى ثائرا منهن لا يعرف العفوا
ألحت باظفار عليهم خطوبها * فلم تبق وردا من مواردهم صفوا
فخوف ولا أمن ووجد ولا أسى * وبعد ولا قرب وطرد ولا مأوى
هم القوم شبت في حجورهم العلى * وعيبة أسرار الإمامة والنجوى
إليهم تناهى كل علم فلم يكن * ليعلم اثباتا سواهم ولا فحوى
لئن ثارت منهم يد الدهر فانبرى * يشن على احسابهم غارة شعوا
وان ضحكت سن المنى من أمية * وأوسعت الآذان أوتارها شدوا
وطارت بأحلام لهم طاعة الهوى * فجهلا ولا حلما وسكرا ولا صحوا
لقد راح هذا الدين يغضي على قذى * وباتت على جمر جوانحه تطوى
بني هاشم ان الزمان محارب * فسخطا على هذا الزمان ولا عفوا
إلى كم نعاني ما نعانيه من جوى * وحتام تطوينا الخطوب ولا نطوى
ولولا مصاب السبط ما راعني أسى * ولا شفني خطب ولا سامني شجوا
وكيف يراع المرء من حادث عرا * وقد صار طعم الموت في فمه حلوا
ويا قاتل الله الزمان فإنني * ارى من دم الاسلام أسيافه تروى
هو الخطب لا أطلال هند ولا حمى * خلا من رشا ألمى ومن شادن أقوى
بني هاشم ما ذا بلغتم من العلى * شأيتم بني الدنيا ولم تسرعوا الخطوا
وجر نداكم في سما المجد ذيله * فبذ الفريقين الحضارة والبدوا
متى يستقر الامر في مستقره * وتجري مقاليد الزمان كما نهوى
إما وأبيكم يا بني المجد ان لي * عنان هوى عنكم مدى الدهر لا يلوى
سقى الرائح الغادي حماكم وان يكن * لعمر أبي جهد الحيا عندكم عفوا
السيد علي ابن السيد محمد حسن مهدي الأمين (١).
ولد في شقراء من جبل عامل وتوفي ودفن فيها سنة ١٣٨٠ وقد تجاوز
الخمسين من عمره.
درس في شقراء على شيوخ الأسرة وعلمائها ثم قصد إلى النجف
حيث تابع دراسته وعاد منها مجازا من أكابر العلماء وسكن في بلد آبائه
وأجداده شقراء منكبا على واجبه من ارشاد الناس والفصل في خصوماتهم
ودعوتهم إلى الخير والمعروف عفيفا أبي النفس شجاع الرأي مستقيم
الطريقة.
ولده
تخلف بولده السيد محمد حسن وقد سلك طريق والده في طلب العلم
وتخرج من معاهد النجف الأشرف وعاد إلى بلاده فعين قاضيا شرعيا في
صيدا، فكان مثال النزاهة والاستقامة وهو إلى ذلك شاعر مبدع وأديب
بارع، خير خلف لخير سلف.
شعره
قال في مدح أمير المؤمنين ع من قصيدة:
هو من علمت أبو المنايا سفيه * يقري الفوارس حده بحمام
حمال أعباء الحروب يديرها * دور الرحى في عزمه المترامي
ومناقب خصت به لم تنحصر * تنبو عن الاحصاء بالأرقام
وعجبت ممن يستطيل لوصفه * أنى تنال الشمس بالأوهام
ونفيت عن قول الغلاة تعجبني * إذ أذعنوا لأدلة الالزام
قد أبصروا بشرا ولكن حلقت * أفعاله عن مدرك الافهام
أنت الذي شق الحياة طريقها * ودعا الورى لمحبة ووئام
تمضي القرون وطيب ذكرك لم يزل * كالمسك يذكو بعد فض ختام
انى تضاهى في علاك وقد سمت * درجات فضلك عن بلوع مسامي
وقال:
تجور الليالي ولا دافع * وشيمة دهرك سوء الجوار
وابعث عتبي لأيامه * كأني أعاتب منها جدار
فقلت لنفسي قري فما * يرد اعتداها سوى الاصطبار
فألزمتها الصبر في النائبات * وعودتها في الخطوب القرار
فذقت بذلك طعم الحيا * ة وحلو العواقب في الانتظار
وقال في وصف الطبيعة وشدة العواصف والثلج:
في حينا صوت الرياح يدمدم * طورا وطورا عاشق يترنم
قل تلك زمجرة الأسود عواديا * أو قل نسيم الصبح ظل يهينم
أو بحة في صوت تأكل أجهشت * ودموع مقلتها تسح وتسحم
جادت ولكن لم تجد في برها * الا بما يضني الحشي ويؤلم
في طبعها رعن وفي اقبالها * خبل وفي أفعالها تتحكم
ضيف ألم فقل به جبل هوى * ما منه ملجأ للوقاية يعصم
أو قل به طوفان نوح أصبحت * أمواجه بفم الثريا تلطم
تغزو بجيش للزنوج يضيؤه * برق وتحدوه الرعود فيزحم
ويمده للروم يزحف فليق * راياته بيض تلوح وتعلم
قد بيضت وجه الثرى بنثارها * حتى توارى أسحم ومعندم
وربا على شم الجبال محلقا * فالطير دون سموه والاعصم
سدت على وحش الفلا أو جارها * حتى قضت والموت أمر يحتم
وقال:
وذي بنية لو للنسيم تعرضت * لأوهى قواها ليس يبقي لها عزما
تملك في أحشائه السل ماحيا * لبشر محياه وقد شوه الرسما
يقصر منه الخطو من حيث يشتهي * فيقعده الاقدام عن سيره قدما
ويستر منه الثوب نحل عظامه * وتقرا لقاضي الموت في عينه حكما
وقد سلت تلك الشفاه احمرارها * وأذبلها الداء الذي أوهن العظما
يودع بالكف النحيلة طفله * على ثدي من أضحت به تحمل الغما
ترى طفلها في حجرها يرضع الأسى * ووالده في قلبها أودع الكلما
تبل شفاها للصبي بدرها * ونار الأسى في الصدر فد أججت ضرما
تدير بعينيها إلى الطفل مرة * واخرى لمنهوك يودعه سقما
تيقظ فيها الهم بعد رقاده * وأوسعها حزا باحشائها أدمى
وكم شاغل في النفس منها مضها * ونوعه حزن تفقد الرشد والحلما
على مثل حر الجمر يغلي فؤادها * وأدمعها ترفض من عينها سجما
إلى من تبث لحزن لا الأخت عندها * تبل لها غلا وتفتقد الاما
إذا الليل وافاها وخيم ظله * اعارته طرفا ساهرا يرقب النجما
ويدنفها إما تمل لسريره * أخو دنف للداء أعضاؤه مرمى
وعينا صبي أخبرتها بيتمه * أوحى لها صوت على سره نما
ترى منظرا يشجيك ان ما شهدته * وخطبا يفت القلب والصخرة الصما
وقال وأرسلها للمؤلف بعد أن أبل من مرضه:

(١) مما استدركناه على مسودات الكتاب " ح ".
(٣٢٦)

شفانا وشافى العلى والهمم * شفاكم وخلد فينا الحكم
وألبسنا وجميع الورى * ثياب المسرة باري النسم
أيا ابن الذؤابة من هاشم * ومحيي الفضائل بعد العدم
لأنت لشرعة خير الورى * منار منير لها في الظلم
بك استنصرت عند خذلاتها * فكنت النصير لها والحكم
شكرنا الاله على ما حبا * وما كشفت يده من غمم
وأوفى أخو النذر في نذره * لمن عنكم قد أزال السقم
فلله أنتم ومحياكم * حياة لمن بالولا يعتصم
طريق الهداية لولاكم * أضيع وسور الكمال انهدم
من المنبري غيركم للجدال * عن الحق أو من له فيه هم
وقفت الحياة على نصره الردود * وليلك في حفظه لم تنم
وهل تعتزى لسواك الردود * على من لشرع النبي وصم
ومن راح ينصب بيت العزا * ء سواك لمن روعوا في الحرم
وطافت بهم في عراص الطفو * ف طوائف سفاكة أي دم
فداؤك مما عراك الحسو * د أبا باقر وجفاك الألم
ومتعنا الله في حفظكم * فحفظكم من دوام النعم
ودم سالما من عوادي الخطو * ب أليف الكتاب حليف القلم
وقال في كتاب لبعض أصحابه:
ذكريات حملتها عنك أضحت * سلوة النفس في حنايا الضلوع
وطواها صحائفا لك قلبي * فهي فيه منيعة عن مذيع
جدت فيها زيارة ما استطالت * بل أطالب بالشوق سكب دموعي
ما أحيلي زماننا لو أعيدت * فهي عندي للدهر خير صنيع
من لشوق يبثه لك عني * فيراعي المنشق غير مطيع
لست أنسى الوفا لعبد حسين * يوم حلت ركابه في ربوعي
راق كاسي وأنعمت فيه عيني * ليت حبل الوصال غير قطيع
فعلى ذلك الجناب سلام * كلما آذنت ذكا بطلوع
وقال:
كغانية يخلو بها متشوق * إذا ما خلت نفسي لدرس كتاب
أرى لذة الدنيا جميعا تحوطني * فاحسب فيها الوقت سكر شراب
أحن إلى الليل الطويل كواله * لأحظى بامل لديه عذاب
وافتح أبوابا من العلم غلقت * وادخل في ساح لها ورحاب
وقال:
إلى البان أصبو هل تعوج على البان * مسارح عشاق لديه وغزلان
يرحن به سكرى ومن نشوة الهوى * يملن قدودا هن والبان سيان
فكم موقف فيه أطلنا به اللقا * وشكوى حبيب ظل يجزي بهجران
يرق لنا ثوب الدجى وهو حالك * وأنجمه ترنو بمقلة حيران
وما ذكريات الحب الا هواتف * يعدن لنفسي ما يعود لنشوان
فاشتاق أياما وفي لي بها الهوى * تقضت سراعا ومرت طيف وسنان
تشنف فوق الدوح سمعي حمائم * لتغريدها عند الصباح معان
وتشعر مني عند بعث لحونها * بان الذي أشجى الحمام شجاني
ومن نسمة الأسحار كم لي حنة * بها ظل خدي يستقي ماء اجفاني
على أن نفسي لا تزال إلى العلى * تهش وتمشي نحوه مشي عجلان
تخادنها الاسفار أنى توجهت * وتلقى بها إما خلت خير خلان
وما عزفت عنها من الدهر ساعة * ملالا وما بالت بنقص وحطمان
وفي صفحة الأيام كم لي شهادة * وما جهلت جدي بذلك أقرأني
وسيان عندي للزمان مساءة * يخص بها شخصي وفلتات احسان
لبست له درعا من الصبر ضافيا * به أتقى من طارق الحدثان
ولست بميال إلى نيل رغبة * من الخلق تدعوني لفرط ليان
أحب أخا علم بخيل بوقته * يرى عمره وقفا لعلم وعرفان
ولا صافحت كفي على ثقة به * أخا باطل كلا ولا الحق أدناني
إذا شمت برقا للمطامع لامعا * لويت بجيدي عنه غامض أجفاني
أذود عن الورد الذميم ركائبي * واختار ان أبقى بغلة ظمآن
ولست بذي عتب على الدهر ان جنى * ولا أنا من تأمينه بأمان
ولا قابض كفي على فضلة بها * أفاخر فيها جل صحبي وإخواني
يروق لنفسي أن أصون ملاكها * إذا رخصت نفس على نفس انسان
واقتاد آمالي لكل كريمة * وأثنى لها عزمي وفضل عناني
وما كنت في درك الأمور مقصرا * إذا ضل فيها القاصر المتواني
بديع خيالي يستشف حقائقا * شوارد عن ذي دقة وبيان
ولولا الذي عاب القريض لمثله * لكان رفيعا عن مجارات حسان
وما الشعر عندي غير نفثة واجد * يترجمها عما أجن لساني
يخف عناء الروح منها وربما * جرت حكمة تبقى مدى الدوران
رأيت أخا الدنيا يحوم لبلغة * يعاني بها ذلا وطول هوان
ويجري لها في الأرض شرقا ومغربا * فطورا على ظن وطورا بايقان
ولو خول الأرض العريضة ما اكتفى * وظل طموحا يبتغي نيل كيوان
يضن بما تحوي يداه وربما * يجود به غير بر واحسان
ويستجلب الاطراء فيه وهمه * زيادة جمع المال في العالم الفاني
السلطان علي كاركيا ابن السلطان محمد بن ناصر بن محمد المشهور بمير
سيد بن مهدي بن اميركيا الحسيني العلوي سلطان كيلان. وباقي النسب
في أحمد بن حسن بن أحمد بن محمد بن مهدي.
ولد يوم الجمعة سنة ٨٤٧ في رايكو وقتل سنة ٩١٠ ولم يعقب. تولى
السلطنة في كيلان بعد أبيه.
قال في مجالس المؤمنين: كان في غاية الفضل والتقى والعدل وكان
العلماء والسادات في سعة بسبب عطاياه الجزيلة وكان الشاة إسماعيل
الصفوي مؤيدا ومخلصا له وفي سنة ٩١٠ خالفه أخوه السلطان حسين
كاركيا ابن السلطان محمد كاركيا في نواحي ديلمان فقتل السلطان عليا أمير
أمرائه فريدون كيا على شاطئ نهر ديلمان وكان السلطان علي فوض إليه
أمر السلطنة واعتزل واشتغل بالعبادة فاستقل أخوه السلطان حسين
بالسلطنة.
الشيخ آقا علي أكبر ابن آقا محمد تقي ابن آقا محمد جعفر ابن آقا محمد علي
ابن الوحيد البهبهاني وباقي النسب قد ذكر في آقا محمد علي.
كان من العلماء والحكماء المتألهين رئيسا محبوبا، حتى أن المتخالفين في
المشروطة والاستبداد جعلوا بيته حرما آمنا.
رحل إلى زيارة قبر الحسين ع فأدركه الاجل في كربلاء،
في العاشر من ربيع الثاني سنة ١٣٣٠ ودفن في حجرة من حجرات الصحن
الشريف. له من المؤلفات مسائل متفرقة جلها في الحكمة الإلهية.
(٣٢٧)

القاضي أبو الحسن علي بن محمد بن يوسف.
ذكره بحر العلوم في رجاله من مشائخ النجاشي صاحب الرجال فقال
ومنهم القاضي أبو الحسن علي بن محمد بن يوسف روى عنه في ترجمة
محمد بن إبراهيم الامام وقال أخبرنا بسر من رأى وحكى عن شيخه
الحسين بن عبد الله عنه مدحا لمحمد بن مسعود العياشي.
الشيخ زين الدين أبو الحسن علي بن محمد الرازي المتكلم.
جاء في مجموعة الجباعي:
أستاذ علماء الطائفة في زمانه وله نظم رائق في مدايح آل الرسول
ع ومناظرات مشهورة وله مسائل في المعدوم والأحوال
وكتاب الواضح ودقائق الحقائق.
علي بن محمد بن عمار البرقي.
ذكره ابن شهرآشوب في معالم العلماء في شعراء أهل البيت المجاهرين
وقال حرقوا ديوانه وقطعوا لسانه، وأورد له في المناقب هذه الأبيات:
ومن وحد الله من قبلهم * ومن كان صام وصلى صبيا
وزكى بخاتمه في الصلاة * ولم يك طرفه عين عصيا
لقد فاز من كان مولى لهم * وقد نال خيرا وحظا سنيا
وخاب الذي قد يعاديهم * ومن كان في دينه ناصبيا
علي بن محمد بن عبد الله بن حسن بن علي بن أبي طالب ع.
من شعره قوله:
عسى منهل يصفو فتروى ظمية * أطال ظماها المنهل المتكدر
عسى جابر العظم الكسير بلطفه * سيرتاح للعظم الكسير فيجبر
عسى صورا أمسى لها الجور كاسفا * سيبعثها عدل يجئ فتظهر
الشيخ علي بن محمد اللويزاني المعروف بابن دغيم.
له مجموعة ينقل فيها عن كتاب علي بن محمد بن شاكر المؤدب الذي
صنفه سنة ٤٥٢، وفي الرياض ينقل عن المجموعة معبرا عنها بكتاب
المجموع والظاهر أنه عاملي من اللويزة في لبنان كما هو المعروف في جبل
عامل في النسبة إليها
السيد علي بن محمد بن ثابت بن ناصر بن إبراهيم المعروف بكمونة النجفي
أصلا الطهراني مولدا البروجردي منشأ ومسكنا النجفي مدفنا.
توفي في بروجرد سنة ١٢٩٩ وأوصى إلى ولده السيد عبد الحسين وهو
في النجف لطلب العلم بحمل جنازته إلى النجف فمضى إلى بروجرد
وحملها إلى النجف ودفنها في وادي السلام وصلى عليها الشيخ محمد حسين
الكاظمي.
كان شهما جليلا عالما فاضلا ورعا زاهدا وكان أبوه السيد محمد رجلا
دينا محتاطا مواظبا على العبادات لا يدخل في شئ من أمور الدنيا. زوجه
أبوه السيد ثابت امرأة طهرانية زمن مسافرة الشيخ جعفر صاحب كشف
الغطاء إليها وكان العاقد ولده الشيخ موسى ابن الشيخ جعفر وأصر الشيخ
جعفر على السيد ثابت بالرجوع إلى النجف فاعتذر بكثرة الديون فولدت له
صاحب الترجمة وأخوين له توفي أبوهم وهم صغار وكفلتهم أمهم فمات
أخوه السيد حسين في طهران وبقي هو وأخوه السيد حسن فانتقلت بهما أمهما
من طهران لزيارة العتبات لما وصلوا بروجرد أعجبتهم وأكرمهم الآخوند
ملا زين العابدين الكلبايكاني البروجردي فمكثوا هناك وتزوج المترجم
وأخوه فيها واشتغل بتحصيل العلوم وكان للمترجم معرفة بكثير من العلوم
الرياضية قرأها على السيد حسين صاحب منظومة الرجال المسماة بنخبة
المقال كما قرأ عليه في الفقه والأصول إلى أن توفي السيد وقرأ على الملا محسن
بن الملا محمد رضا احمد تلاميذ صاحب القوانين.
السيد الشريف النسابة نجم الدين أبو الحسن علي بن أبي الغنائم محمد بن
علي العلوي العمري من ولد عمر بن علي المعروف بالصوفي.
له كتاب العيون.
علي بن محمد بن عبد الله البحراني.
من معاصري صاحب الرياض ويحتمل كونه الشيخ علي ابن الحاج
محمد البحراني المجاز من الشيخ سليمان بن عبد الله الماحوزي أثنى عليه
فيها. له كتاب في الفقه استدلالي كبير مبسوط.
الشيخ علي زيني ابن الشيخ محمد حسين ابن الشيخ زين العابدين
العاملي.
كان أمهر أهل عصره في نظم الموال وله في ذلك أشياء سائرة يتغنى بها
مثل الذي أوله:
ظليت أحوم أعلى أشوفك بس أروحن ورد
ومثل ما أوله:
من يوم فرقاك جسيمي من اصدودك عود * هيهات عنك يسليني مدام وعود
قال في الطليعة: كان أديبا فاضلا في العلوم النقلية والعقلية جماعة
للكتب، سكن الكاظمية مدة ثم سكن في النجف وحضر على بحر العلوم،
وفي المواليا له القدح المعلى.
وفي الطليعة أيضا * وصفه بالتميمي
وانه جد الشيخ صالح التميمي والظاهر أنه اشتباه لأنا وجدنا وصفه بالعاملي
في مجموعة كتبت في عصر السيد بحر العلوم، ولما أمر بحر العلوم الشيخ
محمد رضا النحوي بتخميس البردة سنة ١٢٠١ فخمسها وقرضت تخميسه
شعراء ذلك العصر كان ممن فرضه وأرخه صاحب الترجمة بهذه الأبيات
وذهب آخرها من النسخة المنقول عنها وفيه التاريخ وهذا ما وجد منها:
ألحان داود أم ضرب النواقيس * أم روح أرواح جنات الفراديس
أم ابن احمد مولانا محمد الر * ضا جلا كالدراري عقد تخميس
أحيا به الفضل إذ لم يبق منه سوى * ذماء منقطع الآمال مأيوس
تبارك الله هذا ما ينافس في * أمثاله القوم لا بعض الوساويس
وقد تنمرت إذ لم ترض ما صنعوا * لها تنمر ليث الخيس في الخيس
سهم أصبت به القرطاس دونهم * وسهمهم منه تسويد القراطيس
ومن شعره قوله يرثي الآقا محمد باقر البهبهاني ويعزي عنه السيد
الطباطبائي:
(٣٢٨)

أرائد العلم مات اليوم باقره * وغاض من بحره الفياض زاخره
لله ماض أنار الله مرقده * جد لغير التقى ما ارتاح خاطره
قد شاء واختار رضوان الاله له * جوار مولى به يحظى مجاورة
مضى حميدا وقد أبقى لنا خلفا * محمدا من به تحيا ماثره
من فاز كهلا بنيل المكرمات ومن * شدت لكسب الثنا طفلا مازره
نجم أضاء به نهج الهدى وزها * من بعد شمس الهدى للخلق زاهره
من شد من أزره رب البرية من * عبد الحسين الأخ الميمون طائره
والسيد السند المولى العلي أخا ال‍ * فضل الجلي الذي جمت مفاخره
من في اكتساب المعالي هم همته * ولم يزل طامحا للمجد ناظره
ملاذنا من زكت غرسا أرومته * فرع الرسالة من طابت عناصره
أنى يضعضع ركن الدين مصرعه * حاشاه والخلف المهدي عامره
أدامه الله للاسلام معتمدا * يحمى به الثغر حيث الله ناصره
وأرشد الله فيه الخلق مستندا * للحق ثابتة فيه أواصره
لا حي يبقى فقم كيما نؤرخه * أرائد العلم مات اليوم باقره
وله في السيد مهدي بحر العلوم الطباطبائي مدائح كثيرة يظهر من
بعضها انه كان يعتقد أن عنده كتاب الجفر والجماعة وكرر في شعره طلب
كتاب الجماعة منه، ونظن ان ذلك من التخيلات الوهمية وفعالات أهل
ذلك العصر في اعتقادهم في السيد الطباطبائي، وكتاب الجفر والجماعة لا
يوجد عنده ولا عند غيره.
فمن شعر المترجم قوله يمدح السيد مهدي ويطلب منه كتاب
الجماعة:
يا سيدا أسياف أسلافه * لشوكة الترك غدت قامعه
ومن هو المهدي أنوار أسرار * الهدى في وجهه لامعه
إليك يشكو الهم ذو همة * ضالعة دون المدى خامعه
أسير بلوى رغبة لم تصخ * للنصح منها أذن سامعه
أضحت بعلم الحرف آماله * منوطة في سره طامعه
جن بعلم الجفر يا سيدي * فأدرك المجنون بالجامعة
وقال يمدحه ويطلب منه كتاب الجماعة أيضا بهذا الدو بيت:
مولاي ترى الرغبة والامر عجاب * في جامعة الجفر من العبد صواب
فابسط أمل الراغب في بذلكها * مستحصلة تنطق بالشكر جواب
وقال يمدحه أيضا ويطلب منه كتاب أنوار الربيع:
مولاي يا ابن السادة الغر الآلي * فرض من الله لهم عقد الولاء
المصطفى والمرتضى وفاطم * والمجتبى والسبط ظامي كربلاء
والعابد السجاد والباقر للعلم * والصادق في القول تلا
والكاظم الغيظ وتاليه الرضا * ثم الجواد وابنه هادي الملا
والعسكري وابنه خاتمهم * قائمهم فينا بأمر ذي العلا
صلى عليهم من لهم على الورى * أوجب فرض الود مذ قالوا بلى
وخص علياك بقربى رحم * منهم وناهيك به فخرا علاء
كنت وعدت المخلص الجاني بأنوار * الربيع قبل في عصر خلا
والوعد دين أنت أولى مقتدى * فيه بقول الله ان الله لا
ولي هموم رغبة مجموعة * فيه وأنت للمهم ابن جلا
وان تكن نسيت يا انسان عين * الدهر ما وعدت فيه أولا
فهذه تذكرة نافعة * والله ذكر في الكتاب أنزلا
هذا حديثي ولك الامر ولا * زلت لمن أصفى الوداد موئلا
ودمت ما أسفر وجه أمل * أمل جدواك وما تهللا
وقال يمدحه أيضا ويستنجزه كتاب أنوار اربيع:
إليك ابن البتول الطهر أشكو * هموما أشرقتني بالدموع
أرى الاجمال فيها فاعف عني * عن التفصيل يا حسن الصنيع
وأعظمها انفرادي ليس ترضى * مراجعتي ولا يجدي رجوعي
أضعت حقوق اخوان أضاعوا * حقوقي فاعتزلت عن الجميع
فصار لي الكتاب خليص أنس * أروض به الفؤاد عن النزوع
فجد يا روض من وافاك راج * على الجاني فأنوار الربيع
وله يرثي السيد محمد ابن السيد مهدي بحر العلوم الطباطبائي وقد
توفي في حياة والده ويعزي والده عنه:
لك البقاء هي الدنيا قضى الباري * ان الردى في بنيها حكمه جاري
لا حرز يمنع من ريب المنون ولا * عدوى عليها لمستعد بانصار
يبني امرؤ يرتجي منها الوفا طمعا * على شفا جرف من غدرها هار
لم يحترم صرفها من كان محترما * ولا رعت شأن ذي شأن ومقدار
أم من راعت لمزايا فضله خطرا * ولم يرع من دواهيها باخطار
وان في المصطفى طه وعترته * خير الأسى للمصاب العارف الداري
لم ترع حرمته حتى قضى وشجت * قلب الوصي به ذي اللبدة الضاري
وبالوصي دهت سبطيه مبكية * عينيهما بغزير الدمع مدرار
ولوعت بالأسى وجدا على الحسن * الزاكي فؤاد الغريب النازح الدار
وبالحسين شجت قلب العليل أخي * الحزن الطويل علي حجة الباري
وأضرمت بفؤاد الباقر بن علي بعده * نار وجد في الحشا واري
وكادت الصادق القيل الأمين به * والكاظم الغيظ فيه كيد غوار
قضت فجارت وما بالعسكري رعت * شأن الأبي الغيور الآخذ الثار
وان فيك لنا من بعده خلفا * به لدين الهدى تجديد آثار
وان فيك إذا اشتقنا شمائله * هديا بهدي وأطوارا بأطوار
فدمت حتى ترى أيام دورته * وكيف يطلب موتور بأوبار
وكيف يقتص ممن جاء معتديا * على البرايا بأخذ الجار بالجار
ممتعا من أياديه الجميلة في * صافي رحيق البقا من كل اكدار
في نعمة ليس يطرو في متممها * عليك طول المدى الا إلهنا طاري
ما رنح الغصن تغريد الحمام ضحى * وافتر زهر الربى من ثغر نوار
وكتب إلى صديقه عبد الباقي كاتب ديوان الإنشاء ببغداد في عهد
ولاية علي باشا كتخذا يتشوق إليه وهو في بلاد الجبل ويتوجد من فقدان
أصحاب له وهو غير عبد الباقي العمري الذي كان كاتب ديوان الإنشاء
ببغداد أيضا وأقدم منه وكان كاتبا ضليعا وشاعرا مجيدا وكانت له مع الشيخ
علي زيني والشيخ محمد رضا النحوي مكاتبة:
عهدي بك طال وقاك الواقي * للنوم نفى
والجفن حكى بدمعه المهراق * غيثا وكفى
بعد وجفا وغربة بين رعاع * أهل الجبل
الحظ مساعد به كل لكاع * خصم لعلي
شأن خضعت لقاسم الأرزاق * فيه العرفا
أعطى وكم أغفل ذا استحقاق * صبا دنفا
(٣٢٩)

بانوا سلفا لدعوة البين سراع * طوع الاجل
كانوا ومضوا وليس للحتف دفاع * مبكى المقل
اخوان صفا جرت لهم آماقي * والقلب هفا
عاشوا وسقاهم الحتوف الساقي * والرسم عفا
قد قوض من قوض من غير وداع * منهم وسلي
بانوا وغدا بعدهم المجد مضاع * والذكر بلي
يبقى خلف الصدق على الاطلاق * منهم خلفا
حسبي وكفى بقاء عبد الباقي * حسبي وكفى
الملا علي بن محمد حسين الزنجاني.
هو من علماء أواخر السلاطين الصفوية هاجر من مسقط رأسه زنجان إلى أصفهان و
إلى قزوين فتلمذ فيها على العالم المحدث المتكلم المولى خليل
بن غازي القزويني المتوطن بأصبهان شارح أصول الكافي وفروعه وعلى
السيد قوام الدين محمد الحسيني القزويني ناظم اللمعة الدمشقية وغيرها من
المتون الكثيرة العربية ورجع بعد مدة طويلة إلى زنجان واشتغل فيها ببث
العلم وترويج أحكام الدين وأقبل الناس إليه وما زال على تلك الحال حتى
ظهر الضعف والاختلال في حال الصفويين وحصلت الفوضى والانقلاب في
بلاد إيران وهجم العثمانيون على أذربايجان وما في حواليها من البلاد
وقصدوا نواحي زنجان أيضا فعاثوا فيها فسادا وتخريبا وتعرضوا للأموال
والاعراض والنفوس فخرج المترجم من مدينة زنجان مع جمع بقصد الدفاع
فقتل في إحدى قرى زنجان تعرف باسم قمجقاي في سنة ١١٢٦ ودفن
هناك.
ولما بلغ نعيه إلى سمع أستاذه السيد قوام الدين أنشأ أبياتا في تاريخ
وفاته بالفارسية وهي:
مولوي ملا علي ميرزا كمه بود * در طريق معرفة صاحب رشاد
علم را چون أبا عمل مقرون نمود * كرد در رآه خدا عزم جهاد
بود در جنگ عدو ثابت قدم * تا براه حق روان أبا صدق داد
خانه أنشأ بتاريخش نوشت * أبا شهيد كربلاء محشور باد
وله بعض منظومات في علوم المنطق والكلام والإلهيات منها نظم
مقدمة العلامة المعروفة بالباب الحادي عشر ومنها نظم تهذيب المنطق
للتفتازاني وغيرهما.
شرف الدين أبو القاسم علي ابن الوزير مؤيد الدين أبي طالب محمد بن أحمد
بن علي بن محمد العلقمي القمي.
كان أبوه وزيرا للمستعصم آخر ملوك بني العباس وفي رياض العلماء
الظاهر أن المترجم كان تلميذ المحقق والظاهر أن أباه أيضا كان تلميذ
المحقق قال وشرف الدين أبو القاسم هو الفاضل الكامل الامامي الفقيه
المجتهد وهو داخل في إجازات العلماء. والنهر المعروف بنهر العلقمي
بالكوفة هو لاحد أجدادهم اه.
السيد علي آغا ابن السيد ميرزا محمد حسن الحسني الشيرازي النجفي نزيل
سامراء.
ولد في النجف الأشرف سنة ١٢٨٧ وتوفي سنة ١٣٥٥.
هاجر به والده من النجف إلى سامراء سنة ١٢٩١ وهو ابن أربع سنين
فتربى فيها بين العلماء والمجتهدين أحسن تربية وحاز في العلم درجة
عالية إلى أخلاق تزري بالرياض وطبع أرق من النسيم. وقال فيه السيد
محمد الأصفهاني انه تربى في حجر خمسين مجتهدا قرأ على والده وعلى غيره
وهو مقيم في النجف مقلد معدود في الرعيل الأول. زارنا في النجف سنة
١٣٥٢ وزرناه في داره العامرة وأعجبنا بصفاته الحميدة.
الشيخ علي شبيب ابن الشيخ محمد ابن الشيخ شبيب.
من أعلام هذه الأسرة ولعله من أكثرهم تحصيلا تخرج في النجف
ومهر في العربية وله فيها تاليف وتعاليق ثم تفقه بجماعة أشهرهم الفقيه
الشيخ محمد حسين الكاظمي المتوفي سنة ١٢٩٣ ولو مد له في أجله لكان
من الفقهاء المعدودين ولكنه توفي في حياة أستاذه سنة ١٢٩٣ في الوباء.
علي بن محمد بن علي الخزاز القمي أو الرازي.
الفقيه له كفاية النصوص على الأئمة الاثني عشر والايضاح في الكلام
والأمالي في الظاهر وغير ذلك.
الشيخ علي ابن الشيخ محمد الشاهرودي.
توفي في ٢٠ ربيع الثاني سنة ١٣٥١.
الشاهرودي نسبة إلى شاهرود من قصبات إيران الواقعة في طريق
المشهد الرضوي. كان عالما جليلا فقيها زاهدا متعبدا حسن الأخلاق خرج
إلى طهران عاصمة إيران في طلب العلم بقي هناك خمس سنين ثم هاجر إلى
العراق وبقي في النجف الأشرف مكبا على البحث والتدريس. وكان ملازما
حوزة درس الشيخ كاظم الخراساني ومبرزا في أصحابه وبعد وفاة المرحوم
الخراساني سافر إلى كربلاء للزيارة ثم استمر مقيما فيها وشرع في التدريس
فاجتمع حوله جمع من أفاضل طلبة العلم وطالت اقامته في كربلاء خمس
عشرة سنة إلى أن مرض فسافر إلى الكاظمية للمعالجة فتوفي فيها وكان له
من العمر ثلاث وستون سنة ودفن في النجف. له تعليقة على العروة
الوثقى. ورسالة فارسية عملية مطبوعة.
أبو الحسن سديد الملك علي بن مخلص الدولة بن المقلد بن نصر بن منقذ
صاحب قلعة شيرز.
توفي سنة ٤٧٥.
كان فاضلا كريما مقصودا أديبا شاعرا ومن شعره:
سلام على أهل الكساء هداتي * ومن طاب محيائي بهم ومماتي
بني البيت والركن المخلق من منى * بني النسك والتقديس والصلوات
بني الرشد والتوحيد والصدق والهدى * بني البر والمعروف والصدقات
محص الرحمن عظم جرائمي * وضاعف لي في حبهم حسناتي
محبتهم لي حجة وولاهم * ألاقي به الرحمن عند وفاتي
الشيخ علي بن محمد بن علي بن الحسين بن عبد الصمد التميمي.
من أسباط الشيخ أبي الحسن علي بن عبد الصمد النيسابوري الذي
كان ولداه علي ومحمد من مشائخ ابن شهرآشوب. له كتاب منية الداعي
وغنية المراعي كما ذكره السيد ابن طاوس في أمان الاخطار.
الحاج شيخ علي محمد النجف آبادي الأصفهاني.
توفي في النجف في هذا العصر.
(٣٣٠)

وقف كتبه على المكتبة الحسينية في النجف ووقف داره في النجف على
مصالح المكتبة المذكورة.
الشيخ علي بن محمد بن شرفة الواسطي.
له كتاب لب اللباب في مناقب أبي تراب.
أبو الحسن علي بن محمد بن الزبير القرشي الكوفي.
توفي ببغداد سنة ٣٤٨ وقد ناهز مائة سنة ودفن في مشهد أمير المؤمنين
ع. قاله الشيخ في رجاله. وذكره الشيخ في رجاله فيمن لم يرو
عنهم ع، وقال روى عن علي بن الحسن بن فضال جميع كتبه
وروى أكثر الأصول، وروى عنه التلعكبري أخبرنا عنه أحمد بن عبدون
وقال النجاشي في ترجمة أبان بن تغلب: أخبرنا أحمد بن عبد الواحد حدثنا
علي بن محمد القرشي سنة ٣٤٨ وفيها مات حدثنا علي بن الحسن بن فضال
الخ وقال في ترجمة أحمد بن عبد الواحد وكان قد لقي أبا الحسن علي بن
محمد القرشي المعروف بابن الزبير وكان علوا في الوقت اه وفي
التعليقة: الأقرب رجوع ضمير كان إلى علي بن محمد، والعلو بالمهملة على
ما في النسخ الظاهر أن المراد به علو الشأن. واكثار رواية ابن عبدون عنه
قرينة ظاهرة وفي بكار بن أحمد انه من ولد أسد بن عبد العزى بن قصي
رهط خديجة بنت خويلد اه وقال المجلسي في الوجيزة انه كان من
مشايخ الإجازة يروي الشيخ عنه أكثر الأصول بتوسط أحمد بن عبدون
اه.
ويعرف عند الشيعة بابن الزبير، وهو ليس من ولد الزبير بن العوام
الصحابي.
علي بن محمد بن يعقوب بن إسحاق بن عمار الصيرفي الكسائي الكوفي
العجلي.
ذكره الشيخ وقال روي عنه التلعكبري وسمع منه سنة ٣٢٥ وله منه
اجازة وهو من نسل إسحاق بن عمار بن حيان الصيرفي، ومن آل حيان
الذين قبل فيهم ترجمة إسحاق بن عمار انهم بيت كبير من الشيعة.
ميرزا علي محمد خان الملقب نظام الدولة ابن ميرزا عبد الله خان أمين الدولة
ابن محمد حسين خان الصدر الأعظم الأصفهاني باني مدرسة الصدر بالنجف.
كان نظام الدولة مجاورا بالنجف وطلب العلم وكان من تلاميذ
صاحب الجواهر وكتب تقريرات درسه وهو مطبوع.
القاضي أبو القاسم علي بن أبي الفهم بن الحسن المعروف بالقاضي التنوخي
الكبير.
هو والد القاضي أبي علي المحسن بن أبي القاسم علي صاحب كتاب
الفرج بعد الشدة، والمترجم كان تلميذ المرتضي وهو الناقل أن كتب
المرتضى كانت ثمانين ألفا سوى ما اهدى إلى الامراء منها.
ولد بأنطاكية في ذي الحجة سنة ٢٧٨ وتوفي في ربيع الأول سنة ٣٤٢
بالبصرة ودفن بداره في المربد. وآل التنوخي من فضلاء الشيعة وأدبائها،
وأحفاد القاضي مذكورون في كتب التراجم كعلي بن المحسن وغيره. ذكره
ابن شهرآشوب في معالم العلماء في شعراء أهل البيت المجاهرين.
كان قاضيا في البصرة والأهواز، ورد على سيف الدولة فأكرمه وكتب
له إلى الخليفة ببغداد وكان عالما فاضلا مشاركا في العلوم حفظة يحفظ
للطائيين سبعمائة قصيدة ويذاكر بعشرين ألف حديث وكان أديبا شاعرا،
وله أشعار في مناقب أمير المؤمنين ع. قال صاحب الرياض:
رأيت له في ذلك بخط محمد بن علي الجباعي جد البهائي.
شعره
قال:
وراح من الشمس مخلوقة * بدت لك في قدح من نهار
إذا ما تأملتها وهي فيه * تأملت نورا محيطا بنار
فهذي النهاية في الابيضاض * وهذي النهاية في الاحمرار
هواء ولكنه جامد * وماء ولكنه غير جار
كان المدير لها باليمين * إذا مال للسقي أو باليسار
تدرع ثوبا من الياسمين * له فرد كم من الجلنار
وله وقد سمع قول ابن المعتز في آل علي ع:
أبى الله الا ما ترون فما لكم * غضابا على الاقدار يا آل طالب
فعمل قصيدة ونسبها إلى علوي مخافة من بني العباس، وهي كما عن
الحدائق الوردية في أئمة الزيدية لحميد الشهيد الزيدي، وعن كتاب في
تراجم علماء الزيدية مخطوط عثرنا على الجزء الثالث والرابع منه في مكتبة
السيد هبة الدين الشهرستاني وفي آخره وافق الفراع من تحريره يوم السبت
٢٠ جمادى الآخرة سنة ١١٨٠ وقد نسب فيه هذه القصيدة إلى القاضي
علي بن محمد التنوخي:
من ابن رسول الله وابن وصيه * إلى مدغل في عقدة الدين ناصب
نشأ بين طنبور وزق ومزهر * وفي حجر شاد أو على صدر ضارب
يعيب علينا خير من وطئ الحصى * وأكرم سار في الأنام وسارب
ويزري على السبطين سبطي محمد * فقل في حضيض رام نيل الكواكب
وينسب أفعال الفرامط كاذبا * إلى عترة الهادي الكرام الأطائب
إلى معشر لا يسرح الذم بينهم * ولا تزدرى اعراضهم بالمعائب
إذا ما انتدوا كانوا شموس نديهم * وان ركبوا كانوا شموس المواكب
وان سئلوا سحت سماء أكفهم * فاحيوا بميت المال ميت المطالب
وان عبسوا يوم الوغى ضحك الردى * وان ضحكوا أبكوا عيون النوائب
نسبوا بين جبريل وبين محمد * وبين علي خير ماش وراكب
وصي النبي المصطفى وصفيه * ومشبهه في شيمة وضرائب
ومن قال في يوم الغدير محمد * وقد خاف من غدر العداة النواصب
أما أنا أولي منكم بنفوسكم * فقالوا بلى قول المريب الموارب
فقال لهم من كنت مولاه منكم * فهذا أخي مولاه بعدي وصاحبي
أطيعوه طرا فهو عندي بمنزل * كهرون من موسى الكليم المخاطب
فقولوا له ان كنت من آل هاشم * فما كل نجم في السماء بثاقب
وانك ان خوفتنا منك كالذي * تخوف أسدا بالظباء الربارب
وقلت بنو حرب كسوكم عمائما * من الضرب في الهامات حمر الذوائب
صدقت منايانا السيوف وانما * تموتون فوق الفرش مثل الكواعب
أبونا القنا والمشرفية أمنا * وإخواننا جرد المذاكي الشوازب
وما للغواني والوغى فتعوضوا * بقرع المثاني عن قراع الكتائب
(٣٣١)

وقلت قتلنا عبد شمس فملكها * لنا سلب هل قاتل غير سالب
فوا عجبا من حارب صار يدعي * مواريث خير الناس ملكا لحارب
هو السلب المغصوب لا تملكونه * وهل سالب للغضب الا كعاصب
أ أنفال جدينا تحوزون دوننا * بزعمكم الأنفال يا للعجائب
وهل لطليق شركة مع مهاجر * فلا تثبوا في الدين وثب المواثب
أخو المرء دون العم يحوي ترانه * إذا قسم الميراث بين الأقارب
وأولاده في محكم الذكر ما قروا * أحق وأولى من أخيه المناسب
وقلت أبونا والد لمحمد * فأنتم بنوه دوننا في المراتب
فلا تنس فالعباس كان وجدنا * أبو طالب مثلين عند التناسب
وأدناهما من كان بالسيف دونه * يفل شبا سيف العدو المناصب
وشتان من آوى وآسى بنفسه * ومزدلف يغزوه بين المقانب
أبونا يقيه جاهدا وأبوكم * يجاهده بالمرهفات القواضب
فنحن بنو عم لنا فوق مالكم * ونحن بنوه دونكم في المناسب
دعيت عليا في الحكومة بينه * وبين ابن حرب والطغاة الأشائب
فقد حكم المبعوث يوم قريظة * ولا عيب في فعل الرسول لعائب
بنا نلتم ما نلتم من امارة * فلا تظلموا فالظلم مر العواقب
وكم مثل زيد قد أبادت سيوفكم * بلا سبب غير الظنون الكواذب
أما حمل المنصور من أرض يثرب * نجوم هدى تجلو ظلام الغياهب
لهم عند ذكر الله في الليل رنة * كرنتكم عند اسطفاف المضارب
يتوجهم ظلما إذا أظلم الدجى * بكل رقيق الحد أبيض قاضب
وقطعتم بالبغي يوم محمد * قرائن أرحام لنا وأقارب
وجرعتم تحت التراب نبيكم * بكاسات ثكل لا تطيب لشارب
قفوتم يزيدا في انتهاك حريمه * بكل معاد للإله محارب
تعدونه فتحا ولو كان احمد * لعدده من فادحات المصائب
وفي أرض باخمرى مصابيح قد ثوت * متربة الهامات حمر الترائب
يغسلها هامي السحاب إذا هما * وتكفنها أيدي الصبا الجنائب
وغادر هاديكم بفخ طوائفا * تهاداهم بالقاع بقع النواعب
فيا لسيوف قللت بمغامد * ويا لأسود صرعت بثعالب
وهارونكم أردى بغير جريرة * نجوم تقي مثل النجوم الثواقب
ومأمونكم سم الرضا بعد بيعة * تؤد ذرى شم الجبال الرواسب
فهل بعد هذا في البقية بيننا * بني عمنا والصلح رغبة راغب
كذبتم وبيت الله أو تصدر الظبا * شوارب من هاماتكم والشوارب
ولينا فولينا أباكم فخاننا * وكان بمال الله أول ذاهب
وجئتم مع الأولاد تبغون ارثه * فأبعد بمحجوب بحاجب حاجب
ويوم حنين قال حزنا فخاره * ولو كان يدري عدها في المتالب
وما واقف في حومة الحرب حائرا * وإن كان وسط الصف الا كهارب
وما شهد الهيجاء من كان حاضرا * إذا لم يطاعن قرنه ويضارب
فهلا كما لاقي الوصي مصمما * يصعب بالهندي كبش العصائب
ونحن حقنا بالفداء دماءكم * فلم تجحدونا حق تلك المواهب
وعبت بعمينا أبانا سفاهة * وكم لك من عم عن الدين ناكب
ومثل عقيل من علي وطالب * أبو لهب من بعدكم في التقارب
ونحن أسرنا عمنا وأباكم * فبات بليل مفكهر الجوانب
وقلتم أضعتم ثار زيد وكنتم * كسالى كذبتم لاهدى كل كاذب
إما ثار فيه الطالبي ابن جعفر * فدكدك ركن الملك في كل جانب
وامطر في خوز وفي أرض فارس * سحائب موت ما طرات المصائب
إلى أن رمته عاديات دعاتكم * بسهم اغتيال نافذ السهم صائب
وقلت نهضنا شاهرين شفارنا * بثارات زيد الخير عند التجارب
وما كان من حب لزيد وأهله * ولكنها تشغيبة من مشاغب
دعوتم إلينا عالمين بأنكم * مكان الذنابي من ذرى ومناكب
فهلا بإبراهيم كان شعاركم * فيرجع داعيكم بحلة خائب
بنا نلتم ما نلتم من امارة * فلا تظلموا فالظلم مر العواقب
وكنا لكم في كل حال مناهلا * عذابا إذا يوردن خضر الجوانب
فلما ملكتم كنتم بعد ذلة * اسودا علينا داميات المخالب
فقل لبني العباس عم محمد * وعم علي صنوه في المناسب
عزيز علينا ان تدب عقارب * إلى معشري الأدنى دبيب العقارب
ولكن بدأتم فانتصرت فاقصروا * فليس جزاء الذنب مثل المعاقب
وليس سواء ذم سيدة النساء * وسب رماد بالصفا والأخاشب
وقد قال أصحاب النبي محمد * له قد هجانا مشركو آل غالب
فقال لهم قولوا كمثل مقالهم * فما مبتد في الهجر مثل المجاوب
فهذا جواب للذي قال ما لكم * غضابا على الاقدار يا آل طالب
قال صاحب كتاب تراجم الزيدية بعد ذكر القصيدة ولم أرها
مستكملة الا في قليل من الكتب وسبب ذلك ما وقع من القاضي من
التعريض بالعباس وابنه عالم الأمة فمقامهما جليل غير أن البداية اشتملت
فيما احسب على ما ألجا القاضي إلى ما قال اه وقوله زيد الخير هو زيد
ابن الحسين قتله بنو أمية فادعى ابن المعتز ان آباءه أخذوا بثاره، فناقضه
بقوله: فهلا بإبراهيم وهو إبراهيم بن عبد الله بن الحسن المحض ابن
الحسن السبط ع قتله المنصور بباخمرى وهو موضع يبعد عن
الكوفة ستة عشر فرسخا:
وله:
غنت قيان الطير في ارجائها * هزجا يقل له الثقيل الأول
وتعانقت تلك الغصون فأذكرت * يوم الوداع وغيرهم يترجل
ربع الربيع بها فحاكت كفه * حللا بها عقد الهوم تحلل
فمدبج وموشح ومحبر * ومدمر ومقمر ومهلل
فتخال ذا عينا وذا ثغرا وذا * خدا يعضض تارة ويقبل
وله:
ورياض حاكت لهن الثريا * حللا كان غزلها للرعود
نثر الغيث در دمع عليها * فتحلت مثل در العقود
أ قحوان معانق لشقيق * كثغور تعض ورد الخدود
وعيون من نرجس تترآى * كعيون موصولة التسهيد
وكان الشقيق حين تبدأ * ظلمة الصدع في خدود الغيد
وكان الندى عليها دموع * من جفون مفجوعة بفقيد
وله:
أ ما ترى البرد قد وافت عساكره * وعسكر الحر كيف انصاع منطلقا
فالأرض تحت ضريب الثلج تحسبها * قد البست حبكا أو عشبت ورقا
وله يصف نهر دجلة:
عذب إذا ما عب فيه ناهل * فكانه في ريق حب ينهل
متسلسل وكانه لصفائه * دمع بخدي كاعب يتسلسل
(٣٣٢)

وإذا الرياح جرين فوق متونه * فكانه درع جلاها صيقل
وكان دجلة إذ تغطمط موجها * ملك يعظم خيفة ويبجل
عذبت فما ندري أ ماء ماؤها * عند المذاقة أم رحيق سلسل
ولها بمد بعد جزر ذاهب * جيشان يدبر ذا وهذا يقبل
وله:
وافى كتابك مثلما * وافى ليعقوب البشير
وكأنما الاقبال جاء * أو الشفاء أو النشور
وكأنما شرخ الشباب * وعيشه الغض النضير
وافى وعير الليل وا * قفة الركاب فما تسير
وأضاء لي من كل فج * منه فجر مستطير
ورأيت أفلاك السرور * بكل ما أهوى تدور
خط وقرطاس كأنهما * السوالف والشعور
فكانه ليل يموج * خلاله صبح منير
وبدائع تدعو القلوب * تكاد من طرب تطير
وله:
وكان السماء خيمة وشي * وكأنما الجوزاء فيها شراع
وكان النجوم بين دجاها * سنن لاح بينهن ابتداع
مشرقات كأنه حجاج * تقطع الخصم والظلام انقطاع
وله:
وصالي شباب لا يليه مشيب * وسخطك داء ليس فيه طبيب
كأنك من كل القلوب مركب * فأنت إلى كل النفوس حبيب
وقال في شيخ خرج يستسقي:
خرجنا لنستسقي بيمن دعائه * وقد كاد هدب الغيم أن يلحق الأرضا
فلما ابتدى يدعو تكشفت السما * فما تم الا والغمام قد انقضا
القاضي أبو القاسم علي بن محمد التنوخي.
في الرياض: اسمه علي بن القاضي أبي علي المحسن صاحب
كتاب الفرج بعد الشدة ابن القاضي أبي القاسم علي بن محمد بن أبي
الفهم داود بن إبراهيم بن تميم القحطاني التنوخي ويعرف بالقاضي
التنوخي. كان تلميذ المرتضى، عده ابن شهرآشوب في المعالم من شعراء
أهل البيت المجاهرين. والانتساب إلى الجد الاعلى شائع، ويحتمل ان يكون
المراد منه جده، أعني القاضي أبي القاسم علي بن محمد وهو أقرب لفظا
والأول أقرب معي، لأن سبطه مجزوم بتشيعه بخلاف جده. وفي موضع
آخر من الرياض: صاحب السيد المرتضى وتلميذه وقد يطلق على جده
القاضي أبي القاسم علي ابن محمد، والأكثر على أن السبط كان من الامامية
و لذلك أوردناه في القسم الأول، لكن العلامة قد عده في أواخر اجازته
لأولاد ابن زهرة من علماء العامة ومن مشائخ الشيخ الطوسي.
ثم قال في الرياض: من غريب ما وقع للقاضي نور الله انه ظن أن
الذي كان صاحبا للمرتضى وبقي إلى ما بعد زمانه هو جد هذا القاضي
أعني القاضي أبا القاسم علي بن محمد بن أبي الفهم التنوخي، قال وكانت
ولادته بأنطاكية سنة ثمان وسبعين ومائتين ووفاته سنة اثنين وأربعمائة ولا
يخفى ان هذا وهم في وهم على وهم مع وهم إما أولا فلأن الذي كان
صاحب السيد هو سبطه أعني هذا القاضي والشبهة نشأت من اشتراكهما في
الاسم والكنية واللقب واما ثانيا فلأن وفاة المرتضى كانت سنة ست وثلاثين
وأربعمائة والقاضي التنوخي الذي كان صاحب المرتضى قد بقي بعده وهو
الناقل لبعض أحوال المرتضى بعد وفاته فكيف يتصور أن تكون وفاة هذا
القاضي سنة اثنين وأربعمائة، وأما ثالثا فلأن عمر القاضي التنوخي على
هذا يكون مائة وأربعا وعشرين سنة مع قطع النظر عن بقائه بعد المرتضى
ولم ينقل أحد ان واحدا منهم كان من المعمرين، وأما رابعا فلأن صاحب
الجواهر المضيئة وغيره صرحوا بان وفاة القاضي أبي القاسم علي بن محمد
ابن أبي الفهم كانت بالبصرة سنة اثنين وأربعين وثلاثمائة.
السيد علي الغزنوي بن محمد بن أبي زيد الحسيني العلوي وباقي نسبه في
أحمد بن حسن بن أحمد بن محمد بن مهدي كاركيا.
كان عالما فاضلا ولقب بالغزنوي على ما في مجالس المؤمنين لأنه قرأ في
مدرسة مولانا عبد الوهاب الغزنوي.
الشيخ نجيب الدين علي بن الشيخ شمس الدين محمد بن مكي بن
عيسى بن حسن بن جمال الدين عيسى الشامي العاملي الجبيلي ثم الجبعي.
كان حيا سنة ١٠٤١ الجبيلي نسبة إلى جبيل بلفظ تصغير بلد في
جبل لبنان ويحتمل أن يكون نسبة إلى بنت جبيل بلد في جبل عامل من باب
النسبة إلى أحد جزئي المركب والظاهر الأول.
أقوال العلماء فيه
في السلافة: الشيخ نجيب الدين علي بن محمد بن مكي الشامي
العاملي نجيب اعرق فضله وأنجب، وكماله في العلم معجب وأدبه أعجب
سقى روض آدابه صيب البيان فجنت منه أزهار الكلام أسماع الأعيان فهو
للإحسان داع ومجيب وليس ذلك بعجيب من نجيب وله مؤلفات أبان فيها
عن طول باعه واقتفائه لآثار الفضل واتباعه، وكان قد ساح في الأرض
وطوى منها الطول والعرض فدخل الحجاز واليمن والهند والعجم والعراق
ونظم في ذلك رحلة أودعها من بديع نظمه ما رق وراق وقد حذا فيها حذو
الصادح والباغم ورد حاسد فضله بحسن بيانها وهو راغم وقفت عليها
فرأيت الحسن عليها موقوفا واجتليت محاسن ألفاظها ومعانيها أنواعا وصنوفا
واصطفيت منها لهذا الكتاب ما هو أرق من لطيف العتاب اه ثم ذكر
منها قصيدة ومقطعات سنذكر ما نختاره منها عند ذكر شعره وقوله حذا
فيها حذو الصادح والباغم اي في الحكم والمواعظ لا في كل شئ فالصادح
والباغم هو عن لسان الحيوانات والرحلة المذكورة ليس فيها شئ عن لسان
الحيوانات كما ستعرف.
وفي أمل الآمل: علي بن محمد بن مكي العاملي الجبيلي ثم الجبعي
كان عالما فاضلا فقيها محدثا متكلما شاعرا أديبا منشئا جليل القدر قرأ على
الشيخ حسن والسيد محمد والشيخ بهاء الدين وغيرهم، له شرح الرسالة
الاثني عشرية للشيخ حسن وجمع ديوان الشيخ حسن وله رحلة منظومة
لطيفة نحو ٢٥٠٠ بيت وله رسالة في حساب الخطاين وله شعر جيد، رأيته
في أوائل سني قبل البلوغ ولم أقرأ عنده، يروي عن أبيه عن جده عن
الشهيد الثاني، ويروي عن مشايخه المذكورين وغيرهم وكان حسن الخط
والحفظ وله اجازة لولده ولجميع معاصريه اه وفي رياض العلماء:
الشيخ نجيب الدين علي ابن الشيخ شمس الدين محمد بن مكي بن
(٣٣٣)

عيسى بن حسن بن جمال الدين عيسى الشامي العاملي الجبيلي ثم الجبعي
قد كان من أكابر علماء عصره وله شرح ممزوج بالمتن على الرسالة الاثني
عشرية الصلاتية للشيخ حسن ابن الشهيد الثاني وهو شرح لطيف وما
أوردناه من نسبه هو الذي ذكره نفسه في أول ذلك الشرح ولكن قال في آخر
ذلك الشرح هكذا: نجيب الدين علي بن محمد بن مكي بن حسن بن جمال
الدين بن عيسى الجبيلي العاملي. ثم قال في الرياض ولا يخفى ان هذا
الشيخ قد يعرف مرة بالشيخ نجيب الدين بن محمد بن مكي العاملي الجبيلي
ومرة بعنوان الشيخ نجيب الدين بن محمد بن مكي بن عيسى بن الحسن
العاملي ولا شك في اتحاد الكل اه وللشهيد الأول ولد اسمه ضياء
الدين علي بن محمد بن مكي موافق للمترجم في الاسم واسم الأب والجد
والنسبة بالعاملي مخالف له في غير ذلك.
مشايخه
قد علم مما مر أن له مشايخ في القراءة والرواية وهم ١ الشيخ
حسن صاحب المعالم ٢ السيد محمد صاحب المدارك ٣ الشيخ البهائي
محمد بن الحسين. وهؤلاء مشايخه في القراءة والرواية أيضا ٤ من مشايخه
في الرواية أبوه، في الرياض هذا الشيخ يروي عن أبيه عن جده عن الشيخ
إبراهيم الميسي عن والده الشيخ علي بن عبد العالي الميسي، وتارة يروي
الشيخ نجيب الدين هذا عن والده عن جده لامه الشيخ محيي الدين الميسي
عن الشيخ علي بن عبد العالي الميسي، وتارة عن أبيه السيد نور الدين عبد
الحميد الكري عن الشهيد الثاني.
تلاميذه
١ ولده الشيخ محمد بن نجيب الدين علي الآتي ترجمته في بابها فإنه
يروي عنه بالإجازة كما مر عن الأمل ان له اجازة لولده ولجميع معاصريه
٢ السيد حسين المفتي بأصبهان، في الرياض يروي عن الشيخ نجيب
الدين هذا جماعة منهم السيد حسين المذكور ٣ الشيخ أبو عبد الله
الحسين بن الحسن بن يوسف ظهير الدين العاملي، في الرياض يروي عن
هذا الشيخ كما يظهر من آخر وسائل الشيعة الشيخ أبو عبد الله المذكور
وبتوسطه يروي عنه صاحب الوسائل اه.
مؤلفاته
يفهم مما مر أن له من المؤلفات، ١ شرح اثنا عشرية صاحب
المعالم تاريخ تاليفه سنة ١٠٣٨ من الهجرة، وقال في أوله انه ليس لتلك
الرسالة شرح سوى حاشية للشيخ البهائي على بعض مواضعه، ثم قال في
الرياض لكن شرحه بعده الامام شرف الدين علي الشولستاني اه وقال
المعاصر في الذريعة عليه شروح كثيرة وعد منها سبعة أحدها شرح المترجم
٢ جمع ديوان صاحب المعالم ٣ رسالة في حساب الخطائين ٤ رحلته
المنظومة التي مر انها نحو ألفين وخمسمائة ٢٥٠٠ بيت وهذه الرحلة كانت
ضائعة في جملة ما ضاع من نفائس الآثار لعلماء جبل عامل إلى أن قيض الله
لها أن وقعت في يدنا بعد ٢٧٠ سنة من نسخها و ٣٢١ سنة من نظمها،
وجدناها في جملة كتب مخطوطة من بقايا مكتبات جبل عامل التي سلمت من
أيدي الناهبين ولم تصل إليها يد الطامعين ممن لا أخلاق لهم من أهله في هذا
الزمان الذين يجوبون جبل عامل طولا وعرضا ويأخذون نفائس كتبه
بدريهمات يسيرة فيبيعونها على الأغيار بأثمان لم تفدهم غنى ولا أغنتهم عن
الكدية، وهذه الجملة التي أشرنا إليها قد اخنى عليها الدهر وعمل فيها
الفأر والأرضة وماء السقوف وبينها مجموعة فيها عدة كتب وهي: ارشاد
الطالبين إلى معرفة ما تشتمل عليه الكثرة في سهو المصلين تاليف محمد بن أحمد
ابن سعادة فرع منه في سنة ٨١٩ وهو بخط محمد بن محمد بن مجير
العاملي العنقاني فرع منه سنة ١٠٩٢ وشرح لغريب الفصول النصيرية لركن
الدين محمد بن علي الجرجاني للمقداد السيوري وهي بخط العنقاني أيضا فرع
من نسخه سنة ١٠٩٢ ونهج المسترشدين للعلامة الحلي والظاهر أنه بخط
العنقاني أيضا والرحلة المشار إليها وهي بخط العنقاني أيضا كتبها سنة
١٠٩٢ وتاريخ نظمها سنة ١٠٤١ فقد أرخها ناظمها بقوله في آخرها:
وجمعها تاريخه ختام فكلمة ختام تبلغ ذلك بحساب الجمل فيكون بين
نظمها ونسخ العنقاني لها ٥١ سنة. والنسخة التي وجدناها من هذه الرحلة
قد ذهب أولها وشئ من وسطها ولولا مناعة ورقها لأصبحت في خبر كان
ولولا بيت فيها يدل على أن ناظمها اسمه نجيب الدين لما اهتدينا إلى اسم
مؤلفها بسبب ذهاب أولها وقد نقل منها صاحب السلافة أبياتا يسيرة وهي
بطرز عجيب، ففيها وصف رحلة إلى الهند واليمن وبلاد الشحر وإيران
والعراق والحجاز ثم الرجوع إلى الشام وفي أثنائها مواعظ وحكم وآداب
بعناوين كثيرة ولكن الذي وجدناه من هذه الأرجوزة بقرب من ألف
وخمسمائة بيت يزيد عن ذلك قليلا أو ينقص عنه قليلا فيكون ما ذهب منها
نحو ألف بيت.
شعره
قال يرثي شيخه السيد محمد صاحب المدارك والشيخ حسن صاحب
المعالم وبلغه وفاة الثاني وهو بالعراق وكان قد بلغه خبر وفاة الأول قبل ذلك
وهو في سياحته كما أشار إليه في رحلته وذلك من جملة قصيدة منها:
هم غرة كانوا لجبهة دهرنا * ميمونة وضاحة غراء
كانت ليالينا بهم مبيضة * ولفقدهم أيامنا سوداء
جلت ماثر فضلهم وجلالهم * عن أن يحيط ببعضها أسماء
ومكارم الافعال بعض صفاتهم * لكنها في غيرهم أسماء
قبس المعالم ينتهي لزنادهم * ما زال منه القدح والايراء
ان عد ذو فضل وعلم زاخر * فهم لعمري القادة العلماء
ورثوا المكارم كابرا عن كابر * كبراء قد ولدتهم كبراء
حبران ما لهما وحقك ثالث * واعلم بان الثالث العنقاء
بحران ماؤهما فرات سائغ * وتزين ذلك رقة وصفاء
بدرا دجى أفلا وحين تواريا * تاه الدليل وضلت الخبراء
كم أوضحا معنى دقيقا غامضا * كانت عليه غشاوة وغطاء
وكم استنار بهم طريق هداية * من قبل ما برحت به ظلماء
من للمباحث بعدهم ان أشكلت * ان المباحث بعدهم أهواء
من للفتاوى بعدهم ان أعوزت * ان الفتاوى بعدهم أراء
من للتهجد والعبادة بعدهم * ان المساجد بعدهم قفراء
جرح على جرح تفيض دماؤه * هذا لعمري المحنة الطخياء
وبليت بعدهما برزء ثالث * كبدي له مقروحة حراء
بصري وسمعي والفؤاد ومنيتي * ولدي دواء مصيبتي والداء
وبقيت لا أستطيع وصف مدامعي * ولهيب ما قد ضمت الأحشاء
(٣٣٤)

وإذا ادكرت لياليا سلفت لنا * ضاقت علي برحبها الغبراء
يا رب فارحمنا فإنك قادر * تعطي الذي تختاره وتشاء
واجعل بقيتهم لنا علمي هدى * فهما لميت نفوسنا احياء
الرحلة
عدنا إلى اتمام شرح الرحلة * وما جرى فيها لنا في الجملة
معتمدين الاختصار فيها * كيلا يمل الطول ناظريها
وبعد عام في المخا ركبنا * ثامن عشر صفر ورحنا
من بعد ما وجهت بالكتاب * مخبرا بالحال للأصحاب
بكل نظم وبكل نثر * يفوق في الحسن يتيم الدر
وشرحها يفسخ ما قدمنا * في القول عن قرب وما شرطنا
لكننا لما بها حللنا * بيت الخواجا صفر استأجرنا
ليس له متسع كثير * ولم يكن فيها له نظير
في أكثر الأوقات يأتي نحونا * وقت غدانا يتغدى عندنا
وكم وكم ضيفنا ذو فاقة * ليست له فيها بنا علاقة
وكان أولى من جميع الناس * بذاك هذا مقتضى القياس
جاء وقد كنا هناك مركب * وفيه شخص عالم مهذب
له اطلاع زائد وفضل * وفطنة صحيحة وعقل
من جهة الصين يريد يمضي * لمكة والحج عنه يقضي
أخبرنا عن قصة عجيبة * عظيمة صارت لهم غريبة
صورتها ان أهالي المركب * جميعهم فيهم فساد المذهب
إذ هم بقايا النهروان سكنوا * عمان فيها استوطنوا وقطنوا
قد جلسوا وقتا من الأوقات * تفاوضوا فيما مضى ويأتي
حتى انتهوا لذكر بعض الخلفا * وما جرى فيما مضى وسفا
من بينهم شخص لعين يدعي * بأنه حبر لبيب ألمعي
فنال من سيدنا أبي الحسن * وسبه سبأ شنيعا ولعن
فأبرقت وأرعدت هناكا * رعدا خشينا معه الهلاكا
واظلم الجو وكل هربا * إلى محل حيث ظنوا العطبا
وذاك ولى هاربها على عجل * بيت الخلا يقصد خوفا ووجل
قد كان ذاك الامر في المصيف * لا في الشتا كان ولا الخريف
ثم انقضي وزال ما قد كانا * من ذلك الامر الذي دهانا
فعاد كل منهم وقعدا * ولم نجد ذاك اللعين أبدا
لم يدر منا أحد ولا اطلع * على الذي صار له وما وقع
من بعد ان تفقدت أصحابه * محله واستبطؤا إيابه
وعجل الله به للنار * من غير امهال ولا انتظار
ثم قرأ لي لهم قصيدة * تضمنت قواعد العقيدة
يحضرني بيت قبيح منها * صورته ذا ان سالت عنها
ثم ابرأوا بجهدكم من نعثل * ومن أبي موسى وعمرو وعلي
من بعد ما قرر في معاوية * بأنه شر الكلاب العاويه
فلمته في رفقة الفجار * أجابني عن ذاك باعتذار
بان فرض الحج لما وجبا * ولم أجد قط سواه مركبا
والمركب المذكور لابن عادي * وهو أمير جملة البلاد
قد بالغ المذكور بالوصية * بي لهم وهم له رعيه
ثم لنعد لوصف بعض الحال * وما لقيناه من الأهوال
فلم نزل في البحر نسري شهرا * ونصف شهر ودخلنا الشحرا
بعد بلاء وعناء وقلق * وحالة أشكل من حال الغرق
فوجهوا حين وصلنا بالخبر * إلى ابن بدر الملك المولى عمر
وعرفوه الحال بالتفصيل * عن الحقير وعن الجليل
لأنه كان نأى عن بلده * مسافرا في حرب خال ولده
فأرسل الجواب من غير مهل * يطلب قوما انا منهم بالعجل
فوجهونا نحوه فسرنا * عشرا وحادي عشر وصلنا
فادخلونا سرعة عليه * وقبلت شفاهنا يديه
بقلعة في هينن المذكورة * من حضرموت البلد المشهورة
فقال أهلا بكم وسهلا * وكاد بالاحسان ينسي الأهلا
لكثرة الافضال والإنعام * وشدة الألطاف والاكرام
وكان قد جاء كتاب لليمن * إليه من بعض سلاطين الدكن
كلامه وخطه عجيب * يعجز عن وصفهما اللبيب
في ذلك الوقت الذي أشرنا * إليه انا عنده حضرنا
وبعد يوم أحضر الكتابا * وقال بي نبغي لذا جوابا
فقلت سمعا لكم وطاعة * ثم سطرناه تلك الساعة
ملاحظا في لفظه وخطه * بكل ما يمكنني وضبطه
فجاء في الحسن على المراد * منزها عن وصمة الايراد
من بعد ان فاوض في الكلام * وما جرى في سالف الأيام
كسب مولانا علي المرتضى * من ابن هند عامدا فيما مضى
وان ذاك سبب العدوان * لجاهل شأن لأهل الشأن
وعن سوى الفقه من العلوم * ونفعه المحقق المعلوم
لا سيما في جهة الشرائع * فما نرى فيها انها من نافع
فقلت كم مسالة شرعية * مدادها القواعد النحويه
وهكذا أيضا العلوم الباقية * عن التباس الحال فيها واقيه
وبعد مثلث له كم مساله * لولا الذي أنكر كانت مشكله
فزاد لما ان وعاه في الثنا * والمدح والقول الجميل والدعاء
وبعد أيام لنحو البلد * عدنا برفد زائد ومدد
من بعد ان بالغ في الإقامة * والوعد بالخيرات والكرامة
موشحا ذاك بخوف البحر * وما جرى فيه لنا من ضر
ومذ وصلناها أتت إلينا * جماعة وسلموا علينا
وقال منهم رجل ان غدا * يكون عند السيد المولى الغدا
فقلت من ذا السيد المذكور * قال ابن لاوي الملك المشهور
ابن أخي مطلب ملك العرب * ذلك إبراهيم معروف النسب
فقلت ذاك ما الذي اوصله * إلى هنا وكيف خلى أهله
فقال لما ان مبارك قتل * أباه جاء هاربا على عجل
وها هنا صار له أولاد * وزوجتان وله أحفاد
وهو لدى السلطان مولانا عمر * ماضي المقال ان نهى وان أمر
ثم أتانا ثانيا في الموعد * حتى صحبناه لبيت السيد
ومذ دخلنا البيت قام معجبا * بنفسه مسلما مرحبا
ثم أتوا بالخبز والطعام * على طريق القادة الكرام
ومذ أردنا الانصراف قالا * نريد ننهي لكم مقالا
فقلت قل فالقول منك حتم * وهو لنا إذا امتثلنا غنم
قال لنا اكتب لبعض الأمرا * والعم والشيخ وبعض الوزرا
(٣٣٥)

قلت متى ذاك فقال بكره * غدا يكون فاطعنا امره
ثم جلسنا وكتبنا الكتبا * في جلسة كادت تفوت المغربا
وبعد سافرنا لأرض الدكن * ثم قصدنا العود نحو الوطن
واتفق العود على أرض العجم (١) * كما به المولى علينا قد حكم
وحين وافينا لأصفهان * كنا جلوسا نحن في مكان
مرت بنا خيل كثار في العدد * وفوقها أهل دروع وعدد
يقدمهم عبل الذراع أمجد * ذو صولة يخاف منها الأسد
فقلت من ذا السيد العظيم * فقيل هذا هو إبراهيم
هذا ابن لاوي ابن أخي مطلب * فقلت هذا أربي ومطلبي
هذا الذي كان لنا في الشحر * مصاحبا في سره والجهر
وكان في المجلس من أصحابه * جماعة والكل من احبابه
فبالغ الجميع في التعجب * وظن قولي صادرا عن لعب
وكيف ذا وذاك لم ينقل قدم * من أرضه الا إلى ارض العجم
وسألوا عن هذه القضية * بهمة عظيمة قوية
حتى لهم عنها شرحنا الخبرا * وكلما في الشحر صار وجرى
وكاد لولا الاعتقاد فينا * في كلما قلنا يكذبونا
واستعظموا من ذاك ما أدعاه * في مثل تلك الأرض وافتراه
فانظر إلى أمثال ذي الوقاحة * والجرأة العظيمة الفضاحة
وقولهم اجرأ من خاصي الأسد * في حق ذا أقرب من كل أحد
وفي خلال مدة المقام * وجهت مكتوبا لنحو الشام
أذكر فيه بعض وصف الحال * وما لقيناه من الأهوال
تاريخه في رجب في النصف * في الشحر عام سبعة وألف
ثم أقمنا هربا من العطب * لسابع العشرين من شهر رجب
وفيه سافرنا إلى ظفار * وصاحبتنا نوب الاخطار
في غبة للقمر انغمسنا * وكلنا من البقاء ايسنا
قال لنا الربان هذي الغبب * قد قل أن ينجو منها مركب
وطال فيها مكثنا أياما * لكنها تعادل الأعواما
فقال لي شخص من الأعيان * من ولد عمر السلطان
لو أمكن الراحة من ذا المركب * نأمن كنا من حلول العطب
وكان للمركب قاربان * وحاكم المركب ذو ايمان
فقلت للحاكم هذا المركب * زادت به همومنا والكرب
وان توجهنا إلى ظفار * نكن قضينا سائر الأوطار
فادفع إلينا القارب الصغيرا * نركبه ثم ادخروا الكبيرا
فقال سمعا لكم وطاعة * قوموا اركبوا القارب هذي الساعة
ثم ركبنا سنة في القارب * ونحن في مضايق المتاعب
ولم نزل نعتقد الهلاكا * أيامنا أجمعها هناكا
وبعد شهر وليل عشر * جزنا ظفار من ركوب الشحر
من بعد أن صارت لنا أمور * يضيق عن تعدادها التسطير
ومذ طلعنا منه في البحر رسب * كأنما كان طلوعنا السبب
ثم جلسنا في انتظار الفرج * وهل يجي المركبي أم ليس يجي
فبعد أيام أتى رسول * من قبل السلطان لي يقول
قم وامض للسلطان من غير مهل * ورح إليه مسرعا على عجل
فقمت أسعى نحوه كاللمح * وجدته قد قام فوق السطح
فقال لي يهنيك جاء المركب * ناظورنا قال وليس يكذب
وليس في البحر سواه أبدا * في مثل هذا الوقت فيما عهدا
ثم انتظرناه لنحو المغرب * فلاح من بعد لنا كالكوكب
ولم نزل حتى أتانا منه * جماعة وأخبرونا عنه
وانه بنفسه منها خرج * من غير تدبير له كما ولج
وأخبروا عن شرح حال الحاكم * وبعض ما لاقي من العظائم
مذ ركب القارب في جماعة * من بعض من دان له بالطاعة
ثم مضوا للماء في الشراع * وملأوا ما كان من أواعي
وركبوا جميعهم فانكسرا * ودمعهم لما جرى دما جرى
وامتنع العود لنحو المركب * وأصبحوا في محن وعطب
وذلك السر من الناس خلي * مع احتياج مشرب وماكل
هم حفاة والطريق وعر * ويدهم من الفلوس صفر
فيسر الله لهم بعرب * هناك بعد تعب ونصب
فاستأجروا منها دليلا وجمل * وجعلوا ظفار للقبض الاجل
ثم اشتروا زوادة رأس بقر * وسلقوه واستعدوا للسفر
وبعد أيام إلينا وصلوا * وأخبرونا بالذي قد فعلوا
بحالة أوصافها عجيبة * وهيئة مضحكة غريبة
فكان في أول أيام القصب * والموسم الثاني لأيام العنب
وكان وقت الطلح وهو الموز * والنارجيل ويقال الجوز
ثم ركبنا قاصدين السفرا * لما قضيا من ظفار الوطرا
من بعد شهر ثم نصف شهر * جزنا إلى ذابول وقت العصر
في ليلة تكون في الليالي * إذا حسبت النصف من شوال
ثم مضيت مسرعا للجامع * لأدرك الوقت بمن جاء معي
حتى دخلت مسجدا معظما * في صحته تجاهه بركة ما
والناس للضوء جالسونا * وهم عن اليدين حاسرونا
البعض منهم يغسل الرجلين * و بعضهم يمسح باليدين
ما بينهم من منكر على أحد * وكلهم يفعل ما قد اعتمد
ثم دخلنا لصلاة المغرب * فزاد من فعلهم تعجبي
إذ ذاك في صلاته يؤمن * وذاك بالقنوت فيها يعلن
ثم ابتدا في ذلك المقام * شخص قرا عشرا من الأنعام
وبالصلاة بعد خص المصطفى * وآله ثم دعا للخلفا
وبعدهم صلى على الاثني عشر * معددا ألقابهم بما اشتهر
فبت منهم ليلتي مفكرا * ولم أزل في عجب مما أرى
حتى بدت بشائر الصباح * لقائل حي على الفلاح
سمعت أصوات مؤذنينا * واثنان من اقربهم إلينا
فواحد يعلن بالتثويب * لكل ناء عنه أو قريب
أعني بذاك قوله الصلاة * خير من النوم لمن لم يأتوا
وواحد يعلن من غير وجل * بقوله حي على خير العمل
فقلت في نفسي هذا أعجب * من كل ما شاهدته وأغرب
كانت لديها مدة المقام * شهرا ويوما يعد بالتمام
وثاني القعدة أنشأنا السفر * لحيدر أباد مطايانا البقر
وفي الطريق البلدة المشهورة * بتخت عادل شاة بنجافوره
لما وصلناها أ أتنا عدة * من سادة وقادة وعمدة

(١) السفر إلى بلاد العجم حصل له بعد ذلك لكنه ذكره هنا ليتصل الخبر بعض ببعض.
(٣٣٦)

فادخلونا معهم إلى البلاد * بغاية الاكرام منهم والمدد
وودعونا بدموع سائلة * لما أرادت ان تسير القافلة
وشيعونا غير مختارينا * وهم لما نرغب كارهونا
ثم مضينا مسرعين للسفر * نجد في اسجارنا وفي البكر
عند الضحى المشهور بالغدير * وكان فيه منتهى المسير
لكننا لما دخلنا البلدا * بها وجدنا عددا وعددا
لما أتى عن أحمد آباد الخبر * بتفحها وشاع ذاك واشتهر
وكان قد جاء إلى الديوان * شخص من الهندو بانياني
وقال جيش المغل في ذا البهر (١) * قد دخل القلعة عند العصر
قال له السلطان إن كان الخبر * كذبا فمن بطشي لا ترج المفر
أجابه في السجن ضعني كي ترى * صدقي من كذبي وتدري ما جرى
فما مضت من بعد ذاك مدة * الا وجاء من هناك عدة
تخبر بالامر الذي أدعاه
والناس في قيل وقال وفكر * والغربا من ذاك في أي ضجر
كلهم في شاغل وشغل * للخوف من هجوم جيش المغل
ليس لهم شغل عن الطريق * سوى خلو السرب والرفيق
فمذ أتاح الله للناس الهرب * لم أتأخر عنهم خوف العطب
غدوت أرجو بعد اطماعي الأول * سلامتي مما أخاف والقفل
قلت قنوع المرء بالسلامة * أولي من الخسران والندامة
ثم توجهنا بلا تواني * ثالث عشر من جمادى الثاني
نحو حرون البلد الذي اشتهر * ببندر الهرموز ما بين البشر
فكان ابان دخول البندر * ثالث عشرين رمضان الأنور
من بعد أهوال عظام عدة * لم تخل انا طول تلك المدة
وكل يوم نتوخى الغرقا * ولم نفارق قلقا وفرقا
وأكثر الأيام في اجتماع * وفي البكا والخوف والوداع
ولم تزل تصحبنا الدواهي * وحتى دخلناها بحمد الله
وأخبرونا أهل ذاك البلد * بفوت مولانا الشريف السيد (٢)
فكانت المصيبة العظيمة * والحسرة المؤلمة الجسيمة
ومنذ سافرنا لنحو اللار * نجد في الليل وفي النهار
لما دخلنا البلد المذكورة * بها أقمنا مدة يسيره
ثم مضينا بعد تلك المدة * لأصفهان ودخلنا القعدة
في آخر الشهر إلى أن مضى * شهر ربيع الجميع ومضى
وفي خلال المدة المذكورة * في أصفهان البلد المشهورة
كانت لنا أوقات صفو وصفا * لو أمور لم يكن فيها خفا
وراحة تزري بفعل الراح * في اللطف والسرور والافراح
ونشاة بجملة العلوم * ورائق المنثور والمنظوم
فوقعت ما بيننا مسامرة * يوما إلى أن أدت المذاكرة
لذكر أبيات لبعض الفضلاء (٣) * فواحد من الحضور سالا
مني أبياتا بذاك الوزن * ولم يكن يقبل عذار مني
فقلت بعد الاعتراف بالحصر * وما بباعي من قصور وقصر
عدة أبيات بتلك القافية * واللفظ والمعنى لها مضاهيه
وجاءني يوما أمير في طلب * كتابة لخلف بن مطلب
كتابة بمثله تليق * ونثرها ونظمها رقيق
نظما كتبنا فيه ثم نثرا * في الغرض المطلوب يحكي الدرا
ثم مضينا نحو مولانا الرضا * عليه من ربي السلام والرضا
أول يوم من ربيع الثاني * راجين منه الفوز بالأماني
وهنا سقط من الأصل المنقول عنه ورقة أو أكثر فأثبتنا الباقي، ويظهر
من هذا الباقي ان الكلام كان في كرامة لأهل البيت ع على يد
رجل جامي بلغت الناظم وهو في المشهد الرضوي المقدس وهذا هو الموجود
بعد الساقط:
فاخر السلطان عنه بالخبر * فجاء في أسرع من لمح البصر
واجتمعت لنحوه خلائق * من كل فج سابق ولاحق
فحين فاوضوه في الكلام * من أي قطر هو قال جامي
وحوله جماعة من بلده * تخبر عن محتده ومولده
وصدق ما قال وما أدعاه * في كل ما قال وفي عماه
فامر له الشاة في الحال * بحمل أثواب وبعض مال
من بعد أن أراد بعض الناس * نزع الذي عليه من لباس
وكاد لولا بعض أرباب الدول * ان يتركوه عاريا من الحلل
ولم يكن الا عن الحسين * شهرة هذا قبل رؤيا العين
وكنت ما بيني وبين نفسي * أجيل فيه فكرتي وحدسي
ولم أزل أعجب منه حتى * رأيت ما قلت وما سمعتا
لان هذا ليس في طوق البشر * وليس تقواه القوى ولا القدر
هذا لمن يكون في الحياة * فكيف من يعد في الأموات
والآن قد صار لدينا ظاهرا * ومع ذا قد بلغ التواترا
وفيه أيضا حجة جليه * على كمال ذاته العلية
لمنكر لفضلهم وجاحد * لحقهم وحاسد معاند
سبحان من خصهم بالفضل * والعلم والكمال بعد الرسل
وفي خلال الزمن المذكور * في المشهد المقدس المبرور
كنا ببستان جلوسا إذ هجم * شخص من الأعيان من أهل العجم
قال إلى الشام ذاهبونا * وحج بيت الله قاصدونا
إذا كتبتم لهناك رقعة * نوصلها على سبيل السرعه
ولم يكن الا مداد احمر * وورق وهو رقيق أصفر
وبعد أكملناه بالسواد * وكان ذاك غاية المراد
ثم دفعناه إليه ومضى * ملتسما منا الدعاء عند الرضا
كتبته ثاني شهر الصوم * في القرب من زوال ذاك اليوم
وكان قد جاء إلي سيد * ممجد مسدد مؤبد
بهمة قوية عليه * يأمر ان أخمس النونيه
قصيدة الأستاذ شيخ العصر * محقق الوقت فريد الدهر (٤)
ولم نزل فيه إلى شوال * وفيه أزمعنا على الترحال
والعود للبلاد والأوطان * وكان ان جشنا لأصفهان
أول شهر الحجة الحرام * وكان فيها مدة المقام
إلى ابتدا شهر جمادى الآخرة * لكننا ننتظر المسافرة
ولم نجد من قاصد للسفر * الا أناسا نحو ارض ششتر
فقلت نمضي معهم ونذهب * منها إلى بغداد فهو أنسب

(١) البهرطاس معروف في الهند سبع الساعة كذا في هامش الأصل.
(٢) هو شيخه السيد محمد صاحب المدارك.
(٣) هو الشيخ البهائي.
(٤) هو أستاذه الشيخ حسن صاحب المعالم.
(٣٣٧)

وربما نحتاج رؤيا الحاكم (١) * فمدحه من المهم اللازم
فقلت في مدحه قصيدة * وحيدة في حسنها فريدة
فقصدت قافلة بغدادا * ويسر الله لنا المرادا
وقد أتاح الله ما أردنا * عن قصدنا لششتر عدلنا
فسافرت في مبتدأ جمادى * شكرا لمن قد يسر المرادا
لنحو برج الأوليا المذكورة * دار السلام البلدة المشهورة
في آخر الشهر الذي ذكرنا * وصولنا لما له أشرنا
فصادف العزم من الأمير * ابن سنان الحاكم الوزير
على المضي للحسين زائرا * وهو المراد أولا وآخرا
والقوم في مبادئ المسير * والوقت قد ضاق عن التأخير
وجدهم في سيرهم بسبب * ليدركوا أول شهر رجب
فكلما أهمني من أمري * جعلته من ذا وراء ظهري
ومعهم مضيت نحو المشهد * ملتمسا لفيضه والمدد
فالحمد لله على التوفيق * لما قصدناه بلا تعويق
وان نكن لم نخل في الطريق * من كرب وتعب وضيق
ثم رجعنا نبتغي بغدادا * مزور بالزوار بها الجواد
وجده المولى الامام الكاظما * وسادة وقادة أعاظما
مل أبي حنيفة النعمان * والشيخ عبد القادر الكيلاني
والسقطي أعني به السريا * ومعه معروفا الكرخيا
حتى قضينا ما علينا قد وجب * من حقهم وانصرفت عنا الكرب
وكم وكم زرنا بها مقاما * وسيدا بقربها إماما
كالعسكريين وكالغري * المشهد المرتضوي العلي
وأخبروا في البلد المذكور * عن شيخنا المقدس المبرور
بأنه صار إلى النعيم * مجاورا لربه الكريم
من بعد إن كان تقدم الخبر * عن شيخنا السيد والامر اشتهر (٢)
فاشتعل القلب بنار الحزن * والدمع يحكي هطل صوب المزن
فقلت في رثاهما قصيدة * في بعض أوصافهما الحميده
ولم يكن قدرهما في قدرتي * فاقبل إذا قرأتها معذرتي
ثم أقمنا بعد ذاك مدة * إلى مضي السبع من ذي القعدة
وفيه سافرنا من الغري * بقصد بيت الله والنبي
بغاية التوفيق والرفاهية * ونعمة زائدة وعافيه
لكننا لم نخل منه من تعب * ومحن وكرب من العرب
وقد وصلنا وفضينا فرضنا * عدنا مع الحجاج نحو ارضنا
بقصدنا زيارة الشفيع * وولده أئمة البقيع
وصحبه المتبعين أمره * ونهيه المقتفين اثره
فيسر الله الذي ذكرنا * عنه لنا كما أردنا
وكلما يعرض من عناء * ومحن تصيب أو بلاء
فنعمة التوفيق منه أعظم * كما ذكرناه وأنت تعلم
ولم نزل من بعد ذاك في السفر * نجد في اسحارنا وفي البكر
حتى وصلنا لدمشق الشام * والحمد لله على التام
وقد مضت لهجرة أعوام * وجمعها تاريخه ختام سنة ١٠٤١
وفي آخر النسخة ما صورته: فرع من تسويده لنفسه فقير يومه وأمسه
المعترف بذنبه وحلول رمسه محمد بن محمد بن مجير العنقاني غفر الله له
ولوالديه ولشيخه ولجميع المؤمنين ووافق الفراع نهار السبت ٢٥ من شهر
ذي القعدة الحرام سنة ١٠٩٢ اه.
وفرع من نسخها العبد الفقير إلى عفو ربه الغني محسن الأمين
الحسيني العاملي في أرض حاليا من خراج الزبداني في منتصف جمادي
الآخرة سنة ١٣٦٢.
السيد علي أكبر ابن السيد محمد ابن السيد دلدار علي ابن السيد محمد معين
الدين النقوي النصيرآبادي اللكهنوئي.
له من المصنفات الدليل المتين في ابطال حركة الأرض والتوضيحات
التحقيقية في شرح الخطبة الشقشقية وغير ذلك. أقول حركة الأرض
أقيمت عليها البراهين القطعية فالدليل المقام على ابطالها غير متين.
أبو الفتح علي بن محمد البستي.
ذكره ابن شهرآشوب في شعراء أهل البيت.
الشيخ علي ابن الشيخ محمد مروة.
توفي سنة ١٣٣٩.
كان من علماء جبل عامل البارزين شاعرا أديبا تقيا ورعا، هاجر إلى
النجف ودرس فيها وتخرج على أكابر علمائها وعاد إلى قريته حداثا وفيها
توفي.
شعره
قال يرثي الشيخ عبد الكريم شرارة:
أسيلي الدمع في الخد الاسيل * أسىء وصلى الناحية بالعويل
دموع دم أذيلي مرسلات * لعل شفاك بالدمع الرسيل
دعي الزفرات من قلب شجي * تصعد صيب الدمع الهمول
إذا نزفت دموع العين حزنا * فقولي حسرة يا نفس سيلي
قليل ان تذوب حشاك شجوا * لرزء جل في عرش الجليل
فصلصل بين مكة والمصلى * وطيبة والغري وبيت ايل
أ ليس الدهر القحها خطوبا * سرت بجبال عامل والسهول
أ ليس الدهر القحها خطوبا * فاثكل شرعة الهادي الرسول
حشا الدين الحنيف أصيب لما * أصيب وقلب احمد والبتول
قضى عبد الكريم البحر علما * وكفا واكف الغيث الهطول
تقحمه الردى ليثا احما * وغالته المنايا شبل غيل
تهيل في العلى طودا أشما * ولم يك بالمهال ولا المهيل
واقلع في الندى غيثا واجرى * سبيل هدى لأبناء السبيل
وفل من العلى غضبا صقيلا * يفل مضارب العضب الصقيل
وغيض من الشريعة بحر فيض * تدفق بالفضائل لا الفضول
الا يا ممتطي العنس الذلول * معودة لوخد أو ذميل
يشق بنحرها نحر الفيافي * ويحملها على الخطر المهول
تجشمها سباسب مقفرات * تتيه بهن أسراب الوعول

(١) المراد به السيد مبارك بن مطلب كما صرح به في القصيدة.
(٢) المراد بشيخه السيد هو صاحب المدارك كما مر وبشيخه الآخر صاحب المعالم.
(٣٣٨)

يؤم ندي أنداها ويرجو * من الابدال معدوم البديل
وراءك أقفر النادي وأقوت * معالم ذلك الربع الأهيل
امال دعامة اسلام ثلم * فقل يا ارض بالاسلام ميلي
وثل أريكة العليا ذبول * بفرع أراكة المجد الأنيس
فقل لذؤابة الشرف المعلى * فقدت ذؤابة الشرف الأصيل
وقل للمرمل الملتاع طيا * على سغب ويأسا من منيل
وللمنظور قل عما قليل * وقل بإقالة الحساد قيلي
نعاه القلب لي قبل الرسول * وقلبي حيث ما أهوى رسولي
تعرض لي وجمجم قلت أيها * نعيت صميم أشراف القبيل
نعيت الدين والدنيا جميعا * وأشغلت الملائك بالعويل
نعيت فهجت لي في القلب نارا * نشب كأنها نار الخليل
ولا من قائل يا نار كوني * له بردا كعاطفة الجليل
رزيت به جليلا والرزايا * تجل أسىء بمقدار الجليل
رزيت به كنصل السيف لكل * تنزه عن كهام أو فلول
كهلان حجي وثبير حلما * وللداعي يخف بنجح سول
أشم مهذبا عفا أبيا * ندي الكف مهزول الفصيل
رحيب المنتدى طلق المحيا * خصيب الربع في العام المحيل
أبي الضيم رفع جانبيه * بعز النفس عن مرمى الذليل
ونزه اصغريه تقى وطبعا * عن العوراء من فعل وقيل
حيي مطرق اللحظات حتى * إذا ما هيج نضنض عن صؤول
أبي شم الدنية حيث كانت * ومج حلاوة المرعى الوبيل
ودل على خلائقه ولكن * تردي هيبة الأسد المديل
قليل شكل هالته ولكن * باشكال العلى غير القليل
خليل عهد خلته وثيق * فاشكره كذا شأن الخليل
أخو رأي كان الغيب يوحي * لفكرته فينطق عن دليل
وفهم دق احساسا ولطفا * يحس دقائق الامر الجليل
وطبع رق ما نطف الحميا * وما طبع المعتقة الشمول
بنفسي افتدي لاهوت قدس * بهالة أمثل ونهى مثيل
هو القبس الذي بسناه موسى * رأى نار الهدى وسنا الوصول
له في زهده ناسوت عيسى * وروح القدس أو قانا الجليل
تمثل للعلى بشرا ولكن * اتى كأبيه معدوم المتيل
الا يا راحلا لف المعالي * ببردة لا الذميم ولا الذليل
وقوض والهدى والعرف لما * هدى الساري إلى نهج السبيل
وازمع بالمزايا الغر لو لم * يكن حلا بها غرر العقول
تركت محاجر العلماء عبرى * تسيل بأدمع حرى المسيل
وغدرت الورى طرا حيارى * تحوم عليك يا حامي الدخيل
عجلت على شبابك وهو غض * وما اوفى على زمن الرحيل
رحلت بسلوتي وجميل صبري * وكنت سكينة الصبر الجميل
ورحت براحتي ورغيد عيشي * بلى ونحلتني حلل النحول
خليلا ما اتخذت سواك قل لي * وقد أبعدت هل لي من خليل
أصيحابي إذا عدوا كثير * وان حدوا فمن لي بالقليل
عجمت لحاء نبعهم ولما * أجد حاشاك غير أخ ملول
وردت حياضهم فوردت علاء * ولكن ليس فيه شفا الغليل
لربك في أمان الله فاذهب * نقي البرد من وصمات قيل
وطب نفسا بدار الخلد وارتع * قرير العين في ظل ظليل
كريما قد وفدت على كريم * له أعددت مدخر البخيل
أمين الفضل خطبك جل خطبا * أجل لكنه حكم الجليل
فتأساء وصبرا واحتسابا * بحسبك مغنم الاجر الجزيل
بودي أن أكون له بديلا * لو أن الدهر يقنع بالبديل
ولو يفدى فدته نفوس قوم * لقد كرموا فروعا عن أصول
لكل غاية يسعى إليها * وكلهم على شرف الرحيل
عليه تحية الرحمن وقفا * تصافحه بايمان القبول
وغادى تربه الزاكي غواد * تراوح بالغدو وبالأصيل
وله في رثائه أيضا:
أودى سريع الخطو غير مودع * ودعا حشا الصب الشجي لما دعي
جورا قضى لي وهو أعدل من قضى * معه حشاي ونار فرقته معي
ومضى فلف على كمشبوب الغضى * كبدي وغادرني فثقف أضلعي
أودى فاودعني صبابة مغرم * نادى بحر غليلها لا تنقع
ناء بصبري والتجلد والاسى * ما ضره لو قال للصب اهجع
يا نائيا أدنى الجوى لحشاشتي * ونأى بسلواني وقال لي اجزع
قصرت عمر تهجدي وتأنسي * وأطلت ليل تسهدي وتوجعي
وأسال يومك أدمعي حتى لقد * كادت تسيل حشاشتي من مدمعي
أودعتني أسرار حبك والوفا * وسريت هلا كنت قبل مودعي
قد أودعوك وليت جسمي مودع * بمضيق لحد في الفضاء الأوسع
لو أضجعوني في ثراك فنغتدي * متعانقين معا بذاك المضجع
ما آن يا غض الشبيبة ان ترى * متهدل الاعطاف ذاوي المنزع
ما كنت احسب أن أراك مروعا * ولقد عهدتك أمن كل مروع
اواه من يوم ثكلتك والعلى * فيه وأبت بلوعتي وتولعي
أواه من يوم نفضت أناملي * من تربك الفياح كالمسترجع
لي أنه الشاكي لبعدك والنوى * وحنين ذي ألف عليه مرجع
واليك تهيامي ومنك تلوعي * وعلى شبابك والعلاء توجعي
أ أخي هل بعد اغترابك أوبة * تشفي غليل فؤاد صب مولع
أو سلوة تبقي علي حشاشتي * لبقاء حبك في محاني اضلعي
رمت السلو فقال هل لك مهجة * ولقد عصتك وما السلو بطيع
فإلي عد أو فادع لي قلب الهوى * أو قل لسلوان الهوى يبقى معي
ما لي أقول ارجع وليس بنافعي * من بعد ما حكم القضا قولي ارجع
هيهات ما قد فات ليس براجع * بل تلك شنشنة المحب الموجع
قالوا غداة البين مرجع بينهم * يا طول ما بيني وبين المرجع
يا قلب قد بعدوا وما لك بعدهم * غير التجلد والاسى فاسترجع
لكنما قلب المحب أخو شجى * وأخو الشجى هيهات يسمع أو يعي
فلأندبن علاك ندبة ثاكل * عبرى مدامعها تجود بأربع
ولا نزفن دما لحبك صنته * لو لم يكن حبيبك أكبر مطمعي
ولأرسلن الدمع خلفك رائدا * مترسل العبرات غير متعتع
ولأحسبن على ثراك مطيتي * والعين مطلقة الدموع الهمع
وقفا عليك تلهفي وتوجعي * أبدا ورزؤك للقيامة مفجعي
كنا كغصني بأنه سمقا علاء * يتعانقان على ضفاف المشرع
فرعان عن أصل الوداد تفرعا * والود خير مؤصل ومفرع
فذوي بنكباء المنية واحد * واعتل آخر باختضاد المنزع
(٣٣٩)

يا تاركي حلف الأسى اتغاضيا * أم ملت عني أم مللت تولعي
حاشاك انك ما برحت أخا وفا * ولتلك من شيم الصدوق الأورع
صدق الآخا لك حسب غير مدافع * ولكم أخ لك يدعي أو كالدعي
لكن سبقت إلى جوار الله في * دار البقا ورغيد عيشه ممرع
قدمت من دنياك كل كريمة * فقدمت في الأخرى لأكرم مرتع
لا زلت تشأو في رقيك للعلى * حتى سموت إلى المحل الارفع
رضيت ربك في حياتك كلها * فجزاك ربك بالرضى فتمتع
شتان ما بيني وبينك نسبه * بعد النوى ولانت نسبة منزعي
النور بين يديك يسعى والهدى * والنار بين جوانحي لم تهجع
أشقى ببعدك إذ سعدت مقربا * وأراع فيك وأنت لاه ترتعي
يهينك انك في الجنان ممتع * قوبلت بالنعمى وخصب المربع
وأنا المعذب فيك لو شاهدتني * والنار تسعر في فؤادي المولع
فاذهب كما ذهب العبير تضمخت * بشذاة أندية الجهات الأربع
وسقى ثراك من الغوادي مودق * كنداك وكاف ليس بمقلع
وقال مؤرخا عام وفاته ليكتب على محل قبره:
يا زائرا قبرا به شمس الهدى * غربت فأشرق حكمة وصوابا
لكأنه الطور الذي موسى رأى * فيه على النار الهدى وأصابا
اخلع نعالك انها الوادي المقدس * بابن موسى تربة وجنابا
فيها أبك واسجد واقترب فالقائم * المهدي جده بها قد غابا
عبد الكريم العالم العلم التقي * البر أنداها يدا ورحابا
فرع زكا في دوح باسقة العلى * عن خير أصل غرسه قد طابا
عبد الكريم ومذ دعي ارخته * لخلود جنات النعيم أجابا
وله يرثي السيد علي ابن عم المؤلف السيد محمود من قصيدة:
من فل مرهف هاشم وغرارها * وابتز غالب عزها وفخارها
من ساء عدنانا بفقد عميدها * ويطودها السامي أساء نزارها
شقوا ضريحك في الثرى لو انصفوا * شقوا اللوب ووسدوك ثراها
وأروك في ردم الصفيح ولو دروا * هالوا عليك من العيون شفارها
السيد علي ابن عمنا السيد محمود.
كان عالما محققا مدققا فقيها أصوليا قوي الحجة حسن الوصول إلى
دقيق المطالب على غاية من الإنصاف في المباحثة والمناظرة جيد العبارة عاقلا
حازما كيسا ورعا تقيا شاعرا أديبا أريحيا نقادا للشعر رئيسا مهيبا مطاعا نافذ
الكلمة محمود النقيبة لا يقدم عليه أحد في جبل عامل في عصره رقيق الطبع
معتدل السليقة حلو العشرة حسن المحاضرة على جانب عظيم من حسن
الخلق ولين الجانب ورجاحة العقل وكرم الطباع وإصابة الرأي وعلو الهمة
وشرف النفس صبيح الوجه بهي المنظر اتفقت على حبه وتعظيمه جميع الناس
من جميع المذاهب.
ولد في شقرا من قرى جبل عامل في حدود سنة ١٢٧٦ وتوفي ليلة
السبت الحادية عشرة من شهر شوال سنة ١٣٢٨ بعد العشاء فيكون عمره
نحوا من اثنين وخمسين سنة قضاها في خدمة العلم إفادة واستفادة وفي تأييد
الدين وقضاء حوائج المؤمنين واصلاح ذات بينهم والقضاء بين الخصوم
وإفتاء المستفتين.
وبعد ان حفظ القرآن العظيم في مدة يسيرة ولما يبيع السبع تفرع
لطلب العلم فقرأ في شقراء ثم في حنويه في مدرسة الشيخ محمد علي عز
الدين ثم توجه إلى العراق مع أخيه السيد محمد في حدود سنة ١١٦٠
وعمره نحو أربع عشرة سنة، وكان يقول بلغت الحلم في النجف الأشرف
فقرأ فيه في علم العربية عند جماعة وقرأ في الأصول على الشيخ احمد ابن
الشيخ محمد حسن صاحب الجواهر الذي كان وحيدا في توقد الذهن وطيب
الأخلاق والمثابرة على الإفادة والاستفادة، توفي في شبابه ولو أمهله الدهر
لكان له في العلم شأن كبير. وقرأ أيضا على أخيه الشيخ حسن الذي عمر
طويلا وتوفي من مدة قريبة وعلى الشيخ محمود الذهب النجفي وغيرهم،
هذا في السطوح واما الدروس الخارجة فقرأ في الفقه والأصول مدة وجيزة
على شيخنا الفقيه المرحوم الشيخ آغا رضا ابن الشيخ آغا محمد هادي
الهمداني صاحب مصباح الفقيه وغيره من المصنفات وفي الفقه على الشيخ
الفقيه أحد رؤساء ذلك العصر الشيخ محمد حسين الكاظمي صاحب
هداية الأنام في شرح شرائع الاسلام إلى حين وفاة الشيخ وفي الفقه أيضا
على الشيخ الفقيه المحقق المدقق الشيخ محمد طه نجف أحد رؤساء ذلك
العصر أيضا إلى حين سفره لجبل عامل، وفي الأصول على خاتمة المحققين
أحد رؤساء عصرنا الشيخ ملا كاظم الخراساني صاحب الكفاية وغيرها من
المنصفات الشهيرة في الأصول والفقه، وفي الفقه على الشيخ الفقيه أحد
رؤساء ذلك العصر الشيخ ميرزا حسين ابن الحاج ميرزا خليل الطهراني
وعلى غير هؤلاء. وتخرج على يده في العراق وجبل عامل عدد كثير من
العلماء والفضلاء وكان يقول باحثت المطول للتفتازاني أربع عشرة مرة وبقي
في النجف الأشرف في خدمة العلم نحوا من إحدى وعشرين سنة زار في
أثنائها مرقد الإمام الرضا ع في خراسان بصحبة والده ثم رجع
إلى جبل عامل في أوائل سنة ١٣١١ فأعاد بناء مدرسة أجداده في شقراء التي
أنشأها جد جده المرحوم السيد أبو الحسن وسماها المدرسة العلوية فتوافدت
عليها الطلاب من سائر الأقطار وتخرج منها طلبة أفاضل وبقيت مدة طويلة
زاهرة بالعلوم والمعارف ولكنها في آخر الأمر انحل نظامها. وأقام في جبل
عامل نحوا من ثماني عشرة سنة قضاها في التدريس والتعليم والقضاء بين
الخصوم والسعي في حوائج الناس وتوقيع الفتاوى.
ولما كان قرب وفاته صلى بالناس صلاة عيد الفطر ثم توعك ثم
اشتدت به الحمى فلبى دعوة ربه، ولما طار نبا وفاته ارتجت جبال عاملة بمن
فيها وحدث في جميع طبقات الناس من الحزن والتفجع والبكاء والأسف
والكمد ما لم يسمع بمثله ثم دفن من الغد بجوار قبر جد جده السيد أبي
الحسن موسى في مقبرته الخاصة به وحضر لتشييعه ما يزد عن عشرة آلاف
وكلهم باكون متفجعون فكان يوما هائلا وخطبا جسيما تغمده الله برحمته
وأسكنه مع أجداده الطاهرين في بحبوحة جنته ورثاه جماعة كثيرون بغرر
القصائد وجلها مذكور في تراجمهم من هذا الكتاب. وله كتاب في المواريث
وبعض تعليقات وله أشعار هي على قلتها بمكان من الجودة والرصانة والرقة
والانسجام فمنها قوله وقد كتب إليه خاله الشيخ مهدي شمس الدين بهذه
الأبيات:
أقسمت بالمصطفى المبعوث جدكم * وقدر جدكم المبعوث محترم
ان مثلت غيركم نفسي فقد كذبت * أجل ورؤية عيني غيركم حلم
فما لنفسي سواكم قط من غرض * وما لجرحى إذا أرضاكم ألم
(٣٤٠)

وذيلها بطلب إعارة معجم البلدان وكان قد أعاره كتاب الدر
المنثور في طبقات ربات الخدور ورآه عنده مطروحا على الأرض فاجابه
بقوله:
لا أرتضي العيش ان يلمم بكم ألم * فأسلم وشانوك لا عاشوا ولا سلموا
لي عندك الدر منثورا ومطرحا * ودر فيك لدي الدهر منتظم
وكان يوما يشرب الشاي بين شجرة ورد تفتح زهرها وشجرة رمان
توقد جلنارها فقال:
ما بين ورد وجلنار * شربت أشهى من العقار
صهباء راقت فخلت منها * في الكاس أضحى لهيب نار
وطلب من الجالسين اجازتها:
فقال الشيخ محمد حسين شمس الدين:
طفا عليها حباب در * يفوق حسنا على الدراري
فقال السيد:
يجلو لنا كأسها أغن * خلعت في حبه عذاري
سكرت من خمر مقلتيه * وقد تهادى بلا خمار
فقال الشيخ محمد حسين:
حديث وجدي به قديم * رواه دمعي عن البحار
فقال السيد:
يا ريم سلع أسلت دمعي * ألم ولو لوثة الازار
فقال الشيخ محمد حسين:
ما لي سواه وبي فداه * وفي هواه اصطباري
أطال هجري فضاق صدري * وعاد مثل مضى الدجى نهاري
شكوت ما بي من التصابي * إلى سراب والقلب واري
فقال السيد:
حيى فاحيى بالوصل ميتا * بدر تجلى بلا سرار
فقال السيد حسين احمد:
هاج غرامي سجع الحمام * دنا حمامي فمن لثأري
فقال الشيخ محمد حسين:
طال أنيني فمن معيني * حكت حنيني أم الحوار
فقال السيد،
ما ذا علي وفي يديه * وشفتيه ري أواري
فقال ولده السيد عبد الحسين:
ساورني الوجد حين ابدي * في الكاس زندا بلا سوار
فقال الشيخ علي ابن الشيخ حسين شمس الدين:
ما زلت ارعى له ذمارا * ولم يزل خافرا ذماري
فقال ولده السيد عبد الحسين:
لام عذولي فقلت مهلا * لو شمت منه لام العذار
فقال الشيخ علي:
ألفت منه أخا دلال * يرتاح بالصد والنفار
فقال السيد:
لوى ديوني فهل مباح * لي ديوني من ذي يسار
فقال السيد عبد الحسين:
هتفت مد مر في ازار * اواه من معقد الازار
أرقت دمعي فهل تراه * لمحنتي دق وانكساري
فقال السيد:
الفرع منه ظلام ليل * والوجه يحكي ضحى النهار
والقد منه كخوط بان * باريه قد جل باقتدار
اشرب على الروض من محيا * له ودع نسك ذي وقار
فالثغر يغنيك والتراقي * عن اقحوان وعن بهار
والخد ورد وجلنار * منه غرامي وجل ناري
فقال الشيخ علي:
زار معنى بجنح ليل * أذكى أريجا من العرار
ومن شعره قوله في وصف وادي السلوقي وهو واد تجري فيه المياه
أيام الربيع:
طرزت ثرة السحاب الدفوق * بصنوف الأزهار وادي السلوقي
وجرت كاللجين فيه مياه * راق سلسالها بلا راووق
فوق حصباء كالداراي تزهو * ببريق يفوق لمع البروق
وزها روضه الأنيق ونفس الصب * تهفو لكل روض أنيق
كم ترى من بنفسج وأقاح * في رباه ونرجس وشقيق
وخطيب من الورود ينادي * حيهلا على ورود الرحيق
وعلى ضفتيه أثل ورند * ومن البان كل غصن وريق
لأعتبه الصبا فعانق غصنا * آخرا مثل شائق ومشوق
فلقد لذ للمحبين فيه * نشوة من صبوحه والغبوق
خلته مذ كسا السحاب رباه * ببرود الشقيق وادي العقيق
فتق الزهر في ثراه نسيم * فحبانا بنشر مسك فتيق
قام للنور فيه سوق عناق * فاق في حسنه على كل سوق
وغنا الطير فيه أغنى الندامى * عن أغاني إسحاق بالموسيقى
قم بنا نركب الطريق إليه ضل من * ضل عنه نهج الطريق
فإلى مثله تحج بنو الله * و وتأتي من كل فج عميق
فوق أكوار ضمر ناجيات * أو على سرج كل مهر عتيق
يسبق الطرف ان جرى الطرف منها * ويفوت السهام عند المروق
وإذا راح يصحب الريح قالت * بي رفقا يا صاحبي وشقيقي
كامل الخلق والمحاسن يزهو * باهاب مضمخ بالخلوق
زاحم الشهب مذ نزا فأصابت * بين عينيه غرة العيوق
خلته حين راح يختال تيها * ثملا من رضاب كأس وريق
فعلى مثله تنال منى النفس * وترميه عن مكان سحيق
وعارضها بعض الأدباء فقال:
لست انسى مسيل وادي السلوقي * بين آس ونرجس وشقيق
وأقاح وياسمين وسيم * وعرار بكل حسن عريق
والخزامي والورد يحكي الندامى * بغريب المنظور والمنشوق
(٣٤١)

والكبا والبهار أبهر عقلي * بعبير كنشر مسك فتيق
يا لها من مناظر حاليات * بصنوف من كل لون أنيق
خلتها والنسيم يعبث فيها * ندماء تحسو كؤوس الرحيق
كم أقمنا يوما بها اثر يوم * ووصلنا صبوحنا بالغبوق
وشربنا كأس الحميا دهاقا * بيد الغصن ذي المحيا الطليق
بكرا صاحبي سعيا إليها * وأصحباني بالدن والراووق
وبكاس وقينة ونديم * ومعاط يمشي الهوينا رشيق
وبشاد يشدو بلحن طروب * عنه يروي إسحاق للموسيقي
وبألحان معبد ان تغنى * حرك الشوق في فؤاد المشوق
واجعلا حجكم لها كل يوم * مع بني اللهو ترشدا للطريق
وقوله من أبيات غاب عني باقيها:
بأقاح مبسمه ووردة خده * حيا فاحيى من أمات بصده
رشا يريك بهزله وبجده * ما لا يريك المشرفي بحده
واشتركنا في تقريض كتاب الدر الثمين في مدح آل الأمين فقال:
انظر إلى الدر الثمين * في مدح أبناء الأمين
فقلت:
من قد ابان ثناهم الر * حمن في الذكر المبين
من كل أبيض واضح الحسبين * وضاح الجبين
فقال:
ان خفت الأحلام ساد * الناس بالحلم أرزين
أو أبهم الرأي السديد * أراكه عين اليقين
أو هيج في يوم الكريهة * خلته ليث العرين
ولدى النوال جداه يخجل * عارض الغيث الهثون
ويريك ان عز الحفاظ * حفاظ ذي حسب ودين
من عصبة للعلم راضوا * كل نافرة حرون
فقلت:
يزري بعقد في نحور * فواتر الالحاظ عين
بقصائد هن الحداء * لكل بزلاء أمون
فقال:
جوالة الأنساع من * دأب السرى قب البطون
هوجاء من آل الجديل * وشدقم خوص العيون
نجب تواهق في الفيافي * في بين ابكار وعون
برزت قوافيها بجد * القول تفخر لا المجون
هي من هجان القول إن * أنصفت لا القول الهجين
تركت قطينا غيرها * وتكلفت هي بالظعون
فقلت:
سارت بها الركبان تعنق * في السهول وفي الحزون
فقال:
أما إلى ارض الغري * أو المعرف والحجون
ترتاحها الأرواح ل‍ * كن للعدي غصصن الشجون
فقلت:
أشهى إلى الاسماع من * نغم البلابل في الغصون
فقال:
جادت قرائح فتية * بنظام لؤلؤها الثمين
ألفوا ألوفا كم من وفي * في الأنام ومن خؤون
حفظوا النبي بولده * والمرء يحفظ في البنين
وقد زاد عليها ولده السيد عبد الحسين في الوزن فصارت القافية
ميمية بعد ما كانت نونية:
انظر إلى الدر الثمين وانما * في مدح أبناء الأمين تنظما
من قد أبان ثناهم الرحمن في ألذ * كر المبين فكان نصا محكما
من كل أبيض واضح الحسبين * وضاح الجبين كأنه بدر السما
ان خفت الأحلام ساد الناس بالحلم * لم الرزين إذا الجهول تحلما
أو أبهم الرأي السديد أراكه * عين اليقين كأنه ما أبهما
أو هيج في يوم الكفاح تخاله * ليث العرين مزمجرا ومدمدا
ولدى النوال جداه يخجل عارض ال‍ * غيث الهتون إذا تدفق أو همى
ويريك ان عز الحفاظ حفاظ ذي * حسب ودين عز شاوا فيهما
من عصبة للعلم راضوا كل نا * فرة حرون ما تنيل المخطما
يزري بعقد في نحور فواتر الألحاظ * عين بارزات كالدمى
بقصائد هن الحداء لكل بزلاء * لامون سابقت طير السما
جوالة الأنساع من دأب السرى * قب البطون تخالهن الأسهما
هوجاء من آل الجديل وشدقم * خوص العيون سبت جديل وشدقما
نجب تواهق بالفيافي بين ابكار * وعون شفها طول الظما
برزت قوافيها بجد القول تفخر * لا المجون (كعقد در نظما)
هي من هجان القول إن أنصفت لا ال‍ * قول الهجين على العقول استعجما
تركت قطينا غيرها وتكلفت * هي بالظعون مقوضا ومخيما
سارت بها الركبان تعنق بالسهو * ل وبالحجون أو الحطيم رزمزما
ترتاحها الأرواح لكن للعدي * غصص الشجون وكم سقتها علقما
السهى إلى الاسماع من نغم البلا * بل في الغصون إذا شدون ترنما
جادت قرائح فتية بنظام لؤلؤها * الثمين تفضلا وتكرما
ألفوا الوفا كم من وفي في الأنا * م وكم خؤون لا تسلني عنهما
حفظوا النبي بولده أفعال ذي الحسب * الأمين وفا فلا فضوا فما
وقال في خاله الشيخ مهدي شمس الدين ويقال انه من ذرية الشهيد
الأول:
ان من خير أنعم الله عندي * ان جدي الهادي وخالي المهدي
يا لها نعمة وكم من أياد * قد حباني بها المهيمن وحدي
يا ابن من نال بالشهادة ما نا * ل علاء شامخا وجنة خلد
وغدا من بيانه في دروس ال‍ * علم نجد العلوم أوضح نجد
غرست راحتاه روضة فضل * فاح منها أريج عطر وند
وأرانا قواعد الدين قد احكمن * من فكره برأي أسد
قد أعدت الشهيد حيا ولولا * ك لظل الشهيد في ضمن لحد
حزت علم الشهيد بالجد فار والعلم * يا ابن الشهيد عن خير جد
لك صفو الوداد مني فاقبل * يا رعاك الاله خالص ودي
واطو من شقة البعاد بما يحمد * عقباه من ذميل ووخد
زر مشوقا بعد الصدود فما أحلي * وصال المحب من بعد صد
وقال يصف مجلسا له في قلعة دوبيه أيام الربيع سنة ١٣٢٥:
(٣٤٢)

نحن في قلعة وحصن منيع * خيمت حولنا جنود الربيع
وبذاك الثغر المصون جموع * للأقاحي تحصنت بجموع
ولدينا الشقيق ناضل حتى * صبغ الأرض جنده بالنجيع
ولورد الرياض شوكة باس * ظهرت في خلال تلك الربوع
وقنا الياسمين مذ مال نحو النرجس * الغض خر أي صريع
ويد القطر خوف باس الأعادي * نسجت للربى أعر دروع
ما ترى الجو قد تنكب قوسا * وانتضى البرق غرب سيف صنيع
وغدت خوف ذا وذاك عيون السحب * تبكي على الربى بدموع
وقال مخمسا هذين البيتين وهما لبعض المتقدمين في المشهد المنسوب إلى
السيدة زينب برواية من قرى دمشق:
لبنت خير الورى طرا وبضعته * قبر ملوك الورى تعنو لهيبته
فقلت مذ فزت في تقبيل تربته * من سره ان يرى قبرا برؤيته
يفرج الله عمن زاره كربة
فذا إذا الطرف من بعد تبينه * رأى من العالم العلوي أحسنه
ومن يرم ان دهاه الخوف مامنه * فليات ذا القبر ان الله أسكنه
سلالة من رسول الله منتجبه
وقال مشطرا لهما:
من سره أن يرى قبرا برؤيته * يزيل عمن رآه ربه وصبه
وان يزور ضريحا لم يزل أبدا * يفرج الله عمن زاده كربه
فليات ذا القبر ان الله أسكنه * مكنون سر عن الأوهام قد حجبه
وخصه بمزايا الفضل حين حوى * سلالة من رسول الله منتجبه
ولما انتقل من وادي السلوقي إلى بركة المرج في دوبيه قال:
بركة المرج لا عدتك الغوادي * كم تروت لديك غلة صادي
راق ماء ما بين روض أنيق * في ثراها ورق تغريد شادي
زانها نرجس ونور أقاح * بين آس معطر الابراد
فغدا مرجها محط رحال * لوفود الوراد والرواد
لمع الماء صافيا في ثراها * فأرتنا السماء بين الوهاد
طرزتها يد الرياض فاضحى * فائقا حسنها على كل نادي
وعجبنا والشهب تلمع فيها * من ضرام في مائها ذي اتقاد
هي بين الأزهار شمس تبدت * وضح الصبح بين شهب بوادي
آنست مقلتي بها نور أنس * ظل فيها لمبتغي الأنس هادي
حسدتها عين السلوقي حتى * سفحت دمعها على سفح وادي
تلك قرت عينا وذي شأنها النو * ح وسح الدموع سح الغوادي
بين هذي وتلك بون بعيد * عطفته جماعة الوراد
أين من في الحضيض ينحط ممن * هو في الأوج فوق سبع شداد
شاق من جاءها تمايل بان * يتثنى بفده المياد
وقال هذه الأبيات بشراكة جماعة: وما كان عليه علامة ع فهو
لولده السيد عبد الحسن وما كان عليه علامة أ فهو للسيد احمد قنديل وما
كان عليه علامة مح فهو الشيخ محمد شمس الدين.
س وصف الغصن مذ أمال قوامه * وحكى البدر مذ أماط لثامه
ع عم الظبي لفتة ونفارا * وأعار الأقاح منه ابتسامه
طرفه خده شذاه لماه * نرجس وردة عرار مدامه
أ قد غنينا بنشره عن عبير ال‍ * مسك فض النسيم منه ختامه
ع ما كفاه بالمطال بالوعد حتى * س منع الهائم المشوق كلامه
وحمى ثغره بعقرب صدع * وبطرق له أراش سهامه
كم سقاني من الرضاب كؤوسا * نقعت من فؤاد صب اوامه
ولكم ضن بالسلام فما أيقنت * من بعد ضنه بالسلامه
وألفت الهيام فيه زمانا * وبه يألف الفؤاد هيامه
شهد الخال للجمال بخديه * وذا الخال للجمال علامة
كيف لم يرع للمحب ذماما * ويقود العذول منه زمامه
ع بلغ الحاسدون فينا مراما * وفؤادي لم يقض منه مرامه
ع هتف المستهام يا أهل ودي * صاد مني الفؤاد ريم برامه
س صرعتني الجفون منه ولم أعدد * لحرب الجاذر العين لامه
لام ذا صبوة وعنف من لم * ير من صدع من سبأ القلب لامه
خيم الوجد في ضلوعي لما * قوض الصبر من فؤادي خيامه
ع قد تبنى بحسنه فجدير * لي بين العشاق دعوى الإمامة
مح كيف يلهو عنه فؤاد محب * مازج الحب لحمه وعظامه
حرم الوصل وهو شئ حلال * ومن الهجر قد أحل حرامه
كلما افتر عن ثناياه شمنا * في عقيق اللثاث حب الغمامة
عجبا ما رعى ذمام محب * ظل عمر الزمان يرعى ذمامه
ليته زارني ولو بخيال * طارق في الدجى ولو إلمامه
وأرسل إلى ولده السيد عبد الحسين والشيخ علي حسين شمس الدين
بهذين البيتين:
لم يبق لي خال من الدلف * غير محل الفرش واللحف
فهل لديكم موضع لم تكن * تجري عليه أدمع السقف
وأرسل إليه السيد حسين احمد بطيخة ومعها هذه الأبيات:
وافتك في لون من التبر * فيها الأهلة وهي كالبدر
يزري شذاها حين تنشقه * بالطيبين المسك والعطر
أهديتها حبا لكم مؤثرا * فيها فدم لي مدة الدهر
فاجابه بهذه الأبيات:
قابلت ما أهديت بالشكر * وبأحسن الاطراء والذكر
وعرفتها من طيبك اكتسبت * مذ فاح منها طيب النشر
لو لم تكن كف الحسين لها * لمست لما طابت لدى الخبر
يسقيك طعم الشهد باطنها * ويريك لون التبر في القشر
والقادر الرحمن كللها * من صنعه باهلة عشر
وله أشعار أخرى تأتي في ترجمة أخيه السيد محمد.
مراثيه
قال الشيخ احمد رضا يرثيه ويعزي عنه أخاه السيد محمد وابن عمه
مؤلف الكتاب:
بكاء على ربع العلى بعد ما جفا * لعل البكا يرويه بالديمة الوطفا
(٣٤٣)

ونوحا على دار تحمل أهلها * نواح ذوات الأيك فارقت الألفا
وهاتفة بالبين تدعو ودونها * قلوب تداعت حسرة وقضت لهفا
إذا رددت من زفرة شجو واحد * تراها لفرط الثكل مشجية ألفا
وأكباد فتيان تقاسمها الجوى * فجرعها صاب الأسى علقما صرفا
تقلب من فرط الزفير فؤادها * على جمرة من لاعج البين لا تطفى
عنت لصروف الدهر وهي أبية * ولم تك تخشى قبلها للردى صرفا
ونفس أبت ان تالف الضيم ساعة * فاما ورود العز أو ترد الحتفا
رماها طروق البين عن قوس غادر * فاعجلها سلبا وعاجلها خطفا
ثنت عطفها نحو المنون ولم تكن * إباء لغير العز مثنية عطفا
لئن سلست قودا إلى الحتف انها * لأكرم ان يستامها ريبة خسفا
ولكنها طوعا إلى الله أقبلت * تؤم من الرضوان مورده الاصفى
قضى عصمة العلياء كافل أمرها * فقل للمعالي بعده نكسي الطرفا
قضى وهو أوفى العالمين حفيظة * وأعلى الورى كعبا وأنداهم كفا
دعوناك يا غوث الصريخ وقد بدت * طلائع جيش الدهر ترهقنا زحفا
دعوناك إما أعضل الخطب في الورى * وأغضى أخو البأساء من ذلة طرفا
فأين البهاء الطلق يشرق هيبة * وأين الندى الفياض يستنزر الوكفا
ومن أخمد النار التي فاض نورها * ومن سام هذا البدر في تمه خسفا
ومن عال من غيل الشريعة أغلبا * وأعلامها الغراء من سامها لفا
نعم شيمة الأيام صولة ماكر * فكم زلزلت طودا وكم زعزعت كهفا
الا من نقيب روع الدهر سربه * فأصبح من داء التلهف لا يشفى
أقام على ربع خلا منه أهله * يعاتب دهرا فيه لم يعطه النصفا
سلام على السفر الذين تحملوا * بصبري فصبري بعدهم ربعه أعفى
وما مطفل إدماء أدمت يد النوى * حشاها فباتت ثاكلا تطلب الخشفا
تئن فتبدي من جوى الحزن لوعة * ولكن ما تبديه بعض الذي يخفى
وتبكي فمن دمع يمازحه دم * عليه ومن دمع تجود به صرفا
بأفجع منى يوم خفت ظعونهم * بهم وفؤادي اثر ركبهم حفا
عفاء على الأيام بعد عليها * فلا أمل يقضي ولا غلة تشفى
ولولا أخوه المجتبى وابن عمه * لم بلغ الظمان من مورد رشفا
محمد ذو العليا ومحسن ذو الحجى * همامان في نصر العلى عقدا حلفا
يرى فيهما خير البرية محتدا * وأوسعهم فضلا وأجزلهم عرفا
يرى فيهما خير البرية محتدا * وأوسعهم فضلا وأجزلهم عرفا
وهذا ابنه الزاكي رقى هامة العلى * فزفت له ابكار عليائها زفا
عزاء بني الزهراء وان جل ما نرى * فأي فتى في الدهر لا يريد الحتفا
وحيا عهاد العفو أكرم تربة * يباكرها الرضوان بالديمة الوطفا
وقال السيد هاشم عباس من قصيدة:
أيا غاديا رحماك ان قلوبنا * تطاير من وجد عليك شرارا
لقد عثر الدهر الخئون وانه * على ما جناه لا يقال عثارا
لفقدك أبكي أعين الفضل والتقى * دموعا كصوب المرسلات غزارا
وراع المعالي والمكارم صرفه * كان له عند المكارم ثارا
وثل عروش المجد وهي منيعة * واعقبها بعد النعيم دمارا
ولولا بقاء الحبر فينا محمد * لماد بنا وجه البسيط ومارا
همام له ألقى مقاليده الهدى * ومصباح دين الله فيه أنارا
ومولى عليه الفضل مد رواقه * ومن حوله سور الهداية دارا
عليه مدار الرشد والفضل والتقى * كذا القطب للعليا يكون مدارا
به يحمد السلوان عن كل ذاهب * وان زاد سلوان الفقيد نفارا
وبالمحسن الافعال ذي الهمة اللتي * تجاري السها شاوا وليس تجارى
كريم السجايا والفضائل من سما * مقاما ومجدا في الورى وفخارا
وعيلم علم فاض رشدا وحكمة * بنور هداها كم أماط ستارا
وبالحسن الزاكي النقيبة والثنا * مذيق الأعادي في الكفاح بوارا
فتى المجد والعلياء من بات همه * طلاب المعالي حيث حل وسارا
هو المرتجى للنائبات إذا دجت * وللجود يهمي من يديه نضارا
وناهيك بالندب المؤمل للورى * حسين إذا الخطب الجسيم أغارا
أخو الفضل والمعروف والحلم من له * نهى قد تناهى هيبة ووقارا
وذو المأثرات الغر يلمعن والعلى * نجوما حكت زهر النجوم نثارا
وبالأروع المقدام ذي المحتد الذي * تسامى على أوج السماك قرارا
أريج الثنا عبد الحسين الذي سمت * به عزمة كالمرهفات غرارا
هم القوم أسرار العلوم لديهم * ورشد الورى فيهم توطن دارا
بهم تكشف الجلي ويستمطر الندى * بهم يهتدي من في الضلالة حارا
بني المجد يا آل الأمين مصابكم * رزاياه أبكت هاشما ونزارا
فصبرا على ما قد قضى الله فيكم * فليس امرؤ يستطيع منه فرارا
لكم أسوة بالمصطفى وبآله * فهم جرعوا مر الخطوب مرارا
ولا ذقتم من بعدها طعم نكبة * مدى الدهر ما طير الحمائم طارا
سقى جدثا حل الفقيد بلحده * سحائب رضوان تصوب غزارا
وقال الشيخ محمود بحسون:
ألا كل نفس للمنون مصيرها * ولو شيدت بين النجوم قصورها
ولو تفتدى نفس بأخرى لفديت * بأوراحنا نفس عزيز نظيرها
فرب رجال في الأنام بقاؤها * حياة لقوم بالفداء سرورها
ورب صدور لو تعاض عن الثرى * لما كان الا في الصدور قبورها
ولكن أمر الموت حتم على الورى * تساوى به مأمورها وأميرها
وأجسامنا تهوى المعاد لأصلها * ومهما تزكت فالتراب طهورها
خليلي هلا تسعداني بعبرة * فقد نضبت عيني وجف مطيرها
تخيلت قطرات الدموع من الأسى * جمارا تلظى فوق خدي سعيرها
كان بعيني ما بقلبي من الجوى * أو المهجة استعلى لعيني زفيرها
خليلي هلا استعبرت مقلتاكما * على مقلة غامت وأظلم نورها
بكت فقد من أبكى السماء مصابه * وناحت عليه الأرض حتى صخورها
وأصمت رجال الدين أبناء نعيه * فمادت بها الدنيا وحارت أمورها
خليلي هل بعد العلى امامنا * يبيت سخين العين وهو قريرها
مضت تلكم الآمال وانصرم الرجا * وصوح من روض الأماني نضيرها
مضى العلم المنشور للرشد وانطوت * سماوات فضل غاب عنها منيرها
مضى العليم المقصود للري والندى * إذا اشتد بالهيم العطاشى حرورها
فيا لك خطبا يرزح الصبر تحته * تداعت له العلياء وانزاح سورها
وقامت به في الخافقين ماتم * أصم صماخ الفرقدين نفيرها
وقد طاش لب العرب الا حواسدا * وقد انكشفت عن غير لب قشورها
وأسكرت الكون الحوادث بعده * وان صروف الدهر شتى خمورها
هو الجوهر الفرد الذي بصفاته * تفاخرت العليا وزينت نحورها
لقد أدهش الدنيا سناه وان يكن * أميلت على بعض العيون ستورها
فقد يجحد الحق المبين عوالم * من الناس ترضى ان يخان ضميرها
(٣٤٤)

تسلسل من بيت النبوة سيدا * به قضيت للمكرمات نذورها
إذا عد إعلام الورى فهو شمسهم * وان عدت الاشراف فهو أميرها
فكم من عفاة فيه ريش جناحها * وكم من عتاة فيه قدت ظهورها
فوا أسفا ان يفقد الدين مثله * إذا الناس تغلى باخلاف قدورها
تمالأت الأيام حسب طباعها * عليه وأحمى شفرة الغدر كيرها
فاوسعها صبرا وما ازداد خبرة * وهل يغلب الأيام الا خبيرها
هو العمر ما تصفو لياليه كلها * إذا ما حلت يوما تلاها مريرها
ومن خلق الدنيا امتحان كرامها * ولكن بظل الصبر يندى هجيرها
وما حزن ثكلى افقد الدهر فذها * فأوحش مغناها وأقفر دورها
وراحت ومغداها الأسى ومراحها * عشياتها ويل وليل بكورها
وقد أمسكت عن كل شئ سوى البكا * فمن دمعها إفطارها وسحورها
بأعظم من حزني عليه وانما * يظن خليا في الرجال صبورها
جدير بقلبي أن يذوب لفقده * وحق لعيني أن تفيض بحورها
وما يذكر المعروف آت أخو وفا * ولا ينكر النعماء الا كفورها
ومن شيمي اني على العرف شاكر * ورب اياد ما جزاها شكورها
فمنحته عندي كثير أقلها * ومدحته مني قليل كثيرها
وهيهات ان أنسى مكارم جاهه * وان هي للعقبى ذخرن أجورها
ولعت زماني في مدائحه التي * تباهت بها بين الأنام صدورها
وكنت أصوع الدر فيه تهانيا * يطيب بعرنين الكرام عبيرها
فويح فؤادي ان يكون مراثيا * تخط وتمحى بالدموع سطورها
كان نظيم الشعر شاطر في الأسى * فقد اوشكت تعصى علي شطورها
وانى يطيع الشعر فكرة مكمد * لقد تاه من عظم المصاب شعورها
بلى انها تاهت وشاهت دنانها * وأصبح في الأذواق حلا عصيرها
وبلبلها فقد العلي فأنشأت * بلابلها يحكى النحيب صفيرها
وأثر في الأقلام حزني كأنها * حمائم دوح عاد نوحا هديرها
أ لم ترها فوق الطروس نواكسا * يردد أنواع الأنين صريرها
تلقف أبيات الرثا من خواطري * فتلتاع حتى انحط وهنا خطيرها
وتجري بها فوق المهارق تلتوي * وترغو كعيس قد تثاقل كورها
تساجلني رجع الحنين كأنها * لقد عقلت ان الفقيد نصيرها
وأزعجها مني ارتجاف أناملي * من الوجد حتى كاد يعمى بصيرها
تغوص إذا أدنيتها من مدادها * تخال حدادا يكتسيه حسيرها
فوا عجبا حتى اليراعة بعده * براها الأسى بل كاد ينفخ صورها
أجل انها كانت تزف عرائسا * لغير علاه لن تباح خدورها
تود العقول العشر من فرط حسنها * إذا برزت لو أنهن مهورها
فأصبحن بعد اليوم شعثا نوادبا * أناخ بها بعد الحبور ثبورها
فقل لذوي الأقلام قطوا لسانها * عن المدح ولى من ثناه نميرها
سرى لجوار الله يرقل بالتقى * وفارق دنيا لم يمله غرورها
وحل من الفردوس أرفع منزل * تحييه ولدان الجنان وحورها
فيا رب روح بالمراحم روحه * وزده من الآلاء فهو جديرها
وأغدق على مثواه سارية الرضا * يجلجل بالعفو العميم غزيرها
وأحسن عزاء ابن الأمين محمد * وأيد به العلياء فهو ظهيرها
هو العلم السامي على الفخر قدره * إذا ما تسامى في الأنام فخورها
تورث أخلاق الكمال بأسرها * أبا عن جدود كل مجد أسيرها
وأحرز غايات المعالي فأينعت * رباه بمغناه وفاحت زهورها
لأقلامه هام البلاغة خاضع * تغني على أغصانهن طيورها
ويعنو له سحر البيان فيجتلي * معاني لم يسنح ببال خطورها
فكم لعلاه منشات تكاد من * رقائق مغزاها يسيل نميرها
يهيم أولو الألباب فيها صبابة * فيا لك راحا صيغ لطفا مديرها
له فكرة لو جسمت لحسبتها * مجرة أفق هز نصلا غديرها
تنير دياجير الخطوب وتنتضي * من الرأي عضبا فيه يبيض قيرها
فإن كان هذا الخطب كدر صفوه * فبالصبر تجلى عن نفوس كدورها
أ مولاي هذي عادة الدهر لم يدم * سرورا كذا الأحزان تطوى شهورها
وما الصبر الا شيمة بمثالكم * لدى ظلم الأكدار يبدو سفورها
بقيت بقاء الدهر يا خير ماجد * تنادمك العليا وأنت سميرها
وعظم رب العرش أجرك منة * كما عظمت للصابرين أجورها
عليه من الرحمن خير تحية * تبسم عن برد النعيم ثغورها
مدى الدهر ما اجرى الحزين مدامعا * أوائلها سفح ولفح أخيرها
الشيخ علي بن محيي الدين الجامعي العاملي.
رأيت له رسالة في المواريث كتبها لأهل كونين من قرى جبل عامل
جاء فيها بعد التسمية والتحميد والصلاة ما صورته:
وبعد فيقول العبد الفقير إلى الله الغني علي بن محيي الدين الجامعي
العاملي أنه قد التمس مني بعض الاخوان في البلدة المسماة بكونين صانها
الله عن طوارق الحدثان وذلك في شهر ذي القعدة الحرام سنة ١٠٠٨ انشاء
رسالة في الميراث أسهل فيها ما استصعب من الضرب والقسمة وبعض
قواعد الحساب من مخارج الكسور والتوافق والتباين والتداخل والتماثل مع
تشتت البال وكثرة الحل والترحال ولم يكن معي دفتر ولا كتاب الا بعض
المختصرات فان وفق الرحمن ثنيت برسالة أخرى وعززناهما بكتاب ثالث،
إلى آخر ما قال.
وهذا غير الشيخ علي بن أحمد المتقدم بل متأخر عنه لأن ذلك توفي
سنة ١٠٠٥ إن صح تاريخ وفاته كما مر وهذا صنف الرسالة كما سمعت سنة
١٠٠٨ ولم يذكره الشيخ جواد آل محيي الدين في كتيبه ولا ذكره صاحب أمل
الآمل.
المولى علي بن مراد.
له أنوار القرآن في مصباح الايمان تفسير للقرآن مختصر مشتمل على
شرح بعض مشكلاته.
فخر الدين أبو الحسن علي بن المرتضى بن محمد العلوي الحسيني القمي
النسابة النقيب بقم.
ذكره جمال الدين أبو الفضل أحمد بن المهنا العبيدلي في المشجر وقال
هو علي بن المرتضى بن محمد بن المطهر فقيه جليل ابن عز الدين أبي القاسم
علي بن محمد بن المطهر نقيب فاضل شاعر ابن علي بن محمد ابن أبي القاسم
علي ابن أبي جعفر محمد رئيس قم ابن أبي يعلي حمزة الطبري ابن احمد الدج
بن محمد بن إسماعيل الديباج ابن الأرقط بن عبد الله الباهر بن زين
العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب النقيب بقم ونواحيها.
(٣٤٥)

٦٩٧: النقيب جلال الدين علي بن شرف الدين المرتضى العلوي الحسيني
الآوي.
ألف باسمه المقداد السيوري كتاب الأنوار الجلالية في شرح الفصول
النصيرية وهو شرح على رسالة الفصول في الكلام للخواجه نصير الدين
الطوسي وكان أصل الرسالة بالفارسية فترجمها إلى العربية ركن الدين
محمد بن علي الجرجاني الاسترآبادي الحلي الغروي تلميذ العلامة وشرح
الترجمة المقداد باسم جلال الدين علي المذكور وقال في خطبة هذا الشرح ما
صورته وخدمت به عالي مجلس من خصه الله بخصائص الكمال وحباه
بأشرف عنصر وأكرم آل وجعله بحيث يتصاعد بتصاعد همته العليا مراتب
آبائه الأكرمين وهو المولى السيد النقيب الطاهر المرتضى الأعظم مستخدم
أصحاب الفضائل بفواضل النعم ومستقبل أرباب المكارم بفائق من يد
الكرم الذي تسنم من الشرف صهوات مصاعده واستعلى من خصائص
المجد على أعلى مقاعده وأحرز بأياديه الشريفة قواعد الدين وحفظ بجميل
سيرته معاقل المؤمنين ذاك شرف الاسلام وتاج المسلمين بل ملك السادات
والنقباء في العالمين وظهير أعاظم الملوك والسلاطين السيد النقيب الأطهر
جلال الملة والحق والدنيا والدين أبو المعالي علي:
أساميا لم تزده * معرفة وانما لذة ذكرناها
ابن المولى السيد النقيب الطاهر السعيد المغفور شرف الملة والدين
المرتضى العلوي الحسيني الآوي خلد الله تعالى سيادته وربط بالخلود اطناب
دولته ولا زالت أيامه الزاهرة تميس وتختال في حلل البهاء والكمال وتمت له
النعمى وذلت له المنى وحلت بمن عاداه قاصمة الظهر ولا عرفت أيامه نوب
الدهر ليشرفه بنظره الثاقب ويعتبره بحدسه الصائب اه ومن ذلك يعلم
أنه كان نقيبا ولم يكن ملكا وإن وصفه بملك السادات والنقباء فوصف
المعاصر في مؤلفات الشيعة له بالملك لم يظهر وجهه.
وكتاب الأنوار الجلالية رأينا منه نسخة في جبل عامل ذهب أسفل
بعض صفحاتها وتاريخ كتابتها سنة ١١٤٦.
سند الدولة علي بن مزيد الأسدي.
توفي سنة ٤٤٨.
في تاج العروس ملك جزيرة بني دبيس سنة ٤٤٥.
علاء الدين علي بن المظفر بن إبراهيم بن عدر وبن زيد الكندي كاتب ابن
وداعه المعروف بالوداعي صاحب التذكرة الكندية في خمسين مجلدا.
ولد بحلب سنة ٦٤٠ وسافر إلى دمشق فتوفي سنة ٧١٦.
كان فاضلا أديبا شاعرا حاملا لواء البديع في التورية وغيرها وكان
ابن نباته عيالا عليه وسارقا منه وعقد ابن حجة له في الخزانة فصلا لسرقاته
منه وكان قد درس بالشام وشاركه الذهبي في السماع، وكتب بديوان
الإنشاء. ومن شعره:
ترى يا جيرة الرمل * يعود بقربكم شملي
وهل تقتص أيدينا * من الهجران للوصل
وهل ينسخ لقياكم * حديث الكتب والرسل
بروحي ليلة مرت * لنا معكم بذي الأثل
وساقينا وما يملي * وشادينا وما يملي
وظبي من بني الأتراك * حلو التيه والدل
له قد كغصن البان * ميال إلى العدل
وطرف ضيق ويلاه * من طعناته النجل
أقول لعاذلي فيه * رويدك يا أبا جهل
فقلبي من بني تيم * وعقلي من بني ذهل
وقوله:
سمعت بان الكحل للعين قوة * فكحلت في عاشور مقلة ناظري
لتقوى على سح الدموع على الذي * أذاقوه دون الماء نار البواتر
وقوله:
يا مالكا صدق مواعيده * خلى لنا في جوده مطمعا
لم نعد في السبت فما بالنا * لم تأتنا حيتاننا شرعا
وقال على لسان صديق يهوى مليحا في أذنه لؤلؤة:
قد قلت لما مر بي * مقرطق يحكي القمر
هذا أبو لؤلؤة * منه خذوا ثار عمر
وفي الدرر الكامنة: هو منسوب إلى ابن وداعة عز الدين عبد العزيز
ابن منصور بن وداعة الحلبي كان الناصر بن العزيز ولاه شد الدواوين
بدمشق ثم ولاه الظاهر بيبرس وزارة الشام فكان علاء الدين الوداعي كاتبه
فاشتهر بالنسبة إليه لطول ملازمته له. تلا السبع على علم الدين اللورقي
وابن أبي الفتح وطلب الحديث فسمع من ابن أبي طالب ابن السروي ومن
عبد الله بن الخشوعي وعبد العزيز الكفرطابي والصدر البكري وعثمان بن
خطيب القرافة وإبراهيم بن خليل قرأ عليه بنفسه المعجم الصغير للطبراني
وابن عبد الدائم ومن بعدهم، قال البرزالي جمعت شيوخه بالسماع من
سنة أربعين فما بعدها فبلغوا نحو المائتين واشتغل في الآداب فمهر في العربية
وقال الشعر فأجاد وكتب الدرج بالحصون مدة ثم دخل ديوان الإنشاء في
آخر عمره بعد سعي شديد وكان لسانه هجاء فكان الناس ينفرون عنه
لذلك وكان شديدا في مذهب التشيع من غير سب ولا رفض وزعموا أنه
كان يخل بالصلاة وولي الشهادة بديوان الجامع ومشيخة الحديث النفيسية
وجمع تذكرة في عدة مجلدات تقرب من الخمسين وقفها بالسميساطية وهي
كثيرة الفوائد. قال الذهبي لم يكن عليه ضوء في دينه وكان يخل بالصلاة
ويرمى بعظائم وكانت الحماسة من محفوظاته حملني الشره على السماع من
مثله، قال ابن رافع سمع منه الحافظ المزي وغيره وكان قد سمع الكثير
وقرأ بنفسه وحصل الأصول ومهر في الأدب وكتب الخط المنسوب، سالت
الكمال الزملكاني عنه فقال اشتغل في شبيبته كثيرا بأنواع من العلوم وقرأ
بالسبع وقرأ الحديث وسمعه وحصل طرفا من اللغة وكان له شعر في غاية
الجودة فيه المعاني المستكثرة الحسان التي لم يسبق إلى مثلها وكان يكتب
للوزير ابن وداعة ويلازمه ثم نقصت حاله بعده ولم يحصل له انصاف من
جهة الوصلة ولم يزل يباشر في الديوان السلطاني، وقال البرزالي باشر
مشيخة دار الحديث النفيسية عشرين سنة إلى أن مات قال المؤلف نسبته
إلى الاخلال بالصلاة ناشئ عن عدم صلاته أحيانا خلف من لا يعتقد
(٣٤٦)

عدالته فيظنون به ذلك، والذهبي لم ير عليه ضوءا في دينه لأنه شيعي
وكذلك الخفاش لا يرى الضوء ورميه بعظائم ليس الا للتشيع. وكانت له
ذؤابة بيضاء إلى أن مات وفيها يقول:
يا عائبا مني بقاء ذؤابتي * مهلا فقد أفرطت في تعييبها
قد واصلتني في زمان شبيبتي * فعلام اقطعها أوان مشيبها
ومن لطائفه قوله:
ويوم لنا بالنير بين رقيقة * حواشيه خال من رقيب يشينه
وقفنا فسلمنا على الدوح غدوة * فردت علينا بالرؤوس غصونه
وله:
ولا تسألوني عن ليال سهرتها * أراعي نجوم الأفق فيها إلى الفجر
حديثي عال في السماء لأنني * أخذت الأحاديث الطوال عن الزهر
وله وكتبهما عنه الرشيد الفارقي وكان يستجيرهما:
ولو كنت أنسى ذكره لنسيته * وقد نشأت بين المحصب والحمى
سحابة لوم أرعدت ثم أبرقت * بسمر وبيض أمطرت عنهما دما
وله:
فتنت بمن محاسنه * إلى عرب النقي تنمي
عذار من بني لام * وطرف من بني سهم
وعذالي بنو ذهل * وحسادي بنو فهم
وله:
خليلي لا تسقني * سوى الصرف فهو الهني
ودع كأسها أطلسا * ولا تسقني مع دني
وله:
قسما بمرآك الجميل فإنه * عربي حسن من بني زهران
لا حلت عنك ولو رأيتك من بني * لحيان لا بل من بني شيبان
أخبرني أبو الحسن بن أبي المجد بقراءتي أنشدنا الوداعي لنفسه اجازة
وهو آخر من حدث عنه:
قال لي العاذل المفند فيها * حين وافت وسلمت مختاله
قم بنا ندعي النبوة في العشق * فقد سلمت علينا الغزالة
وله:
إذا رأيت عارضا مسلسلا * في وجنة كجنة يا عاذلي
فاعلم يقينا أنني من أمة * تقاد للجنة بالسلاسل
ونص على تشيعه في نسمة السحر وفوات الوفيات وتذكرة الحفاظ
للذهبي، والصفدي في تاريخه. له التذكرة الكندية، قال ابن كثير الشامي
في تاريخه أنه جمع كتابا في خمسين مجلدا فيه علوم جمة أكثرها أدبيات سماه
التذكرة الكندية وقفها بالسميساطية اه ذكرها في كشف الظنون بثلاثة
عناوين: تذكرة الوداعي والتذكرة العلائية والتذكرة الكندية.
أبو الحسن علي بن المعاذ البغدادي
مر بعنوان علي بن أبي المعاذ.
علي بن المقرب العيوني الأحسائي.
قال الحافظ المنذري في كتابه التكملة لوفيات النقلة، نسخة دار
الكتب المصرية في ذكر وفيات سنة ٦٢٩ ه:
ويقال أبو الحسن علي بن المقرب بن منصور بن المقرب بن الحسن بن
عزيز بن سنبار بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم الربعي العيوني البحراني
الأحسائي الشاعر بالبحرين ومولده سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة بالأحساء
من بلاد البحرين وقيل أنه توفي في رجب من هذه السنة. ٦٢٩ قدم
بغداد وحدث بها شيئا من شعره، كتب عنه غير واحد من الفضلاء ودخل
الموصل أيضا ومدح ملكها وأقبل عليه أهل البلد أيضا وكان شاعرا مجيدا
مليح الشعر وقيل أنه من بكر بن وائل انتهى ويقول الدكتور مصطفى
جواد أنه أقام ببغداد سنة ٦١٠ وسنة ٦١٤ أو بعضها وسمع الأدباء والرواة
عليه شعره أو كثيرا منه. ويقول أن وفاته كانت في البحرين في المحرم سنة
٦٢١ كما أنه لقبه بكمال الدين أو موفق الدين أبو عبد الله اه.
وقال في كتاب ساحل الذهب الأسود:
نظم الشعر في سن مبكرة وهو لا يتجاوز العاشرة من العمر وقضى
أيام شبابه بالأحساء وكان طموحا للملك، وقد شاهد بام عينه مدى
التناحر والانشقاق في الأسرة العيونية، وطمع كل أمير في الاستئثار بالملك
حتى تجزأت بلاد البحرين إلى امارات بين أسرته، وظل كل أمير يثب على
ابن عمه أو أخيه فيقاتله أو يقتله.
وقد أصاب الشاعر شئ من هذه المحنة فصادر أبو المنصور أملاكه
وسجنه، ولما أطلق سراحه غادر الأحساء إلى بغداد، وحين تولى محمد بن
ماجد عاد إلى مسقط رأسه فمدحه أملا منه في استرجاع أملاكه، فماطل في
وعده ووشى به بعض الحساد من جلساء الأمير، فخاف الشاعر على نفسه
فغادرها إلى القطيف ولبث فيها فترة مدح أميرها الفضل بن محمد دون
جدوى، ثم عاد أخيرا إلى الأحساء أملا منه في اصلاح الوضع، فلما يئس
غادرها إلى الموصل حيث مدح أميرها بدر الدين بقصائد كما هجاه أخيرا
حين لم يصل منه إلى غاياته، وكان هذا الأمير مملوكا أرمنيا فمما قاله فيه:
تسلط بالحدباء عبد للؤمه * بصير بلى عن كل مكرمة عمي
إذا أيقظته لفظة عربية * إلى المجد قالت أرمنيته نم
له ديوان شعر مطبوع حذف منه طابعوه مدائحه ومراثيه في آل البيت
ع. ذكره صاحب أنوار البدرين في ترجمة علماء الأحساء
والقطيف والبحرين فقال في الباب الثالث في ترجمة علماء هجر وهي
الأحساء: ومن أدبائها البلغاء وأمرائها النبلاء الأمير الأريب الأديب
المهذب علي بن مقرب الأحسائي ينتهي نسبه إلى عبد الله بن علي بن
إبراهيم العيوني الذي أزال دولة القرامطة من ربيعة كما تقدم، وقال قبل
ذلك لم تزل القرامطة في دولتهم ومنكراتهم حتى أباد الله دولتهم وأخمد
(٣٤٧)

صولتهم بظهور الأمير عبد الله بن علي العيوني الأحسائي آل إبراهيم من
ربيعة جد الأمير علي بن مقرب الشاعر الأديب فبقي يغاديهم ويراوحهم
بالحرب مدة سبع سنوات وهو في أربعمائة رجل وربما تزيد ميلا حتى ذهبت
أيامهم وعفت رسومهم وأعوامهم وإلى ذلك يشير المترجم في بعض
قصائده:
سل القرامط من شظى جماجمهم * طرا وغادرهم بعد العلا خدما
من بعد أن جل بالبحرين شأنهم * وأرجفوا الشام بالغارات والحرما
وما بنوا مسجدا لله نعلمه * بل كلما وجدوه قائما هدما
وحرقوا عبد قيس في منازلها * وغادروا الغر من ساداتها حمما
قال وكان المترجم أديبا فاضلا ذكيا أبيا شاعرا مصقعا من شعراء أهل
البيت ومادحيهم المتجاهرين ذا النفس الأبية والأخلاق المرضية والشيم
الرضية، وقد كشف جامع ديوانه وشارحه كثيرا من أحواله بتفصيله واجماله
وهو مطبوع وإن كان الظاهر أنه من المخالفين له في المذهب والمشاركين له
في الأدب ولهذا حذف من أشعاره المراثي والمدائح وجرد منها ما هو الأولى
بالذكر والصالح ويحتمل التقية في حقه وقد وقعت له على مراث كثيرة في
الحسين ع منها المرثية في نظم مقتل الحسين ع ومنها قصائد من
جملتها القصيدة المشهورة التي أولها:
من أي خطب فادح نتألم * ولأي مرزية ننوح ونلطم
يقول في آخرها:
قمنا بسنتكم وحطنا دينكم * بالسيف لا نألوا ولا نتبرم
وعلى المنابر صرحت خطباؤنا * جهرا بكم وأنوف قوم ترغم
لا تسلموني يوم لا متأخر * لي عن جزا عملي ولا متقدم
وفي نظمه الحماسة والامثال الجيدة مع البلاغة المستحسنة، وقد
أصابته من بني عمه نكبات أوجبت له تجشم الغربات وفي ديباجة شرح
ديوانه شرح لما لقيه من زمانه وهو مبذول اه.
قال في اغترابه:
في كل أرض إذا يممتها وطن * ما بين حر وبين الدار من نسب
إذا الديار تغشاك الهوان بها * فخلها لضعيف العزم واغترب
وقال:
فان ساءتك أخلاق أهله * فدعه فما يغضي على الضيم ماجد
فما هجر أم غذتك لبانها * ولا الخط أن فارقتها لك والد
وقال:
خلياني من وطاء ووساد * لا أرى النوم على شوك القتاد
واتركاني من أباطيل المنى * فهي بحر ليس يروى منه صادي
انما تدرك غايات المنى * بمسير أو طعان أو جلاد
ومن شعره ما عن مطلع البدور ومجمع البحور لصفي الدين أحمد بن
صالح بن أبي الرجال:
يا واقفا بدمنة ومربع * أبك على آل النبي أودع
يكفيك ما عاينت من مصابهم * من أن تبكي طللا بلعلع
بحبهم قلت وتبكي غيرهم * انك فيما قلته لمدعي
أ ما علمت أن إفراط الأسى * عليهم علامة التشيع
أقوت مغانيهم فهن بالبكا * أحق من وادي الغضا والأجرع
يا ليت شعري من أنوح منهم * ومن له ينهل فيض أدمعي
أ للوصي حين في محرابه * عمم بالسيف ولما يركع
أم للبتول فاطم إذ منعت * عن ارثها الحق بأمر مجمع
أم للذي أودت به جعدتهم * يومئذ بكأس سم منقع
وإن حزني لقتيل كربلاء * ليس على طول المدى بمقلع
إذا ذكرت يومه تحدرت * مدامعي بأربع فأربع
يا راكبا نحو العراق جرشعا * تنمى لعبدي النجار جرشع
إذا بلغت نينوى فقف بها * وقوف محزون الفؤاد موجع
والبس إذا بلغتها ثوب الأسى * وكل ثوب للعزاء المفجع
فان فيها للهدى مصارعا * هائلة بمثلها لم يسمع
واسفح بها دمعك لا متقيا * في غربة ونح دواما واجزع
وكل دمع ضائع، سال على * غير غريب المصطفى المضيع
لله يوم بالطفوف لم يدع * لمسلم في العمر من مستمتع
يوم به اعتلت مصابيح الهدى * لعارض من الضلال مفزع
يوم به لم يبق من دعامة * لشد ركن الدين لم تضعضع
يوم به لم يبق قط مارن * ومعطس للحق لم يجدع
يوم به لم تبق قط وصلة * حقا لآل المصطفى لم تقطع
يوم به غودر سبط المصطفى * للمرهفات والرماح الشرع
وحوله من صحبه كل فتى * حامي الذمار بطل سميدع
لهفي لمولاي الشهيد ظاميا * يذاد عن ماء الفرات المترع
لم يسمح القوم له بشربة * حتى قضى بغلة لم تنقع
لهفي له ورأسه في ذابل * كالبدر يزهو في أتم مطلع
لهفي لثغر السبط إذ يقرعه * من لعصاة مجده لم يقرع
يا لهف نفسي لبنات احمد * بين عطاش في الفلا وجوع
يسقن في ذل السبا حواسرا * إلى الشام فوق حسرى ظلع
يقدمهن الرأس في قناته * هدية إلى الدعي ابن الدعي
ينذبن يا جداه لو رأيتنا * نسلب كل معجر وبرقع
يحدو بنا حاد عنيف سيره * لو قيل أربع ساعة لم يربع
يا آل طه أنتم وسيلتي * إلى الاله واليكم مفزعي
واليتكم كيما أكونه عندكم * تحت لواء الأمن يوم الفزع
وإن منعتم من يوالي غيركم * أن يرد الحوض غدا لم أمنع
إليكم نفثة مصدور أتت * من مصقع ندب وأي مصقع
مقربي عربي طبعه * ونجره وليس بالمذرع
ينمى إلى البيت العتيق بل إلى * أجل بيت في العلى وأرفع
عليكم صلى إلهي وسقى * أجداثكم بطل غيث ممرع
علي بن منصور الارمنتي المصري ويعرف بالهواس أو الهواش توفي بأرمنت
من صعيد مصر سنة ٦٩٥.
في الطالع السعيد في فضلاء الصعيد: كان أديبا فاضلا شاعرا،
وكان ينسب إلى التشيع، أنشدني صاحبنا العدل الفقيه علاء الدين علي بن
الشهاب الاسفوني عنه مرثية رثى بها ابن يحيى كبير أرمنت أولها:
(٣٤٨)

شقت لأجل رحيلك الأكباد * ووهت لعظم مصابك الأطواد
وتعطل الوادي فلا لنسيمه * أرج ولا لظلاله استمداد
وأنشدني بعض الأرامنة له:
أهيل الحمى رقوا لحالي والشكوى * فان فؤادي للصبابة لا يقوى
وقلبي وطرفي في اشتغال فواحد * سفوح وذا من نار جمرته يكوى
وصبري عزيز عن لقاء أحبتي * وعيشهم لا أضمرت نفسي السلوى
أقول وقد لاحت بروق على قبا * وعنق اشتياقي عن رفاقي لا يلوى
وحادي المطايا بالركائب قد حدا * بسفح اللوى وهنا يرنم بالشكوى
أأحبابنا بالبيت بالركن بالصفا * بزمزم داووا ما بقلبي من البلوى
السيد مير علي الكبير ابن السيد منصور ابن السيد محمد أبي المعالي ابن
السيد احمد الحسيني الكارزاني الأصل الحائري المولد والمسكن والمدفن.
توفي في كربلاء سنة ١٢٠٧ ودفن عند أبيه السيد منصور بين منارة
العبد والرواق الشريف وهو غير السيد مير علي الصغير صاحب الرياض وإن كان
كل منهما ابن أخت الآغا البهبهاني لكن الثاني حسني طباطبائي والأول
حسيني. ذكره الآغا احمد سبط الآغا البهبهاني في رسالته جهان نما وأثنى
عليه ووصفه بغاية التقدس والصلاح رئي له عدة تصانيف لم تخرج إلى
المبيضة لم يمكث بعد خاله الآغا البهبهاني الا قليلا فلذا لم يشتهر اسمه
واشتهر اسم صاحب الرياض لمكثه كثيرا بعد خاله، هكذا يقال والله أعلم
بحقيقة الحال.
ويحكى ان كلا من الكبير والصغير وهما ابنا الخالة كانا في غاية الفاقة
فقال الكبير للصغير هل لك في أن نسافر إلى الهند فاجابه اني أرجو أن
يأتيني الهند قبل أن آتيه فقال له الكبير إذن فاخلفني في أهلي ثم سافر إلى
الهند سنة ١٢٠٤ في عهد أحد ملوكها النواب آصف الدولة بهادر بن شجاع
الدولة بن صفندر جنك فأكرمه وعظمه وأعطاه لكا من الروبيات مائة ألف
روبية وعين جملة من الأموال لحفر نهر كبير من الفرات إلى النجف فلما
رجع السيد باشر بحفره إلى الكوفة فوفق لذلك وصار نهرا عظيما يسمى
بالهندية وتاريخ حفره موافق لمادة صدقة جارية ١٢٠٨ وهذا بناء على
حساب الهائين تائين وهو خلاف المتعارف من حساب الحرف كما يكتب
ومنها مبلغ خطير لشراء جملة من الدور في الحائر الحسيني ووقفها على أهل
العلم والسادة والاشراف وإلى هذا العصر بعضها كذلك عدا ما بيع منها
على اختلاف الأيدي وتعاقب السنين ومنها بناء سور على مدينة كربلاء وهو
السور الباقي بعضه إلى اليوم.
وروى كاتب في مجلة المرشد البغدادية وفاته كما يلي:
توفي بعد عودته من الهند بأشهر على اثر افتجاعه بغرق أكبر أنجاله
السيد محمد في بحر الهند، واليك فاجعة الغريق التي أشار إليها آقا
أحمد بن المؤسس البهبهاني: لما عزم السيد الأمير على الرجوع إلى وطنه
العراق واجتمع لديه من عطايا ملك الهند وهدايا أمرائها مال عظيم رأى
أن يرسل الهدايا والعطايا مع ولده السيد محمد في سفينة خاصة وكانت
السفن الشراعية هي النقلية الوحيدة يومئذ في الخليج ما بين كراتشي
والبصرة وفي أثناء الطريق صادف السيد محمد زوابع بحرية وطوفانا شديدا
أدى بالسفينة إلى الغرق بما فيها من النفوس والنفائس وكان قد تخلف السيد
الأمير عن ولده في الهند ينتظر صدور الأوامر الملكية بشأن وعوده الثلاثة فلما
قضى منه وطره سافر إلى البصرة وفيها أخبر بغرق ولده وغرق السفينة بما
فيها ومن فيها فأصيب من يومه بمرض قلبي قضى عليه قبل أن يقضي ما
عليه فاوصى إلى سميه وابن خالته الأمير السيد علي الصغير ليخلفه في انجاز
المشاريع الثلاثة: السور والدور والنهر.
الحاج علي المنكري العاملي الكوثراني.
كان من المناكرة أحد امراء جبال عاملة من العائلات الثلاث:
المناكرة والصعبية وآل علي الصغير والمناكرة أصلهم أهل علم ثم صاروا
حكاما والصعبية أصلهم أكراد وآل علي الصغير أصلهم من عرب السوالمة.
في تاريخ الشيخ أحمد بن محمد بن خالد الصفدي المعروف بتاريخ
الخالدي الذي هو تاريخ الأمير فخر الدين بن قرقماس المعني الثاني من
سنة ١٠٢١ إلى سنة ١٠٤٣ ان الأمير فخر الدين المعني الثاني بينما كان قادما
من طبرية هاربا من عسكر أحمد باشا الحافظ والي الشام ونازلا تحت قلعة
الشقيف ١٠٢٢ جاء إليه أناس واشتكوا من أولاد علي مشايخ قرية الكوثرية
المناكرة بان أتباعهم سلبوا أناسا وشرعوا يخربون في البلاد ويشوشون على
الرعية ويظهر ان جبل عامل كان في ذلك الوقت تابعا لحاكم صفد وداخلا
تحت حكم فخر الدين فركب عليهم بخيله ورجله فما وجدهم بالقرية بل
كانوا غائبين في جمعية مشايخ بني متوالي وصار كبيرهم الحاج علي وأخوه
ناصر الدين أبناء منكر فنهب جميع أرزاقهم التي وجدت لهم في بلدهم قرية
الكوثرية المذكورة وأخذ ما لكل واحد منهم من الدواب وغيرها ليتأدب
غيرهم وعاد إلى خيامه تحت قلعة الشقيف.
الشيخ علي ابن الشيخ مهدي ابن الشيخ علي شمس الدين.
توفي سنة ١٣٧٣ في قرية مجدل سلم من جبل عامل عن سن عالية.
فاضل، شاعر من أبرز شعراء جبل عامل في عصره، أديب ظريف
ذو نكتة وفكاهة ومرح، كان فترة من الوقت قاضيا شرعيا في صور ثم في
جديدة مرجعيون، وفي أواخر أيامه كف بصره (١).
شعره
من شعره ما أرسله إلى المؤلف:
ان فاتني شرف المثول امام من * هو في الحقيقة كعبة الاسلام
ما فاتني شرف الولاء لمن له * نفس أحلته أجل مقام
ولو استطعت نزول حي ضمه * للثمت منه مواطئ الاقدام
وقال:
سمعنا زئير أسود الشري * وقد بارحت غيلها للكفاح
فردت إلى الناس أرواحها * وقالت لقد جاء دور الصلاح
ودبت بأقذاذنا نخوة * غنينا بها عن صليل الرماح
فيا هل ترى والليالي حبا * لي نرى بعض بارقة من نجاح
ونمشي إلى النجح في موكب * يقول لغاصبنا لا براح
ونستعمل الحزم إذ عله * يضمد ما بالحشا من جراح
عرفنا الزمان وأبناءه * وأفعال أهل الوجوه الوقاح
ومرت علينا السنون الطوال * نقاسي العنا في الحمى المستباح

(١) مما استدركناه على مسودات الكتاب " ح ".
(٣٤٩)

نحمل فوق الذي نستطيع * ونحلب كالشاة وسط المراح
إما آن للدهر أن يرعوي * فقد بحنا منه طول الصياح
كانا نصيح بواد عميق * يرد صداه هبوب الرياح
إلى م طماعة هذا الزمان * بنا ويتاح لنا ما يتاح
ونصبر والصبر مر المذاق * على مضض عز عنها البراح
يسوموننا الخسف في كل * آن ونخفض بالرغم منا الجناح
ونلقى اضطهادا يشق القلوب * وليس عليهم به من جناح
هوانا للبنان أودى بنا * وما الحب الا هوى وافتضاح
فكم عاشق مات في دائه * ومعشوقه في هنا وارتياح
أطعنا الزمان وشان المطوع * بان لا يجاب وان لا يراح
وقد يبلغ الغاية المستميت * ويحمي الحقيقة كبش النطاح
وتردي الذئاب قطيع الخراف * وغيل الضراغم لا يستباح
بهاب الشجاع ولو كبلته * القيود وسدت عليه النواح
يفوز سوانا بلذاته * ونحرم شربة ماء قراح
وتمطر أمثالنا عسجدا * ونصفق للبؤس راحا براح
تعبد للغير سبل السلوك * ونفري على الرجل حزن البطاح
وتبنى المعاهد الا لنا * كانا خلقنا لغير الفلاح
وتعطى المعاشات للأغبياء * ومنا جبايتها بالسلاح
نخوض البحار لنيل الرغيف * ويسلب منا بكل ارتياح
كانا خلقنا لهم مغنما * وما يجتنى لسوانا مباح
متى يا زمان نرى العدل منك * ونسعد منك بغض الجماح
وقال:
تشوقني العرب وآدابها * وقهوة البن وشرابها
وقبة ترفع في مهمه * قد وشجت في الأرض أطنابها
لا يخرس الجرن لديها ولا * تغلق دون الضيف أبوابها
ترى عتاق الخيل من حولها * مربوطة قطع الفلا دابها
والسمر سمر الخط قد صانها * للغارة الشعواء أربابها
ان أظلم الليل أضاءت لهم * نار تشتد بها طلابها
لا ينبح الكلب على نازل * فيها ولا تغلب انجابها
ولا يخاف الجار ضيما بها * ان فر عند الخوف هيابها
وأسد لم تتخذ موطنا * سوى العلى سمر القنا غابها
فكأنها سرج على سابح * والكور في الغارة محرابها
لا تعرف البطء بما تبتغي * ولا تمس الأرض أثوابها
لا تالف الشبع وجيرانها * جفت بعام الجدب أوطابها
وترتضي بالقت قوتا إذا * ثارت إلى البطنة أصحابها
عهدي الحفاظ المر درعا لها * وعفة النفس جلبانها
ما بالها قد أصبحت عرضة * يطرقها الذل وينتابها
ما بالها قد جانبت رشدها * وامتلأت بالغي أكوابها
تفرقت شتى كان لم تكن * أخلاقها الغر وآدابها
وقال:
بعد سبعين من سني وخمس * أتصابى جهلا بظبية انس
ذهبت لذة الحياة وقد بد * ل حلو النعيم في مر بؤس
كنت قبل السبعين شيئا فلما * صرت بعد السبعين أنكرت نفسي
فكان الحياة وهي ربيع * مرض مؤلم يؤول لنكس
خلني من بني الزمان قديما * وحديثا فليس يومي كأمسي
فاجعل الكوخ موطنا وتخلى * عن جميع الأنام جن وأنس
ما استلانت للغمز مني قناة * لا ولا أضعفت يد الدهر حسي
أنا من قد علمت صعب قيادي * مستحيل على المناوين مسي
لو عراني الظما وفي الورد ذل * وامتهان طويت خمسا بخمس
قل لمن غره من الدهر لين * فبنى ما بنى على غير أس
خل عنك الغرور بالدهر فالدهر * يعيد الزاهي نموا ليبس
ثم يهوى بالمرء بعد صعود * من على واسع إلى ضيق رمس
فتن في البلاد ضيقت السبل * كان الورى أصيبت بمس
وعيون الحكام عنها نيام * فكان الحكام من غير حس
ففتى في الجراح أثخن جورا * وعتوا وآخر وسط حبس
دولة وسط دولة وعتاة * لضعاف وفتك جنس بجنس
قد حفظتم حق البلاد وأسلمتم * ثرى أهلها لبلع ولحس
أ وليست لكم إذا عمها الخير * منكم إذا أصيبت بعكس
كل راع عن الرعية مسؤول * ويأبى صلاحها كل جبس
وطن عاشت الأجانب في مغناه * وابتاعت الثمين ببخس
وقال:
عيرتني بالبؤس مي وقالت * بائس يائس وغر مغامر
قلت أغرقت في ملامك نزعا * أنا لو تعلمين يا مي شاعر
لي نفس سمت إلى الأفق الا * على فمن دون شوطها كل طائر
أدركت كل غامض وتولت * تتوخى سبر النجوم الزواهر
فهي ملك محجب فوق كر * سي شعور مقرها في الضمائر
جندها الخمسة اللطاف وعنها * تتلقى الخمس اللطاف الأوامر
وتقيم اليراع وهو جماد * فوق طرس يخط شهد المحابر
راسما وحي ذلك الملك الروحي * بالحرف في متون الدفاتر
وإذا أعوز الزمان لنطق * عند أمر تحار فيه البصائر
قال للمقول استشط فلقد * آن بان تعتلي صدور المنابر
عجبت مي من مقالي وقالت * أنا مما سمعت منك بحيرة
ظاهر مزعج وسمت مشين * حدواني على اقتحام الجريرة
وثياب رثت عليك ولكن * تحت تلك الثياب نفس كبيرة
ملئت حكمة فهان عليها * وهي لطف حمل الأمور الخطيرة
سخرت بالحياة لما رأتها * انها ان تطل ليال قصيرة
قرأت سفرها فلم تر الا * زجها بعد برهة في حفيره
فأرادت بقيا تراث حميد * ترشد الضال شمسه المستنيره
هكذا هكذا الحياة وخير ألنا * س من أبقى من بعد موت ذخيرة
فإذا عاش عاش في الناس حرا * طيبا ذكره كريم السريرة
وإذا مات قالت الناس خلفت * تراثا فنم بعين قريرة
وقال
قل لزيد لا تخلها حلوة * هذه الدنيا فبعد الحلو مر
لا تخل ان الليالي نوم * عنك فالدنيا لها خير وشر
(٣٥٠)

كم ملوك سوقة صاروا وكم * من عتات قبل أيامك مروا
عرفتك الناس يا زيد بما * أنت فيه أظهروا أم أسروا
فتعامى ان بدت بادرة * وتصامم أن يفه بالحق حر
وامسح الكل بجنبيك وقل * ليس يكون من به في الإبل عر
مزق القوم وفرقهم تسد * هكذا في عصرنا الأتقى الإبر
لا تخف صولة ذي طول ولا * تختش أمرا فليث القوم هر
وتحكم فالبرايا غنم * بيد رغما إلى الحتف تجر
واغتنمها فرصة ميمونة * فهي كالحلم على المرء تمر
منهم خيرا وعدهم فالمنى * شرك فيه أخو الجهل يفر
واكنز المال ولو مات الورى * عدما أو شتت العالم ضر
وانشر الاشباك واصطد ما تشأ * قد خلا من لائم بحر وبر
بوعيد ومواعيد يرى * حول مغناك لهم كر وفر
لاتهمنك ضوضاؤهم * فعلى الجبن ولو ماتوا استقروا
فلك النعمى ففز في نيلها * ولنا يا زيد العيش الامر
وعلينا حرم القوت ودع * لسوانا ضرع نعماك يدر
فزمان البؤس لا يبقى ولا * لمليك فوق عرش مستقر
وقال يصف أحداث سنة ١٩٢ في جبل عامل:
فكم شاهد الناس من مزعج * يذيب الحشي ويشق الشغف
وكم أنه بعدها زفرة * وكم لب ذي نجدة قد خطف
براكين نار تشق الثرى * كزمجرة الراعد المنقصف
وصوت البنادق من حولنا * تطير له مهجة المرتجف
ترى الخلق ما بين باك أسى * وآخر يمشي ذليلا اسف
يصر على الناب من رعبه * ويصفق للهول كفا يكف
فلا طود الا من الرعب طا * ر ولا قلب الا لخوف اسف
فكم ربوة أصبحت وهدة * وكم جبل شاهق قد نسف
وكم من كريم كرضوى ثبا * تا من الرعب خوفا على النفس خف
ففي البر نشر كيوم النشو * ر وفي الحبر أفعى حتوف تلف
إذا ابتسمت في ثغور البحور * ترى البر من رعبه يرتجف
وفي الجو ظلت مناطيدهم * لاتلافنا كتفا في كتف
وفوق الثرى جيش حتف يسير * يحاكي الجراد إذا ما زحف
وكم من فؤاد بسهم الردى * غدا وأبيك مكان الهدف
وكم من همام كريم النجار * غدا لعوادي الضواري علف
وقال بلسان جبل عامل:
أ يشرب غيري وأبقى ظمي * وأرضي عن الشهد بالعلقم
وأخضع واليد مكتوفة * وسمهم قد سرى في دمي
واخرس والجور ملء البلاد * ولا ماء يمنعني في فمي
واقعد والذل فينا محيق * وحزمي يقول الا فاقدم
وأجبن مستسلما للهوان * ولا حق يعطي لمستسلم
هبوا أنني العير في ذله * أمامكم خشية أرتمي
وهب أنني أبله قدتموه إلى * الحتف بالرغم قود العمي
أ لا ترهبون حيال الضعيف إذا * سيم خسفا ولم يرحم
صببتم عليه مواعيدكم * وقلتم أنست بعز نم
فلما ظفرتم بما تبتغون * وفزتم بما فيه من أنعم
نسيتم وقلتم قضى نحبه * وجنز في حلة المحرم
ودستم على قبره بالنعال * وقلتم أمنا من اللوم
فلو قام من لحده صارخا * بمن ذا يلوذ ومن يحتمي
فهبكم ملكتم عليه القياد * ومن حيفكم قط لم يسلم
فهل تملكون عليه اللسان وهل * تحبسون بنات الفم
هبونا ذبابا فكم للذباب * جروح بناصية الضيغم
وإن حمل المرء ما لا يطيق * تكلم بالموجع المؤلم
أ نبقى لكم في مكان الشياة * لنحلب قسرا ولم نطعم
سناديقكم أفعمت بالنضار * ونحن نموت على درهم
نكد حفاة عراة الجسوم * لجمع الحبوب ولم نسام
وينهكنا الكد في جمعها * بحر الهجير وبذل الدم
لندخر القوت قبل الهلاك * إلى صبية حوله حوم
فتسلب منا بسقط المتاع * ولما نراع ولم نرحم
تعبد للغير سبل السلوك * وفيما رأى الغير لم نحلم
تحارب منكم أولو الاحتكار * ومعظمه لكم ينتمي
فهل في يد الناس من حاجة * تجر الرغيف إلى معدم
ولم تجعلوها لكم مغنما * فأقبح بذلك من مغنم
أقمتم على سبل الارتزاق * رجالا على الحيف لم تندم
وقلتم لهم ضيقوا سبلهم * وسوقوا البرئ مع المجرم
فأفعمتم بالرجال السجون * وحملتموهم على الأدهم
مصائب شتى إذا عددت * يضيق لايسرها مرقمي
محاسيبكم وهم الجاهلون * رقت للسماء بلا سلم
وأهل الكفاءة في عهدكم * كميم لدى أفلح أعلم
يوزع بينكم حقنا * ولم نتحرك ولم نبغم
أغركم نومنا برهة * ومنا المهاب الأبي الحمي
فأغرقتم النزع لا تابهون * بشعب على العسف لم يقدم
خذوا حذركم من إله السماء * وسيروا على السنن الأقوم
فكم من ملوك مضت قبلكم * ومن دهشة الموت لم تسلم
فأين الفراعنة الأقدمون * وأين عتاة بني جرهم
استطبتم مهادكم والفقير * على الجمر أعضاؤه ترتمي
وعمرتم دوركم والبلاد * خراب بعهدكم المظلم
مصائبنا أنتم لا الزمان * وعن قوسكم عامل قد رمي
فأين الوعود بجر المياه * ونص قراركم المحكم
أعدل أم أنتم أسرة * بواقعة الحال لم تعلم
وقال:
أ ترى الدهر بعد طول عبوسه * وازدياد العنا وشدة بؤسه
يمنح الشعب فرصة توصل الشعب * لرفع الثقيل من كابوسه
أنا فرع من دوح لبنان ذي الأرز * ونفسي معدودة من نفوسه
أ تلظى لما به من عناء * وشقاء قضى بخفض رؤوسه
أرسل الدمع كالشرار مذابا * بين آساده الحماة وشوسه
إيه لبنان آن أن تعرف الدهر * وتصغي إلى بليغ دروسه
وطني عامل وقد عشت دهري * تحت أقمار أفقه وشموسه
فسعودي منه إذا رمت سعدا * ونحوسي مأخوذة عن نحوسه
كيف أرضى بان أراه شقيا * ولبوس الارهاق بعض لبوسه
كلما نال واحد منه فلسا * ضمه ظالم لداخل كيسه
(٣٥١)

وإذا رام شربة الماء منه * رافع الرأس جد في تنكيسه
وإذا ما بكي الزراعة يوما * صر غيظا على متين ضروسه
وإذا ما شكا المظالم في السر * تلقى الأنباء عن جاسوسه
عامل مات تحت نير من الجو * ر ولكن مازج في ناووسه
فيه مثل ما استطعت يا دهر فالتمثيل * أحرى باتنه وتيوسه
خشب أهله المساكين والخشب * الملقى دماره من سوسه
أي شعب أعمى يقاد إلى الحتف * بحبل يبتاعه بفلوسه
كل شعب في الأرض لو كان يدري * موت مرؤوسه بنوم رئيسه
ما استفاد الحزين عامل نجحا * لا بمرئية ولا محسوسه
بل بسيل من المواعيد ينهال * على جرحه الذي لم يوسه
أ ترى النائب الكريم بلبنان * يفي بالوعود بعد جلوسه
أم تراه ينسى ولا بدع فالنسيان * للآدمي بعض طقوسه
سكرة الحكم شد ما جربوها * تشغل المرء عن فراش عروسه
وقال:
لا يصدق السيف ما لم تصدق الهمم * فالسيف يصدأ والخطي ينحطم
وفي شبي العزم عن حد الشبى عوض * إن فارقت كفك الصمصامة الخذم
فما الشجاعة سيف أنت حامله * ولا قناة ولا درع ولا علم
بل الشجاعة أقدام يشيعه * حزم تطير به الهامات والقمم
من لي بذي نجدة في ثوبه بطل * في نفسه شيم في أنفه شمم
لا يرتضي الذل في حل ومرتحل * ولا تزل له في موطأ قدم
متى أرى ببلاد الشرق مجتمعا * للعلم عن ثغره بالبشر يبتسم
متى أرى ألفة في أهله ويدا * للحب تجمعهم من بعد ما اقتسموا
يا شرق حسبك جهل قد أقمت به * أفق ودونك ما ابتزوا وما ظلموا
فهم كذئبان غاب يوم مسغبة * ونحن بينهم المعزاء والغنم
سلوا على العرب سيفا من عداوتهم * فما قضى العرب حتى قوض العجم
هل وثبة في ظهور الخيل مرجعة * من مجدنا اليوم ما اغتالوا أو ما التهموا
أم هل ترى ترجع الأيام من يدهم * من حقنا اليوم ما ابتزوا وما غنموا
وقال يتحدث عن عهد الطفولة في جبل عامل:
حيث رباك نسمات السحر * يا ملعبي عند زمان الصغر
أيام كنا والقضا طوعنا * نلهو مع الغيد بلعب الأكر
حلواؤنا البلوط أنعم به * وكننا تحب ظلال الشجر
ومهدنا الممتاز أرجوحة * نغدو عليها بين كر وفر
ودستنا الدمنة من فوقها * نار غدت تقدحنا بالشرر
ووردنا الأجران عند الظما * بالقش نمتص بقايا المطر
ونقلنا الشبرق أنعم به * من طيب الخبر كريم الخبر
وصيدنا الكماة من منبت * سمده السيل برجع البقر
وخيلنا العيدان نفري بها * عرض الفلا في وردنا والصدر
بارودها ناعم ترب الفلا * يا شد ما أعمى صحيح البصر
ندير طاحونا بلا آلة * ولا مياه جبلت في مجر
ولا بناء محكم سمكه * نفنى به المال ونكدى البشر
وبندقيات الصبا شوكة * نقدحها بالعود لا بالمفر
ولا فراش وسطه قطبه * في رأسه فاس لجر الحجر
ولا شنقنا الدلو من فوقه * بحبلة من قنب أو شعر
بل فوهة نفتحها عنوة * بعودة اللعب بأعلى الحفر
في الصيف نجثوا حولها ركعا * وناعم الترب علينا يذر
وفي الدجى بونا لنا لعبة * من مغرب الشمس لوقت السحر
وإن أتى وقت زمان الشتا * ورطب الأرض مسيل المطر
يشغلنا المنطاع في ضربه * فزمر تلهو به مع زمر
والدوش في الصحو وعند الشتا * وتكتسي الأرض بأسنا الحبر
نفتر في الحقل بلا زاجر * نستنشق العرف ونجني الزهر
فمن أقاح كثغور الدمى * عليه في الشكل الجمال اقتصر
ونرجس عنه عيون الظبا * ازدانت بما زينها من صور
وأرجو ان كشفاه ألمها * وزنبق يذهب عنك الكدر
وعنبر تصبيك أنفاسه * إذا عدا الريح عليه ومر
وبعد ما تذوي زهور الربى * وتحسد البدو مقر الحضر
نهاجم العصفور في عشه * فما لفرخ دوننا من وزر
فلم نزل نلهو بهذا وذا * نشوي العصافير ونجني الثمر
حتى تزين التين أوراقه * ويبصر العجر صحيح البصر
نعلو عليه نجتني عجره * وفي حليب التين بعض الضرر
فاه ما أحلى أويقاته * فليتما العيش عليه اقتصر
مضى ولم نشعر به وانقضى * بالأطيبين من هنا أو خفر
مضى وأبقانا نقاسي العنا * رهن الرزايا والقضا والقدر
نحمل أعباء على كاهل * وا حسرتا أدماه فرط الدبر
كم أبصرت أعيننا بعده * من عبر في العيش تتلو عبر
نجاذب النملة أقواتها * وندأب الكد ببرد وحر
فعيلة تجهد منا القوى * وتحمل الأثقال بحرا وبر
كي لا نراها تشتكي حاجة * ووجهها خوف الزمان اكفهر
والطفل من أبنائنا إن بكى * يقتلنا عليه فرط الحذر
وقال في وصف لفافة التبغ:
وبيضاء لم تبلغ سوى قيد إصبع * من الطول لكن قد أطالت تسهدي
تعشقها دهري فلم أر راحة * ولم يك عنها الصبر يوما بمقعدي
هوى قد دعا جسمي نحيلا كجسمها * وأوردني من أجلها شر مورد
مضى نصف قرن وهي عندي وحيدة * ومسكنها جيبي وملعبها يدي
وكانت بحجم الرمل أو هي دونه * ولون كما شاء الاله مورد
فأودعتها بطن الثرى وسقيتها * مياه الحيا عند المساء وفي الغد
فما زال يهتز الثرى وهي تحته * ويربو، وأرياح تروح وتغتدي
إلى أن بدت للعين في ميعة الصبا * على ظهره تزهو بلون زبرجدي
ولما اكتست أسنى الغلائل وازدهت * بتاج من الدر النقي المنضد
علاها اصفرار كاصفراري وبدلت * ملابسها الخضرا بألوان عسجد
فجردتها منها وأحكمت صنعها * باسلاك قد نيطت بسهم محدد
وحولتها للريح والشمس فانزوى * إلى اليبس منها ذلك الناعم الندي
وسلمتها بعد الجفاف لزاجر * له سطوة البازي وحد المهند
فقام إليها وانحنى فوق جسمها * بسيف على حز الرقاب معود
وقمت بست من بناني لشدها * ببرد رقيق الجسم يحكي تجلدي
بأبيض لم تجبر على غزله يد * ولا نسجته كف شيخ وأمرد
ولست مجوسيا ودنت بحرقها * فأضرمتها في راحتي عن تعمد
لتأنس نفسي في لذيذ دخانها * كما أنست عيني وفي لمسها يدي
سيجمعنا الحشر الذي هو جامع * وتنصفنا عن يومنا وقفة الغد
(٣٥٢)

وأشكو، وتشكو، والحوادث جمة * وكل على عذر يروح ويغتدي
تقول: لقد أودعتني الحتف ظالما * بصنعك فارضخ للعذاب المؤبد
فقلت لها: كم علة قد لقيتها * بأنفاسك الحري فقري أو اجحدي
سعالي، ضعفي، ضيق صدري، رعشتي * خفوق فؤادي، طول ليلي،
فقالت: من الجاني على نفسه فقل * فأنت لي المردي بلا شك والردي
وقال:
إذا جن ليلي ضاجعتني ضئيلة * من الهم في جنبي يعلق نابها
أراشت هموم الدهر نحوي سهامها * وقد عز أن يمضي سليما مصابها
فيا لك من قلب غريق بوجده * ويا لك من نفس سريع ذهابها
وما زالت الأيام تجري بعكس ما * أرجيه والأيام تجري بعكس ما
أرجيه والأيام صعب غلابها
فما مزجت إلا بريق مواردي * وللغير يصفو وردها وشرابها
أ أصبح فيها طعاما وقد انطوت * على غير ما تبدي إلى عيابها
أعاتبها والذنب لا شك ذنبها * وما أن عسى يجدي علي عتابها
وإني لحرب لليالي ولو غدا * لعاب الأفاعي القاتلات لعابها
وقال راثيا المخترع العاملي كامل الصباح يوم نقل جثمانه من أمريكا
إلى موطنه:
أيها المقيم رهن سباته * قم فناج الأثير عن مغمراته
قد سبرت الفضاء سبرا دقيقا * وكشفت الدفين من غامضاته
ثم أبرزتها على الأرض نورا * يستنير الظلام في لامعاته
معجزا كنت في صنيعك حقا * بهر العالمين في آياته
مرحبا زرت مسقط الرأس لكن * زورة أغرقته في عبراته
كنت للشرق خير ما يرتجي الشرق * فسرت الخطير من نكباته
وقال وقد وعده بعض الوجوه بثور وأخلف:
عمرت بأيكة ومعلف * وربطت طاروسا مكلف (١)
ثم اكتريت أجيرة * غراء كالغصن المهفهف
يا ظالمي كلفتني * فوق العنا باهم مصرف
عودا شريت وسكة * وكذلك يفعل من تطرف
وأمض من هذا وذا * نير به حنجول كتف (٢)
وبشرعة من وعدكم * حيكتها قد رحت ارسف (٣)
ليت الزناق يشد في * عنق الذي فيكم تعرف (٤)
و... البيور غاب * وزج مساس مشفشف
وإذا وضعت العود اجمعه * فاني غير مسرف
هذا جزائي إذ ركنت * لموعد منكم مسوف
لو كنت قبلا لم تعد * ضنا لكان الضن أشرف
وأظن أنك لا تفي * حتى يكون الثور خلف
قسما بمجدك حلفة * وبغير مجدك لست أحلف
إن عاد مرسالي ولم * يأت بثوركم المزلف
واليت دين منيرة * وعصيت من لاحى وعنف
ونحوت حيث نحت لعلمي * أنها أوفى وأرأف
وقال وأرسلها في سجن بيروت إلى ولده في قرية مجدل سلم:
قف بالديار وحي الأربع الفيحا * واستنشق ألبان والقيصوم والشيحا
وأعقل ركابك في اطلال مجدله * فلي بها أوجه تحكي المصابيحا
ما إن تذكرتهم إلا بكيت دما * وازددت من أجلهم هما وتبريحا
الموت أهون عندي من فراقهم * لو أستطيع لهذي النفس تسريحا
يا نازلين محاني مجدل ذهبت * بالجسم أدواؤه فابقوا لنا الروحا
أهتز مرتعشا إن مر ذكركم * لكنما كارتعاش الطير مذبوحا
وقال يصف دخوله الغرفة الرابعة في السجن، وهو مع أشجانه لم
تفارقه النكتة:
دخلت إلى الغرفة الرابعة * وعيني من أسف دامعة
دخلت لها صبح يوم الخميس * ووردي بها سورة الواقعة
ولما دخلت لها قطبت * كتقطيب زنجية جائعة
وقالت وقد هالها موقفي * وباتت تخاطبني جازعه
أراك دخلت بلا قائد * فأين قيودك والجامعة
فقلت لها عمتي وحدها * من القيد في أرجلي مانعه
فقالت بعرضي وديني معا * يمينا وبالذمة الواسعة
بان الحكومة يا ويلتا * ه مدى الدهر طاساتها ضائعة
فقلت لها ليس فوق الذي * أعانيه من نكبة واقعة
حرمت النسيم ورؤيا النجوم * وأنوار شمس الضحى الساطعة
فلا فرق ما بين أهل القبور
سوى نفس دائر في الصدور * وآذان أشباحنا السامعة
وعين ترى كل ما لا تحب * وأوجه خوف الأذى خاشعة
ونار تصعد من أنفس * من ألهم ظمانة جائعة
خطوب يبيدهم وقعها * وليس لوقعتها دافعه
وله:
الناس ما بين سمار وعشار * يا للفضيحة عند الناس والباري
مدوا حبائلهم في كل ناحية * كأنما أرسلت عن كف سحار
وأضرموا بالقرى نارا مسعرة * فأهلكت في البرايا كل ديار
إذا أتى زمن التعشير خلتهم * قطاط مسغبة حنت إلى فار
ترى كبيرهم يسعى بهمته * على الكفالة من دار إلى دار
لا در در أناس كلما نظروا * لبصقة حسبوها وجه دينار
فقل لهم لا أقال الله عثرتهم * أهل لكم عند أهل الأرض من ثار
كفوا يديكم فقد صارت بلادكم * بصنعكم بين طبال وزمار
للقوت نسعى وأنتم في مضاجعكم * ما بين ناه بلا حق وأمار
حتى إذا قبضت كف امرئ فلسا * أخرجتموه من الأيدي بمعصار
وله وقد وعده أحد أصدقائه بشئ من التين:

(١) الطاروس حبل من البردى.
(٢) حنجول من أسماء البقر.
(٣) الشرعة قطعة من الجلد توضع في النير.
(٤) الزناق حبل من شعر يشد على عنق ثور الحراثة.
(٣٥٣)

أكلنا تين وعدك وهو فج * فأذانا وطول الوعد يؤذي
وحين وعدتنا فيه مساء * تحققنا بأنك كنت تهذي
لقد أقذيت أعيننا انتظارا * وطول الانتظار وقيت يقذي
وحقك قبل وعدك ما علمنا * بان الوعد يؤكل أو يغذي
فلما جدت فيه لنا مساء * ظفرنا منك بالزاد الألذ
وكتب بخط يده: اتفق في بعض الأيام أن زارني الشيخ أمين شرارة
وكلفني أن أذهب بمعيته لقرية قبريخا لبيع مكنات خياطة إذ كان يتعاطى
ذلك وباثناء الطريق نفرت به الفرس وألقته على الأرض فكسرت إحدى
رجليه فأرجعته واستحضرت له مجبرا وعللته حتى عوفي وكان قد وعد المجبر
بقنباز فلم يف معه وبعد أن عوفي كتب لبعض أخصائه يدعوه ليخطب
وأخبره أنه هيا له كريمة من أكفائه وكلفه باحضار خروفين وقفة أرز لزوم
عرسه فاحضرهم وحضر هو وبعض الذوات للغاية ذاتها ولم يكن علم بما
فعل فعاتبته فاعتذر وألزمني لقضاء شغله فقصدت شيخا في قرية دبعال علما
مني أنه لا يخيب قصدي ولما عاد لبنت جبيل أتحفني بهذه القصيدة:
يا معيني وناصري ومجيري * وثمالي في كل أمر عسير
وحساما أعددته لخطوب * مفعمات كمثل يوم الهرير
ذاكر أنت أم نسيت زمانا * ذو اغتيال يشيب رأس الصغير
يوم رحنا كان عيسى (١) خبيرا * بالقضايا أم عالما بالأمور
أم بأطلالكم أقام فرحنا * ولنا كان صاحبا في المسير
أم ترى أنت يا علي بمكر * وغرور كمنته في الثغور
ثم علمته مكايد غدر * لم يكن قبلها يرى بخير
أنت أرشدته إلى كسر رجلي * ولتلك الآلام والتجبير
ليت شعري وما أسأت إليكم * خبروني فان هذا سروري
أ على مالكم سطوت فقولوا * أم قتلنا لكم رعاة الحمير
أنت يا ظالمي على غير جرم * وموازي عيسى بشئ خطير
كيف كلفته هلاكي وحسبي * منك نومي خديعة في السرير
بل وما جئته من الأرز واللحم * دليل ما شك فيه ضميري
انك الفاعل المسئ إلينا * لم يكن منك مثل ذا بكثير
فأرسلت إليه الجواب:
من معيني وناصري ومجيري * من دعاة الخنى وأهل الفجور
وكلام قد زورته أناس * فاغتدى سامعا عديم الشعور
كامين فلا نسيت أمينا * يوم وفي بقاصمات الظهور
وأتى نازلا علينا وعيسى * خلفه ساعيا كليث هصور
وهو مذ حل حينا حل فيه الشؤم * حتى أعاقني عن فطوري
طمعا منه في مبيع مكينا * نبذتها تجار صيدا وصور
أظهر الزهد في الطريق رياء * والريا قد يجر للتدمير
علم الله فيه سوء نوا * ياه فاوحى لمنكر ونكير
إن أقيما على طريق أمين * فاجعلاه من بعض أهل القبور
جفلا فيه مهره واتركاه * فوق أرضي يجره في الشعير
لك فيمن مضى التأسي فصبرا * فعسى أن تنال أجر الصبور
فيزيد من قبل نال الذي نلت * ولكن ولى النار السعير
ولأجل العذاب أبقاك حيا * ولكسر الأعضاء والتجبير
فاذكر السطل يا أمين وحمل الصحن * مني وقلة التطهير
وتذكر مجبرا لك يدعى * علم الكار في عراج الحمير
وتذكر موسى وحمل عصاه * وذهابي بأحمد ومسيري
واغتصابي كريمة القوم قسرا * ضاربا حول دارهم بالنفير
ومجيئي بالمصطفى وأخيه * وابن شومان طلعا كالبدور
وكتب أيضا: سبق أن السيد محمد امين ابن السيد أمين، كان قد
نظم أبياتا للسيد علي ابن السيد محمد أمين بأيام مرضه الذي توفي فيه بقرية
الصوانة لتكون له سلوة فاطلعني عليها لكي أكتبها له فأحببت أن أذيلها
بشئ من الأبيات الهزلية وكان المرحوم السيد علي الأمين قد وعد الناظم
المشار إليه بصاكو وأخلف فجعلت الذيل تذكيرا له بوعده وقلت بلسان
الناظم:
بوجت خمسين بوجا في رحابكم * للنصب والنصب عندي أكبر الفلج
وقد غرست بها ما شئت من شجر * فأثمرت جببا سوداء كالسبج
ومذ رأى أهل بيتي النصب ذا ثمر * سعى ليغنم مما فيه كل عجي
فمنهم طالب للخام مجتهد * من شدة البرد حتى ما يطيق يجي
ورب طالبة للشيث تحسبها * أم النبي بن نون صاحب الحجج
لما رأت نصبنا الميمون ذا ثمر * راحت تحاكي طيور الأيك في الهزج
وزلغطت أمهم في البيت قائلة * أهلا بمخزننا المملوء بالبقج
يا قرة العين نحوا عنكم خرقا * عيسى حبانا بها في سالف الحجج
فقد أتاكم علي بن الأمين بما * تبغون من كسوة في وجه مبتهج
ومذ رأى فقهاء السوء كسوتنا * جديدة أقبلوا بالأوجه السمج
وقال قائلهم من أين جئت به * يا بن المذلق هل للرزق من درج
وإذ رأوني بنعمى لا نظير لها * ماتوا جميعا بداء الغيظ والسحج
ودفنهم في غد بعد العصير ضحى * فمن يرد منكم أجر الحضور يجي
ثم اني رأيت أن أطيل مداعبة السيد فنظمت أبياتا بينت بها ثمن
الأبيات فقلت بلسان الناظم:
ثمن القريض بلا نزاع * عن كل بيت نصف صاع
والشعر لست أبيعه * دينا وإن قل انتفاعي
لولا احتياجي للطحين * لما مددت إليك باعي
فارات بيتي أصبحت * من جوعها أبدا سواعي
واستاسد السنور في * بيت وقد خليت قصاعي
والجوع داع للسؤال * ومنعكم في غير داع
وعلي جمعت الهموم * وقد عجزت عن الجماع
مرنا باحضار الحمارة * والجوالقة الوساع
وإذا أبيت تركتنا * باذل من فقع بقاع
وقال يمدح السيد علي ابن عمنا السيد محمود:
إلى كم بسلمى أنت ولهان هائم * تهيجك أطلال لها ومعالم

(١) هذا تعبير عاملي يقصدون به " عيسى سيف " الذي كان ظالما ينكب الناس فأصبح يعبر عنه
بالشر والشؤم " ح ".
(٣٥٤)

إذا ما الصبا هبت تهيم صبابة * وتبدي الجوى ما أن تغنت حمائم
فهب دارها أضحت لديك قريبة * فمن دونها أسد حماة ضراغم
وهب ورد خديها زها منك منظرا * فمن دونه في المقلتين صوارم
وهب أن مسك الخال فاح أريجه * أ ليس حمته بالشعور أراقم
أيا قاتل الله الغرام فكم له * كؤوس بها للوافدين علاقم
أجل لي دين بالغرام ومذهب * أطارد فرسان الهوى وأصارم
فكم ليلة فيها خلوت بشادن * لطيف التثني أدعج الطرف ناعم
يغني بألحان البلابل تارة * وطورا يعاطيني الطلا وينادم
روى لي عن ماء العذيب رضابه * وترويه عن وادي العقيق المباسم
خلوت به والنجم مال مجانحا * إلى غربه والليل أسود فاحم
خلونا فلم نحفل بواش مفند * وفيه رقيبي هاجع الطرف نائم
هتكت به ستر الهوى وقناعه * وذعت من الاسرار ما هو كاتم
وأدنيته من مهجة هي كنه * وقد وسدته من يدي المعاصم
وقد أضرمت في مهجتي نار خده * فناديت يا هذا أما أنت راحم
وبتنا على فرش إلهنا نجتني المنا * إلى أن بدت للصبح منه علائم
وضاء كما ضاءت ماثر جهبذ * له الفضل والعلياء عبد وخادم
نعم لعلي المجد والحلم والندى * وحسن السجايا والعلى والمكارم
وفتى قد بنى بيتا من المجد والحجى * له في ذرى هام السماك دعائم
تقلد أحكام الورى حيث لم يكن * سواه باحكام الرياسة عالم
فلم يرض الا منهج الحق منهجا * ولم يخط حكما ما به الله حاكم
لو أن سجاياه عرضن لآدم * لسر بما فيه من الفضل آدم
بجدك لم أخطئ إذا قلت أنه * لأكرم من نيطت عليه التمائم
ففي حلمه مع فضله وسخائه * غدا دونه كسرى وقيس وحاتم
وإن سل سهما من كنانة فكره * تجندل شجعان الوغى والقماقم
يحاكم بالحق المبين كأنه * لعمري باحكام البواطن عالم
الا أيها المقدام والحجة الذي * بأمر اله العرش للدين قائم
أقر التقى فينا بحيث مقركم * وقد زحزحت عنا العنا والمآتم
فأنت من القوم الذين لفضلهم * لقد خضعت هام العلى والسنائم
ومن قد زكت أحسابهم وأصولهم * وأفضل من قد توجتهم عمائم
لعمري لقد أحيوا من الفضل ميته * وما منهم الا شجاع وعالم
أ تغني وتقني كاشحا ومواليا * كأنك أرزاق البرية قاسم
وانك أركان الفضائل قائم * وانك أركان الضلالة هادم
وأنك من في يمنه يمطر الحيا * ومن راحتيه للوفود مغانم
ومن لفظه للظامئين جداول * ومن كفه للساغبين مطاعم
فدعم في صفا عيش رغيد مؤيد * مدى الدهر ما غنت بأيك حمائم
وقال يمدح السيد محمد وأخاه السيد علي ابني عمنا السيد محمود:
في أي شرع يحسن الهجر * وهل لديكم في الجفاء عذر
وصلا فلا صبرا ولا سلوة * فالصبر عنكم طعمه الصبر
أشمتم الأعداء في واجد * لم يلوه عن حبكم زجر
زعمتم ملنا إلى غيركم * هيهات لا زيد ولا عمرو
وقلتم انا غدرنا بكم * إن الغواني شأنها الغدر
كم ليلة والوعد يغري بنا * سهرتها حتى بدا الفجر
ويوم زجي العيس أبغي اللقا * عدت وكفي منكم صفر
حسبكم ما قد مضى من جفا * ففي هواكم قد مضى العمر
ليهنكم برد بأحشائكم * وفي فؤادي أضرم الجمر
ويا بنفسي أفتدي ظبية * عن وصلها لا يحمد الصبر
طيبة الأردان لكنها * ما شابها ند ولا عطر
مررت يوما وهي في عيدها * ومن دمي أنملها حمر
فقلت ما شانك قالت لنا * في كل عام للهنا شهر
ولفت الصبح بنشر الدجى * عمدا فلذ اللف والنشر
وأرسلت سرا لجاراتها * هيا فقد ساعدنا الدهر
ثم مشت تهتز من دلها * كأنما مازجها السكر
وجست العود وغنت لنا * اليوم لا اثم ولا وزر
العيد لا الأضحى ولا الفطر * بقاء مولى بغضه الكفر
خير الورى طرا وأنداهم * كفا إذا ما أقلع القطر
مولى له منزلة في العلا * من دونها العيوق والنسر
محمد من بسنا هديه * ورشده قد أشرق القطر
وصنوه علة ايجادها * ومن به شد له الأزر
له المعالي الغر تنمى وما * لغيره من كفها ظفر
كم رامها والعجز يحدو به * من سودته البيض والصفر
فنال منها العجز في سعيه * وما له الغارب والصدر
كم قلت للساعي لادراكها * وقد علاه التيه والكبر
أربع على ظلعك لا تقتحم * هذي لعمري مسلك وعر
تأتي بغاث الطير مهما علت * مسفه أن حلق النسر
إن عليا وهو في مهده * أدركها فليشهد المصر
بنى على ما أسسته له * من العلا آباؤه الغر
وللعلى البشرى بمن نالها * وللورى في مجده الفخر
إن قلت علما قلت في صدره * يا سائلي قد طوي البحر
أو قلت هديا قلت عن وجهه * قد استمد الشمس والبدر
والديمة الوطفاء يوم الندى * تخجلها أنمله العشر
فالعروة الوثقى وغوث الورى * والهدي إما اشتبه الامر
ذاتك يا من دونه في العلا * هام السهى والأنجم الزهر
أنت قوام الدين بل ركنه * وفي يديك النفع والضر
وليهنك العيد فعيد الورى * بقاك ممتدا لك العمر
وبورك الصوم الذي صمته * يا عزنا وليجزل الاجر
ودمت في ثوب العلى رافلا * ما لاح في أفق السما بدر
وقال يمدح السيد علي أيضا وأرسلها إليه إلى دمشق:
شيئان قد جلبا إلي حمامي * دل الحبيب وألسن اللوام
وجوى لبين الظاعنين أقمته * في القلب أوقفني على الاعدام
اني أصيخ لعاذل سمعا وقد * مزج الهوى بمفاصلي وعظامي
يا ظبي وجرة لي إليك لبانة * أن لا تميل لحاسد نمام
أ تبيت ريان الجفون من الكرى * وأبيت محجورا علي منامي
واما ووفرتك التي بظلامها * طبعت على ظلمي مع الأيام
وبياض صبح في الجبين ومقلة * باللحظ تسكرني بغير مدام
وبقوس حاجبك الذي أقصدتني * بالرمي عنه فلا عدمت الرامي
(٣٥٥)

والقاتلات وهن هدب جفونه * اللاعبات بكل حد حسام
وأسيل خد كالوذيلة ناعم * فيه اغتدى ماء الشبيبة نامي
ونضيد در في الثغور منظم * سكنت فرائده غدير مدام
ما كنت أرغب في القريض وصوغه * لولا مدائح حجة الاسلام
أعني أبا عبد الحسين ومن له * في دارة الشرف المقام السامي
كشاف داجية الخطوب بفكرة * رفع النقاب بها عن الاحكام
علم تلوذ المعتفون ببابه * مثل الطيور بأمنع الآجام
المرتقي بالجد في طلب العلا * والمجد أرفع غارب وسنام
لو شام في نهر المجرة مطلبا * لعلا عليه بأخمص الاقدام
نور الهداية من أسرة وجهه * باد يضئ على مدى الأيام
قل ما تشأ فيه فحسبك أنه * خير البرية عصمة الأيتام
لو رام أن يقفو علاه سميدع * لانصاع وهو منكس الاعلام
عثرت مطيته به فكبا على * أنف تعوده على الارغام
ومذ امتطى هام الأثير بمجده * راموا اللحوق به على الاقدام
فبهديه نلنا الهدى وبجده * الرحمن أوجدنا من الاعدام
لك يا وحيد بني الزمان ماثر * غزر تضئ بجبهة الأيام
قسما بمجدك وهي أعظم حلفة * ما صغت الا في علاك نظامي
يا نخبة الحيين هاشم والعلى * وأجل متبع وخير امام
هلا عطفت وتلك منك سجية * بالعود قبل تهالك الآنام
لو تستطيع سعت إليك كما سعى * خوف المنية للورود الظامي
أو أن للأرض المسير لقادها * شوق يطير بها لخير همام
ولانت فيها يا عميد بني الورى * كالشمس تكشف كل جنح ظلام
وإذا سقاها در لفظك أعضبت * لو أن أرضا أعشبت بكلام
قارنت بالتوفيق شمسا لم تزل * باليمن طالعة مدى الأيام
ولو أنها حاشا لها لي مثلت * جسما أراه بعالم الأوهام
لجعلت في سامي جميل صفاتها * نظمي مدى عمري بغير ختام
لكنها حجبت وصين مقامها * عن أن تنال ولو بطيف منام
وإلى خطير مقامك السامي سعت * عذراء تخرس ألسن النظام
غيداء حالية بمدحك لم تزل * بالبشر تهتف مدة الأعوام
يهني علاك زفافك السامي الذي * رحنا به سكرى بغير مدام
واسلم على الأيام هضبة عزها * واهنا بعيد منك أبلج سامي
ما لاح بدر في السماء وكوكب * أو غردت في الأيك ورق حمام
وقال يمدح السيد محمد والسيد علي أيضا:
ليالي وصل ما يرجى ايابها * وساعات أنس قد شجاني ذهابها
ودهر تقضى بين أرام رامة * له سهرت عيني وطال انتحابها
إذا جن ليلي ضاجعتني ضئيلة * من الهم في جنبي يعلق نابها
أراشت هموم الدهر نحوي سهامها * وقد عز أن يمضي سليما مصابها
فيا لك من قلب غريق بوجده * ويا لك من نفس سريع ذهابها
ولا زالت الأيام تجري بعكس ما * أرجيه والأيام صعب غلابها
فما مزجت الا بريق مواردي * وللغير يصفو وردها وشرابها
أ أصبح فيها طامعا وقد انطوت * على غير ما تبدى إلي عيابها
أعاتبها والذنب لا شك ذنبها * وما أن عسى يجدي علي عتابها
فعتبى على الأيام ليس بناقع * غليلي ولا يطفي أوامي سرابها
أبت جامحات الدهر تعطي شكيمها * لمثلي وقد ذلت لغيري صعابها
فما الطائر المقصوص منه جناحه * ولا ذات أفراخ شجاها ذهابها
ولا النازح المجنوب عن دار أهله * وقد ضر فيه نأيها واغترابها
ولا ذات ألف بان عنها فأصبحت * بقفراء تعوي في فلاها ذئابها
بأوجع مني يوم شالت حمولها * وزمت على عنف لنجد ركابها
واني لحرب لليالي ولو غدا * لعاب الأفاعي القاتلات لعابها
ولا أنا من يعطي قيادا لغيرها * ولا من يرجيها ولا من يهابها
وكيف أخاف الحادثات ومنزلي * بساحة عز لا يضام جنابها
لقد وشجت أعراقها أبعد الثرى * ونيطت على هام الثريا قبابها
تسير إليها اليعملات كأنما * بايمانها أرسانها ورقابها
يعب بها بحر من العلم زاخر * ويمطر في ماء الحياة سحابها
كان قلوب الخلق نحو رحابها * فراش على نار يضئ شهابها
ولا عجب إذ حل فيها محمد * إذا ما شات فخرا وطاب ترابها
فتى هاشم بل غوثها وعمادها * وموئلها بل حصنها وحجابها
تربى بحجر المجد طفلا وللعلى * تعرض فانقادت إليه صعابها
ومن لرسول الله نبعة أصله * يفوق على رغم الأعادي انتسابها
فلا عجب إما سما الناس مفخرا * ودانت إليه شيبها وشبابها
تحمل أعباء الرياسة مفردا * فخفت له أعلامها وهضابها
عليه مدار العلم والحلم والحجا * وما من علاء الا إليه ما بها
به يهتدي الآنام أن ضل قصدها * وفي يده تخليصها وعقابها
وانك يا خير الأنام مدينة العلو * من وهذا صنوك الفذ بابها
عنيت أخا العليا عليا ومن غدت * مناقبه يعيي البرايا حسابها
فاخلاقه أعراقه فيض كفه * رياض كرام عم جودا سحابها
له الحجة البيضاء في كل مشهد * على أهله حيث العلى وانتسابها
فلا زال والأعياد تمضي بنعمة * وعلياه فوق النجم تعلو قبابها
ولا زلتم آل الأمين بنعمة * وأبحر علياكم يعب عبابها
وقال يمدح السيد علي:
يا غزال الرمل من وادي الأراك * جد على مضنى الحشا بالنظر
وتعطف فالذي مر كفاك * من صدودي يا شقيق القمر
صرت من هجرك ذو جسم نحيل * حرقى زادي ودمعي مشربي
مستهاما لا أرى عنك بديل * وأرى الفوز بنيل الإرب
واجدا اقنع بالنزر القليل * والتسلي لم يكن من مذهبي
فارفع الحجب عسى عيني تراك * لا تدعها عرضة للخطر
بالذي في حلل الحسن كساك * جد به قبل انقضاء العمر
رق لي الشامت يا قاسي الفؤاد * ورثى وجدا لحالي وبكا
إن تكن ملت لهجري والبعاد * فإلى الله تعالى المشتكى
عد لو صلي وامنح الطرف الرقاد * يا ظلوما لدمي قد سفكا
فالحشى أصبح في أسر هواك * ليت قلبي الهوى لم يؤسر
وأنا أصبحت عبدا لعلاك * فاحتكم ما شئت لي وائتمر
ان تشأ قتلي فالامر إليك * أنا راض بالذي ترضى به
أو ترى العفو فامري في يديك * لست في أمرك بالمشتبه
قسما بالمصطلى من وجنتيك * وبنون الصدع مع عقربه
(٣٥٦)

وبدر الثغر والشهد لماك * وبجيد مثل جيد الجؤذر
انني ما ملت يوما لسواك * أو تراني عبرة المعتبر
كلما حاولت هجرا صدني * قلق فيك ووجد متلف
وفؤاد من قديم الزمن * بسوى حبك لا يتصف
وتباريح أسى في بدني * مدة الأيام لا تنصرف
وشحوب قد علاني من نواك * صرت منه في أشد الخطر
ليت شعري من إلى الهجر دعاك * فلقد جئت بأمر منكر
قال لي وهو على النطق ضنين * وبه عني أبا أي أبا
لا ومن خص علي بن الأمين * بمزايا أعجزت من طلبا
وبنور من سناه يستبين * لبني الأيام انى ذهبا
وبمجد فيه قد طال السماك * وسما فخرا على المفتخر
لست أهوى ساعة أني أراك * فاطل من عذلي أولا فاقصر
قلت حسبي بأبي عبد الحسين * عن بني الدهر مدى الدهر غنى
ذاك مولى حبه في النشأتين * جنة للخلق ان خطب عنا
لو جنى الجاني ذنوب الثقلين * وتولاه لما نال العنا
فهو للدين وللدنيا المساك * ومعاديه غدا في سقر
فتمسك فيه ان خطب عراك * فهو امن لك يوم المحشر
بحر علم ما له من ساحل * قف عليه فيه سفن للنجاة
عصمة الخلق أمان النازل * مقتداه غوثه عين الحياة
شمس رشد بزغت في عامل * فسرى النور إلى كل الجهات
وإذا ما جئته يوما حباك * نعما تثريك عند العسر
وإذا ما صيب الغيث عداك * قام في الأرض مقام المطر
علم لا ترتقي الطير ذراه * طاهر الجيب أشم المعطس
وإذا ما جئته يوما تراه * هو من يعنى بروح القدس
قل لمن يسال يوما عن علاه * هذه آثاره فاقتبس
ان تقل غالى بما قال فذاك * مرجع الكل ملاذ البشر
أو تلمني قلت فض الله فاك * ما لعياه أرى من منكر
أين عنه في الهدى شمس الضحى * في دجى ليل الخطوب الأليل
ما ترى الكون به قد أصبحا * باسما عن ثغره في جذل
وذوو الحاجات تمشي مرحا * زامرا مذ قدم الحبر علي
فهو إما فادح الخطب دهاك * وتمسكت به لم تعثر
دام للدين وللدنيا المساك * ما شدا الطائر فوق الشجر
وقال يمدح السيد محمد والسيد علي:
سرى طيف من أهوى سحيرا وودعا * فاقلع صبري والاسى حين أقلعا
أقام قليلا خيفة من رقيبه * وسار وقلبي اثر مسراه أزمعا
له الله من طيف سرى فاستفزني * وحرم طرفي في الكرى أن يمتعا
فقلت له والركب سكرى من الكرى * أعد مضجعي علي أراك فاسرعا
وقلت لعيني عاودي النوم عله * يعود فاشفي فيه قلبا تصدعا
فمالت إلى العصيان عيني وأرسلت * دموعا تعيد الربع في الجدب ممرعا
فيا طيف ما أعصاك للعين في الكرى * ويا طرف ما أسخاك في الحب أدمعا
عذرتك من طيف أصابك بعض ما * أصات الحشي إذ صار للوجد مجمعا
فيا عاذلي كن عاذري يوم بينهم * إذا مت وجدا أو فؤادي تقطعا
ويا هاجري من غير ذنب جنيته * دع الهجر ما أبقيت في القوس منزعا
إذا جنني ليلي بكيت صبابة * وأقسم طرفي أن ينام ويهجعا
يمينا بمن أبلى فؤادي بحبهم * ومن طاف بالبيت العتيق ومن سعى
لئن صار في الأموات شخصي ورافعوا * علي صفيح القبر مع من ترفعا
لما عدت يوم الحشر الا بحبهم * فهم أصبحوا مرأى لقلبي ومسمعا
بهم يهتدي الساري إذا ضل قصده * وفي هديهم ليل الضلال تقشعا
هم القوم لا قلبي يميل لغيرهم * ولا أبتغي عنهم مدى الدهر مرجعا
هم القوم إما في الخطوب فجنة * وفي الحشر تلقاهم لدى الخوف شفعا
لهم تخضع الأسد المغاوير هيبة * ولله تلقاهم مدى الدهر خشعا
هم القوم لا الدنيا تقود زمامهم * وهل منهم الا وعنها ترفعا
أعزاء لا بمال عزوا كغيرهم * ولا اتخذوا في باحة الذل مرتعا
ولا صانعوا في الدين يوما ولا رأوا * سوى طاعة الباري مالا ومرجعا
ولا خضعوا يوما لتحكيم ظالم * وتلقاهم للحق في الحق خضعا
بني هاشم سفن النجاة ومفزع العباد * إذا ما الدهر بالخطب أفزعا
وما منهم الا الذي ان رأيته * تخيلته بدرا بليل تطلعا
كمثل زعيم المكرمات محمد * به الناس تستسقي إذا الغيث اقلعا
يشق الدجى لألآء طلعته التي * بها قد غدا نجد الهداية مهيعا
وهل كعلي صنوه من بمجده * غدا للبرايا مستجارا ومفزعا
سعت نحوه العلياء إذ نحوها سعى * وفي حبه هامت وفيها تولعا
له انقادت العلياء طوعا فأصبحت * ماثر علياه من المسك أضوعا
به عز دين الله شرقا ومغربا * وشيد من أركانه ما تضعضعا
فقل لحسود رام كتمان فضله * بفيك الحصى أو كن على الظلع مربعا
أ يحجب ضوء الشمس والشمس في الضحي * ويكتم عرف المسك إما تضوء
فتى لم تزينه الدنا مثل غيره * ولكن بثوب المكرمات تلفعا
ولو رامها جاءته وهي مطيعة * ولكنه عنها عفا عفافا تورعا
فلا زال في برد من المجد رافلا * مدى الدهر ما بدر بليل تطلعا
الشيخ علي ابن الشيخ موسى بن الشيخ جعفر صاحب كشف الغطاء.
توفي سنة ١٢٣٣ قبل وفاة أبيه بثمان سنين ولم يعقب وكانت وفاته
بالنجف ودفن في مقبرتهم.
قال ابن أخيه الشيخ علي ابن الشيخ محمد رضا ابن الشيخ موسى
ابن الشيخ جعفر في طبقات الشيعة: كان عالما فاضلا ذكيا فطنا فقيها
أصوليا قرأ على أبيه وجده وعلماء عصره وكان له مجلس درس في حياة أبيه
ولما مضى أبوه إلى طهران قام مقامه في التدريس وغيره ولما رجع أبوه
ووصل سامراء أخبر بموته وقيل له مات الشيخ علي فقال أخي أو ولدي
فقيل له ولدك فقال الحمد لله الذي جعل ولدي فداء لاخي، ورثته
الشعراء منهم السيد حسن الأصم البغدادي بقصيدة أولها:
ما بال دمعي لا يطفي به غللي * وما لنوحي لا يشفى به عللي
ما للنوائب تأتينا على عجل * كالسيف يأنف أن يأتي على مهل
يا راكبا قاطعا للبيد ساحتها * يطوي المهامة من سهل إلى جبل
عرج إذا جزت أعلام الغري على * قبر الوصي ملاذ الخائف الوجل
(٣٥٧)

وقف على مريد قد حاز خير فتى * به استجار وأعطى غاية الأمل
وقل له فزت لما أرخوك الا * جاورت باب أمير المؤمنين علي ١٩٢٠
ومن قول السيد حسن المذكور فيه مهنئا له بعرسه من قصيدة:
بشرى فربع المعالي بات مأنوسا * وكاد بالانس أن يسموا الفراديسا
وخندريس إلهنا راقت لشاربها * في يوم عرس سليل المصطفى موسى
موسى بن جعفر الشيخ المحقق من * أضحى لعمر أبي للفضل قاموسا
مصباح منهاج مفتاح الفلاح ومن * بدر تحريره زان القراطيسا
فاسعد بعرس لك الاقبال أرخه * زوجت بدر الحجى بالشمس يا موسى
ميرزا علي ثقة الاسلام التبريزي ابن الحاج ميرزا موسى ابن الحاج
ميرزا شفيع ابن الحاج ميرزا رفيع تلميذ صاحب الحدائق.
ولد سنة ١٢٧٥ في تبريز وقتله الروس شنقا يوم عاشوراء سنة ١٣٣٠
عند احتلالهم مدينة تبريز أيام الانقلاب الدستوري.
كان من علماء تبريز المشهورين وله من المؤلفات: رسالة مفصلة في
اثبات يوم ميلاد الرسول وكتاب كبير في مؤلفات الشيعة.
أبو الحسن بن السمسار علي بن موسى الدمشقي.
توفي في صفر سنة ٤٣٣ وقد أكمل التسعين.
ذكره عبد الحي بن العماد في شذرات الذهب فقال في حوادث تلك
السنة: حدث عن أبيه وأخويه محمد وأحمد وعلي بن أبي العقب وأبي
عبد الله وعلي بن أبي العقب وأبي عبد الله بن مروان والكبار وروى
عن البخاري عن أبي زيد المروزي وانتهى إليه علو الاسناد بالشام قال الكتاتي
كان فيه تساهل ويذهب إلى التشيع اه.
السيد علي آل طاووس (١).
ولد سنة ٥٨٩ وتوفي سنة ٦٦٤.
آل طاووس أسرة عراقية جليلة أخرجت حملة من الاعلام في المائتين
السابعة والثامنة، تولوا شؤون النقابة والزعامة الروحية في أواخر عصور
الدولة العباسية، ثم في الدولة الإيليخانية المغولية، وعالجوا الكتابة
والتآليف في علوم الدين والفقه والشريعة والأنساب وما كان على شاكلتها
من المواضيع.
وكان أبرز اعلام هذه الأسرة السيد نقيب رضي الدين علي بن
سعد الدين أبي إبراهيم موسى بن جعفر بن محمد بن أحمد بن محمد بن
أحمد بن أبي عبد الله محمد الطاووس (٢) بن إسحاق بن الحسن بن محمد بن
سليمان بن داود بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب
ع (٣).
ولد قبل ظهر يوم الخميس منتصف المحرم سنة ٥٨٩ بالحلة، وبها
نشأ وترعرع وروى بنفسه في بعض مؤلفاته تاريخ نشأته ودراسته فقال:
أول ما نشأت بين جدي ورام (٤) ووالدي... وتعلمت الخط
والعربية وقرأت في علم الشريعة المحمدية... وقرأت كتبا في أصول
الدين... واشتغلت بعلم الفقه، وقد سبقني جماعة إلى التعليم بعدة
سنين، فحفظت في نحو سنة ما كان عندهم وفضلت عليهم... وابتدأت
بحفظ الجمل والعقود... وكان الذين سبقوني ما لأحدهم الا الكتاب
الذي يشتغل فيه، وكان لي عدة كتب في الفقه من كتب جدي ورام انتقلت
إلي من والدتي رض بأسباب شرعية في حياتها... فصرت أطالع بالليل
كل شئ يقرأ فيه الجماعة الذين تقدموني بالسنين، وانظر كل ما قاله
مصنف عندي وأعرف ما بينهم من الخلاف على عادة المصنفين، وإذا
حضرت مع التلامذة بالنهار أعرف ما لا يعرفون وأناظرهم... وفرغت من
الجمل والعقود، وقرأت النهاية فلما فرغت من الجزء الأول منها استظهرت
على العلم بالفقه حتى كتب شيخي محمد بن نما خطه لي على الجزء الأول
وهو عندي الآن... فقرأت الجزء الثاني من النهاية أيضا ومن كتاب
المبسوط، وقد استغنيت عن القراءة بالكلمة... وقرأت بعد ذلك كتبا
لجماعة بغير شرح، بل للرواية المرضية... وسمعت ما يطول ذكر
تفصيله.
وكان له بالإضافة إلى شيخه محمد بن نما السالف الذكر شيوخ
كثيرون لا يتسع المجال لذكر جميعهم، نذكر منهم:
١ أسعد بن عبد القاهر بن أسعد الأصفهاني كان قد وصل بغداد
سنة ٦٣٥ ه وزار رضي الدين في داره في شهر صفر من تلك السنة وأجازه
هناك بالرواية عنه.
٢ الحسين بن أحمد السوراوي، وقد أجازه في شهر جمادى الآخرة
٦٠٩ ه.
٣ محب الدين أبو عبد الله محمد بن محمود المعروف بابن النجار
البغدادي، يروي عنه اجازة كتابه تذييل تاريخ بغداد.
تاج الدين الحسن بن علي الدربي، يروي عنه صحيح مسلم.
٥ سديد الدين سالم بن محفوظ بن عزيزة السوراوي، قرأ عليه
التبصرة وبعض المنهاج.

(١) من الترجمات التي توفي المؤلف قبل أن يكتمها، وهذه مكتوبة بقلم الشيخ محمد حسن آل
ياسين " ح ".
(٢) كان محمد هذا رائع جميل الوجه ولم تكن قدماه مناسبة لحسن صورته فلقب بالطاووس،
ويرجع هو وولده في الأصل إلى المدينة سورا - بالقرب من الحلة - حيث كان من أوائل من
ولي النقاية فيها، ثم انتقلت ذريته بعد ذلك إلى الحلة.
(٣) هكذا سرد المترجم له نسبه في مقدمة كتابه (الإجازات) المطبوع في المجلد الخامس
والعشرين من البحار: ١٧ - ١٩.
(٤) كانت أمه بنت الشيخ ورام بن أبي فراس المالكي النخعي المتوفي سنة ٦٠٥ ه‍، وكانت أم
والده موسى حفيدة الشيخ محمد بن الحسن الطوسي صاحب الفهرست المتوفى سنة ٤٦٠ ه‍
وكان رضي الدين كثير العلاقة بجده ورام وكثير النقل والرواية عنه في مؤلفاته. يراجع
كشف الحجة ١٢٧ والفوائد الرضوية: ٢ / ٦٩٧ والذريعة: ١ / ٥٨.
(٣٥٨)

٦ كمال الدين حيدر بن محمد بن زيد بن محمد بن عبد الله
الحسيني، قرأ عليه أياما كثيرة منها يوم السبت ١٦ جمادى الآخرة سنة
٦٢٠ ه.
كما وقد قرأ عليه وروى عنه كثير من الاعلام، نذكر منهم:
الحسن بن يوسف العلامة الحلي غياث الدين عبد الكريم آل
طاووس، جمال الدين يوسف بن حاتم الشامي، علي بن عيسى الأربلي،
الحسن بن داود الحلي.
وهاجر رضي الدين في شبابه إلى بغداد، ويحدثنا عن سبب هذه
الهجرة فيقول: ثم اتفق لوالدي قدس الله روحيهما ونور ضريحهما
تزويجي... وكنت كارها لذلك... فادى ذلك إلى التوجه إلى مشهد
مولانا الكاظم ع وأقمت به حتى اقتضت الاستخارة التزويج بصاحبتي
زهراء خاتون بنت الوزير ناصر بن مهدي رضوان الله عليها وعليه،
وأوجب ذلك طول الاستيطان ببغداد.
وعلى الرغم من عدم معرفتنا بتاريخ الهجرة فان الشئ المتيقن ان
رضي الدين كان ببغداد سنة ٦٣٥ ه حيث يروي ان شيخه أسعد بن عبد
القاهر قد زاره في داره في شهر صفر من تلك السنة (١)، والظاهر أنه كان قد
قدمها قبل ذلك بسنين، لأنه أقام ببغداد نحوا من خمس عشرة سنة ثم
رجع إلى الحلة في رواية بعض المصادر (٢)، وكان رجوعه هذا إلى الحلة
في حدود عام ٦٤٠ ه كما سيأتي.
ولقي ببغداد من ضروب الحفاوة الشئ الكثير، وكان من جملتها
انعام الخليفة المستنصر عليه بدار يسكن فيها، وتقع بالجانب الشرقي عند
المأمونية في الدرب المعروف بدرب الجوبة (٣).
كما كان من جملتها صلاته الوثقي بفقهاء النظامية المستنصرية ومناقشاته
ومحاوراته معهم.
وصلاته الوثقى أيضا بالوزير القمي وولده والوزير ابن العلقمي
وأخيه وولده صاحب المخزن.
وكان له مع الخليفة المستنصر المتوفي سنة ٦٤٠ ه من متانة الصلة
وقوة العلاقة ما يعتبر في طليعة ما حفل به تاريخه في بغداد، وكان من أول
مظاهرها انعام الخليفة عليه بدار سكناه كما مر، ثم أصبحت لرضي
الدين من الدالة ما يسمح له بالسعي لدى المستنصر في تعيين الرواتب
للمحتاجين وما يدفع المستنصر إلى مفاتحته في تسليم الوزارة له كما
سيأتي. ولعل حب المستنصر كأبيه للعلويين وعطفه عليهم واهتمامه
بشؤونهم هو السبب في هذه العلاقة الأكيدة القوية وفي تدعيمها واستمرارها
طوال تلك السنين، ولنترك رضي الدين يحدثنا بقلمه عن تلك العلاقة
ويروي لنا نماذج منها فيقول:
طلبني الخليفة المستنصر جزاه الله عنا خير الجزاء للفتوى، على
عادة الخلفاء، فلما وصلت إلى باب الدخول... تضرعت إلى الله عز
وجل وسألته أن يستودع مني ديني وكل ما وهبنيه، ويحفظ علي كل ما يقربني
من مراضيه، فحضرت فأجتهد بكل جهد بلغ توصله إليه انني أدخل في
فتواهم، فقواني الله جل جلاله على مخالفتهم والتهوين بنفسي.
والظاهر أن الوشاة قد حاولوا إفساد علاقته بالمستنصر بعد رفضه
منصب الإفتاء حيث يقول: وجرت عقيب ذلك أهوال من السعايات،
فكفاني الله جل جلاله بفضله وزادني من العنايات.
ثم عاد الخليفة ودعاني إلى نقابة جميع الطالبيين على يد الوزير
القمي وعلى يد غيره من أكابر دولتهم، وبقي على مطابتي بذلك عدة
سنين، فاعتذرت باعذار كثيرة، فقال الوزير القمي: ادخل واعمل فيها
برضا الله، فقلت له: فلأي حال لا تعمل أنت في وزارتك برضا الله
تعالى، والدولة أحوج إليك منها إلي، ثم عاد يتهددني، وما زال الله جل
جلاله يقويني عليهم حتى أيدني وأسعدني.
وعاد المستنصر... وتحيل معي بكل طريق... وقيل لي: إما ان
تقول ان الرضي والمرتضى كانا ظالمين أو تعذرهما فتدخل في مثل ما دخلا
فيه، فقلت: ان أولئك كان زمانهم زمان بني بويه... وهم مشغولون
بالخلفاء والخلفاء بهم مشغولون، فتم للرضي والمرتضى ما أرادوا من رضا
الله.
ثم اختار الخليفة المستنصر جزاه الله خير الجزاء ان أكون رسولا
إلى سلطان التتر، فقلت لمن خاطبني في هذه الأشياء ما معناه: ان أنا
نجحت ندمت وان جنحت ندمت فقال: كيف؟ فقلت: ان نجاح سعيي
يقتضي أنكم لا تعزلوني من الرسالات... وان لم ينجح الامر سقطت من
عينكم سقوطا يؤدي إلى كسر حرمتي.
وكنت استأذنت الخليفة في زيارة مولانا الرضا عليه التحية
والثناء بخراسان، فاذن، وتجهزت وما بقي الا التوجه إلى ذلك المكان،
فقال من كان الحديث في الاذن إليه: قد رسم أنك تكون رسولا إلى بعض
الملوك، فاعتذرت وقلت: هذه الرسالة ان نجحت ما يتركوني بعدها
أتصرف في نفسي... وان جنحت صغر أمري وانكسرت حرمتي... ثم لو
توجهت كان بعدي من الحساد من يقول لكم: انه يبايع ملك الترك
ويجئ به إلى هذه البلاد وتصدقونه فقال: وما يكون العذر؟ قلت: انني
استخير وإذا جاءت لا تفعل فهو يعلم انني لا أخالف الاستخارة ابدا.
فاستخرت واعتذرت.
ثم عاد الخليفة المستنصر جزاه الله خير الجزاء وكلفني الدخول في
الوزارة وضمن لي أنه يبلغ بي في ذلك إلى الغاية، وكرر المراسلة
والإشارة... فراجعت واعتذرت، حتى بلغ الأمر إلى أن قلت ما معناه:

(١) سعد السعود: ٢٢٣ ة اليقين: ٧٩ و ١٨١.
(٢) البحار ٢٥ / ١٩.
(٣) سعد السعود: ٢٢٢ ولا يقين: ٧٩ ة ١٨١. والمأمونية - هي ايوم محلة عقد القشل والدهانة
والهيتاويين وصبابيع الآل، ودرب للجوبة في احجهة الشرقية من محلة المهدية مما يلي محلة
قرمشعيان وفضوته. يراجع بغداد وحديثا: ١٢٤ و ٢٤٣.
(٣٥٩)

إن كان المراد بوزارتي على عادة الوزراء، يمشون أمورهم بكل مذهب وكل
سبب، سواء أ كان ذلك موافقا لرضا الله جل جلاله ورضا سيد الأنبياء
والمرسلين أو مخالفا لهما في الآراء، فإنك من أدخلته في الوزارة قام بما جرت
عليه العوائد الفاسدة. وإن أردت العمل في ذلك بكتاب الله جل جلاله
وسنة رسوله ص فهذا أمر لا يحتمله من في دارك ولا مماليكك ولا خدمك
ولا حشمك ولا ملوك الأطراف، ويقال لك إذا سلكت سبيل العدل
والإنصاف والزهد إن هذا علي بن طاووس علوي حسني ما أراد بهذه
الأمور إلا أن يعرف أهل الدهور إن الخلافة لو كانت إليهم كانوا على هذه
القاعدة من السيرة، وإن في ذلك ردا على الخلفاء من سلفك وطعنا
عليهم.
ولما تغلب التتار على بلاد خراسان وطمعوا في هذه البلاد ووصلت
سراياه إلى نحو مقاتلة بغداد في زمن الخليفة المستنصر جزاه الله عني بما هو
أهله، كتبت إلى الأمير قشتمر (١) وكان إذ ذاك مقدم العساكر خارج بلد
بغداد وهم مبرزون بالخيم والعدد والاستظهار ويخافون أن تأتيهم عساكر
التتار وقد نودي في باطن البلد بالخروج إلى الجهاد فقلت له بالمكاتبة:
استأذن لي الخليفة واعرض رقعتي عليه في أن يأذن لي في التدبير ويكونون
حيث أقول يقولون وحيث أسكت يسكتون، حتى أصلح الحال بالكلام،
فقد خيف على بيضة الاسلام، وما يعذر الله جل جلاله من يترك الصلح
بين الأنام، وذكرت في المكاتبة أنني ما أسير بدرع ولا عدة إلا بعادتي من
ثيابي ولكني أقصد الصلح، ولا أبخل بشئ لا بد منه، وما أرجع بدون
الصلح فإنه مما يريده الله عز وجل ويقربني منه، فاعتذروا وأرادوا غير ما
أردناه،
ثم حضرت عند صديق لنا وكان أستاذ دار وقلت له: تستأذن لي
الخليفة في أن أخرج أنا وآخرون ونأخذ معنا من يعرف لغة التتار ونلقهم
ونحدثهم... لعل الله جل جلاله يدفعهم بقول أو فعل أو حيلة عن هذه
الديار، فقال: نخاف تكسرون حرمة الديوان ويعتقدون أنكم رسل من
عندنا، فقلت: أرسلوا معنا من تختارون ومتى ذكرناكم أو قلنا أننا
عنكم حملوا رؤوسنا إليكم وأنجاكم ذلك وأنتم معذورون. ونحن إنما
نقول إننا أولاد هذه الدعوة النبوية والمملكة المحمدية، وقد جئنا نحدثكم
عن ملتنا وديننا فان قبلتم وإلا فقد أعذرنا... فقام وأجلسني في موضع
منفرد أشار إليه، وظاهر الحال أنه أنهى ذلك إلى المستنصر.
ثم أطال وطلبني من الموضع المنفرد وقال ما معناه: إذا دعت الحاجة
إلى مثل هذا أذنا لكم، لأن القوم الذين قد أغاروا ما لهم متقدم تقصدونه
وتخاطبونه، وهؤلاء سرايا متفرقة وغارات غير متفقة.
وعاد بعد ذلك كله إلى الحلة ولا نعلم بالتحقيق متى كان ذلك،
ولكنه على الأرجح في أواخر عهد المستنصر فبقي هناك مدة من الزمن حيث
ولد له فيها ابنه محمد سنة ٦٤٣ ه، ثم انتقل منها إلى النجف فبقي فيها
ثلاث سنين، وولد له هناك ولده علي سنة ٧٤٦ ه، ثم انتقل إلى كربلاء
وكان ينوي الإقامة فيها ثلاث سنين، ولا ندري هل تحققت نيته أم لا،
ثم عاد إلى بغداد سنة ٦٥٢ ه وبقي فيها إلى حين احتلال المغول بغداد،
فشارك في أهوالها وشملته آلامها، وفي ذلك يقول:
تم احتلال بغداد من قبل التتر في يوم الاثنين ١٨ محرم سنة
٦٥٦ ه وبتنا في ليلة هائلة من المخاوف الدنيوية فسلمنا الله جل جلاله من
تلك الأهوال.
ولما تم احتلال بغداد أمر هولاكو أن يستفتي العلماء: أيما أفضل.
السلطان الكافر العادل أم السلطان المسلم الجائر؟؟ ثم جمع العلماء
بالمستنصرية لذلك فلما وقفوا على الفتيا أحجموا عن الجواب، وكان رضي
الدين علي بن طاووس حاضرا هذا المجلس وكان مقدما محترما، فلما رأى
أحجامهم تناول الفتيا ووضع خطه فيها بتفضيل العادل الكافر على المسلم
الجائر، فوضع الناس خطوطهم بعده.
وكان من فوائد ذلك ما أشار إليه بقوله: ظفرت بالأمان
والاحسان، وحقنت فيه دماؤنا، وحفظت فيه حرمنا وأطفالنا ونساؤنا،
وسلم على أيدينا خلق كثير.
وفي سنة ٦٦١ ه ولي رضي الدين نقابة الطالبيين، وبقي نقيبا إلى
أن توفي يوم الاثنين خامس ذي القعدة سنة ٦٦٤ ه. رحمة الله ورضوانه
عليه.
فضله وآثاره
كان رضي الدين على جانب كبير من العلم والفضل والمعرفة كما
تشهد به مؤلفاته وآثاره وأقوال المؤرخين والرجاليين الذين ترجموا له وذكروه
حتى آل الأمر ببعض أعلام عصره إلى طلب التصدي منه للفتيا والقضاء
الشرعي، اعتمادا على فقهه العميق وورعه الذي لا يتسرب إليه الشك،
وفي ذلك يحدثنا فيقول:
وأراد بعض شيوخي أنني أدرس وأعلم الناس وأفتيهم وأسلك
سبيل الرؤساء المتقدمين فوجدت الله جل جلاله يقول في القرآن الشريف:
ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين، ثم لقطعنا منه
الوتين، فما منكم من أحد عنه حاجزين، فرأيت أن هذا تهديد من رب
العالمين فكرهت وخفت من الدخول في الفتوى، حذرا من أن يكون فيها
تقول عليه، وطلب رئاسة لا أريد بها التقرب إليه، فاعتزلت.
ثم اجتمع عندي من أشار إلى أن أكون حاكما بين المختلفين على
عادة الفقهاء والعلماء من السلف الماضين، ومصلحا لأمور المتحاكمين،
فاعتزلت.
ومن الناحية الأدبية ذكر ابن أخيه السيد عبد الكريم غياث الدين أن
لعمه نظما ونثرا، وقال الحر العاملي في ترجمته: وكان أيضا شاعرا أديبا
منشئا بليغا، ولم نعثر على شعر له سوى ما رواه الشيخ شمس الدين

(١) هو الأمير جمال الدين قشتمر المتوفى سنة ٦٣٧ ه‍، وأظن أنه يقصد حادث وصول جيوش
المغول إلى نواحي العراق المذكور في الحوادث الجامعة: ١٠٩ - ١١٠، وكان ذلك سنة ٦٣٥ ه‍.
(٣٦٠)

محمد بن مكي حيث قال: كتبت من خط رضي الدين ابن طاووس قدس
الله روحيهما:
خبت نار العلى بعد اشتعال ونادى الخير حي على الزوال
ثم ذكر خمسة أبيات من الشعر، ولم يثبت أنها له.
وخلف رضي الدين رضي الله عنه من بعده من المؤلفات مجموعة
قيمة في بابها بلغت حسب احصائنا ٤٨ كتابا، وتعتبر هذه المؤلفات بما
فيها من الفوائد ومن المنقول عن بعض المصادر المفقودة على جانب كبير من
الأهمية، ونورد فيما يلي جدولا بأسمائها:
١ الإبانة في معرفة أسماء كتب الخزانة ذكره مؤلفه في سعد
السعود: ٤ و ٢٥.
٢ الإجازات لما يخصني من الإجازات هكذا أسماه مؤلفه في
الاقبال: ٥٤٢ و ٦٥٨ واليقين: ٣٤ ومواضع أخرى منه. طبع بعضه في
البحار: ٢٥ ١٧ ١٩ وأسماه الطهراني في الذريعة: ١ ١٢٧
الإجازات لكشف طرق المفازات فيما يخصني من الإجازات.
٣ الأسرار المودعة في ساعات الليل والنهار ذكره مؤلفه في
الأمان: ٧٦ و ٨٩ و ١٣٠، وأسماه الطهراني في الذريعة: ١ ٣٩٦
أدعية الساعات.
٤ أسرار الصلاة ذكره الطهراني في الذريعة: ٢ ٤٩ وأشار إلى
وجود كراسة من أوله بخط عتيق في مكتبة السيد حسن الصدر.
٥ الاصطفاء هكذا أسماه مؤلفه في كشف المحجة: ٣ و ١١٢
و ١١٤ ومواضع أخرى، ولكنه عاد فأسماه الاصطفاء والبشارات في
كشف المحجة أيضا: ٣٤ وكتاب البشارات في الاقبال: ٤٦٩
والاصطفاء في تواريخ الملوك والخلفاء في كشف المحجة: ١٣٨.
٦ إغاثة الداعي وإعانة الساعي ذكره مؤلفه في الاقبال: ١٨٧
ومهج الدعوات: ١٢٩ و ١٧٧ و ٣٦٦.
٧ الاقبال بالأعمال الحسنة فيما يعمل مرة في السنة ذكره مؤلفه في
الأمان: ٧٧ وسعد السعود: ٦٩ و ٢٩٤ وكشف المحجة: ١٥٦، وتم
تاليفه قبل سنة ٦٥٦ ه. طبع في إيران بالحجم الكبير جدا على الحجر في
٧٢٨ صفحة سنة ١٣١٢ ه.
٨ الأمان من أخطار الأسفار والأزمان طبع في النجف في ١٨١
صفحة سنة ١٣٧٠ ه ومنه نسختان خطيتان في بعض المكتبات كما في
الذريعة: ٢ ٣٤٤.
٩ الأنوار الباهرة ذكره مؤلفه في الملاحم والفتن: ٨٠ واليقين: ٦
١٠ البهجة لثمرة المهجة وهو غير كشف المحجة ذكره مؤلفه في
سعد السعود: ٧٩ وكشف المحجة: ١٧ و ٨٦ و ١١١ و ١٣٨، وقال
عنه: يتضمن حال بدايتي ومعرفتي وطلبي الأولاد الخ.
١ التحصيل من التذييل تذييل شيخه ابن النجار على تاريخ
بغداد ذكره مؤلفه في الاقبال: ٦٨٥ و ٧٠١ ومحاسبة النفس: ١١
والملاحم والفتن: ١١١ و ١٤٤ و ١٥٠.
١٢ التحصين في أسرار ما زاد على كتاب اليقين ورد ذكره في
البحار: ١ ١٣ وروضات الجنات: ٣٨٣ والذريعة: ٣ ٣٩٨.
١٣ التراجم فيما نذكره عن الحاكم ذكره مؤلفه في الأمان: ٣٠
وأشار إلى جزئه الثاني.
١٤ التعريف للمولد الشريف ذكره المؤلف في الاقبال: ٥٩٨
٥٩٩ و ٦٠٣ ومواضع أخرى منه.
١٥ التمام لمهام شهر الصيام ذكره مؤلفه في الأمان: ٧٧.
١٦ التوفيق للوفاء بعد التفريق في دار الفناء ذكره مؤلفه في
كشف المحجة: ١٣٩.
١٧ جمال الأسبوع في كمال بكمال العمل المشروع ذكره
مؤلفه في الاقبال: ٦٢٣ و الأمان: ٧٧ ومحاسبة النفس: ١١، طبع في
إيران في ٥٤١ صفحة سنة ١٣٣٠ ه وكان قد طبع أيضا فيها ٦ سنة
١٣٠٢ ه.
١٨ الدروع الواقية من الأخطار ذكره مؤلفه في الأمان: ٧٧ وذكر
الطهراني في الذريعة: ٨ ١٤٦ عدة نسخ خطية منه.
١٩ ربيع الألباب ذكره مؤلفه في كشف المحجة: ١٢٥ و ١٣٨
وقال: قد خرج منه ست مجلدات تشتمل على روايات وحكايات من
آثار الأخيار وفوائد الأتقياء.
٢٠ روح الأسرار ذكره مؤلفه في كتاب اجازاته المطبوع في
البحار: ٢٥ ١٧ وقال مختصر: التمسه مني الشيخ العالم محمد بن علي
ابن زهرة الحلبي رضوان الله عليه حين ورد إلى الحج وكان ضيفا لنا ببلد
الحلة... وهو كتاب لطيف أمليته وأنفذته إليه.
٢١ ري الظمان من مروي محمد بن عبد الله بن سليمان ذكره
مؤلفه في اليقين ١٨٤.
٢٢ زهرة الربيع في أدعية الأسابيع ذكره مؤلفه في الأمان: ٧٧
ومهج الدعوات: ٣٢١ و ٣٤٠.
٢٣ السعادات بالعبادات هكذا أسماه مؤلفه في الاقبال: ٥٩٢
والأمان: ٦٩ و ٧٥ وسعد السعود ١٣٧ وأسماه في مهج الدعوات: ١٢٩
كتاب السعادة.
٢٤ سعد السعود طبع في النجف سنة ١٣٦٩ ه وجاء في آخره:
٢٩٨ أنه الجزء الأول، وقال مؤلفه في مقدمته: وجدت في خاطري يوم
(٣٦١)

الأحد في ذي القعدة سنة ٦٥١ ه... في أن أصنف كتابا أسميه سعد
السعود أذكر فيه من كل كتاب وقفته على ذكور أولادي وذكور أولادهم،
وقد جمع فيه فوائد من تلك الكتب لينتفع بها بعد ضياع أصولها أو تلفها.
٢٥ شفاء العقول من داء الفضول ذكره مؤلفه في كتاب اجازاته
المطبوع في البحار: ٢٥ ١٨ وقال: بأنه مقدمة في علم الكلام كتبها
ارتجالا، كما ذكره في اجازته لجمال الدين يوسف بن حاتم الشامي
المطبوعة في البحار: ٢٥ ١٩.
٢٦ الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف ذكره مؤلفه في رسالة
اجازاته المطبوعة في البحار: ٢٥ ١٧ والاقبال: ٤٦٧ و ٥٩٥ وسعد
السعود: ٦٩ و ٩١ ومواضع أخرى منه وكشف المحجة: ٣٦ و ٤١
ومواضع أخرى منه وطرف الأنباء: ٤. طبع الكتاب في إيران على الحجر
سنة ١٣٢٠ ه في ١٧٦ صفحة. أسمى المؤلف نفسه في هذا الكتاب عبد
المحمود بن داود وافترض أنه رجل من أهل الذمة يريد البحث في المذاهب
الاسلامية بحرية رأي وتجرد.
٢٧ طرف من الأنبياء والمناقب ذكره مؤلفه في إجازاته في البحار:
٢٥ ١٧ وكشف المحجة ١٣٩ طبع في النجف سنة ١٣٦٩ ه في ٥٠
صفحة.
٢٨ غياث سلطان الورى لسكان الثرى ذكره مؤلفه في اجازاته في
البحار: ٢٥ ١٧ وفرج المهموم: ٤٢ وكشف المحجة: ١٣٨ والملهوف:
١١ وقال: أنه في قضاء الصلاة الفائتة، وأنه لم يؤلف غيره في الفقه لأنه لا
يريد الدخول في الفتوى.
٢٩ فتح الأبواب: ذكره مؤلفه في اجازاته في البحار: ٢٥ ١٧
والأمان: ٩ و ٨٤ وكشف المحجة: ١٠١ و ١٢١ ومواضع أخرى.
٣٠ فتح الجواب الباهر هكذا أسماه في كشف المحجة: ١٣١
و ١٣٨ ولكنه أسماه في اجازاته: فتح محجوب الجواب الباهر.
٣١ فرج المهموم في معرفة نهج الحلال والحرام من علم
النجوم ذكره مؤلفه في الأمان: ٨٩. طبع الكتاب في النجف سنة
١٣٦٨ ه في ٢٦٠ صفحة وجاء في آخره وكان الفراع من تاليفه يوم
الثلاثاء العشرين من شهر المحرم سنة خمسين وستمائة هلالية بمشهد مولانا
الشهيد المعظم الحسين ع.
٣٢ فرحة الناظر وبهجة الخواطر ذكره مؤلفه في رسالة اجازاته
وقال: مما رواه والدي موسى بن جعفر بن محمد بن طاووس ونقله في
أوراق وأدراج وانتقل إلى الله... فجمعته بعد وفاته... ويكمل أربع
مجلدات لكل مجلد خطبة، وسميته بهذا الاسم المذكور.
٣٣ فلاح السائل ونجاح المسائل ذكره مؤلفه في الأمان: ٧٦ و ٧٩
و ١٢٨ و ١٣٠ وجمال الأسبوع: ١٩٠ و ٢٢٤ ومحاسبة النفس: ١٧ ومهج
الدعوات: ٣٤٠، وقد بدأ بتاليفه بعد سنة ٦٣٥ ه، وفي أوله رواية عن
أسعد الأصفهاني تاريخها السنة المذكورة.
٣٤ القبس الواضح من كتاب الجليس الصالح ذكره مؤلفه في
رسالة اجازاته في البحار: ٢٥ ١٧، وهو مختصر كتاب الجليس الصالح
الكافي والأنيس الناصح الشافي للمعافى بن زكريا المذكور في كشف الظنون
١ ٥٩٣.
٣٥ الكرامات ذكره مؤلفه في الأمان ١١٥ في موضعين.
٣٦ كشف المحجة لثمرة المهجة ذكره مؤلفه في كتاب اجازاته
وقال: وجعلت له اسما آخر اسعاد ثمرة الفؤاد على سعادة الدنيا
والمعاد. ألفه في سنة ٦٤٩ ه وكان آنذاك في كربلاء كما ورد فيه ٤
و ١١٨ و ١٩٤ طبع في النجف سنة ١٣٧٠ ه في ١٦٦ صفحة، والكتاب
مؤلف على شكل رسالة يوجهها رضي الدين لولديه محمد وعلي وكانا حين
التأليف طفلين.
٣٧ لباب المسرة من كتاب مزار ابن أبي قرة ذكره مؤلفه في
الاقبال: ٤٧٠ كما ذكره ابن أخيه ناسبا إياه لعمه في فرحة الغري: ٤٠
و ٧٧.
٣٨ المجتني ذكره المجلسي في البحار: ١ ١٣ والخوانساري في
روضات الجنات: ٣٨٣. طبع في بومباي الهند سنة ١٣١٧.
٣٩ محاسبة النفس ذكرها العاملي في أمل الآمل: ٧١ والمجلسي
في البحار: ١ ٣ و ١٢٥ ١٠. طبعت في النجف في ٢٣ صفحة ومعها
رسالة تنبيه الراقدين لمحمد طاهر بن محمد.
٤٠ المختار من أخبار أبي عمر والزاهد ذكره مؤلفه في رسالة
اجازاته.
٤١ مسلك المحتاج إلى مناسك الحاج ذكره مؤلفه في كتاب
اجازاته والاقبال: ٣٠٦ وكشف المحجة: ١٤٥.
٤٢ مصباح الزائر وجناح المسافر ذكره مؤلفه في الاقبال: ٢٧٤
ومواضع أخرى منه والأمان ٣٣ و ١٢١ و ١٢٥ وجمال الأسبوع: ١٨٠ و
٢٣٢ وكشف المحجة: ١٣٩ والملهوف: ٥، وصرح أنه من أول
مؤلفاته.
٤٣ المضمار هكذا أسماه مؤلفه في الاقبال: ٥٥٤ و ٦٣٥
والأمان: ٢٢ و ٧٧ وكشف المحجة: ١٤٤، ولكنه أسماه في رسالة
اجازاته في البحار: ٢٥ ١٧ مضمار السبق في ميدان الصدق. يقال أنه
مطبوع.
٤٤ الملاحم والفتن طبع بهذا الاسم في النجف سنة ١٣٦٨ ه في
١٦٥ صفحة، ولكن المؤلف يذكر في أثناء كتابه ص ١٦٥ أن اسمه
كتاب التشريف بالمنن في الملاحم والفتن. ألفه في عامي ٦٦٢
٦٦٣ ه، وهو عبارة عن تلخيص ثلاثة كتب: كتاب الفتن لنعيم بن حماد
الخزاعي، وكتاب الفتن لأبي صالح السليلي، وكتاب الفتن لزكريا بن يحيى
البزاز.
٤٥ الملهوف على قتلى الطفوف ذكره مؤلفه في الاقبال: ٥٦٢
وكشف المحجة: ١٣٨ وطبع في النجف وإيران غير مرة.
(٣٦٢)

٤٦ المنتقى ذكره مؤلفه في الأمان: ٧١ و ٧٧ وكشف المحجة:
١٣٦.
٤٧ مهج الدعوات ومنهج العنايات ذكره مؤلفه في سعد السعود:
١٧٥، وقد طبع في إيران سنة ١٣١٨ ه في ٤٥٠ صفحة.
٤٨ اليقين ذكره مؤلفه في الملاحم والفتن: ١٢٥ بهذا الاسم،
وكذلك سمي في النسخة المطبوعة في النجف سنة ١٣٦٩ ه في ٢٠٧
صفحات ولكن المجلسي في البحار: ١ ١ أسماه كشف اليقين.
خزانة كتبه
استطاع رضي الدين رضوان الله عليه أن يمتلك خزانة كتب غنية
بالذخائر والنفائس مما لم يكن له وجود في خزانة أخرى غالبا.
وكان صاحب الخزانة كثير الاهتمام فيها والشغف بها، حتى أنه
وضع فهرسا لها أسماه الإبانة في معرفة أسماء كتب الخزانة وهو من
الكتب المفقودة اليوم مع مزيد الأسف، كما وضع لها فهرسا آخر أسماه
سعد السعود فهرس فيه كتب خزانته بتسجيل مختارات مما ضمنته تلك
الكتب من معلومات وفوائد وقد طبع الموجود منه وهو الأول من أجزائه
وقد اختص بالكتب السماوية وعلوم القرآن ولا ندري هل فقد الباقي منه
أو أن المؤلف لم يتمه.
ولقد أشار رضي الدين في أثناء مؤلفاته إلى هذه الخزانة كثيرا،
ولكن باختصار وإيجاز، فهو يقول مثلا: في خزانة كتبنا في هذه الأوقات
أكثر من سبعين مجلدا في الدعوات ويقول: إن عنده كتبا جليلة في
تفسير القرآن، وكذلك في الأنساب وفي الطب وفي النجوم وغيرها من
العلوم وفي اللغة والاشعار وفي الكيمياء والطلسمات والعوذ والرقى
والرمل، وفي النبوة والإمامة والزهد وتواريخ الخلفاء والملوك وغيرهم،
وكتب كثيرة في كل فن من الفنون.
وفي أواخر أيام حياته وقف هذه الخزانة على ذكور أولاده وذكور
أولادهم وطبقات ذكرها، ثم انقطعت عنا أخبارها بعد وفاة صاحبها فلم
نعد نقرأ لها ذكرا أو نسمع لها اسما فيما روى الرواة وألف المؤلفون.
علي بن ناصر.
معاصر للسيد الرضي وصفه بعض العلماء بالسيد العلامة كما وجدته
في مسودات هذا الكتاب ولا اعلم الآن من أين نقلته وقال إنه سمى شرحه
أعلام نهج البلاغة وهو أتقن شروحه وأخصرها أوله: الحمد لله الذي نجانا
من مهاوي الغي وظلماته وهو أسبق من شرح أبي الحسن البيهقي يقول في
أول شرحه لم يشرح قبلي من كان من الفضلاء هذا الكتاب وصاحب رياض
العلماء يقول إن أبا الحسن البيهقي أول من شرح نهج البلاغة وهو محمول
على عدم العثور على شرح المترجم.
الشيخ علي الأعور السلومي الحائري.
توفي سنة ١٣٠٠.
كان وراقا في كربلاء نسخ بنفسه كثيرا من الكتب وله شعر قليل وهو
القائل من أبيات: سلام على من حلا طبعه * ومر علينا وما سلما
الشيخ علي زيدان بن ناصر العاملي المعركي.
توفي سنة ١٢٨٩ بقرية معركة من جبل عامل.
كان عالما فاضلا أديبا شاعرا ذكره صاحب جواهر الحكم وقال:
أصله من عرب البادية من بني صخر تحضر جده في بلاد صفد ثم ارتحل
عنها إلى قرية معركة من اعمال صور فتوفي فيها ونشأ ولده ناصر وتقرب عند
بعض أمراء العشائر وهو الشيخ مقبل من آل علي الصغير فاقطعه قطعة
أرض بالقرية المذكورة لمعاشه وبقي بها إلى أن مات وتخلف بولدين محمد
الأكبر كان عبدا صالحا وصاحب الترجمة قرأ في جويا على الشيخ محمد علي
الخاتوني وتقدم في علم النحو على أقرانه واجتمع بالسيد المقدس البحر
الطمطام السيد علي الأمين فسأله السيد فوجده كما يحب فقال له انتقل إلى
شقراء فارتحل إليها وقرأ على السيد مدة وجيزة فالسيد شغله عن مداومة
الدرس بعض عوائق تعرفت به حكومة عكا حتى صارت له الوجاهة التامة
عند عبد الله باشا. وترك هذا الشيخ يباحث أولاده اه وسمعت من
بعض الثقات انه لم يقرأ الا على الشيخ حسن القبيسي في أنصار وعلى
السيد جدنا. وفي كتاب جواهر الحكم أيضا ان هذا الشيخ كانت بينه وبين
عائلة بيت الزين اختلافات على أراضي وأملاك واتصلت لولاة الأمور
وحصل التشكي على أمير جبل عاملة حمد البك بسبب انه منع بيت الزين
عن الشيخ وصدهم وأقره على الأرض المدعى عليها ونصره وأخذ بيده
لذلك حقدوا على البك المشار إليه وتشكو عليه لبيروت وتفصيل هذا يطول
شرحه وكان رجل من القرية اسمه محمد طراد له دعوى على أحد أهالي
القرية فترافعا عند المترجم واعطى محمد بن طراد فتوى أو حكما فتشكى
للحكومة وابرز الفتوى فاخذها القاضي وقدمها للمتصرفية فجاء أمر مشدد
مكدر بأخذ الشيخ تحت الاستنطاق واجراء قاعدة النظام لأن كل من يفتي
بغير رخصة من خليفة المسلمين فعليه الجزاء الأشد ولم أكن حينئذ بصور ولما
حضرت وعلمت ما نمت تلك الليلة حتى أخذت مضبطة من مجلسي الإدارة
والدعاوى وانهاء من القائمقام بحق القاضي وبعد ثمانية أيام جاء أمر بعزل
القاضي وهو رجل من أعيان وذوات القدس وأظهرت له الأسف ولم يكن
في وداعه أحد من صور غيري وبالحقيقة هو ذات من الاجلاء من أهل
العلم من أجل بيت في القدس لكن غشه أهل الغايات. ولما علم الشيخ
بعزل القاضي تخوف كثيرا يقضون بالامر عنها وهي غافلط وكتب إلى
بهذه الأبيات:
منيع الحمى لا غبت يوما عن الحمى * ولا عاش من يقلوك الا مذمما
عداك الردى كن للمكارم فاعلا * فاني أرى فعل المكارم مغنما
فكن للفتى صنوا وللمنتشي أبا * وذي العجز والتقويس بالكبر ابنما
إذا ما الفتى لم يرع حقا لمن وفى * ومن لا يفي لم يرع للمجد محرما
انتهى ما أردنا نقله من كتاب جواهر الحكم. وحدثني الحاج محمد
مبارك وكان من أتباع آل علي الصغير قال: تقدمت مضبطة في الشكاية على
علي بك ومحمد بك وقع فيها السيد محمد الأمين والشيخ علي زيدان والحاج
محمد البزي والحاج حسين فرحات ومحمد الجوني فارسلها ولاة الأمور إلى
(٣٦٣)

البكوات وطلبوا منهم توقيع مضبطة من هؤلاء الجماعة بضدها فركب
محمد بك من الطيبة ليلا وأخذني معه وكنت صغير السن فلما وصلنا شقراء
نزل قريبا وأرسلني إلى دار السيد محمد الأمين وقال قل له يقول لك أخوك
محمد بك وقع هذه المضبطة واختمها فقال لي وأين هو محمد بك قلت خارج
القرية فأراد ان يذهب إليه فقلت انه مستعجل ولا يرضى بذهابك إليه
فوقعها وركب محمد بك وأنا معه قاصدا بنت جبيل حتى وصلنا وعرة
بيتحون فسمعنا حسا على الطريق فعدلنا عن الطريق وجلسنا بين الشجر
وإذا بالحاج محمد بزي والحاج حسين فرحات ومحمد جوني فقال لي قم
وادعهم فدعوتهم فحضروا وأخرج شمعة فأنارها وأمرهم بختم المضبطة
فامتثلوا ومضوا لحال سبيلهم وعدنا إلى الطيبة فأرسل إلى الشيخ علي زيدان
يدعوه ولم يعلم الشيخ لما ذا دعاه فلما حضر طلب منه توقيع المضبطة وختمها
فابى وقال أنا لا أكذب نفسي فالح عليه فاصر وقال لا يمكن أن أكذب
نفسي فقال البك لبعض أتباعه إئتني بالقرابينا فقال الشيخ وما تريد منها
قال أريد قتلك قال لما ذا قال لأنك لم توقع المضبطة قال حقا انك تريد قتلي
قال لا مناص عن قتلك ان لم توقع المضبطة فقال يا رب انك تعلم اني
مقهور ووقعها وقعها قال له يا شيخنا أ ظننت ان أقتلك ولم توقعها قال والله
لقد اعتقدت ولولاه لم أوقعها قال يا شيخنا لا يبلغ الحال بنا إلى هذا وما
كان قصدنا الا مجرد التخويف قال لو علمت أنه تخويف ما وقعتها ثم أمر له
بفرس من جياد الخيل وطربوش وعمامة وجبة وقباء وقميص وسراويل
وعباءة وبابوج وخمسمائة قرش ويحكى عنه انه كان يتقعر في كلامه
ويتكلم على العربية الفصحى ويأتي بغريب الألفاظ فكان يوما مع الشيخ
محمد علي الخاتوني في سفر فتأخر عنه الخاتوني ومر هو على رجل فلاح
يستقي على بئر فقال له يا أيها الرجل استق لنا خصوا أو خصوين لنسقي
هذه الرمكة فلم يفهم الفلاح كلامه وسمع خصوا وخصوين فقال له أ ما
تستحي وأنت شيخ تتكلم بكلام الفحش فأعاد عليه العبارة وقع الشر بينهما
فجاء الخاتوني وسال ما الخبر فقال له الفلاح ان هذا الشيخ يخاطبني بكلام
فيه فحش فقال ما ذا قلت له فأخبره فلامه وقال له املأ لنا دلوين لنسقي
الفرس فقال هكذا تكلم ككلام الأوادم.
شعره
من شعره قوله مخمسا هذه الأبيات:
بجدواك آمالي يراش جناحها * لاخبار جود عنك تروي صحاحها
لك الراحة البيضاء يرجى سماحها * ولي حاجة قد غاب عنها نجاحها
وجودك أوفى كافل بقضائها
فيا واهبا أدنى مواهبه الغنى * عطاؤك لا يفنى ويستغرق المنى
ويبقى وجوه الراغبين بمائها
أنلني من الدارين أعلى سعادة * وخذني إلى نهج لاقضل قادة
وان تاب امدادي بكل إرادة * شكوت وما الشكوى لمثلي بعادة
ولكن تفيض النفس عند امتلائها
وله مخمسا أيضا:
جواد له المجد القديم المؤثل * إذا ما جرى في حلبة فهو أول
وأعجب شئ انه وهو منهل * سحاب عداني سيبه وهو مسبل
وبحر خطاني فيضه وهو مفعم
فتى جوده في كل قطر تدفقا * أغذ إلى أوج المعالي فحلقا
ولما أعار الدهر نورا ورونقا * أضاء سناه الكون غربا ومشرقا
وموضع رحلي منه أسود مظلم
وله مراسلا عمينا السيد محمود والسيد أمين:
خليلي جاد الغيث روض حماكما * ولا أوهنت أيدي الزمان قواكما
ولا برحت تهمي على القرب والنوى * بغيتين من علم وجود سماكما
ولا عجب ان جئتما بفرائد * وجاريتما بحر العلوم أباكما
فأحرزتما التقديم في حلبة العلى * وقصر أهل الفضل دون مداكما
وقطعتما يا كوكبي آل هاشم * قلوبا على ضغن طوتها عداكما
قضى الله لي من فضله كل حاجة * ولا زال يرعاني إذا ما رعاكما
لقد شق عن أصل كريم سماكما * كما شق من حمد وأمن سماكما
واني على ما حزته من فضائل * تقاعد عنها الطالبون سواكما
فضائل بيض باقيات يشينها * حسود قلانا من عمى وقلاكما
لذو صبوة في الحب أهوى لقاكما * وتطوى على ما في حشاي حشاكما
أحن إذا شطت برغمي نواكما * وأصبو إذا هبت صبا بشذاكما
ومن شعره قوله في رثاء ولده:
ظعنوا الغداة وأخلفوك الموعدا * فغدا سوام النوم عنك مشردا
ما زال للاشجان قلبك معهدا * مذ أخلت الاظعان ذاك المعهدا
هل تجمع الدنيا بهم شملي وهل * تروي لي الأحلام عنهم مسندا
وقع الذي تخشى فهل تلقى على * ما ناب من ريب الحوادث منجدا
ما للنوى عبثت بشملك فاغتدى * متبددا والدمع منك موردا
قل للعذول إليك عني هل ترى * بالصبر والسلوان لي عنهم يدا
سل منشد الأطلال خف قطينها * ما عذرها ان لا تجيب المنشدا
لا تعذلي يا جارتا ذا لوعة * لولا الجوى ما بات يرعى الفرقدا
غصبت يد الأيام مني مهجة * كانت قناة في يدي ومهندا
لا تنكري بعد الفراق تنهدي * من عادة المحزون أن يتنهدا
غال الردى يا أبعد الله الردى * من كان أعلق بالحشى مني يدا
أ ترى درى من كان يجهل ما الردى * ان المنايا قد أصبن محمدا
علم الزمان الوغد انك فوقه * مجدا وانك مصلح ما أفسدا
قد كان ليلي من صباحك أبيضا * فغدا نهاري من مصابك أسودا
لم يبق مني الخطب الا لوعة * تذكي جوى بين الحشا متوقدا
لا ينقضي حزني ونار صبابتي * لا تنطفي وجدا عليك فتخمدا
ما كنت مسلوب الفؤاد غواية * يرخي يدا ويعض من أسف يدا
وقوله في أهل البيت ع:
هو المجد في أبيات خير الورى سكن * كرام لهم من كل مكرمة سكن
دعاني إلى نظم القوافي مديحهم * ومدحة مولانا الأمير أبي الحسن
بنوا فوق أكناف الثريا منازلا * وسنوا لمرتاد العلى أيما سنن
بيوت لها زهر الدراري قواعد * سماها باملاك السماوات تمتهن
هم البيض لا شئ يوازي ولاءهم * وذو العرش بالتوحيد ذاك الولاء قرن
شربنا طهورا من لبان ودادهم * وألبان ذاك الود أشهى من اللبن
وقوله من قصيدة أرسلها للشيخ عبد الله آل نعمة:
أ لا قل لمن في سفح لبنان قد قطن * لجنات عدن في مواطنكم وطن
لعمري لقد مدت عليكم جناحها * حواضن فاقت في العلى كل من حضن
فأوريتم زندا وأثريتم يدا * وراشت جناح المهد منكم يد الزمن
(٣٦٤)

بأبيض يستسقي بطلعته الحيا * وأفضل عن ساحاته العلم ما ظعن
فتى نزلت منه الفضائل والهدى * بريان من علم على الدين مؤتمن
نقي الحشي سبط محياه لا كمن * له باطن جعد ينافي الذي علن
هو البحر عبد الله نال من العلى * مناقب لا يأتي عليهن من فطن
هو البحر الا أن لجته تقي * هو الغيث من غير الفضائل ما هتن
فضائل طالت كل طول فقل لمن * تحدى أفق أين الحضيض من القنن
له من عقود الفضل أحسنها حلى * لذاك كناه من كناه أبا الحسن
ومن علم أهل البيت اسرار ما رووا * على حين لا هاد يعي لحن من لحن
ففي صدره بحر وفي كفه حيا * يجيشان فيضا من علوم ومن منن
شرى بالمساعي كل غال من العلى * وهل للعلى الا المساعي من ثمن
أ لم تر ان العلم ألقى رحاله * لديه وفي مغناه ركب التقى قطن
تطلع من أفق العراقين بدره * وفي الدار من لبنان طاب له الوطن
فلا جاهل الا به آنس الهدى * وفاضت عليه من رواشخة قرن
ولا عالم الا بما قال عالم * ولا علم الا في كنانته أكن
تقدم في كل على الكل داعيا * إلى الحق عن سلطانه آخر الزمن
وأبدى لهم بدر الهدى بعد ما انمحى * ووارى سماه أي داج من الدجى
وقال مخمسا هذه الأبيات في أهل البيت ع:
إلى بابكم تلوى الأعنة في السرى * وتضرب أكباد النوافح في البرى
دعونا وان شطت بنا عنكم القرى * بني أحمد يا خيرة الله في الورى
سلام عليكم ان حضرنا وان غبنا
عجبت لأعشى عن سبيل فنائكم * وقد أشرقت الهدى من دعائكم
أصبنا الهدى في مسيرنا من ورائكم * ورثنا من الآباء عقد ولائكم
ونحن إذا متنا نورثه الأبناء
وقال مخمسا
أمي لحب الوصي المرتضى انتسبت * به عن النفس يمحو الله ما اكتسبت
فازت وما يدها في حبه تربت * لا عذب الله أمي انها شربت
حب الوصي وغذتنيه باللبن
سنت ولاه فيا لله من سنن * نجري عليه كمقرونين في قرن
نيطت يداي بحبل منه لم يهن * وكان لي والد يهوى أبا حسن
فصرت من ذي وذا أهوى أبا حسن
وقال يرثي حمد البك ويمدح خلفه ابن أخيه علي بك الأسعد:
قفوار نسقها منا الدموع السواكبا * منازل للأقمار أمست مغاربا
ديار عفت منها الطلول وطالما * حبسنا على ساحاتهن الركائبا
كان لم تلح فيها الدراري ولم يكن * حماها لفتيان المعالي ملاعبا
وكانت لأذيال السحاب مساحبا * فعادت لأذيال السوافي مساحبا
ألحت عليها الحادثات فغيبت * شموسا وأقمارا بها وكواكبا
أقول لاظعان مررن بها قفوا * تروا شارقا من ذلك البدر غاربا
فتى كان طودا للمعالي وغاربا * فجب الردى منها سناما وغاربا
فتى كان رحب الباع عفا ازاره * يحب التقى طبعا ويأبى المعائبا
فتى مارس الأيام حتى تهذبت * فلم تلف ذا عيب ولم تلف عائبا
فتى كان يقري السامعين فصاحة * كما كان يقري الوافدين مواهبا
فتى كان في كسب المحامد راغبا * كما كان عن كسب المعائب راغبا
همام ربيط الجاش يخشى انتقامه * وما كان من شئ سوى الله راهبا
قضى وطرا من كل فضل ولم يدع * سوى الفضل في الدنيا غلاما وساحبا
له شيم غر من المجد أوجبت * عليه من المعروف ما ليس واجبا
سل الملك عنه والملوك فكم بنى * لها في الذرى مجدا وكم شاد جانبا
فمن ذا يحوز السبق في حلبة العلى * وينشئ من صوب السماح سحائبا
ويثني عنان الحادثات إذا طغت * بعضب حمى أمضى من السيف قاضبا
ومن ذا لشمل الملك يرعى سوامه * إذا ما غدا بالملك راعيه لاعبا
ومن يشتري الآداب خضر الجنا ومن * يرنح اعطافا لها ومناكبا
ومن لي بمسؤول ومن لي بسائل * يباحثني حتى أكون المجاوبا
وأين وري الزند من آل وائل * تقود له الأيام تلك الحنائبا
وأين أخو الأقلام يخضب رأسها * فتثني العوالي أو تفل الكتائبا
وأين الذي جدواه تستغرق المنى * ويحمي ذمارا أو يريش المطالبا
تحج بنو الآمال كعبة جوده * فتملأ من ذاك السحاب مواهبا
ومن بأسه في الروع تلقى كتائبا * ومن كفه في الجود تلقى سحائبا
فمن مبلغ فتيان سحبان انه * أصاب الردى منها ذرى وغواربا
وانا فقدنا اليوم طيا وحاتما * وقسا وقحطانا وكسرى وحاجبا
الا فجعت منه بأمضى مضاربا * الا رزئت منه بأعلى مراتبا
وغالت يد الدنيا نزارا ويعربا * وفهرا وعدنانا وأدا وغالبا
الا هكذا فليورث المجد من قضى * ويكسب تليد الحمد من كان كاسبا
فتى سلب الأيام بيضة ملكها * ويسلبه الراجي إذا جاء طالبا
لئن هدمت منه دعائم عمره * فما هدمت مجدا بنى ومناقبا
سقى الرائح الغادي ثرى حله فتى * لقد أوسع الدنيا علاء ورغائبا
يخال الذي قد حله قبل فقده * حصى تربه تلك النجوم الثواقبا
ملكت لواء الحمد ان كنت ضاربا * غداة التقى الجمعان أو كنت واهبا
إليك العلى زفت وما كان خاطب * سوى المرهف الماضي الذي كنت خاطبا
أ يدري الردى من ذا ألم به الردى * وأنشب اظفارا به ومخالبا
أ يدري سرير سار تحتك انه * تعدى الثريا كاهلا ومناكبا
اتخذناك كهفا في الأنام وانما * تخذنا الأسى من بعدك اليوم صاحبا
الا أنها الأيام صارت صروفها * عجائب حتى لا نراها عجائبا
نوائبها من عهد آدم لم تزل * تدب على مر الليالي عقاربا
أ لا قاتل الله الزمان فما غدت * مواهبه الا وراحت نوائبا
لقد غال من تلك البنان مكارما * وقد فل من ذاك اليماني مضاربا
وحاربني من حيث كان مسالما * وسالمني من حيث كان محاربا
شربنا الأسى والضيم فذا وتؤما * لفقدك حتى غص من كان شاربا
ومن ذا الذي أبقى له المجد والتقى * عواقب من فضل كفته العواقبا
ومن ذا يسوس الملك والامر أمره * ويعلي بيوتا للهدى ومحاربا
فيا ثاويا في لحده وقد اغتدى * ثناه يفوق الزاهرات الثواقبا
غدت بعدك العلياء شمطاء عانسا * وكانت ترى في الحي عذراء كاعبا
فيا حسرة للثاكلات من العلى * تروح وتغدو نائحات نوادبا
وللسمر والأقلام والبيض في الوغى * إذا لم تصادف من يمينك ضاربا
أبا فدعم قد جل رزؤك في الورى * فظل لأحلام البرية سالبا
فكم لك من تلك المزايا ماثر * تكاد لعمري أن تكون كواكبا
ماثر إما فضلها فهو حاضر * وان كنت عنا شاحط الدار غائبا
فما ذهبت في الخافقين خواطف * من البرق الا دون ما كان ذاهبا
هي الزاد للركب المقوض راحلا * هي الفضل للراوي إذا قام خاطبا
(٣٦٥)

تسامت إلى أوج المعالي مغذة * كان لها عند السواري مأربا
غرائب لو كانت لهن أقارب * لكانت لها زهر النجوم أقاربا
ولو كن أترابا لكن كواعبا
إذا جليت في الحي كانت خرائدا * وان سافرت في الركب كانت مواكبا
وثم معال ليس يسطاع عدها * وهل بات يحصي الرمل من كان حاسبا
فيا قبر هل وافيت منه محاسنا * طوافح من ماء الندى أم قواضبا
ويا ظاعنا عجلان طارت به النوى * أ لا ليت شعري هل أرى منك آيبا
فإن كان ذاك الشمل أضحى مجانبا * فهلا خيال الطيف أضحى مقاربا
إليك نسبنا بالمودة بيتنا * وأنساب صفو الود تنسي المناسبا
وحقي غريب بعد فقدك ضائع * يرى ظنه الا من الله خائبا
ولولاك ما أومى إلى الشعر فاضل * ببيت لأذيال الفضائل ساحبا
واني وان وافيت في العصر آخرا * لآت بما فات العصور الذواهبا
أرى كل شعر عن معاليك قاصرا * نظمت القوافي أم نظمت الكواكبا
عليك سلام الله وقفا وان غدا * تراب الجثى بيني وبينك حاجبا
فقل لحسود راح يغضي على قذى * يكابد اضغانا ملأن الترائبا
تجاري جواد السبق في كل غاية * ولم تركب المتن الذي كان راكبا
وتأمل من حوض الأماني مشاربا * ولم تشرب الكاس الذي كان شاربا
تزحزح قصيا قام بالامر حازم * جري غدا ذلك الليث نائبا
أعاد من الأزمان ما كان ذاهبا * وبيض من وجه الأماني المطالبا
هو الغيث أندى من الغيث ساكبا * هو الليث بل أجري من الليث واثبا
بلوناه ميمون المساعي مجربا * وفي الحلم برهان كفاني التجاربا
يرينا سعود النيرين وهل فتى * يقيس بنور النيرين الحباحبا
فدم يا عليا في سما المجد شارقا * وعضبا إذا ما سلك الدين قاضبا
وهل كان ريب الدهر الا كمذنب * رأى الذنب مغفورا فوافاك تائبا
أ لم تر ان الموت ضربة لازم * وهل ينمحي ما كان ذو العرش كاتبا
سل الدهر هل أبقى سليمان سالما * واسكندر في ملكه والمرازبا
وفي كل يوم للمنايا نوائب * تظل لاعمار البرايا نواهبا
لئن غاب ذاك البدر عنا فان من * علاك لنا بدرا يضئ الغياهبا
وقال يمدح السيد محمد الأمين عم المؤلف
نور المعالي من سناك مبين * والهند تشهد بالعلى والصين
ما فوق مجدك مرتقى مجد كما * كل افتخار دون مجدك دون
سست الأمور سياسة ابن تجارب * رمقته عين الملك وهو جنين
بدر تضئ المكرمات إذا بدا * للدهر منه غرة وجبين
لانت مهزته فعز وانما * يشتد باس الرمح حين يلين
يرمي بهمته الأمور وعنده * حلم يخف الطود وهو رزين
لما انتضى للحادثات حسامه * ضحكت ثنايا الدهر وهو حزين
يا أيها الشهم الأمين وعدله * ملك أمير في البلاد أمين
ما زالت الأيام يشرق نورها * مذ لاح فيها نجمك الميمون
كادت تضاهيك الغيوث سماحة * لولا الحيا يوم العطا واللين
جاءتك من بكر القوافي غادة * يحكي حلاها اللؤلؤ المكنون
أعطاك عقد المجد رب قوله * سبحانه للشئ كن فيكون
وقوله في مطلع قصيدة معارضا رائية البهائي في المهدي:
حنانيك هل في وقفة أيها الساري * على الدار في حكم الصبابة من عار
ومن شعره ما قاله حين زار الشيخ إبراهيم صادق في النبطية حين قدم من العراق
من قصيدة:
قف بالديار على الطلول قليلا * تقض الصبابة دينها الممطولا
ولطالما زارت حماك جاذر * جرت على ذاك الكثيب ذيولا
ومنها في الممدوح:
طلعت فضائله برغم حسوده * غررا تالق في الدجى وحجولا
ومنها:
ومهذب لو صورت أخلاقه * لرأيت منها روضة وشمولا
ما سل سيفا من كنانة فكره * الا ورد به الجموح ذلولا
خذ من علي ذي العلى سيفا على * ريب الحوادث لم يزل مسلولا
ومهندا ما سل عند ملمة * الا ورد حسامها مفلولا
متوقد العزمات أدرك رتبة * لا يستطيع فتى لها تاثيلا
جمت أدلة مادحيه وقلما * تلقى لمدح في سواه دليلا
واشدد بحبل محمد وانزل على * ربع تراه بالندى مطلولا
حولت رحلك عن بلاد لم تزل * لبني العلوم معرسا ومقيلا
فأنزل بطيبة النوال ومن يرد * روض المكارم لم يعش مهزولا
ولقد سمعت وما سمعت بحازم * يختار عن دار الفخار رحيلا
ان الصلات من الكرام لمثلها * سحب جررن على الرياض ذيولا
ومنها مشيرا إلى الشيخ والى علي بك ومحمد بك الأسعد:
بحر على البحرين فاض فلم نجد * ما بين فيض نوالهم تفضيلا
ومنها:
حسبي وحسبك سادة ما ناضلوا * الا وكان سواهم المنضولا
العروة الوثقى بحبل ولائهم * حبلي وحبلك لم يزل موصولا
درعي إذا ما الدهر بات محاربا * غيثي إذا كان الزمان محيلا
العرف معروف لديهم والتقى * تلقاه الا عندهم مجهولا
أخذوا من الشرف السنام فلم تجد * الا امام هداية ورسولا
فضلوا الورى والعلم في ساحاتهم * القى الرحال فلا يرى تحويلا
ومنها:
وهززتهم يوم الحفاظ أسنة * وسللتهم في النائبات نصولا
ومنها:
خذها مثقفة هدية شيق * تتلو ودادك بكرة وأصيلا
لولاك ما صاع القصائد شردا * تبالها فضلا يعد فضولا
وله مادحا علي بك الأسعد من أبيات:
قسما بأطواد العلى من وائل * اني لطود في ودادك رأسي
لك هضبة المجد التي لا ترتقى * والسبق في مجرى الندى والباس
مجد على التقوى بنيت أساسه * ان التقى للمجد خير أساس
وأفاك ملتهف الحشا فرددته * ثلج الحشاشة بارد الأنفاس
منها:
يأبى التدنس عرضه لا خير في الا * عراض لم تسلم من الأدناس
اضحى جنابك للملوك معرجا * تنحل فيه معاقد الأحلاس
(٣٦٦)

يا ابن القماقم من ذؤابة وائل * والطيب الأعراق والاغراس
أوريت زند المكرمات وأنشرت * جدواك مجدا كان في الأرماس
ان الفتى ذا الأريحية خلقه * يشتق من طبع الحيا الرجاس
وإذا العلى مرضت وأعيا داؤها * أهل النهى فهو الطبيب الآسي
يفديك مطوي على البغضاء في * برديه ما في العرض من أدناس
ومنها في مدح القصيدة:
رقت حواشي بردها حتى غدت * أشهى وأعذب من سلاف الكاس
قامت مقام الزاد للركبان في ال‍ * بيداء والصهباء للجلاس
شمس الدين أبو القاسم علي ناظر الكوفة.
ولد سنة ٥٣٦ فكر ابن انجب في الدر الثمين في أسماء المصنفين انه
ناوله ديوانه بخطه على ما حكى عنه السيد تاج الدين بن زهرة وقال كان
السيد شمس الدين ابن المختار من آل الحسين الأصغر سيدا متأدبا شاعرا
نقيبا بالكوفة له ديوان شعر.
أبو الحسن علي بن نصر بن حمدان بن حمدون التغلبي:
قال ابن خالويه: فارس اخترم حدثا وفيه يقول أبو النجم:
رآك عداك تفني السيف ضربا * فقد نبزوك بالسيف المحلى
فرمحك في صفاحهم المجلي * وسيفك في رؤوسهم المعلى
وفيه وفي أخيه مهلهل يقول أبو فراس الحمداني:
ومنا الأغر ابن الأغر مهلهل * خليلي إذا ذم الخليل المعاشر
ومنا علي فارس الخيل صنوه * علي بن نصر خير من زار زائر
ويدل كلام ابن خالويه في يحيى بن علي بن حمدان ان الذي مات
حدثا هو علي بن حمدان لا علي بن نصر لعل كلا منهما مات حدثا.
الشيخ علي بن نصر الله الليثي الجزائري.
كان تلميذ البهائي وأستاذ الشيخ سليمان بن علي بن أبي ظبية
الشاخوري والشيخ محمد بن مسعود البحراني والشيخ جعفر بن كمال الدين
وغيرهم.
له كتاب الفرائض بطرز عجيب.
الشيخ علي بن نصر الله الحويزي القاضي.
توفي سنة ١١٥٠
في ذيل اجازة السيد عبد الله بن نور الدين بن نعمة الله الجزائري:
كان عالما فقيها محدثا مبارك الحال اجتمعت به في الحويزة كثيرا واستفدت
من بركاته.
الشيخ علي ابن الشيخ نصر الله الهمذاني ابن أخت الحاج آقا رضا
الهمداني وصهره.
كان مولده في بلدة همذان في حدود ١٢٧٠ انتقل في أوائل سنة إلى
النجف الأشرف وتربى في حجر خاله هناك وتتلمذ عنده وعند السيد حسين
الكوكمري التبريزي وحضر بحث الخراساني صاحب الكفاية في
الأصول. وله من التصانيف تعليقة على الفرائد من أول القطع إلى آخر
التعادل والترجيح رأيت نسخة منها بهمدان وفي آخرها ما صورته: هذه
جملة ما استفدناه من أنوار كلام المصنف العلامة بارشاد شيخنا وأستاذنا
الخال الفهامة أدام الله عزه وأفادنا ببركات إفاداته فما كان فيها من كلام متين
أو جملة وافية فمنها واليها بنعمة الله تعالى وما كان من زلة وعثار فمني والي
اه‍ وله تعليقة على المتاجر إلى آخر الخيارات وتعليقة على نجاة العباد في
أبواب العبادات وله كتاب الزكاة إلى بعض أصناف المستحقين بطريق
الشرح ومن مباحث الصلاة في أفعال المصلي وبحث الخلل. توفي سنة
١٣٣٩ في النجف الأشرف ودفن في الصحن تجاه الشباك وخلف ثلاثة
أولاد. وكان شريكنا في الدرس عند خاله شيخنا الشيخ آقا رضا الهمذاني
صاحب مصباح الفقيه وكان فاضلا معتدل السليقة تقيا ورعا من وجوه
تلاميذ خاله ولو كان عمر لكان خليفته.
مير علي تقي الأردبيلي.
من المتوطنين في المشهد المقدس الرضوي وكان من أعاظم العلماء
والمقدسين وفي سنة ١١٣٥ كان مشغولا بنشر العلوم وترويج الفنون (١).
السيد ميرزا محمد شرف الدين علي بن نعمة الله بن حبيب الله بن نصر الله
الحسيني الموسوي الجزائري الشهير بالسيد ميرزا الجزائري.
هو أستاذ السيد نعمة الله الجزائري ويروي عنه صاحب الوسائل له
جوامع الكلم في الأحاديث جمع فيه أخبار الكتب الأربعة من أول أبواب
الأصول إلى آخر الحجج مع البحث عن السند وتمييز الصحيح من غيره
ولعله مستخرج من كتابه جوامع الكلم.
السيد علي نقي ابن السيد جواد ابن السيد مرتضى الحسيني الطباطبائي
البروجردي ابن أخ السيد مهدي بحر العلوم.
ولد سنة ١١٨٨ وتوفي بالطاعون يوم الاثنين ٩ ربيع الأول سنة
١٢٤٩ ودفن بجنب والده الجواد تحت قبته في بروجرد.
قال ولده السيد ميرزا محمود الطباطبائي في هامش شرحه على منظومة
بحر العلوم المسمى بالمواهب السنية ما نصه كان عالما جليلا مجتهدا زاهدا
ورعا دقيق النظر وهو مع غزارة علمه ما أفتى الناس ولم يقض بينهم بشئ
وان ألحوا عليه ورغب بعض أعاظم الفقهاء الناس في الرجوع إليه للفتوى
والقضاء وله تصانيف جيدة متفرقة من حواش على الزبدة والقوانين وغيرهما
أصولا وفقها وأكثرها لم يتم اه.
السيد الحاج علي نقي ابن السيد حسن المعروف بالحاج آغا ابن السيد
محمد المجاهد ابن السيد المير السيد علي صاحب الرياض.
توفي عصر الخميس ٦ صفر سنة ١٢٨٩ ودفن في المقبرة التي بناها
لنفسه مقابل مقبرة جده السيد محمد المجاهد. كان عالما فاضلا محققا مدققا
قرأ على الشيخ حسن ابن الشيخ جعفر الكبير وعلى صاحب الجواهر
ويروي اجازة عن الشيخ مرتضى الأنصاري. له من المصنفات ١ كتاب
القضاء، وله رسائل: ٢ رسالة في صلاة المسافر ٣ في الغسالة ٤

(١) مطلع الشمس.
(٣٦٧)

في تقويض الاحكام ٥ في تداخل الأغسال ٦ في تعيين السورة بعد الحمد
٧ في جواز بيع الوقف ٨ في قضاء الرواتب ٩ في حكم تقدم المرأة على
الرجل في الصلاة ١٠ في القضاء بالنكول ١١ في الأصل المثبت ١٢
في اجتماع الميت والمحدث والجنب ومعهم من الماء ما يكفي أحدهم ١٣
كتاب في البيع ١٤ منظومة في الحج اسمها مزيج الاحتياج في حكم
منسك الحاج ١٥ كتاب في الإجارة ١٦ شرح مزجي على زيادة الجامعة
كبير لم يتم، تخلف بولده ميرزا جعفر.
علي بن الحسن الزواري.
منسوب إلى زوره بالتخفيف من قرى أصفهان. له تفسير القرآن
بالفارسية اسمه ترجمة الخواص. وجدنا من المجلد الأول نسخة مخطوطة في
طهران.
الشيخ ميرزا علي نقي الملقب بالهادي المعروف بميرزا هادي الخراساني
الحائري.
في كتاب الشجرة الطيبة في آثار العلماء المنتخبة تاليف الشيخ محمد
الكوفي الحائري.
سالت المترجم فكتب لي ترجمته بخطه فقال رأيت بخط والدي في
ظهر كتاب حلية المتقين اني ولدت بعد مضي ساعة من ليلة الجمعة غرة ذي
الحجة الحرام سنة ١٢٩٧ بكربلا ورجع والدي من إيران وأنا ابن أربع
سنين ثم رجع والدي إلى مشهد الرضا وأنا في كربلاء وكنت في الوباء العظيم
عام ١٣٠٩ في طهران حتى دخلنا مشهد الرضا ع وانا أقرأ في علم العربية
وأنا ابن اثنتي عشرة سنة وأخذت حجرة في المدرسة المجاورة للحضرة
الشريفة وبقيت ستة أشهر لا أفرش فراشا ليلا ونهارا وأنام وأنا جالس في
الزاوية وكتبت حاشية على شرح النظام في الصرف وبقيت في المشهد
المقدس خمس سنين وأكدلت المقدمات السطوحية ثم عدنا إلى طهران
فسكنت في المدرسة الكاظمية وأكملت بعض العلوم الرياضية ثم عدنا إلى
كربلاء سنة ١٣١٥ وقرأت نجاة العباد على والدي في المشهد الرضوي ثم
اشتغلت بالفقه والأصول والحكمة العقلية الإلاهية والطبيعية وكتبت رسالة
في أدلة الفكر تقرير بحث ملا كاظم الخراساني في كربلاء وأول ما حضرت
الخارج في النجف في بحث الشيخ شريعة الأصفهاني في مباحث الألفاظ
ثم حضرت بحث العلامة ملا كاظم الخراساني واقتصرت عليه ليلا في
الأصول ونهارا في الفقه وكتبت من مفهوم الشرط إلى الأدلة العقلية وجملة
من كتب الفقه كالوصايا والوقف والصلح والصوم وغيرها ثم خرجت إلى
سامراء سنة ١٣٢٠ وبقيت أحضر بحث شيخي وأستاذي العلامة الميرزا
محمد تقي الشيرازي وخرج من يراعي القاصر من التأليف والتصنيف:
١ رسالة اسمها صحف مطهرة في الإجازات وأسامي المؤلفات
٢ كتاب الانتقاد والاعتقاد في التوحيد ثم حبست في بغداد ولقد أحسن بي
ربي إذا أخرجني من السجن فكتبت ٣ رسالة فارسية سميتها داد وداع
بغداد ٤ كتاب العين في الحكمة ٥ حاشية على منظومة السبزواري في
الحكمة ٦ حاشية على تفسير علي بن إبراهيم ٧ حواشي على شرح
اللمعة ٨ حاشية على المعالم ٩ حاشية على رسائل الشيخ مرتضى ١٠
حاشية على خزائن التراقي ١١ رسالة مستخرجة من الصحاح الستة
١٢ رسالة في استصحاب الكلي من تقرير بحث الأستاذ ١٣ رسالة في
الخلل ١٤ حاشية على مكاسب الشيخ مرتضى ١٥ رسالة في التعادل
والترجيح ١٦ هداية الأصول ١٧ حاشية على طهارة الشيخ مرتضى
١٨ رسالة في العدالة ١٩ أسنة السنة السنية ٢٠ منطق الحق ٢١
رسالة فارسية في الإمامة ٢٢ حواشي على الشوارق في الحكمة ٢٣
لسان الصدق في الإمامة فارسي ٢٤ الشجرة الطيبة في فضائل أمير
المؤمنين وأولاده ٢٥ مرقاة الثقات في تمييز المشتركات ٢٦ إزاحة
الارتياب في حرمة ذبائح أهل الكتاب ٢٧ رسالة في تحديد الكر ٢٨
حواشي على كفاية الأصول للخراساني ٢٩ أحسن الجدل مستخرج من
مسند أحمد بن حنبل. إلى غير ذلك مما أطال بذكره ونحسبه لو اقتصر على
بعض هذه المؤلفات فأتقنها لكان خيرا له.
علي بن محمد بن أبي منصور أبي الغنائم العلوي المعروف بصاحب الخاتم.
كان شاعرا مكثرا وله مدائح كثيرة في أهل البيت ع وغيرهم.
وكان شعره كثيرا مدونا وقد سمعه منه جماعة وكتبوا عنه وكان ينتجع بالشعر
رفد الناس، وكان شاعرا مبرزا ينظم شعرا معجزا ذا اقتدار مبين وباع في
معرفة اللغة مديد، وفضل كثير وشعر كثير، قال بعض المؤرخين: التزم
في كلامه لزوما غريبا، وسلك فيه أسلوبا عجيبا، أعجز به المتقدمين وبز
فيه المتأخرين، وله قصائد مبدعات مخترعات مطبوعات لقبها بالبواهر جمع
الباهرة، صنع كل قصيدة على حرف من حروف المعجم، وقد توفي بالحلة
سنة ثمان وستمائة أو نحوها والله أعلم، ومن شعره يمدح الامام أمير
المؤمنين علي بن أبي طالب ع.
إذا أنت واليت الامام المبرعا * عليا أمير المؤمنين السميدعا
سكنت فراديس الجنان مخلدا * وصرت محلا ساميا مترفعا
امام هو النهج القويم إلى الهدى * أخو سؤدد لم يحده كذا سعي من سعى
إلى آخر القصيدة:
الملا على النوري المازندراني الأصفهاني منشأ ومسكنا
توفي سنة ١٢٤٧
واني لاثنى النفس عما يريبها * وأنزل عن دار الهوان بمعزل
بهمة نبل لا يرام مكانها * تحل من العلياء أشرف منزل
ولي منطق ان لجلج القول صائب * بتكشيف الباس وتطبيق مفصل
وله يمدح أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع من قصيدة:
هل خلصة من سؤدد لم يكن لها * أبو حسن من بينهم ناهضا قدما
فما فاتهم منها به سلموا له * وما شاركوه كان أوفرهم قسما
السيد علي بن هاشم بن مير شجاعة علي الرضوي الموسوي الهندي النجفي
أخو السيد محمد الهندي الشهير لأبيه وأمه.
ولد سنة ١٢٣٩ وتوفي ليلة الخميس التاسعة من جمادى الثانية سنة
١٢٧٣ بالحمى المطبقة وقال بعض من رثاه في تاريخه قد رفعناه مكانا
بالسموات عليا وهو أكبر من أخيه السيد محمد بثلاث سنين وأمهما ابنة
السيد حسن ابن السيد أبي الحسن ابن السيد حيدر العاملي. والسيد
حسين أخو جد والد المؤلف لأبيه مترجم في بابه. ذكر المترجم أخوه السيد
محمد في كتابه نظم اللآل في علم الرجال فقال يعرف بالهندي لان جده مير
شجاعة علي قدم من الهند من مدينة لكهنوء فسكن النجف وكان تقيا سخيا
شريفا متعبدا اه.
(٣٦٨)

وكتب في آخر الكتاب بخطه ما لفظه في دعاء كميل المجدول بالذهب
الذي بقي من آثار جدنا ما صورته وذكر عبارة فارسية ترجمتها: انه حرر
بأمر عالي الجناب قدسي الألقاب سلالة السادات النجباء العظام المخدوم
المطاع مير شجاعة علي اللكهناوي الساكن في النجف الأشرف حرر
جعفر بن علي بن قطب الدولة المجهلي البندري غفر الله ذنوبهما وستر عيوبهما
تحريرا في دار العلم شيراز في شهر رمضان المبارك سنة ١٢١٣ اه.
وقال في نظم اللآل في حق المترجم كان فهامة فاضلا طريفا سنف
كتابا حسنا وجيزا في الرهن وكان من أفضل تلامذة صاحب الجواهر وكان
المترجم صهره على ابنته وتلمذ المترجم قليلا عند الشيخ خضر القناقناوي
الجناجي وتلمذ أيضا على أستاذنا علي المرتضى بن محمد أمين الأنصاري
اه.
الشيخ علي بن هلال الكركي الشهير والده بمنشار.
توفي سنة ٩٨٤ كما وجد التاريخ بخط تلميذه ميرك الأصفهاني
كان عالما فاضلا فقيها من أجلة الفضلاء سكن أصفهان وتوفي بها ثم
نقل هو والشيخ عبد العالي ابن المحقق الثاني إلى مشهد الرضا ع
فدفنا هناك وقال في حقه السيد حسين ابن السيد حيدر الحسيني الكركي
العاملي في اجازة له: الشيخ الجليل شيخ الاسلام حقا علي بن هلال
الكركي الشهير والده بمنشار اه يروي عنه السيد حسين بن حسن
الحسيني الموسوي والد ميرزا حبيب الكركي الأصفهاني ويروي هو عن
المحقق الكركي وكان من تلاميذ المحقق الثاني الشيخ علي بن عبد العالي
الكركي وتوفي عن بنت واحدة فاضلة وكانت زوجة الشيخ البهائي ورثت
من أبيها جميع كتبه البالغة خمسة آلاف مجلد وكان أبوها جاء بتلك الكتب
من بلاد الهند فأوقفها الشيخ البهائي كسائر كتبه وجعلها في المكتبة الكبيرة
التي ضاعت بعده لعدم اهتمام المتولين لها كما ذكر تفاصيل ذلك الميرزا
عبد الله الأصفهاني في رياض العلماء فيما حكي عنه وقد صار في بلاد
العجم من المقربين عند السلطان الشاة طهماسب الصفوي بعد وفاة شيخه
المحقق الكركي وجعل شيخ الاسلام بأصبهان ثم انتقل ذلك المنصب إلى
ختنه الشيخ البهائي وكان هو الباعث أيضا على قدوم الشيخ حسين بن عبد
الصمد والد البهائي إلى إيران وتقربه عند السلطان المذكور بما لا مزيد
عليه. له كتاب الطهارة كبير حسن الفوائد كتبه بأمر الشاة طهماسب
مشتمل على أمهات مباحث الطهارة وعليه حواش لولد المحقق الكركي
الشيخ عبد العالي بن علي ابن عبد العالي وينقل فيه عن الشهيد الثاني.
الشيخ أبو الحسن علي ابن هبة الله بن عثمان بن أحمد بن إبراهيم بن
الرائقة الموصلي.
كبير حافظ ورع ثقة وله تصانيف منها: المتمسك بحبل آل الرسول،
الأنوار في تاريخ الأئمة الأبرار، كتاب اليقين في أصول الدين (١).
السيد علي ابن السيد هداية الله الحسيني المرعشي.
كان من علماء دولة الشاة طهماسب الأول شاعرا فقيها أديبا مدرسا
من ندماء الشاة المذكور له كتاب في الفقه إلى الإجازة وكتاب في النسب وهو
جد سلطان العلماء السيد حسين صهر الشاة عباس الصفوي كما في سلسلة
نسب السيد حسين المتقدمة في ترجمته. خلف المير شجاع الدين محمود الآتي
في بابه.
المولى علي الواعظ الخياباني التبريزي.
ولد سنة ١٢٨٢.
له تحفة الأحباء في شرح قصيدة سيد الشعراء إسماعيل الحميري
العينية وله وقائع الأيام ومنتخب المقاصد.
خواجة علي المعروف بواقفي المشهدي.
كان امام الجمعة في المشهد المقدس الرضوي ومن شعراء الفرس.
علي بن وصيف أبو الحسن الكاتب البغدادي الملقب خشكناكة.
قال ابن النديم في الفهرست: من أهل بغداد وكان أكثر مقامة بالرقة
ثم انتقل إلى الموصل وكان من البلغاء في معناه وألف عدة كتب ونحلها
عبدان صاحب الإسماعيلية وكان لي صديقا وأنيسا وتوفي بالموصل وكان
يتشيع وله من الكتب كتاب النثر الموصول بالنظم وكتاب صناعة البلاغة
وديوان شعره وكتاب الفوائد.
الشيخ علي بن ياسين رفيش النجفي من آل عنوز المعروفين في النجف.
توفي في النجف صباح الثلاثاء ٢٨ شوال سنة ١٣٣٤ ودفن في
الصحن الشريف في الايوان الكبير من جهة القبلة وصلى عليه السيد كاظم
اليزدي وشيع تشييعا عظيما. هو الفقيه الثقة الذي تخرج بجملة من فقهائنا
أشهرهم الشيخ محمد حسين الكاظمي ومنهم السيد حسين الترك والحاج
ميرزا حبيب الله الرشتي ولكن الكاظمي أكبر شيوخه وقد نوه به وأشار إليه
وأرجع العامة إليه. قلد في النجف وفي السواد وجبيت إليه الأموال وكان
عاقلا كيسا زاهدا معروفا بالورع قليل الاختلاط بالناس تصدر للقضاء
والتدريس الا أن درسه كان خاليا من مشاهير الفضلاء. وكانت جماعته
أكبر جماعة في النجف وكان في أسلافه علماء حسبما نقل عنه ولهم الخدمة في
الحرم الشريف.
وله كتاب في علم المنطق وكتاب في الفقه وكتاب في الأصول، ورثاه
الشيخ محمد حسن سميسم النجفي بقصيدة مؤرخا فيها عام وفاته
مطلعها:
أطار حشا الاسلام ناعيك مذ نعى * أسى وأصم الدهر من حيث اسمعا
نعى الجود والجدوى نعى العلم والعلى * نعى الدين والدنيا بنعيك أجمعا
وقد طبق الدنيا صداه مؤرخا * علي فحزنا والهدى قضيا معا
السيد علي ابن السيد ياسين ابن السيد مطر العلاق النجفي
ولد سنة ١٢٩٧ وتوفي في ذي الحجة سنة ١٣٤٤ ودفن في النجف
وتأدب وتفقه في النجف. شاعر أديب تلوح على محياه آثار السيادة والنجابة
حج ومر بدمشق ونحن فيها وله من مرثية أولها:
أقوت فهن من الأنيس خلاء * دمن محت آثارها الأنواء
درست فغيرها البلا فكانما * طارت بشمل أنيسها عنقاء
يا دار مقرية الضيوف بشاشة * وقراي منك الوجد والبرحاء

(١) مجموعة الجباعي.
(٣٦٩)

عبقت بتربك نفحة مسكية * وسقت ثراك الديمة الوطفاء
عهدي بربعك آنسا بك آهلا * يعلوه منك البشر والسراء
وثرى ربوعك للنواظر أثمدا * وكعقد حلي ظبائك الحصباء
أخنى عليه دهره والدهر لا * يرجى له بذوي الوفاء وفاء
أين الذين ببشرهم وبنشرهم * يحيا الرجاء وتارج الارجاء
ضربوا بعرصة كربلاء خيامهم * فاطل كرب فوقها وبلاء
لله أي رزية في كربلاء * عظمت فهانت دونها الارزاء
يوم به سل ابن احمد مرهفا * لفرنده بدجى الوغى لألاء
وفدى شريعة جده بعصابة * تفدى وقل من الوجود فداء
صيد إذا ارتعد الكمي مهابة * ومشت إلى أكفائها الأكفاء
وعلا الغبار فاظلمت لولا سنا * جبهاتها وسيوفها الهيجاء
عشت العيون فليس الا الطعنة النجلا * والا المقلة الخوصاء
عبست وجوه عداهم فتبسموا * فرحا واظلمت الوغى فأضاؤا
يقتادهم للحرب أروع ماجد * صعب من عزماته هندية
بيضاء أو يزنية سمراء
تجري المنايا السود طوع يمينه * وتصرف الاقدار حيث يشاء
ذلت لعزمته الأسود بموقف * عقت به آباءها الأبناء
كره الكماة لقاءه في معرك * حسدت به أمواتها الاحياء
يأبى أبي الضيم سيم هوانه * فلواه عن ورد الهوان إباء
يا واحدا للشهب من عزماته * تسري لديه كتيبة شهباء
تسع السيوف رقابهم ضربا وبالا * جسام منهم ضاقت البيداء
ومكفن وثيابه قصد القنا * ومغسل وله المياه دماء
أن تمس مغبر الجبين معفرا * فعليك من نور النبي بهاء
يا ليت لا عذب الفرات لوارد * وقلوب أبناء النبي ظماء
لله يوم فيه قد أمسيتم * أسراء قوم هم لكم طلقاء
حملوا لكم في السبي كل مصونة * وسروا بها في الأسر أنى شاؤوا
آل النبي لئن تعاظم رزؤكم * وتصاغرت في وقعة الارزاء
فلأنتم يا أيها الشفعاء في * يوم الجزا لجناته الخصماء
وله:
يا دار أين ترحل الركب * ولأي أرض يمم الصحب
أ بحاجر فمحاجري لهم * من فيضهن سحائب سكب
أم بالغضا فبمهجتي اتقدت * نيرانه شعلا فلم تخب
وإلى العقيق تيامنوا فهمت * عيني به وجرى لها غرب
وبأيمن العلمين قد نزلوا * منه بحيث المربع الخصب
وعلت بداجي الليل نارهم * فذكا الكبا والمندل الرطب
لا يبعدن النازلون به * إن ضاق منه المنزل الرحب
فمن الأضالع منزل لهم * ومن المدامع مورد عذب
ساروا وحفت في هوادجهم * منهم أسود ملاحم غلب
حملتهم النجب العتاق ويا * لله من حملتهم النجب
من كل وضاح الجبين به * يسقى الثرى أن عمه الجدب
عقاد ألوية الحروب إذا * عضت على أنيابها الحرب
إن قال فالخطي مقوله * أو صال فهو الصارم العضب
وسروا لنيل المجد تحملهم * نجب عليها منهم نجب
وبكربلا ضربوا خيامهم * حيث البلايا السود والكرب
ودعاهم للموت سيدهم * والموت جد ما به لعب
فتسابقوا كل لدعوته * فرحا يسابق جسمه القلب
حشدوا عليه وهو بينهم * كالبدر قد خفت به الشهب
تنبو الجماجم من مهنده * وحسامه بيديه لا ينبو
وتطايرت من سيفه فرقا * فرقا يضيق بها الفضا الرحب
وغدا أبو السجاد منفردا * مذ بان عنه الأهل والصحب
وعليه قد حشدت خيولهم * وبه أحاط الطعن والضرب
فثوى على وجه الصعيد لقى * عار تكفن جسمه الترب
ومصونة في خدرها رفعت * عن صونها الأستار والحجب
فهب الرجال بما جنوا قتلوا * هل للرضيع بما جنى ذنب
الشيخ علي بن يحيى الخياط.
من مشائخ الإجازة، صرح ابن طاوس في الاقبال بأنه من أصحابنا الإمامية
، قال وقد روينا عنه كلما رواه وخطه عندنا بذلك في اجازة تاريخها
شهر ربيع الأول سنة ٦٠٩ ونقل عنه في الاقبال كثيرا من الروايات
بأسانيدها.
أبو الحسن علي بن يحيى بن علي بن إبراهيم جردقة بن الحسن بن
عبيد الله بن العباس بن علي أمير المؤمنين ع.
في عمدة الطالب: كان خليفة أبي عبد الله ابن الداعي على النقابة.
فخر الدين أبو محمد علي بن يحيى بن محمد العلوي المدائني النقيب.
من السادات الاشراف والنقباء والعلماء الفضلاء قرأت بخطه لبعض
أهل أصفهان:
إذا ما قطعتم ليلكم بمنامكم * وأفنيتم أيامكم بملام
فمن ذا الذي يرجوكم لصنيعه * ومن ذا الذي يأتيكم لسلام
رضيتم من الدنيا بأيسر بلغة * بشرب مدام... (١)
السيد علي بن يحيى بن حديد الحسيني.
ذكره في نشوة السلافة ومحل الإضافة فقال: كان امام البلاغة
والفصاحة ومالك زمام الجود والسماحة أن نظم أخجل الدر نظامه أو تكلم
أطرب الاسماع كلامه وكنت عنده بمنزلة الولد لا يأنس من دوني بأحد وقد
نقل لي رحمه الله أن جملة نظمه كانت في مجموع ذهب منه ضياعا ولم يبق في
حفظه الا القليل وأنا الآن لم يحضرني من شعره الا قوله في نظم الحديث
المستفيض عن الرضا ع في حقه وحق أخيه القاسم رضي الله عنه وعليه
الرحمة:
أيها السيد الذي جاء فيه * قول صدق ثقاتنا ترويه
بصحيح الاسناد قد جاء حقا * عن أخيه لامه وأبيه
انني قد ضمنت جنات عدن * للذي زارني بلا تمويه
وإذا لم يطق زيارة قبري * حيث لم يستطع وصولا إليه
فليزر أن أطاق قبر أخي القاسم * وليحسن الثناء عليه
وقوله في مليح ارتجالا:

(١) مجمع الآداب.
(٣٧٠)

تكلف القمر الزاهي بوجنته كيما يماثله فاستشعر الكلفا
المولى شرف الدين علي اليزدي المعمائي.
توفي سنة ٨٣٠ أو ٨٥٠ وإذا كان فرع من كتابه طفر نامه سنة ٨٤٨ فيكون
الثاني أصح له كتاب ظفر نامه فارسي وهو تاريخ الأمير تيمور
الكوركاني وأولاده وسيرته وفتوحاته ألفه للسلطان إبراهيم ابن شاة رخ ابن
الأمير تيمور وفرع منه سنة ٨٤٨.
وهو المخترع لفن المعمى واللغز وأول من صنف فيه ودونه، له
الحلل المطرز في فن المعمى واللغز. وعن الرياض: أنه من أكابر الشيعة
المتسلبين بالتقية توفي بيزد سنة ٨٣٠ أو ٨٥٠ وقيل أول من وضع المعمى
الخليل بن أحمد وحكى الجاحظ أن كيسان النحوي أعلم الناس باستخراج
المعمى. وترجمه قطب الدين محمد ابن الشيخ علي في حاشية محبوب
القلوب وذكر أنه صنف الحلل المطرز بإشارة السلطان إبراهيم بن شاة رخ.
علي بن يقطين.
ولد في الكوفة سنة ١٢٠ ه كما في اتقان المقال ص ٩٩ وغيره وقيل
في ١٢٤ ه على ما رواه النجاشي في رجاله ص ١٩٤ ثم سكن بغداد وتوفي
سنة ١٨٢، وأبوه يقطين كان داعية للعباسيين فطلبه مروان الحمار فهرب
وكانت أمه قد هربت بأخيه عبيد حتى ظهرت الدولة العباسية فرجعوا
جميعا.
ولما كانت لوالد المترجم منزلة سامية لدى الدولة العباسية أول أمرها
حيث كان داعيا لهم كانت لعلي ولده فوق تلك المنزلة أيام عصرها الذهبي
حيث اتخذه الرشيد وزيرا له. وكان على صلة وثيقة بالامام موسى الكاظم
ع يعمل بارشاده على إغاثة المظلومين حتى قال فيه: يا علي:
أن لله أولياء مع أولياء الظلمة يدفع بهم عن أوليائه، وأنت منهم يا علي.
وقد سعي به مرارا إلى الرشيد في أنه يتشيع حتى أراد الرشيد اهلاكه
لو لم تتداركه رحمة من ربه.
في الأغاني في ترجمة أبي العتاهية إسماعيل بن القاسم: كان علي بن
يقطين صديقا لأبي العتاهية وكان يبره في كل سنة ببر واسع فأبطأ عليه بالبر
في سنة من السنين وكان إذا لقيه أبو العتاهية أو دخل عليه يسر به ويرفع
مجلسه ولا يزيده على ذلك فلقيه ذات يوم وهو يريد دار الخليفة فاستوقفه
فوقف له فانشده:
حتى متى ليت شعري يا ابن يقطين * أثني عليك بمالا منك توليني
إن السلام وإن البشر من رجل * في مثل ما أنت فيه ليس يكفيني
هذا زمان ألح الناس فيه على * تيه الملوك وأخلاق المساكين
أ ما علمت جزاك الله صالحة * وزادك الله فضلا يا ابن يقطين
اني أريدك للدنيا وعاجلها * ولا أريدك يوم الدين للدين
فقال علي بن يقطين لست والله أبرح ولا تبرح من موضعنا هذا الا
راضيا وأمر له بما كان يبعث به إليه فحمل من وقته وعلي واقف إلى أن
تسلمه.
وفي معجم الشعراء للمرزباني أنه يقول:
يا ليت شعري ما يكون جوابي * أما الرسول فقد مضى بكتابي
جاء الرسول ووجهه متهلل * يقرا السلام علي من أحبابي
السيد بهاء الدين علي ابن السيد كمال الدين يوسف.
يروي بالإجازة عن السيد فيض الله بن عبد القاهر الحسيني
التفريشي صاحب كتاب الأربعين حديثا وهو تلميذه أيضا وتاريخ الإجازة
في شهر ذي القعدة سنة ١٠١٥ قال فيها لما اتفق للأخ الاجل الأرشد الأمجد
الأكمل فهما وفضلا واستعدادا الذي همته مصروفة إلى تحصيل الكمالات
على الوجه الأكمل ورغبته معطوفة على اكتساب السعادات على النهج الأتم
وله نسبة قرابة قريبة إلي نسبا وسببا وهو السيد بهاء الملة والدين علي ابن
المرحوم السيد الجليل الفاضل السيد كمال الدين يوسف الذي نرجو ونتمنى
أن يوجد في اخواننا وأعزتنا أمثاله كثيرا وأن يوصله إلى مدارج الكمال في
العمر والعلم والعمل مع عيش رغيد لم يزل أنه وفقه الله تعالى لما يحبه
ويرضى قرأ علي هذه الأربعين التي وفقني الله لجمعها قراءة تحقيق وتبيين
حين كان مشتغلا عندي بقراءة كتاب قواعد الأحكام للعلامة وشرح
المختصر العضدي في الأصول وكانت قراءته بحمد الله على ما ينبغي بعد
أن كان قد قرأ علي قبل هذا بسنين بعض المقدمات الضرورية في الآداب
والمنطق وغير ذلك فالتمس مني الإجازة لروايتها عني وكذلك جميع مروياتي
ومسموعاتي من مشايخي العظام معقولا ومنقولا من كتب الأحاديث وغيرها
خصوصا الكتب الأربعة المشهورة وجميع ما أجازني شيخي المرحوم الشيخ
الجليل المحقق المدقق الذي قل ما يوجد من المتأخرين أمثاله الشيخ تاج الملة
والدين حسن العاملي ابن الشيخ الرباني الذي لغاية شهرته وظهور كمالاته
لا يحتاج إلى التوصيف والتعريف الشيخ زين الملة والدين المشتهر عند
الخاصة بالشهيد الثاني من مروياته ومسموعاته من مشايخه من الكتب
المذكورة وغيرها فأجزته دام عزه وتوفيقه أن يروي عني ذلك كله بشرط
صحة ألفاظ الكتب وكلماتها فليرو عني إلى من شاء وأحب.
الملك الأفضل نور الدين علي ابن السلطان صلاح الدين يوسف الأيوبي.
كان ولي عهد أبيه، قال الصلاح الصفدي في شرح لامية العجم في
شرح قوله:
أهبت بالحظ لو ناديت مستمعا * والحظ عني بالجهال في شغل
قلت: الزمان مولع بخمول الأدباء وخمود نار الألباء كم أخنى على
الفضلاء وجهل قدر العلماء هذا الملك الأفضل نور الدين علي ابن السلطان
صلاح الدين يوسف كان متأدبا حليما حسن السيرة متدينا قل أن عاقب على
ذنب لما مات أبوه حضر إليه عمه العادل أبو بكر وأخوه العزيز عثمان
فأخرجاه من ملكه بدمشق إلى صرخد وفي ذلك كتب إلى الامام الناصر أحمد
إلى بغداد وكان يتشيع أبياتا يستنهضه بها على ما فعلا به ومرت هي وجوابها
في أحمد بن الحسن.
ومن شعره قوله:
يا من يسود شعره بخضابه * لعساه من أهل الشبيبة يحصل
ها فاختضب بسواد حظي مرة * ولك الأمان بأنه لا ينصل
ومن شعره قوله:
إما آن للسعد الذي أنا طالب * لادراكه يوما يرى وهو طالبي
(٣٧١)

ترى هل يريني الدهر أيدي شيعتي * تمكن يوما من نواصي النواصب
المولى علي بن يوسف.
له شرح الفصول النصيرية موسوم بمنتهى السؤل.
أبو الحسن علي بن يوسف بن القاسم بن صبيح.
ذكرنا في ترجمة أخيه أحمد بن يوسف ان أخاهم القاسم بن يوسف
كان شيعيا بلا ريب واستظهرنا تشيع جميع أهل بيته ومنهم المترجم. في
كتاب الأوراق لأبي بكر الصولي انه سمع أحمد بن يوسف لأخيه علي شعرا
قد كتب به إلى هدى له.
أيا باذلا ودا لمن لا يشاكله * يساعده في حبه ويواصله
عليك بمن يرضى لك الناس وده * أواخره محمودة وأوائله
الشيخ الفقيه رضي الدين علي بن يوسف بن المطهر الحلي أخو العلامة.
له كتاب العدد القوية لدفع المخاوف اليومية ينقل عنه المجلسي
ووصفه بالشيخ السيد الفقيه.
السيد عماد الجزائري.
يروي عند حسين ابن السيد حسن ابن السيد جعفر الأعرجي
الحسيني الموسوي العاملي الكركي والد ميرزا الله ويروي هو عن المحقق
الكركي.
العماد الطوسي.
محمد بن علي بن محمد.
عماد الدين الطبري أو الطبرسي أو العماد الطبري أو الطبرسي.
اسمه الحسن بن علي بن محمد بن الحسن.
عماد الدولة بن بويه.
اسمه أبو الحسن علي بن بويه.
أبو اليقظان عمارة بن داود بن حمدان بن حمدون التغلبي العدوي.
قال ابن خالويه في شرح ديوان أبي فراس أبو اليقظان عمارة بن
داود بن حمدان ساد العرب شجاعة وكرما وكان بنو شيبان أسروا خالد ابن
يزيد أحد بني الحارث ابن لقمان من أجداد سيف الدولة فاسرى عمارة
من سنجار حتى لحقهم ببالس فاستنقذه وقتل من بني شيبان فقال حيان
البلدي:
حكى سليمان إذ يسري البساط به * لما سرى بحماة غير انكاس
فاسال عمارة عن غمد المنون وقد * حمته أمنع فرسان وأفراس
أذاق شيبان ما كان المهلهل قد * أذاق أسلافهم من أجل جساس
وفي ذلك يقول أبو فراس:
ومنا أبو اليقظان منتاش خالد * ومنا أخوه الأفعوان المساور
والمراد بأخيه أبو وائل تغلب بن داود بن حمدان بن حمدون ومرت
ترجمته في بابها.
فخر الملك أبو الفضل عمار بن محمد بن عمار الطرابلسي ملك الساحل.
كان من الأعيان الملوك وكان غزير المروءة عالي الهمة وفي أيامه ملك
صنجيل الفرنجي جبيل وأقام على طريق طرابلس وأقام حصنا يقابلها وأقام
مراصد لها فخرج فخر الملك ومعه ثلثمائة فارس فاحرق ربضه ووقف
صنجيل على بعض سقوفه المذهبة المحترقة ومعه جماعة من القمامقة
فانخسف بهم ومرض ومات وقام مقامه ابن أخيه المعروف بالسيرادي
ودامت الحرب بين فخر الملك وبين الفرنج خمس سنين ولابن الخياط في
مدح فخر الملك قصائد كثيرة.
أبو اليقظان عمار بن ياسر العنسي (١).
يعتبر عمار من المسلمين الأوائل وهو من بين من أسلموا بدار الأرقم بن أبي
الأرقم، وقد دعيت تلك الدار بدار الاسلام، حيث كان
يتم فيها اسلام الراغبين باعتناق الاسلام وقد سار عمار إلى تلك الدار بعد
فترة وجيزة من سماعه بخبر النبي ص في النبوة، وتقول بعض المصادر انه
صادف صهيب بن سنان الرومي واقفا أمام باب دار الأرقم، ولما كان
الامر يقتضي منهما الكتمان واخفاء الغرض تساءلا بدهشة:
قال عمار: ما تريد؟
وقال صهيب: وما تريد أنت؟
فأجاب عمار أردت ان أدخل على محمد وأسمع كلامه!...
وقال صهيب: وأنا أردت كذلك.
ثم دخلا، فعرض النبي ص عليهما الاسلام فاسلما معا ثم مكثا يوما
كاملا وخرجا مستخفيين ورجع عمار إلى بيته فأسلم من بعده أبوه ياسر
وأمه سمية وأخوه عبد الله، والظاهر أن لعمار أثرا في اسلام عائلته.
وتم اسلام هذه العائلة في احرج الظروف، وأقسى ما مر به تاريخ
صدر الاسلام من حيث القلة والضعف والهوان.
أدى اسلام أسرة عمار إلى سخط حلفائها من بني مخزوم، فثارت
ثائرتهم ونقموا على الأسرة المسلمة وكان من أثره أيضا ان عصفت بها
عواصف المحن وهاجت عليها رزايا العذاب التي أقل ما وصفت بأنها
عذاب ايمان مثلما كانت محنة للايمان.
والظاهر أن قريشا أرادت أن ترد بعذابها للمستضعفين ممن لا قوم لهم
ولا عشائر في مكة ولا يملكون قوة ما... من الذين عرفت باسلامهم اسلام
عدد منهم تخويفا وردعا وعبرة للآخرين. وكان وقود هذا الرد والتعذيب
الحديد الحار والنار، والاسواط ثم أرض مكة في وهج الظهيرة... وقد
كثرت الروايات حول فنون عذاب المخزوميين لأسرة ياسر، ونجد إشارات
متعددة في أغلب كتب التاريخ فقد ذكر اليعقوبي: كان المشركون يخرجون هذه
الأسرة المؤمنة إذا حميت الظهيرة ويأخذون منهم مأخذا عظيما من البلاء، يعذبونهم
برمضاء مكة واخذت قريشا ياسرا وسمية وابنيهما عمار وعبد الله وبلالا وخبابا
وصهيبا فالبسوهم أدراع الحديد وصهروهم في الشمس حتى بلغ الجهد منهم
كل مبلغ. ثم جاء إلى كل واحد منهم قومه بأنطاع الأدم فيها الماء فألقوهم
فيها ثم حملوا بجوانبها وربطوا سمية بين بعيرين، وجاء أبو جهل يشتمها
ويرفث ثم طعنها في قلبها وهي تأبى الا الاسلام وقتلوا زوجها ياسرا فكانا
أول شهيدين في الاسلام ويبلغ العذاب بعمار إلى درجة لا يدري ما يقول
ولا يعي ما يتكلم وروى أنه قال للنبي ص لقد بلغ منا العذاب كل

(١) من الترجمات التي توفي المؤلف قبل أن يكتبها " ح ".
(٣٧٢)

مبلغ. قال النبي ص صبرا أبا اليقظان. اللهم لا تعذب أحدا من آل
عمار بالنار. ويقال انه ص كان يمر بهم فيدعو بقوله صبر آل ياسر
موعدكم الجنة. اللهم اغفر لآل ياسر وقد فعلت.
وقد لوحظت آثار النار واضحة على ظهر عمار حتى أواخر حياته.
وروي ان عمار جاء النبي فقال له النبي: ما وراءك قال عمار:
شر يا رسول الله، ما تركت حتى نلت منك وذكرت آلهتهم بخير، فقال
النبي ص كيف تجد قلبك؟ قال عمار مطمئنا بالايمان، قال النبي ص فان
عادوا فعد.
ثم نزلت الآية الكريمة في اقرار هذا اللون من الدعوة وامضاء ما فعله
عمار أمام أعدائه بقوله تعالى من كفر بعد ايمانه الا من أكره وقلبه مطمئن بالايمان،
ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب الله ولهم عذاب عظيم.
وبموجب هذه الآية أقر مبدأ التقية في تشريع الاسلام، وأيد الرسول
مثل هذا التظاهر باللسان.
قتل في صفين وكان عمره أربعا وتسعين سنة، وهو من السابقين
الأولين كما تقدم، هاجر الهجرتين إلى الحبشة والمدينة وصلى إلى
القبلتين وشهد بدرا واحدا وبيعة الرضوان وجميع المشاهد مع رسول الله ص
وأبلى بلاء حسنا، وهو في كل الوقائع من المقدمين في الجيش، ويوم ثار
مسيلمة الكذاب ثم قضي عليه يوم اليمامة كان عمار من رجال ذلك اليوم
المعدودين الذي انتصر فيه المسلمون على المرتدين. روى الواقدي عن
عبد الله بن عمر قال: رأيت عمارا يوم اليمامة على صخرة وقد أشرف
عليها يصيح يا معشر المسلمين أ من الجنة تفرون أنا عمار بن ياسر هلموا
إلي، وأنا أنظر إلى أذنه قد قطعت فهي تذبذب وهو يقاتل أشد قتال.
كان عمار آدم طوالا مضطربا أشهل العينين بعيد ما بين المنكبين.
قال ابن عبد البر ان عمارا قال كنت تربا لرسول الله في سنة، لم يكن أحد
أقرب إليه مني.
وعمار اسم ميمون، قال في القاموس: العمار الكثير الصلاة
والصيام والقوي الايمان الثابت في أمره والطيب الثناء والطيب الروائح
والمجتمع الامر إلى آخر ما قال، وأخرج ابن عبد البر في الاستيعاب:
استأذن على رسول الله يوما فعرف صوته فقال: مرحبا بالطيب ابن الطيب
ائذنوا له. وقد أجمع أهل التفسير ان قوله تعالى: الا من أكره وقلبه
مطمئن بالايمان نزل في عمار بن ياسر إذ أنه اعطى المشركين بلسانه ما
أرادوا مكرها فقال قوم يا رسول الله ان عمارا كفر فقال الرسول ص كلا ان
عمارا ملئ ايمانا من قرنه إلى قدمه واختلط الايمان بلحمه ودمه، وجاء
عمار إلى رسول الله وهو يبكي فقال النبي ما وراءك؟ فقال شر يا رسول
الله ما تركت حتى نلت منك وذكرت آلهتهم بخير، فجعل رسول الله يمسح
عينيه ويقول: ان عادوا لك فعد لهم بما قلت: وتواترت الأحاديث عن
النبي ص أنه قال لعمار بن ياسر: ويح عمار تقتله الفئة الباغية يدعوهم
إلى الجنة ويدعونه إلى النار، ووردت في فضله أحاديث كثيرة منها قول
النبي ص: عمار جلدة بين عيني.
وقال ابن عبد البر: كتب عمر إلى أهل الكوفة: إما بعد فاني بعثت
إليكم عمارا أميرا وعبد الله بن مسعود معلما ووزيرا وهما من النجباء من
أصحاب محمد ص فاسمعوا لها واقتدوا بهما، وروي عن عائشة انها قالت:
قال رسول الله: كم ذي طمرين لا يؤبه له لو أقسم على الله لأبره منهم
عمار بن ياسر.
وروى النسائي في الخصائص بسنده عن أم سلمة ان رسول الله قال
لعمار تقتلك الفئة الباغية. وبسنده عن أم سلمة قالت لما كان يوم
الخندق وهو يعاطيهم اللبن وقد أغبر شعر صدره فوالله ما نسيت وهو
يقول: اللهم ان الخير خير الآخرة فاغفر للأنصار والمهاجرة وجاء عمار
فقال ابن سمية تقتله الفئة الباغية وبسنده عن حنظلة بن خويلد كنت
عند معاوية فاتاه رجلان يختصمان في رأس عمار يقول كل واحد منهما أنا
قتلته، فقال عبيد الله بن عمر يطيب أحدكما نفسا لصاحبه فاني سمعت
رسول الله ص يقول تقتلك الفئة الباغية. وروى نصر بن مزاحم في كتاب
صفين ان أمير المؤمنين ع لما أراد المسير إلى صفين دعا من كان
معه من المهاجرين والأنصار فاستشارهم فقام فيمن قام عمار بن ياسر فذكر
الله بما هو أهله وحمده وقال يا أمير المؤمنين ان استطعت أن لا تقيم يوما
واحدا فاشخص بنا قبل استعار نار الفجرة واجتماع رأيهم على الصدود
والفرقة وادعهم إلى رشدهم وحظهم فان قبلوا سعدوا وان أبوا الا حربنا فوالله
ان سفك دمائهم والجد في جهادهم لقربة عند الله وهو كرامة منه وروى
نصر في كتاب صفين ان عمار بن ياسر قال لما ظهر من أبي زينب بن عوف
بعض الشك حين عزم أمير المؤمنين ع على المسير إلى صفين:
أثبت أبا زينب ولا تشك في الأحزاب عدو الله ورسوله، وخرج عمار وهو
يقول:
سيروا إلى الأحزاب أعداء النبي * سيروا فخير الناس أتباع علي
هذا أوان طاب سل المشرفي * وقودنا الخيل وهز السمهري
وحمل يوم صفين وهو يقول:
صدق الله وهو للصدق أهل * وتعالى ربي وكان جليلا
رب عجل شهادة لي بقتل * في الذي قد أحب قتلا جميلا
مقبلا غير مدبر ان للقتل * على كل ميتة تفضيلا
انهم عند ربهم في جنان * يشربون الرحيق والسلسبيلا
من شراب الأبرار خالطة المسك * وكأسا مزاجهما زنجبيلا
وبسنده عن النبي ص انه رآهم يحملون حجارة المسجد فقال ما
لهم ولعمار يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار وبسنده قال لقد ملئ
عمار ايمانا إلى مشاشه وبسنده عن النبي ص ان الجنة لتشتاق إلى
ثلاثة: علي وعمار وسلمان وبسنده لما بني المسجد جعل عمار يحمل
حجرين حجرين فقال له رسول الله ص يا أبا اليقظان لا تشقق على نفسك
قال يا رسول الله اني أحب ان أعمل في هذا المسجد ثم مسح على ظهره ثم
قال إنك من أهل الجنة تقتلك الفئة الباغية وروى نصر في كتاب صفين
بسنده عن عبد خير الهمداني قال نظرت إلى عمار بن ياسر يوما من أيام
صفين رمي رمية فأغمي عليه ولم يصل الظهر والعصر والمغرب ولا العشاء
ولا الفجر ثم أفاق فقضاهن جميعا يبدأ بأول شئ فاته ثم التي تليها. وفيه
بسنده عن حذيفة بن اليمان سمعت رسول الله ص يقول ابن سمية لم يخبر
بين أمرين قط الا اختار أرشدهما يعني عمارا فالزموا سمته قال وفي حديث
(٣٧٣)

عمرو بن شمر قال حمل عمار يوم صفين وهو يقول:
كلا ورب البيت لا أبرح اجي * حتى أموت أو أرى ما أشتهي
أنا مع الحق أحامي عن علي * صهر النبي ذي الأمانات الوفي
ونقطع الهام بحد المشرفي
وروى أحمد بن عبد العزيز الجوهري في زيادات كتاب السقيفة قال
نادى عمار بن ياسر يوم بويع عثمان يا معشر المسلمين انا قد كنا وما كنا ن
نستطيع الكلام قلة وذلة فأعزنا الله بدينه وأكرمنا قلة و ذلة فأعزنا الله بدينه
وأكرمنا برسوله فالحمد لله رب العالمين يا معشر قريش إلى متى تصرفون هذا
الأمر عن أهل بيت نبيكم تحولونه ههنا مرة وههنا مرة ما انا آمن ان ينزعه
الله منكم ويضعه في غيركم كما نزعتموه من أهله ووضعتموه في غير أهله
فقال له هشام بن الوليد بن المغيرة يا ابن سمية لقد عدوت طورك وما
عرفت قدرك ما أنت وما رأت قريش لانفسها انك لست في شئ من أمرها
وامارتها فتنح عنها وتكلمت قريش بأجمعها فصاحوا بعمار وانتهزوه فقال
الحمد لله رب العالمين ما زال أعوان الحق أذلاء ثم قال فانصرف اه.
وكان عمار حليفا لبني مخزوم ولهذا لما نال غلمان عثمان من عمار ما
نالوا من الضرب لانتقاده ولاة عثمان حتى انفتق له فتق في بطنه وكسروا
ضلعا من أضلاعه اجتمعت بنو مخزوم وقالوا والله لئن مات لا قتلنا به أحدا
غير عثمان.
وسبب ذلك ان عثمان بن عفان أرسل رجالا يتحرون العمال ومنهم
عمار إلى مصر فعادوا يمتدحون الولاة الا عمارا استبطاه الناس حتى ظنوا انه
اغتيل فلم يفاجئهم الا كتاب من عبد الله بن سعد بن أبي سرح
والي مصر وهو أخو أبي سرح من الرضاعة يخبرهم ان عمارا قد استماله
قوم بمصر وقد انقطعوا إليه، فكان تصريح عمار بالحق سبب
اعتداء غلمان عثمان عليه ولم يمنعه ذلك أن يجاهر بالحق ويذكر مظالم والي
مصر عبد الله بن سعد المذكور، فصدق عليه انه ممن لا تأخذه لومة لائم
في سبيل الحق وهو أول من جاهر فيه ولم يداهن الولاة ولم يبال بطشهم،
فكان أول مفتش إداري مخلص.
روى نصر بن مزاحم انه لما كانت وقعة صفين ونظر عمار إلى راية
عمرو بن العاص قال: والله ان هذه الراية قد قاتلتها ثلاث عركات وما
هذه بأرشدهن، و رواية ابن جرير في تاريخه: لقد قاتلت صاحب هذه
الراية ثلاثا مع رسول الله ص وهذه الرابعة ما هي أبر ولا أتقى.
وروى ابن جرير وابن عبد البر عن الأعمش عن أبي عبد الرحمن
السلمي قال: شهدنا مع علي صفين فرأيت عمار بن ياسر لا يأخذ في ناحية
ولا واد من أودية صفين الا رأيت أصحاب محمد ص يتبعونه كأنه علم لهم
وسمعته يقول يومئذ لهاشم بن عتبة: يا هاشم تقدم الجنة تحت ظلال
السيوف والموت في أطراف الأسل اليوم ألقى الأحبة محمدا وحزبه والله لو
ضربونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر لعلمنا أنا على الحق وأنهم على الباطل
ثم قال:
نحن ضربناكم على تنزيله * فاليوم نضربكم على تأويله
ضربا يزيل الهام عن مقيله * ويذهل الخليل عن خليله
أو يرجع الحق إلى سبيله
فلم أر أصحاب محمد ص قتلوا في موطن ما قتلوا يومئذ.
قال ابن الأثير: خرج عمار بن ياسر على الناس يوم صفين فقال
اللهم انك تعلم اني لو أعلم ان رضاك في أن أقذف بنفسي في هذا البحر
لفعلته، اللهم انك تعلم لو اني اعلم أن رضاك في أن أضع ظبة سيفي في
بطني ثم أنحني عليها حتى تخرج من ظهري لفعلت واني لا أعلم اليوم عملا
أرضى لك من جهاد هؤلاء الفاسقين ولو اعلم عملا هو أرضى منه لفعلته
والله لو ضربونا حتى بلغوا بنا سعفات هجر لعملنا انا على الحق وانهم على
الباطل ثم قال: من يبتغي رضوان الله لا يرجع إلى مال ولا ولد فاتاه
عصابة فقال: اقصدوا بنا هؤلاء القوم الذين يطلبون بدم عثمان والله ما
أرادوا الطلب بدمه ولكنهم ذاقوا الدنيا واستحقبوها وعلموا ان الحق إذا
لزمهم حال بينهم وبين ما يتمرغون فيه منها ولم تكن لهم سابقة يستحقون بها
طاعة الناس والولاية عليهم فخدعوا أتباعهم بان قالوا امامنا قتل مظلوما
ليكونوا بذلك جبابرة وملوكا فبلغوا ما ترون ولولا هذه الشبهة لما تبعهم رجلان
من الناس اللهم ان تنصرنا فطالما نصرت وان تجعل لهم الامر فادخر لهم بما
أحدثوا في عبادك العذاب الأليم، ثم مضى وهو يقول: الجنة تحت ظلال
السيوف والموت تحت أطراف الأسل اليوم القى الأحبة محمدا محزبه، وتقدم
حتى دنا من عمرو بن العاص فقال: يا عمرو بعت دينك بمصر تبا لك تبا
لك فقال عمرو: لا ولكن اطلب بدم عثمان فقال له عمار: أشهد على
علمي فيك انك لا تطلب بشئ من فعلك وجه اله تعالى وأنك ان لم تقتل
اليوم تمت غدا فانظر إذا أعطي الناس على قدر نياتهم ما نيتك لغد؟ ثم
قاتل عمار ولم يرجع حتى قتل.
وكان الذي تولى قتل عمار أبو الغادية الفزاري وابن جزء السكسكي
فاما أبو الغادية فطعنه برمح وأما ابن جزء فاحتز رأسه فاقبلا يختصمان
كلاهما يقول: أنا قتلته فقال عمرو بن العاص: والله ان يختصمان الا في
النار فسمعها معاوية فقال لعمرو: ما رأيت مثلما صنعت قوم بذلوا أنفسهم
دوننا تقول لهما إنكما تختصمان في النار فقال عمرو: هو والله ذاك وانك
لتعلمه ولوددت اني مت قبل هذا بعشرين سنة.
ومقتل عمار أزال الشبهة لكثير من الناس وكان سببا لرجوع جماعة
إلى أمير المؤمنين علي ع والتحاقهم به كما جرى لخزيمة بن ثابت فإنه ما
زال كافا سلاحه معتزلا الحرب في الجمل وفي بعض أيام صفين حتى قتل
عمار فاصلت سيفه وقاتل مع علي ع حتى قتل وقال: سمعت رسول
الله ص يقول تقتل عمارا الفئة الباغية.
وقال عبد الله بن عمرو بن العاص لأبيه عمرو حين قتل عمار:
أ قتلتم عمارا وقد قال فيه رسول الله ص ما قال؟ فقال عمرو لمعاوية:
أ تسمع ما يقول عبد الله؟ فقال معاوية: انما قتله من جاء به وسمعه أهل
الشام فقالوا: انما قتله من جاء به.
ورواية ابن جرير الطبري عن أبي عبد الرحمان السلمي: فلما كان
الليل قلت: لأدخلن إليهم حتى أعلم هل بلغ منهم قتل عمار ما بلغ منا
فركبت فرسي وقد هدأت الرجل ثم دخلت وإذا أنا بأربعة يتسايرون:
معاوية وأبو الأعور السلمي وعمرو بن العاص وهو خير الأربعة، فأدخلت
فرسي بينهم مخافة أن يفوتني ما يقول أحد الشقين فقال عبد الله لأبيه: يا
أبت قتلتم هذا الرجل في يومكم هذا وقد قال فيه رسول الله ص ما قال،
(٣٧٤)

قال: وما قال؟ قال: أ لم تكن معنا ونحن نبني المسجد والناس ينقلون
حجرا حجرا ولبنة لبنة وعمار ينقل حجرين حجرين ولبنتين لبنتين فغشي
عليه فاتاه رسول الله ص فجعل يمسح التراب عن وجهه ويقول: ويحك يا
ابن سمية الناس ينقلون حجرا حجرا ولبنة لبنة وأنت تنقل حجرين حجرين
ولبنتين لبنتين رغبة منك في الاجر وأنت ويحك مع ذلك تقتلك الفئة الباغية
فدفع عمرو صدر فرسه ثم جذب معاوية إليه فقال: يا معاوية أ ما تسمع ما
يقول عبد الله؟ قال: وما يقول؟ فأخبره الخبر فقال معاوية: انك شيخ
أخرق ولا تزال تحدث بالحديث وأنت تدحض في بولك أ ونحن قتلنا عمارا
انما قتل عمارا من جاء به فخرج الناس من فساطيطهم وأخبيتهم يقولون:
انما قتل عمارا من جاء به، فلا أدري من كان أعجب هو أو هم.
ولما بلغ أمير المؤمنين عليا ع ذلك قال: يكون النبي ص قاتل
حمزة لأنه جاء به.
وأورد ابن عساكر الدمشقي في تاريخه أن عليا ع قال حين قتل
عمار: ان امرأ من المسلمين لم يعظم عليه قتل عمار بن ياسر ويدخل عليه
المصيبة لغير رشيد رحم الله عمارا يوم أسلم ورحم الله عمارا يوم قتل
ورحم الله عمارا يوم يبعث حيا لقد رأيت عمارا وما يذكر من أصحاب
رسول الله ص أربعة الا كان رابعا ولا خمسة الا كان خامسا.
عمر بن إسماعيل بن موسى الحرفوشي.
في بعض مكتوبات الأستاذ عيسى إسكندر المعلوف قال الشيخ عبد
الرحمن التاجي البعلبكي في قصر الأمير عمر الحرفوشي حاكم بعلبك
مؤرخا بناءه سنة ١٠٧٨ من قصيدة طويلة قال فيها:
عمر الأمير الندب ما غمر الورى * احسانه الصافي فكل يحمد
ليث يريك البرق في يوم الوغى * عضب يجرده وطرف أجرد
من أسرة سادوا الورى بمكارم * غر وآلاء لهم لا تجحد
أعني الحرافشة الكرام ومن لهم * عز يذل له العزيز الأصيد
ولذاك ثغر السعد قال مؤرخا * قصر زهي للأمير مشيد
أبو البركات عمر بن إبراهيم بن محمد بن محمد بن أحمد بن علي بن
الحسين بن علي بن حمزة بن يحيى بن الحسين ذي الدمعة بن زيد الشهيد بن
علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ع الكوفي.
ولد سنة ٤٤٢ وتوفي في شعبان ٥٣٩ في أيام المقتفي ودفن في المسبلة
التي للعلويين وقدر من صلى عليه بثلاثين ألفا.
أقوال العلماء فيه
في معجم الأدباء: امام من أئمة النحو واللغة والفقه والحديث قال
السمعاني وكان خشن العيش صابرا على الفقر قانعا باليسير ورحل إلى
الشام وسمع من جماعة وأقام بدمشق وحلب مدة وحضرت عنده وسمعت
منه وكان حسن الاصغاء سليم الحواس ويكتب خطا مليحا سريعا على كبر
سنه اه وذكره السيوطي في بغية الوعاة.
اخباره
في معجم الأدباء عن أبي الغنائم النرسي أنه قال سمعت الشريف
عمر يقول دخل أبو عبد الله الصوري الكوفة فكتب بها عن أربعمائة شيخ
وقدم علينا هبة الله بن المبارك السقطي فأفدته عن سبعين شيخا من
الكوفيين وما بالكوفة اليوم أحد يروي الحديث غيري ثم ينشد:
منذ دخلت اليمنا * لم أر وجها حسنا
ففي حر أم بلدة * أحسن من فيها انا
قال ياقوت: حكي ان أعرابيين مرا بالشريف عمر وهو يغرس فسيلا
فقال أحدهما للآخر أ يطمع هذا الشيخ مع كبره ان يأكل من جني هذا
الفسيل فقال الشريف يا بني كم كبش في المرعى وخروف في التنور ففهم
أحدهما ولم يفهم الآخر فقال الذي لم يفهم لصاحبه أيش قال قال إنه يقول كم
من ناب يسقى في جلد حوار، فعاش حتى أكل من ثمر ذلك الفسيل.
قال تاج الاسلام سمعت عمر بن إبراهيم بن محمد الزيدي يقول لما خرجنا
من طرابلس الشام متوجهين إلى العراق خرج لوداعنا الشريف أبو
البركات بن عبيد الله العلوي ودع صديقا لنا يركب البحر إلى الإسكندرية
فرأيت خالك يتفكر فقلت له اقبل على صديقك فقال لي قد علمت أبياتا
اسمعها فانشدني في الحال:
قربوا للنوى القوارب كيما * يقتلوني ببنيهم والفراق
شرعوا في دمي بتشديد شرع * تركوني من شدها في وثاق
قلعوا حين أقلعوا لفؤادي * ثم لم يلبثوا بقدر الفواق
ليتهم حين ودعوني وساروا * رحموا عبرتي وطول اشتياقي
هذه وقفة الفراق فهل أحيا * ليوم يكون فيه التلاقي
مذهبه
قال السيوطي في بغية الوعاة كان زيديا جارودي المذهب وقال ياقوت
عن السمعاني سمعته يقول أنا زيدي المذهب ولكني أفتي على مذهب
السلطان يعني أبا حنيفة إلى أن قال سمعت أبا الغنائم بن النرسي يقول كان
الشريف عمر جارودي المذهب لا يرى الغسل من الجنابة (١) وقال السمعاني
كنت ألازمه طول مقامي بالكوفة في الكرات الخمس ما سمعت منه في طول
ملازمتي له شيئا في الاعتقاد أنكرته غير اني كنت يوما قاعدا في باب داره
وأخرج لي شدة من مسموعاته وجعلت افتقد فيها حديث الكوفيين فوجدت
فيها جزءا مترجما بتصحيح الاذان بحي على خير العمل فأخذته لاطلاعه
فاخذه من يدي وقال هذا لا يصلح لك له طالب غيرك ثم قال ينبغي للعالم
أن يكون عنده كل شئ فان لكل نوع طالبا وسمعت يوسف بن محمد بن
محمد بن مقلد يقول كنت أقرأ على الشريف عمر جزءا فمر بي حديث فيه
ذكر عائشة فقلت رضي الله عنها فقال لي تدعو لعدوة علي فقلت حاشى
وكلا ما كانت عدوة علي ثم قال ياقوت: قال في تاريخ الشام حكى أبو
طالب ابن الهراس الدمشقي وكان حج مع أبي البركات انه صرح له بالقول
بالقدر وخلق القرآن فاستعظم أبو طالب ذلك منه وقال إن الأئمة على غير
ذلك فقال له ان أهل الحق يعرفون بالحق ولا يعرف الحق باهله قال هذا
معنى حكاية أبي الطيب.
مشائخه
قال ياقوت أخد النحو عن أبي القاسم زيد بن علي الفارسي عن أبي

(١) هذا ساقته العداوة والعصبية فالجارودية لم يسمع انهم لا يرون الغسل من الجنابة.
(٣٧٥)

الحسين عبد الوارث عن خاله أبي علي الفارسي وسمع ببغداد أبا بكر
الخطيب وأبا الحسين بن النقور وبالكوفة أبا الفرج محمد بن علاء المخازن
وغيره ورحل إلى الشام وسمع من جماعة.
تلاميذه
قال ياقوت نأخذ عنه أبو السعادات ابن الشجري وأبو محمد ابن
بنت الشيخ وحضر عنده السمعاني وسمع منه.
مؤلفاته
قال ياقوت وللشريف تصانيف منها شرح اللمع.
عمرو بن أحيحة
قال يوم الجمل في خطبة الحسن ع بعد خطبة عبد الله بن
الزبير:
حسن الخير يا شبيه أبيه * قمت فينا مقام خير خطيب
قمت بالخطبة التي صدع الله * بها عن أبيك أهل العيوب
وكشفت القناع فاتضح الأمر * وأصلحت فاسدات القلوب
لست كابن الزبير لجلج في القول * وطأطأ عنان فشل مريب كذا
وأبى الله ان يقوم بما قام * به ابن الوصي وابن النجيب
ان شخصا بين النبي لك الخير * وبين الوصي غير مشوب
عمرة بنت النعمان زوجة المختار الثقفي.
بعد مقتل زوجها أرادها مصعب بن الزبير على أن تتبرأ من زوجها
فابت ذلك، فامر مصعب أن توضع في حفرة. ووقف السياف على رأسها
شاهرا سيفه ووقف بجانبه مصعب يحضها على أن تتبرأ من زوجها، تارة
كان يهددها بالقتل وتارة يغريها بالمال والجاه. وهي تقول غير آبهة لوعده ولا
مبالية بتهديده: كيف أتبرأ من رجل يقول ربي الله؟ كان صائم نهاره
قائم ليله، قد بذل دمه لله ولرسوله، شهادة أرزقها ثم اتركها؟...
اللهم أشهد اني متبعة لنبيك وابن نبته وأهل بيته وشيعته...
فامر مصعب السياف أن يضربها بالسيف فضربها ثلاث ضربات حتى
ماتت، وفيها يقول عمر بن أبي ربيعة:
قتلوها ظلما على غير جرم * ان لله درها من قتيل
ويقول سعيد بن عبد الرحمن بن حسان بن ثابت:
فلا هنات آل الزبير معيشة * وذاقوا لباس الذل والخوف والحرب
كأنهم إذ أبرزوها وقطعت * بأسيافهم فازوا بمملكة العرب
أ لم تعجب الأقوام من قتل حرة * من المحصنات الدين محمودة الأدب
عمرو بن الحمق الخزاعي
روى نصر بن مزاحم في كتاب صفين ان عمرو بن الحمق قال لعلي
ع وهو يتجهز إلى صفين حين سمعه هو وحجر بن عدي يظهران
البراءة واللعن من أهل الشام فأمرهما بالكف فقالا أ لسنا محقين قال بلى
ولكن كرهت لكم أن تكونوا لعانين شتامين ولكن لو وصفتم مساوئ
أفعالهم لكان أصوب في القول وأبلغ في العذر وقلتم مكان لعنكم إياهم
وبراءتكم منهم اللهم احقن دماءنا ودماءهم وأصلح ذات بيننا
وبينهم واهدهم من ضلالهم كان هذا أحب إلي وخيرا لكم، فقالا يا أمير
المؤمنين نقبل عظتك ونتأدب بأدبك. وقال عمرو بن الحمق اني والله يا
أمير المؤمنين ما أحببتك ولا بايعتك على قرابة بيني وبينك ولا إرادة مال
تؤتينيه ولا التماس سلطان يرفع ذكري به ولكن أحببتك لخصال خمس انك
ابن عم رسول الله ص وأول من آمن به وزوج سيدة نساء الأمة فاطمة بنت
محمد ص وأبو الذرية التي بقيت فينا من رسول الله ص وأعظم رجل من
المهاجرين سهما في الجهاد فلو اني كلفت نقل الجبال الرواسي ونزح البحور
الطوامي حتى يأتي على يومي في أمر أقوي به وليك وأوهن به عدوك ما رأيت
اني قد أديت فيه كل الذي يحق علي من حقك، فقال أمير المؤمنين علي
ع اللهم نور قلبه بالتقى واهده إلى صراط مستقيم ليت ان في
جندي مائة مثلك فقال حجر إذا والله يا أمير المؤمنين صلح جندك وقل
فيهم من يغشك اه وأمره أمير المؤمنين ع يوم صفين على
خزاعة. وقال عمرو بن الحمق يوم صفين:
تقول عرسي لما ان رأت ارقي * ما ذا يهيجك من أصحاب صفينا
أ لست في عصبة يهدي الاله بهم * أهل الكتاب ولا بغيا يريدونا
فقلت اني على ما كان من رشد * أخشى عواقب أمر سوف يأتينا
ادالة القوم في أمر يراد بنا * فاقني حياء وكفي ما تقولينا
وقال معاوية يوما لعمرو بن العاص ائت ببني أبيك فقاتل بهم فإنه ان
يكن عند أحد خير فعندهم فاتى جماعة أهل اليمن فقال أنتم اليوم الناس
وغدا لكم الشأن هذا يوم له ما بعده من الامر احملوا معي على هذا الجمع
قالوا نعم فحملوا وحمل عمرو وهو يقول:
أكرم بجمع طيب يماني * جدوا تكونوا أوليا عثمان
خليفة الله على تبيان
فحمل عليهم عمرو بن الحمق وهو يقول:
بؤسا لجند ضائع يماني * مستوستين كانساق الضأن
تهوي إلى راع لها وسنان * اقحمها عمرو إلى الهوان
يا ليت كفي عدمت بناني * وانكم بالشحر من عمان
ولما رفعت المصاحف يوم صفين قال عمرو بن الحمق يا أمير المؤمنين
انا والله ما اخترناك ولا نصرناك عصبية على الباطل ولا أحببنا الا الله عز
وجل ولا طلبنا الا الحق ولو دعانا غيرك إلى ما دعوت إليه لكان فيه اللجاج
وطالت فيه النجوى وقد بلغ الحق مقطعه وليس لنا معك رأي اه.
ولما قتل علي بن أبي طالب بعث معاوية في طلب انصاره فكان في
فيمن طلب عمرو بن الحمق الخزاعي فراع منه فأرسل إلى امرأته آمنة بنت
الشريد فحبسها في سجن دمشق سنتين ثم إن عبد الرحمان بن الحكم ظفر
بعمرو بن الحمق في بعض الجزيرة فقتله وبعث برأسه إلى معاوية، فكان أو
رأس حمل في الاسلام وأهدي من بلد إلى بلد، فلما أتى معاوية الرسول
بالرأس بعث به إلى آمنة في السجن وقال للحرسي احفظ ما تتكلم به حتى
تؤديه إلي واطرح الرأس في حجرها، ففعل، فارتاعت له ساعة ثم
وضعت يدها على رأسها وقالت نفيتموه عني وطيلا وأهديتموه إلي قتيلا
فأهلا وسهلا بمن كنت له غير قالية وأنا له اليوم غير ناسية. إلى اخر القصة
التي ذكرت مفصلا في ترجمة آمنة من هذا الكتاب.
وبعد قتل عمرو كتب الحسين بن علي إلى معاوية: أ ولست القاتل
عمرو بن الحمق صاحب رسول الله العبد الصالح بعد ما أمنته وأعطيته من
عهود الله ومواثيقه ما لو أعطيته طائرا نزل إليك من رأس جبل ثم قتلته
جرأة على ربك واستخفافا بذلك العهد.
(٣٧٦)

أبو حية عمرو بن غزية الأنصاري.
شهد مع علي ع الجمل وصفين وهو الذي عقر الجمل يوم
البصرة وقال بصفين:
سائل حليلة معبد عن فعلنا * لحليلة اللخمي وابن كلاع
واسال عبيد الله عن أرماحنا * لما ثوى متجدلا بالقاع
واسال معاوية المولي هاربا * والخيل تعدو وهي جد سراع
ما ذا يخبرك المخبر منهم * عنا وعنهم عند كل دفاع
أن يصدقوك يخبروك بأننا * أهل الندى مستسلمون الداعي
ندعو إلى التقوى ونرعى أهلها * برعاية المأمون لا المضياع
ان يصدقوك يخبروك بأننا * نحمي الحقيقة عند كل مصاع
ونسن للأعداء كل مثقف * لدن وكل مشطب قطاع
عمرو بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس القرشي الأموي.
قتل ببلاد الشام حوالي سنة ١٤ من الهجرة وكان من شيعة علي أمير
المؤمنين ع استعمله رسول الله ص على تيماء وخيبر فلما توفي
رسول الله ص رجع من عمالته ولم يعمل لاحد بعده كما مر في ترجمة أخيه
خالد، وهو غير عمرو بن سعيد بن القاسم المعروف بالأشدق الذي كان
واليا على المدينة عند قتل الحسين ع والذي قتله عبد الملك بن
مروان بل هو ابن أخيه العاص ابن سعيد بن العاص بن أمية فهو عمرو بن
سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية.
أبو عمرة عمرو بن محصن الأنصاري. قال نصر كان من أعلام أصحاب علي ع قتل في المعركة بصفين
وجزع علي لقتله وقالت امرأة من أهل الشام:
لا تعدموا قوما أذاقوا ابن ياسر * شعوبا ولم يعطوكم بالخزائم
فنحن قتلنا اليثربي ابن محصن * خطيبكم وابني هديل وهاشم (١)
وقال عبد الله بن أبي معقل بن نهيك بن يساف الأنصاري وفي رواية
النجاشي يبكيه
لنعم فتى الحين عمرو بن محصن * إذا صائح الحي المصبح ثوبا
إذا الخيل جالت بينها قصد القنا * يثرن عجاجا ساطعا متنصبا
لقد فجع الأنصار طرا بسيد * أخي ثقة في الصالحات مجربا
فيا رب خير قد أفدت وجفنة * ملأت وقرن قد تركت مخيبا
ويا رب خصم قد رددت بغيظه * فأب ذليلا بعد ما كان مغضبا
وراية مجد قد حملت وغزوة * شهدت إذا النكس الجبان تهيبا
طويل عماد المجد رحب فناؤه * خصيبا إذا ما رائد الحيين أجدبا
عظيم رماد النار لم يك فاحشا * ولا فشلا يوم القتال مغلبا
وكنت ربيعا ينفع الناس سيبه * وسيفا جرازا باتك الحد مقضبا
فمن يك مسرورا بقتل ابن محصن * فعاش شقيا ثم مات معذبا
فان تقتلوا الحر الكريم ابن محصن * فنحن قتلنا ذا الكلاع وحوشبا
وان تقتلوا ابني بديل وهاشما * فنحن تركنا منكم القرن أعضبا
ونحن تركنا حميرا في صفوفكم * لدى الموت صرعى كالنخيل مشذبا
وأفلتنا تحت الأسنة مرئد * وكان قديما في الفرار مجربا
ونحن تركنا عند مختلف القنا * أخاكم عبيد الله لحما ملحبا
بصفين لما أرمض عند صفوفكم * ووجه ابن عتاب تركناه ملغبا
وطلحة من بعد الزبير ولم ندع * لظبة في الهيجا عريفا ومنكبا
ونحن احطنا بالبصير وأهله * ونحن سقيناكم سماما مقشبا
كمال الدين أبو القاسم عمر بن أبي جرادة العقيلي الحلبي، المعروف بابن العديم (٢)
من أدباء القرن السادس الهجري ومؤرخيه، تميز بشتى ألوان
المعرفة، فكان أديبا وشاعرا وفقيها وسفيرا ومؤرخا فذا.
وصفه ياقوت بقوله: أن الله عز وجل عنى بخلقته فاحسن خلقه
وخلقه، وعقله وذهنه وذكاءه، وجعل همته في العلوم ومعالي الأمور، فقرأ
الأدب وأتقنه، ثم درس الفقه فاحسنه ونظم القريض فجوده، وأنشأ النثر
فزينه، وقرأ حديث الرسول ص وعرف علله ورجاله وتأويله وفروعه.
في هذه الخطوط السريعة التي رسمها ياقوت في معجم الأدباء، وهو
من معاصريه، صور جلية عن عبقرية هذا الشاب الذي نشأ في بيت علم
وأدب وفضل، فقد ظل هذا البيت يتوارث أفراده العلم أربعة قرون
كاملة.
كان جده من سكان البصرة نزح عنها بعد المئتين للهجرة في تجارة إلى
الشام، وفي رواية أن طاعونا نزل بالبصرة فخرج منها جماعة من بني عقيل
وقدموا إلى الشام فاستوطن جدهم الأكبر حلب.
ومنذ ذلك العهد، حتى القرن السادس والسابع، والبلاد العربية
تتحدث عن هذه العائلة التي ضمت الأدباء والشعراء والقضاة، كان
آخرهم والد كمال الدين الذي ولي منصب قاضي القضاة. وكان قبلها
خطيب القلعة في عهد نور الدين محمود زنكي، ثم خازن المملكة على أيام
ولده الملك الصالح إسماعيل، ثم عزل من منصب قاضي القضاة لا لشئ
الا لأنه حنفي المذهب والدولة شافعية فلم يؤثر ذلك فيه لان له من
ثروته وجاهه وعلمه ما يغنيه عن التكسب من مال الدولة فقبع في قصره
يقطع الوقت بالمطالعة والدرس والاشراف على أملاكه ومزارعه. وبينما هو
في هذه الحياة الحرة الطليقة من كل قيد، إذ بنبأ سار ترقص له القلوب،
فقد انبثق فجر اليوم العاشر من شهر ذي الحجة سنة ٥٨٨ ه عن مولود
أشاع البشر في بيت آل العديم.
تقبل القاضي والد كمال الدين، هذه البشرى برعشة المضطرب غير
المطمئن، فقد أنعم الله عليه بعدة بنات من أجمل ما خلق الله، وكان برغم

(١) هذا على الاقواء.
(٢) من التراجم التي توفي المؤلف قبل ان يكتبها وهذه مكتوبة بقلم: سامي الكبالي وقد ذكر
المؤلف في الجزء السادس في (ابن): ابن العديم وقال إن اسمه عمر بن أحمد بن هبة الله.
ولما ترجم لاحد أحفاده إبراهيم بن محمد، ذكر النسب هكذا: إبراهيم بن محمد بن عمر
ابن عبد العزيز بن محمد بن أحمد بن هبة الله. وينتهي النسب إلى آل أبي جرادة، وعندما
يطلق اسم (ابن العديم) فإنما يراد به المترجم لا غيره. لذلك فإننا نرى ان الاختلاف في
سلسلة النسب عند ذكر الجد والحفيد انما هو جار على ما هو معروف من نسبة الرجل إلى
جده الأدنى وأحيانا إلى جده الاعلى " ح ".
(٣) هو شيعي لا حنفي، راجع تشيع آل أبي جرادة في الجزء الخامس، وبنو العديم بيت من
الشيعة معروف، لذلك لنا أن نقول إن عزله كان لتشيعه " ح ".
(٣٧٧)

حبه لبناته، في حسرة على وليد يرث هذا المجد العلمي الذي كان ينتقل
من الآباء إلى الأبناء.
وكلما تقدمت به السن كان يشعر أن القدر لن يهبه مولودا ذكرا،
ولكن الآمال كثيرا ما تنبث من السجف السود. ومن الله على الشيخ بوليد
ذكر. وليس هذا الوليد مؤرخنا كمال الدين، بل شقيقه، فلم يكد يشب
عن الطوق حتى استله القدر من بين يديه، فحزن الوالد حزنا عميقا هد
قواه. وأصابه ما لم يصب والد على فقد ولده فامتنع عن الطعام والشراب
الا ما يقيم جسده الضاوي.
وقد هم يوما وقد غلبه الحنين ولج به الشوق وعصاه الصبر هم أن
يخرج فلذة كبده من القبر ليروي غليل شوقه وينعم برؤيته.
وبالرغم مما كان عليه الشيخ من قوة وجبروت فقد امتنع عليه
الحجر، ولم يستطع أن يكشف عن القبر، فأدرك أن الله جلت قدرته،
أراد ذلك شفقة منه على الطفل وعليه، فزجر نفسه، وعاد إلى البيت متعبا
مكدودا يبكي همسا ويصلي، وما زال حتى ارتمى على فراشه وهو في غاية
الاعياء.
وبديهي، وهو في هذه الحالة، أن يستيقظ عقله الباطن على
الرؤى والهواجس، وأن تتراءى له الأحلام وهو في غفوته اليقظة. فرأى
في تلك الليلة رؤيا أرعبته أولا... ثم ما لبثت أن شفته من مرضه.
رأى ولده، وسمع صوته، وقد خيل إليه أنه يخاطبه بقوله:
يا أبي: عرف والدتي اني أريد أن أجئ إليكم.
واستيقظ أبو الحسن مذعورا. وركض إلى زوجته يريد ايقاظها. ولم
تكن الأم المفجوعة نائمة، فهي أشد لوعة على ولدها من أبيه، فما كاد
يقص عليها نبا الرؤيا حتى بكت بكاء شديدا.
وتشاء إرادة المولى أن ترأف بهذين القلبين الكسيرين، فمن الله
عليهما بولد نحيف البنية، تكاد تحسبه شبحا من الأشباح.
ولعل القارئ قد أدرك أن هذا المولود هو كمال الدين مؤرخ
حلب، موضع حديثنا في هذه الكلمة.
وقد عنى والده بتربيته منذ صغره تربية علمية، وتنشئته على غرار
آبائه وأجداده.
وكان يفرض عليه حفظ طائفة من الكتب فحفظ اللمع وحفظ
القدوري وحفظ غيرهما في مدد قصيرة. وكان قد حفظ القرآن الكريم
وحفظ كتاب الله ميزة في آل العديم، فما منهم الا من انطوى صدره على
آياته المحكمات.
وفي هذا الصدد يقول: لما ختمت القرآن قبلني والدي بين عيني
وبكى وقال: الحمد لله يا ولدي، هذا الذي كنت أرجوه فيك، حدثني
جدك عن أبيه عن سلفه: أنه ما منا أحد، إلى زمن النبي ص الا من ختم
القرآن....
وعرف كمال الدين بين أترابه بالسبق، وكان شديد الاتصال بعلماء
عصره، سمع الحديث عن أبيه وعمه أبي غانم، وابن طبرزد، والافتخار
والكندي والخرستاني وسمع جماعة كثيرة بدمشق وحلب والمقدس.
لقد سافر إلى دمشق وإلى القدس سنة ٦٠٣ ه، ثم عاد فسافر مرة
ثانية بعد خمس سنوات.
ولم تكن بغيته من هذه الرحلة التفرج على البلدان بل طلب العلم من
الأئمة العظماء، مع درس الحالة السياسية والاجتماعية وتلمس ما كانت
عليه دمشق والقدس من غليان واضطراب...
وعاد إلى حلب يتابع نهجه الدراسي، وإذ أصبح مرموق القدر بين
العلماء، نيط به التدريس في أعظم مدارس حلب وهو في الثامنة والعشرين
من عمره.
وأخذ يؤلف في هذه السن المبكرة، فكتب للملك الظاهر كتاب
الدراري في ذكر الذراري، وقدمه إليه هدية يوم ولد ولده الملك العزيز
الذي أسندت إليه سلطة حلب بعد أبيه.
كما كتب كتاب ضوء الصباح في الحث على السماح، صنفه
للملك الأشرف. وحين أنعم الملك النظر في جمال خطه رغب رؤيته، ولما
مثل يديه أحسن إليه وأكرمه وخلع عليه وشرفه.
وهكذا، بدأ نجم ابن العديم يلمع وأخذ صيته يدوي، وأحبه
العلماء والملوك، وكأنما كان التأليف نزعة من نزعات هذا الشاب فلا يكاد
ينتهي من وضع كتاب حتى يبدأ بوضع كتاب آخر.
وقد طلب إليه ياقوت أن يؤرخ لآل العديم الذين يتصل نسبهم ببني
جرادة فكتب في أسبوع واحد كتاب الاخبار المستفادة في ذكر بني
جرادة، وإذ عرف بجودة الخط فقد وضع كتابا في الخط وعلومه،
ووصف آدابه وأقلامه وطروسه، وما جاء فيه من الحديث والحكم. ومن
كتبه تدبير حرارة الأكباد، في الصبر على فقد الأولاد، صور فيه لواعج
الحزن في صدر أبيه الذي فجع بفقد أخيه.
على أن أعظم كتبه بدون ريب كتابه الجليل تاريخ حلب الذي لا
يقتصر على أخبار ملوكها، وابتداء عمارها، ومن كان بها من العلماء،
ومن دخلها من أهل الحديث والرواية والدراية والملوك والامراء، بل تناول
جغرافية المملكة وبحيراتها وجبالها وتربتها وهوائها ومائها وخراجها
وعادياتها، فذكر مدنا تعد اليوم من كليكيا والجزيرة مع أنها من أعمال
حلب مثل أذنة والكنيسة السوداء وطرسوس وسيس والحدث الحمراء
وملاطية وسميساط ورعيان ودلوك إلى غير ذلك من البلدان والحصون.
يقول ابن الشحنة (١): أن مسودته كانت تبلغ نحو أربعين جزءا

(١) لسنا في صدد الكلام عن هذا المؤلف العظيم الذي لم يقتصر على تاريخ حلب بل على تاريخ
سورية بحدودها العظيمة هذا الأثر الذي اختصره ابن العديم نفسه في كتاب آخر سماه
" زبدة الحلب في تاريخ حلب "، وقد عنى صديقنا الدكتور سامي الدهان بنشر جزءين منه
نشرا علميا بعد أن ظفر بمخطوطة للكتاب في مكتبة باريس وبعض مكتبات الشرق والغرب -
بل أردنا، ونحن نتحدث عن عبقريته في التأليف أن نشير إلى هذا الأثر الذي يعتبر من أوفى
ما كتب عن بلاد الشام في تلك الفترات.
(٣٧٨)

كبارا، والمبيضة تجئ كذلك، ولكن اخترمته المنية، وتفرقت أجزاؤه قبل
الفتنة التيمورية.
وكتاب آخر تجدر الإشارة إليه قبل الحديث عن سفارته ومهمته
السياسية أريد به كتابه الإنصاف والتحري، في دفع الظلم والتجري،
عن أبي العلاء المعري.
لقد ثار ابن العديم على الجهلة من انصاف العلماء الذين أخذوا
يكفرون شيخ المعرة الذي طالما صرخ من الأعماق:
لحي الله قوما إذا جئتهم * بصدق الأحاديث قالوا: كفر
والذي كان يصرخ من عزلته:
أما في الأرض من رجل لبيب فيفرق بين ايمان وكفر! مهلا شيخنا الحكيم.
فلم تخل الأرض في يوم من الأيام من رجل لبيب منصف يفرق بين
الكفر والايمان.
وها هو ذا، قاضي قضاة حلب، ينبري للدفاع عنكم فيرد على
خصومكم ويسفه أحلامهم وتخرصاتهم ولهذا الدفاع، في تلك الفترة،
قيمته لصدوره عن فقيه مجتهد وعالم مرموق، وأديب واسع الاطلاع وشاعر
ومؤرخ، فمن كلماته قوله:
... وبعد فاني وقفت على جملة من مصنفات عالم معرة النعمان أبي
العلاء... فوجدتها مشحونة بالفصاحة والبيان، مودعة فنونا من الفوائد
الحسان، محتوية على أنواع الآداب، مشتملة من علوم العرب على الخالص
واللباب، لا يجد الطامح فيها سقطة، ولا يدرك الكاشح فيها
غلطة....
ولما كانت مختصة بهذه الأوصاف مميزة على غيرها عند أهل الإنصاف
قصده جماعة لم يعوا وعيه، وحسدوه إذ لم ينالوا سعيه، فتتبعوا كتبه على
وجه الانتقاد، ووجدوها خالية من الزيغ والفساد، فحين علموا سلامتها
من العيب والشين، سلكوا فيها معه مسلك الكذب والمين ورموه بالالحاد
والتعطيل، والعدول عن سواء السبيل، فمنهم من وضع على لسانه أقوال
الملحدة، ومنهم من حمل كلامه على غير المعنى الذي قصده، فجعلوا
محاسنه عيوبا، وحسناته ذنوبا. وعقله حمقا، وزهده فسقا، ورشقوه بأليم
السهام وأخرجوه عن الدين والاسلام. وحرفوا كلمه عن مواضعه وأوقعوه
في غير مواقعه.
بهذا الأسلوب الحار أخذ يدافع عن عقيدة أبي العلاء بعد أن قرأ
جميع كتبه وما اتهمه به خصومه فخرج برسالة الإنصاف والتحري، في
دفع الظلم والتجري. وهو إذ أنصفه رد على حاسديه وكشف عن
خصائص عبقريته.
ونتحدث عن سفارته إلى القاهرة حين اجتاح هولاكو بغداد في طريقه
إلى الشام.
فقد دب الذعر في نفوس الأهالي، واجتاح الهلع رجال الدولة،
والتفت الناس إلى مصر يطلبون النجدة فما كان من الملك الناصر يوسف
صاحب الشام وحلب الا أن عقد مجلسا ضم أركان البلاد والقادة لتدارك
الموقف، وبعد مداولات خطيرة قر الرأي أن ينتدب قاضي القضاة ابن
العديم للسفر إلى مصر، وطلب النجدة من ملكها لرد عادية المغول.
وكان كمال الدين قد عاد من بغداد في مهمة توطيد العلاقة بين
الخليفة والملك الناصر، وذلك قبل الاجتياح المغولي لبغداد.
ووصل مصر بعد عناء شديد وسفر مضن شاق طويل، فلم يكد
يهبط أرض النيل متعبا مكدودا حتى احتفت به مصر حفاوة بالغة احتفى به
الملك والامراء والأعيان والعلماء ونزل في ضيافة السلطان في قصر
الكبش (١) وتوافدت رجالات مصر للسلام عليه والترحيب بمقدم عالم فذ
ومؤرخ شهير.
وانتهت مراسم التسليم، وبعد أن أخذ حقه من الراحة بدأ
بمفاوضاته التي انتهت بالنجاح. وسرعان ما جهزت مصر حملة كبرى إلى
الشام للانضمام إلى جيش الملك الناصر ومقاتلة هولاكو لدفع هذا الخطر
الذي يهدد البلاد العربية من فراتها إلى برداها إلى نيلها.
وفي هذه الفترات كان هولاكو يجتاح البلاد مدينة اثر مدينة وما زال
حتى اقترب من حلب فدخلها سنة ٦٥٨ ه بعد حصار دام عشرة أيام دافع
الحلبيون عنها دفاع الأبطال ولكن دون جدوى.
فقد قتل خلال هذه المعارك كثيرون.
واستبيحت الدماء وامتلأت الطرقات بالقتلى، وتهدمت البيوت
والجوامع والمساجد والبساتين حتى أصبحت المدينة خرابا يبابا.
يقول المؤرخون: أن الحلبيين قتلوا من جنود هولاكو عددا كبيرا.
وهذا الذي حمله، بعد أن دخلها، أن يعيث فيها ويأخذ منها مائة ألف
أسير... عدا ما صادره من أموالها ونفائس كنوزها.
ومن حلب والى زحفه إلى دمشق ففلسطين... وما زال حتى اقترب
من الحدود المصرية يريد غزة ومصر.
وخلال هذه الفترة كانت سفارة ابن العديم قد أثمرت فأعلنت مصر
التعبئة العامة، وهب جيشها يدفع هذا العدوان العظيم.
وكانت معركة عين جالوت وهي من المعارك الحاسمة في التاريخ
هي التي ردت هولاكو عن مصر وعن البلاد العربية كلها.

(١) يطلق الكبش على الجزء الشمالي الغربي من جبل يشكر حيث المنطقة الواقعة غربي جامع ابن
طولون، ويقول المقريزي أثناء كلامه عن مناظر الكبش أن هذه المناظر كانت على جبل
يشكر بجواز الجامع الطولوني، وأن الملك الصالح نجم الدين أيوب ما أنشأ هذه المناظر
سماها الكبش لوقوعها فوق الجبل ولاترال هذه المنطقة تعرف اليوم باسم قلعة الكبش
بشارع مراسينا بقسم السيدة زينب.
(٣٧٩)

ولا نتوسع في سرد تفاصيل هذه المعركة بل نعود إلى ما نحن بصدده
فنقول أن مؤرخنا لم يكد يسمع بجلاء المغول عن بلاد الشام حتى عاد إلى
حلب ليرى ما نزل ببلدته الحبيبة من بلاء.
وحين عاد رأى كل شئ في مدينته يدعو إلى الرعب والوحشة.
مدينة صامتة كأنها مقبرة.
أين قصر الملك الناصر؟
أين بيوت آل العديم؟ ما فعل بجوامعها ومدارسها وقصورها؟
لقد أصبح أكثرها خرابا يبابا.
وإذ رأى ذلك لم يطق المقام في بلدته ومسقط رأسه فما كان منه الا أن
قفل راجعا إلى مصر بعد أن ودعها بقصيدة حزينة.
وفي مصر عاش أيامه الأخيرة، يكتب ويؤلف، وقد أحبته مصر
فأكرمته، وما زال فيها إلى أن وافاه القدر سنة ٦٦٠ ه فدفن بسفح المقطم
من القرافة بالقرب من المسجد المعروف بالعرض، بتربة موسى بن
يغمور، فكان، كما وصفه الذهبي صاحب تاريخ الاسلام، عديم
النظير فضلا ونبلا وذكاء ورأيا ودهاء ومنظرا ورواء ومهابة، وكان، إلى
هذا، محدثا ومؤرخا صادقا، وفقيها مفتيا، ومنشئا بليغا.
عمر بن أبي سلمة ربيب رسول الله ص
قتل بصفين سنة ٣٧
كان من رجال علي ع ولما كان يوم الجمل قالت أم سلمة يا
أمير المؤمنين لولا أن اعصي الله عز وجل وانك لا تقبله مني لخرجت معك
وهذا ابني عمر والله لهو أعز علي من نفسي يخرج معك فيشهد مشاهدك
فخرج معه وكان على الميسرة واستعمله على البحرين وقتل معه بصفين وكان
شاعرا.
عمر بن حارثة الأنصاري
كان مع محمد بن الحنفية يوم الجمل وقد لامه أبوه لما أمره بالحملة
فتقاعس فقال:
أبا حسن أنت فصل الأمور * يبين بك الحل والمحرم
جمعت الرجال على راية * بها ابنك يوم الوغى مفعم
ولم ينكص المرء من خيفة * ولكن توالت له أسهم
فقال رويدا ولا تعجلوا * فاني إذا رشقوا مقدم
فأعجلته والفتى مجمع * بما يكره الرجل المحجم
سمي النبي وشبه الوصي * ورايته لونها العندم
أبو علي وقيل أبو حفص عمر الأشرف بن حسين بن علي بن أبي طالب
هو أخو زيد الشهيد لامه وأبيه وأسن منه وانما قيل له الأشرف بالنسبة
إلى عمر الأطرف بن أمير المؤمنين ع عم أبيه فان هذا لما نال فضيلة
ولادة الزهراء ثم كان أشرف من ذاك قسمي من طرف واحد وهو طرف أبيه
أمير المؤمنين وعليه فيكون الأطرف قد لقب بذلك بعد ولادة الأشرف وإلى
الأشرف ينتهي نسب السيدين المرتضى والرضي من قبل أمهما. قال
المرتضى في شرح المسائل الناصرية: واما عمر بن علي بن الحسين فلقبه
الأشرف فإنه كان فخم السيادة جليل القدر والمنزلة في الدولتين معا الأموية
والعباسية وكان ذا علم وقد روي عنه الحديث.
عمير بن المتوكل
من شعره قوله:
كنا كشارب سم خان مهلكه * أغاثه الله بالترياق من كثب
هاجت بمصرعه الدنيا فما سكنت * الا باسمهم المحاء للريب
عمير بن عطارد بن حاجب بن زرارة التميمي
كان من أصحاب علي ع وقاتل معه بصفين: قال نصر بن
مزاحم في كتاب صفين ان عليا كان لا يعدل بربيعة أحدا من الناس فشق
ذلك على مضر فقام أبو الطفيل عامر ابن وائلة الكناني فقال أن هذا الحي
من ربيعة قد ظنوا انهم أولى بك منا فاعفهم عن القتال أياما واجعل لكل
امرئ منا يوما يقاتل فيه فانا إن اجتمعنا اشتبه عليك بلاؤنا فأعطاهم علي
ذلك فقاتل أبو الطفيل بقومه كنانة يوم الخميس ثم غدا يوم الجمعة عمير بن
عطارد بجماعة من بني تميم وهو يومئذ سيد مضر من أهل الكوفة فقال يا
قوم اني اتبع اثار أبي الطفيل وتتبعون اثار كنانة فتقدم عمير برايته وهو
يقول:
قد ضاربت في حربها تميم * إن تميما حظها عظيم
لها حديث وله قديم * إن الكريم نسله كريم
إن لم تردهم رايتي فلوموا * دين قويم وهوى سليم
فطعن برايته حتى خضبها دما وقاتل أصحابه قتالا شديدا حتى أمسوا
وانصرف عمير إلى علي وعليه سلاحه فقال يا أمير المؤمنين قد كان ظني
بالناس حسنا وقد رأيت منهم فوق ظني بهم قاتلوا من كل جهة وبلغوا من
عدوهم جهدهم وهم لهم إن شاء الله، ثم قاتل قبيصة بن جابر الأسدي في
بني أسد يوم السبت وقاتل عبد الله بن الطفيل العامري في هوازن يوم الأحد.
أبو الرميح الخزاعي عمير بن مالك بن حنظل بن عبد شمس بن سعد بن
غنم بن حليب بن جبير بن عدي بن سلول الخزاعي
توفي في حدود سنة ١٠٠
كان شاعرا مكثرا الشعر في رثاء الحسين ع مقلا في غيره كما
قال ابن النديم وكان أبوه مالك بن حنظلة من الصحابة كما في الإصابة
وكان يزور آل محمد فيجتمعون له ويقرأ عليهم مراثيه.
حدث المرزباني قال دخل أبو الرميح إلى فاطمة بنت الحسين بن علي
ع فانشدها مرثيته في الحسين ع:
أجالت على عيني سحائب عبرة * فلم تصح بعد الدمع حتى ارمعلت
تبكي على آل النبي محمد * وما أكثرت في الدمع لا بل أقلت
أولئك قوم لم يشيموا سيوفهم * وقد نكات أعداءهم حين سلت
وإن قتيل الطف من آل هاشم * أذل رقابا من قريش فذلت
(٣٨٠)

فقالت فاطمة يا أبا الرميح هكذا تقول قال فكيف أقول جعلني الله
فداك فقالت قد أذل رقاب المسلمين فذلت فقال لا انشدها بعد اليوم الا
هكذا أقول هذا البيت مذكور في أبيات لسليمان بن قتة العدوي ذكرت
في ترجمته.
الشيخ ركن الدين عناية الله بن شرف الدين علي القهباني محتدا ومولدا
النجفي مسكنا
القهباني نسبة إلى قهبانة من أعمال أصبهان أحد الأفاضل
المحققين في علم الرواية والرجال تلمذ على الأردبيلي والملا عبد الله
التستري كما نص عليه في مطاوي رجاله صنف ترتيب اختيار رجال الكشي
فرع منه في شهر المحرم سنة ١٠١١ في أصبهان وترتيب رجال النجاشي على
حروف المعجم على طرز لطيف.
وله حاشية على نقد الرجال وله مجمع الرجال جمع فيه جميع ما في
الأصول الخمسة الرجالية المذكورة بعد ما رتب كلا منها ولم يترك شيئا منها
حتى الخطبة، مرتبا على نحو الحروف بالنحو المألوف وختمه في اثنتي عشرة
فائدة رجالية نافعة فرع منه سنة ١٠١٦.
السيد عواد الحسني
شاعر مجيد عصره ليس بمعلوم على التحقيق ويقال أنه هو صاحب
القصيدة التي أولها ما لعيني قد غاب عنها كراها التي وجدت بخط
الشهيد محمد بن مكي العاملي الجزيني وقد نسبت إليه القصيدة المذكورة في
مجموعة من المجاميع العراقية، ومن شعره قصيدة أولها:
أين الولاة ولاة الحق أين هم * وأين أنصار دين الله لا عدموا
ولم يصل إلينا منها غير هذا البيت ومن شعره قوله كما عن تلك
المجموعة:
اجرت لبينكم العيون عيونها * وجدا لكم وجفا الرقاد جفونها
فغدا البكاء لنأيكم مفروضها * وغدا السهاد لذلكم مسنونها
يا من أعاروا العامرية حسنها * وبهم أعرت صبابة مجنونها
رفقا باحشاء بعامل بعدكم * حركتم يوم الرحيل سكونها
لا كان يوم فيه أضحت عيسكم * بكم تجوب سهولها وحزونها
فلقد أراق من العيون دموعها * وأذاق أنفسنا جواه منونها
وله من قصيدة:
إذا هاج غيري ربعه وطلوله * يهيجني قبر بطوس نزوله
وإن سال دمع من خليل لخله * فدمعي على من فيه جار مسيله
الشيخ عوض البصري الحويزي
توفي في عشر الستين بعد المائة والألف.
في ذيل اجازة السيد عبد الله بن نور الدين الحويزي: كان عالما
ورعا كدودا كثير الاشتغال قليل التعطيل قرأ على جدي في تستر وعلى علماء
الحويزة رأيته وهو طاعن في السن واستفدت منه.
المولى عوض بن حيدر الشوشتري
له رسالة حق اليقين في العقايد الخمس رأينا منها نسخة مخطوطة
بطهران رتبها على أربعة أنوار النور الأول في معرفة الواجب بالذات وصفاته
النور الثاني في النبوة النور الثالث في الإمامة النور الرابع في المعاد وهي
رسالة جيدة تدل على فضله وفي آخرها فرغت من كتابة هذه النسخة
الشريفة من خط عالي حضرة مصنفها العالم الفاضل الكامل جامع المعقول
والمنقول حاوي الفروع والأصول قدوة المحققين وخاتم المجتهدين أعلم
العلماء وأفقه الفقهاء أستاذي واستنادي مولانا عوض الشوشتري أدام الله
تعالى ظلال إفادته وإفاضته ثم اجتهدت في مقابلتها امتثالا لأمر عالي جاه
العالم الفاضل والنحرير الخير الكامل المؤيد بالنفس الزكية والموفق لاحياء
علوم الدين الاثني عشرية اي الرياسة والحكومة والمجد والاحسان الوزير
بلا نضير في دار الأمان كرمان ميرزا حاتم بيكام أدام الله ظلال حشمته
وأمثاله واجلاله وأبقاه وبلغه ما يتمناه ثم ذكر التاريخ والظاهر أنه سنة
١٢٠٠ أو ألف ومائة وشئ زائد، وأنا العبد كمال الدين.
عوف بن بشر العبدي من عبد القيس
كان من أصحاب أمير المؤمنين علي ع وشهد معه صفين ولما
سال ذو الكلاع الحميري عمرو بن العاص عن حديث عمار تقتله الفئة
الباغية فاقربه فجاء ذو الكلاع بعمرو مع جماعة ليروا عمارا أرسل أصحاب
عمار فارسا من عبد القيس وهو عوف بن بشر فذهب حتى كان قريبا من
القوم ثم نادى عمرو بن العاص قال ها هنا فأخبره بمكان عمار وخيله قال
عمرو قل له فليس إلينا قال عوف أنه يخاف غدراتك وفجراتك فقال له
عمرو ما أجرأك علي وأنت على هذه الحال فقال له عوف جرأني عليك
بصيرتي فيك وفي أصحابك فان شئت نابذتك على سواء وإن شئت التقيت
أنت وخصماؤك وإن كنت غادرا فقال له عمرو من أنت قال أنا عوف بن
بشر امرؤ من عبد القيس قال له عمرو أ لا ابعث إليك بفارس يواقفك فقال
له عوف ما أنا بالمستوحش فابعث بأشقى أصحابك قال عمرو فأيكم يسير
إليه فسار إليه أبو الأعور فلما تواقفا تعارفا فقال عوف لأبي الأعور اني
لأعرف الجسد وأنكر القلب فقال أبو الأعور لقد أعطيت لسانا يكبك الله به
على وجهك في نار جهنم فقال عوف كلا والله اني أتكلم أنا بالحق وتتكلم
أنت بالباطل واني أدعوك إلى الهدى وأقاتل أهل الضلالة وأفر من النار وأنت
بنعمة الله ضال تنطق بالكذب وتقاتل على ضلالة فقال له أبو الأعور أكثرت
الكلام وذهب النهار ادع أصحابك وأدعو أصحابي فانا جار لك فجاء عمرو
في عشرة وعمار في عشرة ورجع عوف بن بشر في خيله الحديث.
عوف بن عبد الله بن الأحمر الأزدي
قال المرزباني في معجم الشعراء: شهد مع علي ع صفين
وله قصيدة طويلة رثى فيها الحسين ع وحض الشيعة على الطلب
بدمه وكانت هذه المرثية تخبأ أيام بني أمية انما خرجت بعد كذا قال ابن
الكلبي منها:
ونحن سمونا لابن هند بجحفل * كرجل الدبا يزجي إليه الدواهيا
فلما التقينا بين الضرب أينا * بصفين كان الأضرع المتوانيا
ليبك حسينا كلما ذر شارق * وعند غسوق الليل من كان باكيا
لحا الله قوما أشخصوهم وعردوا * فلم ير يوم الباس منهم محاميا
ولا موفيا بالعهد إذ خمس الوغى * ولا زاجرا عنه المضلين ناهيا
فيا ليتني إذ كان كنت شهدته * فضاربت عنه الشائنين الأعاديا
(٣٨١)

ودافعت عنه ما استطعت مجاهدا * وأعملت سيفي فيهم وسنانيا
عياض اليماني
وفي معجم الشعراء الثمالي. روى نصر بن مزاحم في كتاب صفين
أن شرحبيل بن السمط لما استماله معاوية وأقام له جماعة يشهدون له بان
عليا قتل عثمان حتى اعتقد ذلك ونفذت بصيرته في قتال أهل العراق بعث
إليه عياض اليماني وكان ناسكا يقول:
أيا شرح يا ابن السمط انك بالغ * بود علي ما يزيد من الامر
ويا شرح أن الشام شامك ما بها * سواك فدع قول المضلل من فهر
فان ابن حرب ناصب لك خدعة * تكون علينا مثل راغية البكر
فان نال ما يرجو بنا كان ملكنا * هنيئا له والحرب قاصمة الظهر
وإن عليا خير من وطئ الحصى * من الهاشميين المداريك للوتر
وله في رقاب الناس عهد وذمة * كعهد أبي حفص وعهد أبي بكر
فبايع ولا ترجع على العقب كافرا * أعيذك بالله العزيز من الكفر
ولا تسمعن قول الطغام فإنما * يريدون أن يلقوك في لجة البحر
وما ذا عليهم أن تطاعن دونهم * عليا بأطراف المثقفة السمر
فان غلبوا كانوا علينا أئمة * وكنا بحمد الله من ولد الطهر
وإن غلبوا لم يصل بالحرب غيرنا * وكان علي حربنا آخر الدهر
يهون على عليا لؤي بن غالب * دماء بني قحطان في ملكهم تجري
فدع عنك عثمان بن عفان اننا * لك لا ندري وانك لا تدري
على أي حال كان مصرع جنبه * فلا تسمعن قول الأعيور أو عمرو
فخر الدين أبو علي عيسى ابن أبي الفتح بن هندي
يعرف بابن ججني الشيباني الأربلي الأمير وكان حاكما بإربل ونواحيها
أيام الصاحب تاج الدين أبي المعالي محمد بن الصلايا الحسيني واليه رياسة
البلد. وأصله من جبل الهكارية ولد بإربل في سلخ جمادى الآخرة سنة
٦٦٩ ورثاه جماعة من أهل بغداد منهم شمس الدين أبو المناقب محمد بن أحمد
الحارثي الهاشمي الكوفي بقوله من قصيدة طويلة:
لقد كان فخر الدين بحر فضائل * ولم ير بحر قبله ضمه قبر
كريم السجايا هذب الجود نفسه * إلى أن تساوى عنده الترب والتبر
الشيخ عيسى بن حسين علي آل كبة البغدادي
له تحفة الطلاب في المواعظ والنصائح من الأحاديث وكلمات العلماء
وقد قرظه الشيخ محمد بن خضر النجفي وأرخه بقوله نلنا إلهنا في تحفة
الأحباب ١٢٤١
وله تذكار الحزين في المقتل وتحفة الأحباب في تكملة كتابه تحفة
الطلاب.
عيسى بن علي بن زياد القيسي التستري
نسبة إلى تستر من قرى الكوفة
هو جد أبي غالب الزراري أبو أمه قال أبو غالب في رسالته في آل
أعين كان عيسى بن زياد انتقل من نواحي البصرة في أيام الفتنة بعد قتل
إبراهيم بن عبد الله بن حسن فنزل تستر وتستر أحد طساسيج الكوفة
واسمه موجود في كل كتاب عمل لذكر طساسيج السواد فنزل قرية منه يقال
لها بقربونا فهذا الاسم هو الغالب عليها وهي ثلاثة وروم فنزل ورمى منها
يقال لها صقلينا (١) وهي على عمود الفرات الأعظم الذي يحمل من الكوفة
إلى نجران ويجتاز إلى جنبلا ويمر بالسواد وهي مدينة عظيمة فتحها خالد بن
الوليد في أول الاسلام وبقربونا ينسب إليها الرستاق وهي في شرقي العراق
وصقلينا في غربيه فملك ضياعا واسعة وحفر نهرا يسمى نهر عيسى.
الشريف عيسى الكوفي ابن علي بن حسن الأصغر بن علي بن الحسين بن
علي بن أبي طالب ع جد السادات الكاكوية ملوك جيلان.
ذكره في مجالس المؤمنين وقال كان في غاية الفضل والعفاف وانتقل
من الكوفة إلى واسط خوفا من العباسيين وسكن هناك.
السيد عيسى ابن السيد جعفر ابن السيد محمد ابن السيد حسن ابن السيد
محسن صاحب المحصول الحسيني الأعرجي الكاظمي
توفي في أواخر شوال سنة ١٣٣٣ في الكاظمية ودفن بها في بعض
حجر الصحن الشريف كان فاضلا أديبا شاعرا فمن شعره قوله من
قصيدة:
إلى كم أمني بالطلا والغلاصم * عطاشى القنا والمرهفات الصوارم
وحتى متى أطوي على الضيم أضلعا * وأغضي وفي كفي رمحي وصارمي
أ لست إلى البيت المشيد رواقه * نمتني أباة الضيم من آل هاشم
فإن لم أثب في شرب الخيل وثبة * مدى الدهر يبقى ذكرها في المواسم
فلست الذي في دوحة المجد والعلى * تفرع قدما من علي وفاطم
وإن لم اثرها في العجاج ضوامرا * عليها مثار النقع مثل الغمائم
فلست قديما بالذي راح ينتمي * لعبد مناف في العلى والمكارم
هم القوم إما أن دعوا لفضيلة * فما لهم في فضلهم من مزاحم
فمهما تر في الدهر منهم مسالما * فما لابن حرب فيهم من مسالم
الشيخ عيسى بن حسن ابن شجاع النجفي
في حديثة الأفراح: هو كما قال صاحب نفحة الريحانة روح في قالب
انسان مصور اقتطف القول من غصنه عندما تنور مرآة ذهنه انطبعت فبها
صور المحاسن وماء رويته جرى في حدائق الأدب وهو غير آسن فتمتع
بحسن منظره النظار وأراه ما تحلى بهذا الشعار الا لكثرة ما حل عليه من
الأنظار اه وهكذا اقتصر في ترجمته على هذه الأسجاع الباردة التي لم
تأت من الاطلاع على أحواله بفائدة. قال فمن طرائفه قوله من قصيدة
يمدح بها السيد العلامة نظام الدين احمد الحسيني هو والد السيد علي خان
صاحب السلافة:
لقد طبت فرعا حيث طبت أرومة * نعم طيب حيث الأصول أطائب
فللورد ماء الورد فرع يزينه * ولليث شبل الليث مثل يقارب
عشقت العلا طفلا ولم يك عاشق * سواك وشبه الشئ للشئ جاذب
فأنت لها ابن وأنت لها أب * وأنت لها صفو وأنت الأقارب
كذاك عشقت العلم والجود والتقى * وللناس فيما يعشقون مذاهب

(١) العبارة من قوله وهي ثلاثة إلى هنا مضطربة والنسخة المنقول عنها مغلوطة ولم يتيسر لنا
تصحيحها " المؤلف ".
(٣٨٢)

السيد عيسى ابن السيد حمد كمال الدين
ولد في قرية السادة جنوب الحلة عام ١٢٨٦ وتوفي سنة ١٣٧٢ في
الكاظمية ودفن في النجف، درس أولا على اخوته في القرية ثم انتقل إلى
النجف فتلمذ على جملة من العلماء من بينهم أخوه السيد صالح والشيخ
محمد طه نجف والشيخ أحمد كاشف الغطاء. ثم سافر إلى جنوب العراق
وخليج البصرة وأخيرا ارتبط بمدينة ناصرية الأهواز يتردد إليها. وكان
له ولع بعلم الأنساب وعلم الفرائض وعلم العقائد ولذلك ألف فيها
مؤلفات عدة لا تزال مخطوطة وهذه هي:
١ كتاب ضخم في انساب السادات وهو يعد ٤٦٠ صفحة
يحتوي على طائفة كبيرة من المشجرات لجملة من الأسر الذين اتصلوا به أو
اتصل بهم.
٢ كتاب مواريث الاثني عشرية وهو كتاب تطبيقي عملي يتضمن
حلولا إلى ٥٢٢ مسالة في الفرائض ويحتوي على مقدمة ومقاصد وخاتمة
وقد رسم جدولا أفقيا ذا خمسة بيوت تتعلق بالتسلسل والسؤال والجواب
ومخرج الفريضة وسهام كل وارث.
٣ جدول في الفرائض أيضا وهو تلخيص واختيار لحل ١٣٥
مسالة من كتاب مواريث الاثني عشرية. والمسائل المختارة هي التي
يكثر ابتلاء الناس بها والجدول يسهل على كتاب المحاكم الشرعية القيام
بواجبهم فإنه أشبه بجدول الأوقات اليومي.
٤ رسالة في الرضاع.
٥ رسالة نظرات في العقائد.
٦ رسالة في أسرة آل كمال الدين.
الشيخ عيسى كشكول النجفي
من علماء النجف الأشرف وفقهائه الأفاضل في عصر صاحب اليتيمة
١٢٨٥.
عيسى بن روضة التابعي مولى بني هاشم صاحب أبي جعفر المنصور
أول من صنف في علم الكلام. له كتاب في الإمامة وبقي إلى عصر
المنصور.
الأمير أبو محمد عيسى الحرون ابن الأمير أبي عيسى شيحة أمير المدينة
المنورة
في كتاب السيد ضامن بن شدقم الحسيني المدني المخطوط: ولي
الامارة سنة ٦٢٤ بعد أن قتل والده فجاء الجمامزة في طلب الامارة فقبض
على جماعة منهم وعلى آخرين من أتباعهم وقيل أنه ولي الامارة بعد أن قتل
الأمير قاسم بن جماز بن أبي فليتة القاسم شمس الدين الكبير فاتاه عمير ابن
الأمير قاسم المذكور بجم غفير من العربان فخرج عنه خائفا وجلا إلى الفلاة
فلم يزل عمير بها أميرا إلى أن مضت ثلاث سنوات ثم أتى عيسى فانهزم
عنه عمير وأقام بها عيسى ثلاث سنوات ثم أن صاحب مصر أيوب المنصور
بالله أقام أخاه جماز بن شيحة قائما مقامه وجهزه بألف فارس ليأخذ مكة
المشرفة من السيد راجح بن قتادة النابغة الحسني أميرها يومئذ من قبل
صاحب اليمن عمر نور الدين المنصور بالله فاستولى عليها من غير قتال الا
أنه نهب جميع ذخائر الكعبة والمسجد الحرام ومال التجار وغيرهم وقبض على
وزيره النصري وفي سنة ٦٣٩ جهز صاحب اليمن عمر الشريف راجح
وابن النصري بجيش كثيف فاستمالا الرجال ببذل الأموال فانهزم عيسى
لعدم قدرته على القتال إلى المدينة فأمده صاحب مصر الملك الكامل فسار
إليها واستولى عليها وانهزم عنه راجح فاقبل عمر نور الدين بذاته فدخلها في
شهر رمضان سنة ٦٣٩ واستولى عليها واستخلف عليها مملوكه السلاح.
قال السيد ضامن وعندي في صحة هذه القضية نظر بين كونها كما هي
مذكورة هنا وبين كونها مع أبيه شيحة والله أعلم. قال المؤرخ وفي سنة
٦٤٩ حصل بين عيسى وأخويه أبي الحسين منيف وجماز منافرة فأخرجهما من
المدينة فكاتبا وزيره فادخلهما الحصن القديم ليلا فقبضا عليه و قيداه في
الحديد وتولى الامارة منيف وخطب باسمه ونادى بالأمان. وخلف الأمير
أبو محمد عيسى الحرون أحد عشر ابنا شيبانة ودمخا وأبا قطامي توبة وشدادا
ومنصورا وماجدا وقاسما وحسنا وحسينا ومخدما ومسهرا.
أبو بكر عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب
شاعر مكثر راوية للشعر والحديث قال يرثي أهل فخ:
فلأبكين على الحسين * بعبرة وعلى الحسن
وعلى ابن عاتكة الذي * اثوي هناك بلا كفن
كانوا كراما قتلوا * لا طائشين ولا جبن
اه يعني بالحسن الحسن بن محمد بن عبد الله بن حسن بن
حسن، وابن عاتكة سليمان بن عبد الله بن حسن بن حسن.
وله:
آبي فلا امدح اللئام معا * ذا الله مدح اللئام لي دنس
لكن سأهجوهم وإن رغمت * ما أقول المناخر الفطس (١)
الشيخ عيسى بن الحسين الشهير بالزاهد النجفي
عالم فقيه قرأ على صاحب الجواهر وله منه اجازة وتوفي قبل صاحب
الجواهر. له كتاب المتاجر استدلالي كبير مبسوط صنف بعضه في المشهد
الغروي وبعضه في المشهد الرضوي وبعضه في قم وفرع منه سنة ١٢٥٦
وآل زاهد طائفة علمية لا تزال أفرادها بالنجف إلى اليوم.
عيص بن القاسم بن ثابت بن عبيد بن مهران البجلي كوفي عربي يكنى أبا
القاسم.
ثقة عين روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن موسى ع هو
وأخوه الربيع ابنا أخت سليمان بن خالد الاقطع له كتاب، أخبرنا
أحمد بن علي بن نوح حدثنا أبو غالب الزراري حدثنا عبد الله بن جعفر
الحميري قراءة عليه حدثنا أيوب بن نوح حدثنا صفوان بن يحيى عن عيص
لكتابه اه. وفي الفهرست العيص بن القاسم له كتاب أخبرنا ابن أبي
جيد عن ابن الوليد عن محمد بن الحسن الصفاد والحسن بن متيل عن
إبراهيم بن هاشم عن ابن أبي عمير وصفوان عن العيص، وذكره الشيخ في
رجاله في أصحاب الصادق ع فقال عيص بن القاسم البجلي كوفي

(١) معجم الشعراء للمرزباني.
(٣٨٣)

وأخوه الربيع وهما ابنا أخت سليمان بن خالد. وفي الخلاصة عيص بكسر
العين والصاد المهملة أخيرا ابن القاسم بن ثابت بالثاء البجلي كوفي عربي
يكنى أبا القاسم ثقة عين روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن موسى
ع هو وأخوه الربيع ابنا أخت سليمان بن خالد الاقطع اه وقال
الكشي: ما روي في العيص بن القاسم وكلامه لخاله. حدثني خلف بن
حماد عن أبي سعيد الآدمي عن موسى بن سلام عن الحكم بن مسكين عن
عيص بن القاسم قال دخلت على أبي عبد الله ع مع خالي
سليمان بن خالد فقال لخالي من هذا الفتى قال هذا ابن أختي قال فيعرف
أمركم قال نعم قال الحمد لله إلى آخر الحديث ثم قال يا ليتني وإياكم
بالطائف أحدثكم وتؤنسونني ونضمن لهم ان لا نخرج عليهم أبدا. وقال
الكشي في موضع آخر في الواقفة: محمد بن الحسن البراثي حدثني أبو علي
الفارسي حدثني عبدوس الكوفي عن حمدويه عمن حدثه عن الحكم بن
مسكين قال حدثني بذلك إسماعيل بن محمد بن موسى بن سلام عن الحكم
عن عيص قال دخلت مع خالي سليمان بن خالد على أبي عبد الله
ع فقال يا سليمان من هذا الغلام فقال ابن أختي فقال يعرف هذا
الامر فقال نعم فقال الحمد لله إلى آخر الحديث قال يا سليمان نعوذ
بالله ولدك من فتنة شيعتنا قلت جعلت فداك وما تلك الفتنة قال انكارهم
الأئمة ووقوفهم على ابني موسى قال ينكرون موته ويزعمون ان لا امام بعده
اه.
وهذه الرواية الثانية هي التي أوقعت العلامة في الخلاصة في الاشتباه
فذكر فيها ترجمة للحكم بن عيص وذكر مضمون هذه الرواية عن الكشي
وقبله ابن طاوس في رجاله وتبعهم الشهيد الثاني في حاشية الخلاصة وبعده
ولده الشيخ حسن صاحب المعالم في التحرير الطاووسي وسببه ابدال لفظة
عن قبل عيص بابن كما مر فيمن اسمه الحكم ويوضح ذلك ما في الرواية
الأولى وما في هذه الرواية من قوله أولا عن الحكم بن مسكين ثم قال عن
الحكم عن عيص فحذف ابن مسكين لتقدمه قريبا ويظن ان أصل ذلك
وجود ابن في نسخة الكشي فتبعه ابن طاوس لحسن ظنه به وتبع ابن طاوس
العلامة وصاحب المعالم لحسن ظنهما وتبع العلامة الشهيد الثاني لحسن ظنه
والاشتباه إذا وقع من عظيم وقع فيه كثير من الناس حتى العظماء وإذا وقع
من غيره كان أسرع إلى الانتباه كما أن اشتباها وقع من الشيخ الطوسي في
بعض كتبه في إسحاق بن عمار أوقع من بعده في اشتباهات أجيالا طويلة
استثمرت إلى عصر بحر العلوم الطباطبائي وذكر بعض ما يتعلق بالمقام
فيمن اسمه الحكم.
حرف الغين
غالب (١)
أسد الله خان بن عبد الله وعرف بمرزا نوشه واشتهر باسم غالب
عند الجمهور لذلك ذكرناه في حرف الغين. وشعراء شبه القارة الباكستانية
الهندية يتخذون عادة اسما غير اسمهم الحقيقي، فيشتهرون باسمهم
المستعار في شعرهم، ويعرف هذا الاسم في اصطلاح الأدب الأردي
بالتخلص. وأصله من تركيا، توطن جده في دلهي عاصمة الهند في
زمن السلطان شاة عالم.
وهو أكبر شاعر عرفته اللغة الأردية، بل هو من أشعر شعراء العالم،
أجاد في جميع أصناف الشعر وأغراضه، وامتاز بتحليل العواطف
النفسية.
له ديوان باللغة الفارسية ومجموعة رسائل باللغة الأردية ابتكر فيها
أسلوب الترسل، أما ديوانه باللغة الأردية المسمى بديوان غالب فهو
معجزته من ناحية اللغة والمعنى والبلاغة.
ولد في بلدة أكبرآباد آكرا في ٢٧ كانون الأول ديسمبر سنة
١٧٩٧، لأبوين أصلهما من الترك أو التركمان الأزبك، بازبكستان.
وتوفي سنة ١٨٦٩ م في دلهي، كان جده قد نزح عن سمرقند في مطلع
القرن الثامن عشر طلبا للكسب فحل في ربوع الإمبراطورية المغولية وما
لبث حتى وجد له عملا عند عامل المغول في لاهور، ثم تزوج وأنجب أبا
غالب، مرزا عبد الله بيك خان. وأقام عبد الله في أكرا وتزوج فيها من
أسرة عريقة غنية، وأنجب غالبا، فسماه عند مولده مرزا أسد الله بيك
خان ولم يشأ القدر أن يبقي الأب لابنه طويلا، فقد قتل في معركة حربية
وغالب لا يتجاوز الخامسة من العمر فتعهد عمه بتربيته، وكان أسعد حظا
وأغنى مالا ولكن الاقدار لم تشأ الا أن تلاحق الفتى بنحسها وأكدارها
طوال سني حياته ففقد ثروته وعاش آخر أيامه في عوز وفاقة... وشهد
ويلات الحروب الاستعمارية والمجازر واضطهاد الأبرياء، ثم ضياع حكم
المغول المسلمين... كان يأخذ نفسه بالألم فيحزن ويأسو ولكنه ما كان
ليستجيب للنوائب والمكاره بالاستكانة والعقود وانما بالصبر والمجالدة...
الصبر على المكاره... مجالدة الآلام، ومغالبة الهموم والأحزان... وانه
ليفصح عن هذه النزعة النفسية في كثير من شعره ونثره، فهو يقول في
بعض شعره:
ان العظمة في الإنسان لا تتولد الا بواسطة الآلام والأحزان
فعليك أن تحسن تقييم القلوب التي يغشاها الأسى.
أجل، ان هذه الدنيا جميلة بآلامها القاسية ان ما يهرق على الأرض
من دماء انما هو زينة لوجهها.
أما البيئة التي نشأ فيها فكانت بيئة الإمبراطورية المغولية في نزعها
الأخير أيام اضمحلالها وانحلالها... وانحسار حكمها أمام الغزو البريطاني
الذي اتخذ شكل التسلل التجاري والاقتصادي بادئ ذي بدء ثم انتهى
بالفتح وحروب التوسع. مع ما رافقها من قمع وتنكيل وتقتيل.
والواقع ان البريطانيين كانوا قد أخذوا يبسطون نفوذهم في شمال
الهند في منتصف القرن الثامن عشر على أجداث المسلمين وحكامهم
المغول إذ قاوم هؤلاء، دون الهندوس الفتوحات البريطانية، ووقفوا
يستميتون في القتال أمام جحافل الاستعمار التي جاءت من أوروبا بالحديد
والنار... فلا غرو إذا ما ناصب الإنكليز العداء للمسلمين وشددوا بهم
التنكيل ثم أوقعوا بهم المذابح من دون رحمة.
ولقد شهد غالب غطرسة الحكام البريطانيين وفتكهم بابناء المسلمين
فاورد لذلك وصفا جليا في شعره، من ذلك يقول ما معناه:
لم تكن ميادين دلهي الا مجازر، ولا بيوتها الا سجونا.
كل حبة من غبار دلهي تتعطش لدم المسلمين.

(١) مما استدركناه على مسودات الكتاب " ح ".
(٣٨٤)

أجل لم يرع الإنكليز للمسلمين ذماما فسأموهم الخسف وذلك لكي
يقطعوا دابرهم ويزيلوا حكمهم إلى الأبد... هكذا حسبوا، وكان لذلك
ردة فعل، إذ ما لبث الجند المسلمون حتى ثاروا على الإنكليز ثورة عارمة
كلفت الكثير من الأرواح والأموال، وتعرف هذه الثورة بثورة الجند أو
ثورة ١٨٥٧.
على أن ثورة ١٨٥٧ لم تصب نجاحا وانما أدت فيما أدت إليه إلى تغيير
كبير في السياسة الاستعمارية، إذ شدد الحكام الجدد من نكيرهم وصاروا
يتبعون فلول الإمبراطورية المغولية ويقضون على كل أثر لها، بل وعلى كل
قائد من قادتها له صوت مسموع في المجالات السياسية والاجتماعية
والثقافية. من هنا عانى المسلمون أحلك أيامهم في الهند. وكان غالب
حينئذ في الخمسين من عمره، وكان ذائع الصيت فحاربه الإنكليز حتى في
رزقه، فقطعوا عنه معاشه التقاعدي وتسقطوا أخباره محاولين ما وسعهم
الايقاع به واسكاته... ولكن هيهات فقد كان غالب من صفاء المعدن
ونقاوة القلب ورباطة الجاش ما دفعه لان يخلص الاحساس ويحسن التعبير
ويجيد البيان فيما نظم من أشعار وما ألف من نثر.
موهبته الشعرية
تبدت على غالب بواكير مواهبه الشعرية وهو صبي لا يتجاوز
العاشرة من العمر... فقد نظم وهو في تلك السن، أبياتا كثيرة من
الغزل باللغتين الفارسية والأوردية، وكان يصطنع الجدة، وينزع إلى
الابتكار فيما ينظم، فلا يتقيد بحرفية القواعد المتبعة في القريض... مما
جعل شيوخ الأدب وغواة الشعر يستهجنون أسلوبه، بل ويسخرون به
ويستهزئون ولكن كان مطمئنا من موهبته متيقنا من نفسه فلم يستكن وانما
واصل السعي... فما بلغ الحادية والعشرين حتى جمع شعره في ديوان،
وكان أكثره من الشعر الغزلي الوجداني... ذلك ان غالبا كان شاعرا
وجدانيا رومانسيا من حيث الأساس ولو أنه كان ينزع أيضا إلى التصوف
والى الواقعية بمعنى انه كان يأخذ الحياة على عواهنها. فلا يبرم بها ولا ييأس
منها بل يحياها بكل ما فيها من أفراح وأتراح وملاذ وآلام... وله الكثير من
الشعر في مديح أهل البيت ومراثيهم.
الغضائري.
هو الحسين بن عبيد الله أستاذ الشيخ الطوسي.
أبو تغلب ناصر الدولة الغضنفر بن الحسن بن عبد الله بن حمدان بن أخي
سيف الدولة.
كان شاعرا أديبا ومن شعره قوله:
ترى الثياب من الكتان يلمحها * نور من البدر أحيانا قيبليها
فكيف تنكر ان تبلى معاجرها * والبدر في كل وقت طالع فيها
وله في قصر عباس بن عمرو الغنوي أبيات كتبها تحت أبيات لعمه
سيف الدولة في قصة ذكرت في قصة قرواش بن المقلد وهي:
يا قصر ضعضعك ألزما * ن وحط من علياء فخرك
ومحا محاسن أسطر * شرفت بهن متون جدرك
واها لكاتبها الكر * يم و قدرها الموفي بقدرك
وتحتها: وكتب الغضنفر بن الحسن بن عبد الله بن حمدان بخطه سنة
٣٦٢.
المولى غلام الحسنين الباني بتي الهندي المعاصر. له تقديس القرآن مطبوع.
الحكيم الرياضي الرصدي المولوي أبو القاسم غلام حسين ابن المولى فتح
محمد الكربلائي الجينوري.
له كتاب الرصد المعروف بالطغياني وهو أجمع كتاب في فنون
الرياضيات بأسرها مع حسن الترتيب في غاية البسط والتنقيح، صنفه
لراجه احتشام الملك صادر جنك بهادر خان، شرع فيه سنة ١٢٤٨ وفرع
منه بعد سنة كاملة فارسي طبع أوائل انتشار الطباعة في بلاد الهند ويقال له
مفتاح الرصد أيضا، وله كتاب جامع بهادري.
السيد غلام حسين خان ابن السيد هداية علي خان نصير الدولة ابن عليم
الله بن فيض الله الطباطبائي.
قال السيد شهاب الدين الحسيني فيما كتبه: هو المؤرخ الفاضل
صاحب كتاب سيرة المتأخرين في تاريخ الهند ذكره صاحب مرآة الأحوال
وأثنى عليه.
الحكيم السيد غلام حسنين الموسوي الكنتوري.
كان عالما فاضلا محققا بارعا في جملة من الفنون ضم إلى المعارف
القديمة العلوم الجديدة وعني بالهيئة والطب والكيمياء والنجوم والتنويم
المغناطيسي ونحو ذلك ولد في ١٧ ربيع الأول سنة ١٢٤٧ في بلدة كنتور
وهاجر إلى لكهنوء سنة ١٢٥٤ عام جلوس السلطان محمد علي شاة. بعد
الفراع من المبادئ العلمية حضر مع ابن عمه العلامة السيد حامد حسين
بحث السيد حسين في كتابه مناهج التدقيق ثم طهارة الرياض للسيد
الطباطبائي ولم يزل مستمرا في التحصيل حتى حصلت له شهادة الاجتهاد
والاستنباط من السيد محمد وقد قرأ أيضا عند السيد احمد علي تقي
قسطا وافرا من الفقه والكلام وكان صهرا للسيد سراج حسين بن المفتي
السيد محمد قلي الكنتوري على ابنته وكان من بني أعمامه. له من المصنفات
رسالة في مسالة عكس ترتيب الوضوء، شرح الاعجاز الخسروي ترجمة
رسالتي الاكسير الأبيض والإكسير الأحمر للشيخ الرئيس، ترجمة كامل
الصناعة لأبي العباسي المجوسي في الطب بالفارسية، شواهد أردو ملخص
الفصول البقراطية وهي ترجمة تلخيص جالينوس بالفارسية، الحسينية
القرآنية ذكر فيها الآيات الدالة على شهادة الحسين، الجناحية الحسينية في
تاريخ فرس الحسين، الزينبية في دفع الشبهات عن قصة زواج النبي من
زينب بنت جحش، ترجمة قانون الشيخ الرئيس، كتاب المائتين في مقتل
الحسين في مجلدين، المفارقات الحسينية والعثمانية، كتاب في سوانح
حياته، رسالة في شرح قوله تعالى أينما تولوا فثم وجه الله وتطبيقه على
قوانين الهيئة كتبها بأمر سلطان العلماء السيد محمد فاستحسنها جدا، انتصار
الاسلام في ثلاثة مجلدات وغير ذلك توفي سنة ١٣٣٩ وله من العمر ما
يقرب من تسعين سنة.
الشيخ غلام رضا بن محمد علي الاراني الكاشاني.
عالم فاضل قرأ على المحقق القمي والسيد محمد المجاهد والمولى
النراقي.
(٣٨٥)

له قلائد اللآلي شرح جامع الحكايات لنصر الله الترمذي المشتمل
على عشرين باب وفي كل باب عشر حكايات في أحوال الزهاد.
الغمر
إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب.
السيد غني نقي الزيدفوري.
توفي سنة ١٢٥٧.
من تلاميذ السيد حسين ابن السيد دلدار علي النقوي الهندي. له
كتاب في الفرق بين المعاني المتشابهة.
غنيمة أو غثيمة بنت عبد الرحمن بن نعيم الأزدي الغامدي الكوفية.
هي عمة بكر بن محمد بن عبد الرحمن بن نعيم الأزدي الغامدي.
ذكرها النجاشي في ترجمة ابن أخيها المذكور فقال إنه من بيت جليل بالكوفة
من آل نعيم الغامديين وعمته غنيمة روت أيضا عن أبي عبد الله وأبي
الحسن، ذكر ذلك أصحاب الرجال.
حرف الفاء
الشيخ فارس بن ناصيف بن نصار بن علي الصغير.
هو ولد الشيخ ناصيف النصار الشهير، كان شاعرا أديبا، وبينه
وبين جدنا السيد علي الأمين فقيه جبل عامل في عصره ورئيس علمائها
مراسلات شعرية. تولى الامارة بعد هلاك الجزار في عهد عبد الله باشا
والي عكا وكان عبد الله باشا أحسن إلى امراء جبل عامل وردهم إلى
امارتهم بعد ما شتت شملهم الجزار، ووجدت مراسيم من عبد الله باشا
لجدنا المذكور باسم فارس الناصيف.
وقال الأمير حيدر الشهابي في تاريخه في حوادث سنة ١٢٣٦: كان
عبد الله باشا والي عكا أرسل إلى الشيخ فارس ابن الشيخ ناصيف
النصار ومشايخ المتأولة في تلك البلاد انه يريد أن يردهم إلى حكم بلادهم
وهي جبل عامل التي يقال لها الآن إقليم الشومر وبلاد الشقيف وكان
إقليم الشومر للأمراء بني منكر وبلاد الشقيف للأمراء الصعبية، ولم يذكر
الأمير حيدر بلاد بشارة التي كانت للشيخ فارس الناصيف وآبائه ويقال لهم
آل علي الصغير قال وانه يرفع المتسلمين منها وهم يؤدون الأموال التي
كانت ترد عن يد المتسلمين ويترك خمسين ألف درهم في كل عام ومائة غرارة
شعير على أن يكون عندهم ألفا رجل خيالة ومشاة مقيمين تحت طلبه
فاستعفوا من ذلك خوفا مع مراجعتهم مرارا ليستشيروا الأمير بشير في ذلك
فأشار بقوله ان الوزير قد خاصم دولة والي دمشق درويش باشا الذي كان
قد حاربه الأمير بشير بأمر عبد الله باشا وكسره بشير خصاما طويلا
واحتياجه إليهم يطول، فأرسل الشيخ فارس معتمده الحاج حسن شيث إلى
عكا، وطلب من عبد الله باشا ان يفعل بما قال ويعاهدهم أن لا يغدر بهم
بعد ذلك، فكتب لهم صكا بذلك وأرسل إليهم الخلع كما كانت عادة
آبائهم من قديم الزمان، وأخذوا يتحكمون في اتخاذ الأعوان والخيل
والسلاح ووافق ذلك خاطر الوزير فأضاف إليهم ولاية مرجعيون وفرض
عليهم مالا معلوما كما كان على المتسلمين من قبلهم اه والمتسلم اسم
لصنف من العمال، وذكر أيضا لما اشتدت الفتنة بين عبد الله باشا
ودرويش باشا والي دمشق الشام وأرسل درويش باشا نائبه بعسكر إلى بلاد
نابلس فلما بلغ عبد الله باشا وصولها إلى صحراء المزيريب أرسل في الحال
جميع عساكره بقيادة إبراهيم آغا إلى جسر بنات يعقوب وأرسل معه الشيخ
فارس الناصيف بعسكر المتأولة فانكسر عسكر درويش.
أبو شجاع فارس بن سليمان الارجاني.
من أجلة العلماء المتبحرين، كثير الأدب والحديث له كتاب مسند أبي
نواس وجحا وأشعب وبهلول وجعيفران وما رووا من الحديث.
أبو علي الفارسي.
اسمه الحسن بن علي بن أحمد.
أبو الحسين فاذشاه الناصر العلوي.
ذكره ابن شهرآشوب في المعالم في شعراء أهل البيت المجاهرين.
الأمير حسام الدولة أبو الشوك فارس بن محمد بن عنان.
توفي سنة ٤٣٧ بقلعة السيروان ذكره في الكامل، وفي تاريخ آل
سلجوق توفي في شهر رمضان من السنة المذكورة.
ذكره ابن شهرآشوب في معالم العلماء في شعراء أهل البيت المجاهرين
وفي الطليعة مالك الجبل من الدينور وقرميسين وغيرهما. كان أميرا فارسا
أديبا شاعرا مادحا للأئمة ع ممدحا. وفي تاريخ آل سلجوق ان
طغرلبك محمد بن ميكائيل سلجوق امتد إلى الري وقدم قدامه ابن عمه
وأخوه من أمه إبراهيم ينال فقر بقرميسين كرمانشاه وانتزعها من الأمير
أبي الشوك فارس بن محمد بن عنان اه. وفي تاريخ ابن الأثير في سنة
٣٤٢ أرسل الخليفة المطيع رسلا إلى خراسان للاصلاح بين نوح بن أحمد
الساماني صاحب خراسان وركن الدولة بن بويه فلما وصلوا حلوان خرج
عليهم ابن أبي الشوك الكردي وقومه فنهبوهم وقافلتهم وأسروهم ثم
أطلقوهم فأرسل معز الدولة عسكرا إلى حلوان فأوقع بالأكراد اه.
وهذا هو ولد أبي الشوك المترجم.
ومن شعره قوله:
بمحمد وبحب آل محمد * علقت وسائل فارس بن محمد
يا آل احمد يا مصابيح الدجى * ومنار منهاج السبيل الاقصد
لكم الحطيم وزمزم ولكم منى * وبكم إلى سبل الهداية نهتدي
يا زائرا أرض الغري مسددا * سلم سلمت على الامام السيد
بلغ أمير المؤمنين تحيتي * واذكر له حبي وصدق توددي
وزر الحسين بكربلاء وقل له * يا ابن الوصي ويا سلالة احمد
مني السلام عليك يا ابن محمد * أبدا يروح مع الزمان ويغتدي
وعلى أبيك وجدك المختار والثاوين * منكم في بقيع الغرقد
وبأرض بغداد على موسى وفي * طوس على ذاك الرضاء المفرد
وبسر من راء السلام على التقي * نجل النقي رب العلى والسؤدد
بالعسكريين اعتصامي من لظى * وبقائم من آل احمد في غد
الأمير فارس الحرفوشي
قتل سنة ١٠٩١ وفي وقعة جرت بينه وبين الأمير عمر الحرفوشي.
الفارسي
هو الحسن بن أبي الحسين.
(٣٨٦)

الفاضل القمي
هو أبو القاسم بن الحسن الجيلاني.
الفاضل الهندي
اسمه محمد بن الحسن الأصفهاني.
الفاضلان
هما المحقق جعفر بن سعيد والعلامة الحسن بن المطهر.
الفاضل الهندي صاحب كشف اللثام.
اسمه بهاء الدين محمد.
فاضل خان الملقب بعلاء الملك التوني الفردوسي.
هو واقف المدرسة الفاضلية الكائنة في المشهد الرضوي المقدس الباقية
إلى الآن والواقف عليها الكتب والأملاك وتاريخ الوقفية للكتب التي وقفها
على المكتبة المذكورة سنة ١٠٦٤ ويظهر انه شرع في بناء المدرسة المذكورة في
حدود سنة ١٠٦٠ وفي أثناء ذلك توفي فاضل خان فأتم بناءها أخوه عبد الله
ملا أمير سنة ١٠٧٥ والكتب التي وقفها عليها فاضل خان هي ٣٦٦ مجلدا
ثم وقف عليها الناس حتى بلغت كتبها الموقوفة نحو ٢٠٠٠ مجلد وقد كتب
على رأس حائط هذه المدرسة بالخط الريحاني وكتب سطران على جبهة الباب
بخط الثلث أو الرقاع وكلا الكتابتين في الحجر المنبت بخط جيد.
وهذه صورة المكتوب على رأس حائط المدرسة: قد اتفق بحمد الله
وحسن توفيقه بناء هذه المدرسة المسماة بالفاضلية في أيام دولة صاحب
القران الأعظم والخاقان المعظم مالك رقاب الأمم مولى ملوك الترك والعرب
والعجم زبدة أحفاد أئمة الهدى وسيد السلاطين في العالم السلطان ابن
السلطان ابن السلطان أبو المظفر الشاة عباس الثاني الصفوي الحسيني خلد
الله سبحانه ملكه وسلطانه وأفاض على العالمين بره وعدله واحسانه وبعد لما
ثبت بالبراهين العقلية والنقلية ان السعي في تحصيل العلوم الدينية طاعة
الله سبحانه من أفضل العبادات وإعانة الطلبة وأهل العلم تعظيما لشأنه من
أقرب الطاعات بينتها محضا لله وفزت باتمامها وأنا عبد الله ملا أمير إطاعة
لإشارة أخي الفاضل الكبير والعالم المدقق النحرير الواصل إلى جوار الملك
المنان الغني علاء الملك المخاطب بفاضل خان التوني تغمده الله بغفرانه
وأسكنه بحبوحة جنانه ربنا تقبل منا انك أنت السميع العليم وأشركه في
صالح دعائي رب اغفر لي ولأخي وأدخلنا في رحمتك وأنت أرحم الراحمين
أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين بسعي الصالح التقي المتقي
حاجي. محمد باقر القراسي وحرره العبد الراجي رحمة ربه أبو المحسن
عناية الله في تاريخ سنة خمس وسبعين بعد الألف من الهجرة على صاحبها
ألف سلام وتحية.
وهذه صورة الكتابة التي على جبهة باب المدرسة:
بسم الله الرحمن الرحيم يا مفتح الأبواب.
بعد حمد الله مفتح أبواب الخيرات والعلوم والسلام على الراسخين في
العلم المكتوم قد روي عن النبي ص أنه قال أنا مدينة العلم وعلي بابها ومن
أراد الحكمة فليات بابها كتبه محمد رحيم سنة ١٠٧٤ وعلى جبهة المحراب
بالخط الريحاني على الصخر المنبت: قال الله تبارك وتعالى حافظوا على
الصلوات إلى آخر الآية الراجي إلى الله عناية الله. وفي كتاب مطلع
الشمس ص ٢٥ نقلا عن مسيو فرزر السائح الانكليزي الذي جاء إلى
إيران قبل ٦١ سنة أي سنة ١٢٤١ لان تاليف الكتاب المذكور كان سنة
١٣٠٤ وكتب في ذلك كتابا قال فيه عند تعداد مدارس المشهد المقدس
الرضوي: الرابعة مدرسة فاضل خان التي وقف عليها أملاكا ودكاكين
كثيرة وفيها مكتبة تعادل قيمتها سبعين ألف تومان وباني هذه المدرسة
شخص صار ذا ثروة في الهند و يقال إن الباني شرط شرطا لسكنى هذه
المدرسة وكتبه على صخرة ونصبها في محل هو محط النظر وذلك الشرط هو أن
ثلاث طوائف لا ينبغي ان يسكنوا هذه المدرسة الهنود والمازندرانية
والعرب. إلى آخر ما ورد في الكتاب المذكور من التفاصيل اه قال
المؤلف المدرسة الفاضلية لا تزال عامرة إلى اليوم ١٣٥٣ مسكونة بالطلاب
وقد بقي من كتبها الموقوفة نحو ٦٠٠ كتاب وفي هذا العصر في عهد الشاة
رضا البهلوي ملك إيران عمل لها خزائن من خشب ووضعت فيها بعد ما
كانت موضوعة في حجرة بدون ترتيب ولا ترقيم فرتبت وعمل لها فهرس
مطبوع في ٢٦٥ صفحة.
الشيخ فاضل بن مصطفى البعلبكي.
وجدت شهادته وخاتمه على الوثيقة التي كتبتها ست المشائخ أم الحسن
فاطمة بنت الشهيد الأول لأخويها أبي طالب محمد وأبي القاسم علي بهبة
ميراثها من أبيهما لهما سنة ٨٢٣ بهذه الصورة شهد بذلك الشيخ فاضل بن
مصطفى البعلبكي وتحتها خاتمه كما ذكرناه في ترجمتها فيعلم انه من علماء
أول القرن التاسع وقبله.
فاطمة النائحة بالحلة المعروفة ببنت الهريش من بني جعفر من ذرية
عبد الله بن مسلم بن عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب.
في عمدة الطالب رآها شيخي النقيب تاج الدين أبو عبد الله محمد بن
معية الحسني النسابة اه.
فاطمة بن الحسين بن علي بن أبي طالب ع.
أمها
قال المفيد وغيره أمها أم إسحاق بنت طلحة بن عبد الله تيمية، وفي
تذكرة الخواص توفيت سنة ١١٧.
وقال المفيد في الارشاد كانت فاطمة بنت الحسين ع تقوم
الليل وتصوم النهار وكانت تشبه بالحور العين لجمالها.
خبر تزويجها بالحسن بن الحسن.
مر في ترجمة الحسن بن الحسن انه خطب إلى عمه الحسين
ع وسأله ان يزوجه إحدى ابنتيه وان الرواية اختلفت في ذلك فمنهم
من قال إنه خيره بين فاطمة وسكينة فاستحيا فاختار له عمه سكينة وقال إنها
أكثر شبها بأمه فاطمة الزهراء، ومنهم من قال إن الحسن اختار فاطمة.
وقالوا ان امرأة سكينة مردودتها أو انها تختار على سكينة لمنقطعة القرين في
الجمال وان الحسن بن الحسن خرج مع عمه الحسين إلى العراق ومعه
زوجته فاطمة وجئ بها مع السبايا إلى دمشق ولما ادخل نساء الحسين
ع على يزيد والرأس بين يديه جعلت فاطمة وسكينة يتطاولان لينظرا
إلى الرأس وجعل يزيد يتطاول ليستر عنهما الرأس فلما رأين الرأس صحن
فصاح نساء يزيد وولولت بنات معاوية فقالت فاطمة بنت الحسين ع
(٣٨٧)

: أ بنات رسول الله سبايا يا يزيد فبكى الناس وبكى أهل داره حتى
علت الأصوات. قال المفيد: لما مات الحسن بن الحسن رضي الله عنه
ضربت زوجته فاطمة بنت الحسين بن علي ع على قبره فسطاطا
وكانت تقوم الليل وتصوم النهار وكانت تشبه بالحور العين لجمالها فلما كان
رأس السنة قالت لمواليها إذا أظلم الليل فقوضوا هذا الفسطاط فلما أظلم
الليل سمعت قائلا يقول هل وجدوا ما فقدوا فاجابه آخر بل يئسوا فانقلبوا
اه.
وفي طبقات ابن سعد: فاطمة بنت حسين بن علي بن أبي طالب
وأمها أم إسحاق بنت طلحة بن عبيد الله تزوجها ابن عمها حسن ابن
حسن بن علي بن أبي طالب فولدت له عبد الله وإبراهيم وحسنا وزينب ثم
مات عنها فخلف عليها عبد الله بن عمرو عثمان بن عفان فولدت له
القاسم ومحمدا وهو الديباج سمي بذلك لجماله ورقية فمات عنها. ثم
روى باسناده ان عبد الرحمن بن الضحاك بن قيس الفهري عامل يزيد بن
عبد الملك على المدينة خطبها فابت فالح عليها وتهددها بجلد أكبر ولدها
عبد الله بن حسن في الادعاء عليه بالخمر، وكان على ديوان المدينة ابن
هرمز فكتب إليه يزيد بن عبد الملك بالحضور للمحاسبة فأعلمته ذلك
وكتبت إلى يزيد معه، فنزل من أعلى فراشه وجعل يقول: لقد اجترأ ابن
الضحاك، من رجل يسمعني صوته في العذاب؟ ثم كتب إلى عبد الواحد
النصري قد وليتك المدينة فاغرم ابن الضحاك أربعين ألف دينار وعذبه حتى
أسمع صوته وأنا على فراشي وبلغ ابن الضحاك الخبر فهرب إلى الشام
فلجا إلى مسلمة بن عبد الملك فاستوهبه من يزيد فابى وقال قد صنع ما
صنع وأدعه فرده إلى النصري إلى المدينة فأغرمه أربعين ألف دينار وعذبه
وطاف به في جبة من صوف. وبسنده ان فاطمة بنت حسين كانت تسبح
بخيط معقود فيها، قال: وقد روي أيضا عن فاطمة بنت حسين غير
حديث اه. وفي الأغاني بسنده ان الحسن بن الحسن لما حضرته الوفاة
جزع وقال اني لأجد كربا ليس هو الا كرب الموت، فقال له بعض أهله:
ما هذا الجزع تقدم على رسول الله ص وهو جد وعلى علي والحسن والحسين
صلوات الله عليهم وهم آباؤك فقال لعمري ان الامر لكذلك، ولكن كأني
بعبد الله ابن عمرو بن عثمان حين أموت وقد جاء في مضرجتين أو ممصرتين
وهو يرجل جبته يقول أنا من بني عبد مناف جئت لأشهد ابن عمي، وما
به الا ان يخطب فاطمة بنت الحسين فإذا جاء فلا يدخل علي، فصاحت
فاطمة أ تسمع؟ قال نعم، قالت أعتقت كل مملوك لي ان أنا تزوجت من
بعدك أحدا أبدا فسكن الحسن وما تنفس ولا تحرك حتى قضى، فلما ارتفع
الصياح أقبل عبد الله على الصفة التي ذكرها الحسن، فقال بعض القوم
ندخله وقال بعضهم لا يدخل، وقال قوم لا يضر دخوله فدخل وفاطمة
تصك وجهها فأرسل إليها وصيفا كان معه، فجاء يتخطى الناس حتى دنا
منها فقال لها يقول لك مولاي ابقي على وجهك فان لنا فيه إربا، فأرسلت
يدها في كمها واختمرت وعرف ذلك منها فما لطمت وجهها حتى دفن
صلوات الله عليه، فلما انقضت عدتها خطبها فقالت فكيف لي بنذري
ويميني، فقال نخلف عليك بكل عبد عبدين وبكل شئ شيئين ففعل
وتزوجته اه وهذا الخبر لا نراه الا مكذوبا والله أعلم ما أراد به واضعه
أولا ان فاطمة بنت الحسين ع في عقلها وكمالها وشرف نسبها
ودينها حتى كانت تقوم الليل وتصوم النهار وتشتغل بالتسبيح بخيط معقود
فيها لم تكن لتفعل مثل هذا الامر المشين ثانيا ان ابن سعد لم يذكره ولم
يشر إليه ثالثا انه معارض بما مر رواية المفيد انها أقامت على قبر زوجها
في قبة سنة كاملة تقوم الليل وتصوم النهار وهو مناقض لهذا الخبر رابعا
انه معارض بما رواه أبو الفرج في الأغاني حيث قال بعد ذكر الخبر الأول
وقد قيل في تزويجه إياها غير هذا، ثم روى بسنده ان فاطمة فحلفت عليها
أمها لتتزوجنه، وقامت في الشمس وآلت لا تبرح حتى تتزوجه فكرهت
فاطمة ان تحرج فتزوجته اه.
فاطمة بنت أسد بن هاشم أم أمير المؤمنين علي ع
سبقت إلى الاسلام وهاجرت إلى المدينة في أول الهجرة. روى
الحاكم في المستدرك بسنده عن مصعب بن عبد الله الزبيري قال: كانت
فاطمة بنت أسد بن هاشم أول هاشمية ولدت من هاشمي وكانت بمحل
عظيم من الأعيان في عهد رسول الله ص وتوفيت في حياة رسول الله ص
وكان اسم علي أسد ولذلك يقول أنا الذي سمتني أمي حيدرة أقول
لما ولد سمته حيدرة باسم أبيها لان حيدرة من أسماء الأسد وبسنده عن
الزبير بد سعيد القرشي قال كنا جلوسا عند سعيد بن المسيب فمر بنا
علي بن الحسين ولم أر هاشميا قط كان أعبد لله منه فقام إليه سعيد بن
المسيب وقمنا معه فسلمنا عليه فرد علينا فقال له سعيد يا أبا محمد أخبرنا
عن فاطمة بنت أسد بن هاشم أم أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب قال نعم
حدثني أبي قال سمعت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب يقول لما ماتت بنت
أسد بن هاشم كفنها رسول الله ص في قميصه وصلى عليها وكبر عليها
سبعين تكبيرة ونزل في قبرها فجعل يومي في نواحي القبر كأنه يوسعه
ويسوي عليها وخرج من قبرها وعيناه تذرفان وجثا في قبرها فلما ذهب قال
له عمر بن الخطاب يا رسول الله رأيتك فعلت على هذه المرأة شيئا لم تفعله
على أحد فقال يا عمر أن هذه المرأة كانت بمنزلة أمي التي ولدتني أن أبا
طالب كان يصنع الصنيع وتكون له المأدبة وكان يجمعنا على طعامه فكانت
هذه المرأة تفضل منه كله نصيبنا فأعود فيه.
فاطمة بنت عبد الله بن إبراهيم
هي أم داود بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، شريفة
علوية، وبعضهم يقول أن أم داود المذكورة اسمها حبيبة، وتكنى أم خالد
البربرية واليها ينسب عمل أم داود المشهور في يوم النصف من رجب كما
ذكرناه في ترجمة داود، ويحتمل أن تكون أم داود اسمها فاطمة وأم خالد
البربرية حاضنته ومرضعته فتكون أمه من الرضاعة والله أعلم.
ست المشائخ أم الحسن فاطمة بنت الشهيد محمد بن مكي العاملي الجزيني
في أمل الآمل: كانت عالمة فاضلة فقيهة صالحة عابدة سمعت من
المشائخ مدحها والثناء عليها روي عن أبيها وعن ابن معية شيخه اجازة كما
تقدم في أخيها محمد وكان أبوها يثني عليها ويأمر النساء بالاقتداء بها
والرجوع إليها في أحكام الحيض والصلاة ونحوها اه.
وفيما يلي صرة صك تهب به أخويها ميراثها من أبيها لقاء كتب تنازلا
لها عنها:
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله الذي وهب لعباده ما يشاء وانعم على أهل العلم والعمل
بما شاء وجعل لهم شرفا وقدرا وكرامة وفضلهم على الخلق بأعمالهم العالية
(٣٨٨)

وأعلا مراتبهم في داري الدنيا والآخرة وشهد بفضلهم الإنس والجان
والصلاة والسلام الاتمان الأكملان على سيدنا محمد سيد ولد عدنان
المخصوص بجوامع الكلم الحسان وعلى آله وأصحابه أهل اللسن واللسان
والساحبين ذيول الفصاحة على سحبان وعلى تابعيهم ومن اتبعهم باحسان ما
اختلف الجديدان وأضاء القمران.
أما بعد فقد وهبت الست فاطمة أم الحسن أخويها أبا طالب وأبا
القاسم عليا سلالة السعيد الأكرم والفقيد الأعظم عمدة الفخر وفريد
الدهر عين الزمان ووحيده محيي مراسم الأئمة الطاهرين سلام الله عليهم
أجمعين مولانا شمس الملة والحق والدين محمد بن أحمد بن حامد بن مكي
قدس سره المنتسب لسعد بن معاذ سيد الأوس قدس الله أرواحهم جميع ما
يخصها من تركة أبيها في جزين وغيرها هبة شرعية ابتغاء وجه الله تعالى
ورجاء لثوابه الجزيل وقد عوضا عليها كتاب التهذيب للشيخ رحمه الله
وكتاب المصباح له وكتاب من لا يحضره الفقيه و كتاب الذكرى لأبيهم رحمه
الله والقرآن المذهب المعروف بهدية علي بن المؤيد وقد تصرف كل منهم والله
الشاهد عليهم وذلك في اليوم الثالث من شهر رمضان المعظم قدره الذي هو
من شهور ثلاث وعشرين وثمانمائة والله على ما نقول وكيل. وعلى رأس
الورقة توقيع الشيخ حسن بن علي التوليني وختمه بماء الذهب وهذا صورة
ما كتبه:
قد اتصل بي بثبوت هذه الوثيقة بين الأماجد الطاهرين وعلمت ما
جرى ورقم فيها بعلم اليقين أجريت عليها بقلم الاثبات بالمشروع والمعقول
وأنا أحقر الورى حسن بن علي التوليني
خاتمه بماء الذهب
والشهود أسفلها آخر الكتابة
شهد خالهم
المقدم علوان
بن أحمد بن ياسر
خاتمه
شهد الشيخ علي
بن حسين
الصايغ
خاتمه
شهد بذلك
الشيخ فاضل بن
مصطفى البعلبكي
خاتمه
أم البنين فاطمة بنت حزام بن خالد بن ربيعة أخي لبيد الشاعر بن عامر بن
كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة الكلابية زوجة أمير المؤمنين
ع
مر ذكر نسبها وبعض أحوالها في ترجمة ولدها العباس ابن أمير المؤمنين
ع وهي من بيت عريق في العروبة والشجاعة تزوجها مولانا أمير
المؤمنين ع بإشارة أخيه عقيل حين طلب منه أن يختار له امرأة قد
ولدتها الفحولة من العرب ليتزوجها فتلد له غلاما فارسا وكان عقيل نسابة
عالما باخبار العرب وأنسابهم فاختارها له وقال أنه ليس في العرب أشجع من
آبائها ولا أفرس فتزوجها أمير المؤمنين ع فولدت له العباس ثم
عبد الله ثم جعفرا ثم عثمان وكلهم قتلوا مع أخيهم الحسين ع
بكربلاء وكانت شاعرة فصيحة وكانت تخرج كل يوم إلى البقيع ومعها
عبيد الله ولد ولدها العباس فتندب أولادها الأربعة خصوصا العباس أشجى
ندبه وأحرقها فيجتمع الناس يسمعون بكاءها وندبتها فكان مروان بن
الحكم على شدة عداوته لبني هاشم يجئ فيمن يجئ فلا يزال يسمع ندبتها
ويبكي. فمن قولها في رثاء ولدها العباس ما أنشده أبو الحسن الأخفش في
شرح كامل المبرد:
يا من رأى العباس كر * على جماهير النقد
ووراه من أبناء حيدر * كل ليث ذي لبد
أنبئت أن ابني أصيب * برأسه مقطوع يد
ويلي على شبلي إما * ل برأسه ضرب العمد
لو كان سيفك في يديك * لما دنا منه أحد
النقد نوع من الغنم قصار الأرجل قباح الوجوه وزاد البيت حسنا
أن العباس من أسماء الأسد. وقولها في رثاء أولادها الأربعة:
لا تدعوني ويك أم البنين * تذكريني بليوث العرين
كانت بنون لي أدعى بهم * واليوم أصبحت ولا من بنين
أربعة مثل نسور الربى * قد واصلوا الموت بقطع الوتين
تنازع الخرصان أشلاءهم * فكلهم أمسى صريعا طعين
يا ليت شعري كما أخبروا * بان عباسا قطيع اليمين
فاطمة بنت الناصر الصغير أبي محمد الحسن بن أبي الحسين بن أحمد صاحب
جيش أبيه الناصر الكبير أبي محمد الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن
عمر بن علي السجاد زين العابدين بن الحسين السبط الشهيد ابن أمير
المؤمنين علي بن أبي طالب ع والدة الشريف الرضي والمرتضى
توفيت في ذي الحجة سنة ٣٨٥
كانت من جليلات النساء وفضلياتهن رأى المفيد في منامه أن فاطمة
الزهراء ع دخلت عليه مسجده ومعها ولداها الحسن والحسين
ع، فقالت له يا شيخ خذ ولدي هذين وعلمهما الفقه، فلما
أفاق تعجب من ذلك، وذهب في صبيحة ذلك اليوم إلى مسجده الذي
يدرس فيه فدخلت عليه فاطمة بنت الناصر ومعها ولداها المرتضى والرضي
وقالت له يا شيخ خذ ولدي هذين وعلمهما الفقه، ففتح الله عليهما من
أبواب العلوم ما شاع ذكره، ولما توفيت رثاها ولدها الشريف الرضي
بقصيدة مذكورة في ديوانه نذكر بعضها لأن فيه دلالة على صفاتها الحميدة
وأفعالها المجيدة أولها:
أبكيك لو نقع الغليل بكائي * وأقول لو ذهب المقال بدائي
يقول فيها:
ما كنت أذخر في فدائك رغيبة * لو كان يرجع ميت بفداء
لو كان يدفع ذا الحمام بقوة * لتكدست عصب وراء لوائي
فارقت فيك تماسكي وتجملي * ونسيت فيك تعززي وإبائي
(٣٨٩)

وصنعت ما ثلم الوقار صنيعه * مما عراني من جوى البرحاء
قد كنت آمل أن أكون لك الفدا * مما ألم فكنت أنت فدائي
أنضيت عيشك عفة وزهادة * وطرحت مثقلة من الأعباء
بصيام يوم القيظ تلهب شمسه * وقيام طول الليلة الليلاء
ما كان يوما بالغبين من اشترى * رغد الجنان بعيشة خشناء
لو كان مثلك كل أم برة * غني البنون بها عن الآباء
كيف السلو وكل موضع لحظة * اثر لفضلك خالد بازائي
فعلات معروف تقر نواظري * فتكون أجلب جالب لبكائي
ما مات من نزع البقاء وذكره * بالصالحات بعد في الاحياء
ومن الممول لي إذا ضاقت يدي * ومن المعلل لي من الأدواء
ومن الذي إن ساورتني نكبة * كان الموقي لي من الأسواء
شهد الخلائق انها لنجيبة * بدليل من ولدت من النجباء
في كل مظلم أزمة أو ضيقة * يبدو لها اثر اليد البيضاء
ذخرت لنا الذكر الجميل إذا انقضى * ما يذخر الآباء للأبناء
آباؤك الغر الذين تفجرت * بهم ينابيع من النعماء
من ناصر للحق أو داع إلى * سبل الهدى أو كاشف الغماء
نزلوا بعرعرة السنام من العلى * وعلوا على الاتباع والأمطاء
من كل مستبق اليدين إلى الندى * ومسدد الأقوال والآراء
درجوا على اثر القرون وخلفوا * طرقا معبدة من العلياء
معروفك السامي أنيسك كلما * ورد الظلام بوحشة الغبراء
وضياء ما قدمته من صالح * لك في الدجى بدل من الأضواء
أم عبد الله ويقال أم عبده فاطمة بنت الحسن بن علي زوجة علي بن الحسين
وأم الباقر ع.
ولذلك كان الباقر ع هاشميا بين هاشميين علويا بين علويين
فاطميا بين فاطميين لأنه أول من اجتمعت له ولادة الحسن والحسين
ع وقال الحافظ عبد العزيز بن الأخضر الجنابذي أمها أم فروة بنت
القاسم ابن محمد بن أبي بكر حكاه عنه في كشف الغمة وقال أبو الصباح
وذكر أبو عبد الله جدته أم أبيه يوما فقال كانت صديقة لم يدرك في آل
الحسن مثلها.
فاطمة بنت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع
في خصائص النسائي: أخبرنا عمر بن علي حدثنا يحيى يعني ابن
سعيد حدثنا موسى الجهني قال دخلت على فاطمة بنت علي فقال لها رفيقي
هل عندك شئ من والدك يوهب قالت حدثتني أسماء بنت عميس أن
رسول الله ص قال لعلي أنت مني بمنزلة هارون من موسى الا أنه لا نبي
بعدي. أخبرنا أحمد بن سليمان حدثنا جعفر بن عون عن موسى الجهني
قال أدركت فاطمة بنت علي وهي بنت ثمانين سنة فقلت لها تحفظين عن
أبيك شيئا قالت لا ولكني سمعت أسماء بنت عميس أنها سمعت من رسول
الله ص يقول يا علي أنت مني بمنزلة هارون من موسى الا أنه ليس من
بعدي نبي. حدثنا أحمد بن عثمان بن حكيم حدثنا أبو نعيم حدثنا حسن
وهو ابن صالح عن موسى الجهني عن فاطمة بنت علي عن أسماء بنت
عميس أن رسول الله ص قال يا علي انك مني بمنزلة هارون من موسى الا
أنه لا نبي بعدي.
فاطمة بنت الرضا ع
ذكرها الصدوق في عيون أخبار الرضا ع وذكر ما يدل على أنها
روت الحديث، ومر في سيرة الرضا ع ما يدل على أنه لم يترك الا ولدا
واحدا وهو الإمام الجواد ومر عن بعضهم أنه ترك خمسة ذكور وبنتا واحدة.
وروى الصدوق في عيون أخبار الرضا ع حديثا عن فاطمة بنت الرضا
عن أبيها عن أبيه جعفر بن محمد عن أبيه وعمه زيد عن أبيه علي ابن أبي
طالب ع عن النبي ص قال من كف غضبه كف الله عنه عذابه
ومن حسن خلقه بلغه الله درجة الصائم القائم.
: أم فروة فاطمة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر
كانت أم الصادق ع وأمها أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي
بكر وهذا معنى قول الصادق ع ان أبا بكر ولدني مرتين وفي ذلك
يقول الشريف الرضي:
وحزنا عتيقا وهو غاية فخركم بمولد بنت القاسم بن محمد
روى الكليني في الكافي بسنده عن الصادق ع في حديث
قال كانت أمي ممن آمنت واتقت وأحسنت والله يحب المحسنين قال وقالت
أمي قال أبي يا أم فروة اني لأدعو الله لمذنبي شيعتنا في اليوم والليلة ألف مرة
لأنا نحن فيما ينوبنا من الرزايا نصبر على ما نعلم من الثواب وهم يصبرون
على ما لا يعملون وروى الكليني في الكافي بسنده عن عبد الأعلى رأيت أم
فروة تطوف بالكعبة عليها كساء متنكرة فاستلمت الحجر بيدها اليسرى فقال
لها رجل ممن يطوف يا أمة الله أخطأت السنة فقالت انا لأغنياء عن
علمك. وقال المسعودي في كتاب اثبات الوصية: كانت أم الصادق ع
أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر وكان أبوها القاسم من ثقات
علي بن الحسين وكانت من اتقى نساء زمانها وروت عن علي بن الحسين
أحاديث.
فاطمة بنت السيد رضي الدين علي بن طاوس
قال والدها في كتاب سعد السعود وقفت مصحفا تاما اجزاء على ابنتي
الحافظة للقرآن الكريم فاطمة سلمها الله حفظته وعمرها دون التسع سنين
وقد أجازها وأجاز أختها شرف الاشراف المتقدمة، وقال في وصف ابنتيه
هاتين الحافظتين الكاتبتين.
فاطمة بنت حميدة بنت المولى محمد شريف بن شمس الدين محمد
الرويدشتي الأصفهاني
نسبة إلى رويدشت ناحية من توابع أصفهان ومر ذكر أمها حميدة وانها
كانت عالمة فاضلة متزوجة برجل جاهل من أقاربها، وفاطمة هذه مذكورة
في رياض العلماء منسوبة إلى أمها كما ذكرناه لا إلى أبيها وكانه لكونه جاهلا
غير معروف وأمها عالمة معروفة. وفي الرياض هي اي فاطمة أيضا
كانت فاضلة عالمة عابدة ورعة ولم أعلم لها تأليفا وكانت أيضا معلمة لنسوان
عصرها وفي الأغلب تكون في بيت سلسلة الوزير خليفة سلطان بأصفهان
والآن هي في الحياة وقد زوجوها من رجل قروي جاهل أحمق كزوج
والدتها.
(٣٩٠)

فاطمة بنت موسى بن جعفر ع
توفيت سنة ٢٠١
عن تاريخ قم للحسن بن محمد القمي قال أخبرنا مشائخ قم عن
آبائهم أنه لما اخرج المأمون الرضا ع من المدينة إلى مرو لولاية
العهد سنة ٢٠٠ من الهجرة خرجت فاطمة أخته تفتقده في سنة ٢٠١ فلما
وصلت إلى ساوة مرضت فسالت كم بينها وبين قم قالوا عشرة فراسخ
فقالت احملوني إليها فحملوها إلى قم وانزلوها في بيت موسى بن الخزرج
ابن سعد الأشعري قال وفي أصح الروايات أنه لما وصل خبرها إلى قم
تقدمهم موسى بن الخزرج فلما وصل إليها اخذ بزمام ناقتها وجرها إلى منزله
وكانت في داره سبعة عشر يوما ثم توفيت رضي الله عنهما فامر موسى
بتغسيلها وتكفينها وصلى عليها ودفنها في ارض كانت له وهي الآن روضتها
وبنى عليها سقيفة من البواري إلى أن بنت زينب بنت محمد بن علي الجواد
عليها قبة وقال:
الشيخة فاطمة بنت الشيخ محمد بن أحمد بن عبد الله بن حازم العكبري.
في رياض العلماء: كانت فاضلة عالمة فقيهة من مشيخة السيد تاج
الدين بن معية يروي الشهيد عنها بتوسط السيد المذكور والظاهر أنها كانت
من الامامية وقد أجازها الشيخ عبد الصمد بن أحمد عبد القادر بن أبي
الحسن على ما وجدته في بعض المواضع اه.
الفامي.
هو أحمد بن هارون أستاذ الصدوق.
الفتال.
اسمه محمد بن الحسن.
الفتال
يوصف به أبو علي محمد بن علي الفتال النيسابوري الفارسي صاحب
كتاب روضة الواعظين ويوصف به الشيخ جمال الدين الحسن بن عبد
الكريم الشهير بالفتال من مشايخ ابن أبي جمهور الأحسائي.
فتح علي شاة بن حسين قلي خان بن محمد حسين خان القاجاري توفي سنة
١٢٥٠.
هو ثاني الملوك القاجاريين وكان عندما قتل عمه أغا محمد خان في
شيراز، فلما بلغه قتل الملك توجه إلى طهران واخمد نيران الفتن وفي سنة
١٢١٢ أعلن تولية الملك وآغا محمد خان هو مؤسس الدولة القاجارية وعلى
يديه انقرضت الدولة الزندية بعد معارك طاحنة بين آخر ملوكها لطف علي
خان وبين آغا محمد خان انتهت بقتل لطف علي سنة ١٢٠٩.
وفي العام ١٢١٠ احتفل الامراء والقواد بتتويج آغا محمد خان ملكا
على إيران ولكنه قتل سنة ١٢١١ وبمقتله انحل نظام جيشه القوي وكثر
الشغب إلى أن وصل ولي عهد السلطنة فتح علي شاة المترجم من شيراز إلى
طهران وأعاد الأمور إلى نصابها. وفي سنة ١٢١٢ توج رسميا وبعد سنة من
تتويجه نقل تابوت آغا محمد خان إلى النجف فدفن في غرفة من غرف
الصحن العلوي.
كان المترجم مكرما للعلماء مفضلا عليهم وفي أيامه راج سوق الأدب
وظهر الشعراء البارعون، ومن إثارة تذهيب أبواب الصحن والقبة المنورة في
الحائر وتفضيض الضريح الحسيني وبناء مرقد العباس بن علي في كربلاء
وتذهيب قبة السيدة فاطمة بنت الإمام موسى بن جعفر في قم وبناء صحن
واسع لها وبناء صحن مشهد الإمام علي بن موسى الرضا وغير ذلك.
ويصفه بعض المؤرخين بأنه كان على مرحلة سامية في تشييد مباني
الشرع راسخ الاعتقاد في الاذكار والأوراد.
وفي عهده وقعت الحرب بين روسيا وإيران وكان السبب انه لما ملك
الكسندر حفيد كاترين وجهت روسيا كل قواها لاحتلال كرجستان
اضطرت كركين خان سلطان كرجستان إلى التنازل عن كرجستان فالتجأ
الكرجيون إلى إيران، وتجاوزت روسيا من كرجستان إلى سائر البلاد الواقعة
خلف ارس وملكت كنجة سنة ١٢١٨ فامر الشاة ولي عهده بمقاومة روسيا
فجرت مصادمات من سنة ١٢١٨ إلى سنة ١٢٢٠ صمدت فيها روسيا في
مواقعها الحصينة وعجزت إيران عن اخراجها منها، وظلت المناوشات
مستمرة إلى أن عقد القائد الروسي بتوسط سفير انكلترا معاهدة مع الدولة
الإيرانية سنة ١٢٢٨ ملكت فيها روسيا كرجستان وشيروان وشكي وكنجة
وقراباع ومغان وبعض طالش. وفي سنة ١٢٤٠ ادعى الروس ان بحيرة في
الشمال الغربي من توابع إيران داخلة في حدود روسيا. وبلغ علماء إيران
تعدي روسيا على مسلمي القفقاس واستباحتهم فافتوا بالجهاد وعلى رأسهم
السيد محمد الطباطبائي (١) نجل صاحب الرياض الذي لقب بسبب هذه
الحركة بالمجاهد إذ توجه بنفسه إلى القتال. واضطر فتح علي شاة إلى
الدخول في الحرب فامر ولده عباس ميرزا بقيادة الجيوش وانتهت الحرب
بفشل إيران وعقد معاهدة جديدة خسرت بها إيران مضافا إلى البلاد
السابقة: إيروان ونخجوان ودفعت غرامة حربية باهظة.
فتح علي خان الكاشاني المتخلص بصفا الملقب بملك الشعراء:
من شعراء الفرس المشهورين له شاهنامه فارسي مطبوع فيه فتوحات
فتح علي شاة القاجاري في حرب الأفغان وغيره ومنظوماته ومنثوراته
ومراسلاته إلى السلاطين والعلماء وغيرهم مثل ما كتبه إلى السلطان محمود
العثماني وابن سعود أمير الحجاز ونجد وملك الإفرنج وغيرهم ومن العلماء
مثل السيد صاحب الرياض والمحقق القمي في تعزيته بغرق ولده وموسى
ابن الشيخ جعفر صاحب كشف الغطاء.
الشيخ فتح الله بن محمد النمازي الشيرازي الغروي الملقب شريعة مدار:
ولد في ١٢ ربيع الأول سنة ١٢٦٦.
كان أحد اعلام علماء هذا العصر، أصله من مدينة شيراز من أسرة
كريمة تعرف بالنمازية نسبة إلى جدهم المعروف باسم الحاج محمد علي
النمازي الذي كان معروفا بالورع والصلاح ولكثرة مداومته بالنوافل
والصلوات عرف بالنمازي إذ ان كلمة نماز باللغة الفارسية معناها
الصلاة. هاجر والد المترجم إلى مدينة أصفهان وفيها كانت ولادة المترجم،

(١) راجع تفاصيل هذا الامر في ترجمة السيد محمد المذكور في موضعها من هذا الكتاب.
(٣٩١)

وقد تلقى مبادئ العلوم فيها حيث حضر على مجالس علماء تلك البلدة
الشهيرة برواج سوق العلوم والمعارف فيها، فحضر على المولى حيدر
الأصفهاني وعلى المولى عبد الجواد الخراساني من اعلام تلامذة الشيخ محمد
تقي الأصفهاني صاحب الحاشية وعلى الحاج مولى احمد السبزواري من
أجلاء تلامذة السيد حسن المدرس وعلى المولى محمد صادق التنكابني،
وحضر على الشيخ محمد باقر بن محمد تقي الأصفهاني في كثير من المباحث
الفكرية والأصولية، وسمع عليه إفاداته وتحقيقاته في تقوية القول بحجية
الظن بالطريق وما شبه في دفع اعتراضات الشيخ الأنصاري. ثم سافر إلى
المشهد الرضوي وكان في ذلك الوقت مزدحما بكثير من الاجلاء فجرت بينه
وبينهم مناظرات ظهر فيها فضله ثم رجع إلى أصفهان وانقطع عن الحضور
إلى الأساتيذ واخذ في البحث والتدريس بطريقة أعجب الطلبة بها حيث لم
يكن مسلك الشيخ الأنصاري بعد شائعا حينئذ في تلك البلاد. واشتاق
بعد ذلك إلى زيارة العتبات المقدسة ولقاء أجلاء العلماء ولما وصل إلى
النجف الأشرف اجتمع حوله المحصلون فتصدى للتدريس والبحث وحضر
في أثناء ذلك على الحاج ميرزا حبيب الله الشيرازي وعلى الشيخ محمد
حسين الكاظمي مع قيامه بأعباء البحث والتدريس واجتماع فضلاء الطلبة
عليه. وفي سنة ١٣١٣ قصد بيت الله الحرام وزيارة قبر رسول الله ص ثم
رجع إلى النجف وانقطع للتدريس والبحث والإملاء والتصنيف والفتوى
وقضاء الحوائج إلى أن توفاه الله ليلة الأحد الثامن من شهر ربيع الثاني سنة
١٣٣٩ في النجف بمرض مزمن في صدره كان أصابه في سفره إلى الجهاد
والدفاع حين هاجم الإنكليز العراق، وكان يقعده في الفراش من حين إلى
آخر إلى أن اشتد عليه بعد حدوث حوادث الثورة العراقية المشهورة التي
بذل فيها ما في وسعه لمصلحة البلاد وتحالف رؤساء القبائل وزعماء العشائر
ولا سيما بعد وفاة الميرزا محمد تقي الشيرازي مما هو مشهور ومسطور في
تاريخ الثورة العراقية.
وكان يمتاز بمشاركته في فنون الفلسفة القديمة الحكمة الإلهية فضلا
عن العلوم الاسلامية في الكلام والحديث الرجال وخلافيات الفرق
المقالات وما لها وما عليها من الحجج والأدلة، وكان يحضر مجالس محاضراته
وإفاداته أفاضل العلماء وتلمذ عليه المئات من فضلاء العرب الفرس، وقد
كان جمع كثير من الناس يرجعون إلى فتاواه ويقلدونه في احكام مسائلهم من
عهد بعيد ولكن بعد السيد محمد كاظم اليزدي اقبل إليه جمهور ثم بعد وفاة
الميرزا محمد تقي الشيرازي أصبح المقلد الوحيد للشيعة في غالب الأقطار
وهذا قلما يصادف مثله.
وله الإجازة بالرواية عن جماعة من الاعلام منهم السيد مهدي
القزويني الحلي الميرزا محمد باقر الخوانساري صاحب روضات الجنات
واخوه ميرزا محمد هاشم الخونساري والشيخ محمد طه النجف الشيخ
محمد حسين الكاظمي. له من المؤلفات كتاب إنارة الحالك في قراءة ملك
ومالك رجح فيه قراءة ملك وانها الموافقة لقراءة أهل البيت وله رسالة إبانة
المختار في ارث الزوجة من ثمن العقار. وكتب الشيخ ملا كاظم الخراساني
اعتراضات عليه في حاشيتها فكتب المترجم في جوابه رسالة سماها صيانة
الإبانة. وله رسالة في احكام العصير العنبي ورسالة في قاعدة الطهارة،
ورسالة في الواحد لا يصدر منه الا الواحد، ورسالة في نفي الباس وان
مدلوله نفي الحرمة، ورسالة في قاعدة الضرر والضرار وله رسائل وتحررات
كثيرة وغيرها كما أن له مناظرات مع محمود شكري الآلوسي البغدادي.
ملا فتح علي بن حسن السلطان آبادي الحائري توفي سنة ١٣١٧ بكربلاء.
درس أول مرة في إيران ثم ورد العراق فأدرك صاحب الجواهر في
أواخر أيامه ومن بعده اخذ عن الشيخ مرتضى الأنصاري والحاج ملا علي
الرازي ابن ميرزا خليل الطبيب ثم تخرج بالميرزا السيد حسن
الشيرازي ولما خرج الميرزا من النجف إلى سامراء سنة ١٢٩٢ خرج معه
وكان ينوب عنه في الصلاة بالناس وكان الميرزا يقتدي به ويأمر الناس
بالاقتداء به ورجع بعد وفاته إلى كربلاء وسكن إليه الناس وبها مات.
وفي الفوائد الرضوية:
عالم جليل مفسر تقي ورع محدث صاحب كرامات باهرة قال النوري
في دار السلام حدثني شيخ الأتقياء معدن المعالي والفضائل التي قصرت عنها
أيدي الراسخين من العلماء شيخنا الاجل الأكمل المولى فتح علي
السلطان آبادي، وقال أيضا في حقه قد جمع من كل مكرمة أعلاها ومن
كل فضيلة أسناها ومن كل خصلة أشرفها ومن كل خير ذروته ومن كل سر
علم شريف جوهره وحقيقته صاحبته منذ سنين في السفر والحضر والليل
والنهار والشدة والرخاء فلم أجد له زلة في مكروه أو مرجوج وما رأيت
لخصلة واحدة من خصاله التي تزيد على ما ذكره أمير المؤمنين صلوات الله
عليه لهمام بن عبادة في صفات شيعته مشاركا ونظيرا وما أظن أحدا يتمكن
من استقصاء معاليه إما علمه فاحسن فنه معرفة دقائق الآيات ونكات
الاخبار لم يسال قط عن آية وخبر الا وعنده منها من الوجوه ما تتعجب منه
العقول بما لا يخالف شيئا من الظواهر والنصوص ولا يختلط بمزخرفات
جماعة هم للدين لصوص واما العمل فهو دائم الذكر طويل الصمت
والفكر قانع من الدنيا باليسير، إلى غير ذلك مما أطنب فيه وبالغ في وصفه.
الشيخ فتح الله بن علوان الكعبي الدورقي.
توفي سنة ١١٣٠ وكان معاصرا لصاحب الحدائق وتلميذا للسيد نعمة
الله الجزائري. في ذيل اجازة السيد عبد الله بن نور الدين بن نعمة الله
الجزائري:
كان عالما أديبا وقورا حسن التصنيف ذكرته في تذييل السلافة
بقولي: ذو باع في الأدب مديد ونظر في ادراك اللطائف حديد وفهم في
موارد النكات سديد وكد في اقتناص المعارف شديد وذهن انطبع فيه فنون
المعقول والمنقول رأيته وقد غيره الزمان. له كتب منها كتاب زاد المسافر في
تحرير واقعة البصرة ذكر في أوله أحواله وانه ولد بقبارة ولما ترعرع اشتغل
على أبيه ثم ارتحل إلى شيراز واشتغل على السيد نعمة الله السيد عزيز الله
والشاة أبو الولي وغيرهم ثم رجع إلى مولده وولي قضاء البصرة إذ كانت في
تصرف الفرس وأدرج في كتابه هذا كثير من الأدبيات وحرز فيه البديعيات
أكمل تحرير ومنها كتاب الإجادة في شرح قصيدة السيد علي بن باليل
الموسومة بالقلادة ومطلعها:
ردي علي رقادي أيها الرود * علي أراك به والبين مفقود
سلك فيه مسلك الصفدي في شرح لامية العجم وله كتب أخر لم
اقف عليها وشعر قليل اه.
(٣٩٢)

وكتابه زاد المسافر في موقعة البصرة ذكر فيه ما جرى لحسين باشا ابن
علي باشا ابن أفراسياب الديزي واليها من الفرار بنفسه وعياله إلى بلاد الهند
سنة ١٠٧٨ وفتح العثمانيين لها وانتزاعها من أيدي آل أفراسياب، وهذا
الكتاب مطبوع.
وله شرح شواهد القطر يشير إليه السيد صادق الفحام في شرحه
لشواهده وله الفتوحات في المنطق وشرحها وله الإجادة في شرح القلادة
ورسالة في التجويد.
وله تحفة الاخوان في فقه الصلاة شرحا لحديث رجاء بن الضحاك.
فتح الله الشيرازي.
ذكره أصحاب دانشوران ناصري في أثناء ترجمة الشيخ أبو الفضل
ابن المبارك اليماني الهندي ووصفوه بعلامة الزمان الحكيم فإنهم بعد ما ذكروا
ان الشيخ شمس الدين السلطانبوري الملقب بمخدوم الملك والشيخ عبد
النبي الملقب بالصدر كانت في أوائل سلطنة أكبر شاة في الهند تدبر أمور
السلطنة برأيهما وكانا في غاية التعصب فتوصل الشيخ أبو الفضل إلى أن
صار في أعلى مراتب القرب عند أكبر شاة وكان علامة الزمان الحكيم فتح
الله الشيرازي وآخرون من علماء وأمراء العراق وشيراز قد جاءوا بكثرة إلى
بلاد أكبر شاة فاتفق الشيخ أبو الفضل مع العلامة المذكور وآخرون من
العلماء على طريق واحد وكلمة واحدة لتدارك الشدة وإراقة الدماء من
ذينك المتعصبين المذكورين وتحزموا لذلك بحزام همهم المحكم فوجدوا
السلطان نفسه قد رجع عن مذهبه وعدل عن طريقته الأولى في الانقياد
لرأي هذين الرجلين فارسلهما إلى مكة إلى آخر ما ذكروه وذلك في سنة
٩٨٧.
وقال الأمير شكيب ارسلان في كتاب حاضر العالم الاسلامي فيما
حكاه عن مؤرخي الإفرنجة: انه كان من أكابر علماء الشيعة جاء من
فارس واوطن بيجابور فاستدعاه أكبر شاة جلال الدين محمد بن همايون بن
بابر ظهير الدين محمد بن عمر الشيخ بن ميرانشاه ابن تيمورلنك الكوركاني
الشهير وصار مستشاره الشرعي اه وأكبر شاة هذا كان ملك فرغانة ثم
ملك أكثر بلاد الهند بل كلها واليه تنسب مدينة أكبرآباد وتوفي سنة ١٠١٤
وتأتي ترجمته في بابها.
الشيخ الفتح بن علي بن محمد البلداري الأصفهاني.
له زبدة النصري ونخبة العصري اختصره من كتاب نصرة العصرة
وعسرة النضرة في اخبار وزراء السلجوقية تاليف عماد الدين محمد ابن
الأصفهاني بدأ في اختصاره في ربيع الأول سنة ٦٢٣ وطبع في ليدن ومعه
فهرست أسماء الرجال والأمم والولايات والمدائن وغيرها.
المولى فتح الله بن شكر الله الكاشاني.
توفي سنة ٩٨٨
محدث جليل مفسر فاضل من علماء دولة الشاة طهماسب الصفوي
وتلاميذ علي بن الحسن الزواري. له ١ تفسير القرآن اسمه منهج
الصادقين كبير ٢ مختصر منه اسمه خلاصة المنهج ٣ زبدة التفاسير ٤
ترجمة القرآن ٥ شرح نهج البلاغة ٦ شرح احتجاج الطبرسي ٧ تنبيه
الغافلين وتذكرة العارفين ٨ ملاذ الفقهاء ٩ مادة التاريخ.
السيد فتح الله بن هبة الله بن عطاء الله الحسيني الشيرازي.
توفي سنة ١٠٩٨ بأصفهان.
من الطائفة الشاهية المعروفين بمعرفة غوامض الحواشي الجلالية.
طلبه الشاة سليمان من أردكان وجعله قاضيا بأصفهان. له كتاب الإمامة
طويل الذيل أدرج فيه المناظرات الواقعة بينه وبين المولى عبد الرحيم
المدرس المجاور لمدينة الرسول ص في الإمامة وهي قصة طويلة غريبة صنفها
حين تشرف بمكة المعظمة.
وله رسالة البديع في علم البديع رسالة حسنة الفها بأصفهان.
وله كتاب في التاريخ يعرف بتاريخ شاة فتح الله.
الفحام
يوصف به من القدماء أبو محمد الحسن بن يحيى بن داود الفحام السر
من رأى ويوصف به أيضا أبو الحسن محمد بن أحمد بن محمد خلف المعروف
بابن أبي لمعتمر الرقي نزيل دمشق ومن المتأخرين السيد صادق الفحام
العالم الشاعر النجفي معاصر بحر العلوم.
النسابة شيخ الشرف السيد شمس الدين أبو علي فخار بن معد بن
فخار بن معد بن أحمد بن محمد بن الحسين بن محمد بن إبراهيم المجاب بن
محمد العابد ابن مولانا الكاظم ع.
توفي سنة ٦٠٣.
وفخار على ما ضبطه البهائي في حواشي أربعينه بفاء مكسورة
وخاء معجمة واخره راء ومعد بميم مفتوحة وعين مهملة ودال مشددة
كان من عظماء وقته في الدين والدنيا ولم يخل منه سند من أسانيد علمائنا قرأ
على عميد الرؤساء اللغوي وابن إدريس صاحب السرائر وشاذان بن
جبرئيل القمي يروي عن العماد محمد بن القاسم الطبري ويروي عن
الشيخ عربي بن مسافر وعن الشيخ أبي طالب عبد الرحمن بن محمد بن عبد
السميع الهاشمي الواسطي وعن السيد جلال الدين عبد الحميد بن عبد الله
التقي الحسيني النسابة وعن الشيخ محمد وعن الشيخ أبي
عبد الله محمد بن جعفر المشهدي وعن الشيخ تاج ابن جعفر
المشهدي ضاج الدين الحسن بن علي الدربي
ويروي عن الشيخ العالم المحدث أبي القاسم علي بن علي بن منصور
الخازن الحائري املاء عن الشيخ الحافظ أبي القاسم ذاكر بن كامل الخفاف
سنة ٥٨٢ ببغداد عن الشيخ أبي سعيد أحمد بن المجيد بن أحمد الصيرفي
عن القاضي أبي القاسم علي بن المحسن التنوخي عن الشيخ أبي عبد الله
محمد بن عمران المرزباني ويروي عنه جماعة منهم ولده السيد عبد الحميد بن
فخار وسديد الدين يوسف والد العلامة ورضي الدين علي وجمال الدين
احمد طاوس وصاحب الشرائع وعبد الحميد بن أبي الحديد شارح نهج
البلاغة. له كتب منها ١ كتاب الحجة على الذاهب إلى تفكير أبي طالب
طبع حديثا ٢ الرضة في الفضائل والمعجزات، وقد اشتبه من نسبه
إلى الصدوق لأنه يروي فيها عن الفضل بن شاذان وهو متأخر عن الصدوق
بكثير ٣ المقباس في فضائل بني العباس، كتبه مداراة. وهو الذي أشار
إليه ابن أبي الحديد بقوله في الجزء الرابع عشر من شرح النهج: وصنف
(٣٩٣)

بعض الطالبيين في هذا العصر كتابا في اسلام أبي طالب وبعثه إلي وسألني
ان اكتب بخطي نظما أو نثرا أشهد فيه بصحة ذلك وبوثاقة الأدلة عليه
فتحرجت ان احكم بذلك حكما قاطعا لما عندي من التوقف فيه ولم استجز
ان اقعد عن تعظيم أبي طالب فاني اعلم أنه لولاه لما قامت للاسلام دعامة.
فخر الاسلام أو فخر الدين أو فخر المحققين.
هو محمد بن العلامة الحسن بن يوسف الحلي.
فخر الدولة بن بويه
اسمه علي بن الحسن بن بويه.
السيد فخر الدين بن علي بن يوسف بن محمد بن فضل الله الحسني العاملي
العيناثي.
كان من العلماء المعاصرين للشيخ ناصيف بن نصار شيخ مشائخ جبل
عامل ووجدت له قصيدة في مدح الشيخ علي بن فارس الصعبي أمير ناحية
الشقيف ويذكر فيها أخاه الشيخ حيدر الفارس وصهره الشيخ ناصيف يقول
من جملتها:
فهل أزهرت بالمجد أيام ماجد * وما كان من برق المواضي سحابها
فيا غاديا من فوق وجناء عرمس * امون ترى أن المقيل تبابها
رعت حقبة بنت البطاح وهشمت * غصون الربى حتى ذوي مستطابها
حنانيك هل تدري باني مروع * بسعلاة هم يجرح القلب نابها
أبت همتي أن تقبل الضيم صاحبا * كان نعيم الخفض فيها عذابها
أبيت كما بات الحسام على الطوى * إذا وقعت فوق الأواني ذبابها
كذا ترجع الأساد لا تكسر الظما * إذا زاحمتها في المياه كلابها
إلى السيف أشكو عصبة لا يثيرها * من النوم الا اكلها وشرابها
مطيتها في السبق عير مجدع * وصاحبها عند الرحيل جرابها
شياة أقامت في الذئاب كأنها * بعدل علي سالمتها ذئابها
مجيب الندا بحر الندا كاشف الردى * بعيد المدى حتف العدى وحرابها
هو السيد المقدام يغني مسالما * ويغني إذا الهيجاء شب التهابها
هو الغيث بل اندى من السحب راحة * فقد شأنها عند العطاء انتحابها
هو الليث بل أنكى من الليث صولة * فلسنا ولو صالت علينا نهابها
له الهبوات السود والجرد شزب * بكل طويل الباع تردي عرابها
له حيدر درع وناصيف ناصر * سباع قراع غابة السمر غابها
بدور جمال والسروج بروجها * شموس جلال والمعالي قبابها
جبال يقيل العالمون بظلها * إذا جمرة الأيام عم التهابها
تحف بهم من آل صعب عصابة * كثير على جرح النصال اعتصابها
حرام على أعدائها سنة الكرى * إذا حل في دار البدار ركابها
مصاليت طعانون من خوف بأسهم * يميد من الشم الرعان صلابها
كرام وهل يعدو السماح قبيلة * لمثل علي في الزمان انتسابها
لعمري لقد ارضى علي سميه * بعزمات صدق نصرة الحق دابها
لياله بيض يحسد الصبح نورها * وأيامه عند الحسيب احتسابها
تسربل أثواب المعالي وذيلها * طويل فما يغني الحسود اجتذابها
وقور نقي الذيل عف عن التي * يدنس اعراض الرجال ارتكابها
علي العلى يا من مقامات فضله * على صفحة الأيام خط كتابها
ويا ممطر العافين من فيض كفه * سحاب نوال مستهل هضابها
قصدتك بالظن الجميل لحاجة * من الله في الدارين يرجى ثوابها
ممنعة الا عليك لأنها * لدى عصبة مر المذاق خطابها
سللت حسام النصر لما رأيتها * يريق دم الألفاظ هدرا جوابها
فقم غير مأمور بها أن جاهكم * تذل له هام الورى ورقابها
وإن زكاة الجاه يا سيد الورى * على الحر فرض لا يراعى نصابها
أبى الله يا حامي الحمى أن يصدني * بمرآك عن نيل الأماني حجابها
تراض بك الحاجات بعد شماسها * كما ريض من قب البطون صعابها
فدونكها كالراح معنى ورقة * لها اللفظ كأس والبديع حبابها
ومسكرة أبياتها فكانها * ثغور حسان والمعاني رضابها
بقيت بقاء الشمس يا نور عينها * وكفك مفتاح العطايا وبابها
السيد فخر الدين بن باقر بن أبي المحسن بن أبي طالب ابن السيد جواد بن
محمد مهدي ابن ميرزا حسن رضي الدين بن فخر الدين بن علي بن رضي
الدين بن محمد بن أحمد بن موسى بن أبي عبد الله احمد النقيب بقم بن
محمد الأعرج بن موسى المبرقع ابن الإمام محمد الجواد ع.
من سادات حمدان العظام وقد وقع تغيير في ترتيب هذه السلسلة كما
يظهر من ترجمة السيد محمد لطف الله وغيرها من التراجم.
فخر الدين أبو الغنائم ابن حيدر بن محمد بن زيد العلوي نائب النقابة.
كتب في عتاب:
لو كنت فدما لكنت عندهم * بحسن حال وكنت ذا نشب
لكنني للشقاء ذو أدب * وكلهم كاره لذي الأدب
الشيخ فخر الدين بن محمد بن علي بن أحمد بن طريح بالتصغير المسلمي
الأسدي الرماحي النجفي المعروف بالشيخ الطريحي.
ولد بالنجف وفيها درس، وتوفي في الرماحية سنة ١٠٨٥ وقد طعن
في السن ونقل إلى النجف.
والطريحيون من أقدم أسر النجف وأشهرها، وقد سموا بجدهم
طريح النجفي وقد وجد فيهم كثير من رجال العلم والصلاح، وصلى في
مسجدهم المعروف في النجف المحقق الكركي المتوفى سنة ٩٢٢ وعندهم
سجلات وصكوك يرتقي عهدها إلى القرن الثامن. وهم من بني أسد
ويظهر انهم انتقلوا بعد خراب الكوفة إلى النجف في القرن السادس
الهجري، وكان بنو أسد من أكثر القبائل في أعراص الكوفة...
والمسلمي لعله نسبة إلى مسلم بن عوسجة الأسدي، وقال في
الذريعة أنه نسبة إلى مسيلم بطن من العرب، والرماحي نسبة إلى
الرماحية بتشديد الميم والياء وهي مصر مستحدث في العراق لم يذكره ياقوت
ولا غيره من المخططين وهي في بلاد خزاعة على جدول ينصب إليها من
الفرات ويقال أن السلطان سليمان العثماني لما دخل العراق اختار طائفة ممن
معه الإقامة هناك فخططوا هذا المكان وسموه روم ناحية سي ثم صار
يسمى رماحية على كثرة الاستعمال ويقال أن هؤلاء كانوا من متصوفة
الأتراك وعمرت بهم في بدء امرها ويعرف كثير من آثارها بأسمائهم الآن.
ولما دخل الوهابيون العراق سنة ١٢١٦ وحاصروا النجف فلم يقدروا عليها
حاصروا الرماحية فصابرتهم، ثم أفرجوا عنها وكان الشيخ فخر الدين يقيم
فيها وهو عالمها ومسدد أهلها وقد بقيت البلدة آهلة إلى عهد غير بعيد ثم
(٣٩٤)

طم نهرها وتحول مجراه فهجرت وتفرق أهلها في حواضر العراق، وهم الآن
يعرفون بالنسبة إليها وقد عثروا أخيرا على آثار للشيخ فخر الدين في جامع
خرب له في الرماحية فغالى الناس بها هناك، ويوجد على مقربة من
الرماحية الأصلية جماعة من آل طريح الأسديين. ولقد زار الرماحية السيد
نعمة الله الجزائري الشوشتري سنة ١٠٨٩ قال ولما فرغنا من الزيارة في
النجف شرعنا في زيارة الأفاضل والمجتهدين ومباحثتهم ومصاحبتهم ثم
أتينا إلى الرماحية وكنت ضيفا عند رجل من المجتهدين وبقيت عنده أياما
قلائل. وذكرها القاضي نور الله وقال فتحها محمد بن فلاح المشعشعي.
والمترجم هو أحد مشاهير علماء القرن الحادي عشر، روى عنه جماعة
من الأئمة مثل المجلسي والسيد هاشم البحراني الذي روى عنه كثيرا في
مؤلفاته وأثنى عليه. وكان متقنا في العربية والفقه والرجال أديبا شاعرا
تقيا، سكن النجف وحج وجاور مدة ثم زار الرضا وجاور مدة ثم عاد إلى
النجف وكان في أسفاره يشتغل بالتصنيف فقد رئي له كتب صنفها بالنجف
واخرى بمكة واخرى بخراسان.
وقد ارخ بعضهم وفاته بهذه الأبيات:
خطب اراع حشي الهدى والدين * مذ فخره أودى بسهم منون
علم له علم العلوم وفضله * منشور اعلام ليوم الدين
سل مجمع البحرين والدرر التي * جمعت به عن علمه المخزون
وانظر لتأليفاته وبيانه الشافي * بعين بصيرة ويقين
تجد التقى في فعله والهدى في * أقواله والحكم بالتبيين
لا فخر حيث تضيف أصحاب الكسا * ارخ وطيدا بعد فخر الدين
مؤلفاته
من مؤلفاته جامع المقال في تمييز المشترك من الرجال فرع منه سنة
١٠٥٣ عليه شرح للشيخ محمد امين الكاظمي وعندي نسخة من
الأصل، الفخرية الكبرى الجامعة لكتابي الطهارة والصلاة، الفخرية
الصغرى مختصرة منها، الضياء اللامع في شرح مختصر الشرائع، اللمع في شرح
الجمع، الاثنا عشرية في الأصول تشتمل على ١٢ بحثا فرع منها سنة ١٠٥٧ فوائد
الأصول شرح المبادئ الأصولية، الاحتجاج في مسائل الاحتياج، كشف
غوامض القرآن، غريب القرآن، جواهر المطالب في خصائص علي بن أبي طالب
الكنز المذخور في عمل الساعات والأيام والليالي والشهور، كتب مراثي
الحسين ع كبير ومبسوط وصغير. تحفة الوارد وعقال الشارد،
مجمع الشتات، مجمع البحرين ينحو منحى النهاية الأثيرية وشبهها لذكر
غريب أحاديث الأئمة ع طبع عدة مرات، النكت اللطيفة في
شرح الصحيفة السجادية، مستطرفات نهج البلاغة، جامعة الفوائد في
الرد على محمد امين الاسترآبادي القائل ببطلان الاجتهاد والتقليد، ترتيب
خلاصة العلامة، غريب الحديث للخاصة، رسالة في تقليد الميت، شفاء
السائل في مستطرفات المسائل في علم مواقيت الصلاة في العروض القريبة
البعيدة، حاشية على المعتبر، مشارق النور في تفسير القرآن، كنز الفوائد
في تلخيص الشواهد وهو تلخيص لمعاهد التنصيص موجود عند احفاده في
النجف، ضوابط الأسماء وهي رسالة في ضبط أسماء الرواة مرتبة على
الحروف وفي اخرها اجازة لبعض تلاميذه، ترتيب كتاب نزهة القلوب في
غريب القرآن للسجستاني على حروف الهجاء مع زيادات وفوائد سماه نزهة
الخاطر وسرور الناظر ومتاع المسافر أو ربيع الاخوان الموضح لكلمات القرآن
فرع منه سنة ١٠٤٥، ايضاح الحساب لشرح خلاصة الحساب، يوجد
منها نسخة بخطه عند احفاده في النجف فرع منه في ٩ رجب سنة ١٠٨٣ في
دار السلطنة أصفهان وله رسالة في الأصول بخطه عندهم أيضا، عواطف
الاستبصار بين فيه ما في أسانيد الاستبصار من عطف رجل على
اخر وعين المعطوف عليه في الموارد المحتملة بالقرائن الداخلية والخارجية،
وله رسالة في فقه الطهارة والصلاة مجردة عن ذكر الأدلة منها
نسخة عند احفاده منقولة عن نسخة الأصل في حياته فرع من نسخها
في ربيع الثاني سنة ١٠٨٣ وعليها تملك محيي الدين الطريحي
النجفي المسلمي سنة ١١٦٠ ونعمة الطريحي سنة ١٢٤٩ وامين الدين بن
محيي الدين الطريحي، وعليها: في ملك والدي الشيخ نعمة الطريحي وانا
عبد الحسين الطريحي ١٢٦١، النكت الفخرية في شرح الرسالة الاثني
عشرية في الطهارة والصلاة لصاحب المعالم منه نسخة مخطوطة بخط المؤلف
رأيتها عند ذريته بالنجف الأشرف وهي بخط جيد فرع منها في ٧ رجب في
مشهد الكاظمين سنة ١٠٤١.
مشائخه
يعد من مشائخه السيد شرف الدين علي الشولستاني والشيخ محمد بن
حسام المشرفي والشيخ محمد بن جابر النجفي.
المولى فرج الله بن محمد حسين التستري
توفي سنة ١١٢٨
في ذيل اجازة السيد عبد الله بن نور الدين بن نعمة الجزائري:
كان عالما ذكيا في غاية ما يكون من جودة الذهن واستقامة الفكر قرأت عليه
الإلهيات كلها وكان بصيرا بالفقه والتجويد يروي عن جدي.
الشيخ فرج الله بن محمد الحويزي
اسمه أحمد بن درويش بن محمد بن حسين بن كمال الدين بن أكبر
مجرد الجبلي الحويزي الحائري المزرعاوي وفي بعض المقامات المولى
فرج الله بن الحسين بن حماد بن أكبر الحويزي معاصر لصاحب الوسائل
محمد بن الحسن بن الحر العاملي له ١ كتاب ايجاز المقال في علم الرجال
كبير في مجلدين اولهما في رجال الخاصة والثاني في رجال العامة حكى عنه
مصرحا بهذا الاسم السيد شبر المشعشعي ترجمة جده الاعلى السيد محمد بن
فلاح في رسالته المعمولة لاثبات سيادة السيد محمد ونسبه وقال صاحب
الرياض أنه جمع في رجاله كل رطب ويابس. ٢ كتاب كبير في الكلام
مشتمل على ثلاث وسبعين فرقة ٣ كتاب الغاية في المنطق والكلام ٤
كتاب الصفوة في الأصول نظير الزبدة ٥ تذكرة العنوان وهو كتاب عجيب
كتب بعض ألفاظه بالسواد وبعضها بالحمرة يقرأ من جهة الطول ومن جهة
العرض ومجموعه علم واحد وكل سطر من الحمرة علم في النحو والمنطق
والعروض ووجه تسميته بتذكرة العنوان ان بعض العلماء ألف كتابا اسماه
عنوان الشرف مشتملا على خمسة علوم: فقه الشافعي وعلم النحو والتاريخ
والعروض والقوافي فجرى يوما في مجلس الشيخ فرج الله ذكر هذا الكتاب ومدحه
فتعجب أهل المجلس منه فألف الكتاب قبل ان يرى كتاب عنوان
الشرف قلت كتاب عنوان الشرف كتاب عجيب مؤلفه شرف الدين إسماعيل
(٣٩٥)

بن أبي بكر الحسني اليمني المتولد سنة ٧٦٥ والمتوفي سنة ٨٣٧. مطبوع وكتب
السيوطي كراسا شبيها بعنوان الشرف في يوم واحد في مكة المكرمة سماه
النفحة المسكية والتحفة المكية ٦ تشريح الأفلاك ٧ شرح خلاصة
الحساب للبهائي ٨ منظومة في المعاني والبيان ٩ تاريخ كبير ١٠ ديوان
شعر كبير ١١ رسالة في الحساب ولعلها شرح الخلاصة إلى غير ذلك.
ومن شعره:
أحسن إلى من قد أساء فعاله * لو كنت توجس من إساءته العطب
وانظر إلى صنع النخيل فإنها * ترمي الحجارة وهي ترمي بالرطب (١)
الشيخ فرج الله بن سلمان بن محمد الجزائري
توفي في عشر الستين بعد الألف
عالم فاضل فقيه محدث ثقة عابد زاهد ورع كريم معظم عند الناس
مطاع وكان السلاطين يقصدونه ويتبركون بدعائه كذا عن السيد نعمة الله
الجزائري. وقال رأيته وهو كبير السن وكنت أتيمن بدعائه.
فخر الدين أبو هاشم بن أبي الحسن علي بن أبي المعالي بن الحسين من
أولاد إبراهيم المجاب العلوي
أصله من الكوفة واستوطن والده آية وولده فخر الدين بها رأيته
بالسلطانية وهو شاب حسن ذكر أنه كان الرسول إلى دوباج أمير كيلان (٢).
السيد فخر الدين بن مرتضى الحسيني الأفطسي التفرشي
له كتاب إغاثة الداعي في الأدعية ينقل عن الكفعمي في الجنة الواقية
وله منتخب الدعاء.
الشيخ فخر الدين بن علي بن أحمد بن محمد بن أبي جامع الحارثي الهمذاني
العاملي النجفي
توفي أوائل القرن الحادي عشر
ذكره الشيخ جواد في ملحق أمل الآمل فقال: كان عالما فاضلا توجه
بعد أبيه إلى شيراز وسكنها حتى مات وكتب ابن أخيه الشيخ رضي الدين في
بعض ما عندنا من كتب أجدادنا القديمة أنه وجد اجازة له للشيخ حسن
صاحب المعالم وإجازة مجملة للأولاد الثلاثة الشيخ عبد اللطيف والشيخ
رضي الدين والشيخ فخر الدين اه وهو جد آل فخر الدين الموجودين
في النجف والنبطية.
فخر الدين ابن مكانس
اورد له السيد علي خان الشيرازي في أنوار الربيع قوله في أمير
المؤمنين علي بن أبي طالب ع:
يا ابن عم النبي أن أناسا * قد توالوك بالسعادة فازوا
أنت للعلم في الحقيقة باب * يا امامي ومن سواك مجاز
فخر الملك أبو غالب وزير بهاء الدولة
اسمه محمد بن علي بن خلف.
الفراء
هو داود بن سليمان.
الفراء النحوي
اسمه يحيى بن زياد.
فرات
هو فرات بن إبراهيم بن فرات الكوفي وغالبا يكون بعد ابن سعيد
الهاشمي.
من أصحاب الرضا ع، له تفسير كبير قال عنه في البحار:
لم يتعرض الأصحاب لمؤلفه بمدح ولا ذم لكن كون اخباره موافقة لما وصل
إلينا من الأحاديث المعتبرة وحسن الضبط في نقلها مما يعطي الوثوق لمؤلفه
وحسن الظن به وروى الصدوق عنه بواسطة الحسن بن محمد بن سعيد
الهاشمي وروى عنه الحاكم أبو القاسم الحسكاني في شواهد التنزيل وغيره.
الشيخ فرج بن الحسن بن فرج بن أحمد بن الحسين ابن الشيخ محمد علي ابن
الشيخ محمد ابن الشيخ عبد الله بن فرج بن عبد الله بن عمران القطيفي
ولد سنة ٣٢١.
له كتاب تحفة أهل الايمان في تراجم علماء آل عمران القطيفي ترجم
فيه ثمانية منهم مستدركا ما فات صاحب أنوار البدرين ألفه سنة ١٣٤٥.
السيد فرج الله بن هاشم الحسيني الكاشاني
له كتاب تاريخ وزراء الاسلام أو تذكرة وزراء الاسلام كتبه في حدود
سنة ١٣٠٧.
الشيخ فرج الله بن نعمة الله وزير المولى عبد الله والي الحويزة
ذكره جامع ديوان السيد نصر الله الحائري فقال: دو القدر والجاه
الشيخ فرج الله وزير المولى عبد الله وقال السيد نصر الله الحائري يمدحه:
الله أكبر هذا البحر قد طفحا * أ ما ترى من اتاه وافدا ربحا
فلا تيمم سواه فالتيمم لا * يجوز كيف وماء الجود قد سفحا
هذا ابن نعمة من فيه قد التأمت * صدوع حالي ومن صدري به انشرحا
هذا الوزير الذي لا عيب فيه سوى * اعطائه من نحاه فوق ما اقترحا
ان الأيادي أياديه التي جزلت * إذ بخل كعب الأيادي مذ همت وضحا
أحسن بدوحة بذل منه ناضرة * طير المديح على أغصانها صدحا
وكيف تذبل حاشاها وغرته * ماء الطلاقة من ارجائها رشحا
لا غرو ان أنكر الحساد مفخره * ان الخفافيش لا يبصرن شمس ضحى
تراه كالطود من فرط الرزانة في * يوم اللقاء ومهتز إذا مدحا
لا زال ظلا ظليلا للمؤمل ذا * عمر طويل قصير الوعد منشرحا
السيد فرج الله ابن السيد علي خان حاكم الحويزة.
حكم الحويزة بعد أخيه السيد عبد الله خان سنة ١٠٩٨ وجرت بينه
وبين أقاربه منازعات يطول شرحها، واستقر له حكم الحويزة وذلك في
عهد الشاة سليمان الصفوي وصدر له فرمان من الشاة حسين بتاريخ
شعبان سنة ١١٠٤ يصفه فيه بعالي جاه عمدة الولاة العظام للسيادة والإيالة
والشوكة والجلالة والاقبال السيد فرج الله خان والي عربستان وكانت مدة

(١) الفوائد الرضوية.
(٢) مجمع الآداب.
(٣٩٦)

حكمه سنتين ثم عزل وعين ولده السيد عبد الله وفرمانات اخر بخلع
لأولاد أخيه بتاريخ سنة ١١١٦ وسنة ١١١٨ وملك المترجم البصرة سنة ١١٠٩
الفردوسي
في اسمه اختلاف كثير واحد الأقوال اسمه منصور وذكرنا بعض الكلام فيه في منصور وترجمناه في أبو القاسم.
: معتمد الدولة فرهاد ميرزا ابن ولي العهد عباس ميرزا ابن فتح علي شاة
القاجاري.
توفي سنة ١٣٠٥ في إيران وحمل إلى الكاظمية ودفن فيها.
فاضل ماهر، له كتاب زنبيل في فوائد متفرقة بالعربية والفارسية جمعه
الميرزا محمد حسين المنشي العلي آبادي المازندراني من خطوط المذكور أيام
ولايته على فارس سنة ١٢٩٣ مطبوع وله القمقام الزخار والصمصام
البتار في مقتل الحسين ع وأحواله فارسي في مجلدين مطبوع وله جام
جم في الجغرافيا مترجم عن الإنكليزية مع زيادات فارسي مطبوع.
فروع الدين الأصبهاني.
له رسالة الأنساب بالفارسية وله كتاب صحائف العالم رأينا منه مجلدا
في طهران بخط المؤلف فرع منه سنة ١٢٦٥ في شعبان وفي أوله هكذا:
المجلد الأول من الصحيفة الرابعة التي في أحوال الإنسان من كتاب
صحائف العالم تاليف العبد المذنب الجاني فروع الدين الأصبهاني غفر الله
له ولوالديه. وهو اي المجلد الأول من الصحيفة الرابعة مشتمل على ثلاث
طبقات فالطبقة الأولى في احكام الأنبياء ع وقد تقدمت في
مجلد اخر والطبقة الثانية مشتملة على بابين فالباب الأول في أحوال الأئمة
الاثني عشر ع وقد تقدم أيضا مع رسالة الأنساب في مجلد اخر
وهذا المجلد فيه الباب الثاني في أحوال الأولياء والزهاد والصلحاء والطبقة
في أحوال أصحاب رسول الله ص وأصحاب الأئمة ع ورجال
التابعين من المحدثين في مجلد اخر ويتلوه المجلد الثالث في أحوال العلماء
والحكماء والأدباء والشعراء والظرفاء والمغنين ثم شرع في الباب الثاني من
طبقات الأولياء وفيه فصول.
فروة بن عمرو الأنصاري.
قال ابن أبي الحديد في شرح النهج عن الزبير بن بكار: كان فروة
ابن عمرو ممن تخلف عن بيعة أبي بكر وكان ممن جاهد مع رسول الله ص
وقاد فرسين في سبيل الله وكان يتصدق من نخله بألف وسق كل عام وكان
سيدا وهو من أصحاب علي وممن شهد معه يوم الجمل ولما اجتمع جمهور
الناس لأبي بكر كرهت قريش معن بن عدي وعويم بن ساعدة فاجتمعت
الأنصار لهما في مجلس ودعوهما فلما حضرا أقبلت الأنصار عليهما فعيروهما
بانطلاقهما إلى المهاجرين وأكبروا فعلهما في ذلك فتكلم معن ثم عويم بكلام
معناه تصويب ما فعلا وتخطئة الأنصار وذمهم فاغلظوا لهما وفحشوا عليهما
وانبرى لهما فروة بن عمرو فقال لهما أ نسيتما قولكما لقريش انا قد خلفنا وراءنا
قوما قد حلت دماؤهم بفتنتهم ها والله ما لا يغفر ولا ينسى قد تصرف
الحية عن وجهها وسمها في نابها فقال كل من معن وعويم في ذلك شعرا
معناه تجهيل الأنصار ودمهم فيما قالوه قال فروة بن عمرو فذكر معنا وعويما
وعاتبهما على قولهما خلفنا وراءنا قوما قد حلت دماؤهم بفتنتهم:
الا قل لمعن إذا جئته * وذاك الذي شيخه ساعده
بان المقال الذي قلتما * خفيف علينا سوى واحده
مقالكم ان من خلفنا * مراض قلوبهم فاسده
حلال الدماء على فتنة * فيا بئسما ربت الوالدة
فلم تأخذا قدر أثمانها * ولم تستفيدا بها فائده
لقد كذب الله ما قلتما * وقد يكذب الرائد الواعده
فريد خراسان.
هو أبو الحسن أو الحسين علي بن أبي القاسم زيد بن محمد البيهقي.
الفزاري
هو جعفر بن محمد بن مالك.
أبو علي البصير الفضل بن جعفر بن الفضل بن يونس الكاتب الأنباري.
توفي سنة ٢٥١
أصلهم من الأنبار انتقلوا إلى الكوفة فنزلوا في النخع وهم من أبناء
فارس وكان أبو علي ضريرا ولقب البصير لذكائه وكان يتشيع وهو أحد
الأدباء البلغاء الظرفاء وكان مترسلا بليغا وله مع أبي العيناء محمد بن مكرم
الكاتب اخبار ومداعبات نظما ونثرا وقدم سر من رأى في أول خلافة
المعتصم ومدحه والخلفاء بعده ورؤساء أهل العسكر وتوفي بسر من رأى
سنة الفتنة وقيل بعد الصلح لأنه مدح المعتز وهو القائل
لئن كان يهديني الغلام لوجهتي * ويقتادني في السير إذ انا راكب
لقد يستضئ القوم بي في أمورهم * ويخبو ضياء العين والرأي ثاقب
وله:
إذا ما غدت طلابة العلم ما لهم * من العلم الا ما يخلد في الكتب
غدوت بتشمير وجد عليهم * ومحبرتي أذني ودفترها قلبي
وله:
لو تخيرت ما هويت ولو ملكت * أمري عرفت وجه الصواب
وفي هذه القصيدة يقول في جارية سوداء:
لم يشنها استحالة اللون عندي انها صبغة كلون الشباب
وله:
فكن عندما أملت فيك فإننا * جميعا لما أوليت من حسن أهل
ولا تعتذر بالشغل عنا فإنما * تناط بك الآمال ما اتصل الشغل
وله في المعلى بن أيوب
لعمر أبيك ما نسب المعلى * إلى كرم وفي الدنيا كريم
ولكن البلاد إذا اقشعرت * وصوح نبتها رعي الهشيم (١)
وعده ابن شهرآشوب في المعالم
من الشعراء المتقين، وأورد له:
بنفسي ومالي من طريف وتالد * وأهلي أنتم يا بني خاتم الرسل

(١) معجم الشعراء للمرزباني.
(٣٩٧)

أبو الفتح الفضل بن جعفر بن الفرات.
من وزراء بني العباس، كان شيعيا وبنو الفرات كلهم شيعة وهو
الذي صحح طريق الخطبة الشقشقية إلى أمير المؤمنين ع قبل الرضي.
الأمير فضل ابن الأمير حمود إلى آخر ما مر في علي بن حسين ابن الأمير
حمود.
ذكره ضامن فقال: كان سيدا حسن الخلق كريما فارسا شجاعا قارئا
كلام الله اه.
الحافظ أبو نعيم فضل ابن دكين.
في روضات الجنات: هو من مشاهير قدماء علماء الشيعة ويروي عنه
العامة أيضا كثيرا وهو موثوق عندنا وعندهم وان لم يذكر اسمه في كتب
الرجال وذلك لما ذكره الشهيد الثاني وسبطه الشيخ محمد في تعليقاتهما
الرجالية اه وعن ابن الأثير في الكامل انه كان شيعيا ومن مشائخ مسلم
والبخاري اه ومر في أحمد بن ميثم عن الميرزا انه رجل مشهور من علماء
الحديث ويأتي في محمد بن أبي يونس انه كان وراق أبي نعيم الفضل بن
دكين وهو جد أحمد بن ميثم المذكور.
قيل له أ تتشيع؟ فقال سمعت جعفر بن محمد يقول حب علي عبادة
وأفضل العبادة كتمها وله:
وما زال كتمانك ديني كأنني * برجع جواب السائلي عنك أعجم
لاسلم من قول الوشاة وتسلمي * سلمت وهل حي عن الناس يسلم
وشهد له ابن حجر في الإصابة في أبي جهيمة بأنه من المتقنين فرجح
روايته على رواية غيره فقال وأبو نعيم من المتقنين بخلاف غيره.
وفي الرياض كان من مشاهير المحدثين من قدماء أصحابنا يروي عنه
الخاصة والعامة وعده ابن رستة في الاعلاق النفيسة من الشيعة.
الشيخ فضل بن جعفر ابن فضل بن أبي قائد البحراني من تلامذة المحقق.
قرأ على المحقق نهاية الشيخ كما عن كشكول البحراني وعن الشيخ
سليمان الماخوزي البحراني.
امين الدين أو امين الاسلام أبو علي الفضل بن الحسن بن الفضل الطبرسي
الطوسي السبزواري الرضوي أو المشهدي.
أقوال العلماء في حقه
عن كتاب نقد الرجال للسيد الاجل الأمير مصطفى التفريشي، وفي
تعليقة العلامة الآقا محمد باقر البهبهاني على رجال ميرزا محمد الكبير: ثقة
فاضل دين عين، من أجلاء هذه الطائفة. وعن نظام الأقوال للمولى نظام
الدين القرشي تلميذ الشيخ البهائي: ثقة فاضل دين عين. وعن فهرست
الشيخ منتجب الدين علي بن عبيد الله بن بابويه بعد وصفه بالامام ثقة
فاضل دين عين. وفي الوجيزة للعلامة المجلسي ثقة جليل. وفي
مستدركات الوسائل: فخر العلماء الأعلام وامين الملة والاسلام، المفسر
الفقيه الجليل الكامل النبيل، صاحب تفسير مجمع البيان الذي عكف عليه
المفسرون، وغيره من المؤلفات الرائقة الشائع جملة منها. وعن رياض
العلماء للشيخ الحافظ المتبحر ملا عبد الله الأصفهاني المعروف بالأفندي،
انه وصفه بالشيخ الشهيد الامام، وانه قال رأيت نسخة من مجمع البيان
بخط الشيخ قطب الدين الكيدري قد قرأها نفسه على نصير الدين
الطوسي، وعلى ظهرها أيضا بخطه هكذا: تاليف الشيخ الإمام الفاضل
السعيد الشهيد انتهى. قال في مستدركات الوسائل بعد نقل ذلك ولم
يذكر هو ولا غيره كيفية شهادته، ولعلها كانت بالسم انتهى.
وعن صاحب رياض العلماء أيضا أنه قال بعد مدحه له بعبارات
عالية. كان قدس سره وولده رضي الدين حسن بن الفضل صاحب
كتاب مكارم الأخلاق، وسبطه أبو الفضل علي بن الحسن صاحب مشكاة
الأنوار وسائر سلسلته وأقربائه من أكابر العلماء انتهى.
وفي الروضات: الشيخ الشهيد السعيد الحبر الفقيه الفريد الفاضل
العالم المفسر الفقيه المحدث الجليل الثقة الكامل النبيل. ثم حكى عن
صاحب رياض العلماء ترجمته بنحو ذلك. وفي المقابيس لرئيس المحققين
الشيخ أسد الله التستري عند ذكر ألقاب العلماء، ومنها امين الاسلام
الشيخ الأجل الأوحد والأكمل الأسعد قدوة المفسرين وعمدة الفضلاء
المتبحرين، امين الدين أبي علي الخ قدس الله نفسه الزكية، وأفاض على
تربته المراحم السرمدية. وعن مجالس المؤمنين ما ترجمته: ان عمدة
المفسرين امين الدين ثقة الاسلام أبو علي الفضل بن الحسن بن الفضل
الطبرسي كان من نحارير علماء التفسير، وتفسيره الكبير الموسوم بمجمع
البيان بيان ودليل واف لجامعيته لفنون الفضل والكمال انتهى.
وسيأتي عند ذكر جملة من آثاره حكاية وصفه بالشيخ الاجل العالم
الزاهد امين الدين ثقة الاسلام امين الرؤساء. وبالجملة ففضل الرجل
وجلالته وتبحره في العلوم ووثاقته أمر غني عن البيان، واعدل شاهد على
ذلك كتابه مجمع البيان كما أشار إليه صاحب مجالس المؤمنين بما جمعه من
أنواع العلوم، وأحاط به من الأقوال المشتتة في التفسير، مع الإشارة في
كل مقام إلى ما روي عن أهل البيت ع في تفسير الآيات
بالوجوه البينة المقبولة مع الاعتدال وحسن الاختيار في الأقوال، والتأدب
وحفظ اللسان مع من يخالفه في الرأي بحيث لا يوجد في كلامه شئ ينفر
الخصم أو يشتمل على التهجين والتقبيح، وقل ما يوجد في المصنفين من
يسلم كلامه من ذلك، وانظر إلى كلامه في مقدمة جامع الجوامع في حق
صاحب الكشاف وما فيه من التعظيم له والثناء البليغ على علمه وفضله،
لتعلم انه من الفضل والإنصاف وطهارة النفس في مرتبة عالية.
مشائخه
يروي عن جماعة: ١ الشيخ أبو علي ابن الشيخ الطوسي ٢
الشيخ أبو الوفاء عبد الجبار بن علي المقري الرازي عن الشيخ الطوسي ٣
الشيخ الأجل الحسن بن الحسين بن الحسن بن بابويه القمي الرازي جد
منتجب الدين صاحب الفهرست ٤ الشيخ الامام موفق الدين ابن الفتح
الواعظ البكرآبادي عن أبي علي الطوسي ٥ السيد أبو طالب محمد بن
الحسين الحسيني القصبي الجرجاني ٦ الشيخ الامام السعيد الزاهد أبو
(٣٩٨)

الفتح عبد الله بن عبد الكريم بن هوازن القشيري روى عنه صحيفة الرضا
المعروفة ٧ الشيخ أبو الحسن عبيد الله محمد بن الحسين البيهقي الذي
قال في حقه صاحب رياض العلماء على ما حكي عنه: انه فاضل عالم
محدث من كبار الامامية، يروي عنه الشيخ أبو علي الطبرسي على ما يظهر
من تفسير سورة طه في مجمع البيان انتهى ٨ الشيخ جعفر الدورستي
الذي هو من تلامذة المفيد.
تلامذته
يروي عنه جماعة من أفاضل العلماء منهم ولده رضي الدين أبو نصر
حسن بن الفضل صاحب كتاب مكارم الأخلاق المشهور، الذي طبع مرارا
في مصر محرفا تحريفا قبيحا ثم تصدى بعض أهل الفضل والغيرة لطبعه طبق
أصله في بلاد إيران، مع التنبيه على مواضع التحريف في الطبعة المصرية،
وهو من تلامذته أيضا كما في المقابيس ويروي عنه أيضا رشيد الدين أبو جعفر
محمد بن علي بن شهرآشوب، وهو من تلامذته أيضا. قال في باب الكني من
كتابه معالم العلماء على ما حكي عنه: شيخي أبو علي الطبرسي. والشيخ
منتجب الدين صاحب الفهرست وهو من تلامذته أيضا قال في فهرسته
شاهدته وقرأت تفقها عليه، والقطب الرواندي، والسيد فضل الله
الراوندي صاحب كتاب الخرائج والجرائح (١) والسيد أبو الحمد مهدي بن
نزار الحسيني القايني، والسيد شرفشاه بن محمد بن زيادة الأفطسي،
والشيخ عبد الله بن جعفر الدوريستي، وشاذان بن جبرئيل القمي وغيرهم
وعن صاحب اللؤلؤة انه عده من جملة مشائخ برهان الدين بن محمد بن
علي القزويني الهمداني.
مصنفاته
له مصنفات كثيرة نافعة وجملة منها مشهور. وفي المقابيس له مؤلفات
فايقة رائقة وقد سمعت قول الفاضل النوري ان له مؤلفات رائقة وجملة
منها شائع. وقال السيد مصطفى التفريشي له مصنفات حسنة. وفي
التعليقة له تصانيف حسنة إلى غير ذلك من أقوال العلماء. ونحن نذكر
أسماء ما وصل إلينا من مصنفاته وهي:
مجمع البيان لعلوم القرآن، فسر به القرآن الكريم في عشر مجلدات،
المستمد من البيان لشيخ الطائفة محمد بن الحسن بن علي الطوسي كما ألمع
إلى ذلك في مقدمة مجمع البيان، والفائق عليه في الترتيب والتهذيب
والتحقيق والتنميق، واختصار الفروع الفقهية التي أكثر الشيخ من
ذكرها، وهو من أحسن التفاسير واجمعها لفنون العلم وأحسنها ترتيبا، فرع
من تاليفه منتصف ذي القعدة سنة ست وثلاثين وخمسمائة.
قال في كشف الظنون: مجمع البيان في تفسير القرآن للشيخ فقيه
الشيعة ومصنفهم أبي جعفر محمد بن علي الطوسي المتوفى سنة إحدى وستين
وخمسمائة، وهو كبير، وقد رأيت تفسيره المسمى مجمع البيان وهو على
طريقة الشيعة، وقد اختصر الكشاف وسماه جوامع الجوامع (٢) انتهى.
وقال في مقام آخر جوامع الجامع في التفسير للشيخ أبي علي
الطرطوشي صاحب مجمع البيان انتهى. فقد اشتبه عليه مصنف مجمع
البيان بمصنف التبيان وجعل جوامع الجامع تارة للشيخ أبي جعفر الطوسي
وتارة للشيخ أبي علي الطبرسي مع تصحيف الطبرسي بالطرطوشي،
والاشتباه في تسميته بجوامع الجوامع مع أنه إنما يسمى بجامع الجوامع أو
جوامع الجامع كما ستعرف، وجعل تاريخ وفاة الطبرسي تاريخا لوفاة الشيخ
الطوسي، فان الطوسي توفي سنة ستين وأربعمائة مع أن التاريخ المذكور لا
ينطبق على وفاة الطبرسي أيضا، كما ستعرف من أنه توفي سنة خمسمائة
وثمان وأربعين أو اثنتين وخمسين ولم يذكر أحد أنه توفي سنة إحدى وستين،
وله في بيان كتب الشيعة اشتباهات كثيرة غير هذا يجدها المتتبع.
ولنعد إلى ذكر بقية مؤلفات الطبرسي وهي: الكاف الشاف من
كتاب الكشاف جامع الجوامع أو جوامع الجامع صنفه بعد
اطلاعه على الكشاف لأنه صنف مجمع البيان قبل أن يطلع على الكشاف،
فلما اطلع عليه صنف جامع الجوامع ليكون جامعا بين فوائد الكتابين بوجه
الاختصار كما صرح به في مقدمته وعد الشيخ منتجب الدين على ما نقل عنه
في الفهرست في مصنفاته الوسيط في التفسير أربع مجلدات والوجيز
مجلدة. وعن نقد الرجال عند ذكر مصنفاته: الوسيط أربع مجلدات،
والوجيز مجلدان. وفي المقابيس أن جامع الجوامع هو الوسيط الذي في أربع
مجلدات، أو الوجيز الذي في مجلد أو مجلدين، والظاهر أن الوسيط هو
الكاف الشاف انتهى.
الوافي في تفسير القرآن أيضا أعلام الهدى في فضائل الأئمة
ع في مجلدين. قيل: ومن الغرائب أن السيد رضي الدين بن
طاووس ألف كتاب ربيع الشيعة على نهج إعلام الورى، قد وافقه في جميع
الأبواب والفصول والمطالب، و بالجملة لا تفاوت بينهما أصلا تاج
المواليد الآداب الدينية الخزانة المعينية النور المبين الفائق
غنية العابد كنوز النجاح نسبه إليه فيما قيل رضي الدين بن طاووس
في مهج الدعوات، والكفعمي في المصباح وحواشيه عدة السفر وعمدة
الحضر نسبه إليه الكفعمي أيضا على ما قيل معارج السؤال أسرار
الأئمة أو الإمامة نسبهما إليه بعض العلماء على ما قيل، واستظهر صاحب
الروضات إن الأخير لولده الحسن بن الفضل مشكاة الأنوار في الأخبار
نسبه إليه في كتاب دفع المناواة على ما قيل، وفي الروضات الظاهر أنه غير
مشكاة الأنوار في غرر الأخبار التي هي لسبطه الشيخ أبي الفضل على ابن
الشيخ رضي الدين أبي النصر، وهو كتاب طريف يشتمل على أخبار
غريبة، لأن ما له في الأخبار وما لسبطه في الأدعية رسالة حقائق الأمور
العمدة في أصول الدين والفرائض والنوافل بالفارسية كتاب شواهد
التنزيل لقواعد التفضيل ذكره في مجمع البيان في ذيل آية يا أيها الرسول ما
انزل إليك كتاب الجواهر في النحو، ولكن في الروضات: ظني أنه من
مؤلفات الشيخ شمس الدين الطبرسي النحوي الذي قد ينقل عنه
الكفعمي في البلد الأمين. وينسب إليه كتاب نثر اللآلي وربما قيل أنه
للسيد علي بن فضل الله الحسني الراوندي وهي رسالة مختصرة مجموعة من
كلام أمين المؤمنين علي بن أبي طالب ع مرتبة على حروف المعجم على
نهج كتاب غرر الحكم ودرر الكلم الذي جمعه عبد الواحد الآمدي التميمي

(١) وصاحب الشرح الكبير على نهج البلاغة.
(٢) مختصر الكشاف انما هو الكاف الشاف لا جامع الجوامع كما لا يخفى على من رآه ولعل
الاسمين لمسمى واحد كما ستراه قريبا.
(٣٩٩)

فيما يزيد عن أربعة آلاف بيت (١) ويزيد حجمه عن نهج البلاغة، رأيت منه
نسخة بدمشق بخط جيد. وذكر في مقدمته أن الجاحظ جمع مائة حكمة
شاردة من كلام أمير المؤمنين ع وافتخر بذلك فجمع هو ما يزيد عليها
أضعافا مضاعفة، قال في الروضات: مع أن ما جمع في كتاب غرر الحكم
هو غير المائة كلمة المشهورة وغير الألف كلمة التي جمعها ابن أبي الحديد في
آخر شرح النهج وقال أيضا أن كتاب نثر اللآلئ المذكور غير كتاب نثر
اللآلي في الأخبار والفتاوى لابن أبي جمهور الأحسائي انتهى.
وبالمناسبة لا باس أن نذكر هنا ما وجدناه منقولا من قطب الدين
الكيدري في شرح نهج البلاغة عن صاحب المنهاج أنه قال: سمعت بعض
العلماء بالحجاز ذكر أنه وجد بمصر مجموعا من كلام أمير المؤمنين
ع في نيف وعشرين مجلدا انتهى. ولا يستغرب ذلك عن باب
مدينة العلم. وعد غير واحد من العلماء كتاب الاحتجاج من مصنفاته وهو
غلط بل هو من مصنفات أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي كما صرح به
ابن شهرآشوب في معالم العلماء وغيره على ما حكي. وفي الروضات قد
يوجد في بعض الفهارس نسبة كتاب الكافي إليه ولا يبعد اشتباهه بكتاب
الوافي. أقول بل الظاهر أنه هو الكاف الشاف الذي تقدم ذكره.
حكاية غريبة عنه
عن صاحب رياض العلماء أنه قال: مما اشتهر بين الخاص والعام أنه
أصابته السكتة فظنوا به الوفاة فغسلوه وكفنوه ودفنوه وانصرفوا، فافاق
ووجد نفسه مدفونا فنذر أن خلصه الله من هذه البلية أن يؤلف كتابا في
تفسير القرآن، واتفق أن بعض النابشين كان قد قصد قبره في تلك الحال
وأخذ في نبشه، فلما نبشه وجعل ينزع عنه الأكفان قبض بيده عليه فخاف
النباش خوفا عظيما. ثم كلمه فازداد خوف النباش فقال له: لا تخف
وأخبره بقصته. فحمله النباش على ظهره وأوصله إلى بيته فأعطاه الأكفان
ووهب له مالا جزيلا وتاب النباش على يده ثم وفي بنذره وألف كتاب مجمع
البيان انتهى. قال الفاضل النوري في مستدركات الوسائل بعد نقل
هذه الحكاية: ومع هذا الاشتهار لم أجدها في مؤلف أحد قبله. وربما
نسبت إلى العالم الجليل المولى فتح الله الكاشاني صاحب تفسير منهج
الصادقين وخلاصته وشرح النهج المتوفى سنة تسعمائة وثمان وثمانين
انتهى.
أقول ومما يبعد هذه الحكاية مع بعدها في نفسها من حيث استبعاد
بقاء حياة المدفون بعد الإفاقة أنها لو صحت لذكرها في مقدمة مجمع البيان
لغرابتها، ولاشتمالها على بيان السبب في تصنيفه مع أنه لم يتعرض لها والله
أعلم.
جملة من آثاره
قال في أمل الآمل: ومن رواياته صحيفة الرضا ع. قال صاحب
رياض العلماء على ما حكي عنه في أول بعض نسخ صحيفة الرضا ع
هكذا: أخبرنا الشيخ الامام الأجل العالم الزاهد أمين الدين ثقة الاسلام
أمين الرؤساء أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي أطال الله بقاه. يوم
الخميس غرة شهر الله الأصم رجب سنة ٥٢٩ قال: أخبرنا الشيخ الامام
السيد الزاهد أبو الفتح عبد الله بن عبد الكريم، وفي بعضها يروي تلك
الصحيفة عن ذلك السيد قراءة عليه داخل القبة التي فيها قبر الرضا ع
غرة شهر الله المبارك سنة إحدى وخمسمائة قال: حدثني الشيخ الجليل
العالم أبو الحسن علي بن محمد بن علي الحاتمي الزوزني قراءة عليه سنة
٤٥٧، انتهى موضع الحاجة.
وتفرد بمقالة في الرضاع معروفة مذكورة في كتب فقهائنا، وهي قوله
بعدم اعتبار اتحاد الفحل في نشر الحرمة. ويحكى عنه القول بان المعاصي
كلها كبائر وإنما يكون اتصافها بالصغيرة بالنسبة إلى ما هو أكبر منها.
مدة عمره ومدفنه
قيل أنه عاش تسعين سنة، وولد في عشر سبعين وأربعمائة، وتوفي
سنة اثنتين وخمسمائة والظاهر سقوط لفظة خمسين من تاريخ الوفاة. وكون
الولادة في السنة الثانية من عشر السبعين وأربعمائة ليكون عمره تسعين
سنة. ولكن عن رجال الأمير السيد مصطفى التفريشي أنه انتقل من
المشهد الرضوي إلى سبزوار سنة خمسمائة وثلاث وعشرين، وانتقل بها إلى
دار الخلود سنة خمسمائة وثمان وأربعين. وقد سمعت عند تعداد مصنفاته
قول صاحب كشف الظنون أنه توفي سنة إحدى وستين وخمسمائة، والله
أعلم. وفي الروضات: كانت وفاته ليلة النحر من تلك السنة أي سنة
٥٤٨، ثم نقل نعشه إلى المشهد المقدس الرضوي وقبره الآن فيه معروف
في موضع يقال له قتلگاه أي مكان القتل، وذلك لما وقع فيه من القتل
العام بأمر عبد الله خان أمير الأفغان في أواخر دولة الصفوية انتهى. وفي
المقابيس قال: نقل أنه دفن في مغتسل الرضا ع بطوس انتهى،
وقال بعضهم أن قبره بطوس معروف مشهور يزار ويتبرك به.
نسبته
الطبرسي بالطاء المهملة والباء الموحدة المفتوحين والراء الساكنة بعدها
مهملة نسبة إلى طبرستان بفتح الطاء والباء وكسر الراء في معجم البلدان.
وعن رياض العلماء هي بلاد مازندران بعينها، وقد يعم بلاد جيلان
لاشتراكهم في حمل الطبر انتهى. وفي معجم البلدان الطبر بالتحريك
هو الذي يشقق به الأحطاب وما شاكله بلغة الفرس، واستان الموضع أو
الناحية كأنه يقول ناحية الطبر. ثم ذكر سبب تسميتها بذلك فقال سببه أن
أكثر أهل تلك الجبال كثيرو الحروب، وأكثر أسلحتهم بل كلها الاطبار
حتى أنك قل إن ترى صعلوكا أو غنيا إلا وبيده الطبر صغيرهم وكبيرهم،
فكانها لكثرتها فيهم سميت بذلك. ومعنى طبرستان من غير تعريب موضع
الاطبار والله أعلم انتهى.
والرضوي والمشهدي نسبة إلى مشهد الرضا ع لأنه سكن فيه،
ثم أن الطبرسي حيث يطلق ينصرف إلى صاحب الترجمة وإن كان يطلق
أيضا على أبي منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي مصنف كتاب
الاحتجاج والشيخ محمد بن علي بن شهرآشوب فيكون معاصرا لصاحب
الترجمة، لأن ابن شهرآشوب يروي عن صاحب الترجمة أيضا كما مر عند
تعداد تلامذته، ويطلق أيضا على ولد صاحب الترجمة رضي الدين أبي نصر
الحسن بن الفضل الطبرسي صاحب كتاب مكارم الأخلاق المار ذكره،

(١) يريد بالبيت في اصطلاحهم السطر.
(٤٠٠)

ويطلق أيضا على أبي محمد بن الفضل الطبرسي المذكور بهذا العنوان في
أمل الآمل، والموصوف فيه كان عالما صالحا عابدا، يروي ابن شهرآشوب عنه
عن تلامذة الشيخ الطوسي انتهى فيكون معاصرا لصاحب الترجمة
أيضا.
الفضل بن محمد بن الحسن بن عبيد الله بن العباس بن علي بن أبي
طالب ع
من شعره قوله يرثي جده العباس بن علي ع:
إني لاذكر للعباس موقفه * بكربلاء وهام القوم تختطف
يحمي الحسين ويحميه على ظما * ولا يولي ولا ينثني فيختلف
ولا أرى مشهدا يوما كمشهده * مع الحسين عليه الفضل والشرف
أكرم به مشهدا بانت فضيلته * وما أضاع له أفعاله خلف
الأمير فضل الله الاسترآبادي النجفي
فقيه متكلم من وجوه تلامذة الأردبيلي ولما سال الميرزا محمد
الاسترآبادي المولى احمد الأردبيلي حين حضرته الوفاة عمن يتعلم منه من
تلامذته ويأخذ من المسائل قال أما في العقليات فإلى الأمير فضل الله وأما في
الشرعيات فإلى الأمير علام. له تعاليق على إلهيات شرح التجريد وتعاليق
على آيات الاحكام للأردبيلي وغير ذلك رسالة في حل المغالطات ورسالة في
حل شبهة على كلمة التوحيد ورسالة الهليلية في حكمة الوضوء.
الميرزا فضل الله بن الحكيم الإلهي الثاني الميرزا شمس الدين ابن
الميرزا جعفر الحكيم الإلهي الكبير ابن الميرزا حسن علي اللواساني
له عين الغزال في الرجال.
السيد فضل الله الحسني
المتخلص بفاضل له فلاح المسافرين في أدعية السفر فارسي انتخبه
من أمان الأخطار لابن طاوس.
الخواجة رشيد الدين فضل الله الطبيب الهمذاني وزير غازان خان
وأخيه الجايتو خربندا محمد خان المغولي
قتل سنة ٧١٨ ودفن في قلعة رشيدية في تبريز.
في التاريخ المخطوط الفارسي الذي عندنا الذي ذهب أوله كما ذكرناه
غير مرة ما تعريبه: إن غازان خان بن ارغون خان بن ابقا خان بن هلاكو
خان تولى الملك بعد بايدو خان في سلخ ذي الحجة سنة ٦٩٤ واستوزر
الخواجة جمال الدين الدستكرداني وقتله بعد شهرين. وفي المحرم سنة ٦٩٦
استوزر الخواجة صدر الدين الخالدي الزنجاني وبعد مضي سنة ونصف
السنة من وزارته في ٢١ رجب سنة ٦٩٧ قتله مع أخيه قطب الدين واستوزر
الخواجة رشيد الدين فضل الله الطبيب الهمذاني والخواجة سعد الدين الساذجي
ولما توفي غازان في شوال سنة ٧٠٣ وجلس بعده على تخت السلطنة في تبريز ٥
ذي الحجة سنة ٩٠٣ أخوه الجايتو خان خربندا محمد بن ارغون أبقى
الصاحب الأعظم خواجة رشيد الدين والدستور الأكرم الخواجة سعد الدين في
منصب الوزارة وفي ١٠ شوال سنة ٧١١ غضب على وزيره سعد الدين الساوجي
وقتله وأقام مكانه في الوزارة علي شاة التبريزي وأشركه فيها مع رشيد الدين. ولما
توفي الجايتو ليلة عيد الفطر سنة ٧١٦ وتسلطن بعده ابنه أبو سعيد بن
الجايتو عزل الخواجة رشيد الدين من الوزارة ثم قتله في حدود أبهر سنة
٧١٨ انتهى. وقد ألف العلامة الحلي رسالة في جواب سؤالين سئل
عنهما المترجم فأجاب وأثنى عليه العلامة في تلك الرسالة ثناء بليغا ووصفه
بالعلم والفضل ومر ذكر ذلك مفصلا في ترجمة العلامة الحسن بن يوسف
بن المطهر، ومما قاله فيها في وصفه: المولى الأعظم والصاحب الكبير
المخدوم المعظم مربي العلماء ومقتدي الفضلاء أفضل المحققين رئيس
المدققين صاحب النظر الثاقب والحدس الصائب أوحد الزمان المخصوص
بعناية الرحمن المميز عن غيره من نوع الإنسان ترجمان القرآن الجامع
لكمالات النفس المترقي بكماله إلى حظيرة القدس ينبوع الحكمة العملية
وموضع اسرار العلوم الربانية موضح المشكلات ومظهر النكت الغامضات
وزير الممالك شرقا وغربا وبعدا وقربا خواجة رشيد الملة والحق والدين أعز
الله انصاره وضاعف اقداره وأيده بالألطاف وأمده بالاسعاف وجدت فضله
بحرا لا يساجل وعلمه لا يقاس ولا يماثل وحضرت في بعض الليالي في
خدمته للاستفادة من نتائج قريحته فسئل في تلك الليلة سؤالان مشكلان
فأجاد في الجواب عنهما وأوردت في هذه الرسالة تقرير ما بينه الخ والسؤال
الأول أنه من المعلوم ان النبي أعلى مرتبة من الوصي وقد قال رب زدني
علما كما حكاه عنه القرآن الكريم وقال أمير المؤمنين ع لو كشف
لي الغطاء ما ازددت يقينا والسؤال الثاني في الجمع بين قوله تعالى
وقفوهم انهم مسؤولون. فوربك لنسألنهم أجمعين وقوله تعالى
يومئذ لا يسال عن ذنبه انس ولا جان اه ومن ذلك يعلم
تشيعه.
وللمترجم تاريخ غازاني ذكر فيه سبب تشيع غازان وتسميته نفسه
بمحمود وحبه للسادات وأوقافه ووظائفه لهم ألفه بأمر السلطان محمد أو
لجايتو الشاة خدابنده وله كتاب في التفسير يعرف بتفسير رشيدي، وتبلغ
تصانيفه اثنين وخمسين مجلدا كان المدرسون يدرسون فيها منها ترجمة
للتوراة. وبنى في تبريز القلعة الرشيدية المعروفة بربع رشيد وعين لها أوقافا
كثيرة وأموالا جزيلة.
وذكر في وصيته المعروفة بوصيت نامه رشيدي ان في بيت
الكتب له ألف مجلد من كلام الله المجيد استكتبها ووقفها، أربعمائة منها
بخط ياقوت المستعصمي وستة بخط أحمد السهروردي وستين ألف مجلد من
الكتب التي جمعها من إيران وتوران ومصر والشام وعدن كلها موقوفة على
الرشيدية، وذكر أن قسما من أمواله تقسم بين أولاده الذكور والإناث
والسلطان خدابنده.
تفاصيل أخرى (١)
ولد رشيد الدين فضل الله في مدينة همذان سنة ٦٤٥ ه
١٢٤٧ م على الأرجح. إذ أنه يحدثنا أنه كان في سنة ٧٠٥ في حدود
الستين من حياته. وقبل غازان كان على صلة باباقا خان وخلفائه مكرما
عندهم معنيا به في بلاطهم. ولكننا لا نعلم أنه تولى منصبا كبيرا قبل

(١) مما استدركناه على الأصل " ح ".
(٤٠١)

غازان الذي ولي الملك سنة ٦٩٤ ه ١٢٩٥.
ونحن نعلم أن أول من أسلم من ملوك المغول هو تكودار بن
هولاكو الذي ولي الملك بعد أخيه اباقا خان وتسمى بأحمد. وكان أباقا
خان قد عهد بالملك إلى ابنه أرغون. ولكن آل الجويني ومن والاهم من
الأمراء والقواد لم يدعوا أرغون يتولى الملك ونادوا بتكودار ملكا سنة ٦٨٠
ولم يطل الأمر أكثر من ثلاث سنين حيث استطاع أرغون التغلب على عمه
الأمير أحمد تكودار وقتله وتولى الملك بعده. وفي عهد ارغون انتعشت
الوثنية من جديد كما اشتد نفوذ اليهود. وبعد ارغون تولى ابنه غازان الذي
كان أول ملك مغولي يؤدي الصلاة في المساجد الجوامع فيحذو حذوه
الأمراء والكبراء وجمهرة الشعب المغولي. وكانت صلة رشيد الدين بغازان
في أول أمرها صلة علمية بحتة. وكان السلطان يغتنم فرصة لقائه
برشيد الدين ليذاكره في مبادئ الاسلام وتفسير القرآن ويستوضحه ما خفي
عليه من شؤون الدين، وليجول معه في أمور العلم والفكر.
ثم ولاه المنصب الأول في الدولة وجعله وزيرا له، بعد مقتل الوزير
السابق صدر الدين الزنجاني، الذي أودى به سعيه برشيد الدين عند
غازان ومحاولة الايقاع به لديه، فادى ذلك إلى مقتله وإحلال رشيد الدين
محله عام ٦٩٧ ه ١٢٩٧ م وأشرك معه في الوزارة سعد الدين
الساوجي.
ثم مات غازان وتولى الحكم بعده أخوه الجايتو خدابنده فحفظ
للوزيرين منصبيهما وظلت لرشيد الدين نفس المنزلة التي كانت له عند
غازان.
وكما حيكت له الدسائس لدى غازان أخذت الدسائس تحاك له
ولزميله سعد الدين لدى خدابنده فنجا منها رشيد الدين مرارا في حين
أنها أدت إلى مقتل زميله سعد الدين وإحلال علي شاة محله الذي أخذ يدس
على رشيد الدين دون أن ينجح في دسائسه. ومات الجايتو خدابنده ورشيد
الدين على مكانته، وتولى بعد خدابنده ولده أبو سعيد والتنافر بين الوزيرين
على أشده ودسائس علي شاة لدى أبي سعيد تتوالى حتى نجح في حمل
السلطان على إقصائه عن الوزارة سنة ٧١٧ ه ١٣١٧ م. على أن
مساعي أصدقائه أعادته من جديد إلى الوزارة بعد أن تردد وأحجم، و لكن
هذه العودة كانت السبب في وصوله إلى نهاية المحنة. إذ اتهمه زميله علي
شاة بأنه سمم السلطان خدابنده وبعد مناقشات طويلة اقتنع أبو سعيد بان
رشيد الدين إن لم يسمم أباه فهو على الأقل وصف له دواء كان السبب في
موته. وبالرغم من أن التهمة كانت واهية فقد سيطرت على أبي سعيد فامر
بان يقتل رشيد الدين وأن يقتل معه ولده اليافع إبراهيم الذي لم يكن قد
تجاوز السادسة عشرة من عمره بدعوى أنه هو الذي ناول الدواء بنفسه
للسلطان، فقتل ولده أمام عينيه ثم قتل هو سنة ٧١٨ ه ١٣١٩ م وقد
بلغ الثالثة والسبعين من عمره.
ولم يلبث بعد ذلك أبو سعيد أن أدرك أنه كان مخطئا فيما أجراه على
رشيد الدين وولده، وشاء أن يكفر عما فعل فاستدعى غياث الدين أحد
أولاد رشيد الدين وعهد إليه بالمنصب الذي كان يشغله أبوه في الوزارة.
الربع الرشيدي
أنشأ رشيد الدين في تبريز ضاحية أطلق عليها اسم الربع الرشيدي
وعني بها عناية فائقة. على أن أكثر ما يمهنا من تلك الضاحية أنه أنشأ فيها
مكتبة حافلة جمع فيها من صنوف الكتب ما قل أن يجتمع مثيله في مكتبة.
وكانت تحتوي على ما لا يقل عن خمسين ألف مجلد.
ولما نكب وقتل كان من أفجع أثار النكبة إحراق تلك المكتبة بكل ما
فيها. ولدينا الكثير من الكتب التي لم يصلنا إلا اسمها وكانت فيما تحويه
مكتبة الربع الرشيدي وذهبت كلها طعمة للنار. ويكفي أن نذكر منها
مؤلفات ابن الفوطي وحدها.
المثقف المسلم والعالم العالمي
هذا تلخيص لحياة رشيد الدين السياسية، وهي حياة مهما كان قد
أوتي فيها من كفاءة وتفوق في حسن تصريف الأمور، ومهما كتب له من
النجاح في ميادينها، فهي على كل حال حياة كحياة كل السياسيين المتفوقين
منهم وغير المتفوقين، الذين لا يلبث اسمهم أن يضيع في طيات الزمن
ويختفي في أغوار الدهر. ولو كانت هذه الحياة هي كل ما كان لرشيد الدين
لما وجد من يشغل نفسه بها ويلفت قراءة إليها.
ولكن لرشيد الدين حياة أخرى هي التي تعنينا في هذا البحث،
وهي التي عنت قبلنا غيرنا من الكاتبين: هي حياة العالم المفكر المؤرخ،
وهي حياة أكسبت رشيد الدين الخلود، وجعلته من أحياء الذكر على طول
الدهر.
يقول المستشرق الفرنسي كاترمير في مقدمته التي كتبها لكتاب
جامع التواريخ: إذا غضضنا النظر عن الطب الذي أقبل رشيد الدين
على تعلمه منذ زمن مبكر، وعن شتى فروع المعرفة الأخرى التي ترتبط بهذا
العلم برباط مباشر، وجدنا أنه أيضا لم يهمل دراسة الزراعة والهندسة
والميتافيزيقا واللاهوت. وكان يحيط إحاطة تامة بكثير من اللغات وهي:
الفارسية والعربية والمغولية والتركية والعبرية وربما الصينية.
ويقول عنه أيضا كان مولعا بالمعرفة أشد الولع فاستطاع رغم كل
هذه المشاغل والموانع أن يجد لنفسه الوسيلة لمعالجة الآداب والعلوم
والإحاطة بالدين الاسلامي إلى أعمق حد.
والواقع أن رشيد الدين كان يمثل المسلم المثقف، الرفيع الثقافة
كما كان يمثل العالم العالمي، بأوسع ما تعنيه هذه الكلمات من معنى. ولو لم
تشغله السياسة، ولو لم يغره الحكم لكان له من الشأن فوق الذي كان. إذ
أنه لم يعط الجانب الثقافي إلا بعض العطاء ومع ذلك فقد كان له فيه مثل
الذي رأينا.
وإذا كان لرشيد الدين من الكتب مثل التوضيحات ومفتاح
التفاسير والرسالة السلطانية والإحياء أو الآثار ولطائف الحقائق وبيان
الحقائق، فلا شك أن قمة أعماله التأليفية هي ما كتبه في التاريخ
في كتابه جامع التواريخ.
قصة جامع التواريخ
يعود الفضل بالدرجة الأولى في تاليف هذا الكتاب إلى السلطان
غازان الذي شاء أن يكون للمغول تاريخ مكتوب. وكان لا بد في الرجوع
(٤٠٢)

في تسجيل هذا التاريخ إلى مصادر معروفة وأحداث مكتوبة تكون المادة
الأولى للمؤرخ الذي يأخذ على نفسه القيام بهذا العب ء.
وكان سلاطين المغول يحتفظون في خزائنهم بوثائق مكتوبة بلغتهم فيها
تدوين لكثير من وقائعهم، كما كان كثير من الأسر المغولية العريقة يحتفظ
بمثل هذه الوثائق. وكان كل ذلك يحتاج إلى من ينظمه وينسقه ويستخلص
منه الحقائق، ويخرج منه أصولا لتاريخ يمكن أن يدون.
واهتم غازان بهذا ونضجت الفكرة في ذهنه فعمل على تحقيقها، ولم
يكن في بلاطه أفضل من رشيد الدين من يمكن أن يعهد إليه بانجاز تاريخ
المغول وتدوينه. فاودع لديه كل ما كان تحت يده من وثائق وعهد إليه
باستطلاع ما يمكنه استطلاعه من المدونات الأخرى أو الروايات غير
المعروفة.
فقام رشيد الدين بالمهمة على أفضل وجوهها وعكف على انجازها
بقدر ما تسمح له به ظروف اضطلاعه بشؤون الإدارة والحكم.
ولما أوشك الكتاب على التمام كان غازان قد توفي ٧٠٣ ١٣٠٧
وورث رعشة أخوه الجايتو خدابنده فلم يكن أقل اهتماما من أخيه
بانجاز هذا التاريخ، بل زاد عليه بان طلب إلى رشيد الدين أن يشير إلى
الشعوب التي اتصل بها المغول ويعرض لتاريخها وأن يضيف إلى ذلك دراسة
شاملة لكل الشعوب.
ولم تأت سنة ٧١٠ ١٣١٠ حتى كان الكتاب قد انتهى مكتوبا
باللغة العربية واللغة الفارسية باسم جامع التواريخ وأودع مكتبة المسجد
الذي كان رشيد الدين قد بناه في مدينة تبريز.
ويصف كاترمير الكتاب قائلا: الواقع أن تاريخ رشيد الدين قد
اعتمد في تاليفه على فحص الوثائق الوطنية الصحيحة المحفوظة في سجلات
الإمبراطورية والمذكرات التي في حوزة الأسر الكبيرة وقام بتاليفه رجل
صادق حي الضمير، وبذلك يكون قد توفرت له كل مقومات الصدق.
وينقل كاترمير عن المخطوطة العربية وصفا لمنهج رشيد الدين وطريقته
في التدوين بقلم رشيد الدين نفسه: أستطيع أن أشهد لنفسي باني لم
أدخر أي احتياط أو جهد في تحري الحقيقة والامتناع عن كتابة كل ما هو
زائف أو مشكوك فيه. وقد اقتبست دون أي تغيير ما انطوت عليه أصدق
الوثائق الخاصة بكل شعب، والروايات التي حازت أحسن التقدير
والمعلومات التي استقيتها من أعلم الرجال في كل قطر. وفتشت كتب
المؤرخين ورجال الأنساب. وحققت هجاء اسم كل أمة وكل قبيلة.
الواقع أننا نستطيع أن نعد ميزة التجرد أولى الميزات التي اتصف بها
رشيد الدين في تاريخه، وأن نوقن بأنه سعى وراء الحقيقة سعيا مخلصا
شجاعا، ولم يراع جانب المغول وهو يتحدث عما في تاريخهم من فظائع،
وكان كما قال عنه كاترمير: إذ كان يبدو في كتابه مسلما صادق الاسلام،
فانا نراه من جهة أخرى يتجنب الاطراء غير المجدي ويتمسك دائما بنزاهة
في الرأي تستحق كل إجلال، ولا سيما إذا كانت من مؤرخ.
ويقول أيضا: يذكر دون مواربة ولكن دون مبالغة أيضا ضروب
القسوة الشنيعة التي ارتكبها هذا الشعب المغولي وتخريب أعظم المدن
وأكثرها إزدهارا وتذبيح السكان العديدين دون قلق أو ندم، كما يصور
بهدوء وتحفظ ضروب التجديف التي قاموا بها في مساجد بخارى وغيرها من
المدن، حيث مزقوا المصاحف وألقوا بها أرضا وصنعوا من أغلفتها الثمينة
مذاود لخيلهم.
مجلدات الكتاب
يشتمل كتاب جامع التواريخ على أربعة مجلدات: الأول: يتعلق
بتاريخ المغول المشتمل على تاريخ القبائل التركية المغولية وأجداد جنكيز،
ثم جنكيز نفسه ومن بعده خلفاؤه حتى غازان. والثاني: يتعلق بتاريخ
الفرس قبل الاسلام، ثم التاريخ الاسلامي إلى سقوط بغداد، ثم الأمم
التي اتصل بها المغول في فتوحاتهم، والثالث: يشتمل على ابعد عصور
التاريخ حتى آخر خلفاء بني العباس. والرابع: يشتمل على تفصيل حدود
الأقاليم السبعة وولايات ممالك العالم.
على أن كاترمير يقول: لدينا الجزء الأول من كتاب رشيد الدين وهو
الجزء الخاص بتاريخ المغول. وأنه الكتاب الوحيد الذي نستطيع العثور فيه
على أصدق المعلومات عن حياة جنكيز خان وخلفائه وعن عهودهم.
ثم يتساءل كاترمير: هل الأجزاء الثلاثة الأخرى قد ضاعت دون
أمل في العثور عليها؟ وكان في نية كاترمير تحقيق أكثر ما يمكنه تحقيقه من
المجلد الأول ولكنه لم يستطع تحقيق سوى القسم الخاص بهولاكو ونشره
بالفرنسية مع مقدمة نفيسة طويلة سنة ١٨٣٦.
ويقول يحيى الخشاب: إن حديث كاترمير عن جامع التواريخ
قديم، وقد جد الكثير عنه سواء من ناحية اكتشاف أجزاء منه لم تكن قد
عثر عليها أيام كاترمير أو من ناحية النشر.
ومن أمثلة ذلك الطبعة التي صدرت سنة ١٨٥٨ وهي قسم من الجزء
الأول متعلق بأجداد جنكيز وتاريخ جنكيز نفسه. وكان اخراج آخر جزء من
هذا البحث سنة ١٨٨٨ باللغة الفارسية مع الترجمة الروسية وقد أخرج هذه
الأجزاء المستشرق الروسي برزين.
كما صدر بعد ذلك ابتداء من أوائل هذا القرن أكثر من قسم من
المجلد الأول كهذا الذي نشره المستشرق الفرنسي بلوشيه سنة ١٩١١
والذي نشر في إيران سنة ١٩٣٧ والذي نشره المستشرق التشيكسلوفاكي
كارل سنة ١٩٤٠ وكذلك سنة ١٩٤١.
وهكذا يمكن القول أن المجلد الأول من جامع التواريخ قد نشر
كله. كما نشر كارل يأن سنة ١٩٥١ القسم المتعلق بالفرنج من المجلد
الثاني.
في اللغة العربية
كان عبد الوهاب عزام أول من دعا في العرب لنشر جامع
التواريخ وترجمته وألقى عام ١٩٤٧ محاضرة في الجمعية الجغرافية عن
رشيد الدين تحدث فيها عن كتابه وضرورة القيام بنشر القسم العربي منه
(٤٠٣)

وترجمة بقية الأجزاء إلى اللغة العربية
ثم مضت عهود وعهود فكان أن قررت إدارة الثقافة والارشاد القومي
في مصر أن تقوم بنشر هذا التاريخ. ولكننا لا نعلم أنه صدر في اللغة
العربية غير قسم من المجلد الثاني الجزء الأول وهو تاريخ هولاكو.
نقله إلى اللغة العربية كل من محمد صادق نشأت ومحمد موسى هنداوي
وفؤاد عبد المعطي الصياد، وراجعه وقدم له يحيى الخشاب. وطبع سنة
١٩٦٠.
كما نشرت مع هذا القسم السيرة الطويلة النفيسة لرشيد الدين التي
كتبها المستشرق الفرنسي كاترمير والتي ترجمها محمد القصاص.
وكذلك نشر الجزء الثاني من المجلد الثاني.
ووعد يحيى الخشاب في آخر مقدمته بنشر ما ينجز من الكتاب أولا
بأول. ولا نعلم بعد هل تحقق شئ من هذا الوعد أم لا.
حرص رشيد الدين
على حفظ مؤلفاته
كان رشيد الدين حريصا على أن تصل مؤلفاته لا سيما جامع
التواريخ إلى الأجيال الآتية. وقد كان يعلم ما كان يمكن أن يكون عليه،
أو ما كان عليه مصير كثير من الكتب حين لا يكون في أيدي الناس منها إلا
نسخ محدودة تذهب بها أيدي الحدثان لا سيما في العصور التي تكثر فيها
الفتن وتعم الفوضى.
لذلك حرص أشد الحرص على أن يتخذ طريقه يكتب لمؤلفاته معها
الوصول من جيل إلى جيل، فاستكتب عدة نسخ من كتبه مفردة ومجمعة،
بالفارسية وبالعربية. كما استكتب مجلدا ضخما ضم كل مؤلفاته بالفارسية
والعربية زيادة منه في الحرص على حفظها. وأودع ذلك في البناء الكبير
الذي شاده في الربع الرشيدي ليكون مدفنا له. ثم توسع في الاحتياط
فوقف قسما من ثروته لكتابة نسخة بالفارسية ونسخة بالعربية في كل عام من
مجموعة مؤلفاته كلها لترسل إلى مدينة من مدن الاسلام الكبرى وتوقف على
أهل تلك المدينة، وكتب في ذلك وصية جميلة طريفة مؤثرة.
ولكن كل ذلك الحذر لم يفد وضاع ما ضاع من مؤلفاته ووجد ما
وجد شانه شأن كل المؤلفين في تلك العهود.
ولعل هذا الحرص هو الذي أوصل إلينا ما وصل، ولولاه لضاع
الجميع، وقد كان مطمئنا إلى بناء الربع الرشيدي الذي حفظ فيه كتبه،
ولكن الربع كله نهب بعد نكبته واحترقت مكتبته.
الفضل بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم
ذكر الطبري في تاريخه أنه لما قتل عثمان قال الوليد بن عقبة بن معيط
يحرض أخاه عمارة بن عقبة:
الا أن خير الناس بعد ثلاثة * قتيل التجوبي الذي جاء من مصر
فان يك ظني بابن أمي صادقا * عمارة لا يطلب بذحل ولا وتر
يبيت وأوتار ابن عفان عنده * مخيمة بين الخورنق والقصر
فاجابه الفضل بن العباس يقول:
أ تطلب ثارا لست منه ولا له * وأين ابن ذكوان الصفوري من عمرو
كما اتصلت بنت الحمار بأمها * وتنسى أباها إذ تسامى أولو الفخر (١)
الا أن خير الناس بعد محمد * وصي النبي المصطفى عند ذي الذكر
وأول من صلى وصنو نبيه * وأول من أردى الغواة لدى بدر
فلو رأت الأنصار ظلم ابن عمكم * لكانوا من ظلمه حاضري النصر
كفى ذاك عيبا أن يشيروا بقتله * وأن يسلموه للأحابيش من مصر
وكان الفضل شاعرا مجيدا شهد له بذلك أمير المؤمنين ع
بل شهد له بأنه أشعر قريش كما يأتي. روى نصر بن مزاحم في كتاب
صفين أن عمرو بن العاص كتب إلى ابن عباس كتابا يوم حرب صفين
وكتب في أسفله أبياتا يقول فيها:
طال البلاء وما يرجى له آسي * بعد الاله سوى رفق ابن عباس
قولا له قول من يرجو مودته * لا تنس حظك أن الخاسر الناسي
يا ابن الذي زمزم سقيا الحجيج له * أعظم بذلك من فخر على الناس
كل لصاحبه قرن يساوره * أسد العرين أسود بين أخياس
لو قيس بينهم في الحرب لاعتدلوا * العجز بالعجز ثم الرأس بالرأس
انظر فدى لك نفسي قبل قاصمة * للظهر ليس لها راق ولا آسي
إني أرى الخير في سلم الشام لكم * والله يعلم ما بالسلم من باس
فيها التقى وأمور ليس يجهلها * إلا الجهول وما النوكى كاكياس
فاجابه ابن عباس عن كتابه وقال لأخيه الفضل يا ابن أم أجب عمرا
فقال الفضل:
يا عمرو حسبك من خدع ووسواس * فاذهب فليس لداء الجهل من آسي
ألا تواتر طعن في نحوركم * يشجي النفوس ويشفي نخوة الرأس
هذا الدواء الذي يشفي جماعتكم * حتى تطيعوا عليا وابن عباس
أما علي فان الله فضله * بفضل ذي شرف عال على الناس
إن تعلقوا الحرب نعلقها مخيسة * أو تبعثوها فانا غير انكاس
قد كان منا ومنكم في عجاجتها * ما لا يرد وكل عرضة الباس
قتلى العراق بقتلى الشام ذاهبة * هذا بهذا وما بالحق من باس
لا بارك الله في مصر فقد جلبت * شرا وحظك منها حسوة الكاس
يا عمرو أنك عار من مغارمها * والراقصات ومن يوم الجزا كاسي
وكتب معاوية إلى ابن عباس كتابا في أيام صفين يذكر فيه عداوة بني
هاشم لبني أمية ويخوفه عواقب الحرب ويقول قد قنعنا بما في أيدينا من ملك
الشام فاقنعوا بما في أيديكم من ملك العراق ولو بايع الناس لك بعد عثمان
لكنت إليك أسرع فاجابه بما ساءه وقال معاوية هذا عملي بنفسي لا والله لا
أكتب إليه كتابا سنة وقال معاوية في ذلك:
دعوت ابن عباس إلى جل خطة * وكان امرءا أهدي إليه رسائلي
فاخلف ظني والحوادث جمة * وما زاد أن أغلى عليه مراجلي
فقل لابن عباس تراك مفرقا * بقولك من حولي وأنك آكلي
وقل لابن عباس تراك مخوفا * بجهلك حلمي أنني غير غافل
فأبرق وأرعد ما استطعت فإنني * إليك بما يشجيك سبط الأنامل

(١) يشير إلى المثل المشهور قيل للبغل من أبوك فقال خالي الفرس.
(٤٠٤)

وقال الفضل بن العباس مجيبا له:
ألا يا ابن هند انني غير غافل * وإنك ما تسعى له غير نائل
أ الآن لما صرت الحرب نابها * عليك وألقت بركها بالكلاكل
فأصبح أهل الشام ضربين خيرة * وفقع بقاع أو شحيمة آكل
وأيقنت أنا أهل حق وإنما * دعوت لأمر كان أبطل باطل
دعوت ابن عباس إلى السلم خدعة * وليس لها حتى تدين بسائل
فلا سلم حتى تشجر الخيل بالقنا * وتضرب هامات الرجال الأماثل
وآليت لا تهدي إليه رسالة * إلى أن يحول الحول من رأس قابل
أردت به قلع الجواب وإنما * رماك فلم يخطئ نبات المقاتل
وقلت له لو بايعوك تبعتهم * فهذا علي خير حاف وناعل
وصي رسول الله من دون أهله * وفارسه إن قيل هل من منازل
فدونكه إن كنت تبغي مهاجرا * أشم بنعل السيف غير حلاحل كذا
فعرض شعره على علي ع فقال أنت أشعر قريش فضرب
بها الناس إلى معاوية اه وحكى ابن أبي الحديد في شرح النهج عن
الزبير بن بكار قال روى محمد ابن إسحاق أن أبا بكر لما بويع بالخلافة
افتخرت تيم بن مرة قال وكان عامة المهاجرين وجل الأنصار لا يشكون أن
عليا هو صاحب الأمر بعد رسول الله ص فقال الفضل بن العباس يا معشر
قريش وخصوصا يا بني تيم أنكم لما أخذتم الخلافة بالنبوة ونحن أهلها
دونكم ولو طلبنا هذا الأمر الذي نحن أهله لكانت كراهية الناس لنا أعظم
من كراهتهم لغيرنا حسدا منهم لنا وحقدا علينا وأنا لنعلم أن عند صاحبنا
عهدا هو ينتهي إليه، وقال بعض ولد أبي لهب بن عبد المطلب شعرا:
ما كنت أحسب أن الأمر منصرف * عن هاشم ثم منها عن أبي حسن
أ ليس أول من صلى لقبلتكم * وأعلم الناس بالقرآن والسنن
وأقرب الناس عهدا بالنبي ومن * جبريل عون له في الغسل والكفن
من فيه ما فيهم لا يمترون به * وليس في القوم ما فيه من الحسن
ما ذا الذي ردهم عنه فنعلمه * ان ذا غبن من أعظم الغبن
قال الزبير: فبعث إليه علي فنهاه وأمره أن لا يعود وقال سلامة الدين
أحب إلينا من غيره اه وجرت بين الأنصار وقريش خطوب وحوادث
بعد بيعة أبي بكر أثارها مثيرو الفتن بما ألقوه من الكلام ونظموه من الأشعار
في حق الأنصار وأجابهم شعراء الأنصار وجماعة من المهاجرين انتصروا
للأنصار يطول الكلام بنقلها ويخرج عن موضوعه وكان لعمرو بن العاص
نصيب وافر من ذلك فقام في عدة مقامات ضد الأنصار نذكر منها ما له
مساس بالمترجم: وقد ذكرنا في مقامات آخر ما له مساس بغيره قال الزبير
ابن بكار: إن رجالا من سفهاء قريش ومثيري الفتن منهم اجتمعوا إلى
عمرو بن العاص فقالوا له إنك لسان قريش ورجلها في الجاهلية والاسلام
فلا تدع الأنصار وما قالت وذلك بعد ما تكلم خطباء الأنصار وشعراؤهم
فأكثروا جوابا لمن تكلم عليهم فأكثروا عليه من ذلك فراح إلى المسجد
وفيه ناس من قريش وغيرهم فتكلم وقال إن الأنصار ترى لنفسها ما ليس
لها وأيم الله لوددت أن الله خلى عنا وعنهم وقضى فينا وفيهم بما أحب
ولنحن الذين أفسدنا على أنفسنا أخرناهم عن كل مكروه وقدمناهم إلى كل
محبوب حتى آمنوا المخوف فلما جاز لهم ذلك صغروا حقنا ولم يراعوا ما
أعظمنا من حقوقهم ثم التفت فرأى الفضل بن العباس ابن عبد المطلب
وندم على قوله للخؤولة التي بين ولد عبد المطلب وبين الأنصار ولأن
الأنصار كانت تعظم عليا وتهتف باسمه حينئذ فقال الفضل يا عمرو أنه
ليس لنا أن نكتم ما سمعنا منك وليس لنا أن نجيبك وأبو الحسن شاهد
بالمدينة إلا أن يأمرنا فنفعل، ثم رجع الفضل إلى علي فحدثه فغضب وشتم
عمرا وقال آذى الله ورسوله، ثم قام في المسجد فاجتمع إليه كثير من
قريش وتكلم مغضبا فقال يا معشر قريش إن حب الأنصار إيمان وبغضهم
نفاق وقد قضوا ما عليهم وبقي ما عليكم واذكروا أن الله رغب لنبيكم عن
مكة فنقله إلى المدينة وكره له قريشا فنقله إلى الأنصار ثم قدمنا عليهم
دارهم فقاسمونا الأموال وكفونا العمل فصرنا منهم بين بذل الغني وإيثار
الفقير ثم حاربنا الناس فوقونا بأنفسهم وقد أنزل الله تعالى فيهم آية القرآن
جمع لهم فيها بين خمس نعم فقال والذين تبوؤا الدار والايمان من قبلهم
يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على
أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون
الا وإن عمرو بن العاص قد قام مقاما آذى فيه الميت والحي ساء به الواتر
وسر به الموتور فاستحق من المستمع الجواب ومن الغائب المقت وأنه من
أحب الله ورسوله أحب الأنصار فليكفف عمرو عنا نفسه، قال الزبير ابن
بكار: فمشت قريش عند ذلك إلى عمرو بن العاص فقالوا أيها الرجل أما
إذا غضب علي فاكفف. وقال خزيمة بن ثابت الأنصاري يخاطب قريشا:
يأل قريش أصلحوا ذات بيننا * وبينكم قد طال حبل التماحك
فلا خير فيكم بعدنا فارفقوا بنا * ولا خير فينا بعد فهر بن مالك
كلانا على الأعداء كف طويلة * إذا كان يوم فيه جب الحوارك
فلا تذكروا ما كان منا ومنكم * ففي ذكر ما قد كان مشي التشارك
قال الزبير وقال علي للفضل يا فضل أنصر الأنصار بلسانك ويدك
فإنهم منك وإنك منهم فقال الفضل:
قلت يا عمرو مقالا فاحشا * إن تعد يا عمرو والله فلك
إنما الأنصار سيف قاطع * من تصبه ظبة السيف هلك
وسيوف قاطع مضربها * وسهام الله في يوم الحلك
نصروا الدين وآووا أهله * منزل رحب ورزق مشترك
وإذا الحرب تلظت نارها * بركوا فيها إذا الموت برك
ودخل الفضل على علي فاسمعه شعره ففرح به وقال وريت بك
زنادي يا فضل أنت شاعر قريش وفتاها فاظهر شعرك وأبعث به إلى
الأنصار، فلما بلغ ذلك الأنصار قالت لا أحد يجيب إلا حسان الحسام
فبعثوا إلى حسان بن ثابت فعرضوا عليه شعر الفضل فقال كيف اصنع
بجوابه، إن لم أتحر قوافيه فضحني فرويدا حتى أقفو أثره في القوافي فقال له
خزيمة بن ثابت أذكر عليا وآله يكفك عن كل شئ فقال:
جزى الله عنا والجزاء بكفه * أبا حسن عنا ومن كابي حسن
سبقت قريشا بالذي أنت أهله * فصدرك مشروح وقلبك ممتحن
تمنت رجال من قريش أعزة * مكانك هيهات الهزال من السمن
وأنت من الاسلام في كل موطن * بمنزلة الدلو البطين من الرسن
غضبت لنا إذ قام عمرو بخطبة * أمات بها التقوى وأحيا بها الإحن
فكنت المرجى من لؤي بن غالب * لما كان منهم والذي كان لم يكن
حفظت رسول الله فينا وعهده * إليك ومن أولى به منك من ومن
أ لست أخاه في الهدى ووصيه * وأعلم منهم بالكتاب وبالسنن
فحقك ما دامت بنجد وشيجة * عظيم علينا ثم بعد على اليمن
(٤٠٥)

قال الزبير: وبعثت الأنصار بهذا الشعر إلى علي بن أبي طالب فخرج
إلى المسجد وقال لمن به من قريش وغيرهم: يا معشر قريش إن الله جعل
الأنصار أنصارا فاثنى عليهم في الكتاب فلا خير فيكم بعدهم، إنه لا يزال
سفيه من سفهاء قريش وتره الاسلام ودفعه إلى الحق واطفا شرفه وفضل
غيره عليه يقوم مقاما فاحشا فيذكر الأنصار فاتقوا الله وأرعوا حقهم فوالله لو
زالوا لزلت معهم لأن رسول الله ص قال لهم أزول معكم حيثما زلتم فقال
المسلمون جميعا: رحمك الله يا أبا الحسن قلت قولا صادقا، قال الزبير
وترك عمرو بن العاص المدينة وخرج عنها حتى رضي عنه علي والمهاجرون
اه.
وأنشد القاضي أبو بكر الباقلاني للفضل بن العباس في كتاب فضائل
الأئمة تاليفه يسجح بزمزم والولاية عليها وخصومتهم بها:
ولنا أسام لا تليق بغير * نازز وهواتف تهتز حين ترانا
حوض النبي وحوضنا من زمزم * ظمئى أمرؤ لم يروه حوضانا
الفضل بن العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب
قتل يوم الحرة مع عسكر أهل المدينة في ذي الحجة سنة ٦٣ قال
الطبري في تاريخه أن الفضل جاء إلى عبد الله بن حنظلة الغسيل فقاتل في
نحو من عشرين فارسا قتالا شديدا حسنا ثم قال لعبد الله مر من معك
فارسا فليأتني فليقف معي فإذا حملت فليحملوا فوالله لا انتهي حتى أبلغ
مسلما فاما أن أقتله وأما أن أقتل دونه فقال عبد الله بن حنظلة لرجل ناد في
الخيل فلتقف مع الفضل بن العباس فنادى فيهم فجمعهم إلى الفضل فلما
اجتمعت الخيل إليه حمل على أهل الشام فانكشفوا فقال لأصحابه أ لا
ترونهم كشفا لئاما احملوا أخرى جعلت فداكم فوالله لئن عاينت أميرهم لأقتلنه أو
لأقتلن دونه إن صبر ساعة معقب سرورا أنه ليس بعد الصبر إلا
النصر ثم حمل وحمل أصحابه معه فانفرجت خيل أهل الشام عن مسلم بن
عقبة وبقي في نحو من خمسمائة راجل جثاة على الركب مشرعي الأسنة نحو
القوم ومضى كما هو نحو رايته حتى يضرب رأس صاحب الراية وإن عليه
لمغفرا فقط المغفر وفلق هامته فخر ميتا فقال خذها وأنا ابن عبد المطلب فظن
أنه قتل مسلما فقال قتلت طاغية القوم ورب الكعبة وإنما كان ذلك غلاما له
يقال له رومي وكان شجاعا فاخذ مسلم رايته وانب أهل الشام وحرضهم
وتهددهم وشدت تلك الرجالة أمام الراية فصرع الفضل بن عباس فقتل وما
بينه وبين أطناب مسلم بن عقبة إلا نحو من عشرة أذرع وفي رواية أن
مسرف بن عقبة كان مريضا يوم القتال وأنه أمر بسرير وكرسي فوضع بين
الصفين وقال يا أهل الشام قاتلوا عن أميركم أو دعوا ثم زحفوا نحوهم
فحمل الفضل بن العباس بن ربيعة هو وأصحابه حتى انتهى إلى السرير
فوثبوا إليه فطعنوه حتى سقط.
الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب بن عبد المطلب بن هاشم
توفي في حدود سنة ٩٠ في خلافة الوليد بن عبد الملك.
كان أحد شعراء بني هاشم وفصائحهم هاشمي الأبوين أمه آمنة بنت
العباس بن عبد المطلب وكان شديد الأدمة وفي ذلك يقول:
وأنا الأخضر من يعرفني * أخضر الجلدة في بيت العرب
من يساجلني يساجل ماجدا * يملأ الذكر إلى عقد الكرب
وحدث علي بن محمد التوفلي عن عمه أن سليمان بن عبد الملك حج
في خلافة الوليد فجاء إلى زمزم فجلس عندها ودخل الفضل ليستقي منها
فارتجز بقوله:
يا أيها السائل عن علي * سالت عن بدر لنا بدري
مقدم في الخير أبطحي * ولين الشيمة هاشمي
زمزم يا بوركت من ركي * بوركت للساقي وللمسقي
فغضب سليمان وهم به فكفه علي ابن عبد الله فحرمه من العطاء
وقوله:
ما كنت أحسب أن الأمر منصرف * عن هاشم ثم منها عن أبي حسن
من فيه ما فيهم من كل صالحة * وليس في كلهم ما فيه من حسن
أ ليس أول صلى لقبلتكم * واعلم الناس بالقرآن والسنن
وأقرب الناس عهدا بالنبي ومن * جبريل عون له في الغسل والكفن
ما ذا يردكم عنه فنعرفه * ها إن ذا غبن من أعظم الغبن
وقوله:
أعيني إن لا تبكيا لمصيبتي * فكل عيون الناس عني أصبر
أعيني جودا من دموع غزيرة * فقد حق إشفاقي وما كنت أحذر
أعيني هذي الأكرمون تتابعوا * وصلوا المنايا دارعون وحسر
من الأكرمين البيض من آل هاشم * لهم سلف من واضح الجد يذكر
مصابيح أمثال الأهلة إذ هم * لدى الحرب أو دفع الكريهة أبصر
بهم فجعتنا والفواجع كلها * تميم وبكر والسكون وحمير
وهمدان قد جاشت علينا وأجلبت * هوازن والحيان لخم واعصر
وفي كل حي نضحة من دمائنا * بني هاشم يعلو سناها ويشهر
فلله محيانا وكان مماتنا * ولله قتلانا تدان وتنشر
لكل دم مولى ومولى دمائنا * بمرتقب يعلو عليكم ويظهر
وله:
وسمينا الأطائب من قريش * على كرم فساع بنا وطابا
وأي الخير لم نسبق إليه * ولم نفتح به للناس بابا
وله:
مهلا بني عمنا مهلا موالينا * لا تنبشوا بيننا ما كان مدفونا
لا تطمعوا أن تهينونا ونكرمكم * وإن نكف الأذى عنكم وتؤذونا
الله يعلم إنا لا نحبكم * ولا نلومكم ألا تحبونا
وله:
انا أناس من سجيتنا * صدق الحديث ورأينا حتم
لبسوا الحياء فان نظرت حسبتم * سقموا ولم يمسسهم سقم
الفضل بن العباس العلوي
في معجم الشعراء للمرزباني: لما دخل محمد وعلي ابنا الحسن بن
جعفر بن موسى بن جعفر المدينة في صفر سنة ٢٩١ فاخرباها وعذبا أهلها
قال الفضل بن العباس من أبيات:
أخربت دار هجرة المصطفى البر * فابكى خرابها المسلمينا
عين فابكى مقام جبريل والقبر * فبكى والمنبر الميمونا
(٤٠٦)

وعلى المسجد الذي أسه التقوى * خلاء أضحى من العابدينا
قبح الله معشرا خربوها * وأطاعوا مشردا ملعونا
أخربوها برأي أسود عبد * آبق لا يدين لله دينا
فابى الدهر لا أراك لما نا * لوه من حرمة النبي حزينا
الفضل بن عبد الرحمن بن العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد
المطلب بن هاشم بن عبد مناف
في معجم الأدباء للمرزباني: كان شيخ بني هاشم في وقته وسيدا من
ساداتهم وشاعرهم وعالمهم وهو أول من لبس السواد على زيد بن علي بن
الحسين ورثاه بقصيدة طويلة حسنة وشعره حجة احتج به سيبويه وقال محمد
ابن سلام قلت ليونس: يا أبا عبد الرحمن: إياك زيدا تجيزها؟ قال وهو
من الاغراء فقال أجاز ابن أبي إسحاق الفضل ابن عبد الرحمن (١).
إياك إياك المراء فإنه إلى الشر دعاء وللغي جالب
ومنها: ولا تقرب الفحشاء واجتنب الخنا * ولا تك ممن يشتكيه المصاحب
ولا ترهبن الفقر ما عشت في غد * لكل غد رزق من الله واجب
وله:
إذا ما كنت متخذا خليلا * فلا تجعل خليلك من تميم
بلوت العبد والصرحاء منهم * فما أدري العبيد من الصميم
اه وقال الصولي حدثنا محمد بن الحسن البلعمي حدثنا أبو
حاتم عن أبي عبيدة قال جاور الفضل بن عبد الرحمن قوما من تميم بالبصرة
وكانوا يعظمونه ثم اشتد هارون على بني هاشم فطلبهم فاستخفى الفضل
فدلوا عليه ونهبوه فقال إذا ما كنت متخذا خليلا الأبيات فعوتب في ذلك
وقيل عممتهم بالهجاء وانما آذتك منهم شرذمة فقال:
أخص بذاك أقواما ألاموا * وانفي الذنب عن غير المليم
فإخوتنا إذا ما كان امن * وسير قد من وسط الأديم
وأعداء إذا ما النعل زلت * وأول من يغير على الحريم
الشيخ فضل الله بن ملا عباس النوري الطهراني
ولد سنة ١٢٥٨ وقتل شنقا في طهران في قضية المشروطة في ٢٣
رجب سنة ١٣٢٧.
وهو ابن أخت ميرزا حسين النوري المحدث الشهير وصهره على ابنته
حضر في أوائل عمره إلى النجف وقرأ على الشيخ راضي بن الشيخ محمد
النجفي سنين ولما هاجر الميرزا السيد محمد حسن الشيرازي إلى سامرا كان
هو وخاله المذكور في أول المهاجرين وكان يحضر بحث الميرزا الشيرازي
ويكتب تقريره عدة سنين وفي سنة نيف وثلاثمائة ذهب إلى طهران فاجتمع
عليه جماعة من أقاربه النوريين واشتغل بالتدريس وأقام صلاة الجماعة وغير
ذلك من شعائر الدين، وصار من الاعلام الذين انتشر صيتهم في الآفاق،
ولما قام الإيرانيون بتحويل السلطنة من الاستبدادية إلى المشروطية اختلفت
نظريته معهم فادى ذلك إلى قتله. وقد جمع أدعية المهدي وسماها الصحيفة
المهدوية.
الشيخ فضل الله الزنجاني ولد في ٢٣ شهر شوال سنة ١٣٠٢ بمدينة زنجان وبعد تلقي مبادي
العلوم فيها على اشخاص كثيرين من أفاضل تلك البلدة قرأ في المعقول
والمنقول على جماعة من العلماء والأساتذة المقيمين بها ففي المعقول على
الحكيم الفاضل المدقق الورع الميرزا عبد المجيد الزنجاني من أفاضل تلامذة
الحكيمين الشهيرين الميرزا أبي الحسن جلوة والآقا علي المدرس وحضر
خارج الأصول والفقه على بعض اعلام تلامذة الميرزا حسن الشيرازي
وبعض الاعلام من تلامذة الآخونة ملا محمد كاظم الخراساني ثم سافر في
سنة ١٣٣٠ إلى العتبات المقدسة فحضر هناك على جماعة من المشايخ وأكابر
علماء العراق أشهرهم السيد محمد كاظم اليزدي الطباطبائي والشيخ فتح
الله المعروف بشيخ الشريعة الأصبهاني وعليه تخرج وحضر مدة قليلة على
الميرزا محمد تقي الشيرازي حينما كان مقيما بكربلاء وعاد إلى زنجان في
أواخر سنة ١٣٣٩.
وله بعض كتب ورسائل في مختلف المواضيع منها كتاب علم الكلام
وتاريخه في الاسلام جزءان نجز منه الجزء الأول فقط ورسالة في تأصل
المرميات في التحقيق ومنشأ القول بأصالة الوجود ورسالة في مسالة الكر
وتحديده وحواش على رسالة حدوث العالم لصدر الدين الشيرازي ونقض
بعض مطالبه وكتاب التشيع في التاريخ الديني والسياسي والأدبي للشيعة الإمامية
في ثلاثة اجزاء نجز منه القسم الأول المشتمل على مختصر تاريخ
الشيعة الديني فقط والباقي في المسودة تاريخ زنجان ورجالها ومتفرقات
أخرى غير ذلك أيضا وحواش على شرح منطق المنظومة للسبزواري وحاشية
على أوائل الشوارق للفاضل المحقق المولى عبد الرزاق اللاهيجي.
أبو محمد الفضل بن محمد المسيب البيهقي الحافظ الملقب بالشعراني
لأنه كان يرسل شعره، من ذرية ملك اليمن باذام الذي أسلم
بكتاب النبي ص.
توفي في أول سنة ٢٠٢.
ذكره الذهبي في تذكرة الحفاظ ووصفه بالحافظ الامام الجوال وقال:
سمع سليمان بن حرب وقال عيسى وسعيد بن أبي مريم وعبد الله بن
صالح وإسماعيل بن أبي أويس وتوبة الحلبي وأبا جعفر النفيلي وخلائق
روى عنه ابن خزيمة وابن الشرقي وعلي بن خمشاد وأبو عبد الله بن الأخرم
ومحمد بن المؤمل وخلق وحفيده إسماعيل بن محمد بن الفضل قال ابن
المؤمل كنا نقول ما بقي بلد لم يدخله الفضل الشعراني في طلب الحديث الا
الأندلس، قال الحاكم كان أديبا فقيها عابدا عارفا بالرجال، وقال ابن
ماكولا كان قد قرأ القرآن على خلف وعنده عن أحمد بن حنبل تاريخه وعن
سنيد المصيصي تفسيره قال ابن أبي حاتم تكلموا فيه وقال ابن الاحرم
صدوق غال في التشيع وقال الحاكم ثقة لم يطعن فيه بحجه.

(١) هكذا في النسخة وقوله هو من الاغراء صوابه هو من التحذير ولعله يطلع على الاغراء،
والتحذير اسم الاغراء وقوله أجاز ابن أبي إسحاق الفضل بن عبد الرحمن كأنه قد وقع فيه
تحريف والمراد الاستشهاد على جوازه بشعر الفضل - المؤلف -.
(٤٠٧)

المولى فضل الدين تركه
قاضي عسكر الشاة طهماسب توفي سنة ٩٨٤ له رسالة في المعقولات
الثانية.
فضل الله بن محمود الفارسي
فقيه حديث يروي عن أبي عبد الله جعفر بن محمد بن أحمد بن
العباس بن محمد العبسي الدوريستي له كتاب رياض الجنان في الاخبار ذكر
كتابه المجلسي في البحار وسماه رياض الاخبار وقال مشتمل على اخبار
غريبة في المناقب وأخرجنا منه ما وافق اخبار الكتب الأربعة وعن صاحب
رياض العلماء أنه يظهر من بعض أسانيده أنه كان تلميذ الشيخ أبي عبد الله
جعفر بن محمد بن أحمد الدوريستي.
الميرزا فضل الله بن عبد الله اليزدي
له تاريخ المعجم في آثار ملوك العجم فارسي مغلق فصيح ألفه في
عصر الأتابك نصرة الدين أحمد بن يوسف شاة حاكم طبرستان في حدود
سنة ٦٥٤ ابتدأ من كيورث واختتم بانوشيروان، ولولده عبد الله بن
فضل الموصوف بوصاف الحضرة تاريخ نظير تاريخ المعجم سماه: تجربة
الأمصار مطبوع.
السيد أبو الرضا ضياء الدين فضل الله بن علي بن عبيد الله الحسني
الراوندي من أهل كاشان وراوند من قراها
توفي بكاشان في حدود سنة ٥٧٠
كان فاضلا جليلا رئيسا أديبا شاعرا مصنفا له ديوان شعر، وفي
الرياض لعله والد السيد محمد بن أبي الرضا العلوي شارح العلويات
السبع لابن أبي الحديد، وذكره ابن شهرآشوب في المناقب باسم: أبو
الرضا الحسني الحسيني، والظاهر أنه نفس المترجم. وهو من مشائخ ابن
شهرآشوب وشيخ محمد بن الحسن الطوسي والد الخواجة نصير الدين،
وأولاده واحفاده وأسباطه كلهم علماء أتقياء منهم السيد أبو المحاسن أحمد بن
فضل الله عالم فاضل قاضي كاشان والسيد عز الدين أبو الحسن على ابن
ضياء الدين أبي الرضا فضل الله ذكره في السلافة وللمترجم مشائخ كثيرون
أجلاء منهم الامام الشهيد أبو المحاسن عبد الواحد بن إسماعيل الروياني
والسيد أبو البركات محمد بن إسماعيل الحسيني المشهدي وأبو تراب
المرتضى وأبو الحرب المنتهى ابنا السيد الداعي الحسيني والسيد علي بن أبي
طالب الحسني والشيخ البارع الحسين بن محمد بن عبد الوهاب البغدادي
وعلي ومحمد ابنا علي بن عبد الصمد وأبو عبد الله جعفر بن محمد
الدوريستي والسيد أبو الصمصام ذو الفقار ويروي السيد عبد الكريم عن
نصير الدين الطوسي عن والده عنه. وفي انساب السمعاني ما معناه: اني
لما وصلت كاشان قصدت زيارة السيد أبي الرضا المذكور فلما انتهيت إلى
داره وقفت على الباب هنيهة انتظر خروجه فرأيت مكتوبا على طراز الباب
هذه الآية المشعرة بطهارته وتقواه انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت
ويطهركم تطهيرا فلما اجتمعت به رأيت منه فوق ما كنت اسمع عنه
وسمعت منه جملة من الأحاديث وكتبت عنه مقاطيع من شعره ومن جملة
أشعاره التي كتبها لي بخطه الشريف هذه الأبيات:
هل لك يا مغرور من زاجر * أو حاجز عن جهلك الغامر
أمس تقضى وغد لم يجئ * واليوم يمضي لمحة الباصر
فذلك العمر كذا ينقضي * ما أشبه الماضي بالغابر
وفي مخطوط قديم رأيته ببغداد ألف في أوائل القرن السادس وهو في
التراجم وهو الخريدة للعماد الكاتب قال في حقه: الشريف النسب
المنيف الأدب الكريم السلف القديم الشرف العالم العامل الفاضل قبلة
القبول وعقلة العقول ذو الأبهة والجمال والبديهة والارتجال الرائق اللفظ
الرائع الوعظ منفق علوم الشرع في الأصل والفرع الحسن الخط والحظ
السعيد الجد السديد الحد له تصانيف كثيرة في الفنون والعيون واعظ قد
رزق قبول الخلق وفاضل أوتي سعة في الرزق مقلي الكتابة صابي الإصابة
عميدي الاعتماد في الرسائل صاحبي الصحبة لأهل الفضل حصلنا ابان
النكبة بقاشان عند مقاساة الشدائد ومعاناة معاندة الأقارب والأباعد سنة
ثلاث وثلاثين يعني بعد الخمسمائة وانا في حجر الصغر بعيد من الوطن
والوطر وأخي معي وهو أصغر مني وقد سلمنا والدنا إلى صاحب له من أهل
قاشان وأقمنا سنة نتردد إلى المدرسة المجدية إلى المكتب وكنت أرى هذا
السيد أعني أبا الرضا وهو يعظ في المدرسة والناس يقصدونه ويترددون إليه
ويستفيدون منه ثم عدنا إلى أصفهان وسافرنا إلى بغداد وبعد عودي إلى
أصفهان بسنين اجتمعت بولده السيد كمال الدين احمد وحصلت بيننا مودة
وكيدة وصداقة مهيدة وانسة بسبب الفضل الجامع ومحاورة لأجل الجوار
الواقع ورأيت معه كتابا صنفه أبوه السيد أبو الرضا وقد سماه رمل يبرين
يشتمل على مجلدات كثيرة وفوائد غزيرة جمعها بخطه ووجدت معه ديوانه
بخطه فنقلت منه هذه القصيدة التي مدح بها عمي الصدر الشهيد عزيز
الدين أحمد بن حامد رحمه الله وهي:
من لبرق على البراق أنارا * ملأ الخافقين نورا ونارا
خبط الليل فاستشب وقودا * لم ينازعه مرخه والعفارا
وجلا صفحة الظلام إلى أن * عاد ليل السرار منه نهارا
خلت ايماضه قناديل دير * في بطون الدجى تمد سعارا
موقد النار بات يحفزه القس * بنفخ يطير منه الشرارا
هو في جنحه كقرط سليمى * في عقاص لها تردى ومارا
هان سر الدجى عليه فافشى * وكذا البرق يفضح الأسرارا
مثلما أومضت عوارض سلمى * يوم بانت فلم أطق اسرارا
حرة ما تخون الدهر منها * مذ كساها من النعيم شعارا
زارني طيفها على الناي منها * حي طيفا من الأحبة زارا
زارني والظلام مد على الآفاق * فمن جنح ليله استارا
وأراد الخفاء صونا وما خال * دجى الليل تزدهي الأقمارا
زارني البدر عن مطال مطال * يا سقى الله ذلك الازديارا
ثم اومات للعناق فما عتم * حتى استكن مني ونارا (١)
أنت بالبخل توصفين فما للطيف * قولي لنا أمنك استعارا
لم تزر للعناق لكن لكي تعرف * من شأن صبها اخبارا
حسبته ينام عنها ويسلى * فاستنابت خيالها الزوارا
وتألت بوجنة لو تجلت * طمست من شعاعها الأبصارا
وبفينان وارد دعص رمل * هيل حتى أغص منها الازارا
أنها لو رأته قد نام عنها * لكسته من الفراق صدارا
ما درت اني تناعست قصدا * لخيال أسومه الأفكارا

(١) نار نفر.
(٤٠٨)

اقصري انني اتخذت عزيز ألد * ين كهفا آوي إليه اعتصارا
انا جار العزيز وهو عزيز ال‍ * جار لا زال للورى مستجارا
سيد لاق بالسيادة لما * كان لبسا على سواه معارا
ليث حرب أن يلقه ليث حرب * يستلبه الأنياب والأظفارا
والبر يولي العبيد عتاقا * وبه يستعبد الأحرارا
ألمعي يعيد بالخاطر العاطر * موهوم كل سر جهارا
وهو شمس الزمان يجلو دجاه * فمذ انحاز ضوءه ما أنارا
حكت السحب فيض كفيه سيبا * فلذا كان قطرها مدرارا
وكذا الشمس أشرقت لاكتساب * منه نورا فعمت الأقطار
وكذا الأرض حلمه حل فيها * فكساها على الزمان وقارا
يا عماد الاسلام يفديك قوم * لم يكونوا لربعه عمارا
لا تضيقن من أعاديك ذرعا * إن جرح العجماء كان جبارا
ما أمس الزمان حاجا إلى من * يتولى الايراد والأصدارا
فاجره وأهله من كسير * وعوير كفيت كسرا وعارا
وانتدب من حجاب عزك وأشهر * سيف قهر على العدى بتارا
هاكها حرة تناسب منها الطول * والعرض أربعين قطارا
وعروس لو عرست عند غسا * ن لاضحى لكوره عقارا
وابق واسلم منعما لا يطور ألد * هر من ربعك الخصيب طوارا
وكفاك الاله والله كاف * من أعاديك مكرها الكبارا
قال وكان قد قصد أصفهان سنة ٥٢٢ في أيام عمي وانوشروان
فمدح هذا الوزير ولم ينجح مدحه فوجدت مكتوبا في ديوانه في انوشروان:
قلت فيه لما أيست من عائدة نفعه بعد أن لازمت بابه ثمانية أشهر وخبطت
الثلوج المتراكمة في أصفهان وكانت سنة ثلجة وحلة من أصعب ما شق علي
في معاملته ما كنت أدل به وأمد عنق الرجاء بمكانه من سالف حقوق مولاي
شيخ الساوة وقاه الله بنفسي الصروف عليه فلم انصرف منه الا بالياس
المتعب غير المريح لأن المريح من الياس ما لا مطاولة معه وكان هذا الصدر
يعدني ويمنيني في آخرين كانوا أسوأ حالا مني كهبة الله الاصطرلابي الذي هو
بكر الدنيا ونادرة الفلك والحكيم أبي القاسم الأهوازي طريق العالم وأبي
القاسم بن أفلح الشاعر المنذر وجماعة من أهل بغداد كانوا قد أكدوا عليه
حقوقهم فظنوا كما ظننا وبعض الظن كما علمت اثم وكان هؤلاء الأفاضل
الظرفاء قد لهجوا بهذه القطعة يسترجعونها ويتناشدونها لأنها وصف حال
جميعهم وهي:
أ بكلتا الراحتين * كلت إحدى الراحتين
اي عجز فوق هذا * لا أقر الله عيني
يا وزير المشرقين * وعميد المغربين
لم أنل منك منالا * غير ما ذل وشين
ولقد بعت عليكم * صلة نقدي بديني
كم يزيدوني على أن * حلتم بيني وبيني
غير أن ألبستموني * آخرا خفي حنين
ولما صرف انوشروان واستوزر غيره قال فيه نقلته أيضا من ديوانه
بخطه وقد استعرته من ولده:
إن الوزارة أصبحت أوزارها * مربوطة منه بليث عرين
زانته لا وحياته بل زانها * ولربما ابتليت بغير مزين
قد عوقبت زمنا أشد عقوبة * باخس مصطحب وشر قرين
فأعادها الجبار منه إلى ذرى * حصن على مر الزمان حصين
رحم الاله ضياعها ولطالما * نزعت إليه بعبرة وحنين
قال وجميع ما كتبته واكتبه من شعره نقلته من خطه في ديوانه روى لي
ولده فمن ذلك قوله وقد نقشه على دواة:
انا والدهر كلانا كاتب * وكلانا ليس يعفى قلمه
فسواد في بياض رقمي * وبياض في سواد رقمه
وقوله:
ما على مولاي لولا * داعيات الانقباض
لو شفى غلة قلبي * بسواد في بياض
وقوله وقد رمدت عينه:
يا ناظري إليكما * واستبقيا دمعيكما
إما الشؤون فقد وهت * والشأن في شأنيكما
أعزز علي بأنني * بكما بكيت عليكما
وقوله وقد عرب معنى فارسيا من قصيدة للنخاس:
عبيدك أصبحوا يوم القتال * كخياطين في شبه المتال
بذرعان القنا ذرعوا وقطوا * بأنصلهم وخاطوا بالنبال
وقوله في المعنى:
عبيدك يوم الوغى خاطة * وحاشاهم انهم غير عزل
إذ ذرعوا بالقنا فصلوا * بحد السيوف وخاطوا بنبل
وقوله:
إن غلمانك خياطون يوم الخصام * لا بخيط وخياط بل برمح وحسام
أ وليسوا ذرعوا بالسمر أبدان الأعادي * ليقطوا بسيوف ويخيطوا بسهام
هذه في العربية أربعة أبيات ولكنه جعلها بيتين على وزن الفارسية
وهذه المعاني مترددة وقد وقع إلى المعنى من غير تكلف من قصيدة طائية في
بيت واحد:
وإذا حاولوا لبؤس لبوسا * فصلوا بالظبا وبالسمر خاطوا
ورددت هذا المعنى قصيدة أخرى طائية:
بما طبعته الهند للبؤس فصلوا * لبوسا وخاطوه بما أنيت الخط
وقوله:
قد أدر المخدوم وسما علينا * ثم لم يجره خلال الرسوم
فأدرت قناعتي ترك ذاك * الرسم رسما علي للمخدوم
وقوله وقد طلب من بعض الأكابر تبنا فتأخر وصوله:
لنا مولى أجل الناس قدرا * وأطيب من مشى صيتا وذكرا
يصيب الناس من يمناه يمنا * إذا شاؤوا ومن يسراه يسرا
ولكني طلبت بماء وجهي * إليه محقرا فابى مصرا
هززت نداه عن أوقار تبن * فصحفه وقال التبن تبرا
وكنت أظنني لو رمت تبرا * لكان ينيلني وقرا وفقرا
ولولا إن ذات يديه ضاقت * لما كنا لنقبل منه عذرا
(٤٠٩)

وقوله:
اطلبوا بالدم أو فذروا * دم أرباب الهوى هدروا
يا لقومي قد أباح دمي * قمر ما مثله قمر
كل امرئ معه عجب * وحديثي معه سمر
إن يكن بر فمحتسب * أو يكن ذنب فمغتفر
ولا دهى ما بليت به * أنه يجني واعتذر
وقوله ملغزا باسم احمد:
أقبل كالبدر في مدارعه * يشرق في السعد من مطالعه
أوله ربع عشر ثالثه * وربع ثانيه جذر رابعه
قال وقرأت من مجموعة بخطه رأيت فيما يرى النائم أني اجتزت بباب
دار صديق لي بقاشان ثم عرجت إليه وقلت في النوم:
اجتياز بباب دار الصديق * واقتصار على سلام الطريق
من عقوق مبطن بجفاء * وجفاء مظهر بعقوق
وقوله كتبه إلى حظير الدين أبي المعالي الحسن بن أحمد بن محمد
الماهباذي رئيس ماهباذ وهي قرية ما بين أصفهان وقاشان وباذ أيضا قرية
وطرق قرية بجنبها:
يا صاحبي اليوم ها باذا * إن لا تملأ بمهاباذا
سلام خلي ودعا عنكما * نعاج طرق ومهاباذا
فلما سمعها صديقي الفاضل فخر الدين أبو المعالي بن القشام
بأصفهان عمل:
بالله يا نفحات أنفاس الصبا * عوجي على أكناف ماهاباذا
واستخلفي تلعات طرق واقطعي * نفسي فداك إلى حماها باذا
أرض يناضي النيران ريسها * عزا فيا عجبا أماها باذا
ماباذء المطري لها لكن كذا من * بالسوء يوما قدر ماها باذا
وقال المهذب محمد بن أحمد بن الدهدار الأصفهاني صديقنا في
أسلوبه:
ريح الصبا رويت من راح الصبا * روحي بروحي نحو ماهاباذا
تردا جنان علاء مريدا أكلها * أمنا الزوال نعم أ ماهاباذا
وذكره السمعاني في مذيل تاريخ بغداد ونقلت من خطه: أنشدني أبو
الرضا العلوي في داره بقاشان لنفسه:
خليلي أن القلب من لواجف * وإن دموع العين مني ذوارف
مخافة دار لا عشية بعده * تماطلنا للعرض فيه المواقف
على الله هل من حيلة تعلمانها * تخلصنا منها فاني خائف
انتهى ما نقلناه من ذلك الجزء، ومن شعره قوله:
سفرت لنا عن طلعة البدر * إحدى الخرائد من بني بدر
فاجل قدر الليل مطلعها * حتى تراءت ليلة القدر
لو أنها كشفت لآلئها * من قولها والعقد والثغر
لأضاءت الدنيا لساكنها * والليل في باكورة الشعر
حتى يظن الناس انهم * هجم العشاء بهم على الفجر
عهدي بنا والوصل يجمعنا * كاللوز توأمتين في قشر
نغدو كلانا وفق صاحبه * ومطيع حكم النهي والأمر
وقوله:
يا رب ما لي شفيع يوم منقلبي * إلا الذين إليهم ينتهي نسبي
المصطفى وهو جدي ثم فاطمة * أمي وشيخي علي الخير فهو أبي
والمجتبى الحسن الميمون غرته * ثم الحسين أخوه سيد العرب
ثم ابنه سيد العباد قاطبة * وباقر العلم مكشوف عن الحجب
والصادق البر في شئ يفوه به * والكاظم الغيظ في مستوقد الغضب
ثم الرضا المرتضى في الخلق سيرته * ثم التقي نقيا غير ما كذب
ثم النقي ابنه والعسكري وما * لي في شفاعة غير القوم من أرب
ثم الذي يملأ الدنيا بأجمعها * عدلا وقسطا بإذن الله عن كثب
وقوله:
ألا يا آل أحمد يا هداتي * لقد كنتم أئمة خير أمة
أرادكم الحسود بكيد سوء * فأصبح ما أراد عليه غمه
يريد ليطفئ النور المصفى * ويأبى الله إلا أن يتمه
وله:
محمد خير مبعوث وأفضل من * مشى على الأرض من حاف ومنتعل
من دينه نسخ الأديان أجمعها * ودور ملته عفى على الملل
ثم الإمامة مهداة مرتبة * من بعده لأمير المؤمنين علي
من بعده أبناه وأبناء بنت سيدنا * محمد ثم زين العابدين علي
والباقر العلم عن اسرار حكمته * والصادق البر لم يكذب ولم يحل
والكاظم الغيظ لم ينقض مروته * ثم الرضا لم يفه والله بالزلل
ثم التقي فتى عاف الأنام معا * قولا وفعلا فلم يفعل ولم يقل
ثم النقي ابنه والعسكري ومن * يطهر الأرض من رجس ومن دخل
القائم العدل والحاكي بطلعته * طلوع بدر الدجى في دامس الطفل
تنشق ظلمة ظلم الأرض عن قمر * إشراق دولته تأتي على الدول
مؤلفاته
له من المؤلفات ١ ضوء الشهاب في شرح الشهاب، وهو شرح
لكتاب القاضي أبي عبد الله محمد بن سلامة القضاعي المغربي المتضمن
الكلمات الحكمية النبوية وقد شرحه جماعة منهم أبو الفتوح الحسيني بن علي
الرازي ٢ الأربعين في الأحاديث ٣ نظم العروض للقلب المروض ٤
الحماسة ٥ الموجز الكافي في علمي العروض والقوافي ٦ شرح الرسالة
الذهبية سماه ترجمة العلوي للطب الرضوي ٧ التفسير ٨ كتاب النوادر
٩ كتاب أدعية السر أورده الكفعمي بتمامه في البلد الأمين.
أبو سهل الفضل بن نوبخت
هكذا ترجمه ابن النديم في الفهرست وابن القفطي في تاريخ
الحكماء، وأطلق عليه ابن النديم أبو سهل بن نوبخت. وفي كتاب الشيعة
وفنون الاسلام أنه أبو سهل الفضل بن أبي سهل بن نوبخت، وهو غير
بعيد وإن كنا لم نجده لغيره ممن وصل إلينا كلامهم في آل نوبخت كابن
النديم وابن القفطي وصاحب رياض العلماء وغيرهم. وفي كتاب خان دان
نوبختي لعباس اقبال الآشتياني ما تعريبه: يظن أن يكون أبو سهل المترجم
هو ولد نوبخت لصلبه، وأن يكون تسميته بالفضل من ابن النديم خطا
(٤١٠)

وتبعه ابن القفطي حيث أن له ابنا يسمى أبا العباس فضل بن أبي سهل بن
نوبخت فاشتبه عليهم بأنه أبو سهل الفضل بن نوبخت انتهى
ملخصا.
وأقول: ظن الاشتباه من ابن النديم مع قرب عهده وسعة
اطلاعه بعيد، ووجود أبي سهل ابن نوبخت معاصر المنصور لا يمنع من
وجود غيره مسمى بالفضل ومكنى بأبي سهل من ذرية أبي سهل المذكور
نسب إلى جده نوبخت كما يقع كثيرا، أو أنه ابن نوبخت وأخو أبي سهل
فيكون لنوبخت ولدان أحدهما اسمه أبو سهل والثاني اسمه الفضل ويكني
أبا سهل، لكن الظاهر الأول لا سيما ملاحظة أن أبا سهل بن نوبخت كان
زمن المنصور وأبو سهل الفضل كان في زمن الرشيد. ونوبخت مر
ضبطه في إبراهيم بن إسحاق ومر هناك قول ابن النديم أن آل نوبخت
معروفون بولاية علي وولده ع، وأنه عد في جملة النقلة من
الفارسي إلى العربي آل نوبخت أكثرهم. والمترجم ذكره ابن النديم في
الفهرست، وقال: فارسي الأصل، قال: وقد ذكرت نسب آل نوبخت
في كتاب المتكلمين واستقصيته، وكان في خزانة الحكمة لهارون الرشيد.
ولهذا الرجل نقل من الفارسي إلى العربي ومعولة في علمه على كتب الفرس
اه وذكره ابن القفطي في تاريخ الحكماء فقال: الفضل بن نوبخت أبو
سهل فارسي الأصل مذكور مشهور من أئمة المتكلمين، وذكر في كتاب
المتكلمين واستوفى نسبه من ذكره كمحمد بن إسحاق النديم وأبي عبد الله
المرزباني، وكان في زمن هارون الرشيد وولاه القيام بخزانة كتب الحكمة،
وكان ينقل من الفارسي إلى العربي ما يجده من كتب الحكمة الفارسية
ومعولة في علمه وكتبه على كتب الفرس اه وفي كتاب الشيعة وفنون
الاسلام عن بعض الفضلاء من أصحابنا أنه قال عند ذكره: هو الفيلسوف
المتكلم والحكيم المتأله وحيد في علوم الأوائل، كان من أركان الدهر، نقل
كثيرا من كتب البهلويين الأوائل في الحكمة الاشراقية من الفارسية إلى
العربية في أنواع الحكمة، وهو من علماء عصر الرشيد هارون بن المهدي
العباسي، وكان على خزانة الحكمة للرشيد، وله أولاد علماء أجلاء
اه وفي عيون أخبار الرضا عن البيهقي عن الصولي عن عبيد الله بن
عبد الله بن طاهر قال: أشار الفضل بن سهل على المأمون أن يتقرب إلى
الله عز وجل وإلى رسوله بصلة رحمه بالبيعة لعلي بن موسى ليمحو بذلك ما
كان من أمر الرشيد فيهم، وما كان يقدر على خلافه في شئ. إلى أن قال
قال الصولي: وقد صح عندي ما حدثني به عبيد الله من جهات،
منها أن عون بن محمد حدثني عن الفضل بن أبي سهل النوبختي أو عن أخ
له، قال لما عزم المأمون على العقد للرضا ع بالعهد قلت والله لاعتبرن
ما في نفس المأمون من هذا الأمر، أ يحب إتمامه أو هو يتصنع به فكتبت إليه
على يد خادم له كان يكاتبني باسراره على يده قد عزم ذو الرياستين على عقد
العهد والطالع السرطان وفيه المشتري، والسرطان وإن كان شرف المشتري
فهو برج منقلب لا يتم أمر يعقد فيه ومع هذا فان المريخ في الميزان في بيت
العاقبة وهذا يدل على نكبة المعقود له وعرفت أمير المؤمنين ذلك لئلا يعتب
علي إذا وقف على هذا من غيري، فكتب إلي إذا قرأت جوابي إليك فاردده
إلي مع الخادم ونفسك أن يقف أحد على ما عرفتنيه وأن يرجع ذو الرياستين
عن عزمه لأنه إن فعل ذلك ألحقت الذنب بك وعلمت أنك سببه، قال
فضاقت علي الدنيا وتمنيت أني ما كنت كتبت إليه ثم بلغني أن الفضل بن
سهل ذا الرياستين قد تنبه على الأمر ورجع عن عزمه وكان حسن العلم
بالنجوم، فخفت والله على نفسي وركبت إليه فقلت له أ تعلم في السماء
نجما أسعد من المشتري قال لا، قلت أ فتعلم أن في الكواكب نجما يكون في
حال أسعد منها في شرفها، قال لا، فقلت فامض العزم على رأيك إذ كنت
تعقده وسعد الفلك في أسعد حالاته فامضى الأمر على ذلك فما علمت أني
من أهل الدنيا حتى وقع العقد فزعا من المأمون اه والظاهر أن صاحب
هذه القصة هو المترجم وهي تدل على أنه ساعد على أن تكون البيعة في
وقت غير مناسب بحسب أحكام النجوم ولا ينافي ذلك تشيعه لأن الخوف
قد يبعث على أزيد من هذا مع أن القصة مرددة بينه وبين أخ له.
كلام المترجم في أخبار الفلاسفة
قال ابن النديم في الفهرست في الفن الأول من المقالة السابعة في
أخبار الفلاسفة الطبيعيين والمنطقيين وأسماء كتبهم: حكايات في صدر هذه
المقالة عن العلماء بلفظهم: قال أبو سهل بن نوبخت في كتاب النهمطان:
قد كثرت صنوف العلوم وأنواع الكتب ووجوه المسائل والمآخذ التي اشتق
منها ما يدل عليه النجوم مما هو كائن من الأمور قبل ظهور أسبابها ومعرفة
الناس بها على ما وصف أهل بابل في كتبهم وتعلم أهل مصر منهم وعمل به
أهل الهند في بلادهم، على مثال ما كان عليه أوائل الخلق قبل مقارفتهم
المعاصي وارتكابهم المساوي ووقوعهم في لجج الجهالة إلى أن لبست عليهم
عقولهم وأضلت عنهم أحلامهم فان ذلك قد كان بلغ منهم فيما ذكر في
الكتب من أمورهم وأعمالهم مبلغا دله عقولهم و حير حلومهم وأهلك عليهم
دينهم فصاروا حيارى ضلالا لا يعرفون شيئا فلم يزالوا على ذلك حينا من
الدهر حتى أيد من خلف من بعدهم ونشأ من أعقابهم وذرأ من أصلابهم
بالتذكر لتلك الأمور والفطنة لها والمعرفة بها والعلم للماضي من أحوال
الدنيا في شأنها وسياسة أولها والمؤتنف من تدبير أوسطها وعاقبة آخرها وحال
سكانها ومواضع أفلاك سمائها وطرقها ودرجها ودقائقها ومنازلها العلوي منها
والسفلي بمجاريها وجميع أنحائها وذلك على عهد جم بن اونجهان الملك
فعرفت العلماء ذلك ووضعته في الكتب وأوضحت ما وضعت منه ووصفت
مع وضعها ذلك الدنيا وجلالتها ومبتدأ أسبابها وتأسيسها ونجومها وحال
العقاقير والأدوية والرقا وغير ذلك مما هو آلة للناس يصرفونها فيما هو موافق
لأهوائهم من الخير والشر فكانوا كذلك برهة وعصرا حتى ملك الضحاك (١)
بن قي في حصة المشتري ونوبته وولايته وسلطانه من تدبير السنين بأرض
السواد بني مدينة اشتق اسمها من اسم المشتري فجمع فيها العلم والعلماء
وبنى فيها اثني عشر قصرا على عدد بروج السماء وسماها بأسمائها وخزن
فيها كتب العلم وأسكنها العلماء (٢) فانقاد لهم الناس وانقادوا لقولهم ودبروا
أمورهم لمعرفتهم بفضلهم عليهم في أنواع العلم وحيل المنافع إلى أن بعث
نبي في ذلك الزمان فإنهم أنكروا عند ظهوره وما بلغهم من أمره علمهم
واختلط عليهم كثير من رأيهم فتشتت أمرهم واختلفت أهواؤهم وجماعتهم
فأم كل عالم منهم بلدة يسكنها ويكون فيها ويترأس على أهلها وكان فيهم
عالم يقال له هرمس وكان من أكملهم عقلا وأصوبهم علما وألطفهم نظرا

(١) أصله ده أك معناه عشر افات فجعلته العرب الضحاك - كذا في فهرست ابن النديم عن غير
أبي سهل.
(٢) في غير كلام ابن سهل أنه بني سبعة بيوت على عدد الكواكب السبعة وجعل كل بيت منها إلى
رجل فجعل بيت عطارد إلى هرمس وبيت المشتري إلى تينكلوس وبيت المريح إلى طينقروس
كذا في فهرست ابن النديم - المؤلف -.
(٤١١)

فسقط إلى أرض مصر فملك أهلها وعمر أرضها وأصلح أحوال سكانها
وأظهر علمه فيها وبقي جل ذلك وأكثره ببابل إلى أن خرج الإسكندر ملك
اليونانيين غازيا أرض فارس من مدينة للروم يقال لها مقدونية عند الذي
كان من انكاره الفدية التي لم تزل جارية على أهل بابل ومملكته فارس وقتله
دارا بن دارا الملك واستيلائه على ملكه وهدمه المدائن وإخرابه المجادل المبنية
بالشياطين والجبابرة وإهلاكه ما كان في صنوف البناء من أنواع العلم الذي
كان منقوشا مكتوبا في صخور ذلك وخشبه بهدم ذلك وإحراقه وتفريق
مؤتلفه ونسخ ما كان مجموعا من ذلك في الدواوين والخزائن بمدينة إصطخر
وقلبه إلى اللسان الرومي والقبطي ثم أحرق بعد فراغه من نسخ حاجته منها
ما كان مكتوبا بالفارسية وكتابا يقال له الكشتج وأخذ ما كان يحتاج إليه من
علم النجوم والطب والطبائع فبعث بتلك الكتب وسائر ما أصاب من العلوم
والأموال والخزائن والعلماء إلى بلاد مصر وقد كانت تبقت أشياء بناحية الهند
والصين كانت ملوك فارس نسختها على عهد نبيهم زرادشت وجاماسب
العالم وأحرزتها هناك لما كان نبيهم زرادشت وجاماسب حذراهم من فعلة
الإسكندر وغلبته على بلادهم وإهلاكه ما قدر عليه من كتبهم وعلمهم
وتحويله إياه عنهم إلى بلاده فدرس عند ذلك العلم بالعراق وتمزق واختلفت
العلماء وقلت وصار الناس أصحاب عصبية وفرقة وصار لكل طائفة منهم
ملك فسموا ملوك الطوائف واجتمع ملوك الروم لملك واحد بعد الذي كان
فيهم من التفرق والاختلاف والتحارب قبل ملك الإسكندر فصاروا بذلك
يدا واحدة ولم يزل ملك بابل منتشرا ضعيفا فاسدا ولم يزل أهله مقهورين
مغلوبين لا يمنعون حريما ولا يدفعون ضيما إلى أن ملك أردشير بن بابك من
نسل ساسان فألف مختلفهم وجمع متفرقهم وقهر عدوهم واستولى على
بلادهم واجتمع له أمرهم واذهب عصبيتهم واستقام له ملكهم فبعث إلى
بلاد الهند والصين في الكتب التي كانت قبلهم وإلى الروم ونسخ ما كان
سقط إليهم وتتبع بقايا يسيرة بقيت بالعراق فجمع منها ما كان متفرقا وألف
منها ما كان متباينا وفعل ذلك من بعده ابنه سابور حتى نسخت تلك الكتب
كلها بالفارسية على ما كان هرمس البابلي الذي كان ملكا على مصر
ودورينوس السرياني وقيدروس اليوناني من مدينة اثينس المذكورة بالعلم
وبطليموس الإسكندراني وفرماسب الهندي فشرحوها وعلموها الناس على
مثل ما كانوا أخذوا من جميع تلك الكتب التي كان أصلها من بابل ثم جمعها
وألفها وعمل بها من بعدهما كسرى انوشروان لنيته كانت في العلم ومحبته.
ولأهل كل زمان ودهر تجارب حادثة وعلم مجدد لهم على قدر الكواكب
والبروج الذي هو ولي تدبير الزمان بأمر الله تعالى جده انتهى كلام أبي
سهل.
مؤلفاته ذكرها ابن النديم في الفهرست وتبعه ابن القفطي: كتاب النهطمان
أو النهمطان في المواليد كتاب الفأل النجومي كتاب المواليد مفرد كتاب
تحويل سني المواليد كتاب المدخل كتاب التشبيه والتمثيل كتاب المنتحل من
أقوال المنجمين في الاخبار والمسائل والمواليد وغيرها وفي كتاب الشيعة وفنون
الاسلام عن بعض الفضلاء من أصحابنا أنه قال له كتاب في الحكمة
وكتاب في الإمامة كبير وصنف في فروع علم النحو لرغبة أهل عصره
بذلك.
السيد الأمير فضل الله الاسترآبادي
من تلاميذ المحقق الداماد. له حاشية على آيات الاحكام للأردبيلي.
أبو تغلب فضل الله بن ناصر الدولة الحسن بن أبي الهيجاء عبد الله بن
حمدان التغلبي، ابن أخي سيف الدولة
كان أبوه ناصر الدولة أميرا بالموصل ونواحيها وفي أواخر حياته
تضعضعت مداركه وتغيرت أحواله فبادر ولده أبو تغلب فحبسه في حصن
السلامة ومنعه من التصرف وقام بالمملكة، ولم يزل ناصر الدولة معتقلا إلى
أن مات.
وقد قيل في سبب اعتقاله أنه لما مات معز الدولة البويهي عزم أولاد
ناصر الدولة على قصد العراق واخذه من بختيار فنهاهم أبوهم، فوثب عليه
أبو تغلب فقبضه ورفعه إلى القلعة ووكل به إلى من يخدمه ويقوم بحاجاته
فخالفه بعض اخوته وانتشر امرهم وصار قصاراهم حفظ ما بأيديهم واحتاج
أبو تغلب إلى مداراة عز الدولة بختيار بن معز الدولة وتجديد ضمان البلاد
ليحتج به على اخوته.
وفي السنة ٣٦٢ ه سار الدمستق إلى آمد وبها هزار مرد غلام أبي
الهيجاء الحمداني فكتب إلى أبي تغلب يستنجده فسير إليه أخاه هبة الله.
فاجتمعا على حرب الدمستق وسارا إليه فالتقياه سلخ رمضان فهزماه وأسر
الدمستق ولم يزل محبوسا إلى أن مرض سنة ٣٦٣ ه ٩٧٣ فبالغ أبو
تغلب في علاجه وجمع الأطباء كما يقول ابن العبري فلم ينفعه ذلك
ومات. على أن الروم أعادوا الكرة فتقدمت جيوشهم بقيادة الإمبراطور
جان تزيمسكيس، المعروف عند العرب بابن الشمشقيق فنهبوا ميافارقين
وآمد ودخلوا نصيبين فاقر أبو تغلب بالامر الواقع.
وفي السنة ٣٦٣ استولى بختيار على الموصل من أبي تغلب، وكان أبو
تغلب قد سار إلى بغداد عند خروج بختيار منها، ثم بعث يعتذر إلى بختيار
فأرسل إليه بختيار أبا أحمد الموسوي يستحلفه على الصلح فاصطلحا وعاد
بختيار إلى بغداد وجهز ابنته إلى أبي تغلب وكان قد عقد له عليها من قبل.
وظل أبو تغلب يحكم الموصل إلى أن ملك عضد الدولة البويهي
فجرت بينهما حروب انهزم فيها أبو تغلب مرات واضطرب امره واستولى
عضد الدولة على ملكه. فاضطر أبو تغلب إلى قصد دمشق فلم يمكنه
صاحبها من دخولها فأقام بظاهرها وأرسل إلى العزيز بمصر يستنجده ليفتح
له دمشق، ثم وقعت فتنة بين أصحابه وأصحاب قسام صاحب دمشق
فرحل أبو تغلب إلى نوى من اعمال دمشق. واستدعاه العزيز إلى مصر
ليرسل معه العساكر فابى ورحل إلى بحيرة طبرية. وسير العزيز عسكرا إلى
دمشق بقيادة قائد اسمه الفضل فالتقى بأبي تغلب عند طبرية ووعده عن
العزيز بكل ما يحب، ولكن منعه من السير معه إلى دمشق بسبب ما ثار بين
أصحابه وأصحاب قسام من الفتنة لأن الفضل أراد أخذ البلد سلما.
ورحل الفضل إلى دمشق ولم يفتحها.
وكان بالرملة دغفل بن المفرج الطائي مسيطرا فسار إلى احياء عقيل
المقيمة بالشام ليخرجها من الشام فاستنجدت عقيل بأبي تغلب. ورحل أبو
تغلب فنزل بجوار عقيل، فتوجس منه كل من دغفل والفضل قائد العزيز
فجمعا له والتقوا في حرب انهزمت فيها عقيل عن أبي تغلب، وجرح أبو
(٤١٢)

تغلب واخذ أسيرا وحمل إلى دغفل فأراد الفضل حمله إلى العزيز في مصر،
ولكن دغفل قتله.
وكان أبو تغلب شاعر أديبا.
كتب أبو فراس إلى أخيه أبي الفضل وقد سار أبو تغلب بن ناصر
الدولة إلى أخيه حمدان يلازمه ليقتله:
المجد في الرقة مجموع * والفضل مروي ومسموع
إن بها كل عميم الندى * يداه للجود ينابيع
وكل مبذول القرى بيته * بيت على العلياء مرفوع
لكن اتاني خبر رائع * يضيق عنه السمع والروع
إن بني عمي وحاشاهم * شملهم للخلق مصدوع
ما لعصا قومي قد شقها * تفارط منهم وتضييع
بنو أب فرق ما بينهم * واش على الشحناء مطبوع
عودوا إلى أحسن ما كنتم * سقتكم الغر المرابيع
لا يكمل السؤدد في ماجد * ليس له عود ومرجوع
أنبذل الود لأعدائنا * وهو عن الاخوة ممنوع
أو نصل الا بعد من قومنا * والنسب الأقرب مقطوع
لا يثبت العز على فرقة * غيرك بالباطل مخدوع
الفضل بن الحسن
الشيخ الامام العالم العامل الشيخ أبو علي الطبرسي له جواهر النحو
ذكر فيه أنه ألفه للأمير صفي الدين أبي منصور محمد بن يحيى بن هبة الله
الحسيني وأنه اقتدى فيه بالامام عبد القاهر الجرجاني في مجموعه الموسوم
بالجمل في العوامل، وفي آخره تم الكتاب المسمى بجواهر النحو من
تصنيف الشيخ الامام العلم العامل الشيخ أبو علي الطبرسي خامس رمضان
سنة ٧٩٠
فضل الله بن محمد الفارسي
له كتاب رياض الجنان
فضلي بن زين العابدين
له كتاب أفضل التواريخ فارسي
فضولي البغدادي (١)
اسمه محمد بن سليمان وقد اشتهر بلقبه فذكرناه في حرف الفاء.
أصله
قال صادقي وكان معاصرا لفضولي، وقد أدرك الثلث الآخر من
عمره: أنه من عشيرة بيات وهي بطن من أغز، قبيلة من الترك، وهم
التركمانية. ونسبه صاحب نمونه أدبيات وهوارت إلى الكرد. وخصصهم
كريمسكي بكرد آذربيجان
إما بيات فقد استوطنت العراق قديما وسكنت ناحية قرب واسط.
ولها ذيول في إيران، وتوران، والهند، وتركية. وأصلهم جميعا من
تركستان.
وينتسب إلى بيات اليوم طائفة كبيرة في العراق، يقيم فرع منها
بكركوك، وبيوتات ببغداد.
مولده
ولد فضولي بالعراق كما حكى في مقدمة ديوانه وقد اختلفت أقاويل
المؤرخين في مولده. فقال بعضهم: أنه ولد بكربلاء وقال آخرون: ولد
ببغداد وربما كان مسقط رأسه بلدة الحلة فقد كان والده مفتيا بها. ومهما
يكن من خلاف، فقد استوطن فضولي الحلة وشب ابنه فضلي فيها.
إما ميلاده فقد اختلفوا في الوقت الذي ولد فيه، اختلافهم في موضع
ولادته. وربما كان مولده في العشر الأخير من القرن التاسع الهجري. فقد
صرح في امدوحة قالها وهو في جلال السن بأنه مدح أمير المؤمنين
ع خمسين سنة. ولا بد أنه ابتدأ بقرض الشعر وهو يافع بلغ الحلم أو
تجاوزه قليلا. ثم لا ريب في حياته برهة من الزمان بعد تلك الامدوحة.
وقد أقام برهة في بغداد فنسب إليها وعرف بالبغدادي، ونظم الشعر
بالعربية والفارسية والتركية وقد احتفى الروس أخيرا بذكراه في مهرجان
أقاموه في باكو عام ١٣٧٨ لان قبيلته بيات تنتمي في الأصل إلى
آذربيجان أو تركستان.
ثقافته وأدبه
صرح في مقدمة ديوانه بأنه: اكتسب الفنون العقلية والنقلية،
واقتبس الفوائد الحكمية والهندسية، وتتبع الأحاديث والتفاسير... وكان
رائد فكره يسيح دائما في حدائق المؤلفات فجمع أسباب اختراع أفانين
القريض، وسخرت له ممالك فنون النظم، وانتهت إليه رياسة أقاليم
الكلام، وقد درس الفارسية، وتعميق في آدابها، وألم بمنظومها، وتوسع في
منثورها، واطلع على غررها، فجارى سعدي، وقلد حافظ. ونظم
أنس القلب اقتداء بهدى الخاقاني، وخسرو الدهلوي، والجامي،
واخذ في أساليب منظومة الدهلوي، واحتذى مثال جلاء الروح.
وقد أثني عليه النقاد والأدباء، واطروه، فقال معاصره عهدي
البغدادي: مولانا فضولي، كامل بكمال المعرفة، فاضل بفنون
الفضائل، رقيق الطبع، حلو الصحبة من أهل الحكمة في علم الحياة
والابدان، ومن خدام شيوخ الطريقة. لا ند له في بلاغته في اللغات
الثلاث. قادر على صنوف الشعر وطراز المعميات، ماهر في العروض.
وأسلوب انشائه السلس يضاهي أستاذ العالم خواجة جهان، وقصائده
الفصيحة تضارع الخواجة سليمان. وفي النحو المثنوي، نرى مجنون ليلاه
كالدر المكنون وله رسائل تركية وفارسية عديدة. ترجم روضة الشهداء للمولى حسين الواعظي، وسماها حديقة
السعداء تشهد أنه مبدع في أسلوبه، وبرهان ساطع في اختراع معانيه.
وحدث عن السبك ولا حرج في صوع كلماته فهي أشبه بحلة ذهبية
اكتستها المعاني. وأشعاره في العربية ذائعة بين فصائحها. وأقواله مذكورة
بين الترك والمغول، وديوانه الفارسي مقبول لدى أبناء الفرس، وأشعاره
التركية مقبولة لدى ظرفاء الروم (٢).
وقال سام ميرزا: مولانا فضولي من دار السلام بغداد، ولم يخرج

(١) ملخص من بحث للدكتور حسين محفوظ وهو مما استدركناه على الكتاب (ح).
(٢) تاريخ العراق بين احتلالين ج ٤ ص ٩٩ نقلا من كلشن شعراء.
(٤١٣)

فيها شاعر خيرا منه. وهو يقول الشعر باللسانين أي التركية والعربية (١).
وقال صادقي: وهو نسيج وحده في الكلام الفارسي والعربي
والتركي.
وقال امين احمد رازي: فاق لداته بالفضل والعلم، وسبق اقرانه في
الفهم والذكاء. وهو في قرض الشعر باللسانين علم حاز قصب السبق،
وتجاوز الحد.
وقال نصرآبادي: كان ذا يد باسطة في النظم والنثر ولقبه نظمي
راده أفصح الشعراء.
والحق أنه أمير البيان التركي وحامل لواء نظمه ونثره والترك يسمونه
رئيس الشعراء ويعدونه أستاذ الكل وقد لقبه الأديب التركي المشهور
عبد الحق حامد الشاعر الأعظم وشيخ الشعراء وأعظم شعراء الشرق.
آثاره
١ أنيس القلب: منظومة شينية بالفارسية، عدتها ١٣٤ بيتا.
طبعت باستانبول سنة ١٩٤٤. ٢ بنك وباده بالتركية: في ٤٠٠ بيت
طبعت في كليات ديوانه ومنها نسخ مفردة في خزانة مدرسة سبهسالار ومجلس
الشورى الوطني بطهران، والمتحف البريطاني ٣ ترجمة أربعين حديثا
بالتركية: منها نسخة في خزانة السيد محمد المشكاة بطهران ٤ حديقة
السعداء بالتركية: ترجمة كتاب روضة الشهداء المشهور بالفارسية تاليف
مولانا كمال الدين حسين الواعظ الكاشفي السبزواري نزيل هرات المتوفى
في حدود سنة ٩١٠ مع زيادة استفادها من كتاب الملهوف للسيد رضي
الدين بن طاووس، والمقتل لأبي مخنف.
طبع ببولاق سنة ١٢٧١، واستانبول ومنه نسخ في المتحف البريطاني
واثنتان في دار الكتب الرضوية بالمشهد، تاريخ إحداهما سنة ١٠٠٥،
والاخرى ١٠٠٨ وقطعة في خزانة بيت الطريحي بالنجف ونسخة في خزانة
عباس العزاوي المحامي ببغداد مكتوبة سنة ٩٩٩ والخزانة المرادية ومكتبة
الأوقاف ببغداد رقمها ٤٨٨٢ بخط محمد بن ملايار سنة ١٠٨٤ ٥
حسن وعشق بالفارسية: منه نسخة في خزانة مدرسة سبهسالار بطهران،
ونسخة في كمبرج، والمتحف البريطاني، ومكتبة المتحف العراقي رقمها
١٥٥٩، وخزانة عباس العزاوي المحامي ببغداد، وفي خزائن الموصل
أربع نسخ أيضا. نسخة مؤرخة بسنة ١٠٩٣ في خزانة المحمدية بجامع
الزيواني، واخرى في خزانة مدرسة جامع الباشا واثنتان في خزانة مدرسة
يحيى باشا، ونسخة في خزانة محمد علي البلاغي بالنجف.
وطبع في بولاق سنة ١٢٥٤، وتبريز سنة ١٢٦٦ واستانبول سنة
١٢٩١ ومطبعة اختر سنة ١٣٠٨، وطاشقند سنة ١٣٠٩، ومطبعة
خورشيد سنة ١٣١٥، واستانبول سنة ١٣٤٢.
٧ ديوان فضولي بالفارسية: ومنه نسختان في المتحف البريطاني.
ويوجد في خزانة مدرسة يحيى باشا بالموصل وخزانة المرادية، وخزانة عباس
العزاوي المخامي ببغداد.
٨ ديوان فضولي بالعربية: وهو مجموعة قصائده وغزله. ومنه
نسخة في لنين غراد قوامها ٤٦٥ بيتا.
وفي كليات ديوانه التركي المطبوعة من الشعر العربي، رباعيات و
٥ نتف، و ٢٤ بيتا، و ١٨ نصفا في مطالع القصائد واثنائها على سبيل
التلميع نهج سعدي، وحافظ.
٩ رسائل فضولي بالتركية: نشرها الدكتور عبد القادر قره خان
موسومة ب فضولي مكتو بلرى في استانبول سنة ١٩٤٨.
١٠ رند وزاهد بالفارسية في ٨٥٠ بيتا في دار الكتب الرضوية
بالمشهد، وخزانة كمبريج، ونسختان في خزانة مجلس الشورى الوطني
بطهران، واثنتان كذلك في المتحف البريطاني.
وقد نقلها إلى التركية مصطفى سالم الاسكداري ١٢١٥.
١١ ساقي نامه بالتركية: في ٣٠٠ بيت طبعت في كليات ديوانه
١٢ ساقي نامه بالفارسية، في ٤٠٠ بيت. طبعت في ديوانه
سنة ١٢٧٠ ١٣ شاة وكدا ١٤ شكايتنامه. طبعت في كليات
ديوانه.
١٥ صحت ومرض بالفارسية: ومنه نسخة في مكتبة الأوقاف
ببغداد رقمها ٤٣٦٦ الرسالة الثانية، والمتحف البريطاني وجامعة
كمبرج، وخزانة السيد حسن الصدر ودار الكتب الرضوية بالمشهد،
وثلاث نسخ في خزانة مجلس الشورى الوطني بطهران ونقلت إلى التركية.
١٦ ليلى ومجنون بالتركية: منظومة في ٣٤٠٠ مزدوج منها نسخة في
خزانة صدر التفرشي بطهران، واثنتان في المتحف البريطاني، وطبعت
مفردة في استانبول سنة ١٢٦٤ وتبريز بالحجر، سنة ١٢٧٤ وعلى هامش
ديوانه التركي، في طاشقند، سنة ١٣٠٩، وفي كليات الديوان ١٧
مطلع الاعتقاد في علم الكلام، وفق مذهب الحكماء، والامامية ١٨
معميات.
شهرته في إيران
سار شعر فضولي في إيران في حياته وحفظه أهل الأدب، ونقده
الكلام وقدروه حق قدره. فقد ذكره معاصره سام ميرزا ابن الشاة
إسماعيل الصفوي، المتوفى سنة ٩٦٩، وروى نتفة من شعره في كتابه
تحفه سامي الذي ألفه في حياة الشاعر سنة ٩٥٧. وامين احمد رازي في
هفت إقليم الذي أتمه سنة ١٠٠٢ وكان في دار كتب الشاة عباس
الصفوي نسخة من ديوان فضولي بخطه، طالعها خازنه صادقي كتابدار
الذي أدرك أخريات عمر الشاعر، وترجمه في مجمع الخواص الذي
اكمله سنة ١٠١٦، وذكر بعض أبياته الشيخ البهاء العاملي المتوفى سنة
١٠٣١، في الكشكول، وهو البيت التركي الوحيد في مجموعة
البهائي. وذكره ميرزا محمد طاهر نصرآبادي، المتوفى في حدود سنة
١١٠٠ في تذكرته التي ألفها برسم صفي الدين ميرزا المعروف بالشاه
سلمان الصفوي، سنة ١٠٨٣. وحاج لطفعلي بيك آذر بيگدلي، المتوفى
سنة ١١٩٥ في آتشكده.

(١) تحفة سافي ص ١٣٦.
(٤١٤)

واستشهد بشعره بعض مصنفي المعجمات، ومنهم صاحب معجم
فرهنگ بشير خاني فقد عده من طبقة أشياخ الشعر الفارسي،
كالفردوسي واسدي، وخاقاني، وسعدي، وحافظ وجامي، وقاسم
أنوار، ونظام الاسترآبادي.
وترجمه أخيرا محمد علي تربيت المتوفى سنة ١٣٥٨ في دانشمندان
آذربايجان ومحمد علي التبريزي مدرس، المتوفى سنة ١٣٧٣ في ريحانة
الأدب وانتخب طرائف من شعره جماعة من المعاصرين، منهم جهانباني،
وبزمان.
عناية الترك به
وعني به الترك قديما وحديثا، فهو شاعر الآذرية العظيم وامام الأدب
التركي الأكبر في كل العصور. وقد تداولت الأيدي ديوانه في زمانه وما
زال الأدباء الأتراك، يذكرونه ويتمثلون بشعره، ويروون قصائده،
ويحذون حذوه، ويقلدون أسلوبه، ويتاثرون بألفاظه، ويقتبسون معانيه.
فقد قفا اثاره ملا قوسي التبريزي وانتخب المولى عبد الحي ابن فيض الله
الرومي، الملقب فائضي، المدعو قاف زاده، المتوفى سنة ١٠٣١ ٢١ بيتا
من منظومة فضولي المشهورة ليلى ومجنون في كتابه زبدة الاشعار،
وأورد ٨٢ بيتا من ديوان شعره أيضا فيه وذكره عطائي المتوفى سنة ١٠٤٤ في
شعره وسدس بعض أبياته وذكره حاجي خليفه المتوفى ١٠٦٧، في كشف
الظنون. وكان الشيخ غالب المتوفى سنة ١٢١٣ يكبره معجبا به. وتكاد
لا تخلو مجموعة أدبية من أشعار فضولي وقد زادت عناية الترك به أخيرا،
فصنفوا الرسائل في سيرته وأخرجوا آثاره، واوسعوه تبحرا وتعمقا ودراسة.
وكتب الأدب حافلة بترجمته وتقريضه ونقد أدبه.
صيته في العراق
إما في العراق، مغرس فضولي، ومنبت آدابه، فقد أولاه الأدباء
العراقيون قديما، ما هو جدير به من عناية إذ ترجمه عهدي البغدادي المتوفى
سنة ١٠٠٢ وكان معاصرا له في تذكرته التي ألفها حوالي سنة ٩٧١.
وجارى نظمي المتوفى سنة ١٠٧٤ منظومته ليلى ومجنون في منظومة ناز
ونياز.
وذكره نظمي زاده، المتوفى سنة ١١٣٦ في گلشن خلفا وضرب المثل
به في بلوع الغاية العليا والنهاية القصوى في البلاغة عبد الباقي العمري،
المتوفى سنة ١٢٧٨ في تقريض ديوان عوني بك أفندي بن أبو بكر باشا
المورلاوي، قال:
أذعن في الفضل الفضولي له * إذعان مأمور لذي أمر
وجر فضل الذيل في اثره * فحاز رفع القدر بالجر
وما زال ديوانه ذائعا في العراق ولا سيما كركوك والكاكائية خاصة وهم
يحفظونه ويروونه ويتمثلون قصائده. وقد حذا حذوه جماعة من الشعراء،
منهم هجري دده، ومحيي الدين قابل، وصافي أفندي. وملا تقي،
والشيخ رضا طالباني ولاحظته عناية رهط من الأدباء حديثا، منهم محمود
صبحي الدفتري، ويعقوب سركيس، وعباس العزاوي، وعزيز سامي.
وفاته
عزم فضولي في جلال السن على الاعتزال والزهادة، فاعتكف في
كربلاء التي سماها اكسير المالك وقبع في كسر بيت جوار قبر الحسين
ع لا شغل له بغير العبادة. ويقال أنه قلد في شيخوخته تنوير
المشهد الحسيني، وفوض إليه اسراج مصابيحه وقد لاقي حمامه في كربلاء
بطاعون سنة ٩٦٣ كما حكى معاصره عهدي البغدادي.
ودفن فضولي فيها في مقبرة الدده، عند تكية البكتاشية على جنوبي
صحن الروضة الحسينية تجاه باب القبلة.
فضل بن فضولي
كان من أكابر أدباء العراق في القرن العاشر، سلك سبيل والده في
قرض الشعر بالتركية والفارسية والعربية، وقفا آثاره في التصوف والزهد
والقناعة والعزلة.
قال عهدي البغدادي: فضلى بن فضولي، صافي الذهن، مستقيم
الذكاء والطبع. لا يزال مشغولا في علوم الظاهر، معتزلا في زاوية بقناعة
تامة، اخذ بنواحي الشعر في اللغات الثلاث وله مهارة في المعمى، وقدرة
معجزة في التواريخ، وأبيات عشقية فريدة جذابة، آخذة بمجامع
القلوب. وقد بلغ الغاية العليا في التاريخ الشعري خاصة فلقبه روحي
البغدادي الشاعر المتوفى سنة ١٠١٤ مؤرخ الكون. وله تواريخ
مشهورة، منها: تاريخ منارة مشهد الكاظميين التي تممها الوالي مراد باشا
سنة ٩٧٨ وتاريخ جامع المرادية بالسنة المذكورة، وأرخ لباس القزلباشية
سنة ٩٨٨ وكل الظن أنه مات سنة ١٠١٤.
بابا فغاني
توفي سنة ٩٢٥
من شعراء الفرس، في مجالس المؤمنين: مولده بشيراز وعن أكثر
الشعراء في فن الغزل ممتاز وكان في أول امره في خدمة السلطان يعقوب
وترقى في زمانه ترقيا كليا وبعد وفاة السلطان المذكور جاء إلى خراسان في
زمان الشاة المغفور له صاحب قران الظاهر أن مراده به الشاة إسماعيل
الأول وسكن مدينة ابيورد فاعتنى به حاكم تلك البلاد الذي هو من قبل
الشاة وفي اخر امره سكن المشهد المقدس الرضوي وله ديوان شعر فارسي
وقصائد في مدح أمير المؤمنين ع وأورد منها قصيدة طويلة.
فقهاء حلب
ينسب إليهم القول بوجوب الاجتهاد علينا في الأصول والفروع،
وذكر جملة منهم في الحلبيين.
الفنائي المشهود
اسمه ملا علي أصغر. ذهب إلى الهند في زمان أكبر شاة وهو من شعراء الفرس.
أبو شجاع عضد الدولة فناخسرو شاهنشاه ابن ركن الدولة أبي علي بن
بويه الديلمي
ولد بأصفهان في ذي القعدة سنة ٣٢٤ وتوفي يوم الاثنين ثامن شوال
سنة ٣٧١ عن سبع وأربعين سنة واحد عشر شهرا وثلاثة أيام ببغداد ونقل
إلى مقبرته بالنجف فدفن فيها.
(٤١٥)

كانت امارته في العراق خمس سنين ونصفا، وفي أيامه عمرت بغداد
واخر الخراج، ورفع الجباية عن قوافل الحجاج وكثر ادرار الأرزاق والرسوم
والصلات للقراء والفقهاء وأهل الأدب، وهذا لم يجتمع في زمن من الأزمان
كما اجتمع في الدولة البويهية.
وهو أول من خوطب بالملك شاهنشاه وأول من حطب له على المنابر
مع الخلفاء وأول من ضرب الطبل على بابه أوقات الصلوات الخمس،
وعمر المشهد العلوي، فقد جاء في تاريخ طبرستان ورويان ومازندران:
وعمر الأمير عضد الدولة فناخسرو من آل بويه مشهد أمير المؤمنين
ع في النجف ومشهد الحسين ع في كربلاء ومشهد موسى
والجواد ع في بغداد ومشهد العسكريين ع في سامراء
عمارة كثيرة وكتب اسمه على باب مشهد علي بن أبي طالب ع
وكتب هناك وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد وفي موسم عاشوراء والغدير
والمواقف الأخرى كان يحضر في المشاهد ويقوم بالمراسم التي يقوم بها الشيعة
ودفن في النجف وقال مولانا أولياء الله قد وصلت إلى هناك ورأيت اسم
الخليفة الناصر وابنه المستنصر الامامي المذهب مكتوبا على تلك العمارة
اه.
وعن زينة المجالس من جملة اثار عضد الدولة الباقية إلى يومنا هذا أنه
بنى حوضا في إصطخر فارس له سبع درجات لو نزح منه ألف رجل في كل
يوم مدة سنة لم ينقص منه الا درجته.
ومن اثاره السد الذي بناه على فم ماء كربار بشيراز المشهور بسد
عضد الدولة وسد الأمير إسحاق الذي لا نظير له لأنه سد الماء مع هذه
العظمة والسرعة وبنى عمارة عالية عليه لعبور عامة الناس وعمل عليه عدة
طواحين والماء مشرف فوق هذه العمارة فيصب إلى أسفل، كما هو المشهور
في الألسنة أن عضد الدولة جعل جبلا فوق البحر وبحرا فوق الجبل.
وقال السيد علي بن طاوس في كتاب فرج الهموم: ومن العلماء
بالنجوم عضد الدولة بن بويه وكان منسوبا إلى التشيع ولعله كان يرى
مذهب الزيدية اه وهذا غريب منه فلم يذكر أحد عن عضد الدولة أنه
كان يرى مذهب الزيدية وغيره بل كان اماميا اثني عشريا ومثله في الغرابة
قوله كان منسوبا إلى التشيع فتشيع عضد الدولة أشهر من نار على علم.
وفي أنوار الربيع: روي أنه مما أنشد الصاحب بن عباد عضد الدولة
قصيدته الملقبة باللاكنية لكثرة ما فيها من لفظة لكن أولها:
أشبب لكن بالمعالي أشبب * وأنسب لكن بالمفاخر أنسب
ولي صبوة لكن إلى حضرة العلى * وبي ظما لكن من العز أشرب
فلما بلغ إلى قوله فيها:
ضممت على أبناء تغلب تاءها * فتغلب ما مر الجديدان تغلب
قال عضد الدولة يكفي الله تطيرا من قوله تغلب. وله ألف أبو علي
الفارسي كتاب الايضاح في النحو، وقد كان عضد الدولة أديبا شاعرا فمن
شعره قوله:
إن كنت جئتك في الهوى متعمدا * فرميت من قطب السماء بهاوية
وتركت حبي لابن بنت محمد * وحشرت من قبري بحب معاوية
إن الأئمة بعد احمد عندنا * اثنان ثم اثنان ثم ثمانية
وقوله:
سقى الله قبرا بالغري وحوله * قبور بمثوى الطف مشتملات
ورمسا بطوس لابنه وسميه * سقته السحاب الغر صفو فرات
وفي طيبة منهم قبور منيرة * عليها من الرحمن خير صلاة
وفي ارض بغداد قبور زكية * وفي سر من را معدن البركات
هم عدتي في شدتي يوم شدتي * وسفن نجاتي أن أردت نجاتي
وله في الخيري:
يا طيب رائحة من نفحة الخيري * إذا تمزق جلباب الدياجير
كأنما رش بالماورد واعتبقت * به دواجن تدخين وتبخير
كان أوراقه في القد أجنحة * صفر وحمر وبيض من دنانير (١)
وعضد الدولة هو أشهر ملوك بني بويه صيتا وأعظمهم صولة
وأغزرهم علما وارفعهم أدبا وأوسعهم تدبيرا واجلهم شانا، ولذلك بلغت
الحكومة البويهية ذروة ازدهارها على عهده. وكانت ولادته حين كان أبوه
ركن الدولة صاحب أصفهان والري طهران وضواحيها وهمدان وربحان
وجميع عراق العجم وجرجان وطبرستان، كركان ومازندران حاليا.
ولما كان اخوه الأكبر علي الملقب عماد الدولة قد اتخذ مقر حكومته
مدينة شيراز قاعدة ايالة فارس جنوب إيران وكان عقيما وقد اشتد به
مرض قرحة الكلى سنة ٣٣٧ وشعر بدنو اجله أنفذ إلى أخيه ركن الدولة
يطلب منه أن ينفذ إليه ابنه عضد الدولة فناخسرو ليجعله ولي عهده
ووارث مملكته بفارس وسائر ارجاء جنوب إيران فجاء عضد الدولة في هذه
السنة إلى شيراز ولما يبلغ من العمر الثالثة عشرة فاستقبله عمه عماد
الدولة في جميع عسكره واجلسه في داره على السرير ووقف هو بين يديه
وامر الناس بالسلام عليه والانقياد له.
وفي جمادى الآخرة سنة ٣٣٨ مات عماد الدولة عن سبع وخمسين
سنة وبقي عضد الدولة وعمره ١٤ سنة وحده فاختلف أصحابه، مما اضطر
والده ركن الدولة للمجئ إلى شيراز للاخذ بيد ابنه والتعاون مع
الصيمري وزير أخيه معز الدولة الذي كان قد أرسله من بغداد إلى
شيراز لمساعدة ابن أخيه عضد الدولة وقد اتفق هذان على تقرير حكومة
عضد الدولة وبقيا في شيراز مدة تسعة أشهر.
عضد الدولة في حروبه وفتوحه
واخذ عضد الدولة الذي لم يكن قد لقب بعد بهذا اللقب بجيشه إلى
كرمان واستولى عليها في رمضان سنة ٣٥٧ واقطعها ولده أبا الفوارس شرف
الدولة، وفي عام ٣٦٠ ثارت على عضد الدولة كرمان فاخمد الثورة في
السنة نفسها. وتفصيل ذلك أن القفص والبلوص بلوج ومسكنهم
ايالة بلوجستان على الحدود الإيرانية الباكستانية الآن ومعهم أبو سعيد
البلوصي وأولاده تحالفوا على معارضة عضد الدولة فضم عضد الدولة إلى

(١) توفي المؤلف قبل ان يكمل ترجمة عضد الدولة فتركنا في الطبعة الأولى ما كتبه كما هو وأضفنا
إليه في هذه الطبعة ترجمة مستوفاة مكتوبة بقلم السيد صالح الشهرستاني " ح ".
(٤١٦)

كوركير ابن جستان عابد بن علي فسارا بجيشهما إلى جيرفت والتقوا
فيها مع البلوصي في عاشر صفر سنة ٣٦٠ فاقتتل الفريقان ثم هزم القفص
ومن معهم فقتل ٥٠٠٠ من وجوههم وشجعانهم وقتل ابنان لأبي سعيد
وأسر جماعة منهم بينهم أبو الليث ثم سار عابد بن علي يتتبع اثارهم
ليستأصلهم فأوقع بهم عدة وقائع وأثخن فيهم وانتهى إلى هرمز فملكها
واستولى على بلاد التين ومكران جنوب غربي إيران على ساحل بحر
عمان وأسر ألفي أسير من رجالهم ونسائهم وذراريهم وطلب الباقون
الأمان وبذلوا تسليم معاقلهم وجبالهم على أن يدخلوا في السلم وينزعوا
شعار الحرب ويقيموا حدود الاسلام من الصلاة والزكاة والصوم ثم سار
عابد إلى طوائف أخرى يعرفون بالخرمية والجاشكية سكان جاسك في
بلوجستان يخيفون السبيل في البحر والبر فأوقع بهم وقتل كثيرا منهم
وأنفذهم إلى عضد الدولة، فاستقامت تلك الأرض مدة من الزمن لعضد
الدولة ثم لم يلبث البلوص ان عادوا إلى ما كانوا عليه من سفك الدم وقطع
الطريق فلما فعلوا ذلك تجهز عضد الدولة وسار إلى كرمان في ذي القعدة
سنة ٣٦٠ فلما وصل إلى السيرجان مدينة بكرمان رأى فسادهم وما فعلوه
من قطع الطريق بكرمان وسجستان وخراسان فجرد عابدين علي في عسكر
كثيف من الديلم والجبل والترك والعرب والكرد وغيرهم وأمره باتباعهم فلما
أحسوا به أوغلوا في الهرب إلى مضايق ظنوا ان العسكر لا يتوغلها فاقاموا
آمنين فسار في اثرهم فلم يشعروا الا وقد اطل عليهم فلم يمكنهم الهرب
فصبروا يومهم وهو ١٩ ربيع الأول سنة ٣٦١ ثم انهزموا اخر النهار وقتل
أكثر رجالهم وسبى الذراري والنساء وبقي القليل وطلبوا الأمان فأجيبوا إليه
ونقلوا عن تلك الجبال واسكن عضد الدولة مكانهم الأكرة والزارعين حتى
طبقوا تلك المواضع بالعمارات والمزارع وطهرت تلك الجبال منهم.
ومما يذكر أن عضد الدولة قبض في هذه السنة على كوركير بن
جستان قبضا فيه ابقاء وموضع للصلح.
وفي ربيع الأول سنة ٣٦٢ استولى عضد الدولة على عمان على
ساحل الخليج وجبالها بواسطة وزيره أبو القاسم المطهر بن محمد إذ عندما
مات عمه معز الدولة ببغداد سنة ٣٥٦ غلب الزنج على عمان وقتلوا
ابن نبهان الطائي الذي كان يدعو لعضد الدولة وأمروا عليهم ابن حلاج
فسير عضد الدولة جيشا من كرمان إلى عمان بطريق البحر بقيادة أبي حرب
طغان فخرج أبو حرب إلى البر من المراكب وسارت المراكب في البحر من
ذلك المكان فتوافوا على صحار قصبة عمان فخرج إليهم الزنج واقتتل
الطرفان قتالا شديدا في البحر والبر فظفر أبو حرب واستولى على صحار
وانهزم أهلها. ثم اجتمع الزنج في بريم فسار إليهم أبو حرب فأوقع بهم
قتلا وأسرا. وبعد ذلك ثار أهالي جبال عمان وهم من الشراة وجعلوا لهم
أميرا اسمه ورد بن زياد وجعلوا لهم خليفة اسمه حفص بن راشد فاشتدت
شوكتهم فسير عضد الدولة المطهر بن محمد وزيره في البحر فبلغ نواحي
حرفان من اعمال عمان فأوقع بأهلها واثخن فيهم وأسر، وسار منها إلى
دما وهي على أربعة أيام من صحار فقاتل من بها واقع بهم وقعة عظيمة
قتل فيها وأسر كثيرا من رؤسائهم وانهزم أميرهم واتبعهم المطهر إلى
نزوى فانهزموا منه وقتل ورد وانهزم حفص إلى اليمن فصار معلما، وسار
المطهر إلى الشرق فأوقع بسكانها وبذلك استقامت عمان جميعها لعضد الدولة في
أوائل سنة ٣٦٣.
وفي هذه السنة كتب ركن الدولة إلى ابنه عضد الدولة يأمره بالسير
إلى بغداد للاجتماع بابن عمه عز الدولة بختيار بن معز الدولة مع الوزير
أبي الفتح ابن العميد لمساعدته ضد الأتراك الذين كانوا قد ثاروا ضده إما
عضد الدولة فقد وعد بالمسير ولكنه انتظر ببختيار الدوائر طمعا في ملك
العراق.
كما أن بختيار توالت كتبه إلى ابن عمه عضد الدولة يستنجده
ويستعين به على الأتراك الذين ثاروا ضده فسار عضد الدولة في عساكر
فارس متجها نحو بغداد واجتمع به أبو الفتح ابن العميد وزير أبيه ركن
الدولة في عساكر الري بالأهواز وساروا جميعا إلى واسط في العراق
واجتمع فيها عضد الدولة ببختيار وسار عضد الدولة إلى بغداد في الجانب
الشرقي الرصافة وامر بختيار أن يسير في الجانب الغربي الكرخ فلقيه
الفتكين والأتراك الذين كانوا قد استولوا على بغداد وطردوا منها بختيار
بين نهر ديالى والمداين جنوبي بغداد فاقتتلوا قتالا شديدا وانهزم الأتراك
فقتل منهم خلق كثير ووصلوا إلى نهر ديالى فعبروا على جسور كانوا عملوها
عليه فغرق منهم أكثرهم من الزحمة. وكانت هذه الوقعة في ١٤ جمادي
الأول من سنة ٣٦٤ كما غرق وقتل في هذا الحادث كثير من العيارين الذين
أعانوا الأتراك في القتال. ثم سار الأتراك إلى تكريت وسار عضد الدولة
فنزل بظاهر بغداد ثم دخلها بعد أن علم هرب الأتراك إلى تكريت ونزل
بدار المملكة التي كان قد أنشأها عمه معز الدولة في الشماسية بجانب
الرصافة وجعلها مقر حكومته (١) وكان الأتراك قد أخذوا الخليفة عبد
الكريم الطائع لله معهم كارها فسعى عضد الدولة حتى رده إلى بغداد
فوصلها في ٨ رجب سنة ٣٦٤ في المساء وخرج عضد الدولة فلقيه في الماء
وسار مع الخليفة حتى أنزله بدار الخلافة
وكان عضد الدولة قد طمع في العراق وانما خاف أباه ركن الدولة
فاثار عضد الدولة جند بختيار ضده لأنه كان قد استضعف بختيار، مما
اضطر بختيار إلى استعمال الغلظة نحو جنده بإشارة من عضد الدولة لظنه
انه مشفق عليه ولكن ذلك أدى إلى اضطراره إلى الاستعفاء من الامارة
وإغلاق باب داره وصرف كتابه وحجابه، وقد استمر شغب الجند ضد
بختيار مدة ثلاثة أيام وفي النهاية قبض عضد الدولة على بختيار في ٢٦
جمادى الآخرة ٣٦٤ وسر الخليفة الطائع مما جرى على بختيار لأنه كان نافرا
منه. إما عضد الدولة فبعد ان أعاد الخليفة إلى بغداد انفذ إليه مالا كثيرا
وغيره من الأمتعة والفرش وغير ذلك.
ولما قبض عضد الدولة على عز الدولة بختيار المرزبان متوليا
للبصرة، فلما بلغه سجن أبيه امتنع على عضد الدولة فكتب إلى عمه ركن
الدولة والد عضد الدولة بما جرى على والده ببغداد من عضد الدولة ومن
أبي الفتح ابن العميد، فلما سمع بذلك ركن الدولة وهو بالري طهران
الحالية ألقى نفسه عن سريره إلى الأرض وتمرع عليها وامتنع من الأكل والشرب
عدة أيام ومرض مرضا لم يشف منه باقي حياته.
وكان محمد بن بقية بعد بختيار قد خدم عضد الدولة وضمن له مدينة
واسط واعمالها فلما صار إليها خلع طاعة عضد الدولة وخالف عليه وأظهر
الامتعاض لخلع بختيار وكان عمران بن شاهين صاحب البطيحة بالعراق

(١) محلة العيواضية الان.
(٤١٧)

فطلب مساعدته وحذره مكر عضد الدولة فاجابه عمران إلى ما التمس.
وكان عضد الدولة قد ضمن سهل بن بشر وزير الفتكين بلد الأهواز
وأخرجه من حبس بختيار فكاتبه محمد بن بقية واستماله فاجابه، فلما
عصى ابن بقية انفذ إليه عضد الدولة جيشا قويا فخرج إليهم ابن بقية في
احماء ومعه عسكر قد سيره إليه عمران بن شاهين فانهزم أصحاب عضد
الدولة أقبح هزيمة. وكاتب ابن بقية ركن الدولة والد عضد الدولة بحاله
وحال بختيار فكتب ركن الدولة إليه والى المرزبان وغيرهما يأمرهم بالثبات
والصبر ويعرفهم انه على المسير إلى العراق لاخراج عضد الدولة على عضد
الدولة وتجاسر عليه الأعداء حيث علموا انكار أبيه عليه وانقطعت عنه
موارد فارس والبحر ولم يبق بيده الا مدينة بغداد وطمع فيه العامة وأشرف
على ما يكره، فرأى انفاذ أبي الفتح ابن العميد برسالة إلى أبيه ركن الدولة
يعرفه ما جرى له وما فرق من الأموال وضعف بختيار وانه ان أعيد إلى
حاله خرجت المملكة والخلافة عنهم ويسأله ترك نصرة بختيار، ثم قال لأبي
الفتح ابن العميد فان أجاب والدي إلى ما تريد منه والا فقل له اني اضمن
منه اعمال العراق واحمل احيه منها كل سنة ثلاثين ألف ألف درهم وابعث
بختيار وأخويه إليه فان اختاروا بقوا عنده وان اختاروا بعض بلاد فارس
سلمه إليهم ووسع عليهم وان أحب يعني أباه ان يحضر إلى العراق
لتدبير الخلافة وارسال بختيار إلى احري وعودة عضد الدولة إلى فارس
فالأمر له، وقال لابن العميد: فان أجاب والدي إلى ما ذكرت والا فقل
له أيها السيد الوالد أنت مقبول الحكم والقول ولكن لا سبيل آخر اطلاق
هؤلاء القوم بعد مكاشفتهم واظهار العداوة وسوف يقاتلونني بغاية ما
يقدرون عليه فتنتشر الكلمة ويختلف أهل هذا البيت ابدا. فان قبلت ما
ذكرته فانا العبد الطائع وان أبيت وحكمت بانصرافي فاني سأقتل بختيار
وأخويه واقبض على كل من اتهمه بالميل إليهم واخرج عن العراق واترك
البلاد سائبة ليدبرها من اتفقت له. فخاف ابن العميد ان يسير بهذه
الرسالة وأشار ان يسير بها غيره ويسير هو بعد ذلك ويكون كالمشير على
ركن الدولة بإجابته على ما طلب. فأرسل عضد الدولة رسولا بهذه الرسالة
وسير بعده ابن العميد على الجهازات وعددها ١٠٠ فلما حضر الرسول
عند ركن الدولة وذكر بعض الرسالة وثب عليه ركن الدولة ليقتله فهرب من
بين يديه ثم رده بعد ان سكن غضبه وقال قل لفلان يعني عضد الدولة
خرجت إلى نصرة ابن أخي أو الطمع في مملكته وبعد ان ذكر شيئا عن
فتوته مع أعدائه قال تريد ان تمن أنت علي بدرهمين أنفقتهما أنت علي وعلى
أولاد أخي ثم تطمع في ممالكهم وتهددني بقتلهم فعاد الرسول ووصل ابن
العميد فحجبه ركن الدولة عنه ولم يسمع حديثه وهدده بالهلاك وانفذ إليه
من يقول له، فوالله لأصلبن أمك وأهلك على باب دارك ولأبيدن عشيرتك
ومن يتصل بك عن وجه الأرض ولأتركنك وذلك الفاعل يعني عضد
الدولة تجتهدان جهدكما ثم لا اخرج إليكما الا في ثلثمائة جهازة وعليها
احرجال ثم أثبتوا ان شئتم فوالله لا أقاتلكما الا بأقرب الناس إليكما.
وكان ركن الدولة يحب أخاه معز الدولة والد عز الدولة بختيار حبا
جما لأنه رباه فكان عنده بمنزلة الولد وكان يقول انني أرى أخي معز الدولة
كل ليلة في منامي يعض على أنامله ويقول: يا أخي هكذا ضمنت لي ان
تخلفني في أهلي وولدي.
ثم إن الناس سعوا لابن العميد وتوسطوا الحال بينه وبين ركن الدولة
وقالوا انما تحمل ابن العميد هذه الرسالة ليجعلها طريقا للخلاص من
عضد الدولة والوصول إليك لتامر بما تراه فاذن له بالحضور عنده فاجتمع به
وضمن له إعادة عضد الدولة إلى فارس وتقرير بختيار بالعراق فرده ركن
الدولة إلى عضد الدولة وعرفه جلية الحال. فلما رأى عضد الدولة انحراف
الأمور عليه من كل ناحية أجاب إلى المسير إلى فارس وإعادة بختيار إلى
امارة الامراء في بغداد فأخرجه من محبسه وخلع عليه وشرط عليه ان يكون
نائبه عنه بالعراق ويجعل أخاه أبا إسحاق أمير الجيش لضعف بختيار، ورد
إليهم عضد الدولة جميع ما كان لهم وسار إلى فارس في شوال سنة ٣٠٦
ه‍ استقر في شيراز وأمر أبا الفتح ابن العميد وزير أبيه ركن الدولة ان يلحقه
بعد ثلاثة أيام. فلما سار عضد الدولة أقام ابن العميد عند بختيار متشاغلا
باللذات وبما بختيار يغري به من اللعب واتفقا باطنا على أنه إذا مات ركن
الدولة سار إليه ووزر له واتصل ذلك كله بعضد الدولة فكان سبب هلاك
وقتل أبي الفتح ابن العميد بأمر من عضد الدولة سنة ٣٦٦ على يد مؤيد
الدولة، أما بختيار فاستقر ببغداد ولم يف لعضد الدولة بالعهد.
وفي هذه السنة حصل اضطراب جديد في كرمان ضد عضد الدولة.
فقد كان طاهر بن الصمة من أهالي الخرمية قد ضمن من عضد الدولة
البلاد فاجتمع عليه أموال كثيرة فطمع فيها وكان عضد الدولة عندئذ في
العراق وكانت كرمان خالية من العساكر التي كانت تقاتل في عمان. وكاتب
طاهر هذا بعض الامراء في خراسان للاستيلاء على كرمان. فلما علم عضد
الدولة بذلك كتب إلى وزيره المطهر بن محمد وكان في عمان بالمسير إلى
كرمان ووصل إليها وأوقع في طريقه وفيها باهل العبث والفساد وقتلهم ومثل
بهم وجرى اقتتال شديد بين الجانبين قرب مدينة بم بايالة كرمان وقتل
فيها طاهر ومن آزره. كما جرى قتال على باب جيرفت غلب فيها المطهر
على خصومه واستطاع بذلك اصلاح أمور كرمان وإعادة الهدوء إليها لعضد
الدولة.
وفي سنة ٣٦٥ اشتد المرض على ركن الدولة وخاف عضد الدولة ان
يموت والده وهو على حال غضبه معه، فأرسل إلى أبي الفتح ابن العميد
وزير والده يطلب منه ان يتوصل مع أبيه إلى احضاره عنده وإناطة ولاية
العهد إليه. فسعى ابن العميد في ذلك فاجابه إليه ركن الدولة وكان ركن
الدولة قد شعر بتحسن في صحته فسار من الري إلى أصفهان التي وصلها
في جمادي الأولى سنة ٣٦٥ وأحضر ولده عضد الدولة من فارس شيراز
وجمع عنده أيضا سائر أولاده بأصفهان فعمل الوزير ابن العميد دعوة
عظيمة حضرها ركن الدولة وأولاده والقواد والاجناد فلما فرغوا من الطعام
عهد ركن الدولة إلى ولده عضد احدولة بالملك بعده. وجعل لولده فخر
الدولة بالملك بعده. وجعل لولده فخر احدولة أبي الحسن على همدان
واعمال الجبل كرمانشاه ولولده مؤيد الدولة أصفهان والري واعمالهما
وجعلهما في هذه البلاد بحكم أخيهما عضد الدولة ومقره شيراز على أن
يكون صاحب فارس وكرمان والعراق وخلع عضد الدولة على سائر الناس
ذلك اليوم الأقبية والأكسية على زي الديلم وحياه القواد واخوته بالريحان
على عادتهم مع ملوكهم وأوصى ركن الدولة أولاده بالاتفاق ثم سار عن
أصفهان في رجب ٣٦٥ نحو الري وفيها توفي المحرم سنة ٣٦٦ وكان عمره
قد زاد على السبعين.
ولما كانت العادة قد جرت وقتئذ ان يتخذ أمير الامراء الذي يرأس
(٤١٨)

البيت البويهي مقامه في بغداد وكان يمارس الحكم فيها باسم الخليفة، فقد
تجهز عضد الدولة وسار يطلب العراق وكان يد علم عن عز الدولة بختيار
ومحمد بن بقية من استمالة أصحاب الأطراف كحسنويه الكردي وفخر
الدولة أخيه وأبي تغلب بن حمدان صاحب الموصل وعمران بن شاهين
صاحب البطيحة وغيرهم والاتفاق على معاداته ولما كانوا يقولونه من الشتم
له. وكان عضد الدولة علم بان بختيار قد توجه إلى واسط ثم إلى الأهواز
لمحاربته بإشارة من ابن بقية، فسار عضد الدولة من فارس نحوه فالتقى به
في ذي القعدة من هذه السنة واقتتلا وخان بعض عسكر بختيار وانتقلوا إلى
عضد الدولة فانهزم بختيار واخذ ماله ومال ابن بقية ونهبت الأثقال ولما
وصل بختيار عائدا إلى واسط حمل إليه ابن شاهين صاحب البطيحة مالا
وسلاحا وغير ذلك من الهدايا النفيسة. إما عضد الدولة فبعد ان استولى
على الأهواز وهزم بختيار سير جيشه إلى البصرة فملكها وكان أهلها قد
اختلفوا فيما بينهم فكانت مضر تهوى عضد الدولة وتميل إليه ومالت
ربيعة إلى بختيار فلما انهزم بختيار ضعفت ربيعة وقويت مضر وكاتبوا
عضد الدولة لتسليم المدينة فدخلها وأقام مدة فيها وأقام بختيار بواسط
واحضر ما كان له ببغداد والبصرة من مال وغيره ففرقه في أصحابه. وبعد
مدة جرت اتصالات بين عضد الدولة وبختيار بشأن ثم ترك بختيار واسط
وعاد إلى بغداد وبقي فيها مدة تربو على السنة سار خلالها عضد الدولة إلى
واسط وعاد منها إلى البصرة فاصلح بين ربيعة ومضر وكانوا في الحروب
نحو ١٢٠ سنة.
وفي أوائل سنة ٣٧٦ عاد عضد الدولة من البصرة إلى واسط ثم سار
إلى بغداد وأرسل إلى بختيار يدعوه إلى طاعته وان يسير عن العراق إلى أي
جهة أراد وضمن مساعدته بما يحتاج إليه من مال وسلاح فأجاب بختيار
بالموافقة فانفذ له عضد الدولة خلعة فلبسها وأرسل إليه يطلب منه محمد بن
بقية فسمل بختيار عينيه ليلة الجمعة لثلاث خلون من ربيع الأول سنة
٣٦٧ وانفذه إلى عضد الدولة ثم خرج بختيار من بغداد حاملا معه ما كان
قد جهزه به عضد الدولة قاصدا الشام. فدخل عضد الدولة بغداد وخطب
له بها ولم يكن قبل ذلك يخطب لاحد ببغداد وضرب على بابه ثلاثة نوب ولم
تجر بذلك عادة من تقدمه، ثم أمر بان يلقى محمد بن بقية بين قوائم الفيلة
لتقتله ففعل به ذلك وخبطته الفيلة حتى قتلته وصلب على رأس الجسر في
٦ شوال من سنة ٣٦٧ يوم الجمعة. فرثاه أبو الحسين الأنباري بقصيدته
المعروفة التي مطلعها:
علو في الحياة وفي الحمات * لحق أنت إحدى المعجزات
وبقي ابن بقية مصلوبا إلى أيام صمصام الدولة بن عضد الدولة
فأنزل من جذعه ودفن.
وسار بختيار ومعه حمدان بن ناصر الدولة بن حمدان قاصدين الشام
فلما صارا بعكبرا حسن انه حمدان قصد الموصل فسار بختيار نحوها وكان
عضد الدولة قد خلفه بعدم قصد ولاية أبي تغلب بن حمدان وهي الموصل
لمودة بينهما. فلما وصل بختيار إلى تكريت اتته رسل أبي تغلب تسأله ان
يقبض على أخيه حمدان ويسلمه له وإذا فعل ذلك سار بنفسه وعساكره إليه
وقاتل معه عضد الدولة واعاده إلى ملكه بغداد. فقبض بختيار على حمدان
وسلمه لنواب أبي تغلب فحبسه في قلعة له وسار بختيار إلى الحديثة واجتمع
مع أبي تغلب صاحب الموصل وسارا جميعا نحو العراق وكان مع أبي تغلب
نحو عشرين ألف مقاتل. وبلغ ذلك عضد الدولة فسار عن بغداد نحوهما
فالتقوا بقصر الجص بنواحي تكريت في ١٨ شوال سنة ٣٦٧ فجهزهما عضد
الدولة وأسر بختيار واحضر عند عضد الدولة فلم يأذن له بادخاله إليه وامر
بقتله فقتل وخلص من أصحابه وذلك بمشورة أبي الوفاء طاهر بن إبراهيم.
واستقر ملك عضد الدولة بعد ذلك، وكان عمر بختيار ٣٦ سنة.
وكان بختيار ضعيف الإرادة وكان أبوه معز الدولة المتوفي سنة ٣٥٦
قد أوصاه بطاعة ابن عمه عضد الدولة لأنه أكبر منه سنا وأقوم بالسياسة
ولكنه لم يفعل بنصيحة أبيه.
وحيث إن قدم عضد الدولة رسخت في بغداد بعد قتل بختيار وهزيمة
أبي تغلب وأصبح أمير الامراء سنة ٣٦٧ سار عضد الدولة نحو الموصل
فملكها وما يتصل بها في ١٢ ذي القعدة سنة ٣٦٧. وسار أبو تغلب
فضل الله بن ناصر الدولة من همذان ومعه المرزبان بن بختيار وأبو إسحاق
وأبو طاهر ابنا معز الدولة ووالدتهما وهي أم بختيار إلى نصيبين فسير عضد
الدولة سرية عليها حاجبه أبو حرب طغان إلى جزيرة ابن عمر وسرية أخرى
عليها أبو الوفاء طاهر بن محمد على طريق سنجار. إما أبو تغلب فقد سار
مجدا في الهرب حتى وصل ميافارقين وأقام بها ثم سار نحو بدليس ثم
الحسنية من اعمال الجزيرة وصعد إلى قلعة كواشي إما أبو الوفاء فقد
عاد إلى ميافارقين ولما اتصل بعضد الدولة كل ذلك سار بنفسه لمقاتلة أبي
تغلب فلم يدركه وعاد إلى الموصل. إما أبو تغلب فقد هرب من بدليس إلى
بلاد الروم ثم عاد إلى آمد وأقام بها مدة ثم تركها لما علم بمسير أبي الوفاء
إليها. واستولى أبو الوفاء على آمد ثم على سائر نواحي ديار بكر.
وقصده أصحاب أبي تغلب وأهله مستأمنون إليه فامنهم وأحسن إليهم وعاد
إلى الموصل. إما أبو تغلب نفسه فإنه لما قصد الرحبة انفذ رسولا من بني
حمدان إلى عضد الدولة يستعطفه ويسأله الصفح والصلح فرحب عضد
الدولة بالرسول والرسالة ولكنه اشترط شروطا لم يقبلها أبو تغلب الحمداني
الذي سار إلى الشام إلى العزيز بالله صاحب مصر وكان كل ذلك سنة ٣٦٨
وقد قتل أبو تغلب في صفر من سنة ٣٦٩.
وكان متولي ديار مضر تغلب بن حمدان بن سلامة البرقعيدي فانفذ
إليه سعد الدولة بن سيف الدولة من حلب جيشا فجرت بينهم الحروب
وكان سعد الدولة قد كاتب عضد الدولة وعرض نفسه عليه فانفذ عضد
الدولة النقيب أبا احمد والد السيدين المرتضى والرضي إلى البلاد التي بيد
ابن سلامة فتسلمها بعد حرب شديدة ودخل إليها في الطاعة. فاخذ عضد الدولة لنفسه الرقة ورد باقيها إلى سعد
الدولة ثم استولى عضد الدولة على الرحبة وقلعة كوشي وقلعة هرور والمليصي وغيرها من الحصون.
ولما فرع من الاستيلاء على جميع اعمال أبي تغلب الحمداني استخلف أبا
الوفاء على الموصل وعاد إلى بغداد في سلخ ذي القعدة من سنة ٣٦٨
واستقبله الخليفة الطائع لله وجمع كبي من الجند. وهكذا استولى عضد
الدولة على ملك بني حمدان. كما أن جميلة بنت ناصر الدولة وأخت أبي
تغلب أسرت من حلب وأرسلت إلى أبي الوفاء نائب عضد الدولة في
الموصل فارسلها هذا إلى بغداد فاعتقلت في حجرة بدار عضد الدولة. (١)
وفي محرم سنة ٣٦٩ توفي عمران بن شاهين صاحب البطيحة فولي

(١) راجع ترجمة جميلة في الجزء السادس عشر.
(٤١٩)

مكانه ابنه الحسن بن عمران بن شاهين وتجددا لعضد الدولة طمع في اعمال
البطيحة فجهز العساكر مع وزيره المطهر بن محمد وسار المطهر إلى البطيحة
في صفر من تلك السنة وجرت عدة وقائع بين الحسن والمطهر استظهر فيها
الحسن على المطهر مستعينا بفتح السدود التي كان يقيمها المطهر على الماء،
ثم اتهم بعض رجال المطهر إياه بأنه يكاتب الحسن سرا فخاف المطهر ان
تنقص منزلته عند عضد الدولة من جراء هذه التهمة ويشمت به أعداؤه
كابي الوفاء فعزم على الانتحار فاخذ سكينا وقطع شرايين ذراعه فخرج منه
الدم بغزارة فدخل فراشه ثم صاح فدخل الناس فرأوه على تلك الحال
وظنوا ان أحدا فعل ذلك ثم مات ونقل إلى بلدة كازرون مدينة بايالة
فارس فدفن فيها. وانفرد نصر بن هارون بوزارة عضد الدولة بعد انتحار
المطهر.
وفي رجب من هذه السنة ارسل عضد الدولة جيشا إلى بني شيبان
وكانوا قد أكثروا الغارات على البلاد وعقدوا بينهم وبين أكراد شهرزور
مصاهرات وكانت شهرزور ممتنعة على الملوك فامر عضد الدولة جيوشه
بالاستيلاء عليها لينقطع طمع بني شيبان فيها فاستولى جيش عضد الدولة
عليها وهرب بنو شيبان منها وسار الجيش في طلب بني شيبان وأوقع بهم
وقعة عظيمة قتل من بني شيبان فيها خلق كثير ونهبت أموالهم وسبيت نساؤهم وأسر منهم ٨٠٠ أسير حملوا إلى بغداد.
وفي هذه السنة استولى عضد الدولة على سرماج وما يتصل بها من
املاك حسنويه بن الحسين الكردي وقلاعها التي كانت قد توزعت بين
أولاده بعد وفاته في أوائل هذه السنة وكف عادية الأكراد من بلاده.
وفي هذه السنة سار عضد الدولة إلى بلاد الجبل كرمانشاه فاستولى
عليها. وكان سبب ذلك أن بختيار بن معز الدولة كان يكاتب ابن عمه
فخر الدولة أخي عضد الدولة بعد موت ركن الدولة ويدعوه للاتفاق
معه على عضد الدولة فاجابه إلى ذلك واتفقا وعلم عضد الدولة بذلك.
فكتم الامر إلى الآن. وبعد فراع عضد الدولة من أعدائه الذين مر ذكرهم
راسل أخويه فخر الدولة ومؤيد الدولة وقابوس ابن وشمگير معاتبا فخر
الدولة لمعارضته ومناوئته ونسيان عهد أبيه ثم استمالته وشاكرا مؤيد الدولة
على طاعته له وطالبا إلى قابوس بحفظ العهود. فأجاب فخر الدولة جواب
المناظر المناوئ وأجاب قابوس جواب المراقب المتهيب، وعند ما تسلم عضد
الدولة جواب فخر الدولة عزم على المسير من بغداد إلى الجبل واصلاح
اعمال أخيه فيها. فسارت عساكره نحو الجبل وأقام هو بظاهر بغداد ثم
سار هو أيضا نحو الجبل ووصلته الاخبار بتسلم عساكره همذان واستئمان
عدد كبير من قواد فخر الدولة وحسنويه ووصل إلى عضد الدولة أبو الحسن
عبيد الله بن محمد بن حمدويه وزير فخر الدولة ومعه جماهير أصحابه فخاف
عندئذ فخر الدولة من أخيه وخرج من همذان هاربا إلى الديلم وخرج منها
إلى جرجان فنزل على شمس المعالي قابوس بن وشمگير والتجا إليه فامنه
ووآه. فملك عضد الدولة ما كان بيد فخر الدولة همدان والري وما
بينهما من البلاد وسلمها إلى أخيه الاخر مؤيد الدولة وجعله خليفته ونائبه
فيها. ونزل الري واستولى على تلك النواحي. ثم عرج عضد الدولة إلى
ولاية حسنويه الكردي فقصد نهاوند والدينور وقلعة سرماج وملكها كلها.
وقد اشتد على عضد الدولة في هذا السفر مرض الصرع الذي كان قد
أصيب به في الموصل كما أنه صار كثير النسيان لا يذكر الشئ الا بعد جهد
كبير ولكنه كتم كل ذلك.
وفي هذه السنة أيضا ارسل عضد الدولة جيشا إلى الأكراد الهكارية
من اعمال الموصل فأوقع بهم وحصر قلاعهم واستسلم الأكراد الذين كانوا
معتصمين فيها ونزلوا مع العسكر إلى الموصل ولكن مقدم الجيش غدر بهم
وصلبهم على جانبي الطريق من معلثايا إلى الموصل.
وفي هذه السنة ورد رسول العزيز بالله صاحب مصر إلى عضد
الدولة. وفيها أيضا قبض على محمد بن عمر العلوي وانفذه إلى فارس
وأرسل إلى الكوفة فقبض أمواله وسلاحه واصطنع عضد الدولة أخاه أبا
الفتح احمد وولاه الحج بالناس. وفيها تجددت المصاهرة بين الخليفة
الطائع لله وعضد الدولة حيث تزوج الخليفة ابنة عضد الدولة وكان غرض
هذا من هذه المصاهرة أن تلد ابنته ولدا ذكرا فيجعله ولي عهده فتكون
الخلافة في ولد لهم فيه نسب وكان الصداق مائة ألف دينار. وتم الزفاف في
سنة ٣٧٠ ه‍ وكان معها من الجواهر شئ لا يحصى.
وفي هذه السنة حدثت فتنة عظيمة بين عامة شيراز من المسلمين
والمجوس نهبت فيها دور المجوس وخربوا وقتل منهم جماعة. فسمع عضد
الدولة بالخبر فسير إليهم من جمع كل من له أثر في ذلك وضربهم وبالغ في
تأديبهم وزجرهم. وفي هذه السنة فقبض عضد الدولة على النقيب أبي احمد
الحسين الموسوي والد الشريفين المرتضى والرضي لأنه اتهم بأنه يفشي
الاسرار وأن عز الدولة بختيار ترك عنده عقدا ثمينا فأنكر إفشاءه للاسرار
واعترف بالعقد فاخذه منه عضد الدولة وعزله عن نقابة الطالبيين. كما
قبض على أخيه أبي عبد الله وعلى قاضي القضاة أبي محمد وسير هذا إلى
فارس واستعمل على قضاء القضاة أبا سعد بشر بن الحسين وكان مقيما
بفارس واستناب على القضاء ببغداد.
وفي هذه السنة طلب عضد الدولة من الخليفة الطائع أن يجدد عليه
الخلع والجواهر وأن يزيد في انشائه تاج الدولة فاجابه إلى ذلك وخلع
عليه في أنواع الملابس ما لم يتمكن معه من تقبيل الأرض بين يدي الخليفة
وفوض إليه ما وراء بابه من الأمور ومصالح المسلمين من مشارق الأرض
ومغاربها.
وفي سنة ٣٧٠ ارسل الصاحب أبو القاسم إسماعيل بن عباد إلى
عضد الدولة بهمذان رسولا من عند أخيه مؤيد الدولة يبذل له الطاعة
والموافقة فالتقاه عضد الدولة بنفسه وأكرمه واقطع أخاه مؤيد الدولة همذان
وغيرها وأقام عند عضد الدولة إلى أن عاد إلى بغداد فرده إلى مؤيد الدولة
فاقطعه اقطاعا كثيرة وسير معه عسكرا يكون عند مؤيد الدولة في خدمته.
وفيها استولى عضد الدولة على قلاع أبي عبد الله المري بنواحي الجبل
وكان منزله بسنده وله فيها مساكن نفيسة.
وفي هذه السنة وردت على عضد الدولة هدية من صاحب اليمن فيها
قطعة واحدة من عنبر وزنها ٥٦ رطلا.
وفيها عاد عضد الدولة من همذان إلى بغداد فلما وصلها بعث إلى
الخليفة الطائع لله ليتلقاه فما وسع هذا التخلف ولم تجر عادة بذلك ابدا أمر
قبل دخوله أن من تكلم أو دعا له قتل فما نطق مخلوق فأعجبه ذلك.
(٤٢٠)

وفي جمادي الآخرة من سنة ٣٧١ استولى عضد الدولة على جرجان
وطبرستان وأجلى عنها صاحبها قابوس بن وشمگير وسبب ذلك أن فخر
الدولة أخاه عندما انهزم لحق بقابوس والتجا إليه فأرسل عضد الدولة إلى
قابوس بن وشمگير بأنه يبذل له الرغائب من البلاد والأموال والعهود في
سبيل تسليم فخر الدولة له فامتنع قابوس من ذلك. فجهز عضد الدولة
أخاه مؤيد الدولة وسيره ومعه العساكر والأموال إلى جرجان فالتقى بقابوس
بنواحي مدينة استراباد فاقتتلا من الصبح حتى الظهر فانهزم قابوس
وأصحابه في جمادي الأولى ونظم قابوس بعد هزيمته أبياتا هي:
قل للذي بصروف الدهر عيرنا * هل عاند الدهر الا من له خطر
أ ما ترى البحر تطفو فوقه جيف * وتستقر بأقصى قعره الدرر
فان تكن نشبت أيدي الخطوب بنا * ومسنا من توالي صرفها ضرر
ففي السماء نجوم لا عداد لها * وليس يكسف الا الشمس والقمر
وفي هذه السنة قبض عضد الدولة على القاضي أبي علي المحسن بن
علي التنوخي وألزمه منزله وعزله عن أعماله التي كان يتولاها. وفيها أفرج
عن أبي إسحاق إبراهيم بن هلال الصابي الكاتب وكان القبض عليه سنة
٣٧٦ وكان سبب قبضه أنه كان يكتب عن بختيار كتبا في معنى الخلف
الواقع بينه وبين عضد الدولة، وفيها ارسل عضد الدولة القاضي أبا بكر
محمد الطيب الأشعري المعروف بابن الباقلاني إلى ملك الروم في جواب
رسالة وردت منه. فلما وصل إلى الملك قيل له: ليقبل الأرض بين يديه
فلم يفعل فقيل لا سبيل إلى الدخول الا مع تقبيل الأرض فاصر على
الامتناع فعمل الملك بابا صغيرا يدخل منه القاضي منحنيا ليرهم الحاضرين
أنه قبل الأرض. فلما رأى القاضي الباب علم ذلك فاستدبره ودخل منه
فلما جاءه استقبل الملك وهو قائم فعظم عندهم محله.
وفي أوائل هذه السنة ارسل عضد الدولة ولده شرف الدولة أبو
الفوارس إلى كرمان مالكا لها وذلك قبل أن يشتد به مرض الصرع الذي
توفاه الله به.
وهكذا بلغت الدولة البويهية في عهد عضد الدولة أوج عظمتها
وتمكن عضد الدولة بذلك من توحيد المملكة كلها تحت سلطانه مستوليا على
جميع ما كان يسيطر عليه اباؤه وأعمامه من املاك وأضاف عليها الموصل
والجزيرة وغيرهما.
أوصافه
قال الخضري في محاضراته لم يقم في آل بويه من يماثل عضد الدولة
جرأة واقداما وكان عاقلا فاضلا حسن السياسة كثير الإصابة شديد الهيبة
بعيد الهمة ثاقب الرأي محبا للفضائل واهبا باذلا في موضع العظاء مانعا في
موضع الحزم ناظرا في عواقب الأمور وكان لا يعول في أموره الا على
القضاة وهو أول أمير من امراء آل بويه خوطب بالملك والشاهنشاه وأول
من خطب له على المنابر مع الخلفاء في بغداد وغيرها من البلدان
الاسلامية. وأول من ضرب الطبل على بابه أوقات الصلوات الخمس.
وكان يلقب تاج الدولة وشمس القلادة ولقب في البداية بلقب
عضد الدولة. كما أن الصابي أضاف كتابه التاجي في اخبار
ومحاسن بني بويه إلى لقب تاج الملة وكان عضد الدولة امره بوضع مثل
هذا التأليف.
وكان عضد الدولة معدودا من الفرسان والدهاة. وكان شديد
العقوبة على الكبيرة والصغيرة، ونذكر على سبيل المثال الحوادث التالية
المنقولة عنه:
١ أنه كان يحب جاريته فألهته عن تدبير المملكة فامر بتغريقها
فأغرقت واستراح منها وتفرع لإدارة شؤون المملكة.
٢ بلغه أن غلاما له اخذ لرجل بطيخة فضربه بسيفه فقطعه
نصفين.
٣ أنه كان بقصره جماعة من الغلمان يحمل إليهم مشاهراتهم من
الخزانة فامر أبا النصر خواشاذه أن يتقدم إلى الخازن بان يسلم جامكية
الغلمان إلى نقيبهم في شهر قد بقي منه ثلاثة أيام. قال أبو نصر فأنسيت
ذلك أربعة أيام فسألني عضد الدولة عن ذلك فقلت أمس استهل الشهر
والساعة نحمل المال وما ههنا ما يوجب شغل القلب فقال المصيبة بما لا
تعلمه من الغلط أكثر منها في التفريط. أ لا تعلم انا إذا اطلقنا لهم ما لهم
قبل محله كان الفضل لنا عليهم فإذا اخرنا ذلك عنهم حتى استهل الشهر
الاخر حضروا عند عارضهم وطالبوه فيعدهم فيحضرونه في اليوم الثاني
فيعدهم ثم يحضرونه في اليوم الثالث ويبسطون ألسنتهم فتضيع المنة وتحصل
الجرأة ونكون إلى الخسارة أقرب منا إلى الربح.
٤ وكان عضد الدولة لا يعول الا على الكفاة ولا يجعل للشفاعات
طريقا إلى معارضة من ليس من جنس الشافع ولا فيما يتعلق به. حكى عنه
أن مقدم جيشه أسفار بن كردويه شفع في بعض أبناء العدول ليتقدم إلى
القاضي ليسمع تزكيته ويعدله. فقال له ليس هذا من أشغالك انما الذي
يتعلق بك الخطاب في زيارة قائد ونقل مرتبة جندي وما يتعلق بهم. واما
الشهادة وقبولها فهي إلى القاضي وليس لنا ولا لك الكلام فيه.
٥ وكان عضد الدولة يخرج في ابتداء كل سنة شيئا كثيرا من الأموال
للصدقة والبر في سائر بلاده ويأمر بتسليم ذلك إلى القضاة ووجوه الناس
ليصرفوه إلى المستحقين. وكان يوصل إلى العمال المتعطلين ما يقوم بهم
ويحاسبهم به إذا عملوا.
علمه وأدبه وحبه لهما وللعلماء
وكان عضد الدولة بالإضافة إلى كياسته السياسية وادارته الحكيمة
فاضلا محبا للفضلاء والعلماء والأدباء لا يخلو مجلسه منهم، وكان يجلس
معهم ويعارضهم في المسائل فقصده العلماء من كل بلد. وكان يحترمهم
ويعظم بالأخص منهم الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان المتوفى ١٠ سنة
٤١٣ غاية التعظم وقد اخذ عنه العلم والفقه وكان يزوره في داره بموكبه
العظيم. كما كان عضد الدولة معدودا من الفقهاء والمحدثين والشعراء
والنحاة، وقد صنف له الرئيس أبو الحسن علي بن العباس المجوسي
الفارسي المتوفي سنة ٣٨٤ تلميذ أبي ماهر موسى بن سيار الطبيب كتاب
كامل الصناعة الطبية المسمى بالملكي في الطب، وهو الكتاب الذي لزم
الناس درسه إلى أن ظهر كتاب القانون لابن سينا فمالوا إليه وتركوا
الملكي، كما صنف له الشيخ أبو علي الفارسي كتاب الايضاح والتكملة
(٤٢١)

في النحو وكذا ألف له كتاب الحجة في القراءات وقصده فحول الشعراء في
عصره ومدحوه بأحسن المدائح ومنهم أبو الطيب المتنبي وفيه يقول من
قصيدة:
وقد رأيت الملوك قاطبة * وسرت حتى رأيت مولاها
أبا شجاع بفارس عضد الدو * له فناخسرو شهنشاها
أساميا لم تزده معرفة * وانما لذة ذكرناها
وكان عضد الدولة معدودا من الشعراء والكتاب حتى أن السيوفي قال
عنه أنه كان أحد الضليعين في العربية وآدابها.
ويروى له:
ليس شرب الكاس الا في المطر * وغناء من جوار في السحر
غانيات سالبات للنهي * ناغمات في تضاعيف الوتر
مبرزات الكاس من مطلعها * ساقيات الراح من فاق البشر
عضد الدولة وابن ركنها * مالك الأملاك غلاب القدر
وقيل أنه لم ير عضد الدولة بعد انشاده لهذه الأبيات يوم سعد وسعود
ومات بعدها بمدة وجيزة.
ومن شعره أيضا لما ارسل إليه أبو تغلب بن حمدان يعتذر عن مساعدة
بختيار ويطلب الأمان:
أ أفاق حين وطئت ضيق خناقه * يبغي الأمان وكان يبغي صارما
فلأركبن عزيمة عضدية * تاجية تدع الأنوف رواغما
واما في النثر فقد حكي أن أبا منصور افتكين التركي متولي دمشق
كتب إلى عضد الدولة يقول أن الشام قد صفا امرها وأصبحت في يدي
وزال عنها حكم صاحب مصر وأن قويتني بالأموال والمدد حاربت القوم في
مستقرهم فكتب له عضد الدولة. غرك عزك فصار قصار ذلك ذلك فاخش
فاحش فعلك بهذا تهدى قال ابن الأثير وكان عضد الدولة محبا للعلماء
والفقهاء وأدر الأموال والأرزاق عليهم وعلى المؤذنين والقراء وأهل الأدب
والفقراء والغرباء والضعفاء الذين كانوا يأوون إلى المساجد وهدأ الناس من
الفتن واجرى الجرايات على الفقهاء والمحدثين والمتكلمين والمفسرين والنحاة
والشعراء والنسابين والأطباء والحساب والمهندسين وأذن لوزيره نصر بن
هارون وكان نصرانيا في عمارة البيع والأديرة واطلاق الأموال لفقرائهم
اه.
كل هذا بالإضافة إلى اطلاقه الصلات لأهل البيوتات والشرف
والضعفاء من المجاورين بمكة والمدينة والأقطار الأخرى.
وكان عضد الدولة يتخذ من العلماء وأصحاب الأدب ندماء يستزيد
منهم علما وأدبا منهم أبو علي أحمد بن محمد بن يعقوب مسكويه صاحب
كتاب تجارب الأمم المتوفى سنة ٤٢١ بأصفهان. فإنه اتصل في أول امره
بخدمة عضد الدولة وصار من ندمائه ورسله إلى نظرائه وكان خازنا له أثيرا
عنده كاتما لاسراره.
الاصلاح والعمران على عهده
وكانت سنوات حكم عضد الدولة ملأى بالاعمال العمرانية
والإنشائية والاصلاحات سواء كان ذلك في العراق وخاصة منها بغداد أو في
إيران وفي سائر الأقطار الاسلامية. ففي بغداد زاد نهر دجلة سنة ٣٦٨
وأشرف الناس على الهلاك فشرع عضد الدولة سنة ٣٦٩ بتعمير بغداد
وكانت قد تهدمت بتوالي الفتن والحرق والغرق والزلزال عليها، ومما ذكره
ابن الأثير في هذا الصدد أن عضد الدولة عمر مساجد بغداد وأسواقها وألزم
أصحاب الأملاك الخراب على عمارتها وجدد ما دثر من الأنهار وأعاد حفرها
وتسويتها إلى أن يقول وبنى سورا حول أبنية المشهد الكاظمي وبنى أيضا
سورا على مدينة الرسول ص وجدد حصارها الذي كان قد اقامه سنة ٢٣٦
إسحاق بن محمد الجعدي.
وقد اشتهر عضد الدولة أيضا بكثرة ما انشاه من الأبنية والملاجئ
ودور العجزة، ومنها القصر الضخم الذي اقامه في الناحية التي تعرف اليوم
في بغداد بأرض الصرافية الواقعة بين الجسر الحديد ومحلة العيواضية التي
هي من ضمنها. وقد الحق به مساحة شاسعة من الأرض فجعلها بستانا
للقصر وراء هذا البستان واستخرج نهرا خاصا من الخالص ولكي يعبر هذا
النهر البقعة المنخفضة في سبيله، محافظا على مستواه، قام بتعلية الأرض
لتسيير النهر فوقها، وقد استخدم عضد الدولة الفيلة في دوس الأرض
المعلاة والدور المنقوضة التي اشتراها باغلى الأثمان والتي أصبحت ضمن
البستان وبنى على الجميع مسناة وبعد أن فتح النهر بنى عضد الدولة جوانبه
بالآجر والكلس والنورة واجرى الماء فيه حتى وصل إلى بستان القصر الجديد
وقدرت نفقات هذه الأعمال بخمسة ملايين درهم، وقد عرف هذا
البستان والقصر وحواليها بدار المملكة البويهية.
وفي يوم الخميس ١٢ محرم سنة ٣٦٨ فتح الماء الذي استخرجه عضد
الدولة من الخالص إلى داره وبستان الزاهر.
ومن المنشأت التي بقيت على مر الزمن معروفة باسم عضد الدولة هو
المستشفى العضدي الكبير الذي انشاه عضد الدولة في بغداد الغربية
جانب الكرخ في موضع قصر الخلد الذي كان متهدما يوم ذلك وكانت
مساحته ٢٥ ألف آجرة وقد استغرق بناء هذا المستشفى ثلاث سنوات
فقد شرع في بنائه سنة ٣٦٨ وتمت عمارته في سنة ٣٧١ ووقف عضد الدولة
عليه أوقافا كثيرة وعمل له ارحاء بالزبيدية من نهر عيسى ووقفها عليه.
وأنشأ حول المستشفى سوقا سمي بسوق المارستان وأنشئت حوله سوقا
واسعة تمتد من محلة باب البصرة في الجنوب إلى محلة الشارع في الشمال
وكانت تعرف بمحلة المارستان. وقال عبد الله بن جبرئيل بن بختيشوع
الطبيب النصراني أنه لما عمر عضد الدولة المارستان الجديد الذي على
طرف الجسر وهو جسر المارستان العضدي من الجانب الغربي من بغداد
كانت الأطباء الذين جمعهم فيه من كل موضع وامر الراتب منه ٢٤ طبيبا
منهم والدي جبرئيل بن عبيد الله بن بختيشوع وقد اصعد مع عضد الدولة
من شيراز ورتب من جملة الطبائعيين في المارستان.
وقال ابن الجوزي في حوادث سنة ٣٧٢ وفي يوم الخميس لثلاث
خلون من صفر وقيل لليلة خلت في ربيع الآخر فتح المارستان المستشفى
الذي انشاه عضد الدولة في الجانب الغربي من مدينة السلام ورتب فيه
الأطباء والمعالجون والخزان والبوابون والوكلاء والناظرون ونقلت إليه الأدوية
والأشربة والفرش والآلات من كل ناحية.
أما في غير بغداد فقد أقام عدة منشئاة وجسور هامة مدة حكمه في
(٤٢٢)

شيراز وغيرها. فقد ذكر مؤلف زينة المجالس إن عضد الدولة كان قد
بنى حوضا في إصطخر فارس له سبع درجات لو نزح منه ألف رجل في كل
يوم مدة سنة لم ينقص منه إلا درجة وقد شاهد المؤلف هذا الحوض ومن
منشآته أيضا السد الذي بناه على فم ماء كربار المعروف بسد بند أمير في
أيالة فارس سنة ٣٦٥ وأقامه من الحجر والساروج وهو لا زال قائما للآن.
ويعرف أيضا بسد أمير إسحاق أو سد عضد الدولة. وبنى عليه عمارة
عالية لعبور عامة الناس منه وعمل عليه أيضا عدة طواحين والماء مشرف
فوق هذه العمارة فيصب إلى أسفل. واشتهر عندئذ أن عضد الدولة جعل
جبلا فوق البحر وبحرا فوق الجبل. كما أنشأ عضد الدولة في شيراز
مارستانا مستشفى على غرار مارستان بغداد.
ومن اصلاحاته أيضا كما ذكر ابن الأثير إصلاح الطريق من العراق
إلى مكة وإصلاح الآبار في طريق الحج وبناء الرباطات فيه واداؤه الخدمات
الجليلة للحرمين الشريفين بمكة والمدينة ورفع الجباية عن قوافل الحجاج.
وحملت بأمره الكسوة الكثيرة أيضا لأهل الشرف والمقيمين بمدينة
الرسول وغيرهم من ذوي الفاقات ومدت لهم الأقوات من البر والبحر.
إقامة المشهد العلوي
واصلاحاته في النجف
أما المشهد العلوي وإقامة القبة على قبر الإمام علي بن أبي طالب
ع وإصلاح شؤون مدينة النجف فقد بالغ عضد الدولة في إجراء
التعميرات والاصلاحات فيهما. وبدأ بذلك سنة ٣٦٨ وبعد أن استقرت
الأحوال له في بغداد، فإنه أي عضد الدولة شرع بتعمير هذا المشهد
وأقام عمارة عظيمة على قبر الإمام علي ع وأنفق عليه أموالا كثيرة وستر
حيطان المشهد بخشب الساج المنقوش ووقف له الأوقاف الوفيرة وبنى عليه
قبة بيضاء. وفيها يقول ابن الحجاج الشاعر:
يا صاحب القبة البيضا على النجف من زار قبرك واستشفى لديك شفي
وجاء في كتاب إرشاد القلوب إن السلطان عضد الدولة جاء إلى
النجف وأقام فيها قريبا من سنة هو وعساكره وأتى بالصناع والأساتذة من
مختلف الأطراف وخرب العمارة السابقة وصرف أموالا جزيلة وعمر عمارة
جليلة حسنة وهي العمارة التي كانت قبل عمارة اليوم. وجاء في عمدة
الطالب إن العمارة هذه التي أوقف عليها عضد الدولة أموالا طائلة
بقيت حتى سنة ٧٥٣ عندما احترقت كما أنه كتب اسمه على باب مشهد
الامام ع وكتب جنبها وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد.
وكان عضد الدولة يزور في كل سنة المشهد العلوي بموكبه العظيم
وقد جاء في فرحة الغري عن زيارته للمشهد سنة ٣٧١ بعد وصفه
لزيارته المشهد الحسيني بكربلا ما نصه وخرج عضد الدولة من كربلاء
وتوجه إلى الكوفة لخمس بقين من جمادى الأولى سنة ٣٧١ ودخلها وتوجه
إلى المشهد الغروي يوم الاثنين ثاني يوم وروده وزار الحرم الشريف وطرح في
الصندوق دراهم فأصاب كل واحد منهم واحدا وعشرين درهما وكان عدد
العلويين ٧٠٠ اسم وفرق على المجاورين وغيرهم خمسمائة وألف درهم
وعلى المترددين خمسمائة وألف درهم وعلى الناحية ألف درهم وعلى الفقهاء
والفقراء ثلاثة آلاف درهم وعلى المرتبين من الخازن والبواب على يد أبي
الحسن العلوي وعلى يد أبي القاسم بن أبي عابد وأبي بكر بن سيار.
وأنشد أبو إسحاق الصابي يمدح عضد الدولة في هذه الزيارة بهذه
الأبيات:
توجهت نحو المشهد العلم الفرد * على اليمن والتوفيق والطائر السعد
تزور أمير المؤمنين فيا له * ويا لك من مجد منيخ على مجد
فلم أر فوق الأرض مثلك زائرا * ولا تحتها مثل المزور إلى اللحد
مددت إلى كوفان عارض نعمة * يصوب بلا برق يروع بلا رعد
وتابعت أهليها ندى بمثوبة * فرحت إلى فوز وراحوا إلى رفد
هذا وقد شاهد الرحالة ابن بطوطة عمارة عضد الدولة على المشهد
العلوي سنة ٧٢٧ فقال في وصفها:
دخلنا من باب الحضرة حيث القبر الذي يزعمون أنه قبر علي ع
وبإزائه المدارس والزوايا والخوانق معمورة أحسن عمارة وحيطانها بالقشاني
وهو شبه الزلج عندنا لكن لونه أشرق ونقشه أحسن ويدخل من باب الحفرة
إلى مدرسة عظيمة يسكنها الطلبة والصوفية من الشيعة ولكل وارد عليها
ضيافة ثلاثة أيام من الخبز واللحم والتمر، ومن تلك المدرسة يدخل إلى
باب القبة.
وبعد أن أشار ابن بطوطة إلى الاستئذان وتقبيل العتبة قال وهي من
الفضة وكذلك العضادتان ثم يدخل الزائر القبة وفي وسطها مصطبة مربعة
مكسوة بالخشب عليه صفائح الذهب المنقوشة المحكمة العمل مسمرة
بمسامير الفضة قد غلب على الخشب بحيث لا يظهر منه شئ وارتفاعها
دون القامة إلى أن يقول وللقبة باب آخر عتبته أيضا من الفضة يفضي
إلى مسجد وله أبواب أربعة عتبتها فضة...
وكان عضد الدولة أول من عين السادن والخدمة للمشهد المقدس
بعد إتمام العمارة وأجرى لهم الأرزاق وبالغ بلزوم تنظيم شؤون الحضرة
المقدسة، وقد قدم العلويين على غيرهم في سدانة المشهد وخدمته.
أما اهتمام عضد الدولة بقصبة النجف وعمرانها والاعتناء بساكنيها
من اللاجئين إلى قبر الإمام علي ع فحدث عنه ولا حرج. فقد كان أول
من قام بتحصينها ورد العادين عليها من اعراب البادية وغيرهم، فإنه في
الوقت الذي كان يقوم بتعمير المشهد العلوي وإقامة القبة عليه حصن المدينة
ببناء سور منيع حوله وهو أول من أقام السور عليها، ووسع البلدة حيث
أصبحت حول المرقد المطهر بلاد صغيرة محيطة به وشجع العلويين وغيرهم
للشخوص إلى النجف والسكن حول مشهد الإمام علي ع، وقد
ذكر بعض المؤرخين أن عدد نفوس النجف عند زيارة عضد الدولة سنة
٣٧١ كان ما يقرب من ٦٠٠٠ نسمة هم من الشيعة الخلص وبينهم
العلويون ١٧٠٠ نسمة.
ولما كان الماء أساس العمران وكانت النجف محرومة منه لأنها تقع في
أرض مرتفعة عن الكوفة ونهر الفرات فقد كان عضد الدولة من الأوائل
الذي فكر في ايصال الماء إلى هذه المدينة، فان أول ما قام به في هذا
المضمار أنه أصلح قناة عرفت بقناة آل أعين كانت قد حفرت في النجف
سنة ٢٥٠ ولكنها تهدمت بمرور الأيام، فاصلحها عضد الدولة وأجرى
(٤٢٣)

الماء فيها فعرفت بقناة عضد الدولة أو قناة آل بويه كما بنى المهدم منها
وأحكمها أشد من الأول وبقيت قرونا طوالا تسقي النجف وأهلها بأعذب
الماء. وبالإضافة إلى ذلك فقد أراد عضد الدولة أن يجري الماء من الفرات
إلى النجف تحت الأرض لأن أرض النجف مرتفعة لا يمكن أن يصل الماء
إليها على وجه الأرض فحفر إلى جهة الشمال، فنبعت في أثناء الحفر عين
منعت من مواصلة الحفر لكن ماءها ليس بشروب فاكتفى بها للانتفاع بها
بغير الشرب وساق ماءها إلى آبار عميقة محكمة البناء ووصل بينها بقنوات
محكمة يسير فيها الفارس فيجري الماء من بئر إلى بئر ثم يخرج منه إلى جهة
المغرب.
إقامة المشهد الحسيني
وعنايته بكربلا
ولم يكن اهتمام عضد الدولة بمشهد الإمام الحسين ع
بالحائر بأقل من مشهد أبيه ع في النجف، فإنه جدد حرم الحسين ع
على أنقاض ما كان قد بني من قبل وبنى حوله أروقة متناسقة منتظمة وشيد
على القبر المطهر قبة على شكل دائرة واتخذ حوله مسجدا وبنى بجانبه دورا
للسكن ووسع الحائر وكسا الصندوق الموجود على القبر المطهر بالخشب
الساج ووضع عليه الديباج والطنافس الحريرية وأنار القبر بالقناديل المذهبة
وأوقف له موقوفات كثيرة. وفي زيارته للمشهد الحسيني لبضع بقين من
جمادى الأول سنة ٣٧١ كما ذكر مؤلف فرحة الغري وضع في الصندوق
دراهم فرقت على العلويين فأصاب كل منهم ٣٢ درهما وكان عددهم
١٢٠٠ اسم وتبرع بعشرة آلاف درهم وزعت على العوام والمجاورين
وفرق على أهل الحائر مائة ألف رطل من التمر والدقيق و ٥٠٠ قطعة
من الثياب وأعطى الناظر عليهم ألف درهم، وقد أكمل هذا لبناء في شهر
جمادى الأول سنة ٣٧١ بعد عمل دام ثلاث سنوات حيث كان قد بدأ به
عام ٣٦٩ وبقيت هذه العمارة على المشهد الحسيني حتى سنة ٤٠٧
عندما احترق مشهد الحسين ع في ربيع الأول من هذه السنة وكان
السبب في ذلك إن القوام أشعلوا شمعتين كبيرتين فسقطتا في جوف الليل
على التأزير فاحترقتا. وقال الخواجة حميد الدين في تاريخه: إن عضد
الدولة عثر على كنوز مملوءة بالذهب والفضة فصرفها كلها على تعمير
المشهدين الحسيني والعلوي في كربلاء والنجف كذا.
هذا وكان عضد الدولة يزور كل سنة المشهدين الحسيني والعلوي مدة
حكمه في بغداد مؤديا الزيارة لهما وليشرف بنفسه على البناء والعمران في
المشهدين المقدسين وشؤون السكان وخاصة العلويين منهم.
أما بالنسبة للمدينة كربلاء فقد وجه عضد الدولة عناية فائقة نحو
تمصيرها وتوسيعها حتى بنى لها سورا عاليا قدرت مساحته آنذاك ٢٤٠٠
قدم وشق لها قناة لسقي أهاليها فباتت كربلاء على عهده زاهرة عامرة،
وأنشأ حول المرقد المقدس العمارات والخانات وبالغ في تشييد الأبنية حول
المشهد وأسكنها كثيرا من القبائل العربية والبيوتات العلوية وغيرهما من
الموالين لآل البيت ع، وأخذت المدينة بالتوسع شيئا فشيئا حتى
تلاصقت العمارات بتوالي الأيام وقد بلغ عدد سكان المدينة في أواخر أيام
عضد الدولة ٢٢٠٠ نسمة من العلويين عدا غيرهم من المسلمين، وكانت
المدينة هذه تضم بين جدران سورها ثلاثة أحياء يدعى الأول محلة آل
فايز والثاني محلة آل زحيك والثالث محلة آل عيسى نسبة إلى الأسر
العلوية التي كانت تسكنها.
وقد دافع عضد الدولة عن كربلاء بجيوشه مرارا عديدة حيال
هجمات المعتدين. من ذلك أن ضبة بن محمد الأسدي العيني الذي كان
قد حكم مدينة عين التمر شفاثا حاليا الواقعة غربي كربلاء مدة ٣٢ سنة
والذي هجاه المتنبي قد أغار عام ٣٦٩ على مدينة كربلاء ونهبها وحمل أهلها
أسارى إلى قلعته في عين التمر فبلغ الخبر إلى عضد الدولة وهو في بغداد
فمشى إليه بجيش يقارب ا ١٠ آلاف فارس وهاجم عين التمر
وحاصر القلعة التي ألقى ضبة نفسه وجواده من أعلى سورها وترك أهله
وماله فيها فتحطم جواده وتهشم ونجا هو بنفسه وولى هاربا مع بعض
حاشيته إلى البادية. فاستولى عضد الدولة على القلعة وأخذ أهلها إلى كربلاء
ووهبهم لخدمة المشهد الحسيني ع كما ارجع إلى كربلاء أهلها وكل ما كان
قد سلب منهم وعين أحد العلويين رئيسا لعين التمر لرعاية شؤونها. وقد
كان ذلك يوم الجمعة لليلتين خليتا من ذي الحجة سنة ٣٦٩.
هذا وقد ازدهرت كربلاء في عهد عضد الدولة وتقدمت معالمها الدينية
والسياسية والاقتصادية فاتسعت تجارتها وتقدمت زراعتها وأينعت علومها
وآدابها وتخرج خلال ذلك منها علماء فطاحل وشعراء مجيدون.
عنايته بمشهد الكاظميين
ومشهد العسكريين
ولم يترك عضد الدولة مشهد الامامين الجوادين في مقابر قريش
بضواحي بغداد من العناية والاهتمام فإنه كان يزور قبريهما الطاهرين في كل
شهر مرة على الأقل مع أفراد حاشيته ورجال جيشه. وقد بنى في عام ٣٦٧
سورا على ضريحي الامامين الهمامين ع وحول أبنية المشهد وقبتيه اللتين
كان قد أقامهما عمه معز الدولة سنة ٣٣٦ على قبري الامامين موسى
الكاظم ومحمد الجواد ع. كما زاد عضد الدولة من التعمير
داخل المشهد وخارجه وأضاف إلى التزيينات والأضوية والفرش أضعافا
مضاعفة. وعمر المساجد والأسواق التي كانت مقامة حول المشهد والتي
تدمرت بتوالي الفتن والغرق في بغداد وضواحيها. وكان هذا المشهد
وحواليه قد أصبحت شبه قرية عامرة.
وقام عضد الدولة بتعمير مشهد الامامين العسكريين في سامراء
وخاصة عمارة الروضة والأروقة ووسع الصحن وشيد سورا للبلد الذي
أخذ بالاتساع وكان ذلك عام ٣٦٨.
وفاة عضد الدولة وقبره
توفي عضد الدولة ببغداد يوم الاثنين الثامن من شهر شوال سنة ٣٧٢
عن ٤٧ سنة و ١١ شهرا وثلاثة أيام بعلة ما انتابه من مرض الصرع
فضعفت قوته عن دفعه فخنقه ومات. ودفن بدار الملك في بغداد ثم نقل
أوائل سنة ٣٧٣ إلى مشهد أمير المؤمنين ع في النجف بناء على وصيته
حيث دفن تحت قدمي الامام ع، وقد نقل عنه أنه حينما وافته المنية ردد
ما أغنى عني ماليه هلك عني سلطانيه كما كان قد أوصى أن تنحت على
صخرة قبره وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد فنفذت هذه الوصية، كما
(٤٢٤)

كتب على لوح قبره ما يلي:
هذا قبر عضد الدولة وتاج الملة أبي شجاع بن ركن الدولة أحب
مجاورة هذا الامام المعصوم لطمعه في الخلاص يوم تأتي كل نفس تجادل عن
نفسها وصلواته على محمد ص وعترته الطيبين.
وقد بني على قبر عضد الدولة الواقع من جهة الغرب من مشهد
الامام ع قبة عظيمة بقيت حتى هدمها السلطان سليمان العثماني
لما دخل العراق سنة ٩٤٠ وجعلها تكية للبكتاشية وهي باقية حتى الآن على
هذا الشكل وبابها في الجهة الغربية من الصحن الشريف.
وقد ذكر بعض الثقات المعمرين أنه ظهر للعيان حوالي سنة ١٣١٥ أو
١٣١٦ قبر عضد الدولة عند قلع رخام الأرض وعلى صخرة منقوش عليها
آية وكلبهم باسط ذراعيه بالوحيد ومرسوم بعد ذلك اسم فناخسرو
عضد الدولة وهي الصخرة التي كان قد أوصى أن تنحت على قبره.
أما مدة حكمه في إمارته وسلطنته كلها منذ توليه إمارة شيراز فهي
٣٤ سنة، ومدة حكمه في العراق بلغت الخمسة الأعوام والنصف.
ومما يذكر أنه لما توفي عضد الدولة جلس ابنه صمصام الدولة أبو
كاليجار للعزاء فاتاه الخليفة الطائع لله معزيا ولما بلغ خبر وفاته بعض
العلماء وهو سليمان السجستاني وعنده جماعة من أعيان الفضلاء كالقومسي
والنوشجاني والقاسم غلام زحل وابن المقداد والعروضي والأندلسي
والصيمري، تذاكروا الكلمات العشر التي قالها الحكماء العشرة عند وفاة
الإسكندر.
ويروي أنه لما توفي عضد الدولة قبض على نائبه أبي الريان من الغد
فاخذ من فمه رقعة فيها:
أيا واثقا بالدهر عند انصرافه * رويدك إني بالزمان أخو خبر
ويا شامتا مهلا فكم ذي شماتة * تكون له العقبى بقاصمة الظهر
فلما وقف عبد الله بن سعدان على الرقعة قال لحاجبه امض وسله
عنها ففعل فقال: هذه رقعة أنفذها أبو الوفاء طاهر بن محمد إلي عند
القبض عليه ولست أحسن قول الشعر.
أولاده
خلف عضد الدولة ثلاثة أولاد هم:
١ صمصام الدولة أبو كاليجار.
٢ شرف الدولة.
٣ بهاء الدولة.
وقام هؤلاء الثلاثة بعد عضد الدولة بإدارة شؤون الدولة ببغداد
لكنهم لم يقوموا بأعباء الحكم كما قام به والدهم فبدأت تظهر الفتن في بغداد
والعراق على أثر تنافس الإخوة الثلاثة للاستحواذ على أمر المملكة. وهكذا
تدهورت الأحوال بعد عضد الدولة في العراق وأخذت قوة الدولة البويهية
تنحط نتيجة للحروب التي دامت بين الإخوة الثلاثة وسوء الحكم. وامتد
ذلك إلى سائر البلدان الاسلامية.
ملحق بهذه الترجمة
وممن أشار إلى عضد الدولة، الثعالبي في كتابه يتيمة الدهر من
محاسن أهل العصر، حيث قال عنه في الجزء الثاني منه:
عضد الدولة أبو شجاع فناخسرو ابن ركن الدولة كان على ما كان له
في الأرض، وجعل إليه من أزمة البسط والقبض وخص به من رفعة الشأن
وأوتي من سعة السلطان يتفرع للأدب، ويتشاغل بالكتب ويؤثر مجالسة
الأدباء على منادمة الامراء ويقول شعرا كثيرا يخرج منه ما هو من شرط هذا
الكتاب من الملح والنكت. وما أدري كم فصل بارع ووصف رائع قرأته
للصاحب (١) في وصف عضد الدولة.
فمن ذلك واما قصيدة مولانا فقد جاءت ومعها عزة الملك وعليها
رواء الصدق وفيها سيما العلم وعندها لسان المجد ولها صيال الحق.
ومنه لا غرو إذا فاض بحر العلم على لسان الشعر ان ينتج ما لا عين
وقعت على مثله ولا أذن سمعت بشبهه.
ومنه لو استحق شعران يعبد لعذوبة مناهله وجلالة قائلة لكانت
قصيدته هي الا اني اتخذتها عند امتناع ذلك قبلة أوجه إليها صلوات
التعظيم واقف عليها طواف الاجلال والتكريم.
ومنه شعر قد حبس خدمته على فكره ووقف كيف شاء على امره فهو
يكتب في غرة الدهر ويشرخ جبهتي الشمس والبدر.
ثم من أراد ان ينظر في اخبار عضد الدولة ويقف على محاسن آثاره
فليتأمل الكتاب التاجي من تاليف أبي إسحاق الصابي لتجتمع له مع
الإحاطة بها بلاغة من تسهل له حزونها ولا ينته متونها واطاعته عيونها.
حدثني أبو بكر الخوارزمي قال كان ينادم عضد الدولة بعض الأدباء
الظرفاء ويحاضر بالأوصاف والتشبيهات ولا يحضر شئ من الطعام
والشراب وآلاتهما وغيرها، الا وانشد فيه لنفسه أو لغيره شعرا حسنا. فبينما
هو ذات يوم معه على المائدة ينشد كعادته إذ قدمت له بهطة فنظر عضد
الدولة كالأمر إياه بان يصفها فارتج عليه، وغلبه سكوت معه خجل
فارتجل عضد الدولة وقال من السريع
بهطة (٢) تعجز عن وصفها * يا مدعي الأوصاف بالزور
كأنها في الجام مجلوة * لآلئ في ماء كافور
وأنشدني محمد بن عمر الزاهر قال أنشدني أبو القاسم عبد
العزيز بن يوسف. قال أنشدني عضد الدولة لنفسه في أبي تغلب عند
اعتذاره إليه من معاودة بختيار عليه والتماسه كتاب الأمان منه من
الكامل (٣).
أ أفاق حين وطئت ضيق خناقه * يبغي الأمان وكان يبغي صارما
فلأركبن عزيمة عضدية * تاجية تدع الأنوف رواغما

(١) الصاحب بن عباد.
(٢) البهطة الأرز يطبع باللبن والسمن.
(٣) كتاب الكامل لابن الأثير.
(٤٢٥)

ومما ينسب إليه وانا أشك فيه أبيات يتداولها القوالون وهي من
الوافر.
طربت إلى الصبوح مع الصباح * وشرب الراح والغرر الملاح
وكان الثلج كالكافور نثرا * ونار عند نارنج وراح
فمشموم ومشروب ونار * وصبح والصبوح مع الصباح
لهيب في لهيب في لهيب * صباح في صباح في صباح
إلى أن يقول الثعالبي:
واخذت من قصيدته التي فيها البيت الذي لم يفلح بعده ابدا قوله من
الرمل:
ليس شرب الكاس الا في المطر * وغناء من جوار في السحر
غانيات سالبات للنهي * باغمات في تضاعيف الوتر
مبرزات الكاس من مطلعها * ساقيات الراح من فاق البشر
عضد الدولة وابن ركنها * ملك الأملاك غلاب القدر
سهل الله له بغيته * في ملوك الأرض ما دام القمر
واراه الخير في أولاده * ليساس الملك منه بالغرر
وقال ابن الأثير:
في هذه السنة ٣٦٩ شرع عضد الدولة بعمارة بغداد، وكانت قد
خربت بتوالي الفتن فيها، وعمر مساجدها وأسواقها وأدر الأموال على
الأئمة والمؤذنين والعلماء والقراء والغرباء والضعفاء الذين يأوون إلى
المساجد، وألزم أصحاب الأملاك الخراب بعمارتها، وجدد ما دثر من
الأنهار وأعاد حفرها وتسويتها، وأطلق مكوس الحجاج وأصلح الطريق من
العراق إلى مكة شرفها الله تعالى، وأطلق الصلات لأهل البيوتات والشرف
والضعفاء المجاورين بمكة والمدينة، وفعل مثل ذلك بمشهد علي والحسين
ع، وسكن الناس من الفتن واجرى الجرايات على الفقهاء
والمحدثين والمتكلمين والمفسرين والنحاة والشعراء والنسابين والأطباء
والحساب والمهندسين. وأذن لوزيره نصر بن هارون وكان نصرانيا في
عمارة البيع والديرة واطلاق الأموال لفقرائهم.
وقال ابن الأثير أيضا بعد ذكره موت عضد الدولة:
كان يخرج في ابتداء كل سنة شيئا كثيرا من الأموال للصدقة والبر في
سائر بلاده ويأمر بتسليم ذلك إلى القضاة ووجوه الناس ليصرفوه إلى
مستحقيه. وكان يوصل إلى العمال المتعطلين ما يقوم بهم ويحاسبهم إذا
عملوا، وكان محبا للعلوم وأهلها، مقربا لهم محسنا إليهم، وكان يجلس
معهم ويعارضهم في المسائل، فقصده العلماء من كل بلد وصنفوا له
الكتب، ومنها: الايضاح في النحو، والحجة في القراءات، والملكي في
الطب، والتاجي في التاريخ إلى غير ذلك، وعمل المصالح في سائر البلاد
كالبيمارستانات والقناطر، وغير ذلك من المصالح العامة. الا انه أحدث
في اخر أيامه رسوما جائزة في المساحة والضرائب على بيع الدواب وغيرها
من الأمتعة وزاد على ما تقدم ومنع من عمل الثلج والقز وجعلهما متجرا
للخاص. وكان يتوصل إلى اخذ المال من كل طريق.
عين الدولة أبو حرب فولاذ بن محمد بن شهرآشوب الديلمي الاصفهالار.
ذكره أبو الحسن الصابي في تاريخه وقال كان من كبراء امراء الديلم
قال وفي يوم الجمعة لسبع بقين من جمادى الأولى سنة ٤٣٧ ورد عين الدولة
أبو حرب متوجها إلى حسام الدولة أبي شجاع بن محمد بن عنان ومعه أبو
عبد الله الردوستي من حضرة القائم بأمر الله وانفذوا إليه الخلع وأمروه
بالاستعداد لمنازلة الغزالة التركمانية الواردين من خراسان وحراسة الأطراف
قال ووقع الموتان في الخيل فمات في هذه السنة من الخيل ألوف في جميع
النواحي.
المير الفندرسكي.
اسمه السيد أبو القاسم بن ميرزا بيك بن صدر الدين.
المولوي الخواجة فياض حسين الهندي.
له البلاع المبين في المناظرات المذهبية مع المخالفين بلسان أوردو
مطبوع ويلقب بالكلام المتين أيضا.
الآميرزا فياض بن هداية الله الحسيني.
من علماء عصر الشاة صفي له رسالة في التصوف.
جلال الدولة فيروز جرد بن بهاء الدولة فيروز بن عضد الدولة
فناخسرو بن ركن الدولة الحسن بن بويه الديلمي.
مرت ترجمته في جلال الدولة ج ١٦ لأنا لم نكن عرفنا اسمه فترجمناه
بلقبه المشهور ثم وجدنا في شذرات الذهب ما يدل على اسمه فيروز جرد.
أبو العباس خسرو فيروز بن ركن الدولة الحسن بن بويه.
مرت ترجمته في الجزء ٢٩ في حرف الخاء والصحيح انه كان يجب ان
يكون هنا لان اسمه فيروز، وخسرو لقبه.
بهاء الدولة أبو نصر فيروز وقيل خاشاذ بن عضد الدولة فناخسرو ابن ركن
الدولة الحسين بن بويه الديلمي.
ولد سنة ٣٦١ وتوفي في جمادى الثانية كما في توضيح المقاصد وكامل
ابن الأثير، وفي تاريخ فارسي في ربيع الأول سنة ٤٠٣ في أرجان وحمل إلى
مشهد أمير المؤمنين علي ع فدفن عند أبيه عضد الدولة وعمره
اثنان وأربعون سنة وتسعة أشهر ونصف، ومدة ملكه أربع وعشرون سنة
وثلاثة أشهر.
لم نعرف اسمه ولم نر من سماه باسمه من المؤرخين مع كثرة
البحث. تولى الملك بعد وفاة أخيه شرف الدولة سنة ٣٧٩ أو ٣٨٠ ولقبه
الخليفة القادر شاهانشاه قوام الدين وملك العراق وفارس.
سيرته واخباره
قال الشيخ البهائي في توضيح المقاصد: السلطان بهاء الدولة الديلمي
رضي الله عنه كان راسخا في التشيع اه. وقال ابن الأثير في سنة ٣٥٧
جرت فتنة ببغداد بين الديلم وكان سببها ان أسفار بن كردويه وهو من أكابر
القواد استنفر من صمصام الدولة السلطان ببغداد واستمال كثيرا من العسكر
إلى طاعة أخيه شرف الدولة شيرزيل واتفق رأيهم على أن يولوا الأمير بهاء
الدولة أبا نصر بن عضد الدولة العراق نيابة عن أخيه شرف الدولة
(٤٢٦)

صاحب بلاد فارس وكان صمصام الدولة مريضا فتمكن أسفار من الذي
عزم عليه، فلما ابل من مرضه استمال فولاذ زماندار فاجابه، وقاتل أسفار
فهزمه فولاذ واخذ الأمير أبو نصر أسيرا واحضر عند أخيه صمصام الدولة
فرق له وعلم أنه لا ذنب له واعتقله وكرمه، وفيها سار شرف الدولة أبو
الفوارس بن عضد الدولة من فارس يطلب الأهواز وأرسل إلى أخيه أبي
الحسين ان مقصده العراق وتخليص أخيه الأمير أبي نصر من محبسه، ثم
سار شرف الدولة إلى الأهواز وملكها وملك البصرة، وبلغ الخبر إلى
صمصام الدولة فراسله في الصلح فاستقر الامر على أن يخطب لشرف
الدولة بالعراق قبل صمصام الدولة، ويكون صمصام الدولة نائبا عنه،
ويطلق أخاه الأمير بهاء الدولة أبا نصر ويسيره إليه، وصلح الحال واستقام
ثم عاد عن الصلح وعزم على قصد بغداد ولم يحلف لأخيه. وسار من
الأهواز إلى واسط فأرسل إليه صمصام الدولة أخاه أبا نصر يستعطفه
باطلاقه. ثم توفي شرف الدولة شيرزيل سنة ٣٧٩، ولما أيس أصحابه منه
سألوه ليأمر أخاه بهاء الدولة أبا نصر انه ينوب عنه إلى أن يعافى لئلا تثور
الفتنة، ففعل ذلك وتوقف بهاء الدولة، ثم أجاب إليه، فلما مات جلس بهاء الدولة
في المملكة وقعد للعزاء وركب الطائع إلى العزاء في الزبزب، فتلقاه بهاء الدولة،
وقبل الأرض بين يديه وانحدر الطائع إلى داره وخلع على بهاء الدولة خلع السلطنة
وأقر بهاء الدولة أبا منصور بن صلحان على وزارته. وكان شرف الدولة قد سير
ولده الأمير أبا علي إلى فارس، وكان المرتبون في القلعة التي بها صمصام الدولة
واخوه أبو طاهر قد اطلقوهما واجتمع على صمصام الدولة كثير من الديلم
وسار الأمير أبي علي إلى شيراز ووقعت الفتنة بها بين الأتراك والديلم وخرج ا
لأمير أبو علي إلى معسكر الأتراك وجرى بينهم قتال عدة أيام وسار
أبو علي إلى أرجان وعاد الأتراك إلى شيراز فقاتلوا صمصام الدولة ومن
معه من الديلم وعادوا إلى أبي علي بأرجان، ثم وصل رسول من
بهاء الدولة إلى أبي علي وأدي الرسالة وطيب قلبه ووعده ثم إنه
راسل الأتراك سرا واستمالهم إلى نفسه وأطمعهم فحسنوا لأبي علي المسير
إلى بهاء الدولة فسار إليه فلقيه بواسط منتصف جمادي الآخرة سنة ٣٨٠
فانزله وأكرمه وتركه عدة أيام وقبض عليه ثم قتله بعد ذلك بيسير
وتجهز بهاء الدولة للمسير إلى الأهواز لقصد بلاد فارس. وفيها وقعت الفتنة
ببغداد بين الأتراك والديلم ودام القتال خمسة أيام، وبهاء الدولة في داره
يراسلهم في الصلح فلم يسمعوا قوله، وقتل بعض رسله، ثم خرج إلى
الأتراك وحضر القتال معهم فاشتبه الامر ثم شرع في الصلح ورفق بالأتراك
وراسل الديلم فاستقر الحال وحلف بعضهم لبعض وكانت مدة الحرب اثني
عشر يوما، ثم إن الديلم تفرقوا واخرج بعضهم وقبض على البعض
فضعف امرهم وقويت شوكة الأتراك، وفي هذه السنة سار فخر الدولة من
الري عازما على قصد العراق والاستيلاء عليها ووصل إلى الأهواز فملكها
وأساء السيرة مع جندها فلما سمع بهاء الدولة بوصولهم إلى الأهواز سير
إليهم العساكر والتقوا هم وعساكر فخر الدولة فاتفق ان دجلة الأهواز زادت
ذلك الوقت زيادة عظيمة وانفتحت البثوق منها، فظنها عسكر فخر الدولة
من ذلك وكان قد استبد برأيه فعاد حينئذ إلى رأي وزيره الصاحب بن عباد
فأشار ببذل وتفرق عنه كثير من عسكر الأهواز فعاد إلى الري وملك
أصحاب بهاء الدولة الأهواز، وكان أبو طاهر إبراهيم وأبو عبد الله الحسين
ابنا ناصر الدولة بن حمدان هذه السنة في خدمة شرف الدولة ببغداد فلما
توفي وملك بهاء الدولة استأذناه في الاصعاد، إلى الموصل فاذن لهما
فاصعدا، ثم علم القواد الغلط في ذلك فكتب بهاء الدولة إلى خواشاذه وهو
يتولى الموصل يأمره بدفعهما عنها، فأرسل إليهما خواشاذه يأمرهما بالعود
عنه، فأعادا جوابا جميلا وجدا في السير حتى نزلا بظاهر الموصل وثار أهل
الموصل بالديلم والأتراك فنهبوهم وخرجوا إلى بني حمدان وخرج الديلم إلى
قتالهم فهزمهم المواصلة وبنو حمدان وسير بنو حمدان خواشاذه ومن معه إلى
بغداد وأقاموا بالموصل. وفيها قبض بهاء الدولة على أبي الحسن محمد بن
عمر العلوي الكوفي وكان قد عظم شانه مع شرف الدولة فلما ولي بهاء
الدولة سعى به أبو الحسن المعلم وأطعمه في أمواله فقبض عليه. وفيها
أسقط بهاء الدولة ما كان يؤخذ من المراعي من سائر السواد. وفي سنة
٣٨٠ سار بهاء الدولة عن بغداد إلى خوزستان عازما على قصد فارس،
واستخلف ببغداد أبا نصر خواشاذه ووصل إلى البصرة ودخلها وسار عنها
إلى خوزستان فاتاه نعي أبي طاهر فجلس للعزاء ودخل أرجان فاستولى
عليها واخذ ما فيها من الأموال فكان ألف ألف دينار وثمانية ألف ألف
درهم ومن الثياب والجواهر ما لا يحصى فلما علم الجند بذلك شغبوا شغبا
متتابعا، فأطلقت تلك الأموال كلها لهم ولم يبق منها الا القليل، ثم سارت
مقدمته وعليها أبو العلاء بن الفضل إلى النوبندجان وبها عساكر صمصام
الدولة فهزمهم وبث أصحابه في نواحي فارس فسير إليهم صمصام الدولة
عسكرا وعليهم فولاد ماندار وكان بين العسكريين واد وعليه قنطرة، وكان
أصحاب أبي العلاء يعبرون القنطرة ويغيرون على اثقال الديلم عسكر
صمصام الدولة، فوضع فولاذ كمينا عند القنطرة فلما عبر أصحاب بهاء
الدولة خرجوا عليهم فقتلوهم جميعهم وأرسل فولاذ أبا العلاء وخدعه ثم
سار إليه وكبسه فانهزم من بين يديه وعاد إلى أرجان مهزوما وترددت الرسل
في الصلح فتم على أن يكون لصمصام الدولة بلاد فارس وارجان ولبهاء
الدولة خوزستان والعراق، وأن يكون لكل واحد منهما اقطاع في بلد
صاحبه، وحلف كل واحد منهما لصاحبه، وعاد بهاء لدولة إلى الأهواز ولما سار بهاء
الدولة عن بغداد ثار العيارون في جانبي بغداد ووقعت الفتن بين أهل السنة
والشيعة وكثر القتل بينهم وزالت الطاعة وأحرق عدة محال ونهبت
الأموال وأخربت المساكن ودام ذلك عدة شهور. وفيها قبض بهاء الدولة على
وزيره أبي منصور بن صالحان واستوزر أبا نصر أبور بن اردشير قبل مسيره
إلى خوزستان، وكان المدبر للدولة بهاء الدولة أبا الحسين المعلم. وفي سنة
٣٨١ قبض بهاء الدولة على الخليفة الطائع، وسبب ذلك ان الأمير بهاء
الدولة قلت عنده الأموال فكثر شغب الجند فقبض على وزيره سابور فلم
يغن عنه ذلك شيئا، وكان أبو الحسن بن المعلم قد غلب على بهاء الدولة
وحكم في مملكته فحسن له القبض على الطائع واطمعه في ماله وهون عليه
ذلك وسهله فأرسل بهاء الدولة إلى الطائع وسأله الاذن في الحضور في
خدمته ليجدد العهد به فاذن له في ذلك وجلس له كما جرت العادة، فدخل
بهاء الدولة ومعه جمع كثير فلما دخل قبل الأرض وأجلس على كرسي فدخل
بعض الديلم كأنه يريد يقبل يدي الخليفة فجذبه فانزله عن سريره والخليفة
يقول إنا لله وإنا إليه راجعون واخذ ما في دار الخليفة من الذخائر ونهب
الناس بعضهم بعضا. وكان الشريف الرضي حاضرا فبادر في الخروج
فسلم، وقال قصيدة من جملتها:
مرقت منها مروق النجم منكدرا * وقد تلاقت مصاريع الردى دوني
أمسيت ارحم من قد كنت أغبطه * لقد تقارب بين العز والهون
هيهات أغتر بالسلطان ثانية * قد ضل ولاج أبواب السلاطين
(٤٢٧)

وحمل الطائع إلى دار بهاء الدولة وأشهد عليه بالخلع وذكر بهاء الدولة
من يصلح للخلافة فاتفقوا على القادر بالله، وكان بالبطيحة، فأرسل إليه
بهاء الدولة خواص أصحابه ليحضروه إلى بغداد ليتولى الخلافة، وشغب
الديلم ببغداد ومنعوا من الخطبة، فقيل على المنبر: اللهم أصلح عبدك
وخليفتك القادر بالله، ولم يذكروا اسمه، وأرضاهم بهاء الدولة، فسار
القادر إلى بغداد، فلما دخل جيل انحدر بهاء الدولة والأعيان لاستقباله
وبايعه بهاء الدولة والناس. وفيها أنفذ خلف بن أحمد صاحب سجستان
ابنه عمرا إلى كرمان فملكها، وكانت لشرف الدولة، فلما توفي ووقع
الخلف بين صمصام الدولة وبهاء الدولة انتهز الفرصة وسير ولده عمرا في
عسكر فملكها، ومنها قائد يقال له تمرتاش كان قد استعمله شرف الدولة
فلما وصل الخبر إلى صمصام الدولة وهو صاحب فارس جهز العساكر إلى
تمرتاش مع قائد يقال له أبو جعفر، وأمره بالقبض على تمرتاش لأنه اتهمه
بالميل إلى أخيه بهاء الدولة. وفيها ارسل بكجور الذي كان واليا على دمشق
من قبل العزيز بالله العلوي فعزله وتوجه إلى الرقة فاستولى عليها وعلى
الرحبة ففاوضه بهاء الدولة بن بويه بالانضمام إليه فلم يجبه بشئ. وفيها
قبض بهاء الدولة على وزيره أبي نصر سابور بالأهواز واستوزر أبا القاسم
عبد العزيز بن يوسف. وفيها أيضا قبض بهاء الدولة على أبي نصر خواشاذه
وأبي عبد الله ابن طاهر بعد عوده من خوزستان، وكان سببه أن أبا نصر
كان شحيحا فلم يواصل ابن المعلم بخدمه وهداياه فشرع بالقبض عليه.
وفيها كتاب أهل الرحبة إلى بهاء الدولة يطلبون انفاذ من يسلمون إليه
الرحبة، فانفذ خمارتكن الحفصي إلى الرحبة فتسلمها وسار منها إلى الرقة
وبها بدر غلام سعد الدولة بن حمدان فجرت بينهما وقعات فلم يظفر بها
وبلغه اختلاف ببغداد فعاد فخرج عليه بعض العرب فأخذوه أسيرا، ثم
افتدى منهم بمال كثير. وفيها حلف بهاء الدولة للقادر على الطاعة والقيام
بشروط البيعة وحلف له القادر بالوفاء والخلوص وأشهد عليه أنه قلده ما
وراء بابه. وفي اخر سنة ٣٨١ انفذ بهاء الدولة أبا جعفر الحجاج بن هرمز
في عسكر كثير إلى الموصل فملكها فاجتمعت عقيل وأميرهم أبو الذواد
محمد بن المسيب على حربه، فجرى بينهم عدة وقائع ظهر فيها من أبي
جعفر باس شديد فهابه العرب واستمد من بهاء الدولة عسكرا فأمده في أول
سنة ٣٨٢ بالوزير أبي القاسم علي بن أحمد، فلما وصل إلى العسكر كتب
بهاء الدولة إلى أبي جعفر بالقبض عليه فعلم أبو جعفر أنه أن قبض عليه
اختلف العسكر وظفر به العرب فتراجع في امره، وكان سبب ذلك أن ابن
المعلم كان عدوا له فسعى به عند بهاء الدولة، وكان بهاء الدولة أذنا وعلم
الوزير الخبر فشرع في صلح أبي الذواد واخذ رهائنه والعود إلى بغداد فأشار
عليه أصحابه باللحاق بأبي الذواد فلم يفعل أنفة وحسن عهد، فلما وصل
إلى بغداد رأى ابن المعلم قد قبض وقتل وكفي شره فظهر عليه الانكسار
فقال له خواصه: ما هذا وقد كفيت شر عدوك فقال: أن ملكا قرب رجلا
كما قرب بهاء الدولة ابن المعلم ثم فعل به هذا لحقيق بان تخاف ملابسته،
وكان بهاء الدولة قد ارسل الشريف أبا احمد الموسوي إلى أبي الذواد فاسره
العرب ثم اطلقوه. وفيها في رجب سلم بهاء الدولة الطائع لله إلى القادر
بالله فأكرمه وأقام عنده إلى أن توفي. وفيها قبض بهاء الدولة على أبي
الحسن بن المعلم، وكان قد استولى على الأمور كلها وخدمه الناس حتى
الوزراء، فأساء السيرة فشغب الجند وطلبوا تسليمه إليهم فراجعهم بهاء
الدولة ووعدهم كف يده عنهم فلم يقبلوا فقبض عليه وعلى أصحابه فلم
يرجعوا فسلمه إليهم فقتلوه. وفيها قبض بهاء الدولة على وزيره أبي القاسم علي ابن
احمد لأنه اتهمه بمكاتبة الجند في أمر ابن المعلم واستوزر أبا نصر بن سابور وأبا
منصور بن صالحان جمع بينهما في الوزارة. وفي سنة ٣٨٣ ملك صمصام الدولة
خوزستان وكان سبب نقض الصلح أن بهاء الدولة سير أبا العلاء عبد الله بن الفضل
إلى الأهواز وتقدم إليه بأنه يكون مستعدا لقصد بلاد فارس واعلمه انه يسير
إليه العساكر متفرقين فإذا اجتمعوا عنده سار بهم إلى بلاد فارس بغتة فلا
يشعر صمصام الدولة الا وهم معه في بلاده فسار أبو العلاء ولم يتهيأ لبهاء
الدولة امداده بالعساكر وظهر الخبر فجهز صمصام الدولة عسكره وسيرهم
إلى خوزستان، وكتب أبو العلاء إلى بهاء الدولة بالخبر فسير إليه عسكرا
كثيرا ووصلت عساكر فارس لقيهم أبو العلاء فانهزم هو وأصحابه وأخذ
أسيرا إلى صمصام الدولة فاعتقله بعد ما شهره ولما سمع بهاء الدولة بذلك
أزعجه واقلقه، وكانت خزائنه قد خلت من الأموال، فأرسل، وزيره أبا
نصر بن سابور إلى واسط ليحصل ما امكنه وأعطاه رهونا من الجواهر
والأعلاق النفيسة ليقترض عليها. وفيها كثر شغب الديلم على بهاء الدولة
ونهبوا دار الوزير أبي نصر بن سابور واختفى منهم واستعفى ابن صالحان من
الانفراد بالوزارة فاعفي، واستوزر أبا القاسم علي بن أحمد ثم هرب وعاد
سابور إلى الوزارة بعد أن أصلح الديلم. وفيها عقد النكاح للقادر على
بنت بهاء الدولة بصداق مبلغه مائة ألف دينار وكان العقد بحضرته والولي
النقيب أبو أحمد الحسين بن موسى والد الرضي، وماتت قبل النقلة. وفي
سنة ٣٨٤ انفذ بهاء الدولة عسكرا إلى الأهواز عدتهم ٧٠٠ رجل وقدم
عليهم طغان التركي فلما بلغوا السوس رحل عنها أصحاب صمصام الدولة
فدخلها عسكر بهاء الدولة وكان أكثرهم من الترك. وتوجه صمصام الدولة
إلى الأهواز ومعه عساكر الديلم وتميم وأسد فلما بلغ تستر رحل ليلا ليكبس
الأتراك من عسكر بهاء الدولة فضل الأدلاء في الطريق، فأصبح على بعد
منهم ورأى طلائع الأتراك فعادوا بالخبر فحذروا واجتمعوا واصطفوا وجعل
طغان كمينا فلما التقوا خرج الكمين على الديلم، فكانت الهزيمة واستامن
منهم أكثر من ألفي رجل وضرب لهم طغان خيما يسكنونها، فاجتمع
الأتراك وقالوا هؤلاء أكثر من عدتنا ونخاف أن يثوروا بنا، والرأي أن
نقتلهم فلم يشعر الديلم الا وقد ألقيت الخيام عليهم ووقع الأتراك فيهم
بالعمد فقتلوا كلهم وورد الخبر على بهاء الدولة وهو بواسط قد اقترض مالا
من مهذب الدولة فسار إلى الأهواز وكان طغان والأتراك قد ملكوها قبل
وصوله، واما صمصام الدولة فإنه لبس السواد وسار إلى شيراز فغيرت
والدته ما عليه من السواد وأقام يتجهز للعود إلى أخيه بهاء الدولة
بخوزستان. وفيها عقد النكاح لمهذب الدولة، وكان الصداق من كل
جانب مائة ألف دينار. وفيها قبض بهاء الدولة على أبي نصر خواشاذه ثم
هرب في سنة ٣٨٥ إلى البطائح وكاتبه بهاء الدولة وفخر الدولة وصمصام
الدولة وبدر بن حسنويه كل منهم يستدعيه ويبذل ما يريده. فعزم على
قصد فخر الدولة فمات قبل ذلك. وفي سنة ٣٨٥ جهز صمصام الدولة
عسكره من الديلم وردهم إلى الأهواز مع العلاء بن الحسن واتضح أن
طغان نائب بهاء الدولة بالأهواز توفي وعزم من معه من الأتراك على العود
إلى بغداد، وكتب من هناك إلى بهاء الدولة بالخبر، فاقلقه ذلك وازعجه
فسير أبا كاليجار المرزبان بن شهفيروز إلى الأهواز نائبا عنه، وانفذ أبا محمد
الحسن بن مكرم إلى الفتكين، وهو برام هرمز قد عاد من بين يدي عسكر
صمصام الدولة إليها يأمره بالمقام بموضعه فلم يفعل وعاد إلى الأهواز فكتب
(٤٢٨)

إلى أبي محمد بن مكرم بالنظر في الأعمال، وسار بعدهم بهاء الدولة نحو
خوزستان فكاتبه العلاء وسلك طريق اللين والخداع، ثم سار على نهر
المسرقان إلى أن حصل بخان طوق ووقعت الحرب بينه وبين أبي محمد بن
مكرم والفتكين وزحف الديلم بين البساتين حتى دخلوا البلد وانزاح عنه
ابن مكرم والفتكين وكتبا إلى بهاء الدولة يشيران عليه بالعبور إليها فتوقف
عن ذلك ووعدهما به وسير إليهما ثمانين غلاما من الأتراك فعبروا وحملوا على
الديلم من خلفهم فافرجوا لهم، فلما توسطوا بينهم أطبقوا عليهم
فقتلوهم، فلما عرف بهاء الدولة ذلك ضعفت نفسه وعزم على العود ولم
يظهر ذلك فامر باسراج الخيل وحمل السلاح وسار نحو الأهواز ثم عاد إلى
البصرة فنزل بظاهرها فلما عرف ابن مكرم خبر بهاء الدولة عاد إلى عسكر
مكرم وتبعهم العلاء والديلم فاجلوهم عنها فنزلوا براملان بين عسكر مكرم
وتستر وتكررت الوقائع بين الفريقين مدة، وكان بيد الأتراك أصحاب بهاء
الدولة من تستر إلى رامهرمز ومع الديلم منه إلى أرجان وأقاموا ستة أشهر
ثم رجعوا إلى الأهواز ثم عبر بهم النهر إلى الديلم واقتتلوا نحو شهرين ثم
رحل الأتراك وتبعهم العلاء فوجدهم قد سلكوا طريق واسط فكف عنهم
وأقام بعسكر مكرم. وفيها ورد الوزير أبو القاسم الأبرقوهي من البطيحة
إلى بهاء الدولة بعد عوده من خوزستان وكان قد التجأ إلى مهذب الدولة
فأرسل بهاء الدولة يطلبه ليستوزره فحضر عنده فلم يتم له ذلك، فعاد إلى
البطيحة وكان الفاضل وزير الدولة معه بواسط فلما علم الحال استأذنه في
الاصعاد إلى بغداد فاذن له فاصعد فعاد بهاء الدولة وطلبه ليرجع إليه فغالطه
فلم يعد. وفي سنة ٣٨٦ سار قائد كبير من قواد صمصام الدولة اسمه
لشكرستان إلى البصرة فاجلى عنها نواب بهاء الدولة، وسبب ذلك أن
الأتراك لما عادوا عن العلاء كما مر كان لشكرستان مع العلاء فاتاهم من
الديلم الذين مع بهاء الدولة أربعمائة رجل مستأمنين، فاخذهم لشكرستان
وسار بهم وبمن معه إلى البصرة فكثر جمعه فنزلوا قريب البصرة بين البساتين
يقاتلون أصحاب بهاء الدولة، وما إليهم بعض أهل البصرة ومقدمهم أبو
الحسن بن أبي جعفر العلوي وكانوا يحملون إليهم الميرة، وعلم بهاء الدولة
بذلك فانفذ من يقبض عليهم، فهرب كثير منهم إلى لشكرستان، فقوي
بهم وجمعوا السفن وحملوه فيها ونزلوا إلى البصرة فقاتلوا أصحاب بهاء الدولة
بها واخرجوهم عنها، وملك لشكرستان البصرة فكتب بهاء الدولة إلى
مهذب الدولة صاحب البطيحة يقول: أنت أحق بالبصرة، فسير إليها
جيشا مع عبد الله بن مرزوق وصفت لمهذب الدولة. ثم أن لشكرستان
هجم على البصرة في السفن وكاتب بهاء الدولة يطلب المصالحة ويبذل
الطاعة ويخطب له بالبصرة فاجابه مهذب الدولة إلى ذلك واخذ ابنه رهينة
وكان لشكرستان يظهر طاعة صمصام الدولة وبهاء الدولة ومهذب الدولة.
وفيها توفي أبو الذواد العقيلي صاحب الموصل فطمع اخوه المقلد في الامارة،
فلم تساعده عقيل على ذلك، وقلدوا أخاه الأكبر عليا، فاستمال المقلد
بعض الديلم الذين كانوا مع أبي جعفر الحجاج بالموصل، وكتب إلى بهاء
الدولة يضمن منه البلد بألفي درهم كل سنة، ثم حضر عند أخيه علي
وأظهر له أن بهاء الدولة قد ولاه الموصل وسأله مساعدته على أبي جعفر لأنه
منعه عنها، فساروا ونزلوا على الموصل فخرج إليهم من استماله المقلد من
الديلم وضعف الحجاج، وطلب الأمان فامنوه وواعدهم يوما يخرج إليهم
فيه، ثم انحدر في السفن قبل ذلك اليوم، فلم يشعروا به الا بعد
انحداره، فتتبعوه فلم يدركوه، ونجا بحاله منهم وسار إلى بهاء الدولة
ودخل المقلد البلد، وكان المقلد يتولى حماية غربي الفرات، وله ببغداد
نائب فيه تهور فجرى بينه وبين أصحاب بهاء الدولة حرب انهزموا فيها،
وكتب إلى بهاء الدولة يعتذر، وطلب انفاذ من يعقد عليه ضمان القصر
وغيره، وكان بهاء الدولة مشغولا بمن يقاتله من عسكر أخيه، فاضطر إلى
المغالطة وبرز نائب بهاء الدولة ببغداد وهو أبو علي بن إسماعيل إلى حرب
المقلد، فلما بلغ الخبر إلى بهاء الدولة بمجئ أصحاب المقلد إلى بغداد انفذ
أبا جعفر الحجاج إلى بغداد وأمره بمصالحة المقلد والقبض على أبي علي بن
إسماعيل فلما وصلها راسله المقلد في الصلح فاصطلحا على أنه يحمل إلى
عشرة آلاف دينار ولا يأخذ من البلاد الا رسم الحماية ويخطب لأبي جعفر
بعد بهاء الدولة مع شروط أخر لم يف المقلد منها بشئ الا بحمل المال،
وقبض أبو جعفر على أبي علي، ثم هرب أبو علي نائب بهاء الدولة
واستتر وسار إلى البطيحة مستترا ملتجئا إلى مهذب الدولة. وفيها قبض بهاء الدولة
على الفاضل وزيره واخذ ماله واستوزر سابور ابن اردشير فأقام نحو شهرين وفرق
الأموال ووقع بها للقواد قصدا ليضعف بهاء الدولة، ثم هرب إلى البطيحة
وبقي منصب الوزارة فارغا. واستوزر أبو العباس بن سرجس. وفي سنة ٣٨٧
انفذ صمصام الدولة أبا علي بن أستاذ هرمز إلى خوزستان ومعه المال ففرقه في
الديلم وسار إلى جندي سابور فدفع أصحاب بهاء الدولة عنها. وفيها خرج
أبو الحسن على ابن مزيد عن طاعة بهاء الدولة، فسير إليه عسكرا، فهرب
من بين أيديهم إلى مكان لا يقدرون على الوصول إليه، ثم راسل بهاء
الدولة وأصلح حاله معه وعاد إلى طاعته، وهو بواسط، فوزر له ودبر امره
وأشار عليه بالمسير إلى أبي محمد ابن مكرم ومن معه من الجند ومساعدتهم،
ففعل ذلك وسار على كره وضيق، فنزل بالقنطرة البيضاء وثبت أبو علي ابن
أستاذ هرمز وعسكره وجرى لهم معه وقائع كثيرة وضاق الامر ببهاء الدولة
وتعذرت عليه الأقوات فاستمد بدر ابن حسنويه فانفذ إليه شيئا قام ببعض
ما يريده وأشرف بهاء الدولة على الخطر. وفي سنة ٣٨٩ دخل الديلم الذين
مع أبي علي بن أستاذ هرمز بالأهواز في طاعة بهاء الدولة، وكان سبب ذلك
أن ابني بختيار أبا نصر وأبا القاسم لما قتلا صمصام الدولة كما يأتي في
ترجمته وملكا بلاد فارس، كتبا إلى أبي علي بن أستاذ هرمز بالخبر ويذكران
تعويلهما عليه واعتضادهما به ويامرانه بأخذ اليمين لهما على من معه من
الديلم والمقام بمكانه والجد بمحاربة بهاء الدولة، فخافهما أبو علي لما كان
أسلفه إليهما من قبل أخويهما وأسرهما، فاستشار الديلم الذين معه فأشاروا
بطاعة ابني بختيار ومقاتلة بهاء الدولة، فلم يوافقهم على ذلك ورأى أن
يراسل بهاء الدولة ويستميله ويحلفه له، فقالوا نخاف الأتراك وقد عرفت ما
بيننا وبينهم، فسكت عنهم وتفرقوا، وراسله بهاء الدولة يستميله ويبذل له
وللديلم الأمان والاحسان وترددت الرسل، وقال بهاء الدولة أن ثاري
وثاركم عند من قتل أخي فلا عذر لكم في التخلف عن الاخذ بثاري،
واستمال الديلم فأجابوه إلى الدخول في طاعته، وانفذوا جماعة من أعيانهم
إلى بهاء الدولة، فخلفوه واستوثقوا منه وكتبوا إلى أصحابهم المقيمين
بالسوس صورة الحال، وركب بهاء الدولة من الغد إلى باب السوس رجاء
أن يخرج من فيه إلى طاعته، فخرجوا إليه في السلاح وقاتلوه قتالا شديدا لم
يقاتلوا مثله، فضاق صدره، فقيل له أن هذه عادة الديلم أن يشتد قتالهم
عند الصلح لئلا يظن بهم العجز، ثم كفوا عن القتال وأرسلوا من يحلفه
لهم، ونزلوا إلى خدمته واختلط العسكران، وساروا إلى الأهواز، فقرر أبو
علي بن إسماعيل أمورها، ثم ساروا إلى رامهرمز فاستولوا عليها وعلى
(٤٢٩)

أرجان وغيرها من بلاد خوزستان، وسار أبو علي بن إسماعيل إلى شيراز
فنزل بظاهرها، فخرج إليه ابنا بختيار في أصحابهما فحاربوه فلما اشتدت
الحرب مال بعض من معهما إليه ودخل بعض أصحابه البلد ونادوا بشعار
بهاء الدولة وكان النقيب أبو أحمد الموسوي بشيراز قد وردها رسولا من بهاء
الدولة إلى صمصام الدولة، فلما قتل صمصام الدولة كان بشيراز، فلما
سمع النداء بشعار بهاء الدولة ظن أن الفتح قد تم وقصد الجامع وكان يوم
الجمعة وأقام الخطبة لبهاء الدولة، ثم عاد ابنا بختيار واجتمع إليهما
أصحابهما فخاف النقيب، فاختفي وحمل في سلة إلى أبي علي بن
إسماعيل، ثم أن أصحاب ابني بختيار قصدوا أبا علي وأطاعوه فاستولى
على شيراز، وهرب ابنا بختيار، وكتب أبو علي إلى بهاء الدولة بالفتح،
فسار إليها ونزلها، فلما استقر بها أمر بنهب قرية الدودمان واحراقها وقتل
كل من بها من أهلهم فاستأصلهم، فاخرج أخاه صمصام الدولة وجدد
أكفانه وحمل إلى التربة بشيراز فدفن بها، وسير عسكرا مع أبي الفتح أستاذ
هرمز إلى كرمان فملكها وأقام بها نائبا عن بهاء الدولة. وفي سنة ٣٩٠ كان
أبو نصر بن بختيار لما انهزم من عسكر بهاء الدولة ملك جيرفت وأكثر كرمان
فعظم الامر على بهاء الدولة، فسير إليه الموفق علي بن إسماعيل فقتله
واستولى على بلاد كرمان وعاد إلى بهاء الدولة فخرج بنفسه ولقيه وأكرمه
وعظمه فاستعفى الموفق من الخدمة فلم يعفه بهاء الدولة فالح كل واحد
منهما فأشار أبو محمد بن مكرم على الموفق بترك ذلك فلم يقبل فقبض عليه
بهاء الدولة واخذ أمواله ثم قتله سنة ٣٩٤ وفي سنة ٣٩٠ استعمل بهاء
الدولة أبا علي الحسين بن أستاذ هرمز على خوزستان فعمرها ولقبه بهاء
الدولة عميد الجيوش وحمل إلى بهاء الدولة منها أموالا جليلة. وفي سنة
٣٩١ سار طاهر بن خلف بن أحمد صاحب سجستان إلى كرمان وبها عسكر
بهاء الدولة وهي له، فاجتمع من بها من العساكر إلى المقدم عليهم والمتولي
أمر البلد وهو أبو موسى فقالوا أن هذا الرجل قد وصل وهو ضعيف والرأي
أن تبادره قبل أن يكثر جمعه، فلم يفعل واستهان به فكثر جمع طاهر وملك
جيرفت وغيرها، فقصده أبو موسى والديلم فكاتبوا بهاء الدولة فسير إليهم
جيشا عليهم أبو جعفر بن أستاذ هرمز فسار إلى كرمان وقصد بهم وبها طاهر
فجرى بين طلائع العسكرين حرب وعاد طاهر إلى سجستان وفارق
كرمان. وفي سنة ٣٩٢ لما سار أبو جعفر بن أستاذ هرمز عن بغداد اختلت
الأحوال بها وظهر أمر العيارين واشتد الفساد وقتلت النفوس ونهبت الأموال
وأحرقت المساكن، فبلغ ذلك بهاء الدولة فسيره إلى العراق، فوصل إلى
بغداد فأقام السياسة ومنع المفسدين فسكنت الفتنة وامن الناس. وفي سنة
٣٩٣ وقعت حرب بين أبي علي ابن أبي جعفر أستاذ هرمز عميد الجيوش
وبين أبي جعفر الحجاج وكان أبو جعفر نائبا عن بهاء الدولة بالعراق ثم
استناب بعده عميد الجيوش فجمع كل منهما جمعا واقتتلوا قتالا عظيما،
فانهزم أبو جعفر فلما امن أبو علي سار من العراق إلى خوزستان واتاه الخبر
أن أبا جعفر قد عاد إلى الكوفة. فرجع إلى العراق وجرى بينه وبين أبي
جعفر منازعات وحرب، فبينما هم كذلك ارسل بهاء الدولة إلى عميد
الجيوش يستدعيه فسار إليه إلى خوزستان لأجل ابن واصل كما يأتي. وفيها
اشتدت الفتنة ببغداد وانتشر العيارون والمفسدون فبعث بهاء الدولة عميد
الجيوش إلى العراق ليدبر امره، فوصل بغداد فزينت له وقمع المفسدين
ومنع السنية والشيعة من اظهار مذاهبهم، ونفى بعد ذلك ابن المعلم فقيه
الامامية الشيخ المفيد فاستقام البلد. وفي سنة ٣٩٤ غلب أبو
العباس بن واصل على البطيحة واخرج مهذب الدولة، وكان مهذب الدولة
متزوجا ابنة الملك بهاء الدولة فهرب مهذب الدولة إلى واسط وأصعدت
زوجته ابنة الملك بهاء الدولة إلى بغداد، ووكل ابن واصل بدارها من
يحرسها، ثم جمع كل ما فيها وأرسله إلى أبيها، فلما سمع بهاء الدولة بمال
أبي العباس وقوته خافه على البلاد، فسار من فارس إلى الأهواز لتلافي
امره، واحضر عنده عميد الجيوش من بغداد، وجهز معه عسكرا كثيفا
وسيرهم إلى أبي العباس، فاتى إلى واسط وعمل ما يحتاج إليه من سفن
وغيرها، وسار إلى البطائح وفرق جنده في البلاد وسمع أبو العباس بمسيره
إليه، فاصعد إليه من البصرة، وأرسل يقول له ما أحوجك تتكلف
الانحدار وقد اتيتك فخذ لنفسك، ووصل إلى عميد الجيوش وهو على
تلك الحال من تفرق العسكر عنه، فلقيه بالصليق فانهزم عميد الجيوش
ولقي شدة إلى أن وصل إلى واسط وذهب ثقله وخيابه وخزائنه، فأخبره
خازنه أنه دفن في الخيمة ثلاثين ألف دينار وخمسين ألف درهم فانفذ
أحضرها فقوي بها، وأقام بواسط وجمع العساكر عازما على العود إلى
البطائح. وفيها قلد بهاء الدولة النقيب أبا احمد الموسوي والد الشريف
الرضي نقابة العلويين بالعراق وقضاء القضاة والحج والمظالم، وكتب عهده
بذلك من شيراز، ولقب الطاهر ذا المناقب، فامتنع الخليفة من تقليده
قضاء القضاة وامضى ما سواه. وفي سنة ٣٩٥ ارسل إلى بغداد واحضر
مهذب الدولة وسير معه العساكر في السفن إلى البطيحة فلقيه أهل البلاد
وسروا بقدومه، واستقر عليه لبهاء الدولة كل سنة خمسون ألف دينار وسار
ابن واصل وعسكره إلى الأهواز، فجهز إليه بهاء الدولة جيشا في الماء،
فالتقوا بنهر السدرة فاقتتلوا وخاتلهم أبو العباس وسار إلى الأهواز، وتبعه
من كان قد لقيه من العسكر فالتقوه بظاهر الأهواز وانضاف إلى عسكر بهاء
الدولة العساكر التي بالأهواز فاستظهر أبو العباس عليهم ورحل بهاء الدولة
إلى قنطرة اربق عازما على المسير إلى فارس، ودخل أبو العباس إلى دار
المملكة واخذ ما فيها من الأمتعة والأثاث الا أنه لم يمكنه المقام لان بهاء
الدولة كان قد جهز عسكرا ليسير في البحر إلى البصرة فخاف أبو العباس
من ذلك وراسل بهاء الدولة وصالحه وزاد في اقطاعه وحلف كل واحد منهما
لصاحبه وعاد إلى البصرة وحمل معه كل ما اخذه من دار بهاء الدولة ودور
الأكابر والقواد والتجار وفي هذه السنة سير عميد الجيوش عسكرا إلى
البندنيجيين، وجعل المقدم عليهم قائدا كبيرا من الديلم، فلما وصلوا إليها
سار إليهم جمع كثير من الأكراد فاقتتلوا، فانهزم الديلم وغنم الأكراد
رحلهم ودوابهم وجرد المقدم عليهم من ثيابه، وفيها قلد بهاء الدولة
الشريف الرضي نقابة الطالبيين بالعراق ولقب بالرضي ذي الحسبين،
ولقب اخوه المرتضى ذا المجدين. وفي سنة ٣٩٧ توفي قلج حامي طريق
خراسان فجعل عميد الجيوش على حماية الطريق أبا الفتح ابن عناز، وكان
عدوا لبدر بن حسنويه، فحقد ذلك بدر، فاستدعى أبا جعفر الحجاج
وجمع له جمعا كثيرا، وكان الأمير أبو الحسن علي بن مزيد الأسدي قد عاد
من عند بهاء الدولة بخوزستان مغضبا، فاجتمع معهم فزادت عدتهم على
عشرة آلاف، وكان عميد الجيوش عند بهاء الدولة لقتال أبي العباس ابن
واصل، فسار أبو جعفر ومن معه إلى بغداد ونزلوا على فرسخ منها وأقاموا
شهرا، وببغداد جمع من الأتراك معهم أبو الفتح ابن عناز، فحفظوا
البلد، فبينما هم كذلك اتاهم خبر انهزام أبي العباس وقوة بهاء الدولة،
ففت ذلك في اعضادهم فتفرقوا وراسل أبو جعفر في اصلاح حاله مع بهاء
(٤٣٠)

الدولة، فاجابه إلى ذلك، فحضر عنده بتستر، فلم يلتفت إليه لئلا
يستوحش عميد الجيوش، ثم أن أبا العباس بن واصل صاحب البصرة
عاد إلى الأهواز في جيشه، وبهاء الدولة مقيم بها، فلما قاربها رحل بهاء
الدولة عنها لقلة عسكره وتفرقهم وقطع قنطرة اربق وبقي النهر يحجز بين
الفريقين، وعزم بهاء الدولة على العود إلى فارس، فمنعه أصحابه فاصلح
أبو العباس القنطرة وعبر عليها والتقى العسكران، واشتد القتال، فانهزم
أبو العباس وقتل من أصحابه كثير وعاد إلى البصرة مهزوما منتصف رمضان
سنة ٣٩٦ فجهز بهاء الدولة إليه العساكر مع وزيره أبي غالب فسار إليه
وحاصره، وجرى بين العسكرين القتال وقل المال عند الوزير واستمد بهاء
الدولة فلم يمده، ثم أن أبا العباس اصعد إلى عسكر الوزير وهجم عليه
فانهزم الوزير وكاد يتم على الهزيمة فاستوقفه بعض الديلم وثبته وحملوا على
أبي العباس فانهزم هو وأصحابه واخذ الوزير سفنه، فاستامن إليه كثير من
أصحابه ومضى أبو العباس منهزما إلى الكوفة ودخل الوزير البصرة وكتب
إلى بهاء الدولة بالفتح، ثم أن أبا العباس سار من الكوفة عازما على
اللحاق ببدر بن حسنويه فبلغ خانقين، وبها جعفر بن العوام في طاعة
بدر، فانزله وأكرمه، وأشار عليه بالمسير في وقته وحذره الطلب، فاعتل
بالتعب وطلب الاستراحة ونام، وبلغ خبره إلى أبي الفتح بن عناز وهو في
طاعة بهاء الدولة، وكان قريبا منهم، فسار إليهم بخانقين، فحصره
واخذه وسار به إلى بغداد، فسيره عميد الجيوش إلى بهاء الدولة فلقيهم في
الطريق قاصد من بهاء الدولة يأمره بقتله، فقتل وحمل رأسه إلى بهاء الدولة
وطيف به بخوزستان وفارس وواسط، وكان في نفس بهاء الدولة على
بدر بن حسنويه حقد لما اعتمده في بلاده لاشتغاله عنه بأبي العباس ابن
واصل، فلما قتل أبو العباس أمر بهاء الدولة عميد الجيوش بالسير إلى
بلاده، وأعطاه مالا أنفقه في الجند، فجمع عسكرا وسار يريد بلاده،
فأرسل إليه بدر: انك لم تقدر أن تأخذ ما تغلب عليه بنو عقيل من
أعمالكم وبينهم وبين بغداد فرسخ، حتى صالحتهم، فكيف تقدر علي
ومعي من الأموال ما ليس معك، وانا معك بين أمرين: أن حاربتك
فالحرب سجال، ولا تعلم لمن العاقبة، فان انهزمت أنا لم ينفعك ذلك
لأنني احتمي بقلاعي ومعاقلي وأنفق أموالي، وإذا عجزت فانا رجل
صحراوي صاحب عمد أبعد ثم أقرب، وإن انهزمت أنت لم تجتمع وتلقى
من صاحبك العسف. والرأي أن احمل إليك ما لا ترضي به صاحبك
ونصطلح. فاجابه إلى ذلك وصالحه واخذ منه ما كان أخرجه على تجهيز
الجيش، وعاد عنه. وفي سنة ٣٩٨ قصد أبو جعفر بن كاكويه الملك بهاء
الدولة وأقام عنده، وكان ابن خال والدة مجد الدولة وكانت استعملته على
أصبهان، فلما فارقت ولدها فسد حاله فقصد بهاء الدولة، ثم عادت إلى
ابنها بالري فهرب إليها فاعادته إلى أصبهان. وفي سنة ٤٠٠ وقع الخلف
والحرب بين بدر بن حسنويه الكردي وابنه هلال فأرسل بدر إلى الملك بهاء
الدولة يستنجده، فجهز فخر الملك أبا غالب في جيش وسيره إلى بدر،
فسار حتى وصل إلى سابور خواست، فقال هلال لأبي عيسى شاذي قد
جاءت عساكر بهاء الدولة فما الرأي؟ قال الرأي أن تتوقف عن لقائهم
وتبذل لبهاء الدولة الطاعة وترضيه بالمال فإن لم يجيبوك فضيق عليهم
وانصرف بين أيديهم فإنهم لا يستطيعون المطاولة، فقال غششتني ولم
تنصحني، وأردت بالمطاولة أن يقوى أبي واضعف انا وقتله وسار ليكبس
العسكر ليلا فركب فخر الملك في العساكر وجعل عند اثقالهم من يحميها،
فلما رأى هلال صعوبة الامر ندم وعلم أن أبا عيسى بن شاذي نصحه فندم
على قتله، ثم ارسل إلى فخر الملك اني ما جئت لقتال انما جئت لاكون
قريبا منك وانزل على حكمك، فترد العسكر فاني ادخل في الطاعة، فمال
فخر الملك إلى ذلك وأرسل الرسول إلى بدر. فأرسل إلى فخر الملك أن
هذا مكر من هلال لما رأى ضعفه، والرأي أن لا تنفس خناقه، فلما سمع
فخر الملك الجواب قويت نفسه وكان يتهم بدرا بالميل إلى ابنه وامر الجيش
بالحرب، فلم يكن بأسرع من اتى بهلال أسيرا فقبل الأرض وطلب أن لا
يسلمه إلى أبيه فاجابه إلى ذلك وطلب علامته بتسلم القلعة فأعطاهم
العلامة فامتنعت امه ومن بالقلعة من التسليم وطلبوا الأمان فامنهم فخر
الملك وصعد القلعة بأصحابه ثم نزل وسلمها إلى بدر واخذ ما فيها من
الأموال وغيرها، وكانت عظيمة قيل كان بها أربعون ألف بدرة دراهم
وأربعمائة بدرة ذهبا سوى الجواهر النفيسة والثياب والسلاح وغير ذلك.
وأكثر الشعراء في ذلك فقال مهيار من قصيدة:
ولو لم تكن في العلو السماء * لما كان غنمك منها هلالا
سريت إليه فكنت السرار * له ولبدر أبيه كمالا
وفي سنة ٤٠١ خطب قرواش بن المقلد أمير بني عقيل للحاكم بأمر
الله العلوي صاحب مصر باعماله كلها: الموصل والأنبار والمدائن وغيرها،
فأرسل القادر القاضي أبا بكر ابن الباقلاني إلى بهاء الدولة يعرفه ذلك،
فأكرم بهاء الدولة القاضي أبا بكر، وكتب إلى عميد الجيوش يأمره بالمسير
إلى حرب قرواش، وخلع على القاضي أبي بكر وولاه قضاء عمان
والسواحل، وسار عميد الجيوش إلى حرب قرواش، فأرسل يعتذر وقطع
خطبة العلويين، وأعاد خطبة القادر، وفيها توفي عميد الجيوش أبو علي بن
أستاذ هرمز وكان من حجاب عضد الدولة وجعله عضد الدولة في خدمة
ابنه صمصام الدولة فلما قتل اتصل ببهاء الدولة فلما مات استعمل بهاء
الدولة مكانه بالعراق فخر الملك أبا غالب. ولما عمر بهاء الدولة داره بسوق
الثلاثاء نقل إليها من أنقاض دار معز الدولة ابن بويه وأخذ شقفا منها وأراد
أن ينقله إلى شيراز فلم يتم له ذلك فبذل فيه لمن يحك ذهبه ثمانية آلاف
دينار فكان هو أول من شرع في تخريبها وكان معز الدولة بناها وعظمها
وغرم عليها ألف ألف دينار فلما كان سنة ٤١٨ نقضت وبيعت أنقاضها
فسبحان من لا يدوم إلا ملكه اه.
حبيب الدين فيروز شاة الشهير بزرين بن أبي المكارم معين الدين
محمد بن شرفشاه بن أبي رافع محمد بن أبي الصلاح حسن بن محمد
ابن أبي شجاع موسى المتقدم في إبراهيم بن أبي شجاع.
قال السيد صامن: كان جم الفضائل حسن الشمائل موصوفا بمكارم
الأخلاق ومحاسن الآداب رحل من بلاد العرب إلى بلاد فارس وقطن
بأردبيل اثنتي عشرة سنة مستقلا بطلب العلوم الشريفة.
الشيخ فيض الله
له رسالة في أنواع الحيوان وآداب الصيد والذباحة وكيفيتهما فارسية
ألفها بأمر الشاة طهماسب الصفوي وجدت منها نسخة في كرمانشاه.
(٤٣١)

السيد الأمير فيض الله بن عبد القاهر الحسيني التفريشي ثم النجفي
كان عالما جليلا ورعا تقيا سكن الغري وتلمذ على الأردبيلي وتلمذ
عليه وأخذ عنه الأمير شرف الدين علي الشولستاني وقد ذكره الأمير مصطفى
التفريشي في رجاله فقال عند ذكره: سيدنا الطاهر كثير العلم عظيم الحلم
متكلم فقيه ثقة عين مولده في تفريش وتحصيله في مشهد الرضا ع
واليوم من سكنة عتبة الجلالة بالمشهد المقدس الغروي، حسن الخلق
والخليقة لين العريكة كل صفات العلماء والصلحاء والأتقياء مجتمعة فيه له
كتب منها حاشية على المختلف وشرح الاثني عشرية لصاحب المعالم سماه
الأنوار القمرية. وذكره في أمل الآمل وقال: له مؤلفات منها شرح
المختلف وكتاب في الأصول ورسالة الأربعين ألفها سنة ١٠١٣ قيل ويستفاد
من بعض مصنفات السيد نعمة الله الجزائري إن له كتابا في رجال الشيعة
يشبه رجال مير مصطفى ووجد حواشي على آيات الأحكام للأردبيلي آخرها
فيض لا يبعد أن تكون له.
حرف القاف
شمس المعالي قابوس بن وشمگير أبي طاهر بن زيار بن وردان
الديلمي الجبلي (١)
هو رابع ملوك أسرة آل زيار التي حكمت طبرستان وجرجان (٢)
من سنة ٣١٦ إلى سنة ٤٧٠ ومؤسس هذه الأسرة مرداويج ابن زيار
الذي بلغ بسلطانه إلى حلوان بعد استيلائه على الري وأصفهان وقم
وقزوين وبروجرد وهمدان والأهواز، متخذا أصفهان عاصمة لملكه، وكان
يحكم مرداويج جميع هذه البلدان باسم الخليفة العباسي في الظاهر ولكنه
كان يبطن الوصول إلى بغداد وإزاحة الخليفة الراضي بالله من الخلافة
وإعلان نفسه خليفة تحت شعار أخذ الثار للعلويين. وقد كان في
مرادويج ظلم وعسف وجبروت فدخل عليه غلمانه الأتراك في الحمام
وقتلوه.
ولقد انتقلت الولاية بعده إلى أخيه وشمگير بضم الواو وجزم الشين
والميم سنة ٣٢٣. الذي دامت الحرب بينه وبين ركن الدولة البويهي نيفا
وعشرين سنة. ومن بعده تولى الملك ابنه بهستون سنة ٣٥٧ ثم انتقل
الملك منه إلى أخيه شمس المعالي قابوس بن وشمگير سنة ٣٦٦ وكان
ذلك في خلافة الطائع لله العباسي الذي أنفذ إليه الخلع السنية ولقبه
شمس المعالي وعهد إليه بولايتي طبرستان وجرجان.
وفي السنة نفسها توفي ركن الدولة البويهي وقسمت المملكة البويهية
بين أبنائه الثلاثة مؤيد الدولة وفخر الدولة وعضد الدولة بموجب وصية
أبيهم، وقد أصبحت همذان وبلاد الجبل في حصة فخر الدولة، ولما كانت
السلطة العامة بمقتضى تقسيم ركن الدولة بيد عضد الدولة فقد حاول فخر
الدولة الاستقلال بحصته فقصده عضد الدولة من بغداد إلى همذان فهرب
فخر الدولة منه ولحق بجبال طبرستان ملتجئا إلى قابوس فتلقاه هذا وأكرم
مثواه وأنزله عنده وآواه، فانفذ عضد الدولة إلى أخيه الآخر مؤيد الدولة
وكان صاحب أصفهان نحوهما فانحازا عنه وذلك سنة ٣٧١ وبعثا إلى أبي
الحسن محمد بن إبراهيم ابن سيمجور وكان يتولى امارة نيسابور وما دون
جيحون بإقليم خراسان من قبل منصور بن نوح الساماني يستعينانه فوعدهما
ولكنه أبطأ عليهما لانحلال الأحوال بخراسان فسار قابوس ومعه فخر الدولة
هاربين حتى وردا نيسابور ومنها إلى بخارا فأرسل صاحب بخارا معهما جيشا
صحبه تاش الحاجب وولاه نيسابور فلم يصنع معهما شيئا.
وبقي قابوس بعيدا عن ملكه ١٨ سنة أي حتى سنة ٣٨٨ قابعا في
هذا الإقليم متصلا خلالها بالعلماء والأدباء والفضلاء ومكاتبا إياهم كي
يزيح عن نفسه كآبة الانهزام والخيانة والاغتراب.
أما فخر الدولة فقد تسنى له أن يعود إلى ملكه سنة ٣٧٣ بعد وفاة
أخيه عضد الدولة في شوال ٣٧٢ وبعد أن توفي أخوه الآخر مؤيد الدولة في
جرجان سنة ٣٧٣ تاركا قابوس في نيسابور، وقد شاور فخر الدولة وزيره
الصاحب بن عباد في رد ملك قابوس إليه وإعادته إلى جرجان وطبرستان
فلم يوافقه الصاحب كما يظهر من بعض الرسائل المتبادلة بين قابوس
والصاحب، وقد كان للصاحب بن عباد الفضل في إعادة فخر الدولة من
نيسابور إلى ملكه بعد موت مؤيد الدولة.
وفي سنة ٣٨٧ توفي فخر الدولة الواضع يده على ملك قابوس، مما
دعى قابوس الذي لم ير عند الأسرة السامانية ناصرا في السنة التالية
٣٨٨ إلى توجيه حملتين عسكريتين إحداهما بقيادة خاله الاصبهبند التي
تغلبت على جبل شهريار والثانية بقيادة ابن سعيد التي استولت على آمل.
كما أن أهل جرجان كتبوا لقابوس يستدعونه إليهم من نيسابور فسار إليها
وخفت حملتا الاصبهبند وابن سعيد لتعضيده فدخلها في شعبان سنة ٣٨٨.
ثم أضيفت الجبل وبعض بلاد الري إلى ملك قابوس طبرستان
وجرجان وفي هذه الأثناء استولى ابن سبكتكين على إقليم خراسان فراسله
قابوس وهاداه وصالحه.
ومن خلال المدة التي قضاها قابوس بعيدا عن ملكه في إقليم خراسان
من سنة ٣٧٠ إلى سنة ٣٨٨ تغيرت نظرته نحو الناس واستولى على قلبه
قسوة شديدة لذلك أخذ يعامل رعيته عند عودته إلى ملكه بالشدة والعسف
وأسرف في الاستبداد والظلم إسرافا أكسبه بغض شعبه له ووحشة نفوس
جنده منه. وبينما هو غائب عن عاصمة ملكه في حصنه الخاص المسمى
شمرآباد (٣) أجمعوا في جرجان على خلعه وساروا إليه فامتنع عليهم في
القلعة فاكتفوا بانتهاب موجوده وعادوا إلى جرجان وجاهروا بالثورة
واستدعوا ابنه منوجهر من طبرستان فأسرع إليهم مخافة أن يولوا غيره
وقالوا له إن لم تقبض أنت عليه وإلا قتلناه وإذا قتلناه فلم نأمنك على نفوسنا
فنحتاج أن نلحقك به.

(١) من الترجمات التي توفي المؤلف قبل أن يكتبها، وهذه مكتوبة بقلم السيد صالح الشهرستاني
" ح ".
(٢) محافظتا مازندران وكركان حاليا وتقعان جنوبي وجنوب غربي بحيرة خزر في سفوح جبال
البرز.
(٣) أي محل عمران شمر.
(٤٣٢)

وسار قابوس من حصنه إلى بسطام يقيم بها حتى تهدأ الفتنة
فساروا إليه وأكرهوا ابنه منوجهر على السير معهم، فلما اجتمع الوالد
وولده علم قابوس بحقيقة الحال فاثر الانفراد بالعبادة وأذن لابنه بولاية
الملك لئلا يخرج عن بيتهم ولكن الثوار من الجند ظلوا مرتابين من قابوس
فساروا إليه وأمروا ابنه منوجهر بقتله فوثب عليه وسجنه ومنعه مما يتدثر به
في شدة البرد فجعل يصيح اعطوني ولو جل دابة أتدثر به فلم يعطوه،
فهلك سنة ٤٠٣ لسبع وثلاثين سنة لولايته وخمس عشرة سنة لاسترداد
ملكه، ونقل جثمانه إلى جرجان فدفن بها. وقبره لا زال قائما في قرية تبعد
عن شرقي مدينة جرجان بمسافة ثلاثة كيلومترات على نهر جرجان وعليه قبة
شامخة. وتعرف القرية باسم كبند قابوس أي منارة قابوس.
وكان قابوس له معرفة بالنجوم وكان قد حكم على نفسه في النجوم
أن منيته على يد ولده فأبعد ابنه دارا لما كان يراه فيه من عقوق وقرب
ابنه منوجهر لما رأى من طاعته وكانت منيته على يده.
وانتقل ملك جرجان من بعده إلى ابنه منوجهر فلك المعالي الذي
كان قد تزوج بابنه الشاهنشاه محمود الغزنوي (١).
أدب قابوس وعلمه
كان قابوس بن وشمگير ملكا جليل القدر ومن محاسن الدنيا ذا
أدب غض وعلم جم وحظ في نهاية الحسن وكان الوزير الصاحب بن عباد
يقول إذا رأى خطه وكان يعرفه جيدا هذا خط قابوس أم جناح طاووس
وينشد قول المتنبي:
في خطه من كل قلب شهوة * حتى كان مداده الأهواء
ولكل عين قرة في قربه * حتى كان مغيبه الأقذاء
وكان أديبا وشاعرا وناثرا في اللغتين العربية والفارسية ولكنه كان مقلا
في الشعر ومكثرا في النثر وكان ملما أيضا بالفلسفة وعلم النجوم.
فمن جيد شعره العربي قوله:
خطرات ذكرك تستثير صبابتي * فأحس منها في الفؤاد دبيبا
لا عضو إلا وفيه صبابتي * فطان أعضائي خلقن قلوبا
ومن نظمه عندما كان في نكبته بنيسابور:
قل للذي بصروف الدهر عيرنا * هل عائد الدهر إلا من له خطر
أ ما ترى البحر يطفو فوقه جيف * ويستقر بأقصى قعره الدرر
فان تكن عبثت أيدي الزمان بنا * ونالنا من تأذي بؤره ضرر
ففي السماء نجوم غير ذي عدد * وليس يكسف إلا الشمس والقمر
وكتب إلى عضد الدولة وقد أهدى له سبعة أقلام بهذه الأبيات:
قد بعثنا إليك سبعة أقلا * م لها في البهاء حظ عظم
مرهفات كأنها السن الحيا * ت قد جاز حدها التقويم
وتفاءلت إن ستحوي الآقا * ليم بها كل واحد إقليم
وقد أنشد قابوس وهو لاجئ في نيسابور مع فخر الدولة عند استيلاء
عضد الدولة على ملكه هذه الأبيات:
لئن زال ملكي وفات ذخائري * وأصبح جمعي في ضمان التفرق
فقد بقيت لي همة ما وراءها * منال لراج أو بلوع لمرتقي
ولي نفس حر تأنف الضيم مركبا * وتكره ورد المنهل المتدفق
فان تلفت نفسي فلله درها * وإن بلغت ما ترتجيه فاخلق
ومن لم يردني والمسالك جمة * فأي طريق شاء فليتطرق
وقوله في حادثة خلعه:
بالله لا تنهضي يا دولة السفل * وقصري فضل ما أرخيت من طول
أسرفت فاقتصدي جاوزت فانصرفي * عن التهور ثم أمشي على مهل
مخدمون ولم تخدم أوائلهم * مخولون وكانوا أرذل الخول
ولقابوس عن جواب هجو الصاحب بن عباد له:
من رام أن يهجو أبا قاسم * فقد هجا كل بني آدم
لأنه صور من مضغة * تجمعت من نطف العالم
أما هجو ابن عباد له فهو:
قد قبس القابسات قابوس * ونجمه في السماء منحوس
وكيف يرجى الفلاح من رجل * يكون في آخر اسمه بوس
ومما يروي من شعر قابوس:
إني أنا الأسد الهزبر لدي الوغى * أجمي القنا ومخالبي أسيافي
والدهر عبدي والسماحة خادمي * والأرض داري والورى أضيافي
وله أيضا هذا البيت الذي كتبه بخطه في القسم الأعلى من رسالة
وجهها كاتبه الخاص إلى قائدين من رجال عسكره كانا يحاولان التمرد
عليه، ينصحهما بالعدول عن هذه الفكرة:
لا تعصين شمس المعالي قابوسا * فمن عصى قابوس يلقى بوسا

(١) قال أبو سعد الآبي في تاريخه عند ذكر حوادث شهر ربيع الآخر سنة ٤٠٣ ما نصه:
كان الأخبار تواترت بموت قابوس بن وشمكير ثم ورد الخبر بأنه لم يمت ولكنه نكب وأزيل
عن الملك وذلك أنه كان قد انسرف في القتل وتجاوز الحد في سفك الدماء ولم يكن يعرف
حدا في التأديب وإقامة السياسة غير ضرب الأعناق واماتت الأنفس وكان يأتي ذلك في الأقرب
فالأقرب والأخص فالأخص من الجند والحاشية حتى أفنى جميعهم وأتى على جلهم وأذل الخيل
وأصناف العسكر للرعية وجرأهم على الرعية ولم يتظلم أحد من أهل البلد من واحد من
أكابر عسكره إلا قتله وأتى على نفسه من غير أن يتفحص عن الشكوى أصحيحة أم باطلة
فتبرم به عسكره وحاشيته وخافوا سطوته ولم يأمنوا ناحيته فمشى بعضهم إلى بعض وتمالئوا
عليه وتعاهدوا وتحالفوا وخفي الامر عليه لأنه كان خرج في حصن بناه وسماه (شمر آباد)
وعزم القوم أن يتسلقوا عليه ويغتالوه وقد أطأهم على الأمر جميع من كان معه في الحصن
فتعذر عليهم الصعود إليه والهجوم عليه وعلموا أنهم لو قد أصبحوا وقد عرف الخبر لم ينج
منهم أحد فنعوه إلى الناس وذكروا أنه قد قضى نحبه فانتهبت اصطبلاته وسيقت دوابه وبغاله
ولم يقدر هؤلاء على مفارقته الموضع لاعواز الظهور التي تحمل وتنقل عليها خزائنه وكان عنده
وزيره أبو العباس الغانمي فاتهم بممالاة القوم فأوقع به وقتله وخاطب العسكر في ذلك
الموضع وفي جريان (منوجهر) وكان إذ ذاك مقيما بطبرستان فاستدعوه وكتبوا إليه بالحضور
وأنه متى تأخر قدموا غيره فبادر إليهم فقلدوه الأمر وبلغ ذلك قابوس، وقد تفرق عنه من
غدر به فجمع امراء الرستاق وفارق المكان وصحبه طائفة من العرب وغيرهم من الجند
وخرج إلى (بسطام) مع خزائنه وأسبابه وتبعه منوجهر ابنه مع العسكر فحصره وامتنع هو
عليه ثم أمكن من نفسه عند الضر مدة فقبض عليه وحمل إلى بعض القلاع وتقرر أمر ابنه
منوجهر موت قابوس وأقام التعزية في ممالكه عنه وكان موته في مجلسه بقلعة (جناشك) وذكر
أنه اغتيل وحمل تابوته إلى جرجان ودفن في مشهد عظيم كان بناه لنفسه واتفق عليه الأموال
العظيمة وبالغ في تحصينه وتحسينه) اه‍.
(٤٣٣)

وله أيضا هذا البيت:
إن المقادير إذا ساعدت * ألحقت العاجز بالحازم
أما نموذج نثره فمن رسالة له في التعزية موجهة إلى ابن العميد:
الدهر أطال الله بقاء الأستاذ شر كله مفصله ومجمله، موكب
النوائب وملعب العجائب، شانه نكث العهود، وتبديل البيض بالسود،
ما قصد أحدا بخير إلا اختتمه بشر وما عهد في الرعاية عهدا إلا نقض ذلك
غدا...
هذا وكان قابوس محبا للعلماء والأدباء والشعراء يرعى أحوالهم
ويحترمهم ويجزل عليهم فأبو الريحان محمد بن أحمد البيروني عاش مدة طويلة
في بلاطه وبإشارة منه ألف كتابه الآثار الباقية سنة ٣٩٠ كما أن عددا
كبيرا من الشعراء والأدباء المعاصرين له قد مدحوه واثنوا عليه منهم الحكيم
أبو بكر محمد بن علي السرخسي الخسروي وزياد بن محمد القمري
الجرجاني، وان الشاعر الإيراني الشهير منوجهوري قد اخذ تخلصه الشعري
اي اسمه الأدبي المستعار من اسم ابنه الأمير منوجهر بن قابوس، ومنهم
أيضا القاضي أبو بشر فضل ابن محمد الجرجاني وأبو بكر محمد بن أبي
العباس الطبري وأبو منصور عبد الملك الثعالبي صاحب اليتيمة وأبو
إسحاق إبراهيم بن هلال احصابي، وكان ابن سينا قد قصد قابوس من
جرجان حيث خرج من خوارزم نحو جرجان وفي أثناء الطريق علم بمقتل
قابوس فعدل عن جرجان وقصد قزوين وهمذان للاتصال بشمس الدولة
الديلمي.
ولقابوس مع أكثر الأدباء والعلماء المعاصرين له مساجلات علمية
وأدبية حضورية وتحريرية.
وقد عرف قابوس ببلاغته وفصاحته في منشأته ورسائله إلى أقطاب
الأدب وفحول البلاغة وأساطين الفصاحة في عصره. وقد جمع في أواخر
عهده وبعيد وفاته عبد الرحمن بن علي اليزدادي من أسرة آل يزداد المعروفة
بالعلم والأدب قبضة من هذه الرسائل من مجموعة سماها كمال
البلاغة التي تحتوي على ٣٧ رسالة منها ٢٨ رسالة من رشحات قلم
قابوس و ٩ رسائل من جوابها، وقد طبعت في القاهرة سنة ١٣٤١ وألحقت
بها خمس رسائل لقابوس نفسه الأولى في وصف العالم وتكوينه والثانية في
النفس الناطقة والثالثة في ذكر النبي ص والدين الاسلامي والرابعة في
بطلان احكام النجوم والخامسة في التكنية، ويخاطب قابوس في معظم هذه
الرسائل الوزير الصاحبي بن عباد وابن العميد وابن العتبي
واجابتهم عليه، كما صور اليزدادي هذه الرسائل بمقدمة ممتعة عن أنواع
البديع التي وجدها في رسائل ومنشات قابوس.
ولقابوس غير هذه المجموعة رسائل أخرى بالعربية والفارسية منتثرة في
أمهات كتب الأدب والتاريخ كاليتيمة ومعجم الاباء ووفيات الأعيان
والكامل ولباب الألباب ومختصر الدول وتاريخ اليميني ودمية القصر وتاريخ
الحكماء والفهرست لابن النديم وغيرها.
ووصف صاحب اليتيمة قابوس بقوله: ان الله جمع له إلى عزة
الملك بسطة العلم والى فضل الحكمة نفاذ الحكم.
وقال عنه ابن الأثير ضمن حوادث ٤٠٣ وكان قابوس غزير الأدب
وافر العلم له رسائل وشعر حسن وكان عالما بالنجوم وغيرها من العلوم
وهو القائل:
الدهر يومان ذا أمن وذا حذر * والعيش شطران ذا صفو وذا كدر
قل للذي بصروف الدهر عيرنا * هل عاند الدهر الا من له خطر
أ ما ترى الريح ان هبت عواصفها * فليس يضعف الا ما هو الشجر
القادر المشهدي وزير خان بن محمد طاهر خان المشهدي.
من ذرية الامراء الجنكيزخانية وكان من شعراء عالم كير وبهادر شاة
وفرخ سير الهندي.
توفي في أكبرآباد سنة ١١٣٥ وهو من شعراء الفرس.
القاساني.
هو علي بن محمد.
القاسم عن جده
هو القاسم بن يحيى عن جده الحسن بن راشد.
أبو محمد القاسم بن إسماعيل بن إبراهيم بن عبد الله بن حسن بن
حسن بن علي بن أبي طالب.
في معجم الشعراء للمرزباني: حجازي مدني يسكن جبال قدس من
اعراض المدينة حسن الشعر جيده فمن ولده حسين بن الحسن بن القاسم
الزيدي صاحب اليمن والقاسم هو القائل
ونى التهجير والدلج * وأقصر في الهوى اللجج
وطاف بعارضي وضح * عليه للبلى بهج
وعاذلة تعاتبني * وجنح الليل يعتلج
فقلت رويد معتبة * لكل مهمة فرج
ذريني خلف قاضية * تضايق بي وتنفرج
إذا أكدى جنى وطن * فلي في الأرض منعرج
وله
عسى مشرب يصفو فيروي ظميئة * أطال صداها المنهل المتكدر
عسى جابر العظم الكسير بلطفه * سيرتاح للعظم الكسير فيجبر
عسى صور امسى بها الجود دافنا * سيبعثها عدل يقوم ويظهر
عسى الله لا تيأس من الله انه * يسير عليه ما يعز ويكبر
وله
دعيني هديت أنال الغنى * بيأس الضمير وهجر المنى
كفاف امرئ قانع قوته * ومن يرض باحقوت نال الغنى
الشيخ قاسم بن أحمد آل الهر الحائري
توفي في كربلاء سنة ١٢٦٨ عن ثمانين عاما ودفن في صحن الحسين
ع.
كان فاضلا أديبا شاعرا معاصرا للسيد حيدر الحلي وللحاج جواد
بذكت ولعبد الباقي العمري وللكواز. وله مراثي كثيرة منها القصيدة الرائية
التي رثى بها الحسين ع ومنها هذه الأبيات:
(٤٣٤)

لله درهم كم عانقوا طربا * لدن الرماح عناق الخرد الحور
وصافحوا المشرفيات الصفاح لدى * الحرب العوان بقلب غير مذعور
وكم أشم بحد العضب يختلس الا * رواح والحرب منه ذات تسعير
يلقى المواضي وسمر الخط متشحا * بحادثات المنايا والمقادير
تثنى لسطوتهم شم الجبال إذا * سطوا على الهضب والأكام والقور
ما سالموا للعدي حتى قد انتثروا * كالشهب ما بين مطعون ومنحور
من للهدى والندى بعد الالى كتبت * أسماؤهم فوق عرش الله بالنور
الله أكبر يا لله من نوب * جرت لآل علي بالمصادير
فكم بدور هدى في كربلاء محقت * وغير النور منها اي تغيير
وكم نجوم لأرباب العلى حجبت * تحت الثرى بعد ما غيلت بتكدير
أبو نصر القاسم بن أحمد الحروري.
توفي سنة ٣٣٢.
قال المسعودي في مروج الذهب قيل أغرقه اليزيدي لأنه هجاه وقيل
فر منه إلى هجر ولجا إلى أبي ظاهر بن سليمان أمير البحرين وتوفي هناك،
كان شاعرا مطبوعا حسن البديهة والتصرف في الشعر فمن شعره قوله:
أضنى الهوى جسدي وبدل لي به * جسدا تكون من هوى متجسد
ما زال ايجاد الهوى عدمي إلى * ان صرت لو أعدمته لم أوجد
وقوله يعاتب ابن لنكك اليصري:
لم لا ترى لصداقتي تصديقا * وفيا ولم تدع الصديق صديقا
ذو العقل لا يرضى برسم صداقة * حتى يرى لحقوقها تحقيقا
فلمن يرجى الحب ان يدعى أخا * وعلى الرفيق بان يكون رفيقا
ان غاب كان محافظا أو حل كان * مداعبا أو قال كان صدوقا
وقوله له:
أ عليك أعتب أم على الأيام * بدأت وكنت مؤكدا بتمام
قطع التواصل قربنا بتواعد * وقطعت أنت تواصل الأقلام
هلا ألفت إذ الزمان مشتت * الألف للأرواح لا الأجسام
عذرا أبا عيسى عسى لك في العلى * عذر ذا علم بلا اعلام
من طابت الاخبار عنه ودينه * دين الإمامة قال بالأوهام
خذها فرائدك التي أعطيتها * فالدر درك والنظام نظامي
حكم معانيها معانبك التي * فصلتها لي والكلام كلامي
وقوله:
إذا الحرب قامت على ساقها * وشبت وخلى الصديق الصديقا
وضاع الزمام وطاب الحمام * ولم يبلع الليث في الحلق ريقا
رأيت عليا امام الهدى * يميت فريقا ويحيى فريقا
وتلك له عادة لم تزل * به منذ كان وليدا خليقا
فأول حرب جرت للرسول * فاضرم في جانبها حريقا
يقهقه في كفه ذو الفقار * فتسمع للهام منه شهيقا
يضعضع أركانها ضربه * كان براحته منجنيقا
فكم من قتيل وكم من أسير * فدوه فأصبح يدعى الطليقا
ولما دعا المصطفى أهله * إلى الله سرا دعاه رفيقا
ولاطفهم عارضا نفسه * على قومه فجزوه عقوقا
فبايعه دون أصحابه * وكان لحمل أذاه مطيقا
ووحد من قبلهم سابقا * وكان إلى كل فضل سبوقا
وهي طويلة جدا.
السيد الإمام القاسم الرسي بن إبراهيم طباطبائي بن إسماعيل الديباج بن
إبراهيم الغمر بن الحسن المثنى بن الحسن السبط السبط ع.
له كتاب الدليل ذكره في شرح الرسالة الناصحة.
القاسم بن مجاشع المروزي.
مات في خلافة المهدي العباسي.
في الكامل لابن الأثير: لما حضرت القاسم بن مجاشع التميمي
المروزي الوفاة اوصى إلى المهدي فكتب شهد الله انه لا اله الا هو والملائكة
وأولوا العلم الآية ثم كتب والقاسم يشهد بذلك ويشهد ان محمدا عبده
ورسوله وان علي بن أبي طالب وصي رسول الله ووارث الإمامة من بعده
فعرضت الوصية على المهدي بعد موته فلما بلغ إلى هذا الموضع رمى بها ولم
ينظر فيها اه.
الشيخ قاسم ابن الشيخ حسن محيي الدين (١).
ولده في ٢٥ رمضان سنة ١٣١٤ وتوفي سنة ١٣٧٦.
نشأ في النجف ودرس المقدمات من العربية وما إليها على الشيخ
جواد محيي الدين وتلمذ في الفقه والأصول على الشيخ احمد كاشف الغطاء
والميرزا حسين النائيني والسيد أبي الحسن الأصبهاني والشيخ محمد الحسين
الأصبهاني ومارس الشعر برهة من الزمن ثم انصرف عنه إلى خصوص
العترة النبوية فمدحهم ورثاهم وامعن في هذه الحلبة حتى لم يترك من أهل البيت
أحدا لم يرثه ثم بالغ في التوسع في ذلك فتناول كثيرا من أنصار
الحسين فخصهم بمدائح ومراثي وقد طبع له ديوان في خصوص هذا يقع في
نحو خمسمائة صفحة تناول فيه ذكر الأئمة ومن لحق بهم أسماه الشعر
المقبول طبع في النجف في جزئين وله كتاب وحي الشريف اتى فيه على
حكم الرضي وأمثاله وتناول بحثه فيه خصائص الشريف الرضي من المتانة
والجزالة وعدم الفضول إلى غير هذه من الظواهر التي اختص بها وله كتاب
بداية المهتدي وهداية المبتدي وقد عمله في النحو على طريقة مختصرة جمعت
بين سهولة الوضع وسلاسة التعبير وله
حاشية على طهارة الرياض في الفقه وحاشية على كفاية الأصول للعلامة
الآخوند الخراساني وله المصابيح النحوية في شرح الألفية في حل مشكلات
الشيخ بدر الدين في شرحه وحاشية في المنطق، ورياض النادي ترجم فيه
الشيخ عبد الحسين محيي الدين والشيخ وادي رئيس آل زبيد، وسيرة
الأمناء في ٥٠٠ صفحة وأماني الخليل في عروض الخليل وشقائق النادي في
روائع الهادي ومجموعة والمغني والمعالم والقوانين وله كتاب في البديع وله
ديوان في الغزل والنسيب والروض. وقال جعفر الخليلي فيما كتبه بعد
وفاته:
له ديوان شعر كبير لا يزال مخطوطا وأغلب شعره مبدوء بالغزل من
النوع المألوف في الأجيال الماضية ومختوم بمدح آل البيت أو بمراثيهم وأحسن

(١) مما استدركناه على مسودات الكتاب " ح ".
(٤٣٥)

ما خلف هو كتاب البيان في غريب القرآن وقد صدر منه الجزء اجزاء
مخطوطة. الأول في سنة ١٩٥٥ وظلت أربعة.
وكتاب البيان هو عبارة عن حصر الألفاظ الغريبة من القرآن الشريف
وشرحها شرحا مبسطا سهلا في أرجوزة من الشعر السلس أذكر منها على
سبيل المثال قوله:
وفسروا القثاء بالخيار * أو ما يضاهيه من الأثمار
وقيل مطلق الحبوب الفوم * أو قمح أو خبز وقيل الثوم
باؤا بمعنى انصرفوا أو رجعوا * وهي لغير الشر ليست نسمع
والصابئين من هم قد خرجوا * عن دينهم وفي سواه ولجوا
وكل هذه الأرجوزة على هذا النمط من الشعر السهل المبسط.
ومن هذا وغيره يلمس القارئ قدرته على صياغة الشعر الذي يجعل
منه أداة أطوع من النثر في التعريف والشرح.
ثم يصف الخليلي ولائمه لاخوانه فيقول:... ويمتد خوان كبير
يحوي غالبا شيئا من طبيخ الماش وتحلو هنالك النوادر الأدبية ويكون هو
المجلي دائما لما عرف به من سرعة البديهة وسرعة الخاطر وحلاوة النكتة وهذا
مقطع في وصف جانب من تلك الصختيات:
وكيفما كان فولى البرد * وجلس الاخوان واستعدوا
حول خوان مد من قماش * قد زانه صحن طبيخ الماش
وكأسة من لبن لذيذ * أشبه ما يكون بالنبيذ
والدبس ما بينهما ينادي * إياكم ان تكفروا بالزاد
لست أنا مذهب كلب جان * مذهب كلب كل من سماني
فاكل الرفاق في شهية * ولطعوا الصحون والصينية
ثم يذكر الخليلي أبياتا من قصيدة أرسلها من فينة عاصمة النمسا
حين ذهب إليها مستشفيا من دائه الذي توفي به:
طبعت على حسن الطبيعة * في عجائب من صور
فالماء من شمس الضحى * بردا تصبب كالمطر
بلد تخال سماءه * في ارضه عند النظر
لله من ظبياته * في الحسن ازرت بالزهر
ثم يقول الخليلي: وحين مات انهار اخر بيت من بيوت النجف التي
عرفت بذلك النحو من الجمع بين الفضيلة والأدب والمرح الذي عرفت به
النجف في الأجيال الماضية.
وقال المترجم في أحد مجاميعه الشعرية:
وحيث سمحت لي الظروف بزيارة المدينة الزاهية جباع الحلاوة
وطن أجدادي الكرام وباقي العلماء الأعلام الذين كان في طليعتهم الحر
العاملي والشهيد الأول وصاحب المعالم والمحقق الثاني اعلام الدين وامناء
المسلمين قدس الله تعالى اسرارهم فقد راقتني مناظرها البديعة ومواردها
الهنيئة واشجارها الباسقة وأثمارها اليانعة ومنابعها الكثيرة التي قد قيل إنها
بعدد أيام السنة فاستحسنت ان أصف هذه المدينة الزاهرة في مقدمة هذه
العلوية الأولى (١):
بوركت يا جباع ذات الشجر * حياك منهل من الحيا المنهمر
جباع جنات وصافي مائها * يمتد من سلسال عذب الكوثر
وعينها من الصفيح سيبها * أم عذبات الشجر الصنوبري
والعيزقان ضاع بين غردل * والقلب ضاع بينها بالسمر
والكرم يزدان جمالا طافحا * قد شيب قاني وشيه بالعصفر
والتين كالزيتون ان أقسم في * ابداعه خالقه فاجدر
والزيت في الزيتون مثل صرخد * في أكؤس من الزجاج الأخضر
وقدس الصبير فهو جنة * حفت به مكاره من أبر
والمشمش الفاقع في اكمامه * مثل كرى التبر بكفي جؤذر
ولو ترى اليقطين ممتدا بها * غبطت ذا النون بذاك المنظر
واللوز قد بث حياة في الورى * كانت ملاكا لحياة الخضر
البندورة التي شاهدتها * مثل قوارير الرحيق الأحمر
والمندل الرطب بجنب مرجه * قد فاح في ارض زهت بالدرر
جلله سفرجل أسفر عن * خد تجلى بأريج العنبر
جباع يا عروس لبنان فذا * النثار بعض درك المنتثر
رأيت في قبيها جداولا * بطون حياة سرت في الجزر
خمائل الرياض ما أبدعها * بين جباع في جمال المنظر
في سدرها المخضود بل في طلحها * المنضود بل في طيبها المنتشر
أما الضراح الأرفع الأعلى ففي * صافي العلى أعظم به وأكبر
وقد طبع من شعره مجموعة سماها العلويات العشر تحتوي على عشر
قصائد في مدح أمير المؤمنين ع ختمها بارجوزة قدم لها بما يلي:
ولا غرو إذا اتبعنا هذه القصائد بارجوزة تشتمل على نسب الناظم
فإنه سلسلة انتظمت واتصلت حلقاتها من العلماء الأعلام ومن أشهر موالي
أهل البيت عليهم الصلاة والسلام.
وإننا نأخذ فيما يلي في بعض ما جاء في هذه الأرجوزة:
يقول راجي ربه ذي المنن * المذنب القاسم نجل الحسن
لما نظرت لعلا أجدادي * وكلهم سلسة الرشاد
قد أجهدوا الأقلام تأليفا وما * أكثر من قد أعقبوا من علما
رأيت من واجب حقهم بان * أذكرهم في كل معروف ومن
مترجما أفرادهم بالفضل * وذاكرا أعلامهم بالعدل
قد ترجمها حجج فطاحل * كالحر والأمين وهو الفاضل (٢)
ذاك خضم العلم في دمشق * ومرشد الناس لدين الحق
آثاره آيات وحي قد بدت * لها التصانيف جميعا سجدت
أفضلها المجالس السنية * وكلها صحيحة مروية
تضئ من معادن الجواهر * أنوارها في أفق المفاخر
وقد نفى بروضة الأريض * لواعج الأشجان عن مريض
فهو جناح ناهض في الحق * أشرق للحبر بنور الصدق
يريك بالتنزيه خير حجه * تهدي الورى لواضح المحجه
ودره المنثور في الفرائد * على نحور الحور والخرائد

(١) هي قرية جباع في جبل عامل.
(٢) يقصد بالأول أمل الآمل وبالثاني مؤلف هذا الكتاب والكلمات، التي بين قوسين هي أسماء
مؤلفات المؤلف.
(٤٣٦)

وكشف الارتياب كالبدر بدا * فيه لمن ضل عنه الرشد هدى
اقناع لائم وناهيك به * من حجة تقنع كل نابه
والعلم كل العلم في الأعيان * معجزة العصور والأزمان
مفتاح جنات إلى الدعاء * أقصر فهذا منتهى ثنائي
ما زال فينا محسنا أمينا * وبالمعالي والهدى قمينا
ترجم آبائي بما فاق السلف * فكان خير محسن بما وصف
أثبتهم في سفره الجليل * من كل حبر نابه جليل
نقب عن أعيان شيعة الهدى * من كل خريت وحبر يقتدى
أبدع في تضلع التحرير * أعظم به من باحث تحرير
وعيره كصاحب البحار * وكتب التاريخ في الأعصار
وفي صيف سنة ١٣٥٢ زار بني عمه في جباع من جبل عامل فزاره
بعض فضلاء العامليين ودعوه إلى كفر رمان والنبطية ولما عاد إلى النجف
أرسل إليهم قصيدة مطولة جامعة بين الجد والهزل افتتحها بمدح أمير
المؤمنين ع ثم داعب الأدباء العامليين بذكر بعض تعبيراتهم
العاملية وما فيها من ألفاظ عامية غير مألوفة في العراق كما يذكر بعض قرى
جبل عامل التي زارها وهذا شئ من القصيدة:
قد عرفنا المهابة العلوية * مذ سبرنا المواقف الأحديه
بطل الحرب في مواقف صفين * مبيد القروم بالمشرفيه
عجز الفكر عن حقيقة ذاك * الحد فيه وجوهر الماهية
هو نبراس أحمد في جلال * ما أحيلا جلاله والهويه
وملاك الناسوت منه وهيولاه * نور الحظائر القدسية
ولو أني قطعت من حرم * الوصل ففصلي مساوق للمنيه
وكان الصفيح فوقي يزجى * زجل الصور بكرة وعشيه
وكان الشهاب يشرع رمحا * من شعاع أو صعدة فضيه
أو كأني بأرض لبنان مهزوما * غزتني قوارض الغازيه
وهي تكتظ في براغيث جاشت * بحدود الوشائج اللهذمية
ضقت ذرعا حين انتهيت * لحاروف مروعا وواجم النفسية
فتولت حاروف جسمي فأضنت * بعقص يصول في مقضبيه
فخراطيمه سهام وقد سددن * نحوي فصرت منها رميه
لا رشا لي كيما أمر بجب شيث * فادلى الذنوب في الزينيه
كيف أرمي في البئر نفسي فاغدو * واطئ الرأي صحتي سلبية
لم أجد من يجيرني غير قوم * أنجبتهم فطاحل النبطيه
هم هداة أئمة علماء * قادة في المعارف الدينية (١)
أنا إن عن لي تذكر مبسوط * بسطت الثناء في العامليه
أو تصورت يا لطيف تعجبت * لهجر القواعد النحويه
أو تعطرت في أبي الحسن الزاكي * زكت لي اللحوم في الأكل نية
قد حباني الزيتون وهو أدام * ظنه كالحلاوة السكرية
فتذوقته فكدت من الصاب * أقئ الأحشاء في الصينيه
سيد جاءنا ببدي وهيك * فسمعنا رطانة أعجميه
وكمان وطرطش لا واعيك * يعدونها من العربية
رب رحماك من تراكيب عرب * بالغوا في فجاجة هنديه
ذا لهم يقلبونها الزاي في النطق * كأنهم فوارس الفارسية
رب رحماك من مصاليت قد شنوا * على اللفظ غارة حربيه
فهجوا منه كل حرف هجاء * ونفوا لفظه عن السنخيه
قلبوا السنخ من حروف الهجا * ء فالقاف همز وطاؤهم تائيه
لست أنسى أبا سليمان إذ جاء * يقود الأعشى إلى الحنفية
ثم ناداه باحتدام أو إما * لا تطرطش منك الأواعي النقيه
فحسبت السماء ترسل صوت * الرعد فوقي بلهجة وحشيه
فاجابه الشيخ محمد رضا الزين بقصيدة نأخذ منها:
هاك مني قصيدة زينيه * ملئت حكمة وحسن رويه
تنظم الدر في مديح امام * صاغه الله رحمة للبريه
علم العلم والبلاغات تعزى * لمثاني آياته القدسية
من يباري أبا الأئمة فضلا * وهو فصل القضا بكل قضية
إن من خصه المهيمن بالمدح * في آي ذكره العلوية
لغني عن أن تصوع به المد * ح درا خواطر النبطيه
جئت يا قاسم بغر معان * أفرغت بالقوالب العسجدية
وتلطفت في نظامك لكن * لم تصنه عن خطه العنجهية
مذ عرفناك منصفا فلما ذا * لم تراع ما تقتضيه السجيه
إن تقايس بيتي ببيتك قست الليل * في طلعة الصباح المضيه
إن بيتي روض تحف به الأزهار * ذات الروائح العطرية
فيه ريا الورود فاح ولكن * فاقد الشم لا يراها زكيه
لك بيت تعافه النفس لولا * أنه فيك موطن الأريحيه
فيه عتم المجاز عتم العلالي * عتم سردابه كعتم العشية
ظلمات تتابعت في مضيق * فيه للعنكبوت أو هي بنية
بنت وردان والخنافس فيه * سارحات نغصن كل هنيه
والجراذين والعقارب تجري * فيه جري السوابق الأعوجية
ولكم بينها طنين ذباب * كرنين اللهام في دويه
أنت جسم الكمال روح المعاني * وسجاياك كالزهور الشذيه
عجبا كيف يرتضيها سميرا * لك طبع قد رق كالصر خديه
إن بيتا يزينه حوض ماء * فيه يجري سبائكا فضيه
هو بيت يخاله من رآه * جنة الخلد لا كبيتك جيه
سال سلسال مائة كعطايا * حاتمي النوال جم العطية
عبت هيكي ومثل هيكي كمانا * مثل بدي ألفاظنا العامليه
عبت طرطش وأنت هتشي * ودبشي مثل طرطش سماجة لغويه
كل قطر تراه يخلق لفظا * قد تعدى المناهج العربية
كيف تنسى منجاسة فوق قاب * فوق رازونة بصدر البنية
إن ألفاظكم كعتوي وشنهو * مثل أشلون كيفكم همجيه
لغة تنفر المسامع منها * وكذاك الطبائع البشرية
عفت زيتوننا وأكل طعام * هو أشهى الطعوم كبة نية
إن من يجعل الجراد طعاما * كيف يقلي اللحوم وهي شهيه
أ نسيت الكروش وهي وعاء * ملؤه الفرث أكلة وحشيه
لست أدري ولا المنجم يدري * شنهي هذي المآكل البدوية
قد دعوناك مرة لغداء * في مكان رحابة عاديه
يجمع الماء والصفا وهواء * طاب مثل الخلائق النجفيه
ورجالا تفوقوا بعلوم * وعقول وفطنة ورويه
إن تكن مفلسا فزرني تجدني * مثل سيل الغمام كفي نديه

(١) هم الشيخ محمد رضا الزين والشيخ سليمان ظاهر والشيخ أحمد رضا.
(٤٣٧)

أصدق الوعد والوفاء زعيمي * بغداء على المياه النقيه
وأمد السماط فوق سواق * لمياه المآذن اليوسفية
وأصب الطعام وسط جفان * هي في الشكل هالة قمريه
كل لون من الطعام بصحن * وعداد الصحون ألف وميه
قد تهيا غداؤكم فتهيأ * نحو داري بسرعة البرقية
أجهد النفس أن تكون بزي * مثل زي المشايخ الصوفية
وتمايل على العصا لا تنفخج * وتعارج شوية فشويه
وتفضل إلى السماط بشكل * مثل وصفي وهذه الكيفيه
ارفع الكم للسواعد وانزع * عمة الرأس والبس الطاقية
دلع الصدر للهواء وكنفش * وتنحنح وارم العبا في الزويه
واترك الأكل بالمعالق وانسف * بلطاف اليدين عشرا سويه
واضرب الكف بالمشاقيب وأنشد * شنهو هذا وشنهو هذي القضية
إن رزا مطبقا بزرشك * ودجاج لأكلة عجميه
فاملأ ألقاب بالجراد وكله * وكل الكرش واترك الكبة نية
واشرب الماء بالمناجيس واحذر * لا تطرطش زيناتك القطنيه
إن تزرني أطعمك كل لذيذ * من قواز وكبة محشيه
ويخان وبصمة بلساء * ولذيذ صفيحة مقليه
انحر البدن أذبح الكبش آتي * من خوابي زيتوننا بشويه
مرمر الحلق فالمرارة منه * بعد زاد حلاوة ذاتيه
أن ترد قيمرا فعندي هوش * مثل هوش المعدان كراديه
أنت ملا وأنت شيخ كبير * من شيوخ المشخاب والهندية
أنت سبط النوال مهما أقدم * من طعام أعده ثمنيه
كل هنيئا بسرعة ثم غسل * بعد أكل الطعام كالعربيه
اضرب الكف بالتراب وفر فك * ثم مسح يديك بالخاشيه
ثم مسد ببلة الماء وجها * وبباقيه أن ترده فلحيه
وتصدر في مجلس الشاي وأفرح * فقليل المزاح أحلى سجيه
لا تغمج بمزحة مع صديق * رب مزح يجر كل بليه
واشرب الشاي بالكلاص ودعني * بالفناجين احتسي العدنيه
هي روح وروحة لفؤادي * لست اختار عندها العندميه
قد تحديت ماجدا لم يرعه * وقع بيض السيوف والسمهريه
قلت شعرا وقلت شعرا فميز * أي شعر أحق بالأوليه
الشيخ قاسم بن الحسين بن محيي الدين بن عبد اللطيف بن علي بن أحمد
بن أبي جامع الحارثي الهمداني العاملي النجفي
في تكملة أمل الآمل: كان عالما فاضلا فقيها متبحرا في الحديث
والرجال جامعا للعلوم له شرح شرائع الاسلام رأيت المجلد الأول منه في
الطهارة والصلاة وما رأيت أحسن منه شرحا فيه تحقيقات حسنة وتنبيهات
جيدة تدل على مهارته في الفقه ولا غرو فان كل سلسله آبائه علماء فقهاء
وهم بيت العلم والفضل.
السيد أبو جعفر القاسم بن الحسين بن معية الحسني
من شعره:
وأهيف فاتر الأجفان اضحى * يفوق الغصن لينا واعتدالا
حكى قمر السماء بلا لثام * وإن عطف اللثام حكى الهلالا
القاسم بن حمود بن أبي العيش بن ميمون بن أحمد بن علي بن عبد
الله بن عمر بن إدريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي
طالب ع.
ولد سنة ٣٥١ ومات سنة ٤٣١.
قال ابن الأثير في الكامل: وقليل في نسبه غير ذلك مع اتفاق على
صحة نسبه إلى أمير المؤمنين علي ع اه.
وكان جدهم إدريس بن عبد الله هرب إلى فاس وطنجة في أيام
الرشيد كما ذكرناه في بابه وتناسل ولده بها حتى صارت لهم دولة بالأندلس
سنة ٤٠٧ في أواخر ملك الأمويين بالأندلس فأول من ملك منهم بالأندلس
أبو الحسن علي بن حمود أخو صاحب الترجمة.
قال ابن الأثير: كان علي بن حمود بمدينة سبتة بينه وبين الأندلس
عدوة المجاز مالكا لها وأخوه القاسم بن حمود بالجزيرة الخضراء مستولبا
عليها وبينهما المجاز وسبب ملكهما أنهما كانا من جملة أصحاب سليمان ابن
الحاكم الأموي فجعلهما قائدين على المغاربة ثم ولاهما هذه البلاد وكان
الفتى خيران العامري غير راض بولاية سليمان الأموي لأنه كان من
أصحاب المؤيد الأموي الذي كان قبل سليمان واختفى فلم يعلم حي هو
أم ميت فلما ملك سليمان قرطبة انهزم خيران وجرت له مع البربر وقائع
وأخيرا ملك المرية وعظم أمره فطمع علي بن حمود في ملك الأندلس لما رأى
من الاختلاف فكتب إلى خيران أن المؤيد كان كتب له بولاية العهد والأخذ
بثاره أن قتل فخطب خيران للمؤيد ودعا لعلي بن حمود بولاية العهد وكاتب
خيران وهو بمالقة عليا وهو بسبتة ليعبر إليهم فيسيروا إلى قرطبة فعبر إليهم
سنة ٤٠٥ وتسلم البلد وفي سنة ٤٠٦ اجتمعوا بالمنكب بين المرية ومالقة ثم
ساروا إلى قرطبة وبايعوا عليا على طاعة المؤيد على أمل أنه حي فلما بلغوا
غرناطة وافقهم أميرها وسار معهم إلى قرطبة فخرج إليهم سليمان الأموي
والبربر واقتتلوا فانهزم سليمان والبربر وقتل منهم كثير وأسر سليمان وأبوه
ودخل علي بن حمود قرطبة سنة ٤٠٧ ودخل خيران القصر طمعا في أن يجد
المؤيد حيا فلم يجدوه ورأوا شخصا مدفونا فنبشوه وشهد بعض فتيانه إنه
المؤيد عرفه بسن له سوداء وقيل أنه شهد خوفا من علي بن حمود فقتل علي
سليمان وأباه وأخاه وبايعه الناس ولقب المتوكل على الله ثم خالف خيران
عليا وخرج من قرطبة إلى جيان وبايع عبد الرحمن بن محمد بن عبد الملك
الأموي ولقب المرتضى وبايعه أمير سرقسطة والثغر الأعلى وأهل شاطبة و
بلنسية وطرطوشة والبونت واتفق عليه أكثر أهل الأندلس واجتمعوا في
موضع يعرف بالرياحين سنة ٤٠٨ وبايعوه بالخلافة وساروا إلى غرناطة
واقتتلوا مع أهلها قتالا شديدا فغلبهم أهلها فانهزموا وقتل المرتضى ثم تجهز
علي بن حمود لقتال جيان وخرجت عساكره إلى ظاهر قرطبة فقتله غلمان في
الحمام فعاد العسكر قال ابن الأثير: كان حازما عازما عادلا حسن السيرة
وكان عزم على إعادة أموال أهل قرطبة إليهم التي أخذها البربر فلم تطل
أيامه وكان يحب المدح ويجزل العطاء عليه وعمره ثمان وأربعون سنة بنوه
يحيى وإدريس وأمه قرشية قال فلما قتل بايع الناس أخاه القاسم بن حمود
ولقب المأمون وكاتب العامريين واستمالهم واقطع زهيرا جيان وقلعة رباح
وبياسة وكاتب خيران واستعطفه فلجا إليه وبقي القاسم مالكا لقرطبة
وغيرها إلى سنة ٤١٢ وكان وادعا لينا يحب العافية فامن الناس معه وكان
يتشيع إلا أنه لم يظهر شيئا من ذلك ثم خالف عليه ابن أخيه يحيى بن علي
(٤٣٨)

بن حمود فلما سار القاسم عن قرطبة إلى إشبيلية سار يحيى من مالقة إلى
قرطبة فدخلها بغير مانع وبايعه الناس هذه السنة ولقب بالمعتلي وبقي
بقرطبة يدعى له بالخلافة وعمه القاسم باشبيلية يدعى له بالخلافة إلى سنة
٤١٣ فسار يحيى عن قرطبة إلى مالقة فركب عمه وجد في السير ليلا نهارا
حتى وصل قرطبة وسار يحيى إلى الجزيرة الخضراء فملكها وغلب أخوه
إدريس بن علي صاحب سبتة على طنجة فطمع الناس في القاسم وتسلط
البربر على قرطبة فاجتمع أهلها وقاتلوه ثم سكنت الحرب والقاسم بالقصر
يظهر التودد لأهل قرطبة وباطنه مع البربر وفي يوم الجمعة صلوا الجمعة ثم
تنادوا السلاح السلاح فخرج عنها القاسم واجتمع معه البربر وقاتلوا أهل
البلد وكانوا أكثر من أهله فطلب أهله الأمان فابى البربر فقاتل أهل البلد
قتال مستميت فانهزم البربر وسار القاسم إلى أشبيلية وكتب إلى أهلها باخلاء
ألف دار ليسكنها البربر فعظم ذلك عليهم وكان ابناه محمد والحسن
فأخرجهما أهلها فسار القاسم ونزل بشريش فزحف إليه يحيى بجمع من
البربر وحصروه ثم أخذوه أسيرا فحبسه يحيى إلى أن توفي يحيى وملك أخوه
إدريس فقتله سنة ٤٣١ وله ثمانون سنة وله من الولد محمد والحسن وقيل
مات حتفه وحمل إلى ابنه محمد بالجزيرة الخضراء فدفن بها ومدة ولايته ستة
أعوام وبقي محبوسا ١٦ سنة ولما خرج القاسم بن علي من قرطبة ولوا عليهم
عبد الرحمن بن هشام الأموي وبعد شهر وسبعة عشر يوما قتلوه وولوا محمد
ابن عبد الرحمن بن عبيد الأموي ثم خلعوه سنة ٤١٦ بعد ستة عشر شهرا
فأعادوا يحيى بن علي بن حمود وكان بمالقة يخطب له بالخلافة فأرسل إليهم
عبد الرحمن بن عطاف واليا وفي سنة ٤١٧ سار خيران ومجاهد العامريان
إلى قرطبة بجيش فثار أهلها بعبد الرحمن وأخرجوه وأعادوا الخلافة إلى بني
أمية وبايعوا هشام بن محمد بن عبد الملك الأموي سنة ٤١٨ ولقب المعتمد
على الله ثم دخل قرطبة سنة ٤٢٠ وخلع سنة ٤٢٢ وهو آخر ملوك بني أمية
بالأندلس وسار يحيى إلى قرمون محاصرا لأشبيلية فبلغه أن خيلا خرجت إليه
فلقيتهم وقد كمنوا له فقتل سنة ٤٢٧ وعمره ٤٢ سنة وخلف من الولد
الحسن وإدريس وكان وقورا هينا لينا وأمه بربرية.
فلما قتل يحيى اتى أحمد بن بقية ونجا الخادم الصقلبي وهما مدبرا دولة
العلويين بمالقة وهي دار مملكتهم فطلبا أخاه إدريس بن علي وله سبتة
وطنجة فاتى مالقة وبايعاه بالخلافة ولقب بالمتايد بالله وجعل حسن بن يحيى
المقتول مكانه بسبتة وبقي إلى سنة ٤٣١ فسير القاضي أبو القاسم بن عباد
ولده إسماعيل في عسكر ليتغلب على تلك البلاد فاخذ قرمونة واسبونة
واستجبة فأرسل صاحبها إلى إدريس وإلى باديس بن حبوس صاحب
صنهاجة فاتاه باديس وأمده إدريس بعسكر يقوده ابن بقية مدبر دولته فلم
يجسروا على إسماعيل وعادوا عنه فسار إسماعيل مجدا ليأخذ على
صنهاجة الطريق فادركهم وقد فارقهم عسكر إدريس فأرسلت صنهاجة من ردهم
وقاتلوا إسماعيل فانهزم أصحابه فقتل وحمل رأسه إلى إدريس وكان مريضا
فعاش بعده يومين ومات وترك من الولد يحيى ومحمدا وحسنا فأقام ابن بقية
يحيى ابن إدريس بعد موت والده بمالقة وكان يحيى بن علي المقتول قد حبس
ابني عمه محمدا والحسن ابني القاسم بن حمود بالجزيرة فلما مات إدريس
أخرجهما الموكل بهما فبايعهما السودان فملك محمد الجزيرة ولم يتسم بالخلافة
وتنسك الحسن فسار نجا الصقلبي من سبتة إلى مالقة هو وصاحبها
الحسن بن يحيى المقتول فاستمالا ابن بقية حتى حضر فقتله الحسن وقتل ابن
عمه يحيى بن إدريس وبويع بالخلافة ولقب المستنصر بالله ثم مات حسن
سنة ٤٣٤ فقيل أن زوجته ابنة عمه إدريس سمته لقتله أخاها يحيى وكان
إدريس بن يحيى محبوسا فعزم نجا على محو أمر العلويين وضبط البلاد لنفسه
وأظهر البربر على ذلك فقتلوه وأخرجوا إدريس بن يحيى وبايعوه بالخلافة
ولقب بالعالي وكان قد اعتقل ابني عمه محمد والحسن ابني إدريس بن علي
في بعض الحصون فأخرجهما صاحب الحصن وبايع محمدا وثار بإدريس بن
يحيى من عنده من السودان وطلبوا محمدا فجاءهم فبايعه إدريس سنة ٤٣٢
فاعتقله محمد ولقب بالمهدي وولى أخاه الحسن عهده ولقب بالسامي
وظهرت من المهدي شجاعة فخافه البربر فراسلوا الموكل بإدريس فأخرجه
وبايع له وخطب له بسبتة وطنجة بالخلافة وبقي إلى أن توفي سنة ٤٤٦
ورأى المهدي من أخيه السامي ما أنكره فنفاه فسار إلى جبال عمارة وأهلها
يعظمون العلويين فبايعوه ثم إن البربر بالجزيرة بايعوا محمد بن القاسم
بالخلافة وتسمى بالمهدي فصار أربعة كلهم يسمى أمير المؤمنين في رقعة
مقدارها ثلاثون فرسخا ومات محمد بعد أيام فولي الجزيرة ابنه القاسم ولم
يتسم بالخلافة وبقي محمد بن إدريس بمالقة إلى أن مات سنة ٤٤٥ فقصد
إدريس بن يحيى المعروف بالعالي مالقة فملكها ثم أن الأندلس اقتسمها
أصحاب الأطراف والرؤساء، وملك مالقة بنو علي بن حمود فلم تزل في
مملكة العلويين يخطب لهم بها إلى أن اخذها منهم إدريس بن حبوس صاحب
غرناطة سنة ٤٤٧ وانقضى أمر العلويين بالأندلس. والظاهر أن من ذريات
الأدارسة الأمير عبد القادر الجزائري وسائر العلويين الذين ببلاد المغرب.
الأمير قاسم بن الأمير حيدر الحرفوشي الخزاعي البعلبكي
قتل سنة ١٢٠٤ في حرب له من ابن عمه الأمير جهجاه ابن الأمير
مصطفى وعمره ١٧ سنة. قال الأمير حيدر الشهابي في تاريخه: في هذه
السنة اي سنة ١٢٠٤ حضر إلى دير القمر الأمير قاسم ابن الأمير حيدر
الحرفوشي ملتجئا إلى الأمير بشير بن قاسم الكبير فأرسل معه عسكرا ليرفع
الأمير جهجاه عن حكم بلاد بعلبك ويولي الأمير قاسما مكانه وحين وصل
العسكر بلاد بعلبك التقاهم الأمير جهجاه وكسرهم وسلب منهم كثيرا من
الخيل والسلاح ولم يرد أن يقتل أحدا منهم وأسر الأمير مراد ابن الأمير شديد
أبي اللمع ولما وصل امام الأمير جهجاه اطلقه مكرما ثم أن الأمير قاسما جمع
عسكرا من بلاد الشوف وبلاد بعلبك وكبس ابن عمه الأمير جهجاه في
مدينة بعلبك فخرج إليه برجاله والتقوا خارج المدينة فهجم الأمير قاسم على
الأمير جهجاه إلى وسط العسكر وقبل وصوله إليه أصابته رصاصة فقتلته
وكان شجاعا كريما كوالده ولم يكن ظالما مثل بقية بني الحرفوش.
أبو محمد القاسم بن حمزة بن الحسن بن عبيد الله بن العباس بن علي بن أبي
طالب ع.
في عمدة الطالب كان باليمن عظيم القدر وكان له جمال مفرط ويقال
له الصوفي.
الشيخ قاسم بن درويش محمد بن الحسن النضري العالمي
في تكملة أمل الآمل: عالم فاضل فقيه محدث من شيوخ الإجازة
يروي عنه ابن أخيه العلامة محمد تقي المجلسي والد صاحب البحار ذكره
في شرحه على الفقيه وأنه يروي عن أبيه درويش محمد عن المحقق الكركي
فالتقي يروي عن جده درويش محمد بواسطته اه ويأتي ذلك في ترجمة
أبيه محمد بن الحسن المعروف بدرويش محمد.
(٤٣٩)

قاسم ديوانه المشهدي
سافر من أصفهان إلى الهند وهو من تلاميذ صائب ومن شعراء
الفرس (١).
السيد قاسم بن عباس آل نور الدين العاملي
من المهاجرين من جبل عامل إلى النجف الأشرف بالأهل والعيال
ورحل إلى أصفهان مات أبوه بعد سنة ١٢٦٢.
الحاج قاسم آل عطية النجفي
من أهل النصف الثاني من القرن الثالث عشر. كان شاعرا أديبا
معاصرا للشيخ عبد الحسين آل محيي الدين والشيخ موسى ابن الشيخ
علي ابن الشيخ جعفر الكبير وعبد الباقي البغدادي وأمثالهم وله مراسلات
ومطارحات مع الشيخ عبد الحسين وملا عباس والشيخ مهدي، نقلت من
خط الشيخ جواد بن علي بن قاسم من آل محيي الدين العاملي من مؤلف
أدبي عثرنا على أوراق من آخره تاريخ كتابتها سنة ١٢٦٧ والظاهر أنها من
جمع الشيخ شريف وقد ذهب أولها ووسطها قال فيها ما حاصله: انه ورد
إلى النجف الأشرف من المجرة كذا الشيخ سعد العائدي فنزل على الحاج قاسم وأخيه
الحاج حمد آل عطية فدعا الشيخ عبد الحسين آل محيي
الدين الشيخ سعد إلى داره وقدم له من الحلويات الحلوى والقند وشعر
البنات فخلع الشيخ سعد على الشيخ عبد الحسين قباء وحلة فبلغ ذلك
الحاج قاسم وكان قد طلب من الشيخ عبد الحسين أن يطعمه اترنجا بدبس
فلم يحظ بطائل فكتب إليه الحاج قاسم هذه الأبيات:
أطعمت خلك سعدا * مذ حل دارك قندا
عبد الحسين أيا من * زكوت إما وجدا
منحتني بعد ود * يا ابن الأكارم صدا
لم أدر ما الذنب حتى * أبعدتني عنك بعدا
واعدتني يا خليلي * دبسا فأخلفت وعدا
ولم أذق منك الا * مرا به نلت نكدا
فمرك اليوم عندي * قد عاد يا صاح شهدا
لم أدر ذلك هزلا * قد كان أم كان جدا
كن كيف شئت فاني * أوليك شكرا وحمدا
فاجابه الشيخ عبد الحسين يقول:
يا قاسم الفضل يا من * بالمكرمات تردى
وافى إلي عتاب * يفوق بالطيب ندا
به تحاول مني * دبسا يشابه شهدا
أ ما علمت باني * معوض عنه ودا
فلا تلمني إذا ما * أطعمت قندي سعدا
لأنه قد كساني * من الملابس بردا
وقد كساني قباء * اضحى به يتردى
فكان من حق سعد * اوليه شكرا وحمدا
وأنت يا ذا المعالي * ومن حوى المجد فردا
أخص منه واولى * بالود قربا وبعدا
فاعذر وسامح فاني * ما خنت في الحب عهدا
وذا مزاح وهزل * مضى وما كان جدا
إليك أهدي ثنائي * في مدتي مستمدا
قال صاحب الرسالة الشيخ موسى بن شريف آل محيي الدين فلما
أسمت سرح نظري القاصر في رياضهما سنح لي أن أشطر أبيات الشيخ عبد
الحسين فقلت:
يا قاسم الفضل يا من * سما فخارا ومجدا
لانت أكرم من قد * بالمكرمات تردى
كالند في الطيب لا بل * يفوق بالطيب ندا
به تحاول مني * ما فاق في الطعم قندا
وذاك كان لعمري * دبسا يشابه شهدا
أ ما علمت باني * محضتك الود عمدا
وما تقدم مني * معوض عنه ودا
فلا تلمني إذا ما * انجزت للخل وعدا
من الوفا كان لما * أطعمت قندي سعدا
لأنه قد كساني * ما فيه قد نلت سعدا
أكرم به حين اهدى * من الملابس بردا
وقد كساني قباء * إليه طرفي تصدى
فيا له من قباء * اضحى به يتردى
فكان من حق سعد * اوفى الأخلاء رشدا
ما دمت في الدهر حيا * اوليه شكرا وحمدا
وأنت يا ذا المعالي * وذا الفخار المفدي
ومن له الفضل يعزى * ومن حوى المجد فردا
أخص منه واولى * ممن لي الود أبدى
بل أنت أحرى لعمري * بالود قربا وبعدا
فاعذر وسامح فاني * لا زلت أصفيك ودا
واني والمعالي * ما خنت في الحب عهدا
وذا مزاح وهزل * يا من سما الناس جدا
نعم لقد كان هزلا * مضى وما كان جدا
إليك أهدي ثناء * ما كنت أحصيه عدا
ولا يزال دعائي * في مدتي مستمدا
ثم أن الحاج قاسم ارسل إلى الشيخ عبد الحسين هذه القصيدة في
هذا المعنى وهي:
أ من العدالة يا ابن محيي الدين * بعد المودة عامدا تجفوني
تدني الفتى سعد العشيرة بعد ما * تسقيه من قند ولا تسقيني
وأروم دبسا كنت أنت وعدتني * فيه وأنت أخو الوفا والدين
حاشاك تخلف ما وعدت به ولم * أعهدك يا رب الندى بضنين
انجز لنا الميعاد يا من في الندى * والجود لم نظفر له بقرين
فاجابه الشيخ عبد الحسين يقول:
نظم اتى كاللؤلؤ المكنون * من قاسم للفضل غير ضنين
فيه يذكرني مواعد أسلفت * ومزجت فيها جدها بمجون
ويزيد في عتبي وما انا مذنب * لكن يحاول أنه يلحوني

(١) مطلع الشمس.
(٤٤٠)

أو ما درى سعد العشيرة منعما * لما غدا بقبائه يكسوني
أطعمته قندا يلذ شرابه * ومزجته بعذيب ماء معين
هذا جزاء نواله وعلي أن * أجزي بخير كل من يوليني
ثم أن الحاج قاسم أصابه ألم شديد في ظهره فانشد وهو في حضرة أبي
السبطين ع:
أمير المؤمنين إليك أشكو * أذى قد حل يا مولاي ظهري
اجرني سيدي منه فاني * إليك وصي احمد آل أمري
قال جامع الرسالة الشيخ موسى ابن الشريف آل محيي الدين فلما
وقفت عليهما شطرتهما بهذا التشطير.
أمير المؤمنين إليك أشكو * من الألم الذي أودى بصبري
وذلك يا أبا الحسن المرجى * أذى قد حل يا مولاي ظهري
اجرني سيدي منه فاني * بقبرك عائذ من كل ضر
أ ليس أرى بدين أو بدنيا * إليك وصي أحمد آل أمري
ثم قال الحاج قاسم يخاطب مولانا أمير المؤمنين ع:
أ صنو المصطفى الهادي المرجى * قصدت حماك أرجو نجح سؤالي
ولي حق عليك أبا حسين * لاني في حماك حططت رحلي
ثم قال أيضا يخاطبه ع:
يا من فضائله لم يحصها أحد * وليس يحصرها رسم ولا عدد
اني مددت إلى عليا علاك يدا * ترجوك يا خير من مدت إليه يد
قال الشيخ موسى وقد شطرت البيتين الأولين وخمست الأخيرين إما
التشطير فهو هذا:
أ صنو المصطفى الهادي المرجى * إذا ما الدهر شتت جمع شملي
اجرني يا أبا حسن فاني * قصدت حماك أرجو نجح سؤلي
ولي حق عليك أبا حسين * ومثلم من يفي بحقوق مثلي
فكن لي من أذى الدنيا مجيرا * فاني في حماك حططت رحلي
واما التخميس فهو هذا:
يا آية الله يا من وده رشد * ومن لدى الخطب لي من وده سند
اني أناديك ما أن مسني نكد * يا من فضائله لم يحصها أحد
وليس يحصرها رسم ولا عدد
وكيف تحصي لها كل الورى عددا * وكان أدنى مزاياها ندى وهدى
اني مددت إلى عليا علاك يدا * يا من سما كل من فوق الثرى رشدا
ترجوك يا خير من مدت إليه يد
ثم أن الحاج قاسم نظم هذه الأبيات فقال:
يا سيدي يا أمير النحل يا املي * عليك في حادثات الدهر متكلي
كن لي معينا مغيثا منجدا ابدا * من جور خطب عرا أو حادث جلل
وجد على عبدك الجاني بدفع اذى * قد حل ظهري يا ذخري ويا املي
اني امرؤ لذت في مغناك ملتجئا * يا سيدي يا أمير المؤمنين علي
ما لي سواك امرؤ في الدهر ينقذني * مما أنا فيه من ضر ومن وجل
يا أكرم الخلق يا مولى الأنام ومن * ساد البرية من حاف ومنتعل
إن لم تجرني مما حل في بدني * فمن يجير من الأسقام والعلل
لي فيك معتقد يا خير من وخدت * به الركائب في سهل وفي جبل
يا من إذا لذت من صرف الزمان به * انجو وأبلغ فيه منتهى سؤلي
وقد خمسها الشيخ عبد الحسين آل محيي الدين فقال:
رماني الدهر بالجلي من العلل * فلذت منه بكهف المستجير علي
وقلت والقلب في خوف وفي وجل يا * سيدي يا أمير النحل يا املي
عليك في حادثات الدهر متكلي
بك استجرت إذا صرف الزمان عدا * وألتجي لك في الارزاء مستندا
إليك يا سيدي مد اللهيف يدا * كن لي معينا مغيثا منجدا ابدا
من جور خطب عرا أو حادث جلل
إليك أشكو سقاما جاء منتبذا * إذ لست غيرك في الأيام متخذا
عونا فكن أنت عوني في الخطوب إذا * وجد على عبدك الجاني بدفع اذى
قد حل ظهري أيا حرزي ويا املي
يا كهف من لم يجد في دهره لجا * وري من يشتكي في حشره ظما
ويا حماي فلا اخشى إذا حما * اني امرؤ لذت في مغناك ملتجئا
يا سيدي يا أمير المؤمنين علي
يا خير من سمعت اخباره أذني * اني إذا حادث الأيام ينبذني
وراءه وبنار الخطب ينفذني * ما لي سواك امرؤ في الدهر ينقذني
مما انا فيه من ضر ومن وجل
يا من به ينعش العافي بكل زمن * وينجلي بهداه المحض كل درن
بك استغثت بسر سيدي وعلن * يا أكرم الخلق يا مولى الأنام ومن
ساد الخلائق من حاف ومنتعل
أشكو إليك أذى في الظهر أقعدني * وعائدا منه في الظلماء سهدني
فكن مجيري مما كان اجهدني * أن لم تجرني مما حل في بدني
فمن يجير من الأسقام والعلل
يا آية الله والآيات قد شهدت * بفضله ومصابيح الهدى اتقدت
بنوره ونجوم الحق منه قد بدت * لي فيك معتقد يا خير من وخدت
به الركائب في سهل وفي جبل
يا حاملا راية الهادي بموكبه * وراقيا ساميا من فوق منكبه
إليك أشخصت مني طرف منتبه * يا من إذا لذت من صرف الزمان به
انجو وأبلغ فيه منتهى املي
ولما عوفي الحاج قاسم مما ألم به جعلت تفد إليه العلماء والشعراء فكان
ممن زاره الشيخ مهدي ابن الشيخ جعفر الكبير فانشا الشيخ هذه الأبيات في
مدحه فقال:
يا واحد الدهر ويا من رقى * في فضله مرتبة لا ترام
مذ قسم الشعر على أهله * حزت المعلى دون باقي السهام
تلت فخارا وعلا شامخا * وسؤددا بالفضل سامي الدعام
قدم رغيد العيش في بهجة * ما أشرق البدر وغنى الحمام
فنظم الحاج قاسم أبياتا على الوزن والقافية جوابا لها وكان في اهبة
السفر إلى زيارة كربلاء وأرسلها إليه فقال:
(٤٤١)

مذ قد اتى الرق فريد النظام * من سيد بالفضل ساد الأنام
من ماجد ندب كريم علاء * بالعلم والآداب أعلى مقام
من ذي علوم فاضل كامل * خص بها من قبل يوم الفطام
من معشر حازوا علوما بها * سموا على أبناء سام وحام
من سادة سادوا الورى بالتقى * واخجلوا بالجود صوب الغمام
مهدي الورى اهدى لنا لؤلؤا * من نظمه المزري بعقد انتظام
من خير أقوام بأنوارهم * زالت دياجير الدجى والظلام
من علاء داعيه في رتبة * تقاصرت عنها كرام الكرام
لا زلت في عز وفي نعمة * وفي سرور وعلا مستدام
فاجابه الشيخ مهدي وأرسل الجواب إلى كربلاء وذكر معه أخاه الحاج
حمد فقال:
يا من له في المجد أعلى مقام * ومن محياه تجلى الظلام
ومن تردى بداء العلى * ومن تزيا بمزايا الكرام
ومن أبى الا العلى موطنا * ومنزلا قبل بلوع الفطام
ومن حوى من أحرزته الالى * من سؤدد أو مفخر لا يضام
ومن تغذى بالتقى فاغتدى * فرد المعاني دون كل الأنام
إليك أشكو من أخ حبه * غادرني حلف الأسى والسقام
احمد من فاق جميع الورى * في شرف سامي الذرى والدعام
أفعاله الغر واخلاقه * أذكى من المسك ونشر الخزام
لا زال في خير وفي نعمة * ما أشرق البدر وغنى الحمام
دونك شعرا فائقا نظمه * أزرى سناه بعقود انتظام
اني وأن أعرضت عن نظمه * فمنه قدما قد ملكت الزمام
فاجابه الحاج قاسم يقول:
طربت شوقا مذ اتاني الجواب * من عالم حبر رفيع الجناب
وماجد قد فاق اقرانه * واكتسب الآداب اي اكتساب
لله من نظم حباني به * من شاد للفضل بيوتا رحاب
أبدع في النظم ولا بدع أن * أبدع ما ذلك منه عجاب
ولا عجيب من نجيب إذا * ما أوتي العلم وفصل الخطاب
ونلت به فخرا وطلت الورى * قدرا به اقتدت الأمور الصعاب
له يد عم الورى نيلها * قد أخجلت بالبذل نيل السحاب
زان به مدحي كما زين الدر * نحو الغانيات الكعاب
دونك صفو الرد من ذي وفا * جميل فعل دون كل الصحاب
هو الذي يرعاك دون الورى * مع خلك الذاعي ذهابا اياب
وقاك ربي حادثات الردى * تهدي البرايا لطريق الصواب
قال صاحب الرسالة الشيخ موسى ابن الشيخ شريف آل محيي الدين
وعزم الحاج قاسم على زيارة كربلاء فأرسلت إليه هذه الأبيات:
يا قاسم الآداب والمكرمات * ومن بعليا مجده المكرمات
أرجو إذا جئت إلى كربلاء * تعفير خديك بتلك الفلاة
وزر وسلم وانتحب باكيا * على بني الهادي الكرام الهداة
نيابة عن ذي اشتياق أبى) أن يألف السلوان طول الحياة
ودع دموع العين تجري دما * على ذبيح بظبى البارقات
واندب حماة دونه صرعوا * من بعد ما أفنوا جموع العداة
لهفي على تلك الجسوم التي * عدت على أبياتها العاديات
يا ليت عين المرتضى شاهدت * أبناءه صرعى بشط الفرات
وأرسل إليه الشيخ عباس ابن ملا علي النجفي أيضا بهذه الأبيات
يخاطبه بها وأخاه الحاج حمد آل عطية:
ألا يا خليلي كل مجد ومفخر * ومن رقيا في الفضل أعلى مراقيها
نشدتكما بالله أن جئتما إلى * ربي كربلاء تعفير خديكما فيها
وابلاغ تسليمي وأزكى تحيتي * على من ثوى ظامي الحشي في نواحيها
هو السبط من هدت مصيبته الورى * واوهى من العليا أعلى مبانيها
وآساد حرب أدركوا المجد والعلى * بسمر عواليها فحازوا معاليها
تفانوا عطاشى دونه بعد ما ارتوت * حدود ظباهم من دماء أعاديها
عليهم سلام الله ما هبت الصبا * وأزهرت الدنيا وما أخضر ناديها
وأرسل الحاج قاسم صاحب الترجمة إلى الشيخ عباس ابن ملا علي
النجفي بهذه الأبيات:
عباس يا ابن الكرام * قد زان فيك نظامي
أنت الذي حزت فخرا * يسمو على كل سامي
وفقت نظما ونثرا * أبناء سام وحام
إليك أهدي برغم ال‍ * وشاة أذكى سلامي
قال الشيخ موسى جامع الرسالة فلما وقفت على هذه الأبيات شطرتها
تشطيرا أخرجتها فيه عن المدح إلى شبه الهجاء ولكن نسخة التشطير ذهبت
من يدي فلما وقف الشيخ عباس على التشطير أجاب الحاج قاسم يقول:
يا قاسم وقليل * قولي سليل الكرام
من شاد للمجد بيتا * سامي الذرى والدعام
ورب كف كريم * بالجود كالغيث هامي
فكم له من اياد * بهن أطفي أوامي
وكم له من مزايا * لها يضيق نظامي
وعن تقاه لعمري * أعيت جميع الأنام
مولى به نلت عزا * غضا وأي احتشام
بلغت منه رجائي * ونلت اقصى مرامي
من مبلغ يا لقومي * نجل الشريف الهمام
رسالة وعتابا * عني بلين الكلام
يا معرضا عن محب * وراميا غير رامي
أصبت نفسك لما * رميتني بسهام
أ لست تعلم يا من * به تعالى مقامي
اني ارق وأصفو * لمن يريد خصامي
عليكما وقليل * تحيتي وسلامي
القاسم بن عبد الله بن الحسن بن عبد الله القاضي بن الحسن بن
عبيد الله بن العباس بن علي بن أبي طالب ع.
في عمدة الطالب: كان القاسم بن عبد الله ذا خطر بالمدينة وسعى
بالصلح بين بني علي وبني جعفر وكان أحد أصحاب الرأي واللسن
(٤٤٢)

أبو دلف القاسم بن عيسى بن إدريس بن معقل ابن الشيخ بن عمير
العجلي.
توفي سنة ٢٢٥.
الأمير المشهور بالجود والشجاعة، والعجلي بكسر العين نسبة إلى
عجل بن لجيم بطن من بكر بن وائل.
وهو من بلد يقال لها الكرج بالتحريك بينها وبين نهاوند مرحلتان
وقال ابن الأثير هي مدينة بالجبل بين أصبهان وهمذان ابتدأ بعمارتها
عيسى بن إدريس وأتمها ابنه أبو دلف.
وفي معجم الشعراء للمرزباني: شريف شاعر أديب فاضل شجاع
جواد قلده الرشيد وهو حديث السن اعمال الجبل فلم يزل عليها إلى أن
توفي وهو القائل:
في كل يوم ارى بيضاء طالعة * كأنما نبتت في ناظر البصر
وله:
أ مالكتي ردي علي فؤاديا * ونومي فقد شردته عن وساديا
أ لا تتقين الله في قتل عاشق * أمت الكرى عنه فأحيا لياليا
وذكر غير واحد من المؤرخين انه لحق أكرادا قطعوا الطريق في عمله
وقد اردف منهم فارس رفيقا له خلفه فطعنهما جميعا فانفذ فيهما الرمح فلما
قدم دخل عليه بكر بن النطاح فانشده:
قالوا وينظم فارسين بطعنة * يوم اللقاء ولا يراه جليلا
لا تعجبوا لو أن طول قناته * ميل إذن نظم الفوارس ميلا
وقال الدكتور احمد الجواري:
لم يعرف التاريخ العربي قائدا شجاعا مثل هذا القائد الشاعر الأديب الذي
يتلهب شوقا كي يكون له شأن مع الخليفة المأمون في هذا العالم المجاهد الطموح.
ولقد كان أبو دلف من قواد المأمون، ولكنه لم يشأ أن يقص
علينا شيئا من بلائه في عهد هذه الخليفة. ولعله قد اجتمع بالمأمون في ولائه
للعلويين وميله إليهم، فان على ذلك معقد اجماع المؤرخين ولهم فيه
روايات تدل على أن ولاءه لآل بيت رسول الله عقيدة كان يرجو بها لقاء ربه
ومرضاته.
ولم يكن ذلك وحده هو الذي أعلقه بقلب المأمون، بل لقد كان
فيما يروي من أخباره مجمعا لصفات وخصال تدنو به من نفس خليفة عالم
راجح العقل، أديب متذوق، يحسن مجالسة الرجال ويتلذذ بها. كذلك
كان المأمون وكذلك كان جليسه وصفيه أبو دلف.
فلقد كان هذا القائد العربي مشهورا بالشجاعة معروفا بالكرم
والبذل، وكان إلى جانب ذلك يحسن من فنون عصره ما يحسن. ويذكر
مؤرخوه أنه كان شاعرا ذا أدب ورواية، أخذ عنه الأدباء والفضلاء، وله
صنعة في الغناء.
ولقد ألف كتبا في الحرب وفي اللهو والأنس، وفي سياسة الدولة،
يذكر له ابن خلكان منها كتاب البزاة والصيد، وكتاب النزه، وكتاب
السلاح، وكتاب سياسة الملوك وغير ذلك.
لقد كان أبو دلف مثالا رائعا للفتوة العربية جمع بين الدين والدنيا،
وأخذ بأسباب من الحضارة في العلم وفي الأدب وفي الترف الذي لا يقدح
في مروءة ولا ينتقص من رجولة.
ولعل في أخباره مع المأمون ما يجلو لنا شخصيته أفضل جلاء، ويبرز
مزاياه وخصائصه أيما ابراز.
روى المسعودي في مروج الذهب: أن أبا دلف دخل على المأمون
فقال له: يا قاسم ما أحسن أبياتك في صفة الحرب ولذاذتك بها وزهدك
في المغنيات؟ قال: يا أمير المؤمنين أي أبيات هي؟ قال: قولك:
لسل السيوف وشق الصفوف ونقض التراب وضرب القلل
قال: ثم ما ذا يا قاسم؟ قال:
لبس العجاجة والخافقات * تريك المنايا بروس القلل
وقد كشفت عن سناها هناك * كان عليها شروق الطفل
خروس نطوق إذا استنطقت * جهول تطيش على من جهل
ألذ وأشهى من المسمعات * وشرب المدامة في يوم طل
أنا ابن الحمام وترب الصفاح * وترب المنون وترب الأجل
ثم قال: يا أمير المؤمنين هذه لذتي مع أعدائك، وقوتي مع
أوليائك، ويدي معك، ولئن استلذه شيئا من يد المعاقرة ملت إلى المقادمة
والمحاربة. قال المأمون: يا قاسم إذا كان هذا النمط من الاشعار شانك،
واللذة لذاتك فما ذا تركت للوسنان، وأظهرت له من قليل ما سترت؟
قال: يا أمير المؤمنين وأي أشعاري؟ قال: حيث تقول:
أيها الراقد المؤرق عيني * نم هنيئا لك الرقاد اللذيذ
علم الله ان قلبي مما * قد جنت وجنتاك فيه وقيذ
قال أبو دلف، يا أمير المؤمنين، سهرة من بعد سهرة غلبت، وذلك
متقدم، وهذا ظن متأخر. قال المأمون: يا قاسم، ما أحسن ما قال
صاحب هذين البيتين:
أذم لك الأيام في ذات بيننا * وما لليالي في الذي بيننا عذر
إذا لم يكن بين المحبين زورة * سوى ذكر شئ قد مضى درس الفكر
فقال أبو دلف: ما أحسن ما قال، يا أمير المؤمنين، هذا السيد
الهاشمي والملك العباسي.
قال المأمون: وكيف أدتك الفطنة ولم تداخلك الظنة حتى تحققت
أني صاحبهما، ولم يداخلك الشك فيهما؟ قال أبو دلف: يا أمير
المؤمنين، انما الشعر بساط صوف، فمن خلط الشعر بنقي الصوف ظهر
رونقه عند التصنيف، ونار ضوئه عند التأليف.
هكذا كان أبو دلف يأخذ من متع الدنيا بنصيب، وكان في وافر ماله
وعريض ثرائه كريما، بل كان أمثولة في الكرم، يعطي حتى لا يبلغ شاوه
في العطاء، ويبذل ماله بذل السخي الذي يجد في البذل: متعة عيشه ولذة
(٤٤٣)

حياته. ولقد سار صيته في الكرم حتى طبق الآفاق، وخلد ذكره بين الناس
حتى أيامنا هذه، وما يزال الناس في العراق يضربون به المثل في الكرم
والسخاء، فإذا أرادوا ان ينعتوا الرجل الكريم بالبذل وطلاقة الوجه قالوا إنه
أبو دلف.
ولقد كان أبو دلف لكرمه وسخاء نفسه محط أنظار الشعراء ومهوى
آمالهم في بره وطيب لقائه وطلاقة وجهه. وتروى من قصص الشعراء معه
طرائف قد يحمل بعضها على المبالغة والغلو.
من ذلك أن بكر بن النطاح، وهو واحد من الشعراء الذين اختصوا
بأبي دلف والتزموه، قال فيه:
يا طالبا للكيمياء وعلمها * مدح ابن عيسى الكيمياء الأعظم
لو لم يكن في الأرض إلا درهم * ومدحته لأتاك ذاك الدرهم
فيقال أن أبا دلف أعطاه على هذين البيتين عشرة آلاف درهم. فاغفله قليلا ثم دخل عليه، وقد اشترى بتلك الدراهم قرية في نهر الأبلة
فانشده:
بك ابتعت في نهر الأبلة قرية * عليها قصير بالرخام مشيد
إلى جنبها أخت لها يعرضونها * وعندك مال للهبات عتيد
فقال له أبو دلف: تعلم أن نهر الأبلة عظيم وفيه قرى كثيرة، وكل
أخت إلى جانبها أخرى، وان فتحت هذا الباب اتسع على الخرق، فاقنع
بهذه ونصطلح عليها. فدعا له وانصرف.
ومن طريف ما يرويه مؤرخوه أن رجلا من الموالي يدعى أبا عبد الله
أحمد بن أبي فنن كان فقيرا لا يكاد يبلغ رزق عياله: فقالت له زوجه: يا
هذا ان الأدب أراه سقط نجمه وطاش سهمه، فاعمد إلى سيفك ورمحك
وقوسك، وادخل مع الناس في غزواتهم، فعسى الله أن ينفعك من
الغنيمة شيئا، فانشد:
ما لي وما لك قد كلفتني شططا * حمل السلاح وقول الدار عين قف
أ من رجال المنايا خلتني رجلا * أمسي وأصبح مشتاقا إلى التلف؟
تمشي المنايا إلى غيري فأكرهها * فكيف أمشي إليها بارز الكتف
ظننت أن نزال القرن من خلقي * وأن قلبي في جنبي أبي دلف
وتروي في شدة بأسه وقوة جسمه طرائف من الاخبار هي إلى المبالغة
أقرب، وفي باب الخيال أدخل، ولكنها تدل على ما كان عليه من قوة
خارقة وشجاعة نادرة.
فمن ذلك ما يقال عن جماعة قطعوا الطريق في بعض أعماله فلحقهم
فطعن فارسا منهم، فنفذت منه الطعنة حتى وصلت إلى فارس آخر كان
وراءه، فنفذ فيه سنان الرمح فقتلهما. وفي ذلك يقول بكر ابن النطاح:
قالوا وينظم فارسين بطعنة * يوم الهياج ولا تراه كليلا
لا تعجبوا فلو أن طول قناته * ميل إذا نظم الفوارس ميلا
ولقد كان أبو دلف، شأن أمثاله من القادة العرب، ذخيرة تعتدها
الخلافة لأيام الشدائد.
ولقد كان لها أبو دلف سيفا صالت به في وجه بابك الخرمي وجالدت
به أمثاله من أعدائها الذين كشفوا عن الشرك والكفر يضمرونه في قلوبهم،
والاسلام لعق على ألسنتهم لا يجاوز حناجرهم.
ولقد خلد أبو تمام الطائي بلاء أبي دلف في هذه الحروب وتلك
الفتن، وكيف صال في وجهها بسيفه وبرأيه، حتى كشف بهما وجه النصر
أبلج وضاءها هو ذا يقول في إحدى مدائح أبي دلف:
إن الخليفة والأفشين قد علما * من اشتفى لهما من بابك وشفى
في يوم أرشق والهيجاء قد رشفت * من المنية رشقا وابلا قصفا
فكان شخصك في أغفالها علما * وكان رأيك في ظلمائها سدفا
نصبته دلفيا من كنانته * فأصبحت فوزة العقبى له هدفا
ذمرت جمع الهدى فانقض منصلتا * وكان في حلقات الرعب قد رسفا
ومر بابك مر الريح منجذبا * محلوليا دمه المعسول لو رشفا
حيران يحسب سجف النقع من دهش * طودا يحاذر أن ينقض أو جرفا
إلى أن يقول:
أعطى بكلتا يديه حين قيل له * هذا أبو دلف العجلي قد دلفا
ولقد أحيا أبو دلف بكرمه وشجاعته وطلاقة وجهه ورجاحة عقله،
صورة الفتى العربي، السيد الكريم النجار، لا يتعالى ولا يصعر خده كبرا
وخيلاء، الكريم في غير تكلف، السخي في غير إدلال ولا منة، الشجاع
المقدام، السديد الرأي الثاقب النظر.
ونحن نقف على ملامح هذه الصورة الرائعة في شعر أبي تمام
الطائي، وفي شعر بكر بن النطاح، وفي شعر علي بن جبلة العكوك،
وكلهم محص أبا دلف خلاصة شعوره وعصارة فنه الشعري.
وحسب أبي دلف في خلود ذكره وطيب أحدوثته، قول العكوك فيه
وهو من أشهر الشعر وأسيره واخلده ذكرا:
إنما الدنيا أبو دلف * بين مغزاه ومحتضره
فإذا ولى أبو دلف * ولت الدنيا على أثره
كل من في الأرض من عرب * بين باديه إلى حضره
مستعير منك مكرمة * يكتسيها يوم مفتخره
مير شاة قاسم السبزواري ثم المشهدي.
أصله من سبزوار وأقام مدة في المشهد المقدس الرضوي لأجل
تحصيل العلوم العقلية والنقلية ثم عاد إلى سبزوار فأقام بها إلى أن توفي في
أواسط المائة الثانية بعد الألف (١).
الشيخ قاسم قسام بن حمود خليل ينتهي نسبه إلى عمران بن شاهين صاحب
البطيحة المشهور.
ولد في النجف سنة ١٢٦٨ وتوفي ١٣٣١.
تخرج بكبار فقهاء عصره أمثال الميرزا حسين آل الميرزا خليل والميرزا
حسن الشيرازي والسيد كاظم اليزدي وشيخ الشريعة الأصفهاني وتخرج
عليه في الفقه والأصول طوائف مختلفة. وقد ترك من المؤلفات كتاب نور

(١) مطلع الشمس.
(٤٤٤)

العين في احكام الزوجين وله في الأخلاق كتاب جميل وترجم من الفارسية
كتابا تاريخيا يتضمن حادثة كربلاء وله مجموع اختاره من أشعار العرب انتخبه
مما رق وراق ورتبه أبوابا وفصولا حسب المواضيع التي تضمنها وقد قرضه
السيد محمد القزويني مرتجلا:
كتاب كوشي الروض لاحت سطوره * كازهار أوراد بأوراق اكمام
تضمن أنواع القريض فجل عن * نقائص أوصاف وفاق باتمام
لقد قل ديوان الحماسة دونه * فان عد مجموع يكون هو السامي
تقسم أنواعا من الشعر جمعه * فمن أجل هذا ينتمي لابن قسام
وأرخ بعضهم وفاته بقوله:
بات الجنان بفقد قاسم شاعرا * ولقاسم عند المليك جنان
يا وقعة قسم العذاب لنا بها * وله عشية ارخوا غفران
الشيخ قاسم بن محمد بن جواد الشهير بابن الوتدي.
يروي عن تلميذه السيد حسن ابن السيد عبد الحسين الحسيني
النجفي الشهير بالطالقاني ويروي هو عن السيد نور الدين علي في صاحب
المدارك.
أبو محمد القاسم بن محمد بن جعفر بن أحمد الملقب احمر عينه ابن حمزة ابن
القاسم الأمير باليمن بن إسحاق العريضي بن عبد الله بن جعفر بن أبي
طالب في عمدة الطالب كان نقيب الطرم.
الشيخ قاسم بن محمد الكاظمي الأصل النجفي.
توفي في النجف سنة ١١٠٠.
كان فقيها محدثا ثقة من فقهاء النجف وزهادها وعبادها من
المعاصرين للمجلسي الثاني في القرن الثاني عشر ذكره في أمل الآمل وقال:
عالم عابد فاضل له شرح الاستبصار جامع للأحاديث وأقوال الفقهاء
ويسمى شرح الاستبصار الجامع الكبير، وله كتاب آخر اسمه جامع اسرار
العلماء. تلمذ على عدة مشائخ بطوس ومكة والطائف وقم والغري ومنهم
السيد نور الدين أخو صاحب المدارك. قال صاحب رياض العلماء تشرفت
بادراك صحبته في ارض الغري.
وفي جامع الرواة للأردبيلي: مد الله في عمره وزاد في شرفه فقيه ثقة
من ثقات هذه الطائفة وعبادها وزهادها وهو اليوم من سكان النجف
الأشرف على ساكنه من الصلوات أفضلها ومن التحيات اكملها له شرح
الاستبصار في غاية البسط وكمال الدقة مشتمل على جميع أقوال فقهائنا
رضوان الله عليهم وفي الفوائد الرضوية: رأيت في المشهد الرضوي على
ساكنه السلام قطعة من شرح الاستبصار له تشتمل على كتاب الوصية
والفرائض مع البسط والتفصيل وجمع الأحاديث والأقوال. وكتب في آخر
كتاب الوصية: وقد تم كتاب الوصايا بحمد الله وتوفيقه من كتاب اسرار
العلماء ويتلوه كتاب الفرائض انشاء الله تعالى من الاستبصار وبالله التوفيق
وحرر ذلك يوم الثلاثاء ٢٠ من ذي القعدة سنة ١٠٩٧ باملاء جامعة
القاسم بن محمد الكاظمي اللائذ العائذ بحامي النجف الأشرف والحمد لله
أولا وآخرا وصلى الله على محمد وآله.
وذكر ولده الجليل إبراهيم في ظهر كتاب مزار جامع أبواب الاستبصار
لوالده سبب مجاورته في النجف فقال ما ملخصه انه سمعه مرارا يقول إن
كيفية مجاورته لسيد الوصيين ع ان لزمته ديون فعزم على السفر إلى إيران
فرأى في المنام في الليلة التي أراد السفر في صبيحتها من ينهاه عن ذلك
ويأمره بمجاورة أمير المؤمنين ع فعدل عن السفر وقضى دينه
وحسنت حاله وقال صاحب الرياض انه رآه في النجف وانه مصداق قوله
تعالى سيماهم في وجوههم من اثر السجود.
السيد قاسم ابن السيد محمد ابن السيد احمد ابن السيد عبد العزيز بن أحمد
الموسوي النجفي.
توفي سنة ١٢٤٥.
قال جامع ترجمة السيد عبد العزيز وذريته: كان من العلماء المبرزين
فقيها حكيما نسابة من المدرسين جليل القدر رحب الفناء والصدر محبا لأهل
العلم مقربا لهم وكان جل تلامذته يتناولون الطعام على مائدته له مؤلفات
تلفت في كارثة طاعون سنة ١٢٤٧.
الشيخ قاسم بن محمد بن حمزة بن حسين بن نور علي التستري الحلي.
ولد سنة ١٢٩٠.
في الطليعة: شاعر أديب ومن شعره قوله:
بين السديرة فالمخيف * كم من فؤاد راح يخطف
وبمهجتي قلق الوشا * ح معشق الحركات أهيف
اخشى إذا لعب الدلال * بقده المياس يقصف
لا أرعوي عن حبه * ما أنب اللاحي وعنف
وقوله:
سقى صوب الحيا طللا برامه * ولا غبت مرابعه الغمامة
فكم رجلت له الأنضاء شوقا * وكم لبني الهوى فيه إقامة
وبين المدلجين أخو نفار * براني حبه بري القلامه
صفت مرآة وجنته لعيني * فخلت سوادها في الخد شامه
يصول بمشرفي وهو لحظ * تلاه سمهري وهو قامه
وله:
سرى البرق وهنا بالأثيلات من نجد * فهيج أشواقي إلى العلم الفرد
وفاح لطيم المسك من ربع مية * فانسى شذاه نفحة الشيخ والرند
فيا أخوي المشفقين على الهوى * سألتكما بالله عوجا على دعد
وقولا لها هل لاقتران متيم * سبيل وهل طيف يلم على البعد
وهل أنت بالعهد القديم مقيمة * فاني مقيم ما حييت على العهد
بعيني رضابا من ثناياك انه * هو الشهد بل من دونه لذة الشهد
القاسم بن محمد الطباطبائي الحسني الحسيني الزواري القهباني مولدا.
انتقل إلى أصبهان وسمع الحديث من الشيخ الأعلم الأفضل الأكمل
بهاء الملة والدين محمد بن الحسين بن عبد الصمد العاملي جليل القدر
عظيم الشأن رفيع المنزلة ثقة فاضل كامل بارع في العلوم العقلية والنقلية
وله خصائل حسنة وله تعليقات على الكتب الأربعة المشهورة وسائر الكتب
الفقهية والكلامية والأصولية وله رسائل منها رسالة في مسالة البداء ورسالة
في الفلاحة (١) ويروي عنه العلامة المجلسي ومن تلاميذه ملا محمد علي

(١) جامع الرواة.
(٤٤٥)

الاسترآبادي صاحب كتاب مشتركات الرجال وهو أحد شيوخ رواية ملا محمد سراب.
أبو محمد ويقال أبو عبد الرحمن القاسم بن محمد بن أبي بكر.
توفي سنة ١٠١ أو ١٠٢ أو ١٠٨ أو ١١٢ بقديد منزل بين مكة
والمدينة، فقال كفنوني في ثيابي التي كنت أصلي فيها: قميصي وأزراري
وردائي، والحي أحوج إلى الجديد من الميت، وكان عمره سبعين سنة أو
اثنين وسبعين وقد ذهب بصره. هو جد الصادق ع لامه أم فروة
بنت القاسم وفي ذلك يقول الشريف الرضي:
وحزنا عتيقا وهو غاية فخركم بمولد بنت القاسم بن محمد
قيل إنه كان متزوجا بنت الإمام زين العابدين ع وهو ابن
خالته اماهما بنات يزدجرد بن شهريار آخر الأكاسرة ملوك الفرس، وقال ابن
سعد امه أم ولد يقال لها سورة ووالدة أم فروة هي أسماء وقيل قريبة بنت
عبد الرحمن بن أبي بكر وهو معنى قول الصادق ع ان أبا بكر
ولدني مرتين.
أقوال العلماء فيه
ما قاله علماء الشيعة
روى الحميري في قرب الإسناد في آخر الجزء الثالث بسنده انه ذكر
عند الرضا ع القاسم بن محمد خال أبيه وسعيد بن المسيب فقال كانا
على هذا الامر اي التشيع، وقال خطب أبي إلى القاسم بن محمد يعني أبا
جعفر ع، فقال القاسم لأبي جعفر انما كان ينبغي لك ان تذهب إلى
أبيك حتى يزوجك اه وكانت أم الصادق ع أم فروة بنت
القاسم بن محمد كما مر وعلى هذا يلزم ان يكون القاسم جد أبيه لا خاله
ولعله وقع لفظ الخال موضع الجد سهوا أو أنه سقط اسم قبل القاسم وهو
ولده وهذا هو الاظهر ولعله استعمل الخال في مطلق قرابة الأم توسعا ولكن
في كشف الغمة عن الحافظ عبد العزيز بن الأخضر الجنابدي ان الباقر
ع امه أم عبد الله بنت الحسن بن علي وأمها أم فروة بنت القاسم بن
محمد بن أبي بكر وهذا لا يجتمع مع كون أم فروة هي أم الصادق ع كما
لا يخفى والذي خطب إلى القاسم هو أبو جعفر الباقر ع وهو أبو جد
الرضا ع وكثيرا ما يطلق الأب على الجد وذكرنا في سعيد بن المسيب
قول الصادق ع كان سعيد بن المسيب والقاسم بن محمد بن أبي بكر وأبو
خالد الكابلي من ثقات علي بن الحسين.
وقال المسعودي في اثبات الوصية: كان القاسم من ثقات أصحاب
علي بن الحسين اه وعن رجال ابن داود انه كان فقيها فاضلا اه ولم
أجده في رجاله ذكر في بابه غير ما يأتي عن رجال الشيخ ولعله ذكره في مقام
آخر.
وذكر الشيخ في رجاله القاسم بن محمد في أصحاب الباقر
ع والقاسم بن محمد بن أبي بكر في أصحاب علي بن الحسين.
ما قاله علماء السنة
قال محمد بن سعد في الطبقات قال محمد بن عمر يعني الواقدي:
كان ثقة رفيعا عاليا فقيها إماما ورعا كثير الحديث اه وفي تهذيب
التهذيب لابن حجر قال عبد الله بن شوءذب عن يحيى بن سعيد ما أدركنا
بالمدينة أحدا نفضله على القاسم وقال وهيب عن أيوب ما رأيت أفضل منه
وقال البخاري في الصحيح حدثنا علي حدثنا ابن عيينة حدثنا عبد
الرحمن بن القاسم وكان أفضل أهل زمانه انه سمع أباه وكان أفضل أهل زمانه
. وقال أبو الزناد ما رأيت أحدا اعلم بالسنة منه ولا أحد ذهنا، وقال
ابن وهب عن مالك كان القاسم من فقهاء هذه الأمة قال وكان ابن سيرين
يأمر من يحج ان ينظر إلى هدي القاسم فيقتدي به وقال مصعب الزبيري
والعجلي: كان من خيار التابعين وقال العجلي أيضا مدني تابعي ثقة نزه
رجل صالح، وقال ابن حبان في ثقات التابعين كان من سادات التابعين
من أفضل أهل زمانه علما وأدبا وفقها وكان صموتا انتهى تهذيب
التهذيب.
وقال ابن خلكان: كان من سادات التابعين واحد الفقهاء السبعة
بالمدينة وقد تقدم ذكر ستة منهم وكان أفضل زمانه، وقال ابن حجر:
القاسم بن محمد أحد الفقهاء بالمدينة، وقال أبو أيوب: ما رأيت أفضل منه
من كبار الثالثة.
سيرته
ورث القاسم التشيع عن أبيه وفي تهذيب التهذيب عن البخاري انه
قتل أبوه وبقي القاسم يتيما في حجر عائشة رض وروى ابن سعد في
الطبقات عن ابن عون قال كان القاسم بن محمد يحدث بالحديث على
حروفه أقول الظاهر أن المراد به الصدق والضبط. وعن عبيد الله كان
القاسم لا يفسر يعني القرآن اه وعن أبي الزناد: وما كان القاسم يجيب
الا في الشئ الظاهر وعن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد: لأن يعيش
الرجل جاهلا بعد ان يعلم ما افترض عليه خير له من أن يقول ما لا
يعلم. وقال لقوم تذكرون القدر كفوا عما كف الله عنه. وعن عبد
الرحمن بن أبي الموال رأيت القاسم بن محمد يأتي المسجد أول النهار فيصلي
ركعتين ثم يجلس بين الناس فيسألونه. وكان فص القاسم بن محمد مكتوبا
فيه اسمه واسم أبيه وكان الخاتم من ورق وفصه من ورق، وكان لا يحفي
شاربه جدا يأخذ منه أخذا حسنا، وكان يلبس الخز ويلبس عمامة بيضاء
قد سدل خلفه منها أكثر من شبر ويخضب رأسه ولحيته بالحناء انتهى
الطبقات وفي تهذيب التهذيب: قال مالك كان قليل الحديث والفتيا
اه ومر عن الواقدي انه كان كثير الحديث فلعل المراد بقلة الحديث قلة
الكلام.
المولوي الميرزا قاسم علي صاحب الكربلائي المشهدي اللكنوي.
له تذكرة الطاهرين في أحوالهم ع في خمس مجلدات
بلسان أوردو مطبوع، وله نزهة المصائب ونهر المصائب ودر المصائب وشرعة
المصائب.
الشيخ قاسم بن محمد علي بن أحمد الحائري الشهير بالهر البصير.
ولد سنة ١٢١٦ وتوفي سنة ١٢٧٦ وأضر في آخر عمره.
في الطليعة: كان أديبا شاعرا تقيا ناسكا ومن شعره قوله مضمنا لقبه
ومعرضا بمن اسمه باقي:
(٤٤٦)

لعمري لم أرد أدعي بهر * وان يك ذاك فخري في العراق
فاني ان دعيت أخاف كلبا * بدارك قط ما لي عنه واقي
يهر إذا اتيتكم ويأبى * لعمر أبيكم الا فراقي
فصرت إذا أتيتك بعض يوم * أسائل عنه صبحا من ألاقي
فبعضهم يقول الليث ولى * وبعضهم يقول الكلب باقي
وقوله من قصيدة:
ما أنت يا قلب وبيض الملاح * ووصف كاسات وساق وراح
هلم يا صاح معي نستمع * حديث من في رزئه الجن ناح
لقد قضي ريحانة المصطفى * بين ظبا البيض وسمر الرماح
لهفي عليه مذ هوى ظاميا * موزع الجسم ببيض الصفاح
ثوى أبي الضيم في كربلاء * ورحله فيها غدا مستباح
هبوا بني عمرو العلى للوغى * بكل مقدام بيوم الكفاح
نساؤكم بالطف بين العدى * كأنها بالنوح ذات الجناح
الشيخ قاسم بن محمد بن أحمد بن علي بن حسين بن محيي الدين بن
الحسين بن محيي الدين بن عبد اللطيف بن علي بن محمد بن أبي جامع
الحارثي الهمداني العاملي النجفي.
توفي سنة ١٢٣٧ ذكره سبطه الشيخ جواد في ملحق أمل الآمل
فقال: كان عالما فاضلا فقيها محدثا جامعا ورعا تقيا قرأ على العلامة السيد
مهدي بحر العلوم الطباطبائي وعلى الشيخ الفقيه الشيخ جعفر صاحب
كشف الغطاء وعلى غيرهما وقرأ عليه جماعة من أفاضل مشايخ عصرنا منهم
الشيخ محمد حسن صاحب الجواهر والشيخ حسن ابن الشيخ جعفر والشيخ
جواد ابن الشيخ تقي بن ملا كتاب والشيخ محسن خنفر والشيخ محسن
الأعسم وغيرهم من مشايخ علمائنا المعاصرين وكان معروفا بحسن التقرير
كثير الجد والاشتغال له اليد الطولى في علمي الأصول والرجال له كتاب
نهج الأنام في الفقه ثلاث مجلدات من أول الطهارة إلى أوائل التيمم مستقلا
ومن أول المتاجر إلى بيع أم الولد شرحا على الشرائع ورسالة في حجية خبر
الواحد لم تخرج إلى البياض وصنف نهج الأنام في أواخر عمره حتى نقل عنه
انه كان يقول كتبنا لان نعلم وكتبت الناس لان تتعلم وكان الفراع من
بعض مجلدات النهج المذكور سنة ١٢٢٦ وقد ارخ وفاته الحاج محمد خضر
بقوله:
قبر حوى مثواه أشرف عالم * مقدام قوم ظاهرين أعاظم
هو قاسم المعروف ما بين الورى * بفضائل وفواضل ومكارم
من دوحة ورثوا المعالي والتقى * والعلم قدما عالما عن عالم
هم آل محيي الدين أرباب النهى * فخر البرايا نور هذا العالم
أحيا الهدى والدين بعد خفائه * لا يختشي في الله لومة لائم
لما هوى ركن الشريعة ارخوا * ندبت مدارسها لرزء القاسم سنة ١٢٣٧
وقال في حقه الشيخ إبراهيم صادق العاملي في كلام له: عمدة
المحققين وقدوة الفضلاء المدققين صباح الشريعة ومصباح الشيعة عصام
الدنيا والدين وملاذ الاسلام والمسلمين الشيخ الأعظم والأستاذ المعظم شيخ
الكل في الكل الحاكم بالعدل والناطق بالفضل اه.
السيد قاسم بن محمد بن عبد السلام بن زين العابدين بن عباس العاملي
صاحب نزهة الجليس.
في بغية الراغبين: كان فقيها فاضلا متبحرا في كثير من العلوم كثير
التهجد والعبادة توفي بأصفهان أيام أستاذه ومربيه ابن عمه السيد صدر
الدين ابن السيد صالح ولم يعقب سوى بنت واحدة اه وفي تكملة أمل الآمل كان من المهاجرين من جبل عامل إلى النجف بالأهل والعيال ورحل
إلى أصفهان وكان عند ابن عمه السيد صدر الدين وفي كفالته وكان فقيها
فاضلا وعبدا صالحا كثير العبادة دائم التهجد والصلاة وتزوج والدي ابنته
بأمر عمه السيد صدر الدين وتوفيت قبل سنة ١٢٦٢ ثم توفي أبوها السيد
قاسم بعد سنة ١٢٦٤ سمعت ذلك من والدي، ووالدي يوم كان صهره كان حدث السن
كان ابن ١٨ سنة ولم يبق في أصفهان بعد تزوجه بل رجع
إلى النجف ولما جاء السيد صدر الدين إلى النجف أرسله ليجئ بابنة عمه
السيد قاسم فجاء إلى بلد الكاظمين ع فأخبر بوفاتها فلم يرحل إلى
أصفهان.
قاسم المعروف بارسلان المشهدي.
توفي سنة ١٠٩٥ في لاهور.
من شعراء عصر أكبر شاة الهندي وكان وحيد عصره في التاريخ
وصناعة الخط (١).
الأمير عز الدين أبو فليتة القاسم بن المهنا الحسيني أمير المدينة المنورة.
ذكر عماد الدين محمد بن محمد الكاتب الأصفهاني في كتابه الفتح
القدسي في حوادث سنة ٥٨٣ عند ذكر فتح عكا انه في يوم الثلاثاء ٢٨
ربيع الآخر من هذه السنة بعد فتح السلطان صلاح الدين حصن طبريا
رحل السلطان فنزل عشية بأرض لوبية وبات بها فلما أصبح سار قاصدا
عكا وكان أمير المدينة النبوية صلوات الله على ساكنها في موكبه وهذا الأمير
عز الدين أبو فليتة القاسم بن المهنا الحسيني قد وفد في تلك السنة أو أن
عود الحاج وهو ذو شيبة تقد كالسراج وما برح مع الملك الناصر مأثور المآثر
ميمون الصحبة مأمون المحبة مبارك الطلعة مشاركا في الوقعة فما تم فتح في
تلك السنين الا بحضوره ولا أشرق مطلع من النصر الا بنوره فرأيته ذلك
اليوم للسلطان مسايرا ورأيت السلطان له مشاورا محاورا وانا أسير معهما وقد
دنوت منهما ليسمعاني واسمعهما.
القاسم بن الإمام موسى بن جعفر ع.
ذكر ابن طاوس له زيارة كما ذكر للعباس وروى السيد محمد الهندي
العالم الشهير عن الثقة الجليل علي بن الخليل: كان يحبه الامام حتى قال لو
كانت الإمامة بيدي لجعلتها فيه أو ما هذا معناه وذكر العلامة المجلسي ان
قبره قريب من الغري يريد به هذا القبر المعروف ومثله لا يذكر ذلك بغير
مستند.
الشيخ قاسم النجفي.
من البيت المعروف في النجف ببيت المشهدي توفي ١٢٩٠ كان
تلميذ صاحب الجواهر له كنز الاحكام في شرح شرايع الاسلام خرج منه

(١) مطلع الشمس.
(٤٤٧)

تسع مجلدات ونرجو الله توفيق الاتمام فيمكن ان يكون صنف أكثر
منها.
القاسمي الكونابادي.
له ظفر نامه في فتوحات الشاة إسماعيل الصفوي موجود في مكتبة
فينا بالنمسا.
القاشي.
هو نصير الدين علي بن محمد بن علي القاشي الحلي.
القاضي
يراد به القاضي عبد العزيز بن البراج قاضي طرابلس.
الميرزا قاضي بن كاشف الدين محمد الأردكاني اليزدي نزيل المشهد
المقدس الرضوي.
من تلاميذ الشيخ البهائي وهو أخو الميرزا إبراهيم المجاز من المجلسي
الأول سنة ١٠٦٣ له التحفة الرضوية في شرح الصحيفة الكاملة السجادية
وهو شرح جيد إلا أنه لم يتم بل خرج منه شرح أربعة أدعية من أول
الصحيفة وفرع من جزئه الثاني سنة ١٠٥٦ وينقل عنه السيد نعمة الله
الجزائري في شرحه على الصحيفة معبرا عنه ببعض الأعلام وبعض
الفضلاء، كتبه باسم الشاة عباس الثاني.
السيد القاضي جهان الحسيني السيفي القزويني.
قتل سنة ٩٦٠ كما في شهداء الفضيلة نقلا عن روضة الصفا. وفي
الرياض نقلا عن أحسن التواريخ أنه توفي سنة ٩٦٠ ثم قال في آخر الترجمة
نقلا عن أحسن التواريخ أنه رجع إلى قزوين إلى أن توفي في السنة المذكورة
في رنجانرود ودفن في بقعة الامام زاده شاهزاده حسين. فصاحب أحسن
التواريخ قال إنه توفي ولم تقتل قتلا وظاهره أنه مات حتف أنفه ولم
يقتل وصاحب شهداء الفضيلة يصرح بقتله وينقل ترجمته عن الرياض
وأحسن التواريخ وروضة الصفا وليس في الرياض وأحسن التواريخ ما يدل
على أنه قتل إن لم يكن فيهما الدلالة على العدم فانحصر نقل قتله بروضة
الصفا وليس الجزء الذي فيه تاريخه عندنا فوقع الاختلاف بين أنه قتل أو
مات حتف انفه سنة ٩٦٠ أو ٩٦١ أو ٩٥٠.
ذكره صاحب الرياض في حرف القاف وظاهره أن اسمه مركب من
القاضي جهان.
مولانا قاضي زاده صدخروي.
اسمه داود.
: القاضي التنوخي.
يطلق على علي بن المحسن بن علي بن محمد بن أبي الفهم وعلى أبيه
المحسن صاحب كتاب الفرج بعد الشدة وعلى أبيه علي بن محمد ولا يبعد
انصرافه إلى الأخير.
القاضي النفيس.
اسمه أسعد بن عبد الغني.
قبيصة بن جابر الأسدي.
روى نصر بن مزاحم في كتاب صفين أن عليا ع كان لا
يعدل بربيعة أحدا من الناس فشق ذلك على مضر فطلب أبو الطفيل عامر
ابن وائلة من علي ع أن يعفي ربيعة من القتال أياما ويجعل لكل
قبيلة من مضر يوما تقاتل فيه فاجابه فقاتلت كنانة يوم الخميس مع أبي
الطفيل وقاتلت بنو تميم يوم الجمعة مع عمير بن عطارد. ثم غدا يوم
السبت قبيصة بن جابر الأسدي في بني أسد وهم حي الكوفة بعد همدان
فقال يا معشر بني أسد أما أنا فلا أقصر دون صاحبي وأما أنتم فذاك إليكم
ثم تقدم برايته وهو يقول:
قد حافظت في حربها بنو أسد * ما مثلها تحت العجاج من أحد
أقرب من يمن وأنأى من نكد * كأننا ركن ثبير أو أحد
لسنا بأوباش ولا بيض البلد * لكننا المحة من ولد سعد
كنت ترانا في العجاج كالأسد * يا ليت روحي قد نأت عن الجسد
فقاتل القوم فظفر ثم أتى عليا فقال يا أمير المؤمنين إن استهانة
النفوس في الحرب ابقي لها والقتل خير لها في الآخرة وقاتلت هوازن مع
عبد الله بن الطفيل يوم الأحد.
قبيصة بن ضبيعة العبسي.
من أصحاب حجر بن عدي الناصرين له، روى الطبري أنه لما سير
بحجر وأصحابه مكبلين من الكوفة إلى الشام مروا بجبانة عرزم وكانت بها
دار قبيصة، فإذا بناته مشرفات. فقال للموكل بهم: أئذن لي فاوصي
أهلي، فاذن له، فلما دنا منهن وهن يبكين سكت عنهن ساعة ثم قال:
اسكتن فسكتن، فقال: اتقين الله عز وجل واصبرن فاني أرجو من ربي في
وجهي هذا إحدى الحسينين: إما الشهادة وهي السعادة وإما الانصراف
إليكن في عافية، وإن الذي كان يرزقكن ويكفيني مؤنتكن هو الله تعالى
وهو حي لا يموت أرجو أن لا يضيعكن وأن يحفظني فيكن، ثم انصرف
اه.
ولما وصلوا بهم إلى حرج عذرا، وأرسل معاوية يعرض عليهم أن
يتبرؤوا من علي، فان رفضوا قتلوا، رفض قبيصة كما رفض رفاقه أن
يتبرؤوا من علي، و قالوا بل نتولاه ونتبرأ ممن يتبرأ منه، فاقبلوا يقتلونهم
فوقع قبيصة في يد أبي حريف البدي فقال له قبيصة: إن الشر بين قومك
وقومي آمن أي آمن، فليقتلني غيرك فقال: برتك رحم فاخذ أبو حريف
شريك بن شداد الحضرمي فقتله، وقتل هدبة القضاعي قبيصة بن
ضبيعة.
قتيبة بن أحمد بن شريح البخاري.
توفي سنة ٣١٣.
له التفسير الكبير المعروف بتفسير قتيبة، قاله في كشف الظنون ونص
على تشيعه عند ذكر التفاسير.
(٤٤٨)

القداح
هو عبد الله بن ميمون.
قدامة بن جعفر الكاتب.
ذكره المسعودي في مقدمة كتابه مروج الذهب في عداد المؤرخين وقال
أنه كان حسن التأليف بارع التصنيف موجزا للألفاظ معربا للمعاني وإذا
أردت علم ذلك فانظر في كتابه في الأخبار المعروفة باخبار زهر الربيع
وأشرق على كتابه المترجم بكتاب الخراج فإنك تشاهد منه حقيقة ما قد
ذكرنا وصدق ما وصفنا اه.
وفي أنوار الربيع: أول من اخترع أنواع البديع وسماه بهذا الاسم
عبد الله بن المعتز العباسي، قال الشيخ صفي الدين في شرح بديعيته:
وكان جملة ما جمع منها سبعة عشر نوعا، وعاصره قدامة بن جعفر الكاتب
فجمع منها عشرين نوعا توارد معه على سبعة منها وسلم له ثلاثة عشر،
فتكامل لهما ثلاثون نوعا، ثم اقتدى بهما الناس في التأليف اه. وهو
صاحب كتاب نقد الشعر.
القديمان
العماني والإسكافي
القرآني
من شعراء الفرس.
المولى قربان علي بن علي أصغر الزنجاني
كان أبوه من أهل قرية ارقين من قرى سهرورد رنخان وجاء المترجم
في أوائل سنه إلى زنجان وابتدأ بالتحصيل في مدارسها وحضر برهة قليلة
على الآخوند ملا علي القزويني الساكن بزنجان ثم ارتحل إلى العتبات
المقدسة وحضر درس الشيخ مرتضى الأنصاري سنين كثيرة إلى أن بلغ
المراتب العالية وانتقل بعد وفاته إلى زنجان واشتغل بالوظائف العلمية
والشرعية من البحث والتدريس والقضاء والإفتاء وكان له مجلس بحث
يحضره جماعة كثيرة من فضلاء أهل العلم ويلقي إليهم دروسا في الأصول
والفقه خارجا وكان قد رجع إلى العمل بفتاويه غالب أهالي القفقاس
وتركستان وأذربيجان وغيرها بعد وفاة الميرزا محمد حسن الشيرازي وكان في
نهاية بسطة اليد في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة الحدود الشرعية
ولم يزل على ذلك إلى أن اتفقت الانقلابات السياسية في أوضاع إيران وأعلنت
المشروطية وانقلب النظام القديم إلى النظام الدستوري الحالي فكان من
المتوقفين في الأمر وأخيرا بسبب الانقلاب الحاصل في بلدة زنجان خرج منها
وتوقف في بلد الكاظمين وبقي فيها قريبا من ثلاثة أشهر إلى أن توفاه الله في
أواخر شهر ربيع الأول من سنة ١٣٢٨ ودفن في الرواق المقدس في الصفة
الأخيرة ملاصقا للمسجد الذي هناك. ولم يخرج من آثاره إلا بعض رسائله
العملية وبعض حواشيه على بعض كتب الفتاوى مما كان كتبها لأجل عمل
المقلدين.
قرظة بن كعب الأنصاري.
توفي سنة ٤٠ بالكوفة وقيل مات في إمارة المغيرة على الكوفة لمعاوية.
شهد أحدا وغيرها وشهد سائر المشاهد مع علي ع وولده عمرو
قتل مع الحسين ع بكربلا.
الأمير أبو المنيع قرواش بن المقلد بن المسيب بن رافع صاحب
الموصل.
نسب إليه الباخرزي في دمية القصر وابن خلكان هذه الأبيات
ونسبها صاحب لباب الآداب إلى العلوي صاحب البصرة مع الاختلاف في جملة
من الألفاظ:
من كان يحمد أو يذم مورثا * للمال من آبائه وجدوده
إني امرؤ لله أشكر وحده * شكرا كثيرا جالبا لمزيده
لي أشقر سمح العنان مغاور * يعطيك ما يرضيك من مجهوده
ومهند عضب إذا جردته * خلت البروق تموج في تجريده
ومثقف لدن السنان كأنما * أم المنايا ركبت في عوده
وفي معجم البلدان عند ذكر قصر العباس بن عمرو الغنوي: قرأت
في كتاب ألفه عميد الدولة أبو سعد محمد بن الحسين بن عبد الرحيم الوزير
حدثني أبو الهيجاء بن عمران بن شاهين أمير البطيحة قال كنت أساير
معتمد الدولة أبا المنيع قرواش بن المقلد ما بين سنجار ونصيبين ثم نزلنا
فاستدعاني بعد النزول وقد نزل بقصر هناك مطل على بساتين ومياه كثيرة
يعرف بقصر العباس بن عمرو الغنوي فدخلت عليه وهو قائم في القصر
يتأمل كتابة على الحائط فلما وقع بصره علي قال اقرأ ما هاهنا فتأملت فإذا
على الحائط مكتوب:
يا قصر عباس بن عمرو * كيف فارقك ابن عمرك
قد كنت تغتال الرجا * ل فكيف غالك ريب دهرك
واها لعزك بل لجو * دك بل لمجدك بل لفخرك
وتحته مكتوب: وكتب علي بن عبد الله بن حمدان بخطه في سنة
٣٣١ وهو سيف الدولة، وتحته ثلاثة أبيات:
يا قصر ضعضعك ألزما * ن وحط من علياء فخرك
ومحا محاسن أسطر * شرفت بهن متون جدرك
واها لكاتبها الكريم * وقدرها الموفي بقدرك
وتحته وكتب الغضنفر بن الحسن عبد الله بن حمدان بخطه سنة ٣٦٢
قال ياقوت: قلت أنا وهو أبو تغلب ناصر الدولة ابن أخي سيف الدولة
وتحته مكتوب:
يا قصر ما فعل الألى * ضربت قبابهم بعقرك
اخنى الزمان عليهم * وطواهم تطويل نشرك
واها لقاصر عمر من * يختال فيك وطول عمرك
وتحته مكتوب: وكتب المقلد بن المسيب بن رافع بخطه سنة ٣٨٨
قال ياقوت: قلت هذا والد قرواش بن المقلد أحد أمراء بني عقيل
العظماء، وتحت ذلك مكتوب:
يا قصر أين ثوى الكرا * م الساكنون قديم عصرك
عاصرتهم فبددتهم * وشأوتهم طرا بصبرك
ولقد أطال تفجعي * يا ابن المسيب رقم سطرك
(٤٤٩)

وعلمت أني لاحق * بك مدئب في قفي اثرك
وتحته مكتوب: وكتب قرواش بن المقلد سنة ٤٠١ قال أبو الهيجاء:
فعجبت من ذلك وقتل له متى كتب الأمير هذا قال الساعة وقد هممت بهدم
هذا القصر فإنه مشئوم إذ دفن الجماعة فدعوت له بالسلام وانصرفت ثم
ارتحلنا بعد ثلاث ولم يهدم القصر وبين ما كتب سيف الدولة ومعتمدها
سبعون سنة كاملة فعل الزمان بأعيانه ما ترى. قال وكتب الأمير أبو الهيجاء
تحت الجميع:
إن الذي قسم المعيشة في الورى * قد خصني بالسير في الآفاق
مترددا لا أستريح من العنا * في كل يوم ابتلى بفراق
انتهى معجم البلدان.
وأورد له في رسالة ابن زيدون:
لله در النائبات فإنها * صدء اللئام وصيقل الأحرار
ما كنت إلا زبرة قطعنني * سيفا وأطلق صدقهن كذا غراري
السيد قريش بن محمد الحسيني
له كتاب مجمع المصائب في نوائب الأطائب في مقتل الحسين ع
رأينا منه نسخة مخطوطة في طهران في مكتبة شريعتمدار الرشتي بخط غلام
علي بن علي كتبت سنة ١٠٤٢ وينقل في نفائس اللباب علي بن جعفر
الأصفهاني وله مجمع المناقب فارسي ذكر فيه فضائل الأئمة الاثني عشر من
كلا الطريقين كتبه في بلاد الهند سنة ١٢٣٨.
علم الدين أبو المعالي قريش بن بدران بن المقلد العقيلي المضري أمير
العرب.
كان ملكا هماما شجاعا مقداما وكان من إقطاعه نهر الملك وبادوريا
والأنبار وهيت ودجيل ونهر بيطر وعكبرا وأوانا ولما دخل السلطان طغرلبك
مدينة السلام سنة ٤٤٧ التجأ أبو الحارث البساسيري إلى علم الدين فامر
السلطان بنهب معسكره فهرب قريش إلى بدران بن المهلهل وانفذ إلى
السلطان بالطاعة ولما خرج السلطان إلى الجبل لأجل أخيه ينال نزل مع
البساسيري إلى بغداد ونهبوا فاستامن الخليفة إلى علم الدين سنة ٤٥٠
وجرى ما جرى ومات قريش بالطاعون (١).
السيد قريش بن سميع بن مهنى العلوي المدني الحسيني.
من أجل الأصحاب. له كتاب فضل العقيق والتختم به وله المختار
من كتابي الاستيعاب لابن عبد البر والطبقات لابن سعد في الرياض،
نسب إليه الكتابين السيد حسين بن مساعد في كتاب تحفة الأبرار. يروي
عنه السيد رضي الدين علي بن طاوس، ويروي عنه السيد فخار بن معد
الموسوي، وهو يروي عن الحسين بن رطبة عن الشيخ علي ابن شيخ
الطائفة.
قريش المشهدي
من شعراء الفرس.
قصيطل بن زهير بن سليمان الحسيني أمير المدينة.
في الضوء اللامع: ولي المدينة بعد انفصال ضيغم سنة ٨٣ بمعاونة
صاحب الحجاز فدام إلى أثناء سنة ٨٧ ثم انفصل بدعوى بتعريض كذا
المشار إليه لإضافة صاحب مصر أمر بلاد الحجاز إليه اه.
: القطان
هو أحمد بن الحسين.
قطب الدين بن الأقساسي
له تقريض على المستنصريات وهو كتاب فيه قصائد في المستنصر
العباسي من نظم عبد الحميد بن هبة الله بن محمد بن أبي الحديد، رزقه
الله الرحمة، كذا في النسخة، منها نسخة في الخزانة الغروية في ثلاثين ورقة
بخط قديم من وقف أحمد بن السعيد الحاجي حسن بن علي بن خرس
المجاور في ربيع الأول سنة ٨٠٢ عن يد محمد بن الحسن بن محمد
الاسترآبادي وعلي بن الحسن بن محمد الاسترآبادي وكتب على ظهره هكذا
والظاهر أنه بخط ابن أبي الحديد للصاحب الصدر النقيب الطاهر قطب
الدين ابن الأقساسي أدام الله أيامه:
جزء تضمن نظم أروع ماجد * سباق غايات وترب محامد
نظم امرئ ملك الفصاحة والنهى * وسما بطارف فضله والتالد
جبنا بعون قصائد من نظمنا * فشا وفاق بكل بكر ناهد
من كل قافية إذا ما أنشدت * شهدت معانيها بصدق الرايد
قد حملت حكما تدل على الذي * فيه من الفضل الجسيم الزايد
نظم كما نظمت عقود جواهر * فصلته من حسنه بفرايد
جلى لنا أشعارنا إذ عطلت * أجيادها من نظمه بقلايد
حسدت قصايدنا معاني شعره * والغادة الحسناء ذات حواسد
وغدوت منتقدا له فوجدته * كالتبر يغني جنسه عن ناقد
برزت يا عبد الحميد وجزت في * غايات فضلك كل ساع جاهد
وضح الدليل على فضائلك التي * نطقت فاغنى صدقها عن شاهد
وأول الكتاب هكذا: بسم الله الرحمن الرحيم قصائد عرضتها على
الامام المستنصر بالله قدس الله روحه في عيد الفطر أذكر فيها التتار خذلهم
الله وما أطلقه رضي الله عنه من الأموال في تجهيز العساكر المنصورة إليهم
وأهنئه بالعيد المذكور.
بدوام سعدك يحكم الدهر * وبيمن جدك ينزل النصر
وبحسن نيتك الشريفة لا * بؤس يلم بنا ولا ذعر
آراؤك الزغف المضاعف والبيض * الطريرة والقنا السمر
وإذا طغا يأجوج مارقة * فالسد أنت ومالك القطر
إلى أن يقول:
آباؤك البيض الغطارفة الشم * الكرام السادة الزهر
وبجدك العباس مبتهلا * دعي الغمام فاسبل القطر
ساقي الحجيج ومن محلته * أم القرى ومعانة الحجر
وهو الشفيع لأهل مكة يوم الفتح * وهو عصبصب نكر
وقال عند ذكر تاريخ نظم بعض القصائد وهو سنة ٦٣١ وقد اتفق في
هذا الوقت ورود الأخبار بإقامة الدعوة الشريفة على كثير من منابر الأندلس
وضرب السكة بالسمة الشريفة المستنصرية ووصل من تلك الجهة رسل.

(١) معجم الآداب.
(٤٥٠)

قطب الدين الكيدري
اسمه محمد بن الحسين بن الحسن بن محمد بن الحسين بن أبي المحامد الكيدري.
القطب الراوندي اسمه سعيد بن عبد الله بن هبة الله وكثيرا ما يقال سعيد بن هبة
الله فينسب إلى جده اختصارا.
قطب الدين الرازي
اسمه محمد بن محمد.
السلطان قلي قطبشاه الأول ملك حيدرآباد دكن وحواليها.
يظهر من تاريخ القطب شاهية ان السلطان المذكور توفي وعمره مائة سنة
وسنة فيكون تاريخ ولادته حينئذ سنة ٨٤٩ بالقياس إلى تاريخ وفاته ولم يذكر
التنصيص على تاريخ ولادته في كتب التواريخ ولهذا التجأنا في استخراج
تاريخ ولادته إلى مقايسة عمره مع تاريخ وفاته وهو أول سلسلة الملوك
القطب شاهية الذين ملكوا مملكة دكن في الهند أكثر من قرن وكانوا كلهم من
الشيعة الإمامية واستقل المترجم بالسلطنة بعد وفاة مخدومه السلطان محمد
شاة البهمني في سنة ٩٢٤ ه‍ ١٥١٨ وكان من قبل أحد عماله وقواده.
وينتهي نسب المترجم إلى عائلة قره يوسف التركمان ومحل ولادته
سعدآباد من توابع حمدان ولما رحل من إيران إلى مملكة دكن في
زمن سلطانها محمد شاة البهمني رأى من القرب والوجاهة في بلاطه ما كان
يشاء ويروم وقلده محمد شاة المذكور امارة تلنكانة وهي أحد مقاطعات
دكن ولقبه بلقب قطب الملك فلما توفي مخدومه هذا أعلن استقلاله
بالسلطنة وزاد في حدود مملكته وتوسع بالفتوح.
وكان مولعا في التعميرات وتشييد الأبنية والقصور فبنى بعض القلاع
المشيدة وبعض المدن الجميلة وكان له طرز جديد أبدعه في هندسة البناء
وكيفية التعمير وجمع في طرزه الجديد بين التعمير الإيراني والهندي والأفغاني
وهذه كيفية أبدعها في التعمير وتعرف حتى الآن باسمه اي باسم التعمير
القطب شاهي.
ولما جاوز عمره المائة ثقل طول عمره وتمادي سلطنته على ولده وولي
عهده يارقلي جمشيد فأشار هذا إلى بعض رجاله المسمى مير محمد الهمذاني
بقتله فقتله مير محمد المذكور في المسجد الجامع حال الصلاة في سجوده وكان
ذلك في يوم الأحد الثاني من جمادى الثاني سنة ١٩٥٠ ه‍ ٥٤٣ م ويستخرج
تاريخ وفاته من هذه العبارة فياض هند وهو مدفون في مقبرة مشيدة
وعليه قبة كبيرة كان قد أحدثها في حياته لتكون تربة له بعد وفاته وقد كتب
على قبره أسماء النبي والوصي والزهراء والأئمة الاثني عشر إلى صاحب
الزمان مع تاريخ وفاته.
وقبره مع سائر قبور سلسلته في محوطة مخصوصة في خارج مدينة حيدر
آباد دكن أكثر من أربع فراسخ وكانت هذه المقبرة في أيام دولتهم محترمة
ومحمية بحيث لو دخلها اي مجرم وأيا كان جرمه يعفى عنه ويخلى سربه
وكانت تسمى هذه المقبرة في زمان دولتهم لنكر فيض اثر وفي عصر كل
يوم يقدم فيها الاطعام العمومي للفقراء والمساكين وكان تعميرها على يد
المترجم (١).
وكان له ستة أولاد الأول حيدر قلي توفي في حياة أبيه الثاني جمشيد قلي
وقد يسمى يارقلي جمشيد وكان ولي عهده وملك بعد قتل أبيه سبع سنين
الثالث عبد الكريم توفي قبل أبيه الرابع قطب الدين وكان أبوه قد جعله
ولي العهد غير أن جمشيد قلي أخاه الأكبر سمل عينيه الخامس دولت خان
وكان قاصر العقل السادس إبراهيم قلي قطبشاه الرابع وملك مدة.
قطب الدين بن سلطان قلي قطبشاه الأول.
سمل عينيه اخوه الأكبر جمشيد حين سلطنته توفي سنة ١٠٢١ ه‍.
قطب شاة سلطان كلكتة.
في النور السافر: توفي سنة ٩٨٩.
قال: كان عادلا كريما الا انه كان غاليا في التشيع رحمه الله
اه.
القطيفي
هو الشيخ إبراهيم بن سليمان القطيفي الغروي.
القعقاع بن الأبرد بن طهرة الطهوي.
الطهوي نسبة إلى طهية قبيلة من تميم.
مر ذكر أبيه الأبرد في المستدركات الملحقة بالجزء ١٧. وانه قتل مع
علي ع بصفين أما القعقاع فروي نصر بن مزاحم في كتاب صفين عن
سليمان الأعمش عن إبراهيم الهجري قال حدثنا القعقاع بن الأبرد
الطهوي: قال: والله اني لواقف قريبا من علي بصفين يوم وقعة الخميس
وقد التفت مذحج وكانوا في ميمنة علي وعك وجذام ولخم والأشعرون
وكانوا مستبصرين في قتال علي ولقد والله رأيت في ذلك من قتالهم وسمعت
من وقع السيوف على الرؤوس وخبط الخيول بحوافرها في الأرض وفي
القتلى ما الجبال تهد ولا الصواعق تصعق بأعظم هو لا في الصدور من ذلك
الصوت ونظرت إلى علي وهو قائم فدنوت منه فسمعته يقول لا حول ولا
قوة الا بالله والمستعان الله ثم نهض حين قام قائم الظهيرة وهو يقول
ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين وحمل على الناس
بنفسه وسيفه مجرد بيده الحديث.
القندي
هو زياد بن مروان.
السيد الجليل الرئيس الميرزا قوام الدين خان بن الصدر الكبير الميرزا رفيع
الدين محمد ابن السيد شجاع الدين محمود ابن المير السيد شجاع الدين
محمود الحسيني المرعشي.
ذكرنا في ترجمة شجاع الدين انه جد سلطان العلماء محشي الروضة
والمعالم وذكرنا هناك شيئا مما يتعلق بالمقام، وعليه فالمترجم هو أخو سلطان
العلماء المشهور. كان عالما فاضلا بارعا شاعرا لبيبا تقلد الصدارة العظمى

(١) مآثر دكن.
(٤٥١)

من قبل الشاة عباس الأول بعد وفاة والده الميرزا رفيع الدين محمد الصدر
وبقي صدرا إلى سنة ١٠٧٥ فسعى به رجل من رجال الدولة من المتوقعين
منه العطاء عند السلطان فعزله فخرج من أصبهان إلى بلاد الهند وبلغ عند
سلطانها مرتبة عظيمة وبقي بها إلى أن توفي وخلف الرئيس الشريف
الأمير صف شكز خان، اوردهما اعتماد السلطنة وسائر المؤرخين في كتبهم.
السيد قوام الدين بن علي بن قوام الدين بن حمزة بن هادي بن معمر بن
محمد بن الحسن بن أبي عبد الله احمد المنقلي.
قال السيد ضامن بن شدقم: قال جدي حسن المؤلف طاب ثراه
والمريكي عن روضة الصفا: كان سيدا جليلا عالما فاضلا كاملا صالحا ورعا
زاهدا عابدا اعتقده الخاص والعام وتابعوه في جميع الأحكام وفي أحد شهور
سنة ٧٨١ وقبل ٩٨١ أظهر لخواصه المعتمدين الخروج على مازندران
فاستبشروا فرحا وأعانوه بالمال والرجال ولم يكن بطبرستان أحد من السادة
الاشراف غير الأمير الحاكم وكان كثير التردد بالتودد على قوام الدين
هذا في الخلوات فجاء ذات يوم إليه على جاري عاداته فنهض إليه جماعة من
الدهليز فقتلوه خفية ثم علم أصحابه فتفرقوا هربا ولم يثبت منهم أحد
فاستولى قوام الدين عليها وعلى أمل وسار إلى ساريه فاتخذها منزلا وموطنا
وأظهر في الرعية العدل والإنصاف ولم يزل بها إلى أن أدركته المنية وهو أول
من ملكها من هذا البيت وقد أدركه السيد عبد الله بن عبد الكريم بن محمد
بن مرتضى بن كمال الدين سنة ٨٦٦ ثم وليها من بعده بنوه ولم يزل الملك
لهم بها إلى سنة ١٠٠ فوليها الشاة عباس ابن الشاة محمد خدابنده
الصفوي.
السيد قوام الدين الحسيني السيفي القزويني.
توفي في عشر الخمسين بعد المائة والألف.
في اجازة السيد عبد الدين نور الدين بن نعمة الله الجزائري: كان
فاضلا علامة محققا كثير الاحتياط في العلم والعمل عظيم النفع جليل الشأن
مهذب الأخلاق ذكرته في تذييل السلافة بقولي: ذروة الشرف السامي
ومالك ناحية الفضل ومصرف أزمة النثر والنظم إلى علم وسع المعقول
والمنقول وأحاط بالأصول والفروع وحلم وكرم وجود واخلاق وكان بينه
وبين الوالد من المخالفة والمصافاة ما بين الخليطين المتصادقين لا يرى أحدهما
في الدنيا فضلا الا للآخر ومن شعره ما كتبه إلى الوالد في جواب كتاب:
نور الهداية قد بدا من تسترا * تأبى فضائل سيدي ان تسترا
وقد كنت كثر الشوق إلى لقائه لما أسمعه من الوالد من الاطراء في
ثنائه إلى أن سهل الله الاجتماع به بقزوين وقد انهكه الهرم وذلك في عشر
الخمسين بعد المائة والألف فرأيته فوق الوصف وعرضت عليه بأمره شرح
المفاتيح قلما اجال فيه النظر اخذ القلم وسطر:
ففيه تمام الكشف عن مشكلاته * بطرز أنيق جاء للسعي شافيا
وأشرق نور الدين منه بنعمة * من الله أبدى كل ما كان خافيا
ثم أمرني بانشاد شئ من الشعر فأنشدته شيئا من تشطيري لقصيدة
البهائي الرائية في صاحب الزمان ثم استدنى المحبرة وجعل يكتب ما أنشدته
وهو كثير الشعر جدا بالعربية والفارسية والتركية وقد نظم كثيرا من المتون
بأرجوزات حسنة كاللمعة والكافية وخلاصة الحساب وصحيفة الأصطرلاب
والزبدة وغيرها يروي عن الشيخ جعفر القاضي ورثاه بمرثية حسنة اوردتها
في تذييل السلافة وراسلني بعد ما فارقته بمنظومة جيدة وأجبته بمثلها وتوفي
بعد ذلك بزمن يسير.
قياس المشهدي
من شعراء الفرس وكانت صنعته الصياغة (١).
قيس بن خرشة القيسي من بني قيس بن ثعلبة الصحابي.
ذكره ابن عبد البر في الاستيعاب، وقال له صحبة، أراد
عبيد الله بن زياد قتله لأنه كان شديدا على الولاة، قوالا بالحق، فلما أعد
له العذاب لمراجعته إياه فاضت نفسه قبل ان يصيبه شئ.
وفي السيرة الحلبية: أنه قال لرسول الله ص أبايعك على ما جاء من
الله وعلى ان أقول الحق، فقال له رسول الله ص: عسى ان مر بك
الدهر ان يليك ولاة لا تستطيع ان تقول معهم الحق، فقال قيس لا والله لا
أبايعك على شئ الا وفيت به، فقال له رسول الله ص إذا لا يضرك
شئ، وكان قيس يعيب زياد وابنه عبيد الله بن زياد من بعده فبلغ ذلك
عبيد الله بن زياد فأرسل إليه فقال أنت الذي تفتري على الله وعلى رسوله
فقال لا والله، ولكن ان شئت أخبرتك بمن يفتري على الله وعلى رسوله،
قال ومن هو؟ قال من ترك العمل بكتاب الله وسنة رسوله ص قال ومن
ذلك؟ قال أنت وأبوك ومن امركما، قال وأنت الذي تزعم أنه لا يضرك
بشر؟ قال نعم، قال لتعلمن اليوم انك كاذب إئتوني بصاحب العذاب،
فمال قيس عند ذلك فمات اه.
قيس بن سعد بن عبادة الخزرجي الأنصاري.
توفي سنة ستين وهي السنة التي تو فيها معاوية.
هو من كبار الصحابة وكان من النبي ص بمنزلة صاحب الشرطة من
الأمير مشهد مع النبي ص المشاهد كلها، وكان حامل أية الأنصار مع
رسول الله ص، اخذ النبي ص يوم الفتح الراية من أبيه ودفعها إليه.
كان كريما شجاعا طوالا جدا أمد الناس قامة، وما في وجهه طاقة
شعر، وكانت الأنصار تقول وددنا لو نشتري لقيس بأموالنا لحية، وكان مع
ذلك جميلا.
وكان من دهاة العرب، أهل الرأي والمكيدة في الحرب مع النجدة
والشجاعة والسخاء، وكان شريف قومه غير مدافع، وكان أبوه وجده
كذلك. وكان يقول، لولا الاسلام، عكرت مكرا لا تطيقه العرب،
وعنه أنه قال، لولا سمعت رسول الله ص يقول: المكر والخديعة في
النار لكنت من امكر هذه الأمة.

(١) مطلع الشمس.
(٤٥٢)

كرمه
قال إبراهيم بن سور بن هلال الثقفي في كتاب الغارات: كان قيس
مع بعض الصحابة في سفر في حياة رسول الله ص فكان ينفق عليهم
ويفضل، فقال أحدهم: ان هذا لا يقوم به مال أبوك فامسك يدك، فلما
قدموا من سفرهم، قال سعد لذلك القائل: أردت ان تبخل
ابني، انا يقوم لا نستطيع البخل. وكان قيس يقول في دعائه اللهم ارزقني
حمدا ومجدا، فإنه لا حمد الا بفعل، ولا مجد الا بمال اللهم وسع علي فان
القليل لا يسعني ولا أسعه.
وعن جابر في قصة جيش العرة ان قيسا كان في ذلك الحين وانه كان
ينحر ويطعم حتى استدان بسبب ذلك فهناه أمير الجيش وهو أبو عبيدة فبلغ
النبي ص، فقال: الجود من شيمة أهل هذا البيت.
وجاءته عجوز كانت تالفه، فقال لها كيف حالك؟ فقالت ما في بيتي
جرذ، فقال ما أحسن ما سالت، لأكثرن جرذ بيتك املؤوا بيتها خبزا
ولحما وسمنا وتمرا.
ولاؤه لعلي ع
كان مخلصا في الولاء لعلي ع عارفا بقدره، وبلغ به الأمر ان
خاصم أباه حين ذكر أمامه مرة كلاما كان سمعه من النبي ص في حق
علي، فقال قيس لأبيه، أنت سمعت رسول الله ص يقول هذا الكلام في
علي ابن أبي طالب ثم تطلب الخلافة ويقول أصحابك منا أمير ومنكم أمير،
والله لا كلمتك من رأسي بعد هذا كلمة ابدا.
وقال عنه الفضل بن شاذان: انه كان من السابقين الذين رجعوا إلى
أمير المؤمنين ع. وقال ابن أبي الحديد: كان قيس من كبار شيعة أمير
المؤمنين ع وقاتل بمحبته وولائه، وشهد معه حروبه كلها، وكان مع
الحسن ع ونقم عليه صلحه معادية، وكان طالبي الرأي مخلصا اعتقاده
ووده.
وقال إبراهيم بن سعيد بن هلال الثقفي في كتاب الغارات: كان
قيس من شيعة علي مناصحا له ولولده، ولم يزل على ذلك إلى أن مات.
توليته مصر وعزله عنها
قال إبراهيم: لما ولي علي ع الخلافة قال لقيس من كلام له،
سر إلى مصر فقد وليتك، فإذا أنت قدمتها إن شاء الله فاحسن إلى
المحسن، واشتد على المريب وارفق على العامة والخاصة فالرفق أيمن.
فقال قيس من كلام له: واما ما أوصيتني به من الرفق والاحسان،
فالله تعالى هو المستعان على ذلك.
فخرج قيس في سبعة من أهله حتى دخل مصر، فصعد المنبر، وامر
بكتاب معه فقرئ على الناس، فيه: من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى
من بلغه كتابي هذا من المسلمين، سلام عليكم، فاني احمد الله إليكم،
الذين لا اله إلا هو إما بعد فان الله بحسن صنيعه وقدره وتذكيره اختار
الاسلام دينا لنفسه وملائكته ورسله وبعث به أبناءه إلى عباده، فكان مما
أكرم الله عز وجل به هذه الأمة وخصهم من الفضل ان بعث محمدا ص
إليهم فعلمهم الكتاب والحكمة والسنة والفرائض وأدبهم لكيما يهتدوا
وجمعهم لكيما لا يتفرقوا وزكاهم لكيما يطهروا فلما قضى من ذلك ما عليه
قبضه الله إليه فعليه صلوات الله وسلامه ورحمته ورضوانه، ثم إن المسلمين
من بعده استخلفوا أميرين منهم أحسنا السيرة ثم توفيا فولي من بعدهما وال
أحدث احداثا فوجدت الأمة عليه مقالا، فقالوا ثم نقموا فتغيروا ثم
جاءوني فبايعوني وانا استهدي الله الهدى وأستعينه على التقوى، الا وان
لكم علينا العمل بكتاب الله وسنة رسوله والقيام بحقه والنصح لكم بالغيب
والله المستعان وحسبنا الله ونعم الوكيل. وقد بعثت لكم قيس بن سعد
الأنصاري أمير فوازروه وأعينوه على الحق. وقد امرته بالاحسان إلى
محسنكم والشدة على مريكم والرفق بعوامكم وخواصكم وهو ممن ارضى
هديه وارجو صلاحه ونصحه أسال الله لنا ولكم عملا زاكيا وثوابا جميلا
ورحمة واسعة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
فلما فرع من قراءة الكتاب قام قيس خطيبا فحمد الله وأثنى عليه وقال
الحمد الله الذي جاء بالحق وأمات الباطل وكبت الظالمين. أيها الناس انا
بايعنا خير من فعلم من بعد نبينا محمد ص فقوموا فبايعوا على كتاب الله
وسنة رسوله فان نحن لم نعمل بكتاب الله وسنة رسوله فلا بيعة لنا عليكم.
فقام الناس فبايعوا. واستقامت أمور مصر واعمالها لقيس وبعث
عليها عماله. الا ان قرية منها قد أعظم أهلها مثل عثمان، وبها رجل من
بني كنانة يقال له يزيد بن الحارث، فبعث إلى قيس: انا لا نأتيك فابعث
عمالك فالأرض أرضك، ولكن اقرنا على حالنا حتى ننظر إلى ما يصير إليه
أمر الناس.
ووثب مسلمة بن مخلد الأنصاري فنعى عثمان ودعا إلى الطلب
بدحه، فأرسل إليه قيس ويحك أ علي تثبت والله ما أحب ان لي ملك الشام
ومصر واني قتلتك فاحقن دمك. فأرسل إليه مسلمة، اني كاف عنك ما
دمت أنت والي مصر. وبعث قيس إلى الذين اعتزلوا اني لا أكرهكم على البيعة ولكني
أدعكم واكف عنكم فهادنهم وهادن مسلمة بن مخلد، وجبى الخراج،
وليس أحد ينازعه.
وخرج علي ع إلى الجمل وقيس على مصر، ورجع إلى الكوفة
من البصرة وهو بمكانة، فكان أثقل خلق الله على معاوية لقرب مصر
واعمالها من الشام ومخافة ان يقبل علي باهل العراق ويقبل إليه قيس باهل
مصر فيقع بينهما.
وكتب معاوية إلى قيس وعلي يومئذ بالكوفة قبل ان يسير إلى
صفين:
من معاوية بن أبي سفيان إلى قيس بن سعد سلام عليك فاني احمد
الله إليك الذي لا اله إلا هو. إما بعد ان كنتم فقمتم على عثمان في عثرة
رأيتموها أو ضربة سوط ضربها أو شتمه رجلا أو تسييره أحدا أو في
(٤٥٣)

استعماله الفتيان من أهله فإنكم قد علمتم ان كنتم تعلمون ان دمه لم يكن
ليحل لكم بذلك فقد ركبتم عظيما من الامر وجئتم شيئا إذا فتب يا قيس
إلى ربك ان كنت من المجلبين على عثمان إن كانت التوبة قبل الموت تفي
شيئا، واما صاحبك فقد استيقن انه أغرى الناس بقتله وحملهم
على قتله على قتله، وانه لم يسلم من دمه عظيم قومك، فان استطعت يا قيس أن تكون
ممن يطلب بدم عثمان فافعل وبايعنا على علي في أمرنا هذا ولك
سلطان العراقين ان انا ظفرت ما بقيت ولمن أحببت من أهل بيتك سلطان
الحجاز ما دام لي سلطان وسيلتي غير هذا ما تحب فإنك لا تسألني شيئا الا
أثبته واكتب إلي رأيك فيما كتبت إليك
فلما جاء إليه كتاب معاوية أحب ان يرافقه ولا يبدي له امره ولا
يعجل له حرية فكتب إليه:
إما بعد فقد وصل إلي كتابك وفهمت الذي ذكرت من أمر عثمان
وذلك أمر لم أقاربه وذكرت ان صاحبي هو الذي أغرى الناس بعثمان
ودسهم إليه حتى قتلوه، وهذا أمر لم اطلع عليه وذكرت لي ان عظيم
عشيرتي لم تسلم من دم عثمان فلعمري ان أولى الناس كان في امره
عشيرتي. وأما ما سألتني من مبايعتك على الطلب بدمه وما عرضت علي
فقد فهمته وهذا أمر لي فيه نظر وفكر، وليس هذا مما يعجل إلى مثله. وانا
كان عنك وليس يأتيك من قبلي شئ تكرهه حتى نرى وترى إن شاء الله
تعالى والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.
فلما قرأ معاوية كتابه لم يره الا مقاربا مباعدا، ولم يا من من أن يكون
في ذلك مخادعا مكايدا، فكتب إليه:
إما بعد فقد قرأت كتابك فلم ارك تدنو فأعدك سلما ولم ارك تباعد
فأعدك حربا، أراك كحبل الجرور، وليس مثلي يصافح بالخدايع ولا يخادع
بالمكايد ومعه عدد الرجال وأعنة الخيل فان قبلت الذي عرضت عليك فلك
ما أعطيتك وان أنت لم تفعل املأ عليك مصر خيلا ورجلا والسلام.
فلما قرأ قيس كتابه وعلم أنه لا يقبل منه المدافعة والمطاولة أظهر له ما
في نفسه فكتب إليه:
من قيس بن سعد إلى معاوية بن أبي سفيان. أما بعد فالعجيب من
استسقاطك رأيي والطمع في أن تسومني، لا أبا لغيرك الخروج من طاعة
أولى الناس بالامر وأقولهم بالحق وأهداهم سبيلا وأقربهم من رسول الله
وسيلة وتأمرني بالدخول في طاعتك طاعة ابعد الناس من هذا الأمر وأقولهم
بالزور وأضلهم سبيلا وانآهم من رسول الله وسيلة، ولذلك قوم ضالون
مضلون طواغيت من طواغيت إبليس. واما قولك انك تملأ علي مصر خيلا
ورجلا فلئن لم أشغلك في ذلك حتى يكون منك انك لذو جد. والسلام.
فلما اتى معاوية كتاب قيس أيس ونقل مكانه عليه وكان ان يكون
مكانة غيره أحب إليه، فاظهر للناس ان قيسا قد بايعكم فادعوا الله له وقرأ
عليهم كتابه الذي لان فيه وقاربه واختلق كتابا نسبه إلى قيس فقرأه على
أهل الشام. قال: فشاع في الشام كلها ان قيسا صالح معاوية. واتت
عيون علي إليه بذلك فأعظمه واكبره وتعجب له ودعا ابنيه حسنا وحسينا
وابنه محمدا وعبد الله بن جعفر فاعلمهم بذلك وقال ما رأيكم؟ فقال
عبد الله بن جعفر يا أمير المؤمنين دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، اعزل
قيسا عن مصر. قال علي والله اني غير مصدق بهذا على قيس. فقال
عبد الله اعزله يا أمير المؤمنين فإن كان ما قد قيل حقا فلا يعتزل لك ان
عزلته. قال: وانهم لكذلك إذ جاءهم كتاب من قيس بن سعد فيه:
إما بعد فاني أخبرك يا أمير المؤمنين أكرمك لله وأعزك ان قبلي رجالا
معتزلين سألوني ان اكف عنهم وأدعهم على حالهم حتى يستقيم أمر الناس
فترى ويرون، وقد رأيت أن أكف عنهم ولا أعجل بحربهم وان تألفهم فيما
بين ذلك لعل الله ان يقبل بقلوبهم ويفرقهم عن ضلالهم إن شاء الله
والسلام.
فقال عبد الله بن جعفر يا أمير المؤمنين انك ان أطعته في تركهم
واعتزالهم استشري الامر وتفاقمت الفتنة وقعد عن بيعتك كثير ممن تريده
على الدخول فيها، ولكن مره بقتالهم.
فكتب إليه علي يشير بقتالهم، واجابه قيس بان الرأي ترك قتالهم،
فلما اجابه بذلك قال عبد الله بن جعفر يا أمير المؤمنين ابعث محمد بن أبي
بكر إلى مصر يكفيك امرها واعزل قيسا فوالله لبلغني ان قيسا يقول إن
سلطان لا يتم الا بقتل مسلمة بن مخلد لسلطان سوء، والله ما أحب ان لي
سلطان الشام مع سلطان مصر وانني قتلت ابن مخلد.
وكان عبد الله بن جعفر أخا محمد بن أبي بكر لامه، وكان يحب ان
يكون له امرة وسلطان، فاستعمل علي محمد بن أبي بكر على مصر وكتب
معه كتابا إلى أهل مصر قدمها، فقال له قيس ما بال أمير المؤمنين؟ ما
غيره؟ أ دخل أحد بيني وبينه؟ أ منزلا هذا السلطان سلطانك، وكان بينهما
نسب، كان قيس متزوجا قريبة بنت أبي قحافة أخت أبي بكر، فكان
قيس زوج عمة محمد، فقال قيس لا والله لا أقيم معك ساعة واحدة
وغضب حين عزله علي، وخرج من مصر مقبلا إلى المدينة، ولم يمض إلى
علي بالكوفة.
قال إبراهيم: ثم اقبل قيس حتى قدم المدينة فجاءه حسان بن ثابت
شامتا وكان عثمانيا، فقال له: نزعك علي بن أبي طالب وقد قتلت عثمان
فبقي عليك الإثم ولم يحسن لك الشكر، فزجره قيس، وقال: يا أعمى
القلب يا أعمى البصر، والله لولا أن القي بين رهطي ورهطك حربا
لضربت عنقك، ثم أخرجه من عنده.
ثم إن قيسا وسهل بن حنيف خرجا حتى قدما على علي بالكوفة فخبره
قيس الخبر وما كان بمصر فصدقه وشهد مع علي صفين هو وسهل بن
حنيف.
وفي التعليق على عزل قيس عن مصر كتب عباس محمود العقاد في
كتابه عبقرية الامام:
عزله الامام لأنه شك فيه، وكان أصحاب علي يحرضونه على عزله
وهو يستمهلهم ويراجع رأيه فيه حتى اجتمعت الشبهات لديه، فعزله غير
واثق من التهمة، ولكنه كذلك غير واثق من البراءة.
وشبهاته مع ذلك لم تكن بالقليلة ولا بالضعيفة، فان قيس بن سعد
لم يدخل مصر الا بعد ان مر بجماعة من حزب معاوية فأجازوه ولم يحاربوه
(٤٥٤)

وهو في سبعة نفر لا يحمونه من بطشهم، فحبسوه حين أجازوه من العثمانية
الهاربين إلى مصر من دولة علي في الحجاز.
ولما بايع المصريون عليا على يديه بقي العثمانيون لا يبايعون ولا
يثورون وقالوا له: امهلنا حتى يتبين لنا الامر، فأمهلهم وتركهم وادعين
حيث طاب لهم المقام بجوار الإسكندرية.
ثم أغراه معاوية بمناصرته والخروج على الامام فكتب إليه كلاما لا إلى
الرفض ولا إلى القبول، ويصح لمن سمع بهذا الكلام ان يحسبه مراوغا
لمعاوية أو يحسبه مترقبا لساعة الفصل بين الخصمين.
ثم اشتد وعيده حين انذره معاوية. وأراد الامام ان يستيقن من
الخصومة بين قيس ومعاوية فامر قيسا ان يحارب المتخلفين عن البيعة فلم
يفعل.
فتعاظم شك الامام وأصحابه وكثر المشيرون عليه بعزل قيس
واستقدامه.
إلى أن يقول العقاد.
ومن عجائب هذه القصة ان معاوية ندم على تقريب قيس من جوار
علي وقال: لو أمددته بمائة ألف لكانوا أهون علي من قيس.
وعلى نفس الموضوع على عبد الحميد بن أبي الحديد شارح النهج
فقال: ليس يمكن ان يقال إن محمد بن أبي بكر لم يكن باهل لولاية مصر،
لأنه كان شجاعا زاهدا فاضلا صحيح العقل والرأي، وكان مع ذلك من
المخلصين في محبة أمير المؤمنين ع والمجتهدين في طاعته وممن لا
يتهم عليه ولا يرتاب بنصحه وهو ربيبه وخريجه ويجري مجرى أحد أولاده
لتربيته له وإشفاقه عليه، ثم كان المصريون على غاية المحبة له والايثار
لولايته. ولما حاصر عثمان وطالبوه بعزل عبد الله بن سعد بن أبي سرح
عنهم اقترحوا تأمير محمد بن أبي بكر عليهم، فكتب له عثمان بالعهد إلى
مصر، وسار معه حتى تعقبه كتاب عثمان إلى عبد الله بن أبي سرح في امره
وامر المصريين بما هو معروف فعادوا جميعا.
إذن فلم يكن من ظاهر الرأي ووجه التدبير الا تولية محمد بن أبي بكر
على مصر لما ظهر من ميل المصريين إليه وايثارهم له واستحقاقه لذلك
بتكامل خصال الفضل فيه، فكان الظن قويا باتفاق الرعية على طاعته
وانقيادهم إلى نصرته واجتماعهم على محبته اه.
روايته عن النبي ص
لقيس عدة أحاديث روى عن النبي ص وعن أبيه وروى عن عبد
الرحمان أبي ليلى وعروة بن الزبير والشعبي وميمون بن أبي شبيب
وعريب بن حميد الهمداني وجماعة.
وقال محمد بن سعد في الطبقات: أخبرنا محمد بن عمر الأسلمي
حدثني شيخ من بلمصطلق عن أبيه ان رسول الله ص لما انصرف من
الجعرانة سنة ثمان بعث قيس بن سعد بن عبادة إلى ناحية اليمن وأمره ان
يطأ صداء قبيلة من اليمن فعسكر بناحية قناة في أربعمائة من المسلمين
وقدم رجل من صداء فسال عن ذلك البعث فأخبرهم فخرج سريعا حتى
ورد على رسول الله ص فقال جئتك وافدا على من ورائي فاردد الجيش وانا
لك بقومي فردهم رسول الله ص فقدم منهم بعد ذلك على رسول الله ص
خمسة عشر رجلا فاسلموا وبايعوا رسول الله ص على من وراءهم من قومهم
ورجعوا إلى بلادهم ففشا فيهم الاسلام فوافى النبي ص مائة رجل منهم في
حجة الوداع.
وقال نصر بن مزاحم في كتاب صفين ان أمير المؤمنين ع لما
عزم على المسير إلى صفين دعا من كان معه من المهاجرين والأنصار
فاستشارهم فقام فيمن قام قيس بن سعد بن عبادة فحمد الله وأثنى عليه ثم
قال يا أمير المؤمنين انكمش بنا إلى عدونا ولا تعرج فوالله لجهادهم أحب
إلي من جهاد الترك والروم لادهانهم في دين الله واستذلالهم أولياء الله من
أصحاب محمد ص من المهاجرين والأنصار والتابعين باحسان إذا غضبوا
على رجل حبسوه أو ضربوه أو حرموه أو سيروه وفيئنا لهم في أنفسهم حلال
ونحن لهم فيما يزعمون قطين، قال: يعني رقيق، فقال أشياخ الأنصار
منهم خزيمة بن ثابت وأبو أيوب الأنصاري وغيرهما لم تقدمت أشياخ قومك
وبدأتهم يا قيس بالكلام فقال إما اني عارف بفضلكم معظم لشأنكم ولكني
وجدت في نفسي الضغن الذي جاش في صدوركم حين ذكرت الأحزاب
اه وروى نصر بن مزاحم في كتاب صفين ان معاوية لما تعاظمت عليه
الأمور يوم صفين جمع خواص أصحابه فقال لهم انه قد غمني رجال من
أصحاب علي وعد فيهم قيس بن سعد في الأنصار فعبأ لكل رجل منهم
رجلا من أصحابه فجعل من قريش بسر بن أرطأة لقتال قيس بن سعد
فخرج بسر في الخيل فلقي قيس بن سعد في كماة الأنصار فاشتدت الحرب
بينهما وبرز قيس وهو يقول:
أنا ابن سعد زانه عباده * والخزرجيون رجال ساده
ليس فراري في الوغى بعاده * إن الفرار للفتى قلاده
يا رب أنت لقني الشهادة * القتل خير من عناق غاده
فطعن خيل بسر وبرز له بسر فطعن قيسا فضربه قيس بالسيف فرده
على عقبيه ورجع القوم جميعا ولقيس الفضل. ودعا معاوية يوما بصفين
النعمان بن بشير الأنصاري ومسلمة بن مخلد الأنصاري ولم يكن معه من
الأنصار غيرهما فقال لقد غمني ما لقيت من الأوس والخزرج واضعي
سيوفهم على عواتقهم يدعون إلى النزال حتى ما أسال عن فارس إلا قالوا
قتلته الأنصار أما والله لأرمينهم بأعدائهم من رجال لم يغذهم التمر
والطفيشل (١) يقولون نحن الأنصار قد والله آووا ونصروا ولكن أفسدوا
حقهم بباطلهم فغضب النعمان وقال يا معاوية لا تلومن الأنصار بسرعهم
في الحرب فإنهم كذلك كانوا في الجاهلية وأما دعاؤهم إلى النزال فقد رأيتهم
مع رسول الله ص وأما لقاؤك إياهم في أعدادهم من قريش فقد علمت ما
لقيت قريش منهم وأما التمر والطفيشل فان التمر كان لنا فلما إن ذقتموه
شاركتمونا فيه وأما الطفيشل فكان لليهود فلما أكلناه غلبناهم عليه كما غلبت
قريش على السخينة (٢) ثم تكلم مسلمة بن مخلد بما يشبه ذلك وقال في آخر

(١) الطفيشل مرق معروف، يعيب الأنصار بان طعامهم التمر وهذا.
لها - المؤلف.
(٢) السخينة طعام رقيق يتخذ من دقيق كانت تأكله قريش فعيرت به وصار لقبا.
(٤٥٥)

كلامه وأما التمر والطفيشل فيجران عليك نسب السخينة والخرنوب وانتهى
الكلام إلى الأنصار فجمع قيس بن سعد عبادة الأنصاري الأنصار وقام
فيهم خطيبا فقال:
إن معاوية قد قال ما بلغكم وأجاب عنكم صاحبكم فلعمري لئن
غظتم معاوية اليوم لقد غظتموه بالأمس وإن وترتموه في الاسلام لقد وترتموه
في الشرك وما لكم إليه من ذنب أعظم من نصرة هذا الدين الذي أنتم عليه
فجدوا اليوم جدا تنسون ما كان أمس وجدوا غدا جدا تنسون ما كان اليوم
وأنتم مع هذا اللواء الذي كان يقاتل عن يمينه جبرئيل وعن يساره ميكائيل
والقوم مع لواء أبي جهل والأحزاب وأما التمر فانا لم نغرسه ولكن غلبنا عليه
من غرسه وأما الطفيشل فلو كان طعامنا سمينا به كما سميت قريش
السخينة ثم قال قيس بن سعد في ذلك:
يا ابن هند دم التوثب في الحر * ب إذا نحن بالجياد سرينا
نحن من قد علمت فادن إذا شئت * بمن شئت في العجاج إلينا
إن تشأ فارس له فارس منا * وإن شئت باللفيف التقيا
ثم لا تنزع العجاجة حتى * تنجلي حربنا لنا أو علينا
إننا الذين لدى الفتح * شهدنا خيبرا وحنينا
بعد بدر وتلك قاصمة الظهر * واحد وبالنضير ثنينا
يوم الأحزاب فيه قد علم * الناس شفينا من قبلكم واشتفينا
فلما بلغ شعره معاوية دعا عمرو بن العاص فقال ما ترى في شتم
الأنصار فقال أرى أن توعد ولا تشتم قال معاوية إن قيس بن سعد يقوم كل
يوم خطيبا وهو يريد أن يفنينا غدا إن لم يحبسه حابس الغد فما الرأي قال
الرأي التوكل والصبر وأن تبعث إلى رجال من رؤساء الأنصار فتعاتبهم
فبعث إليهم فمشوا إلى قيس فقالوا إن معاوية لا يريد شتمنا فكف عن
شتمه فقال إن مثلي لا يشتم ولكن لا أكف عن حربه حتى ألقى الله.
وتحركت الخيل غدوة فظن قيس أن معاوية فيها فحمل على رجل يشبهه
فضربه ثم انصرف وهو يقول:
خوفتني أكلب قوم عاويه * إلي أبا ابن الخاطئين الماضية
ترقل ارقال العجوز الخاوية * في أثر الساري ليالي الشاتيه
فلما تحاجز الفريقان شتمه معاوية شتما قبيحا وشتم الأنصار فغضب
النعمان ومسلمة فأرضاهما بعد ما هما أن ينصرفا إلى قومهما ثم إن معاوية
سال النعمان أن يخرج إلى قيس فيعاتبه ويسأله السلم فخرج فقال له يا
قيس أ لستم معشر الأنصار تعلمون إنكم أخطأتم في خذل عثمان وقتلتم
أنصاره يوم الجمل وحملتم خيولكم على أهل الشام بصفين فلو كنتم إذ
خذلتم عثمان خذلتم عليا لكانت واحدة بواحدة ولكنكم خذلتم حقا
ونصرتم باطلا ثم لم ترضوا حتى أوغلتم في الحرب ودعوتم إلى البراز ثم لا
ينزل بعلي أمر قط إلا هونتم عليه المصيبة ووعدتموه بالظفر وقد أخذت
الحرب منا ومنكم ما قد رأيتم فاتقوا الله في البقية فضحك قيس ثم قال ما
كنت أراك يا نعمان تجزي على هذه المقالة أنه لا ينصح أخاه من غش نفسه
وأنت والله الغاش الضال المضل أما ذكرك عثمان فإن كانت الأخبار تكفيك
فخذ مني واحدة قتل عثمان من لست خيرا منه وخذله من هو خير منك وأما
أصحاب الجمل فقاتلناهم على النكت وأما معاوية فوالله إن لو اجتمعت
عليه العرب لقاتلته الأنصار وأما قولك أنا لسنا كالناس فنحن في هذه
الحرب كما كنا مع رسول الله ص نتقي السيوف بوجوهنا والرماح بنحورنا
حتى جاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون ولكن انظر يا نعمان هل ترى
مع معاوية إلا طليقا أو إعرابيا أو يمانيا مستدرجا بغرور وانظر أين المهاجرون
والأنصار والتابعون باحسان الذين رضي الله عنهم ثم انظر هل ترى مع
معاوية غيرك وغير صويحبك ولستما والله ببدريين ولا أحديين ول لكما سابقة
في الاسلام ولا آية في القرآن ولعمري لئن شغبت علينا فقد شغب علينا
أبوك وقال قيس في ذلك:
والراقصات بكل أشعث أغبر * خوص العيون تحثها الركبان
ما ابن المخلد ناسيا أسيافنا * عمن نحاربه ولا النعمان
تركا العيان وفي العيان كفاية * لو كان ينفع صاحبيه عيان
وقال نصر أن عليا ع دعا قيس بن سعد يوم صفين فاثنى
عليه خيرا وسوده على الأنصار. ولما بعث الحسن ع عبيد الله بن
العباس على مقدمته إلى لقاء معاوية أمره أن يشاور قيس بن سعد وسعيد بن
قيس الهمداني وكانا معه ولما خطب الحسن ع الناس وحثهم على الجهاد
معه فتثاقلوا قام قيس في جماعة فأنبوا الناس ولاموهم وحرضوهم وكلموا
الحسن ع بمثل كلام عدي بن حاتم المذكور في ترجمته فقال لهم الحسن
ع صدقتم رحمكم الله ما زلت أعرفكم بصدق النية والوفاء والقبول
والمودة الصحيحة فجزاكم الله خيرا ولما انسل عبيد الله بن العباس ليلا من
عسكر الحسن ع إلى عسكر معاوية وأصبحوا بغير أمير صلى بهم
قيس بن سعد ثم خطبهم فقال أيها الناس لا يهولنكم ولا يعظمن عليكم ما
صنع هذا الرجل الوله الورع أي الجبان إن هذا وأباه وأخاه لم يأتوا بيوم
خيرا قط إن أباه عم رسول الله ص خرج يقاتله ببدر فاسره كعب بن عمرو
الأنصاري فاتى به رسول الله ص فاخذ فداه فقسمه بين المسلمين وأن أخاه
ولاه علي ع على البصرة فسرق مال الله ومال المسلمين فاشترى به
الجواري وزعم أن ذلك له حلال وإن هذا ولاه أيضا على اليمن فهرب من
بسر بن أرطأة وترك ولده حتى قتلوا وصنع الآن هذا الذي صنع فتنادى
الناس الحمد لله الذي أخرجه من بيننا امض بنا إلى عدونا فنهض بهم
وخرج إليهم بسر بن أرطأة في عشرين ألفا فصاحوا بهم هذا أميركم قد بايع
وهذا الحسن قد صالح فعلا م تقتلون أنفسكم فقال لهم قيس اختاروا إما
القتال مع غير إمام أو تبايعون بيعة ضلال فقالوا بل نقاتل بلا إمام فخرجوا
و ضربوا أهل الشام حتى ردوهم إلى مصافهم وكتب معاوية إلى قيس يدعوه
ويمنيه فكتب إليه قيس لا والله لا تلقاني أبدا إلا وبيني وبينك الرمح فكتب
إليه معاوية أما بعد فإنما أنت يهودي ابن يهودي تشقي نفسك وتقتلها فيما
ليس لك فان ظهر أحب الفريقين إليك نبذك وعزلك وإن ظهر أبغضهما
إليك نكل بك وقتلك وقد كان أبوك أوتر غير قوسه ورمى غير غرضه وأكثر
الحز وأخطأ المفصل فخذله قومه وأدركه يومه فمات بحوران طريدا غريبا
والسلام. فكتب إليه قيس بن سعد إنما أنت وثن ابن وثن من هذه الأوثان
دخلت في الاسلام كرها وأقمت عليه فرقا وخرجت منه طوعا ولم يجعل الله
لك فيه نصيبا لم تتقدم باسلامك ولم يحدث نفاقك ولم تزل حربا لله ورسوله
وحزبا من أحزاب المشركين فأنت عدو الله ورسوله والمؤمنين من عباده
وذكرت أبي ولعمري ما أوتر إلا قوسه ولا رمى إلا غرضه وزعمت إني
يهودي ابن يهودي ولقد علمت وعلمنا أن أبي من أنصار الدين الذي
خرجت منه وأعداء الدين الذي دخلت فيه وصرت إليه والسلام. فلما قرأ
(٤٥٦)

معاوية كتابه غاظه وأراد إجابته فقال له عمرو بن العاص مهلا إن كاتبته
أجابك باشد من هذا وإن تركته دخل فيما دخل فيه الناس فامسك عنه
وانصرف قيس بمن معه إلى الكوفة. وروى أبو الفرج الأصبهاني في مقاتل
الطالبيين أنه لما صالح الحسن ع. معاوية اعتزل قيس بن سعد
في أربعة آلاف وأبى أن يبايع وفي رواية لأبي الفرج أن معاوية أرسل إلى
قيس يدعوه إلى البيعة فاتي به قال وكان رجلا طويلا يركب الفرس ورجلاه
يخطان في الأرض وما في وجهه طاقة شعر فلما أرادوا بان يدخلوه إليه قال إني
حلفت أن لا ألقاه إلا وبيني وبينه الرمح أو السيف فامر معاوية رمح أو
سيف فوضع بينه وبينه ليبر يمينه فاقبل قيس على الحسن فقال أنا في حل من
بيعتك قال نعم فألقي لقيس كرسي وجلس معاوية على سريره فقال له
معاوية هل تبايع قال نعم فوضع يده على فخذه ولم يمدها إلى معاوية فجاء
معاوية عن سريره واكب على قيس حتى مسح يده على يده فما رفع قيس إليه
يده اه ومرض قيس فاستبطأ إخوانه عن عيادته فسال عنهم فقيل إنهم
يستحون مما لك عليهم من الدين فقال أخزى الله ما لا يمنع الإخوان من
الزيارة ثم أمر مناديا من كان لقيس عليه دين فهو في حل منه فكسرت
درجته بالعشي لكثرة من عاده.
وقال قيس يوم صفين:
قلت لما بغى العدو علينا * حسبنا ربنا ونعم الوكيل
حسبنا ربنا الذي فتح البصر * ة بالأمس والحديث طويل
وعلي إمامنا وإمام * لسوانا أتى به التنزيل
حين قال النبي من كنت مولاه * فهذا مولاه خطب جليل
إن ما قاله النبي على الأمة * حتم ما فيه قال وقيل
قيس بن عبد الله
قيل أنه اسم النابغة الجعدي وقيل اسمه حيان بن قيس وذكرنا ترجمته
والخلاف في اسمه في حيان بن قيس.
قيس بن عمرو المعروف بالنجاشي
شاعر أهل العراق توفي في حدود سنة ٥٠.
من شعره في صفين قوله:
كفى حزنا إن عصينا إمامنا * عليا وإن القوم طاعوا معاوية
وإن لأهل الشام في ذاك فضلهم * علينا بما قالوه فالعين باكية
فسبحان من أرسى ثبيرا مكانه * ومن أمسك السبع الطباق كما هيه
أ يعصي إمام أوجب الله حقه * علينا وأهل الشام طوعا لطاغيه
ومن شعره يرثي عمرو بن محصن الأنصاري، وقد كان عمرو من
اعلام أصحاب علي ع قتل في المعركة وجزع علي لقتله:
لنعم فتى الحيين عمرو بن محصن * إذا صارخ الحي المصبح ثوبا
لقد فجع الأنصار طرا بيد * أخي ثقة في الصالحات مجربا
فيا رب خير قد أفدت وجفنة * ملأت وقرن قد تركت مسلبا
ويا رب خصم قد رددت بغيظة * فأب ذليلا بعد أن كان مغضبا
وراية مجد قد حملت وغزوة * شهدت إذ النكس الجبان تهيبا
حويطا على جل العشيرة ماجوا * وما كنت في الأنصار نكسا مؤنبا
طويل عماد المجد رحبا فناؤه * خصيبا إذا ما رائد الحمي أجدبا
عظيم رماد النار لم تك فاحشا * ولا فشلا يوم النزال مغلبا
وكنت ربيعا ينفع الناس سيبه * وسيفا جرازا فاتك الحد معضا
فان يقتلوا الحر الكريم ابن محصن * فنحن قتلنا ذا الكلاع وحوشبا
وأن يقتلوا ابني بديل وهاشما * فنحن تركنا منكم القرن أعضبا
ونحن تركنا حميرا في صفوفكم * لدى الحرب صرعى كالنخيل مشذبا
وافلتنا تحت الأسنة مرتد * وكان قديما في الفرار مدربا
ونحن تركنا عند مختلف القنا * أخاكم عبيد الله لحما ملحبا
بصفين لما ارفض عنه رجالكم * ووجه ابن عتاب تركناه ملغبا
وطلحة من بعد الزبير ولم ندع * لضبة في الهيجا عريفا ومنكبا
ونحن أحطنا بالبعير وأهله * ونحن سقيناكم سماما معتشبا
وقال النجاشي يذكر عليا ع وجده في الأمر:
إني أخال عليا غير مرتدع * حتى يقام حقوق الله والحرم
أ ما ترى النقع معصوبا بلمته * كأنه الصقر في عرنينه شمم
ومن شعره في صفين:
ونجى ابن حرب سابح ذو علالة * أشيح هزيم والرماح دواني
إذا قلت أطراف الرماح تنوشه * مرته له الساقان والقدمان
وكنت كذي رجلين رجل صحيحة * ورجل بها ريب من الحدثان
فاما التي صحت فأزد شنوءة * وأما التي شلت فأزد عمان
ومن شعره في معاوية:
يا أيها الرجل المبدي عداوته * رو لنفسك أن الأمر يؤتمر
وما علمت بما أضمرت من حنق * حتى أتتني به الركبان تبتدر
إذا نفست على الأمجاد مجدهم * فابسط يديك فان الخير مبتدر
واعلم بان علي الخير من نمر * شم العرانين لا يعلوهم بشر
لا يجحد الحاسد الغضبان فضلهم * ما دام بالحزن من صمانها الحجر
نعم الفتى أنت لولا أن بنيكما * كما تفاضل ضوء الشمس والقمر
ولا أخالك إلا لست منتهيا * حتى ينيمك من أظفاره ظفر
في أبيات عظم وقعها عنه معاوية ومن شعره فيه:
دعن يا معاوي ما لن يكونا * فقد حقق الله ما تحذرونا
أتاكم علي باهل الحجاز * وأهل العراق فما تصنعونا
على كل جرداء خيفانة * وأشعث نهد يسر العيونا
عليها فوارس شيعية (١) * كأسد العرين حمين العرينا
يرون الطعان خلال العجاج * وضرب الفوارس في النقع دينا
هم هزموا الجمع جمع الزبير * وطلحة والمعشر الناكثينا
فقل للمضلل من وائل * ومن جعل الغث يوما سمينا
جعلتم عليا وأشياعه * نظير ابن هند أ لا تستحونا
إلى أول الناس بعد النبي * وصنو الرسول من العالمين
وصهر الرسول ومن مثله * إذا كان يوم يشيب القرونا
وفي الطليعة: وذكر له ابن أبي الحديد هناة لا تصح.
قيس بن عمار بن حيان التغلبي مولاهم أخو إسحاق بن عمار
في الخلاصة: قريب الأمر اه ومر في إسحاق قول النجاشي أنه

(١) هذا يدل على قدم هذه اللفظة (المؤلف).
(٤٥٧)

ثقة وإخوته يوسف ويونس وقيس وإسماعيل وهو في بيت كبير من الشيعة
والتوثيق فيه خاص بإسحاق فلا يشمل إخوته وعن رجال بن داود عن جش
وكش ثقة هو وإخوته والوهم فيه ظاهر إذ ليس في كش من ذلك شئ
والموجود في جش ما سمعت، نعم ربما يستفاد مدحه من قوله وهو في بيت
كبير من الشيعة.
قيس بن فهدان الكندي. مات بعد سنة ٥١.
من أصحاب أمير المؤمنين ع، روى نصر بن مزاحم في
كتاب صفين انه خرج رجل من عك ليسال المبارزة فخرج إليه قيس بن
فهدان الكندي فما لبث العكي أن طعنه فقتله فقال قيس:
لقد علمت عك بصفين اننا * إذا ما نلاقي الخيل نطعنها شزرا
ونحمل رايات القتال بحقها * ونوردها بيضا ونصدرها حمرا
وروى نصر أيضا في كتاب صفين ان قيس بن فهدان كان يحرض
أصحابه يوم صفين ويقول: إذا شددتم فشدوا جميعا وغضوا الابصار وأقلوا
الكلام واللغط وأغنوا الاقران ولا تؤتين من قبلكم العرب.
قيس الماصر.
روى الكليني في الكافي بسنده عن يونس بن يعقوب حديثا ذكرناه في
سيرة الصادق ع فيه خبر الشامي الذي جاء لمناظرة أصحاب الصادق
ع فقال ليونس أنظر من ترى من المتكلمين فادخله جماعة منهم الأحول
وكان متكلما وقيس الماصر قال وكان متكلما إلى أن قال: فقال قيس الماصر
كلمه، فكلمه، إلى أن قال: ثم التفت إلى قيس الماصر فقال متكلم
وأقرب ما تكون من الحق، والخبر عن رسول الله ص ابعد ما تكون منه
تمزج الحق بالباطل وقليل الحق يكفي من كثير الباطل أنت والأحول ففازان
حاذقان الحديث.
أبو شداد قيس بن مكشوح بن هلال بن الحارث بن عمرو بن عامر بن
علي بن أسلم بن أحمس بن الغوث بن أنمار البجلي الأحمسي.
قتل بصفين مع أمير المؤمنين ع سنة ٣٧.
روى نصر بن مزاحم في كتاب صفين عن عمر عن عبد السلام بن
عبد الله عن جابر ان راية بجيلة في صفين كانت في أحمس مع أبي شداد
قيس بن مكشوح فقالت له بجيلة خذ رايتنا فقال غيري خير لكم مني
قالوا. ما تريد غيرك قال فوالله لئن أعطيتمونيها لا انتهي بكم دون صاحب
الترس المذهب وعلى رأس معاوية عبد الرحمن بن خالد بن الوليد قائم معه
ترس مذهب يستره من الشمس قالوا اصنع ما شئت فاخذها ثم زحف وهو
يقول: إن
عليا ذو أناة صارم * جلد إذا ما حضر العزائم
لما رأى ما تفعل الأشائم * قام له الذروة والأكارم
الأشيبان مالك وهاشم
ثم زحف بالراية حتى انتهى إلى صاحب الترس المذهب وكان في
خيل عظيمة من أصحاب معاوية فاقتتل الناس هنالك قتالا شديدا وشد أبو
شداد بسيفه نحو صاحب الترس فتعرض له رومي لمعاوية فضرب قدم أبي
شداد فقطعها وضربه أبو شداد فقتله وأشرعت إليه الأسنة فقتل وأخذ الراية
عبد الله بن قلع الأحمسي وهو يقول:
لا يبعد الله أبا شداد * حيث أجاب دعوة المنادي
وشد بالسيف على الأعادي * نعم الفتى كان لدى الطراد
وفي طعان الخيل والجلاد
علم الدين أبو الفضل قيصر بن أبي القاسم بن عبد الغني المصري الحكيم
المهندس.
توفي بدمشق في جمادى الآخرة سنة ٦٤٩.
قال الشعار في عقود الجمان كانت له يد قوية في علوم الحكمة
والهندسة قال وحدثني كمال الدين أبو القاسم عمر بن أحمد بن العديم قال
اخبرني علم الدين قال كتب إلي الحكيم نصير الدين الطوسي من بلاد
الإسماعيلية كتابا يتضمن أسئلة من الحكمة صدره بقوله:
سلام على العلامة المتبحر * على علم الدين الحنيفي قيصر
في أبيات قال فأجبته عن كتابه وصدرته بقولي:
سلام على المبدي السلام تحية تضوء من ألفاظها عرف عنبر
في أبيات (١).
حرف الكاف
الحاجة كابر بنت الآقا محمد الهادي زوجة محمد عسكر خان ابن الحاج
محمد جمال الجيلاني.
وجدت نسخة من كتاب اسمه الجامعة المباركة في آداب الدعاء
والذكر وأنواعهما مرتب على اثني عشر حرفا فارسي مجدولة مذهبة وقفتها
المذكورة على سكنة النجف سنة ١١٨٦
الكاتب.
هو علي بن محمد أستاذ المفيد ويطلق في كلام الفقهاء على محمد بن
أحمد بن الجنيد.
الكاشاني.
هو محمد مرتضى المدعو بمحسن والمعروف بملا محسن الكاشي.
الميرزا كاشفا اليزدي.
له الربع الصائب في بالأسطرلاب وله الربع المخترع بالأسطرلاب
أيضا رد فيه على الخواجة عبد القادر الكيلاني.
الميرزا كاظم بن محمد الرشتي الطبيب الملقب بملك الأطباء.
له كتاب حفظ الصحة ورسالة في وضع الدور والأبنية مطبوعان.
السيد كاظم الأمين ابن السيد أحمد بن السيد محمد الأمين ابن السيد أبي
الحسن موسى.
ولد سنة ١٢٣١ وتوفي في بغداد في ٢٧ ربيع الثاني سنة ١٣٠٣ ونقل
إلى النجف الأشرف فدفن في حجرة آل كبة قريب باب الصحن الشريف
المعروف بباب الطوسي.

(١) معجم الآداب.
(٤٥٨)

كان عالما فاضلا حافظا متقنا مؤرخا واحد زمانه في الإحاطة والضبط
وحفظ التواريخ والآثار ودقائق العربية، وكان شاعرا مطبوعا منشئا بليغا
وواعظا زاهدا عابدا هاجر من جبل عامل إلى النجف الأشرف لطلب العلم
في حياة والده السيد أحمد وكان عمره قريب خمس عشرة سنة مع ابن عمه
السيد محسن ابن السيد علي ابن السيد محمد أمين وكان متزوجا بأخت السيد
كاظم التي ذهبت معه من جبل عامل ويظن ان سفره هذا كان حدود سنة
١٢٥٢، وقرأ على الفقيه الشيخ مشكور الحولاوي وتزوج ابنته. وبقي
مكبا على طلب العلم حتى فاق اقرانه وامتاز على أهل زمانه بعلوم كثيرة منها
اللغة والتاريخ فقد كان عديم النظير فيهما يقف جهابذة العلماء عند قوله ولم
ير اضبط منه للعربية في عصره حدثني بعض ثقات بني عمنا انه جرت
مذاكرة في بعض مجالس العلم بالنجف في لفظة فقال بعض الحاضرين هي
كذا وانا رأيتها البارحة في بعض الكتب فقال السيد اني رأيتها منذ سنة
وأظن أنها خلاف ما تقول فراجعوها فإذا هي كما قال السيد. أما حسن
أخلاقه وتقوله وورعه وسخاؤه وكرم طباعه فمما يضرب به المثل وترك بخطه
من فرائد التفسير واللغة والتاريخ ودقائقها شيئا كثيرا وجل شعره في المواعظ
والنصائح والآداب والحكم. ووقعت بينه وبين ابن عمه السيد محمد الأمين
هنات ومعاتبات لأسباب اعرضنا عن ذكرها وأرسل إلى ابن عمه المذكور
عدة قصائد يعاتبه فيها ويستعطفه، وقصائده وكتبه التي كان يرسلها لبني
عمه في جبل عامل في المواعظ والنصائح كثيرة وكان له اتصال شديد بتجار
بغداد لا سيما آل كبه الكرام الحاج مصطفى وأخيه الحاج محمد حسن أبناء
الحاج محمد صالح الذين يعجز القلم عن إحصاء محاسنهم وكان له حجرة
مخصوصة في دارهم ويقضي جل أيامه عندهم ثم يعود إلى النجف. وفي
تكملة أمل الآمل وممن عاصرته السيد الجليل والعالم الفاضل الأديب النبيل
عمدة الاشراف الأعاظم السيد كاظم الأمين العاملي كان واحد عصره في
علم الأدب والتاريخ وعلى جانب من الآباء وعزة النفس والجلالة والحشمة
كبير في أعين العلماء مهاب عند التجار والأدباء آثار السيادة وأنوارها ساطعة
من جبينه كنت كثير الأنس به من جالسه لا يستطيع مفارقته لحسن محاضرته
اه
أولاده
كان له ولد يسمى السيد احمد وكان عالما فاضلا كاملا توجه من
العراق إلى الشام في حياة أبيه فقتل في الطريق وتخلف بولد مات في حياة
جده السيد كاظم وولد للسيد كاظم بعد الياس السيد عبد الهادي ومرت
ترجمته.
شعره
من شعره ما أرسله من العراق إلى الشيخ حسن السبيتي بعد خروجه
من النجف إلى جبل عامل:
يا نازحا عن مقلة * شرقت بماء دموعها
روحي لديك وديعة * الله في تضييعها
عجبا لها ظعنت ونا * ر الشوق بين ضلوعها
ومن العجائب ان لي * طمعا بوشك رجوعها
هيهات ما لم تكتحل * عيني بوجه ربيعها
ويقر ناظرها بمن * فيه لذيذ هجوعها
ذاك الذي نفسي إليه * غدا شديد نزوعها
فرد المحاسن كلها * حسن الفعال جميعها
نجل الهمام محمد * سامي الدعام رفيعها
لا زلت مخضل الديار * طلولها وربوعها
ما عاودت شمس الضحى * لغروبها وطلوعها
وتحيتي لك ما شدت * ورقاء في تسجيعها
وأرسل إليه من العراق أيضا بهذه القصيدة وعرض فيها بالعتب على
ابن عمه السيد محمد الأمين.
أيا حسن الأخلاق اني لشيق * إليك فهل للوصل من موعد يرجى
ويا حسن الافعال هل تنجلي النوى * بأسنى صباح بعد ما ليلها دجا
وهل بعد شحط يجمع الله شملنا * فيطفئ من أشواق أحشائنا وهجا
لحا الله هذا الدهر حتام صرفه * يعوم بنفسي من عباب الأسى لجا
وكم ريبة يقتادني قود قاهر * يجانبني بهجا ويقحم بي فجا
ولا در در النائبات إلى متى * تمانعني محضا وتمنحني سحجا
فكم من أخ جم الحفاظ محضته * من الود عذبا لا مشوبا ولا مجا
وما كان ظني والحوادث جمة * لأدرج في أثناء نسيانه درجا
أحاشيه عن نقض الوداد وانما * هو الجد كم اودى بما نيله ارجي
ورب أخ لي منه رحم مسيسة * لقد مزجت مني بصافي الولاء مزجا
رماني مذ طالت بد البعد بيننا * بهجرانه والهجر من مثله اشجى
وواعدني الحسنى وأرجى ولم يكن * ليذهب يوما أو يميل إلى الارجا
على إنه والحمد لله لم يزل * حمى وركاب الوافدين له تزجى
فامن ويمن شاملان ببابه * وجود جزيل ثج من كفه ثجا
وكم فائز بالسؤال قبل سؤاله * وكم سائل نال المرام وما لجا
ولست بناس ما حباني وإنما * رأيت الغنى فيه عن الناس لي أنجى
وما ذاك إلا إنه نفسي التي * أروم لها الحسنى وارجو لها الفلجا
عذرتهما ان الحفاظ على النوى * لصعب وإن ظن الفتى انه أحجى
لئن أصبحا لم يغنيا عن أخيهما * فلا يعداه من سحابهما رهجا
فذاك على الحالين والله عالم * أخ ليس يبغي غير ودهما نهجا
ولا برحا طول المدى في سعادة * ونجمهما لم يأو غير العلى برجا
ومن شعره قوله:
وقائلة أظنك من تميم * فقلت لها كفى بالشك جهلا
فقالت بنتها ذا من قريش * فقلت لها كفى بالعلم فضلا
فقالت أمها هو عبشمي * فقلت لها بفيك الترب لا لا
فقالت بنتها هو هاشمي * فقلت أجل نعم أهلا وسهلا
فقالت أمها وأراه ينمى * إلى العباس منهم قلت كلا
فقالت بنتها هو طالبي * فقلت نعم كذا فرعا واصلا
فقال أمها لا ريب هذا * عقيلي فقلت رزقت عقلا
فقالت بنتها علوي بيت * قواعده من الخضراء أعلا
حسيني ورب البيت لاحت * عليه سماتهم قولا وفعلا
إلى زين العباد نماه زيد * وهل كابي الحسين رأيت مولى
به قد بشر الهادي واثنى * عليه بذاك جاء النص يتلى
ومن ماء الإمامة بعد ماء النبوة * قد سقي علاء ونهلا
امام هدى دعا الله جهرا * ولابن أخيه حتى مات قتلا
(٤٥٩)

مضى بدم الشهادة وهو طهر * عليه سلم الباري وصلى
فيا لله من حق مضاع * له ودم كريم منه طلا
فقلت لها على طرب وكانت * تروع أخا النهي حسنا ونبلا
لك الحسنى أصبت الحق فصلا * وقلت مقالة صدقا وعدلا
أراك نبيلة فوقاك عين ال‍ * حواسد من حباك كملا
وعارفة بنا حقا فهل من * وصال قالت الحسناء مهلا
وله شكاية إلى سيد الشهداء الحسين ع.
إلى ابن النبي المصطفى اشتكي كربي * ودهرا أبى إلا المقام على حربي
وقد ضقت ذرعا من نزول صروفه * علي ومن خطب يلم على خطب
فصالح فدتك النفس بيني وبينه * فما لأسير الدهر غيرك من ندب
وله شكاية إلى أمير المؤمنين ع.
إليك أمير المؤمنين شكاية * وها أنت يا مولاي سامعها مني
تشبث بي داء تطاول مكثه * وأنت بإذن الله كاشفه عني
وغاية قصدي منك ما منتهى الرجا * إفاضته روح البرء سرعان والأمن
فاني منكم لا عدمت انعطافكم * علي ومولاكم إلا حققوا ظني
قطعت الفيافي قاصدا لجواركم * لا حظي لدى الدارين بالأمن واليمن
وعفت كما شاء الولاء قرب معشري * وريف بلاد خص بالانس والحسن
عليكم سلام الله ما مر ذكركم * وصلى عليكم مؤمنو الإنس والجن
وله.
إلى الله أشكو من هموم تنوبني * واحداث دهر هد ركني وقوعها
أرى فاقة في فتية زانها التقى * وذي رحم ما كان مثلي يضيعها
فلو ساعدتني من زماني ملاءة * لفاض عليهم من يميني ربيعها
ولكن دهري جامح عن ماربي * ونفسي إليها لا يزال نزوعها
وهون عندي شدة الدهر ان لي * بها الاجر موفور ويمضي فظيعها
فما دعة في العيش إلا وديعة * ولا شدة إلا الرخاء تبيعها
فصبرا جميلا في الحوادث انه * ملاذ التقى يأوي إليه مطيعها
وله مراسلا ابن عمه السيد محمد الأمين:
أأبا الجواد مقالة من ناصح * قد هذبته يد النهي والأزمن
بمكارم الأخلاق كن متحليا * تهدي الثناء على علاك الألسن
وانفع صديقك بالذي هو أهله * وادفع عدوك بالتي هي أحسن
واستشعر التقوى فان لباسها * درع به لك في المخاوف مامن
والمال عارية وما يلد الفتي * فان ويبني المرء ما لا يسكن
وا لهفتاه إذا دعيت وليس لي * من صالح الأعمال شئ يوزن
أم كيف أسكن في لظى وحشاشتي * لمحمد ولآله هي مسكن
علقت يداي بهم فلست بخائب * آل النبي لكل خير معدن
وله مراسلا ابن عمه المذكور:
تجاذبني إلى لبنان نفس * تردد في حشي دنف جريح
وينزع بي لذاك السفح شوق * أبرده بهطال سفوح
وأصبو في هوى تلك الروابي * ولي جبل من الحلم الرجيح
وتدعوني لعاملة وكم من * فلاة دون اربعها نزوحي
لئن أصبحت فيها مستهاما * فرب أخ بها طلق صبيح
فطورا استجيب لها وطورا * أقول لها مكانك تستريحي
فان قدمت رحلي لأرتحل * قدمت إذا على بلد فسيح
وإن اخرتها فإلى مقام * حميد الامر ذي ثمن ربيح
لدى بلد به الرحمن أعلى * لصنو المصطفى أسنى ضريح
وأعظم آدم فيها ورمس * لشيخ المرسلين الغر نوح
فخار الله لي ما فيه روحي * لدى الدنيا وبعد فراق روحي
وأساله من التقوى شكيما * بها أقوى على نفس جموح
وله مراسلا ابن عمه المذكور ومشتكيا من الزمان:
ولو علم ابن عمي ما نقاسي * من الأهوال في هذي البلاد
لفاضت عينه جزعا علينا * ولازم جفنها طول السهاد
وفرج بعضها عنا بعزم * أحد شبا من البيض الحداد
عنيت محمدا فرع الأمين ال‍ * جواد أبا الجواد أخا الجواد
وجلاها بصوب منه أشهى * إلى الظمان من صوب الغوادي
أ ليس هو الفتى الندب المرجى * لنا لا زال مبسوط الأيادي
وتنشد على وجه آخر:
ولو علم ابن عمي ما نلاقي * من الأهوال في أرض العراق
لفاضت عينه جزعا علينا * وفارقها الكرى أي افتراق
وفرج بعضها عنا بعزم * أحد شبا من البيض الرقاق
وجلاها بصوب منه أشهى * من السلسال والعذاب الرحاق
أ ليس هو المجلي مدلهم ال‍ * خطوب ومن له فضل السباق
كفاه الله احداث الليالي * وجاد لنا بأيام التلاقي
ورأيت له رقعة بخطه أرسلها مع كتاب إلى ابن عمه السالف ذكره
وكانت وقعت بينهما وحشة جفاه لأجلها ابن عمه المذكور فقال يعاتبه
ويستعطفه وهذا لفظها:
هذه الأبيات دارت في خلدي وسنحت على خاطري ساعة تحرير
الكتاب وعن لي اثباتها وارسالها معه والمقروح إذا نفث استراح ونسأله تعالى
العفو والعافية وحسن الخاتمة والستر في الدنيا والآخرة:
طوى الدهر ما بيني وبين محمد * أخي وابن عمي بالجفا والتباعد
وعاثت يد الأيام فينا وأننا * لاثنان كنا في العيون كواحد
على غير شئ كان بيني وبينه * ولكن أصابت شملنا عين حاسد
عجبت وأيام الزمان عجائب * وأعجبها انكار كف لساعد
وحبل ولاء شده الله بيننا * يبت بنزر من طريف وتالد
ومن عجب الأيام مثلي ومثله * يفيض بماء سائغ الورد بارد
أ ليس أبونا قام في أهل بيته * واوصى بنيه بالتقى والتوادد
فقطعت الأرحام منه وضيعت * وصية جد طال مجدا ووالد
يعز على اسلافكم يا بني العلى * مقالة ذم من من محب وحاقد
وما كان ظن القوم ان ابن حرة * يفوه بها بين الملا في المشاهد
وله معاتبا ابن عمه المذكور:
لعمرك ما أدري وإن كان خاطري * يرى من مبادئ الامر آخره طبقا
على أي شئ سامني الهجر والجفا * أخ وابن عم ما برحت له وفقا
ولم أدر ما رقى إليه عدونا * فاصغى كما شاء العدو لما رقي
(٤٦٠)

وبالغ في هجري بغير جناية * سوى إنني بالغت في حبه صدقا
وأصفيته مني الوداد وان يكن * سقاني بعد الصفو من وده رنقا
وأعددته كهفا وأيقنت انه * يقيني متى ألقى من الدهر ما ألقى
عجبت له وهو الجواد الذي شأى * ذوي الجود والمعروف يوم الندي سبقا
يضن على أدنى الأنام علاقة * إليه بشئ لا يدوم ولا يبقى
ويعرض اعراض الأجانب عنهم * وهم من أمس الناس طرا به عرقا
ويغضب دهرا من توهم زلة * كان لم يكن في القوم أحسنهم خلقا
وأياك والساعي فمبلغك الأذى * كفاعله لم ألف بينهما فرقا
وذي غربة شط الزمان بألفه * وحلف شجا طارت بسلوانه عنقا
بلى أن في نفسي عتابا لو انني * قرعت به صلد الصفا لان أو رقا
وله مراسلا ابن عمه المذكور ومشتكيا من الزمان:
هواك نفى عن مقلتي طيب الكرى * كما قد نفيت العسر عني باليسر
وحبك ارسى في فؤادي كما رسى * بقلبك حب المكرمات إلى الحشر
وإن سلوي عنك ولى مجانبا * كما قد تولى الذم عنك مدى الدهر
وشوقي إلى رؤياك جاوز حده * كما جزت حد العلم والمجد والفخر
فيا أيها المولى الكريم ومن له * علي اياد لا يقوم بها شكري
وخير ابن عم من ذؤابة هاشم * أقيم به أمري وشد به ازري
وأزكى فتى تنميه خير عصابة * أوامرها في البر تجري وفي البحر
وفرع أصول شرف الله قدرها * قديما كما قد شرفت ليلة القدر
أ تدري وقاك الله كل كريهة * باني مطوي الضلوع على جمر
أقاسي من الأيام كل عظيمة * يقل وإن كنت الجليد لها صبري
وبينا فؤادي في انصداع من النوى * إذا هو في كسر أتيح على كسر
فلا در در الدهر ان صروفه * جلبن الأسى من حيث ندري ولا ندري
أ في كل يوم لي بأنيابه دم * كريم بغير البيض طل أو السمر
وأعجب شئ أن يراق ولم يقم * به أحد منا يطالب بالوتر
ولكننا نرضى ونصبر رغبة * إلى الله في نيل المثوبة والاجر
ونعلم إن الله ما شاء كائن * وإن القضا جار على العبد والحر
وإن الردى كأس وكل يذوقه * وداعيه لا ينفك في السر والجهر
ولكننا لا نستفيق جهالة * فنحن نيام والمنايا بنا تسري
وكل بهاتي الدار سكران واله * ولكن إذا متنا أفقنا من السكر
هنالك لا ينجي الفتى غير ما اتى * من الباقيات الصالحات لدى الحشر
فاسال ربي ان يعاملنا معا * وإخواننا بالفضل واللطف والبر
ولا زلت طول الدهر في دعة أبا ال‍ * جواد وعيش مستطاب وفي بشر
وزادك يا ابن العم ربك أنعما * تقيدها بالحمد منك وبالشكر
وله مراسلا ابن عمه المذكور ويشكو الزمان وضمنها مواعظ وحكما
كثيرة ومديح أهل البيت ع ورثاء الحسين ع:
لعمرك ما للدهر عهد ولا أمن * ولا ذو حجى حربه عيشه يهنو
وهل من أمان للزمان ووده * واحداثه في كل يوم لها لون
وكيف يطيب العيش فيها لذي نهى * ترحل عنه الأب والأم والابن
وإن امرءا أصلاه ماتا وفرعه * لميت وان لم يعله الترب واللبن
وهل بعد عد المرء خمسين حجة * من العمر في الدنيا يروق له حسن
وبعد اشتعال الرأس بالشيب ينبغي * بلوع المنى والعظم قد نابه وهن
فهب انك ناهزت الثمانين سالما * فهل أنت الا في تضاعيفها شن
إذا فات منك الأطيبان فلا تبل * متى انخسف الصدغان وارتفع البطن
وإن نازعتك النفس يوما لشهوة * فقل وهت الأحشاء واستوهن المتن
أ تأمل في الدنيا القرار سفاهة * وقد أزف الترحال واقترب الظعن
وما المرء إلا رهن يوم وليلة * ولا في ذا أو بذي يغلق الرهن
وانا بني حواء أغصان روضة * إذا ما ذوي غصن ذوي بعده غصن
وهل نحن الا كالأضاحي تتابعت * أو البدن ما تدري متى يومها البدن
نراع إذا ما طالعتنا جنازة * ونلهو إذا ولت وما جاءنا امن
كثلة ضان راعها الذئب رتعا * فلما مضى عادت لمرتعها الضأن
نروح ونغدو في شعوب (١) من المنى * وعين شعوب نحونا ابدا ترنو (٢)
نحوم على الدنيا ونبصر بطشها * ونعشو عن الأخرى وهذا هو الغبن
واعجب شئ وهي الأم جارة * غدا كل حر وهو عبد لها قن
ولو إننا نخشى المعاد حقيقة * لما اعتادنا غمض ولا ضمنا ركن
ولكننا عن مطلب الخير في عمى * تحول بنا عن نيله ظلل دجن
لنا الوهن والاغفال في طلب التقى * وفي طلب الدنيا لنا الحزم والذهن
وما نحن الا للمنون فريسة * فلم نقطع الأرحام شحا وما نحنو
وتخدعنا الدنيا ونعلم أنها * بغي لها في كل آونة خدن
ونهوى بها طول المقام جهالة * على انها في عين أهل النهي سجن
وانا بها كالظعن عرس ليلة * بقفر فلما أسفرت سافر الظعن
تناهبنا احداثها وتروعنا * بها كل يوم من أعاجيبها فتن
وهيهات لا يبقى جواد مؤمل * ولا بطل يخشى بوادره قرن
ولا سوقة من سائق الموت هارب * ولا ملك يوقيه جيش ولا خزن
فأين انوشروان كسرى وقيصر * ومن طوف الدنيا وقامت به المدن
تبين بذي القرنين كم قبلة انطوت * قرون وكم من بعده قد مضى قرن
وأين الذين استخلفوا من أمية * ودوخت الدنيا جيوشهم الرعن
وأين بنو العباس تلك ديارهم * تلافع بالزوراء ارسى بها الدمن
وفي الخلد (٣) والمنصور للناس عبرة * فني الخلد والمنصور دمره الحين
وفي التاج منها عبرة وعجيبة * غداة إليه قوض الأبيض الجون (٤)
فاحكم أس التاج من شرفاته * وأعلاه من أدناه فاعجب لما أفتنوا
عفا وكان لم يصطبح فيه مترف * يرنحه من صوت عذب اللمى لحن
وهارون من قصر السلام رمى به ا * لحمام إلى أقصى خراسان والبين
وتلك بسامرا مواطنهم غدت * يبابا مغانيها لوحش الفلا وطن
فاكامها للعفر والعصم موئل * وللبوم والغربان آطامها وكن
تخطى إليهم في معاقل عزهم * رسول باشخاص النفوس له الإذن
فذا هادم اللذات لا تنس ذكره * وإلا تكن من لا يقام له وزن
منغص شهوات الأنام فكم به * قد انطرفت عين وسكت به أذن
فلا يا من الدنيا امرؤ فهي أيم * وفي البيض سن أنيابها السم مكتن
وما هي إلا لجة فلتكن بها * لك الباقيات الصالحات هي السفن
فقصر فما طول الدعاء بنافع * معاشر لا تصغي لداع ولا تدنو
تعودت السوء وما المرء تاركا * عوائده حتى يواريه الدفن
فكم عظة مرت ولم ننتفع بها * وفي وعظ من لا يرعوي تخرس اللسن
ومن لم يرعه لبه وحياؤه * فليس بموروع وان علت السن

(١) ضروب.
(٢) اسم للموت.
(٣) قصر كان للمنصور ببغداد.
(٤) الأبيض قصر في المدائن للأكاسرة كان أعجوبة نقضه أحد العباسيين فجعل أعلاه أساسا للتاج
وأسه شرفات له والتاج قصر في دار الخلافة (الناظم).
(٤٦١)

ولله في بعض العباد عناية * فجانبه هين لصاحبه لين
صروف الليالي لا تكدر وده * ولا جوده يوما يكدره من
حميد السجايا لا يشاكس قومه * ولا هو للساعي إليه بهم إذن
أخو كرم يولي الجميل صديقه * وفي نفسه ان الصديق له المن
لعمر أبي والناس شتى طباعهم * فمنهن زين والكثير لهم شين
ومن عجب فرخا نقاب إلى أب * وأم وفي الأخلاق بينهما بون
وكم من بعيد وده لك صادق * قريب ودان وده شاحط مين
ورب أخ اولاك دهرا صفاءه * فطابت به نفس وقرت به عين
جرى طلقا حتى إذا قيل سابق * تداركه عرق وليس به أين
فبات على رغم المكارم والعلى * يغض على الأقذاء من عينه جفن
ويزعم أن السيل قد بلغ الزبى * لذاك وان قد ثل من عرشه ركن
فيا نائيا والرحل منه قريبة * وذا شرف في القوم أخلاقه خشن
أ مثل شقيق المرء يسلى اخاؤه * لك الخير لولا رغبة النفس والضن
ومثل عميد القوم ينسى ظهيره * على المجد وهو الناقد الجهبذ القرن
ويجهل مسعى من أغذ مهاجرا * إلى بلد في جوه العلم واليمن
وأشرف دار جنة الخلد صحنها ال‍ * مقدس والفردوس ما ضمه الصحن
ضريح ثوى فيه الوصي وآدم * ضجيع له والشيخ نوح له ضمن
وثم ضريح للشهيد بكربلا * ثراه شفاء للورى ولهم امن
ومشهد موسى والجواد محمد * تنال به الحاجات والنائل الهتن
وللسادة الهادين في سر من رأى * معاهد يستسقى بمن حلها المزن
حضائر قدس جارها في كرامة * من الله ترعاه العناية والصون
أقام بها والصبر ملء اهابه * يقدمه فن ويعلو به فن
أ لست ترى يا ابن الأكارم ان ما * يزينك بين القوم فهو لنا زين
وقد كان لي لو شئت أفسح منزل * بلبنان يثرى بالعقار وما أقنو
لدى معشر تعزى المروءة والندى * إليهم فمن كعب بن مامة أو معن
وإن ضام عاد جارهم غضبوا له * حفاظا وهبوا للنضال ولم يثنوا
من القوم أخدان الوفا لذوي الولاء * وحتف العدى ان قيل يوم الوغى أدنوا
يخوضون تيار المنايا بأنفس * لديها مثار النقع ان غضبت هين
فان ضربوا قدوا وان طعنوا اتوا * بفوهاء فيها يذهب الزيت والقطن
ولكنني وجهت الاعسار والله واسع * غناه ولا الحرمان والله لي عون
فيا علما يرجى لكل كريمة * وذا عزمة والوهم يثنيه والظن
نشدتك انظر سفح لبنان راجيا * عطاء مليك كل يوم له شأن
فكم من بيوت للعلى رفعت به * على العلم والأقوام كالعلم لم يجنوا
له مورد عذب المذاقة سائغ * فمشربه للناس مزدحم لزن و
بيتك بيت المجد والعلم والتقي * أحل به منك التهاون والوهن
أما انبعثت من قلبك الشهم نخوة * إليه إما تهفو عليه أما تحنو
على أهل ذاك البيت فليفدح الأسى * وينهل من عين العلى أدمع هتن
كرام إلى غير المكارم ما ثنوا * يدا والى غير الفضائل ما حنوا
سقى الله أرواحا لهم زانها التقى * فراحت وفي أعلى الجنان لها عدن
ويا واحد السادات مجدا أو فرع من * له العلم يعزى والرياسة واللسن
وخير ابن عم لا فقدت اعتناءه * كما إنني معنى به واثق طمن
شهدت لان وافاك نعي مهذب * صحيح الهوى ما في دخيلته ضغن
حريص على عز العشيرة كاره * لها الذل أو يودي به الضرب والطعن
قرعت عليه السن منك ندامة * أجل وعلى أمثاله يقرع السن
وأشهد ربي أن قولي نصيحة * وما فيه من شئ سوى النصح يعتن
وذلك حق في أخ أو قرابة * علي إذا ألوى به خلق خشن
وقد علم الأقوام أني لشانئ * لمن شانه الأزراء في الناس والطعن (٢)
على أنني والله لست مبرئا * لامارة بالسوء لي كسبها غبن
لقد وقفت بي من ذنوبي على شفا * فعيني على ما نابني دمعها سخن
فغفرانك اللهم ذنب مقصر * بخدمة من غر الجباه له تعنو
فأسألك الرضوان ربي ونظرة * لرضوان فيها يذهب الغم والحزن
بأسمائك الحسنى أجب وعصابة * بهم قامت الأشياء وانتظم الكون
نبي الهدى والغر من أهل بيته * حمي المتوالي في الأراجيف والحصن
واعلام حق لو تنور (٣) * جميع الورى ما ضلت الإنس والجن
ولو بذراها لاذت الشمس لم تشن * بخسف ولا وارى سناها ضحى مزن
فأين رسول الله عن أهل بيته * يهجنهم بين الملا معشر هجن
ويعدو عليهم من أمية جحفل * به غص من ذاك الفضا السهل والحزن
وتغدو بأرض الطف ثكلى نساؤهم * وقد هتكت عنها البراقع والسدن (٤)
فمن حرة عبرى تلوذ بمثلها * وحسرى تقي عن وجهها اليد والردن
قضوا عطشا بالطف والماء حولهم * إلى ورده أكباد صبيتهم ترنو
حمتها العدى ورد الشريعة ويلهم * إما فيهم من بالشريعة مستن
يلومونهم قتلا وأسرا كأنما * لهم بات ثار عند احمد أو دين
تداعوا لهم في كربلاء وجعجعوا * بهم في العرا بغيا ليملكهم قين
هنالك ألفوا ليث غاب تحوطه * ليوث شرى غاباتها الأسل اللدن
تشد فينثالون عنها طريدة * وأسد الشري تشفى بشداتها الأتن
فشبت لهم بالطف نار لدى الضحى * يجلل وجه الأفق من نقعها دجن
على حين ما للمرء مرأى ومسمع * من النقع الا البيض تلمع والردن
وحيث فراخ الهام طارت بها الظبا * وظلت سواني نينوى من دم تسنو
وراحت حماة الدين تصطلم العدى * ولم يبرحوا حتى قضى الله ان يفنوا
ولم يبق إلا السبط في حومة الوغى * ولا عون الا السيف والذابل اللدن
واضرمها بالسيف نارا وقودها * جسوم الأعادي والقتام لها عثن (٥)
إذا كر فروا مجفلين كأنهم * قطا راعها باز شديد القوى شتن
فكم بطل منهم براه بضربة * على النحر أو حيث الحيازم والحضن
وكم اورد الخطي فيهم فعله * بجائفة (٦) حيث الجناجن والضبن
قضى وطرا منهم ومذ ابرم القضا * مضى لم يشن علياه وهن ولا جبن
أرد يدا مني إذا ما دكرتهم * على كبدي حرى وقلب به شجن
أطائب يستسقى الحيا لوجوههم * لعمري وتنهل العيون إذا عنوا
عليهم سلام الله ما مر ذكرهم * وأحسن في اطرائهم بارع لسن
وأرسل هذه القصيدة إلى بني عمه بجبل عامل بعد وفاة ابن عمه
السيد محمد الأمين ومنهم ولده السيد جواد وهي مواعظ وحكم وحث على
الوفاق:
أهدي السلام إلى القوم الكرام بني ال‍ * قوم المشار إليهم بالكرامات

(١) أعيان وتعب.
(٢) الوقيعة في الناس.
(٣) تنور النار نظر إليها من بعيد.
(٤) السدن استر زنة ومعني.
(٥) هو الدخان.
(٦) الطغة الواصلة إلى الجوف.
(٤٦٢)

ومن غوالي تحيات أسير ما * يضوع مسكا وندا في التحيات
تحملته الصبا عني مؤرجة * من الغري بأنفاس شريفات
يحدو به الشوق من ارض العراق إلى * أعلى الشئام إلى أبهى محلات
لمعشر السادة الأمجاد من مضر ال‍ * حمرا ومن هاشم خير البيوتات
من أحمد المصطفى الهادي النبي ومن * علي المرتضى مولى البريات
يهدي إليهم على بعد المدى وعلى * ما في الحشاشة من شوق وغلات
أشتاقهم وهم بين الضلوع على * ما بيننا حال من دو ومومات
هم بالشئام وداري بالعراق فيا * بعد الديار ويا طول المسافات
تقادم العهد، والأيام مذ أبد * لها تقلب أحوال وثارات
ولا يقيم على العهد القديم سوى * كريم قوم نجيب من نجيبات
ورب قوم تناسوا أو نسوا سلفا * لهم حوى شرفا جم الكرامات
يا معشر السادة الاطهار أول ما * اوصى العباد به رب البريات
إطاعة الله في سر وفي علن * فإنه جل علام الخفيات
فتاجروا الله أيام الحياة بما * يرضي الاله فذي خير التجارات
وخدمة العلم اقصى ما ابتغاه فتى * من المفازة في قطع المفازات
فذلك الشرف الباقي لصاحبه * حال الحياة ومن بعد الوفيات
ولا يقيم على جهل ذوو شرف * شتان ما بين أحياء وأموات
وأطيب العيش في علم يفاد وفي * بلاغ عيش واخوان المصافاة
تنافسوا في بناء الدين لست ارى * في غيره من تسام أو مباراة
لا تطلبوا هذه الدنيا فكم رجع الا * قوام عنها بحوبات وخيبات
لا تأمنوها وان سرت مخادعة * كم مفجعات طوتها في مسرات
ولا تميلوا لها حبا لزهرتها * فحبها قسما رأس الخطيات
فهي العدو يرائي بالصداقة أو * كالأيم أطرق في كناف روضات
شوهاء مثلكة بالفرك معلنة * فما هوى فارك شوهاء مقلاة
كيف الركون إلى دار نضارتها * حفت عيانا بأنواع الكدورات
دار الفناء ودار الظاعنين إما * تراع منها بشدات وصولات
ان لم تبكر على رهط بغارتها * كرت على حيهم ليلا بغارات
أحلام نوم وظل من يلوذ به * ضل الهدى وهوى منها بمهواة
فراقبوا الله في سر وفي علن * وأكثروا الذكر في جهر واخفات
وخالطوا الناس بالمعروف واعتمدوا * ما جاء في الدين من حس المداراة
كونوا يدا في طلاب العز واحدة * وفي الخطوب جميعا غير اشتات
وقد نصحت لكم يا قوم فالتمسوا * حسن الصفا ودعوا سوء الملآحاة
وصية الله والهادين بالغة * صلوا ولا تقطعوا حبل القرابات
وكم نبي كريم قام في ملاء * يدعوا لترك التباغي والمماراة
تالله ما جان فقد العز من ملأ * الا وبالخلف سيموا أو الخصومات
وكم تفرق شمل من ذوي شرف * بالبغي منهم تمادى والمناواة
فاصلحوا ما استطعتم ذات بينكم * وذاك في الدين من أسنى المقامات
لا تشتكوا الدهر في بؤس ألم به * ولا بنيه تساموا بالجهالات
فالناس كالناس مذ كانوا على نسق * والدهر كالدهر أياما وليلات
والناس أبناء أم للغني وللمقل * هم ابدا أبناء علات
والعيش نعمى وبؤسي بالجدود وما * نيل الثراء بالباب وآلات
كم عالم ماهر ضاق الفضاء به * لما يكابد من ضر وشدات
يمسي ويصبح لا يلقي المعين على * ما ناب من علل أو من خصاصات
وكم جهول أفين الرأي أقبلت ألد * نيا عليه وجادت بالعطيات
فاستقدروا الله خيرا ضارعين لما * يقضي تنالوا غدا حسن المجازاة
فما نفوس الورى الا الأمانة في ألد * نيا ولا بد من رد الأمانات
نبغي الأمان لها في أرض مسبعة * أو داره في مثار النقع مفعاة
إن الزمان الذي نرجو مودته * يأتي على الحي منا والجمادات
يأتي على الحجر القاسي من الجبل * الراسي ويسلمه يوما لنحات
وقد ظننت بكم خيرا على ثقة * وكان عهدي بظني ذا إصابات
فحققوا الظن مني مقبلين على ال‍ * اصلاح والجد في نبل الكمالات
فالقوم أنتم وان كنتم ذوي شرف * فلن تنال العلى إلا بمرقاة
ولا يفوتنكم نصحي ولا هظتي * ما ضل سار بمصباح ومشكاة
أ ما علمتم وخير القول أصدقه * ان النجاة بنيات صحيحات
وإن أقمتم على ما كان من شطط * فأنتم القوم في جهل وغرات
وما علي وإن كنتم ذوي رحمي * في هجركم ان جهرتم بالعداوات
وأنت يا أيها الشهم الجواد فكن * جواد صدق وسبق في المهمات
رح غير وان إلي الخيرات مبتهجا * بها وبكر مغذا في المبرات
وعد على الرحم الداني إليك وجد * على المقلين من أهل الديانات
وسر إلى المجد والعلياء سير فتى * ماضي العزيمة طلاع الثنيات
ونزه النفس من غل تشان به * فالمجد ينمو باصلاح الطويات
أعن أخاك أخا الايمان محتسبا * يكن لك الله عونا في الملمات
وصل هديت ذوي الأرحام ملتمسا * رضي الاله واحراز المثوبات
واحذر قطيعة ما الرحمن شق له * من اسمه الاسم وانظر في العنايات
أعاذك الله يوما من قطيعتها * فهي الكبيرة من إحدى الكبيرات
خطيئة تورث الجاني النكال غدا * وفي الحياة رداء للمذمات
ورب نبل على بعد رماك به * من العراق بنيل ذو مقالات
ذاك الجواد ولكن لا يجود على ال‍ * قربى وسيف ولكن غير تبات
أين الشهامة من أبناء بجدتها * أين المروة من أهل المروات
كيف التجافي عن الأرحام في بلد * ما فيه من ذي يسار من مواساة
يحنو الغريب عليهم وابن عمهم * الأدنى إليهم من الدنيا بمثرات
صرفته عنك والاعراق تنزع ال‍ * قريب كيف باعراق وشيجات
ابنت عذرك والأحرار تدفع عن * احسابها عيب قيل وقالات
فهذب النفس والأخلاق منتحيا * ما يرتضى من سجيات وعادات
واحذر وقيت معادات الرجال فكم * لاقي العزيز هوانا بالمعاداة
وصن جليسك وانظر ما تفوه به * فيما تحدث عن ماض وعن آني
ودع إعادة ما حدثت في ملاء * فالطبع منهم معاد للمعادات
ولا تحدث بما تسري الظنون إلى * تكذيبه من أفانين الحكايات
لا تحتقر أو تعب من حطه قدر * وان تنزهت عن عاب ومزارة
لا تنو كبرا ولا عجبا ولا حسدا * ثلاثة هن اسناخ الضلالات
فإنما أنت من بيت دعائمه * على الثرى وذراه في السماوات
أعظم به بيت مجد قد علاء شرفا * بين الإمامة حقا والنبوات
وأنت أولى بان تجرى على سنن ال‍ * آباء من سادة غر وقادات
بنوا لنا المجد قدما والعلى وبنوا * لنا منازل في الأخرى عليات
فكان حقا علينا أن نواصلهم * بالصالحات وإدخال المسرات
محافظين على ذاك البنا كرما * مشيدين ذرى تلك البنيات
وما نعي الضيم ان يغشى القريب وان * أساء يوما حبوناه بمرضاة
تلك المزايا اللتي يسمو الفتى شرفا * بها ويأوي إلى حور وجنات
(٤٦٣)

محضتك النصح يا بن الأكرمين ولي * شوق إليك ومن لي بالملاقاة
سرحتها لك إشفاقا عليك من ألد * نيا وما حم فيها من مزلات
ويح ابن آدم كم فيها أتيح له * من نائبات وآفات وعاهات
هذا وما انا من نفسي على ثقة * استغفر الله من ذنبي وزلاتي
وكيف ادخلها في الصالحين وما * سلكت منهاجهم في كل حالاتي
لو كنت اخشى معادي حق خشيته * أفنيت في طاعة الرحمن آناتي
لكن نفسي لداعي الغي طيعة * وان دعى الرشد كانت في الأبيات
يا ويح نفسي كم شانت بغرتها * دهرا محاسن أيامي وساعاتي
أضعت مني نفيس العمر وأ أسفي * عليه في غير مرضاة ومنحاة
واها لنفس براها الله واحدة * والهم منتشر منها لغايات
لا تنتهي ولامر ما يراد بها * حتى يلم بها داعي المنيات
يا غفلة المرء في دنياه يطمع ان * يصطادها وهو منها في حبالات
وخيبة المرء في أخراه ظل بما * يهواه عنها وامسى في غيابات
سعى ضلالا وعين الموت تنظره * شزرا على شرف منه مرباة
هيهات ليس بناج من حبائلها * سوى نجيب يرى العقبى بمرآة
يقضي النهار سرورا في عبادته * والليل يحيي بلوعات وعولات
وا لهفتاه تقضى العمر منصرما * عني وحان بان ادعى لميقاتي
وما استفقت إلى أن أقام يهتف بي * نذير هادم آمالي ولذاتي
هناك أسبلت الأجفان عبرتها * ندامة ما أذيلت في مناجاة
لكن رجائي من المولى الأمان إذا * ما جئت والنفس في رعب وروعات
يوما تعاظمت البلوى به وغدت * فيه القلوب هباء مستطيرات
مستشفعا برسول الله والنبأ * العظيم والعترة الأطهار ساداتي
يا رب وامنن على العبد الضعيف بما * ينجيه في الحشر من سخط ومخزاة
تلك الهناة جرت قدما علي بها * نكباء ريح التصابي والصابات
يا رب أن عظمت تلك الذنوب فقد * علمت أنك غفار العظيمات
فكم تجاوزت يا رب العلى كرما * عن مذنب مستحق للعقوبات
آل الرسالة يا رب الوسيلة لي * إليك في حط اوزاري وزلاتي
وأرسل إلى بني عمه أيضا بعد وفاة ابن عمه أيضا ومنهم السيد جواد
وكان ارسل إليه كتابا وهي كسابقتها مواعظ وحكم وآداب وحث على
الاتفاق:
إذا ما الهاشمي جرى مغذا * إلى الحسنى فقل ذاك الجواد
وفي الأمثال جاء على سواء * إلى أعراقها تجري الجياد
فكن فيما يزينك من صنيع ال‍ * جميل نسيج وحدك يا جواد
فأنت المحض من قوم إليهم * طريف المجد يغزى والتلاد
بني شيخ الأباطح من قريش * ومن هو في أخاشبها العماد
وأنت سلالة الهادين فيهم * بهم وبجدهم عرف الرشاد
ومن كرم كتاب منك وافي * كماء المزن مازجه شهاد
ولكن جاء يا انسان عيني * بما فيه لناظرها السهاد
شكاة من ذوي رحم قريب * تذوب لها الحشاشة أو تكاد
عجبت لمثلكم وله قد يحم ال‍ * على والمجد والبيت المشاد
ينافس بعضكم بعضا على ما * يشان به وغايته النفاذ
أ في عرض من الدنيا يسير * يطول الهجر منكم والبعاد
أ ليس فساد ذات البين خطبا * له في الدين والدنيا فساد
وتلك قطيعة الأرحام نار * بدار القاطعين لها اتقاد
بلاء ليس يعدله بلاء * تجاف في الأقارب واحتقاد
فهلا ذا التنافس كان منكم * بما لعلائكم فيه ازدياد
تقى ونزاهة وعفاف نفس * وجد في المعارف واجتهاد
فذاك ومثله المنظور فيكم * وذاك هو الذي منكم يراد
فكونوا في الحياة يدا وبانوا * وأكبر همكم فيها المعاد
إلى كم يا بني السادات يأتي * لسمعي ما به منكم سداد (١)
وكم يهدي لعيني من لدنكم * قذى يقصي كراما أو قتاد
عليكم ما استطعتم باكتساب * المكارم فهو عز مستفاد
ومأثور المكارم باجتناب * المحارم انه لكم عتاد
فدونكم النصيحة من بعيد * بها تحدو القرابة والوداد
وتلك وصية الآباء فيكم * قديما وهي عدل واقتصاد
وتذكرة لكم فيها اعتبار * وتبصرة لكم منها رشاد
ولا تدعوا مثال السوء يهدى * إليكم وهو شعر مستجاد
لقد أسمعت لو ناديت حيا * ولكن ما نفخت به رماد
أعيذك والقريب إليك مما * يشين بمن له دان العباد
إله الناس ذي النعم التي لا * تحد وما لها ابدا عداد
خذوها من أخي ثقة بصير * باعقاب الأمور له ارتياد
لقد عرف الزمان وهذبته * التجارب والملمات الشداد
يرى ما لا ترون وأن تقولوا * على غيب تغيرت البلاد
صدقتم لكن الأحرار ما في * طبائعها التناكر والعناد
ولكن دأبهم عطف وعفو * ولين في العشيرة وانقياد
خلائقهم من الأبريز انقى * وأبقى ما لها ابدا بواد
فلا تذهب بكم أهواء قوم * طبائعهم هباء أو رماد
هم ركنوا إلى الدنيا وأما * عن الأخرى فقد مالوا وحادوا
تكالبهم عليها كالذئاب * الضواري بينها غنم نقاد
على أن الفتى فيها طريد * المنايا ما له عنها حياد
تخادعنا بباطلها ونصبوا * إليها وهي داهية نئاد
نسر بعاجل منها كان قد * مضى ونساء إذ عنا يحاد
الفنا الآثم والعدوان حتى * كأنهما لنا طبع وعاد
ومنكور نزاوله ونلهو * عن الأخرى كانا لا نعاد
ومعروف نزايله (٢) كان * لم تكن منه لنا الحسنى تفاد
إلى كم لا تعي الآذان منا ال‍ * مواعظ أو يلين بها فؤاد
يحق القول بعد الموت فينا * ولو ردوا إلى الدنيا لعادوا
الفنا هذه الدنيا اغترارا * وجهلا أين شداد وعاد
وأين أولئك الأقيال زاروا ال‍ * مقابر بعد ما ملكوا وقادوا
فكم عمروا وشادوا ثم صاروا * ترابا بعد ما عمروا وشادوا
وما نحن بهات الدار إلا * كناس قبلنا كانوا فبادوا
نقيم بها قليلا ثم ناوي * بيوتا سقفها صم صلاد
يقال لها القبور يطول فيها الر * قاد ولا يلم بنا رقاد
وما غير التراب لنا فراش * وما غير التراب بها وساد
وأعظم منه يوم الحشر كل * يجاء به على هون يقاد

(١) فرق بين السداد بكسر السين والسداد بفتحها " الناظم ".
(٢) فرق بين المزولة والمزايلة (الناظم).
(٤٦٤)

إلى الملك الجليل وذاك يوم * يذوب لهوله الحجر الجماد
فيحكم بينهم والعدل يوم ال‍ * حساب أشد ما يخشى العباد
هنالك ليس ينجو غير عبد * اتى وله التقى والبر زاد
ومن نظر الزمان بعين حر * له بصر صحيح وانتقاد
رأى الدنيا كصاحبة فروك * وهل من فارك يرجى وداد
فكونوا يا بني الاطهار قوما * كراما والتقى لهم سناد
وحوطوا مجدكم بالدين يثبت * بناه ويستقم لكم العماد
وقائلة لذي شرف تجنى * عليه قومه وهو الجواد
لنعم فتى العشيرة أنت ذخر * لها وعليك في الجلي اعتماد
ونعم الفرع فرعك في بلاد * تزان بدوحة تلك البلاد
فقال لها وفي الأحشاء وجد * له فيها انعكسا واطراد
سنيات المكارم باحتمال ال‍ * مكاره والمغارم يا سعاد
سليم القلب في دنياه ناج * وان سلقته السنة حداد
وحسب المرء لؤما أن يقول ال‍ * ورى هو قاطع رحما جماد
على هذا استدم والحر مأوى ال‍ * عشيرة من حشاشته السواد
تجد ما دونه في الذب عنك * الصفاح البيض والسمر الصعاد
وبادر بالندى حيث استقلت * صداها ان أريق لها مزاد
وإن ارض نبت بالحر منهم * يكن في جانبيك له مهاد
ولا تحفل بما يأتيك عنهم * وإن نقص العدي فيه وزادوا
عسى الأيام ترجعكم وفاقا * وللقربى إلى الحسنى معاد
وها انا سائل ربى لكم ما * به الأسلاف قد سعدوا وسادوا
يقيتم سالمين مدى الليالي * ولا أكدى لكم يوما زناد
ودمتم باتفاق وائتلاف * ومن عون الاله لكم مداد
وكتب إلى ابن عمه السيد محمد الأمين من العراق إلى جبل عامل
يعاتبه:
سلامي على من لا يرد سلامي * وذي رحم لا يستبيح كلامي
وزهر تحيات تزف لوامق * جرى حبه في مهجتي وعظامي
وشوقي لمشغوف بغيري وعاتب * علي ورام صحتي بسقام
وثابت عهدي ما حييت لدى فتى * شربت هواه بعد حين فطامي
وخالص ودي لابن عم ومنعم * له في سواد القلب اي مقام
وأبهى ثنائي المستطاب لسيد * جواد ندا يمناه صوب غمام
وأسنى دعائي المستجاب لماجد * كريم المساعي والفعال همام
واشجى حنيني مذ نأيت إلى أخ * عمادي من هذا الورى وعصامي
ووجدي في مولى نساني وشخصه * مقيم وان شط المزار امامي
وفكري في ألف سلاني وذكره * أنيس لنفسي يقظتي ومنامي
وعتبي على ذي نخوة بعد حفظه * ذمامي أراه قد أضاع ذمامي
وشكواي من ذي غفلة بعد وصله * رماني من هجرانه بسهام
وذي كرم دهرا نعمت ببره * جفاني حتى ما يرد سلامي
على غير شئ غير قصر مودتي * عليه والقائي إليه زمامي
لعمري لئن حللت هجر أخي صفا * وحرمت دهرا أوصل مضنى بكم ظامي
فليس الذي حللته بمحلل * وليس الذي حرمته بحرام
ولكن أخي طال البعاد فغيرت * علينا النوى منكم نفوس كرام
وقاطعت لا عن جفوة وملالة * ولا بخل أني وجودك طامي
ولو شئت وافت من سحابك مزنة * يروي نداه مربعي بسجام
فلا زلت في برد السلامة رافلا * تقود لك الأيام كل مرام
ودمت أخا جد سعيد وطالع * حميد ومجد لا يطاول سامي
وله أيضا يعاتبه ويستعطفه:
ما كنت اعلم والحوادث جمة * ابدا بان المستحيل يكون
كلا ولا يوما حسبت بان ارى * نفسي على مع الزمان تعين
أو أنها قسرا تفت بأعضدي * وقناتها يوم اللقاء تلين
حتى رأيت أبا الجواد على شفا * يمشي وللدهر الخئون شؤون
متعسفا بالهجر لا عن علة * لكن أعاجيب الزمان فنون
متوغلا في الصد لا يحنو ولا * يثنيه لوما ناصح وامين
يا أيها العلم الأشم ومن له * حلم كأمثال الجبال رصين
أتراك معذورا ولا تمتد بال‍ * معروف منك لأقربيك يمين
هيهات ذاك أبا الجواد فلا يمل * بك للقطيعة كاشح وضنين
ودع الجفاء لذوي القساوة والجفا * وأعد فإنك بالجميل قمين
للماء يمضي من يغص فما ترى * في شارق بالماء وهو معين
واحذر مقال المرجفين فإنه * بهت لعمرك منهم وظنون
وكأنهم وجدوه عندك رابحا * فسما بذلك مقرف وهجين
فدع الجفاء وعد إلى ذاك الصفا * وعلى الوصال من الزمان عيون
واسلم ودم في ظل عيش ناعم * جمعت لك الدنيا به والدين
وقال يخاطب علي بك الأسعد أمير جبل عامل ويرثي أميرها المتوفى
حمد البيك:
أعاملة حيتك عني ديمة * لبست بها برد الربيع مفوفا
ولا زال معتل النسيم مؤرجا * لديك بأنفاس الخزامي والطفا
ولا برح الاقبال فيك مخيما * بيمن فتى اندى من الغيث موكفا
سمي أمير المؤمنين ومن به * أقيم عماد الدين من بعد ما عفا
علي المعالي ذو الفصاحة والندى * فتى جوده ما غب يوما واخلفا
حميد المزايا ماجد وابن ماجد * حليم تناهى عفة وتعطفا
أغر المساعي سيد وابن سيد * كريم تسامى عزة وتانفا
مروج سوق العلم مكرم أهله * وحارسهم ان جائر الدهر اعسفا
همام يرد الفيلق اللجب ناكسا * إذا سل بتارا وهز مثقفا
شجاع إذا ماكر أبصرت ضيغما * له لبد شاكي السلاح مقذفا
ومقدام حرب يوصل الرمح بالخطأ * وحيا إذا المران منه تقصفا
وأروع طلاع الثنايا بعزمة * أحد من العضب اليماني وارهفا
وأبلج وضاح الجبين رقى العلى * أغر عتيقا لا هجينا ومقرفا
فمن كان ذا مجد طريف فمجده * تليد به مستطرف المجد اردفا
ومن بات من فرط الغرام سميره * من البيض معسول الشمائل اهيفا
فان عليا لا يزال مسامرا * من البيض صمصاما إذا الليل اسدفا
ومن مات مشغوف الفؤاد بربرب * من السمر مياد القوام مهفهفا
فان علي الشأن ذا الباس والندى * غدا بهوي السمر الذوابل أشغفا
من العرب العرباء ما في طباعهم * ترى جفوة أو غلظة أو تعجرفا
ولكنهم شم العرانين سادة * يرون الندى والبشر فرضا موظفا
من القوم ان عدت مفاخر وائل * مفاخرهم كانت أجل واعرفا
هم القوم كل القوم بأسا وناثلا * وحلما وآدابا غنى وتعففا
هم آل نصار اللذين سيوفهم * بنت لهم مجدا على النجم مشرفا
أولئك اتباع النبي وخلص ال‍ * وصي وأركان اللذي بهما اقتفا
(٤٦٥)

وشيعة أهل البيت حقا كما اتى * به النص عن مولى به الكون شرفا
فذاك هو الفضل المبين لدى الملا * كفاهم به فخرا على غيرهم كفى
لعمركم اني لمستعر الحشا * فلا تعذلوني لو قضيت تأسفا
على غارة للدهر شعواء شنها * على وائل فاجتاح فيها واحجفا
عشية وافاها بما يصدع الصفا * على حنق فاختار من شاء واصطفى
وآب وفي كلتا يديه غنيمة * بها فجع الحيين بكرا وخنذفا
لئن بز قبل اليوم سحبان منهم * فسحبان بز اليوم في الحلم احنفا
وليث يلف الجحفل المجر بعضه * ببعض إذا ما استل في الحرب مرهفا
وغيثا يباري الغيث هطال جوده * وغوثا إذا ما الخطب راع وخوفا
مضى واحد الدنيا وماجد أهلها * فقولوا على الدنيا إذا بعده العفا
مضى حمد المحمود نائل كفه * فيا قاصدي جدواه ويحكما اكففا
مضى حمد المحمود في كل وجهة * فقولا لصنويه الندى والعلى قفا
قضى حمد المحمود في موقف الوغى * فلا تحمدوا للشوس من بعد موقفا
قضى نحبه فود النهي حمد الثنا * فقولوا على شجو لأعينكم كفا
قضى نحبه والدمع ان جف منهما * فمن خالص الأحشاء دمعهما انزفا
له كسفت شمس المعالي ولم تكن * على غيره شمس المعالي لتكسفا
وبدر له بدر الكمال طحا به * خسوف وما كان الزمان ليخسفا
لان خر ذاك البدر عن فلك العلى * فكم بالعلى أولي قبيلا واطرفا
ورب عقاب قد أظل جواد * وأسد الشري للوجه تهوي وللقفا
وكم حكم أبدى وكم من مسامع * باقراط مكنون البلاغة شنفا
ويا رب لد في الخصومة عندهم * أفانين شتى لن تحد وتوصفا جلا ابن
جلا من ثاقب الفكر صارما * صقيلا برى ما قدموه وزيفا
عليك سلام الله من مترحل * تركت أخاك المجد بعدك مدنفا
وخلفت في لبنان أية حسرة * عليك مدى الأيام لن تتخلفا
فكم من يد أسديتها متفضلا * وكم كرب نفستها متعطفا
وزارك من فيض الاله مجلل * من العطف والرضوان حيا فأوكفا
وحييت قبرا ساميا بجواره * لقبر وصي الطهر موسى تشرفا
ولا برحت تهدى إليك صلاتها * طوائف لا تنفك حولك عكفا
وكتب إلى ابن عمه السيد محمد الأمين السالف الذكر من العراق إلى
جبل عامل:
قل للأحبة ان حللت دبارهم * خلفت اي فتى محب في النجف
مضنى الحشاشة في هواكم شفة ال‍ * شوق الشديد إلى لقاكم واللهف
وبراه طول الناي عنكم فاغتدى * رهن الحوادث في العراق أخا دنف
واقصد رعاك الله سيدهم وقل * أزكى السلام عليك يا مولى الشرف
من مخلص محض الولاء لك قلبه * وعلى علاك ثناؤه الأسنى وقف
وأخ يحن إلى لقاك فؤاده * وإلى زمان في جوارك قد سلف
حيث الشبيبة غضة والشمل * مجتمع وكل بالمسرة ملتحف
نمسي واخوان الصفا سمر لنا * جذلا ونغدو باجتماع قد ألف
عيش به ذا الدهر جاد وموسم * انس به عدل الزمان وما اعتسف
سقيا لذاك السفح كم نلنا المنى * فيه وطرف الدهر عنا منطرف
في معشر ما منهم الا أخو * حسب صميم بالسماحة قد وصف
قبضوا الأكف عن القبيح تكرما * عما يشين وبالندى بسطوا الأكف
من آل احمد خيرة الله التي * اوحى لها وبمدحها ملأ الصحف
حسب لو أن الشمس تكحل عينها * بسناه يوما لم تغب أو تنكسف
وكتب من العراق إلى بني عمه في جبل عامل يعظمهم بالوفاق
ويوصيهم بالوفاق ومحاسن الأخلاق:
الا ساعد أبا الشجو ذا الشجو وانزحا * له العين حزنا أو دعا اللوم وانزحا
وكونا كفافا لا عليه ولا له * كفاه الذي أضنى حشاه ولوحا (١)
حليف جوى ما شاقه ساكن اللوى * ولا اعتاده نزع لآرام توضحا
أخو زفرة ما هاجه ذكر منزل * محا رسمه مر العواصف فانمحى
خليلي ان العيش ليس بطيب * إذا ما ذويلأ غصن الشباب وصوحا
خليلي ان الشيب لاح معرضا * بما بعده من حادث ومصرحا
خليلي ان العمر ولى وأقبلت * خطوب من الأخرى تفاقمن ردحا
خليلي أيام الحياة قصيرة * وما أطول الآمال فيها وأفسحا
خليلي ما الدنيا حليلة ذي حجى * فلا تركنا يوما إليها وتجنحا
يود الفتى طول السلامة جاهلا * ويأمل فيها ان يسر ويفرحا
بغي متى راقت بعين خدينها * فلا بد يوما ان تصد وتطمحا
وكم قد ابان الدهر من غدر صاحب * وما اجهل الإنسان فيه وأوقحا
نشدتكما ان تقصيا نظريكما * إلى من مضى من أهله وتصفحا
فأين انوشروان كسرى وقيصر * وخاقان صاح الدهر فيهم وطوحا
وأين الالى شادوا الحصون تمنعا * وقادوا الهجان البزل والجود قرحا
أصات بهم ريب الزمان فأصبحوا * رمائم لم يعرف لها الناس مطرحا
لدى حفر من شدة الضيق لم تصب * لها العين الا ما وقى الله مسرحا
وكم مترف نشوان قد طاب ليله * تدور صباحا للزمان به الرحى
ورب امرء جذلان راق صبوحه * بجاراته اودى فأمسين نوحا
فيهودي بعاد منه قسرا كما هوى * بعاد ويدحو مجدليه كمادحا
على حين لا مال يفيد ومعشر * ولا عذر يلفى أو شفيع فينتحي
هنالك لا يجني الفتى غير ما اتى * من الخير في دار الفناء واصلحا
ويا رب يوم للظلوم مبرح * يريه السهى من شدة الهول في الضحى
وإن جاوزته في الحياة عقوبة * يكن خطبه يوم التغابن أفدحا
أقول لمصروف عن الرأي بالهوى * وذي سكرة من خمرة الجهل ماصحا
لمن تجمع الدنيا وأنت بها على * شفا جرف والشيب بالموت لوحا
أفق وانتبه للموت فالموت مشرف * عليك مطل مصبحا ومروحا
وشيبني قبل المشيب مخاتل * من الدهر ان لم يمس بالشر صبحا
وتشييعنا في كل يوم أخا لنا * إلى منزل أدنى إلينا وانزحا
وزهدني في هذه الدار انني * ارى وجهها قفرا من الألف صحصحا
وأوحشني فيها افتقادي معاشرا * ميامين أطيابا اوداء نصحا
فلست أبالي مرت الطير بعدهم * سوانح أم مرت بي الطير برحا
على مثل اولاك الأحبة فلتفض * شآبيب دمع العدين وليلح من لحا
فأقسمت ان لا امنح الود بعدهم * فتى لا يرى بالود أسخى وامنحا
يسامحني ان زلت النعل بالهوى * وان زل الفاني أعف واسمحا
واصفح عنه ان جنى عافيا وان * جنيت عليه كان اعفى واصفحا
خليلي لم يوف الاخاء حقوقه * سوى من تردى بالعلا وتوشحا
ولم يقض حق الأقرباء سوى فتى * أغر جرى في حلبة المجد أصبحا
يروح ويغدو في لباس من التقى * وماء الحيا من وجنتيه ترشحا
خليلي من لم يحتمل عبا قومه * مني وهو مذموم بأشجى وابرحا
وأي فؤاد لا يرق على جوى * ذوي رحم لا عاش الا مقرحا
(٤٦٦)

ومن يهن القربى ويقطع وشيجها * فلا عاش محبوا ولا عاش مفلحا
خليلي من يحم حوزة قومه * بجد نحاه من شبا الذم مانحا
ومن لا يبادر آسيا جرح قومه * رواحا سرى حتما إلى نفسه ضحى
خليلي ان الخلف في الأهل حاصب * متى هب كان الموت أهنأ واروحا
ويا رب مجد راسخ في قبيلة * أصيب بتشتيت الهوى فتزحزحا
وابرح شجو ان يرى الحر قومه * قياما على ساق التشاجر كشحا
ودار لهم قامت على العلم والنهي * محا الدهر من آثارها البيض ما محا
خليلي كفا فاللسان موكل * على القوم إما ان يذم ويمدحا
وقد طفحت أشياء عنكم بني العلا * لهابات كل من ذوي الدين مترحا
خليلي ما للقوم مثل عميدهم * عمادا إذا ما الدهر بالشر صرحا
وان العقيد الشهم يحمل رهطه * جفاه لأمر ما أهم وارجحا
وحسبهم ان جار ابقي بقية * لواشجة القربى وبات مقرحا
وترجعه يوما إليهم أواصر * كرمن وأحلام تكاملن رجحا
خليلي جدا في الوفاق وهذبا * نفوسكما مما يغيظ ونقحا
فمن يستطب يوما هوى النفس قاده * ذلولا إلى أخزى معاب وأفضحا
خليلي هبا للكمال وشمرا * لمطلبه ساقا من المجد تفلحا
هبا انه ما في الكمال مثوبة * أ ليس الثنا للحر مغزى ومنتحي
وهل يستوي عند الأنام مذمم * وآخر فيما نال اضحي ممدحا
ولم أر مثل العلم حلية ماجد * ولا متجرا منه أجل واربحا
حقيق على ذي اللب ان يهجر الكرى * ويرتكب الاخطار فيه مبرحا
ويبري له الكوم الحقاق وحسبه * نجاح إذا وافت مهازيل رزحا
ومن يتكل في المجد يوما على أب * وجد اتى يوم المفاخر مقمحا
وشتان ما بين العظامي في العلا * وبين عصامي جد فرجحا
ومن يتسم يوم العلا بهما معا * يكن شاوه في المجد أعلى وأفسحا
ولا تحفلا في الرزق فالله واسع * ولا تنصبا في نيله وتروحا
إذا كان رزق المرء قسما فما له * أبى الدهر الا ان يشح ويكدحا
ورب جهول يحسب المال مفخرا * له فتسامى في الغنى وتبجحا
وليس الغنى الا غنى زين بالتقى * وللجار والقربى أعد ورشحا
فدونكموها من أديب نصيحة * لقد فاز حقا من رعاها وافلحا
على أن للنفس الصحيحة ناصحا * بليغا لها أبدى الرشاد فافصحا
وكتب إلى ابن عمه السالف الذكر من العراق إلى جبل عامل يتشوق
إليه ويمدحه ويستبشر بما بلغه من عزمه على زيارة العراق ويعتذر إليه من
عتاب بلغه عنه وكتب معها بما صورته: هذه القصيدة انتزعناها من قصيدة
لنا طوحت عنا منذ حين وقد كانت شاذة عنا وحين وقفنا عليها الآن جلوناها
ورفعناها لسيدنا دام ظله وكبت ضده فان فازت منه بالرضا والقبول فذاك
غاية القصد ومنتهى المأمول والا فذاك لعدم سعادة طالعها ولذا قد مكثت
في زوايا الخمول ضالة عن منشدها نحوا من سبع سنين وما هي أول من
شرق بالماء المعين وادام الله سيدنا كعبة للوافدين وعلما لهذا الدين آمين:
وما هي إلا أن جرت بفارقنا * يد الدهر حتى قيل من هو كاظم
يذكرنا بعد الفراق عهوده * وتلك عهود قد بلين رمائم
ورام على شحط الديار ودادنا * واخلاصنا يا بعد ما هو رائم
بلى وأبي لكن ودي ثابت * لكم ابدا ما قام لله قائم
تبيد الليالي وهو في القلب راسخ * وتفنى زوالا وهو في النفس دائم
فلو أن قلبي مال عنكم لغيركم * لما انقطعت وجدا عليه الحيازم
ولو حدثتني النفس يوما بهجركم * لسلت عليها من هواكم صوارم
أبى الله الا الصفا لكم وأن * نأت عنكم بي يعملات سواهم
وصرت كما شاء القضاء لبلدة * منازلها منكم خوال طواسم
فأصبحت فيها والحوادث جمة * بعيدا عن الأحباب والقلب هائم
وحيدا بها ما لي أخ اشتكي له * همومي وما لي في سروري منادم
أقضى نهاري لاهيا بحديثكم * وأمسي وليلي همه متراكم
أخو فكر ارعى النجوم كأنني * عليها رقيب قام والخلق نائم
إذا مرت الأرواح بي من بلادكم * نواسم شاقتني الرياح النواسم
وأن ذكرت نفسي الزمان الذي مضى * بأكنافها فاضت لدمعي غمائم
إذ ذكرت تلك الليالي بسفحه * وقد جمعتنا للسرور مواسم
عراني وجدي والتهابي كأنني * لما بي سليم عاودته أراقم
فسقيا له عصرا بلغنا به المنى * وغصن التصابي والشبيبة ناعم
وسقيا له عهدا نعمنا بظله * زمانا وثغر الدهر بالانس باسم
فيا حبذا تلك البلاد وحبذا * أماجدها الغر الكرام الضيارم
أولئك أرباب النهي وذوو التقى * ومن لهم تنمى العلى والمكارم
لهم فوق مجد الناس مجدان منهما * طريف ومجد تالد متقادم
على أن فيهم مفخرا لو توسمت * به الشمس لم تحجب سناها الغمائم
بفرد الحجا بحر الندى علم الهدى * عظيم نمته للمعالي أعاظم
جواد فما كعب بن مامة مدركا * مداه ولا الفياض في الجدب حاتم
محمد البر الأمين ومن به * أقيم عماد للهدى ودعائم
ومولاهم الندب الهمام إذا انبرت * خطوب ونابت في الزمان عظائم
فتى لم تمل فيه لزيغ هداية * ولم يثنه يوما عن الحق لائم
أبر سليم النفس من كل أحنة * كما طبعه الزاكي من السوء سالم
بعيد المدى داني الجني ذو انابة * على أنه ماضي العزيمة حازم
وأروع طلاع الثنايا سما به * لأقصى العلا حقا قصي وهاشم
وأبيض وضاح الجبين حملنه * عقائل من عليا قريش كرائم
فطورا تعليه لطاها عواتك * سمون به عزا وطورا فواطم
فيا أيها المولى الكريم ومن له * علي أياد لا تعد جسائم
وخير فتى أولي الجميل ابن عمه * على البعد والأيام سود سواجم
وأكرم به شهما شأى ذروة العلى * له بيت مجد ليس فيه مزاحم
إلى كم أقاسي لوعة البين جلمدا * واكتم وجدا في الحشا يتضارم
على حين اودى الصبر مني والاسى * وبرح جسمي عب ء ما انا كاتم
وهون ما بي من جوى وصبابة * بشائر جاءت من لدنك كرائم
تخبرنا والبعد قد طال بيننا * بأنك بالاقبال واليمن قادم
فانعم بها من نعمة وبشارة * بها حييت منا العظام الرمائم
ولكن اتاني والحوادث جمة * عتاب براني خطبه المتفاقم
وروعت الأحشاء منه ملامة * ظللت لها حيران والقلب واجم
وأنشدت في أثنائه متمثلا * بشعر كعقد الدر جلاه ناظم
تحمل عظيم الذنب ممن تحبه * وأن كنت مظلوما فقل أنا ظالم
فإنك أن لم تغفر الذنب في الهوى * يفتك من الذي تهوى وأنفك راغم
(٤٦٧)

وهذا لعمري في الغرابة غاية * فيا ليت شعري هل به أنت جازم
لك الخير لا تذهب بعيدا فما أنا * وأن طال نابي حيث ما أنت وأهم
ولا تحسبن الدهر مولاي أنني * لمحكم ود شدته لك هادم
ولا أنا آت ما يسوءك طائعا * ولا مكرها ما قام لله قائم
ولا واجدي عما يسرك وانيا * وأن كاد فيه ان تضيق الغلاصم
وهبني ذا ذنب فاني لقائل * وأني على ما كان مني لنادم
فاقسم لو راجعت نفسك ناظرا * وأنصفني منها شهيد وحاكم
لشاهدت لي عتبا عليك بحمله * أليك تنوء اليعملات الرواسم
أ حقا بان أشكو لك الدهر مفصحا * فتغضي وقلبي مولع بك هائم
وأرعاك مشتاقا فتبطي وما أنا * إلى غير برق من سمائك شائم
فتوردني ظما وبحرك زاخر * وتمطرني طلا وغيثك ساجم
بعيشك ترضى أن أروح وللعلى * علي حقوق لا تقضى لوازم
فما العتب يا مولاي والحال هذه * لديك وما تلك الطروس اللوائم
فاني على هذا الملام لقائل * مقالة من أضناه بالعتب لائم
تجني علي الذنب والذنب ذنبه * ولح بعتبي وهو بالعتب ظالم
إذا برح المولى بخدمة عبده * تجنى عليه الذنب والله عالم
ولكن رجائي ان تلك ملاحة * وميل لنهج تنتحيه الأكارم
وما لكتاب في الهوى من طلاوة * إذا لم يكن عتب به وتخاصم
فدمت لنا غيثا مريعا وعيلما * من الجود ينحوه غني وغارم
ولا زلت بدرا في سما الفخر نيرا * به تزدهي تلك الربى والمعالم
وله يعاتب ابن عمه السالف الذكر عن جفائه له:
أيها السيد الهمام رويدا * لا تكن مسرفا بهجر ابن عمك
فورب السماء والأرض ما همك * أمر الأوبات بهمك
وإذا ما جرى حديث كرام ال‍ * قوم يوما تراه من غر قومك
فعلا م الصدود والحال هذي * من نداك ما صح وحلمك
فقل الفصل واقصد العدل وانا * قد رضينا أبا الجواد بحكمك
فلأنت المصيب من كل أمر * نحره دائما بثاقب فهمك
ولانت الوصول في القرب والبعد * وفي العسر واليسار لرحمك
مخلصا تبتغي بذلك وجه ال‍ * له لا زال فائضا سيب يمك
وإذا راعهم ملم زمان * كشفته عنهم صوارم غرسك
فجزاك الإله خيرا وأبقاك * ثمالا أبا الجواد لقومك
وله يخاطب ابن عمه المذكور ويشكو إليه حاله ويعاتبه:
إليك تذل النفس وهي عزيزة * فتفصح بالشكوى وتعلن بالنجوى
فاحسن إليها ما استطعت أخا الوفا * فليست تذل النفس الا لمن تهوى
ولا تحوجنها ان تبوح بسرها * إلى من يكن يسوى ومن لم يكن يسوى
فتضحي ملوما قارعا سن نادم * على ما مضى من غاية للثنا قصوى
ولم يحظ بالحسنى سوى ذي عزيمة * على كل معروف يحض على الجدوى
ولا تحمد العقبى لغير موكل * بحاجات من لا يعرف البث والشكوى
عطوف على العاصي رؤوف بمن دنا * صفوح عن الجاني مكب على التقوى
كذا فليكن أهل السيادة والنهى * وإلا فقل ربع السيادة قد أقوى
وفي مثل هاتيك الخلائق فليهم * أخو الحلم لا في حب بثنة أو اروى
وله:
لمولى العصر نشكو جور دهر * سقانا ريبه مر المذاق
أشن الغارة الشعواء فينا * ففرق جمعنا اي افتراق
باحداث له تسطو بأمضى * من الخطار والبيض الرقاق
تناهبنا كتائبه الا في * سبيل الله منها ما نلاقي
ارى الدنيا تجاذبنا نفوسا * نفيسات تردد في التراقي
تدير كؤوسها صرفا علينا * فنجرعها أمر من الزعاق
أجل هي غادة حسناء لكن * لماها السم لا يرقى براق
تحددنا بها حنقا علينا * فتنهشنا به نهش العراق
تواصل من تشاء ولم تصلنا * فراقا أو أقل من الفراق
إذا عاتبتها عن ذاك يوما * أجابت وهي عني بانطلاق
الا لا تنكروا عنكم صدودي * ووصلي من سواكم واعتناقي
علي الطهر والدكم رماني * بهجران على فرط اشتياقي
وقال أ لا أغربي عني وغري * سواي فما انا لك من وفاق
وأنت طالق مني ثلاثا * ولات رجوع في هذا الطلاق
وهام بضرتي شغفا وكم قد * تمنى رغبة فيها فراقي
وقرب دار ابناها واسقى * بني الحتف من يمناه ساقي
لذاك رميتكم قدما بحرب * جرت فيها دماكم كالسواقي
فلا يرجو امروء منكم وفاقي * فليس بنو علي من رفاقي
وما انفكت تبرحنا وليست * ترق فليس دمع العين راقي
ولكن هون الخطب احتسابي * لنفسي فانيا عنها بباقي
وعلمي ان ذاك بعين من لا * يجور بحكمه العدل الوفاق
إلهي بل اله الناس طرا * مليك الأرض والسبع الطباق
غياثي في الحياة وبعد موتي * وعوني عند أخذي بالسياق
فما لي غير عفوك من عداد * إذا ما أبت قسرا من أباقي
وجاءوا بي لحضرته ثقيلا * من الأوزار مشدود الوثاق
ويوما يجعل الولدان شيبا * يكون به إلى ربي مساقي
وما غير حسن الظن شئ * به أرجو من النار انعتاقي
وغير شفاعة الهادي رسول * الله من امتطى متن البراق
كذاك شفاعة المولى أخيه * مبير الشرك طرا والنفاق
قسيم النار والجنات ساقي ال‍ * محب بكأسه العذب الدهاق
ولي بشفاعة الزهراء امن * إذا حوسبت يوما عن شقاقي
كذاك شفاعة السبطين ذخر * كفاني الهول من يوم التلاق
وحبي التسعة الاطهار فيه انطلاق * لي إذا أعيا انطلاقي
أولئك أشرف الثقلين طرا * وأفضل من له فضل السباق
هم حجج الاله بلا امتراء * وهم علل الوجود بلا اختلاق
فمن والاهم جنات عدن * له فيها غدا أعلى المراقي
ومن عاداهم أو شك فيهم * فليس له هنالك من خلاق
أولئك سادتي ولهم ولائي * ومن ميمون أصلهم اشتقاقي
لهم أخلصت في الأولى واني * لدى الأخرى بهم أرجو لحاقي
وحاشا ان يخيب بهم رجائي * وذكراهم صبوحي واغتباقي
ألا يا آل احمد من البهم * واحمد لا لغيرهم متاقي
رفعت لمجدكم عذراء ما أن * تروم سوى رضاكم من صداق
فان حظيت به سعدت والا * فشغلي الدمع تحفزه الأماقي
سلام الله والصلوات تترى * عليكم مستديمات بواقي
(٤٦٨)

وقال رحمه الله تعالى في المواعظ ومدح النبي ص وأهل بيته
ع:
لعمرك ما أعطيت نفسك حظها * من الحمد في الدنيا ولا الأجر في الأخرى
ولكنك استرسلت طوع قيادها * فطاب لها فيما اشتهت ولك السرى
أ لست بجار يا ابن آدم طالبا * بلوع مدى من دونه ينتهي المجرى
وهل أنت يا مسكين الا مسافر * فخيرا تزود حياتك لا شرا
ترى الوفر ما أغمضت فيه وحزته * من المال للوارث بؤسا له وفرا
بدار الفنا تبني المقاصير آملا * بها الخلد والبناء خطك القبرا
بفيك الثرى ما عشت انك ميت * ومرتحل عنها لدار البلى قسرا
بل الباقيات الصالحات لذي الحجى * هي الوفر في العقبى وذكراك والأطرا
أعد نظرا فيما خلقت لأجله * تجد بك عما قد لهوت به صبرا
أ ما لك في تذكار من مات وازع * أ لم تعطك الأيام عن نفسها خبرا
أ ما لك من سوء الحساب مخافة * أ ما لك في حسن الثواب غدا بشرى
كأنك لم تسمع باخبار من مضى * ولم تر عقبى من بغى وعلا كبرا
أ ما هادم اللذات منك بمرصد * أ ما راعك الإنذار بالبطشة الكبرى
تاهب لذاك اليوم فالامر ضيق * وما بعد ذاك اليوم من كرة أخرى
نصحتك لو أصغيت لي متذكرا * وهل تنفع المغرور في دهره ذكرى
لعمري لقد أبلغت نصحا وانني * على السن لا انفك محتقبا وزرا
واني وان أوتيت علما وخبرة * لفي سكرة والناس أكثرهم سكرى
ولكن رجائي بالكريم وعفوه * عظيم وان لم ابتع النهي والامرا
بذاك مفارقي في معادي من لظى * وفي العدل والتوحيد احتسب الاجرا
وحسبي حسن الظن بالله عدة * وحبي رسول الله والعترة الغرا
هم الملأ الاعلى أمت إليهم * باصرة القربى واستدفع الأصرا
أئمة حق أشهد الله انني * أرى حبهم دينا وبغضهم كفرا
مهابط وحي الله خزان علمه * ونعمته العظمى وآيته الكبرى
بحور ندى في جانب الله مدها * ومن اجلها قد أنشأ البر والبحرا
حباها بغايات المغامر والعلى * ومن سره المكنون أودعها سرا
فهذا هو الحق المبين اتي به ال‍ * كتاب وذي الاخبار جاءت به تترى
ورب أناس أنكروه جهالة * كما أنكرت شمس الضحى مقلة جهرا
هم استنقذونا من شفا جرف الردى * ومنوا وكنا في حبال الردى اسرى
ورب رجال نافسوهم سفاهة * كما نافست شوهاء كاعبة عذرا
علقت بهم حبا فمهما ذكرتهم * نشجت وفاضت مقلتي لهم عبرى
وشايعتهم في السر والجهر ابتغي * بذاك رضا من يعلم السر والجهرا
نجوت بهم والحمد لله وحده * وفزت فيا ليتي استطعت لهم شكرا
عليهم سلام الله ما مر ذكرهم * فازرى بمعتل الصبا طيبه نشرا
وقال وأرسلها إلى جبل عامل سنة ١٣٠١
يا صاحبي كن من الدنيا على وجل * وخالف النفس واحذر كاذب الأمل
فما ارى هذه الدنيا وان عطفت * سوي عدو بثوب الغدر مشتمل
تنال منا وان أبدت مسالمة * ما لم ينل بسيوف الهند والأسل
والدهر خب يريك الصفو منطويا * على وطيس من الأضغان مشتعل
وللزمان سهام لا تطيش عن ال‍ * فتى ولو أنه في دارة الحمل
فالغر من لم يكن في طول مدته * حذار صرف الليالي دائم الوجل
والحازم الشهم من لم يلف آونة في * غفلة من غواشي عيشه الخضل
كم بين ساه لها عما يراد به * غدا وصاح تلافى فسحة الاجل
فالعمر كالظل للانسان حم له * وهل سمعت بظل غير منتقل
يسعى الفتى لأمور ليس يدركها * والموت من خلفه يسعى على عجل
ولا تسوف بفعل الخير ويحك * فالتسويف يغريك بالاهمال والكسل
وجانب الناس والدنيا وكن رجلا * يخشى المعاد ويرجو صالح العمل
لا ترج فيما عرا غير الكريم ولا * تكن على غيره يوما يمتكل
كيف النجاة وقد صرنا إلى زمن * جم المعاطب في سهل وفي جبل
عاد على الناس لا يبقى على أحد * كالذئب عاث بشاء في الفلا ختل
وعصر سوء قضى ان لا صفاء به * يوما لكل خليق بالكمال ملي
قل الحفاظ به والصالحون ومن * يرجى لخطب جليل ناب أو جلل
وبان أهل النهي والمكرمات فهل * لهم غير رسم لاح أو طلل
من كل أبيض طلق الوجه منطلق ال‍ * يدين جوادا بلا وعد ولا مهل
يكاد يسمح بالنفس النفيسة * للأخوان في الدين عند الحادث الجلل
لا كالذي ان تسله حاجة عرضت * حباك من زخرف الاعذار والعلل
يرى الندى سرفا والبخل مكرمة * والخلف كيسا وصدق الوعد من خبل
تباين الناس كم عاص لخالقه * لا يختشي ومطيع خائف وجل
نشكو إلى الله عصرا غاب صاحبه * فحم جورا علينا غير محتمل
من كلي أزرق مرهوب الفظاظة لا * يحنو على راهب لله مبتهل
صهب السبال أخافوا كل سابلة * للدين والعلج منهم آمن السبل
خزر العيون أماتوا الذكر واتخذوا ال‍ * قانون عنه بديلا ساء من بدل
من معشر كحلت باللؤم أعينهم * وبالخنا وسموا والغدر والبخل
قد عبدوا الحر والاسم عصمته * واوردوه العنا علاء على نهل
أرح عبادك يا رباه من ملأ * هم بين وسنان أو سكران أو ثمل
وعد علينا كما عودتنا كرما * بدولة الحق تمحو سائر الدول
ضاق الخناق بنا عن جور طاغية * تذود واردنا حتى عن الوشل
نعاتب الدهر فيهم كل آونة * والدهر عن عتب الأحرار في شغل
تأبى سجاياه الا الجور فاصطبح ال‍ * فجار واغتبقوا فيه على مهل
يأتي بكل غريب من حوادثه * يوهي الصفا غير هياب ولا وجل
وقد أعود على نفسي بتسلية * فيما نعانيه من أيامنا الفضل
باهل بيت الهدى كم كابدوا محنا * تزول هذي الرواسي وهي لم تزل
وكم دماء لهم عند العدى هدر * يحول صبغ الليالي وهخي لم تحل
اني لاعجب والدنيا عجائبها * شتى من الزيغ في الآراء والملل
لم يبصر الحق هذا الخلق أكثرهم * والحق بادي ألسنا للناظرين جلي
لم ينظروا بصحيح الفكر بل نظروا * بفاسد من سقيم الفكر مختبل
كلا ولا نظروا في الأمر آونة * الا بعين لهم عشواء في حول
وما نسيت فلا انسى المقالة من * كبير قوم حكاها غير محتفل
رأيتني يوم أحد هاربا وانا * اعدو من الخوف كالا روى على جبل
يا ليت شعري أ يخفى الحق نيره * أم بالبصيرة ما في العين من سبل
قاسوا الذي لم يقس فضلا به أحد * ولم يقاس الذي قاساه من رجل
أجاب دعوة خير المرسلين وما * فيهم سوى منتم للشرك منتحل
فكان سيف رسول الله ناصره * وحاملا عنه ما يعنيه من ثقل
يحوطه من قريش وهي حاشدة * عليه بالبيض والخطية الذبل

(١) كلما جاء من المصادر على تفعال فبالفتح الاتبيان وتلقاء (الناظم).
(٢) تأنيث اجهر.
(٤٦٩)

لم يأله النصح في سر وفي علن * ولم يغب عنه في حل ومرتحل
ولم يزل باذلا لله مهجته * من دونه غير مذعور ولا وجل
حتى إذا ما دعا الله الرسول إلى * ما قد أعد له من أفضل النزل
جاشت عليه نفوس طالما طويت * على الضغائن والاحقاد والدغل
فأصبحوا وهم في جور بادية * عريانة الدو من ظبي ومن وعل
هيماء جانبها طير السما فرقا * تهوي بهم رسلا يهوي على رسل
ابعد ما كان في يوم الغدير من ال‍ * إيصاء والتنزيل من علل
هذا وعما باهل البيت حل من ال‍ * خطب المبرح والبلوى فلا تسل
وهل اتاك حديث مر في فدك * يوهي القلوب ويجريها من المقل
غداة أقبلت الزهراء تطلب ما * قضى لها الله من ارث ومن نحل
ألية برة بالبيت والحرم ال‍ * شريف والقبر مثوى خاتم الرسل
لقد تزلزلت السبع الطباق وما * على البسيطة من سهل ومن جبل
غداة أجهشت الزهراء معلنة ال‍ * شكوى بدمع من الأحشاء منهمل
ورب دمع لها من بعد ذاك جرى * على قتيل بأرض الطف منجدل
هذي طريقتنا العدلي ومذهبنا ال‍ * سوي ما فيه من أمت ومن ميل
دين الاله وشرع المصطفى وهدى * السادات من آله بالعلم والعمل
أولئك الثقل الثاني المترجم * للكتاب أعظم به في الدين من ثقل
وهم أولوا الامر ان قاموا وان قعدوا * والشمس رأد الضحى كالشمس في الطفل
تالله لو أن هذا الناس قد لحقوا * بهم لما ضل في الاسلام من رجل
يا طالب الحق ان رمت النجاة فخذ * بالجد والصدق لا بالميمن والهزل
وقد نصحتك فيما قلت محتسبا * فاسمع لقولي وامر الله فامتثل
خذها مغلغلة بالحق صادقة * فكن ضنينا بها ما عشت واحتفل
غراء داعية لله راهبة * تصمي العدى لا كما يرمي بنو ثعل
من هاشمي علاء منهاج أسرته * آل الأمين على الأديان والملل
صلى الإله عليهم والملائكة ال‍ * كرام والرسل في الابكار والأصل
وأرسل إلى ابن عمه السالف الذكر يمدحه ويتشوقه:
سلام كنشر العنبر المتضوع * على سيد سامي الفخار سميدع
وأسنى تحيات تروح وتغتدي * بأطيب من روح الصبا المتضوع
إلى علم من آل احمد شامخ * وعيلم فضل بالندا متدفع
وأبهى ثناء كالرياض تفتحت * خمائلها عن صيب غير مقلع
وخير دعاء بالقبول مواجه * من الله عن قلب بحبك مولع
وشوق ملح لا يزال على النوى * يزيد التهابا في حشاي وأضلعي
إليك أخا العلياء والسؤدد الذي * له من سماء العز أشرف موضع
وأزكى جواد من ذؤابة هاشم * حوى قصبات السبق في كل مجمع
فيا أيها الكهف الأظل ومن به * يكون أمان الخائف المتروع
متى ينطوي ليل التنائي وينجلي * صباح التداني واللقا والتجمع
وهل يعطفن الدهر يوما فاغتدي * وأنت أخي مني بمرأى ومسمعي
فقد عيل يا بن العم عنك تصبري * وزاد اشتياقي واستطال توجعي
عسى نلتقي يوما فاحيي بنظرة * إلى ماجد جم الوفا منك أروع
واحظى بمولى لا يزال تلفتي * إليه على طول النوى وتطلعي
بقيت كما شاء المحب ممتعا * بعيش رغيد مدة الدهر مربع
ولا زلت ماكر الجديدان رافعا * لوا الحق للسني والمتشيع
ولا برحت يمناك في كل أزمة * تفيض بغيث من نوالك ممرع
وأرسل إلى ابن عمه السالف الذكر مادحا له وشاكرا له على إحسانه:
جزيت أخا النعماء خيرا فإنه * أبى الله الا ان يكون لك الفضل
وصلت وقد طال الجفاء منك مخلصا * أساء ومن ذا لا تزل به النعل
وجدت لك الحسنى على ذي قرابة * أبي لديه غير جودك لا يحلو
وسرحت بالمعروف معتذرا إلى * أخ عنك لا يسلوه مال ولا أهل
وسقت إلينا البر والبر دونه * يغول المطي من دوه الوعر والسهل
وأفضلت والافضال فيك غريزة * براك عليها الله مولاي من قبل
وأحسنت والاحسان شانك في الورى * وكسب العلى والحكم والعلم والبذل
وأنعمت والإنعام منك على النوى * أحلك من أسنى المنازل ما يعلو
وعدت إلى وصل الأحبة عاطفا * على حين لا عطف لحر ولا وصل
فوافى ولم يتبعه من ولا اذى * جميلك مولانا على أنه جزل
فكان كغيث باكر الحي بعد ما * عدى عنه أزمانا فألوى به المحل
بقيت بخير ناعم البال سالما * ويمناك للراجين نائلها وبل
وكان كغيث باكر الحي بعد ما * جفاه الحيا دهرا وصوحه المحل
وأرسل إلى ابن عمه المذكور يمدحه ويشكو إليه الزمان ويتشوقه:
الا قل لشهم بني هاشم * ووارث برد العلى عن علي
لقد جرعتني صروف الزمان * شرابا أمر من الحنظل
وكم طرقتني خطوب لها * كجلمود صخر هوى من على
فيا ليت شعري من موصلي * إليك ومن لي بالموصل
فهل لي يا سعد من منزل * برحب حمى ذلك المنزل
فتكتحل العين غب النوى * بطلعة ذاك الفتى المفضل
محمد لا زال في نعمة * وعنه صرف الدهر في معزل
وأرسل إليه أيضا يمدحه ويستعطفه ويشكو له الزمان ويعاتبه:
ألا ابلغا عني ابن عمي محمدا * سليل النبي المصطفى نير الظلم
ونجل أمير المؤمنين الذي به * أقيم عماد الدين من بعد ما انهدم
وفرع البتول الطهر فاطمة التي * لقد صانها الباري من الرجس واللمم
الوكة ذي ود ورحم مسيسة * أخي ثقة في قيله غير متهم
إذا أنت لم تسد الجميل موفرا * إلي كما تقضي المودة والرحم
ولا منقذي من سورة المن والأذى * باثر عطاء الباخلين من الأمم
ولا آخذ من خطة الخسف في يدي * بعيد عن الاهلين في بلد أزم
فأين إذا احساب هاشم قوضت * وأين انطوت تلك الشهامة والشيم
وأين أخو الأنف الحمي لقومه * وحامي ذمار الأهل إن حادث دهم
وأين الحفاظ المحض والذب عن أخ * له ذمة موصولة منك أو ذمم
ومن ذا الذي أدعوه غيرك مانعا * لضيمي وأنت المستضام متى أضم
ومن ذا الذي أرجو سواك وأنت لي * أخ ماجد جم المكارم وابن عم
ومن ذا الذي تثنى الخناصر باسمه * سواك إذا عد الحماة من الأمم
أ لست منار العز في كل بلدة * ومن فخره فيها كنار على علم
أ لست الفتى السباق في كل غاية * بمضمارها يكبو الجواد إذا قدم
أ لست الفتى الفياض والرجل الذي * بكلتا يديه للندى عيلم خضم
يلي وأبي أنت المبرز والذي * إليه انتهى المجد المؤثل والكرم
وأنت بحمد الله أعظم سيد * له الجود والمعروف والحزم والهمم
وأنت الفتى الموفي على النجم رفعة * وامضى امرء يدعى إذا رائع دهم
وأنت امرؤ من عصبة قرشية * لجارهم بين السماكين معتصم
كرام أباة الضيم بين جباههم * سمات المعالي في عرانينهم شمم
(٤٧٠)

هم القوم ان قالوا أصابوا وإن دعوا * أجابوا وإن أعطوا أبروا على الديم
نما بك منهم للعلى خير والد * مجيد له في كل أكرومة قدم
فشابهته فضلا وفخرا وسؤددا * ونسكا ومن يشبه أباه فما ظلم
وكم لك من طول على القرب والنوى * جسيم يباري الغيث والغيث منسجم
وما زلت مخصوصا بكل كريمة * ومستصحبا للخير من بارئ النسم
ولكن حظي مولع بانعكاسه * ودهري بابعاد الذي في يدي فعم
لذاك وذا أصبحت عنك كما ترى * بعيدا ومن آلائك الغر مخترم
فحسبي وداد منك عن كل فائت * وقربي بها لا أرتضي حمر النعم
بقيت بقاء الدهر تسدي لأهله ال‍ * جميل ويسدي الله منه لك النعم
ولا انفك كل من بنيه موجها * إليك الندى بالرفع كالمفرد العلم
وقال حين قدوم ابن عمه عمنا السيد عبد الله ابن السيد علي الأمين
ويمدح ابن عمه السيد محمد الأمين السالف الذكر:
لعمري وأن أصبحت في دار غربة * بعيدا عن الأحباب والأهل والوطن
فقد أنعم الباري علي بنعمة * ارى شكرها فرضا علي مدى الزمن
بمقدم عبد الله ذي الفضل والنهي * علي وكم لله عندي من منن
حميم به همي تجلى ووامق * به مقلتي قرت وطاب لها الوسن
فنعم ابن عم سرني بقدومه * وأطفأ به من لاعج الشوق ما كمن
وأتحفني الرحمن منه بمؤنس * يزول به همي إذا ليله دجن
أخي ثقة ماضي العزيمة طيب ال‍ * سريرة مأمون الغوائل والإحن
وذي رشد ما حاد يوما عن الهدى * ولا قارف الآثام في السر والعلن
شددت به ازري على حين لا أخا * لدي مواس في الشدائد والمحن
نجيب دعته نخوة هاشمية * لنيل العلى والحر يجري على السنن
فلبى يجوب البيد يفري نحورها * بحرف نمتها اليعملات إلى شدن
وما انفك يطوي في الهجير يبابها * فغورا على نجد وسهلا على حزن
إلى أن اتى والحمد لله مشهدا * ثوى فيه خير الأوصياء أبو الحسن
إمام هدى ما للمحب ذخيرة * سواه إذا ما الجسم أدرج في الكفن
مواليه معروف الهداية مجتبى * وقاليه معروف الغواية ممتهن
ووافى كما شاء المهيمن خاضعا * لروضة قدس من ألم بها أمن
وعفر في اعتابها الغر جبهة * توسمت فيها الخير من سالف الزمن
فبلغه الرحمن اقصى مرامه * وباعد عن ساحاته البث والحزن
ولا انفك في خير عميم وصدره * وعاء لمأثور الفرائض والسنن
ولا زال ممدودا به الظل من أبي ال‍ * جواد وموصولا به جوده الهتن
محمد المفضال والجهبذ الذي * له الحسب الوضاح والخلق الحسن
أخو نعم ما شابها المن والأذى * وذو همم ما شأنها الضعف والوهن
كريم نماه للمفاخر والعلا * امين هدى من آل طاها ومؤتمن
حليم حكى صخر بن قيس بحلمه * كما في الذكا حاكى اياسا أخا الفطن
عظيم جليل القدر لا متكبر * ولا هو جافي القلب في جانب خشن
بعيد مناط الفخر يلتف برده * على ذي ثبات رابط الجاش مطمئن
فمن تك ابكار الحمى سكنا له * فان له ابكار غير العلى سكن
ومن رام نيل المجد عفوا فإنه * أغذ له والمكرمات له ثمن
وقد علم الأقوام ان محله * غدا من قريش في الجباه وفي القنن
قمين بان تهدى له جمل الثنا * كما أنه في كل مكرمة قمن
فيا أيها المولى الهمام ومن له * مفاخر أعيا نعتها المصقع اللسن
حلفت برب الراقصات إلى منى * وما قد أقلت من فتى بالعلى فتن
وبالبيت ذي الأستار والحجر والصفا * وما سيق في تلك المشاعر من بدن
لئن كان جسمي عنك أصبح راحلا * فان فؤادي عنك الدهر مرتهن
وإن لم أفز بالقرب منك فإنما * يد الريح تجري لا بما تشتهي السفن
تمازج قلبانا كان قد تراضعا * معا بدم الأحشاء لا خالص اللبن
فيا للنوى كم برحتني خطوبه * فليت النوى ما كان يوما ولم يكن
وكم سامني وجدا يكاد أواره * يفرق بين الروح مني والبدن
عسى نلتقي يوما فأحيا بنظرة * إلى طلعة تجلو الغياهب والدجن
واحظى بقرب من أخ ذي حفيظة * يزول عن العاني به الكرب والشجن
وخير ابن عم مخلص لي وداده * ومعروفه عند الإقامة والظعن
وما راق شخصي بعد طرفك منظر * وما طاب مذ فارقت مغناك لي عطن
كما انني أسكنت قبلا حشاشتي * هواه فما عنها نوى الظعن مذ قطن
فانعم به من سيد ذي سماحة * لنعمى سواه القلب ما مال أو ركن
وكيف ونعماه هي الروض في الربى * تضوع ونعمى الغير خضراء في دمن
تولى كفافي حيث لا ذو كفاية * بمحتمل ما للمكارم من مؤن
فصان كما يهوى عن الضيم ساحتي * وان لم يصنها السيد المجتبى فمن
كفاه إله العرش كل ملمة * من الدهر ما غنى هزار على فتن
واسعفه الباري بأسنى عناية * يكون بها في النشأتين له أمن
ودام لنا غيثا يفيض سحابة * علينا حضورا أو غيابا عن الوطن
ولا انفك في برد من العيش ناعم * وطالعه الميمون بالسعد مقترن
وله مراسلا ابن عمه السالف الذكر ويمدح أهل البيت
ع:
يا غافلا عن جوابي وهو يعلم ما * عندي له من هوى في القلب مكنون
وذاهلا عن وصالي وهو يعلم ما * انا عليه وان لو شاء يغنيني
لا ألفينك بعد الموت تندبني * شجوا وبالمدمع القاني تبكيني
معددا لمزايا أنت تعلمها * لذي إخاء ورحم منك مأمون
يمسي ويصبح لا ينساك خاطره * من الدعاء لك في الدنيا وفي الدين
حيث الملائك لا تنفك عاكفه * مواصلين دعا الداعي بتأمين
رياض قدس إله العرش قدرها * لمعشر قبل ايجاد وتكوين
براهم الله من انواره وبرى * باقي البرية من ماء ومن طين
اولاك آل رسول الله أفضل ما * مون على الوحي بالتبليغ مأذون
ففي الغري ضريح للوصي على * علاء الضراح بمولى فيه مدفون
أعني عليا أمير المؤمنين ومن * له المواقف في بدر وصفين
وفي الطفوف ضريح للحسين سما ال‍ * أفلاك قدرا بكنز فيه مخزون
وفيه للآل مثوى والصحابة يا * لهفي لمثوى بال الله مشحون
أسد الشري هم وإعلام الورى ولهم * غر المفاخر من بكر ومن عون
أماجد لا يحل الضيم ساحتهم * ولا يجلون ساح الضيم من هون
غر غدوا غدوة لله فاعتنقوا * بيض الصفاح اعتناق الحور والعين
حموا بحمر القنا والبيض ساحتهم * حتى قضوا بين مذبوح ومطعون
واذكر ضريحين في بغداد قد جمعا * علما وحلما وجودا غير ممنون
بكاظم الغيظ موسى والجواد هما * غوث وغيث لملهوف ومسكين
ومرقدين بسامرا وقد ضمنا * علامتي كل مفروض ومسنون
هادي الأنام علي وابنه الحسن * الزكي قدوة أهل الفضل والدين

(١) هو الأحنف.
(٤٧١)

وروضة من رياض القدس كان لها * مغيث خير الورى الباقي إلى حين
امامنا القائم المهدي ذو الشرف ال‍ * سامي الدعام باحكام وتمكين
وله مراسلا ابن عمه المقدم الذكر:
أهدي السلام المستطاب لسيد * وأخ كريم وابن عم منعم
وابثه شوقا ينوء بحمله * لبنان عاملة وطود يلملم
واليه لا لسواه أشكو صده * عني بلا سبب له متقدم
ابدا سوى الرحم المسيسة والأخا * والصفو والود الأكيد المحكم
ولو انني عوقبت فيما قد جنى * غيري لقلت إذا ولم أتلعثم
غيري جني وانا المعاقب فيكم * فكأنني سبابة المتندم
هيهات ذاك أبا الجواد فلا تخض * طول المدى بمفاضة لم تعلم
حاشاك يا رأس العشيرة ان ترى * عونا علي مع الزمان المكدم
ان تنس هاتيك العهود فان في * تذكارها للقلب اي تضرم
أو تسل تلك القادة النجباء أهل * الفصل والشرف المنيع الأقدم
سرعان ما غابت شموسهم عن * الدنيا وغاضوا عيلما عن عيلم
ظعنوا على رغم العلى من بعد ما * قادوا الورى زمنا لنهج قيم
ولقد مضوا عني لطيتهم وما * وطأوا مجاز دنية أو ماثم
أسفي على تلك البدور تغيب في * حفر ويا لهفي لتلك الأنجم
قد كان لي ولكم لديهم موسم * وقد انقضى سقيا له من موسم
وكذلك الدنيا متى تحسن تسئ * وإذا أساءت مرة لم تندم
أبها أهيم وقد ارى أزواجها * صرعى تهاوى لليدين وللفم
عجبا لنا نصبوا لباطلها ولا * تنفك ترمينا بزرق الأسهم
ما راح قوم جو غدوا الا لهم * حاد إلى الاحداث غير مهوم
بعدا لها مهما يعش فيها الفتى * وينل فغايته للحد مظلم
فاصنع وأحسن مثلما قد أحسن * الباري إليك تفز بأسنى المغنم
واخفض جناحك تسم واصفح تقترب * وأقنع تفز بالعز وارحم ترحم
واصبر على ما الدهر جاء به تنل * بالصبر منزلة الأعز الأكرم
فاجعل به اللهم لي نيل المنى * بلقاء خير مبجل ومعظم
ذاك الجواد أبو الجواد أخو الجواد * الندب امن الخائف المستعصم
لا زال موفور الجلال مقدما * ابدا امام مبرز ومقدم
وله يعظ بني عمه في جبل عامل وأرسلها إليهم من العراق سنة
١٢٩٨ بعد وفاة ابن عمه السيد محمد الأمين.
يا من يعز علينا ان نعاتبه * فيما يعنيه من دنيا ومن دين
ناشدتك الله لا تركن إلى أحد * من العدى أو لرأي منك مأفون
بادر إلى الخير واشكر من دعاك له * واعلم بأنك فيه غير مغبون
وجانب الشر واحذر ان تبوء به * واعلم أن الليالي كالمناجين
وخالف النفس وازجرها إذا طمحت * بذكر هادم لذات السلاطين
فالنفسي امارة بالسوء نازعة * إلى الخسيس من الافعال والدون
اني لأعجب من دنيا عجائبها * كثيرة وهي لا تفني إلى حين
من ابن آدم مختالا ومبتهجا * بنفسه وهو مسكين ابن مسكين
ترتاد أفكاره الدنيا ويصرفها * عن الحساب وعن نصب الموازين
ان عز من هذه الدنيا له غرض * عدا على نيله عدو السراحين
تراه في رقدة عن دينه وعلى ألد * نيا فيقظان خب ذو أفانين
وراغب آثر الدنيا وزينتها * يود لو أنه فيها كقارون
ما أعظم الامر والإنسان في شغل * بما يعوق من الدنيا عن الدين
يقتاده الموت قسرا ثم يسلمه * لصاحب معه في القبر مقرون
وفي القيامة يؤتى للحساب به * وللعذاب قرينا للشياطين
أ ما درى ويحه ان الحمام له * طوق الحمام وبين الكاف والنون
وشان احساب قوم انهم زهدوا * في الصالحات وهم من آل ياسين
وزادني عجبا خلف ألم بهم * ما زادهم غير تبكيت وتهجين
أين الذين مضوا عنا لطيتهم * للمجد والدين كانوا كالأساطين
من قومنا وذوي أرحامنا درجوا * أعظم بفضل لهم في الترب مدفون
نالوا بما قدموه في الحياة لهم * مقام صدق واجرا غير ممنون
من هاشم وعلي خير من حملت * به السلاهب في بدر وصفين
من دوحة المصطفى المختار كم لهم * في حلبة الفخر من بكر ومن عون
كانوا نجوم سماء يستضاء بها * وسادة قادة شم العرانين
طابوا وكانوا لجيد الدهر واسطة * زينت بدر على الأيام مكنون
فابنوا ولا تهدموا مجدا بناه لكم * آباء صدق باتقان وتمكين
اني أحذركم سوء التقاطع في * رزق من الله مقسوم ومضمون
يسعى إليه الفتى حينا فيمنعه * وربما جاء عفوا في الأحايين
جودوا وان شحت الأيام وليكن * السري على قدر بالقسط موزون
صنائع العرف أيام الحياة لها * عرف الخزامي وأنفاس الرياحين
تسدي الثناء جميلا للفتى وتقي * مصارع السوء علما غير تخمين
فاستيقظوا للذي يبقى لكم وخذوا * في منهج كان للآباء مسنون
وسارعوا في الذي يهدي الثناء وما * غدا يكون صداق الخرد العين
سلوا المدائن من ذا شادها وبنى * بها الحصون باحكام وتحصين
وأين كسرى انوشروان من عمر ال‍ * إيوان فيها عجيبا في الأواوين
وسائلوا الشام عن سكانها وكفى * لكم بتبنين تذكيرا وهونين
حصنان بالسفح من لبنان شادهما * من عهد موسى بنو الدنيا وهارون
كم فيهما حل جبار له خطر * ينهى ويأمر في تلك الدواوين
اودى وغيب في ملحوده وغدا * طعم العقارب فيها والثعابين
كلاهما لو نضرتم نصب أعينكم * وكم خلا من حصون الروم والصين
واصلحوا ما استطعتم ذات بينكم * لله بالعفو والاشفاق واللين
ودونكم عظة تشفي الظنا وبها * فكاك معتقل بالذنب مرهون
ودام لي ولكم فيما ندين به * رضي من الله والغر الميامين
وقال وأرسلها إلى ابن عمه السيد محمود سنة ١٢٩١.
إذا ما الفتى نال الغنى ثم لم ينل * به الحمد في الدنيا ولا الأجر في الأخرى
فذاك سخيف الرجي غير موفق * به بطن هذي الأرض من ظهرها أحرى
وأشقى الغنى من فاته الاجر والثنا * معا وانتحى في عيشة البؤس والفقرا
فدع عنك من غرته دنياه واغتنم * بأفعالك الحسنى المثوبة والأجرا
وباليمن والتوفيق سر متوكلا * على الله محمودا ومنه لك البشرى
وفوض إلى الرحمن امرك انه * لأكرم من يولي الرغائب والبرا
وعرج على أزكى المشاهد انها * لاعلام قدس شرفت وعلت قدرا
ولا سيما قبر الحسين فقف به * وقل والحشى يغلو قفانك من ذكرى
قتيل بكت عين السمالة دما * وأجفان سكان السماء دما اجرى
وأبكى رسول الله والطهر حيدرا * واجرى دماء عين فاطمة الزهراء
معالم يفنى الدهر وهي خوالد * تجلى بها سبل الهدى للورى جهرا
أولئك خير الناس والذكر شاهد * على ذاك والاخبار جاءت به تترى
(٤٧٢)

وقال معاتبا ابن عمه السيد محمد الأمين:
الا أيها الفذ الآبي الذي سما * عاوا إلى أوج الفخار الممنع
رأيت من الأمر العجاب قضية * إذا نقلت يوما إلى كل مسمع
وعودك لم تخلف وفعلك لم يزع * وحزت جميل الذكر في كل مجمع
وعهدي بعزم منك لم يخب زنده * فكيف خبا عني ولم فات مطمعي
وما كان إلا الصدق والود والوفا * فما أوجب التغيير في ذلك معي
أ ترضى وهذا الدهر عبدك انني * أروح وأغدو في فؤاد مروع
وله:
حلفت برب الواقفين عشية * لدى عرفات من ثنى وآحاد
وبالبيت ذي الأستار طاف به الملا * فمن عاكف في جانبيه وبادي
وبالحرم السامي الشريف الذي به * ثوى خير مبعوث وأكرم هادي
لقد كان في طوق الوصي يد على * ذياد الأعادي عنه أي ذياد
وايرادهم لج المنايا وان عتوا * بسمر طوال أو ببيض حداد
وقد كان مقدورا له ان يسومهم * نكال ثمود لو يشاء وعاد
ولكنه راعى بهم عهد احمد * فعف أبو السبطين عف جواد
وأغضى على الأقذاء في الله صابرا * وزاد التقى والصبر أفضل زاد
أ مولاي إما منهجي فهو حبكم * وحبكم منهاج كل رشاد
وقلبي لكم دامي الحشا ولغيركم * فؤادي اضحى مثل كل فؤاد
واني لارزاء عليكم ترادفت * لكالها ثم المقصي بكل مراد
كأني ألاقي حين أذكرها الذي * يلاقي سليم الحي يوم عداد
وقوله:
نصحتك ان رمت النجاء فلا تكن * لآثار أهل العجل قبلك مقتصا
وخذ نهج أهل البيت واعلق بحبهم * تفز وتثبت ما حصا ودهم محصا
فسل هل اتى إذ آثروا بطعامهم * وباتوا ثلاثا لم ينالوا بها قرصا
مراثيه
ممن رثاه السيد إبراهيم الطباطبائي في قصيدة مرت في ترجمة السيد
إبراهيم وقال السيد جعفر الحلي يرثيه ويعزي عنه السيد محمد والسيد علي
أبناء المرحوم السيد محمود الأمين.
يا عين ان تغر العيون فغوري * واسق البطاح بدمعك المهمور
فلقد فجعت بنور آل محمد * والعين يفجعها افتقاد النور
عصفت على الشرع الشريف ملمة * نسفت قواعد بيته المعمور
بكر النعي إلى الغري فراعنا * بل راع جانب حيدر ببكور
فترى الأنام لهول ما قد قاله * من عاثر رعبا ومن مذعور
فكان إسرافيل بكر معلما * وكأنما قد حان نفخ الصور
حلت بهاشم نكبة لو أنها * بثبير لانثلت عروش ثبير
قاد الحمام أميرها الصعب الذي * مذ كان ما انقادت لحكم أمير
وتخاذلت عنه ولا من ذابل * يثني ولا من صارم مشهور
وغدت تميل من الكابة أرؤسا * لم تعط الا نفثة المصدور
يا آل هاشم الذين سيوفهم * لم تثن الا عن دم مهدور
نسر المنية كيف أنشب ظفره * فيكم فاقلع دامي الأظفور
يا غلب غالب قد عذرتك فانثني * ما دفعك المقدور بالمقدور
حي لهاشم قد تداعى سوره * والحي مطمعة بدون السور
كسر الزمان جناحها فتزعزعت * بنهوضها كتزعزع المكسور
اودى أخو العزمات ناظم عقدها * فناحبت عن لؤلؤ منثور
لو أن بنت طريف تفقد مثله * ما عاتبت شجرا على الخابور
مما أصاب فؤادها من محرق * يبقى نضير الدوح غير نضير
وترى قلوص الزائرين بحبه * تفري حشا البيدا لخير مزور
لم يلثم المحزون ترب جنابه * الا وبدل حزنه بسرور
وتمت طلعته الدجي لكنه * يحييه بالتهليل والتكبير
لكن هذا الدهر خافر ذمة * لم يرضه إلا بوار الدور
اردى بنيك وغالهم بعميدهم * من كان عز لوائها المنشور
فلأعتبن على حماك وتربه * كم قد حوى من عالم تحرير
أفدي الذي بلغ العلا في مجده * وسمى السها في علمه الاكسير
ذا ميت نشرته كف محمد * طوبي له من ميت منشور
يهني المكارم ان في آفاقها * قمرين قد خلقا بغير نظير
فمحمد وعلي من اكفائها * خلقا لها وكلاهما من نور
الراقيان إلى العلى حتى لقد * نفذا وراء حجابها المستور
عبرا على نهر المجرة رفعة * وتخطيا شعري السما بعبور
يا سادة امن الأنام بحبهم * في القبر صوله منكر ونكير
انا في الخطايا موقر لكن ارى * حبي لكم ضربا من التكفير
يشفى لديغ الجهل بين بيوتكم * برقى التعلم لا رقى المسحور
فلتقبلوها من لساني قالة * تبدي لكم عذري من التقصير
إن لم أجد بنظامها فمصابكم * بقيت به الشعرا بغير شعور
وقال السيد جواد مرتضى العاملي يرثيه:
ونازلة في الدين جل نزولها * يزعزع ريعان الجبال حلولها
وتوقر أسماع الأنام برنة * يطبق ظهر الخافقين صليلها
مصاب كسى الاسلام أثواب ذلك * تجر على ربع المعالي ذيولها
لقد قذيت عيني وأبصار معشري * بنازلة بالكرخ جل نزولها
على فاطمي راح يلتف برده * على ذات قدس ليس يلفى مثيلها
على كاظم فلتذرف العين دمعها * بأعوال ثكلى ليس يطفى غليلها
وحزن يزيد القلب شجوا ولوعة * إذا حداة الركب جد رحيلها
أسرح طرفي بعد فقدك في الورى * فابصر قوما طائشات عقولها
وان قناة الدين كانت قويمة * بكفك لا يقوى لها من يميلها
جميع خلال الخير فيك تجمعت * فما خلة الا وأنت خليلها
وان نزلت في الناس يوما ملمة * فإنك ان تعيى الورى لمزيلها
وان جل رزء فيك عند نزوله * فما موضع الأرزاء الا جليلها
فقدناك زهوا والسيوف كثيرة * ولكنما خير السيوف صقيلها
إذا قارعتك النائبات فللنها * فوا عجبا كيف اعتراك فلولها
أفدت الورى علما وعقلا فأصبحت * وقد ذهبت لما قضيت عقولها
فبعدا لدهر ما وفى لابن نجدة * ولا جانبته النائبات نصولها
به عثر الدهر الخئون فلم يقل * وكم عثرة للدهر كان يقيلها
سرى سيرة الآباء في كل منهج * وتتبع اثر الضاريات شبولها
ربوع المعالي أقفرت بعد فقده * وأضحت يبابا دارسات طلولها
وظلت يتامى الناس بعد ابن أحمد * تردد طرفا لا يرى من يعولها
وهاتفة ناحت على فقد الفها * كما بنت دوح طال منها هديلها
(٤٧٣)

أو النيب حنت حيث ظلت بقفرة * ترود الموامي غاب عنها فصيلها
شجتني بصوت يشعب القلب والحشى * إذا ما علاها الليل زاد عويلها
لقد فجعت عليا معد بواحد * ولو أنه يفدى فداه قبيلها
إذا طاولته بالفخار عصابة * أو الحسب الوضاح فهو يطولها
أو العلم أكدى طالبيه فلم تفز * بشئ غداة السبق فهو ينيلها
حابة مزن يبعث الريف درها * إذا السنة الشهباء عم محولها
منار هدى بل كنز علم ونائل * وما حكمة الا لديه مقيلها
فصبرا بني المجد المنيف فأنتم * فروع سمت مستحكمات أصولها
ففيكم بحمد الله أعظم سلوة * إذا نوب الأيام جل نزولها
محمد ذو الشأن الرفيع وصنوه * علي المزايا المزهرات جميلها
ورهط المعالي الغر أبناء هاشم * شموس بدت لا يعتريها أفولها
سبقتم بمضمار العلى كل سابق * إلى غاية أعيا الأنام وصولها
وقيتم صروف النائبات ولم تزل * إليكم بني الأيام يأوي نزيلها
وحيى الحيار مسا حوى جسم كاظم * بدائمة التسكاب باق همولها
وقال الفقير مؤلف هذا الكتاب يرثيه أيضا لما ورد نعيه إلى جبل
عامل:
دهانا الردى من صرفه بالعظائم * وما من صروف الدهر حي بسالم
فحتى متى للطالبيين صارم * تفل الليالي غربه اثر صارم
ثوى اليوم من أبناء غالب أغلب * وجب سنام المجد من آل هاشم
وأردى الردى منهم على الرغم ضيغما * سرى الخوف منا في قلوب الضياغم
لئن انشبت فيه المنية ظفرها * وأنيابها فالموت ضربة لازم
وراءك عني داعي الصبر والأسى * فقد عز كظم الغيظ من بعد كاظم
مضى كمضي الغيث أبيض ماجدا * ماثره يثني بها في المواسم
رقى من ذرى المجد المؤثل مرتقى * بعيد المدى لا يرتقى بالسلالم
وغذي البان الفضائل راضعا * ونيطت عليه قبل شد النمائم
تورثها عن خير جد ووالد * أديلت إليهم عن جدود أكارم
تزود تقوى الله ما كان زاده * سواها وتقوى الله خير الغنائم
إلى الله أشكو غصة عند ذكره * تردد ما بين اللهى والحيازم
أناديه لا تبعد ومن لي بقربه * وقد حل بطن الأرض بين الرمائم
وأدعو الا فأسلم وليس بنافعي * دعائي الا فأسلم وليس بسالم
لتبك له بيض المآثر ولها * وتندبه ابكار العلى والمكارم
سأنثر دمعي دره وعقيقه * عليه كفيض العارض المتراكم
وانشر في الآفاق فيه مراثيا * تجاوب بالألحان ورق الحمائم
تسير بها الركبان في كل مهمة * وتحدو بها فوق الركاب الرواسم
تناثرت الشهب النجوم مشيرة * بان الأسى قد عم في كل عالم
فكانت كأمثال الفراش تلاعبت * به الريح أو كالصاديات الحوائم
تهاوت سراعا مذ درت أن بدرها * سيهوي فسدت أفقها بالتزاحم
فويح الثرى كم ضم بدر هداية * وكم غيض فيه من بحور خضارم
الا كل حي ما سوى الله هالك * وليس سوى الرحمن شئ بدائم
ولا بد للأقوام ان ترد الردى * ولو عمرت عمر النسور القشاعم
ويا رب يوم نلت فيه مسرة * من الدهر إذ كان الزمن مسالمي
مضى لم يعد حتى توهمت انه * خيال سرى في النوم أو هم وأهم
فيا لاهيا في ظلمة الجهل سادرا (١) * ينام وليس الموت عنه بنائم
إلى كم تطيع النفس في شهواتها * وتكسبها من موبقات الجرائم
وتغتر بالدنيا وأنت مفارق * لها عن قريب قارع سن نادم
فإياك والدنيا وحسن ابتسامها * فما هو الا كابتسام الضراغم
ولا تغتر ان ما يلن لك مسها * فما لينها الا كلين الأراقم
وحاذر إذا احلولي بها لك مطعم * فما حلوها الا كمر العلاقم
متى ينجلي ليل الخطوب عن الورى * ببدر هدى في الناس بالحق قاتم
أيا راكبا زيافة شدنية * تسابق بالأرقال مر النسائم
مضمرة لم تنهل الماء صافيا * نميرا ولم تطعم لذيذ المطاعم
تثير الحصى في جريها وتطيره * وتختم جلمود الصفا بالمناسم
تبوع (٢) أديم المقفرات بجريها * وتذرع أجواز (٣) الفلا بالقوائم
ترجل إذا جئت الغريين واحتبس * ركابك في ساحات تلك المعالم
وقف لاثما حصباءها وترابها * ولا تخش في تقبيلها لوم لائم
فثم مقام يحسد النجم تربه * وتدني له الأملاك أفواه لاثم
وسلم على قبر به حل حيدر * وحي ضريحا ضم أعظم كاظم
واني لأستحيي من البحر أن أرى * لبقعته استسقيت صوب الغمائم
وقال مؤلف الكتاب عفى الله عن جرائمه يرثيه أيضا:
محل بذات الطلح أقوت منازله * سقى عهده من صيب المزن هاطله
وقفت به والدمع تهمي سجومه * لفرط الأسى والقلب تغلي مراجله
أسائله والدمع يسبق منطقي * وفي القلب شغل من جوى البين شاغله
وهل ينفع الولهان دارس منزل * محته الليالي لا يجاب مسائله
وكدر فيه العيش من بعد صفوه * ومن ذا الذي في الدهر تصفو مناهله
ودهر رماني في حبائل غدره * ولا تفلت الحر الكريم حبائله
أ في كل يوم لي من البين لوعة * وفي كل يوم لي خليط أزايله
تسيخ الجبال الشم مما أصابني * ويبهض رضوي بعض ما أنا حامله
أ بيت أراعي النجم والنجم ساهر * بليل بعيد الصبح سود غلائله
وما سهد الأجفان مني صبابة * ولا رسم دار باللوى خف آهله
ولكنما سهدي لرزء هوت له * نجوم السما والمجد قد جب كاهله
غداة رمت أيدي المنية أسهما * بها الدين عن عمد أصيبت مقاتله
وغالت عميدا من ذؤابة هاشم * وما زال هذا الدهر جما غوائله
كريما أشم الأنف يهتز للندى * كما اهتز في الرمح الرديني عامله
تسرك في الشدات منه بسالة * ويرضيك منه خلقه وشمائله
ثوى كاظم فالجود أقلع مزنه * وذلك روض الفضل جفت خمائله
وعقد لجيد الدهر سلت نظامه ال‍ * منايا وجيد الدهر حاليه عاطله
لئن طوت الأيام في الترب جسمه * فما طويت آثاره وفضائله
بنى بيت مجد يفتدي النجم دونه * وتؤوي اللهيف المستضام معاقله
بفيك الثرى يا ناعيا واحد الورى * أ لم تدر من تنعى وما أنت قائله
وجاد على قبر تضمن جسمه * ملث الحيا ينهل بالعفو وابله
وللمترجم يرثي الشيخ محمد حسن صاحب الجواهر:
مصابك أورى في فؤاد الهدى نارا * وفقدك أجري مدمع الدين مدرارا
ظعنت أبا عبد الحسين فلم يدع * نواك حشا الا وأحج نارا

(١) السادر المتحير الذي لا يهتم ولا يبالي ما صنع.
(٢) باع الحبل يبوعه بوعا إذا مد باعه به كما تقول شبره.
(٣) جوز كل شئ وسطه والجمع اجواز.
(٤٧٤)

هو العالم الحبر الذي شاع فضله * وسار مسير الشمس نجدا وأغوارا
وأبيض وضاح الجبين على سوى * الفضائل والمعروف ما شد أزرارا
لقد أوسع الأيام علما ونائلا * فارشد أطوارا وأرفد أطوارا
وساس أمور المسلمين فلم نجد * لعمرك ذا نهي سواه وأمارا
وأعلى منار الحق في كل وجهة * وأسدى لها الاحسان سرا واجهارا
وحسبك فضلا خالدا في جواهر الكلام * فكم أبدى من الحق أسرارا
كتاب به فصل الخطاب وروضة * من العلم تزهو مدة الدهر أزهارا
وان لنا حسن العزاء بفتية * بدوا في سماء المجد شهبا وأقمارا
بنيه الكرام الأنجبين ومن حووا * من العلم والعلياء عونا وابكارا
فذو المجد إبراهيم طال على السهى * وفاق الورى مجدا وجودا وايثارا
وفرد النهي عبد الحسين سميدع * حليف التقى بين الملا علمه سارا
عليم توسمنا بجبهته الهدى * فانسنا من طور سينائه نارا
وسبطاه من قد أحرزا أجمل الثنا * هما أصبحا للحمد سمعا وأبصارا
ولا زالت الأملاك تهبط بالرضا * على قبره من حضرة القدس زوارا
مؤلفاته
له عدة مجامع مشحونة بالفوائد هي عندي بخطه وله منتخب كشكول
البهائي هو أيضا عندي بخطه.
(٤٧٥)