تأديب الاغنياء
أَيُّهَا النّاسُ، إِنَّهُ لاَ يَسْتَغْنِي الرَّجُلُ ـ وَإِنْ كَانَ ذَا مَال ـ
عَنْ عَشِيرَتِهِ، وَدِفَاعِهِمْ عَنْهُ بِأَيْدِيهِمْ وَأَلسِنَتِهمْ، وَهُمْ
أَعْظَمُ النَّاسِ حَيْطَةً (6) مِنْ وَرَائِهِ وَأَلَمُّهُمْ لِشَعَثِهِ (7) ،
وَأَعْطَفُهُمْ عَلَيْهِ عِنْدَ نَازِلَة إنْ نَزَلَتْ بِهِ. وَلِسَانُ الصِّدْقِ
(8) يَجْعَلُهُ اللهُ لِلْمَرْءِ في النَّاسِ خَيْرٌ لَهُ مِنَ المَالِ: يُورِثُهُ
غيرَهُ.
و منها : أَلاَ لاَيَعْدِلَنَّ أَحَدُكُمْ عَنِ القَرَابِةِ يَرَى
بِهَا الخَصَاصَةَ (9) أنْ يَسُدَّهَا بِالَّذِي لايَزِيدُهُ إِنْ أَمْسَكَهُ وَلاَ
يَنْقُصُهُ إِنْ أَهْلَكَهُ (10) ، وَمَنْ يَقْبِضْ يَدَهُ عَنْ عَشِيرَتِهِ،
فَإِنَّمَا تُقْبَضُ مِنْهُ عَنْهُمْ يَدٌ وَاحِدَةٌ، وَتُقْبَضُ مِنْهُمْ عَنْهُ
أَيْد كَثِيرَةٌ; وَمَنْ تَلِنْ حَاشِيَتُهُ يَسْتَدِمْ مِنْ قَوْمِهِ المَوَدَّةَ.
قال السيد الشريف : أقول: الغفيرة ها هنا الزيادة والكثرة من قولهم
للجمع الكثير : الجم الغفير. و يروي « عِفْوة من أهل أو مال » والعِفْوة: الخيار من
الشيء يقال: أكلت عِفْوةَ الطعام أي خياره. وما أحسن المعنى الذي أراده عليه السلام
بقوله: «ومن يقبض يده عن عشيرته...» إلى تمام الكلام، فإن الممسك خيره عن عشيرته
إنما يمسك نفع يد واحدة; فإذا احتاج إلى نصرتهم، واضطر إلى مرافدتهم (11) ، قعدوا
عن نصره، وتثاقلوا عن صوته، فمنع ترافد الأيدي الكثيرة، وتناهض الأقدام الجمة.