1
ـ عن عاصم بن ضمرة قال : كنت أسير مع
الحسن بن عليّ على شاطئ الفرات وذلك
بعد العصر ونحن صيام وماء الفرات يجري
على رضراض[1]والماء
صاف ونحن عطاش، فقال الحسن بن علي (عليهما
السلام) : «لو كان معي مئزر لدخلت الماء»
قلت : إزاري اُعطيكه ، قال : «فما تلبس
أنت ؟» قلت : أدخل كما أنا، قال : «فذاك
الذي أكره ، إنّي سمعت رسول الله (صلى
الله عليه وآله) يقول : إنّ للماء عوامر
من الملائكة كعوامر البيوت استحيوهم
وهابوهم وأكرموهم إذا دخلتم عليهم
الماء فلا تدخلوا إلاّ بمئزر»[2]
.
2
ـ وقال : «أمرنا رسول الله (صلى الله
عليه وآله) في العيدين أن نلبس أجود ما
نجد وأن نتطيّب بأجود ما نجد، وأن
نضحّي بأسمن ما نجد ، البقرة عن سبعة
والجزور عن عشرة ، وأن نظهر التكبير
وعلينا السكينة والوقار»[3]
.
3
ـ وقال : «علّمني رسول الله (صلى الله
عليه وآله) قنوت الوتر : ربّ اهدني فيمن
هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولّني
فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني
شرّ ما قضيت، إنّك تقضي ولا يُقضى
عليك، إنّه لا يذل من واليت ( تباركت
ربّنا وتعاليت)»[4]
.
4
ـ وقال (عليه السلام) : «إذا أضرّت
النوافل بالفريضة فاتركوها»[5] .
5
ـ وقال (عليه السلام) : «لا طلاق إلاّ من
بعد نكاح»[6]
.
وللإمام
الحسن بن عليّ (عليهما السلام) أنواع من
الأدعية والابتهالات تدلّ على مدى
اتّصاله بالله ومدى تعلّقه به
وانقطاعه اليه، واليك بعض نماذجها :
1
ـ كان (عليه السلام) يدعو بهذا الدعاء
الشريف في قنوته ، وكان يبدو عليه
الخضوع والخشوع أمام الله، وهذا نصه :
«
يا من بسلطانه ينتصر المظلوم ، وبعونه
يعتصم المكلوم ، سبقت مشيئتك، وتمّت
كلمتك ، وأنت على كلّ شيء قدير ، وبما
تمضيه خبير ، يا حاضر كلّ غيب وعالم كلّ
سر وملجأ كلّ مضطرّ ، ضلّت فيك الفهوم،
وتقطّعت دونك العلوم ، أنت الله الحيّ
القيوم ، الدائم الديّوم ، قد ترى ما
أنت به عليم ، وفيه حكيم ، وعنه حليم ،
وأنت القادر على كشفه ، والعون على
كفّه غير ضائق ، وإليك مرجع كلّ أمر ،
كما عن مشيئتك مصدره ، وقد أبنت عن عقود
كلّ قوم ، وأخفيت سرائر آخرين ، وأمضيت
ما قضيت، وأخّرت ما لا فوت عليك فيه ،
وحملت العقول ما تحملت في غيبك، ليهلك
من هلك عن بيّنة ويحيى من حيّ عن بيّنة
، وإنّك أنت السميع العليم ، الأحد
البصير ، وأنت الله المستعان ، وعليك
التوكّل ، وأنت ولىّ من تولّيت ، لك
الأمر كلّه ، تشهد الانفعال ، وتعلم
الاختلال ، وترى تخاذل أهل الخبال ،
وجنوحهم إلى ما جنحوا إليه من عاجل فان
، وحطام عقباه حميم آن ، وقعود من قعد ،
وارتداد من ارتد .. وخلوي من النصار
وانفرادي عن الظهار ، وبك اعتصم ،
وبحبلك استمسك ، وعليك أتوكّل .
اللهمّ
فقد تعلم أنّي ما ذخرت جهدي ، ولا منعت
وجدي ، حتى انفلّ حدّي ، وبقيت وحدي ،
فاتبعت طريق من تقدّمني في كفّ العادية
وتسكين الطاغية عن دماء أهل المشايعة،
وحرست ما حرسه أوليائي من أمر آخرتي
ودنياي ، فكنت ككظمهم أكظم ، وبنظامهم
أنتظم، ولطريقتهم أتسنّم ، وبميسهم
أتّسم حتى يأتي نصرك ، وأنت ناصر الحقّ
وعونه ، وإن بعد المدى عن المرتاد ،
ونأى الوقت عن إفناء الأضداد ، اللهمّ
صلِ على محمّد
وآل محمّد ، وامزجهم مع النصاب في سرمد
العذاب ، وأعم عن الرشد أبصارهم ،
وسكعهم في غمرات لذاتهم حتى تأخذهم
البغتة وهم غافلون ، وسحرة وهم نائمون
، بالحقّ الذي تظهره ، واليد ( التي )
تبطش بها ، والعلم الذي تبديه ، إنّك
كريم عليم ... »[7].
ويلمس
في الفقرات الأخيرة من دعائه الآلام
المرهقة التي كان يعانيها من الحكم
الاُموي ، وقد دعا الله أن يأخذ
الاُمويين أخذ عزيز مقتدر على
انتهاكهم لحرمته وحرمات رسوله .
2
ـ وكان يدعو بهذا الدعاء على الظالمين
له والمعتدين عليه ، ويطلب من الله أن
يكفيه شرّهم ويعلوه عليهم :
«
اللهمّ يا من جعل بين البحرين حاجزاً
وبرزخاً ، وحجراً محجوراً، يا ذا القوة
والسلطان ، يا عليّ المكان ، كيف أخاف
وأنت أملي ، وكيف أضام وعليك متكلي،
فغطّني من أعدائك بسترك ، وأظهرني على
أعدائي بأمرك ، وأيّدني بنصرك ، إليك
ألجأ ونحوك الملتجأ ، فاجعل لي من أمري
فرجاً ومخرجاً، يا كافي أهل الحرم من
أصحاب الفيل ، والمرسِل عليهم طيراً
أبابيل ، ترميهم بحجارة من سجّيل ،
إرمِ من عاداني بالتنكيل .
اللهمّ
إنّي أسألك الشفاء من كلّ داء، والنصر
على الأعداء ، والتوفيق لما تحبّ وترضى
، يا إله السماء والأرض وما بينهما وما
تحت الثرى ، بك استشفي، وبك استعفي ،
وعليك أتوكّل فسيكفيكهم الله وهو
السميع العليم »[8]
.
كتب
الحسن البصري ـ وهو من أبرز الشخصيات
المعاصرة للإمام ـ معرّفاً بأدب
الإمام (عليه السلام) وثقافته :
«
أمّا بعد، فإنّكم معشر بني هاشم الفلك
الجارية في اللّجج الغامرة والأعلام
النيّرة الشاهرة أو كسفينة نوح (عليه
السلام) التي نزلها المؤمنون ونجا فيها
المسلمون ، كتبتُ اليك يابن رسول الله
عند اختلافنا في القدر وحيرتنا في
الاستطاعة فأخبرنا بالذي عليه رأيك
ورأي آبائك ، فإنّ مِن علم الله علمَكم
وأنتم شهداء على الناس والله الشاهد
عليكم ( ذرّيّةً بعضها من بعض والله
سميع عليم )[9]
.
كما
تتجلّى لنا مقدرة الإمام الفنّيّة
والبلاغيّة من خلال محاولة معاوية لأن
يقاطع ذات يوم خطاب الإمام (عليه
السلام) حتى لا يفتتن الجمهور ببلاغته
بعد أن اقترح ابن العاص على معاوية أن
يخطب الحسن (عليه السلام) ليظهر عدم
مقدرته[10]
.
وقد
أسهم الإمام الحسن (عليه السلام) في
صياغة الخطب العسكرية في عهد أبيه
وبعده ، كما مرّ علينا ، وقد لاحظنا
إحكام البناء والتطعيم بالعنصر
الإيقاعي والصوري بشكل واضح .
وتميّزت
رسائل الإمام ومكاتباته بالاقتصاد
اللغوي وبتكثيف عنصر ( الإشارة
الدالّة ) أي العبارة المنطوية على
شفرات دلالية ، وهذا ما نجده مثلاً في
رسالته إلى معاوية ورسالته إلى زياد بن
أبيه ، حيث لم تتجاوز كلٌّ منهما
السطرين، فالأوّل ـ وهو معاوية ـ بعث
رجلين يتجسّسان ، فكتب (عليه السلام) :
«
أمّا بعد، فإنّك دسست الرجال كأنّك
تحبّ اللقاء ، لا أشكّ في ذلك ، فتوقّعه
إن شاء الله ، وبلغني أنّك شَمَتَّ بما
لم تشمت به ذوو الحجى »[11] .
وأمّا
الرسالة الاُخرى فقد بعثها إلى زياد
حيث نكّل بأحد المؤمنين، فطالبه (عليه
السلام) بالكفّ عن ذلك ، فردّ زياد
برسالة إلى الحسن (عليه السلام) جاء
فيها :
«من
زياد بن أبي سفيان إلى الحسن بن فاطمة :
أمّا بعد ، فقد أتاني كتابك تبدأ فيه
بنفسك قبلي ، وأنت طالب حاجة وأنا
سلطان»[12]
.
واضح
أنّ هذه الرسالة من زياد تعبير عن
إحساسه المَرَضيّ بعقدة الحقارة
والنقص ، فهو ينسب نفسه إلى أبي سفيان ،
وينسب الحسن (عليه السلام) إلى فاطمة (عليها
السلام)، إلاّ أنّ الحسن (عليه السلام)
أجابه بسطرين ، نحسب أنّهما مزّقاه كلّ
التمزيق ، حيث كتب (عليه السلام) :
«
من الحسن بن فاطمة إلى زياد بن سميّة ،
أمّا بعد ، فإنّ رسول الله (صلى الله
عليه وآله) قال : الولد للفراش ،
وللعاهر الحجر »[13]
.
من
أدبه (عليه
السلام) المنظوم :
1
ـ قال (عليه السلام) في التذكير بالموت :
قل
للمقيم بغير دار إقامةٍ *** حان الرحيل
فودع الأحبابا
إنّ
الذين لقيتهم وصحبتهم *** صاروا جميعاً
في القبور ترابا
2
ـ وقال (عليه السلام) في الزهد في
الدنيا :
لكسرة
من خسيس الخبز تشبعني *** وشربة من قراح
الماء تكفيني
وطمرة
من رقيق الثوب تسترني *** حياً وإن متّ
تكفيني لتكفيني[14]
3
ـ وله (عليه السلام) في السخاء :
إنّ
السخاء على العباد فريضة *** لله يقرأ في
كتاب محكم
وعد
العباد الأسخياء جنانه *** وأعدّ
للبخلاء نار جهنّمِ
من
كان لا تندى يداه بنائلٍ *** للراغبيل
فليس ذاك بمسلم[15]
4
ـ وبلغه (عليه السلام) سبّ ابن العاص له
في مجلس معاوية ، فقال (عليه السلام) :
أتأمر
يا معاويَ عبد سهم *** بشتمي والملا منّا
شهودُ؟
إذا
أخذت مجالسها قريش *** فقد علمت قريش ما
تريدُ
أأنت
تظل تشتمني سفاهاً *** لضغنٍ ما يزول وما
يبيدُ؟
فهل
لك من أب كأبي تسامى *** به من قد تسامى
أو تكيدُ؟
ولاجدٌّ
كجدي يا ابن حربٍ *** رسول الله إن ذُكر
الجدودُ
ولا
اُمّ كاُمّي في قريش *** إذا ما حصّل
الحسب التليدُ
فما
مثلي تهكّم يا ابن حرب *** ولا مثلي
ينهنهه الوعيدُ
فمهلاً
لا تهيّج بنا اُمورا *** يشيب لهولها
الطفل الوليدُ[16]
5
ـ وله (عليه السلام) في الاستغناء عن
الناس :
أغنَ
عن المخلوق بالخالقِ *** تغنَ عن الكاذب
والصادق
واسترزقِ
الرحمن من فضله *** فليس غير الله
بالرازقِ
من
ظنّ أن الناس يغنونه *** فليس بالرحمن
بالواثق
من
ظنّ أنّ الرزق من كسبه *** زلّت به
النعلان من حالقِ[17]
[1]
رضراض : ما صغر من
الحصى .
[2] رجال إصبهان : 1 /
331 .
[3] مستدرك الحاكم : 4
/ 230 .
[4] التهذيب لابن
عساكر : 4 / 199 .
[5] حياة الإمام
الحسن : 1 / 368 .
[6] سنن البيهقي : 7 /
320 .
[7] مهج الدعوات : 47 .
[8] مهج الدعوات : 297 .
[9] تحف العقول : 231 .
[10] راجع حياة
الإمام الحسن : 2 / 298 ـ 300 .
[11] الإرشاد
للمفيد : 189 .
[12] جمهرة الرسائل
: 2 / 3 .
[13] المصدر نفسه : 37
.
[14] أعيان الشيعة :
4 ق 1 .
[15] بحار الأنوار :
10 / 95 .
[16] حياة الإمام
الحسن : 2 / 260 .
[17] نور الأبصار :
175 . |