فهرس الكتاب

مكتبة الإمام المهدي

 

الرسائل

رسالة إلى المفيد(1):

للأخ السديد والولي الرشيد(2) الشيخ المفيد أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان(3) أدام الله إعزازه، من مستودع العهد المأخوذ على العباد(4).

بسم الله الرحمن الرحيم. أمّا بعد سلام الله عليك أيّها الوليّ المخلص في الدين المخصوص فينا باليقين، فإنّا نحمد إليك الله(5) الذي ﻻ إله إلا هو، ونسأله الصلاة على سيّدنا ومولانا ونبيّنا محمد وآله الظاهرين.

ونعلمك - أدام الله توفيقك لنصرة الحق وأجزل مثوبتك على نطقك عنا بالصدق- أنّه قد أذن لنا(6) في تشريفك بالمكاتبة وتكليفك ما تؤديّه عنّا إلى موالينا قبلك أعزهم الله بطاعته وكفاهم المهمّ برعايته لهم وحراسته.

فقف - أمدّك الله بعونه على أعدائه المارقين من دينه - على ما تذكره(7) واعمل في تأديته إلى من تسكن إليه، بما نرسمه إن شاء الله. نحن وإن كنّا ناوين بمكاننا النائي عن مساكن الظالمين(8) - حسب الذي أراناه الله تعالى من الصلاح، ولشيعتنا المؤمنين في ذلك مادامت دولة الدنيا للفاسقين - فإنّا نحيط علماً بأنبائكم. ولا يعزب عنّا شيء من أخباركم(9) ومعرفتنا بالذلّ الذي أصابكم(10) مذ جنح كثير منكم إلى ما كان السلف الصالح عنه شاسعاً، ونبذوا العهد المأخوذ (منه)(11) وراء ظهورهم كأنهم ﻻ يعلمون إنّا غير مهملين لمراعاتكم، ولا ناسين لذكركم(12) ولولا ذلك لنزل بكم اللأواء(13) واصطلمكم(14) الأعداء، فاتقوا الله جلّ جلاله، وظاهرونا على انتياشكم(15) من فتنة قد أنافت(16) عليكم، يهلك فيها من حمّ أجله، ويحمى عنها من أدرك أمله، وهي إمارة لأزوف(17) حركتنا و(مبانيتكم) (مباثبتكم) بأمرنا ونهينا، والله متم نوره ولو كره الكافرون(18).

اعتصموا بالتقيّة؛ من شبّ نار الجاهليّة(19) يحشّشها عصب أمويّة يهول بها فرقة مهديّة(20).

أنا زعيم بنجاة من لم يرم فيها المواطن الخفيّة(21)، وسلك في الظعن منها السبل المرضيّة(22).

إذا حلّ جمادى الأولى من سنتكم هذه، فاعتبروا بما يحدث فيها، واستيقظوا من رقدتكم لما يكون في الذي يليها، ستظهر لكم من السماء آية جليّة، ومن الأرض مثلها بالسويّة، ويحدث في أرض المشرق ما يحزن ويقلق، ويغلب من بعد على العراق، طوائف عن الإسلام مراق(23) تضيق بسوء فعالهم على أهله الأرزاق، ثم تنفرج الغمة من بعد ببوار طاغوت من الأشرار، ثم يسرّ بهلاكه المتقون الأخيار ويتفق لمريدي الحج من الآفاق، ما يؤملونه منه على توفير غلبه (عليه) منهم وإنفاق، ولنا في تيسير حجهم على الاختيار منهم والوفاق، شأن يظهر على نظام واتساق(24) فليعمل كل امرئ منكم بما يقرّب به من محبتنا، ويتجنّب ما يدنيه من كراهتنا وسخطنا، فإن أمرنا بغتة فجأة(25) حين ﻻ ينفعه توبة، ولا ينجّيه من عقابنا ندم على حوبة(26) والله يلهمكم الرشد، ويلطف لكم في التوفيق برحمته.

نسخة التوقيع

باليد العليا على(27) صاحبها السلام

هذا كتابنا إليك، أيّها الأخ الوليّ والمخلص في ودنا الصّفيّ. والناصر لنا الوفيّ، حرسك الله بعينه التي ﻻ تنام، فاحتفظ به، ولا تظهر على خطنا الذي سطرناه، ولا بما فيه ضمناه أحداً(28) وأدّ ما فيه إلى من تسكن إليه. وأوص جماعتهم بالعمل عليه، إن شاء الله، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين(29).

رسالة ثانية للشيخ المفيد(30):

من عبد الله المرابط في سبيله، إلى ملهم الحقّ ودليله(31).

بسم الله الرحمن الرحيم. سلام الله عليك أيّها الناصر للحقّ، الدّاعي إليه بكلمة الصّدق.

فإنّنا نحمد الله إليك الذي ﻻ إله إلاّ هو إلهنا وإله آبائنا الأوّليين، ونسأله الصلاة على سيّدنا ومولانا محمّد خاتم النبيّين وعلى أهل بيته الطاهرين.

وبعد. فقد كنّا نظرنا مناجاتك عصمك الله بالسبب الذي وهبه الله لك من أوليائه، وحرسك به من كيد أعدائه وشفعنا ذلك(32) الآن من مستقرّ لنا ينصبّ في شمراخ من بهماء(33) صرنا إليه آنفاً من غماليل(34) ألجأنا إليه السباريت(35) من الأيمان(36) ويوشك أن يكون هبوطنا إلى ضحضح(37) من غير بعد من الدهر، ولا تطاول من الزمان، ويأتيك نبأ منّا بما يتحدّد لنا من حال(38) فتعرف بذلك ما يعتمد (نعتمده) من الزلفة إلينا بالأعمال، والله موفّقك لذلك برحمته.

فلتكن - حرسك الله بعينه التي ﻻ تنام - أن تقابل بذلك فتنة تبسل نفوس قومٍ حرثت باطلاً لاسترهاب المبطلين(39) يبتهج لدمارها المؤمنون، ويحزن لذلك المجرمون.

وآية حركتنا من هذه اللوثة(40) حادثة بالحرم المعظّم، من رجس منافق مذمّم، ستحلّ للدم المحرّم، يعمد بكيده أهل الإيمان، ولا يبلغ بذلك غرضه من الظلم والعدوان، لأننا من وراء حفظهم بالدعاء الذي ﻻ يحجب عن ملك الأرض والسماء(41) فلتطمئنّ بذلك من أوليائنا القلوب، وليتّقوا بالكفاية منه وإن راعتهم بهم الخطوب، والعاقبة - بجميل صنع الله سبحانه - تكون حميدة ما اجتنوا المنهي عنه من الذنوب.

ونحن نعهد إليك أيّها الوليّ المخلص المجاهد فينا الظّالمين أيّدك الله بنصره الذي أيّد به السلف من أوليائنا الصالحين: إنّه من اتّقى ربّه من إخوانك في الدين، وأخرج ممّا عليه إلى مستحقيه، كان آمناً في الفتنة المبطلة، ومحنها المظلمة المضلّة، ومن بخل منهم بما أعاده الله من نعمته على من أمره بصلته، فإنه يكون خاسراً بذلك لأولاه وآخرته(42).

ولو أنّ أشياعنا وفقهم الله لطاعته على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم لما تأخّر عنهم اليمين بلقائنا، ولتعجّلت لهم السعادة بمشاهدتنا على حق المعرفة وصدقها منهم بنا، فما يحبسنا عنهم إلا ما يتصل بنا ممّا نكرهه ولا نؤثره منهم(43) والله المستعان، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وصلواته على سيّدنا البشير النذير محمد وآله الطاهرين وسلّم.

وكتب في غرّة شوّال من سنة اثنتي عشرة وأربعمائة.

نسخة التوقيع

باليد العليا صلوات الله على صاحبها

هذا كتابنا إليك أيّها الوليّ الملهم للحقّ العليّ(44) بإملائنا وخطّ ثقتنا، فأخفه عن كلّ أحد، واطوه واجعل له نسخة تطّلع عليها من تسكن إلى أمانته من أوليائنا، شملهم الله ببركاتنا إن شاء الله.

الحمد لله والصلاة على سيّدنا محمّد النبيّ وآله الطاهرين.

مسائل الأسدي(45):

.... أما ما سألت عنه من الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها؟ فلئن كان كما يقول الناس: (إن الشمس تطلع بين قرني شيطان وتغرب بين قرني شيطان) فما أرغم أنف الشيطان شيء أفضل من الصلاة، فصلّها وارغم الشيطان أنفه.

أمّا ما سألت عنه من أمر الوقف على ناحيتنا، وما يجعل لنا ثم يحتاج إليه صاحبه فيه احتاج أو لم يحتج، افتقر إليه أو استغنى عنه(46).

وأما ما سألت عنه من أمر من يستحلّ ما في يده من أموالنا ويتصرف فيه تصرّفه في ماله من غير أمرنا؟ فمن فعل ذلك فهو ملعون، ونحن خصماؤه يوم القيامة، وقد قال النبي (صلّى الله عليه وآله): (المستحل من عترتي ما حرّم الله ملعون على لساني ولسان كل نبي مجاب) فمن ظلمنا حقنا كان في جملة الظالمين لنا، وكانت لعنة الله عليه لقوله عز وجلّ: (ألا لعنة الله على الظّالمين)(47).

وأما ما سألت عنه عن أمر المولود الذي نبتت غلفته بعد ما يختن مرة أخرى، فإنه يجب أن يقطع غلفته فإن الأرض تضج إلى الله تعالى من بول الأغلف أربعين صباحاً(48).

وأمّا ما سألت عنه عن أمر المصلى والنار والصورة والسّراج بين يديه، هل يجوز صلاته فإن الناس قد اختلفوا في ذلك قبلك؟

فإنّه جائز لمن لم يكن من أولاد عبدة الأصنام والنيران: أن يصلي والنار (والصورة) والسراج بين يديه، ولا يجوز(49) ذلك لمن كان من أولاد عبدة الأوثان والنيران.

وأمّا ما سألت عنه عن أمر الضياع التي لناحيتنا، هل يجوز القيام بعمارتها وأداء الخراج منها، وصرف ما يفضل من دخلها إلى الناحية، احتساباً للأجر، وتقرّباً إليكم؟

فلا يحل لأحد أن يتصرّف في مال غيره بغير إذنه، فكيف يحل ذلك في مالنا؟ من فعل ذلك بغير أمرنا فقد استحلّ منّا ما حرّم عليه ومن أكل من أموالنا شيئاً فإنما يأكل في بطنه ناراً وسيصلى سعيراً(50).

وأمّا ما سألت عنه من أمر الرجل الذي يجعل لناحيتنا ضيعة، ويسلمها من قيّم يقوم بها ويعمّرها، ويؤدّي من دخلها خراجها ومؤنتها، يجعل ما بقي من الدّخل لناحيتنا؟

فإن ذلك جائز لمن جعله صاحب الضيعة قيّماً عليها، إنما ﻻ يجوز ذلك لغيره.

وأمّا ما سألت عنه من الثمار من أموالنا يمر به الماء فيتناول منه ويأكل هل يحلّ ذلك؟

فإنّه يحلّ له أكله ويحرّم عليه حمله.

مسائل الحميري(51)، (52):

رقم 1:

بسم الله الرحمن الرحيم. أطال الله بقاك، وأدام الله عزّك، وتأييدك وسعادتك، وسلامتك وأتمّ نعمته عليك، وزاد في إحسانه إليك، وجميل مواهبه لديك، وفضله عندك، وجعلني من السوء فداك، وقدمني قبلك(53) الناس يتنافسون في الدرجات، فمن قبلتموه كان مقبولاً ومن دفعتموه كان وضيعاً، والخامل من وضعتموه، ونعوذ بالله من ذلك وببلدنا أيّدك الله جماعة من الوجوه يتساوون ويتنافسون في المنزلة، وورد أيّدك الله كتابك إلى جماعة منهم في أمر أمرتهم به من معاونة، وأخرج علي بن محمد بن الحسين بن الملك المعروف بملك بادوكة(54) وهو ختن(55) رحمه الله من بينهم فاغتنم بذلك، وسألني أيّدك الله أن أعلمك ما ناله من ذلك، فإن كان من ذهب فاستغفر الله منه، وإن يكن غير ذلك عرفته ما تسكن نفسه إليه إن شاء الله.

التوقيع: (لم نكاتب إلا من كاتبنا).

وقد عودتني أدام الله عزك في تفضلك ما أنت أهل أن تخبرني على العادة، وقبلك أعزك الله فقهاؤنا قالوا: إنّا محتاجون إلى أشياء تسأل لنا عنها.

روى لنا عن العالم(56) (عليه السلام): أنه سئل عن إمام قوم صلى بهم بعض صلاتهم وحدثت عليه حادثة(57) كيف يعمل من خلفه؟

فقال: (يؤخّر ويتقدم بعضهم، ويتمّ صلاتهم، ويغتسل من مسّه).

التوقيع: (ليس على من نحّاه إلا غسل اليد، وإذا لم يحدث حادثة يقطع الصلاة، تمم صلاته مع القوم)(58).

وروي عن العالم (عليه السلام): أن من مسّ ميتاً بحرارته غسل يده، ومن مسه وقد برد فعليه الغسل،

وهذا الإمام في هذه الحالة ﻻ يكون إلا بحرارة، فالعمل ما هو. ولعله ينحيه بثيابه ولا يمسّه، فكيف يجب عليه الغسل.

التوقيع: (إذا مسّه على هذه الحال لم يكن عليه إلا غسل يده).

وعن صلاة جعفر: إذا سها في التسبيح في قيام أو قعود، أو ركوع أو سجود وذكره في حالة أخرى قد صار فيها من هذه الصلاة، هل يعيد ما فاته في ذلك التسبيح في الحالة التي ذكرها أم يتجاوز في صلاته؟

التوقيع: (إذا سها في حالة من ذلك ثم ذكر في حالة أخرى، قضى ما فاته في الحالة التي ذكره).

وعن المرأة يموت زوجها، يجوز أن تخرج في جنازته أم ﻻ؟

التوقيع: (تخرج في جنازته).

وهل يجوز لها في عدتها أن تزور قبر زوجها أم ﻻ؟

التوقيع: (تزور قبر زوجها ولا تبيت عن بيتها).

وهل يجوز لها أن تخرج في قضاء حق يلزمها، أم ﻻ تبرح من بيتها وهي في عدّتها؟؟

التوقيع: (إذا كان حق خرجت فيه وقضته، وإن كانت حاجة ولم يكن لها من ينظر فيها خرجت بها حتى تقضيها، ولا تبيت إلا في بيتها)(59).

وروي في ثواب القرآن في الفرائض وغيرها: أن العالم (عليه السلام) قال: (عجباً لمن لم يقرأ في صلاته: (إنا أنزلناه في ليلة القدر) كيف تقبل صلاته)؟

وروي: ما زكت صلاة من لم يقرأ (قل هو الله أحد).

وروي: (أن من قرأ في فرائضه (الهمزة) أعطي من الثواب قدر الدنيا) فهل يجوز أن يقرأ (الهمزة) ويدع هذه السور التي ذكرناها، مع ما قد روي: (أنه ﻻ تقبل صلاة ولا تزكو إلا بهما)؟

التوقيع: (الثواب في السورة على ما قد روي، وإذا ترك سورة مما فيها الثواب وقرأ (قل هو الله أحد) و(إنا أنزلناه) لفضلهما أعطي ثواب ما قرأ، وثواب السور التي ترك، ويجوز أن يقرأ غير هاتين السورتين وتكون صلاته تامة ولكن يكون قد ترك الفضل).

وعن وداع شهر رمضان: متى يكون؟ فقد اختلف فيه أصحابنا، فبعضهم يقول: (يقرأ في آخر ليلة منه) وبعضهم يقول: (وهو في آخر يوم منه إذا رأى هلال شوال)؟

التوقيع: (العمل في شهر رمضان في لياليه، والوداع يقع في آخر ليلة منه، فإذا خاف أن ينقص الشهر جعله في ليلتين).

وعن قول الله عزوجل: (إنه لقول رسول كريم) أرسول الله (صلى الله عليه وآله) المَعنيّ به؟ (ذي قوة عند ذي العرش مكين) ما هذه القوة؟ (مطاع ثم أمين)(60) ما هذه الطاعة وأين هي؟؟ - ما خرج لهذه المسألة جواب.

فرأيك أدام الله عزك بالتفضل عليّ بمسألة من تثق به من الفقهاء عن هذه المسائل فأجبني عنها منعماً مع ما تشرحه لي من أمر علي بن محمد بن الحسين بن الملك المتقدم ذكره بما يسكن إليه ويعتد بنعمة الله عنده، وتفضّل عليّ بدعاء جامع لي ولإخواني في الدنيا والآخرة فعلت مثاباً إن شاء الله(61).

التوقيع: (جمع الله لك ولإخوانك خير الدنيا والآخرة).

مسائل الحميري(62):

رقم 2:

(63)... فرأيك أدام الله عزك في تأمل رقعتي والتفضّل بما أسأل من ذلك لأضيفه إلى سائر أياديك عندي ومننك عليّ، واحتجت أدام الله عزك أن يسألني بعض الفقهاء عن المصلي إذا قام من التشهّد الأول إلى الركعة الثانية هل يجب عليه أن يكبر؟ فإن بعض أصحابنا قال: (ﻻ يجب عليه التكبير، ويجزيه أن يقول بحول الله وقوته أقوم وأقعد)؟

الجواب: (إن فيه حديثين: أما أحدهما: (فإنه إذا انتقل من حالة إلى حالة أخرى فعليه التكبير). وأما الآخر: فإنه روى: (أنه إذا رفع رأسه من السجدة الثانية فكبّر ثم جلس ثم قام فليس عليه في القيام بعد القعود تكبير وكذلك في التشهّد الأول يجري هذا المجرى) وبأيهما أخذت من جهة التسليم كان صواباً).

وعن الفص الخماهن(64): هل يجوز فيه الصلاة إذا كان في إصبعه؟ الجواب: (فيه كراهية أن يصلي فيه، وفيه أيضاً إطلاق، والعمل على الكراهية)(65).

وعن الرجل اشترى هدياً لرجل غاب عنه، وسأله أن ينحر عنه هدياً بمنى فلما أراد نحر الهدي نسي اسم الرجل ونحر الهدي، ثم ذكره بعد ذلك، أيجزي عن الرجل أم ﻻ؟

الجواب: (ﻻ بأس بذلك، وقد أجزأ عن صاحبه).

وعندنا حاكة مجوس، يأكلون الميتة، ولا يغتسلون من الجنابة، وينسجون لنا ثياباً، فهل يجوز الصلاة فيهما من قبل أن تغسل؟

الجواب: (ﻻ بأس بالصلاة فيها).

وعن المصلي، يكون في صلاة الليل في ظلمة، فإذا سجد يغلط بالسجادة ويضع جبهته على (مسح أو نطع) فإذا رفع رأسه وجد السجادة هل يعتد بهذه السجدة أم ﻻ يعتد بها؟

الجواب: (ما لم يستو جالساً فلا شيء عليه في رفع رأسه لطلب الخِمرة)(66).

وعن المحرم: يرفع الظلال هل يرفع خشب أو العمارية الكنيسة ويرفع الجناحين أم ﻻ؟(67).

الجواب: (ﻻ شيء عليه في ترك رفع الخشب).

وعن المحرم: يستظل من المطر بنطع أو غيره، حذراً على ثيابه وما في محمله أن يبتل، فهل يجوز ذلك؟

الجواب: (إذا فعل ذلك في المحمل في طريقه، فعليه دم)(68).

وعن الرجل: يحج عن واحد، هل يحتاج أن يذكر الذي حج عنه عند عقد إحرامه أم ﻻ، وهل يجب أن يذبح عمن حجّ وعن نفسه أم يجزيه هدي واحد؟

الجواب: (قد يجزيه هدي واحد، ويذكره وإن لم يفعل(69) فلا بأس).

وهل يجوز للرجل أن يحرم في كساء خزّ أم ﻻ؟

الجواب: (ﻻ بأس بذلك، وقد فعله قوم صالحون).

وهل يجوز للرجل أن يصلي في بطيط(70) ﻻ يغطي الكعبين أم ﻻ يجوز؟

الجواب: (جائز).

وعن الرجل يصلي وفي كمه أو سراويله سكين أو مفتاح حديد، هل يجوز ذلك؟

وعن الرجل: يكون معه بعض هؤلاء(71)، ويكون متصلاً بهم، فيحج ويأخذ ذات عرق فيحرم معهم لما يخاف الشهرة(72) أم ﻻ يجوز إلا أن يحرم من المسلخ.

الجواب: (يحرم من ميقاته ثم يلبس الثياب، ويلبي في نفسه، فإذا بلغ إلى ميقاتهم أظهر).

وعن لبس النعل المعطون(73) فإن بعض أصحابنا يذكر أن لبسه كريه؟

الجواب: (جائز، ولا بأس به).

وعن الرجل: من وكلاء الوقف مستحلاً لما في يده، ولا يرع عن أخذ ماله ربما نزلت في قريته وهو فيها. أو أدخل منزله - وقد حضر طعامه - فيدعوني إليه، فإن لم آكل من طعامه عاداني عليه وقال: فلان ﻻ يستحل أن يأكل من طعامنا فهل يجوز لي أن آكل من طعامه وأتصدق بصدقه؟ وكم مقدار الصدقة؟ وأن أهدي هذا الوكيل هدية إلى رجل آخر فأحضر فيدعوني إلى أن أنال منها، وأنا أعلم أن الوكيل ﻻ يرع عن أخذ ما في يده، فهل عليّ فيه شيء إن أنا نلت منها؟

الجواب: (إن كان لهذا الرجل مال أو معاش غير ما في يده فكل طعامه واقبل برّه، وإلا فلا).

وعن الرجل ممن يقول بالحق ويرى المتعة، ويقول بالرجعة، إلا أنّ له أهلاً موافقة له في جميع أموره، وقد عاهدها: ألا يتزوج عليها، ولا يتمتع - ولا يتسرّى وقد فعل هذا منذ تسعة عشر سنة. أيضاً لذلك، ويرى أن وقوف من معه من أخ وولد وغلام ووكيل وحاشية مما يقلله في أعينهم، ويحبّ المقام على ما هو عليه محبة لأهله وميلاً إليها، وصيانة لها ولنفسها، ﻻ لتحريم المتعة بل يدين الله بها، فهل عليه في ترك ذلك مأثم أم ﻻ؟

الجواب: (يستحبّ له أن يطيع الله تعالى بالمتعة، ليزول عنه الحلف في المعصية ولو مرة)(74).

مسائل الحميري(75):

رقم 3:

سأل عن المحرم: يجوز أن يشد المئزر من خلفه على عقبه بالطول، ويرفع طرفيه إلى حقويه ويجمعهما في خاصرته ويعقدها، ويخرج الطرفين الآخرين من بين رجليه ويرفعهما إلى خاصرته، ويشد طرفيه إلى وركيه، فيكون مثل السراويل يستر ما هناك، فإن المئزر الأول كنا نتزر به إذا ركب الرجل جمله يكشف ما هناك، وهذا أستر؟

فأجاب: جاز أن يتزر الإنسان كيف شاء إذا لم يحدث في الميزر حدثاً بمقراظ ولا إبرة يخرجه به عن المئزر، وغرزه غرزاً ولم يعقده، ولم يشد بعضه ببعض، وإذا غطّى سرته وركبتيه كلاهما فإن السنّة المجمع عليها بغير خلاف تغطية السرة والركبتين، والأحب إلينا والأفضل لكل أحد شده على السبيل المألوفة المعروفة عند الناس جميعاً إن شاء الله).

وسأل: هل يجوز أن يشد عليه مكان العقد تكة؟

فأجاب: (ﻻ يجوز شد المئزر بشيء سواه من تكة ولا غيرها).

وسأل عن التوجه للصلاة أن يقول على ملّة إبراهيم ودين محمد (صلّى الله عليه وآله)، فإن بعض أصحابنا ذكر: أنه إذا قال: على دين محمد فقد أبدع، لأنا لم نجده في شيء من كتب الصلاة خلا حديثاً في كتاب القاسم بن محمد عن جدّه عن الحسن بن راشد: أن الصادق (عليه السلام) قال للحسن: كيف تتوجه؟

فقال: أقول لبيك وسعديك.

فقال له الصادق (عليه السلام): ليس عن هذا أسألك. كيف تقول وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً مسلماً.

قال الحسن: أقول.

فقال الصادق (عليه السلام): إذا قلت ذلك فقل: على ملّة إبراهيم، ودين محمد، ومنهاج علي بن أبي طالب، والائتمام بآل محمد، حنيفاً ومسلماً وما أنا من المشركين.

فأجاب (عجل الله فرجه): (التوجه كلّه ليس بفريضة، والسنّة المؤكدة فيه التي كالإجماع الذي ﻻ خلاف فيه: وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض، حنيفاً مسلماً على ملّة إبراهيم ودين محمد وهدى أمير المؤمنين، وما أنا من المشركين. إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، ﻻ شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين. اللهم اجعلني من المسلمين أعوذ بالله السميع العليم، من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، ثم اقرأ الحمد.

قال الفقيه(76) الذي ﻻ يشك في علمه: إنّ الدين لمحمد والهداية لعلي أمير المؤمنين أنها له (عليه السلام) وفي عقبه باقية إلى يوم القيامة(77) فمن كان كذلك فهو من المهتدين. ومن شك فلا دين له، ونعوذ بالله من الضلالة بعد الهدى).

وسأله عن القنوت في الفريضة إذا فرغ من دعائه، يجوز أن يردّ يديه على وجهه وصدره للحديث الذي روي: (إن الله عزّ وجلّ أجلّ من أن يرد يدي عبده صفراً بل يملأهما من رحمته) أم ﻻ يجوز؟ فإن بعض أصحابنا(78) ذكر أنه عمل(79) في الصلاة.

فأجاب (عليه السلام): (رد اليدين من القنوت على الرأس والوجه غير جائز في الفرائض، والذي عليه العمل فيه، إذا رجع يده في قنوت الفريضة وفرغ من الدعاء، أن يردّ بطن راحتيه مع صدره تلقاء ركبتيه على تمهل، ويكبّر ويركع، والخبر صحيح وهو في نوافل النهار والليل دون الفرائض، والعمل به(80) فيها أفضل).

وسأل: عن سجدة الشكر بعد الفريضة، فإن بعض أصحابنا ذكر أنها (بدعة) فهل يجوز أن يسجدها الرجل بعد الفريضة؟ وإن جاز ففي صلاة المغرب هي بعد الفريضة أو بعد الأربع ركعات النافلة؟

فأجاب (عليه السلام): (سجدة الشكر من ألزم السنن وأوجبها، ولم يقل إن هذه السجدة بدعة إلا من أراد أن يحدث بدعة في دين الله. فأما الخبر المروي فيها بعد صلاة المغرب والاختلاف في أنها بعد الثلاث أو بعد الأربع فأن فضل الدّعاء والتّسبيح بعد الفرائض على الدعاء بعقيب النوافل كفضل الفرائض على النوافل، والسجدة دعاء وتسبيح فالأفضل أن تكون بعد الفرائض فإن جعلت بعد النوافل أيضاً جاز)(81).

وسأل: إن لبعض إخواننا ممن نعرفه ضيعة جديدة بجنب ضيعة خراب، للسلطان فيها حصته وأكرته ربما زرعوا حدودها ويؤذيهم عمال السلطان ويتعرضون في الكل من غلات ضيعته، وليس لها قيمة لخرابها وإنما هي بائرة منذ عشرين سنة، وهو يتحرّج من شرائها لأنه يقال أن هذه الحصة من هذه الضيعة كانت قبضت عن الوقف قديماً للسلطان، فإن جاز شراؤها من السلطان، وكان ذلك صلاحاً له وعمارة لضيعته، وإنه يزرع هذه الحصة من القرية البائرة لفضل ماء ضيعته العامرة، وينحسم عنه طمع أولياء السلطان، وإن لم يجز ذلك عمل بما تأمره به إن شاء الله تعالى؟

فأجاب: (الضيعة ﻻ يجوز ابتياعها إلا من مالكها أو بأمره أو رضاءٍ منه)(82).

وسأل: عن رجل استحلّ امرأة خارجة من حجابها، وكان يتحرز من أن يقع ولد فجاءت بابن، فتحرج الرجل أن ﻻ يقبله فقبله وهو شاكّ فيه، وجعل يجري النفقة على أمه وعليه حتى ماتت الأم، وهو ذا يجري عليه غير أنه شاكّ فيه ليس يخلطه بنفسه، فإن كان ممن يجب أن يخلط بنفسه ويجعله كسائر ولده فعل ذلك وإن جاز أن يجعله له شيئاً من ماله دون حقه فعل؟

فأجاب (عليه السلام): (الاستحلال بالمرأة يقع على وجوه، والجواب يختلف فيها فليذكر الوجه الذي وقع الاستحلال عليه به مشروحاً ليعرف الجواب فيما يسأل عنه من أمر الولد إن شاء الله).

وسأله الدّعاء له فخرج الجواب:

(جاد الله عليه بما هو جل وتعالى أهله، إيجابنا لحقه، ورعايتنا لأبيه رحمه الله، وقرّبه منّا، وقد رضينا بما علّمناه من جميل نيّته، ووقفنا عليه من مخاطبته، المقر له من الله، التي يرضي الله عز وجل ورسوله وأوليائه (عليهم السلام) والرحمة بما بدأنا، نسأل الله بمسألته ما أمله من كل خير عاجل وآجل، وأن يصلح له من أمر دينه ودنياه ما يجب صلاحه، إنه ولي قدير).

مسائل الحميري(83):

رقم 4:

بسم الله الرحمن الرحيم أطال الله بقاك وأدام عزّك وكرامتك وسعادتك وسلامتك، وأتمّ نعمته عليك وزاد في إحسانه إليك، وجميل مواهبه لديك، وفضله عليك، وجزيل قسمه لك، وجعلني من السوء كله فداك، وقدمني قبلك(84).

إن قبلنا(85) مشايخ وعجايز يصومون رجباً منذ ثلاثين سنة وأكثر، ويصلون بشعبان وشهر رمضان. وروى لهم بعض أصحابنا: أن صومه معصية؟

فأجاب (عليه السلام): (قال الفقيه(86): يصوم منه أيّاماً إلى خمسة عشر يوماً (ثم يقطعه) إلا أن يصوم عن الثّلاثة، الأيام الفائتة(87)، للحديث: (إن نعم شهر القضاء رجب).

وسأل: عن رجل يكون في محمله والثلج كثير بقامة الرجل، فيتخوّف إن نزل الغوص فيه، وربما يسقط الثلج وهو على تلك الحال ولا يستوي له أن يلبّد شيئاً منه لكثرته وتهافته، هل يجوز [له] أن يصلي في المحمل الفريضة؟ فقد فعلنا ذلك أياماً فهل علينا في ذلك إعادة أم ﻻ؟

فأجاب: (ﻻ بأس [به] عند الضرورة والشّدة).

وسأل: عن الرجل يلحق الإمام وهو راكع فيركع معه ويحتسب تلك الركعة، فإن بعض أصحابنا قال: إن لم يسمع تكبيرة الركوع فليس له أن يعتدّ بتلك الركعة؟

فأجاب: (إذا لحق مع الإمام من تسبيح الركوع تسبيحة واحدة اعتدّ بتلك الركعة وإن لم يسمع تكبيرة الركوع)(88).

وسأل: عن رجل صلى الظّهر ودخل في صلاة العصر فلمّا أن صلّى من صلاة العصر ركعتين استيقن أنه صلّى الظهر ركعتين، كيف يصنع؟

فأجاب: (إن كان أحدث بين الصلاتين حادثة يقطع بها الصلاة أعاد الصلاتين وإن لم يكن أحدث حادثة جعل الركعتين الأخرتين تتمة لصلاة الظّهر، وصلّى العصر بعد ذلك)(89).

وسأل: عن أهل الجنّة (هل) يتوالدون إذا دخلوها أم ﻻ؟

فأجاب: (إن الجنّة ﻻ حمل فيها للنساء ولا ولادة، ولا طمث ولا نفاس ولا شقاء بالطفولية، وفيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين(90)، كما قال سبحانه، فإذا اشتهى المؤمن ولداً خلقه الله بغير حمل ولا ولادة على الصورة التي يريد كما خلق آدم عبرة).

وسأل: عن رجل تزوّج امرأة بشيء معلوم إلى وقت معلوم، وبقي له عليها وقت، فجعلها في حل مما بقي له عليها وقد كانت طمثت قبل أن يجعلها في حل من أيّامها بثلاثة أيام، أيجوز أن يتزوّجها رجل [آخر بشيء] معلوم إلى وقت معلوم عند طهرها من هذه الحيضة أو يستقبل بها حيضة أخرى؟

فأجاب: (يستقبل حيضة غير تلك الحيضة، لأن أقل تلك العدّة حيضة وطهرة تامّة).

وسأل: عن الأبرص والمجذوم وصاحب الفالج، هل يجوز شهادتهم، فقد روي لنا: أنهم ﻻ يؤمّون الأصحاء.

فقال: (إن كان ما بهم حادثاً جازت شهادتهم، وإن كان ولادة لم تجز)(91).

وسأل: هل يجوز للرجل أن يتزوج ابنة امرأته:

فأجاب: (إن كانت ربيت في حجره فلا يجوز، وإن لم تكن ربيّت في حجره وكانت أمّها من غير عياله(92) روي: أنّه جائز).

وسأل: هل يجوز أن يتزوج بنت ابنة امرأة ثم يتزوج جدّتها بعد ذلك أم ﻻ؟

فأجاب: (قد نهي عن ذلك).

وسأل: عن رجل ادّعى على رجل ألف درهم وأقام به البيّنة العادلة، وادّعى عليه أيضاً خمسمائة درهم في صك آخر، وله بذلك بيّنة عادلة، وادّعى عليه أيضاً ثلاثمائة درهم في صك آخر، ومائتي درهم في صك آخر، وله بذلك بيّنة كله بيّنة عادلة، ويزعم المدعى عليه أن هذه الصكوك كلّها قد دخلت في الصك الذي بألف درهم، والمدّعي منكر أن يكون كما زعم، فهل يجب الألف درهم مرة واحدة أو يجب عليه كل ما يقيم البيّنة به؟

وليس في الصكاك استثناء إنما هي صكاك على وجهها(93).

فأجاب: (يؤخذ من المدّعي عليه ألف درهم مرة وهي التي ﻻ شبهة فيها، ويرد اليمين في الألف الباقي على المدعي فإن نكل فلا حق له).

وسأل عن طين القبر(94): يوضع مع الميت في قبره هل يجوز ذلك أم ﻻ؟

فأجاب: (يوضع مع الميّت في قبره، ويخلط بحنوطه إن شاء الله).

وسأل فقال: روي لنا عن الصادق (عليه السلام): أنّه كتب على إزار ابنه: إسماعيل يشهد أن ﻻ إله إلا الله، فهل يجوز أن نكتب مثل ذلك بطين القبر أم غيره؟

فأجاب: (يجوز ذلك).

وسأل: هل يجوز أن يسبّح الرجل بطين القبر، وهل فيه فضل؟

فأجاب: (يجوز ذلك وفيه فضل)(95).

وسأل: عن الرجل يزور قبور الأئمة (عليهم السلام)، هل يجوز أن يسجد على القبر أم ﻻ؟ وهل يجوز لمن صلى عند بعض قبورهم (عليهم السلام) أن يقوم وراء القبر ويجعل القبر قبلة، أو يقوم عند رأسه أو رجليه؟ وهل يجوز أن يتقدم القبر ويصلي ويجعل القبر خلفه أم ﻻ؟

فأجاب: (أمّا السّجود على القبر، فلا يجوز في نافلة ولا فريضة ولا زيارة(96) والذي عليه العمل أن يضع خدّه الأيمن على القبر. وأمّا الصلاة فإنها خلفه، ويجعل القبر أمامه ولا يجوز أن يصلي بين يديه ولا عن يمينه ولا عن يساره، لأن الإمام (عليه السلام) ﻻ يُتقدّم ولا يُساوى)(97).

وسأل: يجوز للرجل إذا صلّى الفريضة أو النافلة وبيده السبحة أن يديرها وهو في الصلاة؟

فأجاب: (يجوز ذلك إذ خاف السهو والغلط).

وسأل: هل يجوز أن يدير السبحة بيده اليسار إذا سبّح، أو ﻻ يجوز؟

فأجاب: (يجوز ذلك والحمد لله رب العالمين).

وسأل: روي عن الفقيه في بيع الوقف خبر مأثور: إذا كان الوقف على قوم بأعيانهم وأعقابهم، فاجتمع أهل الوقف على بيعه وكان ذلك أصلح لهم أن يبيعوه، فله يجوز أن يشتري من بعضهم إن لم يجتمعوا كلهم على ذلك أم ﻻ يجوز إلا أن يجتمعوا كلّهم على ذلك؟ وعن الوقف الذي ﻻ يجوز بيعه؟

فأجاب: (إذا كان الوقف على إمام المسلمين فلا يجوز بيعه، وإن كان على قوم من المسلمين فليبع كل قوم ما يقدرون على بيعه مجتمعين ومتفرقين إن شاء الله)(98).

وسأل: هل يجوز للمحرم أن يصير على إبطه المرتك والتوتياء لريح العرق أم ﻻ يجوز(99)؟

فأجاب: (يجوز ذلك وبالله التوفيق).

وسأل: عن الضرير إذا شهد في حال صحته على شهادة، ثم كفّ بصره ولا يرى خطّه فيعرفه، هل يجوز شهادته أم ﻻ؟ وإن ذكر هذا الضرير الشهادة، هل يجوز أن يشهد على شهادته أم ﻻ يجوز؟

فأجاب: (إذا حفظ الشهادة وحفظ الوقت، جازت شهادته)(100).

وسأل: عن الرجل يوقف ضيعة أو دابة ويشهد على نفسه باسم بعض وكلاء الوقف، ثم يموت هذا الوكيل أو يتغيّر أمره ويتولى غيره، هل يجوز أن يشهد الشّاهد لهذا الذي أقيم مقامه إذا كان أصل الوقف لرجل واحد أم ﻻ يجوز ذلك(101)؟

فأجاب: (ﻻ يجوز ذلك، لأن الشهادة لم تقم للوكيل وإنما قامت للمالك، وقد قال الله: (وأقيموا الشهادة لله).

وسأل: عن الركعتين الأخراوين وقد كثرت فيهما الروايات فبعض يروي: أن قراءة الحمد وحدها أفضل، وبعض يروي: أن التسبيح فيهما أفضل، فالفضل لأيهما لنستعمله؟

فأجاب: (قد نسخت قراءة أم الكتاب في هاتين الركعتين التسبيح، والذي نسخ التسبيح قول العالم (عليه السلام): كل صلاة ﻻ قراءة فيها فهي خداج(102) إلا للعليل، أو يكثر عليه السّهو فيتخوّف بطلان الصلاة عليه)(103).

وسأل: يتخذ عندنا رب الجوز لوجع الحلق والبحبحة، يؤخذ الجوز الرطب من قبل أن ينعقد ويدق دقّاً ناعماً ويعصر ماؤه ويصفّى ويطبخ على النصف ويترك يوماً وليلة ثم ينصب على النار، ويلقى على كل ستة أرطال منه رطل عسل ويغلى وينزع رغوته، ويسحق من النوشادر والشب اليماني في كل واحد نصف مثقال ويراق بذلك الماء، ويلقى فيه درهم زعفران المسحوق، ويغلى ويؤخذ رغوته ويطبخ حتى يصير مثل العسل ثخيناً، ثم ينزل ويبرد ويشرب منه، فهل يجوز شربه أم ﻻ؟

فأجاب: (إذا كثيرة يسكر أو يغير(104) فقليله وكثيره حرام، وإن كان ﻻ يسكر فهو حلال).

وسأل: عن الرجل يعرض له الحاجة مما ﻻ يدري أن يفعلها أم ﻻ، فيأخذ خاتمين فيكتب في أحدهما (نعم افعل) وفي الآخر (ﻻ تفعل) فيستخير بالله مراراً، ثم يرى فيهما، فيخرج أحدهما فيعمل بما يخرج، فهل يجوز ذلك أم ﻻ؟ والعامل به والتارك له أهو مثل الاستخارة أم سوى ذلك؟

فأجاب: (الذي سنّه العالم (عليه السلام) في هذه الاستخارة بالرقاع والصلاة (عليه السلام)(105).

وسأل: عن صلاة جعفر بن أبي طالب (رحمه الله): في أي أوقاتها أفضل أن تصلى فيه، وهل فيها قنوت؟ وإن كان ففي أي ركعة منها؟

فأجاب: (أفضل أوقاتها صدر النهار في يوم الجمعة، ثم في أي الأيام شئت وأي وقت صليتها من ليل أو نهار فهو جائر، والقنوت فيها مرتان، في الثانية قبل الركوع وفي الرابعة بعد الركوع(106).

وسأل: عن الرجل ينوي إخراج شيء من ماله وأن يدفعه إلى رجل من إخوانه ثم يجد في أقربائه محتاجاً، أيصرف ذلك عمن [فيمن] نواه له أو إلى قرابته؟

فأجاب: (يصرفه إلى أدناهما وأقربهما من مذهبه، فإن ذهب إلى قول العالم (عليه السلام): (ﻻ يقبل الله الصدقة وذو الرحم محتاج) فليقسم بين القرابة وبين الذي نوى حتى يكون قد أخذ بالفضل كلّه).

وسأل: قد اختلفت أصحابنا في مهر المرأة، فقال بعضهم: إذا دخل بها سقط المهر ولا شيء لها، وقال بعضهم: هو لازم في الدنيا والآخرة، فكيف ذلك؟ وما الذي يجب فيه؟

فأجاب: (إن كان عليه بالمهر كتاب فيه [ذكرٍ] دين فهو لازم في الدنيا والآخرة، وإن كان عليه كتاب فيه ذكر الصداق سقط إذا دخل بها، وإن لم يكن عليه كتاب، فإذا دخل بها سقط باقي الصداق)(107).

وسأل: روي لنا عن صاحب العسكر (عليه السلام)(108) أنه سئل عن الصلاة في الخز الذي يغش بوبر الأرانب فوقّع: يجوز، وروي عنه أيضاً، أنه ﻻ يجوز. فأي الخبرين يعمل به.

فأجاب: (إنما حرم في هذه الأوبار والجلود، وأما الأوبار وحدها فحلال)(109).

وسأل: نجد في أصفهان ثياب عتابة [عتابية] على عمل الوشا في قرّ أو إبريسيم هل يجوز الصلاة فيها أم لا؟

فأجاب: (لا يجوز الصلاة إلا في ثوب سداه ولحمته قطن أو كتان).

وسأل: عن المسح على الرجلين وبأيهما يبدأ باليمنى أو يمسح عليهما جميعاً معاً؟

فأجاب (عليه السلام): (يمسح عليهما معاً فإن بدأ بإحداهما قبل الأخرى فلا يبتدئ إلا باليمنى).

وسألك عن صلاة جعفر في السفر هل يجوز أم لا؟

فأجاب: (يجوز ذلك).

وسأل: عن تسبيح فاطمة (عليها السلام): من سها وجاز التكبير أكثر من أربع وثلاثين هل يرجع إلى أربع وثلاثين أو يستأنف؟ وإذا سبح تمام سبع وستين هل يرجع إلى ستة وستين أو يستأنف؟ وما الذي يجب في ذلك؟

فأجاب: (إذا سها من التكبير حتى يجوز أربعة وثلاثين عاد إلى ثلاثة وثلاثين وبنى عليها، وإذا سها في التسبيح فتجاوز سبعاً وستين تسبيحة عاد إلى ستة وستين وبنى عليها(110) فإذا جاوز التحميد مائة فلا شيء عليه).

 

الحقيقة والمفوضة(111)

 

وجّه قوم من المفوّضة كامل بن إبراهيم المدني، إلى أبي محمد(112) قال: فقلت في نفسي: لئن دخلت عليه أسأله عن الحديث المرويّ عنه: (ﻻ يدخل الجنة إلا من عرف معرفتي وقال بمقالتي) وكنت جلست إلى باب عليه ستر مسبل، فجاءت الريح فكشفت طرفه، وإذا أنا بفتى كأنه فلقة قمر، من أبناء أربع سنين، أو مثلها فقال لي: يا كامل بن إبراهيم: فاقشعررت من ذلك، فقلت: لبيك يا سيدي.

قال: جئت إلى ولي الله تسأله: ﻻ يدخل الجنة إلا من عرف بمعرفتك وقال بمقالتك؟

قلت: إي والله؟

قال: إذن - والله - يقلّ داخلها(113) والله إنه ليدخلنها قوم يقال لهم: (الحقّية).

قلت: ومن هم؟

قال: هم قوم من حبهم لعلي يحلفون بحقه، ولا يدرون ما حقه وفضله.

إنهم قوم يعرفون ما تجب عليهم معرفته جملةً ﻻ تفصيلاً، من معرفة الله ورسوله والأئمة ونحوها.

ثم قال: وجئت تسأل عن مقالة المفوضة(114) كذبوا، بل قلوبنا أوعية لمشيئة الله، فإذا شاء الله شئنا(115) والله يقول: (وما تشاءون إلا أن يشاء الله)(116).

ثم رجع الستر إلى حالته فلم أستطع كشفه. فنظر إليّ أبو محمد (عليه السلام) مبتسماً فقال: يا كامل ما جلوسك وقد آساك بحاجتك الحجة من بعدي.

 

الغيب الله(117)

 

يا محمد بن علي؛ تعالى الله وجلّ عمّا يصفون، سبحانه وبحمده، ليس نحن شركاؤه في علمه ولا في قدرته، بل ﻻ يعلم الغيب غيره، كما قال في محكم كتابه تباركت أسماؤه: (قل ﻻ يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله)(118).

وأنا وجميع آبائي من الأوليين: آدم ونوح وإبراهيم وموسى، وغيرهم من النبيين، ومن الآخرين محمد رسول الله، وعليّ بن أبي طالب، وغيرهم من مضى من الأئمة صلوات الله عليهم أجمعين، إلى مبلغ أيّامي ومنتهى عصري، عبيد الله عزّ وجلّ، يقول الله عزّ وجلّ:

(من أعرض عن ذكري فإن له معيشةً ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى قال ربّ لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيراً قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى)(119).

يا محمد بن علي قد آذانا جهلاء الشيعةِ وحمقاؤهم، ومن دينه جناح البعوضة أرجح منه.

فأشهد الله الذي ﻻ إله إلا الله هو وكفى به شهيداً، ورسوله محمداً (صلّى الله عليه وآله)، وملائكته وأنبيائه وأوليائه (عليهم السلام) وأشهدك وأشهد كلّ من سمع كتابي هذا: أنّي بريءُ إلى الله وإلى رسوله ممن يقول: إنّا نعلم الغيب، ونشاركه في ملكه، أو يحلّنا محلاًّ سوى المحلّ الذي رضيه الله لنا وخلقنا له، أو يتعدّى بنا عمّا قد فسّرته لك وبينته في صدر كتابي.

وأشهدكم: أن كلّ من نبرأ منه فإن الله يبرأ منه وملائكته ورسله وأولياؤه.

وجعلت هذا التوقيع الذي في هذا الكتاب أمانةً في عنقك وعنق من سمعه، أن ﻻ يكتمه من أحد من مواليّ وشيعتي، حتى يظهر على هذا التوقيع الكلّ من الموالي، لعلّ الله عزّ وجلّ يتلافاهم فيرجعون إلى دين الله الحقّ، وينتهون عمّا ﻻ يعلمون منتهى أمره، ولا يبلغ منتهاه، فكلّ من فهم كتابي ولا يرجع إلى ما قد أمرته ونهيته، فقد حلّت عليه اللعنة من الله وممّن ذكرت من عباده الصالحين(120).

وأما ندامة قوم شكّوا في دين الله على ما وصلونا به(121) فقد أقلنا من استقال فلا حاجة إلى صلة الشاكين.

 

ارتداد الشلمغاني(122)

 

اعرف أطال الله بقاك؛ وعرّفك الله الخير كلّه، وختم به عملك. من تثق بدينه وتسكن إلى نيّته من إخواننا أدام الله سعادتهم: بأن (محمد بن علي المعروف بالشلمغاني) عجّل الله له النقمة ولا أمهله، قد ارتدّ عن الإسلام وفارقه، وألحد في دين الله، وادّعى ما كفر معه بالخالق جلّ وتعالى، وافترى كذباً وزوراً، وقال بهتاناً وإثماً عظيماً، كذب العادلون بالله وضلّوا ضلالاً بعيداً، وخسروا خسراناً مبيناً.

وإنّا برئنا إلى الله تعالى وإلى رسوله صلوات الله عليه وسلامه ورحمته وبركاته منه، ولعنّاه، عليه لعاين الله تترى، في الظاهر منّا والباطن، في السرّ والجهر، وفي كلّ وقت، وعلى كلّ حال، وعلى كلّ من شايعه وبلغه هذا القول منّا فأقام على تولاّه [توليه] بعده.

أعلمهم تولاّك الله؛ أنّنا في التوقّي والمحاذرة منه على مثل ما كنّا عليه ممّن تقدّمه من نظرائه، من: (السريعي، والنّميري، والهلالي، والبلالي) وغيرهم(123)، وعادة الله جل ثناؤه مع ذلك قبله وبعده عندنا جميلة، وبه نثق وإيّاه نستعين، وهو حسبنا في كلّ أمورنا ونعم الوكيل..

 

الغيبة الكبرى وتكذيب المشاهدة(124)

 

بسم الله الرحمن الرحيم. يا عليّ بن محمدٍ السمّري؛ أعظم الله أجر إخوانك فيكَ، فأنّك ميّت ما بينك وبين ستّة أيام، فأجمع أمرك ولا توص إلى أحدٍ، فيقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة التامّة، فلا ظهور إلا بعد إذن الله تعالى ذكره، وذلك بعد طول الأمد، وقسوة القلوب، وامتلاء الأرض جوراً.

وسيأتي إلى شيعتي من يدّعي المشاهدة، ألا فمن ادّعى المشاهدة قبل خروج السّفياني والصيحة فهو كذّاب مفتر(125) ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم.

الغيبة والقيادة المرجعية(126)

...(127) أما ما سألت عنه أرشدك الله وثبتك، ووقاك من أمر المنكرين لي من أهل بيتنا وبني عمنا. فاعلم: أنه ليس بين الله عز وجل وبين أحد قرابة، ومن أنكرني فليس مني، وسبيله سبيل ابن نوح.

وأما سبيل عمي جعفر وولده(128) فسبيل أخوة يوسف (عليه السلام).

وأما الفقاع(129) فشربه حرام ولا بأس بالشلحاب [شلماب].

وأما أموالكم فلا نقبلها إلا لتطهروا. فمن شاء فليصل ومن شاء فليقطع، وما آتانا الله خير مما آتاكم(130).

وأما ظهور الفرج فإنه إلى الله وكذب الوقّاتون(131).

وأما قول من زعم أن الحسين لم يقتل، فكفر وتكذيب وضلال(132).

وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله(133).

وأما محمد بن عثمان العمري(134) فرضي الله عنه وعن أبيه من قبل، فإنه ثقتي وكتابه كتابي.

وأما محمد بن علي بن مهزيار الأهوازي، فسيصلح الله قلبه، ويزيل عنه شكّه.

وأما ما وصلتنا به، فلا قبول عندنا إلاّ لما طاب وطهر، وثمن المغنّية حرام.

وأما محمد بن شاذان بن نعيم، فإنه رجل من شيعتنا أهل البيت.

وأما أبو الخطاب محمد بن أبي زينب الأجدع(135) فإنه ملعون وأصحابه ملعونون، فلا تجالس أهل مقالتهم، فاني منهم بريء، وآبائي (عليهم السلام) منهم براء.

وأما المتلبسون بأموالنا، فمن استحلّ منها شيئاً فأكله فإنما يأكل النيران(136).

وأما الخمس فقط أبيح لشيعتنا وجعلوا منه في حلّ إلى وقت ظهور أمرنا، لتطيب ولادتهم ولا تخبث(137).

وأما علة ما وقع من الغيبة فإن الله عز وجل قال:

(يا أيها الذين آمنوا ﻻ تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم)(138).

إنه لم يكن أحد من آبائي إلا وقد وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه.

وإني أخرج - حين أخرج - ولا بيعة لأحد من الطواغيت في عنقي(139).

وأما وجه الانتفاع في غيبتي، فكالانتفاع بالشمس إذا غيبها عن الأبصار السحاب(140) وإني لأمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء(141) فأغلقوا أبواب السؤال عما ﻻ يعنيكم، ولا تتكلفوا علم قد كفيتم(142) وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج، فإن ذلك فرجكم(143) والسلام عليك يا إسحاق بن يعقوب(144) وعلى من اتبع الهدى.

جعفر التواب(145)

بسم الله الرحمن الرحيم أتاني كتابك - أبقاك الله - والكتاب الذي أنفذت في درجه(146) وأحاطت معرفتي بجميع ما تضمنه على اختلاف ألفاظه، وتكرر الخطأ فيه، ولو تدبرته لوقفت على بعض ما وقفت عليه منه(147).

والحمد لله رب العالمين حمداً ﻻ شريك له(148) على إحسانه إلينا وفضله علينا(149).

أبى الله عز وجل للحق إلا إتماماً، وللباطل إلا زهوقاً، وهو شاهد عليّ بما أذكره، ولي عليكم بما أقول له(150) إذا اجتمعنا لليوم الذي لا ريب فيه، ويسألنا عمّا نحن فيه مختلفون.

وإنه لم يجعل لصاحب الكتاب(151) على المكتوب إليه ولا عليك ولا على أحد من الخلق جميعاً إمامة مفترضة، ولا طاعة ولا ذمة،(152) وسأبين لكم جملة تكتفون بها إن شاء الله.

يا هذا يرحمك الله؛ إن الله تعالى لم يخلق الخلق عبثاً، ولا أهملهم سدى، بل خلقهم بقدرته، وجعل لهم أسماعاً وأبصاراً وقلوباً وألباباً، ثم بعث إليهم النبيين (عليهم السلام) مبشرين ومنذرين، يأمرونهم بطاعته وينهونهم عن معصيته، ويعرّفونهم ما جهلوه من أمر خالقهم ودينهم، وأنزل عليهم كتاباً وبعث إليهم ملائكة، وباين بينهم وبين من بعثهم إليهم بالفضل الذي جعله لهم عليهم، وما أتاهم الله من الدلائل الظاهرة والبراهين الباهرة، والآيات الغالبة.

فمنهم: من جعل النار عليه برداً وسلاماً واتخذه خليلاً.

ومنهم: من كلمه تكليماً وجعل عصاه ثعباناً مبيناً.

ومنهم: من أحيى الموتى بإذن الله وأبرأ الأكمه والأبرص بإذن الله.

ومنهم: من علّمه منطق الطير، وأوتي من كل شيء(153).

ثم بعث محمداً (صلى الله عليه وآله) رحمة للعالمين وتمم به نعمته، وختم به أنبيائه، وأرسله إلى الناس كافة، وأظهر من صدقه ما أظهر، وبيّن من آياته وعلاماته ما بيّن، ثم قبضه (صلّى الله عليه وآله) حميداً فقيداً سعيداً، وجعل الأمر من بعده على أخيه وابن عمه ووصيه ووارثه علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ثم إلى الأوصياء من ولده واحداً بعد واحد، أحيى بهم دينه، وأتم بهم نوره،(154) وجعل بينهم وبين أخوتهم وبني عمهم والأدنين فالأدنين من ذوي أرحامهم فرقاً (فرقاناً) بيّناً، تعرف به الحجة من المحجوج، والإمام من المأموم بأن: عصمهم من الذنوب، وبرّأهم من العيوب، وطهّرهم من الدنس، ونزّههم من اللبس، وجعلهم خزّان علمه، ومستودع حكمته، وموضع سره، وأيدهم بالدلائل(155). ولولا ذلك لكان الناس على سواء، ولادّعى أمر الله عز وجل كل أحد، (واحد).

ولَمَا عُرف الحق من الباطل، ولا العلم من الجهل، (العالم من الجاهل).

وقد ادّعى هذا المبطل المدعي على الله الكذب بما ادّعاه، فلا أدري بأية حالة هي له، رجا أن يتم دعواه؟ بفقه في دين الله؟؛ فوالله ما يعرف حلالاً من حرام ولا محكماً من متشابه، ولا يعرف حد الصلاة ووقتها. أم بورع؟؛ فالله شهيد على تركه الصلاة (الفريضة) أربعين يوماً، يزعم ذلك لطلب الشعوذة، ولعل خبره تأدّى إليكم، وهاتيك ظروف مسكرة منصوبة، وآثار عصيانه لله عز وجل مشهورة وقائمة. أم بآية؟؛ فليأت بها. أم بحجة؟؛ فليقمها. أم بدلالة؟؛ فليذكرها.

قال الله عز وجل في كتابه: (بسم الله الرحمن الرحيم حم تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم ما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى والذين كفروا عما أنذروا معرضون قل أرأيتم ما تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السماوات ائتوني بكتاب من قبل هذا أو أثارة من علم إن كنتم صادقين ومن أضلّ ممن يدعو من دون الله من ﻻ يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداءً وكانوا بعبادتهم كافرين)(156).

فالتمس - تولى الله توفيقك - من هذا الظالم ما ذكرت لك(157) وامتحنه واسأله: عن آية من كتاب الله يفسرها، أو صلاة يبيّن حدودها وما يجب فيها، لتعلم حاله ومقداره، ويظهر لك عواره(158) ونقصانه والله حسيبه.

حفظ الله الحق على أهله، وأقره في مستقره(159) وقد أبى الله عز وجل أن تكون الإمامة في أخوين إلا الحسن والحسين(160) وإذا أذن الله لنا في القول ظهر الحق، واضمحلّ الباطل.

وانحسر عنكم، وإلى الله أرغب في الكفاية، وجميل الصنع والولاية، وحسبنا الله ونعم الوكيل، وصلى الله على محمد وآل محمد.

خلف العسكري(161)

بسم الله الرحمن الرحيم. عافانا الله وإياكم من الفتن، ووهب لنا ولكم روح اليقين، وأجارنا وإياكم من سوء المنقلب.

إنه أنهي إليّ ارتياب جماعة منكم في الدين، وما دخلهم من الشك والحيرة في ولاة أمرهم(162) فغمّنا ذلك لكم ﻻ لنا، وساءنا فيكم لا فينا، لأن الله معنا فلا فاقة بنا على غيره، والحق معنا فلن يوحشنا من قعد عنّا، ونحن صنايع ربنا والخلق بعد صنايعنا(163).

يا هؤلاء؛ ما لكم في الريب تترددون، وفي الحيرة تتسكّعون؟ أو ما سمعتم الله يقول: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)(164)؟ أو ما علمتم ما جاءت به الآثار مما يكون ويحدث في أئمتكم؟ على الماضين والباقين منهم السلام. أو ما رأيتم كيف جعل لكم الله معاقل تأوون إليها، وأعلاماً تهتدون بها؟ من لدن آدم (عليه السلام) إلى أن ظهر الماضي (عليه السلام)(165)؟ كلما غاب علم بدأ علم، وإذا أفل نجم طلع نجم، فلما قبضه الله ظننتم: أن الله أبطل دينه(166) وقطع السبب ببيه ربين خلقه(167) كلاّ ما كان ذلك ولا يكون، حتى تقوم الساعة ويظهر أمر الله وهم كارهون.

وأن الماضي (عليه السلام) مضى سعيداً فقيداً على منهاج آبائه (عليهم السلام) (حذو النعل بالنعل) وفينا وصيته وعلمه، ومنه خلفه ومن يسدّ مسدّه، ولا ينازعنا موضعه إلا ظالم آثم، ولا يدعيه دوننا إلا كافر(168) جاحد، ولو أن أمر الله ﻻ يغلب، وسرّه ﻻ يظهر ولا يعلن، لظهر لكم من حقنا ما تبهر منه عقولكم(169) ويزيل شكوككم، ولكن ما شاء الله كان، ولكل أجل كتاب، فاتقوا الله وسلموا لنا، وردوا الأمر إلينا، فعلينا الإصدار كما كان منّا الإيراد، ولا تحاولوا كشف ما غطّي عنكم، ولا تميلوا عن اليمين وتعدلوا إلى اليسار، واجعلوا قصدكم إلينا بالمودة على السنّة الواضحة.

فقد نصحت لكم، والله شاهد عليّ وعليكم، ولولا ما عندنا من محبة صاحبكم ورحمتكم، والإشفاق عليكم، لكنّا عن مخاطبتكم في شغل، مما قد امتحنّا به منازعة الظالم العتلّ الضالّ، المتتابع في غيّه المضادّ لربّه، المدّعي ما ليس له، الجاحد حق من افترض الله طاعته، الظالم الغاصب(170) وفي ابنة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وعليها لي أسوة حسنة(171) وسيتردّى الجاهل رداء عمله، وسيعلم الكافر لمن عقبى الدار.

عصمنا الله وإياكم من المهالك والأسواء، والآفات والعاهات كلها، برحمته فإنه وليّ ذلك، والقادر على ما يشاء، وكان لنا ولكم وليّاً وحافظاً، والسلام على جميع الأوصياء والأولياء والمؤمنين ورحمة الله وبركاته، وصلى الله على النبي محمّدٍ وآله وسلّم تسليماً.

إلى ابن أبي روح(172)

بسم الله الرحمن الرحيم يا بن أبي روح أودعتك عاتكة بنت الديراني كيساً فيه ألف درهم بزعمك، وهو خلاف ما تظن، وقد أتيت فيه الأمانة ولم تفتح الكيس، ولم تدري ما فيه وفيه ألف درهم وخمسون ديناراً، ومعك قرط زعمت المرأة أنه يساوي عشرة دنانير. صدقت مع الفصين الذين فيه، وفيه ثلاث حبات لؤلؤ شراؤها عشرة دنانير، وتساوي أكثر فادفع ذلك إلى خادمتنا فلانة، فإنا قد وهبناه لها.

وصر إلى بغداد، وادفع المال إلى الحاجز وخذ منه ما يعطيك لنفقتك إلى منزلك.

وأما عشرة الدنانير التي زعمت أن أمها استقرضتها في عرسها وهي لا تدري من صاحبها بل هي تعلم لمن هي؟ لكلثوم بنت أحمد، وهي ناصبية، فتحرجت أن تعطيها، وأحبت أن تقسمها في أخواتها فاستأذنتنا في ذلك. فلتفرقها في ضعفاء أخواتها.

ولا تعودن يا بن أبي روح إلى القول بجعفر, والمحنة له.

وارجع إلى منزلك فإن عمك قد مات، وقد رزقك الله أهله وماله(173).

رسالة إلى العمري وابنه(174)، (175)

وفقكما الله لطاعته وثبتكما على دينه وأسعدكما بمرضاته.

انتهى إلينا ما ذكرتما أن (الميثمي)(176) أخبركما عن المختار ومناظرته من لقي واحتجاجه بأن لا خلف غير جعفر بن علي(177)، وتصديقه إياه.

وفهمت جميع ما كتبتما به مما قال أصحابكما عنه وإن أعوذ بالله من العمى بعد الجلاء, ومن الضلالة بعد الهدى, ومن موبقات الأعمال, ومرديات الفتن فإنه عز وجل يقول:

(ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمن وهم لا يفتنون)(178).

كيف يتساقطون في الفتنة، ويترددون في الحيرة ويأخذون يميناً وشمالاً؟

فارقوا دينهم أم ارتابوا؟ أم عاندوا الحق أم جهلوا ما جاءت به الروايات الصادقة والأخبار الصحيحة؟ أو علموا بذلك فتناسوا؟

أما تعلمون أن الأرض لا تخلو من حجة إما ظاهراً وإما مغموراً(179)؟

أوَ لم يعلموا انتظام أئمتهم بعد نبيهم (صلى الله عليه وآله) واحداً بعد واحد إلى أن أفضى الأمر بأمر الله عز وجل إلى الماضي- يعني: الحسن بن علي صلوات الله عليه فقام مقام آبائه (عليهم السلام) يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم.

كان نوراً ساطعاً وقمراً زاهراً، اختار الله عز وجل له ما عنده، فمضى على منهاج آبائه (عليهم السلام) حذو النعل بالنعل على عهد عهده ووصية أوصى بها إلى وصي(180) ستره الله عز وجل بأمره إلى غاية، وأخفى مكانه بمشيئته، للقضاء السابق والقدر النافذ، وفينا موضعه، ولنا فضله ولو قد أذن الله عز وجل فيما قد منعه وأزال عنه ما قد جرى به من حكمه لأراهم الحق ظاهراً بأحسن حيلة، وأبين دلالة، وأوضح علامة. ولأبان عن نفسه، وقام بحجته.

ولكن أقدار الله عز وجل لا تغالب، وإرادته لا ترد، وتوفيقه لا يسبق فليدعوا عنهم اتباع الهوى، وليقيموا على أصلهم الذي كانوا عليه، ولا يبحثوا عما ستر عنهم فيأثموا، ولا يكشفوا ستر الله عز وجل فيندموا.

وليعلموا: أن الحق معنا وفينا لا يقول ذلك سوانا إلا كذاب مفتر ولا يدعيه غيرنا إلا ضال غوي، فليقتصروا منا على هذه الجملة دون التفسير ويقنعوا من ذلك بالتعريض دون التصريح إن شاء الله.

إلى الدينوري(181)

بسم الله الرحمن الرحيم. وافى أحمد بن محمد الدينوري وحمل ستة عشر ألف دينار في كذا وكذا صرة، فيها صرة فلان بن فلان كذا وكذا ديناراً، إلى أن عدد الصرر كلها، وصرة فلان بن فلان الذراع ستة عشرة ديناراً.

ثم ذكر: قد حمل من قرميسين من أحمد بن الحسن المادرائي أخي الصواف كيس فيه ألف دينار وكذا تختاً من الثياب منها ثوب فلان، وثوب لونه كذا، حتى نسب الثياب إلى آخرها بأنسابها وألوانها(182).

 

1- أبو منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي، الاحتجاج ص322 - 324 ج2 طبع النجف 1386هـ. ذكر كتاب ورد من الناحية المقدسة حرسها الله ورعاها في أيام بقيت من صفر سنة عشر وأربعمائة على الشيخ المفيد أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان قدس الله روحه ونور ضريحه, ذكر موصله أنه يحمله من ناحية متصلة بالحجاز، نسخته:...

2- في إعطاء المفيد هذه الأوصاف (الأخ السديد والولي الرشيد) والأوصاف التالية في الرسالة، والدعاء له بالدوات المتعددة في غضون الرسالة، ثم في تقديم اسمه على اسم الإمام المهدي، تكريم ما فوقه تكريم. والمعروف أن الإمام المهدي (عجل الله فرجه) هو الذي أطلق عليه لقب المفيد.

3 - الشيخ أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان بن عبد السلام البغدادي، أول من جسد المرجعية الشيعية، بعد انتهاء الغيبة الصغرى وابتداء الثيبة الكبرى فانعكست الصيغة المرجعية على الطبيعة من خلاله، بعد أن بقيت برهة من الزمان فكرة فضفاضة ﻻ تتراهى على أحد.

ولكن المفيد تصدى للقيادة المرجعية - وبتوجيه مباشر من الإمام المهدي (عجل الله فرجه) - واجتمعت فيه مؤهلات جمعت عليه كلمة الشيعة بلا منازع. فكان أولى من تجتمع عليه كلمة الشيعة بعد الأئمة الأطهار (عليهم السلام).

وهذه الظاهرة تعبر عن مدى عظمة الرجل إذ الرجل إذا أخذنا بنظر الاعتبار ما يلي:

1- إن المطامح الشيعية - تعلقت من خلال قيادات النبي والأئمة الطاهرين (عليهم السلام) - تعلقت بنوع فريد من القيادات السماوية، عز نظيرها في الكون كله، ﻻ في التاريخ المنظر وغير المنظر فحسب، ولذلك كانوا أشد الناس على القيادات الأرضية. وفي الغيبة الصغرى بقي النواب الأربعة - بتوجيهات الإمام المهدي (عجل الله فرجه) - يهدهدون تلك المطامح، فيبادرون بعض مراجعيهم بالجواب قبل أن يبدأ بالسؤال، أو يخبرونه بحين موته أو موعد شفائه من مرضه. بالإضافة إلى أنهم كانوا يعتبرون أنفسهم مجرد وسطاء بين الإمام المهدي وشعته، وربما يرافقون بعض الأشخاص لمقابلة الإمام فكانوا يتجاوبون مع المطامح الشيعية بشكل أو بآخر.

وبوفاة علي بن محمد السمري، وجد الشيعة أن قيادتهم انحصرت في فقهائهم، وفقهائهم ﻻ يتميزون عنهم إلا بقسط من المعلومات، فأصيبوا بفراغ قيادي ضاغط. فإجماعهم على الشيخ المفيد دليل على أنهم وجدوا فيه أكثر من مجرد فقيه.

2- بمجرد إعلان الإمام المهدي (عليه السلام) الغيبة الكبرى والقيادة اللامركزية انقطاع الأبواب إليه من خلال التوقيع الذي صدر إلى إسحاق بن يعقوب على يد محمد بن عثمان العمري عادت أفكار الفقهاء إلى ما لديها من تراث روائي في الفقه والتفسير والعقائد وغيرها وبدأوا عملية الاعتماد على النفس في استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها. فتفرق العلم بين أهله وكان يرى رأيه حجة فيما بينه وبين الله، فاجتماعهم على الشيخ المفيد دليل على أنهم وجدوا فيه أكثر من مجرد فقيه.

وقد بدأ الشيخ المفيد يتجاوب مع المطامح القيادية الشيعية بعض الشيء، ويملأ شيئاً من الفراغ القيادي الذي أصيبت به الشيعة على أثر بدء الغيبة الكبرى من خلال ما يلي:

1- مواهبه الشخصية، فقد كان لغوياً جامعاً، وفقيهاً بارعاً، ومتكلماً لم ينهزم في خصام. ونكتفي في هذا المجال بتسجيل بعض ما كتب عنه أو قيل:

كتب الشيخ الطوسي في رجاله ص514: (محمد بن محمد بن النعمان جليل ثقة).

وكتب الشيخ الطوسي في (الفهرست) ص186: (محمد بن محمد بن النعمان المفيد يكنى (أبا عبد الله) المعروف بابن المعلم من جملة متكلمي الإمامية، انتهت إليه رئاسة الإمامية في وقته، وكان مقدماً في العلم، وصناعة الكلام، وكان فقيهاً متقدماً فيه حسن الخاطر، دقيق الفطنة حاضر الجواب). وكتب النجاشي في رجاله ص311: (شيخنا وأستاذنا رضي الله عنه، فضله أشهر من أن يوصف في الفقه، والكلام، والرواية).

وكتب العلامة الحلي في (خلاصة الرجال) القسم الأول ص147: (محمد بن محمد بن النعمان... من أچل مشايخ الشيعة ورئيسهم وأستاذهم، وكل من تأخر عنه استفاد منه).

وكتب الشيخ عباس القمي في كتاب (الكنى والألقاب) ج3 ص164: (أبو عبد الله محمد بن النعمان... كثير المحاسن، جم المناقب، حديد الخاطر، حاضر الجواب، بلغ الرواية، خبير بالأخبار والرجال والأشعار. وكان أوثق أهل زمانه بالحديث، وأعرفهم بالفقه والكلام).

وكتب بعض علماء العامة عنه: (شيخ مشايخ الإمامية، ورئيس الكلام والفقه والجدل. وكان يناظر أهل كل عقيدة، وكان كثير الصدقات عظيم الخشوع، كثير الصلاة والصوم خشن اللباس، وكان شيخاً ربعة نحيفاً أسمر... وكان كثير التقشف والانكباب على العلم، وكان يقال: له على كل إمامي منّة...).

قال عنه الشريف أبو يعلى الجعفري - وكان قد تزوج بنت المفيد -: (ما كان ينام الليل إلا هجعة، ثم يقوم، يصلي أو يطالع أو يدرس أو يتلو).

وكتب عنه ابن النديم: (في عهدنا انتهت رياسة متكلمي الشيعة إليه، مقدم في صناعة الكلام على مذهب أصحابه، دقيق الفطنة ماضي الخاطر، شاهدته فرأيته بارعاً).

2- مؤلفاته: فلعل الشيخ المفيد أول من ألف بالأسلوب الموسوعي في معارف الشيعة ومجموعة مؤلفاته تعتبر موسوعة شيعية تناول فيها أكثر المواضيع التي يحتاج إليها الفقهاء والرواة والمفسرون. وقد أكثر من التأليف وأحسن.

فقد أثبت النجاشي في ترجمته قائمة بأسماء كتبه، فبلغت (174) كتاباُ. وقال الشيخ الطوسي والعلامة الحلي وغيرهما: له قريب مائتي مصنف كبار وصغار.

3- تلامذته، فقد عهد بنفسه تربية طلابه، وكانت له حوزة واسعة تضم خيرة مثقفي الشيعة في عهده حتى نصب له منبر عديد الدرجات للدرس، ولم يكن يكتفي بتثقيفهم فحسب، وإنما يعتني بتربيتهم على التقوى والصلاح، ويكفي أنه ظهر في تلامذته الشريفان: الرضي، والمرتضى، والشيخ الطوسي...

4- جهاده، فحيث أنه جسد الشيعة علماً، ومثلهم قيادة، تركزت ضده التحديات الطائفية، وقد هاجم المتطرفون السنة أكثر من مرة مسجده، وفتكوا بالشيعة وهم يؤدون فريضة الصلاة، وذات مرة هاجموا منزله وأحرقوا مكتبته التي كانت تضم مخطوطات نفيسة جداً، ولكنه صمد في كل تلك الأزمات واستطاع أن يتغلب - بحكمته - على الموقف دون أن يثير حرباً طائفية.

5- علاقته بالإمام المهدي، فقد كان يتردد على من عاصرهم من النواب الأربعة، وبقي بعدهم على علاقته بالإمام المهدي بالمراسلة - وربما بالمشاهدة - ويذكر العلامة الحلي - في الرجال الكبير - قصة خلاصتها أن الإمام المهدي هو الذي أطلق عليه لقب: (المفيد)، والمعروف أنه هو الذي أمره بالفتوى، وعندما أخطأ في فتوى صحح الإمام فتواه، وعندما اعتزل الفتوى قال له الإمام: (أيها الشيخ المفيد منك الفتوى ومنا التسديد) ويقال: أنه عندما توفي وقف الإمام المهدي (عليه السلام) على قبره وأبنه بهذه الأبيات:

ﻻ صـــوت النـــاعي بفــــــقدك إنه          يوم علـــــى آل الــــرسول عظـــيم

إن كنـت قد غيبت في جدث الثرى          فالعلـــــم والتوحــــــيد فيـــك مقيم

والحجـــة المهـدي يفرح كلما تليـ          ـت عليـــــك مــــن الــدروس علوم

وهكذا كان الشيخ المفيد نموذجاً رائعاً للمرجع الديني في ذلك الوقت المبكر، واستطاع أن يوحد كلمة الشيعة بعد أن تمكنت منهم عوامل التمزق والانهيار.

ولعل الأسباب التي وجهت اهتمام الإمام المهدي (عليه السلام) إلى الشيخ المفيد تتلخص في أمرين:

1- قابلياته النفسية، وإخلاصه الكبير وعلمه الغزير، وجهاده المتواصل وسائر المواهب التي توفرت فيه بزخم. فالمؤهلات التي جعلته أفضل أهل زمانه كان من الطبيعي أن يعطف عليه اهتمام الإمام، حتى ولو تكن قضيته المرجعية مطروحة.

2- محاولة الإمام المهدي - من خلاله - توظيف القيادة اللامركزية في إبراز ظاهرة المرجع الأعلى، الذي ﻻ يمنع تنمية القابليات المرجعية ضمن نظام هرمي يحافظ على القمة، في الوقت الذي يشجع حركة التصعيد في المتوهجة من القواعد، حتى ﻻ ينتهي أمر المرجعية إلى إظهار عدد من الفقهاء، تتمزق بينهم الطائفة إلى كتل متنافسة أو متعايشة ﻻ تتمكن منها إرادة شمولية واحدة تستطيع التوجيه العام في أحيان السلم، والتعبئة العامة في مواجهة التحديات.

وعندئذ يكون الفارق بين القيادتين: أن القيادة اللامركزية تعني استناد القيادة إلى مواصفات معينة، في أي شخص توفرت، وفي أي مكان وجد. فيما القيادة المركزية ﻻ تكتفي بمجرد المواصفات، وإنما تنتظر تعيين الأسماء بدلالة واضحة ﻻ لبس فيها ولا غموض.

ولد (رحمه الله) ببغداد سنة 338هـ، وتوفي لليلتين خلتا من شهر رمضان سنة 413 عن عمر يناهز السادسة والسبعين، واشترك في تشييع جثمانه ثمانون ألف نسمة، وأدى الصلاة على جثمانه الشريف المرتضى بميدان (الاشنان) ببغداد حيث ازدحم بالمصلين على سعته ووري جثمانه الثرى في جوار الإمامين الكاظمين (عليهما السلام)، بمدينة الكاظمية، حيث مزاره الآن. ورثاه الإمام المهدي بأبيات من الشعر - مر نقلها - وقد كتبها على ضريحه، ورثاء الشريف المرتضى ومهيار الديلمي بقصيدتين من روائع الشعر فرحمه الله وطيب ثراه.

4- في مجموعة من آيات القرآن إشارة إلى (العهد) و(الميثاق) والإهابة بالالتزام بهما، والتأنيب على نقض ذلك العهد، كقوله تعالى: (الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق) سورة الرعد، آية 20. (ولا تشتروا بعهد الله ثمناً قليلاً) سورة النمل، آية 95. (ألم عهد إليكم يا بني آدم أن ﻻ تعبدوا الشيطان) سورة يس، آية 60. (ومن أوفى بما عاهد عليه الله، فسيؤتيه أجراً عظيماً) سورة الفتح، آية 10. (والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه) سورة الرعد، آية 25.

ولقد أخذ الله العهد والميثاق من الناس في عالم سابق على هذا العالم، لعله عالم الذر الذي تحدث عنه القرآن بقوله: (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بل شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين) سورة الأعراف، آية 172.

وصيغة العهد كانت تحتوي على بنود عديدة يمكن تبين بعضها من خلال بعض الروايات وآيات العهد والميثاق، أولها: الإيمان بالله ونبذ كل ما يعبد من دون الله. وثانيها: الإقرار بنبوة الأنبياء ووصاية أوصيائهم. وسائر أصول الدين وبعض فروعه حتى الجهاد في سبيل الله، وعدم الفرار من الزحف، كما يظهر من قوله عز وجل: (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر) سورة الأحزاب، آية 23. (ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل ﻻ يولون الأدبار وكان عهد الله مسؤولاً) سورة الأحزاب، آية 15. بناءً على أن (عهد الله) - كلما ورد في القرآن - هو العهد الذي سبق خلق الأجساد.

وهذا العهد وإن لم يدخل في ذاكرة الجسد، إلا أنه مخزون في ذاكرة الروح، التي قد يصح التعبير عنها بالعقل الباطن، ونتيجة لتفاعل الروح والجسد ينعكس هذا العهد عليهما وقد يعبر عن نفسه فيما يسمى بالضمير.

والذين يجسدون على الأرض هذا العهد - نيابة عن الله - هم الأنبياء والأوصياء كل منهم في دوره وهذا الدور الذي نعيشه دور الإمام المهدي فهو الذي يجسد ذلك العهد.

فقوله: (مستودع العهد المأخوذ على العباد) يعني نفسه.

5- أحمد إليك الله: أحمد معك الله. هكذا ورد في اللغة. والمعنى: أحمد الله موجهاً حمدي إليك. لأن الإنسان قد يحمد الله بينه وبين الله، وربما يحمد الله بينه وبين الناس تعليماً أو شعاراً كما قد يلبي سراً وربما يجهر بها.

6- يظهر من هذا النص ما يلي:

أ: إن قرارات الإمام المهدي - باعتباره وصياً معصوماً - ليست قراراته الشخصية وإنما هي قرارات السماء، فهو لم يراسل الشيخ المفيد إلا بإذن من مصدر القرار، وليس معنى إذنه نزول الوحي إليه بمراسلة المفيد، لأن (إذن الله) هو الاستمرار في السماح باستخدام الصلاحيات المخولة، بعدم وضع حد لها، بينما (أمر الله) هو التأسيس، عن طريق التكوين في المجال الكوني، وعن طريق الطلب في المجال الشرعي.

وبهذا توحي موارد استخدام كلمة (الإذن) في القرآن:

(فهزموهم بإذن الله) سورة البقرة، آية 251.

(وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله لكل أجل كتاب) سورة الرعد، آية 38.

(كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله) سورة البقرة، آية 249.

فإذن الله للإمام المهدي أن يطلق له حرية استخدام الصلاحيات التي خولها إياه، ضمن المقاييس المقررة له.

ب: إن هذه الرسالة فاتحة رسائل عديدة تلقاها المفيد من قبل الإمام المهدي (عليه السلام) وإن لم يصل إلينا منها إلا هذه الرسالة وتاليتها. فقوله: (أذن لنا في تشريفك بالمكاتبة، وتكليفك ما تؤديه عنا إلى موالينا... واعمل في تأديته إلى من تسكن إليه بما نرسمه) يدل على أن الإمام المهدي (عليه السلام) اختار المفيد للقيام بدور معين مدى تبقى من حياة الثاني.

ج: إن غيبة الإمام المهدي تدرجت في ثلاث مراحل:

الأولى: مرحلة القيادة بالوسائل حيث غيّر الإمام المهدي القيادة المباشرة إلى القيادة بالوسائط فقلص إطلالاته على جماهير الشيعة واكتفى باستقبال من يختار من علماء الشيعة ومحدثيهم، ولكن بلا موعد مسبق، وبدون مكان محدد من قبل، وذلك خلال السنوات الأخيرة من حياة والده العسكري وبعد وفاته بقليل.

الثانية: مرحلة السفراء الأربعة، حيث كان يتصل بالشيعة عبرهم، فيكتب الجواب على رسائلهم بخطه وتوقيعه. وقد يستقبل بعض الشيعة بواسطتهم وذلك خلال ثلاثة أرباع قرن تقريباً.

الثالثة: مرحلة المراسلة، حيث حصر اتصالاته في مراسلة شخص معين هو الشيخ المفيد وهي مرحلة وسطى بين النيابة الخاصة التي تولاها النواب الأربعة، ومرحلة النيابة العامة التي يتولاها الفقهاء المراجع.

وبعدها أصبحت الغيبة الكبرى، حيث ﻻ اتصال بعامة الشيعة وإنما يتصل ببعض خواص الشيعة عبر لقاءات سريعة ومتباعدة وخاصة للغاية، مكتفياً بالقيادة المرجعية.

7- لعله يعني بـ(ما تذكره) الروايات المتوفرة لديه.

8- منزل الإمام المهدي وعائلته في (جزيرة خضراء) ولكنها ليست معروفة بين الجزء المنتشرة على صخار البحار، كل ما هنالك أنها ليست خاضعة لسلطة سياسية، لأن الإمام المهدي هو الوحيد الذي يظهر وليست في عنقه بيعة لأحد ولا يعني ذلك أنه ﻻ ينتقل في المدن ولا يلتقي الناس كل ما هنالك أنه ﻻ يعلن عن نفسه. فعندما يظهر يقول بعض الناس: أهذا هو الإمام المهدي؟ لقد كنا نراه ولا نعرفه.

9- إحاطة الإمام المهدي بأبناء شيعته يمكن أن تكون بإحدى الطرق التالية:

أ: الرؤية الثاقبة الشاملة التي وهبها لرسله وأوصيائهم المعصومين، وتحدث عنها في مقام استعراض المرحلة الأولى من مراحل انفتاح إبراهيم الرسالي قائلاً: (... وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين) سورة الأنعام، آية 75. أو كما في الحديث الشريف الذي مضمونه: (إن الأرض لدى الإمام كالدرهم في كف أحدكم، يقلبها كيف يشاء).

ب: الوسائط الملكوتية التي يتعامل معها الإمام المعصوم بمقتضى مقام الولاية ففي الحديث الشريف - ما معناه -: إن الملائكة تعرض أعمال الخلائق على ولي الله كل أسبوع مرتين.

ج: الأجهزة البشرية المؤلفة من كبار الصالحين - الذين يعبر عنهم بأوتاد الأرض - وهم على اتصال شبه مستمر بالإمام المهدي، ويتعامل معهم تعامل الأنبياء والأوصياء مع حواريهم.

وعلى أي حال، الإمام المهدي ﻻ يعدم الوسيلة للاطلاع على أوضاع شيعته، إن لم تكن الوسيلة السماوية فالوسيلة الأرضية، فهو في أدنى الاحتمالات - ﻻ يقل عن أي قائد عادي يتابع أوضاع أتباعه.

10- أي نعرف الذل الذي أصابكم، ولعل كلمة (معرفتنا) مبتدأ لخبر محذوف هو (ثابتة) أو ما بمعناه.

11- أي من السلف، باعتبار أن السلف هو الذي عاهد النبي (صلّى الله عليه وآله) وبايعه، والخلف أقر ما عليه السلف باستمراره في الإسلام كما قبله السلف ما لم يصدر منه اعتراض.

12- فالإمام المهدي يرعى شيعته ويدافع عنهم بمختلف الأساليب المتاحه له، وبشتى قدراته المادية والمعنوية، كما يجند أي إمام طاقاته لحماية جماعته. ولا شك أن لحماية الإمام المهدي أثراً بالغاً في صرف الأخطار عن شيعته.

13- اللأواء: الشدة وضيق المعيشة.

14- اصطلمكم: استأصلكم.

15- انتياشكم: انتشالكم.

16- أناف على الشيء: طال وارتفع عليه.

17- الأزوف: الاقتراب.

18- سورة الصف: آية 8.

19- أي اتقوا من إشعال نار الجاهلية، فإنكم إن أشعلتموها تستغلها عصابات أموية، إن لم تكن أموية النسب فأموية المسلك، وترعب بالنار ذاتها فرقة مهدية هي أنتم، فتكونوا أنتم الذين أشعلتم النار على غيركم ثم ﻻ تخمد إلا وتكونوا أنتم الذين احترقتم بها.

وقال: (اعتصموا بالتقية) بدلاً من الاعتصام بالمسبقات الموروثة التي تتجمع في المذهب والمراد من التقية - هنا - ليس كتمان العقيدة التي يحاربها المجتمع وإنما الهروب من الفتنة التي يشجعها المجتمع. وعبر بـ(نار الجاهلية) عن الحرب الطائفية تشديداً في استنكارها.

20- حش - وحشاً الحرب: هيجها. و- النار: أوقدها وحركها بالمحش. والمحش: حديدة تحرك بها النار.

والعصب: جمع عصبة، وهي الجماعة من الرجال والخيل والطير.

21- المواطن الخفية هي العورات أي النقاط الحساسة، لأن الإنسان الذي نازل قوماً قد يرميهم في مظاهرهم فلا يوجعهم فلا يبالون به، أو ﻻ يكلفون أنفسهم عناء الرد عليه، وربما يناضلهم فيستهدف مقاتلتهم فلا يملكون الإعراض عليه، فيكون موقفه هو موقف من يدعوهم إلى الإجهاض عليه.

22- الظعن منها هو الارتحال عنها.

وقد يكون في طبائع الناس شيء يوزعهم إلى تجار حروب ومصلحين، فهنالك من إذا رأى الحرائق تشتعل يروق له أن يلعب على تناقضاتها، فلا بد أن تمتد ألسنة اللهيب إليه لتخطفه وتزج به الحومة، وإلى جانبه من إذا رأى أزمة تحيط به ﻻ يسمح للأمر الواقع أن يأخذه إلى ما لم يخطط له، وإنما يحاول فرض موقفه على الأزمة - بسحب مبرراتها حتى تنطفئ - أو حسن التخلص منها أن عجز عن الإصلاح.

وقد يلاحظ الفرق بين كلام الإمام المهدي - هذا - وموقفه المبدئي الثابت، فهو هنا يوجه إلى حسن التخلص من الأزمات، بينما هو يهيئ لثورة عالمية شاملة تغطي جميع مظاهر الحياة.

ولكنها ملاحظة ساذجة نتجاوز العوامل المبدئية التي تفرز المواقف والتوجيهات، فقد تكون قضية مقدسة مطروحة على الساحة، تفرض على القيمين عليها الكفاح دونه بلا هوادة، وربما تكون الأنانيات الانفصالية هي التي تنزف مجتمعاً ﻻ خط له ولا هدف فعلى كل قادر أن يعجل لإيقاف النزيف أو النجاة بنفسه من النزف المهدور..

23- المارق: النافذ من كل شيء. - ومنه المارق الخارجي لمروقه من الدين الجمع: مارقون ومراق.

24- في هذه الرسالة وفي الرسالة التالية تنبؤات لم نحاول استباق القراء إليها، وفضلنا تركها مفتوحة ليفسر كل حسب معلوماته ومستواه.

25- ظهور الإمام المهدي (عليه السلام) يفاجئ العالم غير المؤمن به والمؤمن به على حد سواء، فالعلائم المروية نظمت بشكل تحتمل تطبيقات مختلفة، ولعل الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) تعمدوا صياغها بهذا الشكل - بأمر الله تعالى - لإبقاء كل الأجيال التي عاصرت فترة الغيبة في حالة تهيؤ وترقب، ففي أي يوم يظهر فيه يكون ظهوره مسبوقاً بعلامات ومفاجئة في الوقت ذاته.

وكما يكون ظهوره مفاجئة، تكون تلبيته لنداءات المتوسلين به مفاجئة، فمن الثابت أنه يجيب بعض المتوسلين به ولا يجيب البعض الآخر، فكل متوسل به ﻻ يعلم هل هو ممن يجيبهم أو ممن ﻻ يحبهم، فإذا أجابه كان مسبوقاً بوعد ومفاجئة في الوقت ذاته.

وهذه ظاهرة طبيعية في حالة الغيبة، حيث ﻻ يستطيع أكثر الناس مقابلته ومشافهته، ليعرفوا ما إذا كان على استعداد لإجابتهم أو لا؟

26- لعل هذا النص يفسر بيوم الظهور (بعض آيات ربك) في قوله سبحانه: (هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك يوم يأتي بعض آيات ربك ﻻ ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً قل انتظروا إنا منتظرون) سورة الأنعام، آية 158.

وكأن القرآن يقول: لماذا ﻻ يعود الكفار والفساق إلى الإيمان والصلاح، مع تكاثر البراهين والدلائل؟ هل ينتظرون أحد الأيام الثلاثة الحاسمة؟ إذا كانوا ينظرون ذلك فعليهم أن يعرفوا أنه إذا جاء أحد تلك الأيام فلا تنفع أوبة الكفار ولا توبة الفساق. فليبادروا إلى الإيمان والصلاح قبلها. وهذه الأيام الثلاثة هي:

1- يوم الموت، حيث يكشف الغطاء عن المحتضر فيرى الملائكة. وقد رمز إليه القرآن بقوله: (... أن تأتيهم الملائكة).

2- يوم القيامة، حيث تظهر كل الحقائق والأسرار التي بشر أو أنذر بها الرسل والرسالات وتفعم الأجواء بأكبر قدر من الآيات الواضحة، حتى كأن الله - بكل ما يرمز إليه - قد أتى. وقد أشار إليه القرآن بقوله: (... أو يأتي ربك).

3- يوم ظهور الإمام المهدي الذي هو التحول الكبير، وقد عبر عنه القرآن بقوله: (... أو يأتي بعض آيات ربك).

فلا يمكن التشكيك في أن الظهور - باعتباره مبدأ الرجعة - أهم المنعطفات في حياة البشر، لأنه تحول من مرحلة التعامل بمقتضى الظاهر إلى مرحلة التعامل بمقتضى الواقع، وانتقال من فترة الانفلات إلى فترة الانضباط، وقفزة من دورة السكون النسبي إلى دورة الانطلاق، أي من دورة التكامل إلى دورة الكمال.

مضافاً إلى أنه حد فاصل بين التجربة الحرة والتجربة المرة.

فالظهور - بطبيعته - آية من آيات الله، على أنه يرافق ويستتبع آيات عظيمة، منها طوارئ جوية وتغييرات جيولوجية في الأرض لم يعرفها البشر من قبل، وخروج الأموات من قبورهم، وانكشاف سرائر الناس... إلى آخر ما تدل علية أحاديث الرجعة.

27- الإمام المهدي كان يضع توقيعه المدرج من الألقاب، ولكن الشيخ المفيد حيث استنسخ رسالة الإمام ليطلع عليها الثقات من المؤمنين، كتب مكان التوقيع: (نسخة التوقيع باليد العليا على صاحبها السلام)، وهو يقصد بـ(اليد العليا) يد الإمام عليه السلام.

28- لأمر ما كان الإمام المهدي (عليه السلام) يحرص على أن ﻻ يطلع على رسائله إلا من يراسلهم، فالسفراء الأربعة لم يطلعوا على رسائل الإمام المهدي إلا شخصين أو ثلاثة أشخاص فقط من آلاف الناس الذين كانوا يرجعون إليهم خلال ثلاثة أرباع قرن - تقريباُ - وفي هاتين الرسالتين نجد التأكيد على الشيخ المفيد أن ﻻ يطلع عليهما أحداً، مع أن الرسالة التالية لم تكن بخط الإمام المهدي نفسه، وإنما بخط ثقة من ثقاته.

ويلاحظ: أن النبي (صلّى الله عليه وآله) لم يكتب بيده شيئاً، وقد برره القرآن بقوله: (وما كنت تتلو من قبله من كتاب، ولا تخطه بيمينك، إذن لارتاب المبطلون) سورة العنكبوت، آية 48.

والإمام علي (عليه السلام) رغم تفجر نشاطات في مختلف مجالات الحياة، ورغم أنه كان من كتاب الوحي، كتب عدة كتب بخط يده وباملاء رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أو باملاء الملائكة على فاطمة الزهراء (عليها السلام) بعد وفاة رسول الله ولكن تلك الكتب صارت من تراث الإمامة مع عصا موسى وخاتم سليمان ومزامير داوود ودرع رسول الله وسيف ذي الفقار، يتوارثها الأئمة فيما بينهم ويحرصون على عدم تسرب شيء منها إلى غيرهم. ورسائله إلى ولاته إمام لم تكن بخط يده، وإما جمعها الأئمة من بعده بطرقهم الخاصة، والنتيجة أنه لم ينتشر خط يده في الناس.

كما لم يحفظشيءمن خطوط سائر الأئمة (عليهم السلام) رغم أنهم كانوا يراسلون كثيراً من أوليائهم، ويجيبون على رسائل ومسائل تتوارد عليهم من مختلف الأقطار، ورغم أن الرواة كانوا حريصين على ضبط كل لفتة منهم.

وأما الإمام المهدي نجده - من خلال هاتين الرسالتين - صريحاً في تأكيده عدم انتشار رسائله حتى ولو كانت بخط كاتبه.

إن لذلك سبباً ﻻ نعرفه، وإن كان من الممكن القول بأن الإمام المهدي منع عن انتشار رسائله تعميقاً الغيبة.

29- يلاحظ أيضاً - من خلال هاتين الرسالتينإلى الشيخ المفيد - أن الإمام المهدي يضع لرسائله مقدمة وخاتمة، وربما يكرر بعض العبارات، وهذا النوع من الضبط من ظواهر من يتقنون إحكام السيطرة على الأمور بالشكل الذي يرتأون حتى ﻻ يحدث أي خلل فيما يحاولون، ولعل لذلك لم تظهر الصيغ الحرفية الكاملة لرسائل الإمام المهدي إلى نوابه الأربعة وإنما كانوا يكتفون بنقل الفقرات الضرورية منها إلى المراجعين.

وبهذه الصبغة أحكم الإمام المهدي غيبته فلم تعثر أجهزة الحكومات في الدنيا على أثر له.

وبهذه الصفة يحكم الإمام المهدي سيطرة على الدنيا، ويضبط حتى الأمور الداخلية لجميع الناس، في عهده بعد الظهور.

ولعل الأمر بكتمان هذه الرسالة كان موقتاً بما قبل تلك الأحداث، وأما بعد انقضائها فلم تكن الدواعي ملحة على كتمانها، ولذلك أذاعها المفيد ووصلت إلينا.

30- الاحتجاج - أبو منصور: أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي: ج2 ص324 - 325:

... وورد عليه (الشيخ المفيد) كتاب آخر، من قبله صلوات الله عليه، يوم الخميس الثالث والعشرين من ذي الحجة، سنة اثنتي عشرة وأربعمائة، نسخته:...

31- الإمام يقصد نفسه من (عبد الله المرابط في سبيله) كما يقصد المفيد من (مهلهم الحق ودليله).

32- أي شفعنا مناجاتك، فدعمناها من الموقع الذي نحن فيه.

33- شمراخ: هو العذق عليه بسر أو عنب. رأس الجبل. أعالي السحاب. والبهماء: المشكلة المبهمة. الصحراء وإذا فسرنا البهماء بالصحراء وفسرنا الشمراخ برأس الجبل يكون المعنى أن الإمام اختار مسكنه في قمة جبل في صحراء ومن هناك دعم مناجاة المفيد..

34- الغماليل: الأمور المستورة المتراكبة.

35- السباريت: المساكين.

36- وهذا النص قد يدل على أن سابيات بعض الشيعة تنعكس على الإمام فيضطر إلى تغيير بعض أوضاعه السكنية والاجتماعية.

37- الضحضح: الماء اليسير.

38- وهذا النص يدل على أن الشيخ المفيد سيبقى على اتصال بالإمام بعد تاريخ هذه الرسالة.

39- تبسل نفوس قوم: توردها الهلكة، واسترهاب المبطلين: تخويفهم، وربما المعنى أن جانبي الفتنة من أهل الباطل، فتترك دماراً يفرج به المؤمنون ويحزن المجرمون.

40- اللوثة - بالضم - الاسترخاء والبطء ومنه. (التأثت راحلته): أبطأت في سيرها، وفي الحديث: (إن النفس قد تلتأث على صاحبها إذا لم يكن لها من العيش ما تعتمد عليه) المعنى قد تضطرب ولم تنبعث مع صاحبها - مجمع البحرين.

ولعل المقصود من (اللوثة): الغيبة، ومن (حركتنا): الظهور، والحرم المعظم هو المسجد الحرام، فتكون حادثة المسجد الحرام من علامات الظهور.

41- الحوادث التي وقعت في المسجد الحرام عديدة، فلا نستطيع التأكد من الحادثة التي يعنيها الإمام هنا، فربما عنى بها حادثة يوم أول محرم عام 1400 هو ربما عنى بها غيرها.

42- هذا النص عهد من الإمام المهدي (عليه السلام) بأن دفع الحقوق الشرعية ضمان للأمن من المحنة في الدنيا والفتنة في الدين، وأن البخل بها يعرض الدنيا والآخرة للبوار.

ولعل سبب تشديد الإمام المهدي في هذه الرسالة، وفي التوقيع الذي رواه أبو الحسن الأسدي، وفي أجوبته على أسئلة الحميري وغيره: أن العنصر الاقتصادي أهم العناصر في استمرار الحركة الدينية - في غيبته - بعد العنصر البشري.

43- المعنى الظاهر لهذه العبارة: أن عدم اجتماع قلوب الشيعة على الوفاء بالعهد الذي أخذه الله عليهم هو الذي يؤدي إلى تأخير الظهور، ولو اجتمعت قلوب العدد الكافي منهم على التضحية المخلصة في سبيل الله - بما ﻻ يقل عن ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً - يظهر الإمام المهدي (عليه السلام)، ولكن عدم توفر مثل هذا العدد حتى الآن - في المستوى المطلوب - هو الذي أدى إلى بقاء الإمام المهدي (عليه السلام) رهن الغيبة.

ويحتمل أن يكون المعنى: أن مشاهدة الإمام على حق المعرفة يتوقف على إخلاص القلب للوفاء بالعهد وطهارته من الذنوب. ويضعف هذا الاحتمال: أن كل من يكون مخلص القلب طاهراً من الذنوب يوفق لمشاهدة الإمام عارفاً به، ولو لم يكن على الأرض إلا إنسان واحد من هذا النوع، ولا يحتاج إلى اجتماع القلوب.

44- يظهر من هاتين الرسالتين مدى تعظيم الإمام المهدي (عليه السلام) للمخلصين من أوليائه. وقد كان دأب آبائه المهديين، كما قال ضرار لمعاوية ابن أبي سفيان - في وصف الإمام علي (عليه السلام): (... يعظم أهل الدين، ويحب المساكين).

ولعل الإمام المهدي كان يؤدي عملاً تربوياً من خلال مدحه للشيخ المفيد، ليشعره بأنه في هذا المستوى فعليه أن يحرص على أن يرتفع ﻻ أن ينحدر، والتعظيم يصعد النابهين كما يغر التافهين.

45- الاحتجاج - أبي منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي: ج2 ص298 - 300 عن أبي الحسن محمد بن جعفر الأسدي قال: كان فيما ورد علي من الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان العمري قدس الله روحه في جواب مسائل إلى صاحب الزمان:

46- هذا النص ناظر إلى وقت المعاطاة - على ما هو المعروف بين الفقهاء من عدم لزومه - باعتبار أن أكثر الناس يوقفون بالمعاطاة، وهي ﻻ تتم إلا بالتسليم. أو ﻻشتراط القبض فيه وأما الوقف بالصيغة الشرعية فلا يصح العدول عنه.

47- سورة الأعراف: آية 43.

48- يمكن تفسير هذا النص وأمثاله باعتبارات كيماوية، ويمكن تفسيرها باعتبارات روحية لما ثبت بالكتاب والسنة: إن للجمادات كافة الأرواح والمشاعر - وإن كانت أرواحها ومشاعرها تختلف عن أرواح ومشاعر الإنسان والحيوان والنبات - وأنها مكلفة بتكاليف معينة من قبل الله تعالى - وإن كانت تكاليفها مختلفة عن تكاليف الإنسان والحيوان والنبات:

(... ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرهاً قالتا أتينا طائعين فقضاهن سبع سماوات وأوحى في كل سماء أمرها...) سورة فصلت، آية 11-12.

(ولقد آتينا داوود منا فضلاً يا جبال أوبي معه... ) سورة سبأ، آية 10.

(قلنا يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم) سورة الأنبياء، آية 69.

(وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن ﻻ تفقهون تسبيحهم) سورة الإسراء، آية 44.

49- ﻻ يجوز - هنا - محمول على الكراهة. ولعل الحكمة فيها أن (العرق دساس) كما يقول الحديث الشريف - فالناس يتعصبون لآبائهم وإن لم يكونوا على نهجهم، ويغارون على كل ما أورثوا من عادات وتقاليد وإن لم يؤمنوا بها.

ذلك أن العوائد تطبع النفوس، فتورث كما تورث الصفات، والذكرى تهيج ذبذبة التراث. فلابد من حجها حتى تطمئن النفوس إلى ما استقرت عليه.

50- ذلك أن الناس تعودوا أن يتصرفوا في أموال الله بلا تحرج متناسين أن الله جعلها للأمة، ثم يقيسون عليها أموال الإمام وكأنها من المباحات العامة، غير مكترثين بأن الله جعلها للإمام حتى تصرف في الخدمات الدينية أو على المتفرغين لها. وهذه الظاهرة هي دفعت عدداً من العلماء إلى السؤال وركز الإمام في أكثر من توقيع على أنه حرمتها أشد من حرمة أموال سائر الناس، لأن من يتطاول على مال غيره ينتهك حق شخص وفي التطاول على مال الإمام ينتهك حق الأمة.

51- الاحتجاج - أبي منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي: ج2 ص301 - 303: ومما خرج عن صاحب الزمان صلوات الله عليه من جوابات المسائل الفقهية أيضاً: ما سأله عنها محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري فيما كتب إليه وهو:

52- محمد بن عبد الله الحميري من الأفاضل الموثوقين الذين كان يرجع إليه فقهاء الشيعة لمعرفتهم بأنه يراسل الإمام المهدي (عليه السلام) ويتلقى الجواب.

قال العلامة الحلي: في كتاب (خلاصة الرجال) ص75: (محمد بن عبد الله بن جعفر بن الحسين بن جامع بن مالك الحميري، أبو جعفر القمي، كان ثقة ووجهاً كاتب صاحب الأمر (عليه السلام) وسأله مسائل في أبواب الشريعة).

قال النجاشي: (.... وكان له إخوة) جعفر، والحسين، وأحمد (كلهم كان لهم مكاتبة).

والظاهر أنه كتب مسائله وأرفقها بالأدلة التي كانت تحضره ليتثبت مما كان يراه، ثم ترك - في رسالته - فراغات ليكتب الإمام أجوبته في تلك الفراغات، ثم روى الأسئلة والأجوبة معاً وعلم على الجواب بكلمة (التوقيع) أو (الجواب) أو (فأجاب) للتمييز بين كلامه وكلام الإمام.

قال النجاشي: (... وقعت هذه المسائل التي في أصلها والتوقيعات بين السطور).

53- أي جعل موتي قبل موتك. وهذا دعاء له بطول العمر.

54- لم نعثر على ترجمته.

55- الخَتَن - بفتحتين - قريب الزوجة من أب وأخ.

56- الشيعة كانوا يرمزون بـ(العالم) عن الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام).

57- أي مات في أثناء الصلاة.

58- أي إن لم يقم المأموم الذي تولى تنحية إمام الجماعة عن المحراب بحركات ماحية لصورة الصلاة، يتابع مع الجماعة، فيقوم بدور الإمام.

59- فأصل الخروج من البيت لحاجة - ﻻ يوجد من ينظر فيها - يجوز، إنما المهم أن ﻻ تبيت خارج بيتها.

60- سورة التكوير، آيات 19- 21.

61- يبدو أن الإمام المهدي (عليه السلام) كان يتبع الأسلوب النبوي في عدم الإجابة على الأسئلة التي ﻻ ضرورة منها للسائلين أو هي فوق مستوياتهم.

62- الاحتجاج - أبي منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي: ج2 ص303: كتاب آخر لمحمد بن عبد الله الحميري أيضاً إليه عليه الصلاة والسلام في مثل ذلك:...

63- هذه الرسالة - كالرسالة التي تليها - حذفت منها المقدمة استغناءً عنها بالمسائل وأجوبتها.

64- كلمة معربة تطلق على نوع من الحديد. وفي بعض النسخ (الجوهر) وإذا صح فالمراد غير الجواهر التي يستحب الصلاة فيها.

65- من عادة الأئمة (عليهم السلام) أنهم كانوا يعملون على تربية المواهب لدى أصحابهم، ولعل التفصيل في الجوابين السابقين لتربية ملكة الاجتهاد لدى الحميري.

66- حصيرة صغيرة كانت تضع ليسجد عليها - كالسجدة المعمولة من التراب - سميت خمرة لأنها تستر الوجه من الأرض.

67- العمارية رقعة مزينة تخاط في المظلة، وتطلق على قماش المظلة، والكنيسية: نوع من المحمل تشبه هندسته الكنيسة. وفي مجمع البحرين: الكنيسة شيء يغرز في المحمل أو الرحل ويلقى عليه ثوب يستظل به الراكب ويستتر به.

68- أي عليه أن يكفر بذبح شاة والتصدق بها.

69- الظاهر أن هذين جوابان عن سؤالين دمجا معاً (ويذكره) أي: المنوب عنه في عقد الإحرام.

والهدي من الأنعام: ما يسوقه الحاج المقرن معه، فالقارن يسوق الهدي عند إحرامه، ويتخيّر بين التلبية والإشعار أو التقليد، ويختص البقر والغنم بتقليدها بنعل قد صلى فيه. وأما إن ساق الإبل فيتخير بين تقليدها، وبين إشعارها بأن يشق الجانب الأيمن من سنامها ويلطخ صفحتها بدمها.

وإذا ساق الهدي قرن بين عمرته وحجه بإحرام واحد، وإذا لم يسق تمتع بالعمرة إلى الحج وضحى يوم العيد بما يشتريه من منى.

70- البطيط: نوع من الأحذية مفلطح مفتوق عند قبة القدم.

71- وادي العقيق، ثاني المواقيت التي يحرم منها الحجاج، ويبعد عن مكة المكرمة مائة كيلومتراً تقريباً، وهو ميقات أهل العراق وأهل نجد، وكل من يمر به في طريقه إلى مكة. وأول هذا الميقات - من جهة العراق - موضع يقال له: (المسلخ) ووسطه (غمرة) وآخره (ذات عرق).

والشيعة يحرمون من (المسلخ) والسنة يحرمون من (ذات عرق).

فإذا اقتضت التقية تأخير الإحرام إلى (ذات عرق) وجب على الحاج أن يلبس ثوبي الإحرام ويلبي سراً من (المسلخ) ثم يلبس المخيط تقية وإن لم يمكنه ذلك أحرم بثيابه ولبى فإذا بلغ (ذات عرق) ينزع المخيط ويفدي للبسه في حالة الإحرام. والحاصل: إن الواجب هو الإحرام من المسلخ.

72- أي يخاف التشهير به.

73- عطن الجلد: وضع في الدباغ وترك فأنتن، فهو عطين ومعطون، والدباغ ملح يجعل فيه الجلد إلى أن يتفسخ صوفه.

74- وجاء في (غيبة الطوسي) بعد تمام الكتاب ما يلي - مخاطباً الحسين بن روح رضوان الله عليه -: (فإن رأيت - أدام الله عزك - أن تسأل لي عن ذلك وتشرحه لي وتجيب في كل مسألة بما العمل به وتقلدني المنة في ذلك - جعلك الله السبب في كل خير وأجراه على يدك - فعلت مثاباً إن شاء الله تعالى. أطال الله بقاءك وأدام عزك وتأييدك وسعادتك وسلامتك وكرامتك وأتم نعمته عليك وزاد في إحسانه إليك وجعلني من السوء فداك وقدمني عنك وقبلك والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد النبي وآله وسلم كثيراً.

75- الاحتجاج - أبي منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي: ج2 ص306 - 309.

وفي كتاب آخر لمحمد بن عبد الله الحميري إلى صاحب الزمان (عليه السلام)، من جوابات مسائله التي سأله عنها في سنة سبع وثلاثمائة:...

76- يمكن أن يكون المراد من (الفقيه) هو الإمام الصادق، باعتبار الرواية عنه في السؤال ويمكن أن يكون المراد من (الفقيه) الإمام الكاظم لأن الشيعة كانوا يعبرون عنه بـ( الفقيه) أو بـ(فقيه أهل البيت). ويمكن أن المراد غيرهما من الأئمة، لأن هذا اللقب كان يطلق على كل منهم في زمانه.

77- لابد من التوقف على هذه الكلمات بالعودة إلى أصول هذه الكلمات.

فالملة من الإملال، والإملال والإملاء بمعنى واحد. والملة في الأصل ما شرع الله لعباده على ألسنة الأنبياء وقولهم: (ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة) سورة صآية 7. أي في ديانة عيسى. لأن الدين يكون إملاءً من الله وحياً أو من وراء حجاب أو بواسطة الملائكة.

والإسلام ملة إبراهيم (... وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم) سورة الحج آية 78. لأن أصول الإسلام نزلت على إبراهيم وحفظت عنه لتتابع الرسل والأنبياء، بعده..

والدين: ما يدان، فيحاسب ويجازي، ويطلق الدين على مجمل الشرائع التي يأتي بها رسول من قبل الله، فيجازي ويحاسب الذين يعاصرونه بمقتضاه في الآخرة. ودين الإسلام لمحمد بن عبد الله (صلّى الله عليه وآله) لأنهه هو الرسول الذي أتى به.

والهداية: الدلالة: وهي - في كل دين - لأوصياء رسوله. وفي الإسلام للأئمة الاثني عشر (عليهم السلام).

س: إبراهيم الخليل ومحمد بن عبد الله وأوصيائه كلهم كانوا يهدون إلى الله وإلى صراط مستقيم، فكيف صارت الهداية للأئمة فقط؟

ج: إن الله يهدي (... ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلاًّ هدينا ونوحاً هدينا من قبل) سورة الأنعام، آية 84.

(إنك ﻻ تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء) سورة القصص، آية 56.

وجميع أولياء الله يهدون (وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا) سورة السجدة، آية 24.

(وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات) سورة الأنبياء، آية 73.

(ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون) سورة الأعراف، آية 159.

(وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون) سورة الأعراف، آية 181.

... ولكن الاختصاصات تختلف، فاختصاص الرسل تلقي رسالات السماء وتفريغها على القاعدة البشرية العريضة. فدورهم يشبه دور المؤسسين الكبار أو رؤساء البلاد. واختصاص الأنبياء تنبؤاتهم التي تدخل الحياة الخاصة لكل فرد حتى يبقى في ظل شخصية تؤكد له تداخل العالمين المادي والمعنوي، وسيادة عالم الروح على عالم المادة. فدورهم يشبه دور الحزب الحاكم الذي يملأ دائماً الفجوة التي تحدث - عادة - بين الشعب والدولة. واختصاص الأوصياء تفصيل المجمل، وإيضاح الغامض، وبلورة الأفكار، وشرح المواقف، فدورهم يشبه دور المسؤولين عن التوجيه المعنوي.

وهكذا يمكن أن نقول: أن دور إبراهيم كان دور التأسيس بعد انقراض شريعة، نوح، ودور الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) دور التكميل، ودور الأئمة دور الهداية.

78- يقصد من أصحابنا: علماء الشيعة.

79- عمل في الصلاة، أي عمل خارج عن الصلاة، والعمل الخارج عنها - إذا دخل فيها - يفسدها.

80- أي العمل بالخبر المذكور أعلاه في النوافل أفضل فيرد يديه من القنوت على وجهه وصدره، ولا يفعل ذلك في الفرائض وإنما يرد راحتي يديه مع صدره سوية مقابل ركبتيه للركوع.

81- لأنها مستحبة، فتقديمها على النافلة أفضل، وتأخيرها ﻻ يضر كما أن تركها ليس حراماً.

82- لأن ما يغتصبه السلطان يبقى ملكاً لمالكه الشرعي، فشراؤه من السلطان ليس أكثر من عملية صورية لرفع سلطته، وأما شراؤه الحقيقي فلا يتم إلا من مالكه.

83- الاحتجاج - أبي منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي: ج2 ص309 - 315. وكتب (الحميري) إليه صلوات الله عليه أيضاً في سنة ثمان وثلاثمائة كتاباً سأله فيه عن مسائل أخر. كتب:...

84- أي جعل وفاتي قبل وفاتك.

85- قبلنا: عندنا.

86- الفقيه في مصطلح الحديث - هو الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) ففي عهد الإمام الكاظم كان الإرهاب الرشيدي يلاحق الشيعة، ويكفي دليلاً على مدى إرهاب هارون الرشيد، أن ذرية النبي تنكروا وهربوا إلى أفريقيا وإن الإمام الكاظم بقي سبع سنوات - على المشهور - مسجوناً في الزنزانات الانفرادية تحت الأرض، ثم توفي مسموماً وحمل جثمانه أربعة من الحمالين.

فكان الشيعة يرمزون عن الإمام الكاظم (عليه السلام) بـ(الفقيه) وبـ(العالم) وربما بـ(الرجل). وفي مجمع البحرين: (قد يطلق العالم ويراد به أحد الأئمة من غير تعيين) ولعل أحدهم من غير تعيين هو المعني بـ( العالم) في بعض الأحاديث التالية، لأنها تشير إلى روايات مأثورة عن غير الإمام الكاظم (عليه السلام).

ويلاحظ أن الإمام المهدي (عليه السلام) يستشهد بعض الروايات أو بعض الأئمة - كما نجد في هذا الحديث وأحاديث أخرى - رغم أن قوله حجة كأقوالهم. ولعل سبب ذلك:

1: توجيه العلماء إلى الاعتماد على الروايات المأثورة عن أهل البيت جميعاً وعدم محاولة استقصاء المعارف الإسلامية عن طريق مراسلته فقط، وكأنه يريد إشعارهم بأن أهل البيت جميعاً خطوط متوازية إلى الإسلام وهو واحد نزل من عند الأحد.

2: تكريم آبائهم (عليهم السلام)، شأن كل الأئمة والأنبياء الذين كانوا يروون عن أسلافهم: ﻻ لقصور فيهم وإنما تخليداً لأولئك الأسلاف في سلسلة الأقداس. كما نجد القرآن الكريم وسائر كتب السماء تروي عن الأنبياء السابقين وربما عن غيرهم كلقمان رغم أنها هبطت من عند الله الذي هو مرسل الرسل ومصدر الرسالات، ولكنه أراد أن يلم البشر بالترابط الوثيق بين شجرة النبوة وجذورها الممتدة حتى المظهر الأولي للإنسان، وأن يتواكب مع توجهات السماء إلى الأرض وتجاوب الرسالات مع تطور الإنسان، حتى ﻻ يحسبها أطروحة مرتجلة أو تجربة مجهولة النتائج والأبعاد.

3: إن الإمام المهدي (عليه السلام) حيث لم يكن حاضراً يحاور أنصاره وأعدائه حتى الإقناع والإفحام اختار الاستناد إلى المسلمات العقلية أو الإسلامية أحياناً، وأحياناً الاعتماد على الروايات المأثورة عن آبائه ليكون أبعد عن التفنيد والتشكيك.

87- لعل المعنى: يصوم عن الأشهر الثلاثة الأيام الفائتة بأن يصومها قضاءً إذا كانت عليه، لأن صوم القضاء مقدم على صوم الندب. وإلا فإن عدداً من الأحاديث تؤكد استحباب صيام الأشهر الثلاثة.

ولعل هذا النهي عن سيدنا ومولانا صاحب الزمان (صلوات الله عليه) إنما هو لأجل أن أبا الخطاب كان قد روى وجوب صوم رجب وشعبان، فنهي الأئمة (عليهم السلام) نهي وجوب، أو نهي انتشار عمل لكي يعرف الاستحباب، قال شيخنا الحر العاملي - قدس الله نفسه الزكية - في الوسائل: (قال الكليني: وجاء في صوم شعبان أن (عليه السلام) سئل عنه فقال: ما صامه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ولا أحد من آبائي - أقول - حمله الكليني على إرادة نفي الفرض والوجوب وأنهم ما صاموه على ذلك الوجه بل على الاستحباب (قال) وذلك أن قوماً قالوا: أن صومه فرض مثل صوم شهر رمضان وأن من أفطر يوماً من شعبان وجبت عليه الكفارة) وسائل الشيعة: ج7 ص361 - 362.

وقال في الجواهر: (الثالث عشر والرابع عشر صوم رجب كله أو بعضه ولو يوماً منه أولاً أو آخراً أو وسطاً وكذا شعبان بالضرورة من المذهب أو الدين بل ﻻ يمكن إحصاء ما ورد في فضل صومهما من سُنّة سيد المرسلين وعترته الهادين كما ﻻ يمكن إحصاء ما أعد الله على ذلك على صومهما إلا لرب العالمين بل من شدة ما ورد في شعبان منهما ابتدع أبو الخطاب وأصحابه وجوبه وجعلوا على إفطاره كفارة ولعله لذا ترك كثير من الأئمة صيامه مظهرين للناس بذلك عدم وجوبه في مقابلة بدعة أبي الخطاب جواهر الكلام: ج17 ص108.

وأبو الخطاب هذا كان واحداً من أصحاب أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) واسمه (محمد ابن مقلاص الأسدي) فابتدع في الأحكام وأصبح ملعوناً، ومما كان قد ابتدعه القول بوجوب صوم شهر شعبان. قال في جامع الرواة: (محمد بن مقلاص الأسدي الكوفي أبو الخطاب غال ملعون... قال أبو جعفر بن بابويه [يعني: الشيخ الصدوق قدس سره]: اسم أبي الخطاب زيد، قال ابن الغضايري: إنه مولى بني أسد لعنه الله، وأمره شهير وأرى ترك ما يقول أصحابنا حدثنا أبو الخطاب في أيام استقامته جامع الرواة: ج2 ص203.

قال المحدث القمي (قدس سره) في سفينة البحار: (كان أبو الخطاب في عصر جعفر بن محمد (عليهما السلام) فكفر وادعى أيضاً النبوة وزعم أن جعفرَ (عليه السلام) إله (تعالى الله عز وجل عن قوله) واستحل المحارم كلها ورخص لأصحابه فيها، وكانوا كلما ثقل عليهم أداء فرض أتوه فقالوا: يا أبا الخطاب خفف عنا فيأمرهم بتركه حتى تركوا جميع الفرائض واستحلوا جميع المحارم وأباح لهم أن يشهد بعضهم لبعض بالزور قال: من عرف الإمام حل له كل شيء كان حرم عليه فبلغ أمره جعفر بن محمد (عليه السلام) فلم يقدر عليه بأكثر من أن لعنه وتبرأ منه وجمع أصحابه فعرفهم ذلك وكتب إلى البلدان بالبراءة منه واللعنة عليه وعظم أمره على أبي عبد الله (عليه السلام) واستفظعه واستهاله انتهى. سفينة البحار: ج1 ص401.

88- الفتوى على أن من أدرك الإمام في حالة الركوع اعتد بتلك الركعة وإن لم يدرك تسبيحه ولا تكبير الركوع، استناداً إلى أحاديث صحيحة معمول بها فيحمل مثل هذا التوقيع على ضروب من الفضيلة أو غيرها إذ لم ينقل القول به عن أحد من الفقهاء قديماً وحديثاً سوى الشيخ في نهاية الأحكام والعلامة في التذكرة مع موافقتهما للمشهور في سائر كتبهما، بل عبارة التذكرة غير ظاهرة في مخالفة المشهور، فلا يبعد تحقق الإجماع عليه، قال في الجواهر: (الأشهر، بل ﻻ أجد فيه خلافاً بين المتأخرين كما اعترف به في الذكرى والرياض فنسباه فيهما إليهم، بل نسبه في السرائر إلى المرتضى ومن عدا الشيخ من الأصحاب، بل في الغنية نفى الخلاف عنه مطلقاً بل الشيخ نفسه حكى عليه الإجماع في الخلاف مكرراً) الخ جواهر الكلام: ج13 ص14.

وقال الأخ الأكبر في (الفقه) - بعد كلام طويل (خلافاً للمحكي عن التذكرة ونهاية الأحكام فاشترطا إدراك المأموم ذكراً قبل رفع الإمام رأسه وكأن مستندهما خبر الحميري المروي في الاحتجاج عن صاحب الزمان (عليه السلام) ثم ذكر الخبر إلى أن قال: وفيه مضافاً إلى ضعف هذا الخبر مسنداً وإعراض المشهور منه) الخ. الفقه: ج15 ص337.

وقال في المستمسك: (لكنه - أي: خبر الحميري - ضعيف ﻻ يصلح لتقييد غيره، مع وهنه بإعراض الأصحاب ولاسيما مع آباء بعض ما سبق عن التقييد) الخ المستمسك: ج7 ص201.

وقال الفقيه الهمداني في مصباح الفقيه - بعد أن ذكر خبر الحميري -: (وفيه بعد تسليم السندان ظهور صحيحتي الحلبي وسليمان بن خالد في الإطلاق وكون الرفع سبباً للفوات وحداً للإدراك أي إناطة الحكم وجوداً وعدماً بإدراكه راكعاً وعدمه أقوى من ظهور هذه الشرطية المسوقة لنفي اعتبار سماع التكبير في المفهوم فيحتمل أن تكون الشرطية جارية مجرى العادة من عدم حصول الجزم بإدراكه راكعاً في الغالب إلا في مثل الفرض، أو أريد به التمثيل بالفرد الواضح الذي ﻻ يتطرق إليه شبهة عدم اللحوق المانعة عن الاعتداد به - كما ستعرف - الخ. مصباح الفقيه، كتاب الصلاة ص627.

ولعل أفضل الاحتمالات الحمل على الفضيلة الذي ليس نادراً - بل هو كثير غايتها - في أخبار الأوامر والنواهي التكليفية والوضعية، الشرطية وغيرها، وقد احتمله أخيراً الفقيه الهمداني (قدس سره) أيضاً فراجع.

وقال المحقق النراقي (قدس سره) في صلاة الجمعة من المستند: (إن خبر الاحتجاج يفيد بالمفهوم عدم الاعتداد لو لم يدرك تسبيحة واحدة ولكن في إفادتها الوجوب نظر فيمكن أن يراد المرجوحية وقلة الكمال) وقد ختم النراقي كلامه بقوله: (ومراعاة مدلوله أحوط). مستند الشيعة ج1 ص413.

89- بعض الفتاوى ﻻ يعتمد هذا النص بوجود نصوص معارضة. وعلى العموم هذا الحديث معرض للاجتهاد كبقية الأحاديث. وعملية الاستنباط تتوقف على جميع النصوص الواردة في القضية المطروحة للاجتهاد، والنظر فيها وفق المقاييس المأثورة التي نقحت في علم (أصول الفقه).

ولكي يجلو الأمر لا بأس بتوسع في المسألة. قال الحجة اليزدي في (العورة الوثقى): (إذا تذكر في أثناء العصر أنه ترك من الظهر ركعة قطعها وأتم الظهر، ثم أعاد الصلاتين، ويحتمل العدول إلى الظهر بجعل ما بيده رابعة لها إذا لم يدخل في الركوع الثانية ثم إعادة الصلاتين) العروة الوثقى، كتاب الصلاة - ختام فيه مسائل متفرقة - المسألة السابعة. وطرح بعض الفقهاء المعاصرين احتمالاً آخر هو إلغاء ما صلاها بنية الظهر من أجل إبطال التكبير له، وإتمام ما صلاها عصراً بنية الظهر، ثم قال: وهذا الاحتمال أقرب الوجوه..

وما اعتمده هذا التوقيع الرفيع لصاحب الزمان (عليه السلام) لعله هو الأوفق بالقواعد الشرعية، إذ ليس من المؤكد أن مثل هذا التكبير بنية صلاة أخرى يكون مبطلاً لصلاة الظهر، لانصراف إبطال الركن بزيادته - على فرض تسليم أصله - عن مثل المقام الذي هو بنية صلاة أخرى، هذا إذا قلنا بوجود إطلاق في المسألة، وإلا فالإجمال أو الإهمال ﻻ تكون نتيجته أكثر من الجزئية، دون الكلية.

إذن في مسألة التوقيع الشريف فمقتضى القاعدة: أنه إذا لم يأت بالمنافي يجعل الركعتين اللتين صلاهما بنية العصر يجعلهما أخرتي الظهر، ويكمل الصلاة بنية الظهر، ويسجد سجدتي السهو للسلام الزائد، ولذا أفتى بذلك جمع من فقهاء العصر من أمثال أستاذنا الميلاني والحجة الكوهكمره أي (قدس سرهما) وأخي الأكبر وآخرون غيرهم أيضاً.

ومن الغريب رد جمع له من أمثال البروجردي، والحكيم - طاب ثراهما - فقد علق الأول على المتن بقوله: (هذا - أي احتمال المصنف - ضعيف وإن وردت به رواية شاذة) ويقصد بها هذا التوقيع لعدم ثبوت شق صحيح له يعتمد عليه في الحكم الشرعي. وقال الثاني: في المستمسك: (وهذا الاحتمال ﻻ وجه له ظاهراً... نعم قد يشهد له التوقيع المروي عن الاحتجاج عن محمد بن عبد الله الحميري عن صاحب الزمان (عليه السلام)... إلى أن قال مع ظهور هجره عند الأصحاب وكونه مرسلا فتأمل) المستمسك: ج7 ص604.

(وأما لو كان) قد أتى بالمنافي فمقتضى القواعد الشرعية بطلان الركعتين اللتين صلاهما بنية الظهر لعدم قابلية الاتصال بينها وبين ما صلاها بنية العصر، يبقى افتتاح الصلاة بنية العصر لمن عليه الظهر، فيعول بالنية، ويكملها ظهراً، فالتوقيع نصفه معمول به عندنا لموافقته للقواعد الشرعية، ونصفه غير معمول به عندنا لعدم تطابقه للقواعد الشرعية، مع كونه غير حجة سنداً لبناء الأحكام الشرعية، ولم يعمل الفقهاء حتى يجبره عملهم وتفصيل المسألة محله الكتب المفصلة في الفقه.

90- سورة الزخرف: آية 71.

91- هذه الرواية فقهياً غير معمول بها، لمعارضتها للعمومات الدالة على قبول شهادة غير الفاسق مطلقاً، المعمول بها قديماً وحديثاً، وعدم اعتبار سند هذه الرواية لإثبات الحكم الشرعي، وعدم عمل الفقهاء، بها حتى يجبر السند بالعمل، وعدم شاهد آخر له سوى مرسل الدعائم عن أبي جعفر (عليه السلام) الذي رواه من مستدرك الوسائل بالنسبة للأبرص فقط من هذه الثلاثة، ومطلقاً ﻻ مقيداً بالولادة (إذن) فيجب رد علم هذه الرواية إلى أهلها - صلوات الله عليهم أجمعين - والله أعلم.

92- أي عقد عليها ولم يدخل بها، فما لم يدخل بها ﻻ تجب عليه نفقتها ولا تكون من عياله مع امتناعها عن الدخول بها لأنها حينئذ ﻻ تكون ابنتها ربيبته، لقوله تعالى: (وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم...) سورة النساء آية 23.

93- هذا إذا كانت الشهادات والصكوك بحيث يحتمل أن يكون الألف مجموع الديون أما إذا كانت الشهادات والصكوك بحيث تدل على أن الفريق الأول دفع إلى الفريق الثاني مرة ألف ومرة خمسمائة وثالثة ثلاثمائة ورابعة مائتين فعلى الفريق الثاني ألفان ولا ترد اليمين على الفريق الأول.

94- المراد من طين القبر كلما ورد مطلقاً في الأحاديث هو طين قبر الإمام الحسين (عليه السلام).

95- وقد ورد في عديد الأحاديث ذلك (منها) ما ورد في كتاب آخر للحميري (رحمه الله) إلى صاحب الأمر (عليه السلام) (وسئل هل يجوز أن يسبح الرجل بطين القبر وهل فيه فضل؟

فأجاب (عليه السلام): يسبح به فما من شيء من التسبيح أفضل منه ومن فضله أن الرجل ينسى التسبيح ويريد السبحة فيكتب له التسبيح.

وعن الصادق (عليه السلام) قال: من سبح بسبحة من طين قبر الحسين (عليه السلام) تسبيحة كتب الله له أربعمائة حسنة ومحا عنه أربعمائة سيئة وقضيت له أربعمائة حاجة ورفع له أربعمائة درجة (الحديثان من كتاب: جامع أحاديث الشيعة: ج2 ص332).

96- أي ولا صلاة زيارة، وهذه الصلاة من النوافل الخاصة التي تستحب بعد زيارات المعصومين - حسب الترتيب المأثور - وليست من النوافل العامة.

97- ثبت في السنة: أن الإمام ﻻ يتقدم ولا يساوي. وهذا الحكم عام يشمل إمام الجماعة مطلقاً سواء أكان معصوماً أو غير معصوم، فلا تجوز الصلاة معه في الخطوط التي بينه وبين الكعبة أو في الخط المساوي له، وإنما في الخطوط التي خلفه فقط.

وثبت - أيضاً - عندنا حسب الاستدلال الفقهي عدم جواز الصلاة في حضرة المعصوم مساوياً له أو مقدماً عليه، سواء كان حياً أو ميتاً، لأن المعصومين جميعاً أحياء عند ربهم.

وقد حاول بعض المغرضين التشويش على هذا الحكم بأنه من عبادة القبور ولم ينتهوا إلى أن عدم التقدم على شخص في الصلاة لو كان ﻻ يعني عبادته فكل مأموم يعبد إمام جماعته. مضافاً إلى أن العبادة التي تعبر عن معنى التربيب ﻻ علاقة لها بالآداب وقد يقال أن عدم الجواز هنا محمول على الكراهة، لمعارضة ظاهرة بما ثبت من جواز الصلاة بل استحبابها المؤكد في مسجد رسول الله، مع أن القسم الجنوبي منه مقدم على الإمام، وهو الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله).

98- هذا إذا كان الوقف نوعاً من الهبة، بحيث ﻻ يكون حبس العين الموقوفة مأخوذاً في مضمونه، وإلا فلا يجوز إلا في صور خاصة مستثناة في الفقه الإسلامي، وذلك من أجل أدلة مؤكدة عليه...

99- المرتك، نوع من الحشيش خفيف الرائحة، والتوتيا حجر يكتحل به، ولا يعتبر من الطيوب فلا يستعمل في الاكتحال حالة الإحرام لحرمته مهما كانت المادة التي تستعمل فيه، ولا مانع من طلي الإبط به لقطع رائحة العرق.

100- للسؤال جزءان:

الأول: إذا وقع عقد بيع أو وقف أو غيرهما، وكتبت به وثيقة وحضر شاهدان وشحا وثيقة العقد بشهادتهما ثم كف بصر أحدهما، فهل تمضي شهادته الكتبية قائمة إلا ما دام صاحبها قادراً على قراءة خطه لتقريره أو إنكاره، والحاصل هل الخط حجة إذا انفصل عن كاتبه أم ﻻ؟

الثاني: إذا شهد إنسان حادثاً أو عقداً، ثم كف بصره فهل يبقى حاملاً للشهادة أو تعطل قابليته لحمل الشهادة؟

والجواب ناظر إلى الجزء الثاني من السؤال، حيث يركز فقط على قابلية الضرير للشهادة مادامت تتوفر فيه شرائطها من حفظ الشهادة وحفظ الوقت، والعدالة والإيمان وما إلى ذلك. وقد خص الشرطين الأولين بالذكر لأن الإصابة بالعمى ﻻ تفقد المرء إيمانه وعدالته - غالباً- ولكن قد تسلب منه بعض محفوظاته.

101- بأن كان الوقف على شخص الوكيل الأول، ﻻ على أمر عام يمثله الوكيل الأول حتى إذا أصيب تولاه من يخلفه لبقاء ذلك الأمر العام ممثلاً في خليفته.

102- الخداج: النقصان، يقال: خدجت الناقة، فهي خادج إذا ألقت ولدها قبل تمام الأيام وإن كان تام الخلق. ووصفت الصلاة التي ﻻ يقرأ فيها بفاتحة الكتاب بالمصدر للمبالغة.

وهذا الحديث يدل على نقصان الصلاة بدون فاتحة الكتاب مع أنها تقرأ في الأولين فلا يبقى نقص وإن لم يقرأها في الآخرين، ولعل الاستشهاد به للقراءة في الأخيرتين دون التسبيح لما يشعر به من أهمية أم الكتاب في الصلاة ومع هذا فالمشهور بين الفقهاء أفضلية التسبيح فيهما لأدلة أخرى معارضة لهذا الخبر وأقوائية تلك من وجوه عديدة.

103- استحباب التسبيح في مادتين:

الأولى: العليل، الذي يشق عليه الوقوف طويلاً لقراءة الفاتحة فيكتفي بالتسبيح.

الثانية: كثير السهو الذي إن قرأ الفاتحة في الأخريين استشبههما بالأوليين. فيسبح التسبيحات الأربعة حتى يتذكر أنه في الأخريين.

104- أي يسكر سكراً خفيفاً، ويدل على أن المقصود من (يغير) السكر الخفيف قوله: (وإن كان ﻻ يسكر).

105- والحاصل أنه ليس حراماً إن لم يكن بنية التشريع، ولكنه ليس من الاستخارة، وأما الاستخارة فهي (ذات الرقاع) وإنما يدل على أنها الاستخارة التي بينها (العالم) وهو الإمام موسى بن جعفر.

106- مسألة كون القنوت الثاني بعد ركوع الرابعة لم يرد في غير هذا الخبر، وهو مناف للعمومات الدالة على أن القنوت قبل الركوع إلا في صلاة الجمعة، ولذا لم يتعرض لذكره كثير من الفقهاء حتى أن صاحب العروة والوثقى على دقته في استيعاب الفروع لم يتعرض له، ولا تعرض له المعلقون - فيما أعلم - غير أستاذنا الميلاني والحجة الكوهكمره أي من دون تأييد أو ميل.

(لكن) قد يقال بجواز العمل على هذه الرواية، إذ لم يتحقق إجماع أو شهرة على خلافها، وقاعدة التسامح في أدلة السنن تشملها لولا أن المحقق النراقي (قدس سره) ادعى الإجماع على خلافها قال في المستند: (يستحب القنوت فيها في الركعتين الثانية والرابعة قبل الركوع بعد القراءة والتسبيح إجماعاً للعمومات وخصوص روايتي العيون والاحتجاج إلا أن في الأخيرة (والقنوت فيها مرتان في الثانية قبل الركوع وفي الرابعة بعده) ولم أر قائلاً به والعمل على الأول) مستند الشيعة: ج1 ص525). لكنه إجماع منقول، مضافاً إلى عدم ظهوره في عقد السلب، مع علمنا خارجاً بعدم تعرض كثير من الفقهاء له فالعمل على هذه الرواية ﻻ بأس به والله العالم.

107- لعل المصطلح حين صدور هذا التوقيع يختلف عن المصطلح اليوم. فالقرآن لم يصطلح على كلمة (المهر) وإنما ذكر (الصداق) بصيغة الجمع مرة واحدة فقط (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة) سورة النساء: الآية 4.

ولعل المقصود أن ما تبنى عليه عقدة النكاح - من أموال نقدية أو عينية، التي تدرج عادة في وثيقة الزواج - فهو دين لازم في الدنيا والآخرة وأما الهدايا والنقود التي تقدم إلى الخطيبة في فترة الخطوبة أو تعارف الأزواج على القيام بها من ولائم وعزائم وما إليها، سواء كتب فيها كتاب أو لم يكتب بها كتاب، فهي تختص بفترة الخطوبة، وينتهي دورها بالدخول.

ولعل اشتقاق الكلمتين - اللتين استخدمهما الإمام في التوقيع - يساعد على فهم الحكم، و(المهر) ما يمهر عليه أي يختم عليه في وثيقة، فيكون ديناً لازماً. و(الصداق) ما يعبر عن صدق الرجل في محبة خطيبته، فيكون نافلة لها دورها المؤقت إذا لم يشترط وكان تبرعاً.

108- المتوكل العباسي من الخلفاء العباسيين، عاصر الإمام علي الهادي، فاستدعاه ونجله الإمام الحسن العسكري (عليهما السلام) من مدينة جدهما الرسول إلى مدينة سامراء وفرض عليهم الاقامة الجبرية في المنطقة العسكرية حتى تنقطع عنهما الشيعة، فلقبا بـ(العسكريين) وقد اشتهر الإمام علي بن محمد بالهادي واشتهر نجله الحسن بالعسكري و(صاحب العسكر) يرمز إلى كل منهما دون تعيين.

109- مسألة لحم الأرنب من المسائل الخلافية فالسنة على أن لحمه حلال والشيعة على أنه من المسوخ ومن ذوات المخلب وتحيض أنثاه وفيه أدله خاصة ونصوص متعددة بالتحريم أيضاً، فلحمه حرام، وتلحقه أحكام الحيوانات المحرمة.

ولعل تفصيل الإمام في الجواب لعدم اتخاذ موقف جدي مع إعطاء الإشارة للفقهاء إلى أنه من محرمات اللحوم وتبنى عليه أحكامها. علماً بأن المستحصل من مجموع روايات هذا الباب عدم التفريق بين الجلد والوبر، فما حل لحمه تجوز الصلاة فيهما وما ﻻ يحل لحمه ﻻ تجوز الصلاة في شيء منهما.

(ولا يخفى) الحيوان - سواء أكان حلال اللحم أو حرامه - إذا ذبح بالطريقة الشرعية طهر جلده وإلا كان من الميتة، وبما أن الناس ﻻ يعنون بذبح الحيوانات المحرمة اللحوم - غالباً - يكون جلدها نجساً فإذا اتخذ منه كساءً نجس الثوب الذي يليه إذ ﻻ تخلو ملابس الإنسان من رطوبة مسرية من عرقه أو من المياه التي يستعملها.

110- تسبيحة الزهراء: أربعة وثلاثون تكبيرة، وثلاثة وثلاثون تحميدة، وثلاثة وثلاثون تهليلة. فإذا تجاوز الأربعة والثلاثين تكبيرة - سهواً - اعتبرها ثلاثة وثلاثين (وبنى عليها) فكسر الرابعة والثلاثين ليضع خاتمتها بإرادته. وإذا حمد أكثر من ثلاثة وثلاثين فكان مجموع التكبيرات والتحميدات أكثر من سبعة وستين عاد إلى ستة وستين أي اعتبر التحميدات اثنتين وثلاثين (وبنى عليها) بأن حمد الثالثة والثلاثين ليضع خاتمتها بإرادته. كل هذا لم يتجاوز التحميد مائة فإذا تجاوزها فقد تجاوز السهو حد التدارك ولا تحسب له تسبيحة الزهراء، ولكن لا شيء عليه لأن أصلها مستحب.

111-: أ- الشيخ علي اليزدي الحائري، إلزام الناصب، ص341 ج1 ط النجف 1383هـ: نقلاً عن كشف الغمة عن أبي نعيم محمد بن أحمد الأنصاري.

ب - الغيبة - أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي عن جعفر بن محمد بن مالك عن محمد بن جعفر بن عبد الله عن أبي نعيم محمد بن أحمد الأنصاري.

ج - دلائل الإمامة - أبو جعفر محمد بن جرير بن رستم الطبري بسنده عن أبي نعيم.

د - الخرايج - قطب الدين أبي الحسين سعيد بن هبة الله الراوندي.

هـ - ينابيع المودة - سليمان بن إبراهيم البلخي القندوزي ص461 عن كامل بن إبراهيم المدني قال:....

112- أبو محمد هو الإمام الحسن العسكري والد الإمام المهدي (عليه السلام).

113- مما يعتمد دعاة التفرقة المتزمتون في جميع الطوائف والفرق الدينية تكفير وتضليل جميع الناس من عداهم، والتأكيد على أن جميع الناس حصب جهنم سواهم. وهذه النظرة الضيقة تعبر عن انغلاق حاقد، وتنافي الشمولية المطلقة، والرحمة التي وسعت كل شيء. فشرائط الرحمة ﻻ تتجاوز قول الله تعالى: (... قال عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون) سورة الأعراف، آية 156.

فيكفي في الاستعداد تحمل رحمة الله أن يكون الغرر على درجة من الواقعية تهيئة للإيمان بآيات الله، ولإنفاق بعض ماله في ما أمر الله وللتجنب عما حرم الله، ثم إذا أخطأ المسير فالله أولى به وبالتوبة عليه أو إعادة تجربته يوم القيامة، كما قال سبحانه: (وآخرون مرجون لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم والله عليم حكيم) سورة التوبة آية 106.

114- المفوضة، فرقة من المسلمين قالوا: إن الله خلق الخلق، ثم ترك للأئمة إدارته، فهم يتصرفون كما يشاءون. وهؤلاء سمعوا بالولاية الكونية ولم يعرفوا أن الله ﻻ يولي أحداً من أوليائه ولاية إلا بقدر قدرته على تنفيذ إرادته تعالى. فأعظم أصحاب الولاية الكونية هو النبي محمد (صلّى الله عليه وآله) الذي قال الله عنه: (ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين فما منكم من أحد عنه حاجزين) سورة الحاقة، آية 44 - 47.

115- ذلك أن أولياء الله المعصومين حيث عرفوا مقاييس الكون، واستوعبوا حكمتها، وترفعوا عن العاطفة والأنانية، جسدوا إرادة الله، فلا يحبون إلا ما يحبه الله ولا يكرهون إلا ما يكرهه الله، ولذلك أحال الله أمر العباد عليهم، فقال في شأن الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) - قولاً يسري في شأن كل من نصبه الله حجة على خلقه -: (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) سورة الحشر، آية 7.

116- هذا النص: (وما تشاءون إلا أن يشاء الله) ورد في موضعين من القرآن، في سورة الإنسان، آية 30. وفي سورة التكوير، آية 29.

117- الاحتجاج: أبي منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي: ج2 ص280 - 281: عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي (رحمه الله) قال: حدثني محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني، عن الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح رضي الله عنه قال: ومما خرج عن صاحب الزمان صلوات الله عليه رداً على الغلاة من التوقيع جواباً لكتاب كتب إليه على يدي محمد بن علي بن هلال الكرخي:...

118- سورة النمل، آية 65.

199- سورة طه آية 124 - 126.

120- الغلاة في تاريخ البشر كثيرون، فما من نبي ولا وصي ظهرت على يده معجزات باهرة إلا وغالى فيه جمع من أتباعه في حياته أو بعد وفاته. وقد ابتدأ تاريخ عبادة الأصنام بغلاة اتخذوا أنبيائهم تماثيل توجهوا إليها بشكل من أشكال العبادة.

لأن الناس ﻻ يألفون إلا ما هو في مستواهم، ولا يصدمهم أحد بما هو أرفع إلا وترتبك مقاييسهم ثم يتخبطون في انفعال وارتجال.

والناس ﻻ يألفون سوى المتعاملين مع القوى المتاحة لجميعهم، فإذا ظهر نبي أو وصي يتعامل مع قوى أعلى كثير في محبيه من يغالي فيه وفي أعدائه من يتهمه بالسحر أو بالجنون.

وقد اضطر أصحاب الرسالات التغييرية إلى إثبات ارتباطهم بالسماء بالمعجزات، فآمن بهم الحكماء وألحد فيهم الجهلاء.

والأئمة (عليهم السلام) مارسوا المعجزات لأسباب لعل أهمها إلفات الرأي العام إليهم حتى يتقبل منهم الأحكام التي ما أتيح للرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) بيانها أو بيّنها ولم تحفظ عنه. فابتلوا ببلاء الأنبياء، مضافاً إلى أن تطرف أعدائهم في التنكيل بهم وبمحبيهم أدى إلى تطرف أنصارهم في التوغل في التمجيد بهم إلى غير المقبول وغير المعقول - بعامل رد الفعل - ولكن الأئمة تحملوا انقسام الناس حولهم إلى محب غال وعدو قال قل بينهما النمط الأوسط واثقين من عدالة غربال التاريخ.

وأهم ما يتورط فيه الغلاة تجاه صاحب المعجزة أمران:

1- الغيب، حيث يجدونه ينبئ عما تحجبه الحواجز والمسافات أو يخبر عما ﻻ زال ضميراً في أحشاء المستقبل.

2- القدرة، حيث يرونه يشق القمر أو يفلق البحر أو يحيي الرميم أو يتصرف في سائر الموجودات بدون وسيلة يمكنهم تعاطيها.

وعلى أثر الصدمة بهاتين الظاهرتين يفقدون توازنهم، ويستنتجون أن صاحب المعجزة هو الله أو ﻻ أقل من أنه يشاطر الله علمه وقدرته.

***

وفي هذا التوقيع يعالج الإمام المهدي مشكلة الغلاة، ويكشف المؤشرات التي يملكها كإمام معصوم للرد عليهم بشكل قاطع يرفض أي تفسير أو تبرير، ويركز على الأمرين السابقين:

فأولاً: علم الغيب مختص بالله، ولا يعلم الغيب غيره أحد ممن في السماوات والأرض.

س: كيف ذلك وقد سجل القرآن إعلان عيسى ابن مريم لبني إسرائيل:(... وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم) سورة آل عمران، آية 49.

وثبت في السنة أن جميع المعصومين كانوا يخبرون عن الحوادث التي تقع في شتى أقطار الدنيا وفي أعمق أبعاد المستقبل بذات الاطمئنان الذي يتحدثون به عن الحوادث الجارية تحت حواسهم، وقد صدقهم التاريخ إلا في موارد معدودة أسرعوا إلى بيان سبب تخلف الحادث من كلامهم، كموت العريس في ليلة زفافه في الحديث المشهور عن عيسى ابن مريم.

ج: علم الغيب شيء والإطلاع على الغيب شيء آخر، وعلم الغيب خاص بالله تعالى، وقد أعلن أوليائه ذلك، فجرى على لسان النبي قرآناً يقول: (ويقولون لولا أنزل عليه آية من ربه فقل إنما الغيب الله فانتظروا إني معكم من المنتظرين) سورة يونس، آية 20.

وسئل الإمام علي (عليه السلام) عما أخبر بها من الملاحم: هل من علم الغيب؟ فقال: (كلا! وإنما هو تعلم من ذي علم).

فالله واسع محيط بالغيب وبالشهود على حد سواء، فيعلم كل شيء أولاً وبالذات، وأما غيره من الأولياء فليست لهم ذوات شمولية حتى يحيطوا بالغيب أو بالشهود فيعلموه بإحاطتهم، وإنما ذواتهم محدودة ﻻ تحيط بالغيب - كما ﻻ تحيط حتى بالشهود -.

ولكن الله قد يمدهم فتمتد ذواتهم عبر الغيب فيطلعون عليه، كما قال سبحانه: (عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصداً) سورة الجن، آية 26 - 27. وقال تعالى: (وما كان الله ليطلعكم على الغيب ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء ... ) سورة آل عمران، آية 179.

فإخبار الأولياء بالغيب لم يكن علماً بالغيب، وإنما اطلاعاً عليه بإذن الله، كما أن خلق عيسى للوطواط لم يكن بقدرته الذاتية، وإنما بالصلاحية المخوّلة له من قبل الله حسب ما روى القرآن عنه قوله: (إني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله) سورة آل عمران، آية 49.

وإذا أردنا التنظير لمجرد التقريب إلى الأذهان - ولا تنظير للخالق بالخلق - نستهدي إلى القول بأن من المفروض أن يكون رئيس الدولة على علم بكل ما يجري في بلاده، عن طريق الأجهزة المتاحة له، وليس من المفروض أن يطلع الموظفون في الدولة على المتغيرات المتوالدة في البلاد، ولكن رئيس الدولة قد يطلع موظفاً أو أكثر على بعض المعلومات لسبب من الأسباب.

ويؤكد هذه الحقيقة ما وقع من (البداء) في إخبار بعض المعصومين بحوادث لم تقع، كإخبار عيسى ابن مريم بموت العريس في ليلة زفافه.

والسبب - لظاهرة البداء - أن المقتضيات الأولية لمجريات الأمور تسجل في لوح يعرف بـ(لوح المحو والإثبات) مع التحفظ تجاه المفاجآت. بينما تسجل النتائج النهائية للمتغيرات - مع مراعاة المفاجآت في لوح آخر يسمى بـ(اللوح المحفوظ) كما يطلق عليه: (أم الكتاب). وقد أشار القرآن إلى هذين اللوحين بقوله: (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب) سورة الرعد: الآية 39.

وأرواح المعصومين قد تتصل بـ(لوح المحو والإثبات) فينقلون المثبتات الواردة فيه، وهم يعلمون أنها معرضة للمفاجآت. وربما تتطلع أرواحهم على (اللوح المحفوظ) فينقلون عنها معلومات يؤكدون أنها حتمية.

وقد عبر الإمام علي (عليه السلام) عن تعرض مثبتات لوح المحو والإثبات للمفاجآت بقوله: (لولا آية في كتاب الله لأخبرتكم بما كان وما يكون وما هو كائن إلى يوم القيامة) فقالوا: وما هي يا أمير المؤمنين؟ قال: (قوله تعالى: (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب)).

وقد قال الإمام علي (عليه السلام) هذا ليضع احتمال المفاجآت على كثير من المغيبات التي أخبر عنها بعض المعصومين، وإلا فالإمام علي نفسه من المطلعين على اللوح المحفوظ بمقتضى قوله تعالى: (قل كفى بالله شهيداً بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب) سورة الرعد: الآية 43 والمعني بقوله سبحانه: (ومن عنده علم الكتاب) هو الإمام علي حسب ما ثبتت روايته عن النبي (صلّى الله عليه وآله).

ثانياً: أن جميع الأنبياء والأوصياء، ابتداءً من أول الأنبياء - وهو آدم - وانتهاءً بآخر الأوصياء - وهو الإمام المهدي - كلهم عبيد مخلصون لله عز وجل، وليس بينهم أحد ادعى الربوبية، ولا في أي واحد منهم أي مفهوم من مفاهيم الألوهية، كلما هنالك أنهم كانوا أكثر عبادة وإخلاصاً لله من غيرهم، فخولهم الله صلاحيات أظهروا بما المعجزات.

هذا هو الحق الذي ﻻ مراء فيه، ومن ادعى ذلك فهو مبطل مهما كانت المعجزات التي ظهرت على أيديهم عظيمة وباهرة. إذ ﻻ أحد أعرف بأولياء الله منهم أنفسهم، وكلهم كرسوا طاقاتهم وضحوا بأنفسهم في سبيل الدعوة لله ونبذ الأنداد. فمن قال غير ما قالوا فهو ممن تنطبق عليه الآية الكريمة: (ومن أعرض عن ذكري...) سورة طه: الآية 124.

121- الإمام المهدي تعرض لحملة شديدة من قبل أجهزة الخلافة العباسية وكل أعداء الإسلام والتشيع قبل ميلاده وبعده. لأنهم - جميعاً - رغم عدائهم المستحكم للنبي وآله كانوا على يقين من صدقهم فيما يقولون، والأحاديث الواردة عن الرسول وآله حول شخصية الإمام المهدي ومواصفاته متواترة - لفظاً أو معنى - وفيها تركيز على أنه (يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً) فكل الطواغيت والمنحرفين كانوا - ولا زالوا - يحذرون مفاجئته الكبرى، فيعبرون عن فزعهم منه بالتربص به والتشويش عليه.

وقد استغل أعداؤه ظاهرة خفاء حمله وغيبته عن المجتمعات لتشديد النكير على المؤمنين به. خاصة وأن أكثرهم محرومون من زيارته والخواص الذين يحضون بلقائه ﻻ يقولون إلا لخواصهم. وقد أدى هذا الأسلوب من التعامل مع الجماهير إلى وقوع الأكثرية الساحقة حتى من الشيعة فريسة إعلام الأعداء. ولكن الله لم يأذن له إلا بهذا الأسلوب في انتظار الوقت المناسب.

وقد أرسل بعض الشيعة هدايا نفيسة وعينية إلى الإمام بواسطة بعض المتصلين به، ثم شكوا في أمره ولم يلبثوا أن ندموا على إظهار شكهم فيه، فقبل الإمام أعذارهم، ولكنه رفض قبول هداياهم بعد ذلك. واعتبر شكهم فيه شكاً في الدين، لأن الوصاية عمق طبيعي للنبوة والنبوة من أصول الدين. وعلى العموم، القيادة السماوية من الدين والشك فيها شك في الدين وقد صح عن النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله) قوله: (من أنكر خروج المهدي فقد أنكرني).

122- الاحتجاج، أبو منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي: ج2 ص289 - 296 روى أصحابنا: أن أبا محمد الحسن السريعي كان من أصحاب أبي الحسن علي بن محمد (عليهم السلام) وهو أول من ادعى مقاماً لم يجعله الله فيه من قبل صاحب الزمان وكذب على الله وحججه (عليهم السلام)، ونسب إليهم ما ﻻ يليق بهم وما هم منه براء، ثم ظهر منه القول بالكفر والإلحاد، وكذلك كان محمد بن نصير النميري من أصحاب أبي محمد الحسن (عليهما السلام) فلما توفي ادعى البابية لصاحب الزمان، ففضحه الله تعالى بما ظهر منه من الإلحاد والغلو والتناسخ، وكان يدعي أنه رسول نبي أرسله علي بن محمد ويقول بالإباحة للمحارم، وكان أيضاً من جملة الغلاة أحمد بن هلال الكرخي، وقد كان من قبل في عداد أصحاب أبي محمد (عليه السلام) ثم تغير عما كان عليه وأنكر بابية أبي جعفر محمد بن عثمان، فخرج التوقيع بلعنه من قبل صاحب الزمان والبراءة منه، في جملة من لعن وتبرأ منه. وكذا كان أبو طاهر محمد بن علي بن بلال، والحسين بن منصور الحلاج، ومحمد بن علي الشلمغاني المعروف بابن أبي العزاقري، لعنهم الله، فخرج التوقيع بلعنهم والبراءة منهم جميعاً على يد الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح (رحمه الله) ونسخته:

123- (السريعي) هو أبو محمد الحسن (والنميري) هو محمد بن نصير النميري (والهلالي) هو أحمد بن هلال الكرخي (والبلالي) هو محمد بن علي بن بلال (وغيرهم) في البحث في الكتب - عشرة أشخاص في أيام الغيبة الصغرى ذكر بعضهم الشيخ الطوسي (قدس سره) في كتاب الغيبة، وذكر البعض الآخرون.

1- السريعي:

قال الشيخ قدس سره في كتاب الغيبة: أولهم المعروف بالسريعي أخبرنا جماعة، عن أبي محمد التلعكبري، عن أبي علي محمد بن همام قال: كان السريعي يكنى بأبي محمد، قال هارون: أظن أسمه كان الحسن وكان من أصحاب أبي الحسن علي بن محمد ثم الحسن بن علي بعده (عليهم السلام)، وهو أول من ادعى مقاماً لم يجعله الله فيه، ولم يكن أهلاً له، وكذب على الله وعلى حججه (عليهم السلام) ونسب إليهم ما لا يليق بهم، وما هم منه براء فلعنه الشيعة، وتبرأت منه وخرج توقيع الإمام بلعنه والبراءة منه.

قال هارون: ثم ظهر منه القول بالكفر والإلحاد قال: وكل هؤلاء المدعين إنما يكون كذبهم أولاً على الإمام وأنهم وكلاؤه فيدعون الضعفة بهذا القول إلى موالاتهم ثم يترقى الأمر بهم إلى قول الحلاجية كما اشتهر من أبي جعفر الشلمغاني ونظرائه عليهم جميعاً لعائن الله تترى.

2- النميريّ:

ومنهم محمد بن نصير النميري قال ابن نوح: أخبرنا أبو نصر هبة الله بن محمد قال: كان محمد بن نصير النميري من أصحاب أبي محمد الحسن بن علي (عليهما السلام) فلما توفي أبو محمد ادعى مقام أبي جعفر محمد بن عثمان أنه صاحب إمام الزمان وادعى البابية، وفضحه الله تعالى بما ظهر منه من الإلحاد والجهل، ولعن أبي جعفر محمد بن عثمان له وتبريه منه واحتجاجه عنه وادعى ذلك الأمر بعد السريعي.

قال أبو طالب الأنباري: لما ظهر محمد بن نصير بما ظهر لعنه أبو جعفر رضي الله عنه وتبرأ منه فبلغه ذلك فقصد أبا جعفر ليعطف بقلبه عليه أو يعتذر إليه فلم يأذن له وحجبه ورده خائباً. وقال سعد بن عبد الله: كان محمد بن نصير النميري يدعي أنه رسول نبي وأن علي بن محمد [يعني: الهادي] (عليه السلام) أرسله، وكان يقول بالتناسخ ويغلو في أبي الحسن [الهادي] ويقول فيه بالربوبية، ويقول بالإجابة للمحارم، وتحليل نكاح الرجال بعضهم بعضاً في أدبارهم، ويزعم أن ذلك من التواضع والإخبات والتذلل في المفعول به وأنه من الفاعل إحدى الشهوات والطيبات وأن الله عز وجل ﻻ يحرم شيئاً من ذلك.

وكان محمد بن موسى بن الحسن بن الفرات يقوي أسبابه ويعضده. أخبرني بذلك عن محمد بن نصير أبو زكريا يحيى بن عبد الرحمن بن خاقان أنه رآه عياناً وغلام له على ظهره قال: فلقيته فعاتبته على ذلك فقال: إن هذا من اللذات وهو من التواضع لله وترك التجبر.

قال سعد: فلما اعتل محمد بن نصير العلة توفي فيها، قيل له وهو مثقل اللسان: لمن هذا الأمر من بعدم؟ فقال بلسان ضعيف ملجلج: أحمد فلم يدر من هو؟ فافترقوا بعده ثلاث فرق: قالت فرقة أنه أحمد ابنه وفرقة قالت: هو أحمد بن محمد بن موسى بن الفرات وفرقة قالت: أنه أحمد بن أبي الحسين بن بشر بن يزيد فتفرقوا فلا يرجعون إلى شيء.

3- الكرخيّ:

ومنهم أحمد بن هلال الكرخي قال أبو علي بن همام: كان أحمد بن هلال من أصحاب أبي محمد (عليه السلام) فاجتمعت الشيعة على وكالة أبي جعفر محمد بن عثمان رحمه الله بنص الحسين (عليه السلام) في حياته ولما مضى الحسين (عليه السلام) قالت الشيعة الجماعة له: ألا تقبل أمر أبي جعفر محمد بن عثمان وترجع إليه وقد نص عليه الإمام المفترض الطاعة فقال لهم: لم أسمعه ينص عليه بالوكالة، وليس أنكر أباه يعني عثمان بن سعيد فأما أن أقطع أن أبا جعفر وكيل صاحب الزمان فلا أجسر عليه، فقالوا: قد سمعه غير، فقال: أنتم وما سمعتم، ووقف على أبي جعفر فلعنوه وتبرءوا عنه.

ثم ظهر التوقيع علي يد أبي القاسم بن روح رحمه الله بلعنه والبراءة منه في جملة من لعن.

4- محمد بن علي بن بلال:

ومنهم أبو طاهر محمد بن علي بن بلال وقصته معروفة فيما جرى بينه وبين أبي جعفر محمد بن عثمان العمري نضر الله وجهه وتمسكه بالأموال التي كانت عنده للإمام وامتناعه من تسليمها وادعائه أنه الوكيل حتى تبرأت الجماعة منه ولعنوه وخرج من صاحب الزمان (عليه السلام) ما هو معروف.

وحكى أبو غالب الزراري قال: حدثني أبو الحسن محمد بن محمد بن يحيى المعاذي قال: كان رجل من أصحابنا قد انضوى إلى أبي طاهر بن بلال بعدما وقعت الفرقة ثم أنه رجع عن ذلك وصار في جملتنا فسألناه عن السبب قال: كنت عند أبي طاهر يوماً وعنده أبو الطيب وابن خزر وجماعة من أصحابه إذ دخل الغلام فقال أبو جعفر العمري على الباب ففزعت الجماعة لذلك وأنكرته للحال التي كانت جرت وقال: يدخل، فدخل أبو جعفر رضي الله عنه فقام له أبو طاهر والجماعة وجلس في صدر المجلس وجلس أبو طاهر كالجالس بين يديه فأمهلهم إلى أنه سكتوا.

ثم قال: يا أبا طاهر نشدتك الله أو نشدتك بالله ألم يأمرك صاحب الزمان (عليه السلام) بحمل ما عندك من المال إلي؟ فقال: اللهم نعم فنهض أبو جعفر رضي الله عنه منصرفاً ووقعت على القوم سكتة فلما تجلت عنهم قال له أخوه أبو الطيب: من أين رأيت صاحب الزمان؟ فقال أبو طاهر: أدخلني أبو جعفر رضي الله عنه إلى بعض دوره فأشرف علي من علو داره فأمرني بحمل ما عندي من المال إليه فقال له أبو الطيب: ومن أين علمت أنه صاحب الزمان (عليه السلام) قال: وقع علي من الهيبة له، ودخلني من الرعب منه ما علمت أنه صاحب الزمان (عليه السلام) فكان هذا سبب انقطاعي عنه. (وقد يحتمل كون ذلك صدر عنه تقية وخوفاً من الظالمين الذين كانوا يتربصون بأصحاب الأئمة (عليهم السلام) كل دائرة - كما مضى منا نقل ذلك عن الشيخ الحر في وسائل الشيعة، في مقدمة الكتاب عند الحديث عن وكلاء آخرين غير النواب الأربعة - والله أعلم).

5- الحلاّج:

ومنهم الحسين بن منصور الحلاج:

أخبرنا الحسين بن إبراهيم، عن أبي العباس أحمد بن علي بن نوح، عن أبي نصر هبة الله بن محمد الكاتب ابن بنت أم كلثوم بنت أبي جعفر العمري قال: لما أراد الله تعالى أن يكشف أمر الحلاج ويظهر فضيحته ويخزيه، وقع له أن أبا سهل ابن إسماعيل بن علي النوبختي رضي الله عنه ممن تجوز عليه مخرقته، وتتم عليه حيلته، فوجه إليه يستدعيه، وظن أن أبا سهل كغيره من الضعفاء في هذا الأمر بفرط جهله، وقدر أن يستجره إليه فيتمخرق ويتصوف بانقياده على غيره، فيستتب له ما قصد إليه من الحيلة والبهرجة على الضعفة، لقدر أبي سهل في أنفس الناس ومحله من العلم والأدب أيضاً عندهم، ويقول له في مراسلته إياه: إني وكيل صاحب الزمان (عليه السلام) وبهذا أولاً كان يستجر (الجهال) ثم يعلو منه إلى غيره - وقد أمرت بمراسلتك وإظهار ما تريده من النصرة لك، لتقوى نفسك ولا ترتاب بهذا الأمر.

أبو سهل يسأل الحلاج:

فأرسل إليه أبو سهل رضي الله عنه يقول لك: إني أسألك أمراً يسيراً يخف مثله عليك في جنب ما ظهر على يديك من الدلائل والبراهين، وهو أني رجل أحب الجواري وأصبو إليهن ولي منهن عدة أتخطاهن والشيب يبعدني عنهن وأحتاج أن أخضبه في كل جمعة وأتحمل منه مشقة شديدة لأستر عنهن ذلك وإلا انكشف أمري عندهن، فصار القرب بعداً والوصال هجراً، وأريد أن تغنيني عن الخضاب وتكفيني مؤنته، وتجعل لحيتي سوداء، فإنني طوع يديك وصائر إليك، وقائل بقولك، وداع إلى مذهبك، مع ما لي في ذلك من البصيرة، ولك من المعونة.

فلما سمع ذلك الحلاج من قوله وجوابه علم أنه قد أخطأ في مراسلته وجهل في الخروج إليه بمذهبه وأمسك عنه ولم يرد إليه جواباً ولم يرسل إليه رسولاً وصيره أبو سهل رضي الله عنه أحدوثة وضحكة ويطنز به عند كل أحد، وشهر أمره عند الصغير والكبير، وكان هذا الفعل سبباً لكشف أمره وتنفير الجماعة منه.

الحلاج في قم:

وأخبرني جماعة عن أبي عبد الله الحسين بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه أن ابن الحلاج (وهو الحسين بن منصور، المعروف بالحلاج، وإن كان أصل اللقب لأبيه ولذا قيل هنا (ابن الحلاج)) صار إلى قم وكاتب قرابة أبي الحسن (والد الصدوق) يستدعيه ويستدعي أبا الحسن أيضاً ويقول: أنا رسول الإمام ووكيله، قال: فلما وقعت المكاتبة في يد أبي رضي الله عنه خرقها وقال لموصلها إليه: ما أفرغك للجهالات؟ فقال له الرجل - وأظن أنه قال: إنه ابن عمته أو ابن عمه - فإن الرجل قد استدعانا فلم خرقت مكاتبته وضحكوا منه وهزءوا به، ثم نهض إلى دكانه ومعه جماعة من أصحابه وغلمانه.

إخراج الحلاج من قم

قال: فلما دخل إلى الدار التي كان فيها دكانه نهض له من كان هناك جالساً غير رجل رآه جالساً في الموضع فلم ينهض له ولم يعرفه أبي فلما جلس وأخرج حسابه ودواته كما تكون التجار، أقبل على بعض من كان حاضراً فسأله عنه فأخبره فسمعه الرجل يسأل عنه فأقبل عليه وقال له: تسأل عني وأنا حاضر فقال له أبي: أكبر تك أيها الرجل وأعظمت قدرك أن أسألك فقال له: تخرق رقعتي وأنا أشاهدك تخرقها فقال له أبي: فأنت الرجل إذاً. ثم قال: يا غلام برجله وبقفاه فأخرج من الدار العدو لله ولرسوله، ثم قال له: أتدعي المعجزات؟ عليك لعنة الله... فما رأيناه بعدها بقم.

من خرافات الحلاج:

قال المحقق النوري في مستدركه - نقلاً عن بعض المجاميع المخطوطة للشهيد الأول قدس سره: (أبو معتب الحسين بن منصور الحلاج الصوفي كان جماعة يستشفون ببوله (وقيل) إنه ادعى الربوبية، ووجد له كتاب فيه: إذا صام الإنسان ثلاثة أيام بلياليها ولم يفطر، وأخذ وريقات هندباء فأفطر عليها أغناء عن صوم رمضان (ومن) صلى في ليلة ركعتين من أول الليل إلى الغداة أغنته عن الصلاة بعد ذلك. (ومن) تصدق بجميع ما يملك في يوم واحد أغناه عن الحج (وإذا) أتى قبور الشهداء بمقابر قريش [يعني: الكاظمية] فأقام فيها عشرة أيام يصلي ويدعو ويصوم ولا يفطر إلا على قليل من خبز الشعير والملح أغناه ذلك عن العبادة)( مستدرك الوسائل ج3 ص372).

6- الشلمغاني:

ومنهم ابن أبي العزاقر أخبرني الحسين بن إبراهيم، عن أحمد بن علي بن نوح عن أبي نصر هبة الله بن محمد بن أحمد الكاتب ابن بنت أم كلثوم بنت أبي جعفر العمري رضي الله عنه قال حدثتني الكبيرة أم كلثوم بنت أبي جعفر العمري رضي الله عنهما قالت: كان أبو جعفر ابن أبي العزاقر وجيهاً عند بني بسطام، وذاك أن الشيخ أبا القاسم رضي الله عنه وأرضاه كان قد جعل له عند الناس منزلة وجاهاً فكان عند ارتداده يحكي كل كذب وبلاء وكفر لبني بسطام ويسنده عن الشيخ أبي القاسم فيقبلونه منه ويأخذونه عنه، حتى انكشفت ذلك لأبي القاسم فأنكره وأعظمه ونهى بني بسطام عن كلامه وأمرهم بلعنه والبراءة منه فلم ينتهوا وأقاموا على توليه.

تمويه الشلمغاني على العامة:

وذاك أنه كان يقول لهم: إنني أذعت السر وقد أخذ علي الكتمان فعوقبت بالإبعاد بعد الاختصاص لأن الأمر عظيم ﻻ يحتمله إلا ملك مقرب أو نبي مرسل أو مؤمن ممتحن، فيؤكد في نفوسهم عظم الأمر وجلالته.

فبلغ ذلك أبا القاسم رضي الله عنه فكتب إلى بني بسطام بلعنه والبراءة منه وممن تابعه على قوله، وأقام على توليه، فلما وصل إليهم أظهروه عليه فبكى بكاءً عظيماً ثم قال: إن لهذا القول باطناً عظيماً وهو أن اللعنة الإبعاد، فمعنى قوله: لعنه الله أي باعده الله عن العذاب والنار، والآن قد عرفت منزلتي ومرغ خديه على التراب وقال: عليكم بالكتمان لهذا الأمر.

قالت الكبيرة رضي الله عنها: وقد كنت أخبرت الشيخ أبا القاسم أن أم أبي جعفر بن بسطام قالت لي يوماً وقد دخلنا إليها فاستقبلتني وأعظمتني وزادت في إعظامي حتى انكبت علي رجلي تقبلها فأنكرت ذلك وقلت لها: مهلاً يا ستي [يعني: يا سيدتي] فإن هذا أمر عظيم، وانكببت على يدها فبكت.

قوله بالحلول:

ثم قالت: كيف ﻻ أفعل بك هذا وأنت مولاتي فاطمة؟ فقلت لها: وكيف ذاك يا ستي فقالت لي: إن الشيخ يعني أبا جعفر محمد بن علي [الشلمغاني] خرج إلينا بالستر قالت: فقلت لها: وما الستر؟ قالت قد أخذ علينا كتمانه وأفزع إن أنا أذعته عوقبت، قالت: وأعطيتها موثقاً أني ﻻ أكشفه لأحد واعتقدت في نفسي الاستثناء بالشيخ رضي الله عنه يعني أبا القاسم الحسين بن روح.

قالت: إن الشيخ أبا جعفر قال لنا: إن روح رسول الله (صلّى الله عليه وآله) انتقلت إلى أبيك يعني أبا جعفر محمد بن عثمان رضي الله عنه، وروح أمير المؤمنين علي (عليه السلام) انتقلت إلى بدن الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح، وروح مولاتنا فاطمة (عليها السلام) انتقلت إليك فكيف ﻻ أعظمك يا ستنا. فقلت لها: مهلاً ﻻ تفعلي فإن هذا كذب يا ستنا. فقالت لي: سر عظيم وقد أخذ علينا أن ﻻ نكشف هذا لأحد فالله الله في ﻻ يحل بي العذاب ويا ستي لولا حملتني على كشفه ما كشفته لك ولا لأحد غيرك.

قالت الكبيرة أم كلثوم رضي الله عنها: فلما انصرفت من عندها دخلت إلى الشيخ أبي القاسم ابن روح رضي الله عنه فأخبرته بالقصة وكان يثق بي ويركن إلى قولي فقال لي: يا بنية إياك أن تمضي إلى هذه المرأة بعد ما جرى منها، ولا تقبلي لها رقعة إن كاتبتك، ولا رسول إن أنفذته إليك، ولا تلقاها بعد قولها فهذا كفر بالله تعالى وإلحاد قد أحكمه هذا الرجل الملعون في قلوب هؤلاء القوم ليجعله طريقاً إلى أن يقول لهم: بأن الله تعالى اتحد به، وجل فيه، كما تقول النصارى في المسيح (عليه السلام) ويعدو إلى قول الحلاج لعنه الله.

قالت: فهجرت بني بسطام: وتركت المضي إليهم ولم أقبل لهم عذراً ولا لقيت أمهم بعدها، وشاع في بني نوبخت الحديث فلم يبق أحد إلا وتقدم إليه الشيخ أبو القاسم وكاتبه بلعن أبي جعفر الشلمغاني والبراءة منه وممن يتولاه ورضي بقوله أو كلمه فضلاً عن موالاته.

ثم ظهر التوقيع من صاحب الزمان (عليه السلام) بلعن أبي جعفر محمد بن علي والبراءة منه وممن تابعه وشايعه ورضي بقوله، وأقام على توليه بعد المعرفة بهذا التوقيع.

سبب قتل الشلمغاني:

وله حكايات قبيحة وأمور فظيعة ينزه كتابنا عن ذكرها، ذكرها ابن نوح وغيره، وكان سبب قتله أنه لما أظهر لعنه أبو القاسم بن روح واشتهر أمره وتبرأ منه وأمر جميع الشيعة بذلك، لم يمكنه التلبيس، فقال في مجلس حافل فيه رؤساء الشيعة وكل يحكي عن الشيخ أبي القاسم لعنه والبراءة منه: اجمعوا بيني وبينه حتى آخذ يده ويأخذ يدي فإن لم تنزل عليه نار من السماء تحرقه وإلا فجميع ما قاله في حق ورقي ذلك إلى الراضي لأنه كان ذلك في دار ابن مقلة فأمر بالقبض عليه وقتله فقتل واستراحت الشيعة منه (غيبة الطوسي (قدس سره): ص244 وما بعدها). (أقول) وكانت له فتاوى فاسدة، ومذاهب باطلة ذكر بعضها الشيخ (قدس سره) في الغيبة، وذكر آخر منها غيره أيضاً ﻻ ضرورة لاستيعابها هنا.

7- محمد بن أحمد بن عثمان:

أبو بكر المعروف بالبغدادي، ابن أخي محمد بن عثمان العمري - النائب الثاني لصاحب الأمر (عليه السلام) - وحفيد عثمان بن سعيد العمري - النائب الأول -.

وأمره في قلة العلم والمروة أشهر من أن يذكر (غيبة الطوسي (قدس سره): ص256).

وكان معروفاً لدى عمه أبي جعفر العمري بالانحراف، ولم يكن معروفاً لدى البعض الآخر من أصحابه.

ومن هنا كان جماعة من الأصحاب الموالين في مجلس العمري (رضي الله عنه) وهم يتذاكرون شيئاً من روايات الأئمة (عليهم السلام)، فأقبل عليهم أبو بكر محمد بن أحمد بن عثمان أبن أخيه، فلما بصر به أبو جعفر رضي الله عنه قال للجماعة مشيراً إليه: أمسكوه فإن هذا الجاني ليس من أصحابكم.

أدعى السفارة، وكان له أصحاب منهم (أبو دلف محمد بن المظفر الكاتب) وكان في ابتداء أمره مخمساً - [جاء في هامش (الغيبة) - 256: المخمسة من الغلاة يقولون: أن الخمسة سلمان وأبا ذر والمقداد وعمار وعمرو بن أمية العمري هم الموكلون بمصالح العالم من قبل الرب. (ولكن) في الملل والنحل - للشهرستاني: ج2 ص13 هكذا: (هم فرقة من الغلاة يقولون بألوهية أصحاب الكساء الخمسة محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين (صلى الله عليه وعليهم أجمعين) بأنهم نور واحد، والروح حالة فيهم بالسوية ﻻ فضل لواحد على الآخر)] - مشهوراً بذلك، لأنه كان تربية الكرخيين وتلميذهم وصنيعتهم، وكان الكرخيون مخمسة ﻻ يشك في ذلك أحد من الشيعة، وقد كان أبو دلف يقول ذلك ويعترف به ويقول: نقلني سيدنا الشيخ الصالح قدس الله روحه ونور ضريحه عن مذهب أبي جعفر الكرخي إلى المذهب الصحيح - يعني أبا بكر البغدادي - [الغيبة: ص255] وسنذكر أبا دلف مستقلاً.

قال الراوي: فلما دخل [أي أبا بكر البغدادي] قام إليه أبو دلف الكاتب وعدل عن الطائفة وأوصى إليه. لم نشك أنه على مذهبه فلعناه وبرئنا منه لأن عندنا أن كل من أدعى الأمر بعد السحري فهو كافر منمس ضال مضل (الغيبة: ص255).

وكان أبو دلف هذا يدافع عن أبي بكر البغدادي ويفضله على أبي القاسم بن روح وعلى غيره.

فلما قيل له في وجه ذلك قال: لأن أبا جعفر محمد بن عثمان قدم اسمه على اسمه في وصيته، فقلت له: فالمنصور أفضل من مولانا أبي الحسن موسى (عليه السلام).

قال: وكيف؟

قلت: لأن الصادق (عليه السلام) قد أسماه على اسمه في الوصية.

فقال لي: أنت تعصب على سيدنا ومولانا وتعاديه؟.

فقلت: والخلق كلهم تعادي أبا بكر البغدادي وتتعصب عليه غيرك وحدك وكدنا نتفاءل ونأخذ بالأزياق.

8 و9 - الباقطاني وإسحاق الأحمر:

أخرج العلامة المجلسي في البحار (الطبعة القديمة: ج13 ص79) عن أبي جعفر الطبرسي بإسناد مرفوع عن أحمد الدينوري أنه حمل معه ستة عشر ألف دينار لصاحب الأمر (عليه السلام) وجاء إلى بغداد وبحث عمن أشير إليه بالنيابة، فقيل له: إن هاهنا رجلاً يعرف بالباقطاني، يدعي النيابة، وآخر معروف بإسحاق الأحمر يدعي النيابة، وآخر يعرف بأبي جعفر العمري يدعي النيابة.

قال فبدأت بالباقطاني وصرت إليه فوجدته شيخاً مهيباً له مروءة ظاهرة وفرس عربي... إلى أن قال فلما لم يأت بحجة فصرت إلى إسحاق الأحمر.. فلم يأت بحجة [تدل على أنه نائب صاحب الأمر عليه السلام].

قال! وصرت إلى أبي جعفر العمري... الخ (قد نقلنا تفصيل هذا الحديث في المقدمة فلا نكرره).

ويظهر من هذا النقل أن الباقطاني والأحمر كانا قد ادعيا النيابة في أوائل الغيبة الصغرى حيث لم تكن الشيعة بعد تعرف النواب الحقيقيين.

كما يظهر منه - أي من تفصيله الذي مر في (المقدمة) - أنهما كانا يزيدان على أنفسهما بالفخفخة، ليموها على السذج والبسطاء الأمر، لكي يعيشا من هذا السبيل.

10- أبو دلف الكاتب:

واسمه محمد بن المظفر، كان قد آمن بأبي بكر البغدادي - كما مر - ثم عند موته أوصى أبو بكر البغدادي إليه بالنيابة، وأصبح أبو دلف يدعي السفارة عن صاحب الأمر بعد وفاة (السمري) - آخر النواب الأربعة - رغم صدور التوقيع الرفيع بوقوع الغيبة الكبرى، وانقطاع السفارة الخاصة.

وكان أبو دلف هذا معروفاً بالإلحاد.

فقد أخرج الأردبيلي في رجاله قال:

(أبو دلف المجنون، روى الشيخ الطوسي عن المفيد محمد بن محمد بن النعمان عن أبي الحسن عن بلال المهلبي قال: سمعت أبا القاسم جعفر بن محمد بن قولويه يقول: أما أبو دلف الكاتب - لا حاطه الله - فكنا نعرفه ملحداً ثم أظهر الغلو، ثم صار مفوضاً وما عرفناه قط إذا حضر في مشهد إلا استخف به ولا عرفته الشيعة إلا مديدة يسيرة والجماعة تبرأ منه وممن يتنمس به... الخ) (جامع الرواة ج2 ص469).

وقد مضى بعض ما يرتبط به في الحديث عن أبي بكر البغدادي.

124- سفينة البحار: الشيخ عباس القمي، ج2 ص249: الشيخ الأجل علي بن محمد السمري رضي الله أبو الحسن، قام بأمر النيابة، بعد الحسين بن روح رضي الله عنه، ومضى في النصف من شعبان سنة 329هـ.

وفي الاحتجاج للطبرسي ج2 ص297:

فلما حان سفر أبي السمري من الدنيا، وقرب أجله قيل له إلى من توصي؟ فأخرج إليهم توقيعاً نسخته:

125- كان لابد من تكذيب مدعي المشاهدة في الغيبة الكبرى، حتى ﻻ يأتي كل يوم إلى الشيعة من يدعي المشاهدة لتمرير مأرب أو تزوير حقيقة. وهذا هو الأصل، وغيره استثناء، فلا ينافيه صدق من ادعى المشاهدة ممن ﻻ ترقى إليه الشبهات كالصدوق والمقدس الأردبيلي وبحر العلوم كما أن الرؤيا ليست بحجة ولا تنافيه كثرة الرؤيا الصادقة (ولعل) المقصود ادعاء المشاهدة كالنواب الأربعة: المشاهدة الدائمة والاتصال المستمر.

مضافاً إلى أن النظام - شرعاً وقانوناُ - ﻻ يمكن أن يستند إلا إلى أدلة معترف بها لدى الرأي العام، ﻻ إلى دعاوى فردية قابلة للتشكيك وإن تطابقت مع الواقع في كثير من الأحيان، كالجفر والتنجيم والتحضير والتنويم المغناطيسي، ومن هذا النوع دعوى المشاهدة في الغيبة الكبرى.

126- الاحتجاج: أبو منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي: ج2ص 281 - 284: عن محمد بن يعقوب الكليني عن إسحاق بن يعقوب قال: سألت محمد بن عثمان العمري رحمه الله أن يوصل لي كتاباً قد سألت فيه عن مسائل أشكلت علي فورد التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان (عجل الله فرجه):.....

127- ربما كانت هذه الرسالة الجوابية مفتتحة بمقدمة حذفت في النقل، فعادة الأئمة (عليه السلام) افتتاح رسائلهم ببسم الله والحمد وربما الصلاة على النبي وآله.

128- جعفر هو شقيق الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) وقد ادعى الإمامة بعد أخيه العسكري، فخرج التوقيع بتكذيبه فلقب بالكذاب، ثم تاب فخرج بحقه هذا النص في هذا التوقيع فلقب بالتواب، وأما ولد جعفر فكانوا مع أبيهم في دعوته وتوبته، فكانوا معه في زلته وعودته. والجدير بالذكر أنه كان لجعفر من صلبه مائة وعشرون ولداً ما عدا الإناث.

129- الفقاع: شراب يتخذ من الشعير أو من الأثمار، سمي به لما يعلوه من الزبد ويسمى (بيرة ). وهو محرم أسكر أو لم يسكر. والشلحاب أو الشلماب هو ماء الشلجم كما قيل يطبخ ويعصر وهو ليس بمسكر وليس بحرام.

130- غريزة التملك من الغرائز التي ورثها الإنسان من الأرض.

وهذه الغريزة تدفعه إلى أن يحوز أكبر قدر ممكن من الأرض وما فيها وما عليها وتشعره بأن كل ما حازه فهو ملك له.

وجاءت الإشعارات المتتابعة في القرآن الكريم والسنة تقول له: أيها الإنسان! أنت لست سيداً قائماً بذاته وإنما أنت عبد من عباد الله لا تملك لنفسك نفعاً ولا ضراً ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً. وكل ما تمثله من أعضاء وخلايا وطاقات ومشاعر فهي ليست لك ولا استحصلت عليها بكد يمينك، وإنما هي من ممتلكات الله، وقد وظفك بإدارتها وفق برنامج معين. والأرض وما تمثل ليست كتلة ضائعة انفلتت من محيط ما لكها حتى تحاول استملاكها بالحيازة:

(قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون سيقولون لله أفلا تذكرون) سورة المؤمنون، آية 84 .

(قل لمن ما في السماوات والأرض قل لله كتب على نفسه الرحمة ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه الذين خسروا أنفسهم فهم ﻻ يؤمنون) سورة الأنعام، آية 12.

وبقي الإنسان يظن أنه سيد مستقل، وأن ما استولى عليه فهو ملك له. وإذا تنازل عن شيء من اعتباراته أو مما استولى عليه فقد أعطي ما هو حر التصرف فيه، فله المنّ والفضل بما أعطى.

***

فلما هاجر الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) واستولى على السلطة في المدينة المنورة وجعل الناس يدخلون في دين الله قناعة أو طمعاً، بدأت غريزة التملك تتفاعل فيهم، وأخذوا يمنون على رسول الله تخليهم عن عبادة الأصنام، رغم أن إيمان بعضهم كان إيماناً مصلحياً - ولعل المصلحين هم الذين كانوا يمنون على رسول الله إسلامهم - فأنزل الله فيهم: (يمنون عليك أن أسلموا قل ﻻ تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين) سورة الحجرات، آية 17.

وغريزة التملك تحركت بشكل صارخ مع فرض الضرائب في الإسلام، فبدأ بعض الذين أظهروا الإسلام يتكلمون وكأن الإسلام لم ينزل من السماء إلا لنهب أموالهم، رغم تأكيد القرآن على أن الزكاة لأصناف منهم ﻻ للرسول وآله، وأن الخمس لله قبل أن يكون لغيره. ثم شن الرسول والأئمة (عليهم السلام) حملة توعية واسعة النطاق لإقناع المسلمين بأن الضرائب في الإسلام من جملة الفرائض السماوية التي لابد من الالتزام بها كدين، ولكنها لم تستوعب الذهنية العامة، فبقي الكثيرون ولا زالوا يتهربون أو يتأففون من دفعها.

***

والإمام المهدي يواصل - من خلال هذا التوقيع - حملة التوعية تلك، ويركز على ثلاث حقائق:

الأولى: أن الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) لم يكونوا بحاجة شخصية إلى الأخماس والزكوات، لأنهم - على خلاف القادة الزمنيين والروحيين - كانوا يعملون ويسترزقون من ريع أعمالهم، حتى أن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) كان يعمل منذ العاشرة من عمره الشريف حتى استشهد في محراب العبادة، ولم تقطعه مهام الخلافة الإسلامية عن العمل اليدوي. وهكذا كان أكثر الأئمة الطاهرين الذين ربوا الجيل الإسلامي المثالي على الأعمال اليدوية، وعدم الاسترزاق من بيت مال المسلمين. مضافاً إلى التقشف المتناهي الذي كان يعتصر كل نفقاتهم من جميع الجهات.

والإمام المهدي لم تكن له نفقات شخصية تذكر وخاصة بعد غيبته في بطون الأودية وقمم الجبال. فهم - وهو بصورة خاصة - في غني عن الضرائب الإسلامية، وقد لمح الإمام المهدي إلى هذه الحقيقة بقوله: (وما أتانا الله خير مما آتاكم).

الثانية: أن الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) لم يمارسوا الضغوط لجباية الضرائب - خاصة بعد ابتعادهم عن السلطة - كل ما في الأمر أنهم أمروا بدفعها تبليغاً لأحكام الشريعة.

على أن الإمام المهدي - بصورة أخص - لم يكن في أي يوم من أيام حياته في وضع يساعد على جباية الأموال.

مضافاً إلى أن انقطاعه عن ممارسة المهام السياسية والاجتماعية بالغيبة الكبرى، ساعد على انصرافه حتى عن التشجيع على دفع الضرائب المالية.

وقد صرح بهذه الحقيقة قائلاً: (فمن شاء فليصل، ومن شاء فليقطع).

الثالثة: مترتبة على الحقيقتين السابقتين وهي أن الأئمة طالما ﻻ يحتاجون إلى الضرائب المالية، وطالما ﻻ يمارسون الضغوط لاستيفائها، فلا يبقى دافع إلى قبولها إلا لتطهير الناس مما عليهم من أموال إن لم يقبلوها دخلت في النطف فخبثتها، وفي المعاملات والعبادات فأفسدتها.

وقد أعلن الإمام المهدي هذه الحقيقة بقوة ووضوح في قوله: (وأما أموالكم فلا نقبلها إلا لتطهروا).

***

وبما أن أكثر الناس حتى اليوم ﻻ يدفعون الضرائب الإسلامية، أو يدفعون بعضاً منها تحت طائلة الوعيد بعذاب الله، أو بتأثيرات شخصية، ربما أصبح من المناسب أن ننوه إلى بعض فوائدها بصورة مقتضبة، رغم أنها ليست وثيقة الصلة بموضوع التوقيع، ونلخصها كما يلي:

1: الفوائد العبادية.

أ: تنمية علاقة الفرد بالله، ومنع حيلولة المال بين الفرد وربه، لأن دفع الضرائب الإسلامية - في حد ذاته - عمل عبادي. والزكاة - التي تشمل سائر الفرائض المالية إذا لم تقابل بالخمس أو بغيره كما هو الحال في أكثر الآيات والروايات التي شفعت الصلاة بالزكاة - من أهم العبادات.

فليس من باب الصدقة اقتران الصلاة بالزكاة في ست وعشرين آية من القرآن.

وليس من باب الصدقة حشر الزكاة في جملة من العقائد والفرائض الأساسية - كشرط للهداية وعمارة المساجد - في قوله تعالى: (إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين) سورة التوبة، آية 18.

ب: توظيف المال في سبيل تسرية المعنى العبادي إلى مختلف نشاطات الفرد، لأن المال طاقة من الطاقات التي وضعها الله تحت تصرف الإنسان لامتحانه بها، فإذا تصرف فيه وفق إرادة الله كان كسبه عبادة واستثماره عبادة واستهلاكه عبادة، وإذا تصرف فيه خلاف إرادة الله كان كسبه حراماً واستثماره حراماُ واستهلاكه حراماً. والالتزام بتحريك المال وفق إرادة الله يطلق المفهوم العبادي من رحاب المسجد إلى الحقل والسوق والمعمل. ومتى تعوّد الفرد على العبادة في نشاطه الاقتصادي سهل عليه التسربل بالعبادة في سائر نشاطاته.

ج: تصعيد الشعور بدور الدنيا من الفكرة إلى الممارسة، لأن الدنيا حلقة في سلسلة العوالم التمهيدية التي يمر بها الإنسان لاستكمال دورته التكاملية، أو كما في الحديث: (الدنيا مزرعة الآخرة) ولا يمكن توجيه الدنيا إلى هدفها إلا باستخدامها في سبيل الآخرة، ﻻ في سبيل تورط أكثر في الدنيا ذاتها، ولا يقبل الإنسان على الاستزادة من شيء إلا ويزداد جشعاً إليه، فإذا أقبل على المعنى زاده جشعاً وإذا أقبل على المادة زادته جشعاً، أوَ ليس في الحديث: (منهومان ﻻ يشبعان: طالب علم وطالب مال)؟

والمال مظهر للدنيا، فإذا استعلى على المعنى استبدت بالإنسان وإذا تذلل للمعنى خضعت للإنسان، وأخذت حجمها في خدمة الآخرة.

د: تجنيب الحرام، لأن الكلمات المستخدمة في النصوص القرآنية والروائية تدل على أن الخمس والزكاة يتعلقان بالأعيان، فمقدارهما خارج عن ملك الفرد، فإذا بقي في أموال الناس دخل في النطف فخبثها وفي العبادات والمعاملات فأفسدها، إن لم يكن في ظاهر الشريعة ففي واقع الأمر.

2- الفوائد النفسية:

أ: تنقية الأجواء من عبادة المال، لأن الناس بمقتضى تركيبتهم الخاصة يحتاجون إلى أشياء معينة، فإذا توفرت انصرفت اهتماماتهم عنها، وإذا ندرت تمحورت اهتماماتهم حولها. كالماء، ﻻ يلفت انتباه أحد مادام ينساب في كل مكان، ولا يشح إلا ويتقاتل الناس عليه. كالهواء، ﻻ يتشاحن عليه الناس مادام مشاعاً، فإذا تم احتكاره - كما يحدث في الزنزانات التي لها نافذة واحدة ضيقة - انقلب أعز ما يتشاحن الناس عليه. هكذا المال ﻻ يستقطب ما دامت السيولة، فإذا عز التداول قل من يعبد سواه، فيتعبد الفقراء حاجة إليه، والأغنياء استغراقاً فيه.

والضرائب الإسلامية تفرض على المال - في جميع الحالات - نوعاً من السيولة تنزله عن مقام الربوبية.

ب: تسييد القيم على المال وإخضاعها لإرادته، لأن الحياة مركبة من قوى معنوية ومظاهر مادية، فهو عنصر صالح يساعد على عملية الحياة مادام ملتزماً بإرادة القوى المعنوية، وإذا تمرد عليها أصبح عنصراً نشازاً يفسد ويدمر.

والمال ﻻ يخضع للقوى المعنوية إلا من خلال التزام صاحبه بتوظيفه في تنشيط حركة الحياة كسباً واستثماراً واستهلاكاً - فإذا تمرد صاحبه على فرائضه أصبح - هو الآخر - عنصراً نشازاً يفسد ويدمر.

ج: تعميق الشعور بدور المال، لأن المال من جملة المواد التي يستخدمها الإنسان في مصالحه، تماماً كالطعام والشراب والهواء... فهي ضرورات لاستمرار عافيته، مادام يستفيد منها بمقدار حاجته، فإذا استزاد منها انقلبت مضرات تسلب منه عافيته. هكذا المال ضرورة حياتية مادام بمقدار تأمين حاجات الفرد، فإذا زاد أرهق صاحبه، وسلب منه نشاطه في بقية حالات الحياة.

د: توسيع نفسية الفرد الغني، لأن نفس الإنسان قابلة للامتداد بلا حدود - بخلاف جسمه الذي ﻻ يتحمل الامتداد إلا ضمن حدود ضيقة جداً - ويتم تقليص أو توسيع نفسية الفرد باهتماماته وممارساته، فمن كانت اهتماماته أو ممارساته منكفئة على ذاته تتقوقع نفسيته في حدود شخصه، ومن تنطلق اهتماماته وممارساته في آفاق المجتمع تتسع نفسيته بمقدار من يحتضن من أفراد، ولذلك يوجد فرد يمثل نفسه إلى جانب فرد يمثل مليون شخص أو ملايين الأشخاص.

والضرائب الإسلامية - الواجبة منها والمستحبة - تحاول إخراج الفرد الغني من قوقعته الشخصية، إلى الدائرة الاجتماعية.

3: الفوائد الاجتماعية:

أ: تحليل عقد الحقد والكراهية المتجاوبة بين الطبقة الفقيرة والطبقة الغنية، فالأولى ترى أن الثانية تمتص ثروات المجتمع - بوسائلها المختلفة - بينما هي تعاني من أجل اليسير منها. والثانية ترى أنها بالكد والجهد استطاعت أن تجمع ما لديها، وأن الأولى تريد الاستئثار بما لم تجهد في سبيله، فتتبادل الحقد والكراهية.

وتأتي الضرائب الإسلامية، لتشرك الطبقة الفقيرة مع الطبقة الغنية - ولو بقسط معين ولكنه يكفي لإنقاذ الأولى من المعاناة - بدون أي جهد، ولتشعر الثانية بأن الله الذي وهب لها ما لديها هو الذي يطالبها بهذا الحق وسيعوضها بخير منه في الآخرة، وربما في الدنيا - أيضاً -.

ب: تعميم فكرة وحدة المجتمع، لأن كل فرد يرى نفسه وحدة متكاملة، وينطلق من هذا الموقع لتقييم كل شيء وكل فرد، فكل ماله فهو فضيل وكل ما عليه فهو سيئ، ويزداد تمسك الفرد باستقلالية نتيجة الصدمات التي يتلقاها في سبيل فرض استقلاليته على الآخرين.

والضرائب الإسلامية، تفرض على الغني الشعور بالمسؤولية الاجتماعية، كما تفرض على الفقير الشعور بالأخوة الاجتماعية، وتجمع الجانبين تحت شعور مشترك بأن استقلالية الفرد ﻻ تنافي وحدة المجتمع، التي تجعل كل فرد مسؤولاً عن المجتمع بمقدار مسؤوليته عن نفسه، فلابد له من الاهتمام بالغير كالاهتمام بالنفس.

4: الفوائد السياسية:

أ: تخفيف حدة التوتر بين الطبقات التي تتراوح بين طبقة مدقعة، وطبقة ﻻ تحصي أموالها إلا بالعقول الآلية. هذا التوتر المخيف الذي أدى في كل مراحل التاريخ إلى صراع مرير، وقسم العالم أخيراً إلى كتلتين متنافستين على تقرير مصير العالم.

فالضرائب الإسلامية تؤمن الحاجات الضرورية للطبقة الفقيرة، وتحد من تصاعد ثروة الطبقة الغنية بأرقام فلكية، فتحاول التقريب بينهما مع الاحتفاظ بالوازع الداخلي لتأمين الحد الأقصى من الإنتاج.

ب: تأمين المصالح العامة، لأن الأفراد يتكلفون بالمصالح الخاصة وليس باستطاعتهم القيام بالمصالح العامة، لأن الأفراد يتكلفون بالمصالح الخاصة وليس باستطاعتهم القيام بالمصالح العامة، لأن تقديرها يحتاج إلى سلطة ذات سيادة، وتنفيذها تحتاج إلى ثروات ﻻ ينالها الفرد مهما بلغ، فلابد أن تكفل بها الدولة. ولا تؤمن ميزانية الدول - في الغالب - إلا من الموارد العامة - كالمعدن العدو هو الذي ﻻ ينضب - ومن الضرائب. وطالما أن الموارد العامة تختلف من أرض إلى أرض، فالوارد الثابت الذي يمكن أن يكون سنة تستند إليه حكومات العالم هو الضرائب.

وجميع حكومات الدنيا تجبي الضرائب، ولكنها تتراوح بين إفراط وتفريط، فيما الضرائب الإسلامية تأخذ بالحد المعقول بين المصالح العامة وجهود التجار.

ج: تأمين الحد الأدنى من العدالة في توزيع الثروة. لأن المال ﻻ يلمس حركة السوق إلا ويتوتر في مجمعات متبعثرة كقزع الخريف، فطبيعته كالرمال السائبة تمتصها الزوابع من مناطق النفوذ لتوزعها شحنة هنا وأكمة هناك، فتنحر عن جانب حتى المحل وتتكدس في جانب كالثلوج في القطبين.

والضرائب الإسلامية تعالج الفقر والتضخم فيوقت واحد، لكي ﻻ تبقى حاجات معطلة حتى الموت ولا بنوك متخمة حتى الانفجار. ويؤدي إلى إيجاد - ما يسمى - بمجتمع البورجوازية الصغيرة.

131- إن موعد ظهور الإمام المهدي من القضايا التي أراد الله إخفاءها عن الرأي العام كموعد القيامة، وكموعد وفاة كل فرد، وإن كان أولياء الله المعصومون يعرفونها إلا أنهم أخفوها عن الرأي العام. عسى أن يتهيأ لها الناس في كل وقت وحال، ولا يتناساها من هو بعيد عنها.

فكل من يحدد موعد ظهور الإمام المهدي فهو كذاب وإن صادف الواقع، لأنه ﻻ يصدر عن مصدر الوحي، وما عداه معرض للخطأ، أو للبداء - في أفضل الحالات - مضافاً إلى أنه حديث فيما لم يأذن الله به.

132- كفر، لأن الكفر هو الستر، وإنكار قتل الحسين (عليه السلام) ستر لحقيقة ثابتة. وتكذيب لكل الصادقين الذين أخبروا بشهادته قبلها أو بعدها، وضلال يساوي التصدي للوقائع المحسوسة، وهو المدخل الطبيعي إلى السفسطة التي تخبط المحسوسات والمعقولات كافة.

ويلاحظ التشديد في لهجة الإمام المهدي وهو يشجب إنكار قتل الإمام الحسين (عليه السلام) أكثر مما يتوقع منه لرفض فكرة ظاهرة البطلان. ولكننا لو تتبعنا اتجاهات القرنين الثاني والثالث بعد الهجرة نجد مثل هذا التشديد في محله.

ففي تلك الفترة - التي كانت تودع العهد الأموي وتستقبل العهد العباسي - انتشرت فكرة تقول: بأن الأئمة ملائكة. وقد غذت هذه الفكرة أربعة تيارات:

الأول: تيار المتطرفين الشيعة، الذين غالوا في أهل البيت كرد فعل طبيعي على تطرف السلطتين الأموية والعباسية ضد أهل البيت وشيعتهم.

الثاني: تيار فلاسفة السلاطين الذين وجدوا في مقاتل أهل البيت على أيدي الأمويين والعباسيين إدانة تهيج بهم من الأعماق.

الثالث: تيار الدخلاء الذين رأوا تعاظم المد الإسلامي، فحاولوا ركوب الموج والدس فيه من منطلقاته الأساسية، تشويهاً لوهج الإسلام وطمسه في المتاهات.

الرابع: تيار أصحاب العقول السطحية الذين ﻻ يستوعبون البشر إلا من خلال نماذجه العادية المتكررة. فبينما هم مأخوذون بعظمة أهل البيت فاجأتهم مآسيهم - بتلك الفظاعة التي هزت أعداءهم وأنصارهم على حد سواء - فحاولوا الهروب من وطأة الفزع ولو عن طريق إنكار أصل المأساة.

ورغم اختلاف الدواعي إلى ظهور هذه الفكرة وبراءة بعضها، بقيت الفكرة ذات خطورة قصوى تتبلور في سلبيات عديدة لعل من أهمها:

الأولى: مصادرة أغنى ثروات الإسلام، وهي الثروة العاطفية التي تفتح الطريق إلى القلوب قبل أن يتمكن الفكر من العقول.

الثانية: تعطيل دور أهل البيت كـ(أسوة) وإعفاء الناس من الاقتداء بهم، باعتبارهم ملائكة يتحملون ما ﻻ يتحمله البشر.

الثالثة: تجريح أنسابهم، وإثارة الضباب حول المنتمين إليهم، ومن ثم خطف الأدوار منهم باعتبارهم الامتداد الطبيعي لأهل البيت وعليهم أن يتعمقوا بأهل البيت في كل اتجاه.

الرابعة: تحويل أهل البيت الذين هم من أقوى قادة الفكر في الحياة إلى أشباح ضبابية يسهل التشكيك في كل شيء من سيرهم وأصحابهم ورواة أحاديثهم.

من هنا كان تشديد الأئمة - الذين عاصروا انتشار هذه الفكرة - على شجبها وتأنيب المتعاملين بهذه، دفاعاً عن الحق، وصيانة للكفر الإسلامي من التذبذب، كما لاحظنا في لهجة الإمام المهدي من خلال هذه الكلمات: (كفر وتكذيب وضلال).

133- إن مفهوم القيادة لدى كل فئة منتزع من عقيدتها الفلسفية، وهذا المفهوم - في الإسلام - منتزع من عقيدة التوحيد، التي تؤمن بأن الله وحده هو مصدر الكون والإنسان. ومصدر السلطة الحقيقي هو القائد الحقيقي، وبما أن الله هو المصدر الحقيقي لكل السلطات الكونية والشرعية فمن الطبيعي أن تتجه إليه المفاهيم القيادية عفوياً، فهو القائد الذي ﻻ يمكن أن يطال. ومن ثم تكون القيادة للرسول - كل رسول في زمانه - بتخويل من الله. ومن بعد خاتم النبيين (صلى الله عليه وآله) انتقلت القيادة العامة إلى أوصيائه الذين نص عليهم بأسمائهم ومواصفاتهم.

وكانت القيادة مركزية في عهود جميع الرسل، فكل رسول - في زمانه - هو القائد الوحيد الذي ﻻ ينازع، وبقيت القيادة مركزية في عهود الأئمة الاثني عشر، وكان الإمام المهدي هو القائد الوحيد قبل أن يغيب فلما حانت غيبته الكبرى أصدر هذا التوقيع المذكور أعلاه، فأرجع فيه الناس إلى الفقهاء المراجع، وكان إعلاناً منه عن (ﻻ مركزية القيادة) انسجاماً مع متغيرات مرحلة الغيبة الكبرى التي تتاح فيها للقوى المختلفة أن تتصارع فيها بلا حجة ظاهرة، تماماً كمرحلة الجاهلية.

فكل فقيه توفرت فيه شرائط معينة يجوز اتباعه (تقليده) في أمور الدين، باعتباره (نائباً عاماً) عن الإمام المهدي، ويعتمد فتواه، باعتباره (حكم الله في حقه وحق مقلديه).

134- محمد بن عثمان العمري، هو الثاني من (النواب الأربعة) الذي اعتمدهم الإمام المهدي في غيبته الصغرى.

135- أبو الخطاب الأجدع، من الذين ادعوا النيابة عن الإمام المهدي في الغيبة كذباً، فخرج (التوقيع) لتعريتهم.

136- قد يفسر (المتلبسون بأموالنا) بالمانعين من الخمس. ولكن قد يفهم من فصل موضوع الخمس بـ(أما): إن المقصود من (أموالنا) هي الأموال الخاصة التي تركها الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) حين وفاته، ولم يأخذها الإمام المهدي معه إلى مغيبه أو الأعم منها ومن النذورات والوقوف والهدايا التي كثرت في تلك الفترة، فيكون (المتلبسون) بها هم الذين استولوا عليها من أعوان الخليفة العباسي أو جعفر التواب وأنصاره.

137- حمل الفقهاء هذا النص على المناكح من الغنائم كما حملوا الأحاديث الدالة على إباحة الخمس على المناكح والمساكن والمتاجر. ولكن يمكن أن يقال: مبدئياً الخمس للإمام عونه على دينه، يرمم به الثغرات ويلملم به الفرط من ذرية رسول الله (صلّى الله عليه وآله). ويكون الخمس للإمام باعتباره المسؤول الأعلى عن الشؤون الدينية وولي ذرية رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فلو لم يدفع أو تصرف فيه غيره دخل في النطف فخبثها، وفي المعاملات فأفسدها.

وفي غيبة الإمام المهدي حيث عجز الناس عن إيصال الخمس إليه أباحه لشيعته ولو ضمن مقاييس، منها التصرف فيه بتوجيه الفقهاء المراجع باعتبارهم متخصصين في مصالح الشيعة.

تماماً كما لو أباح غني ثروته لأقربائه بوضعها تحت تصرف كبارهم لصرفها في مصالح صغارهم، حتى ﻻ يعرض للضياع، فيكون من قبيل إباحة الحق ﻻ إباحة العين.

138- سورة المائدة، آية 101.

139- لابد من الاعتراف بأننا ﻻ نعرف السبب الحقيقي للغيبة، ربما لأن العقل البشري في هذه المرحلة - غير مؤهل لاستيعابه، وإعلانه يؤدي إلى مضاعفات سلبية، كما أنه غير مؤهل لهضم أكثر الوقائع اليومية، ولذلك يحوص السياسيون في العالم كله على كتمان أكثر التطورات الحساسة عن الشعوب، إلا بعد أن تفقد وطئتها فتذكر كقصص قديمة في المذكرات.

ولقد مرت بالبشر - فيما نعرف - فترتان احتجبت فيهما عنه مصادر الوحي، الأولى فترة الجاهلية بين عيسى ابن مريم والنبي الأكرم (عليهما السلام)، والثانية فترة الغيبة الكبرى. وفي الفترة الأولى كان عدد من أنبياء الله موجودين كالخضر وإلياس وبعض أوصياء عيسى ابن مريم، ولكن عمدة ولايتهم انحصرت في الجانب التكويني، وفي فترة الغيبة الكبرى، يوجد الإمام المهدي إلى جانب الخضر وإلياس، ولكن معظم ولايته - أيضاً - منحصرة في الجانب التكويني.

ربما لأن العناصر البشرية التي ترسل إلى الحياة الدنيا في هاتين الفترتين دون الحد الأدنى لمعاشرة المعصومين.

وربما لأن الزمان فاسد. والزمان شيء كالمكان بفارق أن فاعلية الزمان أكثر، وإن كان أكثر الناس ﻻ يفهمون الزمان.

وربما لأن الله أراد لوليه المدخر لتطهير الأرض أن يبقى خارجاً على أنظمة الطواغيت. وهذا ما صرح به الإمام المهدي، ولعله من جملة الأسباب للغيبة الكبرى، ولكنه ليس السبب الأساس فالغيبة أهم من ذلك، بل هي أهم من (فترة الرسل) التي سبقت الإسلام، لأنها أطول وأعمق، ولعلها أشمل إذ ربما كان - في تلك الفترة - في بعض قارات الدنيا أنبياء محليون. بينما ﻻ يوجد في فترة الغيبة نبي ولا وصي غير الإمام المهدي وهو غائب ﻻ يظهر حتى يأذن الله له.

140- هذا النص يرمز إلى الولاية الكونية، وإذا أردنا التوسع في هذا المجال نستطيع القول: أن الأنبياء والأوصياء مصنفون إلى ثلاثة أصناف:

الأول: أصحاب الولاية الشرعية، ولعله كان منهم يونس وشعيب ولوط وذا الكفل واليسع وأمثالهم من النبيين الذين خولهم الله صلاحية الوساطة الشرعية بين الله وعباده. فقد كانوا مرسلين إلى أقوامهم يبشرون بشرائع الله، شأن الفقهاء في الإسلام الذين تقتصر مهمتهم على بيان الأحكام الشرعية والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. بفارق أن الأنبياء يتلقون معارفهم من الله وحياً أو من وراء حجاب أو بواسطة ملك من الملائكة، والفقهاء يتلقون معارفهم من الله بواسطة النبي وأوصيائه.

الثاني: أصحاب الولاية الكونية، كالخضر وإلياس ويوشع بن نون وآصف بن برخيا، ونظرائهم الذين خولهم الله صلاحية الوساطة الكونية بين الله وخلقه ولعله اقتصرت مهمتهم على تنظيم الروابط الكونية تلقياً من الله وتفريغاً على الخلق.

ولقد كان إبراهيم الخليل رسولاً يتمتع بالولاية الشرعية قبل أن يمتحنه الله في نفسه وماله وأهله، فلما نجح في الامتحانات الثلاثة خوله الولاية الكونية، وسجله قرآنا للأجيال التي تليه: (وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماماً قال ومن ذريتي قال ﻻ ينال عهدي الظالمين) سورة البقرة، آية 124.

وكان موسى صاحب الخضر رسولاً يمتاز بالشريعة - باعتباره من الرسل - ولكنه لم يؤهل للولاية الكونية فلما وجد الخضر وقد آتاه الله الولاية الكونية أراد أن يتتلمذ عليه حتى يؤهله لها، غير أن الخضر لم يجد في صاحبه موسى قابلية الولايتين في أذهان الأجيال، وربما نرى ملامح هذه القصة متكاملة في سورة الكهف ابتداءً من قوله تعالى: (وإذ قال موسى لفتاه ﻻ أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقباً) آية 60 حتى نهاية آية 82.

الثالث: أصحاب الولايتين الشرعية والكونية كإبراهيم الخليل والنبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله) وربما كان في الرسل من يتمتع بالولايتين ولكن ﻻ أذكر دليلاً على ذلك.

وأما الأئمة الاثني عشر فإنهم من أصحاب الولاية الكونية إلى جانب الولاية الشرعية التي انتقلت إليهم من الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله) - وصاية ﻻ تأسيساً - والأدلة العقلية والنقلية على ذلك كثيرة يمكن تتبعها في مظانها.

***

والولي الكوني هو الذي ترمز إليه الأحاديث الواردة بمضامين تتفرغ في معنى واحد: (لو خليت قلبت)، (لو انقطعت الحجة لساخت الأرض بأهلها)، (أول من خلق الله الحجة وآخر من يموت الحجة) مشيرة أن الواسطة الكونية لم تنقطع ولن تنقطع مادامت الحياة على الأرض.

***

ويلاحظ أن أصحاب الولاية الشرعية كانوا مضطرين إلى معايشة الناس لأداء رسالاتهم، وأما أصحاب الولاية الكونية فقط فيفضلون العكوف عليها عن المجتمعات، كالخضر وإلياس ويوشع وآصف.

وعلى الإمام المهدي - باعتباره صاحب الولاية الكونية - أن ينهض بكل شؤونها، ولا تفترض عليه معايشة المجتمع وإن كان صاحب الولاية الشرعية، ولكن بما أنها استمرارية وليست تأسيسية خولها الفقهاء المراجع، واكتفى بالإشراف على سير الشريعة ولو من وراء الغيبة فيرشد ويحذر بأساليبه المعروفة في أوساط الفقهاء والمحدثين.

***

وقد عبر الإمام المهدي عن ولايته الكونية من خلال هذا النص - رغم اقتضابه - فهو يمارس ولايته الكونية وإن لم يعرفه الناس باسمه وشخصه، كما أن الشمس تدأب في تربية منظومتها حتى وإن حجتها قطع السحاب عن مناطق من الأرض أو من سائر كرات المنظومة.

141- هذا النص: (النجوم أمان لأهل السماء) ورد - بمناسبات عديدة - في مجموعة من الأحاديث، وكأنه من المسلمات الكونية لدى مصادر الوحي. ولكن العلم الحديث لم يبلغ - بعد - مستوى هذا النوع من الحقائق الكونية.

ونحن ﻻ ننتظر العلم إذا أعلن الوحي حقيقة كونية، لأن ثقتنا بالأنبياء أعمق منها بالعلماء ومتى سبق العلم الوحي أو جاراه؟

نستطيع أن نستخلص من مجموع ما يحضرنا من الأدلة ما يلي:

إن الخامات الأولية للكون عبارة عن موجات ضوئية متناهية القصر والسرعة، وهي تدأب في سيرها ملايين السنين الضوئية ثم تفقد تدريجاً فاعليتها فتتوتر وتنخثر، ومن ثم تتطور إلى ذرات متناهية الصغر وحادة الفاعلية يمكن تسميتها بـ(الذرات الكونية) وهذه الذرات المختلفة - باختلاف الموجات التي تطورات إليها - تفرز إلى ساخنة وباردة فالساخنة تلتقي مثيلاتها لتشكل النجوم، والباردة تلتقي مثيلاتها لتشكل الكواكب وفاعليات النجوم عديدة وما يرتبط بهذا الموضوع اثنتان:

الأولى: مغناطيستها، فالنجوم باعتبارها كتلاً ضخمة تمتاز بجاذبية هائلة تعادل دافعية الكواكب، فيمسك كل نجم بمجموعة من الكواكب في أبعاد متناسبة مع أحجامها، وهذه المغناطيسية تساهم في تنظيم المجرات ومن ثم في تثبيت النسبية العامة.

الثانية: حراريتها، فالنجوم باعتبارها كتلاً ملتهبة، تبعث إلى الكواكب طاقات حرارية تصونها من الانجماد وتؤهلها للحياة.

وهكذا تكون النجوم أماناً للخلائق التي تعيش على الكواكب من الانقراض.

وبما أن أصحاب الولاية الكونية، يؤدون دور الوساطة الكونية صح تشبههم بالنجوم في أنهم يقومون بدورهم للإبقاء على حياة الخلائق.

142- فمعرفة علة الغيبة ليست من الفرائض التي أمر الله بها، حتى يعاقب من لم يتكلف معرفتها. فمن كان في المستوى المناسب فليعرفها، ومن لم يكن في المستوى المناسب ﻻ يفترض عليه تكلفها.

143- هذه الجملة تحتمل تفسيرين:

الأول: إن في مجرد الدعاء بتعجيل الفرج، فرجاً للداعين.

الثاني: إن في فرج الإمام المهدي فرجاً لأوليائه.

144- من وجوه الشيعة، ومن المختصين بالناحية المقدسة.

145- الاحتجاج، أبو منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي ج2ص 279 - 280: عن سعد بن عبد الله الاشعري، عن الشيخ الصدوق، أحمد بن إسحاق بن سعد الأشعري (رحمه الله): أنه جاء بعض أصحابنا يعلمه أن جعفر بن علي كتب إليه كتاباً يعرفه نفسه، ويعلمه أنه القيم بعد أخيه، وإن عنده من علم الحلال والحرام ما يحتاج إليه، وغير ذلك من العلوم كلها.

قال أحمد بن إسحاق: فلما قرأت الكتاب إلى صاحب الزمان (عليه السلام) وصيرت كتاب جعفر في درجة، فخرج إلى الجواب في ذلك:...

146- درج الشيء في الشيء: أدخله فيه، وضمنه إياه.

147- وهذا النص يدل على مدى اهتمام الإمام عجل الله فرجه بأوضاع شيعته، حتى يهيب بأحدهم أن ﻻ تكون في رسالته أخطاء.

148- إذ ﻻ شريك له في العطاء حتى يشاركه في الحمد.

149- على إحسانه متعلق بـ(الحمد لله) أي الحمد لله على إحسانه وفضله.

150- فالله شاهد علي بما أذكره ويحاسبني إن تجاوزت الحق، وشاهد عليكم بما أقوله إن لم تأخذوا به.

151 - وهو جعفر التواب.

152- الذمة: الحرمة. وقيل: ما يجب أن يحفظ ويحمي. وقيل: الذمة: التذمم ممن ﻻ عهد له، وهو أن يلزم الإنسان نفسه حقاً يجري مجرى المعاهدة من غير معاهدة. والمعنى أنه ليس له أي حق وفضل عليكم.

153- يقصد بالأول إبراهيم الخليل. وبالثاني موسى بن عمران. وبالثالث عيسى ابن مريم. وبالرابع سليمان بن داوود.

154- يحاول الإمام المهدي (عليه السلام) من خلال هذه المقدمة إيضاح إحدى الحقائق الكبرى التي قل من يحاول تفهمها واستيعابها، وهي أن اختيار الله تعالى لأنبيائه وأوصيائهم لم تكن عملية ارتجالية أو عفوية تعتمد على مجرد طيبة قلب وطهارة مسلك، فإن الله ﻻ يختار للقيادة التشريعية - التي هي أهم من القيادة التكوينية - أفراداً لأنهم طيبون فحسب، وإنما يختار لها أصلح خلقه من جميع الجهات الخلقية والنفسية.

وتتم عملية الاختيار هذه بمقاييس السماء التي ﻻ تخطئ ولا تحابي. كما ﻻ تخطئ ولا تحابي في سائر العمليات الكونية.

وقد أوضح النبي (صلّى الله عليه وآله) هذه الحقيقة في قولته الشهيرة للإمام علي (عليه السلام): (يا علي! إن الله اطلع على الأرض اطلاعة فاختارني منها...).

وهذا يعني أن الله يختار خير أهل كل زمان لرسالته إليهم، واختار خير الخلق - على الإطلاق - لرسالته الكبرى إليهم. حتى لو لم تكن الرسالات لكان الأنبياء ثم أوصيائهم أعلى القمم البشرية، ولكان الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) أعلى القمم البشرية على الإطلاق.

فقضية الإمامة ليست قضية منصب يمكن أن يفوز به من هو أشد سعياً إليه، وإنما هي قضية تفوق في المواهب والمؤهلات التي يتم تقييمها بمعادلات السماء بعيداً عن أجواء المساعي والتزاحمات التي يمكن أن تؤثر على حركة المناصب في الأرض.

155- ومن خلال هذا النص يبين مظاهر ذلك التفوق الذي أدى إلى اختيارهم، ويلخصها في ستة في:

الأول: أنهم معصومون من الذنوب ﻻ يرتكبون مخالفة دينية طيلة حياتهم مهما تقلبت بهم الظروف وعصفت بهم الأزمات.

الثاني: أنهم يتمتعون بالكمال الجسماني، فلا يشكون من نقص ولا عاهة.

الثالث: أنهم يمتازون بشموخ الآباء وطهارة الأمهات، فهم منزهون من شرك الآباء وعهر الأمهات.

الرابع: أنهم ﻻ يخطئون في شيء، فلا يصدر منهم خطأ، ولا يتورطون في خطأ.

الخامس: أنهم أعلم الناس وأحكم الناس على الإطلاق.

السادس: أنهم مؤيدون بالمعجزات التي تثبت أنهم يتعاملون مع القوى الماورائية التي ﻻ تتوصل إليها علوم البشر إلا بواسطتهم. وقد أثبت التاريخ أنهم جميعاً - كانوا في هذا المستوى.

156- سورة الأحقاف، الآيات 1-7.

157- أي اطلب منه أن يأتيك بآية أو بحجة أو بدلالة على إمامته.

158- العوار: العيب.

159- أي في محله الواقعي، ومحله في هذه المناسبة هو الإمام المهدي.

160- فلا تكون في الحسن العسكري وفي أخيه جعفر.

161- الاحتجاج: أبو منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي: ج2 ص277 - 279: عن الشيخ الموثوق أبي عمرو العمري (رحمه الله) قال: تشاجر ابن أبي غانم القزويني وجماعة من الشيعة في (الخلف) فذكر ابن أبي غانم: أن أبا محمد (عليه السلام) مضى ولا خلف له، ثم أنهم كتبوا في ذلك كتاباً وأنفذوه إلى (الناحية) وأعلموا بما تشاجروا فيه.

فورد جواب كتابهم بخطه (صلى الله عليه وعلى آبائه):...

162- لقد اعتبر الإمام المهدي - في هذا النص - الارتياب في أحد الأئمة (عليهم السلام) ارتياباً في الدين، لأن الإمامة هي القيادة، والقيادة من صميم الذين، سواءً كانت قيادة الأنباء أو الأوصياء، فكما أن الشك في نبوة الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) يعود إلى الشك في الدين، كذلك الشك في أي من أوصيائه يعود إلى الشك في الدين، لأن قيادته مستمرة فيهم.

مضافاً إلى أن التشكيك في أي شيء مما أمر الله به تشكيك في الدين، والله تعالى أمر باتّباع النبي وأوصيائه، فالتشكيك فيهم أو في أحدهم تشكيك في ما أمر الله به.

163- إن الله سبحانه وتعالى أراد التسلسل في الخلق، وجرت بذلك سنته - حسب تعبير القرآن - فخلق (كلمات) وجعلها الطبقة الأولى من مخلوقاته. ومن بعضها خلق النور والظلمة، وجعلهما الطبقة الثانية من مخولوقاته. ومن موجات النور والظلمة خلق العناصر الأولية الستة والتسعين - وجعلها الطبقة الثالثة من مخلوقاته. ومن العناصر الأولية خلق الأجسام - اللطيفة والكثيفة - فجعلها الطبقة الرابعة من مخلوقاته.

ولو أراد الله أن يخلق الأجسام ارتجالاً من العدم لاستطاع، ولكنه أراد التسلسل في الخلق، مما أراد تسلسل البشر بالإنجاب. وهذه الإرادة ﻻ تنافي إطلاق قدرته، لأن القدرة لم تتقيد بشيء خارج عنها، وإنما هي التي أرادت ذلك.

ويستظهر من بعض الآيات والروايات: أن أرواح الأنبياء والأوصياء هي كلمات الله تلك، التي ابتدأ بها الخلق.

فقد قال الله عن عيسى ابن مريم (عليه السلام): (إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله، وكلمته ألقاها إلى مريم) سورة النساء، آية 171.

و(إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم) سورة آل عمران، آية 45.

وفي الحديث عن الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله): (أول ما خلق الله نوري) و(أنا أول ما خلق الله، وأول من تنشق عنه الأرض).

فإذا ثبت أن أرواح الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام) كلمات الله، ثبت أنهم الطبقة الأولى من المخلوقات، وأن الله خلق بقيت المخلوقات منهم.

وهذا الموضوع ثابت في الحديث، وقد استقصى العلامة المجلسي قسماً وفيراً منه في (كتاب السماء والعالم) من موسوعته التي أسماها بـ(بحار الأنوار).

وهذا القول يشبه قولنا: إن الله خلق الإنسان والحيوان والنبات من التراب والماء والهواء والشمس.

وإذا ثبت أن الله خلق أرواح الأنبياء والأوصياء مباشرة، ثم خلق منها بقية خلقه، صح أنهم صنائع الله وأن الخلق صنائعهم. فهم أقرب إلى الله - في تسلسل الخلقة - من سائر الناس، فيحتاج إليهم الناس ولا يحتاجون إلى الناس. لاستغنائهم بالله عمن سواه.

وقد أثبت التسلسل الرسالي أنهم أقرب إلى الله، فالله أرشدهم مباشرة وأرشدهم من سواهم بهم.

164- سورة النساء، آية 59.

165- يقصد بالماضي أباه الإمام الحسن العسكري (عليه السلام).

166- أي ظننتم أن سلسلة أوصياء رسول الله قد انقطعت، وهذا يساوي بطلان الدين لأن سلسلة الرسل قد اختتمت بخاتم النبيين فلم تبق بعده إلا سلسلة أوصيائه الذين يؤدون دوره من بعده، فلو انتهت بوفاة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) لتعرض دين الله للبطلان، لأن حجة الله في الأرض عاصمة الدين تنفي عنه تحريف المبطلين وبدع الظالمين فانقطاع الحجة يؤدي إلى تعرض الدين للزوال.

167- لأن ولي الله - كل ولي في عهده - صاحب الولاية الكونية، فهو السبب المتصل بين الله وبين للزوال.

168- الكفر: الستر. فكل من ستر حقيقة فهو كافر لغة فإن ستر حقيقة دينية أصبح كافراً ديناً. وللكفر درجات تبدأ بإنكار أدنى الحقائق الدينية، وتنتهي بإنكار أعظم الحقائق، وهو الله عز وجل، فليس كل كافر جاحداً بالله سبحانه بالضرورة، وإنما الكافر يعم الجاحد بالله والملحد في إحدى آياته، والإمامة من أهم آيات الله، فمن حجبها أو انتحلها دون أهلها فقد كفر بهذا المعنى.

وقد فرق الإمام المهدي (عجل الله فرجه) بين من يتصدى لموضع الإمام أي لقيادة الأمة فاعتبره ظالماً آثماً: (ولا ينازعنا موضعه إلا ظالم آثم) وبين من يتصدى لصفة الإمام أي للسببية التكوينية والتشريعية بين الله وعباده، فاعتبره كافراً جاحداً: (ولا يدعيه دوننا إلا كافر جاحد). لأن الأول يعترض مسيرة الأمة شأن جميع الحكام بغير حق، بينما الثاني يعترض عقيدة الأمة شأن منتحلي الرسالات، وهذا شر من الأول. لأن مسيرة الأمة قابلة للتصحيح مادامت عقيدتها سليمة، فإذا فسدت عقيدتها استعصت على العلاج.

169- لأن في غيبة الإمام المهدي سراً يجب أن يبقى طي الكتمان، ويجب - بمقتضاه - على الإمام المهدي أن يغيب عن الأضواء، ولولا ذلك لكان يعلن عن نفسه ويتابع خط المعجزات التي تبهر العقول، شأن جميع الأنبياء والأوصياء من قبله الذين فرضوا على الكفر الإنساني علاقتهم المباشرة بالسماء عن طريق المعجزات، ولكن الإمام المهدي ﻻ يمارس المعاجز - حالياً - لأن الله كتب عليه الغيبة، فاستغل غيبته المصلحيون، فنازعوه القيادة أو ادعوا دونه الإمامة.

170- الظاهر أنه يقصد عمه جعفر بن الإمام علي الهادي (عليه السلام) شقيق الإمام الحسن بن علي العسكري (عليه السلام).

فجعفر بن علي ادعى الإمامة بعد أخيه الحسن العسكري، فامتحنه علماء الشيعة ورواتهم، فلما لم يجدوا فيه مواصفات الإمام المعصوم أطلقوا عليه لقب (الكذاب) ولم يشفع له أنه عم الإمام المهدي، لأن دين الله ﻻ يؤخذ بالأنساب، وقد قال الله تعالى في شأن الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله): (ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين فما منكم من أحد عنه حاجزين) سورة الحاقة آية، 47. إذ ﻻ محاباة في الدين كما ﻻ ممالئة في الحق.

ثم أن جعفر بن علي تاب، فخرج التوقيع من الناحية المقدسة بقبول توبته، وأن: (سبيله سبيل إخوة يوسف) فأطلق عليه لقب (التواب).

وحوله كلام كثير يمكن استشفافه من خلال هذا التوقيع والتوقيع الذي يليه، ولكني ﻻ أود البحث عنه كرامة لنسبه المقدس، خاصة بعد أن قبلت توبته، ولكني - إجلاءً للواقع وإظهاراً للحقيقة - أثبت هنا حديثين، يكفيان لإيضاح وموقف جعفر بن علي الذي أدى إلى صدور توقيعين ضده. وفيما يلي نصهما:

الأول:

أ: ينابيع المودة، سليمان بن إبراهيم البلخي ص461 عن أبي الأديان.

ب: كمال الدين وتمام النعمة، محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه الصدوق عن أبي الأديان قال: كنت أخدم الحسن بن علي بن محمد (عليهم السلام)، وأحمل كتبه إلى الأمصار فدخلت عليه في علته التي توفي فيها صلوات الله عليه فكتب معي كتباً، وقال: (امض بها إلى المدائن فإنك ستغيب أربعة عشر يوماً، وتدخل على سر من رأى يوم الخامس عشر، وتسمع الواعية في داري، وتجدني على المغسل) قال أبو الأديان: فقلت: يا سيدي فإذا كان ذلك فمن؟ قال: (من طالبك بجوابات كتبي فهو القائم من بعدي) ثم ذكر (عليه السلام) علامتين أخريين (إحداهما) من يصلي عليه (والثانية) من يخبر بما في الهميان. (وخرجت بالكتب إلى المدائن، وأخذت جواباتها، ودخلت سر من رأى يوم الخامس عشر كما قال لي (عليه السلام)، وإذا أنا بالواعية في داره وإذا به على المغسل، وإذا أنا بجعفر الكذاب بن علي: أخيه بباب الدار، والشيعة من حوله يعزونه، ويهنونه، فقلت في نفسي: إن يكن هذا الإمام فقد بطلت الإمامة. لأني أعرفه يشرب النبيذ، ويقامر في الجوسق، ويلعب بالطنبور، فتقدمت فعزيت وهنيت. فلم يسألني عن شيء ثم خرج عقيد (خادم الإمام العسكري) فقال: يا سيدي قد كفن أخوك فقم فصل عليه فدخل جعفر بن علي والشيعة من حوله يقدمهم السمان والحسن بن علي قبيل (قتيل - نسخة بحار الأنوار) المعتصم المعروف بسلمه، فلما صرنا في الدار إذا نحن بالحسن بن علي (صلوات الله عليه) على نعشه مكفناً فتقدم جعفر بن علي ليصلي على أخيه فلما هم بالتكبير خرج صبي صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين بوجهه سمرة بشعرة قطط بأسنانه تفليج، فجذب برداء جعفر بن علي وقال: (تأخر يا عم فأنا أحق بالصلاة على أبي). فتأخر جعفر وقد أربد وجهه واصفر، وتقدم الصبي فصلى عليه، ودفن إلى جانب قبر أبيه (عليه السلام). ثم قال: (يا بصري هات جوابات الكتب التي معك) فدفعتها إليه فقلت في نفسي: هذه بينتان، بقي الهميان، ثم خرجت إلى جعفر بن علي، فقال له حاجز الوشا: يا سيدي مَن الصبي؟ ليقيم الحجة عليه. فقال: والله ما رأيته قط ولا أعرفه. فنحن جلوس إذ قدم نفر من قم فسألوا عن الحسن بن علي (عليه السلام) فعرفوا موته فقالوا: فمن نعزي؟ فأشاروا إلى جعفر بن علي. فسلموا عليه وعزوه وهنوه، وقالوا: معنا كتب ومال فتقول ممن الكتب؟ وكم المال؟ فقام ينفض أثوابه، ويقول: تريدون منا أن نعلم الغيب؟ قال: فخرج الخادم فقال: (معكم كتب فلان وفلان وهميان فيه ألف دينار وعشرة دنانير منها مطلية) فدفعوا إليه الكتب والمال، وقالوا: الذي وجه بك لأجل ذلك هو الإمام. فدخل جعفر بن علي على (المعتمد) وكشف ذلك له فوجه له ذلك (المعتمد) يخدمه فقبضوا على صيقل الجارية فطالبوها بالصبي، وأنكرته، وادعت حبلاً به [حملاً بها] لتغطي على حال الصبي. فسلمت إلى ابن أبي الشوارب القاضي، ونعتهم موت عبيد الله بن خاقان فجأة، وخرج صاحب الزنج بالبصرة فشغلوا بذلك عن الجارية فخرجت عن أيديهم والحمد لله رب العالمين.

الثاني:

أ: الخرايج، قطب الدين أبو الحسن سعيد بن هبة الله الراوندي بسنده.

ب: كمال الدين وتمام النعمة، محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه الصدوق، عن أبي العباس أحمد بن الحسن بن عبد الله بن محمد بن مهران الأزدي، الأمي العروض رضي الله عنه بمرو، عن الحسين بن زيد بن عبد الله البغدادي عن أبي الحسن علي بن سنان الموصلي قال: حدثنا أبي لما قبض سيدنا أبو محمد الحسن بن علي العسكري صلوات الله عليهما وقدم من قم والجبال وفود بالأموال التي كانت تحمل على الرسم والعادة، ولم يكن عندهم خبر وفاة الحسن (عليه السلام)، فلما أن وصلوا إلى سر من رأى سألوا عن سيدنا الحسن (عليه السلام) فقيل لهم: إنه قد فقد. قالوا: ومن وارثه؟ قالوا: أخوه جعفر بن علي. فسألوا عليه فقيل لهم: أنه خرج متنزهاً، وركب زورقاً في دجلة يشرب ومعه المغنون. قال: فتشاور القوم. قالوا: هذه ليس من صفة الإمام! وقال بعضهم لبعض: امضوا بنا حتى نرد هذه الأموال على أصحابها. فقال أبو العباس محمد بن جعفر الحميري القمي: قفوا بنا حتى ينصرف هذا الرجل، ونختبر أمره بالصحة، فلما انصرف دخلوا إليه فسلموا عليه، وقالوا: يا سيدنا نحن من قم ومعنا جماعة من الشيعة وغيرها، وكنا نحمل إلى سيدنا أبي محمد الحسن بن علي الأموال: فقال: أين هي؟ قالوا: معنا! قال: احملوها إلي! قالوا: إلا أن لهذه الأموال خبراً طريفاً: فقال: وما هو؟ قالوا: إن هذه الأموال تجمع. ويكون فيها من عامة الشيعة الدينار والديناران، ثم يجعلونها في كيس ويختمون عليه، وكنا إذا أوردنا بالمال على سيدنا أبي محمد (عليه السلام) يقول: جملة المال كذا وكذا ديناراً من عند فلان كذا، ومن عند فلان كذا! حتى يأتي على أسماء الناس كلهم، ويقول ما على نقش الخواتيم. فقال جعفر: كذبتم! تقولون على أخي ما لا يفعله؟ هذا علم الغيب ولا يعلمه إلا الله. فلما سمع القوم كلام جعفر جعل بعضهم ينظر إلى بعض، فقال لهم: احملوا هذا المال إلي. قالوا: إنا قوم مستأجرون وكلاء، وإنا ﻻ نسلم المال إلا بالعلامات التي كنا نعرفها من سيدنا الحسن بن علي (عليه السلام)، فإن كنت الإمام فبرهن لنا، وإلا رددنا الأموال إلى أصحابها، يرون فيها رأيهم. فدخل جعفر على الخليفة وكان بسر من رأى، فاستدعى عليهم فلما أحضروا قال الخليفة: احملوا هذا المال إلى جعفر! قالوا: أصلح الله أمير المؤمنين! إنا قوم مستأجرون وكلاء لأرباب هذه الأموال، وهذه وداعة الجماعة، وأمرونا أن ﻻ نسلمها إلا بعلامة ودلالة، وقد جرت بهذه العادة مع أبي محمد الحسن بن علي (عليهم السلام)، فقال الخليفة: فما كانت العلامة التي كانت مع أبي محمد؟ قال القوم: كان يصف لنا الدنانير وأصحابها، والأموال وكم هي؟ فإذا فعل ذلك سلمناها إليه، وقد وفدنا إليه مراراً فكانت هذه علامتنا معه، دلالتنا، وقد مات، فإن يكن هذا الرجل صاحب هذا الأمر فليقم لنا ما كان يقيمه لنا أخوه! وإلا رددناها على أصحابها. فقال جعفر: يا أمير المؤمنين: إن هؤلاء قوم كذابون على أخي، وهذا علم الغيب. فقال الخليفة: القوم رسل، وما على الرسول إلا البلاغ المبين. قال: فبهت جعفر ولم يرد جواباً. فقال القوم: يتطول أمير المؤمنين بإخراج أمره إلى من يبدرقنا حتى نخرج من هذه البلدة. قال: فأمرهم بنقيب فأخرجهم منها. فلما أن خرجوا من البلد، خرج إليهم غلام أحسن الناس وجهاً، كأنه خادم، فصاح: يا فلان! يا فلان بن فلان! أجيبوا مولاكم! فقالوا: أنت مولانا؟ قال: معاذ الله: أنا عبد مولاكم! فسيروا إليه. قال: فسرنا إليه معه حتى دخلنا دار مولانا الحسن بن علي (عليه السلام)، فإذا ولده سيدنا القائم (عليه السلام) قاعد على سرير، كأنه فلقة قمر، عليه ثياب خضر، فسلمنا عليه فرد علينا السلام. ثم قال: (جملة المال كذا وكذا ديناراً! حمل فلان كذا! وحمل فلان كذا!) ولم يزل يصف حتى وصف الجميع، ثم وصف ثيابنا، ورحالنا، وما كان معنا من الدواب، فخررنا سجداً لله عز وجل شكراً لما عرفنا، وقبلنا الأرض بين يديه، وسألناه عما أردنا، فأجاب، فحملنا إليه الأموال، وأمرنا القائم (عليه السلام) أن ﻻ نحمل إلى سر من رأى بعدها شيئاً من المال، وأنه ينصب لنا ببغداد رجلاً تحمل إليه الأموال، وتخرج من عنده التوقيعات. قالوا: فانصرفنا من عنده، ودفع إلى أبي العباس محمد بن جعفر القمي الحميري شيئاً من الحنوط والكفن. فقال له: (أعظم الله أجرك في نفسك)! قال: فما بلغ أبو العباس عقبة همدان حتى توفي رحمه الله، وكان بعد ذلك تحمل الأموال إلى بغداد، إلى النواب المنصوبين بها وتخرج من عندهم التوقيعات.

(قال الصدوق مصنف كمال الدين): هذا الخبر يدل على أن الخليفة كان يعرف هذا الأمر كيف هو؟ وأين هو؟ وأين موضعه؟، ولهذا كف عن القوم عما معهم من الأموال، ودفع جعفر الكذاب عن مطالبتهم، ولم يأمرهم بتسليمها إليه. إلا أنه كان يجب أن يخفي هذا الأمر ولا ينشره، لئلاّ يهتدي إليه الناس ويعرفونه. وقد كان جعفر الكذاب حمل عشرين ألف ديناراً إلى الخليفة لما توفي الحسن بن علي (عليه السلام)، وقال: يا أمير المؤمنين أتجعل لي مرتبة أخي الحسن ومنزلته؟ فقال الخليفة: اعلم إن منزلة أخيك لم تكن بنا، إنما كانت بالله عز وجل، ونحن كنا جهدنا في حط منزلته والوضع منها، وكان الله عز وجل يأبى إلا أن يزيده كل يوم رفعة لما كان فيه من الصيانة، وحسن السمت، والعلم، والعبادة، فإن كنت عند شيعة أخيك بمنزلته فلا حاجة بك إلينا، وإن لم تكن بمنزلته، ولم يكن فيك ما كان في أخيك لم نغن عنك شيئاً..

171- فقد اغتصب حق الزهراء (عليها السلام) وصبرت، واغتصب حق الإمام المهدي حيث استولى جعفر على إرثه من أبيه فصبر، وكان باستطاعته القيام بردود فعل مختلفة أهونها أمر الشيعة بمحاربته، ولكنه لم يفعل، مكتفياً ببيان الحقيقة حتى ﻻ يضل الباحثون عن الحق.

172- بحار الأنوار للعلامة المجلسي (قدس سره): ج51 ص295- 296، عن كتاب الخرائج قال: روي عن أحمد بن أبي روح قال: وجهت إلى امرأة من أهل دينور، فأتيتها فقالت: يا بني أبي روح أنت أوثق من في ناحيتنا ديناً وورعاً، وأني أريد أن أودعك أمانة أجعلها في رقبتك تؤديها وتقوم بها: فقلت: أفعل إن شاء الله تعالى فقالت: هذه دراهم في هذا الكيس المختوم لا تحله، ولا تنظر فيه حتى تؤديه إلى من يخبرك بما فيه [تقصد إمام الزمان صاحب الأمر عليه السلام] وهذا قرطي يساوي عشرة دنانير، وفيه ثلاث جعات تساوي عشرة دنانير ، ولي إلى صاحب الزمان (عليه السلام) حاجة أريد أن يخبرني بها قبل أن أسأله عنها.

فقلت: وما الحاجة؟ قالت: عشرة دنانير استقرضتها أمي في عرس لا أدري ممن استقرضتها، ولا أدري إلى من أدفعها، فإن أخبرك بها فادفعها إلى من يأمرك بها.

قال: فقلت في نفسي: وكيف أقول لجعفر بن علي؟ فقلت هذه المحنة بيني وبين جعفر بن علي، فحملت المال وخرجت حتى دخلت بغداد، فأتيت حاجز بن يزيد الوشاء، فسلمت عليه وجلست.

قال: ألك حاجة؟ قلت: هذا مال دفع إلي لا أدفعه إليك حتى تخبرني كم هو؟ ومن دفعه إلي، فإن أخبرتني دفعته إليك.

قال: يا أحمد بن أبي روح توجه به إلى سر من رأى، فقلت: لا إله إلا الله لهذا أجل شيء أردته، فخرجي ووافيت سر من رأى فقلت: ابدأ بجعفر، ثم تنكرت فقلت ابدأ بهم، فإن كانت المحنة من عندهم وإلا مضيت إلى جعفر.

فدنوت من دار أبي محمد (عليه السلام)، فخرج إلي خادم فقال: أنت أحمد بن أبي روح؟ قلت: نعم، قال: هذه الرقعة أقرأها، فإذا فيها مكتوب: ..

173- ثم جاء النص بعد ذلك كما يلي:

(قال) فرجعت إلى بغداد، وناولت الكيس حاجزاً، فوزنه فإذا فيه ألف درهم وخمسون دينار فناولني ثلاثين ديناراً، وقال أمرت بدفعها إليك لنفقتك، فأخذتها وانصرفت إلى الموضع الذي نزلت فيه، وقد جاءني من يخبرني أن عمي قد مات، وأهلي يأمروني بالانصراف إليهم فرجعت فإذا هو قد مات، وورثت منه ثلاثة آلاف دينار ومائة ألف درهم.

174-: أ- الشيخ محمد بن الحسن الطوسي (قدس سره) في كمال الدين وتمام النعمة ج2 ص198

ب- معاني الأخبار ص286.

ج- بحار الأنوار للعلامة المجلسي (قدس سره) عنها, ج35 ص78، وفي ج53 ص190 أيضاً...

توقيع منه (عليه السلام) كان خرج إلى العمري وابنه رضي الله عنهما , رواه سعد بن عبد الله قال الشيخ أبو جعفر رضي الله عنه: وجدته مثبتاً بخط سعد بن عبد الله رضي الله عنه:

175- العمري وابنه هما اثنان من النواب الأربعة, عثمان بن سعيد العمري وكيل الهادي والعسكري (عليهما السلام) وأول نائب للحجة في الغيبة الصغرى, وابنه محمد بن عثمان العمري النائب الثاني للحجة صلوات الله عليه0

176- الميثمي لعله (محمد بن الحسن بن زياد الميثمي) الذي قالوا عنه ثقة عين، ومن أصحاب الرضا (عليه السلام)، أو (أحمد بن الحسن الميثمي) الذي قال النجاشي عنه كان واقفاً وقد روى عن الرضا (عليه السلام) وهو على كل حال ثقة صحيح الحديث معتمد عليه- إلى آخره- وتوقف آخرون في نسبته الوقف إليه, ولعله (علي بن إسماعيل بن شعيب بن ميثم بن يحيى التمار) من وجوه المتكلمين من أصحابنا, ولعله غيرهم.

يطلب تفاصيل هذه المعلومات وغيرها في جامع الرواة: ج2 ص452, وفي ص92 أيضاً وج1 ص558، وفي ص46 أيضاً، وفي الوسائل: ج20 ض390. وفي مستدرك الوسائل: ج3ص553.

(وأما المختار) فهو علم لجماعة لم أثبت- في هذه العجالة- أحدهم بالخصوص.

وقد ذكر عدة أسماء منها صاحب جامع الرواة في ج1ص221- 222.

177- يعني: جعفر التواب عم مولانا وسيدنا صاحب الأمر (عليه السلام).

178- سورة العنكبوت آية 1- 2.

179- أي: غائباً مستوراً عن الأبصار.

180- يعني: صاحب الأمر صلوات الله عليه.

181- نقل العلامة المجلسي (قدس سره) عن كتاب النجوم، في بحار الأنوار (51- ص300) قال: روينا بإسنادنا إلى الشيخ أبي جعفر محمد بن جرير الطبري بإسناده يرفعه إلى أحمد الدينوري السراج المكي بأبي العباس الملقب بآستاره، قال: انصرفت من أردبيل إلى دينور أريد أن أحج وذلك بعد مضي أبي محمد الحسن بن علي (عليه السلام) بسنة أو سنتين، وكان الناس في حيرة فاستبشر أهل الدينور بموافاتي واجتمع الشيعة عندي فقالوا: اجتمع عندنا ستة عشر ألف دينار من مال الموالي (جمع: المولى، يعني الأئمة الأطهار (عليهم السلام)، والمقصود به الخمس على الظاهر، أو النذور ونحوها).

ونحتاج أن نحملها معك وتسلمها بحيث يجب تسليمها.

قال: فقلت: يا قوم هذه حيرة ولا نعرف الباب في هذا الوقت.

قال: فقالوا إنما اخترناك لحمل هذا المال لما نعرف من ثقتك وكرمك فاعمل على أن لا تخرجه من يدك إلا بحجة.

قال: فحمل إلى ذلك المال في صرر باسم رجل رجل، فحملت ذلك المال وخرجت فلما وافيت (قرميسين) [وهو اسم بلد] كان أحمد بن الحسن بن الحسن مقيماً بها، فصرت إليه مسلماً، فلما لقيني استبشرني ثم أعطاني ألف دينار في كيس، وتخوت ثياب ألوان معكمة لا أعرف ما فيها ثم قال لي: احمل هذه معك ولا تخرجه من يدك إلا بحجة.

قال: فقبضت المال والتخوت بما فيها من الثياب، فلما وردت بغداد لم يكن لي همة غير البحث عمن أشير إليه بالنيابة.

فقيل لي: إن هاهنا رجلاً يعرف (بالباقطاني) يدعى بالنيابة، وآخر يعرف بـ(إسحاق الأحمر) يدعى بالنيابة، وآخر يعرف بـ(أبي جعفر العمري) يدعي بالنيابة.

قال: فبدأت بالباقطاني وصرت إليه فوجدته شيخاً مهيباً له مروءة ظاهرة، وفرس عربي، وغلمان كثير، ويجتمع الناس عنده يتناظرون.

قال: فدخلت إليه وسلمت عليه فرحب وقرب وسر وبر قال: فأطلت القعود إلى أن خرج أكثر الناس. قال: فسألني عن ديني فعرفته إني رجل من أهل دينور وافيت ومعي شيء من المال أحتاج أن أسلمه. فقال لي: احمله، قال فقلت: أريد حجة، قال: تعود إلي في غد، قال: فعدت إليه في غد فلم يأتي بحجة، وعدت إليه في اليوم الثالث فلم يأت بحجة.

قال: فصرت إلى إسحاق الأحمر، فوجدته شاباً نظيفاً منزله أكبر من منزل الباقطاني، وفرسه ولباسه ومروءته أسرى، وغلمانه أكثر من غلمانه، ويجتمع عنده من الناس أكثر مما يجتمع عند الباقطاني.

قال: فدخلت وسلمت فرحب وقرب.

قال: فصبرت إلى أن خف الناس قال: فسألني عن حاجتي فقلت له: كما قلت للباقطاني وعدت إليه بعد ثلاثة أيام فلم يأتي بحجة.

قال: فصرت إلى أبي جعفر العمري، فوجدته شيخاً متواضعاً عليه مبطنة بيضاء قاعد على لبد في بيت صغير، ليس له غلمان ولا من المروءة والفرس ما وجدت لغيره.

قال: فسلمت فرد الجواب، وأدناني، وبسط مني، ثم سألني عن حال فعرفته أني وافيت من الجبل، وحملت مالاً.

قال: فقال: إن أحببت أن يصل هذا الشيء إلى من يجب أن يصل إليه تخرج إلى سر من رأى وتسال دار ابن الرضا (عليه السلام) وعن فلان بن فلان الوكيل - وكانت دار ابن الرضا عامرة بأهلها - فإنك تجد هناك ما تريد.

قال: فخرجت من عنده ومضيت نحو سر من رأى، وصرت إلى دار ابن الرضا، وسألت عن الوكيل، فذكر البواب أنه يشتغل في الدار وأنه يخرج آنفاً.

فقعدت على الباب انتظر خروجه فخرج بعد ساعة فقمت وسلمت عليه وأخذ بيدي إلى بيت كان له وسألني عن حالي وما وردت له، فعرفته أني حملت شياً من المال من ناحية الجبل، وأحتاج أن أسلمه بحجة...

قال: فقال: نعم، ثم قدم إلي طعاماً وقال لي: تغد بهذا واسترح، فإنك تعبت، فإن بيننا وبين الصلاة الأولى [يعني: صلاة الظهر] ساعة، فإني أحمل إليك ما تريد.

قال: فأكلت، ونمت، فلما كان وقت الصلاة نهضت وصليت وذهبت إلى المشرعة فاغتسلت ونظفت. انصرفت إلى بيت الرجل، وسكنت إلى أن مضى من الليل ربعه، فجاءني بعد أن مضى من الليل ربعه ومعه درج فيه:

182- ثم جاء النص بعد التوقيع الرفيع كما يلي: قال أحمد بن محمد الدينور: فوسوس إلي الشيطان فقلت إن سيدي أعلم بهذا مني، فما زلت أقرأ ذكره صرة صرة وذكر صاحبها حتى أتيت عليها عند آخرها.

قال: فحمدت الله وشكرته على ما من به علي من إزالة الشك من قلبي، فأمر بتسليم جميع ما حملت إلى حيث يأمرني أبو جعفر العمري، قال: فلما بصر بي أبو جعفر قال: لم لم تخرج فقلت يا سيدي من سر من رأى انصرفت.

قال: فأنا أحدث أبا جعفر بهذا إذ وردت رقعة إلى أبي جعفر العمري من مولانا صاحب الأمر (صلوات الله عليه) ومعه درج مثل الدرج الذي كان معي فيه ذكر المال والثياب وأمرت أن يسلم جميع ذلك إلى أبي جعفر محمد بن أحمد بن جعفر القطان القمي، فليس أبو جعفر العمري ثيابه وقال لي: احمل ما معك إلى منزل محمد بن أحمد بن جعفر القطان القمي.

قال: فحملت المال والثياب إلى منزل محمد بن أحمد بن جعفر القطان، وسلمتها إليه وخرجت إلى الحج فلما رجعت إلى (دينور) اجتمع عندي الناس فأخرجت الدرج الذي أخرجه وكيل مولانا (صلوات الله عليه) إلي وقرأته على القوم، فلما سمع بذكر الصرة باسم الذراع سقط مغشياً عليه وما زلنا نعلله حتى أفاق، فلما أفاق سجد شكراً لله عز وجل، وقال: الحمد لله الذي من علينا بالهداية، الآن علمت أن الأرض لا تخلو من حجة، هذه الصرة دفعها والله إلي هذا الذراع، لم يقف على ذلك إلى الله عز وجل.

قال: فخرجت ولقيت بعد ذلك أبا الحسن المادرائي وعرفته الخبر وقرأت عليه الدرج فقال: يا سبحان الله ما شككت في شيء فلا تشك في أن الله عز وجل لا يخلي أرضه من حجته.