فهرس الكتاب

مكتبة الإمام المهدي

 

المنوعات

مع إبراهيم بن مهزيار(1)

إن أبي (صلى الله عليه) عهد إلي أن لا أوطّن من الأرض إلا أخفاها وأقصاها(2) إسراراً لأمري، وتحصيناً لمحلي من مكائد أهل الضلال والمردة من أحداث الأمم الضوال(3) فنبذني إلى عيالة الرمال(4)، وجبت حرائم الأرض(5)، تنظرني الغاية التي عندها يحل الأمر، وينجلي الهلع(6).

وكان (صلوات الله عليه) أنبط(7) لي من خزائن الحكم وكوامن العلوم ما إن أشعّت إليك منه جزاءً أغناك عن الجملة.

اعلم يا أبا إسحاق أنه قال (صلوات الله عليه): يا بني إن الله جل ثناؤه لم يكن ليخلي أطباق أرضه، وأهل الجد في طاعته وعبادته، بلا حجة يستعلى بها، وإمام يؤتم به، ويقتدي بسبل سننه ومنهاج قصده، وأرجو يا بني أن تكون أحد من أعده الله لنشر الحق وطي الباطل، وإعلاء الدين وإطفاء الضلال، فعليك يا بني بلزوم خوافي الأرض، وتتبع أقاصيها، فإن لكل ولي من أولياء الله عز وجل عدواً مقارعاً، وضداً منازعاً افتراضاً لمجاهدة أهل نفاقه وخلافه، أولي الإلحاد والعناد فلا يوحشنك ذلك(8).

واعلم: أن قلوب أهل الطاعة والإخلاص نُزّع إليك مثل الطير إذا أمّت أوكارها. وهم معشر يطلعون بمخائل الذلة والاستكانة, وهم عند الله بررة أعزاء, يبرزون بأنفس مختلة محتاجة وهم أهل الطاعة والاعتصام, استنبطوا الدين فوازروه على مجاهد الأضداد, حفهم الله باحتمال الضيم ليشملهم باتساع العز في دار القرار, وجبلهم على خلائق الصبر لتكون لهم العاقبة الحسنى وكرامة حسن العقبى(9).

فاقتبس يا بني نور الصبر على موارد أمورك, تفز بدرك الصنع في مصادرها, واستشعر العزة فيما ينوبك تحظ بما تحمد عليه إن شاء الله.

فكأنك يا بني بتأييد(10) نصر الله قد آن وتيسير الفلح وعلو الكعب قد حان وكأنك بالرايات الصفر والأعلام البيض تخفق على أثناء أعطافك ما بين الحطيم وزمزم, وكأنك بترادف البيعة وتصافي الولاء يتناظم عليك تناظم الدر في مثاني العقود, وتصافق الأكف على جنبات الحجر الأسود, تلوذ بفنائك من ملأ برأهم الله من طهارة الولاء ونفاسة التربة, مقدسة قلوبهم من دنس النفاق مهذبة أفئدتهم من رجس الشقاق لينة عرائكم للدين, خشنة ضرائبهم عق العدوان واضحة بالقبول أوجههم, نظرة بالفضل عيدانهم, يدينون بدين الحق وأهله(11).

فإذا اشتدت أركانهم وتقومت أعمالهم قدّت بمكاثفتهم, طبقات الأمم إذ تبعتك في ظلال شجرة, دوحة بسقت أفنان غصونها على حافات بحيرة الطبرية(12).

فعندها يتلألأ صبح الحق, وينجلي ظلام الباطل, ويقسم الله بك الطغيان ويعيد معالم الإيمان, ويظهر بك أسقام الآفاق, وسلام الرفاق, يود الطفل في المهد لو استطاع إليك نهوضاً, وتواسط الوحش لو تجد نحوك مجازاً(13).

تهتز بك أطراف الدنيا بهجة وتهز بك أغصان العز نضرة, وتستقر بواني العز في قرارها, وتؤوب شوارد الدين إلى أوكارها, يتهاطل عليك سحائب الظفر فتخنق كل عدو, وتنصر كل ولي, فلا يبقى على وجه الأرض جبار قاسط, ولا جاحد غامط, ولا شانئ مبغض, ولا معاند كاشح(14) (ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا)(15).

ثم قال (عليه السلام): يا أبا إسحاق ليكن مجلسي هذا عندك مكتوماً, إلا عن أهل الصدق والأخوة الصادقة في الدين, إذا بدت لك أمارات الظهور والتمكين فلا تبطئ بإخوانك عنا وبأهل المسارعة إلى منار اليقين(16) وضياء مصابيح الدين تلق رشداً إن شاء الله.

قال إبراهيم بن مهزيار: ... فلما أزف(17) ارتحالي وتهيأ اعتزام نفسي غدوت عليه مودعاً ومجدداً للعهد وعرضت عليه مالاً كان معي يزيد على خمسين ألف درهم وسألته أن يتفضل بالأمر بقبوله مني فابتسم (عليه السلام) وقال:

يا أبا إسحاق استعن به على منصرفك فإن الشقة قذفة, وفلوات الأرض أمامك جمة, ولا تحزن لإعراضنا عنه فإنا قد أحدثنا لك شكره ونشره, وأربضناه عندنا بالتذكرة وقبول المنة, فتبارك الله لك فيما خولك, وأدام لك ما نولك وكتب لك أحسن ثواب المحسنين, وأكرم آثار الطائعين, فإن الفضل له ومنه(18).

واسأل الله أن يردك إلى أصحابك بأوفر الحظ من سلامة الأوبة, وأكناف الغبطة, بلين المنصرف, ولا أوعث الله لك سبيلاً, ولا حيرك دليلاً, واستودعه نفسك وديعة لا تضيع ولا تزول بمنه ولطفه إن شاء الله(19).

يا أبا إسحاق إن الله قنعنا بعوائد إحسانه, وفوائد امتنانه وصان أنفسنا عن معاونة أوليائه إلا عن الإخلاص في النية وإمحاض النصيحة, والمحافظة على ما هو أتقى وأبقى وأرفع ذكراً(20).

قال [إبراهيم بن مهزيار]: فأقفلت عنه حامداً لله عز وجل على ما هداني وأرشدني...

من يختار الأنبياء والأوصياء(21)

فأخرج أحمد بن إسحاق(22) جرابه من طي كسائه, فوضعه بين يديه فنظر العسكري(23) إلى الغلام وقال له:

يا بني فض الخاتم عن هدايا شيعتك(24).

فقال (عجل الله فرجه): يا مولاي أيجوز أن أمد يداً طاهرة إلى هدايا بخسة وأموال رجسة؟

فقال مولاي (عليه السلام): يا بن إسحاق استخرج ما في الجراب ليميز بين الحلال والحرام منها.

فأول صرة بدأ أحمد بإخراجها.

قال الغلام (عجل الله فرجه): هذه لفلان بن فلان من محلة (كذا) بقم تشتمل على اثنين وسبعين ديناراً فيها من ثمن حجرة باعها صاحبها, وكانت إرثاً له من أخيه خمسة وأربعون ديناراً, ومن عثمان تسعة أثواب أربعة عشر ديناراً, وفيها من أجرة حوانيت ثلاثة عشر ديناراً.

فقال مولانا (عليه السلام): صدقت يا بني دل الرجل على الحرام منها.

فقال (عجل الله فرجه): فتش على دينار رازي السكة تاريخه سنة (كذا) قد انطمس من نصف إحدى صفحتيه نقشه, وقراضه(25) آملية وزنها ربع دينار, والعلة في تحريمها أن صاحب هذه الجملة وزن في شهر (كذا) من سنة (كذا) على حائك من جيرانه من الغزل مناً(26) وربع مَنّ فاتت على ذلك مدة فسرق الغزل سارق فأخبر به الحائك صاحبه فكذبه واسترد منه بدل ذلك منّاً ونصف من غزل أدق مما كان دفعه إليه واتخذ من ذلك ثوباً كان هذا الدينار مع القراضة ثمنه(27).

فلما فتح أحمد رأس الصرة صادفته رقعة في وسط الدنانير باسم من أخبر عنه وبمقداره على حسب ما قال (عجل الله فرجه) واستخرج الدينار والقراضة بتلك العلامة ثم أخرج صرة أخرى.

فقال الغلام (عجل الله فرجه): هذه لفلان بن فلان من محلة (كذا) بقم, تشتمل على خمسين ديناراً لا يحل لنا مسها.

قال: وكيف ذلك؟

قال (عجل الله فرجه): لأنها ثمن حنطة خان صاحبها على أكّاره(28) في المقاسمة(29) وذلك أنه قبض حصته منها بكيل واف وكال ما خص الأكّار بكيل بخس.

فقال مولانا (عليه السلام): صدقت يا بني.

ثم قال (عجل الله فرجه): يا ابن إسحاق احملها بأجمعها لتردها أو توصي بردها على أربابها(30) فلا حاجة لنا في شيء منها, وأتنا بثوب العجوز.

قال أحمد: وكان ذلك الثوب في حقيبة لي نسيتها, فلما انصرف أحمد بن إسحاق ليأتيه بالثوب نظر إلي مولاي أبو محمد (عليه السلام) فقال:

ما جاء بك يا سعد؟

فقلت: شوقني أحمد بن إسحاق إلى لقاء مولانا.

قال (عليه السلام): فالمسائل التي أردت أن تسـأل عنها؟

قلت: على حالها يا مولاي.

قال (عليه السلام): فسل قرة عيني- وأومأ إلى الغلام- عما بدا لك منها.

قلت فأخبرني عن الفاحشة المبينة(31) التي إذا أتت المرأة بها في أيام عدتها حل للزوج أن يخرجها من بيته(32).

قال (عجل الله فرجه): الفاحشة المبينة هي السحق(33) وليست بالزنا, فإن المرأة إذا زنت وأقيم عليها الحد ليس لمن أرادها أن يمتنع بعد ذلك من التزويج بها لأجل الحد, وإذا سحقت وجب عليها الرجم, والرجم خزي, ومن قد أمر الله عز وجل برجمه فقد أخزاه, ومن أخزاه فقد أبعده, فليس لأحد أن يقربه.

قلت: فأخبرني يا بن رسول الله عن أمر الله تبارك وتعالى لنبيه موسى: (فاخلع نعيلك إنك بالوادي المقدس طوى)(34) فإن فقهاء الفريقين يزعمون: إنها كانت من إيهاب الميتة.

فقال (عجل الله فرجه): من قال ذلك فقد افترى على موسى واستجهله في نبوته, لأنه ما خلا لأمر فيها من خطيئتين, إما أن تكون صلاة موسى فيهما جائزة أو غير جائزة, فإن كانت صلاته جائزة جاز له لبسهما في تلك البقعة, وإن كانت مقدسة مطهرة, فليست بأقدس وأطهر من الصلاة وإن كانت صلاته غير جائزة فيهما فقد أوجب على موسى أنه لم يعرف الحلال من الحرام, ولم يعلم ما تجوز به الصلاة وما لم تجز, وهذا كفر(35).

قلت: فأخبرني يا مولاي عن التأويل فيها.

قال (عجل الله فرجه): إن موسى ناجى ربه بالوادي المقدس فقال: (يا رب إني قد أخلعت لك المحبة مني وغسلت قلبي عمن سواك) وكان شديد الحب لأهله, فقال الله تعالى: (اخلع نعليك) أي انزع حب أهلك عن قلبك إن كانت محنتك لي خالصة وقلبك من الميل من سواي مغسولاً(36).

قلت: فأخبرني يا بن رسول الله عن تأويل (كهيعص).

قال (عجل الله فرجه): هذه الحروف من أنباء الغيب, أطلع الله عليها عبده زكريا ثم قصها على محمد (صلى الله عليه وآله) وذلك أن زكريا سأل ربه أن يعلمه الأسماء الخمسة فأهبط عليه جبرائيل, فعلمه إياها, فكان زكريا إذا ذكر اسم محمد وعلي وفاطمة والحسن سرى عنه همه وانجلى كربه, وإذا ذكر اسم الحسين (عليه السلام) خنقته العبرة ووقعت عليه البهرة, فقال ذات يوم: (إلهي, ما بالي إذا ذكرت أربعاً منهم تسليت بأسمائهم من همومي وإذا ذكرت الحسين (عليه السلام) تدمع عيني وتثور زفرتي)؟ فأنبأه الله تعالى عن قصته وقال: (كهيعص) فالكاف اسم كربلاء والهاء هلاك العترة, والياء وهو يزيد ظالم الحسين (عليه السلام) والعين عطشه, والصاد صبره. فلما سمع ذلك زكريا لم يفارق مسجده ثلاثة أيام, ومنع فيها الناس من الدخول عليه, وأقبل على البكاء والنحيب وكانت ندبته (إلهي أتفجع خير خلقك بولده؟ إلهي أتنزل بلوى هذه الرزية بفنائه؟ إلهي أتلبس علياً وفاطمة ثياب هذه المصيبة؟ إلهي أتحل كربة هذه الفجيعة بساحتهما). ثم كان يقول: (إلهي ارزقني ولداً تقر به عيني على الكبر واجعله لي وارثاً ووصياً واجعل محله مني محل الحسين فإذا رزقتنيه فافتني بحبه ثم فجّعني به كما تفجع محمد (صلى الله عليه وآله) حبيبك بولده) فرزقه الله بيحيى وفجعه به وكان حمل يحيى ستة أشهر وحمل الحسين كذلك.

قلت: فأخبرني يا مولاي عن العلة التي تمنع القوم من اختيار إمام لأنفسهم:

قال (عجل الله فرجه): مصلح أو مفسد.

قلت: مصلح.

قال (عجل الله فرجه): فهل يجوز أن تقع خيرتهم على المفسد بعد أن لا يعلم أحد بما يخطر ببال غيره من صلاح أو فساد.

قلت: بلى.

قال: فهي العلة, أوردتها لك ببرهان يثق به عقلك.

قلت: نعم.

قال: أخبرني عن الرسل الذين اصطفاهم الله وأنزل الكتب عليهم وأيدهم بالوحي والعصمة وهم أعلى الأمم وأهدى إلى الاختيار منهم مثل موسى وعيسى هل يجوز مع وفور عقلهما وكمال عملهما إذا همّا بالاختيار أن تقع خيرتهما على المنافق وهما يظنان أنه مؤمن.

قلت: لا.

قال: فهذا موسى كليم الله مع وفور عقله وكمال عمله ونزول الوحي عليه اختار من أعيان قومه ووجوه عسكره لميقات ربه سبعين رجلاً ممن لا يشك في إيمانهم وإخلاصهم فوقعت خيرته على المنافقين، قال الله عز وجل: (واختار موسى قومه سبعين رجلاً لميقاتنا)(37) إلى قوله: (لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم)(38) فلما وجدنا اختيار من قد اصطفاه الله للنبوة واقعاً على الأفسد دون الأصلح وهو يضن أنه الأصلح دون الأفسد علمنا أن لا اختيار إلا لمن يعلم ما تخفي الصدور وتكن الضمائر ويتصرف عليه السرائر وأن لا خطر لاختيار المهاجرين والأنصار بعد وقوع خيرة الأنبياء على ذوي الفساد لما أرادوا أهل الصلاح(39).

رموز كبرى(40)

وسألني عن أهل العراق؟

فقلت: سيدي قد ألبسوا جلباب الذلة وهم بين القوم أذلاء.

فقال لي: (يا بن المازيار لتملكونهم كما ملكوكم(41) وهم يومئذ أذلاء).

فقلت: سيدي لقد بعد الوطن وطال المطلب(42).

فقال: (يا بن المازيار أبي أبو محمد(43) عهد إلي أن لا أجاور قوماً غضب الله عليهم ولعنهم ولهم الخزي في الدنيا والآخرة ولهم عذاب أليم(44) وأمرني أن لا أسكن من الجبال إلا وعرها ومن البلاد إلا فقرها والله - مولاكم(45) - أظهر التقية فوكلها فأنا في التقية إلى يوم يؤذن لي فأخرج).

فقلت: يا سيدي متى يكون هذا الأمر؟

فقال: (إذا حيل بينكم وبين الكعبة، واجتمع الشمس والقمر(46) واستدار بهما الكواكب والنجوم(47).

فقلت: متى يا بن رسول الله؟

فقال لي: (في سنة كذا وكذا(48) تخرج دابة الأرض(49) من بين الصفا والمروة(50) ومعه عصى موسى وخاتم سليمان تسوق الناس إلى المحشر)(51)، (52).

قائم الزمان(53)

أنا المهدي؛ وأنا قائم الزمان(54) وأنا الذي أملؤها عدلاً كما ملئت جوراً.

إن الأرض لا تخلو من حجة ولا يبقى الناس في فترة(55).

وهذه أمانة لا تحدث بها إلا إخوانك من أهل الحق(56).

جعل أنبياءه بشراً(57)

افهم عني ما أقول لك: اعلم أن الله تعالى لا يخاطب الناس بمشاهدة العيان(58) ولا يشافههم بالكلام(59) ولكنه جلت عظمته يبعث إليهم من أجناسهم وأصنافهم بشراً مثلهم، ولو بعث إليهم رسلاً من غير صنفهم وصورهم لنفروا عنهم، ولم يقبلوا منهم(60) فلما جاءوهم وكانوا من جنسهم يأكلون الطعاه ويمشون في الأسواق, قالوا لهم: أنتم بشر مثلنا لا نقبل منكم حتى تأتونا بشيء نعجز من أن نأتي بمثله, فنعلم أنكم مخصوصون دوننا بما لا نقدر عليه, فجعل الله عز وجل لهم المعجزات التي يعجز الخلق عنها(61).

فمنهم: من جاء بالطوفان بعد الإعذار والإنذار فغرق جميع من طغى وتمرد(62).

ومنهم: من ألقي في النار فكانت عليه برداً وسلاماً(63).

ومنهم: من أخرج من الحجر الصلب الناقة, وأجرى من ضرعها لبناً(64).

ومنهم: من فُلق له البحر وفجر له من العيون وجعل له العصا اليابسة ثعباناً تلقف ما يأفكون(65).

ومنهم: من أبرأ الأكمه والأبرص وأحيى الموتى بإذن الله, وأنبأهم بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم(66).

ومنهم: من انشق له القمر وكلمته البهائم, مثل البعير والذئب وغير ذلك(67).

فلما أتوا بمثل ذلك وعجز الخلق من أممهم عن أن يأتوا بمثله, وكان من تقدير الله جل جلاله, ولطفه بعباده وحكمته: أن جعل أنبيائه مع هذه المعجزات في حال غالبين وأخرى مغلوبين وفي حال قاهرين وأخرى مقهورين, ولو جعلهم الله في جميع أحوالهم غالبين وقاهرين, ولم يبتلهم ولم يمتحنهم لاتخذهم الناس آلهة من دون الله عز وجل, ولما عرف فضل صبرهم على البلاء والمحن والاختيار, ولكنه جعل أحوالهم في ذلك كأحوال غيرهم, ليكونوا في حال المحنة والبلوى صابرين, وفي حال العافية والظهور على الأعداء شاكرين, ويكونوا في جميع أحوالهم متواضعين, غير شامخين ولا متجبرين, وليعلم العباد: أن لهم (عليهم السلام) إلهاً هو خالقهم ومدبرهم فيعبدوه ويطيعوا رسله, وتكون حجة الله ثابتة على من تجاوز الحد فيهم, وادعى لهم الربوبية, أو عاند وخالف, وعصى وجحد(68). بما أتت به الأنبياء والرسل, وليهلك من هلك عن بينة, ويحيى من حي عن بينة(69).

الأئمة يسألون(70)

إن الله تعالى هو الذي خلق الأجسام, وقسم الأرزاق لأنه ليس بجسم ولا حال في جسم(71) ليس كمثله شيء, وهو السميع البصير.

وأما الأئمة (عليهم السلام) فإنهم يسألون الله تعالى فيخلق, ويسألونه فيرزق(72) إيجاباً لمسألتهم, وإعظاماً لحقهم(73).

نعي عثمان العمري(74)

إنا لله وإنا إليه راجعون. تسليماً لأمره, ورضاً بقضائه وبفعله(75) عاش أبوك سعيداً ومات حميداً(76) فرحمه الله وألحقه بأوليائه ومواليه (عليهم السلام)(77) فلم يزل في أمرهم ساعياً فيما يقربه الله عز وجل وإليهم. نضّر الله وجهه, وأقاله عثرته, وأجزل الله لك الثواب, وأحسن لك العزاء. ورزيت ورزينا, وأوحشك فراقه وأوحشنا(78) فسره الله في منقلبه.

وكان من كمال سعادته أن رزقه الله ولداً مثلك, يخلفه من بعده, ويقوم مقامه, ويترحم عليه(79).

وأقول: الحمد لله. فإن الأنفس طيبة بمكانك وما جعله الله عز وجل فيك وعندك(80). أعانك وقواك, وعضدك ووفقك وكان لك ولياً وحافظاً وراعياً(81).

وثيقة محمد بن عثمان(82)

... والابن - وقاه الله - لم يزل ثقتنا في حياة الأب - رضي الله عنه وأرضاه, ونضر وجهه - يجري عندنا مجراه, ويسد مسده, وعن أمرنا يأمر الابن وبه يعمل, تولاه الله(83).

وثيقة الحسين بن روح(84)

... نعرفه - عرفه الله الخير كله ورضوانه, وأسعده بالتوفيق - وقفنا على كتابه, وثقتنا بما هو عليه(85) وأنه عندنا بالمنزلة والمحل الذين يسرانه - زاد الله في إحسانه إليه, إنه ولي قدير - والحمد لله الذي لا شريك له, وصلى الله على رسوله محمد وآله, وسلم تسليماً كثيراً.

أنا بقية الله(86)

أنا بقية الله في أرضه(87) والمنتقم من أعدائه, فلا تطلب أقرأ بعد عين(88) يا أحمد بن إسحاق(89).

أنا خاتم الأوصياء(90)

أنا خاتم الأوصياء وبي يرفع الله البلاء عن أهلي وشيعتي(91).

يزري بحده(92)

متى ما أقـــــــــل مـــولاي أفضل منهما          أكـــــن للــــــذي فضـــــــلته منتـــــــقصا

ألم تـــــــرى أن الســــيف يزري بحده          مقالك هذا السيف أجدى من العصا(93)

من أخر الصلاة(94)

ملعونٌ ملعونٌ من أخر العشاء إلى إن تشتبك النجوم(95) ملعونٌ ملعونٌ من أخر الغداة إلى أن تنقضي النجوم(96).

من أكل من مالنا(97)

بسم الله الرحمن الرحيم, لعنة الله, والملائكة والناس أجمعين, على من أكل من مالنا درهماً حراماً(98).

أمان من الموت(99)

ألا أبشرك في العطاس وهو أمان من الموت ثلاثة أيام(100).

لو أذن الله لنا(101)

الحمد لله رب العالمين, وصلى الله على محمد وآله. عبد الله أولاً وآخر(102) غير مستنكف ولا مستكبر(103).

زعمت الظلمة: أن حجة الله داحضة, ولو أذن الله لنا لزال الشك(104).

دعاء بالولد(105)

اللهم ارزقه ولداً ذكراً تقر به عينه واجعل هذا الحمل الذي له ولداً ذكراً(106).

آجرك الله(107)

آجرك الله في صاحبك فقد مات وأوصى بالمال الذي كان معه إلى ثقة يعمل فيها بما يحب(108).

أنا القائم(109)

أنا القائم من آل محمد (صلَى الله عليه وآله) أنا الذي أخرج في آخر الزمان بهذا السيف -وأشار إليه - فأملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً (قال) فسقطت على وجهي وتعفرت (فقال) لا تفعل أرفع رأسك، أنت فلان من مدينة بالجبل يقال لها همذان (قلت) صدقت يا سيدي ومولاي.

(قال) فتحب أن تؤوب إلى أهلك؟ (قلت) نعم يا سيدي وأبشرهم بما أتاح الله عز وجل لي(110).

من يحاجني في الله(111)

من يحاجني في الله فأنا أولى بالله.

أيها الناس: من يحاجني في آدم فأنا أولى بآدم.

أيها الناس: من يحاجني في نوح فأنا أولى بنوح.

أيها الناس: من يحاجني في إبراهيم فأنا أولى بإبراهيم.

أيها الناس: من يحاجني في موسى فأنا أولى بموسى.

أيها الناس: من يحاجني في عيسى فأنا أولى بعيسى.

أيها الناس: من يحاجني في محمد فأنا أولى بمحمد.

أيها الناس: من يحاجني في كتاب الله فأنا أولى بكتاب الله(112).

بعد ثلاثين سنة(113)

هات ما معك.

فناولته الرقعة, فقال من غير أن ينظر إليها: قل له لا خوف عليك في هذه العلة ويكون ما لابد منه بعد ثلاثين سنة.

قال: فوقع علي الدمع حتى لم أطق حراكاً وتركني وانصرف(114).

الرفعة لله عز وجل(115)

روى أنه يكون في راية المهدي (عليه السلام):

الرفعة لله عز وجل(116).

لا تخرج(117)

لا تخرج في هذه السنة.

فأعاد وقال: هو نذر واجب أفيجوز لي القعود عنه؟

فخرج من الجواب: إن كان ولا بد فكن في القافلة الأخيرة(118).

اقبض الحوانيت(119)

اقبض الحوانيت من محمد بن هارون بخمسمائة دينار التي لنا عليه(120).

وثيقة حاجز(121)

ليس فينا شك. ولا فيمن يقوم مقامنا بأمرنا ترد ما معك إلى حاجز بن يزيد(122).

طالبهم(123)

طالبهم واستقض عليهم(124).

علامة الظهور(125)

أنا صاحب الحق, ليس هذا أوان ظهوري وقد بقي مدة من الزمن ثم قلت له: يا سيدي متى يظهر أمرك؟

قال: علامة ظهور أمري كثرة الهرج والمرج والفتن, وآتي مكة فأكون في المسجد الحرام.

فيقال: انصبوا لنا إماماً.

ويكثر الكلام حتى يقدم رجل من الناس فينظر في وجهي ثم يقول: يا معشر الناس هذا المهدي انظروا إليه(126).

خبر أوليائنا(127)

يا عيسى: ما كان لك أن تراني لولا المكذبون القائلون: أين هو، وقد كان؟ وأين ولد؟ ومن الذي رآه؟ وما الذي خرج إليكم منه؟ وبأي شيء نبأكم؟ وأي معجز أتاكم؟

أما والله لقد دفعوا أمير المؤمنين (عليه السلام) - مع ما رووه - وقدموا عليه, وكادوه وقتلوه, وكذلك آبائي (عليهم السلام), لم يصدقوهم ونسبوهم إلى السحر وخدمة الجن إلى ما تبين.

يا عيسى فخبر أوليائنا ما رأيت, وإياك أن تخبر عدونا فتسلبه.

فقلت: يا مولاي أدع لي بالثبات.

فقال: لو لم يثبتك الله ما رأيتني وامض بنجمك راشداً.

فخرجت أكثر حمداً لله وشكراً.

يا معشر الخلائق(128)

يا معشر الخلائق ألا من أراد أن يظهر إلى آدم وشيت فها أنا ذا آدم وشيت.

ألا ومن أراد أن ينظر إلى إبراهيم وإسماعيل فها أنا ذا إبراهيم وإسماعيل.

ألا ومن أراد أن ينظر إلى موسى ويوشع فها أنا ذا موسى ويوشع.

ألا ومن أراد أن ينظر إلى عيسى وشمعون فها أنا ذا عيسى وشمعون.

ألا ومن أراد أن ينظر إلى محمد وأمير المؤمنين (صلوات الله عليهما) فها أنا ذا محمد (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام).

ألا ومن أراد أن ينظر إلى الأئمة من ولد الحسين (عليهم السلام) فها أنا ذا الأئمة (عليهم السلام)(129).

أجيبوا إلى مسألتي فإني أنبئكم بما نبئتم وما لم تنبئوا به(130).

ومن كان يقرأ الكتاب والصحف فليسمع مني(131).

معاشر نقبائي(132)

يا معاشر نقبائي وأهل خاصتي ومن ذخرهم الله لنصرتي قبل ظهوري على وجه الأرض ائتوني طائعين(133).

لا يدخلك الشك(134)

قل للمهزيار(135) قد فهمنا ما حكيته عن موالينا بناحيتكم(136) فقل لهم: أما سمعتم الله عز وجل يقول: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)(137).

هل أمر إلا بما هو كائن إلى يوم القيامة؟

أوَ لم ترو أن الله عز وجل جعل لهم معاقل يأوون إليها؟ وأعلاماً يهتدون بها؟ من لدن آدم إلى أن ظهر الماضي (يعني: أباه الحسن العسكري) صلوات الله عليه, كلما غاب علم بدا علم وإذا أفل نجم طلع نجم, فلما قبضه الله تعالى عز وجل إليه ظننتم أن الله قد قطع السبب بينه وبين خلقه؟

كلا ما كان ذلك, ولا يكون حتى تقوم الساعة ويظهر أمر الله وهم كارهون(138).

يا محمد بن إبراهيم: لا يدخلك الشك فيما قدمت له(139) فإن الله لا يخلي الأرض من الحجة. أليس قال لك أبوك قبل وفاته: احضر الساعة من يعيّر هذه الدنانير التي عندي فلما أبطأ ذلك عليه وخاف الشيخ(140) على نفسه الوحي(141) قال لك: عيرها على نفسك وأخرج إليك كيساً كبيراً وعندك بالحضرة ثلاثة أكياس, وصرة فيها دنانير مختلفة النقد فعيرتها وختم الشيخ عليها بخاتمه وقال لك: اختم مع خاتمي, فإن أعش فأنا أحق بها وإن أمت فاتق الله في نفسك أولاً ثم فيّ فخلصني وكن عند ظني بك.

أخرج رحمك الله الدنانير التي استفضلتها من بين النقدين من حسابنا وهي بضعة عشر ديناراً, واسترد من قبلك(142) فإن الزمان أصعب ما كان, وحسبنا الله ونعم الوكيل.

طلب دعاء ومسائل(143)

بسم الله الرحمن الرحيم سألت الدعاء عن العلة التي تجدها, وهب الله لك العافية ودفع عنك الآفات, وصرف عنك بعض ما تجده من الحرارة(144) وعافاك وصح جسمك.

وسألت ما يحل أن يصلى فيه من الوبر, والسمور, والسنجاب, والفتك والدلق والحواصل(145)؟

فأما السمور والثعالب فحرام عليك وعلى غيرك الصلاة فيه, ويحل لك جلود المأكول من اللحم إذا لم يكن فيه غيره(146) وإن لم يكن لك ما تصلي فيه فالحواصل جائز لك أن تصلي فيه(147).

الفرا متاع الغنم ما لم يذبح بأرمينية يذبحه النصارى على الصليب فجائز لك أن تلبسه إذا ذبحه أخ لك (أو مخالف تثق به)(148).

دعاء بالعاقبة(149)

ألبسك الله العافية وجعلك معنا في الدنيا والآخرة(150).

إلى الحسين بن الفضل اليماني(151)

فخرج إلى الرسول: أخطأت إذ لم تعلمه أنا وبما فعلنا ذلك بموالينا وربما سألونا ذلك يتبركون به.

وخرج إلي: أخطأت بردك بدنا, وإذ استغفرت الله فالله يغفر لك, وإذا كان عزيمتك وعقد نيتك أن لا تحدث فيها حدثاً, ولا تنفقها في طريقك فقد صرفناها عنك(152).

وأما الثوبان(153) فلا بد منهما لتحرم فيهما(154).

الشرطة للجارية(155)

أتاني - أبقاك الله - كتابك الذي أنفذته.

أما الرجل الذي استحل بالجارية, وشرط عليها أن لا يطلب ولدها فسبحان من لا شريك له في قدرته, شرطه على الجارية شرط على الله عز وجل؟ هذا ما لا يؤمن أن يكون, وحيث عرض في هذا الشك وليس يعرف الوقت الذي أتاه فيه فليس ذلك بموجب لبراءة في ولده(156).

وأما إعطاء المائتي دينار وإخراجه من الوقف فالمال ماله فعل فيه ما أراد(157).

قال أبو الحسين: حسب الحساب فجاء الولد مستوياً(158).

عهداً من رسول الله(159)

اسكت يا فلان, إي والله إن معي عهداً من رسول الله (صلى الله عليه وآله).

هات يا فلان العيبة أو الزنفيلجة.

فيأتيه بها فيقرئه العهد من رسول الله (صلى الله عليه وآله).

فيقول: جعلني الله فداك أعطني رأسك أقبله.

فيعطيه رأسه فيقبل بين عينيه ثم يقول: جعلني الله فداك جدد لنا بيعة, فيجدد لهم بيعة(160).

يا جداه(161)

يا جداه وصفتني ودللت علي, نسبتني, وسميتني, وكنيتني, فجحدتني الأمة وتمددت وقالت: ما ولد, ولا كان, وأين هو؟ ومتى كان؟ وأين يكون؟ وقد مات ولم يعقب, ولو كان صحيحاً ما أخره الله إلى هذا الوقت المعلوم.

فصبرت متحسباً, وقد أذن الله فيها بإذنه يا جداه(162).

عليك بالأسدي(163)

إنه كان له(164) قبلي ألف دينار وإني وجهت إليه بمائتي دينار لأني شككت وأن الباقي له عندي فكان كما وصف وقال: إن أردت أن تعامل أحداً فعليك بأبي الحسين الأسدي بالري(165).

 

1- الشيخ الصدوق (قدس سره) (في كمال الدين) ج2 ص121 عن ابن المتوكل، عن الحميري، عن إبراهيم بن مهزيار - وذكر قصة طويلة في بحثه عن صاحب الأمر (عليه السلام) - بعد وفاة أبيه الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)، حتى لقي صاحب الأمر (عليه السلام) ووصفه فيما وصفه - بأنه ناصع اللون، واضح الجبين، أبلج الحاجب، مسنون الخدين، أقنى الأنف، أشم أروع كأنه غصن بان، وكأن صفحه غرته كوكب دري، بخده الأيمن خال، كأنه فتاتة مسك على بياض الفضة، فإذا برأسه وفرة سحماء سبطة، تطالع شحمة أذنه، له سمت ما رأت العيون أقصد منه، ولا أعرف حسناً وسكينة وحياءً.

فلما مثل لي أسرعت إلى تلقيه، فأكببت عليه ألثم كل جارحة منه، فقال لي: مرحباً بك يا أبا إسحاق، لقد كانت الأيام تعدني وشك لقائك، والمعاتب بيني وبينك على تشاحط الدار، وتراخي المزار تتخيل لي صورتك حتى كأن لم نخل طرفة عين عن طيب المحادثة وخيال المشاهدة وأنا أحمد الله ربي ولي الحمد على ما قيض لي من التلاقي، ورفه من كربة التنازع والاستشراف.

ثم سألني: عن إخواني متقدمه ومتأخرهم فقلت: بأبي أنت وأمي ما زلت أفحص عن أمرك بلداً فبلداً منذ استأثر الله بسيدي أبي محمد (عليه السلام) فاستغلق علي ذلك حتى من الله علي بمن أرشدني إليك ودلني عليك، والشكر لله على ما أودعني فيك من كريم اليد والطول.

وهنا ملاحظات يستحب منا الإلفات إليها:

(الأولى) إبراهيم بن مهزيار هذا هو والد علي بن إبراهيم بن مهزيار، الذي ذكرنا له قصة أخرى مع صاحب الأمر (عليه السلام)، وحديثاً بينهما، وكلاهما - الأب والابن - وكيلان للناحية المقدسة، وهما وعائلتهما من العوائل الجليلة عند أهل البيت (عليهم السلام) وعند الشيعة، وفيهم علماء وأتقياء.

(الثانية) استقرب البعض اتحاد هذه الرواية مع رواية علي بن إبراهيم بن مهزيار، لكنه في غير محله، إذ أن الأب والابن كلاهما وكيلان للناحية المقدسة، فما المانع في أن يكون كل واحد منهما قد تشرف بمكالمة ولقاء صاحب الأمر (عليه السلام)؟

وموافقة بعض الخصوصيات - لكونهما في مكة، ومنها إلى الطائف وغير ذلك - لا تكون قرينة على اتحاد القضية، إذ هناك فوارق كثيرة أخرى بينهما.

(الثالثة) نذكر فيما يلي تفسير بعض الكلمات الواردة:

(ناصع) خالص، (أبلج) عدم مزج الحاجبين، بل الفصل بينهما، (مسنون) أي: غير منتفخ، (أشم أروع) ممدود الأنف امتداداً رائعاً نضراً، (بان) شجر رائع القوام يضرب به المثل في الطول والاستواء، (غرته) أي: وجهه، (فتاتة مسك) قطعة مسك، والمسك طيب أسود اللون يضرب به المثل، (وفرة) كثرة من الشعر، (سحماء) سوداء (سبطة) - بكسر وفتح الباء - مترسلة غير متجعدة، (تطالع شحمة أذنه) أي: متدلية إلى شحمة الأذن، (سمت) هيئة أهل الخير، (أقصد) أحسن، (وحياءً) أي: منه.

(ألثم) أقبل (وشك) قرب (المعاتب) وقت الرضا (تشاحط) تباعد.

(قيض) هيأ (التنازع) الاشتياق.

(استأثر الله) اختار الله لنفسه (والطول) المنة.

2- أبعدها.

3- جمع (ضالة).

4- كناية عن الجبال.

5- جبت: ردت، صرائم: الأراضي القاحلة الخالية من بناء أو زرع أو سكن.

6- الجزع.

7- (انبط) وصل حفار البئر إلى الماء.

8 - (خوافي) جمع: خافية (مقارعاً) منازعاً.

9- (نزع) كركع. مشتاقون (أمت) قصدت (أوكار) جمع: وكر؛ مسكن الطائر (مخائل): فطان (الضيم) الظلم.

10- تأييد, وتيسير بالتنوين مطوعان عن الإضافة (الكعب) الشرف والمجد.

11- (أعطافك) أطرافك. (بترادف) توارد (يتناظم) ينتظم (مثاني العقود) العقود المثنية لا تتبدد (جنبات) أطراف (عرائك) جمع عريكة: الطبيعة (ضرائب) جمع ضريبة, حد السيف (نظرة) جميلة (عيدان) جمع: عود الغصن.

12- (مكاثفة) الاجتماع. (تبعتك): بايعتك (دوحة) الشجرة العظيمة (بسقت) طالت (حافات) أطراف (طبرية) في أقرب الموارد: بلدة بجانب بحيرة الجليل, ولعل المقصود بها البحر الميت, وقد ورد في الأحاديث الشريفة أن صاحب الأمر (عليه الصلاة والسلام) يأتي إلى بيت المقدس فيخرج ألواح التوراة من تحت الأرض, ويرى علماء اليهود اسمه الكريم وصفاته في تلك الألواح, فتؤمن به اليهود إماماً ويعترفون بنبوة نبي الإسلام محمد بن عبد الله (صلّى الله عليه وآله) ولعل هذه الجملة إشارة إلى ذلك.

13- (أسقام الآفاق) يعني: أن أهل الآفاق من سائر الملل والأديان كانوا في أسقام وأمراض روحانية (وسلام الرفاق) أن رفقاءك كانوا سالمين عن الأسقام الروحانية لأن عقائدهم كانت صحيحة (تواسط) أي: الوحوش الصعبة الكاسرة, كناية عن الأمن والارتياح في أكناف صاحب الأمر (عليه السلام).

14- (بواني العز) أسسه (تؤوب) ترجع (شوارد الدين) كناية عما ترك من أحكام الله تعالى (يتهاطل) ينصب كانصباب المطر (قاسط) أي: ظالم, وهو من أضداد اللغة (غامط) محقر للحق وأهله (كاشح) الذي يعطي للحق كشحه أي: ظهره.

15- سورة الطلاق: آية3.

16- يعني: إذا ظهر أمر الله تعالى فكن أنت ممن تأتي إلينا بالمؤمنين, ولعل من هذا يستكشف أن إبراهيم بن مهزيار من أنصار الحجة (عليه السلام) عند الرجعة, ومن قواده (عليه السلام).

17- اقترب.

18- (منصرفك): مسيرك في الرجوع إلى بلدك (الشقة) الطريق. ويقال له الشقة على السالك قطعة (قذفة) تقذف بمن يسلمها (نشره) امتداده وبسطه (أربضناه) هيأناه (نولك) أنعم الله.

19- (الأوبة) الرجوع إلى الأهل والبلد (أكناف) أطراف (أوعث) أتعب (استودعه نفسك) أجعلك وديعة عند الله تعالى.

20- (عوائد) متكررات (عن معاونه أوليائه) أي: لا نحتاج إلى إعانتهم لنا (أتقى) أكثر التقوى (أبقى) أكثر بقاءً (أرفع ذكراً) المقصود بذلك الإيمان الخالص.

21- (أ): الاحتجاج أبو منصور: أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي ج2 ص267 - 274.

(ب): كمال الدين وتمام النعمة - أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي الصدوق عن محمد بن علي بن محمد بن حاتم النوفلي الكرماني عن أبي عباس أحمد بن عيسى الوشاء البغدادي عن أحمد بن طاهر القمي عن محمد بن بحر بن سهيل الشيباني عن أحمد بن مسرور عن سعد بن عبد الله القمي.

(ج): إلزام الناصب - الشيخ علي اليزدي الحائري ج1 ص343 - 347. في رواية طويلة أن سعد بن عبد الله القمي الأشعري دخل في نقاش حاد مع بعض خصومه... قال: فرجعت عن هذا الخصم على حال ينقطع كبدي.

فأخذت طوماراً وأثبت في نيفاً وأربعين مسألة من صعاب المسائل لم أجد لها مجيباً على أن أسأل فيها خير أهل بلدي أحمد بن إسحاق صاحب مولانا أبي محمد (عليه السلام) فارتحلت خلفه وقد كان خرج قاصداً نحو مولانا بسر من رأى فلحقته في المناهل فلما تصافحنا قال: بخير لحاقك بي؟ قلت: الشوق ثم العادة في الأسئلة.

قال: قد تكافينا هذه اللحظة الواحدة فقد برح بي العزم إلى لقاء مولانا أبي محمد وأريد أن أسأله عن معاضل في التأويل ومشاكل في التنزيل، فدونكها الصحبة المباركة فإنها تقف بك على ضفة بحر لا تنقضي عجائبه ولا تفنى غرائبه, وهو إمامنا, فوردنا سر من رأى فانتهينا منها إلى باب سيدنا فاستأذنا فخرج الإذن بالدخول عليه وكان على عاتق أحمد بن إسحاق جراب قد غطاه بكساء طبري فيه ستون ومائة صرة من الدنانير والدراهم على كل صرة منها ختم صاحبها.

قال سعد: فما شبهت مولانا أبا محمد حين غشينا نور وجهه إلا بدراً قد استوفى من لياليه أربعاً بعد عشر, وعلى فخذه الأيمن غلام يناسب المشتري في الخلقة والمنظر, وعلى رأسه ذؤابتان.

22- قال العلامة الحلي في القسم الأول من كتاب (خلاصة الرجال ص14:) أحمد بن إسحاق الرازي, من أصحاب أبي الحسن الثالث: علي بن محمد الهادي (عليه السلام). أورد الكشي ما يدل على اختصاصه بالجهة المقدسة, وقد ذكرته في الكتاب الكبير).

وأما سعد بن عبد الله بن أبي خلف الأشعري القمي فهو من أجلاء العلماء.

قال الشيخ الطوسي في كتاب (الغيبة) ص431 في باب أصحاب العسكري: (عاصره (عليه السلام), ولم أعلم أنه روي عنه).

وقال العلامة الحلي في كتاب (خلاصة الرجال) ص78: (يكنى أبا القاسم, جليل القدر, واسع الأخبار, كثير التصانيف, ثقة, شيخ هذه الطائفة وفقيهها ووجيهها, لقي مولانا أبا محمد العسكري (عليه السلام)).

توفي رحمة الله يوم الأربعاء لسبعة وعشرين من شوال, سنة ثلاثمائة في ولاية رستم.

23- المراد من العسكري هو مولانا أبو محمد الحسن العسكري (عليه السلام) والمراد من الغلام نجله الإمام المهدي (عليه السلام).

24- غلام يجلس على فخذ أبيه كيف يمكن إرجاع علماء الشيعة إليه في مختلف شؤونهم ثم يتحملها، ويؤديها بالشكل الرسالي المطلوب؟ والشيعة هم الشيعة الذين تطاول صغارهم على العمالقة والجبابرة، فكيف تصاغر عمالقتهم أمام هذا الغلام بتقديس؟

ثم سجلوا للأبد وفي جملة التراث الديني المقدس كلما استطاعوا أن يلتقطوا من كلماته وحركاته وتوجهاته ومواصفات هندامه حتى أوصاف الأترجة التي كان يتابعها.

والجواب من جانب الشيعة ومن جانب الغلام:

أما من جانب الشيعة فإن كل التضحيات التي أرخصوها مدى تاريخهم بلا هوادة كانت لسبب واحد وهو رفض الباطل مهما استعلى واستبد، والنزوع إلى الحق ولو عبر ظلمات الحياة، فيتهافتون عليه أينما وجدوه في صغير أو كبير، وفي رجل أو امرأة، وفي الحياة أو في الممات، وفوق بساط الريح أو تحت سنابك الخيول. فالمهم لديهم أن يعرفوا أين تتجسد إرادة الله حتى لا يبالوا في سبيله شيء.

وأما من جانب الغلام (عليه السلام):

1: دينياً، قضية العمر محلولة - في رسالات السماء - فالله الذي جعل عيسى في المهد نبياً، وآتى يحيى الحكم صبياً، هو الذي جعل هذا الغلام في الصغر إماماً.

2: عملياً، قضية التجربة التي أجابت على كل التساؤلات فالإمام المهدي (عجل الله فرجه) منذ صباه أثبت أنه الإمام من خلال لقاءاته لقادة الشيعة، بينما فشلت محاولات عمه جعفر التواب في تبؤ مركز الإمام رغم قربه من السلطة.

3: واقعياً، قضية التكامل الإنساني قضية الروح وليست قضية الجسد، وقضايا الجسد من تفاعلات الحياة على هذه الأرض، فتبدأ دورة الكمال الجسماني وتنتهي بالموت، وقضايا الروح من تفاعلات الحية عبر مختلف العوامل التي تشكل مسيرة الإنسان، وقد بدأت دورة الكمال الإنساني منذ خلق الله الأرواح وتنتهي حيث يشاء الله تعالى.

والأرواح تختلف في طي مراحل التكامل، كما أن الأجساد تختلف في طي مراحل التكامل، فبعض الأرواح لم تتعرض للخطأ والتردد أو تعرضت لهما فتصل إلى مرحلة عالية من الكمال تتناسب مع محيط الجنة كما قال سبحانه: (وجزاهم بما صبروا جنة وحريراً) سورة الإنسان، آية 12. وبعض الرواح تعرضت للخطأ والتردد حتى استنزفت قابلياتها التطويرية والتكميلية، فانحدرت دركاً يتناسب مع جهنم، كما قال تعالى: (ويوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيباتكم في الحياة الدنيا واستمتعتم بها فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير حق وبما كنتم تفسقون) سورة الأحقاف، آية 20. تماماً كما أن بعض الأجساد قد لا تتعرض للأمراض والآفات وتجد تغذية صحية تساعدها على النمو والشدة فتصل إلى مرحلة عالية من الكمال تؤهلها للفوز في الحلبات، وبعض الأجساد تتعرض للأمراض والآفات حتى لا يبقى منها إلا لحم موبوء وعظام نخرة لا تصلح إلا للقبور.

مضافاً إلى اختلاف المواد التي خلقت منها الأرواح، فمنها مواد نورانية لا شوائب فيها، فتفتح طريقها إلى الأعلى بسرعة النور، ومنها مواد ظلمانية لا تجد طريقاًَ إلا إلى الأسفل فتتجه نحو مركزها الحقيقي.

ولذلك نجد فصيلة من الأرواح كانت متناسبة مع التراب - قبل وصولها إلى عالم الدنيا - فخلقها الله بشراً من التراب, وفصيلة أخرى من الأرواح كانت متناسبة مع النار - قبل وصولها إلى عالم الدنيا - فخلقها الله جاناً من النار, كما قال عز وجل: (خلق الإنسان من صلصال كالفخار* وخلق الجان من مارج من نار) سورة الرحمن, آية14 - 15.

كما نجد بعض الأرواح قد ارتفعت إلى مرحلة العصمة قبل وصولها إلى عالم الدنيا, بينما انحدرت بعض الأرواح إلى مرحلة الكفر قبل وصولها إلى عالم الدنيا, فقال النبي (صلّى الله عليه وآله) عن نفسه: (كنت نبياً وآدم بين الماء والطين) وقال عن نفسه وأهل بيته: (سبحنا فسبحت الملائكة, هللنا فهللت الملائكة...) في الوقت الذي لعن أناساً بأسمائهم وهم لما يزالوا في أصحاب آبائهم.

وقد أشار القرآن الكريم إلى هاتين الحقيقتين من خلال رفع لافتة الشجرة الطيبة ولافتة الشجرة الملعونة, فقال: (ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء* تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون) سورة إبراهيم, آيه24 - 25. (وإذا قلنا لك أن ربك أحاط بالناس ما جعلنا الرؤية التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغياناً كبيراً) سورة الإسراء, آية60.

وعلى هذا الأساس لا يبرر للاستغراب من وصول الإمام المهدي (عجل الله فرجه) إلى مقام الإمامة في عمر مبكر.

25- القراضة: ما يقرض من الثوب والورق, وقراضة الذهب شيء يسير منه.

26- المن جمعه أمنان: كيل أو ميزان أو رطلان يختلف في البلاد والأزمان. فالمن عند العرب غيره عند الفرس هكذا.

27- وسبب حرمة ذلك أن الحائك أمين, وإذا حافظ الأمين على ما أتمن عليه بالطرق المألوفة ثم فقد منه فهو غير ضامن, وطالما سرق من الحائك فأخذ مثله منه حرام واقعي, وإن كان ظاهراً محكوماً بالحيلة لصاحبه إذا لم يقم الحائك الحجة شرعاً على أنه سرق منه.

28 - الأكار, جمعه: أكره وأكارون: الحراث.

29 - المقاسمة: أن يتفق صاحب أرض أن يقدم أرضه ووسائل الزراعة, وأن يكون على الحراث الزراعة على أن يكون لكل منهما نصيب معين من الريع.

30- في قوله (عجل الله فرجه): (توصي بردها على أربابها) إشعار بأنه يموت في طريق العودة كما حدث بالفعل.

31- (الفاحشة المبينة) ورد في ثلاث آيات من القرآن:

الأولى: (يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرهاً ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن, إلا أن يأتين بفاحشة بينة وعاشروهن بالمعروف, فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً) سورة النساء آية19.

الثانية: (يا نساء النبي من يأتي منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيراً) سورة الأحزاب آية33.

الثالثة: (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وتلك حدود الله..) سورة الطلاق, آية1.

والسؤال عن الفاحشة المبينة التي وردت في الآية الثالثة, وأما التي وردت في الآية الأولى والآية الثانية فالكلام عنها طويل فليراجع المصادر المختصة في التفسير والفقه.

32- فالمطلقة سكناها وسائر نفقاتها على زوجها, ويستحب لها أن تتزين له حتى يعود إليها قبل انقضاء عدتها, فإذا انقضت ولم يرجع إليها خرجت عن بيته, وكان لها أن تتزوج غيره.

فإذا أتت بفاحشة مبينة - وهي في العدة - حل له إخراجها من بيته.

33- السحق: اكتفاء المرأة بالمرأة, وحده - على المشهور بين الفقهاء قديماً وحديثاً - الجلد كالزنا مطلقاً سواء كانتا أو إحداهما محصنة أم غير محصنة, وعن الشيخ في النهاية وتبعه القاضي وابن حمزة التفصيل بلا حصان فالرجم وبغيره بالجلد - كالزنا - وفي المسألة روايات في الوسائل والمستدرك وهي مختلفة بإطلاق الجلد, وإطلاق الرجم, والتفصيل بين المحصن وغيره, ويطلب التفصيل في مجالات الاختصاص, إلا أن القول المشهور إن لم يكن أقوى فلا ريب أنه أحوط, لتقدم الاحتياط في جانبه على الاحتياط في أجراء الحدود كما حققناه في بعض مباحثنا.

34- سورة طه, آية12.

35- نبحث بمناسبة هذا النص عن عدة أمور:

1: إن الصلاة كانت في جميع الرسالات كما هي في الإسلام, وموقعها في سائر الديانات ذات موقعها في الديانة الإسلامية, أي كانت أهم العبادات ومن الواضح أن دور العبادات يأتي بعد دور العقائد - لأن الصلاة تعني التكرس أمام اللهو ولا يمكن أن يخلو توجه السماء من التوجيه إلى السماء.

فالصلاة كانت في الديانة اليهودية, كما كانت في الديانات التي هبطت قبلها أو بعدها, وأن تدرجت صيغتها نحو الكمال مع درج البشرية والديانات, حتى استوفت كمالها مع كمال الديانة في الإسلام.

2: وإذا صح أن جوهر الصلاة هو التكرس أمام الله, في مطلق الصيغ التي شرعه الله - فمناجاة موسى (عليه السلام) على جبل الطور من أفضل صلواته, فلا صلاة أفضل من توجه يعطف توجه السماء, كما أن معراج النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) أفضل صلواته.

3: النجاسات المادية - كالمعنوية - تشد إلى الأرض, وتمنع الخلوص إلى الأعلى فدخول موسى (عليه السلام) في المناجاة على جبل الطور بنعلين نجستين لا يعني إلا أحد المعنيين اللذين ذكرهما الإمام المهدي (عجل الله فرجه).

4: أما التعبير بالكفر عن اعتقاد عدم معرفة موسى (عليه السلام) الحلال من الحرام, فلأن تجهيل النبي بشريعته يساوي إنكار نبوته, وإنكار نبوة أيٍّ من الأنبياء من إمارات الكفر إن لم يكن من أنواعه.

36- هذا لا يعني أن الإنسان لا يكون مخلصاً لله إذا أحب سواه, وإنما يعني أن الإنسان لا يكون مخلصاًًًًً لله إذا كان حبه لغيره مستقلاً عن حبه لله, وأما إذا كان حبه لغير الله متشعباً من حبه لله فلا ينافي الإخلاص, فما من نبي إلا يحب جميع أولياء الله, ويتعاطف مع أقربائه والمتعايشين معه, حتى إذ اصطدموا بشيء من أحكام الله ارتفع مقياس حبه لله ليزيحهم عن الطريق.

37- سورة الأعراف، آية 155.

38- سورة البقرة، آية55.

39- الحديث طويل وقد اخترنا منه هذه البنود حسب مناسبة المقام. وفي المصادر بعض الاختلاف اللفظي، وقد أثبتنا منها ما هو الأقوى والأجزل.

40- الغيبة - أبو جعفر محمد بن الحسين الطوسي عن جماعة عن التلعكبري عن أحمد بن علي الرازي عن علي بن الحسين عن رجل ذكر أنه من أهل قزوين لم يذكر اسمه عن حبيب بن محمد بن يونس بن شاذان الضمائي قال: دخلت إلى علي بن إبراهيم بن مهزيار فسألته عن آل أبي محمد (عليهم السلام) فقال: يا أخي لقد سألت عن أمر عظيم. حججت عشرين حجة كلاًّ أطلب به عيان الإمام (عليه السلام) فلم أجد إلى ذلك سبيلاً, فبينما أنا ليلة نائم في مرقدي إذ رأيت قائلاً يقول: يا علي بن إبراهيم قد أذن لك الله في الحج فلم أعقل ليلتي حتى أصبحت فأنا مفكر في أمري أرقب الموسم ليلي ونهاري فلما كان وقت الموسم أصلحت أمري وخرجت متوجهاً نحو المدينة فما زلت كذلك حتى دخلت يثرب فسألت عن آل أبي محمد (عليه السلام) فلم أجد له أثراً، ولا سمعت له خبراً فأقمت مفكراً في أمري حتى خرجت من المدينة أريد مكة فدخلت الجحفة وأقمت بها يوماً وخرجت منها متوجهاً نحو الغدير - وهو على أربعة أميال من الجحفة - فلما أن دخلت المسجد صليت وغرت واجتهدت في الدعاء وابتهلت إلى الله لهم وخرجت أريد عسفان، فما زلت كذلك حتى دخلت مكة فأقمت بها أياماً أطوف البيت وأعتكف، فبينا أنا ليلة في الطواف إذا أنا بفتى حسن الوجه طيب الرائحة، يتبختر في مشيته، طائف حول البيت، فحس قلبي به فقمت نحوه فحككته، فقال لي: من أين الرجل؟ فقلت من أهل العراق؟ فقال لي: من أي العراق؟ قلت من الأهواز فقال لي: تعرف بها ابن الخطيب؟ فقلت رحمه الله دعي فأجاب، فقال: رحمه الله فما كان أطول ليلته وأكثر تبتله وأغزر دمعته، أفتعرف علي بن إبراهيم المازيار؟ فقلت: أنا علي بن إبراهيم فقال: حياك الله أبا الحسن ما فعلت بالعلامة التي بينك وبين أبي محمد الحسن بن علي؟ فقلت: معي قال: أخرجها، فأدخلت يدي في جيبي فاستخرجتها فلما أن رآها لم يتمالك أن تغرغرت عيناه وبكى منتحباً حتى بل أطماره ثم قال: أذن لك الآن يا بن المازيار صر إلى رحلك وكن على أهبة من أمرك حتى إذا لبس الليل جلبابه وغمر الناس ظلامه صر إلى شعب بن عامر فإنك ستلقاني هناك.

فصرت إلى منزلي فلما أن أحسست بالوقت أصلحت رحلي وقدمت راحلتي وعكمتها شديداً وصرت في متنه وأقبلت مجداً في السير حتى وردت الشعب فإذا أنا بالفتى قائم ينادي إلى يا أبا الحسن إلي فما زلت أدلف نحوه فلما قربت بدأني بالسلام وقال لي: سر بنا يا أخي، فما زال يحدثني وأحدثه حتى تخرقنا جبال عرفات وسرنا إلى جبال منى وانفجر الفجر الأول ونحن قد توسطنا جبال الطائف، فلما أن كان هناك أمرني بالنزول وقال لي: انزل فصل صلاة الليل، فصليت وأمرني بالوتر فأوترت وكانت فائدة منه ثم أمرني بالسجود والتعقيب ثم فرغ من صلاته وركب وأمرني بالركوب وسار وسرت معه حتى علا ذروة الطائف فقال: هل ترى شيئاً قلت: نعم أرى كثيب رمل عليه بيت شعر يتوقد البيت نوراً فلما أن رأيته طابت نفسي فقال لي: هناك الأمل والرجاء. ثم قال: سر بنا يا أخي فسار وسرت بمسيره إلى أن انحدر من الذروة وسار في أسفله فقال: انزل فها هنا يذل كل صعب ويخضع كل جبار.

ثم قال: خل عن زمام الناقة، فعلى من أخلفها؟ فقال: حرم القائم (عليه السلام) لا يدخله إلا مؤمن ولا يخرج منه إلا مؤمن. فخليت عن زمام راحلتي وسار وسرت معه إلا أن دنا من باب الخباء فسبقني بالدخول وأمرني أن أقف حتى يخرج إلي ثم قال لي: أدخل هناك السلامة فدخلت فإذا أنا به (عليه السلام) جالس قد اتشح ببردة وائتز بأخرى وقد كسر بردته على عاتقه وهو كأقحوانة أرجوان قد تكاثف عليها الندى وأصابها ألم الهوى وإذا هو كغصن بان أو قضيب ريحان سمح سنحي تقي نقي ليس بالطويل الشامخ ولا بالقصير اللازق بل مربوع القامة مدور الهامة صلت الجبين أزج الحاجبين أقنى الأنف سهل الخدين على خده الأيمن خال كأنه فتات مسك على رضراضة عنبر, فلما أن رأيته بدرته بالسلام فرد علي أحسن ما سلمت عليه وشفهي:

41- هذه بشارة من الإمام بأنه يأتي دور يتولى فيه المؤمنون به حكم العراق, وبما أنه لم يحدث ذلك في الماضي فلا بد أن يحدث في المستقبل بإذن الله.

42- علي بن إبراهيم قال هذا القول للإمام المهدي, وهو يعني بـ(الوطن) وطن الإمام المهدي ويعني بـ(المطلب) ظهوره الذي يضع حداً لجميع الانحرافات, وهو - بهذا الكلام - يظهر تأسفه بطول فترة تغرب الإمام المهدي وانتظار وعد الله.

43- يعني والده الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) فهو الذي أوصاه بالهجرة من المجتمعات الفاسدة التي قتلت آبائه الطاهرين إلى المناخات البريئة والأجواء النقية من الجبال الوعرة والصحاري المقفرة التي لا تلوثها أشباح الظالمين.

44- يقصد جميع المجتمعات - منذ الغيبة إلى الظهور - فكل هذه المجتمعات تتألف من أقوام غضب الله عليهم ولعنهم, بدليلين:

الأول: أن الله أبعد حجته عنهم, وتركهم في ظلمات يعمهون, فهم في الماضي كما هم اليوم في كل مكان يعيشون شريعة الغاب, فالأقوياء يتكالبون على دنياهم تكالب الهراش على الجيفة, والضعفاء يتساقطون في الولايات تساقط الفراش في النار, حتى لا يوجد إنسان إلا وهو ظالم أو مظلوم, أو ظالم ومظلوم في آن واحد, على اختلاف درجات الظلم وأنواعه.

الثاني: أنهم لا يريدون حجة الله فيهم إلا مجرد رمز يماري ويداري, ويغازل ويجامل, فيماري المظلوم ويبارك الظالم, ولو ظهر حجة الله بالأمس أو اليوم في أي مجتمع من المجتمعات البشرية, كما هو وكما يريده الله معبراً عن إرادة الله الصارمة, يكون نصيبه الشهادة, إلا إذا تسلح بقواه السماوية التي تعلو ولا يعلى عليها كما ظهر سليمان وذو القرنين.

وهذان الدليلان يثبتان أن هذه المجتمعات برمتها ملعونة مغضوب عليها.

وأما الأفراد الصالحون الذين يتحفزون ولا يملكون التغيير, فهم قلائل متبعثرون, ولا يشكلون شريحة يمكن الاستناد إليها في اجتياح قوى الشر أو الصمود أمامها, بدليل أنهم - في الماضي - لم يستطيعوا الدفاع عن الأنبياء والأوصياء, وهم - اليوم - يعلنون, ولا يشكلون قوى ضاربة, ولا كتلة تملك الاستقلال والخروج بنفسها من طغيان المجتمعات.

إنهم - حتى اليوم - أشبه باللآلئ المتفرقة في قاع البحر, تحجبها التيارات والأمواج عن الشمس, دون أن تمثل قاعدة تستطيع التعبير عن ذاتها.

فمجمل المجتمعات يمثل صف الباطل, لأن أكثر الأقوياء مصلحيون فيقفون في صف الباطل, وينسحبون على الرعاع الذين هم مع الغالب كيفما كان وضد المغلوب مهما كان.

45- كلمة (مولاكم) عطف بيان على (الله) أي أن الله أعلن (التقية) في قوله عز وجل: (إلا أن تتقوا منهم تقاة) سورة آل عمران آية28. ( فوكلها بي) وجعلني تحت حكم التقية.

و(التقية) هي الابتعاد عن نقاط الاحتكاك في الوقت غير المناسب.

وإذا كان الله قد أمر الإمام المهدي (عجل الله فرجه) بالهجرة من المجتمعات المتوترة إلى الفيافي والجبال - لما سبق في علمه أنه يأتي وقت يظهر فيه بقوة هائلة تنهار أمامها الحكومات، فيصحح مسار المجتمعات ويربط بشر الأرض بالكون الكبير - فلا يعني ذلك أن كل الناس في سعة عن أداء واجباتهم بحجة التقية، لأن التقية حكم شرعي كبقية الأحكام الشرعية مشدود بأسباب وشروط معروفة في الأوساط الفقهية.

46- لعله يرمز إلى قول الله تعالى: (فإذا برق البصر* وخسف القمر* وجمع الشمس والقمر* يقول الإنسان يومئذ أين المفر) سورة القيامة, آية 7 - 10.

47- قال العلامة المجلسي في البحار: (لا يبعد أن يكون الشمس والقمر والنجوم كنايات عن الرسول وأمير المؤمنين والأئمة صلوات الله عليهم أجمعين. ويحتمل أن يكون المراد قرب الأمر بقيام الساعة التي يكون فيها ذلك. ويمكن حمله على ظاهره).

48- هذا الحديث يثبت أن الإمام المهدي (عجل الله فرجه) وسائر المعصومين يعرفون ساعات الأحداث الفاصلة في الحياة, كمواعيد ظهور الإمام المهدي (عجل الله فرجه) ونزول المسيح من السماء وخروج الدجال, وانقلاب السفياني, وقيام دابة الأرض وأمثالها.

49- (دابة الأرض) هي التي أخبر عنها الله تعالى في القرآن بقوله: (فإذا وقع عليهم القول أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون) سورة النمل آية82. و(دابة الأرض) في هذه الآية ليست من أنواع الحيوان وإنما هي من نوع الإنسان, بل هو رجل من أعظم أولياء الله, وشخصيته معروفة في أوساط المحدثين والمفسرين, والدليل على ذلك أن الله تعالى قال: (...تكلمهم) ثم لخص كلامها بقوله: (إن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون) وفي هذا الحديث يقول الإمام المهدي عجل الله فرجه: (ومعه عصا موسى وخاتم سليمان...) علماً أن الحيوان لا يفيد من (تراث النبوة) وإنما يستثمره الداعي إلى الله في غسل الأدمغة من الشكوك والشبهات.

والتعبير عنه بـ(دابة الأرض) ليس لتحقيره وإنما لتعظيمه, لأن الدابة (ما دب على الأرض, وهو وحده الوحيد الذي يتحرك بإرادته على الأرض, وإذا استثنياه وأهل بيته نجد الناس على العموم - رمالاً متحركة تهيج وتهدأ بإرادة الرياح التي تعصف بها من الداخل أو من الخارج .

50- يستفاد من مجمل الأحاديث الوارد حول قضية (دابة الأرض): أنها لا تخرج من بين الصفا والمروة وربما يعلن شخصيته من بين الصفا والمروة.

51- يهيئ الناس للمحشر, ولا يسوقهم إلى المحشر مباشرة, لأن الفاصل بينه وبين المحشر فاصل كبير. وإنما يسوق الناس إلى المحشر لأنه يقوم بدور الامتحان الأخير, حيث يقضي على الشيطان وجنوده من الجن والأنس ويتم الحجة على الجميع, ثم يترك الناس يتصرفون دون أي مبرر للانحراف أو العصيان, حتى يحشروا يوم القيامة ولله عليهم الحجة البالغة.

وقد سجل القرآن إشارة إلى دور (دابة الأرض) وهو يروي كلام أهل النار: (ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فهل إلى خروج من سبيل) سورة غافر, آية11.

52- في تتمة الحديث ما يلي:

(قال): (فأقمت عنده أياماً وأذن لي بالخروج بعد أن استقصيت لنفسي وخرجت نحو منزلي. والله لقد سرت من مكة إلى الكوفة ومعي غلام يخدمني فلم أر إلا خيراً وصلى الله على محمد وآله وسلم تسليماً).

53- (أ): ينابيع المودة - سليمان بن إبراهيم البلخي القندوزي ص464.

(ب): الغيبة - أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي .

(ج): كمال الدين وتمام النعمة - أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي الصدوق عن محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني علي بن أحمد الخديجي عن الأزدي قال:...

بينما أنا في الطواف قد طفت ستاً وأنا أريد أن أطوف السابع فأنا بحلقة عن يمين الكعبة وشاب حسن الوجه طيب الرائحة هيوب مع هيبة متقرب إلى الناس يتكلم أر أحسن من كلامه ولا أعذب من نطقه وحسن جلوسه فذهبت أكلمه فزبرني الناس فسألت بعضهم: من هذا؟ فقالوا هذا ابن رسول يظهر في كل سنة يوماً لخواصه يحدثهم.

فقلت: يا سيدي مسترشداً أتيتك فأرشدني هداك الله فناولني حصاة فحولت وجهي فقال لي بعض جلسائه: ما الذي دفع إليك؟

فقلت: حصاة وكشفت عنها فإذا أنا بسبيكة ذهب فذهب فإذا أنا به قد لحقني فقال لي: ثبتت عليك الحجة وذهب عليك العمى وظهر لك الحق. أتعرفني؟

فقلت: لا، فقال:...

54- الزمان يفسر بتفاسير عديدة فقال بعض الفلاسفة القدامى: أنه الحركة. وقال آخرون: أنه حركة الفلك. وقال انشتاين: أنه البعد الرابع للأشياء. وقال آخرون: الزمان لا حقيقة له من صلة إنما هو مجرد اختلاف الأفراد في الحالات ولا زال البشر يتخبط في تفسير الزمان, لأنه يعيش داخل الزمان, والأشياء لا تعرف إلا من فوق.

وعلى أي حال: الزمان واقع موجود نوعاً ما محيط بكل الأشياء المادية وبكل الطاقيات المتصلة بالماديات, وهو يختلف من محيط إلى محيط, ويمسك بكل ما يحيط به كإمساك الجاذبية بكل ما تحتويه, وربما بفعالية أكثر. وأصحاب الولاية الكونية يوصفون بأصحاب الزمان لأن الذي يمسك بالزمان ممسك بكل ما يحيط به.

55- من الحقائق الثابتة في الدين: أن أول من خلق الله هو الحجة, وآخر من يغادر الحياة هو الحجة, إذ لابد من وسيط كوني.

56- لعل هذا النوع من الأمر بكتمان الحاجة إلى الحجة ورد لسان الإمام المهدي (عجل اله فرجه) لأن أكثر الناس يعيشون الفكر المادي ويحولون القضايا الروحية على القسم المطوي من العقل فهم يصدقون إذا قيل لهم: أن الحياة تنقرض على الأرض إذا ابتعدت عن الشمس أو فقدت الأوكسجين حولها, ولا يصدقون إذا حدثهم الأولياء عن دور الملائكة وأصحاب الولاية الكونية, رغم أن تأثير الطاقيات على الماديات أكثر من تفاعلات الماديات فيما بينهما ولكن (ذلك مبلغهم من العلم) سورة النجم آية 30.

57- الاحتجاج: أبو منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي: ج2 ص285 - 288: عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي (قدس سره) قال: حدثني محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني قال: كنت عند الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح رضي الله عنه مع جماعة منهم علي بن عيسى القصري, فقام إليه رجل فقال له: أريد أن أسألك عن شيء.

فقال له: سل عما بدا لك.

فقال الرجل: أخبرني عن الحسين بن علي (عليه السلام) أهو ولي الله؟

قال: نعم.

قال: أخبرني عن قاتله؟ لعنه الله أهو عدو لله؟

قال: نعم.

قال الرجل: فهل يجوز أن يسلط الله تعالى عدوه على وليه؟

فقال أبو القاسم قدس الله روحه:...

58- فالله لا يخاطب الناس وجهاً لوجه, لأن الله ليس بجسم والجسم الكثيف - وحده - هو الذي يمكن مشاهدته بالرؤية البصرية إذا كان في حيز الضوء, لأن صورته تنعكس في عدسة العين التي تنقلها إلى الدماغ, حيث يتم فحصها وتميزها, وأما الأجسام اللطيفة والطاقات فلا يمكن رؤيتها بالعين, وإنما تعرف بتأثيراتها على الأجسام الكثيفة, فكيف بالله الذي ليس بجسم ولا طاقة؟ فلا يمكن - بأي حال من الأحوال - مشاهدته عن طريق الرؤية البشرية, كل ما هنالك أنه يعرف أصل وجوده من خلال مخلوقاته, وتعرف صفاته وأسمائه بعضها بالعقل أيضاً وبعضها الآخر بواسطة رسله الذين يعرفونها بوحي منه سبحانه:...

59- الفارق بين المشاهدة والمشافهة، أن المشاهدة مستحيلة، والمشافهة ممكنة، فإنه قد يشافه بعض رسله، كما شافه موسى بن عمران في جبل الطور حيث خلق الكلام في شجرة الزيتون فتجاوب معه موسى بن عمران، وكما شافه الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) في ليلة المعراج حيث خلق الكلام في حجب النور، فتحاور معه النبي (صلى الله عليه وآله). ومن الممكن أن يخلق الله كلاماً في الفضاء أو في بقعة معينة كالكعبة، بحيث يسمعه كل بلغته ويتناجى معه الناس مباشرة، ولكن الأرواح العادية لا تتحمل مخاطبة الله قبل أن تتكامل، وتبلغ المستوى الذي تبلغه يوم القيامة حيث يسمعون كلام الله، على ما يظهر من بعض الروايات.

60- إن الناس العاديين لا يكتفون بالتوجيه الذهني المجرد، وإلا لاكتفوا برسول العقل وإنما يحتاجون إلى قائد يسير أمامهم، ويقول لهم: سيروا ورائي، وإلى أسوة يعمل ويقول لهم: اعملوا مثلما أعمل فإذا كان قائدهم وأسوتهم منهم لم يجدوا بداً من اللحاق والتأسي به، أو الاعتراف بتقصيرهم وانحرافهم، وإذا كان قائدهم وأسوتهم من غيرهم - كالملائكة مثلاً - لا يجدون حرجاً من التخلف عنه وإعذار أنفسهم - حتى فيما ليسوا معذورين - بأن هذا ملك لا يشعر بما نشعر ولا يعاني مما نعاني, وليس لنا اللحاق والتأسي به.

فلذلك بعث الله رسله إلى عامة الناس بشراً, وبعث رسله إلى المتفوقين من الناس - وهم الأنبياء - ملائكة. لأن الأنبياء بلغوا مستوى يؤهلهم لتحديد قدراتهم, وتمييز ما يقدرون حقاً عما لا يقدرون حقاً, فهم يكتفون بالتوجيه الذهبي المجرد من القائد والأسوة, ويستطيعون القيام بدور القائد والأسوة.

61- إثباتاً لعلاقتهم بالله عز وجل.

62- وهو نوح (عليه السلام).

63- وهو إبراهيم الخليل (عليه السلام).

64- وهو صالح (عليه السلام).

65- وهو موسى بن عمران (عليه السلام).

66- وهو عيسى ابن مريم (عليه السلام).

67- وهو الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله) ويلاحظ أن الترتيب جاء حسب التسلسل الزمني دون الدرجات الرسالية.

68- يلاحظ أن الأنبياء والأوصياء الذين كانوا في مستوى التعامل مع الطاقات الماورائية, وبعضهم كان من أصحاب الصلاحيات الكونية, قلما كانوا يستخدمونها إلا لإثبات علاقتهم بالله أي لإثبات رسالاتهم فقط, فكانوا ينظمون حياتهم الشخصية والاجتماعية وحتى عملهم الرسالي بالوسائل العادية تماماً كسائر الأفراد, فلماذا؟

والأسباب لهذه الظاهرة كثيرة لعل أهمها:

الأول: حتى لا يغالي فيهم أصحاب العقول القاصرة, فيؤلهوهم دون الله.

الثاني: أن يواصلوهم سيرهم التكاملي في هذه الحياة, والسير التكاملي لا يتم بدون معاناة. وهذان السببان مذكوران في هذا الحديث.

ويمكن استنتاج سبب ثالث, وهو:

أن الله بعث الأنبياء وأردفهم بالأوصياء لأمرين: الأول أن يبلغوا رسالاته. الثاني أن يكونوا أسوة لمن سواهم, وإذا كانوا يعيشون حياة معجزية كان الناس يعذرون أنفسهم في التخلف عنهم.

69- قال محمد بن إبراهيم بن إسحاق (قدس سره): فعدت إلى الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح (قدس سره) في الغد وأنا أقول في نفسي: أتراه ذكر لنا ما ذكر يوم أمس من عند نفسه؟

فابتدأني وقال: يا محمد بن إبراهيم لأن أخر من السماء فتخطفني الطير أو تهوي بي الريح في مكان سحيق أحب إلي من أول أقول في دين الله برأيي, ومن عند نفسي, بل ذلك عن الأصل ومسموع من الحجة صلوات الله عليه وسلامه.

70- الاحتجاج - أبو منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي ج2 ص284 - 285: أبو الحسن علي بن أحمد الدلال القمي قال: اختلف جماعة من الشيعة في أن الله عز وجل فوض إلى الأئمة صلوات الله عليهم أن يخلقوا ويرزقوا, فقال قوم: هذا محال لا يجوز على الله تعالى, لأن الأجسام لا يقدر على خلقها غير الله عز وجل , وقال آخرون: بل الله أقدر الأئمة على ذلك وفوض إليهم فخلقوا ورزقوا. وتنازعوا عن ذلك نزاعاً شديداً, فقال قائل: ما بالكم لا ترجعون إلى أبي جعفر محمد بن عثمان؟ فتسألوه عن ذلك ليوضح لكم الحق فيه, فإنه الطريق إلى صاحب الأمر. فرضيت الجماعة بأبي جعفر وسلمت وأجابت إلى قوله, فكتبوا المسألة وأنفذوها إليه, فخرج إليهم من جهته توقيع نسخته:...

71- لعل المراد: أن الله خلق الأجسام, لأنه ليس بجسم - لا كالأجسام الكثيفة ولا كالأجسام الشفيفة - ولا حال في الجسم - كالروح - ولو كان جسماً أو حالاًّ فيه وخلق الجسم لزم الدور وهو محال. والإمام - أي إمام - مركب من جسم هو جسده البشري ومن حال في الجسم هو روحه, فلو خلق الأجسام بجسمه أو بروحه لزم الدور أيضاً, وهو محال.

هذا إذا كان المراد من الخلق هو الإيجاد من العدم - كما يوحي به التعبير بخلق الأجسام - وأما خلق الهيئة فلا يختص بالله, لأن عيسى ابن مريم خلق من الطين كهيئة الطير, وأنت تخلق من الصخرة تمثالاً أو تخلق من قلم صورة حيوان أو إنسان. وإذا كان التعبير بأحسن الخالقين عن الله تعالى حيث يقول جل وعلا: (فتبارك الله أحسن الخالقين) المؤمنين آية14.

فالله في مجال خلق الأجسام أي الخلق من العدم هو الخالق الوحيد, وفي مجال خلق الهيئات والصور أحسن الخالقين. لأنه عز وجل أنشأ الصور من لا صورة, وغيره يحتذي صور بعض المخلوقات ولو بتغييره, وفي أحسن الحالات يكرر صورة ألقاها الله في خياله.

72- السؤال قد يكون شفوياً وربما يكون إرادياً بأن يتوجه السائل إلى الله توجه عبودية واستمداد. والأئمة (عليهم السلام) يمارسون السؤال بقسمين, فإذا نطقوا سألوا وإذا صمتوا توجهوا.

73- هل يقتصر دور الأئمة - وسائر المعصومين من الأنبياء والأوصياء - على السؤال من الله أم أن دورهم أوسع؟

الظاهر من القرآن والسنة أن المعصومين يمارسون المعجزات بصلاحياتهم لا عن طريق السؤال من الله, كما يوحي بذلك قول عيسى ابن مريم: (إني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله وأبرى الأكمة والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله...) سورة عمران, آية49. ويؤكد قول الله تعالى: (وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني) سورة المائدة, آية110, والإذن هو عدم المنع, وليس إجابة السؤال.

ويشبه هذا التعبير قول آصف بن برخيا لسليمان بن داوود: (أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك) سورة النمل, آية40. ولم يقل أنا أسأل الله يأتيك به.

فالمعصومون - وخاصة أصحاب الولاية الكونية - لهم صلاحيات يتحركون من خلالها بالقدرات المخولة لهم من الله, ويكفيهم إذن الله أي عدم وجود مانع يحدد صلاحياتهم, ولا يحتاجون إلى السؤال من الله ما داموا يتحركون من خلالها, فإذا أرادوا التحرك خارج نطاق صلاحياتهم كان عليهم أن يسألوا الله، وهو يجيب دعائهم لأنهم يعرفون المقاييس الكونية فلا يألون غير المقبول. تماماً كالموظف الذي يتمتع بصلاحيات معينة من قبل الدولة, وهو يتصرف يدون مراجعة المسؤول الأعلى ما دام تصرفه ضمن صلاحياته, فإذا شاء الخروج عنها احتاج إلى السؤال ويأتيه الموافقة لأنه يعرف مقاييس الدولة ولا يسأل غير المعقول.

كل ما هنالك أن المعصومين قد يقارنون بالله, فهم عبيد طائعون لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً, وربما يقاربون بمن سواهم من الناس, فهم أصحاب صلاحيات واسعة بالقول وهم بأمره يعملون, وإذا قارنهم بغيرهم, فهم أصحاب قدرات كونية لا يملكها كثير من مخلوقات الله. كما جاء من جبرئيل (عليه السلام) في قوله تعالى: (ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاعاً ثم أمين) سورة التكوير آية 20و21.

وقد تلخص: بأن للمعصومين من البشر - كالملائكة - جانبان: جانب التأثر وجانب التأثير, فبالنسبة إلى الله هم الكف الضارعة, وبالنسبة إلى غيرهم هم اليد العليا.

وقد ورد السؤال - في هذه الرسالة - من الجانب الأول, فكان من الطبيعي أن يكون الجواب كما هو مثبت أعلاه, وفي بعض الرسائل ورد السؤال عن الجانب الثاني كرسالة إسحاق بن يعقوب فكان من الطبيعي أن يكون الجواب كما سبق في جوابه.

74- منتهى الآمال: الشيخ عباس القمي: صدر إلى محمد بن عثمان العمري, وبعد وفاة أبيه عثمان بن سعيد العمري من الناحية المقدسة هذا التوقيع:...

75- لا يجد الإنسان تجاه أمر الله سوى التسليم, كما لا يجد قضاء الله وقوله سوى الرضا, فلا راد لأمره, ولا ناقض لقضائه وفعله, غير أنه قد يعترف بالواقع فيستقبل إرادة الله بالرضا والقبول فيأتيه ما كتب الله له وهو رابط الجأش يستطيع أن يفكر ويقرر لما بعد الحادث, وقد لا يعترف بالواقع فيحاول تحدي إرادة الله, فتصدمه في نفسه وفي مشاعره فيعجز حتى عن القرار لما بعد الحادث.

وكانت سيرة المعصومين وتعاليمهم على الترحيب بقضاء الله, والعمل على تطويق ذيوله, وعلى النهي عن الجزع تجاهها لأنه يؤدي إلى الارتباك بلا جدوى.

وفي القرآن توجيه مكثف إلى عدم الاصطدام بالأقدار, والالتفاف حولها بروح رياضية تهيئ للإفادة من إيجابياتها بقدر الإمكان, ولاستئناف النشاط بعد مرور العاصمة:

(ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها, إن ذلك على الله يسير* لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم...) سورة الحديد, آية22 - 23,.

(ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله) سورة التغابن, آية11.

(الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا: إنا لله وإنا إليه راجعون* أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون) سورة البقرة, آية156 - 157.

76- في كل التغيرات الدينية تركيز يرسل إرسال المسلمات, على أن المؤمن الملتزم سعيد وأن الكافر والفاسق شقي.

(فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق*..............* وأما الذين سعدوا ففي الجنة...) سورة هود آية 106 - 108.

في بعض زيارات الشهداء (السلام عليكم أيها الشهداء السعداء).

مع أن المؤمنين الملتزمين أكثر بلاءً من غيرهم: ففي الحديث: (البلاء موكل بالأنبياء, ثم بالأولياء, ثم الأمثل فالأمثل).

ثم أن الشهداء هم الذين عاصروا ظلمات التاريخ وطغيان الظالمين, ورأوا من الويلات ما أزهدهم في الحياة, حتى ارتضوا التضحية لإنقاذ الآخرين, وأخيراً كللوا جهادهم بالشهادة, فكيف يصح تصنيفهم في السعداء؟

ولعل السبب في ذلك كله: أن السعادة أمر ينبع من الداخل ولا يجلب من الخارج, ويحظى الذين يظنون أن وسائل السعادة هي الرتبة والراتب والسهرة والمنصب, وأن السعادة تخلد إلى القصور المترفة والأعراش المتخمة بين الكواعب والكؤوس, فيشقون في سبيل تحصيلها, ثم يشقون في بحبوحتها, وهم في الحالتين يلهثون خلف حلم السعادة, لأنها عبء يشقي طالبه ويشقي عامله. وإذا كانت السعادة غنوة لا تنبض إلا بين أضلاع كوخ تخفق جوانحه لسبحات الفجر على ثغاء نعجة حلوب بين نكهة السنابل ورقصة الورود للنسيم..

لأن السعادة هي الاغتباط, ولا يغتبط الإنسان إلا إذا ضمن ربحاً أكثر من جهده وأمن الخسر والضرر ولا يضمنه ولا يأمنها غير المؤمن الملتزم, الذي لا يعمل إلا عملاً مثمراً دنيوياً أو أخروياً, أو دنيوياً وأخروياً معاً فلا يضيع جهداً أبداً, ولأنه لا يعبث ولا يهزل يجد في كل خسارة ربحاً أكبر, وفي كل مصيبة ابتلاء يهيئه لقفزة أعلى, فلا ينكب أبداً.

(يا أيها الذين أمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم * تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعملون) سورة الصف, آية10 - 11. (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقض من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين...) سورة البقرة, آية 155.

وإلى هذا الواقع يشير الإمام علي (عليه السلام): (إن المتقين أكلوا الدنيا بخير ما أكلت ولبسوها بخير ما لبست ونكحوها بخير ما نكحت).

وبما أن المؤن الملتزم يجد أمان المقاييس الصحيحة للحياة لا يؤخذ بالعادات والتقاليد والاعتبارات الزائفة فيلبس لنفسه لا للباس ويسكن لنفسه لا للسكن ويأكل لنفسه لا للطعام فيستهلك ضروراتها ولا تستهلكه الضرورات فيأخذ من الدنيا ما يسعد به ولا يعطي نفسه للدنيا حتى يشقى بها.

وأما الذي يجهد ساعات ليجني ساعة، ويصاب مرات حتى يصيب مرة، ثم يكون حزيناً على ما فاته، قلقاً على ما ناله، بين التخوف من حسيب والتوجس من رقيب ممزقاً بين العادات التقاليد والاعتبارات الأنانية أو الجائزة، فإنه لا ينعم بما له ولا ينجو مما عليه.

ثم أن النفوس القلقة المضطربة أشبه بالعناصر الجهنمية فلا بد أن تجتذب إليها وتتمحور فيها. وأن النفوس الوادعة المطمئنة أشبه بالعناصر الجنينية فلا بد أن تجتذب إليها وتتمحور فيها، فقد ثبت أن المحاور الكبرى تجذب إليها عناصرها المنفلتة مهما تمادى الزمن وتطاول المدى. يؤكد ذلك قول الله تعالى: (... فأما الذين شقوا ففي النار... وأما الذين سعدوا ففي الجنة...) سورة هود، آية 106 - 108. ولقد عاش عثمان بن سعيد العمرى سعيداً بثقة الإمامين العسكرى والمنتظر (عليهما السلام) ومن ورائها ثقة الطائفة الشيعية في العالم مطمئناً إلى ما وعد الله الصالحين، حتى مات حميداً لا يذكره معارفه في أيامه عبر التاريخ إلا بالخير والفضل.

77 - أولياء عثمان بن سعيد العمري ومواليه هم النبي والأئمة الطاهرين (عليهم السلام).

78 - هذه العبارات من الإمام المهدي في تأبين عثمان ين سعيد تدل على مكانته المتأصلة في نفس الإمام.

79- إن الله خلق الكثير من كل ما يحتاج إليه الناس أو يطمحون, وخلق ما يحتاجون أكثر من حاجتهم, ولعله لا يتكاثر البشر حتى تضيق الأرض بحاجاتهم الضرورية, وخلق ما يطمحون أقل من مطامحهم, أمد في مطامع الناس حتى يمتدوا عبرها إلى الآخرة, وإلا لكانت الأرض تستنفد مطامحهم كرغباتهم, ولا يبقى من يفكر في الآخرة.

فلو كانت البضائع توزع على الناس بقدر الكفاية لكانت تغطي حاجاتهم وتفيض, ولكن كان يلغي الوازع الفردي, أي السابق الذي يبلور المواهب ويلمع السهم ويؤكد تجربة الحياة فكان لا بد من وضع مقاييس وترك الناس يتسابقون من خلالها.

والمقاييس التي يستطيع الأفراد أن يتسابقوا من خلالها إلى ما يحتاجون أو ما يطمحون ثلاثة أصناف:

الأول: الشرع - وقد يخلفه القانون - الذي يبيح هذا, ويمنع ذاك, بفعل العقيدة أو بفعل الدولة.

الثاني: العمل - سواءً كان فكرياً أو عضلياً - الذي يساعد على بسط نفوذ الفرد على كمية من البضائع أو رقعة من الأرض أو قطاع من البشر, مما يحتاج أو يطمح إليه.

الثالث: الزاد - سواءً كان مواهب أو أقدار, وسواءً كان ركائز يحملها في شخصيته أو تراث ينتقل إليه من غيرها - ذلك الزاد الذي يأتي به من عوالم سابقة.

فالإنسان لم يخلق يوم ولادته, ولا ينتهي يوم وفاته, وإنما هو خلق كان - قبل هذا العالم - في عوالم سابقة, وسيبقى - بعد هذا العالم - في عوالم لاحقة.

والعوالم السابقة, عوالم عمل ما كهذا العالم - باختلاف نوعية العمل - وهكذا عالم البرزخ وعالم القيامة, ولو بالنسبة إلى من لم يكملوا دورة تكاملهم - على الأقل - .

فالذي كانت أعمالهم في العوالم السابقة سلبية, تنعكس عليه في العالم سلبياً.

ومن عمل لنفسه في العوالم السابقة فعمله ينعكس عليه في هذا العالم مواهب ومقدرات, ومن عمل لغيره في العوالم السابقة فعمله ينعكس عليه في هذا العالم مذ مات أو تراث يأتيه من الآخرين.

تماماً, كما أن من حمل شعاع أهل البيت إلى غيره في هذا العالم ينعكس هذا العمل عليه شفاعة يوم القيامة, ومن أطبق ظلم الطواغيت على غيره في هذا العالم ينعكس هذا العمل عليه ظلمات يوم القيامة.

وهكذا ينتقل كل فرد حصيلة عمله من عالم إلى عالم، فتكون حصيلة العمل في كل عالم سابق أرضية العمل في العالم اللاحق، فقد يولد فرد وعليه ركام من شقاء العوالم السابقة، بينما فرد آخر وحوله هالة سعادة من العوالم السابقة.

وقد سجل هذا الواقع في الحديث المعروف: (السعيد سعيد في بطن أمه والشقي شقي في بطن أمه).

ولا بد من التنويه إلى أن الأعمال في العوالم مختلفة تؤدي نتائج متناسبة معها، فهنالك أعمال إيجابية من النوع السفلي فتكون نتائجها سفلية في هذا العالم كالثروة والشهرة والمنصب والنساء والأولاد حسب تلك الأعمال، وإلى جانبها أعمال إيجابية من النوع العلوي، تكون نتائجها علوية في هذا العالم، كالتقوى والعلم والإمامة والنبوة حسب تلك الأعمال، لأن كل عمل يؤدي إلى نتيجة متشابهة كما أن كل شجرة تثمر ثمرة مشابهة، وكما أن كل شتلة تتفتح عن ورد أو شوكة حسب تركيبها، ولذلك ثبت عن الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) أنه قال: (كنت نبياً وآدم بين الماء والطين) كما ثبت أنه لعن أناساً قبل أن يولدوا.

فكل ما في هذا العالم تستقي جذوره من روافد العوالم السابقة، وكل روافد هذا العالم يسقي جذورها في العوالم اللاحقة أو لم يقل الله تعالى: (والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا ليرزقنهم الله رزقاً حسناً) سورة الحج، آية58؟ أوَ ليس في الحديث: الشريف: (الدنيا مزرعة الآخرة)؟

فما يسمى (خطأً) في عرف الناس ليس إلا حصيلة الأعمال السابقة إن خيراً فخير, وإن شراً فشر, وهذا هو الذي يعبر عنه في المصطلح الديني بالرزق.

ولعل الشاعر أشار إلى هذه الحقيقة بقوله:

فلأمر مــا وســــر غامـــض          تسعد النطفة ويشقى الجنين

فولــيد تســـــجد الدنــــيا له          ووليـــــد في زوايا المهملين

والأبناء والآباء موجودون في عالم سابق في طريقهم إلى هذا العالم إلى جانب بقية الموجودات من الثروة والشهرة والمنصب والعلم وغيرها. ويوزع الله الآباء والأبناء كما يوزع بقية الموجودات, أي يأتي بهذا الابن أو ذاك إلى الدنيا عن طريق هذا الأب أو ذاك.

وقد يكون تسلسل الناس في هذا العالم مختلفاً عن تسلسلهم في عالم آخر وقد يشهد لذلك النبي عن ابنته فاطمة بـ(أم أبيها) وقول الإمام علي: (محمد ابني من صلب أبي بكر).

ومن الأعمال في العوالم السابقة ما يؤدي إلى العقم في الدنيا، ومنها ما يؤدي إلى الإعجاب، فإذا كان ذلك العمل صالحاً انقلب في الدنيا ولداً صالحاً وإذا كان فاسداً انقلب ولداً فاسداً.

كما أن الأعمال ما ينقلب إلى الآباء, فإن كان صالحاً انقلب آباءً صالحين وإن كان فاسداً انقلب آباءً فاسدين.

والابن الصالح امتداد طبيعي يكمل عمل الأب, ويعينه على دنياه, والآباء الصالحون مقدمات تمهد لعمل الابن, وتحسن تربيته وإعداده, أو هبته كما في قوله تعالى: (فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله وهبنا له إسحاق ويعقوب). سورة مريم, آية49. ولذلك فسر الرزق بالابن كما في الآية السابقة.

وقد ورد التعبير بالهبة عن الأهل في قوله سبحانه: (وهبنا له أهله ومثلهم معهم) سورة ص، آية 43. وعن الأخ في قوله عز وجل: (وهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبياً) سورة مريم، آية 53.

وقد ورد التعبير بالهبة عن الأولاد في ثلاثة عشر موضحاً في القرآن.

80 - ما جعله الله فيه من المواهب والطاقات التي حملها معه إلى هذا العالم، وما جعله الله عنده هي المعارف الفوقية التي نال بها شرف سفارة الإمام المهدي. وهذه المعارف الفوقية هي التي يعبر عنها المطلعون (السر) وقد يكون لذلك عندما يترحمون على بعض أصحابها يقولون: (قدس الله سره)..

81 - يلاحظ أن الإمام المهدي يكثر من الدعاء في وسائله. ولعل السبب أنه حيث لا يستطيع الإكثار من الاتصال بأصحابه لتركيزهم وتعميقهم يتوسل بقواه المعنوية للتعريض عنها.

82 - منتهى الآمال, الشيخ عباس القمي: ولما توفي عثمان بن سعيد العمري صدر توقيع من الناحية المقدسة إلى ابنه محمد بن عثمان جاء فيه:...

83 - هذا دعاء له بأن لا يتركه الله لنفسه أو الشيطان, ومن تولاه الله من الزيغ والخطأ, وهو مرحلة من مراحل العصمة الصغرى.

84 - منتهى الآمال, الشيخ عباس القمي: صدر من الناحية المقدسة إلى الشيخ أبو القاسم الحسين بن روح جاء فيه:...

85 - أي نثق به كما هو. وهذا تصحيح لخطه وتقرير لمسلكيته, وإعلان لرضا الإمام عنه, وعدم وجود مآخذ في حياته, وهو توثيق يرفض التشكيك.

86 - الشيخ علي اليزدي الحائري, إلزام الناصب ج1 ص352 - 353 عن البحار عن أحمد بن إسحاق:...

87 - أصل هذا التعبير ورد على لسان النبي شعيب عن نفسه وأقره القرآن نقلاً عنه: (بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين...) سورة هود, آية 86. وتكرر هذا التعبير على لسان عدد من المعصومين (عليهم السلام). وللعرفاء في تفسيره جولات, وليس لنا أن نحقق معناه بالضبط, كلما نستطيع قوله: إن هذا التعبير يرنو إلى أن أرواح المعصومين. خلقت من نور الله بلا وسائط. وليست كسائر الأشياء التي خلقها الله بالوسائط.

88 - كان الناس - قبل أن تتعبد طرق المواصلات - إذ افتقدوا شخصاً تتبعوا آثار أقدامه في الرمال حتى يصلوا إلى المكان الذي انتهى إليه. فيقصدون بـ(العين) ذلك الشخص المفتقد, وبالأثر أثر أقدامه في الرمل. والناس كانوا يطلبون الأثر قبل أن يجدوا الشخص, فإذا وجدوه أهملوا آثاره. ثم أصبح مثلاً يضرب لكل من يتتبع الدلائل للوصول إلى نتيجة.

89 - أحمد بن إسحاق هذا هو ابن عبد الله بن سعد بن مالك الأحوص الأشعري أبو علي القمي كان وافداً لقميين روى عن الجواد والهادي (عليهما السلام) وكان من خاصة أبي محمد الحسن العسكري (عليه السلام) (جامع الرواة: ج1 ص41).

90 - الشيخ علي اليزدي الحائري في كتاب (إلزام الناصب) ج1 ص340 قال: في كشف الغمة للأردبيلي (قدس سره) عن أبي بصير الخادم [يعني: خادم الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)] قال: دخلت على صاحب الزمان وهو في المهد فقال لي: علي بالصندل الأحمر فأتيته به فقال: أتعرّفني؟ قلت: أنت سيدي وابن سيدي فقال: ليس عن هذا سألت فقلت: فسر لي فقال:

(الصندل الأحمر): صندل اسم شجرة هندي طيب الرائحة كان يتخذ عوده للاشتمام بمنزلة العطور، ولعله كان في دار الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) قطعة حمراء اللون من عود هذا الشجر طلبها الإمام المهدي (عليه السلام).

91 - البلاء كان ولا يزال معقوداً بنواصي أهل البيت (عليهم السلام) وكذلك شيعتهم ولا يرتفع عنهم إلا بمن يمحى من بين الناس الظلم كله فيقلب الأرض - بإذن الله تعالى - جنة من العدل والقسط بعد أن عاش طويلاً في جحيم الظلم والجور, وهو الإمام المهدي (عليه السلام) وعجل الله تعالى فرجه الشريف وجعلنا من أنصاره وأعوانه.

92- رياض العلماء - الشيخ عبد الله الأصفهاني (من تلامذة العلامة المجلسي) في قصة طويلة. أن الإمام المهدي (عليه السلام) أنشد هذين البيتين:...

93- كأن المقصود بذلك تفضيل علي (عليه السلام) على الشيخين.

94- الاحتجاج - أبي منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي ج2 ص297: عن محمد بن يعقوب الكليبي, رفعه عن الزهري قال:

طلبت هذا الأمر طلباً شافياً حتى ذهب لي فيه مال صالح, فوقفت إلى العمري, وخدمته ولزمته, فسألته بعد ذلك عن صاحب الزمان (عليه السلام), قال: ليس إلى ذلك وصول. فخضعت له فقال لي: بكر بالغداة, فوافيت, فستقبلني ومعه شاب من أحسن الناس وجهاً, وأطيبهم ريحاً, وفي كمه شيء كهيئة التجار, فلما نظرت إليه دنوت من العمري, فأومأ إليه, فعدلت إليه, وسألته فأجابني عن كل ما أردت, ثم مر ليدخل الدار, وكانت من الدور التي لا يكترث بها, فقال العمري: إن أردت أن تسأل فاسأل, فإنك لا تراه بعد ذا. فذهبت لأسأل فلم يستمع, ودخل الدار, وما كلمني بأكثر من أن قال:...

95- أي أخّر صلاة العشاء حتى تظهر النجوم بشكل كامل. لأن النجوم تظهر أول الليل باهتة, وعندما يحين الغسق تظهر بحدة وتبدو للرأي وكان أشعتها متشابكة.

96- أي أخّر صلاة الصبح حتى يطفأ ضياء الفجر فيغمر النجوم ويتم انقضاء النجوم بعد طلوع الفجر بحوالي ساعة غالباً في مثل بلادنا.

97- الاحتجاج - أبو منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي: ج2ص300: عن أبي الحسين الأسدي, قال: ورد علي توقيع الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان العمري - قدس الله روحه - ابتداءً لم يتقدمه سؤال عنه, نسخته: (بسم الله الرحمن الرحيم, لعنة الله والملائكة والناس أجمعين, على من استحل من أموالنا درهماً).

وقال أبو الحسين الأسدي (قدس سره): فوقع في قلبي أن ذلك من استحل من مال الناحية درهماً دون من أكل منه غير مستحل. وقلت في نفسي: إن ذلك في جميع من استحل محرماً, فأي فضل في ذلك للحجة (عليه السلام) على غيره؟

قال: فوالذي بعث محمداً صلى الله عليه وآله بالحق بشيراً لقد نظرت بعد ذلك في التوقيع فوجدته قد انقلب إلى ما كان في نفسي:...

98- يمكن المناقشة في مقالة أبي الحسين الأسدي, أولاً: بأن معنى كلمة (استحل) أنه عامله معاملته للحلال بأن تصرف فيه غير متورع, وليس معناه الاستحلال المقابل للاستحرام الذي يعني إنكار ضروري من ضرورات الدين المساوي للخروج من الدين.

ثانياً: محتوى كلام الأسدي: أن الإمام المنتظر كتب نصاً غير دقيق, فلما بدا للأسدي غير الإمام المنتظر نص كتابه بطريقة معجزية, ومن الممكن أن الأسدي لم يكن دقيقاً في نظرته الأولى إلى الكتاب فلما تأمله في النظرة الثانية قرأه قراءة صحيحة, ونسبة عدم الدقة إلى الأسدي أولى من نسبته إلى الإمام المنتظر, خاصة وأن الالتباس وقع في نص مكتوب والكتاب يشهد للكاتب.

99- (أ): الشيخ علي اليزدي الحائري, إلزام الناصب, ص341 ج1 ط النجف 1383 هجري.

(ب): كمال الدين - أبو طالب المظفر بن جعفر بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب عن جعفر بن مسعود عن أبي النصر محمد بن مسعود عن آدم بن محمد البلخي عن علي بن الحسين الدقاق عن إبراهيم بن أحمد العلوي.

(ج): الغيبة - أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي عن الكليبي.

( د): إثبات الوصية - أبو الحسن علي بن الحسين المسعودي عن علان.

(هـ): الخرايج - قطب الدين أبو الحسين سعيد بن هبة الله الرواندي عن نسيم (خادم أبي محمد العسكري) عن الإمام المهدي (عليه السلام) أنه قال:...

100- لعل السبب أن العطاس يحدث على أثر انسداد في بعض الشرايين لضغط الدم وإعادته إلى جريانه العادي, فإذا كان الجسم يتمتع بقدرته الكاملة على المقاومة يحدث العطاس وإلا يؤدي الانسداد إلى انفجار في الشرايين المصاب بالانسداد, والجسم الذي يتمتع بكامل قدرته على المقاومة لا تفارقه الروح قبل ثلاثة أيام إلا بعامل خارجي.

ولعل للعطاس دلالة أخرى غير الدلالة الصحية.

101- الشيخ علي اليزدي الحائري, إلزام الناصب ص304 ج1 ط النجف 1383 هجري: عن نسيم الخادم قال: لما خرج صاحب الزمان من بطن أمه سقط جاثياً على ركبتيه رافعاً سبابتيه نحو السماء فعطس فقال:...

102- يبدو أن عامة الناس لا يرون تفوقاً معجزياً في أولياء الله إلا ويجنحون إلى الغلو؟ ولذلك يوجد تركيز مؤكد من جميع أولياء الله على أنهم عبيد الله. فقد أُله عيسى ابن مريم, فرد الله عليه بالحوار التالي:

(وإذا قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب * ما قلت له إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد...) سورة المائدة, آية116 - 117.

وجنح بعض آخر إلى الغلو في شأن النبي محمد (صلى الله عليه وآله) حتى ادعوا أنه لن يموت, فأثبت قرآناً يقول: (وما محمد إلا رسول خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم...) سورة آل عمران, آية 144.

وفرض على المسلمين أن كرروا في جميع صلواتهم: (... وأشهد أن محمداً عبده ورسوله).

ومال آخرون إلى الغلو في بعض الأئمة فأكدوا - جميعاً - أنهم عباد مكرمون, لا أكثر ولا أقل.

وهذا القول من الإمام المهدي من جملة التأكيدات على بشرية الأئمة, وعلى كونهم عباداً لله تعالى.

103- الاستنكاف: الأنفة من الشيء, وأصله من كنف الدمعة إذا نحاها بإصبعه من خده لئلاّ يبقى أثرها عليه, كأنه يترفع عما يعبر عنه الدمع من الضعف أمام المصائب.

والاستكبار: الاستعظام, بأن يرى نفسه أعظم مما يطرح عليه.

والإمام المهدي اقتبس الكلمتين من الآيتين التاليتين:

الأولى: (لن يستنكف المسح أن يكون عبداً لله ولا الملائكة المقربون...) سورة النساء, آية 172.

الثانية: (إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عباده ويسبحونه وله يسجدون) سورة الأعراف, آية 206.

104- داحضة: زائلة.

ذلك أن أعداء الأئمة الطاهرين كانوا يتصورن أن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) لا عقب له, وكانوا يقولون: إن العسكري يموت وتنتهي سلسلة الأئمة المعصومين زاعمين أن بموته تنقطع حجة الله على الأرض دون أن يعلموا أن له ولداً هو الإمام المهدي, ولكن الله لم يأذن له بالإعلان عن نفسه. حتى يعلم الجميع أن الإمامة مستمرة من خلاله, ولو أذن الله له بالإعلان عن نفسه لزال الشك في انقطاع سلسلة الأئمة (عليهم السلام).

ولعل المقصود بـ(حجة الله داحضة) أن الإمامة منقطعة, ولا ولد للإمام الحسن العسكري (عليه السلام) (ولو أذن الله لنا) بالظهور بين الناس.

أما مسألة تكلم الطفل الصغير فهي ليست غريبة.

أولاً: بقدرة الله تعالى التي أنطلق بقدرته الجمادات كالحصى في يد رسول الله (صلى الله عليه وآله).

ثانياً: بما ثبت من المعاجز بالمئات والمئات في مختلف أدوار تواريخ النبي وأهل بيته (عليه وعليهم الصلاة والسلام).

وثالثاً: بما ورد في القرآن الحكيم من تكلم نبي الله عيسى ابن مريم (عليهما السلام) حين ولادته (فأشارت إليه قالوا: كيف نكلم من كان في المهد صبياً قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني مباركاً أينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حياً وبراً بوالدتي ولم يجعلني جباراً شقياً والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حياً ذلك عيسى ابن مريم..) سورة مريم: الآيات29 - 34. ومن الثابت بالأدلة القاطعة العديدة أن الإمام المهدي (عليه السلام) أكرم على الله تعالى من عيسى ابن مريم (عليهما السلام).

105- نقل العلامة المجلسي (قدس سره) في البحار بإسناده إلى أبي جعفر الطبري من كتابه عن أبي المفضل عن الكليبي: قال القاسم بن العلا: كتبت إلى صاحب الزمان ثلاثة كتب في حوائج لي وأعلمته أنني رجل قد كبر سني ولا ولد لي فأجابني عن الحوائج ولم يجيبني في الولد شيء, فكتبت إليه في الرابعة كتاباً وسألته أن يدعو إلى الله أن يرزقني ولداً فأجابني وكتبت حوائجي, وكتب:...

106- ثم جاء النص بعده هكذا: فورد الكتاب وأنا لا أعلم أن لي حملاً, فدخلت إلى جارتي فسألتها عن ذلك فأخبرتني أن علتها قد ارتفعت فولدت غلاماً.

107- بحار الأنوار (ج51 - ص299) نقلاً عن الإرشاد عن أبي قولويه عن الكليني, عن علي بن محمد, عن الحسن بن عيسى العريضي قال: لما مضى أبو محمد الحسن بن علي (عليه السلام) ورد رجل من مصر بمال إلى مكة لصاحب الأمر (عليه السلام) فاختلف عليه, وقال بعض الناس: إن أبا محمد قد مضى من غير خلف, وقال آخرون: الخلف من بعده ولده, فبعث رجلاً يكنى أبو طالب إلى العسكر (يعني: سامراء) يبحث عن الأمر وصحته, ومعه كتاب, فصار الرجل إلى جعفر, وسأله عن برهان. فقال له جعفر: لا يتهيأ لي في هذا الوقت, فصار الرجل إلى الباب, ونفذ الكتاب إلى أصحابنا الموسومين بالسفارة فخرج إليه:...

108- وجاء بعده النص كما يلي: وأجيب عن كتابه وكان الأمر كما قيل له.

109- الشيخ الصدوق محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي (قدس سره) في كتابه (إكمال الدين وإتمام النعمة): ج2 ص129.

قال: سمعنا شيخاً من أصحاب الحديث يقال له أحمد بن فارس الأديب يقول: سمعت بهمذان حكاية حكيتها كما سمعتها لبعض إخواني فسألني أن أثبتها له بخطى فلم أجد إلى مخالفته سبيلاً، وقد كتبتها وعهدتها إلى من حكاها وذلك: أن بهمذان ناساً يعرفون ببني راشد وهم كلهم يتشيعون، ومذهبهم مذهب أهل الإمامة، فسألة عن سبب تشيعهم من بني أهل همذان؟

فقال لي شيخاً منهم رأيت فيها صلاحاً وسمتاً: أن سبب ذلك أن جدنا الذي ننسب إليه خرج حاجاً فقال: إنه لما صدر من الحج وساروا منازل في البادية قال: فشطت في النزول والمشي فمشيت طويلاً حتى أعييت وتعبت، وقلت في نفسي: أنام نومة تريحني فإذا جاء أواخر القافلة قمت: قال: فما انتبهت إلا بحر الشمس ولم أر أحداً، فتوحشت ولم أر طريقاً ولا أثراً، فتوكلت على الله عز وجل وقلت أسير حيث وجهني ومشيت غير طويل فوقعت في أرض خضراء نضرة كأنها قريبة عهد بغيث، وإذا تربتها أطيب تربة، ونظرت في سواء تلك الأرض إلى قصر يلوح كأنه سيف فقلت: يا ليت شعري ما هذا القصر الذي لم أعهده ولم أسمع به؟ فقصدت، فلما بلغت الباب رأيت خادمين أبيضين، فسلمت عليهما فردا علي رداً جميلاً، وقالا: اجلس فقد أراد الله بك خيراً.

وقام أحدهما فدخل واحتبس غير بعيد ثم خرج فقال: قم فادخل، فدخلت قصراً لم أر بناءً أحسن من بنائه، ولا أضوأ منه، وتقدم الخادم إلى ستر على بيت فرفعه ثم قال لي: ادخل، فدخلت فإذا فتى جالس في وسط البيت، وقد علق على رأسه من السقف سيفه طويل تكاد ظبته تمس رأسه، والفتى بدر يلوح في ظلام، فسلمت، فرد السلام بألطف الكلام وأحسنه.

ثم قال لي: أتدري من أنا؟ فقلت: لا والله، فقال:...

110- ثم جاء النص كما يلي:

فأومأ إلى الخادم فأخذ بيدي، وناولني صرة وخرج ومشى معي خطوات، فنظرت إلى ظلال وأشجار ومنارة مسجد فقال: أتعرف هذا البلد؟ قلت: إن بقرب بلدنا بلدة تعرف بـ(استاباد) وهي تشبهها قال: فقال: هذه استاباد امض راشداً، فالتفت فلم أره، ودخلت استاباد، وإذا في الصرة أربعون أو خمسون ديناراً، فوردت همذان، وجمعت أهلي وبشرتهم بما أتاح الله لي ويسره عز وجل, ولم نزل بخير ما بقي معنا من تلك الدنانير.

قال العلامة المجلسي (قدس سره) بعد إيراد هذا النص:

بيان: قوله (في سواء تلك الأرض) أي: وسطها.

وظبة السيف: بالضم مخففاً: طرفه.

ولعل (استاباد) هي التي تعرف اليوم بـ(اسداباد).

ثم قال المجلسي: أقول: روى الراوندي مثل تلك القصة عن جماعة سمعوها منه.

111- نقل العلامة المجلسي رحمة الله عليه عن (تفسير العياشي) مرسلاً عن عبد الأعلى الحلبي قال قال أبو جعفر (عليه السلام) (تفسير علي بن إبراهيم القمي) في بحار الأنوار (ج52 - ص315) قال: أبي عن ابن أبي عمر, عن منصور بن يونس, عن أبي خالد الكالبي قال, قال أبو جعفر (عليه السلام): والله لكأني أنظر إلى القائم (عليه السلام) وقد أسند ظهره إلى الحجر ثم ينشد الله حقه ثم يقول:...

112- ثم جاء النص كما يلي: ثم ينتهي (عليه السلام) إلى المقام فيصلي ركعتين وينشد الله حقه أي: يطلب من الله حقه في الظهور, أو في الانتقام من أعداء الله, أو حقه في إرساء دعائم حكم الله في كل أرجاء الأرض.

والظاهر: أن معنى (أولى - أولى) يعني: أقرب إليهم من أي شخص آخر, فأنا أعلم بجميعهم, أعلم بأن جميعهم بشروا بي, وأنا أعلم بكتاب الله من أي شخص آخر.

113- الشيخ علي بن عيسى الأربلي في كتابه (كشف الغمة في معرفة الأئمة) ج3 ص411 عن أبي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه قال: ولما وصلت بغداد في سنة سبعة وثلاثين للحجة وهي السنة التي رد القرامطة فيها الحجر إلى مكانه من البيت, كان أكبر همي من ينصب الحجر, لأنه مضى في أثناء الكتب قصة أخذه وأنه إنما ينصبه في مكانه الحجر في الزمان - كما في زمن الحجاج وضعه زين العابدين (عليه السلام) في مكانه واستقر - فاعتللت علة صعبة خفت منها على نفسي ولم يتهيأ لي ما قصدته فاستنبت المعروف بـ(ابن هاشم) وأعطيته رقعة مختومة أسأل فيها عن مدة عمري, وهل تكون الموتة في هذه العلة أم لا؟ وقلت همي إيصال هذه الرقعة إلى واضع الحجر في مكانه وأخذ جوابه, إنما أندبك لهذا.

قال: فقال المعروف بابن هاشم: لما حصلت بمكة وعزم على إعادة الحجر بذلت لسدنة البيت جملة تمكنت معها من الكون بحيث أرى واضع الحجر في مكانه فأقمت معي منهم من يمنع عني ازدحام الناس., فكلما عمد إنسان لوضعه اضطرب ولم يستقم.

فأقبل غلام أسمر اللون حسن الوجه فتناوله ووضعه في مكانه فاستقام كأنه لم يزل عنه وعلت لذلك الأصوات فأنصرف خارجاً من الباب فنهضت من مكاني أتبعه وأدفع الناس عني يميناً وشمالاَ حتى ظن بي الاختلال في العقل والناس يفرجون لي وعيني لا تفارقه حتى انقطع عن الناس فكنت أسرع الشد خلفه وهو يمشي على تؤدة السير ولا أدركه, فلما حصل بحيث لا أحد يراه غيري وقف والتفت إلي فقال:...

114- ثم جاء النص بعد ذلك كما يلي: قال أبو القاسم: فأعلمني بهذه الجملة فلما كان سنة سبع وستين (أي: بعد ثلاثين سنة كما قال الإمام المهدي (عليه السلام) (والمقصود سنة سبعة وستين بعد الثلاثمائة كما هو واضح لكون ابن قولويه وفاته في تلك السنة) اعتل أبو القاسم, وأخذ يأخذ في أمره وتحصيل جهازه إلى قبره, فكتب وصيته, واستعمل الجد في ذلك, فقيل له: ما هذا الخوف؟ وترجو أن يتفضل الله بالسلامة, فما عليك بمخوفة فقال: هذه السنة التي خوفت فيها, فمات في علته.

115- العلامة المجلسي (رضوان الله عليه) في بحار الأنوار: ج52 - ص324 عن الشيخ الصدوق (قدس سره) في إكمال الدين ج2 ص369:

116- وفي بعض النسخ: (البيعة لله).

البيعة بمعنى: البيع، لأن الإنسان يبيع نفسه إلى من يبايعه، والبيعة لله يعني: إنما يجوز بيع الإنسان نفسه إلى الله تعالى فقط، لا إلى غيره..

و(الرفعة لله) أيضاً كذلك, إذ الرفعة الحقيقة إنما هي لله, ولا رفعة بغير الله بإذنه التشريعي, أو التكويني, أو كليهما معاً.

117- العلامة المجلسي في البحار نقلاً عن شيخ الطائفة الشيخ الطوسي (قدس سره) في كتاب (الغيبة) ج51 ص293 قال: حدثني جماعة عن الحسين بن علي بن بابويه (وهو والد الشيخ الصدوق قدس سره) قال: حدثني جماعة من أهل بلدنا المقيمين كانوا ببغداد بالسنة التي خرجت القرامطة على الحاج وهي سنة تناثر الكواكب أن والدي رضي الله عنه كتب إلى الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح (قدس الله روحه) يستأذن في الخروج إلى الحج فخرج في الجواب:...

118- ثم جاء في النص ما يلي: وكان في القافلة الأخيرة فسلم بنفسه وقتل من تقدمه في القوافل الأخرى.

119- بحار الأنوار - للعلامة المجلسي (رضوان الله عليه) نقلاً عن الخرائج (ص294: ج51) عن محمد بن هارون الهمداني قال: كان على خمسمائة دينار وضقت بها ذزعاً ثم قلت في نفسي: لي حوانيت اشتريتها بخمسمائة دينار وثلاثين ديناراً قد جعلتها للناحية بخمسمائة دينار - ولا والله ما نطقت بذلك ولا قلت - فكتب (عليه السلام) إلى محمد بن جعفر:...

120- الحوانيت: جمع حانوت, بمعنى الدكان والمحل الذي يتخذ للبيع والشراء.

121- روى العلامة المجلسي (قدس سره) في البحار عن الشيخ المفيد (قدس سره) في الإرشاد عن علي بن محمد بن الحسن بن عبد الحميد قال: شككت في أمر حاجز, فجمعت شيئاً ثم صرت إلى العسكر - يعني: سامراء - فخرج إليه:...

122- قال السيد ابن طاووس (قدس سره) في ربيع الشيعة: حاجز بن يزيد من وكلاء الناحية, وقد أسلفنا بحثاً مختصراً عنه في المقدمة فلاحظ هناك, ونزيد هنا قول صاحب الرسائل (حاجز, من وكلاء الناحية على ما في إرشاد المفيد وربيع الشيعة) ج20 ص158 وقد ترجم له جامع الرواة ج1 ص171 أيضاً.

123- العلامة المجلسي (رضوان الله عليه) نقل عن الكافي والإرشاد في بحار الأنوار (ج51 - ص297) عن علي بن محمد عن محمد بن صالح قال: لما مات أبي فصار الأمر إلي كان لأبي على الناس سفاتج من مال الغريمة, يعني صاحب الأمر (عليه السلام). قال الشيخ المفيد: هذا رمز كانت الشيعة تعرفه قديماً بينها, ويكون خطابها عليه للتقية, قال: فكتبت إليه أعلمه فكتب إلي:...

124- ثم جاء النص كما يلي: فقضاني الناس إلا رجل واحد وكان علية سفتجة بأربعمائة دينار, فجئت إليه أطلبه, فمطلني واستخف بي ابنه وسفه علي, فشكوته إلى أبيه فقال: وكان ماذا؟ فقبضت على لحيته وأخذت برجله وسحبته إلى وسط الدار وركلته ركلاً كثيراً, فخرج ابنه مستغيثاً بأهل بغداد يقول: قمي رافض قد قتل والدي, فاجتمع علي منهم خلق كثير, فركبت دابتي وقلت: أحسنتم يا أهل بغداد تميلون مع الظالم على الغريب المظلوم, أنا رجل من أهل همذان, من أهل السنة, وهذا ينسبني إلى قم, ويرميني بالرفض فيذهب حقي ومالي.

قال: فمالوا عليه وأرادوا أن يدخلوا إلى حانوته حتى سكنتهم, وطلب إلى صاحب السفتجة أن آخذ ما فيها وحلف بالطلاق أنه يوفيني مالي في الحال, فاستوفيت منه.

وقد علق العلامة المجلسي (قدس سره) على هذا الحديث مفسراً كلمة (الغريم) قال: وتكنيته (عليه السلام) به - أي: بالغريم - يحتمل الوجهين - لأنه الغريم من أضداد اللغة جاء بمعنى المديون, وبمعنى الدائن أيضاً -:

أما على الأول - يعني المديون - فيكون على التشبيه لأن من عليه الديون يخفي نفسه من الناس, ويستتر منهم, أو لأن الناس يطلبونه لأخذ العلوم والشرائع منه, وهو يهرب منهم تقية فهو غريم مستتر محق صلوات الله عليه.

وأما على الثانية يعني الدائن - فهو ظاهر, لأن أمواله (عليه السلام) في أيدي الناس وذممهم لكثيرة, وهنا أنسب بالأدب (ج51 ص298).

125- بحار الأنوار: ج51 - ص320 عن غيبة الطوسي (قدس سره) في قصة طويلة لرجل توفق للقاء صاحب الأمر (عليه السلام) في الإسكندرية - بالعراق إلى أن قال: فقلت له ذات يوم: من أنت أعزك الله؟ ومتى تظهر؟ فقال:...

126- ثم جاء في النص ما يلي:

فيأخذون بيدي, وينصبوني بين الركن والمقام فيبايع الناس عند إياسهم عني.

127- العلامة المجلسي (رضوان الله عليه) في بحار الأنوار: ج52 ص68 قال: وروى في بعض تأليفات أصحابنا عن الحسين بن حمدان عن أبي محمد عيسى بن مهدي الجوهري قال: خرجت في سنة ثمان وستين ومائتين إلى الحجة وكان قصدي المدينة حيث صح عندنا أن صاحب الزمان قد ظهر. فاعتللت, وقد خرجنا من فيد (قلعة قرب مكة المكرمة) فتعلقت نفسي بشهوة السمك, والثمر فلما وردت المدينة ولقيت بها إخواننا بشروني بظهوره (عليه السلام) بصابر.

فصرت إلى صابر فلما أشرفت على الوادي رأيت عنيزات عجافاً, فدخلت القصر ووقفت أرقب الأمر إلى أن صليت العشائين وأنا أدعو وأتضرع وأسأل فإذا أنا ببدر الخادم يصيح لي: يا عيسى بن مهدي الجوهري ادخل فكبرت وهلهلت وأكثرت من حمد الله عز وجل والثناء عليه.

فلما صرت في صحن القصر رأيت مائدة منصوبة, فمر لي الخادم إليها فأجلسني عليها, وقال لي: مولاك يأمرك أن تأكل ما اشتهيت في علتك وأنت خارج من قيد. فقلت: حسبي بهذا برهاناً , فكيف آكل ولم أرى سيدي ومولاي.

فصاح (عليه السلام): يا عيسى كل من طعامك فإنك تراني.

فجلست على المائدة ففطرت فإذا عليها سمك حار يفور وتمر إلى جانبه أشبه التمور بتمورنا وبجانب التمر لبن فقلت في نفسي: عليل وسمك وتمر ولبن.

فصاح لي: يا عيسى أتشك في أمرنا؟ أفأنت أعلم بما ينفعك ويضرك؟

فبكيت واستغفرت الله تعالى وأكلت من الجميع, وكلما رفعت يدي منه لم يبتني موضعها فيه, فوجدته أطيب ما ذقته في الدنيا, فأكلت منه كثيراً حتى استحييت.

فصاح لي: لا تستحي يا عيسى فإنه من طعام الجنة ولم تصنعه يد مخلوق.

فأكلت, فرأيت نفسي لا تنتهي من أكله.

فقلت: يا مولاي حسبي؟

فصاح لي: أقبل إلي.

فقلت في نفسي: آتي مولاي ولم أغسل يدي.

فصاح لي: يا عيسى هل لما أكلت غمر؟

فشممت يدي فإذا هي أعطر من المسك والكافور.

فدنوت منه (عليه السلام) فبدا لي نور غشي بصري, ورهبت حتى ظننت أن عقلي قد اختلط فقال لي:...

128- العلامة المجلسي (قدس سره) في بحار الأنوار: ج53 ص9، في رواية المفضل بن عمر عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) في حديث طويل جاء فيه: وسيدنا القائم مسند ظهره إلى الكعبة ويقول:...

129- المقصود بذلك كله: أنه خلاصة تعاليم السماء كلها المنزلة على كل الأنبياء والمودعة عند كل الأوصياء, فمن أراد أن ينظر إلى آدم, ونوح, وموسى, وعيسى ومحمد (صلى الله عليهم) وغيرهم من الأنبياء في تعاليمهم وأخلاقهم وسيرتهم وسلوكهم فلينظر إليه فإنه الجامع لجميعها, وكذلك بالنسبة للأئمة المعصومين (عليهم السلام).

أو لعل المقصود بذلك, أنا الذي بشر به الأنبياء والأوصياء كلهم, وقد قال تعالى: (ليظهره على الدين كله) سورة التوبة آية 33، سورة الفتح آية 28، سورة الصف آية 9.

130- هذا الكلام أشارة إلى أن الإمام المهدي (عليه السلام) يأتي بأحكام جديد أخرى هي مودعة عنده الآن بوصية من رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيخبر بها وينشرها بين الناس, وقد تواردت الأحاديث الشريفة بذلك.

131- ثم جاء قي الحديث بعد ذلك ما يلي: (ثم يبتدئ (يعني: الإمام المهدي (عليه السلام)) بالصحف التي أنزلها الله على آدم وشيت (عليهما السلام) وتقول أمة آدم وشيت هبة الله: هذه والله هي الصحف حقاً ولقد أرانا, لم نكن نعلمه فيها وما كان خفي علينا, وما كان أسقط فيها وبدل وحرف.

ثم يقرأ صحف نوح وصحف إبراهيم (عليهما السلام) والتوراة والإنجيل والزبور, فيقول أهل التوراة والإنجيل والزبور: هذه والله صحف نوح وإبراهيم (عليهما السلام) حقاً, وما أسقط منهما وبدل وحرف منهما, هذه والله التوراة الجامعة والزبور التام والإنجيل الكامل, وإنها أضعاف ما قرأنا منها.

ثم يتلو القرآن كامل غير منقوص الحديث.

وهنا ملاحظتان:

1- إن صحف آدم وشيت وإبراهيم وزبور داوود (عليهم السلام) لا يوجد اليوم منها عين ولا أثر سوى ما نقل عنها الرسول (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الكرام (عليهم السلام) اللذين عندهم - بإذن الله تعالى - علم كل شيء.

2- تلاوة القرآن كاملاً (الظاهر) أن المراد به - كما تنص عليه أحاديث شريفة - الكمال والتفسير والتأويل الذين سجلهما أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) عند نزول الوحي على رسوله الله (صلّى الله عليه وآله) وإلا فتنزيل القرآن الحكيم مصون عن التحريف والتبديل كما عليه المحققون من علماء الإسلام.

132- العلامة المجلسي (قدس سره) في بحار الأنوار: ج53 ص7 - في رواية المفضل بن عمر عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) - في حديث طويل - وجاء فيه: قال الصادق (عليه السلام): يا مفضل يظهر وحده, يأتي البيت وحده, ويلج الكعبة, ويجن عليه الليل وحده, فإذا نامت العيون, وغسق الليل ونزل إليه حبرئيل وميكائيل والملائكة صفوفاً فيقول له جبرئيل: يا سيدي قولك مقبول, وأمرك جائز فيمسح (أي: الإمام المهدي) (عليه السلام) يده على وجهه ويقول: (الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين) سورة الزمر آية74.

ويقف بين الركن والمقام, فيصرخ صرخة فيقول:...

133- ثم جاء في الحديث بعد ذلك ما يلي: (فترد صيحته عليه السلام) عليهم وهم على محاريبهم, وعلى فرشهم في شرق الأرض وغربها فيسمعونه في صيحة واحدة في أذن كل رجل, فيجيئون نحوها (أي: نحو الصيحة) ولا يمضي لهم إلا كلمحة بصر حتى يكون كلهم بين يديه (عليه السلام) بين الركن والمقام...) الحديث.

134- الشيخ الصدوق (قدس سره) في كمال الدين ج2 ص164 عن ابن الوليد عن سعد عن علان, عن محمد بن جبرئيل, عن إبراهيم ومحمد ابني الفرج, عن محمد بن إبراهيم بن مهزيار, أنه ورد العراق شاكاً مرتاداً فخرج إليه:...

135- المهزيار هذا هو محمد بن إبراهيم بن مهزيار الذي كان وأبوه وكيلين لصاحب الأمر (عليه السلام) - كما أسلفنا ذلك في المقدمة - وتشرف أخوه بلقاء الحجة (عليه السلام) بعد عشرين حجة حجها كما ذكرنا ذلك أيضاً في هذا الكتاب, وبيت المهزيار يشبه بيت زرارة, حيث أن العديد فيهم من العلماء والأوتاد والأخيار وتجد تواريخهم عند ذكر أسماء كل واحد منهم في كتب الرجال والتاريخ (رضوان الله عليهم).

136- هذه الجملة إشارة من الإمام (عليه السلام) إلى أن ما كان قد حدث في أوائل الغيبة الصغرى بعد وفاة الحسن العسكري (عليه السلام) من الاضطراب والتشويش بين بعض السذج والبسطاء من الشيعة من الجهل بإمامهم وولي أمرهم مولانا صاحب الزمان (عليه السلام), وكان مولانا المهدي (عليه السلام) لا يفتأ يستمر في توعيتهم بمختلف الأساليب والسبل التي تضمن في نفس الوقت للشيعة الحفظ عن الأعداء والبقاء.

137- سورة النساء آية 59.

138- إشارة إلى قول الله: (حتى جاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون) سورة التوبة آية 48.

139- كان محمد بن إبراهيم قبل هذا الحديث الشريف بعد لم يعرف إمام زمانه بالضبط, ولذا كان شاكاً مرتاداً ترى من يكون إمام هذا الزمان؟

140- المقصود بالشيخ أبو إبراهيم بن مهزيار.

141- الوحي: التعجل, أي: خاف أن يجعل به الموت قبل وصوله بخدمة صاحب الأمر (عليه السلام) وتسليم المال إليه.

142- لعل المراد بهذه الجملة: إنك في هذه الأيام لا تقصد لجمع المال لنا, فمن أتاك بمال فرده إليه , وهنا المعنى قد يستنبط من الجملة التي تليها (فإن الزمان أصعب ما كان) لما مر في غضون بعض مباحث هذا الكتاب من أن الظالمين كانوا يتربصون - لفترة - بوكلاء صاحب الأمر (عليه السلام) ليؤذوهم أو يسجنوهم أو يقتلوهم.

143- أ: الميرزا حسين النوري (قدس سره) في مستدرك وسائل الشيعة: ج1 ص201 نقلاً عن الخرائج.

ب: العلامة المجلسي (قدس سره) في بحار الأنوار (ج53 ص197) نقلاً عن القطب الراوندي في الخرائج أيضاً روى عن أحمد بن أبي روح قال: خرجت إلى بنواد في مال لأبي الحسن الخضر بن محمد لأوصله وأمرني أن أدفعه إلى أبي جعفر محمد بن عثمان العمري فأمرني أن (لا) أدفعه إلى غيره وأمرني أن أسأل الدعاء للعلة التي هو فيها وأسأل عن الوبر يحل لبسه؟ فدخلت بغداد, وصرت إلى العمري فأبى أن يأخذ المال وقال: صر إلى أبي جعفر محمد بن أحمد وأدفع إليه فإنه أمر بأن يأخذه, وقد خرج الذي طلبت فجئت إلى أبي جعفر فأوصلته إليه فأخرج إلي رقعة فيها:...

ويستحب لنا أن نقف على ملاحظات في هذه المقدمة.

(الأولى) لا يبعد أن يكون (فأمرني أن أدفع إلى غيره) هكذا: وأمرني أن لا أدفعه إلى غيره, ويعني: أمرني صاحب المال أن أسلمه إلى العمري وأمرني أن لا أسلمه إلى غيره, إذ بدون (لا) لا يعرف المعنى.

(الثانية) (وأمرني أن أسأل الدعاء) أي: أسأل من العمري أن يطلب لي من الحجة صلوات الله عليه أن يدعو لي بالشفاء.

(الثالثة) (فإنه أمره أن يأخذه) يعني: العمري أمر محمد بن أحمد أن يأخذ المال.

(الرابعة) يظهر من ذاك كله أن أبا جعفر محمد بن أحمد هو من الوكلاء للناحية المقدسة نظير القاسم بن العلاء وغيره.

(لكن) من هو أبو جعفر محمد بن أحمد؟

هذا ما لم نستطيع أن نجزم به في هذه العجالة, إذ هذا الاسم وهذه الكنية في زمان الغيبة الصغرى, معاصراً للنائب الثاني محمد بن عثمان العمري رضوان الله عليه, تنطبق على عدة أشخاص مذكورين في كتب الرجال, ممن ذكر عدداً منهم:

الأردبيلي في (جامع الرواة): ج2 ص58 - 63, وص371 - 373 أيضاً.

الحر العاملي (قدس سره) في (وسائل الشيعة): ج20 ص312 - 315, وص372 أيضاً.

الميرزا حسين النوري (قدس سره) في (مستدرك وسائل الشيعة) ج3 ص472 - 523 ذكر في هذه الصفحات أسماء عدد ممن يسمى بـ(محمد بن أحمد) يكنى بأبي جعفر, وكذلك ج3 ص839 - 840.

144- قوله (عليه السلام) (بعض) إما دعاء له لبعض الشفاء, إذ قد يرى الإمام علي (عليه السلام) المصلحة في بعض الشفاء ولا في تمامه, كما قد كان (عليه السلام) يسأل الشفاء فلا يجيب على هذا السؤال - كما في بعض التوقيعات الرفيعة - (وإما) دعاء له بكامل الشفاء, ولكن كلمة (بعض) لطرد الحرارة الزائدة عن المقدار اللازم للحياة والصحة, إذ لو ذهبت الحرارة كلها أصبح الإنسان ميتاً. وهذه لطيفة لا يبعد كونها هي المقصودة, ليتم انسجام هذه الجملة مع الجمل قبلها وبعدها.

145- هذه أسماء حيوانات.

(إما الوبر) - بفتح فسكون - ففي أقرب الموارد: دمية كالسنور أصغر منه كحلاء اللون حسنة العينين لها ذنب قصير جداً إلى الخ.

(السمور) - بفتح فضم مشدد - في أقرب الموارد: حيوان بري يشبه السنور يتخذ من جلده فراء ثمينة للينها وخفتها وإدفائها وحسنها.

(والسنجاب) - بضم وفتح, فسكون - في أقرب الموارد: حيوان على حد اليربوع أكبر من الفأر وشعره في غاية النعومة تتخذ من جلده الفراء.

(الفتك) - بفتحهما - في مجمع البحرين: دويبة برية غير مأكول اللحم يؤخذ منه الفرو ويقال أن فروها أطيب من جميع أنواع الفراء.

(الدلق) - بفتحتين - في مجمع البحريين: على ما قيل دويبة نحو الهرة طويل الظهر يعمل منه الفرو تشبه النمر، فارسي معرب.

(الحواصل) في مجمع البحرين: وهو جمع حوصلة وهو طير كبير له حوصلة عظيمة يتخذ منها الفرو.

146- أي: إذا لم يكن مزيجاً بأجزاء غير مأكول اللحم.

147- مسألة الصلاة في الحواصل اختلفت فيها الأخبار, وكلمات الفقهاء, فبين مجوز وبين عدمه, وبين مفتى بالجواز, ومفتى بالعدم, متوقف محتاط بالترك. قال الحجة الطباطبائي في العروة الوسطى: (وأما السمور والفاقم والفنك والحواصل فلا يجوز الصلاة في أجزائها على الأقوى) العروة الوثقى: ج1 ص56 والطبعة القديمة ص199. ووافقه عليه معظم المراجع المعاصرين ومن تقدمهم ممن علقوا على العروة الوثقى فسكتوا عن التعليق هنا غير بعض غيروا فتوى المتن إلى الاحتياط, والسيد الحجة الكوهكمره (قدس سره) الذي أفتى بالجواز في الخوارزمية منها وقد سبقه إلى القول بالجواز المبسوط والنهاية والجامع والبحار والمعتمد والمستدرك وظاهر المنتهى (نعم) المشهور قديماً وحديثاً على عدم الجواز, وإن ادعى الشيخ في النهاية والمبسوط الإجماع على الجواز واستظهر العلامة (قدس سره) في المنتهى من هذا الإجماع ذهاب الأكثر إليه (فتأمل) أما نحن مع الاحتياطيين والله العالم.

راجع للتوسع في ذاك: مستند الشيعة: ج1 ص289, والمستمسك ج5 ص325 وغيرهما.

148- هذه الجملة الأخيرة لا توجد في نسخة البحار, وتوجد في مستدرك الوسائل.

149- نقله العلامة المجلسي عن الكافي والخرايج والإرشاد, في بحار الأنوار: ج51 ص297) عن علي بن محمد, عن نصر بن مزاحم, عن محمد بن يوسف الشاشي قال: خرج لي ناسور فأريته الأطباء وأنفقت عليه مالاً فلم يصنع الدواء فيه شيئاً, فكتبت رقعة أسأل الدعاء, فوقع لي:...

150- ثم جاء النص بعد ذلك: فما أتت علي الجمعة حتى عوفيت وصار الموضع مثل راحتي, فوعدت طبيباً من أصحابنا وأريته إياه فقال: ما عرفنا لهذا دواءً وما جاءتك العافية إلا من قبل الله بغير احتساب.

151- الميرزا حسين النوري - نور الله مضجعه - في مستدرك الوسائل: ج3 ص791 عن الشيخ الصدوق (قدس سره) في كمال الدين, عن أبيه, عن سعد بن عبد الله, عن علان, عن الحسن بن الفضل اليماني, ورواه أيضاً عن الكليني (قدس سره) في الكافي قال: قصدت سر من رأى فخرج إلي (يعني: من طرف صاحب الأمر (عليه السلام)) صرة فيها دنانير وثوبان, فرددتها, فقلت في نفسي: أنا عندهم بهذه المنزلة, فأخذتني العزة ثم ندمت بعد ذلك, وكتبت رقعة اعتذر واستغفر, ودخلت الخلا وأنا أحدث نفسي وأقول: والله لأن ردت الصرة لم أحلها ولم أنفقها حتى أحملها إلى والدي فهو أعلم مني:

هنا ملاحظات:

(الأولى) الحسن بن الفضل هذا, وأبوه الفضل بن يزيد قد عدوهما فيمن رأى صاحب الأمر (عليه السلام) ووقف على بعض معجزاته.

(الثانية) (فأخذتني العزة) قد يستنبط من هذه الجملة أن الحسن بن الفضل كان غنياً, فلعله تصور أنه (عليه السلام) اعتبره فقيراً فأرسل إليه الصرة والثوبين, ولذلك ردهما.

(الثالثة) (ودخلت الخلا) أي: مكان خلوة فيها إلا أنا حتى أتأمل الأمر وما فعلته من القبيح من رد هدايا صاحب الأمر (عليه السلام) (أحملها إلى والدي) لكي يفرح بهذه الهدية ولأني لست محتاجاً حتى أتصرف أنا فيها.

152- هذه معجزة أخرى, لأنها جاءت على أثر ما قاله الحسن في نفسه في الخلوة أنه لا يتصرف فيها, وكان الإمام صاحب الأمر عليه الصلاة والسلام يريد أن يقول: ليست الهدية لأبيك بواسطتك, وإنما هي لك, فإن كنت عزمت أن لا تتصرف فيها فلا نبعثها إليك.

153- ويظهر من ذلك أنه كان في طريقه إلى الحج, وأن الإمام صاحب الأمر (عليه السلام) بعث إليه الثوبين لإحرامه ليكون من خالص الحلال, لما ورد عن آبائه عليهم الصلاة والسلام من أن مهور نسائهم وحج صرورتهم وكفارة موتاهم من طهور أموالهم (عليهم السلام) (سفينة البحار: ج2 ص486).

154- ثم قال الحسن بن الفضل: وسألت طيباً فيعث (عليه السلام) إلي بطيب في خرقة بيضاء فكانت معي في المحمل, فنفرت ناقتي بعسفان, وسقط محملي وتبدد ما كان معي, فجمعت المتاع وافتقدت الصرة واجتهدت في طلبها حتى قال بعض من معنا ما تطلب؟ فقلت: صرة كانت معي قال: وما كان فيها قلت: نفقتي, قال: رأيت من حملها, فلم أزل أسأل عنها حتى أيست منها, فلما وافيت مكة حللت عيبتي وفتحتها فإذا أول ما بدا علي منها الصرة وإنما كانت خارجاً في المحمل فسقطت حين تبدد المتاع... الحديث.

155- أخرج الشيخ الصدوق (قدس سره) في كمال الدين (ج2 ص176) قال الحسين بن إسماعيل الكندي: كنت جعفر بن حمدان فخرجت إليه هذه المسائل:

استحللت بجارية وشرطت عليها أن لا أطلب ولدها ولم ألزمها منزلي, قلما أتى لذلك مدة قالت لي: قد حبلت.

فقلت لها: كيف ولا أعلم أني طلبت منك الولد؟

ثم غبت وانصرفت, وقد أتت بولد ذكر, فلم أنكره ولا قطعت عنها الإجراء والنفقة.

ولي ضيعة قد كنت قبل أن تصير إلي هذه المرأة سبلتها على وصاياي وعلى سائر ولدي على أن الأمر في الزيادة أو النقصان منه إلي أيام حياتي.

وقد أتت هذه بهذا الولد فلم ألحقه في الوقف المتقدم المؤيد, وأوصيت إن حدث لي الموت أن يجري عليه ما دام صغيراً, فإذا كبر أعطي من هذه الصيغة مائتي دينار غير مؤبد ولا يكون له ولا لعقبه بعد إعطائه ذلك في الوقف شيء.

فرأيك - أعزك الله في إرشادي - فيما عملته؟ وفي هذا الولد بما أمتثله.

والدعاء لي بالعافية وخير الدنيا والآخرة.

جوابها:

هنا وفي هذا السؤال ملاحظات:

(الأولى) بحثت شيئاً في بعض كتب الرجال فلم أجد ذكر صاحب الرسالة (جعفر بن حمدان) ولا ذكر الحسين بن إسماعيل الكندي ولذا لم أذكرهما بحياتهما.

(الثانية) (استحللت بجارية) إما بمعنى التحليل فيكون المقصود بـ(الجارية) الأمة, أو بمعنى العقد الدائم أو المنقطع, فالمقصود بـ(الجارية) قد يكون أمة, وقد يكون حرة.

(الثانية) (سبّلتها) أي: وقفتها..

156- القاعدة الولد للفراش, ومجرد الشك وعدم العلم لا يجوز به نفي الولد ولا نفي الإرث عنه.

157- الروايات في هذا الباب مختلفة, وأقوال الفقهاء متعددة, ويرجع بشأن المسألة الكتب المبسوطة في ذلك كالجواهر, والمجلد الآخر من العروة الوثقى للسيد الحجة الطباطبائي اليزدي (قدس سره) والمسالك وغيرها.

(وأما الدعاء) للسائل فكأنه أكتفي بـ(أبقاك الله) من الإمام (عليه السلام) وهو كاف لكون دعاؤهم جامعاً.

158- أبو الحسين كأنه راوي الحديث - وإن لم يسبق ذكر اسمه - ومعنى ذلك أن الرجل حسب المدة بين مواقعة الجارية وبين ولادة الولد فحصل له العلم بأن الولد منه.

159- أخرج العلامة المجلسي (قدس سره) عن تفسير العياشي, في بحار الأنوار (ج52 - ص343) عن عبد الأعلى الحلبي, قال قال أبو جعفر (عليه السلام): يكون لصاحب هذا الأمر غيبة في بعض هذا الشعاب (وذكر ظهوره (عليه السلام) إلى أن قال) ثم ينطلق - أي المهدي (عليه السلام) - يدعو الناس إلى كتاب الله وسنة نبيه والولاية لعلي بن أبي طالب (صلوات الله عليه) والبراءة من عدوه, حتى إذا بلغ إلى (الثعلبية) قام إليه الرج... فيقول: يا هذا ما تصنع فو الله إنك لتجفل الناس إجفال النعم أفبعهد من رسول الله (صلى الله عليه وآله) أم بماذا...؟ فيقول له القائم:...

160- ثم جاء النص بعد ذلك كما يلي: قال أبو جعفر (عليه السلام): لكأني أنظر إليهم مصعدين من نجف الكوفة ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً, كأن قلوبهم زبر الحديد, جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن يساره يسير الرعب أمامه شهراً وخلفه شهراً, أمد الله بخمسة آلاف من الملائكة مسومين حتى إذا صعد النجف قال لأصحابه: تعبدوا ليلتكم هذه, فيبيتون بين راكع وساجد يتضرعون إلى الله حتى إذا أصبح قال: خذوا بنا طريق النخيلة... الحديث.

161- العلامة المجلسي (رحمة الله عليه) في بحار الأنوار (ج53 - ص32) في المفضل بن عمر عن الصادق (عليه السلام) في حديث طويل جاء في وصف مفصل لرجعة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ورجعة الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) وشكاياتهم واحداً واحداً إلى جدهم النبي (صلى الله عليه وآله) إلى أن قال الصادق (عليه السلام): ثم يقول المهدي (عليه السلام) سمي جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعليه قميص رسول الله (صلّى الله عليه وآله) مضرجاً بدم رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يوم شج جبينه وكسرت رباعيته, والملائكة تحفه حتى يقف بين يدي جده رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فيقول:...

162- يعني: استمر بي الصبر وأني احتسب هذا الصبر في سبيل الله تعالى أذن الله لي بالظهور والخروج إلى الناس.

ثم جاء في النص بعد ذلك:

فيقول رسول الله (صلى الله عليه وآله): (الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين) سورة الزمر آية 74. ويقول جاء نصر الله والفتح [مأخوذ من أول سورة النصر] وحق قول الله سبحانه وتعالى: (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) سورة براءة آية 34، سورة الصف آية 9. ويقرأ: (إنا فتحنا لك فتحاً مبينا...) سورة الفتح آية 1. الحديث.

163- العلامة المجلسي (رحمة الله) في بحار الأنوار: ج51 - ص294 نقلاً عن الخرائج قال: روى محمد بن يوسف الشاشي: أنني لما انصرفت من العراق كان عندنا رجل بمرو يقال له (محمد بن حصين الكاتب) وقد جمع مالاً للغريم (أي: للإمام المهدي (عليه السلام)) قال: فسألني عن أمره فأخبرته بما رأيته من الدلائل فقال: عندي مال للغريم فما تأمرني؟ فقلت: وجهه إلى حاجز, فقال لي: فوق حاجز أحد؟ فقلت: نعم الشيخ, فقال: إذا سألني الله عن ذلك أقول إنك أمرتني, قلت: نعم, وخرجت من عنده.

فلقيته بعد سنين فقال: هو ذا أخرج إلى العراق ومعي مال للغريم, وأعلمك أني وجهت بمائتي دينار على يد العابدين يعلى الفارسي, وأحمد بن علي الكلثومي, وكتبت إلى الغريم بذلك, وسألته الدعاء, فخرج الجواب بما وجهت ذكر:...

164- أي: للإمام المهدي (عليه السلام), وضمير (إليه) أيضاً راجع إلى الإمام (عليه السلام), والراوي نقل بعض هذه القطع بالمعنى.

165- وجاء النص بعده كما يلي: فقلت: أكان كما كنت إليك؟ قال: نعم, وجهت بمائتي دينار لأني شككت فأزال الله عني ذلك, فورد موت (حاجز) بعد يومين أو ثلاثة فصرت إليه وأخبرت بموت حاجز, فاغتم فقلت: لا تغتم. فإن ذلك في توقيعه (عليه السلام) إليك, وإعلامه أن المال ألف دينار والثانية أمره بمعاملة الأسدي لعلمه بموت حاجز.